السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة

محمد أبو شهبة

الجزء الأول

الجزء الأول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مقدّمة الكتاب الحمد لله الذي عمر الأرض ببني الإنسان، ومن عليهم بنعمتي العقل والبيان، ليميزوا بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وأرسل إليهم رسلا مبشرين ومنذرين، وهادين إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، لتقوم على الناس الحجة، وتنقطع المعذرة. والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي العربي، الذي أرسله الله سبحانه على حين فترة من الرسل، والناس في ضلالة عمياء، وجهالة جهلاء، ففتح الله به أعينا عميا، واذانا صمّا، وقلوبا غلفا، فكانت حياته خيرا وبركة على الدنيا كلها، وبعثته رحمة للعالمين. أما بعد: فإن خير ما يتدارسه المسلمون، ولا سيما الناشئون والمتعلمون، ويعنى به الباحثون والكاتبون دراسة السيرة المحمدية؛ إذ هي خير معلّم ومثقّف، ومهذب ومؤدب، واصل مدرسة تخرّج فيها الرعيل الأول من المسلمين والمسلمات، الذين قلّما تجود الدنيا بأمثالهم. ففيها ما ينشده المسلم، وطالب الكمال من دين، ودنيا، وإيمان واعتقاد، وعلم، وعمل، واداب وأخلاق، وسياسة وكياسة، وإمامة وقيادة، وعدل ورحمة، وبطولة وكفاح، وجهاد واستشهاد، في سبيل العقيدة والشريعة، والمثل الإنسانية الرفيعة، والقيم الخلقية الفاضلة. ولقد كانت السيرة النبوية مدرسة تخرج فيها أمثل النماذج البشرية، وهم

الصحابة- رضوان الله عليهم- فكان منهم الخليفة الراشد، والقائد المحنك، والبطل المغوار، والسياسي الداهية، والعبقري الملهم، والعالم العامل، والفقيه البارع، والعاقل الحازم، والحكيم الذي تتفجر من قلبه ينابيع العلم والحكمة، والتاجر الذي يحول رمال الصحراء ذهبا، والزارع والصانع اللذان يريان في العمل عبادة، والكادح الذي يرى في الاحتطاب «1» عملا شريفا يترفع به عن التكفف والتسول، والغني الشاكر الذي يرى نفسه مستخلفا في هذا المال ينفقه في الخير والمصلحة العامة، والفقير الصابر الذي يحسبه من لا يعلم حاله غنيا من التعفف، وكل ذلك كان من ثمرات الإيمان بالله، وبرسول الله، وبهذا كانوا الأمة الوسط، وكانوا خير أمة أخرجت للناس!! لقد كان السلف الصالح من هذه الأمة الإسلامية يدركون ما لسيرة خاتم الأنبياء، وسير الصحابة النبلاء، من اثار حسنة في تربية النشء، وتنشئة جيل صالح لحمل رسالة الإسلام، والتضحية في سبيلها بالنفس والمال، فمن ثمّ كانوا يتدارسون السيرة، ويحفظونها، ويلقنونها للغلمان كما يلقنونهم السور من القران، روي عن زين العابدين علي بن الحسين- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كنا نعلّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نعلّم السورة من القران» «2» . وهذا هو الإمام الزهري عالم الحجاز والشام وهو من قدماء من عنوا بجمع السيرة، بل قيل إن سيرته أول سيرة ألفت في الإسلام «3» ، يقول: «في علم السيرة علم الدنيا والاخرة» «4» ، وإنها لكلمة صدق وحق، وروي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- قال: «كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يا بني هذه شرف ابائكم، فلا تضيعوا ذكرها» «5» نعم- والله- إنها لشرف الاباء، والمدرسة التي يتربى فيها الأبناء!!

_ (1) الاحتطاب جمع الحطب الذي توقد به النار، من الصحاري ورؤوس الجبال. (2) رواه الخطيب وابن عساكر. (3) السيرة الحلبية، ج 1 ص 2. (4) رواه الخطيب وابن عساكر. (5) شرح المواهب، ج 1 ص 473.

فما أجدر المسلمين في حاضرهم: رجالا ونساء، وشبابا وشيبا أن يتعلموها ويعلموها غيرهم، ويتخذوا منها نبراسا يسيرون على ضوئه في تربية الأبناء، والبنات، وتنشئة جيل يؤمن بالله ورسوله، ويؤمن بالإسلام، وصلاحيته لكل زمان ومكان، والتضحية بكل شيء في سبيل سيادته وانتشاره، لا يثنيهم عن هذه الغاية الشريفة بلاء وإيذاء، أو إطماع وإغراء. لسنا نريد من دراسة السيرة العطرة: سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسير الرعيل الأول وهم الصحابة الكرام، أن تكون مادة علمية يجوز بها طلاب العلم في المعاهد، والمدارس، والجامعات الامتحان أو الحصول على الإجازات العلمية أو أن تكون حصيلة علمية نتفيهق بها، ونتشدّق في المحافل والنوادي، وقاعات البحث والدرس، وفي المساجد، والمجامع، كي نحظى بالذكر والثناء، وننتزع من السامعين مظاهر الرضا والإعجاب. ولكنا نريد من هذه الدراسة أن تكون مدرسة نتخرج فيها، كما تخرج السادة الأولون، وأن نكون مثلا صادقة لصاحب الرسالة صلّى الله عليه وسلّم، وصحابته الكرام عليهم الرضوان- في إيمانهم وعقيدتهم، وفي علمهم وعملهم، وأخلاقهم وسلوكهم، وسياستهم وقيادتهم حتى يعتز بنا الإسلام، كما اعتز بهم، ونكون في حاضرنا- كما كانوا- خير أمة أخرجت للناس. وقد شاء الله سبحانه- وله الخيرة- أن أخرج سفرا في القسم الثاني من السيرة، وهو من بعد الهجرة إلى الوفاة النبوية منذ سنين، وقد نفد، وها أنذا أكمل ما بدأت، وهو الكتابة في القسم الأول من قبل الميلاد إلى الهجرة. وقد شاء الله أيضا- ولله الحمد والمنة- أن أراجع بعض ما كتبت في القسم الأول في المدينة المنورة، وفي الروضة الشريفة، التي هي من رياض الجنة «1» ، وأنا على قيد أذرع من البقعة المشرفة التي ضمت أفضل مخلوق على

_ (1) روى مسلم في صحيحه بسنده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ما بين بيتي ومنبري، روضة من رياض الجنة» .

الله، وأطهر جسد عرفته الدنيا: جسد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن أبدأ بتبييض هذا الجزء في «طيبة» طابت وطاب المقام فيها. ومن الله أستمد العون والتوفيق، فاللهم أعن وسدّد، امين. وكتبه أبو السادات «1» محمّد بن محمّد أبو شهبته من علماء الأزهر الشريف والمتخصص في القران وعلومه، والسنة وعلومها

_ (1) لقد منّ الله عليّ بثلاثة ذكور، هم: محمد رضا، وأبو بكر، وعمر، فلم يكن أحب إلى نفسي من هذه الكنية.

مقدمات تمهيدية لدراسة السيرة

مقدّمات تمهيديّة لدراسة السّيرة 1- منهجي في هذه الدراسة. 2- تاريخ التأليف في السيرة وأشهر كتبها. 3- التأليف في السيرة في العصر الحاضر.

- 1 - منهجي في هذه الدراسة

- 1- منهجي في هذه الدراسة 1-: [ذكر الايات القرانية المتعلقة بحوادث السيرة] لما كانت هذه الدراسة في ضوء القران والسنّة، فسأعنى بذكر الايات القرانية المتعلقة بحوادث السيرة ووقائعها، وشرح ما غمض منها، وإزالة ما عسى أن يكون بين ظواهر هذه الايات من توهم الاختلاف أو التعارض، وتنزيل هذه الايات على حسب الوقائع والحوادث. بل رأيت كما رأى ابن إسحاق، ومن بعده ابن هشام، شرح الايات في الموضوع الواحد شرحا موجزا ولا سيما في الغزوات: كالأحزاب، والحديبية، وبني النضير، وكما صنعت في ايات الإفك. وإنّ من نافلة القول أن نقول: إن المرجع الأول في دراسة السيرة النبوية هو القران الكريم، لأنه الكتاب المتواتر الذي يفيد القطع واليقين، ولا يتطرق إليه الشك والارتياب، فهو أوثق المصادر، وأولاها بالقبول. 2-: [ذكر الأحاديث المتصلة بموضوعات البحث] وسأعنى أيضا بذكر الأحاديث المتصلة بالموضوعات التي سأعرض لها. ولن أذكر منها إلا ما هو صالح للاحتجاج من حديث صحيح، أو حسن، أو مقبول، ولن أذكر شيئا من الأحاديث الموضوعة أو الإسرائيليات المكذوبة، أو الروايات الشديدة الضعف، إذ في الأحاديث الثابتة ما يغني عنها، ومما ينبغي أن يعلم أن كتب السير والموالد فيها الصحيح والضعيف، بل والمكذوب المختلق، وذلك مثل ما زعمه بعض الكاتبين في الإسراء والمعراج من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وطىء العرش بنعليه، وأن الله- جل جلاله- قال: لقد شرف

3 -: الاعتماد على كتب التاريخ والسير

العرش بنعلك يا محمد، وهو كلام باطل، وقد سئل الإمام رضيّ الدين القزويني عن ذلك فقال: «أما حديث وطء النبي صلّى الله عليه وسلّم العرش بنعله، فليس بصحيح، ولا ثابت، بل وصوله إلى ذروة العرش لم يثبت في خبر صحيح، ولا حسن، ولا ثابت أصلا، وإنما ثبت في الأخبار انتهاؤه إلى سدرة المنتهى فحسب» . ومن ذلك الروايات التي تزعم تمسّح النبي صلوات الله وسلامه عليه بالأصنام، فكلها باطلة عقلا ونقلا، والروايات التي رويت عن ابن عباس وغيره من الصحابة التي ذكروا فيها عمر الدنيا، وأنها سبعة الاف سنة فهي إسرائيليات مكذوبة، ولا تمت إلى الإسلام بصلة، وعمر الدنيا أضعاف أضعاف ذلك، فلا نلتفت إلى شيء من ذلك مما قد نجده في بعض كتب التفسير، والحديث، والتاريخ والسير ونحوها. 3-: [الاعتماد على كتب التاريخ والسير] إن اعتمادي بعد القران والأحاديث الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد على كتب التاريخ والسير قديمها وحديثها، بعد البحث والتمحيص والتحقيق، والموازنة بين الروايات، والأخذ بما يصلح للاحتجاج منها، وترك ما عداه. ولن اخذ برواية راو، أو قول قائل يصادم عقلا، أو يخالف نقلا متواترا أو صحيحا، أو يمس عصمة النبي صلّى الله عليه وسلّم، إلا إذا كان للرواية مخرج محتمل معقول، أو تأويل قريب مقبول، من غير تكلّف ولا تمحّل. وفي مقدمة كتب السّير كتاب شيخ كتّاب السير، وإمام أهل المغازي: محمد بن إسحاق، إلا إذا عارض روايته ما هو أصح منها كرواية صاحبي الصحيحين، فإني أرجّح ما في الصحيح، وابن إسحاق على جلالته في السيرة له بعض أوهام عرضت لها أثناء الكتاب، وبينت وجه الحق فيها. 4-: [تحامل المبشرين والمستشرقين على النبي ص] إن كثيرين من المبشرين، والمستشرقين، الذين يتأكّلون بالباطل قد تحاملوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم استجابة لنداء الصليبية التي ورثوها من ابائهم،

ورضعوها في لبان أمهاتهم، ورموه بأشنع الصفات التي يتنزه القلم عن ذكرها، وأسفّوا في ذلك غاية الإسفاف «1» ، ولكن المنصفين منهم- وقليل ما هم- ردّوا عليهم، وأنصفوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بعض الإنصاف، وإن لم تخل كتبهم من الغمز واللمز. وقد استندوا في طعونهم وسفاهاتهم إما على روايات باطلة اعتبروها صحيحة، وإما على روايات صحيحة حرّفوها عن مواضعها، وإما على أوهام تخيّلوها. ومن الأباطيل التي تمسك بها بعض الكاتبين في السيرة من الغربيين، وأبواقهم المقلّدون لهم قصة الغرانيق، وزعمهم قيام الإسلام على السيف والإكراه، وطعنهم في النبي بسبب تعدد زوجاته صلّى الله عليه وسلّم، وقصة زواجه بالسيدة زينب بنت جحش على ما يذكرها من لا علم عندهم، ولا تحقيق ولا تمييز بين الغث والسمين. ومن مزاعمهم إنكارهم الوحي بالمعنى الشرعي، وتفسيرهم له بالوحي النفسي، بل أسفّ بعضهم فجعل الحالة التي كانت تعتري النبي صلوات الله وسلامه عليه عند الوحي نوعا من الصّرع، إلى غير ذلك مما أشبعت القول فيه في هذه السيرة المحققة. ومن عجيب أمر المبشرين والمستشرقين أنهم في سبيل إرضاء أهوائهم، ونزواتهم الجامحة، وأحقادهم الموروثة يصحّحون الروايات المكذوبة، والإسرائيليات المدسوسة، ما دامت تسعفهم وتساعدهم على باطلهم، على حين نجدهم يحكمون على روايات صحيحة، بل في أعلى درجات الصحة بالوضع والاختلاق؛ لأنها لا تؤيدهم فيما يجترحون من طعون، وتجن أثيم على مقام النبي وال بيته. ولست أدّعي أني في ردّي أباطيل المستشرقين والمبشرين ابن بجدتها،

_ (1) حياة محمد، لإميل در منغم، ترجمة عادل زعيتر ص 11؛ وحياة محمد، لهيكل ص 10، 11.

5 -: الجمع بين الهيكل التاريخي للسيرة النبوية التعليق على المواقف

وأبو عذرتها «1» ، فقد سبق إلى تزييف ذلك في القديم والحديث علماء أجلاء جازاهم الله خيرا- ولكني- ولله الحمد والمنّة- قد أمكنني أن أضيف كثيرا إلى ما سبقت إليه، حتى غدا كأنه جديد. كما أعانني تخصصي في الأصلين الشريفين: القران وعلومه، والسنّة وعلومها، وصحبتي لهما ما يقرب من نصف قرن؛ أن أنقد المرويات وأمحصها وأن أميّز بين صحيحها وضعيفها، وغثّها وسمينها، وأن أضيف إلى ما قاله السابقون بعض ما فاتهم، وذلك كما صنعت في إبطال قصة الغرانيق، وفرية قيام الإسلام على السيف، وبيان الحكم لتعدد زوجاته صلّى الله عليه وسلّم، فقد استقصيت فيها القول، وأمطت اللثام عن وجه الحق. 5-: [الجمع بين الهيكل التاريخي للسيرة النبوية التعليق على المواقف] لن أقصر دراستي في السيرة النبوية على السرد التاريخي فحسب، كما صنع معظم المتقدمين، وبعض المتأخرين، ولا على التعليق على مواقف السيرة، أو جلها، مع إغفال الهيكل الأصلي، أو الجانب التاريخي كما صنع بعض المحدثين، وإنما جمعت بين الحسنيين: الهيكل التاريخي مع تحرّي الحقيقة، والتعليق على المواقف، ولا سيما الحاسمة في تاريخ الدعوة، وانتزاع العبر النافعة، والدروس المفيدة منها. وما أذكر أنى تركت حدثا مهما، أو موقعة فاصلة، أو سرية مهمة، أو عملا بارعا، أو سياسة راشدة، أو قيادة حكيمة، أو أي تصرف كريم للنبي صلّى الله عليه وسلّم، أو لأحد أصحابه، إلا وقفت عنده، أو عندها وقفة أو وقفات، ليتبين للقارىء فرق ما بين الأخلاق المحمدية، وسياساته الحكيمة الرشيدة في السلم، والحرب، ومع الأصدقاء، ومع الأعداء، وما بين أخلاق غيره، وسياسته ومعاملته لأصحابه، ولأعدائه، مهما بلغ ذلك الغير من العقل، والعلم، والكياسة، والسياسة، والقيادة، والعدل، والرحمة؛ لكي أخلص من ذلك إلى الفرق البعيد ما بين النبوة، وغير النبوة، والبشر الرسول، وغير الرسول.

_ (1) يقال فلان ابن بجدتها، للعالم بالشيء، وأبو عذرتها إذا أتى بما لم يسبق إليه.

6 - النبوة شيء، والعبقرية شيء اخر.

وفي الحق أن المحدثين في باب التحليل، والتعليق، والموازنة بين المواقف قد أربوا في ذلك على المتقدمين، وأكسبوا السيرة جدّة ورواء، وقد تفاوتوا في ذلك على حسب تفاوتهم في المواهب، وسعة العلم والأفق، والاطلاع على سير الاخرين. 6- النبوة شيء، والعبقرية شيء اخر. وقد حرصت حينما فكرت في عنوان لهذا الكتاب ألاأتكلّف، فسميته «بالسيرة» «1» ، وهو اللفظ الذي اختاره قدماء المؤلفين في السير، وقدماء الفقهاء حتى صار عرفا إذا ذكر اسم السيرة ألاينصرف إلا إلى سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو سير أصحابه الكرام رضوان الله عليهم. وقد أضفت «في ضوء القران والسنّة» لأن طبيعة البحث والمنحى تقتضي ذلك، ولم أرتض أن أجعل العنوان «العبقرية» «2» وكذلك حرصت حينما كتبت في هذه السيرة، وحلّلت المواقف، وعلّقت عليها على ألاأصف النبي بالعبقرية، كما صنع مؤلفو «العبقريات» أو الزعامة السياسية، أو القيادة الحربية كما صنع الذين ألّفوا في الزعامات والقيادات، أو أعدّ النبي بطلا فحسب كما صنع «كارليل» في كتابه «الأبطال» أو «رسول الحرية» ، كما فعل بعض الكاتبين، إلى غير ذلك مما افتنّ فيه المؤلفون؛ لأني أؤمن عن يقين وعلم أنه صلّى الله عليه وسلّم فوق هؤلاء جميعا، إنه النبي والرسول، وكفى!!

_ (1) قال في المصباح المنير: «والسيرة: الطريقة، وسار في الناس سيرة حسنة أو قبيحة. والجمع سير مثل سدرة وسدر، وغلب اسم السير في ألسنة الفقهاء، على المغازي، والسيرة أيضا، الهيئة والحالة» . (2) العبقرية نسبة إلى عبقر، أرض تزعم العرب أنها تسكنها الجن، ضرب بها العرب المثل لكل شيء عجيب عظيم، وقيل: قرية تصنع بها الثياب والبسط الفاخرة، فنسبوا إليها كل أمر عجيب، وكل شيء فاخر. وفي الكتاب الكريم: مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ، وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ جيد البسط وفاخرها، ويطلق العبقري أيضا على سيد القوم، وقيمهم، وأعقلهم.

والعبقري: هو الأصيل الرأي، البعيد النظر، الذي لا يفوقه أحد في حل المشكلات، من غير تعمّل، ولا تكلّف، وقد وصف به النبي صلّى الله عليه وسلّم سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه- ففي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر، فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا «1» ، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت- أي الدلو- غربا «2» ، فلم أر عبقريا يفري فريه، حتى روى الناس، وضربوا بعطن» «3» . ولم أعلم أحدا غير عمر وصفه النبي صلّى الله عليه وسلّم بالعبقري، وهو ما عبّر عنه النبي صلوات الله وسلامه عليه في حديث اخر «بالمحدّث» . ففي الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدّثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر بن الخطاب» والمحدّثون: هم الملهمون في إصابة الحق والصواب، وفي حل المعضلات وابتداع ما لم يسبقوا إليه. قال الإمام الخطابي: «يلقى الشيء في روعه، فكأنه قد حدّث به، يظن فيصيب، ويخطر الشيء بباله فيكون» . وقال أبو أحمد العسكري وغيره: «هو من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدثه غيره» «4» . ووقع في بعض الروايات تفسير المحدّث بأنه «الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه» ، ووقع في

_ (1) القليب: البئر، الذنوب: الدلو الملأى بالماء، وهو كناية عن قصر مدة خلافته- رضي الله عنه- وقلة الفتوحات لاشتغاله بحروب الردة وتثبيت دعائم الإسلام وبحسبه فضلا هذا. (2) الغرب: الدلو الكبير. (3) يفري فريه: يعمل عمله، ويقدر الأمور مثله، والعطن: مبارك الإبل حول الابار والمياه، والكلام كناية عن طول خلافته، وكثرة الفتوحات في عهده، وانتفاع الناس بثمرات الفتوح، وتدوينه الدواوين، وتمصيره الأمصار. (4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 7 ص 39، 40.

صحيح مسلم من رواية ابن وهب «ملهمون» ، وهي «الإصابة بغير نبوة» ، ووقع في رواية للبخاري زيادة «من غير أن يكونوا أنبياء» «1» . فمن ثمّ نرى أن المعاني كلها تلتقي عند معنى الإلهام، وأن في بعض الروايات التنصيص على أنه إلهام بغير نبوة، فدل على فرق ما بين إلهام الأنبياء وإلهام المحدّثين غير الأنبياء، وهذا الإلهام بغير نبوة هو ما يعرف بالعبقرية، فهي لا ترجع إلى الذكاء، والفطنة، والتجربة، وإنما مرجعها إلى الإلهام وإلقاء الصواب في النفس من غير تعمّل وتكلّف، فالعبقرية إذا تليق بملهم محدّث من أصحابه كعمر، والزعامة إنما تليق بسياسي محنك كمعاوية مثلا، والقيادة الحربية إنما تليق بأمثال سيف الله خالد، وسعد، وأبي عبيدة، والبطولة إنما تليق بالكثيرين من أصحابه كعلي، وأبي دجانة، وأبي طلحة، والمقداد بن عمرو، وطلحة بن عبيد الله- رضي الله عنهم أجمعين- على ما اتصفوا به من قوة الإيمان، وحسن السيرة، وسمو الأخلاق. إنه صلّى الله عليه وسلّم فوق أي عبقري، وأجلّ من أي زعيم، وأعظم من أي قائد، وأشجع من أي بطل، وأسمى من أي مصلح، لقد جمع له من صفات هؤلاء خيرها، وأفضلها، وأعدلها، وأرحمها. ولكنه فوق هؤلاء جميعا، إنه نبي يوحى إليه، ورسول يبلّغ عن ربه، وهذا ما لا يدرك ولا ينال. فجعل العبقرية، أو الزعامة، أو القيادة، أو البطولة، أو الإصلاح، أو أو ... عنوانا له صلّى الله عليه وسلّم فيه تحيّف عليه، وهضم لحقه صلّى الله عليه وعلى اله وسلم. والذين كتبوا في حياة النبي وسيرته من غير المسلمين لا يؤمنون به على أنه نبي ورسول، فمن ثمّ كتبوا عنه على أنه عظيم، أو بطل، أو مصلح، أو زعيم أو نحو ذلك، وإن كان بعضهم كتب عنه تحت عنوان «حياة محمد» ولا يجوز لنا معاشر المسلمين المؤمنين، ولا سيما أهل العلم، والدين، أن نجاريهم فيما عنونوا

_ (1) صحيح البخاري- كتاب فضائل الصحابة- باب مناقب عمر، وصحيح مسلم- كتاب فضائل الصحابة- باب فضائل عمر.

به وفيما وصفوه مما يخلّ بالنبوة، أو يخدشها؛ لأننا نعتقد أنه نبي ورسول، وكل الصيد في جوف الفرا. ومما يزيد الضوء والتوضيح لما أريد أن الفاروق الملهم العبقري، وصاحب الموافقات «1» ، والذي قال فيه النبي «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» «2» كان كثيرا ما يبدي رأيا، ويبدي رسول الله رأيا، فإذا به يعود إلى رأي رسول الله مذعنا مقتنعا، فمن ذلك أنه لما عرض على النبي أن يقتل رأس النفاق ابن أبيّ بعد ما كاد يثير فتنة بين المهاجرين والأنصار قال له النبي: «وكيف يتحدّث الناس- يا عمر- أن محمدا يقتل أصحابه» ؟!! ثم كان من المؤمن الصادق عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أن جاء إلى النبي يعرض عليه قتل أبيه فقال له: «لا بل نترفّق به، ونحسن صحبته ما دام بيننا» !! وصار من أمر رأس النفاق أنه كلما أبدى لونا من ألوان النفاق لامه قومه وعنفوه، فأراد أن يبين الرسول لسيدنا عمر بعد نظره، وأصالة رأيه لمّا أبى على عمر قتله فقال: «كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي لأرعدت له انف، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته» !! فقال عمر: قد- والله- علمت لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعظم بركة من أمري!!. وفي قصة حاطب بن أبي بلتعة قال الفاروق عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، وما كان- علم الله- منافقا، فقال له النبي: «وما يدريك يا عمر لعل الله اطّلع على أهل بدر، فقال لهم: افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم ذنوبكم» !! فإذا عمر يبكي بعد أن تبين له الحق، فيقول: «الله ورسوله أعلم» !! وسيدنا عمر هو القمة في العبقرية، ولكن أين العبقرية من النبوة؟! ومن العجيب حقا أن هذا المعنى الدقيق سبق إلى العلم به العباس عم

_ (1) كان الفاروق عمر يرى الرأي ويتمناه فينزل الوحي بموافقته. (2) رواه أحمد وغيره.

7 - المعجزات الحسية:

النبي صلّى الله عليه وسلّم، على حين غفل عن إدراكه كبار الكتاب، وحذّاق المؤلفين المعاصرين الذين ضربوا في كل علم وفن بسهم، وليس أدل على هذا من هذه القصة: ذلك أنه لما أسلم أبو سفيان بن حرب ليلة الفتح- وكان العباس رضي الله عنه قد سبقه إلى الإسلام- قال النبي للعباس: «خذ أبا سفيان، وقف به عند خطم «1» الجبل» وذلك ليرى جيش الفتح، فمرت به كتائب الله، وفيها «الكتيبة الخضراء» كتيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يملك أبو سفيان نفسه أن قال: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما!! فقال له العباس رضي الله عنه: إنها النبوة يا أبا سفيان!! فقال: نعم- والله- إنها النبوة!! لقد وقفت عند هذه الكلمة طويلا، وهي التي أوحت إلي بما كتبت، وأكّدت في نفسي ما كنت علمت «2» . 7- المعجزات الحسية: الذي أؤمن به أن القران هو المعجزة العظمى للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والاية العقلية الباقية على وجه الدهر، وأنه اية الايات، ومعجزة المعجزات، ولكني أؤمن أيضا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أوتي من المعجزات الحسية مثل ما أوتي الأنبياء السابقون، بل وأعظم، وهذه المعجزات الحسية بعضها ثابت بالقران الكريم نصا: كالإسراء، وانشقاق القمر، أو بالإشارة إليه كالمعراج، وبعضها ثابت بالأحاديث المتواترة، والكثير منها ثابت بالأحاديث الصحيحة المروية في الصحيحين وغيرهما من كتب

_ (1) هو ما برز منه في الطريق. (2) أذكر أنه طلب إلي من منذ بضعة عشر عاما أن أكتب مقالا لمجلة الأزهر بمناسبة الميلاد النبوي، فكتبت مقالا تحت عنوان «عبقرية النبي السياسية» وقد عرض المقال على أستاذنا الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله رحمة واسعة، وكان شيخ الأزهر انذاك، فقرأ المقال وارتضاه، إلا أنه وقف عند العنوان، وصار يبتسم ابتسامته الوقورة المعبّرة، ففهمت ما أراد، واستشرته، فأشار علي أن أغيّر «عبقرية» «بموهبة» فأذعنت بعد أن اقتنعت، وكتبت تحت هذا العنوان بضع مقالات موسمية في مجلة «الأزهر» ، ومن يومها وأنا أبالغ في التحرّي حينما أكتب عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

السنن والمسانيد. ولا يطعن في كونها معجزات أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يتحدّ الناس بها كما تحدّاهم بالقران الكريم؛ لأن فريقا من العلماء لا يشترط في المعجزة أن تكون مقترنة بالتحدي، ثم إن بعضها وإن لم يقع التحدّي به صراحة، لكنه في قوة المتحدّى به، ففي الصحيحين وغيرهما عن عدة من الصحابة أن المشركين من أهل مكة «سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يريهم اية، فأراهم القمر شقّين حتى رأوا حراء بينهما» . ولا أدري ما الداعي إلى إنكار المعجزات الحسية؟! والشيء إذا تواردت عليه الأدلة والبراهين ازداد قوة وثبوتا، وفي كتب الأحاديث من الصحاح والسنن والمسانيد الكثير من المعجزات الحسية، والإمامان البخاري ومسلم وهما من هما، دقة وتحريا عن الرجال، وتشدّدا في الحكم بالتصحيح- قد خرّجا في صحيحيهما قطعة كبيرة منها، وعقد الإمام البخاري لذلك بابا كبيرا «1» ، ومن أراد زيادة في بحث «المعجزات الحسية» فليرجع إلى الفصل الذي كتبته في الرسالة التي ألفتها في «الإسراء والمعراج» «2» . والأقدمون من المؤلفين في السير والتاريخ ذكروا الكثير من المعجزات الحسية، وإن اختلفوا في ذكرها قلّة وكثرة، وابن إسحاق- شيخ كتاب السّير وعمدتهم- ذكر منها جملة مع قرب عصره من عصر النبوة، وقد لقي الكثيرين ممن أخذوا العلم والحديث عن الصحابة العدول، وروى عنهم. وقد ابتدع هذه البدعة السيئة- وهي الاكتفاء بالقران- المستشرقون، ثم سرت عدوى هذه البدعة إلى كتابنا المعاصرين كالدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله- في كتابه «حياة محمد» ، وكذلك صنع المستشرق الفرنسي الذي أسلم (اتيين دينيه) وزميله السيد سليمان إبراهيم الجزائري، في كتابيهما «حياة محمد» ، وقلما تجد أحدا من المؤلفين المتأخرين في «السيرة النبوية» يذكر شيئا من المعجزات الحسية.

_ (1) صحيح البخاري- باب علامات النبوة. (2) ص 20- 27.

ومن هؤلاء من يتلطف فيقول: إنه ما دام القران اية دالة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنحن في غنية عن غيره من الايات، ولا سيما والكثير منها لم يثبت إلا بالطرق الاحادية التي لا تفيد اليقين، ومنهم من يجاهر فينكر المعجزات الحسية جملة!!. وأحب أن أقول لهؤلاء وأولئك: إن موقفهم من المعجزات الحسية وإنكارها، حدا ببعض المبشرين والمستشرقين إلى الطعن في النبي، وتفضيل غيره من الأنبياء عليه، بحجة أن النبي محمدا عليه الصلاة والسلام ليس له من المعجزات الحسية المتكاثرة ما لموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وهكذا نراهم قد أعطوا لأعداء النبي- وإن لم يقصدوا- متكأ لهمزه ولمزه. وأما أنا- اتباعا للمنهج العلمي الصحيح- فلن أجاريهم في هذا، فالشيء ما دام من الممكنات العقلية، ثم أخبر بوقوعه الرواة الموثوق بهم عدالة، وضبطا، وأمانة، فلا يجوز أن ننكره استنادا إلى استبعاده في العادة، وهل المعجزات إلا أمور خارقة للعادة. وقد يكون من العوامل التي جعلتني أقف هذا الموقف بعد البحث والروية أني من المتخصصين في الحديث الشريف وعلومه، الذين سبحوا في بحاره، وغاصوا في أعماقه، حتى وصلوا إلى شيء من لالئه ودرره، واقتنعوا بعد الدراسة الطويلة المضنية بدقة ووفاء القواعد التي وضعها أئمة الحديث، وصيارفته وأطباؤه، لمعرفة الصحيح، من الحسن، من الضعيف، والمقبول من المردود «1» ، وليس من البحث العلمي السليم إنكار المرويات جملة، وإنما الطريقة العلمية الصحيحة نقدها من ناحية السند والمتن، فإن لم نجد فيها مطعنا قبلناها، وإلا تركناها، فإذا لم نتبع هذه الطريقة صار الإنكار هوى وشهوة. وإليك ما ذكره الإمام الحافظ الكبير ابن حجر في هذا، قال: «وأما ما عدا القران من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام، وانشقاق القمر، ونطق

_ (1) أعلام المحدثين للمؤلف ص 35- 42.

8 -: الاعتناء بذكر التشريعات الإسلامية وتاريخها

الجماد، فمنه ما وقع التحدّي به، ومنه ما وقع دالا على صدقه من غير سبق تحدّ، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده صلّى الله عليه وسلّم من خوارق العادات شيء كثير، كما يقطع بوجود جود حاتم، وشجاعة علي، وإن كانت أفراد ذلك ظنية وردت مورد الاحاد، مع أن كثيرا من المعجزات النبوية قد اشتهر، وانتشر، ورواه العدد الكبير، والجم الغفير، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالاثار، والعناية بالسير والأخبار، وإن لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة لعدم عنايتهم بذلك، بل لو ادّعى مدّع أن غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري لما كان مستبعدا، وهو أنه لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدّثوا بهذه الأخبار في الجملة، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة، ولا من بعدهم مخالفة الراوي فيما حكاه من ذلك، ولا الإنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم كالناطق، لأن مجموعهم محفوظ من الإغضاء على الباطل» «1» . ومعذرة إذا كنت أطلت في هذا، فالأمر يتعلق بمنهجين، وطريقتين، فكان لا بد من بيان الطريقة المثلى، والمنهج الحق المبين. 8-: [الاعتناء بذكر التشريعات الإسلامية وتاريخها] قد عنيت- ما استطعت- بذكر التشريعات الإسلامية وتاريخها، ولا سيما في القسم الثاني المدني الذي حفل بها، لأنها وثيقة الصلة بالسيرة النبوية، كما أخذت نفسي بذكر نبذ موجزة- ولكنها مفيدة- عن هذه التشريعات، حتى أعطي للقارئ صورة صادقة للإسلام الصحيح، وذلك كما صنعت في تشريع الصلاة، والأذان، وتحويل القبلة إلى الكعبة، والصوم، والزكاة، والعيدين، والحجاب، ونكاح المتعة ونحوها، وكذلك الأحداث المتعلقة بالسيرة كبناء مسجد قباء، والمسجد النبوي، وفضلهما، ومنزلة المساجد في الإسلام، ومسجد الضرار، وزواج النبي من أزواجه، مع بيان الحكمة في هذا الزواج، وذكر تعريف بكل زوجة، ومواليد المشاهير من الصحابة،

_ (1) فتح الباري، ج 7 ص 392- 393 ط الحلبي.

9 -: ذكر النقول بنصها

ووفياتهم، والتعريف بفضلهم ومنزلتهم بإيجاز، حتى لا يصل الكتاب إلى بضعة أسفار، إلى غير ذلك مما لا يستغني عن معرفته مسلم، فضلا عن طالب علم. ولذلك التزمت التسلسل الزمني في السيرة بذكر السنوات وما حدث فيها كما صنع كثير من المؤلفين، ليسهل على القارىء لهذه السيرة معرفة تاريخ هذه التشريعات حتى بمجرد النظر إلى الفهرس، وقد اثرت هذه الطريقة على الطريقة الموضوعية في البحث، وإن كنت في بعض الأحيان التزمت الطريقة الموضوعية في البحث كما صنعت في هذا الجزء حينما عرضت لسياسة «الاضطهاد والإيذاء» وسياسة «الإطماع والإغراء» وعدم جدوى السياستين مع النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين المخلصين. وفي الجزء الثاني حينما عرضت لبيان «موقف الإسلام من اليهود، وموقف اليهود من الإسلام» فقد جمعت الموضوع في مكان واحد، وكذلك فاتني، أو إن شئت الدقة فقل: أعجلت عن أن أكتب فصلا اخر عن «موقف الإسلام من المنافقين وموقف المنافقين من الإسلام» وسأتدارك ذلك- إن شاء الله- في الطبعة الثانية للجزء الثاني، كما فاتني أن أذكر في الفصول الموجزة التي ختمت بها الجزء الثاني عن المثل الكامل صلّى الله عليه وسلّم، وجوانب حياته المشرقة بعض الفصول مثل «النبي المشرّع» و «النبي القاضي» و «النبي المفتي» ونحوها وسأتدارك ذلك بمشيئة الله تبارك وتعالى. وقد التزمت هذا المنهج بذكر التشريعات، وأخلاق الرسول في نفسه، ومع ربه تبارك وتعالى، ومع أهله وزوجه وولده، ومع أصحابه، ومع أعدائه، وفي سره، وعلنه، ويسره، وعسره، ومنشطه، ومكرهه، حتى يخرج القارىء لهذه السيرة العطرة بصورة مشرقة معبرة عن الرسالة، وعن الرسول. 9-: [ذكر النقول بنصها] قد حرصت ما استطعت على ذكر النقول بنصها ولا سيما فيما يتعلق بما ذكره ابن إسحاق في سيرته، إلا أن يكون هناك نص أصح منه، أو أوثق أو أوفى مروي في غير السيرة فإني أؤثره عليه، وذلك لما يمتاز به التأليف في

العصور الأولى من قوة الأسلوب، وفحولة المعاني، وجزالة الألفاظ، وإشراق الديباجة، والتزام أساليب العرب، ومذاهبهم في البيان. وإنك لتقرأ في كتب الحديث، أو في سيرة ابن هشام، أو إن شئت الإنصاف سيرة ابن إسحاق، فتحس بأنك تعيش في جو عربي أصيل، وأنك بين قوم عرب أصلاء، فلا ميوعة في الألفاظ، ولا ضحولة في المعاني، ولا مسخ لمناهج العرب في التعبير، ولهذا اثرت المحافظة على النصوص حتى تكون السيرة إلى فائدتها العلمية أداة من أدوات تقويم اللسان، واستقامة البيان، وتعلم الأساليب العربية الفحلة، ولن يستقيم للأمة العربية اليوم أساليبها البيانية، وتتقوم ألسنتها على القواعد العربية، حتى ترجع إلى منابع العربية الفصحى السليمة وهي القران، والحديث، وما أثر عن العرب الخلّص في الجاهلية والإسلام.

- 2 - تاريخ التأليف في السيرة وأشهر كتبها

- 2- تاريخ التأليف في السيرة وأشهر كتبها لقد عني المسلمون عناية فائقة بأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسننه، وأيامه، ومغازيه، وقبل أن تدوّن الأحاديث تدوينا عاما في اخر القرن الأول الهجري، كانت مقيدة في الحوافظ، مدوّنة في الصدور عند جمهرة الصحابة، والتابعين، وكان القارئون الكاتبون منهم يدونون منها ما استطاعوا من لدن النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عهد التدوين، ومن ذلك ما يتعلق بسيرة النبي ومغازيه. السيرة جزء من الحديث وقد شغلت السيرة النبوية حيزا غير قليل من الأحاديث، والذين ألفوا في الأحاديث لم تخل كتبهم غالبا عن ذكر ما يتعلق بحياة النبي ومغازيه، وخصائصه، ومناقبه، ومناقب صحابته، وقد استمر هذا المنهج حتى بعد انفصال السيرة عن الحديث في التأليف، وجعلها علما مستقلا، وأقدم كتاب وصل إلينا في الأحاديث، وهو «موطأ» الإمام مالك- رحمه الله- (المتوفى 179) ، لم يخل من ذكر جملة من الأحاديث فيما يتعلق بسيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأوصافه، وأسمائه، وذكر ما يتعلق بالجهاد. وصحيح الإمام أبي عبد الله البخاري (المتوفى 256) ذكر فيه قطعة كبيرة مما يتعلق بحياة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل البعثة وبعدها، كما ذكر كتاب «المغازي» وما يتعلق بخصائصه وفضائله عليه الصلاة والسلام، وفضائل أصحابه ومناقبهم، وذلك كله لا يقل عن عشر الكتاب «1» ، وكذلك صحيح الإمام

_ (1) صحيح البخاري: كتاب الجهاد، وكتاب المغازي، وكتاب الفضائل، وأبواب المناقب.

التأليف في السير على سبيل الاستقلال

أبي الحسين مسلم بن الحجاج (المتوفى 261) اشتمل على جزء كبير من سيرة النبي، وفضائله، وفضائل أصحابه، والجهاد والسير «1» . وكذلك صنع الإمام أحمد (المتوفى 241) في مسنده الكبير، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، لم تخل كتبهم من كتاب الجهاد، وذكر طرف مما يتعلق بالسير، وهذا يدل على الصلة الوثيقة بين الأحاديث والسير، فهي جزء منها. التأليف في السير على سبيل الاستقلال وكذلك ألّفت في السيرة النبوية كتب خاصة بها، وقد بدأ التدوين فيها على سبيل الاستقلال في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، وأول من عرف بالمغازي والسير جماعة منهم: 1- أبان بن عثمان بن عفّان: ابن الخليفة الثالث- رضي الله عنه- وكان أبان واليا على المدينة لعبد الملك بن مروان سبع سنين، وعرف بالحديث والفقه، والظاهر أن سيرته التي جمعت لم تكن إلا صحفا فيها أحاديث عن حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأيامه، ومغازيه، وقد فقدت فيما فقد من كتب المسلمين وكانت وفاته سنة خمس ومائة. 2- عروة بن الزبير بن العوام: أبوه الزبير حواريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أسلم قديما، وشهد الغزوات، والمشاهد كلها، وأمه السيدة أسماء بنت الصديق التي شهدت الكثير من أحداث السيرة، وكان لها عمل مشهور مذكور في الهجرة، وكان عروة ثقة كثير الحديث، وقد خرّج له أصحاب الصحاح، وغيرهم، وقد روى الحديث عن خالته السيدة عائشة- رضي الله عنها- وعن غيرها من الصحابة، وكان معروفا بتدوين العلم والحديث، روى ابنه هشام قال: «أحرق أبي يوم الحرّة كتبا قد كانت له» ، فكان يقول: «لأن تكون عندي أحب إلي من أن يكون لي مثل أهلي وولدي» ، ولم يصل لنا شيء من كتبه.

_ (1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 12، 13، 15، 16.

طبقة أخرى

ولكن وصل إلينا الكثير من روايته في كتب الحديث والسير وتوفي سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وتسعين للهجرة. 3- الإمام محمد بن شهاب الزهري: عالم الحجاز، والشام، وهو من الثقات في الرواية، أجمع العلماء على جلالته، أخرج له أصحاب الصحاح، والسنن، والمسانيد، وهو من أوائل من دوّنوا الحديث بأمر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- (المتوفى 101) بل قيل: إنه أول من دوّن الحديث مطلقا، وكذلك قيل: إنه أول من دوّن في السيرة، وسيرته أول سيرة ألفت في الإسلام «1» ، وهي من أوثق السير وأصحها، ويعتمد عليه ابن إسحاق كثيرا في السيرة توفي سنة 120 هـ. طبقة أخرى ثم جاء بعد هؤلاء طبقة «2» أخرى، من مشاهيرهم: 1- عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري: كان جده قتادة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، شهد بدرا وأحدا والمشاهد، وأصيبت عينه يوم أحد، فسقطت على وجنته، فردها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعادت أحسن عينيه وأحدّهما، وابنه عمر روى المغازي والأخبار عن أبيه، ورواها عن عمر ابنه عاصم، قال فيه ابن سعد: كان راوية للعلم، وله علم بالمغازي والسير، أمره عمر بن عبد العزيز أن يجلس في مسجد دمشق، ويحدث الناس بالمغازي ومناقب الصحابة، ففعل، وكان من المصادر المهمة التي اعتمد عليها ابن إسحاق، والواقدي، توفي سنة عشرين ومائة، وقيل: تسع وعشرين ومائة. 2- عبد الله بن أبي بكر، بن محمد، بن عمرو، بن حزم الأنصاري: جده الأعلى عمرو صحابي، بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، ليفقههم في الدين، ويعلمهم القران والسنة، وجده محمد قيل: له رؤية، مات يوم الحرة،

_ (1) الروض الأنف، ج 1 ص 122؛ السيرة الحلبية، ج 1 ص 2. (2) الطبقة في اصطلاح المحدثين: جماعة تقاربوا في السن، واجتمعوا في لقاء المشايخ، والأخذ عنهم.

طبقة أخرى

وأبوه أبو بكر كان قاضي المدينة، وواليها، وهو أول من دوّن الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز أو من أوائلهم، فقد نشأ إذا في بيت علم ورواية، وقد نقلت عن عبد الله أخبار كثيرة ذكرها ابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد، والطبري توفي سنة خمس وثلاثين ومائة. طبقة أخرى ثم جاء بعد هذه الطبقة طبقة أخرى عاشت في العصر العباسي الأول، من أشهرهم: 1- موسى بن عقبة: مولى الزبيريين، والظاهر أنه استفاد من هذه الصلة، قال فيه الإمام مالك: «عليكم بمغازي ابن عقبة، فهي أصح المغازي» . وكانت سيرته التي كتبها مختصرة موجزة وصل إلينا منها بعض مقتطفات، ينقل عنه ابن سعد والطبري بعض أخبار السيرة، وقد روى له البخاري في الصحيح «1» ، وكانت وفاته سنة إحدى وأربعين ومائة. 2- محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي: وهو من أصل فارسي، كان جده يسار من سبي «عين التمر» سباه خالد بن الوليد، وكان ولاؤه لقيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، فلذلك قيل له: المطّلبي ولد نحو سنة خمس وثمانين، لقي كثيرا من علماء المدينة وأخذ عنهم، قال فيه الإمام الشافعي: «من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق» وهو يعتبر ثقة في المغازي، لكنه مضعّف في رواية الحديث، وجرحه بعض المحدثين، وأثنى عليه اخرون، ألف ابن إسحاق كتابه المغازي، وهو أقدم كتاب وصل إلينا في السيرة، ألّفه للمهدي بأمر أبيه المنصور، جمع فيه تاريخ العالم منذ خلق الله ادم إلى زمنه، وقد طوّل فيه فلم يرضه المنصور، وأمره باختصاره فاختصره، ولكن الكتاب جاء بعد هذا يفيض بالكثير مما لا يتصل بسيرة الرسول، ويعرض الكثير مما لا يؤيده دليل، ويفشو فيه الشعر المنحول «2» ، والخبر المفحش، والرواية

_ (1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب الخندق، وباب غزوة بني المصطلق، تعليقا في التراجم، وروى له في أصول الكتاب. (2) المنسوب لغير قائله.

طبقة أخرى

المنكرة، هذا إلى سوقه على نهج لا يؤلف بين أجزائه نظام «1» ، وأيضا فله أوهام أغلاط- فيه كما سنبين بعض ذلك فيما يأتي، توفي ببغداد سنة إحدى وخمسين ومائة، وقيل اثنتين وخمسين. 3- الواقدي محمد بن عمر بن واقد مولى بني هاشم: كان الثاني بعد ابن إسحاق في العلم بالمغازي والسير والتواريخ، وكان معاصره مع صغر سنه عنه، وقد لقي الكثيرين من الشيوخ، وروى عنهم، وكان كثير العلم بالتاريخ والحديث، وقد اختلف في تقديره المحدّثون ما بين معدل ومجرّح له، ويروى أنه اختلط «2» في اخر عمره، قال فيه البخاري: «منكر الحديث» ولكنهم لا يطعنون في سعة علمه بالمغازي قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: «إنه بصير بالمغازي» على حين قال فيه أيضا «الواقدي يركب الأسانيد» «3» . عني الواقدي بالمغازي والسير بخاصة، والتاريخ الإسلامي بعامة، وكان لا يعرف كثيرا من أمور الجاهلية. وقد كانت كتبه عمدة للمؤرخين من بعده، ونقلوا منها واقتبسوا، وللواقدي كتاب «التاريخ الكبير» مرتب على السنين، اقتبس منه الطبري في تاريخه كثيرا، وكتاب «الطبقات» ذكر فيه الصحابة والتابعين حسب طبقاتهم، ويظن أن كاتبه ابن سعد قد تأثر به في «طبقاته» ، ولم يبق لنا من كتبه إلا كتاب «المغازي» وكان من أكبر المصادر التي اعتمد عليها الطبري في تاريخه، توفي ببغداد سنة سبع ومائتين وقيل تسع. طبقة أخرى ثم جاء بعد ذلك طبقة أخرى، من مشاهيرهم: 1- أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري «4» : من

_ (1) مقدمة مختصر سيرة ابن هشام، ص 3. (2) أصابته غفلة وسوء حفظ. (3) أي يضع للمرويات أسانيد قوية بدل الضعيفة. (4) بفتح الميم والعين المهملة، وبعد الألف فاء مكسورة، نسبة إلى المعافر بن يعفر قبيل كبير، ينسب إليه بشر كثير عامتهم بمصر.

مصر، وأصله من البصرة، وله كتاب في «أنساب حمير وملوكها» وكتاب في «شرح ما وقع في أشعار السيرة من الغريب» وله الكتاب الذي اشتهر به «السيرة» وهو مختصر لسيرة ابن إسحاق، مع بعض الزيادات، أو التعقبات والتصحيحات، ولئن كانت سيرة ابن إسحاق لم تصلنا بعينها فقد وصلتنا مهذبة على يد ابن هشام. وقد تلقّاها عن زياد بن عبد الله البكّائي «1» (المتوفى سنة 182) عن ابن إسحاق وقد بين ابن هشام في المقدمة منهجه حيال سيرة ابن إسحاق فقال: «وأنا- إن شاء الله- مبتدىء هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم، ومن ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ولده، وأولادهم لأصلابهم: الأول فالأول من إسماعيل إلى رسول الله، وما يعرض من حديثهم، وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل على هذه الجهة- للاختصار، إلى حديث سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق مما ليس لرسول الله فيه ذكر، ولا نزل فيه من القران شيء، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب، ولا تفسيرا له، ولا شاهدا عليه- لما ذكرت من الاختصار-، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعضه لم يقر لنا البكائي بروايته، ومستقص- إن شاء الله تعالى- ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به» «2» . من أجل هذا نسي ابن إسحاق، وذكر ابن هشام، فلم يعد يذكر هذا الكتاب في السيرة إلا مقرونا باسم ابن هشام، لا يكاد يذكر ابن إسحاق إلى

_ (1) هو أبو محمد زياد بن عبد الله البكائي شيخ ابن هشام، روى عنه البخاري في كتاب الجهاد، وخرّج له مسلم في مواضع من كتابه، وكفى بهما مزكّيين، وموثّقين، وذكر البخاري في «التاريخ» عن وكيع قال: «زياد أشرف من أن يكذب في الحديث» ، وقد وهم الترمذي، فنقل عن البخاري أنه قال: «قال وكيع: زياد على شرفه يكذب في الحديث» ولو صح ما نقله عنه الترمذي لما خرّج له حديثا، ولا خرّج له مسلم (الروض الأنف، ص 5) . (2) سيرة ابن هشام، ج 1 ص 3.

جانبه، وهذا بالنسبة للمتأخرين، أما المتقدمون فلا يذكرون إلا ابن إسحاق، وكانت وفاة ابن هشام سنة ثماني عشرة ومائتين. وقد شرح هذه السيرة شرحا يدل على تبحّر في العلم، وتضلّع في علم اللغة والأدب والأخبار، الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي «1» الأندلسي، المولود سنة ثمان وخمسمائة والمتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، في كتابه القيم «الروض الأنف» وكان- رحمه الله- إلى جانب علمه معروفا بالصلاح، والتقوى، والورع. 3- محمد بن سعد تلميذ الواقدي وكاتبه: يدوّن له كتبه وأخباره، ومن أجل هذا لقب «بكاتب الواقدي» ولد بالبصرة سنة ثمان وستين ومائة، واباؤه موال للحسن بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس، وأجلّ كتبه «الطبقات الكبير» في ثمانية أجزاء، وقد خصّص الجزء الأول والثاني من كتابه لسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومغازيه، وخصّص الأجزاء الستة الاخرى لأخبار الصحابة والتابعين مرتبا لهم على حسب الأمصار، ثم رتّب علماء كل مصر حسب شهرتهم وزمنهم، وقد حظي ابن سعد بثناء بعض المحدثين، قال فيه الخطيب البغدادي: «محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرّى في كثير من روآياته» وهو أحد شيوخ المؤرخ الكبير البلاذري، وتوفي ببغداد سنة ثلاثين ومائتين «2» . وممن عرف في التأليف في المغازي من طبقة تلي هؤلاء: سعيد بن يحيى، بن سعيد، بن أبان، بن سعيد، بن العاص، بن أبي أحيحة، أبو عثمان البغدادي: ثقة ربما أخطأ، من العاشرة، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. وقد قال الحافظ الذهبي في ترجمة أبيه يحيى بن سعيد بن أبان: «المحدّث الثقة، وحدّث عنه ابنه سعيد بن يحيى

_ (1) سهيل الذي ينسب إليه واد بالأندلس من كورة «مالقا» ، وفيه قرى، وفي إحدى هذه القرى ولد السهيلي. (2) ضحى الإسلام، ج 2 ص 320- 338.

منهج هؤلاء المؤلفين

صاحب المغازي، وأحمد بن حنبل» وكانت وفاته سنة تسع وأربعين ومائتين، ولعله هو الذي يعنيه الحافظ المؤرخ ابن كثير في بدايته بقوله: قال الأموي. منهج هؤلاء المؤلفين وقد نهج مؤلفو هذه الكتاب منهج المحدّثين في الرواية: من ذكر الأسانيد، والنظر في الرواة، وإن لم يلتزموا ما التزمه المحدّثون من التشدد في التعديل والتجريح، وقبول الرواية، وربّ رجل مجرّح عند أهل الحديث وهو ثقة عند أهل السير، وهذا يرجع إلى اختلاف الغرضين، فغرض المحدث ذكر الأحاديث التي هي مناط معرفة الحلال والحرام، ومن ثمّ كان لا بد من التشدد في الرواية، وغرض المؤلف في السير والتواريخ ذكر أخبار ليست مناط الحلال والحرام غالبا، فمن ثمّ تساهلوا، ووجدت في كتبهم الروايات المرسلة، والمنقطعة، والمعضلة، والشاذة، والمنكرة، بل الموضوعة المختلقة على قلة «1» بل المحدثون أنفسهم يتشدّدون ويبالغون في التحرّي عن الرواة حينما يروون أحاديث الأحكام، ويتساهلون بعض الشيء في رواية الفضائل، روي عن الإمام أحمد أنه قال: «نحن إذا روينا في الحلال والحرام شدّدنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا» ، وفي معنى الفضائل المغازي، والسير، وروي عنه أيضا أنه قال: «ثلاثة ليس لها أصل: التفسير، والملاحم، والمغازي» ، ومراده أنه يغلب فيها رواية المراسيل، والمنقطعات، والبلاغات «2» ، ونحوها، وإلّا فقد صحّ فيها أحاديث كثيرة. كتب ألّفت في السير بعد ثم جاء بعد هؤلاء علماء كثيرون ألّفوا في السير، ما بين مطنب، وما بين موجز، وما بين متوسط، ومنهم من اعتنى بذكر الأسانيد، ومنهم من حذفها

_ (1) المرسل: ما حذف منه الصحابي. المنقطع: ما حذف منه واحد من الرواة في موضع أو مواضع. المعضل: ما حذف منه اثنان من الرواة على التوالي. الشاذ: ما خالف فيه الراوي الثقة من هو أوثق منه. المنكر: ما خالف فيه الراوي الضعيف من هو أقوى منه. الموضوع: هو المختلق المكذوب على رسول الله أو من بعده من الصحابة والتابعين. (2) ما يقال فيها بلغني عن فلان كذا، ولم يكن لقيه قطعا.

خشية التطويل وهم الكثير، ومنهم من ألف فيها نظما: من هؤلاء من تقيد بنظم السيرة لابن هشام، ومنهم من لم يتقيد بذلك، ومن أشهر هذه الكتاب: 1- «جوامع السيرة» للإمام الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن حزم، الأندلسي الظاهري المتوفّى سنة ست وخمسين وأربعمائة. 2- «السيرة» للحافظ الكبير عبد المؤمن بن خلف الدمياطي المصري المتوفّى سنة خمس وسبعمائة. 3- «عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير» مجلدان، للإمام أبي الفتح محمد بن محمد المعروف بابن سيد الناس الأندلسي، المتوفّى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ثم اختصره وسماه «العيون في تلخيص سيرة الأمين المأمون» وقد شرحه الشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفّى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ونظمه الشمس محمد بن يونس الشافعي المتوفّى سنة خمس وأربعين وثمانمائة. 4- «مختصر السيرة» للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وقد اقتصر فيه على أصح الأقوال، وأقواها. 5- «المواهب اللدنية بالمنح المحمدية» للشيخ العلّامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد القسطلاني الشافعي المصري، المتوفّى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وهو كتاب جليل القدر، كثير النفع، لا نظير له في الاستيفاء، وذكر الأقوال والاراء والحجج، اعتمد فيها على سيرة الحافظ ابن سيد الناس، وسيرة الشمس الشامي وغيرها. وقد شرحها كثيرون، ومن أجل الشروح شرح الإمام الحافظ محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري المالكي، المتوفّى سنة اثنتين وعشرين ومائة بعد الألف، وهو شرح جليل تعرض فيه لنقد المرويات، وبيان صحيحها من ضعيفها، وبيان الراجح من الأقوال، وهو يدل على سعة علم الإمام الزرقاني وتبحره. 6- «سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد» المعروفة بالسيرة

نظم السيرة

الشامية، للشيخ محمد بن يوسف الصالحي، المتوفّى سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة. 7- «إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون» المعروفة بالسيرة الحلبية للشيخ علي بن برهان الدين الحلبي، المتوفّى سنة أربع وأربعين وألف للهجرة، وقد اعتمد فيه على سيرة ابن سيد الناس، وهو من الكتاب التي عنيت بتزييف بعض المرويات، وبيان بطلانها، اعتمادا على ما ذكره الأئمة السابقون كالإمام القاضي عياض- رحمه الله. نظم السيرة وكذلك عني بنظم السيرة كثيرون، منهم من تقيد بسيرة ابن هشام، ومنهم من لم يتقيد، فمن الأولين: 1- الشيخ عبد العزيز بن أحمد المعروف بسعد الدريني، المتوفى في حدود سنة سبع وتسعين وستمائة. 2- والشيخ فتح الدين محمد بن إبراهيم المعروف بابن الشهيد، المتوفى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة في أكثر من عشرة الاف بيت. ومن الاخرين: 1- الإمام الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي، المتوفى سنة ست وثمانمائة. 2- والشيخ برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي، المتوفى سنة خمس وثمانين وثمانمائة «1» . كتب الموالد وثمّة كتب أخرى وهي «كتب الموالد» وهي كثيرة جدا، وقد عنيت بمولد

_ (1) كشف الظنون عن أسامي الكتاب والفنون، ج 2 ص 1012، 1013؛ مقدمة سيرة ابن هشام، ج 1 ص 7، 8.

كتب جمعت بين التاريخ والسيرة

النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما صاحب ميلاده من إرهاصات «1» ، وايات، وعلامات، وعن نشأته في طفولته، وشبابه، وكهولته، حتى بعثه الله سبحانه رحمة للعالمين، وما صاحب هذه النشأة من خوارق العادات، وما تحمله في سبيل تبليغ الرسالة، وما منّ الله به عليه من المعجزات بعد النبوة، وشمائله وأخلاقه قبل النبوة وبعدها، وما خصّه الله به من خصائص إلى غير ذلك مما تعنى به هذه الكتاب، وفي هذه الكتاب الصحيح والضعيف، والجيد والرديء، فلا يؤخذ كل ما فيها من غير بحث وتمحيص. كتب جمعت بين التاريخ والسيرة وكذلك ألّفت كتب في التاريخ العام ولكنها تشمل على السيرة منها: 1- «تاريخ الأمم والملوك» للإمام الحافظ، المفسر، الفقيه، المؤرخ محمد بن جرير الطبري، المتوفّى سنة عشر وثلاثمائة. 2- «مروج الذهب» للإمام العالم المؤرخ الرحّالة أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي، المتوفّى سنة ست وأربعين وثلاثمائة. 3- «تاريخ الإسلام» للإمام الحافظ الكبير مؤرخ الإسلام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي المعروف بالذهبي، المتوفّى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، فقد بدأه بسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهي تكاد تكون مجلدا كبيرا. 4- «البداية والنهاية» للإمام الحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي، المتوفّى سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وقد ذكر سيرة النبي في نحو أربعة أجزاء، وهذا الكتاب هو خير كتب التاريخ في بيان الصحيح من الضعيف من المرويات، والتنبيه إلى الروايات الموضوعة، والإسرائيليات الباطلة، التي دست في السيرة والتاريخ.

_ (1) الإرهاصات: ما يقع بين يدي النبوة من خوارق العادات.

- 3 - التأليف في السيرة في العصر الحاضر

- 3- التأليف في السيرة في العصر الحاضر 1- كتب المستشرقين وقد ألّف في السيرة الكثيرون من المستشرقين من كل جنس ولون. ومن هؤلاء المنصفون- وقليل ما هم- وغير المنصفين- وهم الكثيرون-، ولا عجب فأغلبهم مبشّرون بدياناتهم، والكثرة الكاثرة منهم صليبيون لا يزالون يحملون الحقد على الإسلام، ونبي الإسلام، فمن ثمّ لا يجدون ثغرة ينفثون منها أحقادهم وسمومهم إلا نفذوا منها، ولا رواية واهية منكرة أو مختلقة إلا طبّلوا لها وزمروا، ولا عليهم لو زيفوا الصحيح ما دام ذلك يساعدهم على أهوائهم، ولأجل أن يلبّسوا على الأغرار من المسلمين تستّروا تحت ستار البحث العلمي، وحرية الرأي، وما هو من البحث، ولا حرية الرأي في شيء، وإنما الغرض حلّ عرى الإيمان من نفوس المسلمين، والتشكيك في سيرة مثلهم الأعلى وقدوتهم، وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقد ساعد على تقبل ارائهم أن المغلوب ينظر إلى الغالب على أنه فوقه في كل شيء، فمن ثمّ نظر بعض المتعلمين، ولا سيما الذين لم يحظوا من الثقافة الإسلامية وعلوم الإسلام الأصيلة بحظ يؤهلهم للتمييز بين الحق والباطل، والخطأ والصواب- نظروا إلى المستشرقين على أنهم قمم في التفكير، وفي البحث، فلا يراجعون ما يقولون! ولا ينقض ما إليه ينتهون، بل بلغ ببعض الذين تثقفوا ثقافة إسلامية أن انزلقوا فيما انزلق إليه غيرهم، ومنهم من قام بترجمة بعض هذه الكتاب من غير أن يعلّق على ما فيها من خطأ بين، وباطل

2 - كتب المسلمين

صراح، وليته اكتفى بهذا، ولكنه شارك في الإثم، فكال لها المديح والثناء!! ولا حول ولا قوة إلا بالله. 2- كتب المسلمين وقد ألّفت في العصر الأخير كتب كثيرة في سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحياته الفذّة، وسير أصحابه النبلاء، في كل قطر ومصر، منها الجيد الأصيل، ومنها ما عليه مؤاخذات وانتقادات، ومنها الموجز، ومنها الوسيط ومنها المبسوط، ومنها ما نحي فيه إلى المنهج القصصي، ومنها ما نهج فيه المنهج المسرحي، ومنها ما تابع مؤلفوها فيها بعض المستشرقين، وانزلقوا فيما انزلقوا إليه أو بعضه، ومنها ما رد مؤلفوها فيها عليهم، وأظهروا خطأهم، وأبانوا عن تعصبهم، وكانت لهم في ذلك جهود مشكورة. ردّ بعض أباطيل المستشرقين من غير تأليف في السيرة ومن العلماء المتأخرين من تعرض لرد بعض أباطيل المستشرقين، وذلك كما صنع الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في إبطال قصة الغرانيق، وقصة زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بالسيدة زينب بنت جحش، وقد سار على نهجه من جاء بعده من المؤلفين في السيرة كما فعل العلامة الشيخ محمد الخضري في «نور اليقين في سيرة سيد المرسلين» ، والدكتور محمد حسين هيكل في كتابه «حياة محمد» ، وغيرهما من المؤلفين والكاتبين الذين أسهموا في هذا المضمار الشريف في كل قطر ومصر، والذين هم أكثر من أن يحصوا، فجزاهم الله خير الجزاء. جهود العلماء المتقدمين ومما ينبغي أن يعلم أن ردّ هاتين القصتين الباطلتين، وغيرهما من القصص الباطل، والمرويات الموضوعة، قد سبق إليها بعض الأئمة الكبار، الذين جمعوا بين علم المعقول، وعلم المنقول، ويكاد يكون في القمة من هؤلاء؛ الإمام الحافظ الأصولي، العلامة أبو الفضل القاضي عياض بن موسى السبتي الأندلسي، المتوفّى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، فقد ألف كتابه «الشفا في التعريف بحقوق المصطفى» وهو كتاب لو كتب بالذهب لكان قليلا عليه،

عناية الأمة الإسلامية بسيرة نبيها

وهو وإن لم يكن كتاب سيرة بالمعنى المعروف إلا أنه اشتمل على كثير مما يتعلق بسيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، مع رد بعض الأباطيل التي دست في السيرة النبوية، وألصقت بها زورا كهاتين القصتين، فالزمه- أيها القارىء- واشدد به يديك. عناية الأمة الإسلامية بسيرة نبيها أما بعد: فمهما يكن من شيء فلم تعن أمة من الأمم في القديم والحديث باثار نبيها وحياته، وكل ما يتصل به من قرب أو بعد، مثل ما عنيت الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل، هذه العناية التي كان من اثارها هذه الثروة الطائلة من الكتاب المؤلفة في مولده، وسيرته، وحياته، وشمائله، وفضائله، وخصوصياته، ومعجزاته، وأخلاقه، وادابه، وأزواجه، وأولاده، وأجداده، وجداته، ونسبه من لدن جده الأعلى خليل الرحمن، وابنه الذبيح إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، إلى خروجه من بين أبويه الشريفين الكريمين، وحيوات من بقي من ذريته من بعده، وخدمه، ومماليكه، وسراريه «1» ، ومرضعاته، وحاضناته. بل بلغت العناية بالعلماء وكتاب السير أن بحثوا في نياقه، وبغاله، وحميره، وأسمائها، ومن أين جاءت، وكتبوا عن وصف نعاله، ومطهرته، وأسوكته، إلى غير ذلك مما يدل على غاية الحب، والعناية باثاره، ومخلفاته صلّى الله عليه وسلّم، وإن ما يتعلق بالسيرة النبوية وسير ال بيت النبي ليكوّن مكتبة حافلة قيمة تعدو الألوف عدّا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه رسول الله حقا، فما كان لمدّع أن يكون له هذا الحب كله، ولا هذه العناية كلها! ولا هذا التكريم والتعظيم. وعلى أن رسالته هي خاتمة الرسالات، وأحقها بالخلود، وأبقاها على الزمان، وعلى أنه لا نبي بعده، بنفسي، وأبي، وأمي هو صلّى الله عليه وسلّم.

_ (1) جمع سرّية بضم السين وتشديد الراء المكسورة الأمة المملوكة.

الباب الأول

الباب الأوّل الفصل الأول: موجز لتاريخ العرب قبل الإسلام. الفصل الثاني: الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام. الفصل الثالث: ولاة البيت وتاريخ مكة إلى مولد الرسول صلّى الله عليه وسلّم. الفصل الرابع: زواج عبد الله بامنة.

الفصل الأول موجز لتاريخ العرب قبل الإسلام

الفصل الأوّل موجز لتاريخ العرب قبل الإسلام كان لزاما على من يكتب في السيرة المحمدية، وأحداثها، واثارها البعيدة، لا في حياة العرب فحسب، بل في حياة البشر جميعهم، أن يعرض عرضا موجزا لتاريخ العرب في الجاهلية من ناحية جغرافية بلادهم، وأحوالهم الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية، حتى يكون الدارس للسيرة على بيّنة من هذه البلاد، وسكانها، الذين اختير منهم خاتم الأنبياء، والذي أرسل بأعظم رسالة إلهية، والتي أحدثت أعظم إصلاح في العالم كله، لم تحدثه رسالة من الرسالات. شبه جزيرة العرب هي عبارة عن هذا الجزء الذي يقع في الجنوب الغربي من قارة اسيا، وهي أكبر جزيرة في العالم، ويبلغ متوسط عرضها سبعمائة ميل، ومنتهى طولها ألف ومائة ميل، ومساحتها حوالي ألف ألف ميل مربع «1» . ويحدها من الجنوب: البحر العربي (المحيط الهندي) ، ومن الشرق: الخليج العربي ونهر الفرات، ومن الغرب: البحر الأحمر وبرزخ السويس (قديما) (قناة السويس الان) ، ومن الشمال: البحر الأبيض المتوسط، وهكذا

_ (1) أي مليون ميل مربع، مكة والمدينة في عصر الجاهلية وعصر الرسول عن جزيرة العرب في القرن العشرين، ص 1.

موقع الجزيرة الهام

نرى أنها تحيط بها البحار والأنهار من جميع نواحيها إلا جزا قليلا منها، ولهذا يطلق عليها البعض تجوّزا (جزيرة العرب) «1» . وهذا التحديد الذي يقول به الهمداني يدخل بلاد الشام كلها، والبادية التي بين العراق والشام وبادية سيناء في جزيرة العرب، وهو يتفق وما ذكره (هيرودوت) المؤرخ القديم، غير أنه اعتبر النيل الحد الغربي للقارة، وجعل صحراء مصر الشرقية كما هي معروفة الان من الجزيرة العربية. موقع الجزيرة الهام وتحتل شبه جزيرة العرب موقعا هاما إذ أنها تربط بين قارات ثلاث: اسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأما من الناحية الحضارية للعالم قبل الإسلام فهي تربط بين الحضارتين السائدتين حينئذ: الحضارة الرومانية، والحضارة الفارسية. طبيعة جزيرة العرب وشبه جزيرة العرب أرض صحراوية تتخللها جبال كثيرة. تختلف ارتفاعا وطولا، وعرضا، ولعل أعظمها جبال (السّراة) الممتدة من سورية وفلسطين شمالا، إلى بلاد اليمن جنوبا، وهي توازي ساحل البحر الأحمر، وتقترب منه في مواضع عديدة، ويتراوح ارتفاع هذه الجبال ما بين عشرة الاف قدم «2» ، وثلاثة الاف قدم، فتبلغ قممها في الشمال: في (مدين) وفي الجنوب: في اليمن، وعسير، حوالي عشرة الاف قدم، بينما تكون خلف مكة ثمانية الاف قدم، وقرب المدينة ثلاثة الاف قدم. وتحصر بينها وبين ساحل البحر الأحمر أرضا سهلة ضيقة تعرف (بتهامة) تشرف عليها هذه المرتفعات وتنحدر إليها انحدارا شديدا قصيرا. وسواحلها المهيمنة على البحر الأحمر يصعب رسوّ السفن فيها لخلوّها من المرافىء الصالحة ولوجود الشعب المرجانية التي تمتد في بعض المواضع بعيدا في البحر، وتوجد جبال أخرى في (نجد) وفي الأقسام الجنوبية من شبه الجزيرة متفاوتة الارتفاع.

_ (1) المرجع السابق عن «صفة جزيرة العرب» ، للهمداني، ص 46، 47. (2) القدم ثلاثون سنتيمتر.

الحرار

الحرار وفي شبه جزيرة العرب حرار كثيرة، وهي أرض ذات حجارة سود نخرة، واحدتها حرّة، وتسمى لابة ولوبة، وقد تكونت من فعل البراكين، ويشاهد منها نوعان: نوع يتألف من فجوات البراكين نفسها، ونوع يتألف من حممها التي كانت تقذفها، فتسيل على جوانب الفتحة، ثم تبرد، وتتفتت بفعل التقلبات الجوية، فتكون ركاما من الأحجار البركانية التي تغطي الأرض بطبقات، قد تكون رقيقة، وقد تكون سميكة. وقد اشتهر كثير من مناطق الحرار بالخصب، والنماء، وبكثرة المياه، ولا سيما حرار المدينة التي استغلت استغلالا جيدا، ومنها خيبر حيث كانت واحة عظيمة، وتضم قرى كانت تشتهر بأنواع المزروعات من قديم الزمان. وليس في بلاد العرب نهر واحد بالمعنى المعروف من الأنهار، وإنما هي جداول غير صالحة للملاحة، وهي إما قصيرة سريعة الجريان، شديدة الانحدار، وإما ضحلة تجف في بعض المواسم، وبها كثير من العيون العذبة وحول هذه العيون الواحات، والوديان ذات الأشجار الوارفة، وتوجد بها بعض المزروعات، والخضر، والفاكهة. الجنس العربي والجنس الذي يسكن شبه الجزيرة يسمى (الجنس العربي) وهو أحد الأجناس الساميّة «1» ، ولكنه أكثرها محافظة على خصائص الساميين، ويتكلم اللغة العربية، وهي إحدى اللغات السامية، ولكنها أيضا أكثرها محافظة على خصائص اللسان السامي، وترجع هذه المحافظة إلى طبيعة الحياة في شبه الجزيرة، وهي طبيعة الانعزالية، والمحافظة على الأنساب والأحساب، وعدم التزوج من غيرهم، أو تزويجه منهم، فقد حرست هذه الحياة الجنس العربي،

_ (1) نسبة إلى سام بن نوح، وهم الشعوب الذين يتكلمون بالعربية، والعبرانية، والسريانية، والحبشية.

أقسام العرب

واللغة العربية من الهجمات التي تعرض لها غير العرب من الساميين وغير اللغة العربية من فروع اللسان السامي «1» . وإذا كانت الأمة العربية من الجنس الأبيض أرقى الأجناس البشرية، بل قد عدّها بعض علماء التشريح نموذجا للتقويم البشري الكامل (أنثروبولوجيا) فإن لغتها أرقى اللغات الحية على الإطلاق، وأثراها، وأخفها على اللسان، وأعذبها على السمع، وأشملها لمقوّمات الاداب والعلوم من الألفاظ والتراكيب «2» . والأمة العربية من أقدم الأمم وأشهرها، كان لها في التاريخ القديم والحديث اثار لا تزال باقية إلى الان، وقد خلّد الله سبحانه وجودها بأن اختار منها خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمدا صلّى الله عليه وسلّم، فكان شاهد صدق على أنها الأمة الجديرة بقيادة العالم إذا عضّت بالنواجذ على هذا الدين الذي هو خاتم الأديان وأوفاها بحاجة البشرية، كما خلّد لغتها حينما جعل اية خاتم أنبيائه العظمى وحيا يتلى، وقرانا عربيا مبينا، باقيا ما بقي مسلم على هذه الأرض، وما من أمة إسلامية إلا وتاريخها ممتزج بتاريخ هذه الأمة العربية، ولهذه الأمة التي حملت لواء الإسلام إلى الدنيا كلها فضل عليها. أقسام العرب 1- العرب البائدة وهي قبائل عاد، وثمود، والعمالقة، وطسم، وجديس، وأميم، وجرهم، وحضرموت ومن يتصل بهم، وهذه بادت قبل الإسلام، وكان لهم ملوك امتد ملكهم إلى الشام ومصر، والمؤرخون يقسمون العرب البائدة إلى قسمين: العمالقة وهم من نسل لاوز بن سام بن نوح، ومن عداهم من نسل إرم بن سام بن نوح، فالأولون يقال لهم الساميون والاخرون الاراميون، والعماليق ملكوا مصر مدة، وأسسوا فيها أسرة ملوكية، وملكوا العراق وأسسوا

_ (1) التاريخ الإسلامي والحضارة العربية، ج 1 ص 39. (2) دائرة معارف القرن العشرين مادة عرب، ج 6 ص 226.

2 - القحطانية

بها دولة تسمى «دولة حمورابي» أول ملوكهم، والذي عرف بالقانون المشهور «قانون حمورابي» وذلك في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد والعرب الباقية هم القحطانيون والعدنانيون. 2- القحطانية وهم أولاد قحطان الذين كانوا يسكنون الجنوب: اليمن وما حواليها، ومنهم ملوك اليمن، ومملكة معين، وسبأ، وحمير، وقد خرجت منهم جماعات، وقبائل في ظروف متعددة من أهمها انهيار سد مأرب، ونزلوا بأجزاء مختلفة من الجزيرة العربية، ومن هؤلاء «اللخميون» الذين نزلوا «الحيرة» على تخوم فارس وكونوا ملكا بها، ومنهم أيضا (أولاد جفنة) ملوك الغساسنة الذين كانوا يسكنون على حدود بلاد الروم، ومنهم ملوك كندة الذين كانوا بحضرموت، وكان منهم أبو امرىء القيس، كما أن منهم (الأزد) الذين تفرع منهم الأوس والخزرج، ومنهم الجراهمة الذين حطوا رحالهم بالقرب من وادي مكة، واتصل بهم نبي الله إسماعيل لما كبر، وصاهرهم، والقحطانيون يقال لهم: العرب العاربة. 3- العدنانية نسبة إلى عدنان الذي ينتهي نسبة إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وهم المعروفون بالعرب المستعربة، أي الذين دخل عليهم دم ليس عربيا، ثم تمّ اندماج بين هذا الدم وبين العرب، وأصبحت اللغة العربية لسان المزيج الجديد. وهؤلاء هم عرب الشمال، موطنهم الأصلي مكة، وهم إسماعيل وأبناؤه، والجراهمة الذين تعلّم منهم إسماعيل العربية، وصاهرهم، ونشأ أولاده عربا مثلهم، ومن أهم ذرية إسماعيل (عدنان) جد النبي صلّى الله عليه وسلّم الأعلى، ومن عدنان كانت قبائل العرب، وبطونها فقد جاء بعد عدنان ابنه معدّ، ثم نزار، ثم جاء بعده ولداه: ربيعة، ومضر، ومنهما كانت معظم القبائل العربية، فمن أشهر قبائل مضر: هوازن، وغطفان، وتميم، وعدي، وقريش، ومن أشهر قبائل ربيعة: عبد القيس، وبكر، وتغلب، وحنيفة.

ولم تتسع مكة وما جاورها لعرب الشمال، فبدأوا يهاجرون يبحثون عن مساقط الماء، ومنابت العشب، فنزل عبد القيس البحرين، ونزل بنو حنيفة اليمامة، ونزل بنو هوازن بنواحي أوطاس، وهكذا تفرقت القبائل في ربوع الجزيرة، والعدنانيون يقال لهم: العرب المستعربة، لأن جدهم الأعلى وهو إسماعيل تعلم العربية وتلقنها من جرهم. أما قضاعة فقد اختلف فيهم، فقيل: إنهم عدنانيون وعليه الأكثر، وقيل: إنهم من قحطان، وهو قول ابن إسحاق، والكلبي، وطائفة من أهل النسب «1» . وهذا الذي ذكرنا من تقسيم العرب إلى عدنانية وقحطانية هو ما عليه جمهرة علماء الأنساب وغيرهم، ومن العلماء من يرى أن العرب: عدنانية، وقحطانية ينتسبون إلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام. وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه لذلك فقال: باب نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام، وذكر في ذلك حديثا عن سلمة قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قوم من أسلم يتناضلون بالسهام «2» ، فقال: «ارموا بني إسماعيل وأنا مع بني فلان» - لأحد الفريقين- فأمسكوا بأيديهم، فقال: «ما لكم» ؟ قالوا: كيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ فقال: ارموا وأنا معكم كلكم» وفي بعض الروايات: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا» . قال البخاري: وأسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة، يعني: أن خزاعة فرقة ممن كان تمزق من قبائل سبأ حين أرسل الله عليهم سيل العرم.

_ (1) البداية والنهاية، ج 2 ص 156. (2) يلعبون بها ليتعودوا على فنون الحرب.

سكان جزيرة العرب

سكان جزيرة العرب يسكن شبه جزيرة العرب فريقان: 1- بدو وهم الذي يسكنون البادية، ويرتحلون وراء العشب والكلأ، ويتتبعون مواقع الغيث والمطر، وهم يسكنون الخيام، وهي البيوت من الوبر، والشعر، وهم الأكثرون ولا سيما في الشمال: الحجاز وما والاها من نجد وتهامة. 2- حضر وهم الذين يسكنون القرى والمدن، ويسكنون بيوتا من اللبن، أو الحجر، ومعظم هؤلاء كانوا يسكنون في الجنوب: اليمن وما جاورها، وعلى تخوم بلاد فارس والروم. وجود بعض المدنيّات والحضارات في جزيرة العرب وقد نشأت من قديم الزمان ببلاد العرب حضارات أصيلة، ومدنيات عريقة من أشهرها: 1- حضارة سبأ باليمن وقد دل القران الكريم- الذي هو أوثق المصادر وأحقها بالقبول- على أنه كان في بعض بلاد العرب حضارات قديمة، وعمران، وخصب، ونماء، ورخاء، وتقدم. ففي اليمن استفادوا من مياه الأمطار والسيول التي كانت تضيع في الرمال، وتنحدر إلى البحار، فأقاموا الخزانات والسدود بطرق هندسية بديعة، وأشهر هذه السدود (سد مأرب) ، واستفادوا بمياهها في الزروع المتنوعة، والحدائق ذات الأشجار الزاكية، والثمار الشهية، قال عزّ شأنه: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ

2 - حضارة عاد بالأحقاف

وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) «1» . كما دل القران الكريم أيضا على أنه كانت هناك في هذا الزمن الغابر قرى متصلة، ما بين اليمن، إلى بلاد الحجاز، إلى بلاد الشام، وأن قوافل التجارة والمسافرين كانوا يخرجون من اليمن إلى بلاد الشام، فلا يعدمون ظلا، ولا ماء، ولا طعاما، قال عزّ شأنه: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) «2» . 2- حضارة عاد بالأحقاف كما قامت حضارات أخرى في غير اليمن، فقد كان في الأحقاف شمال حضرموت قبيلة (عاد) ، وهم الذين أرسل إليهم نبي الله هود عليه السلام، وكانوا أصحاب بيوت مشيدة، ومصانع متعددة، وجنات، وزروع، وعيون. قال عزّ شأنه: كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ «3» أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) «4» .

_ (1) الايات 15- 17 من سورة سبأ. (2) الايتان 18- 19 من سورة سبأ. (3) لأنه منهم كقولك: يا أخا العرب لمن كان منهم. (4) الايات 123- 134 من سورة الشعراء.

3 - حضارة ثمود بالحجاز

3- حضارة ثمود بالحجاز وكذلك كانت حضارة في بلاد الحجر حيث تسكن ثمود، وقد دلّ القران الكريم على ما كانوا يتمتعون به من القدرة على نحت البيوت في الجبال، وعلى ما كان يوجد في بلادهم من عيون وبساتين وزروع؛ قال عزّ شأنه: كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ «1» وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ «2» (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ «3» (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) «4» . وقال فيهم أيضا: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ «5» اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) «6» . وقد اضمحل كل ذلك من زمان طويل، ولم يبق منه إلا اثار ورسوم، فقد درست القرى والمدن، وتخربت الدور والقصور، ونضبت العيون، وجفت الأشجار، وانمحت البساتين والزروع. يقول بعض الباحثين: «وتدل البحوث والدراسات التي قام بها السياح

_ (1) جمع جنة وهي البستان. (2) أي ثمرها نضيج طيب لين. (3) الفراهة الكيس والمهارة. (4) الايات 141- 150 من سورة الشعراء. (5) أي نعمه. (6) الاية 74 من سورة الأعراف.

والعلماء عن بلاد العرب على أن تغييرا كبيرا طرأ على جوها، وأن هذا الجفاف الذي نعهده الان في هذه البلاد لم يكن على النحو الذي كان عليه في العصور التي سبقت الإسلام، وأن ذلك الجفاف أثر تأثيرا سيئا في شبه جزيرة العرب، فجعل أكثر بقاعها صحارى جرداء، كما أثّر في حالة سكانها، فقاوم نشوء المجتمعات الكبرى، وأثر تأثيرا خطيرا في تاريخ الأمة العربية، وفي حدوث الهجرات» ، إلى أن قال: «وكل ذلك يدل على مدى التغير الذي طرأ في بلاد العرب سواء أكان من الناحية المناخية أم من الناحية الجيولوجية، فأدى إلى مقاومة الحضارة، ومنع نشوء المجتمعات الكبرى بها، وحوّل أراضيها إلى بقاع صحراوية، وطبع الحياة فيها بطابع الرحلة، والانعزالية الاجتماعية والسياسية، ويميل كثير من السياح، وعلماء طبقات الأرض الذين جابوا أنحاء شبه الجزيرة العربية إلى تأييد القول بظهور الجفاف في الألف الثاني قبل الميلاد» «1» . ولا يفوتني في هذا المقام أن أنبه إلى أن هذه الحقائق التي جاء بها القران منذ قرابة أربعة عشر قرنا على لسان النبي العربي الأمي، ثم جاء علماء الاثار وطبقات الأرض في العصر الأخير، فوصلوا إلى ما أيّد هذه الحقائق كل التأييد- من أكبر الأدلة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومن المعجزات الدالة على أنه نبي يوحى إليه، ولم يكن النبي منقّبا ولا باحثا عن الاثار، ولا كان هناك من أهل الكتاب ولا غيرهم من كان يعلم هذا، وصدق الله: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) «2» .

_ (1) مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول، ص 119. (2) الاية 111 من سورة يوسف.

أقسام شبه جزيرة العرب

أقسام شبه جزيرة العرب قسّم جغرافيو العرب شبه الجزيرة إلى خمسة أقسام: (1) الحجاز، (2) وتهامة، (3) ونجد، (4) والعروض، (5) واليمن. وزاد الأصطخري وابن حوقل ثلاثة أصقاع وهي: (1) بادية العراق، (2) وبادية الجزيرة، (3) وبادية الشام «1» . فالحجاز هي الجبال الممتدة من الجنوب إلى الشمال، وسميت حجازا، لأنها حجزت بين الغور وتهامة غربا، وبين نجد شرقا، وما بين هذه الجبال إلى سيف البحر على امتداده يسمّى (تهامة) ، وما يوجد شرق الحجاز من الأرض المرتفعة إلى أطراف العراق والسماوة يسمّى (نجدا) ، والجزء الذي يضم بلاد اليمامة والبحرين وما والاها يسمّى (العروض) ، وما يوجد حول صنعاء وما والاها من البلاد إلى حضرموت والشّحر وعمان يسمّى: (اليمن) ، والذي يهمنا التعريف به هو الحجاز. الحجاز وهو عبارة عن سلسلة الجبال الكثيرة، والممتدة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام، كما قال معظم الجغرافيين، وما حول هذه الجبال، وما يتخللها من وديان يدخل في الحجاز أيضا، وسمي حجازا لأنه حجز بين إقليم نجد شرقا، وبلاد تهامة غربا كما ذكرنا، ولكن اسم الحجاز في العرف يشمل تهامة أيضا بل عدّ بعض العلماء تبوك، وفلسطين من أرض الحجاز «2» . وطول الحجاز من الجنوب إلى الشمال سبعمائة ميل، وعرضه من الشرق إلى الغرب خمسون وثلاثمائة ميل. وتعتبر جبال السراة هي العمود الفقري لشبه

_ (1) مكة والمدينة، عن الأصطخري، ص 20، 21؛ وصبح الأعشى 4/ 245. (2) المصدر السابق عن معجم البلدان 3/ 218، ط السعادة.

أودية الحجاز

الجزيرة العربية، وتختلف جبال الحجاز ارتفاعا وانخفاضا، فمنها ما يبلغ بضعة الاف من الأمتار، ومنها لا يزيد عن مائتي متر. أودية الحجاز وتتخلل هذه الجبال وديان كثيرة، وعيون وابار، وحول العيون والابار توجد الواحات، ومن أشهر هذه الوديان: 1- وادي إضم: ويقع جنوب خيبر حتى يقارب المدينة حيث تتصل به أودية فرعية، كوادي العقيق. 2- وادي القرى: وهو يستمد مياهه من السيول التي تنحدر إليه من العيون التي عند خيبر، ثم يتجه غربا حتى يصب في البحر الأحمر جنوب قرية (الوجه) . ووادي القرى واد مهم، لأنه كان ممر القوافل، التي كانت من أهم وسائل نقل التجارة في العالم القديم. 3- وادي الرمة: عند حرة (فدك) يتكون من التقاء بضعة أودية ثم يتجه نحو الشرق حتى جبل (القصيم) ويبلغ طوله أكثر من خمسين وتسعمائة كيلومترا. 4- وادي الصفراء: وهو واد كثير النخل والزروع في طريق الحجاج، سلكه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض غزواته، وبينه وبين بدر مرحلة، وسمي باسم قرية (الصفراء) وهي قرية كثيرة النخل والزروع، وماؤها عيون تجري إلى ينبع. وكان يمر بالحجاز أحد طريقي التجارة البرّيّين بين الشرق والغرب مبتدئا من اليمن، مخترقا تهامة والحجاز، مارا بمكة، ويثرب (المدينة) حتى يصل إلى (أيلة) على خليج العقبة، ثم منها إلى موانىء البحر الأبيض المتوسط. الحجاز لم تطأه قدم مغير وقد شاء الله تبارك وتعالى ألاتطأ الحجاز قدم دخيل قط، أو مغير، ولا كان لأحد من الدول المجاورة القوية عليها سلطان، ولعل ذلك لوعورة الأرض وكثرة الجبال، وضيق المسالك، وسعة مغاورها، كما أن حالته الاقتصادية

أشهر مدن الحجاز

لم تكن لتطمع أحدا فيه، فمن ثمّ بقي أهله على ما فطروا عليه من الحرية، والانطلاق، وما اتصفوا به من الخلال الكريمة، وبقيت أنسابهم سليمة من الهجنة «1» ، ولغتهم سليمة من العجمة، ولا سيما مكة المكرمة، فلم يكن بها إلا العرب الخلّص، ما عدا أناسا لا حول لهم ولا طول، ولا أثر لهم يذكر في حياة العرب في الجاهلية، وإنما كانوا يحترفون بعض الحرف كالحدادة، والصياغة، وخدمة الأشراف، والعمل لهم في تجاراتهم، وبساتينهم، وهم طبقة العبيد والأرقاء من الحبشة، والروم وفارس، ممن لا يتطاولون إلى قريش، أو مصاهرتها، أو التأثير فيها. وبعضهم كان نصرانيا كجبر الرومي، وعدّاس النّينوي، إلا أنهم لم يكن لهم من علم النصرانية إلا الانتماء إليها، وبعضهم كان على دين قريش، وقد صار معظم هؤلاء من أسعد الناس بالإسلام وأكرمهم عند الله تبارك وتعالى، أمثال بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي- رضي الله عنهم- وأرضاهم. أشهر مدن الحجاز يشتمل الحجاز على قرى ومدن كثيرة أهمها: مكة، ويثرب (المدينة) ، والطائف، وجدة. مكّة وهي بلد الله الحرام، وفيها الكعبة المشرفة التي يحيط بها المسجد الحرام، وهي تقع في واد سهل منبسط غير ذي زرع، تحيط به الجبال من كل جانب مع تخلل شعاب بين هذه الجبال، وفي شمال مكة يوجد جبل «حراء» الذي به «غار حراء» ، وفي جنوبها يقع جبل ثور الذي يوجد به «غار ثور» . ومكة مدينة في نشأتها لعين (زمزم) وللكعبة البيت الحرام، وهي وما حولها

_ (1) الهجين من الإبل والخيل: من أبوه عربي وأمه غير عربية، الهجنة: اختلاط نسب العرب بنسب العجم.

حرم معلوم الحدود. وضعت على حدوده نصب، وعلامات يعرف بها، يأمن فيه الإنسان، والحيوان، والطير، فلا يسفك فيه دم، ولا يهاج فيه حيوان، ولا يصاد فيه طير، بل ولا يقطع شجرها، وقد حرمها الله وما حولها من يوم أن خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة كما روي في الصحيحين «1» ، وقد أظهر الله هذا التحريم على لسان الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتسمى (بكّة) ، قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) «2» . وتسمى: (أم القرى) «3» قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها (7) «4» . ولمكة مكانة ممتازة في نفوس المسلمين، ففيها الكعبة، والمسجد الحرام، والصفا والمروة، وبجوارها عرفات، والمزدلفة، ومنى، وهي من مشاعر الحج، فلذلك تهفو إليها قلوب الألوف لقضاء الحج والعمرة، من لدن الخليل إبراهيم عليه السلام إلى وقتنا هذا. ويرجح بعض الباحثين في السيرة نشأتها إلى سنة خمسين وألفين قبل الميلاد «5» ، وقد اختلف في أول من أنشأها، فجمهور المؤرخين على أن أول من بناها وسكنها العماليق «6» ، ثم خلفهم عليها جرهم حتى أسكن الخليل إبراهيم

_ (1) صحيح البخاري- كتاب الحج- باب لا يحل القتال بمكة؛ وصحيح مسلم- كتاب الحج- باب تحريم مكة. (2) الاية 96 من سورة ال عمران. (3) العرب يطلقون القرية على البيوت المجتمعة صغرت أم كبرت، وفي الحديث الصحيح «أمرت بقرية تأكل القرى» أي المدينة. (4) الاية 7 من سورة الشورى. (5) حياة محمد ورسالته، ص 14. (6) هم من العرب البائدة، وهم من نسل لاوز بن سام بن نوح، والعماليق ملكوا مصر مدة، وكونوا بها أسرة مالكة حوالي القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وملكوا العراق

المدينة

إسماعيل وأمه هاجر بهذا الوادي، فنشأ إسماعيل به حتى صار رجلا، واختلط بهم وصاهرهم، ثم غلبت خزاعة جرهما عليها، واستمروا حكامها حتى جاء قصي بن كلاب، فجمع قريشا فيها، بعد أن تمكن من إجلاء خزاعة عنها، وبذلك عادت لقريش السيادة على مكة وحماية البيت حتى ظهور الإسلام. والذي تدل عليه قصة بناء الكعبة في صحيح البخاري، أن الخليل لما أسكن ابنه وأمّه هناك لم يكن بها أحد. وأن الجراهمة أول من أقاموا بجوار إسماعيل، مما يدل على أن مكة لم تنشأ إلا بعد نبع زمزم، وبناء البيت، واتصال إسماعيل بالجراهمة، ومصاهرته فيهم، وستأتي هذه القصة إن شاء الله تعالى. المدينة وهي تقع على بعد نحو من ثلاثمائة ميل شمال مكة، وكان اسمها الغالب عليها في الجاهلية يثرب، وقد ورد في القران الكريم، وهي تقع بين حرّتين، وأرضها تشتهر بالخصب من قديم، وبها البساتين، والنخيل، والفواكه، والزروع. وقيل إن تاريخ نشأتها يرجع إلى نحو سنة ستمائة وألف قبل الميلاد، وكان يسكنها العماليق في بادىء الأمر، ثم ارتحل إليها بعض اليهود لما تعرضوا لموجات من الاضطهاد، والقتل، والأسر على يد «بختنصر» البابلي وغيره فأقاموا بها «1» ، حتى نزل بعد انهيار (سد مأرب) بعض القبائل العربية الجنوبية، وهما قبيلتا الأوس والخزرج، فوجدوا الثروة والمال مع اليهود فاستعانوا بإخوانهم

_ - وأسسوا بها دولة حمورابي اسم أكبر ملوكها، ومؤسس أقدم شريعة في العالم في القرن السالف الذكر، وقد أغار على الدولة البابلية الأولى، وقد فني المقهورون في القاهرين وصارت الدولة البابلية عربية بحتة (دائرة معارف القرن العشرين مادة عرب) . (1) من هذا يتبين أن اليهود طارئون ودخلاء على المدينة، ومن كرم العرب أن تركوهم يساكنونهم فيها، حتى جاء الإسلام، فاستعملوا الدس، والغدر، والخيانة مع النبي والمؤمنين، فلم يكن بدّ من إجلائهم عنها كما سيأتي في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.

العرب، فأعانوهم، فقتلوا رؤساءهم وأذلوهم، وأصبح للأوس والخزرج الزعامة بيثرب. وقد استمرت الحال على هذا حتى مجيء الإسلام، وسارعت إليه القبيلتان، وعرفتا فيما بعد (بالأنصار) . وكانت المدينة من قديم الزمان تقع على طريق القوافل التجارية بين الجنوب والشمال، وبين مكة والشام، مما جعلها تزدهر، وقد اكتسبت بعد مجيء الإسلام وهجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إليها مكانة ممتازة، فقد أضحت عاصمة الإسلام، وقلبه النابض، وقطبه الذي تدور عليه رحاه، وقد جعل النبي المدينة حرما امنا، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن إبراهيم حرّم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها، ومدّها، بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة» وفي رواية: «بمثل ما دعا به إبراهيم» «1» . وفي الحديث الصحيح أيضا: «إن إبراهيم حرّم مكة وأنا أحرم ما بين لابتيها فلا يسفك فيها دم، ولا يصاد بها صيد، ولا يهاج بها طير، ولا يعضد «2» بها شجر» ، وكذلك ورد أنها حرم في صحيح البخاري «3» . وكانت تسمى (يثرب) فسماها النبي (طيبة) و (طابة) ، ونهى أن يقال (يثرب) ، وفي المدينة المسجد النبوي، ثاني المساجد المشرفة التي تشد إليها الرحال، وإن كان ثالثها في البناء، وفي المسجد النبوي (الروضة) ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» وفي المسجد النبوي أفضل بقعة ضمّت أفضل جسد لبشر. وفي المدينة وما جاورها اثار وذكريات عزيزة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه، ولأيام

_ (1) صحيح مسلم- كتاب الحج- باب فضل المدينة. (2) يقطع. (3) صحيح البخاري- كتاب الحج- باب حرم المدينة.

الطائف

الإسلام، وأحداثه وتشريعاته، وفيها (البقيع) مقبرة خيار المسلمين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من أئمة العلم، والدين، فلا عجب إذا كانت تهفو إليها قلوب ألوف المسلمين كل عام، وميناء المدينة التي تشرف على البحر الأحمر (ينبع) وتبعد عنها نحوا من مائة وثلاثين ميلا. الطائف وهي بلدة تقع على بعد نحو خمسة وسبعين ميلا إلى الجنوب الشرقي من مكة، على ربوة عالية يبلغ ارتفاعها نحو خمسة الاف قدم على ظهر جبل (غزوان) ، فمن ثمّ كان هواؤها باردا في الصيف، وكانت- ولا تزال- مصيف أهل مكة، وغيرهم، قال الشاعر: تشتو بمكة نعمة ... ومصيفها بالطائف ويحيط بها وديان كثيرة تتجمع بها المياه في موسم الأمطار، وبها عيون وابار كبيرة، وأرضها خصبة تكثر بها الحدائق، التي تثمر الفواكه الجيدة، وبها تجود الزروع والحبوب، ولا تزال إلى وقتنا هذا، يجلب منها لأهل مكة وغيرها الفواكه كالعنب، والمشمش، والرمان، وغيرها. وكانت تسكن الطائف قديما قبيلة ثقيف، وكانت من أعتى القبائل، وأصعبها مراسا وعنادا، وقد استأنى بهم النبي، ودعا لهم حتى هداهم الله للإسلام. جدّة هي ميناء مكة على البحر الأحمر، وهي تبعد عن مكة نحو خمسة وسبعين كيلومترا، وأرضها رمليّة، وليس بها زراعة، وهي أهم موانىء الحجاز كلها، وعن طريقها يدخل المستورد، ويخرج المصدّر، وهي من المراكز التجارية المهمة بالبلاد، وتقع على أحد الطريقين المعبدين بين مكة والمدينة الان، وقد أصبحت الان عروس موانىء البحر الأحمر بعد أن ضربت في الحضارة والعمران بحظ كبير، وقد استبحر فيها العمران من جميع جهاتها ولا سيما من جهة مكة.

أحوال الجزيرة السياسية والدينية والاجتماعية

أحوال الجزيرة السياسية والدينية والاجتماعية الأحوال السياسية قلنا إن سكان الجزيرة ينقسمون إلى بدو، وحضر، وكان النظام السائد بينهم هو النظام القبلي، حتى في الممالك المتحضرة التي نشأت بالجزيرة: كمملكة اليمن في الجنوب، ومملكة الحيرة في الشمال الشرقي، ومملكة الغساسنة في الشمال الغربي، فلم تنصهر الجماعة فيها في شعب واحد، وإنما ظلت القبائل واحدات متماسكة. والقبيلة العربية مجموعة من الناس، تربط بينها واحدة الدم (النسب) ، وواحدة الجماعة، وفي ظل هذه الرابطة نشأ قانون عرفي ينظم العلاقة بين الفرد والجماعة، على أساس من التضامن بينهما في الحقوق والواجبات، وهذا القانون العرفي كانت تتمسك به القبيلة في نظامها السياسي والاجتماعي «1» . والقبيلة لها رئيس يسمى «السيد» أو «الشيخ» وأحيانا يطلقون عليه الأمير، أو الملك. وهذا الرئيس إنما ترشحه للرياسة منزلته من القبيلة وصفاته، وخصائصه، من شجاعة، ومروءة، وكرم، ونحوها، فمن ثمّ لم تكن هذه الرئاسة وراثية، فقد تنتقل هذه الرئاسة إلى ابنه إذا كان كفئا وإلا فلابن أخيه، أو لغيره إذا لم يكن كذلك. ولرئيس القبيلة حقوق أدبية ومادية، فالأدبية أهمها احترامه وتبجيله، والاستجابة لأمره، والنزول على حكمه وقضائه، وأما المادية فقد كان له في كل غنيمة تغنمها (المرباع) وهو ربع الغنيمة، و (الصفايا) وهي ما يصطفيه لنفسه من الغنيمة قبل القسمة، و (النشيطة) وهي ما أصيب من مال العدو قبل اللقاء، و (الفضول) وهو ما لا يقبل القسمة من مال الغنيمة، وقد أجمل الشاعر العربي ذلك بقوله:

_ (1) مكة والمدينة، ص 34.

مم تتكون القبيلة؟

لك المرباع فينا، والصفايا ... وحكمك، والنشيطة، والفضول «1» وعليه إزاء هذه الحقوق واجبات كثيرة، ومسؤوليات ضخمة، فهو في السلم جواد كريم، مسؤول عن إكرام الضيوف، وقرى الوافدين، وعابري السبيل، وإغاثة المحتاج من أبناء القبيلة، وإجارة المستجير، وفي الحرب يتقدم الصفوف، ويعقد الصلح، والمعاهدات. وقصارى القول أنه رمز القبيلة، ولسانها الناطق، وعقلها المعبّر بمعونة العقلاء ذوي التجربة والسنّ من رجال القبيلة. وتسود الحريّة النظام القبلي، فقد نشأ العربي في جو طليق، وفي بيئة طليقة، فمن ثم كانت الحرية من أخص خصائص العرب، ويعشقونها، ويأبون الضيم والذل. وكل فرد في القبيلة ينتصر لها، ويشيد بمفاخرها، وأيامها، وينتصر لكل أفرادها محقا أو مبطلا، حتى صار من مبادئهم: «انصر أخاك ظالما، أو مظلوما» وكان شعارهم: لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا والفرد في القبيلة تبع للجماعة، وقد بلغ من اعتزازهم برأي الجماعة أنه قد تذوب شخصيته في شخصيتها، قال دريد بن الصمة: وهل أنا إلا من غزيّة إن غوت ... غويت، وإن ترشد غزيّة أرشد ممّ تتكون القبيلة؟ وتتكون القبيلة من طبقات ثلاث: 1- طبقة الأحرار: وهم أبناء القبيلة الصرحاء، وهم الذين يجمع بينهم الدم الواحد، والنسب المشترك.

_ (1) المرجع السابق، ص 31.

2 - طبقة الموالي:

2- طبقة الموالي: وهم من انضموا إلى القبيلة من العرب الأحرار من غير أبنائها بطريق الحلف، أو الجوار، أو العتقاء من الأرقاء فيها. 3- طبقة الأرقاء: وهم المجلوبون عن طريق الشراء، أو أسرى الحرب «1» . فالطبقة الأولى: هي صلب القبيلة، وهي تتمتاع بحقوق كثيرة، ولكن يقابلها كثير من الواجبات، نظمها القانون العرفي الذي تحكم به القبيلة. والطبقة الثالثة: كانت في وضع اجتماعي سيىء، فقد سلبوا معظم حقوقهم الإنسانية، وفرضت عليهم من الواجبات ما أرهقهم، وأهدر إنسانيتهم، وكان من حسنات الإسلام- وما أكثرها- أن ردّ لهؤلاء كرامتهم، وأوصى بهم خيرا، وفتح لهم باب الحرية على مصراعيه. أما الطبقة الثانية وكانت بين بين، فلهم حقوق، وعليهم واجبات. ممالك وحضارات في شبه الجزيرة وقد قامت ممالك وحضارات قديمة في شبه الجزيرة العربية، فنشأت في الجنوب مملكة معين، ثم قتبان، وسبأ، وحمير، وأعظم هذه الممالك: مملكة سبأ «2» وقد كانوا ذوي ملك عظيم، وأهل فن هندسي دقيق، وخبرة بإقامة السدود والخزانات، ومن أعظم السدود التي أقاموها «سد مأرب» . سد مأرب كانت الأمطار تهطل بغزارة على أرض اليمن ثم تنحدر إلى البحر فتضيع فيه، فلا ينتفع بها إلّا موسم نزولها، وكانت مملكة سبأ قد بلغت مبلغا عظيما في فن العمارة، فعمدوا إلى مكان ضيق يوشك أن يلتقي عنده جبلان عظيمان،

_ (1) مكة والمدينة في الجاهلية والإسلام، ص 31، 36. (2) قال علماء النسب: اسم سبأ: عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان قالوا: وكان أول من سبى من العرب فسمي سبأ لذلك، ويقال: إنه أول من لبس التاج.

وفي هذا المضيق أقاموا سدا هائلا، وهو «سد مأرب» «1» ، وجعلوا له أبوابا، وعيونا يصرفون منها المياه، وبذلك أمكنهم أن يحتفظوا بالماء وراء السد لينتفعوا به وقت ما يريدون، فزادت رقعة الأرض المزروعة، وزرعوا في العام أكثر من مرة، كما استفادوا به أيضا في التحكم في السيول التي كانت تغرق القرى، وتتلف المزروعات، فكثر الخصب، وعم الرخاء، وعاش أهلها في نعمة عظيمة، وثمار وزروع كثيرة، وأرزاق متنوعة متتالية «2» . وقد كانوا يتولّون السد بالرعاية والتجديد، فكان كلما تهدم منه جانب أسرعوا بإصلاحه حتى لقد حدث ذلك عدة مرات، فلما ضعفت الدولة في اخر أيامها شغلها ذلك عن العناية بالسد فبدأ يضعف، وقلّت مقاومته للسيول الجارفة، فانهار أمامها انهيارا يكاد يكون كليا، فعمّ السيل البلاد، وسبب الدمار والخراب، وهو ما عبر عنه القران الكريم «بسيل العرم» «3» وبسبب هذا السيل العام، وما حدث قبله من سيول كثيرة، تبدلت الحال غير الحال، وعمّ الخراب الديار والبلاد، وبعد أن كانت بلادهم ذات بساتين مثمرة، وزروع نافعة، صارت ذات أشجار لا تغني ولا تسمن من جوع، وذلك كما قال تعالى: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) «4» . وبسبب هذه السيول المتلاحقة، ولا سيما أعظمها، وهو سيل العرم، كانت هجرة بعض القبائل العربية من اليمن، فتفرقوا في غور البلاد ونجدها، حتى

_ (1) في القاموس: مأرب كمنزل موضع باليمن. (2) البداية والنهاية، ج 2 ص 199. (3) العرم: الصعب الشديد فهو إضافة الموصوف إلى الصفة، وقيل العرم: المطر الشديد، وقيل اسم الوادي الذي كان يأتي منه السيل وبني فيه السد، وقيل العرم: جمع عرمة وهو كل ما بني لحجز الماء فهو اسم للسد. (4) الايتان 16- 17 من سورة سبأ.

ملوك سبأ

صار مثلا «تفرقوا أيدي سبأ» فنزلت طوائف منهم الحجاز، ومنهم خزاعة نزلوا ظاهر مكة، ومنهم أهل المدينة- وهم الأوس والخزرج- فكانوا أول من سكنها، ونزلت طوائف أخرى منهم بالشام، وهم الذين تنصروا فيما بعد، وهم: غسان، وعاملة، وبهراء، ولخم، وجذام، وتنوخ، وتغلب، وغيرهم «1» ، وأقام أكثرهم باليمن منهم: مذحج، وكندة، وأنمار، والأشعريون، وبجيلة، وحمير، وقد كان انهيار السد سببا في سقوط مملكة (سبأ) وقيام مملكة حمير. ملوك سبأ وكان أعظم ملوك سبأ (بلقيس) وقد قص القران قصتها مع سيدنا سليمان عليه السلام، وقصته مع الهدهد حينما غاب، ثم أتى له بخبرها، ومما قصه الله- تبارك وتعالى- يتبين لنا أنها وقومها كانوا يعبدون الشمس من دون الله، وما كانت تتمتاع به مملكتها من أسباب القوة والرخاء، وما كان لها من مجلس شورى، وما كانت تتصف به من عقل ورزانة، وما بلغ فن المعمار في عهدها، وكيف كان عرشها على درجة من الفخامة، والأبهة، اقرأ إن شئت قوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) .... إلى قوله تعالى: قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً

_ (1) البدآية والنهاية، ج 2 ص 159، 161.

مملكة حمير

كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44) «1» . مملكة حمير وبعد أن تضعضع ملك سبأ، وضعف أمر القائمين عليه قامت مملكة «حمير» ، وقد حاولت أن تصلح السدود الموجودة، ولكنها لم تلبث أن انهارت مرة أخرى، وكان من ملوكهم ملك اسمه (ذو نواس) وكان قد اعتنق اليهودية، وكان باليمن نصارى يسكنون (نجران) وقد تسربت النصرانية إلى بلاد اليمن من الحبشة، وكان (ذو نواس) متعصبا لليهودية، فلهذا، ولخوفه أن يمتد نفوذ الحبشة إلى بلاده عن طريق النصارى خيّرهم بين اعتناق اليهودية، أو الموت، فأبوا اعتناق اليهودية، فحفر لهم أخدودا- شقا في الأرض- وأضرمه نارا، ثم صار يعرض عليهم اليهودية، فمن أبى قذفه في النار، حتى أفنى الكثيرين منهم بهذا العمل العاري عن الرحمة والإنسانية، وقيل إنه وأتباعه هم المرادون بقوله تعالى في سورة البروج: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) «2» . فلو صح أنهم المرادون بالايات، فيكون هؤلاء المسيحيون كانوا على التوحيد الحق الذي جاء به عيسى عليه السلام، وقيل في أصحاب الأخدود غير ذلك «3» .

_ (1) الايات 20- 44 من سورة النمل. (2) الايات 4- 8 من سورة البروج. (3) فقد روى الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده قصة أخرى تغاير هذه في التفاصيل إلا أنها تتفق معها في الغاية، وذكر ابن إسحاق قصة أخرى قريبة مما ذكرها مسلم إلا أنها تختلف بعض الشيء، والذي يظهر لي- والله أعلم- أن قصة الأخدود تعددت زمانا ومكانا، وأشخاصا، وإن كانت نهايتها واحدة وهي فتنة بعض المؤمنين

اثار سبأ وحمير

اثار سبأ وحمير وقد خلّفت سبأ وحمير اثارا تدل على العظمة، والرقي، والحضارة، وهي تشمل كثيرا من الأطلال والنقوش، كما كان لها أسطول ضخم ينقل البضائع بين موانىء اليمن، والهند، والصين، والصومال وسومطرة، بحيث كانت التجارة شبه احتكار في يدها، وكذلك كانت سبأ في إبان عظمتها التجارية تسيطر على طرق النقل التجارية التي تجتاز الحجاز متجهة إلى الشمال حيث الشام و (العقبة) ومنها إلى البحر الأبيض «1» . استيلاء الحبشة على اليمن وبعد قصة الأخدود المحزنة فرّ رجل من أهل نجران، وذهب إلى قيصر الروم يستنصره، فكتب قيصر إلى النجاشي ينيبه عنه في الدفاع عن النصرانية، وأمده بالسفن، فجرّد النجاشي لذلك حملة بقيادة (أرياط) فانتصر على الحميريين، وأغرق (ذو نواس) نفسه لما عاين الهزيمة وبذلك أصبحت اليمن تابعة للحبشة. أبرهة ولم يطل الأمر لأرياط، فقد تمرد عليه أحد مساعديه، وهو (أبرهة) فقتله غيلة وغدرا، وخلص الأمر له، وأبرهة هذا هو الذي قصد مكة لهدم الكعبة ولكن الله رد كيده، ونكل به وبجيشه كما سيأتي. استيلاء فارس على اليمن ثم فر أحد أولاد ملوك حمير، وهو (سيف بن ذي يزن) إلى ملك الفرس واستنصره على الأحباش، فأرسل جيشا بقيادة (وهرز) ، وتعاون هو و (سيف)

_ - الصادقين عن دينهم بعرضهم على النار، فلما أبوا الفتنة رموا فيها، وكان من أسرار الإعجاز القراني أن جاء على هذا النهج الحكيم، من غير تعيين للأشخاص، ولا تحديد للزمان، والمكان لتشمل كل هؤلاء، الذين وقع بهم البلاء (البداية والنهاية، ج 2 ص 142- 145) . (1) التاريخ الإسلامي، والحضارة الإسلامية، ج 1 ص 49.

مملكة الأنباط

على القضاء على الأحباش، ولما تم انتصار الفرس أمر كسرى أن يتوج سيف بن ذي يزن ملكا على اليمن، ثم لم يلبث أن قتله الأحباش الذين استبقاهم عبيدا له، وقيل: كان بتدبير من الفرس، ولم يزل الأمراء الفرس يتتابعون على اليمن حتى انتهى الأمر إلى (باذان) ، فلما أرسل النبي كتابا إلى كسرى، داعيا له إلى الإسلام، أمر كسرى (باذان) أن يأتي بالنبي مكبلا، فأرسل اثنين للنبي يطلبانه، فقابلهما النبي صلّى الله عليه وسلّم بحلم، وقال لهما: «إن ربي قتل ربكم في ليلة كذا» وكان كسرى قد قتله ابنه في هذه الليلة، فرجعا إلى باذان، وأخبراه، فلما استيقن الخبر أسلم بسبب هذا، فأبقاه النبي أميرا على اليمن. مملكة الأنباط وكذلك قامت في الشمال مملكة الأنباط، وهم قبائل بدوية نزحت من الأرض المعروفة اليوم بشرق الأردن، ونزلت جنوب سوريا، وكوّنت لها مملكة امتدت من غزة شمالا حتى العقبة جنوبا، وقد تحكمت هذه المملكة في طريق التجارة بين الشمال والجنوب، وعاصمة مملكتهم (البتراء) أو (بطره) ، وهي مدينة شهيرة في بلاد العرب حتى اليوم، تمتاز باثارها الفخمة، وبخاصة أنقاض المعبد الذي كان به الالهة التي يعبدها (الأنباط) ، ولا تزال أعمدته الشاهقة شاهدا على ما وصلت إليه هذه المملكة من حضارة ورقي «1» . مملكة الحيرة وغسان وكذلك تكونت في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة على تخوم فارس (مملكة الحيرة) وتكونت في الشمال الغربي على حدود الروم مملكة (غسان) ، وكانت كل من فارس والروم تتعرض لهجمات بعض القبائل العربية في شمال الجزيرة، يختطفون خلالها ما يستطيعون الحصول عليه ثم يفرون عائدين إلى قلب الجزيرة، حيث لا تستطيع جيوش الفرس والروم ملاحقتهم خوفا من وعورة الطريق، وقلة الماء، لذلك عمد الفرس والروم أن يقيموا حاجزا بينهم

_ (1) المرجع السابق، ص 53، 54.

ملوك الحيرة

وبين العرب. وكان ذلك الحاجز عبارة عن بعض القبائل العربية تألّفها الفرس والروم وأسكنوها في شمال شبه الجزيرة، وأمد كل من الفرس والروم هذه القبائل بعون من السلاح والمال، وكانت هذه القبائل تعرف مسالك الجزيرة، وتستطيع الوقوف في وجه هجمات المغيرين، وبذلك تكونت في الحيرة مملكة تحمي الفرس، وتحميها الفرس، وتكونت مملكة غسان تحمي الروم، وتحميها الروم. ملوك الحيرة ومن أشهر ملوك الحيرة: عمرو بن عدي، والمنذر بن ماء السماء، والنعمان بن المنذر، وقد غضب كسرى على النعمان لأنه أنف أن يزوج أحدا من بناته وأخواته من كسرى، وأولاده، فتوعده كسرى وطلبه، ولكن النعمان هرب، فظفر به وألقاه في السجن حتى مات. ملوك الغساسنة «1» وهم من قبيلة جفنة وكانت (جلّق) - دمشق- عاصمتهم، ومن أشهرهم: الحارث بن جبلة، والمنذر بن جبلة، وجبلة بن الأيهم، وهو اخر ملوك الغساسنة، وفي عهده فتح المسلمون بلاد الشام، (وجبلة) هو صاحب القصة المشهورة مع سيدنا عمر بن الخطاب «2» ، وبسببها تنصّر بعد أن أسلم، ثم لحق ببلاد الروم. وكان ملوك الحيرة، وغسان بوصفهم من سلالة يمنية يحتفظون في مظاهرهم وحضارتهم بالحضارة اليمنية. وأبرز مثال لذلك القصران الشهيران: (الخورنق) و (السدير) . على أن أهم دور قامت به هاتان المملكتان هو أنهما كانتا جسرا عبرت عليه

_ (1) سموا باسم بئر نزلوا عليه وهم خارجون من اليمن. (2) ذلك أنه وطىء إزاره وهو يطوف بالكعبة رجل مسلم، فلطمه جبلة لطمة شديدة، فذهب الرجل شاكيا إلى أمير المؤمنين عمر، فأراد أن يقصه منه، ففر ثم تنصر ولحق ببلاد الروم حتى مات.

الحالة الدينية عند العرب

ألوان من حضارة الفرس والروم إلى شبه الجزيرة، وأهم هذه الألوان الحضارية هي: الدين، وضروب من المعازف، وأدوات اللهو، والقراءة، والكتابة، وبعض الألفاظ اللغوية، والفنون الحربية وغيرها. الحالة الدينية عند العرب «1» يكاد يتفق علماء الأديان على أن التدين غريزة في الإنسان، وقد عبر عن هذه الحقيقة معجم (لاروس) للقرن العشرين بقوله: «إن الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية حتى أشدها همجية، وأقربها إلى الحياة الحيوانية، وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي، وبما فوق الطبيعة، هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية، وإن هذه الغرايز الدينية لا تخفى بل لا تضعف ولا تذبل» ، وشرح (بارتلمي سانت هلير) نشأة التدين بقوله: «ما العالم؟ ما الإنسان؟ من أين جاا؟ من صنعهما؟ ما نهايتهما؟ وما الموت؟ وماذا بعد الموت؟ ... هذه الأسئلة لا توجد أمة، ولا شعب، ولا مجتمع إلا وضع لها حلولا جيدة، أو رديئة، مقبولة أو سخيفة، وهذا هو التدين» «2» . وقد اختلف علماء الأديان في تحقيق الظروف التي تنمّي غريزة التدين في النفس، فيرى بعضهم أنها تنمو حيث يصل الإنسان إلى مستوى من السمو الفكري، والوعي الثقافي، الذي يفكر فيه: كيف خلق؟ ومن خلقه؟ وإلى أين يصير؟ ويرى بعضهم أن غريزة التدين تنمو حيث يظهر اختلاف المظاهر الكونية، وحين يشتد إحساسه بالضعف أمام هذه المظاهر. ويرى فريق ثالث: أنها تنمو تبعا للرخاء، وهدوء البال، فيجد فراغا من شغله، وهمومه، للبحث في الكون، وخالقه، ومدبره.

_ (1) حينما يتكلّم عن الدين كظاهرة من الظواهر البشرية يراد به ما هو أعمّ من أن يكون سماويا أو أرضيا، حقا أو باطلا. (2) «الدين» ، ص 75، 76.

الوثنية

والحق أن كلّا من هؤلاء نظر إلى المسألة من جانب خاص، ولا يمكن أن ينهض واحد منها ليكون سببا لنمو فكرة التدين عند جميع البشر، وفي جميع البيئات، والظروف والملابسات «1» . ومهما يكن من شيء فقد كان العرب من طوائف البشر المتدينين، بل والمتصلبين في عقائدهم على ما كان فيها من زيغ وضلال، ووثنية. الوثنية وقد كان معظم العرب وثنيين يعبدون الحجارة من الأصنام، والأوثان، والأنصاب «2» ، بل كان بعض معبوداتهم شجرة كبيرة يعظمونها «3» ، وليس من شك في أن دين إبراهيم عليه السلام كان التوحيد الخالص، وكذلك دين إسماعيل، قال تعالى: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) «4» . وليس من شك في أن أبناء إسماعيل وذريته كانوا على التوحيد الخالص وإنما طرأت عليهم الوثنية بعد. نشأة الوثنية ببلاد العرب وقد اختلف العلماء في: متى نشأت الوثنية في بلاد العرب؟ وعلى يد من دخلت؟ فقال فريق من العلماء إن أول من أدخل الأصنام إلى بلاد العرب

_ (1) التاريخ الإسلامي والحضارة، ج 1 ص 86. (2) فرّق بينها ابن الكلبي بأن الصنم ما كان على صورة إنسان من خشب، والوثن ما كان على صورة إنسان من حجر، والنصب حجارة تنصب على هيئة هيكل أو بناء، فيعبدونها ويذبحون عندها. (3) تفسير الزمخشري عند تفسير قوله تعالى في سورة النجم أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ، وَالْعُزَّى.... (4) الاية 125 من سورة البقرة.

عمرو بن لحيّ «1» الخزاعي، فقد ذكر ابن إسحاق أنه خرج إلى الشام وبها يومئذ العماليق، وهم يعبدون الأصنام، فاستوهبهم واحدا منها وجاء به إلى مكة، فنصبه في الكعبة، وهو (هبل) وكان قبل ذلك في زنم الجراهمة قد فجر رجل يقال له: (إساف) بامرأة يقال لها: (نائلة) في الكعبة، فمسخهما الله حجرين كي يعتبر بهما الناس، ويتعظوا، فأخذهما عمرو بن لحي فنصبهما حول الكعبة، فصار من يطوف يتمسح بهما. وروى ابن الكلبي أن سبب ذلك أن عمرو بن لحي كان له تابع من الجن يقال له: أبو ثمامة، فأتاه ليلة، فقال: أجب أبا ثمامة، فقال لبيك من تهامة، فقال: ادخل بلا ملامة، فقال: ائت سيف جدة، تجد الهة معدة، فخذها ولا تهب، وادع إلى عبادتها تجب، قال: فتوجه إلى جدة «2» ، فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس، وهي: ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر «3» ، فحملها إلى مكة، ودعا إلى عبادتها، فانتشرت بسبب ذلك عبادة الأصنام في العرب، وصارت فيهم بعد أن كانت في قوم نوح. وفي مسند الإمام أحمد «أول من سيّب السوائب، وعبد الأصنام عمرو بن لحي الخزاعي» «4» . ويذكر ابن الكلبي رأيا اخر في منشأ عبادة الأصنام، ذلك أنهم كانوا لا يظعن من مكة ظاعن إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم، وصبابة به، فحيثما حل وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة؛ تيمنا منهم بها، وصبابة بالحرم، وحبّا له، وهم بعد يعظمون الكعبة، ومكة، ويحجون

_ (1) بضم اللام وفتح الحاء- المهملة- وتشديد الياء. (2) بضم الجيم وتشديد الدال المهملة: بلد بالحجاز. (3) في صحيح البخاري عن ابن عباس أن ودا، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا كانت أسماء أناس من عظاماء قوم نوح، وصالحيهم، فلما ماتوا صنعوا لهم هذه التماثيل لتكون تذكارا لهم، وعظة، واعتبارا لغيرهم، ليفعل مثل فعلهم، وبتوالي الزمن تنوسي هذا المعنى وعبدت من دون الله، ثم نقلها عمرو بن لحي إلى العرب. (4) فتح الباري، ج 7 ص 359، 360.

ويعتمرون، ثم لم يلبثوا أن عبدوا ما استحبوا من هذه الحجارة، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصارت إلى ما صاروا إليه الأمم قبلهم «1» . ومهما يكن من شيء فقد انتشرت عبادة الأصنام في بلاد العرب، وكان من أعظم أصنامهم (هبل) الذي كان بجوف الكعبة، وكان من العقيق «2» على صورة إنسان، وكان مكسور الذراع، فأبدله القرشيون ذراعا من ذهب، ومن أشهرها (ودّ) وكان لكلب بدومة الجندل، أما (اللّات) فكانت بالطائف لثقيف، وكانت صخرة كبيرة تعظمها ثقيف، وقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بهدمها بعد خضوعهم، ودخولهم في الإسلام، وأما (العزّى) فكانت بوادي نخلة، وقد قطعها خالد بن الوليد بأمر النبي، وأما (مناة) فكانت بالمشلّل من قديد «3» على ساحل البحر الأحمر، وكانت الأنصار وغسان يعظمونها قبل الإسلام، وكانوا يحجون إليها، وكان من أهلّ لها لم يطف بين الصفا والمروة، ويتحرج من ذلك، فلما أسلموا بقوا على تحرجهم فأنزل الله قوله: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (158) «4» . فجاءت الاية لنفي هذا الحرج الذي كان في نفوسهم، فلذلك لم يكن في نفي الجناح وهو الحرج ما ينفي وجوب السعي أو فرضيته، وكان الواحد منهم يصنع لنفسه الصنم من العجوة أو الحلوى فإذا جاع أكله! ووجد أحدهم يوما صنما له وقد بال عليه الثعلب، فرمى به وقال: أربّ يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

_ (1) الأصنام، ص 6. (2) هذا يدل على أن بعض الأصنام قد يكون من غير الخشب والحجر، وأن ما ذكره ابن الكلبي أمر غالبي. (3) مكان بين مكة والمدينة. (4) الاية 158 من سورة البقرة.

ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى

ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ولم يكن العرب يعتقدون أنها تخلق، أو تدبر الكون، وإنما كانوا يعتقدون أن الخالق هو الله قال عز شأنه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) «1» . أي كيف يصرفون عن عبادة الله الحق إلى عبادة الأصنام. وقال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) «2» . ولكنهم كانوا يزعمون ما حكاه الله تعالى عنهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (3) «3» . وهكذا صدق عليهم قوله تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) «4» . ومن هذه الايات يتبين لنا أن الله- عزّ شأنه- نفى الوسائط بينه وبين خلقه في عبادته، وجعل طريق الوصول إليه مفتوحا لمن يريد، وأن المشركين ناقضوا أنفسهم حينما أقروا بألوهية الله، وأشركوا معه غيره في العبادة. عبادة الملائكة والجن ومن العرب من كان يعبد الملائكة ويسمّيها بنات الله، ومنهم من كان يعبد

_ (1) الاية 87 من سورة الزخرف. (2) الاية 61 من سورة العنكبوت. (3) الاية 3 من سورة الزمر. (4) الاية 106 من سورة يوسف.

إنكار البعث

الجن، زاعما أن بينها وبين الله نسبا وصهرا، قال تعالى موبخا لهم ومنكرا عليهم، ومسفّها اراءهم: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) «1» . فالجنّة المراد بها الجن وهو الظاهر، وقيل: المراد بها الملائكة، ومنهم من زعم أن الله اتخذ ولدا من الملائكة، قال سبحانه في الرد عليهم: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) «2» . إنكار البعث ومن عقائدهم الباطلة إنكار البعث، وقد قرر القران الإنكار في ايات عديدة، قال سبحانه حكاية لمقالتهم: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) «3» . وقال: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) «4» .

_ (1) الايات 153- 158 من سورة الصافات. (2) الايتان 26- 27 من سورة الأنبياء. (3) الايتان 36- 37 من سورة المؤمنون. (4) الايات 1- 4 من سورة ق.

إنكارهم الرسالة

وقال: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) «1» . وكان بعضهم دهريين يقولون كما حكى الله عنهم: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ (24) «2» . إنكارهم الرسالة وكانوا ينكرون رسالة الرسل، وأن يرسل الله رسولا من البشر قال تعالى: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (2) «3» . وقال إنكارا عليهم، وبيان أن الله ما أرسل رسولا إلا من البشر: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ (44) «4» . وقال أيضا: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) «5» .

_ (1) الايتان 78- 79 من سورة يس. (2) الاية 24 من سورة الجاثية. (3) الاية 2 من سورة يونس. (4) الايتان 43- 44 من سورة النحل. (5) الايتان 7- 8 من سورة الأنبياء.

الاستقسام بالأزلام

الاستقسام بالأزلام «1» ومن عقائدهم الاستقسام بالأزلام، وكانت ثلاثة مكتوب على أحدها «أمرني ربي» ، وعلى الاخر «نهاني ربي» ، والثالث غفل- ليس عليه شيء-. كان أحدهم إذا أراد سفرا، أو غزوا، أو تجارة، أو نكاحا، أو أمرا ما ضرب القداح، وكانت عند سادن- خادم- الصنم الأكبر (هبل) ، وكانت توضع في خريطة «2» ، ثم يجلجلها، ثم يضع السادن يده، فإذا خرج الامر مضى لشأنه، وإذا خرج الناهي أمسك، وإذا خرج الغافل أجالها مرة أخرى «3» . وقد حرم الإسلام هذا قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ.... إلى قوله: ... وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ (3) «4» . وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) «5» . التحليل والتحريم وقد كانوا يحلّلون ويحرمون ما لم يأذن الله به، ومن ذلك تحريمهم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وكان أول من سيّب السوائب عمرو بن لحيّ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه «6» في النار، وكان أول من سيب السوائب» .

_ (1) الأزلام جمع زلم بفتح الزاي واللام: القدح وهو قطعة من خشب، والاستقسام: طلب معرفة ما قسم له. (2) كيس من جلد. (3) تفسير الكشاف عند قوله: «وأن تستقسموا بالأزلام» . (4) الاية 3 من سورة المائدة. (5) الاية 90 من سورة المائدة. (6) في القاموس «القصب- بالضم- الظهر والمعي» أي يجر أمعاءه في النار.

أما البحيرة فهي التي بحرت أذنها أي شقت، كانت الناقة، أو الشاة إذا ولدت خمسة أبطن شقوا أذنها، وتركوها للطواغيت- الأصنام- فلا يركبها أحد، ولا ينتفع بلحمها ولا وبرها، ولا لبنها. وأما السائبة: فكان الواحد منهم ينذر إن برأ من مرضه، أو قدم من سفر ليسيّبنّ بعيرا. فكانوا يتركونه لالهتهم فلا يحمل عليه شيء. وأما الوصيلة: فهي الناقة البكر تبكر في أول نتاجها بأنثى ثم تثني بأنثى فكانوا يسيّبونها لالهتهم، ويقولون: وصلت إحدى الأنثيين بالاخرى، ليس بينهما ذكر. وأما الحام: فهو فحل الإبل إذا نتج منه عشرة أبطن قالوا: حمى ظهره، ويتركونه لأصنامهم، ولا ينتفعون منه بشيء. وهذا ولا شك تشريع بما لم يأذن به الله، وفيه إضاعة للمال بغير داع؛ فلذلك أنكر الله سبحانه عليهم ذلك، قال عز شأنه: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) «1» . كما بين لهم أن التحليل والتحريم من الله، وأن صنيعهم هذا كذب، وافتراء على الله قال عز شأنه: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) «2» . وكذلك جعلوا للأصنام نصيبا في الأنعام والزروع، وجعلوا لله نصيبا واثروا جانب الأصنام على جانب الله، قال سبحانه:

_ (1) الاية 103 من سورة المائدة. (2) الاية 116 من سورة النحل.

وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ «1» وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ «2» ساءَ ما يَحْكُمُونَ (136) «3» . وكذلك كانوا يحرمون ذكور الأنعام حينا، ويحرمون إناثها حينا اخر، وتارة ثالثة كانوا يحرمون الذكور والإناث، لا يستقرون على حال ولا يستندون إلى حجة، فجادلهم الله بالحكمة، والمنطق القويم، فقال سبحانه: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) «4» . إلى غير ذلك من ابتداعاتهم وافترااتهم.

_ (1) أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان، والتصدق على الفقراء والمساكين. (2) من إنفاق عليها بذبح الذبائح عندها والعناية بها، وإجراء الأرزاق على سدنتها ونحو ذلك. (3) الاية 136 من سورة الأنعام. (4) الايتان 143- 144 من سورة الأنعام.

اليهودية والنصرانية في جزيرة العرب

اليهودية والنصرانية في جزيرة العرب أما اليهودية فقد كانت بخيبر وما جاورها، ويثرب (المدينة) وفي بلاد اليمن. وفي الحق أن اليهودية لم تجد قبولا ولا انتشارا في بلاد العرب، ولعل ذلك لأن اليهود يزعمون أنهم شعب الله المختار، فلذلك لم يقبل العربي أن يدخل دينا يجعله في طبقة دنيا عن طبقة دعاة هذا الدين، وأيضا فقد كانوا لا يهمهم نشر دينهم، بقدر ما يهمهم جمع الأموال، هذا إلى أن أخلاقهم التي كانوا يتصفون بها من اللؤم، والغدر، والخيانة، والحرص والشره إلى المال، والتي تعتبر على الضد من أخلاق العرب- زهّدت العرب في دينهم، والانتظام في سلكهم وجماعتهم. أما النصرانية فكانت منتشرة بنجران شمال اليمن، وطبيعي أنها جاءت من الحبشة، وفي شمال الجزيرة في دولة الغساسنة، وقد كانت وثيقة الصلة بالروم، فمن ثم انتشرت فيها النصرانية أكثر من غيرها، وفي الحيرة فقد تنصر معظم الأسرة المالكة، وقد ذكر ياقوت في «معجم البلدان» أنه كان بالحيرة بيعة «1» - كنيسة- وأنها من أقدم الكنائس ببلاد العرب، وقد ذكر أنه كان على واجهتها كتابة نصها: «بنت هذه الكنيسة هند أمة المسيح، وأم عبده» وفي غير هذه الأقاليم لا تجد أثرا يذكر للنصرانية. والسبب في عدم انتشار النصرانية في بلاد العرب التعقيدات التي فيها ولا سيما في باب الألوهية، فإنها لا يقبلها العقل العربي، والأمور التي يزعم القسس أنها من الأسرار، وطبيعة العربي تأبى ذلك أيضا.

_ (1) البيعة- بكسر الباء- متعبد النصارى، وتجمع على بيع بكسر الباء وفتح الياء.

الحنيفيون

الحنيفيون «1» وقد كان في العرب من يدين بشريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، في الألوهية والتوحيد، والإيمان بالبعث، واليوم الاخر، وأن رسولا سيبعث في اخر الزمان، ويخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وهم (الحنيفيون) منهم: 1- قسّ بن ساعدة الإيادي: كان خطيبا، حكيما، عاقلا، له نباهة، وفضل، وكان يدعو إلى توحيد الله، وعبادته، وترك عبادة الأوثان، كما كان يؤمن بالبعث بعد الموت، وقد بشّر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد روى أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس قال: «إن قس بن ساعدة كان يخطب قومه في سوق (عكاظ) فقال في خطبته: سيعلم حق من هذا الوجه- وأشار بيده إلى مكة- قالوا: وما هذا الحق؟ قال: رجل من ولد لؤيّ بن غالب يدعوكم إلى كلمة الإخلاص، وعيش الأبد، ونعيم لا ينفد، فإن دعاكم فأجيبوه، ولو علمت أني أعيش إلى مبعثه لكنت أول من يسعى إليه» وقد أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه مات قبل البعثة. وروي أن النبي قال: «رحم الله قسا كأني أنظر إليه على جمل أورق تكلم

_ (1) سموا بذلك من حنف عن الشيء أي مال عنه، لأنهم مالوا عن الدين الباطل إلى الدين الحق، سواء أكانوا على دين إبراهيم أم على دين المسيح الحق، وإن كانت الكلمة تطلق على الأولين غالبا، وفي الكتاب الكريم «ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما» .

بكلام له حلاوة لا أحفظه» فقال بعض قومه: نحن نحفظه، فقال: «هاتوه» فذكروا خطبته المشحونة بالحكم والمواعظ. وروى الطبراني في كتابه «المعجم الكبير» والحافظ البيهقي في كتابه «دلائل النبوة» عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قدم وفد عبد القيس على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أيكم يعرف قسّ بن ساعدة الإيادي» ؟ قالوا: كلنا نعرفه يا رسول الله، قال: «فما فعل» ؟ قالوا: هلك، قال: «فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام، وهو على جمل أحمر وهو يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس: اجتمعوا، واستمعوا، وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو ات ات، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا ... » إلى اخر خطبته المشهورة ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفيكم من يحفظ شعره» ؟ فأنشده بعضهم قوله: في الذاهبين الأول ... ين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر لا يرجع الماضي إل ... يّ ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محال ... ة حيث صار القوم صائر ولذلك قال الجاحظ في «البيان والتبيين» : «ولإياد وتميم خصلة ليست لأحد من العرب، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الذي روى كلام قس بن ساعدة وموقفه على جمله بعكاظ، وموعظته، وهو الذي روّاه لقريش والعرب، وهو الذي عجب من حسن كلامه، وأظهر من تصويبه، وهذا إسناد «1» يعجز عنه الأماني، وتنقطع دونه الامال، وإنما وفق الله ذلك الكلام لقس بن ساعدة، لاحتجاجه للتوحيد، ولإظهاره معنى الإخلاص وإيمانه بالبعث، ولذا كان خطيب العرب قاطبة» «2» .

_ (1) في البداية والنهاية: «وهذا شرف ... » . (2) البيان والتبيين، ج 1 ص 52، ط ثالثة.

ولو أن الرواية بهذا كانت ثابتة لاستقام كلام الجاحظ، ولكن بعض حفاظ الحديث ونقاده قالوا: في السند راو كذاب متهم بوضع الحديث، وقد حكم الحافظ ابن الجوزي عليها بالوضع، ووافقه بعض الحفاظ. نعم رويت رواية أمثل من هذه وأقوى، ولكنها تفيد أن الذي أورد القصة بكمالها: نظمها ونثرها بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه- وأغلب طرق القصة لا تخلو من ضعف «1» ، ومهما يكن من شيء فقد كان قس بن ساعدة من الحنفاء الداعين إلى الله وتوحيده، والإيمان باليوم الاخر في هذا العصر الجاهلي المظلم. 2- زيد بن عمرو بن نفيل: ابن عم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه- ووالد الصحابي الجليل سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان حنيفيا على دين الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وكان لا يأكل ما ذبح على الأنصاب، وقد التقى بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بمكان يقال له: (بلدح) «2» وكانت قدّمت إلى النبي سفرة «3» ، فأبى أن يأكل منها. ثم قدمت لزيد، فأبى، وقال: لا اكل ما تذبحون على أنصابكم، روى البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي الوحي، فقدمت إلى النبي سفرة فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست اكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا اكل إلا ما ذكر اسم الله عليه» ، وكان زيد بن عمرو بن نفيل يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟! وهذه الرواية الصحيحة ترد ما ذكره بعض الكتاب في السيرة من أن

_ (1) البداية والنهاية، ج 2 ص 231- 237؛ اللالىء المصنوعة، ج 1 ص 55. (2) مكان في طريق التنعيم، ويقال: واد. (3) طعام المسافر.

النبي أكل مما ذبح على النصب، أما زيد فقد أبى أن يأكل منها، وهو زعم باطل «1» . ثم ذكر البخاري في قصة طويلة أن زيدا خرج إلى الشام يطلب الدين الحق، فلقي عالما من علماء اليهود، فلم يعجبه ما قال، ثم خرج فلقي عالما من النصارى فلم يقع في نفسه ما عرض عليه، ولكنه وجدهما يذكران دين إبراهيم وأنه هو الدين الحنيف، فلما سمع قولهما في إبراهيم خرج، فلما برز رفع يديه وقال: «اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم» . وروى البخاري تعليقا «2» عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموؤودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها» «3» . وروى ابن إسحاق أنه كان يقول: «اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك لعبدتك به، ولكني لا أعلمه» ثم يسجد على راحته، وروى ابن سعد، والفاكهي عن عامر بن ربيعة أن زيدا قال له: «إني خالفت قومي واتّبعت ملة إبراهيم، وإسماعيل، وما كانا يعبدان، وكانا يصليان إلى هذه القبلة، وأنا أنتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه، وأشهد أنه نبي، وإن طالت بك حياة فأقرئه مني السلام» ، قال عامر: فلما أسلمت أعلمت النبي صلّى الله عليه وسلّم بخبره، فردّ عليه السلام، وترحم عليه، وقال: «لقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا» ، وروى أن سعيد بن زيد، وعمر بن الخطاب سألا رسول الله عن زيد فقال: «غفر الله له ورحمه، فإنه مات على دين إبراهيم» ولما بعث

_ (1) انظر: «محمد رسول الحرية» لعبد الرحمن الشرقاوي. (2) المعلق: هو ما حذف من مبتدأ إسناده راو أو أكثر، وقد يحذف السند كله. (3) صحيح البخاري- باب زيد بن عمرو بن نفيل.

النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان بالشام وبلغه ذلك، عاد ليؤمن به، فقتل بمضيعة من أرض البلقاء «1» . 3- ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى: ابن عم السيدة خديجة رضي الله عنها- وكان ممن كره عبادة الأوثان، وما كان عليه قريش من الضلال، فخرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل إلى الشام يبحثان عن دين تركن إليه نفوسهما، فأما زيد فقد انتهى أمره إلى الحنيفية- كما أسلفنا- واتّبع دين إبراهيم، وأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصّر، ولعله لقي من الرهبان من بقي على دين عيسى الحق، ولم يبدل، ولم يحرف، فقد كان موحّدا، وبشر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي صحيح البخاري في حديث بدء الوحي الطويل: «وكان امرا قد تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي» ولما أخبره النبي صلّى الله عليه وسلّم بخبره قال: «هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني فيها حيا إذ يخرجك قومك» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجي هم؟» قال: نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا» ، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي «2» . وقد اختلف في وفاته، فذهب الكثيرون إلى أنه مات قبل أن يؤمر النبي بالإنذار على ما في الصحيح، وقيل عاش حتى شهد المبعث، وأنه كان يمر على بلال وهو يعذب على رمضاء مكة ويقول: «أحد. أحد» فيقول ورقة: «أحد. أحد، يا بلال، والله لئن قتلتموه لأتخذنّه حنانا «3» » . وأيّا ما كان فقد مات على التصديق بالنبي والإيمان به، روى البيهقي في الدلائل وأبو نعيم أنه لما توفي قال صلّى الله عليه وسلّم: «لقد رأيت القسّ «4» في الجنة عليه

_ (1) فتح الباري، ج 8 ص 142- 144؛ سيرة ابن هشام، ج 1 ص 224- 232. (2) صحيح البخاري- باب كيف كان بدء الوحي. (3) بركة أتبرك به. (4) القس- بفتح القاف وتشديد السين- والقسّيس- بكسر القاف وتشديد السين-: رئيس النصارى في العلم والدين.

ثياب الحرير، لأنه امن بي وصدقني» ، وفي رواية: «رأيت ورقة في بطنان الجنة عليه السندس» ولذلك عدّه بعض العلماء أول من امن بعد خديجة من الرجال، وعده البعض من الصحابة «1» . 4- أمية بن أبي الصّلت بن عوف الثقفي: كان ممن طلب الدين، ونظر في الكتاب، ويقال: إنه ممن دخل في النصرانية، وأكثر في شعره من ذكر التوحيد، والبعث، وأحوال القيامة، وكان يعلم من الكتاب أن نبيا سيبعث من العرب، وكان يرجو أن يكون هو، فتحنّث وتعبّد أملا في هذا، وكأنه ظن أن النبوة تنال بالرياضات، وما علم أنها فضل من الله يؤتيه من يشاء. ولما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم حسده، وقال: «إن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد» . ولما قيل له: أفلا تتبعه؟ قال: «أستحي من نسيّات ثقيف أني كنت أقول لهن: إني أنا هو، ثم أصير تابعا لغلام من بني عبد مناف!!» ولما أنشدت أخته النبي شيئا من شعره قال: «امن شعره، وكفر قلبه» وقد روي في صحيح البخاري أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم» وقد عاش حتى وقعة بدر الكبرى: فرثى من مات بها من الكفار، ثم مات من غير أن يسلم بين كمده، وحسده، وحسرته، قيل سنة اثنتين بعد بدر، وقيل سنة تسع.

_ (1) شرح المواهب، ج 1 ص 292، 293.

الحياة الاجتماعية عند العرب

الحياة الاجتماعية عند العرب لقد كان للعرب أوضاع، وتقاليد اجتماعية، وقوانين عرفية فيما يتعلق بالأنساب والأحساب، وعلاقة القبيلة بالاخرى، وعلاقة الأفراد بعضهم ببعض، وفيما يتعلق بالأسرة من نكاح، وطلاق، وثبوت نسب، ووضع المرأة في الأسرة، والبنين، والبنات، ونظام التوارث إلى غير ذلك مما يتعلق بالحالة الاجتماعية ويمكن إجمال ذلك فيما يأتي: 1- الاعتزاز الذي لا حدّ له بالأنساب، والأحساب «1» ، والتفاخر بهما وقد حرص العرب حضرا وبدوا على المحافظة على أنسابهم، فلم يصاهروا غيرهم من الأجناس الاخرى، اعتزازا بالدم العربي أن يختلط بغيره، ولعلك على ذكر مما ذكر انفا من إباء النعمان بن المنذر أن يزوج إحدى بناته من كسرى، أو أحد أولاده مع أنه كان تابعا له، وتحمل في سبيل ذلك ما تحمل. وقد بالغوا في التفاخر بهما حتى أضاعوا وقتهم فيه، قال تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) «2» . ولما جاء الإسلام قضى على ذلك، وبيّن لهم أن التفاضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح، وأن النسب الأصيل إذا اجتمع إليه العلم والعمل بلغ

_ (1) النسب- القرابة من جهة الاباء والأمهات، والحسب- بفتح الحاء والسين- ما يعد من الماثر والفضائل كحسن الخلق، والشجاعة، والجود ونحوها، مأخوذ من الحساب، لأنهم كانوا إذا تفاخروا حسب كل واحد مناقبه، ومناقب ابائه. (2) الايتان 1- 2 من سورة التكاثر.

2 - الاعتزاز بالكلمة، وسلطانها، ولا سيما الشعر

الإنسان غاية الكمال. وكذلك حافظوا على أنساب خيولهم الأصيلة، وإبلهم الكريمة، وهو مظهر من مظاهر الاعتزاز بالأنساب. 2- الاعتزاز بالكلمة، وسلطانها، ولا سيما الشعر فقد كان شعرهم سجل مفاخرهم وأحسابهم، وأنسابهم، وديوان معارفهم، وعواطفهم، فلا تعجب إذا كان نجم فيهم الخطباء المصاقع، والشعراء الفطاحل، وقد كان البيت من الشعر يرفع القبيلة، والبيت يخفضها، ولذلك ما كانوا يفرحون بشيء فرحهم بشاعر ينبغ في القبيلة لأنه كان يعتبر رمز القبيلة، والمنافح عنها، والمتغني بمفاخرها وأمجادها، وكانت تستهويهم الكلمة الفصيحة، والأسلوب البليغ. ولمكان الفصاحة والبلاغة من العرب كانت اية النبي الكبرى قرانا يتلى، وفي أعلا درجات الفصاحة، والبلاغة، وقد أهّلتهم ملكة البيان لحمل رسالة الإسلام فيما بعد، والمنافحة عنها باللسان والبيان. 3- المرأة في المجتمع العربي وقد كانت المرأة عند كثير من القبائل كسقط المتاع، فقد كانت تورث، وكان الابن الأكبر للزوج من غيرها من حقه أن يزوجها بعد وفاة أبيه، أو يعضلها عن النكاح، حتى أبطل الإسلام ذلك وكان الابن يتزوج امرأة أبيه، فحرم الإسلام ذلك، وسماه (نكاح المقت) وما كانوا يورثونها ويقولون إنما يرث من يحارب ويجالد حتى جعل الإسلام لها حقا مفروضا، كما كانوا يجمعون بين الأختين حتى حرم ذلك الإسلام. ومن الحق أن نقول: إن بعض القبائل كانت تجلّ المرأة، وتأخذ رأيها في الزواج، وكتب الأدب والتاريخ فيها الكثير من القصص في ذلك. والعرب جميعا يغارون على أعراضهم، ويحافظون على نسائهم أكثر من أنفسهم، والعربي قد يقتل، وقد يسطو على الأموال، ولكن تأبى عليه مروءته أن ينتهز ضعف امرأة، أو واحدتها في سفر مثلا، فينتهك عرضها. والمرأة العربية الحرة كانت تأنف أن تفترش لغير زوجها وحليلها، وكانت

4 - النكاح والطلاق

أيضا تتسم بالشجاعة تتبع المحاربين وتشجعهم، وقد تشارك معهم في القتال إذا دعت الضرورة. والمرأة البدوية تشارك زوجها في رعي الماشية، وسقيها، وتغزل الوبر والصوف، وتنسج الثياب، والبرود، والأكسية، مع التصون والتعفف. ومن صفاتها أنها تضجر من الحضر وترى الحرية، والهدوء، والصفاء في البادية، وليس أدل على هذا من قصة (ميسون بنت بحدل) التي تزوجها خليفة المسلمين معاوية بن أبي سفيان، فولدت له يزيد، فإنها لم تطق حياة القصور، والنعيم والترف، وتاقت إلى الخيام، والعيش الجاف، وإلى بدوي مثلها فقالت: لبيت تخفق الأرواح فيه ... أحبّ إلي من قصر منيف ولبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إلي من لبس الشّفوف وأكل كسيرة في قعر بيتي ... أحبّ إلي من أكل الرغيف وخرق «1» من بني عمي ضعيف ... أحبّ إلي من علج «2» عنيف فلما بلغت معاوية- رضي الله عنه- مقالتها سرّحها، وأعادها معززة إلى أهلها. 4- النكاح والطلاق [أ- النكاح] لم يكن للعرب حدّ محدود في النكاح، فقد جاء الإسلام ومنهم من له العشر من النساء والأكثر، والأقل، فقصر ذلك على أربع إن علم أنه يستطيع الإنفاق عليهن، والعدل بينهن، فإن خاف عدم العدل فليكتف بواحدة، وما كانوا في الجاهلية يلتزمون العدل بين الزوجات، وكانوا يسيئون عشرتهن، ويهضمون حقوقهن حتى جاء الإسلام فأنصفهن، وأوصى بالإحسان إليهن في العشرة، وقرر لهن حقوقا ما كنّ يحلمن بها.

_ (1) بكسر الخاء، وسكون الراء: رجل نحيف هزيل. (2) العلج: رئيس العجم والمراد به رئيس، غليظ، متعجرف.

أنكحة الجاهلية

أنكحة الجاهلية وكانت هناك في الجاهلية أنكحة كثيرة منها الصحيح الذي هو كأنكحتنا اليوم بخطبة، وولي، ومهر، ومنها الفاسد، فمن الفاسد: نكاح الاستبضاع، ونكاح التواطؤ، ونكاح البغايا، ونكاح الشغار، ونحوها، والنكاح الصحيح كان يلتزمه أكثر العرب، ولا سيما الأشراف منهم. وإليك ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة- رضي الله عنها- «أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء «1» : فنكاح منها نكاح النساء اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليّته أو «2» ابنته، فيصدقها، ثم ينكحها. ونكاح اخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها «3» : أرسلي إلى فلان، فاستبضعي «4» منه، ويعتزلها زوجها، ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح اخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها «5» ، فإذا حملت، ووضعت، ومرّ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان، تسمّي من أحبت باسمه، فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع به الرجل. ونكاح الرابع: يجتمع الناس الكثير، فيدخلون على المرأة، لا تمنع من جاءها، وهنّ البغايا، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن

_ (1) جمع نحو: أي ضرب وزنا ومعنى أو نوع. (2) أو للتنويع لا للشك. (3) حيضها. (4) أي اطلبي منه المباضعة، وهو الجماع، مشتقة من البضع وهو الفرج، وإنما كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم، ورؤسائهم المعروفين بالشجاعة، أو الكرم، أو غير ذلك من الفضائل. (5) والظاهر أنه يكون عن رضا منها، وتواطؤ بينهم وبينها.

ب - الطلاق

دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن، ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لها القافة «1» ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط «2» به، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك. فلما بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم بالحق هدم نكاح الجاهلية، إلا نكاح الناس اليوم» «3» . وذكر بعض العلماء أنحاء أخرى لم تذكرها عائشة- رضي الله عنها- كنكاح الخدن وهو في قوله تعالى: وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ كانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لوم، وهو إلى الزنا أقرب منه إلى النكاح، وكنكاح المتعة وهو النكاح المعين بوقت، ونكاح البدل: كان الرجل في الجاهلية يقول للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي، وأزيدك «4» . ومن الأنكحة الباطلة نكاح الشّغار وهو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الاخر ابنته، ليس بينهما صداق. [ب-] الطلاق وكذلك كانوا يسرفون في الطلاق من غير أن يكون هناك داع مشروع، أو مقبول، حتى جاء الإسلام فبيّن لهم النبي أن «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» «5» . ولم يكن للطلاق حدّ محدود، فكان الرجل يطلق ثم يراجع، وهكذا فلما جاء الإسلام قيّد ذلك، وأعطى للزوج فرصة لتدارك أمره، ومراجعة زوجته مرتين، فإن طلّق الثالثة فقد انقطعت عروة النكاح، ولا تحلّ له إلا بعد زوج اخر، ففي الكتاب الكريم: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ «6» .

_ (1) جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالسمات الخفية. (2) استلحقه به. (3) صحيح البخاري- كتاب النكاح- باب لا نكاح إلا بولي. (4) فتح الباري، ج 9، ص 150. (5) رواه الحاكم وصحّحه. (6) الاية 229 من سورة البقرة.

5 - وأد البنات وقتل الأولاد

ثمّ قال بعد: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ «1» . ومما كان يلحق بالطلاق في التحريم الظّهار، وهو أن يقول الزوج لزوجته: أنت علي كظهر أمي، وكان تحريما مؤبدا حتى جاء الإسلام، فوسمه بأنه منكر من القول وزور، وجعل للزوج مخرجا منه، وذلك بالكفّارة قال تعالى: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (4) «2» . 5- وأد البنات وقتل الأولاد ومن الماسي التي كانت تزاولها بعض القبائل وأد «3» البنات خشية العار، وقتل الأولاد من الفقر أو خشية الفقر، قال تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) «4» . وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ «5» .

_ (1) الاية 230 من سورة البقرة. (2) الايات 2- 4 من سورة المجادلة. (3) الوأد كان بأن يحفر للبنت حفرة في التراب، ثم تلقى فيها حية، ويهال عليها التراب. (4) الايتان 8- 9 من سورة التكوير. (5) الاية 151 من سورة الأنعام.

وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) «1» . وقد ذكروا أن السبب في وأد البنات أن قبيلة حاربت أخرى فغلبتها وسبت نساءها، وبناتها، وتزوجوا بهنّ، فلما تصالحوا خيّر النساء والبنات أن يرجعن إلى أزواجهن وأهليهن، وبين البقاء عند من تزوجوهن فاخترن البقاء، فال رجال القبيلة الاخرى على أنفسهم أن يئدوا البنات وهنّ صغار، ثم فشت هذه العادة عند غير هذه القبيلة، مجاراة لها، أو خوفا أن يصيبها ما أصابها. وقد بلغ من سفههم أنهم كانوا يجعلون لله البنات، ولهم الذكور، وكان من العار والخزي أن يبشّر الواحد منهم بأن امرأته ولدت أنثى، ويدركه من الحسرة والكمد ما يجعله في حيرة من أمره، وقد بين لنا القران الكريم ذلك بهذا البيان البارع قال سبحانه: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) «2» . وكان في العرب قبائل لا تئد البنات، كما كان فيهم من يستقبحون هذه الفعلة الشنعاء كزيد بن عمرو بن نفيل، وقد حدثناك من خبره، فلما جاء الإسلام قضى على ذلك، وكرّم البنات والبنين، وأوصى بهنّ وبهم خيرا، وكان في المثل العالية التي كان يضربها النبي في معاملة بناته، وبناتهن، وأولادهن، وبنات المسلمين أكبر معلم ومهذب في هذا.

_ (1) الاية 31 من سورة الإسراء. (2) الايات 57- 59 من سورة النحل.

6 - الحروب، والسطو، والإغارة

6- الحروب، والسطو، والإغارة وكانت تقوم بين القبائل الحروب لأتفه الأسباب، من أجل ناقة، أو سباق فرس، أو نحو ذلك، وذلك كحرب البسوس التي قامت بين بكر، وتغلب أربعين عاما من أجل ناقة حتى أكلت الكثير من أبطالهم ورؤسائهم، وكان من ضحاياها كليب بن ربيعة. وكحرب داحس والغبراء، التي قامت ودامت طويلا بسبب سباق فرسين. وكان يغلب على بعض قبائل البدو السطو والإغارة قصد نهب الأموال، وسبي الأحرار وبيعهم، كزيد بن حارثة فقد كان عربيا حرا، وكسلمان الفارسي فقد كان فارسيا حرا، وقد قضى الإسلام على ذلك حتى كانت تسير المرأة فضلا عن الرجل- من صنعاء إلى حضرموت، لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها. 7- العلم والقراءة والكتابة وقد كان العرب أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، وهذه هي الصفة التي كانت غالبة عليها، ولم يكونوا أهل كتاب وعلم كاليهود والنصارى، بل كان يغلب عليهم الجهل والأمية، والتقليد، والجمود على القديم وإن كان باطلا، وكان فيهم قليل ممن يكتب ويقرأ، ولكنهم مع أميتهم وعدم اتساع معارفهم- كانوا يشتهرون بالذكاء، والفطنة، والألمعية، ولطف المشاعر، وإرهاف الحس، وحسن الاستعداد، والتهيؤ لقبول العلم والمعرفة، والتوجيه الرشيد، ولذلك لما جاء الإسلام صاروا علماء، حكماء، فقهاء، وزالت عنهم الأمية، وصار العلم والمعرفة من أخص خصائصهم. وكان فيهم من يعلم علم النجوم ومساراتها، والاهتداء بها، ومعرفة بالأنواء، وسقوط الأمطار، وتحسس مخابىء الماء تحت أطباق الأرض، كما مهروا في علم قص الأثر، وهو القيافة، وكان فيهم أطباء كالحارث بن كلدة، وكان طبهم مبنيا على التجارب التي اكتسبوها من الحياة والبيئة.

الحالة الأخلاقية عند العرب

الحالة الأخلاقية عند العرب مثالب العرب كان للعرب في جاهليتهم بعض الأخلاق المرذولة كالعنجهيّة، والعصبية، والظلم، وسفك الدماء، والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال، وأكل مال اليتامى، والتعامل بالربا، وشرب الخمر، والسرقة، والزنا، ومما ينبغي أن يعلم أن الزنا إنما كان في الإماء وأصحاب الرايات من البغايا، ويندر أن يكون في الحرائر، وليس أدل على هذا من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أخذ البيعة على النساء بعد الفتح «على ألايشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين» قالت السيدة هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان: أو تزني الحرة؟!! وكانوا يزاولون ألوانا من اللهو، واللعب، والمجون، والشطارة «1» ، والقمار، وهو الميسر، إلى غير ذلك، وليس معنى هذا أنهم كانوا كلهم على هذا، لا، لقد كان فيهم كثيرون لا يزنون، ولا يشربون الخمر، ولا يسفكون الدماء؛ ولا يظلمون، ويتحرجون من أكل أموال اليتامى، ويتنزهون عن التعامل بالربا. فضائل العرب ولكنهم- والحق يقال- كانوا ذوي فضائل وأخلاق كريمة متأصلة فيهم، بل الرأي عندي أن فضائلهم أكثر من مثالبهم، ولهذا اختار الله خاتم أنبيائه

_ (1) اتباع وسائل الخبث واللؤم، كمغازلة النساء، ومعاكسة الإماء، والتعرض لهن بالليل، وتصنع البطولة.

1 - حب الحرية، وإباء الضيم والذل

ورسله منهم، واستأهلوا أن يكونوا حملة الرسالة المحمدية الخالدة وتبليغها للعالم كافة، فمن فضائلهم: 1- حب الحرية، وإباء الضيم والذل والعربي بفطرته يعشق الحرية يحيا لها، ويموت من أجلها، فقد نشأ طليقا لا سلطان لأحد عليه، ويأبى أن يعيش ذليلا، أو أن ينال في شرفه، وعرضه ولو كلّفه ذلك حياته. 2- الشجاعة فقد كانوا مضرب الأمثال فيها، وقد كان الواحد منهم يقابل الأسد في الصحراء فينازله حتى يقهره، وبعضهم لم يعرف الفرار ولا الهزيمة قط، وقد كان لهذه الفضيلة وزنها حينما جاء الإسلام، وفرض عليهم الجهاد. 3- الكرم وهو خلق متأصل في العرب، ولا سيما أهل البادية وقد كان الواحد منهم لا يكون عنده إلا فرسه، أو ناقته، فيأتيه الضيف، فيسارع إلى ذبحها، أو نحرها له، وكان بعضهم لا يكتفي بإطعام الإنسان بل كان يطعم الوحش، والطير، وكرم حاتم الطائي سارت به الركبان، وضربت به الأمثال. 4- المروءة والنجدة والعربي بفطرته ذو مروءة فهو يأبى أن ينتهز ضعف الضعيف، وعجز العاجز كالمرأة، والشيخ، والمريض، وهو ذو شهامة إذا استنجد به أحد أنجده، ويرى من النذلة التخلّي عنه. 5- الوفاء بالعهد وهو من صفات العرب المشهورة، وقصة السموأل بن عادياء في الوفاء مشهورة، فقد ضحّى بابنه، ولم يقبل أن يخون العهد بتسليم الأدرع التي أودعت عنده، ومن أمثلة ذلك أيضا أنه لما ظفر الحارث بن عبّاد بقاتل ابنه، وهو المهلهل بن ربيعة في حرب البسوس، وهو لا يعرفه قال له: إذا دللتك على

6 - العفو عند المقدرة

المهلهل تطلقني؟ قال له: نعم، فقال له: أنا مهلهل، فاكتفى بأن جزّ ناصيته وتركه، ولم يقبل أن يخلف وعده. 6- العفو عند المقدرة وقد كان الواحد منهم ينازل خصمه، وقرنه، حتى إذا أمكنه الله منه، عفا عنه وتركه، بل كان يأبى أن يجهز على جريح. 7- حماية الجار وإجارة المستجير وكانوا إذا استجار بالواحد منهم مستجير أجاره، وربما ضحّى بنفسه وولده في سبيل إجارته، كما كانوا يرعون حقوق الجار، ولا سيما رعاية حرمه، والمحافظة على عرضه، قال شاعرهم: وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها 8- القناعة والرضا باليسير ومن أخلاق العرب القناعة، وهي الرضا باليسير، ولعل طبيعة البلاد هي التي فطرتهم على هذا، فقد كان الواحد منهم يسير الأيام مكتفيا بتمرات يقيم بها صلبه، ورشفات من ماء يرطب بها كبده، وقلة تكاليف الحياة جعلتهم يكتفون بالقليل قال قائلهم: إذا لم تكن إبل فمعزى ... كأن قرون جلتها «1» العصيّ فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ 9- قوة الروح، وعظمة النفس والعربي يمتاز إلى شجاعته البدنية، بقوة الروح وعظمة النفس، وإذا اجتمعت البطولة النفسية إلى البطولة الجسمانية صنعتا العجائب. وهذا ما حدث بعد تشرفهم بالإسلام، وتواحدهم تحت لوائه فإنهم لم يهابوا الفرس ولا الروم على كثرة عددهم وعددهم، وكان لهم معهم في حروبهم مواقف مشهورة.

_ (1) المسن منها.

10 - الصبر على المكاره وقوة الاحتمال

10- الصبر على المكاره وقوة الاحتمال ولعلهم اكتسبوا ذلك الخلق من طبيعة بلادهم الصحراوية الجافة، قليلة الزرع والماء، فألفوا اقتحام الجبال الوعرة، والسير في حرّ الظهيرة، ومرنوا على الحر والبرد، ولهذا لما دخلوا في الإسلام بعد ضربوا في الصبر وقوة الاحتمال مثلا لم تعرف لغيرهم، ولم يؤثر فيهم الحر، والبرد، ولا وعورة الطريق، ولا بعد المسافة، ولا الجوع، ولا الظمأ حينما كلفوا بالجهاد. هذه الفضائل وغيرها كانت رصيدا مدخرا في نفوس العرب حتى جاء الإسلام فنماها وقواها، ووجهها وجهة الحق والخير، فلا عجب إذا كانوا انطلقوا من شبه جزيرتهم كما ينطلق الملائكة الأطهار، ففتحوا الأرض، وملأوها إيمانا بعد أن ملئت كفرا، وعدلا بعد أن ملئت جورا وظلما، وفضائل بعد أن عمتها الرذائل، وخيرا بعد أنه طفحت شرا، وتحققت سنة الله تعالى لهم حيث قال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (5) «1» .

_ (1) الاية 5 من سورة القصص.

حالة العرب الاقتصادية

حالة العرب الاقتصادية كان العرب بدوا، وحضرا. أما البدو فكان عماد حياتهم على تربية النّعم، والانتجاع بها مساقط الغيث ومواطن الكلأ، وكانوا يأكلون من لحومها وألبانها، ويكتسون، ويصنعون خيامهم وأثاثهم من أوبارها وأصوافها، ويبيعون ما زاد عن حاجتهم منها، وكان ثراؤهم بحسب ما يملكون من رؤوس الإبل، والبقر، والغنم. أما حياة الحضر فمنهم من كانوا يعتمدون في معايشهم على الزراعة: زراعة الحبوب، والفواكه، والنخيل، والخضر، وذلك في البلاد ذات الأراضي الخصبة كاليمن، والطائف، والمدينة، ونجد، وخيبر وما شابهها، أما الكثرة الكاثرة منهم فكان اعتمادهم على التجارة، ولا سيما أهل مكة فقد كان لهم مركز ممتاز في التجارة وكان لهم بحكم كونهم أهل الحرم منزلة في نفوس العرب، فلا يعرضون لهم، ولا لتجارتهم بسوء، وقد تمنن الله عليهم بذلك في القران الكريم قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) «1» . وكانوا يجعلون التجارة في قمة وجوه المكاسب والارتزاق.

_ (1) الاية 67 من سورة العنكبوت.

وقد اقتسم بنو عبد مناف التجارة إلى الأقطار فيما بينهم، فكان هاشم يتوجه إلى الشام، وعبد شمس إلى الحبشة، والمطّلب إلى اليمن، ونوفل إلى فارس، وزاول بعض أبنائهم التجارة من بعدهم. وكذلك اشتهر بالتجارة اليمنيون، ولم يكن نشاطهم مقصورا على التجارة البرية بل اشتغلوا بالتجارة في البحار، فسافروا إلى سواحل أفريقية، كالحبشة والسودان، والصومال، وغيرها من بلاد أفريقيا وإلى الهند وجاوة، وسومطرة، وغيرها من بلاد اسيا، وجزر المحيط الهندي أو البحر العربي كما يسمّى، وقد كان لهم فضل كبير بعد اعتناقهم الإسلام، في نشره في هذه الأقطار. وكانت وسيلة نقل التجارة هي القوافل التي تتكون من الإبل التي تعتبر سفن الصحراء، لما لها من قوة، وجلد، وصبر على العطش، وتحمل الأسفار البعيدة. وكان يزاول التجارة بعض الأشراف كهاشم، وأبي طالب، وأبي لهب والعباس، وأبي سفيان بن حرب، وأبي بكر، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله وغيرهم، منهم من كان يتّجر في ماله، ومنهم من كان يعمل لغيره بالأجر، أو المضاربة، كما حدث من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في اتجاره في مال خديجة رضي الله عنها- ومن الأشراف من كان يتّجر له مواليه ومماليكه. وكان بعض الحضريّين يشتغل برعي الإبل، أو الغنم لنفسه، أو لغيره، ولا غضاضة في هذا سواء أكان من الأشراف، أم من غيرهم، وقد رعى رسول الله الغنم في صغره، وكذلك فعل عمر بن الخطاب وابن مسعود وغيرهما وكانت القوافل تحمل الطيب، والبخور، والمر، والصمغ، واللبان، والتوابل، والتمور، والروائح العطرية، والأخشاب الزكية، والعاج، والابنوس، والخرز، والجلود، والبرود اليمنية، والأنسجة الحريرية، والأسلحة، وغيرها مما يوجد في شبه الجزيرة، أو يكون مستوردا من خارجها، ثم تذهب به إلى الشام وغيرها، ثم تعود محملة بالقمح، والحبوب، والزبيب، والزيوت، والمنسوجات الشامية وغيرها.

التعامل بالربا

التعامل بالربا وكان التعامل بالربا سائدا في الجزيرة العربية، ولعل هذا الداء الوبيل سرى إلى العرب من اليهود الذين استحلوا الربا في معاملة غير شعب بني إسرائيل، وكان للمعاملات الربوية صور مؤلمة وبخاصة (ربا النساء) فقد كان الداين يقول لمدينه: إما أن تقضي وإما أن تربي وأزيدك في الأجل، فيقبل حتى يصير الدرهم أضعافا مضاعفة، وكان يتعامل به الأشراف وغيرهم، ولا سيما في ثقيف بالطائف، وقد كان الربا من المفاسد الاقتصادية التي قضى عليها الإسلام. وكذلك كانت لهم معاملات أخرى في البيوع، منها ما حرمه الإسلام وأبطله، ومنها ما أقره وعدّل فيه حتى يصير شرعيا، وفي كتب الحديث، والفقه صور كثيرة لهذه البيوع. رحلتا الشتاء والصيف وكانت لقريش رحلتان عظيمتان شهيرتان: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، يذهبون فيهما امنين بينما الناس يتخطفون من حولهم، هذا عدا الرحلات الاخرى التي يقومون بها طوال العام، وقد تمنن الله عليهم بهما فقال سبحانه: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) «1» . أسواق العرب وكان للعرب أسواق مشهورة: عكاظ؛ ومجنّة؛ وذو المجاز «2» . قال الإمام الفيومي: عكاظ- وزن غراب- سوق من أعظم أسواق الجاهلية، وراء قرن المنازل بمرحلة، من عمل الطائف على طريق اليمن، وقال أبو عبيد: هي

_ (1) سورة قريش. (2) عكاظ: بضم العين على وزن غراب، ومجنة: بفتح الميم وتكسر، وفتح الجيم وتشديد النون، وذو المجاز: بفتح الميم. أسماء أماكن كانت تقام هذه الأسواق فيها.

صحراء مستوية لا جبل بها ولا علم؛ وهي بين نجد، والطائف، وكان يقام فيها السوق في ذي القعدة نحوا من نصف شهر، ثم يأتون موضعا دونه إلى مكة يقال له: سوق مجنة فتقام فيه السوق إلى اخر الشهر؛ ثم يأتون موضعا قريبا منه يقال له: ذو المجاز، فيقام فيه السوق إلى يوم التروية، ثم يصدرون إلى منى «1» . وكانت عكاظ أشهر هذه الأسواق، وأذكرها وأعظمها. يغشاها العرب من كل أنحاء الجزيرة العربية؛ وإن كانت قبائل مضر أكثر غشيانا لها من غيرها لوقوعها في منطقتها «2» . وفي السيرة الحلبية «3» : أن العرب كانت إذا حجّت تقيم بعكاظ شهر شوال، ثم تجيء إلى سوق مجنة تقيم فيه عشرين يوما؛ ثم تجيء إلى ذي المجاز فتقيم به إلى أيام الحج؛ ولكن المعروف أن شوال ليس من الأشهر الحرم، وهذه الأسواق إنما كانت تقام فيها، حتى يأمن الناس على أنفسهم، وأموالهم. ويذكر بعض المؤلفين في أخبار مكة أن العرب كانوا يقيمون بعكاظ هلال ذي القعدة، ثم يذهبون منه إلى مجنة بعد مضي عشرين يوما من ذي القعدة، فإذا رأوا هلال ذي الحجة ذهبوا إلى ذي المجاز فلبثوا فيها ثمان ليال، ثم يذهبون إلى عرفة «4» ، وهو قريب مما ذكره أبو عبيد، وكانوا لا يتبايعون في عرفة، ولا أيام منى حتى جاء الإسلام فأباح لهم ذلك قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ (198) «5» . يعني بالتجارة في منى وعرفات. وقد استمرت هذه الأسواق في الإسلام إلى حين من الدهر، ثم درست،

_ (1) المصباح المنير مادة «عكاظ» . (2) مكة والمدينة، ص 84. (3) ج 1 ص 397. (4) درر الفوائد المنتظمة، في أخبار الحاج وطريق مكة، ص 66. (5) الاية 198 من سورة البقرة.

فأما عكاظ فتركت عام الحروري بمكة أبي حمزة المختار بن عوف الإباضي في سنة تسع وعشرين ومائة، وخاف الناس أن ينتهبوا، وخافوا الفتنة فتركت حتى الان، ثم تركت مجنة؛ وذو المجاز بعد ذلك؛ واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعرفات «1» . ولم تكن هذه الأسواق للتجارة فحسب، بل كانت أسواقا للأدب والشعر والخطابة يجتمع فيها فحول الشعراء ومصاقع الخطباء، ويتبارون فيها في ذكر أنسابهم، ومفاخرهم، وماثرهم، وبذلك كانت ثروة كبرى للغة، والأدب، إلى جانب كونها ثروة تجارية، وقد أتاحت هذه الفرص لقريش أن يطعّموا لغتهم بغيرها من لغات القبائل، ويختاروا منها ما يشاؤون، فمن ثمّ كانت اللغة القرشية أعذب اللغات على اللسان، وأحلاها عند الأسماع، وأثراها وأكثرها شمولا، كما كانت هذه الأسواق أدوات تقريب بين اللهجات العربية.

_ (1) درر الفوائد المنتظمة، ص 67.

مدنية العرب وحضارتهم قبل الإسلام

مدنية العرب وحضارتهم قبل الإسلام يجمل بي قبل الدخول في الموضوع أن أبين معنى الحضارة «1» . مفهوم الحضارة عند العلماء المسلمين، أو علماء الاجتماع منهم خاصة هي كما بينها الإمام العلّامة عبد الرحمن بن خالدون في مقدمته «أن الحضارة عبارة عن نمط من الحياة المستقرة، ينشىء القرى والأمصار، ويضفي على حياة أصحابه فنونا منتظمة، من العيش، والعمل، والاجتماع، والعلم، والصناعة، وإدارة شؤون الحياة، والحكم، وترتيب وسائل الراحة، وأسباب الرفاهية» «2» . أما مفهوم الحضارة عند المحدثين فيعرفها أصحاب المعاجم «بأنها مظاهر الرقي العلمي، والفني، والأدبي، والاجتماعي في الحضر» «3» . ولا يعكّر على هذا التعريف إلا قصر تلك المظاهر على الحضر أي المدن، مع أن المكان لا دخل له في تغيير حقائق الأشياء، وطبائعها، فهل لو وجدت تلك المظاهر، أو بعضها في القرى أصبحت شيئا غير ذلك؟ ما نظنّ هذا، ومن ثمّ يكون تعريف ابن خالدون أسلم منطقا، وأشمل مفهوما، وأدق تحديدا. ويستخلص من هذين التعريفين أن الحضارة عبارة عن إنتاج الإنسان

_ (1) الحضارة لغة الإقامة الثابتة المستقرة في المدن والقرى، ويقابلها البداوة. وصلة المعنى اللغوي بالمعنى الاصطلاحي الاتي بيانه ظاهرة، لأن الإقامة الثابتة في المدن أو القرى تستلزم النشاط العقلي والوجداني والسلوكي الذي ينتج الحضارة. (2) مقدمة ابن خالدون. (3) المعجم الوسيط.

الاجتماعي الواعي، بحيث تتجلّى في هذا الإنتاج خصائصه الفكرية، والوجدانية، والسلوكية. وهذا المفهوم يتسع لكل ما يتصل بالروح، والفكر، والفلسفة، والأخلاق، والقانون، والفنون، فضلا عن الجانب المادي من العمران، وما ينتجه العلم التجريبي والاختراع مما يتصل بجميع مرافق الحياة كالصناعة والزراعة، والطب، والهندسة، وما إليها مما يكون عونا على تيسير العيش، ورغد الحياة. كما يستخلص من هذا أيضا أن المجتمعات تختلف في نموها الحضاري، بمقدار ما تسهم في تحقيق عناصر الحضارة في حياتها، وبمقدار ما يسعفها وعيها، وظروفها البيئية في هذا الصدد «1» . بناء على هذا نقول: هل كانت للعرب حضارة قبل الإسلام؟. نعم. قد كانت لهم حضارة في اليمن، وفي ديار عاد، وفي ديار ثمود، وفي الحيرة، وفي بلاد غسان، وفي بلاد الشام، بل وفي بلاد الحجاز ذاتها: في مكة، والمدينة، والطائف. وقد علمت ما كان في اليمن من قيام ممالك ذات سيادة وسلطان، ولها نظم وقوانين، ومجالس شورى وقضاء، إلى غير ذلك مما ذكرناه سابقا، وما وصلت إليه الممالك من حضارة زاهية وعلم وفن، فقد أقاموا السدود، والخزانات، للاستفادة بالماء، وعدم تبدده في الصحراء، وبذلك تمّ لهم تنظيم الصرف، والري، وليس من شك في أن هذا يتطلب فنا، وعلما بالأصول الهندسية، وتقدما في الفن المعماري، وناهيك بسد (مأرب) الذي يعدّ من أفخم وأضخم ما صنعه الإنسان في العصور القديمة، وفيما قصه القران الكريم عن مملكة (سبأ) وما كشف عنه علماء الاثار في الزمن الأخير ما يشهد لذلك، وقد بلغت اليمن من بسط العيش، ورخاء الحياة، وفخامة المدنية ما حمل معاصريهم من اليونانيين أن يسموا بلادهم (بلاد العرب السعيدة) . وكذلك كان في عاد حضارة زراعية، وصناعية، وتجارية، ومعمارية،

_ (1) من محاضرة في أسبوع القران بجامعة أم درمان الإسلامية للدكتور فتحي الدريني.

دولة حمورابي

وكذلك كان في ثمود، وبحسبهم أنهم كانوا ينحتون في الجبال بيوتا في غاية الدقة والإحكام، وكذلك قامت في (الحيرة) على تخوم بلاد الفرس مملكة ذات شأن، وقامت حضارة بلغت في الفن المعماري مبلغا عظيما، وبحسبنا القصران الشهيران: الخورنق، والسدير، اللذان لا تزال اثارهما باقية إلى الان. وفي بلاد غسان قامت حضارة، وكان هناك عمران، وتجارة، وزراعة، وصناعة ونظم وقواعد لضبط شؤون الملك. وفي دولة الأنباط قامت مملكة، وكانت حضارة، وفي دولة تدمر قامت مملكة، وكانت حضارة أصيلة، ولا تزال اثار المعابد والقصور في هاتين الدولتين باقية إلى يومنا، شاهدة على ما بلغ القوم من حضارة. دولة حمورابي وإذا صح ما ذكره المؤرخون أن دولة حمورابي في بابل كانت عربية، وأن أصلها هم العماليق الذين نزحوا من بلاد العرب إلى بلاد العراق، ثم كونوا لهم مملكة (ببابل) في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد- تكون هذه الدولة من أقوى الشواهد على حضارة العرب، فقد كانت هذه الدولة لا تقل في الحضارة والمدنية عن أرقى أمم الأرض حضارة في زمانها. وقد ثبت أن العرب العماليق ملكوا مصر في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وأنهم أسسوا بها أسرة مالكة، فلم يكونوا أقل من الأسر المصرية في شيء «1» . وكذلك نشأت في بلاد الحجاز حضارة في مكة، والمدينة، والطائف، ونحوها من المدن المشهورة، فكان هناك بناء وعمارة، وكانت هناك تجارة، وتجار مهرة يصيرون من رمال الصحراء ذهبا، وكانت هناك زراعة وبساتين، في المدينة، وفي الطائف، واليمامة، وهجر. وكان بمكة مجلس للشورى يرجعون إليه في الأمور المهمة، ودار لهذا،

_ (1) دائرة معارف القرن العشرين، ج 6 مادة: عرب.

وهي (دار الندوة) فكانوا يجتمعون فيها كلما أهمهم أمر، ويجتمعون فيها اجتماعا عاما كل عام، وكانت تدار فيها المناقشات بكل حرية، وهي تدل على نضجهم التفكيري، ومن يقرأ الحوار الذي دار بينهم في الائتمار بالنبي صلّى الله عليه وسلّم قبيل الهجرة يعلم ما وصل إليه العرب في باب الشورى «1» . وإذا كان الجانب الأخلاقي من العناصر المهمة في تكوين الحضارة فقد كان للعرب- حضرا وبدوا- من ذلك رصيد ضخم من كرم، وشجاعة، وحماية للذمار، ومروءة، ونجدة، ورعاية للجار، ووفاء بالعهد، وإباء للضيم والذل، إلى غير ذلك مما لم نذكره، وإن حضارة الأخلاق الكريمة، والصفات النفسية الأصيلة لأهم- عندي- من حضارة البناء، والصناعة، والزراعة، إذ عليها تقوم الأمم التي تستحق البقاء والخلود، وماذا تجدي الحضارة المادية إذا كانت النفوس خالية من المعاني النفسية، والأخلاق الكريمة؟! لقد كان للعرب خصائص فطرية، وعقلية، ونفسية، وخلقية هي التي أهلتهم لأن يكون منهم سيد البشر وقمة العرب سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأن يكونوا حملة هذه الرسالة العامة الخالدة للناس أجمعين، وصدق الله في قوله: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (124) «2» . ومهما يكن من شيء فقد كان للعرب في جاهليتهم ممالك وحضارات ساهمت إلى حد كبير في بناء الحضارة الإنسانية، فلا تعجب- أيها القارىء الكريم- إذا كانوا لما اعتنقوا الإسلام عن يقين واقتناع صنعوا الأعاجيب في باب الحضارة، وبلغوا فيها شأوا لم تبلغه أمة من الأمم، ولا تزال اثار هذه الحضارة الإسلامية باقية إلى يومنا هذا. لقد كانت هذه الحضارة من أقوى الأسس التي قامت عليها الحضارة الأوروبية في العصر الحديث، كما شهد بذلك المنصفون من أبناء هذه البلاد.

_ (1) إنما أردت الاستدلال على نضجهم الفكري وطريقتهم في عرض الاراء وقبولها أو رفضها فحسب، أما الائتمار وما انتهوا إليه من عزم على قتل الرسول فهو ولا ريب جريمة، وأمر منكر. (2) الاية 124 من سورة الأنعام.

الفصل الثاني الخليل ابراهيم عليه السلام

الفصل الثاني الخليل ابراهيم عليه السّلام أرى لزاما عليّ قبل أن أذكر كيف نبعت زمزم ومتى بني البيت الحرام ومن بناه؟ ورؤيا الخليل في ذبح ابنه وحيده وبكره: إسماعيل، أن أذكر كلمة عن خليل الرحمن، وأبي الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم. هو نبي الله إبراهيم بن ازر «1» ، بن ناحور، بن ساروغ، بن راعو، بن فالغ، بن عابر، بن شالح، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح، عليه السلام «2» . وكان عمر (ازر) أو (تارخ) خمسا وسبعين سنة لما ولد له إبراهيم، وكان له أخوان: (ناحور) و (هاران) وكان إبراهيم هو الأوسط، و (هاران) هو أبو (لوط) عليه السلام- وكان مولد الخليل إبراهيم بأرض الكلدانيين بالعراق، وهي بابل وما جاورها، وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير، والتواريخ، والأخبار. ولما كبر إبراهيم تزوج السيدة سارة، ابنة عمه «3» ، ثم خرج (ازر) ومعه

_ (1) في القران الكريم (ازر) وفي كتب أهل الكتاب (تارخ) والمعتمد عندي ما في القران، وقد حاول بعض العلماء التوفيق بينهما، فقيل إن ازر لقب له، وتارخ اسمه، وقيل: لعل له اسمين: ازر وتارخ، فإن صح شيء من هذين فلا يكون هناك خلاف بين القران والتوراة. (2) البداية والنهاية، ج 1 ص 139. (3) البعض يقول: إنها ابنة أخيه (هاران) ، وأن شريعتهم كانت تجيز هذا، وهو غير صحيح، والصحيح: أنها ابنة عمه، ونربأ بأبي الأنبياء أن يتزوج ابنة أخيه، وإنما هذه

هجرة الخليل إلى بلاد الشام

ابنه إبراهيم، وزوجته سارة، وابن أخيه (لوط) بن (هاران) من أرض الكلدانيين، إلى أرض الكنعانيين، فنزلوا (حرّان) وكان أهل حرّان يعبدون الكواكب والأصنام، وكذلك كان أهل بابل (كلدانيا) ، ولما نبىء الخليل وبعثه الله إلى قومه دعاهم إلى التوحيد وعبادة الله واحده، ونبذ عبادة الكواكب والأصنام، وكان حريصا على هداية أبيه إلا أنه لم يستجب إليه، وناظر أباه، وناظرهم، وقرع باطلهم بالحجة والبرهان، وقد قص القران الكريم ذلك باستفاضة «1» . وبحرّان مات (تارخ) أو (ازر) أبو إبراهيم عليه السلام وله مائتان وخمسون عاما، وفي نفس إبراهيم أسى ولوعة على عدم إيمانه، وقد تعرض الخليل بسبب دعوته إلى الله، وتكسيره أصنام القوم إلى الإيذاء والبلاء، حتى انتهى به الأمر إلى الإلقاء في النار، ولكن كل ذلك لم يثنه عن الدعوة إلى ربه وتبليغ شريعته. هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم هاجر الخليل إبراهيم إلى الأرض المباركة أرض الشام، ومعه زوجته السيدة سارة، وابن أخيه (لوط) ، وكانت امرأة الخليل عاقرا، ولم يكن له من الولد أحد، ثم وهبه الله بعد ذلك الأولاد الصالحين، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، خلعة من الله، وكرامة له حينما ترك بلاده وأهله وأقرباءه، وهاجر إلى الله حيث يتمكن من عبادة ربه، ودعوة الخلق إليها، وقام بتبليغ رسالته في بلاد الشام، أما ابن أخيه (لوط) فقد أرسله الله إلى أهل (سدوم) «2» .

_ - من الأخبار الإسرائيلية المكذوبة، قال ابن كثير: ومن زعم أنها ابنة أخيه هاران- كما حكاه السهيلي عن العتيبي والنقاش- فقد أبعد النجعة، وقال بلا علم، ومن ادعى أن تزوج ابنة الأخ كان إذ ذاك مشروعا فليس له على ذلك دليل، ولو فرض أن هذا كان مشروعا في وقت- كما هو منقول عن الربانيين من اليهود- فإن الأنبياء لا تتعاطاه (البداية والنهاية، ج 2 ص 150) . (1) انظر سورة مريم 41- 48؛ وسورة الأنبياء 51- 71. (2) سدوم: بلد من بلاد الشام وقيل إنها بالذال المعجمة كما في القاموس.

رحلة الخليل إلى مصر

رحلة الخليل إلى مصر ثم ارتحل الخليل ومعه زوجه إلى مصر، وكان بها ملك جبار ظالم لا يمر به رجل ومعه زوجته، إلا اغتصبها منه وقتله، فلما راهما عيون الملك قالوا له: إن ههنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، وسأله عنها فقال: من هذه؟ قال: أختي، ثم أتى الخليل سارة، فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذّبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده، فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، وإنما أتيتموني بشيطان!! فقال: ارجعوها إلى إبراهيم، وأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مهيم- يعني ما الخبر- فقالت: «ردّ الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره، وأخدم هاجر» «1» . وفي مسند الإمام أحمد أنها لما دخلت عليه دعت قائلة: «اللهم إن كنت تعلم أني امنت بك وبرسلك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط عليّ هذا الكافر» . وقد عصمها الله وصانها لعصمة عبده، ورسوله، وحبيبه، وخليله إبراهيم- عليه السلام- وتقبلا لدعائها ودعائه، فقد لجأ الخليل وقت ذهب بها إلى الجبار- إلى الصلاة، وإلى الدعاء: أن يرد الله كيد هذا الذي أراد أهله بسوء، ومن هذا نرى أن الصلاة كانت- ولا زالت- ملاذا يلجأ إليها المكروبون والمهمومون. استيلاد الخليل هاجر ثم رجع الخليل- عليه السلام- وزوجه سارة من بلاد مصر إلى بلاد الشام، ومعهما أنعام وعبيد ومال جزيل، ومعهما هاجر القبطية المصرية، فأقام بها نحو عشرين سنة، وكانت نفسه- عليه السلام- تتوق إلى الولد، حتى سأل الله ذرية طيبة، فبشره الله بغلام حليم، والله سبحانه إذا أراد شيئا مما يجري بين

_ (1) صحيح البخاري- كتاب الأنبياء- باب «واتخذ الله إبراهيم خليلا» .

إسكان هاجر وإسماعيل بجبال فاران

الناس هيأ له الأسباب، فألهم سارة، فقالت لإبراهيم: إن الرب قد أحرمني الولد، فادخل على أمتي هذه لعل الله يرزقك منها ولدا فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم- عليه السلام- فحملت منه، ثم وضعت إسماعيل- عليه السلام- وقد ولد ولإبراهيم الخليل ست وثمانون سنة، وبعد ذلك بشرت الملائكة سارة بإسحاق نبيا من الصالحين؛ فولدته بعد العقم، وعلى الكبر، ولإبراهيم نحو من مائة سنة، فبين ولادة إسماعيل وإسحاق ما يقرب من أربعة عشر عاما. ومن ذرية إسماعيل كانت العرب العدنانية على اختلاف قبائلها وبطونها، ومن سلالته من الأنبياء خاتمهم، وواسطة عقدهم، ونبي العرب والعجم: سيدنا محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي صلّى الله عليه وسلّم. إسكان هاجر وإسماعيل بجبال فاران «1» ولما وضعت هاجر المصرية «2» إسماعيل داخل السيدة سارة ما يداخل الضرائر من الغيرة، لأنها لم ترزق بولد، وقد تراءى لها أن هاجر بدأت تتعاظم عليها، فصارت تلاحقها بالأذى. فأمر الله خليله إبراهيم أن يذهب بهاجر وابنها إسماعيل إلى واد بجبال فاران، حيث يوجد مكان الكعبة البيت الحرام، وكان هضبة حمراء مشرفة، تطييبا لخاطر السيدة الصابرة سارة، وتنفيذا لما سبق به التقدير الإلهي من بناء البيت، وأن يصير من نسل إسماعيل أمة مسلمة عظيمة، وأن يبعث فيها رسولا من أنفسها، يتلو عليهم من آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، فأخذهما الخليل وذهب بهما إلى هناك، وترك عندهما جرابا من تمر وسقاء من ماء، ثم عاد، فجرت وراءه هاجر، وهي تقول: إلى من تتركنا يا خليل الرحمن؟ الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت: إذا لا يضيّعنا!! وهذا يدل على إيمانها، وشدة توكلها على ربها، وأنها جديرة أن تكون أما لنبي عظيم، ولأمة عظيمة.

_ (1) فاران: هي مكة كما يعبر عنها في التوراة. (2) هي من قرية «أم العرب» ويقال: أم عريك كانت أمام الفرما.

نبع عين زمزم

نبع عين زمزم فلما نفد الماء صار إسماعيل يتمرغ ويتلوى من شدة العطش، فلم تطق أن تراه هكذا، وخرجت تسعى نحو الصفا، فصعدت عليه علّها تجد ماء، ثم نزلت مهرولة إلى المروة، ووقفت تنظر حواليها عسى أن تجد ماء، فلم تجد، ثم عادت إلى الصفا، وهكذا صارت تسعى بين الصفا والمروة حتى أكملت سبعة أشواط، فكان هذا أصلا لفريضة السعي بينهما، ثم نزلت وهي هلعة جزعة أن لم تجد ماء، فسمعت من يناديها ويقول: جاءك الغواث، فصارت ترهف سمعها إلى الصوت وتتسمع، حتى نزل جبريل- عليه السلام- وهو في صورة طائر، فضرب الأرض بجناحه، وقيل بعقبه، فنبعت عين زمزم، فصارت تحوط عليها التراب من شدة الفرح، وتقول لها: زمي، زمي فشربت وشرب إسماعيل حتى رويا، ولم تخف العطش والضّيعة بعدها، وسمعت من يقول لها لا تخافي الضّيعة، فإن ههنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله!! حصول الأنس بجرهم ونشأة مكة ثم مرت بهاجر وابنها رفقة «1» من قبيلة جرهم إحدى القبائل التي نزحت من اليمن، فنزلوا في أسفل المكان الذي بنيت فيه مكة، فرأوا طيرا يحوم «2» حول مكان قريب منهم، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، إن عهدنا بهذا الوادي ليس فيه ماء «3» ، فأرسلوا رسولا منهم، فإذا هو بالماء، فأخبرهم به، فأقبلوا نحوه وكانت أم إسماعيل عند الماء، فقالوا لها: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت نعم، ولكن لا حق «4» لكم في الماء عندنا، قالوا: نعم، وقد سرت هاجر، فقد وجدت من يؤنسها، ويزيل وحشتها، فنزلوا، وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا، وابتنوا بيوتا حتى صارت من ذلك أبيات عدة.

_ (1) جماعة. (2) يدور. (3) هذا يدل على أن مكة لم تكن وجدت بعد. (4) لا ملك لكم فيه، أما الشرب فنعم.

قصة الذبيح

وكان إسماعيل لا يزال غلاما، فلما شب وكبر اختلط بهم، وتعلم منهم العربية حتى صارت له لسانا، فكان أبا للعرب المستعربة. روى أبو عبيدة قال: حدثنا مسمع بن عبد الملك عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن عن ابائه قال: أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة «1» ، وتعلم منهم الرمي والقنص، ولما كبر إسماعيل أعجبهم، فوجدوا فيه من الخصال والفضائل ما حببهم فيه، فزوّجوه منهم. قصة الذبيح وكان الخليل- عليه السلام- يتعهد إسماعيل وأمه هاجر بين الحين والحين، ويزورهما كلما حن الشوق إليهما، وكان الغلام إسماعيل قد شب عن الطوق، وصار يسعى في مصالحه، وأهلا لمعاونة أبيه، وفي زورة من الزورات رأى الخليل في منامه من يأمره بذبح ولده ووحيده، ورؤيا الأنبياء وحي- كما في الحديث الشريف- فلم يشك الخليل في صدق الرؤيا، ولكن الأمر يتعلق بابنه، وفلذة كبده، فكان لا بد أن يتروّى في الأمر، فرأى مثل ذلك في الليلة الثانية، وقيل: إن ذلك كانت ليلة اليوم الثامن من ذي الحجة فسمي يوم التروية «2» ثم تريث أيضا فرأى مثل ذلك في الليلة الثالثة وقيل إن ذلك كان ليلة التاسع فسمي: يوم عرفة «3» ، فلم يكن بدّ- بعد ثلاث- من امتثال أمر الله والصبر على البلاء، ولكنه رأى أن يعرض الأمر على ولده؛ ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه من أن يأخذه قسرا، أو يبغته فجأة، فعرضه عليه، فكان- كما وصفه الله- حليما، وجديرا بأن يكون رسولا نبيا، فقال: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) «4» .

_ (1) البيان والتبيين ج 3، ص 21 والمراد من ولد إبراهيم- عليه السلام-. (2) وقيل لأن الحجاج كانوا يحملون معهم فيها الماء قبل الخروج لأداء المناسك. (3) وقيل غير ذلك وإنه سمي يوم عرفة لأن ادم وحواء تعارفا فيه في الأرض بعد أن نزلا من الجنة. (4) الاية 102 من سورة الصافات.

الذبيح إسماعيل لا إسحاق

وأخذ الخليل بيد ابنه ووحيده، وخرج به إلى المنحر بمنى، وأضجعه على وجهه، وأخذ السكين بيده، وأمرّها على عنق ابنه، فما قطعت، ولا أثّرت، وحينئذ نودي من السماء: أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا، وامتثلت الأمر، وإنا قد فدينا ابنك بما تيسّر لك من كبش سمين، فطلب كبشا، فذبحه مكان إسماعيل، فكانت التضحية سنة باقية في عقبه إلى يوم الدين، واستحق الخليل وابنه إسماعيل أن يكونا مثلين في الاخرين. وأن يكون عليهما السلام من رب العالمين. وإليك القصة كما حكاها الله في القران الكريم، قال سبحانه: وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ «1» قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ «2» لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ «3» عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) «4» . الذبيح إسماعيل لا إسحاق الذي يدل عليه القران الكريم، والأحاديث، والاثار الثابتة، أن الذبيح هو إسماعيل- عليه السلام- ولكن اليهود تدسّسوا إلى الرواية في الإسلام، فدسّوا فيها بعض الروايات الضعيفة التي تدل على أنه إسحاق وهذا من عداوة اليهود المتأصلة للعرب، فقد أرادوا ألايكون للجد الأعلى للنبي الأمي فضل

_ (1) بلغ سنا يسعى فيها في مصالحه، ويعين أباه. (2) تله أي ألقاه على وجه. (3) كبش سمين. (4) الايات 99- 111 من سورة الصافات.

أو مزية، حتى لا ينجرّ هذا الفضل إلى نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، وبالتالي إلى الجنس العربي. ولم يقف أمرهم عند حد الدس في الروايات الإسلامية، بل قام أسلافهم بتحريف التوراة ذاتها، حتى يتم لهم ما أرادوا، ولكن الله أبى إلا أن يغافلوا عما يدل على هذه الجريمة، والجاني- غالبا- يترك ما يدل على جريمته. والحق يبقى له شعاع- ولو خافت- يدل عليه مهما حاول المبطلون إخفاء نوره، وطمس معالمه، فقد حذفوا من التوراة لفظ «إسماعيل» ووضعوا بدله لفظ «إسحاق» ، ولكنهم غفلوا عن كلمة كشفت عن التزوير، وعن هذا الدس المشين، ففي التوراة (الإصحاح الثاني والعشرون- فقرة 2) : «فقال الرب: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب إلى أرض المريا. وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك ... » «1» . وليس أدل على كذب هذا من كلمة «وحيدك» ، وإسحاق- عليه السلام- لم يكن وحيدا قط، لأنه ولد ولإسماعيل نحو أربع عشرة سنة كما هو صريح توراتهم في هذا، وقد بقي إسماعيل- عليه السلام- حتى مات أبوه، الخليل، وحضر وفاته ودفنه. وإليك ما ورد في التوراة: في سفر التكوين (الإصحاح السادس عشر- الفقرة 16) ما نصه: «وكان أبرام- يعني إبراهيم- ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لأبرام» . وفي سفر التكوين (الإصحاح الحادي والعشرون- فقرة 5) : «وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولد له إسحاق ابنه ... » وفي الفقرة 9 وما بعدها ما نصه: « (9) ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح (10) فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها. لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق (11) فقبح الكلام جدا في عيني إبراهيم لسبب ابنه (12) فقال الله

_ (1) وقد ذكرت التوراة القصة في 14 فقرة، فليرجع إليها من يشاء، لتكون له الحجة عليهم من نفس كتابهم المقدس عندهم.

لإبراهيم: لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول سارة اسمع لقولها؛ لأنه بإسحاق يدعى لك نسل (13) وابن الجارية أيضا سأجعله أمة: لأنه نسلك» «1» إلى اخر القصة. فما قولكم يا أيها اليهود المحرفون؟ وكيف يتأتّى أن يكون إسحاق وحيدا؟! مع هذه النصوص التي هي من توراتكم التي تعتقدون صحتها، وتزعمون أنها ليست محرفة!! وقد دلّت التوراة، ورواية البخاري في صحيحه على أن الخليل إبراهيم أسكن هاجر وابنها عند مكان البيت المحرم حيث بني فيما بعد، وقامت مكة بجواره، وقد عبّرت التوراة بأنهما كانا في (برية فاران) ، وفاران: جبال بمكة، وهذا هو الحق أن قصة الذبح كان مسرحها بمكة ومنى وفيها يذبح الحجاج ذبائحهم اليوم. وقد حرّفوا في النص الأول، وجعلوه: «جبل المريا» وهو الذي عليه مدينة أورشليم بمدينة القدس العربية، ليتم لهم ما أرادوه، ولكن أبى الحق إلا أن يظهر تحريفهم!! وقد ذكر العلامة الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن كثير أن في بعض نسخ التوراة (بكرك) بدل وحيدك وهو أظهر في البطلان، وأدل على التحريف إذ لم يكن إسحاق بكرا للخليل بنص توراتهم كما ذكرنا انفا، فالحق أن الذبيح هو إسماعيل- عليه السلام- وهو الذي يدل عليه ظواهر الايات القرانية، فلا عجب أن ذهب إليه جمهرة الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، وأئمة الحديث، منهم السادة العلماء: علي، وابن عمر، وأبو هريرة، وأبو الطفيل، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والشعبي، والحسن البصري، ومحمد بن كعب

_ (1) ويصدّق هذا كتاب الله الشاهد على الكتاب السماوية كلها قوله سبحانه حكاية لمقالة إبراهيم، وإسماعيل عليهما السلام بعد أن بنيا البيت: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ولو أن اليهود وعوا ما جاء في التوراة والقران لعلموا أنه ستكون أمة لها شأنها من نسل إسماعيل، ولما حسدوا العرب على هذا الفضل.

القرظي، وسعيد بن المسيّب، وأبو جعفر محمد الباقر، وأبو صالح، والربيع بن أنس، والكلبي، وأبو عمرو بن العلاء، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، وفي زاد المعاد لابن القيم: أنه الصواب عند علماء الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وهذا الرأي هو المشهور عند العرب قبل البعثة وذكره أمية بن أبي الصلت في شعر له «1» . وقد نقل العلامة ابن القيم عن شيخه الإمام ابن تيمية في هذا كلاما قويا حسنا، أحببت نقل خلاصته لما فيه من الحجة الدامغة قال: «ولا خلاف بينهم أي النسابين- أن عدنان من ولد إسماعيل- عليه السلام- وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية- قدّس الله روحه- يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب مع أنه باطل بنص كتابهم؛ فإن فيه: «أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره» وفي لفظ «وحيده» ، ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده والذي غرّ أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم «اذبح ابنك إسحاق» قال: وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم لأنها تناقض قوله: «اذبح بكرك ووحيدك» «2» ، ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف، وأحبوا أن يكون لهم، وأن يسوقوه إليهم، ويحتازوه لأنفسهم دون العرب، ويأبى الله إلا أن يجعل فضله لأهله، وكيف يسوغ أن يقال: إن الذبيح إسحاق؟ والله تعالى قد بشّر أم إسحاق به، وبابنه يعقوب فقال تعالى- حكاية لقول الملائكة لإبراهيم لما أتوه بالبشرى-: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71) «3» .

_ (1) تفسير الالوسي ج 23، ص 135، 136. (2) قد بينت ذلك بذكر النصوص من التوراة انفا، والبكر أول مولود يولد للشخص. (3) الايتان 70- 71 من سورة هود.

فمحال أن يبشرها بأن يكون لها ولد ثم يأمر بذبحه، ولا ريب أن يعقوب عليه السلام- داخل في البشارة، فتناول البشارة لإسحاق ويعقوب في اللفظ واحد ويدل عليه أيضا أن الله سبحانه ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة الصافات (الايات من 103- 111) . ثم قال تعالى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) «1» . فهذه بشارة من الله تعالى له، شكرا على صبره على ما أمر به. وهذا ظاهر جدا في أن المبشّر به غير الأول، بل هو كالنص فيه. وأيضا فلا ريب أن الذبيح كان بمكة، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها، كما جعل السعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ تذكيرا لشأن إسماعيل وأمه، وإقامة لذكر الله. ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة، دون إسحاق وأمه، ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل، وكان النحر بمكة من تمام حجّ البيت الذي كان على يد إبراهيم وابنه إسماعيل زمانا ومكانا، ولو كان الذبح بالشام- كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقّى عنهم- لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة. وأيضا: فإن الله سبحانه وتعالى سمّى الذبيح حليما، لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه، ولما ذكر إسحاق سمّاه عليما فقال تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) إلى أن قال: قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) «2» .

_ (1) الاية 112 من سورة الصافات. (2) الايات 24- 28 من سورة الذاريات.

وهذا إسحاق بلا ريب، لأنه من امرأته، وهي المبشرة به، وأما إسماعيل فمن السرية «1» - يعني هاجر. وأيضا فلأنهما بشّرا به على الكبر، واليأس من الولد، وهذا بخلاف إسماعيل فإنه ولد قبل ذلك ... وأيضا فإن سارة امرأة الخليل صلّى الله عليه وسلّم غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة، فإنها كانت جارية، فلما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه اشتدت غيرة سارة؛ فأمر الله سبحانه أن يبعد عنها هاجر وابنها، ويسكنها في أرض مكة؛ لتبرد عن سارة حرارة الغيرة، وهذا من رحمة الله تعالى بها ورأفته وإبعاده الضرر عنها، وجبره لها، فكيف يأمر بعد هذه بذبح ابنها دون ابن الجارية؟! بل حكمته البالغة اقتضت أن يأمر بذبح ولد السرية، فحينئذ يرق قلب السيدة عليها وعلى ولدها وتتبدل قسوة الغيرة رحمة، ويظهر لها بركة الجارية وولدها، وأن الله لا يضيع بيتا، هذه وابنها منهم، وليري عباده جبره بعد الكسر، ولطفه بعد الشدة، وأن عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد، والواحدة، والغربة والتسليم إلى ذبح الولد- الت إلى ما الت إليه من جعل اثارهما، ومواطىء أقدامهما مناسك لعبادة المؤمنين، ومتعبدا لهم إلى يوم القيامة، وهذه سنته فيمن يريد رفعه من خلقه: أن يمنّ عليه بعد استضعافه، وذلّه، وانكساره، قال تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» «2» . وكذلك دلّت الأحاديث والاثار عن الصحابة والتابعين، روى الحاكم في

_ (1) قال في المصباح المنير: «والسرية: فعلية، قيل: مأخوذة من السّر- بالكسر- وقيل من السر- بالضم- بمعنى السرور، لأن مالكها يسر بها، فهو على القياس» وأما على الأول فضم السين من تغيير النسب. (2) زاد المعاد ج 1، ص 28- 30.

وشهد شاهد من أهلها

المستدرك، وابن جرير في تفسيره وغيرهما عن عبد الله بن سعيد الصنابحي قال: «حضرنا مجلس معاوية، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق، أيهما الذبيح؟ فقال بعضهم: إسماعيل، وقال البعض: إسحاق، فقال معاوية: على الخبير سقطتم، كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتاه أعرابي، فقال: يا رسول الله خلفت الكلأ يابسا، والمال عابسا «1» ، هلك العيال، وضاع المال، فعد علي مما أفاء الله تعالى عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم ينكر عليه، فقال القوم: من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل أمرها أن ينحر بعض بنيه، فلما فرغ أسهم بينهم فكانوا عشرة، فخرج السهم على عبد الله، فأراد أن ينحره، فمنعه أخواله بنو مخزوم، وقالوا: أرض ربك، وافد ابنك. ففداه بمائة ناقة، قال معاوية: هذا واحد، والاخر إسماعيل» «2» . وشهد شاهد من أهلها وروى ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي: أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلى رجل- كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه، وكان من علمائهم- فسأله: «أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل- والله يا أمير المؤمنين- وإن يهود لتعلم بذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب» وهذا هو الحق الذي لا ينبغي أن يكون غيره. وأما الحديث المشهور على الألسنة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنا ابن الذبيحين» فقد قال الإمام العراقي فيه: إنه لم يقف عليه. ولا يعرف بهذا اللفظ، وعلى هذا فلا يحتج به، ولا تجوز روايته، أو ذكره إلا مقترنا ببيان حاله. وقد وردت روايات أخرى موقوفة ومرفوعة في أن الذبيح إسحاق، إلا أن المرفوع منها إلى النبي- والحق يقال- إما موضوع، وإما ضعيف، فلا تثبت به

_ (1) المال: المراد به الحيوان أي عابسا من شدة الجوع والعطش. (2) هذا الحديث صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقيل: إنه حسن، وقد ضعفه بعض العلماء، وهو في حكم المرفوع لتقرير النبي لقول الأعرابي: يا ابن الذبيحين.

ولادة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام

حجة، والموقوف منها على الصحابة أو على التابعين إن صح سنده فهي من الإسرائيليات التي رويت عن أهل الكتاب الذين أسلموا بحسن نية، وحقيقتها أنها من دس اليهود، وحسدهم للعرب، أن يكون لجدهم الأعلى فضل. وقد اغتر بهذه الروايات التي لا تثبت أمام النقد بعض العلماء: كابن جرير الطبري، والقاضي عياض، والسهيلي فذهبوا إلى أنه إسحاق. وتحيّر بعضهم في تعارض الروايات، ولم يستطع أن يرجّح أو يصل إلى الحقيقة، فتوقف في الجزم برأي في هذا الموضوع كالإمام السيوطي، بل بعضهم ذهب إلى أن الذبح وقع مرتين: مرة بمكة لإسماعيل، ومرة بالشام لإسحاق. والحق هو ما ذهب إليه جمهور الصحابة، والتابعين، والعلماء الراسخين، من أنه إسماعيل، وأن الروايات في أنه إسحاق دسيسة يهودية، واختلاق ممقوت، دعا إليه الحقد والحسد للعرب، فلا تلق لذلك بالا، وإن وجد في بعض كتب التفسير، والحديث، والسير، والحق أحق أن يتبع. ولادة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام وبعد ميلاد إسماعيل ببضعة عشر عاما مرت ملائكة الرحمن بالخليل إبراهيم، وهم ذاهبون إلى تدمير قرى قوم لوط، فظنهم بشرا، وقرّب إليهم عجلا حنيذا «1» ، فلم يأكلوا، فنكرهم وتوجّس منهم خيفة، فطمأنوه، وأخبروه بشأنهم، وبشّروه وزوجه سارة بغلام عليم، وهو إسحاق، ومن بعد إسحاق بابنه يعقوب، فعجبت السيدة سارة وقالت كما حكاه الله تبارك وتعالى: قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) «2» .

_ (1) مشويا على الحجارة المحمّاة بالنار. (2) الايتان 72- 73 من سورة هود.

بناء البيت العتيق

وكذلك تعجب إبراهيم- عليه السلام- استبشارا بهذه البشارة، وفرحا بها، وتثبيتا لها، فقال كما حكاه الله عز شأنه: قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) «1» . وكذلك ذكرت هذه البشرى في مواضع أخر من الكتاب العزيز «2» ، وبعد البشارة حملت سارة بإسحاق، ثم وضعته، وكان لإبراهيم نحو مائة عام، ثم ولد لإسحاق يعقوب أبو الأسباط الاثني عشر، ومن ذريته كان جميع أنبياء بني إسرائيل من لدن يوسف إلى عيسى عليهما السلام. بناء البيت العتيق ثم جاء إبراهيم ليزور ابنه إسماعيل كما كان شأنه، وكانت هاجر قد ماتت- رضي الله عنها- وبلغ إسماعيل مبلغ الرجال، وتزوج، وكان إسماعيل يبري نباله- فقد كان راميا- تحت شجرة عظيمة بالقرب من زمزم، فلما رأى أباه قام إليه، فتصافحا، وتعانقا، وقبّل كل منهما الاخر، ثم قال له: «يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر» قال: فاصنع ما أمرك به ربك، قال: «وتعينني؟» ، قال: وأعينك، قال: «إن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا» ، وأشار إلى الأكمة المرتفعة عما حولها. فشرعا في رفع القواعد والبناء: إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يا بني، فلما رفعا القواعد عن الأرض جيء للخليل بالحجر الأسود فوضعه في ركن البيت حيث يوجد اليوم، حتى إذا ارتفع البناء قدر قامة الرجل أتى إسماعيل بحجر، فقام عليه أبوه، فأثرت قدماه فيه، وهذا الحجر هو الذي عرف فيما بعد

_ (1) الايات 54- 56 من سورة الحجر. (2) الذاريات 25- 30؛ والصافات 112- 113.

تشريع الحج على لسان إبراهيم

بمقام إبراهيم على الصحيح، ولما فرغا من بناء البيت دعوا بهذا الدعاء كما حكى الله في القران الكريم: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) «1» . وقد تقبّل الله الدعاء، فكانت الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس، وكان النبي المبعوث فيهم هو خاتم الأنبياء، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبذلك كانت الكعبة البيت الحرام أول مكان مشرّف بني في الأرض، قال تبارك وتعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) «2» . تشريع الحج على لسان إبراهيم ولما فرغ الخليل من بناء البيت أمره الله سبحانه أن يؤذّن، ويعلم الناس بالحج، فقال: يا رب، وماذا يبلغ صوتي؟ فقال: يا إبراهيم أذّن وعليّ البلاغ، فوقف الخليل على جبل أبي قبيس «3» وصار ينادي ويقول: «يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجّوا، فأجابه كل من كتب الله لهم الحج إلى يوم

_ (1) الايات 127- 129 من سورة البقرة. (2) الايتان 96- 97 من سورة ال عمران. (3) جبل بمكة مشرف على الكعبة.

القيامة وهم في أصلاب الاباء، أو في عالم الذر، فمن ثمّ كانت مشروعية التلبية: «لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك» ، ومن يومها قد صار الحج فرضا مفروضا إلى يوم القيامة، وقد ذكر الله- تبارك وتعالى- ذلك في الكتاب الكريم واستطرد منه إلى بيان شعائر الحج فقال: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ «1» وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها

_ (1) وسخهم وشعثهم.

وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) «1» . وقد دعا الخليل عليه السلام ربّه أن يجعل ما حول البيت بلدا امنا، وأن يرزق أهله المؤمنين من الثمرات في هذا الوادي غير ذي الزرع، وأن يبارك لهم فيها قال تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) «2» . كما دعا الخليل لمكة أن تستمر دار أمن وسلام، وملاذ، وأن يجنبه ربه، وبنيه عبادة الأصنام، وأن يجعل قلوب الناس تصبو إلى سكان البيت ومجاوريه. وأن يرزقهم من الثمرات، وأن يوفقه وذريته للطاعات، وإقامة الصلوات، قال عز شأنه حكاية لذلك: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ «3»

_ (1) الايات 26- 37 من سورة الحج. (2) الاية 126 من سورة البقرة. (3) كان الدعاء الأول قبل بناء البيت، وقبل أن تكون مكة. وأما هنا فكان بعد أن بني البيت ووجدت مكة، وهذا هو السر في أنه جاء منكرا في الأول ومعرفا في الثاني.

أول من بنى البيت

إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) «1» . وقد استجاب الله دعاء خليله، وأعطاه سؤله، وحقق رجاءه، قال عز شأنه: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) «2» . وقد كان ذلك أمرا سبق به التقدير الأزلي من قبل أن خلق الله السماوات والأرض، ولكن أظهره وشرعه على لسانه نبيه، وخليله إبراهيم. أول من بنى البيت وقد دلّت الايات القرانية المتواترة التي سقناها إليك، والأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري وغيره من أئمة النقل والرواية على أن أول من بنى الكعبة هو الخليل إبراهيم، ومعاونه ابنه إسماعيل- عليهما الصلاة والسلام- وقد كان مكان البيت ربوة عالية مشرفة على ما حولها، معروفة للملائكة، ولمن سبق من الأنبياء، وبقعة مشرّفة معظّمة من قديم الزمان حتى جاء الخليل فأسس قواعده وبناه. وقد رويت روايات أخرى أغلبها موقوفة على بعض الصحابة والتابعين، رواها أصحاب التواريخ كالأزرقي والفاكهي، وبعض المفسرين والمحدثين الذين لا يلتزمون إخراج الأحاديث الصحاح والحسان، بعضها يفيد أن أول من بنى البيت ادم عليه السلام. وقيل: ابنه شيث، روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: «إن أول من بنى البيت ادم وقيل: بنته الملائكة قبله» وعن وهب بن

_ (1) إبراهيم 35- 41. (2) الاية 125 من سورة البقرة.

منبّه: «أول من بناه شيث بن ادم» ووهب من أهل الكتاب الذين أسلموا. وروى البيهقي في «الدلائل» من طرق أخرى عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا «بعث الله جبريل إلى ادم، فأمره ببناء البيت، فبناه ادم، ثم أمره بالطواف به، وقال له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس» «1» . وقد قال الحافظ، المفسر، المؤرخ ابن كثير في هذا الحديث الأخير: «إنه من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف، والأشبه- والله أعلم- أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو بن العاص، ويكون من الزاملتين «2» اللتين أصابهما يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب» وهذا ما أرجّحه وأميل إليه، ومهما قيل في ثبوت هذه الروايات، وما ماثلها فهي لا تقوى على معارضة ما دل عليه القران المتواتر، والسنة الصحيحة ويعجبني في هذا ما قاله الحافظ ابن كثير في بدايته، قال: «ولم يجىء في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام، ومن تمسّك بهذا بقوله: «مكان البيت» «3» فليس بناهض، ولا ظاهر لأن المراد مكانه المقدّر في علم الله المقرر في قدرته، المعظّم عند الأنبياء موضعه من لدن ادم إلى زمان إبراهيم» «4» . ولا ينافي ما رجحناه وذهبنا إليه ما روي «أنه ما من نبي إلا وقد حج البيت» وما رواه أبو يعلى في مسنده بسنده عن ابن عباس قال: حج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما أتى وادي «عسفان» قال: «يا أبا بكر أي واد هذا؟» قال: هذا وادي عسفان، قال: «لقد مرّ بهذا نوح وهود وإبراهيم على بكرات «5» لهم

_ (1) فتح الباري، ج 6 ص 310؛ تفسير ابن كثير والبغوي، ج 1 ص 316، ط المنار. (2) الزاملة: البعير الذي يحمل عليه المتاع، أي حمل بعيرين من الكتاب، وهذا من الأسباب التي جعلت بعض الرواة لا يروي عنه تحوّطا، فمن ثمّ جاءت مروياته أقل من مرويات أبي هريرة، مع أنه كان أكثر من أبي هريرة حديثا لأنه كان قارئا كاتبا. (3) كما في الاية 26 من سورة الحج. (4) البداية والنهاية، ج 1 ص 163؛ وج 2 ص 299. (5) بكرات: جمع بكرة: الناقة الفتية القوية.

رواية البخاري في صحيحه

حمر، خطمهم «1» الليف، وأزرهم «2» العباء، وأرديتهم النّمار «3» ، يحجون البيت العتيق» ، وما رواه الإمام أحمد في مسنده بسنده عن ابن عباس قال: لما مرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بوادي عسفان حين حج قال: «يا أبا بكر، أي واد هذا؟» قال: وادي عسفان، قال: «لقد مرّ به هود، وصالح- عليهما السلام- على بكرات حمر، خطمها الليف، وأزرهم العباء، وأرديتهم النّمار، يلبّون يحجون البيت العتيق» إسناده حسن، لأن المقصود الحج إلى محله، وبقعته المعروفة، وإن لم يكن ثم بناء «4» . رواية البخاري في صحيحه وها أنذا أذكر رواية الإمام البخاري في صحيحه، المشتملة على إسكان الخليل هاجر، وابنها عند البيت، وقصة نبع زمزم، وقصة بناء البيت؛ لأنها أصحّ ما روي في هذا الباب، بعضها مرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم صراحة، وجلّها موقوف من كلام ابن عباس، ولكن له حكم المرفوع، لأن مثل هذا لا يقوله ابن عباس بمحض الرأي، فهو إما سمعه من النبي أو من صحابي عنه، ويستبعد جدا أن يكون تلقّاه عن أهل الكتاب الذين أسلموا، لأن ما جاء في الحديث أدق، وأوفى وأشمل مما جاء في كتبهم. وسأذكر الحديث بطوله لما فيه من الإمتاع، والحكم، والأحكام، والسنن والعبر والعظات، وهو- إلى ذلك- قطعة من الأدب الحي، والقصص الحق. روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «أول ما اتخذ النساء المنطق «5» من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقا

_ (1) خطم جمع خطام: وهو الزمام الذي تشد به الناقة. (2) أزر: جمع إزار: وهو ما يستر به أسفل الجسم من الوسط. (3) أردية جمع رداء: ما يوضع على الكتفين ويستر به النصف الأعلى. النمار: جمع نمرة، الكساء المخطط. (4) البداية والنهاية، ج 1 ص 119، 138. (5) المنطق، والنطاق ما تشد به المرأة وسطها.

لتعفي أثرها على سارة «1» ، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت- أي مكانه-، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه «2» تمر، وسقاء «3» فيه ماء، ثم قفّى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس، ولا شيء؟! وقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيّعنا! ثم رجعت. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنيّة حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ ... ، حتى بلغ (يشكرون) . وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السّقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى- أو قال: يتلبط «4» -، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه. ثم استقبلت الوادي تنظر: هل ترى أحدا؟ فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود «5» حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت: هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فذلك سعي الناس بينهما» «6» .

_ (1) ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر للخليل إبراهيم، فحملت منه إسماعيل، فلما ولدته اشتدت بها الغيرة، فصارت تؤذيها وتلاحقها، وهي تهرب منها، فاتخذت المنطق ليعفّي أثرها، فلا تعرف سارة أين ذهبت هاجر. (2) وعاء من جلد. (3) ما يحمل فيه الماء كالقربة. (4) يتمرغ، ويضرب برجليه الأرض من العطش. (5) الذي أصابته المشقة والتعب. (6) أي هذا أصل مشروعية السعي بينهما.

فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت: صه «1» ، ثم تسمّعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث «2» ، فإذا هي بالملك يعني جبريل- عند موضع زمزم، فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه «3» ، وتقول بيدها هكذا «4» ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت- أو قال- لو لم تغرف من زمزم لكانت زمزم عينا معينا» «5» . قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: «لا تخافوا الضّيعة، فإن هذا بيت الله، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه، وشماله. فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم- أو- أهل بيت «6» من جرهم مقبلين من طريق كداء «7» ، فنزلوا في أسفل مكة، فوجدوا طائرا عائفا «8» ، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء!! فأرسلوا جريّا أو جريين «9» ، فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا، قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء «10» قالوا: نعم، قال ابن عباس: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس» فنزلوا معهم.

_ (1) أي اسكتي، تخاطب نفسها. (2) أي إغاثة فأغثني. (3) تجعله كالحوض بيدها. (4) أي تفعل بيديها هكذا: أي تمثل فعلها بيديها. (5) ظاهرا جاريا على وجه الأرض. (6) جماعة و «أو» للشك من الراوي في أي اللفظين قاله. (7) بفتح الكاف والمدة أعلى مكة. (8) يحوم حول الماء ويدور. (9) الجري: الرسول و «أو» للشك. (10) يعني في امتلاكه، أما الشرب والانتفاع به فمباح.

حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنفسهم «1» وأعجبهم حين شب، فلما أدرك «2» زوّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته «3» ، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا «4» ، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشرّ، نحن في ضنك وشدة، فشكت إليه! قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغيّر عتبة بابه «5» ، فلما جاء إسماعيل كأنه انس شيئا «6» فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألنا كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيّر عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك فطلقها، وتزوج امرأة منهم أخرى «7» . فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله- عز وجل- فقال: ما طعامكم: قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهمّ بارك لهم في اللحم والماء، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه» قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة

_ (1) أي رغبهم في مصاهرته نفاسته عندهم. (2) بلغ مبلغ الرجال. (3) هاجر وابنها. (4) يطلب لنا الرزق. (5) المراد بالعتبة: المرأة وهي من الكنايات البديعة، فالعتبة تصون الباب وتصون ما هو بداخله، وهي المعبر لبيت الإنسان، الذي يؤويه، ويقيه الحر والبرد، والمرأة تعف زوجها، وتصونه وتصون نفسها، وماله. وهي سكن النفس، وإليها يفيء الزوج بعد العناء والتعب فيجد الروح والراحة. (6) أبصر وأحس. (7) قيل: هي رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية، وقيل غير ذلك.

إلا لم يوافقاه «1» . قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبّت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك، وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة «2» قريبا من زمزم، فلما راه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد «3» ، قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يا بني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر «4» فوضعه له، فقام عليه وهو يا بني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: «ربّنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم» قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم» . انتهى الحديث «5» . فلما بلغ موضع الحجر الأسود وضعه في موضعه الذي هو فيه، وكان ارتفاع الكعبة تسعة أذرع، وعرضها في الأرض «6» ثلاثين ذراعا بذراعهم، وكان الحجر داخلا في البيت لمّا بناه الخليل، ولم يجعل للكعبة سقفا، وجعل لها بابين بابا شرقيا، وبابا غربيا، وكانا ملصقين بالأرض، وحفر لها بئرا عند بابها خزانة للبيت يلقى فيه ما يهدى له.

_ (1) لا يعتمد عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه إلا في مكة، فإنما يوافقانه ببركة دعاء الخليل. (2) شجرة عظيمة. (3) من المعانقة، والمصافحة، والتقبيل. (4) هو الحجر الذي قام عليه الخليل وهو يا بني. (5) صحيح البخاري- كتاب الحج- باب فضل مكة وبنيانها، وكتاب أحاديث الأنبياء باب «واتخذ الله إبراهيم خليلا» . (6) يعني طول كل ضلع من أضلاعها لأنها مربعة تقريبا.

المسجد الحرام

ولما فرغ الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل- عليهما السلام- من بناء البيت جاء جبريل، وأرى الخليل المناسك كلّها، وأمره أن يؤذّن في الناس بالحج فقال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ فقال الله- عزّ شأنه-: «أذّن يا إبراهيم وعليّ البلاغ» فوقف الخليل على جبل أبي قبيس وصار ينادي: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجّوا، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من امن، ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: «لبّيك اللهمّ لبّيك» . وحجّ الخليل إبراهيم، وحجّ إسحاق، وأمه سارة من بيت المقدس، ثم رجع الخليل إلى الشام، وكانت وفاته هناك عليه الصلاة والسلام «1» . ومن يومها صار الحج فريضة محكمة باقية إلى يوم القيامة، فلله الحمد والمنة على ما أنعم وشرع. المسجد الحرام ولما بنى الخليل وابنه إسماعيل البيت عرف بالكعبة، وصار الناس يحجون إليه، ويعتمرون ويطوفون به، ويصلّون إليه، وعرف ما حول الكعبة بالمسجد الحرام، وهو أول المساجد المشرّفة في الأرض التي تشدّ إليها الرحال، ففي الحديث الصحيح المتفق عليه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» . ولم يكن للمسجد الحرام سور، وكان تحيط به الدور من جميع الجهات، حتى كان عهد الفاروق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- واتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وضاق المسجد بحجّاج البيت وزوّاره، فلم يكن بدّ من توسعته، فاشترى الدور من أهلها، وهدمها ووسّع المسجد الحرام، وجعل له سورا على قامة الرجل، ووضع عليه السرج والمصابيح. فلما كان عهد عثمان- رضي الله تعالى عنه- اشترى دورا أخرى وزادها في المسجد. فلما ولي عبد الله بن الزبير أحكم بنيانه، وحسّن جدرانه، وأكثر أبوابه، ولم يوسعه. فلما ولي الأمر عبد الملك بن

_ (1) فتح الباري، ج 6 ص 314.

مقام إبراهيم

مروان الأموي زاد في ارتفاعه، وأمر بالكعبة فكسيت الديباج «1» ، وكان الذي تولّى ذلك بأمره الحجاج بن يوسف الثقفي. ولم يزل المسجد الحرام يتعاهده الخلفاء والملوك والأمراء من لدن عبد الملك إلى يومنا هذا، وقد كانت اخر توسعة على يد ال سعود: حكام الحجاز ونجد وملحقاتهما. وقد أنافت هذه العمارة والتوسعة على كل عمارة قبلها، ونرجو أن يكون عملهم مقبولا، وجزاؤهم كثيرا، وأن تكون عمارة المسجد موصولة إلى ما شاء الله. مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقف عليه الخليل إبراهيم- عليه السلام- لما ارتفع البناء عن قامته، وقد أثّرت قدماه فيه. وقد كانت اثار قدمي الخليل في الحجر باقية إلى أول الإسلام، قال أبو طالب في لاميته المشهورة: وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيا غير ناعل وقد روي أن المقام كان ملصقا بحائط الكعبة، على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فأخّره عن البيت قليلا حتى لا يحصل التضييق على الطائفين بالبيت والمصلّين عند المقام، وقد وافق الفاروق الصحابة ولم ينكر عليه أحد «2» . وكيف وهو صاحب الموافقات، ومن موافقاته قوله لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى» ، فأنزل الله سبحانه قوله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (125) «3» . رواه البخاري في الصحيح «4» .

_ (1) الحرير. (2) البداية والنهاية، ج 1 ص 164. (3) الاية 125 من سورة البقرة. (4) صحيح البخاري.

المسجد الأقصى

المسجد الأقصى وبعد أن بنى الخليل عليه الصلاة والسلام الكعبة والبيت الحرام أمره الله أن يا بني بيت المقدس فبناه، وقيل إن يعقوب- عليه السلام- هو الذي أسسه، وقد كان بين البناءين أربعون عاما، فعن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: «قلت يا رسول الله، أيّ مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد» «1» . ولكن قد يشكل على هذا ما اشتهر من أن باني المسجد الأقصى هو سليمان بن داود- عليهما السلام- وقد روى النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن سليمان بن داود لما بنى البيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثا: سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألايأتيه أحد، لا ينهزه- أي لا يدفعه- إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه» وبين إبراهيم وسليمان ما يزيد عن ألف عام. والحق أن ما حدث من سيدنا سليمان لم يكن تأسيسا من الأصل، وإنما كان تجديدا وتوسعة لما أسس قبل، ويكون الخليل بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة بنى بيت المقدس، أو بناه حفيده يعقوب كما قيل. وإذا كان كذلك فلا يكون الحديث مخالفا للتاريخ، ولا للواقع، لأنه صلّى الله عليه وسلّم عنى المؤسس الأول لبيت المقدس لا المجدّد «2» ، واستعمال البناء في التجديد مستساغ ووارد في اللغة العربية.

_ (1) رواه البخاري ومسلم. (2) زاد المعاد، ج 1 ص 8؛ وفتح الباري.

التشكيك في قصة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)

التشكيك في قصة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) قد ذكرت انفا قصة إبراهيم- عليه السلام- وإسكانه هاجر وابنها إسماعيل بواد ليس به ماء، ولا أنيس عند مكان البيت، وذكرت الايات القرانية التي تفيد القطع في هذا، وذكرت القصة تامة وافية كما رواها الإمام البخاري عن ابن عباس، وهذه القصة يكاد ينعقد الإجماع على جملتها وإن وقع خلاف على التفاصيل، والذين يعرضون لتفاصيل حوادثها بالنقد يروونها على أن هاجر ذهبت بإسماعيل إلى الوادي الذي به مكة اليوم، وكانت به عيون أقامت جرهم عندها، فنزلت هاجر منهم أهلا وسهلا لما جاء إبراهيم بها وبابنها، فلما شبّ إسماعيل تزوج جرهمية ولدت له أولاده، وكان لهذا التلاقح بين إسماعيل العبري المصري، وبين هؤلاء العرب ما جعل ذريته على جانب من العزم، وقوة البأس، والجمع بين فضائل العرب، والعبريين، والمصريين. أما ما ورد عن حيرة هاجر لما نضب الماء منها، وعن سعيها سبعا بين الصفا والمروة، وعن زمزم، وكيف نبع الماء منها فموضع شك عندهم «1» . والذي نراه أن ما دلّت عليه رواية البخاري في صحيحه هو الصحيح، وأن التسلسل التاريخي فيها أدق وأوضح ولا سيما أن قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ «2» رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) «3» . يكاد يكون نصا على أنه لم يكن هناك ناس، ولا زرع، ولا ماء، ومن

_ (1) حياة محمد، ص 89. (2) إن كان هذا الخطاب والدعاء بعد البناء فالاية على ظاهرها وإن كان قبل البناء فالمراد عند مكان بيتك الذي سيكون ويا بنى فيما بعد. (3) الاية 37 من سورة إبراهيم.

قواعد البحث العلمي أنه إذا تعارض النقل فلنأخذ بما هو أصح وأوثق، ورواياتهم هذه التي يروونها لا تنهض إلى معارضة ما دل عليه القران، ونصت عليه الروايات الصحيحة. وإذا كان البعض قد ارتاب في تفاصيل القصة، فقد نفاها من أساسها (وليم موير) وذكر أنها من الإسرائيليات ابتدعها اليهود قبل الإسلام بأجيال، ليربطوا بها بينهم وبين العرب بالاشتراك في أبوة إبراهيم لهم أجمعين، أن كان إسحاق أبا لليهود، فإذا كان أخوه إسماعيل أبا العرب فهم إذا أبناء عمومة توجب على العرب حسن معاملة النازلين بينهم من اليهود، وتيسر لتجارة اليهود في شبه الجزيرة، ويستند المؤرخ الانكليزي في رأيه هذا إلى أن أوضاع العبادة في بلاد العرب لا صلة بينها وبين دين إبراهيم، لأنها وثنية مغرقة في الوثنية، وكان إبراهيم حنيفا مسلما. وسأدع الدكتور محمد حسين هيكل- رحمه الله- يردّ عليه، قال: ولسنا نرى مثل هذا التعليل كافيا لنفي واقعة تاريخية، فوثنية العرب بعد موت إبراهيم وإسماعيل بقرون كثيرة لا تدل على أنهم كانوا كذلك حين جاء إبراهيم إلى الحجاز، وحين اشترك وإسماعيل في بناء الكعبة، ولو أنها كانت وثنية يومئذ لما أيّد ذلك رأي سيرموير، فقد كان قوم إبراهيم يعبدون الأصنام، وحاول هو هدايتهم فلم ينجح، فإذا دعا العرب إلى مثل ما دعا إليه قومه فلم ينجح، وبقي العرب على عبادة الأوثان لم يطعن ذلك في ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى مكة، بل إنّ المنطق ليؤيد رواية التاريخ، فإبراهيم الذي خرج من العراق فارا من أهله إلى فلسطين وإلى مصر- رجل ألف الارتحال، وألف اجتياز الصحاري، والطريق ما بين فلسطين ومكة كان مطروقا من القوافل منذ أقدم العصور، فلا محل إذا للريبة في واقعة تاريخية انعقد الإجماع على جملتها. والسير وليم موير والذين ارتأوا في هذه المسألة رأيه يقولون بإمكان انتقال جماعة من أبناء إبراهيم وإسماعيل بعد ذلك من فلسطين إلى بلاد العرب، واتصالهم وإياهم بصلة النسب وما ندري، وهذا الإمكان جائز عندهم في شأن

الأشهر الحرم

أبناء إبراهيم وإسماعيل، كيف لا يكون جائزا في شأن الرجلين بالذات!؟ وكيف لا يكون ثابتا قطعا ورواية التاريخ تؤكده؟! وكيف لا يكون بحيث لا يأتيه الريب، وقد ذكره القران، وتحدثت به الكتاب المقدسة الاخرى؟ «1» . وأزيد فأقول: إن هذه الزعمة التي زعمها سير موير تنافي ما هو معروف عن اليهود من دعواهم أنهم شعب الله المختار، وزعمهم أن النبوة فيهم، فكيف يختلقون أمرا يرد عليهم في هذا؟! بل كيف يختلقون أمرا يقتضي ضرورة فضل العرب، وأنهم شركاؤهم في النبوة بكون خاتم الأنبياء والمرسلين منهم؟! وقد قرأت موقفهم من تحريف نصوص توراتهم في قصة الذبيح!!. وقد قرأنا تاريخ حروبهم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحصاره لهم حتى نزلوا على حكمه كارهين، فما وجدنا أنهم مرة قالوا- وهم يستعطفون النبي- أنهم أبناء عمومة، وكان الأجدر بهم أن يذكروا هذا وهو حق؛ استعطافا للنبي عليهم!! وذلك على عكس المشركين القرشيين، فقد كانوا إذا أزموا يذكرون النبي بالرحم والقرابة التي تجمعهم، وهذا يدل على أنهم كانوا أكره ما يكرهون أن يذكروا هذه الصلة التي تربطهم بالعرب، فهل بعد هذا يزعم زاعم أن قصة مجيء إبراهيم إلى الحجاز وإسكانه هاجر وابنها من اختلاق اليهود؟! الأشهر الحرم قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ «2» . يعني عدة شهور العام في تقدير الله، وحكمه الأزلي، وأمر الناس بالأخذ

_ (1) حياة محمد، ص 90. (2) الاية 36 من سورة التوبة.

به- اثنا عشر شهرا، والمراد الشهور القمرية التي تعرف بسير القمر في المنازل، وعلى هذه الشهور كان يعتمد العرب، ولما جاء الإسلام جعلها مواقيت الناس يعتمدون عليها في صيامهم، وحجهم، وزكواتهم، ومعاملاتهم، وسائر أحكامهم، وأمورهم. والشهر الفلكي أو الحقيقي مدته تسعة وعشرون يوما، ومائة وأحد وتسعون جزا من ثلاثمائة وستين جزا لليوم بليلته، وتكون السنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما وأجزاء من اليوم، فما زاد عن نصف يوم عدّوه يوما كاملا وزادوه في الأيام، وتكون السنة حينئذ كبيسة، وتكون أيامها ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما، واصطلحوا على جعل الأشهر شهرا كاملا أي ثلاثين يوما، وشهرا ناقصا أي تسعة وعشرين، فالمحرم في اصطلاحهم ثلاثون يوما، وصفر تسعة وعشرون، وهكذا إلى اخر السنة القمرية الأفراد منها ثلاثون، وأولها المحرم. والأزواج تسعة وعشرون، وأولها صفر إلا ذا الحجة من السنة الكبيسة فإنه يكون ثلاثين يوما لاصطلاحهم على جعل ما زادوه في أيام السنة الكبيسة في ذي الحجة اخر السنة. وأما مدار الشهر الشرعي فعلى الرؤية، فمن ثمّ اختلفت الأشهر فكان بعضها ثلاثين وبعضها تسعة وعشرين، وقد صدع النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذه الحقيقة فقال: «الشهر هكذا، وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة، والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا يعني تمام الثلاثين» رواه مسلم والبخاري مختصرا. ولا يتعين شهر للكمال، وشهر للنقصان، بل قد يكون الشهر ثلاثين في بعض السنين، وتسعا وعشرين في بعض اخر منها، وأما ما أخرجه الشيخان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة» فالمعنى لا ينقص أجرهما، والثواب المرتب عليهما، وإن نقص عددهما في بعض السنين. وقيل الغالب والكثير أنهما لا ينقصان في سنة واحدة «1» . ولما كانت السنة القمرية تنقص عن السنة الشمسية بنحو عشرة أيام

_ (1) تفسير الألوسي، ج 10 ص 90، 91.

أو أحد عشر يوما فبسبب هذا النقصان تدور السنة الهلالية فيقع الصوم والحج تارة في الشتاء، وتارة في الصيف، وتارة في الربيع، وتارة في الخريف. وهذا من رحمة الله بعباده في التشريع، حتى تنزاح المشقة، ويذهب السأم والملل بأداء العبادات في وقت لا يتغير، وليتدرب المتعبد على أداء العبادات في جميع فصول العام، وكذلك شاء الله أن يكون اعتبار الشهور بسير القمر، وظهوره، لأن ذلك لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب، بل هو أمر مشاهد بالبصر، فيستوي في معرفته الجاهل والمتعلم، والبدوي والحضري. وقد جعل الله من هذه الشهور أربعة حرما، وإنما سميت حرما لتحريم الله القتال فيها، وتعظيم العرب لها، حتى لو أن الواحد منهم يلقى قاتل أبيه، أو أخيه في هذه الأشهر فلا يعرض له بسوء، فلما جاء الإسلام لم يزدها إلا حرمة وتعظيما. وهذه الأشهر هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الفرد، ويقال له: رجب مضر «1» . ومنهم من يقول: المحرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة. والأول هو الأولى وهو الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة التي رواها الشيخان. وقد كان تعظيم الأشهر الحرم من بقايا شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام- وقد جاءت الأشهر الحرم على هذا الوضع لأجل تأمين حجاج البيت وزوّاره، فحرّم الله قبل شهر الحج شهرا ليسيروا إلى هذه البقاع، وهو شهر ذي القعدة «2» ، وحرّم ذا الحجة لأنهم يوقعون فيه مناسك الحج، وحرّم بعده شهرا وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم. وحرّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت، وأداء العمرة.

_ (1) وذلك لأن مضر كانت تعظمه أكثر من غيرها، وقيل لأن ربيعة بن نزار كانوا يعظمون رمضان ويسمونه رجبا، فأضيف رجب إلى مضر تمييزا له عن غيره. (2) وسمي ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال.

أسماء الشهور العربية

أسماء الشهور العربية وقد ذكر بعض المؤرخين للعرب قبل الإسلام «1» أن قدماء أهل الجاهلية، وهم العرب العاربة، كانوا يسمون الأشهر العربية بهذه الأسماء وهي: (1) (مؤتمر) ، (2) و (ناجر) ، (3) و (خوان) ، (4) و (صوان) ، (5) و (ربي) ، (6) و (ايدة) ، (7) والأمم، والبعض سماه (الأصم) ، (8) و (عادل) ، (9) و (ناطل) ، (10) و (واغل) ، (11) و (رنة) ، (12) و (برك) . ومؤتمر هو اسم المحرم، وناجر هو صفر، وهكذا. وقد ذكر البيروني في كتابه «الاثار الباقية» نحوا من ذلك إلا أنه ذكر (الزباء) بدل (ربي) و (بائدة) بدل (ايدة) . والظاهر أنهم راعوا بعض الظروف الجوية، والأحوال الاجتماعية، والملابسات التي كانوا عليها عند وضعهم هذه الأسماء. فالمؤتمر للمحرم؛ لأنهم كانوا يجتمعون فيه ويأتمرون، والأصم لرجب، لأنهم كانوا يكفون فيه عن القتال فلا يسمع فيه صوت وهكذا. ثم سمت العرب قبل الإسلام الشهور العربية بالأسماء المعروفة مراعين أيضا الأحوال، وخصائص هذه الأوقات، والأوضاع التي كانوا عليها عند وضع هذه الأسماء، فالمحرم سمّي بذاك تأكيدا لتحريمه لأن العرب كانت تتقلب به، فتحله عاما وتحرمه عاما. وصفر سمي بذلك لخلو بيوتهم منهم حين يخرجون للقتال والأسفار، فهو يأتي بعد ثلاثة أشهر حرم. وشهر ربيع الأول سمي بذلك لارتباعهم فيه، والارتباع: الإقامة في عمارة الربع. وربيع الاخر كالأول. وجمادى سمي بذلك لجمود الماء فيه، فقد صادف حينما وضعوا الأسماء للشهور أن كان الوقت شديد البرد قال شاعرهم: وليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب في ظلمائها الطّنبا لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلف على خيشومه الذنبا

_ (1) تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي.

النسيء

وجمادى يذكّر ويؤنث، فيقال: جمادى الأولى، والأول، وجمادى الاخرة، والاخر. و (رجب) من الترجيب وهو التعظيم، وقد بيّنا أن مضر كانت تعظمه جدا. وقد كانوا لتعظيمه يتركون فيه القتال ويحرمونه. و (شعبان) من تشعّب القبائل، وتفرقها للغارة بعد تركهم ذلك في رجب. و (رمضان) من الرمضاء وهي شدة الحر، فقد صادف وقت التسمية أن كان الطقس حارا جدا. و (شوال) من شالت الإبل بأذنابها، لأجل الطراق من الفحل. و (ذو القعدة) بفتح القاف وكسرها لقعودهم عن القتال فيه استعدادا للحج. و (ذو الحجة) بفتح الحاء وكسرها لحجهم فيه «1» . النسيء النسء والنسيء: تأخير حرمة شهر حرام إلى شهر اخر، ذلك أن العرب كانوا أصحاب حروب وغارات وثارات، فإذا حلّ عليهم شهر حرام، وهم يحاربون شقّ عليهم ترك المحاربة، فيحلونه ويحرمون مكانه شهرا اخر ليس من الحرم، كما كانوا يشق عليهم ترك القتال ثلاثة أشهر متوالية، فإذا فرغت العرب من حجها قام رجل منهم معروف بذلك وأحلّ لهم المحرم، وجعل مكانه صفرا شهرا حراما، فإذا أرادوا الصدر «2» قام هذا الرجل فيهم فقال: اللهمّ إني نسأت لك أحد الصفرين: الصفر الأول «3» ، ونسأت الاخر للعام المقبل، فإذا جاء صفر ووجدوا أنفسهم في حاجة إلى قتال نسأوه، وهكذا حتى صار من أمرهم عدم تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم، فكانوا يحرمون من بين الشهور أربعة أشهر، فجعلوا التحريم لعدد الشهور، لا لأعيانها وذواتها. وكان أول من نسأ الشهور على العرب (القلمّس) وهو حذيفة بن عبد بن

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 161، 162. (2) الرجوع إلى مكة. (3) يريد المحرم.

فقيم، ينتهي نسبه إلى كنانة بن خزيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عبّاد بن حذيفة، ثم قام بعد عبّاد قلع بن عبّاد، ثم قام بعد قلع أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف، وكان اخرهم، وعليه قام الإسلام «1» ، وقد اختلف في جنادة هذا أسلم أم لم يسلم؟ ويدل على إسلامه ما جاء في بعض الأخبار أنه حضر الحج في زمن سيدنا عمر، فرأى الناس يزدحمون على الحجر الأسود، فنادى أيها الناس إني قد أجرته منكم، فخفقه عمر بالدرة، وقال: ويحك، إن الله قد أبطل أمر الجاهلية «2» . وقد ذكر السهيلي في «الروض الأنف» «3» أن النسيء كان عند العرب على ضربين: أحدهما: ما ذكره ابن إسحاق من تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات، وطلب الثارات. والثاني: تأخيرهم الحج عن وقته تحريا منهم للسنة الشمسية، فكانوا يؤخرونه كل عام أحد عشر يوما أو أكثر قليلا، حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة، فيعود إلى وقته، ولذا قال- عليه السلام- في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» وكانت حجة الوداع في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته «4» ، ولم يحج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المدينة إلى

_ (1) سيرة ابن هشام، ج 2 ص 43، 44. (2) الروض الأنف، ج 1 ص 42، ط الجمالية؛ الإصابة في تاريخ الصحابة، ج 1 ص 347، ط أولى. (3) ج 1 ص 41. (4) يوهم كلام السهيلي هذا أن الحج في السنة التاسعة وهي الحجة التي أمّر فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم الصدّيق كانت في غير شهرها، وهو غير صحيح وإن قاله البعض، ويدل على هذا ما روي في الصحيحين عن أبي هريرة قال: «بعثني أبو بكر الصدّيق في الحجة التي أمّره عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل حجة الوداع في رهط يؤذّنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» ولا يقال يوم النحر إلا لليوم العاشر من ذي الحجة، وأيضا فنسيء الحج لا يتوقف على الصورة التي ذكرها السهيلي، فيجوز أن ينسأ على ما ذكره ابن إسحاق، وذلك كأن يكون بينهم قتال في شوال مثلا، فيضطرون إلى مواصلته في ذي القعدة وذي الحجة، فيؤخرون حرمتهما إلى شهرين اخرين حلالين.

مكة غير تلك الحجة، وذلك لإخراج الكفار الحج عن وقته، ولطوافهم بالبيت عراة. وقد جاء الإسلام فحرم النسيء بنوعيه تحريما مؤكّدا مؤبّدا قال تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37) «1» . وقد أكد النبي حرمة الأشهر الحرم، وحرّم النسيء، وبيّن أن الزمان عاد كما كان منذ أن خلقه الله، فلا نسيء بعد اليوم، ولا تغيير، ولا تبديل في الأشهر الحرم، فقال في خطبته في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى الاخرة، وشعبان» «2» . وقد دلت اية النسيء على أن التحليل والتحريم إنما هو لله، ولرسله المبلّغين عنه، وليس لأحد أن يحلّل أو يحرّم، وإلا كان افتراء وكذبا على الله، قال عز شأنه: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ «3» .

_ (1) الاية 37 من سورة التوبة. (2) رواه البخاري. (3) الاية 116 من سورة النحل.

أولاد إسماعيل

أولاد إسماعيل ذكرت فيما سبق قصة نبع زمزم، وأنها كانت هزمة، أو همزة جبريل حينما ضرب الأرض بعقبه أو بجناحه، فنبعت زمزم لتكون سقيا لإسماعيل، وأن جرهما نزلوا بجوار السيدة هاجر وابنها إسماعيل على ألايكون لهم ملك في الماء، وأن إسماعيل لما كبر صاهر فيهم، وقد صار له من امرأته الجرهمية أولاد عدتهم: اثنا عشر رجلا: (1) نابت، وكان أكبرهم (2) وقيذر- ويقال له: قيذار وقيدار- (3) وأذبل- وقيل: أدبيل، وأدبال- (4) وميشا (5) ومسمع (6) وماشي- وقيل ماسي- (7) ودمّا- وقيل: دمار- (8) وأذر- وقيل: أدر- (9) وطيما (10) ويطور- وقيل: قطور- (11) ونبش- وقيل: نفيس، ويافيش- (12) وقيذم- وقيل: قيدمان- «1» . وأمهم رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي- وقيل: مضاض-. وجرهم بن قحطان، وقحطان أبو اليمن كلها وإليه يجتمع نسبها، وهو قحطان بن عامر، بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح. وقال ابن إسحاق: جرهم بن يقطن بن عيبر بن شالخ، ويقطن هو: قحطان بن عيبر بن شالخ، وقد بلغ إسماعيل- عليه السلام- فيما يذكرون- مائة وثلاثين سنة، ثم مات- رحمة الله وبركاته عليه- ودفن بالحجر مع أمه هاجر «2» . وقد ولد نابت بن إسماعيل يشجب بن نابت، ثم ولد يشجب يعرب، ثم ولد يعرب تيرح، ثم ولد تيرح ناحور، ثم ولد ناحور مقوّم، ثم ولد مقوم أدد، ثم ولد أدد عدنان، ومن عدنان تفرقت القبائل من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام- فقد ولد عدنان رجلين: معدّ بن عدنان، وعكّ، ومنهما كانت قبائل العرب العدنانية كلها.

_ (1) السيرة ج 1، ص 4، 5؛ البداية والنهاية ج 1، ص 193. (2) أما أمه فدفنت فيه قبل أن يا بنى البيت كما قدمنا في حديث البخاري. وأما إسماعيل فإن صح ذلك يكون دفن فيه بعد البناء، ولم يكن هذا الموضع يعرف بالحجر إلا بعد أن بنت قريش الكعبة، فقد ضاقت بهم النفقة، فتركوا قطعة من البيت وهي الحجر كما سيأتي ذلك.

الفصل الثالث ولاة البيت وتاريخ مكة إلى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم

الفصل الثالث ولاة البيت وتاريخ مكّة إلى مولد الرّسول صلّى الله عليه وسلم وقد ولي أمر البيت إسماعيل- عليه السلام- فلما مات وليه بعده ابنه نابت ما شاء الله أن يليه، ثم ولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي. ولاية الجراهمة ثم ولي البيت الجراهمة، وصاروا الحكام بمكة، وكان معهم بنو إسماعيل إلا أنهم لم ينازعوهم الملك والرئاسة لخؤولتهم وقرابتهم، وإعظاما لمكة أن يكون بها بغي أو قتال، فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد، فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فغلبوهم، وكان أول من ولي البيت من جرهم مضاض بن عمرو الجرهمي جد أولاد إسماعيل، ثم انتقلت بعده إلى ابنه الحارث، ثم إلى عمرو بن الحارث، وكان مع جرهم بنو قطوراء «1» . وهما ابنا عم وكان رئيس جرهم مضاضا، ورئيس قطوراء السميدع، وقد تنافسوا الملك والرئاسة بمكة، وقد وقعت بينهم حرب، فانتهت بانتصار جرهم، وبذلك صفا لهم الجو. ثم لم تلبث جرهم أن بغوا بمكة، واستحلّوا حرمتها، فظلموا من دخل بها من غير أهلها مع أن الله جعلها حرما امنا، وأكلوا مال الكعبة التي يهدى إليها «2» ، فقيّض الله لهم من أخرجهم من البلد الحرام.

_ (1) هو قطوراء بن كركر. (2) كان الخليل إبراهيم- عليه السلام- قد احتفر بئرا عند باب الكعبة، فكان كل ما يهدى إلى الكعبة يلقى في هذا البئر، فلما فسد أمر جرهم صار يسرقون مال الكعبة ويستحلونه.

غلبة خزاعة على البيت

غلبة خزاعة على البيت فلما رأى بنو بكر بن عبد مناة من كنانة وغبشان من خزاعة ظلم الجراهمة وبغيهم أجمعوا على حربهم وإخراجهم من مكة، فاذنوهم بالحرب، فاقتتلوا، واعتزل بنو إسماعيل الفريقين، فغلبهم بنو بكر وغبشان. قال ابن إسحاق: وكانت مكة في الجاهلية لا تقرّ فيها ظلما، ولا بغيا، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته ورمته، ولا يريدها أحد بسوء إلا هلك مكانه، فيقال: إنها ما سميت ببكة إلا أنها كانت تبك أعناق الرجال إذا أحدثوا فيها «1» . وقال ابن هشام: أخبرني أبو عبيدة أن بكة اسم لبطن مكة، لأنهم كانوا يتباكون فيها، أي يزدحمون يعني في الطواف بالكعبة، والدعاء، والسعي بين الصفا والمروة. طم الجراهمة زمزم فلما غلب الجراهمة على أمرهم، وهمّوا بالخروج من مكة عمد عمرو ابن الحارث بن مضاض الجرهمي إلى نفائس وهي: غزالان من ذهب، وسيوف محلّاة، وأدرع، فجعلها في زمزم وطمّها «2» ، وبالغ في طمها، ثم انطلق عمرو بقومه إلى اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا «3» . فلم تزل زمزم من ذلك العهد مطمومة مجهولة حتى أذن الله سبحانه وتعالى أن تعاد، وكان ذلك قبل ميلاد النبي صلّى الله عليه وسلّم على يد جده عبد المطلب. ولاية خزاعة البيت ثم ولي أمر البيت بعد جرهم غبشان من خزاعة «4» دون بني بكر بن عبد مناة، وكان الذي وليه منهم عمرو بن الحارث الغبشاني، وقريش يومئذ بيوتات

_ (1) السيرة لابن هشام ج 1، ص 114. (2) دفنها وسواها. (3) السيرة ج 1، ص 113، 114. (4) سموا خزاعة لأنهم تخزعوا أي تخلفوا، وانقطعوا من ولد عمرو بن عامر حينما أقبلوا من اليمن يريدون الشام، فنزلوا بمر الظهران فأقاموا به.

متفرقون في قومهم من بني كنانة، وما زال بنو خزاعة يتوارثون أمر البيت كابرا عن كابر حتى كان اخرهم حليل بن حبشية بن سلول الخزاعي الذي تزوج قصي بن كلاب ابنته حبّى «1» ، واستمرت خزاعة على ولاية البيت نحوا من ثلاثمائة سنة، وقيل: خمسمائة سنة، وكانوا قوم سوء في ولايتهم، ففي زمانهم كان أول عبادة الأصنام بالحجاز بسبب رئيسهم عمرو بن لحيّ الخزاعي كما أسلفنا.

_ (1) بضم الحاء وتشديد الباء المفتوحة مقصورا.

قصي بن كلاب

قصي بن كلاب كان كلاب بن مرة متزوجا من فاطمة بنت سعد بن سيل، فولدت له زهرة وقصيا، ومات كلاب وقصي طفل في المهد، وقدم مكة بعد هلاك كلاب ربيعة بن حرام من عذرة، فتزوج فاطمة، واحتملها إلى بلاده، فحملت قصيا معها، وأقام أخوه زهرة بمكة لأنه كان رجلا، وقد ولدت فاطمة لربيعة رزاحا، فلما كبر قصي تسابّ هو ورجل من قضاعة فعيّره بأنه ليس منهم، وإنما هو ملصق فيهم، فدخل على أمه وهو مغضب فأخبرها، فقالت له: يا بني، صدق أنك لست منهم، ولكن رهطك خير من رهطه، واباؤك أشرف من ابائه، وإنما أنت قرشي، وأخوك وبنو عمك بمكة، وهم جيران بيت الله الحرام. فاحتمل بنفسه إلى مكة وأقام قصي بمكة، وعرف عنه من الجد وحسن الرأي ما جعله موضع احترام أهلها وأهله فيها، وتقديرهم له، وكانت سدانة البيت في هذا الوقت لخزاعة يتولاها حليل بن حبشية، فما لبث حين خطب إليه قصي ابنته حبّى أن رغب فيه وزوجه، فولدت لقصي: عبد الدار، وعبد مناف، وعبد العزى، وعبدا، وكثر ولده وانتشروا، كما كثر ماله، وعظم جاهه وشرفه. ولاية قصي البيت ثم هلك حليل فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبني بكر، فقريش هم في الذروة من ولد إسماعيل، وصريح ولده، فكلّم رجالا من قريش وبني كنانة، ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة، فأجابوه، واستنصر أيضا بأخيه لأمه رزاح بن ربيعة، فجاء ومعه إخوته لأبيه، وكانت

حرب شديدة بينهم، وبين خزاعة وبني بكر، انتهت بانتصار قصي ومن معه، وهزيمة الاخرين وإجلائهم عن مكة، وتمّ لقصي ولاية البيت وأمر مكة، وجمع قومه من منازلهم- وكانت بعيدة عن البيت- إلى ما حول البيت، فسمي: مجمّعا، وتملك على قومه وأهل مكة فملّكوه، وكان أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه. وصارت ماثر قريش كلها إلى قصي: الحجابة «1» ، والسقاية «2» ، والرفادة «3» ، واللواء «4» ، والندوة «5» ، فحاز شرف مكة كلها، فما تنكح امرأة، ولا يتزوج رجل من قريش، وما يتشاورون في أمر نزل بهم، ولا يعقدون لواء حرب إلا في داره. ولمّا بنت قريش بأمر قصي حول الكعبة دورها تركوا مكانا كافيا للطواف حول البيت، وتركوا بين البيوت طرقا ينفذ منها إلى الحرم، واتخذ لنفسه دار الندوة، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة، ففيها كانت قريش تقضي أمورها، وقيل إن حليلا هو الذي أوصى بذلك لقصي لما انتشر ولده من ابنته، فأبت خزاعة أن تمضي ذلك لقصي، فعند ذلك هاجت الحرب بينه وبين خزاعة، وقيل إن حليلا عهد بالمفاتيح إلى أبي غبشان وهو من خزاعة، وكان رجلا سكّيرا، فابتاعها منه قصي بزق خمر، فقيل: أخسر من صفقة أبي غبشان. وكان قصي أول من سن الرفادة وجعلها فرضا على قريش، حيث قال: «يا معشر قريش إنكم جيران الله، وأهل بيته، وأهل الحرم، وإن الحجاج ضيف الله، وزوار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج، حتى يصدروا عنكم ففعلوا» .

_ (1) أن تكون مفاتيح الكعبة بيده فلا يدخلها أحد إلا بإذنه. (2) هي الشراب الذي كانوا يصنعونه لأهل مكة في الموسم من ماء زمزم يخلط تارة بعسل، وتارة بلبن، وتارة ينبذ فيه التمر والزبيب، يتطوعون بذلك للحجيج من عند أنفسهم. (3) طعام كانت قريش تجمعه كل عام لأهل الموسم ويقولون: هم أضياف الله تعالى. (4) ما يعقد للحرب. (5) الاجتماع للمشورة.

جعل قصي هذه الماثر لعبد الدار

جعل قصي هذه الماثر لعبد الدار وكان عبد الدار أكبر أبناء قصي، وكان عبد مناف قد شرف في حياة أبيه، وذهب كل مذهب، وكذلك شرف عبد العزّى، وعبد، فقال قصي- وقد كبرت سنه، ووهنت قوته- لابنه عبد الدار: أما والله يا بني لألحقنّك بهم وإن كانوا قد شرفوا عليك، لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له، ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت بيدك، ولا يشرب أحد بمكة إلا من سقايتك، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك، ولا تقطع قريش أمرا من أمورها إلا في دارك، فأعطاه داره: دار الندوة، وأعطاه الحجابة، واللواء، والسقاية، والرفادة «1» . منازعة بني عبد مناف لبني عبد الدار وتولّى عبد الدار هذه المناصب التي اثره بها أبوه، وتولّاها أبناؤه من بعده، لكن أبناء عبد مناف كانوا أشرف في قومهم، وأعظم مكانة، لذلك أجمع عبد شمس، وهاشم، والمطلب، ونوفل بن عبد مناف أن يأخذوا ما بأيدي أبناء عمومتهم، وتفرق رأي قريش: بعضها مع هؤلاء، وبعضها مع أولئك، وعقد بنو عبد مناف «حلف المطيّبين» لأنهم غمسوا أيديهم في طيب جاءت به بعض نساء بني عبد مناف في جفنة، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة، فتعاقدوا، وتعاهدوا هم وحلفاؤهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم، وتعاقد بنو عبد الدار، وتعاهدوا وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا على ألايتخاذلوا، ولا يسلم بعضهم بعضا، فسمّوا «الأحلاف» ، وكادوا يقتتلون في حرب تفني قريشا، ولكن رحمة الله تداركتهم فتداعوا للصلح على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية، والرفادة، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار كما كانت، ففعلوا، ورضي كل واحد من الفريقين بذلك، وظل الأمر عليه حتى جاء الإسلام «2» .

_ (1) السيرة ج 1، ص 129، 130. (2) المرجع السابق ص 131، 132.

ولاية هاشم بن عبد مناف السقاية والرفادة

ولاية هاشم بن عبد مناف السقاية والرفادة فولي هاشم بن عبد مناف الرفادة، والسقاية، وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفّارا قلما يقيم بمكة، وكان مقلا من المال ذا ولد، وأما هاشم فكان موسرا، فهذا هو السبب في تولّيه الأمرين مع أن عبد شمس كان أكبر منه، وكان هاشم يستعين بقريش في الرفادة، فكان إذا حضر الحاج قام في قريش فقال: «يا معشر قريش، إنكم جيران الله وأهل بيته، وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوّار الله وحجاج بيته، وهم ضيف الله، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه، فاجمعوا لهم ما تصنعون به طعاما أيامهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها، فإنه- والله- لو كان مالي يسع لذلك ما كلفتكموه» فيستجيبون له، ويخرجون لذلك خرجا من أموالهم كلّ بقدر طاقته، فيصنع به للحجاج طعاما حتى يرجعوا من مكة. وكان هاشم- فيما يزعمون- أول من سن الرحلتين لقريش: رحلتي الشتاء والصيف، وأول من أطعم الثريد بمكة، وكان اسمه عمرا، وإنما سمي هاشم لذلك، قال شاعرهم: عمرو الذي هشم الثريد «1» لقومه ... قوم بمكة مسنتين عجاف «2» سنت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشتاء ورحلة الأصياف وفي عهده ازدهرت مكة، وسمت مكانتها في أنحاء الجزيرة كلها، واعتبرت العاصمة المعترف بها، وطوّع لهم هذا الازدهار أن يعقدوا معاهدات الأمن وحسن الجوار مع الدول المجاورة لهم، من رومان، وفرس، وأحباش، وغساسنة وغيرها. مناوأة أمية بن عبد شمس لعمه هاشم وظل هاشم تتقدم به السن في مكانته على رياسة مكة وزعامتها، لا يفكر أحد في منافسته، حتى خيّل لابن أخيه أمية بن عبد شمس أنه قد بلغ مكانا

_ (1) هو الخبز يخلط بالمرق واللحم. (2) وفي رواية: ورجال مكة مسنتون عجاف.

تزوج هاشم من بني النجار

يسوغ له هذه المنافسة، لكنه لم يقدر وغلب على أمره، وبقي الأمر لهاشم لا ينازعه أحد، وترك أمية مكة إلى الشام، فأقام بها عشر سنين «1» . تزوج هاشم من بني النجار وكان هاشم بن عبد مناف رجلا تاجرا كثير المال، يكثر من الأسفار ما بين مكة والشام، وفي سفرة من سفراته نزل بالمدينة، فرأى سلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار، فأعجب بها، وكانت سلمى لشرفها في قومها واعتزازها بنفسها لا تنكح الرجال حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها، إذا كرهت رجلا فارقته، فتزوجها هاشم، وكانت قبله عند أحيحة بن الجلاح من الأوس، فولدت له عمرو بن أحيحة، وولدت لهاشم عبد المطلب، فسمته: شيبة، فتركه هاشم عندها حتى صار غلاما دون المراهقة، فذهب إليه عمه المطلب فجاء به إلى مكة، ثم هلك هاشم بغزة «2» من أرض الشام وهو في رحلة من رحلاته التجارية، ثم هلك بعده عبد شمس بمكة، ثم المطّلب بردمان «3» من أرض اليمن، ثم نوفل بسلمان من أرض العراق. ولاية المطلب الرفادة والسقاية وبعد موت هاشم ولي السقاية والرفادة من بعده المطّلب بن عبد مناف، وكان أصغر من عبد شمس وهاشم، وكان ذا شرف في قومه وفضل، وكانت قريش تسميه «الفيض» لسماحته وجوده. عبد المطلب في مكة وتذكّر المطّلب أن ابن أخيه هاشم بالمدينة، وأنه قد ان له أن يرجع إلى أهله وبلده، فركب إلى المدينة، وذهب إلى سلمى وطلب إليها أن تدفع إليه الفتى، وقد قارب البلوغ، وبعد تمنع أذنت له ودفعته إليه، فاحتمله على بعيره، وأردفه إياه، ودخل به مكة، فظنته قريش عبدا له جاء به؛ فتصايحت:

_ (1) حياة محمد ص 96. (2) غزة بفتح أوله وتشديد ثانيه وفتحه مدينة في فلسطين من ناحية مصر. (3) بفتح أوله وسكون الدال المهملة: موضع باليمن.

ولاية عبد المطلب السقاية والرفادة

عبد المطلب ابتاعه، فقال المطلب: ويحكم، إنما هو ابن أخي هاشم قدمت به من المدينة، فغلب على الفتى هذا اللقب، وصار مشهورا به، وتنوسي الاسم الأصلي: شيبة. ولاية عبد المطلب السقاية والرفادة ثم هلك المطّلب بردمان فولي عبد المطلب السقاية والرفادة بعد عمه المطلب، فأقامها للناس، وأقام لقومه ما كان اباؤه يقيمون لهم، وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من ابائه، وأحبه قومه، وعظم خطره فيهم، وصار سيد قريش، والمقدّم من أشرافها. وقد لقي عبد المطلب في القيام بهذين المنصبين، ولا سيما السقاية شيئا غير قليل من المشقة، فقد كان إلى يومئذ وليس له من الأبناء إلا الحارث، وكانت سقاية الحاج يؤتى بها منذ نضبت زمزم من ابار عدة مبعثرة حول مكة، فتوضع في أحواض إلى جوار الكعبة، وكانت كثرة الولد عونا على تيسير هذا العمل، والإشراف عليه، فلذلك كان عبد المطلب في هم وتفكير دائم في هذا الأمر. وبينما هو على هذا رأى رؤيا كانت سبب الفرج بعد الكرب، واليسر بعد العسر، وعادت (زمزم) كما كانت عينا ثرّة يشرب منها الحجيج، وكان عبد المطلب يشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم، وربما يخلط الماء باللبن، أو العسل ويسقي أضياف الله. السقاية بعد عبد المطلب ولما مات عبد المطلب صارت السقاية إلى أبي طالب، ثم اتفق أن أملق في بعض السنين، فاستدان من أخيه العباس عشرة الاف إلى الموسم الاخر، وصرفها أبو طالب في السقاية، فلما كان العام المقبل لم يكن مع أبي طالب شيء، فاستسلف أخاه أربعة عشر ألفا أخرى، فقال له العباس بشرط إن لم تعطني تترك لي السقاية أكفيكها، فقال: نعم، وجاء العام المقبل ولم يكن مع

أبي طالب شيء، فأخذها العباس، ثم صارت من بعده إلى ولده عبد الله، ثم إلى علي بن عبد الله، ثم إلى داود بن علي، ثم إلى سليمان بن علي، ثم إلى عيسى بن علي، ثم أخذها المنصور واستناب عليها مولاه أبا رزين «1» ، وبتوالي العصور ذهبت هذه المفاخر واندرست.

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 247، 248.

رؤيا عبد المطلب في شأن زمزم

رؤيا عبد المطلب في شأن زمزم روى ابن إسحاق في سيرته بسنده عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنه كان يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها قال: قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني ات «1» فقال: احفر طيبة «2» . قال: قلت: وما طيبة؟! فقال: ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر برّة «3» . قال: قلت: وما برة؟! قال: ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة «4» . قال: قلت: وما المضنونة؟! قال: ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني، فقال: احفر زمزم، قال: قلت: وما زمزم؟! قال: لا تنزف «5» أبدا، ولا تذم «6» ، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم «7» ، عند نقرة الغراب الأعصم «8» ، عند قرية النمل «9» .

_ (1) يعني في المنام. (2) لأنها للطيبين والطيبات من ذرية إبراهيم. (3) لأنها فاضت على الأبرار، وغاضت عن الفجار، ولأن برها كثير لا ينقطع. (4) لأنها ضنّ بها على غير المؤمنين، فلا يتضلّع منها منافق. (5) لا يفرغ ماؤها، ولا يلحق قعرها. (6) لا توجد قليلة الماء من قولهم: بئر ذمة أي قليلة الماء وليس المراد ضد المدح لأن المنافقين وأرقاء الإيمان يذمونها. (7) تشبيها لها باللبن كما قال تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً، نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ الاية 66 من سورة النحل. ويقال: بل كان هناك في موضعها فرث ودم. (8) الذي إحدى رجليه بيضاء. (9) قال السهيلي: «أما قرية النمل أيضا ففيها من المشاكلة والمناسبة أن زمزم هي عين مكة التي يردها الحجيج، والعمّار من كل جانب، فيحملون إليها البر والشعير وغير ذلك،

عثور عبد المطلب على زمزم

عثور عبد المطلب على زمزم فلما بيّن له شأنها، ودلّ على موضعها، خرج بمعوله، ومعه ابنه الحارث، وليس له ولد غيره يومئذ، فحفر فيها، فلما بدا لعبد المطلب الطي «1» كبّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه، فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها لحقا، فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل!! إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، قالوا: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد هذيم، قال: نعم وكانت بأشراف الشام، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، والأرض إذ ذاك مفاوز، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق فني ماء عبد المطلب وأصحابه حتى كادت أعناقهم تنقطع من العطش، وضن عليهم بنو قومهم من قريش بالماء، وقالوا: إنا بمفاوز وإنا لنخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم، فرأى عبد المطلب أن يحفر كل واحد لنفسه قبره، ففعلوا، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشى. ثم بدا لعبد المطلب، فقال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا الماء لعجز، فعسى أن يرزقنا الله ماء ببعض البلاد فارتحلوا، حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته انفجرت عين ماء عذب من تحت خفّها، فكبّر عبد المطّلب، وكبّر أصحابه، ثم نزل فشرب وشربوا، وملأوا أسقيتهم، ثم دعا قريشا، فقال: هلمّوا إلى الماء فقد سقانا الله، فجاؤا، وشربوا، واستقوا ثم قالوا: قد- والله- قضي لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا، إن الذي سقاك الماء بهذه الفلاة

_ - وهي لا تحرث، ولا تزرع، وقرية النمل لا تحرث، ولا تبذر، وتجلب الحبوب إلى قريتها من كل جانب» ، قال الزرقاني في «شرح المواهب» : «وأطال: يعني الإمام السهيلي في الروض في وجه تأويل هذه الرؤيا بما يحسن كتبه بالعسجد» . (شرح المواهب، ج 1 ص 112) . (1) الحجارة التي غطي بها البئر.

لهو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدا، فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلّوا بينه وبينها. وفي رواية أخرى أن عبد المطلب لما رأى رؤياه غدا ومعه ابنه الحارث إلى حيث وصف له مكانها، فوجد قرية النمل، ووجد الغراب الأعصم ينقر عندها بين الوثنين: إساف، ونائلة، فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر، فقامت إليه قريش، وقالوا: والله لا نتركك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما، فقال عبد المطلب لابنه: ذد عنّي حتى أحفر، فو الله لأمضين لما أمرت، فلما عرفوا أنّه جادّ خلّوا بينه وبين الحفر، فلم يحفر إلا يسيرا حتى بدا له الطي فكبر، وعرف أنه صدق. فلما تمادى به الحفر وجد غزالين من ذهب، ووجد الأسياف والأدرع، فقالت له قريش: لنا معك في هذا شرك. فقال: لا، ولكن هلمّ إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها القداح «1» ، قالوا: وكيف تصنع؟ قال: أجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج له قدحاه على شيء كان له، ومن تخلّف قدحاه فلا شيء له، قالوا: أنصفت، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش، ثم أعطوا القداح لسادن هبل، وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل، فضرب صاحب القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، وخرج الأسودان على الأسياف والأدرع لعبد المطلب، وتخلّف قدحا قريش، فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة، وضرب الغزالين حلية للباب، فكان أول ذهب حليت به الكعبة، ثم أقام عبد المطلب سقايتها للحاج، فكانت له عزا وفخرا على قريش، وعلى سائر العرب، وقد ذكر عنه أنه قال: إني لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل «2» .

_ (1) جمع قدح بكسر القاف وهو السهم من الخشب الذي كانوا يستقسمون به. (2) في القاموس: والبل- بالكسر- الشفاء والمباح، ويقال: حل وبل، وهو إتباع يعني بمعنى حل.

تعفية زمزم على جميع الابار

تعفية زمزم على جميع الابار وكانت قريش لما طمّت زمزم حفرت أبيارا بمكة، فحفر هاشم بن عبد مناف بئرا عند فم شعب أبي طالب، وحفر عبد شمس بن عبد مناف بئرا بأعلى مكة، وحفر أمية بن عبد شمس بئرا لنفسه، وحفر بنو أسد بن عبد العزّى بئرا، وحفر بنو عبد الدار بئرا، وبنو جمح بئرا، وبنو سهم بئرا، وهكذا. فلما أعاد عبد المطلب حفر زمزم عفت على الابار التي كانت قبلها، وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام، ولفضلها على ما سواها من المياه، ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. فضل زمزم وقد ورد في فضل ماء زمزم أحاديث كثيرة فمنها: ما رواه مسلم في صحيحه في قصة إسلام أبي ذر- رضي الله عنه: «إنها طعام طعم» «1» ورواه أبو داود الطيالسي مرفوعا بزيادة: «طعام طعم، وشفاء سقم» وروى الإمام أحمد بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ماء زمزم لما شرب له» ورواه سويد بن سعيد وهو ضعيف وروى الدارقطني والحاكم وصحّحه عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ماء زمزم لما شرب له: إن شربته لتستشفي شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهي هزمة «2» جبريل، وسقيا الله إسماعيل» ، ومهما يكن من شيء فقد صحح الحافظ الدمياطي- وهو من الحفاظ المتأخرين المتقنين- حديث: «ماء زمزم لما شرب له» وأقره الحافظ العراقي «3» . وروى ابن ماجه والحاكم عن ابن عباس أنه قال لرجل: «إذا شربت من

_ (1) مشبع. (2) هزمة أو همزة: أثر ضربته في الأرض بعقبه، أو بجناحه. (3) مقدمة ابن الصلاح وشرحها، للحافظ العراقي، ص 13.

زمزم فاستقبل القبلة، واذكر اسم الله، وتنفّس ثلاثا «1» وتضلّع منها «2» ، فإذا فرغت فاحمد الله، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن اية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم» «3» . ولن تجد أحلى، ولا أهنأ من ماء زمزم حين تخرج من البئر، وأقرب ما تكون في هذه الحالة إلى اللبن الحليب قريب العهد بثديه، وتبريدها أو تبخيرها يخرجها عن طبيعتها المستساغة، وفوائدها الصحية والغذائية معروفة بالتجربة، ولكن لا بد أن يصاحب شربها حسن الاعتقاد في فوائدها، وإلا فلا يستفيد شاربها منها، لأن المعروف أن من يشرب الشراب وهو له كاره، أو معتقد عدم جدواه لن يشعر بفائدته، وهذا هو السبب في أن البعض يعاف ماء زمزم، ولا يستسيغها، ولا يستفيد منها. وأشهد الله أني ما عافتها نفسي قط، وقد تضلّعت منها مرارا وتكرارا، ولا سيما وهي خارجة من بئرها، وأني ما استفدت في تنظيم جهازي الهضمي بشيء مثل ما استفدت منها، وصدق رسول الله: «إنها طعام طعم، وشفاء سقم» .

_ (1) يعني خارج الإناء، والمراد أن يشرب على ثلاث مرات، فقد ورد نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن التنفس في الإناء. (2) أي اشرب منها حتى ترتفع أضلاعك كناية عن الشرب الكثير. (3) البداية والنهاية، ج 2 ص 247.

نذر عبد المطلب ذبح أحد أولاده

نذر عبد المطلب ذبح أحد أولاده قد علمت انفا ما لقيه عبد المطلب من قريش من عنت وتعسف حين أعاد حفر زمزم، لقلة من يمنعه من ولده انذاك، حتى قال بعضهم له: «يا عبد المطلب أتستطيل علينا وأنت فذ، لا ولد لك!!» . فحز ذلك في نفس عبد المطلب فنذر لله سبحانه: لئن ولد له عشرة بنين، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، لينحرنّ أحدهم عند الكعبة!!. فلما بلغ بنوه عشرة «1» ، وعرف أنهم سيمنعونه، جمعهم، ثم أخبرهم

_ (1) وقيل: إنهم تكاملوا عشرة بعد حفر زمزم بثلاثين عاما، كما رواه ابن سعد، والبلاذري وهم: 1- الحارث: أكبرهم. وأمه صفية بنت جندب. 2- والزبير: بفتح الزاي، وقيل: بضمها. وأمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية. 3- حجل: بتقديم الحاء المهملة على الجيم، وقيل بالعكس. وأمه هالة بنت وهيب. 4- وضرار: وهو شقيق العباس. 5- والمقوم: على صيغة اسم الفاعل أو المفعول. وأمه هالة. 6- وأبو لهب عبد العزى: وأمه امنة بنت هاجر. 7- والعباس: وأمه نتلة، وقيل نتيلة- بالتصغير. 8- وحمزة: وأمه هالة بنت وهيب. 9- 10- وأبو طالب، وعبد الله: وأمهما فاطمة بنت عمرو المخزومية. فيكون الزبير وأبو طالب وعبد الله إخوة أشقاء، ولعبد المطلب ست بنات، عمات النبي صلّى الله عليه وسلّم وهنّ: صفية، وأم حكيم البيضاء، وعاتكة، وأميمة، وأروى، وبرة.

خروج القدح على عبد الله

بنذره، وقيل: إنه رأى رؤيا تذكره بنذره «1» ، ودعاهم إلى الوفاء فأطاعوه، وقالوا: كيف نصنع؟ قال: ليأخذ كل رجل منكم قدحا، ثم يكتب فيه اسمه، ثم ائتوني، ففعلوا، ثم أتوه، فدخل على هبل في جوف الكعبة، وقال لصاحب القداح: اضرب على بنيّ هؤلاء بقداحهم، وأخبره بنذره الذي نذر، ففعل الرجل. خروج القدح على عبد الله وكان عبد الله أحب ولد عبد المطلب إليه، وكان يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى «2» ، فلما أخذ سادن هبل القداح ليضرب بها قام عبد المطلب يدعو الله، فضرب الرجل، فخرج القدح على عبد الله، فهم عبد المطلب بذبحه، فقام إليه أخوال عبد الله من بني مخزوم فقالوا: والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه، فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه، وقالت له قريش: لا تفعل- خشية أن تكون سنّة، وأشاروا عليه أن ينطلق إلى المدينة، فإن بها عرّافة- كاهنة- لها تابع «3» فسلها، ثم أنت على رأس أمرك: إن أمرتك بذبحه ذبحته، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج قبلته. فداء عبد الله بمائة من الإبل فانطلقوا حتى أتوا المدينة، فوجدوا العرّافة بخيبر فركبوا إليها. فلما قصّ عليها عبد المطلب قصته استمهلتهم إلى الغد، ولما عادوا إليها في اليوم التالي قالت لهم: قد جاءني الخبر، كم الدية فيكم؟ قالوا: عشرة من الإبل، قالت: فارجعوا إلى بلادكم، ثم قرّبوا صاحبكم، وقرّبوا عشرا من الإبل، ثم اضربوا عليه وعليها القداح، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا عشرا حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه، فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم.

_ (1) شرح المواهب، ج 1 ص 114. (2) أي أبقى ما يرضي نفسه. (3) مخبر من الجن.

فلما رجعوا قرّبوا عبد الله وعشرا من الإبل، فخرج على عبد الله، فزادوا عشرا، فخرجت على عبد الله!! وما زالوا يضربون ويزيدون حتى بلغت الإبل مائة، ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل، فقالت قريش: لقد رضي ربك يا عبد المطلب، فقال: لا، حتى أضرب عليها بالقداح ثلاثا، ففعل، وفي كل مرة يخرج القدح على الإبل، ثم نحرت وتركت، لا يصد عنها إنسان، ولا طير ولا سبع. وهكذا شاء الله- عز وجل- أن يكون هذا الفداء كرامة للنسمة المباركة التي ستخرج من ظهر عبد الله بن عبد المطلب، وإرهاصا بين يدي المولود الذي لا يزال في ضمير الغيب. وقد ترك حادث الذبح والفداء للفتى الهاشمي عبد الله دويا في المجتمع القرشي، بل في المجتمع العربي كله، وأصبح ذكره على كل لسان، وقصته سمرا في كل بيت.

الفصل الرابع زواج عبد الله بامنة

الفصل الرّابع زواج عبد الله بامنة ها هو ذا عبد الله بن عبد المطلب وقد رضي عنه الإله، وعظم فيه الفداء قد أصبح ملء الأسماع والأبصار، وقد كان عبد الله شابا، نسيبا، جميلا، وسيما، غض الإهاب، قوي البنيان، فلا عجب أن غدا مطمع الامال، وغاية الأماني، من الغيد الكواعب الحسان، من شريفات قريش، أن يصرن زوجا له «1» حتى برّح بهن الهوى والحب. فرأى أبوه عبد المطلب- شريف مكة وسيدها- أن يزوجه بكرا من كرائم البيوتات القرشية، وفكّر الشيخ ثم فكر، حتى هداه تفكيره- وهو العارف بالأعراق والأحساب- إلى فتاة بني زهرة امنة بنت وهب، بن عبد مناف، بن زهرة «2» ، بن كلاب، بن مرة، فأخذ بيد عبد الله، وذهب به حتى أتى منازل بني زهرة، ودخل وإياه دار وهب بن عبد مناف الزهري، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا، فزوجه ابنته امنة، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا،

_ (1) روي عن العباس- رضي الله عنه-: «أنه لما بنى عبد الله بامنة أحصوا مائتي امرأة من بني مخزوم، وبني عبد مناف متن- يعني كدن أن يمتن حسرة- ولم يتزوجن أسفا على ما فاتهن من عبد الله، وأنه لم تبق امرأة من قريش إلا مرضت ليلة دخل عبد الله بامنة» (شرح المواهب ج 1، ص 134) . ومهما يكن من أمر الرواية، أو المبالغة فيها، فهذا أمر معهود في البشر يحدث كل يوم، وسل الأسر في القرى والمدن إذا تزوج ابن مرموق مشهور من غير بنات الأسرة أو القرية- تعلم الحقيقة. (2) زهرة: بضم الزاي وسكون الهاء، اسم رجل لا اسم امرأة هي أمه كما زعم ابن قتيبة.

تعرض بعض النساء لعبد الله

وموضعا «1» وبنى عبد الله بامنة، وبقي في بيت أبيها ثلاثة أيام على عادة العرب في ذلك، حتى كان اليوم الرابع انتقل بها إلى منازل بني عبد المطلب، وعاش الفتى المرموق المحبوب المرضي عليه من الإله، والفتاة الوادعة الجميلة الشريفة أياما معدودات- لم تتجاوز عند جمهرة المؤرخين عشرة أيام- وقد شاء الله أن تكون الأيام العشرة هي عمر الحياة الزوجية في هذا الزواج المبارك. تعرض بعض النساء لعبد الله وقد ذكر ابن إسحاق أنه لما انصرف عبد الله مع أبيه قاصدين دار بني زهرة مرّا على امرأة من بني أسد بن عبد العزّى، وهي عند الكعبة، قيل اسمها قتيلة «2» ، وهي أخت ورقة بن نوفل، فنظرت إلى وجه عبد الله فوجدت فيه نورا يتلألأ، فقالت له: لك مثل الإبل التي نحرت عنك، وقع علي الان «3» ، فقال: أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه، ولا فراقه. وقيل في المرأة التي عرضت نفسها عليه أنها فاطمة بنت مرّ الخثعمية، وكانت من أجمل النساء وأعفهن، وكانت رأت نور النبوة في وجه عبد الله، وكانت ممن قرأ الكتاب القديمة، فقالت له: يا فتى هل لك أن تقع علي الان، وأعطيك مائة من الإبل، فأبى. ويروى أن عبد الله قال حين عرضت عليه المرأة نفسها: أما الحرام فالحمام «4» دونه ... والحل لا حل فأستبينه فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه وفي الحق أني في شك من هذا العرض، فالبيئة العربية ما كانت تسمح بهذا العرض، وكأنّ بعض العلماء شعر بما شعرت به، ففسّر عرض نفسها عليه بأنها عرضت عليه الزواج بها، ولكن البيتين المذكورين لا يلتقيان مع قصد الزواج، والوقوع عليها في الحلال!! فالله أعلم بصحة هذه القصة.

_ (1) نسبا: من جهة الأب، وموضعا من جهة الأم. (2) وقيل: اسمها رقية. (3) قالوا: يعني على سبيل الزواج. (4) وفي رواية: فالممات والمعنى واحد.

حمل السيدة امنة بالنبي

حمل السيدة امنة بالنبي وفي هذه الأيام المعدودة حملت السيدة الشريفة امنة بسيد هذه الأمة، وقد ادخرها القدر لأعظم أمومة في التاريخ، وتوالت عليها الرؤى والبشريات بجلال قدر هذا الجنين، فرأت فيما يرى النائم حين حملت به أنه خرج منها نور أضاء الأرض، وبدت منه قصور بصرى من أرض الشام، فقد روى أبو نعيم في «الدلائل» وابن سعد في «الطبقات» أن امنة قالت: «رأيت كأنه خرج مني شهاب أضاءت له الأرض، حتى رأيت قصور الشام» ، وما كانت هذه الرؤيا ومثيلاتها ليخفى تأويلها على السيدة امنة، وهي من هي ذكاء وفطنة، فقد فهمت أن من حملت به سيملأ الأرض نورا وضياء، وهدى ورحمة، وسيكون له شأن وذكر. وفاة عبد الله بن عبد المطلب ولم يطل المقام بالفتى الشاب عبد الله مع زوجته امنة بنت وهب، فقد خرج في تجارة إلى الشام وترك الزوجة الحبيبة، وما درى أنها علقت بالنسمة المباركة، وقضى الزوج المكافح مدة في تصريف تجارته، وهو يعدّ الأيام كي يعود إلى زوجته فيهنأ بها، وتهنأ به، وما إن فرغ حتى عاد، وفي أوبته عرّج على أخوال أبيه عبد المطلب وهم بنو النجار بالمدينة، فاتفق أن مرض عندهم، فبقي وعاد رفاقه، ووصل الركب إلى مكة، وعلم منهم عبد المطلب بخبر مرضه، فأرسل أكبر بنيه: الحارث ليرجع بأخيه بعد إبلاله، وما إن وصل الحارث إلى المدينة حتى علم أن عبد الله مات، ودفن بها في دار النابغة من بني النجار، فرجع حزين النفس على فقد أخيه، وأعلم أباه بموت الغائب الذي لا يؤوب، وأثار النبأ الموجع الأحزان في نفس الوالد الشيخ المفجوع في فقد أحب أولاده إليه، وألصقهم بنفسه، وأثار الأسى والحسرة في نفس الزوجة التي كانت تحلم بأوبة الزوج الحبيب الغالي، وتشتاق إليه اشتياق الظمان في اليوم الصائف القائظ إلى الشراب العذب الحلو البارد، وتبدّد ما كانت تعلّل به نفسها من سعادة وهناءة في كنف الزوج الفتى الوسيم، والذي كان مشغلة المجتمع القرشي والعربي حينا من الزمان، فما مثله من فتى، وما مثله من زوج!!

رثاء امنة لعبد الله

ولم يكن للجنين عند فقد الأب إلا شهران، وهذا الذي ذكرنا، من أن عبد الله مات، والنبي لا يزال حملا في بطن أمه، هو الذي ذكره شيخ كتاب السيرة ابن إسحاق، وتابعه عليه ابن هشام، وهو الرأي المشهور بين كتاب السير والمؤرخين، وكان عمر عبد الله حينذاك ثماني عشرة سنة «1» . ويرى بعض العلماء أن والد النبي صلّى الله عليه وسلّم توفي بعد ميلاده وهو لا يزال في المهد، قيل: ابن شهرين، وقيل: أكثر من ذلك، والأول هو الراجح، وإن قال السهيلي: إن الرأي الثاني قول أكثر العلماء. وترك عبد الله لابنه الجنين: خمسة من الإبل، وقطيعا من الغنم، وجارية هي أم أيمن بركة الحبشية حاضنته فيما بعد، وهذه الثروة، وإن لم تكن مظهر ثراء وسعة، فهي كذلك لم تكن مظهر فقر ومتربة. رثاء امنة لعبد الله وروي أن عبد الله لما توفي قالت السيدة امنة ترثيه: عفا جانب البطحاء من ال هاشم ... وجاور لحدا خارجا في الغمائم «2» دعته المنايا دعوة فأجابها ... وما تركت في الناس مثل ابن هاشم عشية راحوا يحملون سريره «3» ... تعاوره أصحابه في التزاحم فإن تك غالته المنون وريبها ... فقد كان معطاء كثير التراحم رؤيا لعبد المطلب روى أبو نعيم بسنده قال: قال عبد المطلب: «بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني، ففزعت منها فزعا شديدا، فأتيت كاهنة قريش فقلت لها: إني رأيت الليلة كأن شجرة نبتت قد نالت رأسها السماء، وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورا أزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين

_ (1) وهو الذي صححه الحافظ العلائي، والحافظ ابن حجر، واختاره السيوطي (شرح المواهب ج 1، ص 131) . (2) هي الأغطية، والمراد بها الأكفان التي لفّ فيها. (3) هو النعش الذي يحمل عليه الميت.

قصة الفيل

ضعفا. ورأيت العرب والعجم لها ساجدين، وهي تزداد كل ساعة عظاما ونورا وارتفاعا، ساعة تخفى، وساعة تظهر. ورأيت رهطا من قريش قد تعلّقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخذهم شاب لم أر قط أحسن منه وجها، ولا أطيب منه ريحا، فيكسر أظهرهم، ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لأتناول منها نصيبا، فلم أنل، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلّقوا بها وسبقوك. فانتبهت مذعورا، فرأيت وجه الكاهنة قد تغيّر، ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجنّ من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب، وتدين له الناس. فقال عبد المطلب لأبي طالب: لعلك أن تكون هو المولود، فكان أبو طالب يحدّث بهذا الحديث والنبي صلّى الله عليه وسلّم قد خرج «1» ، ويقول: كانت الشجرة والله- أبا القاسم الأمين، فيقال له: ألا تؤمن؟ فيقول: السبة والعار «2» . وحكاها بعضهم «3» على وجه اخر قال: زعموا أن عبد المطلب رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء، وطرف في الأرض، وطرف في المشرق، وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلّقون بها. فقصّها، فعبّرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق، ويحمده أهل السماء، وأهل الأرض. قصة الفيل هي قصة مشهورة أرّخ بها العرب لدلالتها على مزيد عناية الله تعالى ببيته، ذلك أن أبرهة الحبشي لما غلب على بلاد اليمن، ورأى الناس يقصدون

_ (1) أي بعث. (2) أي أخشى السبة والعار أو يمنعني. (3) هو علي القيرواني العابر في كتابه «البستان» .

زرافات، وواحدانا، ورجالا وركبانا- الكعبة البيت الحرام قال: إلام يقصدون؟ قالوا له: إلى الكعبة بمكة يحجون، قال: وما هو؟ قالوا له: بيت من الحجارة، قال: وما كسوته؟ قالوا: ما يأتي ههنا من الوصائل «1» ، قال: لأبنينّ خيرا منه. فبنى لهم كنيسة بصنعاء تفنّن في بنائها، وتزيينها، وسماها «القلّيس» «2» قاصدا صرف العرب عن الكعبة، ولكن أعرابيا عمد إليها فتغوّط فيها، فلما علم أبرهة استشاط غضبا، وعزم على هدم الكعبة، وسار في جيش لجب لا قبل لأهل مكة والعرب به، وقد تعرض له في الطريق بعض قبائل العرب، ولكنه تغلب عليهم، وعند مشارف مكة وجدوا إبلا لعبد المطلب بن هاشم، فاستاقوها، فذهب عبد المطلب إليه، وكان وسيما جميلا تعلوه المهابة والوقار، فاستعظمه أبرهة، وأكرمه، فلما كلّمه في الإبل عجب وقال له: أتكلمني في الإبل، ولا تكلمني في بيت فيه عزك، وشرفك، وشرف ابائك؟! فقال عبد المطلب هذه الكلمة التي سارت مسير الأمثال: «أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه» «3» !! ثم رجع عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال: لاهمّ «4» إنّ المرء يمنع ... رحله فامنع رحالك وانصر على ال الصليب ... وعابديه اليوم الك لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم «5» أبدا محالك إن كنت تاركهم وقبلتنا ... فأمر ما بدا لك

_ (1) الوصائل هي ثياب مخططة يمانية، كانت تكسى بها الكعبة. (2) بضم القاف وفتح اللام المشددة، وسكون الياء، وقيل: بفتح القاف وكسر اللام. (3) رب الإبل: صاحبها ومالكها. (4) أصلها اللهمّ، حذفت الألف واللام منها، واكتفي بالباقي. (5) المحال- بكسر الميم- القوة والشدة.

ثم أرسل حلقة البيت وانطلق هو ومن معه من قريش إلى الجبال ينظرون ما أبرهة فاعل بالبيت، وكان في جيش أبرهة فيل عظيم، فصار كلما وجّهوه إلى الطريق المؤدّي إلى مكة أبى وبرك، وإذا وجّهوه إلى غير طريق مكة سار وجرى، ومع هذه الاية أصر أبرهة وجيشه على هدم الكعبة، فما كان إلا أن أرسل الله عليهم طيرا أبابيل «1» ، في مناقيرها وأرجلها حجارة صغار، فصارت ترميهم بهذه الحجارة، وليس كلهم أصابت، فكان من صادفه حجر تمزّق جسمه ومات، وخرجوا هاربين يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك، ونكّل الله بأبرهة وجيشه شر تنكيل، وقد ذكر الله سبحانه هذه القصة في سورة الفيل قال: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ «2» (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ «3» (5) . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين» «4» . فهي لمّا أراد بها أبرهة وجنده سوا أهلكهم الله، ولمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه بفتحها خيرا أعينوا ونصروا، وقد كانت هذه الاية إرهاصا بين يدي ميلاد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، ودلالة على يمنه، وخيره، وبركته.

_ (1) جمع إبيل أو إبول أي جماعات جماعات، وقيل: لا واحد له من لفظه. (2) سجيّل: الطين المحروق بالنار قيل: إنه فارسي معرب. (3) العصف المأكول: هشيم الزرع بعد ما يؤخذ منه الحب كالقمح مثلا. (4) رواه الشيخان.

المشككون في القصة

المشككون في القصة ويشكك بعض المستشرقين «1» ومن نهج نهجهم من الكتاب المسلمين «2» في هذه القصة، مع ثبوتها بالتواتر المفيد للقطع واليقين بإجماع أهل الملل والعقول، ويقولون إن هلاك الجيش كان بسبب انتشار مرض الجدري في الجيش، واعتمدوا على خبر ذكره ابن إسحاق بعد ما ذكر القصة على ما وردت في الكتاب الكريم، قال: حدثني يعقوب بن عتبة أنه حدث: «أن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام» «3» . وليس فيما ذكره ما يدل على أن هلاكهم كان بهذا، وإلّا لما ذكر ابن إسحاق القصة المعتمدة أولا في بضع صفحات، ولم لا تكون الحصبة والجدري كانتا بسبب ما أصابهم من الجراح، والتنكيل، والقيح، والصديد في هذا الجزء من شبه الجزيرة، كما هو مشاهد ومعروف من انتشار بعض الأمراض والأوبئة عقب الحروب والجوائح؟! بل لم لا يكون هذا أمرا اتفاقيا حدث بعد حادث الفيل؟! ولو سلمنا بأن هذا رأي لقائله، فكيف يرجّح رأي ضعيف يعارض ظاهر القران على رأي صحيح يشهد له ظاهر القران؟! الحق أن هذا التشكيك ليس له ما يبرره، أما إنكار ما قصه القران، وقد كان من المشهورات المسلمات عند العرب، واستعظامه على قدرة الله سبحانه وتعالى، فأثر من ضعف الإيمان واليقين، ولوثة سرت إلى البعض من المستشرقين والمبشّرين.

_ (1) حياة محمد لدرمنغم ص 35 ترجمة د. عادل زعيتر. (2) حياة محمد ورسالته لمحمد علي ص 56، 158 مع أنه ذكر السورة، ودائرة معارف القرن العشرين ج 6، ص 256 لفريد وجدي، فقد جوّز حملها على غير ظاهرها، وأن المراد بها المجاز والتمثيل. (3) السيرة ج 1، ص 54.

الباب الثاني من الميلاد إلى البعثة النبوية

الباب الثاني من الميلاد إلى البعثة النّبويّة الفصل الأول: الميلاد. الفصل الثاني: الرضاع. الفصل الثالث: النبيّ في كفالة أمه، ثم جده، ثم عمه. الفصل الرابع: زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بخديجة. الفصل الخامس: تجديد قريش بنيان الكعبة. الفصل السادس: حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل البعثة. الفصل السابع: حالة العالم قبل البعثة. الفصل الثامن: البشارة بالنبيّ في الكتاب السماوية السابقة.

الفصل الأول الميلاد

الفصل الأوّل الميلاد وتقدمت أشهر الحمل بالسيدة الشريفة امنة بنت وهب، وهي تترقب الوليد الذي لم تجد في حمله وهنا، ولا ألما، وهتف بها هاتف قائلا: «إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: «أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، وسميه محمدا» . وبلغ الكتاب أجله، وبعد تسعة أشهر أذن الله للنور أن يسطع، وللجنين المستكن أن يظهر إلى الوجود، وللنسمة المباركة أن تخرج إلى الكون، لتؤدي أسمى وأعظم رسالة عرفتها الدنيا في عمرها الطويل. ففي صبيحة اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل «1» ، الموافق سنة سبعين وخمسمائة من ميلاد السيد المسيح، حيث بدأ الصبح يتنفس، واذن نور الكون بالإشراق، افتر ثغر الدنيا عن مصاصة البشر «2» ، وسيد ولد ادم، وأكرم مخلوق على الله: سيدنا محمد بن عبد الله. ولما وضعته السيدة والدته خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى رأت منه قصور بصرى بالشام، ووقع جاثيا على ركبتيه، معتمدا على يديه، رافعا رأسه إلى السماء، ثم أخذ قبضة من التراب فقبضها. روى

_ (1) هذا الذي ذكره ابن إسحاق وهو المشهور، وقيل: ولد لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل: لتسع ليال، وكذلك اختلف في سنة ميلاده الميلادية فقيل ما ذكرنا، وقيل سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وهو الذي رجحه محمود باشا الفلكي. (2) يقال: فلان مصاص قومه، إذا كان أخلصهم نسبا.

موضع ولادته

محمد بن سعد من حديث جماعة منهم: عطاء بن أبي رباح، وابن عباس، أن امنة بنت وهب قالت: «لما فصل مني- تعني النبي- خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، ثم وقع على الأرض جاثيا على ركبتيه، معتمدا على يديه، ثم أخذ قبضة من التراب، فقبضها، ورفع رأسه إلى السماء» «1» . وروى الإمام الجليل أحمد بن حنبل، والبزار، والطبراني، والحاكم، والبيهقي عن العرباض بن سارية السلمي- رضي الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إني عند الله لخاتم النبيين «2» ، وإن ادم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت «3» ، وكذلك أمهات النبيين يرين» «4» ، وإن أمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام، وفي رواية ابن إسحاق: «أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام» . موضع ولادته وكانت ولادته صلّى الله عليه وسلّم في دار أبي طالب بشعب بني هاشم «5» ، وكانت قابلته

_ (1) أما النور فنور النبوة والرسالة، وأما الجثي على ركبتيه فإشارة إلى شدة تواضعه لربه، وتواضعه للخلق، وأما الاعتماد على يديه فإشارة إلى أنه لن ينشأ مدللا كسلان كما هو شأن أبناء الملوك والأشراف، وإنما سيعتمد من صغره على الله ثم على نفسه، وأما أخذه قبضة من التراب فإشارة إلى أن الأرض منها البدء، وإليها الإعادة، ومنها الإخراج للبعث، وأنه سيغلب أهل الأرض، وأما رفع رأسه إلى السماء فإشارة إلى عظم توكله على ربه، وإلى ارتفاع شأنه وقدره، وسمو غايته وسؤدده، وأنه يسود الخلق أجمعين. (2) أي في علمه وتقديره الأزلي. (3) هذه الرؤية بصرية، وقد وردت بهذا المعنى في أفصح الكلام ومعجزه، وهي غير الرؤيا التي رأتها في مبدأ الحمل، فتلك كانت منامية (شرح المواهب، ج 1 ص 136) . (4) قال الحافظ ابن حجر: وصحّحه ابن حبان والحاكم. (5) وقد صارت هذه الدار إلى محمد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج، ذلك أن عقيل بن أبي طالب باع دور من هاجر من بني هاشم، ومنها هذه الدار، وقد أدخلها محمد بن يوسف هذا في داره التي يقال لها: البيضاء، ولم تزل كذلك حتى حجت الخيزران أم الرشيد، فأفردت ذلك البيت وجعلته مسجدا، وقيل: إن التي بنته هي السيدة زبيدة

إخبار جده عبد المطلب

الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم، ولد مسرورا مختونا «1» ، واستدلوا على هذا بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا، ولم ير أحد سوأتي» «2» وورد عن ابن عمر أنه قال: «ولد النبي صلّى الله عليه وسلّم مسرورا مختونا» «3» . وقد ضعّف جماعة من العلماء هذه الأحاديث كالعراقي، وابن القيم في «زاد المعاد» وقال: ليس هذا من خصائصه، لأن كثيرا من الناس ولد مختونا، وقد عدهم صاحب المواهب. ولقد نعمت الأم التي ترملت في شبابها بالوليد الجميل، المشرق الجبين، الذي ملأ البيت من حولها نورا وسرورا، ورأت فيه السلوى عن الحبيب الغالي الذي تركه لها وديعة في ضمير الغيب ثم مات، وما إخالها إلا ذرفت الدمع سخينا، أن لم ير الأب الشاب هذا الوليد الذي يملأ العيون جمالا وبهاء، والقلوب محبة. إخبار جده عبد المطلب وكان أول ما فعلته السيدة امنة أن أرسلت إلى جده تبشره بميلاد الحفيد ابن الحبيب، وجاء الجد فرحا مسرورا، وضمّه إلى صدره ضمات خفق لها قلبه، وخفّفت من لوعة الحزن على الحبيب المغيّب في ثرى المدينة، وذهب به إلى الكعبة، فقام يدعو الله ويشكره على ما أنعم به عليه وأعطاه، وسماه (محمدا) ولم يكن هذا الاسم شائعا عند العرب، ولا تسمّى به إلا عدد جدّ قليل، ولكن الله سبحانه ألهم جده ذلك إنفاذا لأمره، وتحقيقا لما قدّره وذكره في الكتاب

_ - زوجته حين حجّت، وقد بقي هذا المسجد حتى هدم أخيرا وصار مكانه خاليا، وستقام فيه الان مدرسة لتحفيظ القران الكريم. (1) مقطوع حبل السرة، ومقطوع القلفة. (2) رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم، وابن عساكر من طرق متعددة، وقد صححه الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه «الأحاديث المختارة» مما ليس في الصحيحين، وتصحيحه أعلا من تصحيح الحاكم، وحسّنه الحافظ مغلطاي. (3) رواه ابن عساكر.

احتفاء بني هاشم بالمولود

السماوية التي بشرت به، ولما سئل جده عن سبب تسميته (محمدا) قال: أردت أن يحمده الله في السماء، ويحمده الناس في الأرض، ولعل السيدة امنة أخبرت جده بما رأت في منامها فاتفق ما رأت وما رأى، ورجع شيخ مكة وشريفها، وهو يحمله بين يديه، لا تكاد تسعه نفسه من شدة الفرح فأسلمه إلى أمه. احتفاء بني هاشم بالمولود وفي اليوم السابع- كما هي عادة العرب- نحر الجدّ الذبائح، وأقام الولائم شكرا لله، واحتفاء بالوليد الذي رأى في حياته حياة موصولة لابنه الغالي عبد الله، ومراة صافية يرى في صفحتها المشرقة النيرة وجه عبد الله، كلما أهاجته الذكرى، وثار في نفسه الشجن، وقد شارك البيت الهاشمي في الغبطة بالوليد الجديد، فهذه ثويبة الأسلمية جارية أبي لهب بن عبد المطلب لما بشرت سيدها بميلاد ابن أخيه محمد أعتقها «1» ، ورضي الله تبارك وتعالى عن سيدنا العباس فقد قال مادحا النبي: وأنت لما ولدت أشرقت الأر ... ض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي الن ... ور، وسبل الرشاد نخترق ورحم الله أحمد شوقي أمير الشعراء في العصر الحديث حيث قال في همزيته: ولد الهدى فالكائنات ضياء ... وفم الزمان تبسّم وثناء الروح، والملأ، الملائك حوله ... للدين والدنيا به بشراء والعرش يزهو، والحظيرة تزدهي ... والمنتهى والسّدرة العصماء بك بشّر الله السماء فزينت ... وتضوّعت مسكا بك الغبراء يوم يتيه على الزمان صباحه ... ومساؤه بمحمد وضاء

_ (1) روي أن العباس بن عبد المطلب رأى أخاه أبا لهب بعد موته بسنة، وذلك بعد بدر، فسأله عن حاله، فأجاب أبو لهب: في النار إلا أن العذاب خفف عني كل ليلة اثنين بماء أمصّه من بين أصبعي هاتين: السبابة والإبهام، وذلك أني أعتقت ثويبة حينما أخبرتني بولادة محمد.

ما صاحب الميلاد من الايات والعجائب

ذعرت عروش الظالمين فزلزلت ... وعلت على تيجانهم أصداء والنار خاوية الجوانب حولهم ... جمعت ذوائبها وغاض الماء والاي تترى، والخوارق جمة ... جبريل روّاح بها غدّاء ما صاحب الميلاد من الايات والعجائب ومن الايات والإرهاصات «1» التي صاحبت الميلاد ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرفة من شرفاته، فقد كان هذا إيذانا بأنه لم يبق من ملوكهم إلا أربعة عشر «2» ، وهذا ما كان، وصدّقه التاريخ والواقع، وغاضت بحيرة ساوه «3» ، وخمدت نيران فارس التي كانوا يعبدونها، ولم تخمد منذ ألف عام «4» . وقد أسرف المؤلفون في السير والمولد والتاريخ في ذكر العجائب التي اقترنت بالميلاد، ومنها كلام الهواتف «5» ، والجن، وفيها الكثير مما لم يصح، وما هو مختلق، فأعرضت عن ذكر كل ذلك، واكتفيت بما هو ثابت، أو بعضه «6» . أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم إن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمّى، ومبلغ تحلّيه بالفضائل والاداب والخصائص والميزات، ولرسول الله صلوات الله وسلامه عليه أسماء كثيرة

_ (1) ما تقع بين يدي النبوة من الخوارق. (2) وقد ملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى سقوط دولتهم، وخضوعها للإسلام. (3) بسين مهملة بعدها ألف، وبعد الألف واو مفتوحة فهاء ساكنة: من بلاد فارس، كانت بحيرة كبيرة بين همذان وقم، وكانت ستة فراسخ طولا وعرضا، وتسير فيها السفن، ويسافر فيها الناس إلى ما حولها من البلدان. أما بحيرة طبرية فهي ببلاد الشام، وليست هي، وما قيل من أنها طبرية غير صحيح، فطبرية لا تزال إلى يومنا هذا، وما قيل: إنها نقص ماؤها ليلتئذ فهو تكلّف. (4) رواه البيهقي، وأبو نعيم، والخرائطي في «الهواتف» وابن جرير، وابن عساكر كلهم من حديث مخزوم بن هانىء عن أبيه. (5) ما يسمع كلامه ولا يرى. (6) انظر: شرح المواهب، ج 1 ص 142 وما بعدها.

أشهرها خمسة. ففي الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب» . وأشهر هذه الأسماء هما: محمد، وأحمد، وقد وردا في الكتاب الكريم قال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (29) «1» . وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (144) «2» . وقال عز شأنه: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) «3» . ثم إن هذه الخمسة مما خصّ به نبينا عليه الصلاة والسلام، وأما غيرها فقد يشاركه فيها غيره من الأنبياء، ومما وقع من أسمائه صلّى الله عليه وسلّم في القران بالاتفاق: الشاهد، والمبشّر، والنذير، والمبين، والداعي إلى الله، والسراج المنير، قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) «4» . وفيه أيضا: المذكر، والرحمة، والنعمة، والهادي، والشهيد، والأمين، والمزمّل، والمدثّر، والرؤوف، والرحيم.

_ (1) الاية 29 من سورة الفتح. (2) الاية 144 من سورة ال عمران. (3) الاية 6 من سورة الصف. (4) الايتان 45- 46 من سورة الأحزاب.

ومما وقع في الحديث الصحيح: «سميتك المتوكل، ليس بفظّ، ولا غليظ؛ ولا جاف، ولا سخّاب بالأسواق، ولا يقابل السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح» «1» . ومن أسمائه: المختار، والمصطفى، والشفيع المشفّع «2» ، والصادق المصدوق «3» ، وكان بعض صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا حدّث عنه قال: «حدثني الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلم» إلى غير ذلك من الأسماء الشريفة التي تدل على صفات جليلة وخصوصيات منيفة. وقد قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية في تصنيف له في «الأسماء النبوية» : «قال بعضهم: أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم تسعة وتسعون اسما عدد أسماء الله الحسنى، ثم قال: ولو بحث عنها باحث لبلغت ثلاثمائة اسم» ، وقد ذكر في كتابه المذكور أماكنها من القران والأخبار، وضبط ألفاظها وشرح معانيها، واستطرد- كما هي عادته- إلى فوائد كثيرة. والحق- كما قال الحافظ الكبير ابن حجر- أن غالب الأسماء التي ذكروها هي أوصاف للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم يرد الكثير منها على سبيل التسمية، وذلك مثل عدهم: اللبنة، للحديث الصحيح المشهور في التعبير عنه باللبنة «4» ، وعدهم الهادي، والمذكّر، والمختار ونحوها. أما (محمد) فاسم مفعول من التحميد للمبالغة يقال: حمّده إذا نسبه إلى

_ (1) رواه البخاري. (2) الشفيع: الذي يشفع لغيره، المشفّع: الذي تقبل شفاعته. (3) الذي يصدقه من يسمعه لتوافر الدلائل على صدقه، وقد كان المشركون وغيرهم كما في كتب الحديث، والتفسير، والسير يكذبونه في الظاهر، ولكنهم فيما بينهم وفي أنفسهم يعلمون صدقه. (4) هو الحديث الذي رواه الشيخان عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون حول هذا البيت ويقولون: ما أحسن هذا البيت!! لولا هذه اللبنة، فأنا اللبنة، وأنا خاتم الأنبياء» .

كثرة المحامد، والفضائل، أو هو الذي حمد مرة بعد أخرى كالممدّح قال الأعشى: إليك- أبيت اللعن- كان وجيفها ... إلى الماجد القرم الجواد المحمّد ورسولنا محمد صلّى الله عليه وسلّم قد اجتمع فيه المعنيان، فقد تكاملت فيه الخصال المحمودة، والأخلاق الفاضلة العظيمة، ولا تنفك ألوف الألوف بل مئات ألوف الألوف، تلهج بحمده، والثناء عليه من لدن مبعثه إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين، وفي المحشر حينما يشفع للناس، ويريحهم من هول الموقف يحمده الأولون والاخرون. وقد نوّه الله سبحانه في الكتاب الكريم بهذه الفضيلة والخصيصة الظاهرة، فقال عز شأنه: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79) » . فمن ذا الذي يحصي ألوف ألوف الألوف الذين سيحمدونه في هذا المقام؟! وهذا الاسم الكريم هو أشهر الأسماء الخمسة، وأذكرها بين الناس. ولم يكن هذا الاسم مشهورا في الجاهلية، وإنما تسمّى به بعض العرب قرب ميلاده لما سمعوا من الأحبار والرهبان من أهل الكتاب أن نبيا سيبعث اخر الزمان يسمى (محمدا) ، فسموا أبناءهم بهذا رجاء ذلك، قال القاضي عياض: وهم ستة لا سابع لهم «2» ، وقال السهيلي في «الروض الأنف» : لا يعرف من

_ (1) الاية 79 من سورة الإسراء. (2) هم: 1- محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي. 2- ومحمد بن مسلمة الأنصاري. 3- ومحمد بن براء البكري. 4- ومحمد بن سفيان بن مجاشع. 5- ومحمد بن حمران الجعفي. 6- ومحمد بن خزاعي السلمي. قال: لا سابع لهم، ويقال: أول من سمي محمدا محمد بن سفيان، واليمن تقول بل

تسمّى قبل النبي بهذا الاسم إلا ثلاثة «1» ، والذي حققه الحافظ ابن حجر أنه تسمّى بهذا الاسم خمسة عشر شخصا «2» ، فلما ولد النبي صلّى الله عليه وسلّم ألهم الله جده بهذا الاسم تحقيقا لما سبق به علم الله. وأما (أحمد) فهو أفعل تفضيل أي أكثر الناس حمدا، فهو علم منقول من صفة، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام حمّادون، وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدا، أو أعظمهم في صفة الحمد، وهو صاحب لواء الحمد يوم القيامة، وهو صلّى الله عليه وسلّم بلغ الغاية في الاتصاف بالمحامد والفضائل، والغاية في حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، وشكره على نعمائه. وقد ورد هذا الاسم في القران مرة واحدة على لسان عيسى- عليه السلام- في التبشير به صلّى الله عليه وسلّم. وقد زعم بعض المبشرين وأعداء الإسلام أن المبشّر به أحمد، ونبيكم محمد، وكأني برسول الله يرد عليهم حينما ألهمه الله سبحانه أن يقول هذا الحديث، إذ هو يقتلع الشبهة من أساسها فهو: محمد، وأحمد. وأما الماحي فقد ورد تفسيره في الحديث عن النبي، وقد قيل إن المراد أنه الذي محا الله به الشرك والعقائد الوثنية من الجزيرة العربية. والذي أراه أن يترك الحديث على عمومه، فقد كان الكفر عند مبعثه يكاد يكون عاما في الدنيا ولم يسلم من ذلك إلا القليلون كالحنيفيين، وأهل الأديان الذين لم يحرّفوا،

_ - محمد بن اليحمد من الأزد (الشفا، ج 1 ص 190) وقد تعقب الحافظ ابن حجر القاضي عياضا في عدّه محمد بن مسلمة وقال: إنه غلط فإنه ولد بعد ميلاد النبي بمدة. (1) هم: 1- محمد بن سفيان بن مجاشع. 2- ومحمد بن أحيحة بن الجلاح. 3- ومحمد بن حمران بن ربيعة. وكأنه لم يقف على كلام عياض. (2) فتح الباري، ج 6 ص 434، 435 فقد عدهم وذكر أدلة ذلك، واستبعد من وقع فيه الوهم أو التكرار.

النسب الزكي الشريف

ولم يبدّلوا، ويكون المراد أن الله محا به معظم أنواع الكفر، وأصبح معظم الناس مؤمنين موحّدين، فإنه صلّى الله عليه وسلّم لم يفارق الدنيا حتى صارت الجزيرة كلها مؤمنة موحّدة وحمل أصحابه الرسالة من بعده، فلم يمض قرن من الزمان أو أقل حتى صار معظم الدنيا المعروفة انئذ من المحيط إلى المحيط «1» يذكر على ماذنها توحيد الله في اليوم خمس مرات. وأما الحاشر فقد فسّر أيضا في الحديث. ومعنى على قدمي: أي على أثري، وهو يوافق قوله في الرواية الاخرى: «وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي» أي أنه أول من يحشر يوم القيامة، وفي الحديث الاخر: «أنا أول من تنشق عنه الأرض» . وأما العاقب فقد ورد تفسيره في الرواية الاخرى: «وأنا العاقب ما بعده نبي» فهو خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. النسب الزكي الشريف وإليك نسب النبي الشريف المنيف، على ما ذكره الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه «2» قال: محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب «3» ، بن هاشم «4» ، بن عبد مناف «5» ، بن قصي «6» ، بن كلاب «7» ، بن مرّة، بن كعب «8» ،

_ (1) من المحيط الأطلسي غربا، إلى المحيط الهادي شرقا. (2) باب «مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم» . (3) اسمه شيبة قيل لشيبة كانت في رأسه، ويقال له: شيبة الحمد لجوده. (4) اسمه عمرو. ولقب بهاشم لكثرة ما هشم من الخبز لإطعام الناس. (5) اسمه: المغيرة. (6) بصيغة المصغر، اسمه زيد، وقد قدمنا سبب تسميته قصيا. (7) كلاب: اسمه حكيم، ولقب بكلاب لمحبته كلاب الصيد، فكان يجمعها فيمر المار فيعجب لكثرتها، فيسأل عنها: فيقال له: هذه كلاب ابن مرة فعرف بذلك. (8) وهو أول من جمع الناس يوم العروبة، وهو يوم الجمعة كان يسمى بذلك في الجاهلية،

ابن لؤي، بن غالب، بن فهر «1» ، بن مالك، بن النضر «2» ، ابن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس «3» ، بن مضر «4» ،

_ - وقيل: إنه أول من سماه الجمعة، فيكون الاسم على هذا جاهليا، وقيل: إنه سمي بذلك في الإسلام، وهو الذي صححه ابن حزم، وكان يجمعهم في هذا اليوم، ويخطبهم، ويذكرهم بمبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويقول: إنه من ولده. (1) اسمه قريش، وإليه تنسب قريش في قول جماعة منهم الإمام الزهري، فما كان فوق فهر فليس بقرشي، بل هو كناني على الصحيح. (2) لقب بالنضر لنضارة وجهه، قال ابن هشام: هو قريش، وبه قال الشافعي، وعزاه العراقي للأكثرين، وقال النووي: هو الصحيح، وصححه الحافظ صلاح الدين العلائي، ويستدلون له بحديث الأشعث بن قيس لما وفد على النبي في وفد كندة، فقال: يا رسول الله ألستم منا؟ قال: لا، نحن بنو النضر بن كنانة» رواه ابن ماجه، وأبو نعيم، وابن عبد البر. وروى الحافظ البيهقي بسنده أنه بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم أن رجالا من كندة يزعمون أنه منهم، وأنهم منه فقال: «إنما كان يقول ذلك العباس، وأبو سفيان بن حرب فيأمنا بذلك، وإنا لن ننتفي من ابائنا، نحن بنو النضر بن كنانة» . ومن العلماء من وفّق بين القولين بأن فهرا جماع قريش، فأبوه مالك ما أعقب غيره، وكذلك النضر ليس له عقب إلا مالك فاتفق القولان، وقريش: تصغير قرش، وهي دابة- سمكة- في البحر عظيمة من أقوى دوابه، سميت بذلك لقوّتها، لأنها تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعالى، وقيل لأنهم كانوا يتجرون من قولهم: قرش الرجل يقرش كضرب يضرب إذا اتجر (شرح المواهب اللدنية، ج 1 مبحث نسب النبي) . (3) بكسر الهمزة، وفتحها، وهمزته همزة وصل: ضد الرجاء. وهو أول من أهدى البدن جمع بدنة- وهي الإبل ذكرا كانت أم أنثى، والتاء فيه للواحدة لا للتأنيث، وكانت العرب تعظمه كتعظيم أهل الحكمة كلقمان وأشباهه، وكان يدعى كبير قومه وسيد عشيرته، ولا يقطع أمر، ولا يقضى بينهم دونه. (4) بضم الميم، وفتح الضاد المعجمة، غير مصروف للعلمية والعدل، سمي به لأنه كان يحب شرب اللبن الماضر، وهو الحامض، قيل: اسمه عمرو، وكنيته أبو إلياس، وكان عاقلا حكيما، ومن حكمه: من يزرع شرا يحصد ندامة، وخير الخير أعجله، فاحملوا أنفسكم على مكروهها، واصرفوها عن هواها فيما أفسدها، فليس بين الصلاح والفساد إلا فواق. أي شيء قليل.

ابن نزار «1» ، بن معدّ «2» ، بن عدنان «3» . وهذا النسب الزكي متفق عليه بين علماء الأنساب إلى عدنان، قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: أجمع العلماء على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما انتسب إلى عدنان ولم يجاوزه. وأما من بعد عدنان فهم مختلف فيهم، وإن كان النسابون اتفقوا على أن عدنان ينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم- عليهما السلام- فهو جد النبي الأعلى، وقد انتقلت إليه منه بعض الصفات الجسمانية، ففي الحديث الصحيح لما ذكر إبراهيم قال: «وإنه لأشبه الناس بصاحبكم» . ولم يزل صلّى الله عليه وسلّم يتنقل من أصلاب الاباء الطيبين، إلى أرحام الأمهات الطاهرات، لم يمسّ نسبه من سفاح الجاهلية شيء، بل كان بنكاح صحيح على حسب ما تواضع عليه العرب الشرفاء، حتى خرج من بين أبويه الكريمين. وفي صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» . ورواه الترمذي في سننه بزيادة في أوله: «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ... » والمراد بالاصطفاء تخيّر الفروع الزكية من الأصول الكريمة تخيّرا مبناه الأخلاق الكريمة، والفضائل الإنسانية السامية، والطباع الفطرية السليمة، وينضم إلى ذلك بالنسبة إلى إسماعيل والنبي اصطفاء النبوة والرسالة.

_ (1) بكسر النون، قيل: لما ولد فرح به أبوه فرحا شديدا، ونحر، وأطعم، وقال: إن هذا كله نزر- أي قليل- لحقّ هذا المولود، وبه جزم السهيلي، وقال أبو الفرج الأصبهاني: سمي بذلك لأنه كان فريد عصره، وعليه اقتصر صاحب الفتح، والإرشاد. (2) معد بفتح الميم والعين وتشديد الدال. (3) عدنان بوزن فعلان من العدن، وهو الإقامة، وحكى الزبير أن عدنان أول من وضع أنصبة الحرم، وأول من كسا الكعبة، أو كسيت في زمنه، وقال البلاذري: أول من كساها الأنطاع عدنان.

وراثة الصفات والفضائل

وروى البخاري في صحيحه بسنده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «بعثت من خير قرون بني ادم قرنا فقرنا، حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه» . وروى البيهقي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب فقال: «أنا محمد بن عبد الله ... » إلى اخر النسب الشريف ثم قال: «وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما، فأخرجت من بين أبوي، فلم يصبني شيء من عهر «1» الجاهلية، وخرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن ادم حتى انتهيت إلى أبي، وأمي، فأنا خيركم نفسا، وخيركم أبا» وروى الإمام أحمد في مسنده بسنده عن المطّلب بن أبي وداعة قال: قال العباس: بلغه صلّى الله عليه وسلّم بعض ما يقول الناس، فصعد المنبر فقال: «من أنا» ؟ قالوا: أنت رسول الله، قال: «أنا محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا، وخيركم نفسا» إلى غير ذلك من الأحاديث «2» . وراثة الصفات والفضائل وإذا كان الله سبحانه وتعالى جرت سنته ألايبعث نبيا إلا في وسط من قومه شرفا، ونسبا، ومحتدا، فقد كان في الذروة من هذه نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فما من ابائه إلا كان مليا «3» بالفضائل، والمكارم، وقد علمت بعضا منها انفا، وما من أم من أمهاته إلا وهي أفضل نساء قومها نسبا وموضعا، ولم تزل هذه الفضائل والكمالات البشرية تنحدر من الأصول إلى الفروع حتى تجمعت كلها في سلالة ولد ادم، ومصاصة بني إبراهيم وإسماعيل، سيدنا محمد بن عبد الله الأمين. وليس من شك في أن النسب الكريم إذا زانه الحسب العريق، كان ذلك من أسباب الكمال. ووراثة الصفات الخلقية والخلقية، والخصائص النفسية، والعقلية أمر مقرر معلوم، وقد دلّ على هذه الوراثة قوله صلّى الله عليه وسلّم للرجل الذي جاء

_ (1) فجور ومفاسد. (2) البداية والنهاية ج 2، ص 277- 280. (3) أي غنيا.

يشتكي إلى النبي أن ابنه جاء أسود، ولم يكن أحد من أبويه أسود فقال له: «هل لك من إبل» ؟ قال: نعم قال: «ما ألوانها» ؟ قال: حمر، قال: «هل فيها من أورق» «1» ؟ قال: نعم قال: «فأنّى ذلك» ؟ قال: لعله نزعه عرق «2» قال: «فلعل ابنك هذا نزعه عرق» «3» ! وقد شرح العلماء المحدثون قوانين الوراثة، وبيّنوها غاية البيان، وقد قالوا: إن هناك وراثة نوعية عامة، وهي وراثة الصفات الجسمية والنفسية الثابتة الخاصة بالنوع الإنساني، فكل طفل يولد مزودا بهذه الصفات عن طريق الوراثة النوعية. ووراثة خاصة: وهي التي تنقل إلى الفرع صفات من أصوله الخاصة القريبة أو البعيدة، وهي لذلك تنتظم طائفتين: 1- إحداهما: الوراثة الخاصة المباشرة، وتظهر فيما يرثه الطفل عن أصليه المباشرين: أبيه وأمه. 2- والثانية: الوراثة الخاصة غير المباشرة، وتظهر فيما يشبه فيه الطفل أحد أجداده، أو إحدى جداته من جهة الأب، أو الأم من الدرجة الأولى، أو من الدرجات التي تليها من صفات لم تظهر في أحد أبويه. ومن هذا النوع ما يسمونه «الوراثة الفرعية» أو «الوراثة بالواسطة» أو «الوراثة المشتركة» وهي التي تظهر فيما يشبه فيه الطفل أحد أعمامه، أو أخواله، أو إحدى عماته، أو خالاته من صفات لم تكن ظاهرة في أحد أبويه المباشرين، وذلك أن الطفل إذا أشبه عمه مثلا في صفة ما، يرجع إلى أنه هو وعمه أخذا هذه الصفة عن جده القريب أو البعيد، أو من جدته القريبة، أو البعيدة من جهة الأب، والوراثة الخاصة غير المباشرة ترجع في التحليل الأخير إلى الوراثة الخاصة المباشرة.

_ (1) هو الذي يميل لونه إلى الغبرة والسواد. (2) العرق: هو الأصل أي جاء لأحد أصوله. (3) صحيح البخاري- كتاب الطلاق- باب إذا عرّض بنفي الولد.

الاباء

ثم إن كانت الوراثة في الصفات لأحد الأبوين «سميت وراثة بالتحيّز» وإن كانت لأحدهما في بعض الصفات وللاخر في بعضها سميت «وراثة بالاقتران» باعتبار نوع الصفات. وتنقسم الوراثة باعتبار نوع الصفات الموروثة عن الأصول الخاصة، أو عن القبيلة إلى ثلاثة أقسام: (أ) وراثة جسمية كوراثة الطول والقصر وسمات الوجه وغيرها. (ب) وراثة عقلية كوراثة مظهر من مظاهر الإدراك أو الوجدان أو النزوع. (ج) وراثة خلقية كوراثة الصفات الاجتماعية المتعلقة بالخير والشر، والفضيلة والرذيلة، كالحلم والورع والتقوى «1» . وقد أفاد النبي صلّى الله عليه وسلّم من الوراثتين: العامة، والخاصة بنوعيها، فكان فيه خير ما في صفات البشر والنوع الإنساني، وخير ما كان في ابائه وأمهاته من الفضائل والصفات. وقد انضم إلى ذلك كله أن الله سبحانه وتعالى تعهده من الصغر بالتربية المثلى، والتأديب البالغ، فلا تعجب إذا كان صلّى الله عليه وسلّم المثل الكامل في جسمه، وفي عقله، وفي دينه، وفي خلقه، وفي نسبه، وحسبه «والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» «2» . الاباء ها أنت قد رأيت أن اباءه كلهم سادة، ورثوا المجد والشرف كابرا عن كابر، وأنهم ليس فيهم أحد يغمص في خلق، أو يغمز في نسب أو شرف. فكان منهم الوسيم القسيم، ومنهم البطل الصنديد، ومنهم الجواد الكريم، ومنهم الحكيم الذي تتفجر الحكمة من قلبه وتجري على لسانه، وكان منهم التاجر الذي

_ (1) الوراثة والبيئة للدكتور علي عبد الواحد وافي ص 10، 11. (2) رواه البخاري.

الأمهات

يكسب المعدوم، ومنهم البر الرحيم الوصول للرحم، ومنهم المتدين، والمتحنّث «1» ، والمتحنّف «2» . وبحسب البيت الهاشمي شرفا وكرما أنهم كانوا سادة العرب جميعا، لا ينازعهم في السيادة منازع، وأنه انتهت إليهم السقاية، والرفادة، مع أنهم لم يكونوا جميعا من أهل الغنى والثراء. إنها- وايم الحق- لماثر وفضائل لا نجدها في أعرق الدول حضارة، ولم تصل إليها أغنى أمم الأرض اليوم. الأمهات أما الأم المباشرة فهي السيدة الكريمة امنة بنت وهب، بن عبد مناف، بن زهرة، بن كلاب، فهي تجتمع مع عبد الله في جدهما الأعلى: كلاب، وقد كان زهرة الولد البكر لكلاب بن مرة، والشقيق الأكبر لقصي الذي جمع قريشا بعد تشتت، وصاحب الماثر والمفاخر التي ذكرناها فيما سبق، وقد عرف بنو زهرة بالود الخالص لبني عبد مناف بن قصي، والانحياز إلى جانبهم في السلم والحرب، والأحلاف والعهود، وأما جدها عبد مناف فكان يقرن في الشرف بابن عمه: عبد مناف بن قصي، فيقال: المنافان، تعظيما وتكريما، وأما أبوها وهب فكان سيد بني زهرة. وجدتها لأبيها عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال السلمية، إحدى النساء اللواتي اعتزّ بهن الرسول فقال: «أنا ابن العواتك من سليم» «3» .

_ (1) المتعبد. (2) الذي اتبع الحنيفية دين إبراهيم- عليه السلام-. (3) في لسان العرب: مادة «عتك» بعد ما ذكر هذا الحديث قال: «العواتك جمع عاتكة، وأصل العاتكة المتضمخة بالطيب ... والعواتك من سليم ثلاث: يعني جداته صلّى الله عليه وسلّم وهن: عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان أم عبد مناف بن قصي أبي هاشم. وعاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان أم هاشم بن عبد مناف. وعاتكة بنت الأوقص بن مرّة بن هلال بن فالج بن ذكوان أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبي أمه امنة بنت وهب. فالأولى من العواتك عمة الوسطى، والوسطى عمة الاخرى، وبنو سليم تفخر بهذه الولادة.. وسائر العواتك أمهات النبي صلّى الله عليه وسلّم من غير بني سليم، قال ابن بري:

أمهات ابائه

ولم يكن نسب امنة من جهة أمها دون ذلك عراقة وأصالة، فهي ابنة برّة بنت عبد العزى، بن عثمان، بن عبد الدار، بن قصي. وجدتها لأمها أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى، بن قصي بن كلاب، وهي سلالة عريقة أصيلة أنبتت امنة بنت وهب لتضطلع بعبئها الجليل في أمومتها التاريخية، ولتنتظم بهذه الأمومة في سلك الأمهات المنجبات للرجال الذين صنعوا أمما، وغيروا وجه التاريخ «1» . أمهات ابائه أما أمّ أبيه فهي فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية، وبنو مخزوم في الذؤابة من قريش نسبا، وشرفا، ومحتدا، وأما أم جده عبد المطلب فهي سلمى بنت عمرو النجارية، وكانت سلمى لشرفها في قومها، واعتزازها بنفسها لا تنكح الرجال حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها، إذا كرهت رجلا فارقته، وإن رضيته عاشرته، ولما خطبها هاشم من أبيها وزوجها منه اشترط عليه مقامها عنده، وقيل بل اشترط عليه ألاتلد إلا عنده بالمدينة، فلما رجع من الشام بنى بها، وأخذها معه إلى مكة، فلما خرج في تجارة له إلى الشام أخذها معه وهي حبلى، فتركها بالمدينة، ودخل الشام فمات بغزة، فلما وضعت سلمى ولدها شيبة بقي عند أخواله سبع سنين، حتى جاء عمه المطلب فأخذه على ما ذكرناه سابقا. وأما أم جده هاشم فهي عاتكة بنت مرّة بن هلال السلمية من بني سليم بن منصور، إحدى قبائل قيس عيلان بن مضر، إحدى العواتك اللاتي اعتزّ بهن الرسول. وأما أم جده عبد مناف فهي حبّى بنت حليل الخزاعية من بني خزاعة بن

_ - والعواتك اللاتي ولدنه صلّى الله عليه وسلّم اثنتا عشرة: اثنتان من قريش، وثلاث من سليم، هن اللواتي أسميناهن، واثنتان من عدوان، وكنانية، وأسدية، وهذلية، وقضاعية، وأزدية» وهذا الذي ذكره صاحب اللسان يتفق هو وما ذكره غير ابن إسحاق في أم عبد مناف بن قصي. وقال السهيلي في الروض بعد ما ذكر نحوا مما ذكره صاحب اللسان: وقيل في تأويل هذا الحديث إن ثلاث نسوة من سليم أرضعنه كلهن تسمى عاتكة والأول أصح. (1) أم النبي للدكتورة عائشة عبد الرحمن ص 79.

عمرو إحدى قبائل قمعة بن إلياس بن مضر، وهم الذين كانوا يتولّون البيت وإمارة مكة قبل قريش حتى انتزعها منهم قصي بن كلاب بن مرة مجمّع قريش، وصاحب مفاخرها، وهذا قول ابن إسحاق؛ وقال غيره: بل أم عبد مناف عاتكة بنت هلال بن فالج بن ذكوان «1» ، وأم قصي فاطمة بنت سعد، وهي يمانية من أزد شنوءة. وأم كلاب هند بنت سرير من بني فهر بن مالك. وأم مرة وحشية بنت شيبان من بني فهر أيضا. وأم كعب ماوية بنت كعب من قضاعة. وأم لؤي سلمى بنت عمرو الخزاعية. وأم غالب ليلى بنت سعد من هذيل. وأم فهر جندلة بنت الحرث من جرهم. وأم مالك عاتكة بنت سعد بن الظرب من قيس عيلان. وأم النضر برة بنت مرار بن أد. وأم كنانة عوانة بنت سعد من قيس عيلان. وأم خزيمة سلمى بنت أسلم من قضاعة. وأم مدركة خندف المضروب بها المثل في الشرف والمنعة. وأم إلياس الرباب بنت جندة بن معد. وأم مضر سودة بنت عك. وأم نزار معانة بنت جوشم من جرهم «2» . ومن ثمّ نرى أنه لم يزل- صلّى الله عليه وسلّم- يتنقل من الأصلاب الأصيلة إلى الأرحام الطاهرة، حتى خرج من بين أبويه الكريمين الشريفين.

_ (1) الروض الأنف ج 1، ص 76. (2) البداية والنهاية ج 2، ص 253- 255؛ نور اليقين ص 2، 3.

الفصل الثاني الرضاع

الفصل الثاني الرّضاع إرضاع أمه له وكانت أولى من أرضعته صلّى الله عليه وسلّم هي أمه، قيل: أرضعته ثلاثة أيام، وقيل سبعا، وقيل تسعا. إرضاع ثويبة «1» ثم أرضعته ثويبة جارية عمه أبي لهب بلبن ابنها مسروح بضعة أيام قبل قدوم حليمة عليه، وكذلك أرضعت عمه حمزة، وابن عمته أبا سلمة المخزومي، فكانوا أخوة من الرضاع. ولما قيل للنبي عقب عمرة القضاء: ألا تتزوج ابنة حمزة هي فاطمة- قال: «إنها ابنة أخي من الرضاع» ولما قالت له السيدة أم حبيبة إنا نحدّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، وفي رواية: درة بنت أبي سلمة قال: «بنت أبي سلمة» ؟! قالت: نعم، قال: «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلّت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة «2» ؛ أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضنّ علي بناتكن، ولا أخواتكن» . رواه البخاري. استرضاعه في بني سعد وكان من عادة أشراف العرب أن يتلمّسوا المراضع لأولادهم في البوادي ليكون ذلك أنجب للولد، وأصح للبدن، وأصفى للذهن، وأبعد عن الوخم،

_ (1) بضم الثاء، وفتح الواو، وسكون الياء، فباء مواحدة، فتاء تأنيث، وقد اختلف في إسلامها، ولم يذكر إسلامها إلا ابن منده. وأما مسروح فقال البرهان: لا أعلم أحدا ذكره بإسلام. (2) أي اجتمع في تحريمها سببان. كونها ربيبة، وكونها ابنة أخيه من الرضاع.

والكسل. وكانوا يقولون: إن المربّى في المدن يكون كليل الذهن، فاتر العزيمة، ضعيف البنية. هذا إلى ما في نشأتهم بين الأعراب من استقامة اللسان بالفصيح من الكلام، والسلامة من اللحن، والبراءة من الهجنة. ولما قال الصديق أبو بكر رضي الله تعالى عنه- للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما رأيت من هو أفصح منك يا رسول الله؟» فقال: «وما يمنعني، وأنا من قريش، وأرضعت في بني سعد» . فمن ثمّ كانوا يرسلون أبناءهم إلى البادية حتى يبلغوا الثامنة أو العاشرة، ومن القبائل من كان لها في المراضع شهرة، وفي الفصاحة مكان، ومنها قبيلة بني سعد التي منها حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية مرضعة النبي، وقد مكث عندها سنتين، ثم عادت به كي تراه أمه، فما إن رأته، وملأت عينيها منه حتى احتضنته وقبلته، وسرها ما رأته عليه من علامات الصحة، والنضارة، والنمو، وتوسلت حليمة إلى أمه أن ترجعه معها حتى يكبر؛ فإنها تخشى عليه وباء مكة، وما زالت بها حتى قبلت، ثم عادت به بعد سنتين «1» ، وهي بادية القلق، شديدة التخوف عليه، حتى أحسّت ذلك منها السيدة امنة، فسألتها عن سبب ذلك، فأنكرت أن يكون هناك شيء، ثم لم تلبث أن أخبرتها بقصة الملكين اللذين جاا إليه وهو في غنم لهم مع أخيه السعدي، فشقّا صدره، فطمأنتها أمّه أنه لا سبيل للشيطان عليه، وأنه سيكون له شأن، وقالت لها: دعيه عنك، وانطلقي راشدة. وسأدع السيدة حليمة تقص القصة لما فيها من العبرة والروعة، ورعاية الله لنبيه من الصغر، قالت: قدمت مكة في نسوة من بني سعد نلتمس الرضعاء «2» في سنة شهباء «3» ،

_ (1) هذا هو الذي جزم به الحافظ زين الدين العراقي في نظم السيرة، والحافظ ابن حجر في سيرته، وهي صغيرة مفيدة التزم فيها الأصح، فقد قالا: إن شق الصدر كان في الرابعة، وكفى بهما إمامين حافظين، لا ما ذكره ابن إسحاق من أنه كان في أوائل الثالثة بعد شهرين أو ثلاثة من رجوع حليمة به. (2) جمع رضيع. (3) ذات جدب وقحط.

على أتان لي، ومعي صبي لنا «1» ، وشارف لنا «2» ، والله ما تبضّ «3» بقطرة، وما ننام ليلنا ذلك مع صبينا ذاك، لا يجد في ثديي ما يغذيه «4» ، ولا في شارفنا ما يغذيه، فقدمنا مكة، فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتأباه إذا قيل إنه يتيم!! وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أب الصبي، فكنا نقول: يتيم ما عسى أن تصنع أمه؟ فكلنا نكرهه لذلك. فو الله ما بقيت من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري، فلما لم أجد غيره قلت لزوجي «5» : والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، لأنطلقنّ إلى ذلك اليتيم فلاخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي عسى أن يجعل الله لنا فيه بركة، قالت: فذهبت إليه فإذا به مدرج في ثوب من صوف أبيض من اللبن، يفوح منه المسك، وتحته حرير أخضر، راقد على قفاه يغط، فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله، فدنوت منه رويدا «6» ، فوضعت يدي على صدره فتبسم ضاحكا، وفتح عينيه لينظر إلي، فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء، وأنا أنظر!! فقبلته بين عينيه، وأعطيته ثديي الأيمن، فأقبل عليه بما شاء من لبن «7» ، فحوّلته إلى الأيسر، فأبى، فكانت تلك حالته بعد «8» .

_ (1) هو عبد الله بن الحارث الذي كانت ترضعه. (2) ناقة مسنة والشارف يطلق على الذكر والأنثى ولكن المراد هنا الأنثى. (3) بفتح التاء وكسر الباء أي تدر. (4) عند ابن إسحاق بالدال المهملة، وعند ابن هشام بالذال المعجمة، وهي أتم من الأولى لأن فيها الاقتصار على الغداء دون العشاء. (5) هو الحارث بن عبد العزّى بن رفاعة السعدي، يكنى: أبا ذؤيب، أدرك الإسلام، وأسلم، وعدّه من الصحابة صاحب الإصابة، وهو الذي يقال له: أبو كبشة، وهو الذي عنته قريش لما قالوا: إن ابن أبي كبشة يزعم أنه يكلّم من السماء!! (6) بتؤدة وتمهل. (7) در الثدي لبنا كثيرا. (8) هذا من الصفات التي فطره الله عليها من الصغر من القناعة والعدل والبر، فقد ألهمه الله أن له شريكا في اللبن، فأبى أن يتناول نصيبه.

فروي، وروي أخوه، ثم أخذته بما هو إلى أن جئت به رحلي، فأقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن، فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، فقام صاحبي «1» إلى شارفنا تلك، فإذا بها لحافل «2» ، فحلب لنا، فشرب، وشربت حتى روينا، وبتنا بخير ليلة. فقال صاحبي: تعلّمي «3» يا حليمة، والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة، قلت: والله إني لأرجو ذلك، قالت: ثم خرجنا فركبت أنا أتاني «4» ، وحملته عليها معي، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك ارفقي علينا «5» ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟! فأقول لهن: بلى- والله- إنها لهي هي!! فيقلن: والله إن لها لشأنا!! قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح عليّ حين قدمنا به معنا شباعا لبّنا «6» فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم «7» : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعا لبّنا، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه، وفصلته، وكان يشب شبابا لا يشبّه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا «8» . قالت: فقدمنا به على أمه، ونحن أحرص شيء على مكثه هاهنا، لما كنا

_ (1) تعني زوجها. (2) ممتلئة الضرع من اللبن. (3) أي اعلمي. (4) حمارتي. (5) انتظري وتمهلي. (6) جمع لبون. (7) جمع راع. (8) قويا شديدا.

مداعبة حليمة وابنتها للنبي

نرى من بركته، فكلّمنا أمه، وقلت لها: لو تركت بنيّ عندي حتى يغلظ «1» ، فإني أخشى عليه وباء مكة «2» قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا «3» . مداعبة حليمة وابنتها للنبي وكانت حليمة- رضي الله عنها- تداعب النبي، وترقّصه، وتناغيه كما تفعل الأمهات مع الأبناء، فمن ذلك قولها: يا ربّ إذ أعطيته فأبقه ... وأعله إلى العلا ورقّه وادحض أباطيل العدا بحقّه وكانت الشيماء «4» ، أخته من الرضاعة، تقول: هذا أخ لي لم تلده أمي ... وليس من نسل أبي وعمي فديته من مخول معمّي «5» ... فأنمه «6» اللهمّ فيما تنمي وكانت تقول أيضا: يا رب أبق أخي محمدا ... حتى أراه يافعا وأمردا ثم أراه سيدا مسوّدا ... واكبت أعاديه معا والحسدا وأعطه عزا يدوم أبدا

_ (1) يقوى أكثر ويكبر. (2) بفتح الواو والمد أو القصر: الطاعون. (3) روى هذه القصة ابن إسحاق، وابن راهواه، وأبو يعلى، والطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم، يزيد بعضهم عن بعض. انظر سيرة ابن هشام ج 1، ص 163، 164؛ شرح المواهب ج 1، ص 171- 174. (4) بفتح الشين وسكون الياء، ويقال: الشماء بلا ياء، وهي ابنة الحارث بن عبد العزّى وابنة السيدة حليمة، اسمها جدامة- بضم الجيم وفتح الدال- وقيل: حذامة بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة، وقيل: خذامة بضم الخاء المعجمة. (5) كريم الأخوال والأعمام، والياء لضرورة الشعر. (6) نمى من باب رمى كثر وزاد ويتعدى بالهمزة، والتضعيف.

جميل بأجمل منه

جميل بأجمل منه وقد كان صلّى الله عليه وسلّم أعرف الناس بالجميل وأشدهم مكافأة عليه، وقد قدم عليه بعد أن أظهر الله الإسلام أبواه من الرضاع فأكرمهما، وبسط لهما رداءه، ووصلهما، وكانت الشيماء وقعت في سبايا هوازن، فلما عرفها قال لها: «إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك، وترجعي إلى قومك فعلت» ؟ فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي. فوصلها، وأكرمها، وردّها إلى قومها، ويقال: إنه أعطاها غلاما وجارية، فزوجتهما، وتناسلا. قصة شق الصدر قال ابن إسحاق «1» : قالت حليمة: فو الله إنه لبعد مقدمنا بشهرين أو ثلاثة «2» مع أخيه من الرضاعة لفي بهم «3» لنا خلف بيوتنا، جاء أخوه يشتدّ «4» فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه وشقّا بطنه!! فخرجت أنا وأبوه- يعني من الرضاعة- نشتد نحوه، فوجدناه قائما منتقعا لونه، فاعتنقته، واعتنقه أبوه، وقال: أي بني ما شأنك؟! قال: «جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني، وشقّا بطني، ثم استخرجا منه شيئا لا أدري ما هو؟ فطرحاه، ثم ردّاه كما كان» !! قالت حليمة: فرجعناه معنا، فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب، فانطلقي بنا نرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه، قالت: فاحتملناه فقدمنا به على أمه، فقالت: ما أقدمك به يا ظئر «5» وقد كنت

_ (1) تتمة قصة الرضاع. (2) شك من الراوي، وقد قدمت أن الصحيح أن شق الصدر كان في السنة الرابعة، وأن رجوعهما كان بعد الشق في أول الخامسة. (3) غنم. (4) يسعى ويجري. (5) الظئر: المرضعة الحانية على من ترضعه.

رواية أخرى لابن إسحاق

حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟! قالت: فقلت: قد بلغ الله بابني، وقضيت الذي علي، وتخوّفت الأحداث عليه، فأدّيته إليك كما تحبين، قالت: ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك، قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها، قالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟! قالت: قلت: نعم، قالت: كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لبنيّ لشأنا، أفلا أخبرك خبره؟ قلت: بلى، قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى «1» من أرض الشام، ثم حملت به فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف علي، ولا أيسر منه «2» ، ووقع حين ولدته، وإنه لواضع يديه بالأرض، رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك، وانطلقي راشدة «3» . رواية أخرى لابن إسحاق قال ابن إسحاق: وحدثني ثور بن يزيد عن بعض أهل العلم، ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي، أن نفرا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا له: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال: «نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا إذ أتاني رجلان «4» عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا، ثم أخذاني فشقّا بطني، واستخرجا قلبي فشقّاه، فاستخرجا منه علقة سوداء، فطرحاها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم «5» ، ثم قال: زنه بمائة من أمته، فوزنني بهم، فوزنتهم. ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بهم،

_ (1) بضم الباء والقصر من أعمال دمشق، وهي قصبة كورة حوران. (2) عرفت ذلك من مقارنة حملها بحمل غيرها من النساء. (3) سيرة ابن هشام ج 1، ص 164، 165. (4) هما: جبريل، وميكائيل. (5) رجحت عليهم.

رواية الإمام مسلم في صحيحه

فوزنتهم، ثم قال: دعه عنك فو الله لو وزنته بأمته لوزنها» «1» . قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد قوي. رواية الإمام مسلم في صحيحه وقد ثبت في صحيح مسلم من طريق حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه جبريل- عليه السلام- وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشقّ عن قلبه فاستخرج القلب، واستخرج منه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- يعني ظئره- فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره» «2» . رواية أبي يعلى وأبي نعيم وابن عساكر فقد رووا بأسانيدهم عن شدّاد بن أوس، عن رجل من بني عامر «3» أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كنت مسترضعا «4» في بني سعد بن بكر، فبينما أنا ذات يوم في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان إذ أنا برهط ثلاثة معهم طست من ذهب، مليء ثلجا، فأخذوني من بين أصحابي، وانطلق الصبيان هرابا مسرعين إلى الحي، فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا، ثم شقّ ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي، وأنا أنظر إليه لم أجد لذلك مسّا، ثم غسلها بذلك الثلج ... » على نحو ما ذكر ابن إسحاق غير أنه في هذه الرواية كانوا ثلاثة، وفي الأولى كانوا اثنين، فلعل من ولي عملية الشق هما الاثنان، فاقتصر عليهما في بعض الروايات دون بعض.

_ (1) سيرة ابن هشام ج 1 ص 166. (2) صحيح مسلم بشرح النووي ج 2، ص 216 ط حجازي. (3) لا يضر إبهام الصحابي، لأن الصحابة كلهم عدول ولا سيما هو من رواية صحابي عن صحابي. (4) على صيغة اسم الفاعل، وليس اسم مفعول لأن فعله لازم.

تكرار شق الصدر

تكرار شق الصدر وقد تكرر شق الصدر الشريف غير هذه المرة، فقد حصل مرة ثانية عند المبعث «1» . ومرة ثالثة عند الإسراء والمعراج، وهذه المرة ثابتة بالأحاديث الصحيحة من رواية الشيخين: البخاري ومسلم، وغيرهما «2» . أما المرة الأولى: فقد كانت لنزع العلقة السوداء التي هي حظ الشيطان من كل بشر، فخلقت فيه صلّى الله عليه وسلّم تكملة للخلق الإنساني، ثم إخراجها بعد خلقها كرامة ربانية، فهو أدل على مزيد الرفعة والكرامة من خلقه بدونها وبنزعها منه نشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، والاتصاف بصفات الرجولية من الصغر فلا لهو ولا عبث وإنما هو الكمال والجد. وأما الثانية: فليتلقّى ما يوحى إليه من أمور الرسالة بقلب قوي وهو على أكمل الأحوال وأتم الاستعداد. وأما الثالثة: فكانت استعدادا لما يلقى إليه في هذه الليلة من أنواع الفيوضات الإلهية، وما سيريه ربّه فيها من الايات البينات، وإدراك مرامي المثل الرائعة التي ضربت له في مسراه وفي معراجه «3» ، وكلها تحتاج إلى شرح الصدر، وثبات القلب. المنكرون لشق الصدر، والمشككون فيه وينكر «سيرموير» حادثة شق الصدر على معناها الظاهر، ويرى أن ما حدث إنما هي نوبة عصبية، ويجعلها «درمنغم» أسطورة، ويحملها على أنها أمر معنوي، يشير إلى مغزى فلسفي، فيقول: «إنها نشأت من قول الله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وأن هذه العملية أمر باطني قام على تطهير ذلك القلب ليتلقى رسالة الله عن حسن نية، ويبلغها بإخلاص تام، وإن أسطورة شق

_ (1) رواه أبو نعيم في كتابه «دلائل النبوة» انظر المنتخب من السنة ج 1، ص 64. (2) الإسراء والمعراج للمؤلف ص 55- 66. (3) فتح الباري ج 7، ص 161؛ تفسير الالوسي ج 30، ص 166، 167.

الصدر ذات مغزى فلسفي لما تشير إليه تلك الدرنة السوداء من الخطيئة الأولى التي لم يعف منها غير مريم وعيسى!! ولما يدل عليه من معنى الورع الصوفي» «1» . وقد تأثر بهذا الرأي بعض الكاتبين في السيرة من المسلمين ومنهم الدكتور محمد حسين هيكل- رحمه الله-، فقال: «لا يطمئن المستشرقون، ولا يطمئن جماعة من المسلمين كذلك إلى قصة الملكين هذه، ويرونها ضعيفة السند ... » «2» إلى اخر ما قال. وقد طعن في القصة بأنها ضعيفة السند، وأنها مرسلة، وأن القصة رواها طفل صغير في سن السنتين، وكان النبي في مثل هذه السن أيضا، وهي سن لا يحصل فيها التمييز حتى يكون تحمّل الراوي للقصة صحيحا، كما ذكر مزاعم بعض المستشرقين. وللرد على ما أثاره المستشرقون وغيرهم حول حادث شق الصدر أقول وبالله التوفيق: 1- أما أن المستشرق «سيرموير» لم يرض أن يشير إلى قصة الملكين فثبوت القصة أو نفيها لا يتبع رضاه ولا عدم رضاه، وإنما المعوّل عليه في هذا ثبوت الرواية أو عدم ثبوتها، ولا أدري كيف استراح الدكتور هيكل إلى زعم موير وتجويزه أن يكون النبي في طفولته أصابته نوبة عصبية، وقد تنبهت لها حليمة وزوجها، وأن هذه النوبة لم تؤثر في النبي لحسن تكوينه!! وهو دس خبيث، وطعن مردود، وليس في القصة ما يدل عليه، ولماذا رجّح ظنّ حليمة وزوجها وتخوّفهما أن يكون أصاب النبيّ شيء، ولم يرجّح قطع أمه السيدة امنة في أنه ليس للشيطان عليه سبيل؟! والأم أعلم الناس بالابن، واخر من يقتنع بزوال أثر المرض عن الابن، و «موير» لأجل أن ينكر الشق وقع فيما هو أشد نكرا، وهو أن النبي أصابته نوبة عصبية، حتى خيّل إليه

_ (1) حياة محمد لدرمنغم ص 48. (2) حياة محمد لهيكل ص 109، 110.

ما ليس بحاصل حاصلا، وهي شنشنة تعرف من أخزم؟ 2- أما أن «درمنغم» يرى أن القصة لا تستند إلى شيء غير ما يفهم من الاية، وأن ما يشير إليه القران إنما هو عمل روحي بحت «1» ، فنحن لم نقل: إن الاية هي الدليل، وإن كان البعض يقول: إنها تشير إلى ذلك، ولكن الدليل هو ما ثبت من الروايات التي سقناها. 3- أما أن ما يدعو المستشرقين والمفكرين من المسلمين إلى إنكار هذا الحادث: أن حياة النبي كانت كلها إنسانية سامية، فنحن نرى ألاتنافي قط بين سمو الحياة الإنسانية، وثبوت الخوارق والمعجزات الحسية للأنبياء، وهل عيسى لما ولد بغير أب، وأجرى الله على يديه خوارق العادات لم تكن حياته إنسانية؟! وهل موسى عليه السلام لما أعطي الايات التسع لم تكن حياته إنسانية؟! الحق أنها لوثة حمل لواءها المستشرقون، وسرت عدواها إلى بعض الكتاب المسلمين المعاصرين. 4- ثم إن حادثة شق الصدر ليست مخالفة للعقل، لقد ظلم الدكتور هيكل العقل حين قال ذلك، وفرق كبير بين مخالفة العادة، ومخالفة العقل، ولو جاز هذا التشكيك في القصة في العصور الأولى فلن يجوز ذلك اليوم، وقد تقدم العلم والطب، وأصبحت تجرى فيه العمليات الخطيرة في القلب، وفي الكلى، وفي الرئتين، بل أنا أكتب هذا وتجري محاولات عدة لزرع بعض أجزاء إنسان في جسم إنسان اخر، فإذا جاز أن يقع هذا من البشر، أفنستبعد على قدرة الله، وملائكته المؤتمرين بأمره أن يشقّوا صدر النبي، ثم يلتئم بلا الة، ولا ألم، ولا سيلان دم؟! ثم ما للمعجزات ولسنن الكون العادية، حتى نتعلل في إنكارها بأننا لن

_ (1) لئن جاز حمل الاية أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ على الشرح المعنوي بل لعله الأظهر، فبعيد جدا أن تحمل القصة على هذا، وإلا كان خروجا بالألفاظ العربية عن ظاهرها من غير صارف لها عن هذا الظاهر.

نجد لسنة الله تبديلا، وما المعجزات إلا أمور خارقة للمألوف من سنن الله في الكون!! 5- أما قول البعض: إن هذه القصة ضعيفة السند فنقد مجمل، وكنا نحب من الناقد أو المنكر، وقد عرض لإنكار أمر يقره جمهرة المسلمين وفيهم أئمة كبار لهم بصر بالنقد والتعديل والتجريح للرواة، أن ينقد سند القصة نقدا تفصيليا، أما وقد أتى به نقدا مجملا فهو معارض بتوثيق أئمة كبار لسند هذه القصة، وقد سمعت انفا أن القصة رواها الإمام مسلم في صحيحه وإن كانت مجملة، وأن بعض أسانيد القصة إن لم تكن صحيحة فهي حسنة وجيدة وتصلح للاحتجاج بها، بل قصة الشق ليلة الإسراء والمعراج مروية في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، بل قال بعض العلماء المحققين: إنها متواترة. قال الحافظ ابن حجر بعد أن عرض لذكر الروايات الدالة على شق الصدر وتكرره: «وجميع ما ورد من شق الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له، دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك» . وقال القرطبي في «المفهم» : «لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء والمعراج، لأن رواته ثقات مشاهير» وطبعي أن من صدق به ليلة الإسراء والمعراج يلزمه التصديق به في الصغر، وعند البعثة ما دام الأمران ثابتين بالروايات التي يحتج بها. أما ما قيل: من أن ابن إسحاق رواها مرسلة عن رجل لم يسمّ من الصحابة فلا ينهض للطعن، إذ المعروف في قواعد «أصول الحديث» أن الصحابة عدول، فلا تضر جهالة الصحابي. 6- أما قولهم: إن القصة رواها طفل صغير في سن ليست سن تمييز ... فهذا بنوه على ما ذكره ابن إسحاق، وقد قدّمت أن الصحيح الذي رجّحه أئمة النقد والرواية أن الشق كان في السنة الرابعة، أو أوائل الخامسة، وهي سن تمييز، ولا سيما من مثل النبي وأخيه السّعدي. وأنا أذكر أحداثا وقعت لي وأنا في الرابعة أو دونها، ولا أنساها أبدا، وكأنها ماثلة أمامي الان،

خاتم النبوة

وهي دون قصة الشق. والكثيرون من الناس يذكرون مثل ذلك. والمحققون من المحدثين على عدم تحديد سن التحمل بخمس سنين، بل قالوا: المعوّل عليه التمييز، وقد يكون ابن أربع سنين وهو مميّز أكثر من ابن خمس أو ست، وقد يكون ابن خمس مثلا وتمييزه دون تمييز ابن أربع «1» ، ومما ذكرناه يتبين الرد على من نقد متن القصة بأنها مخالفة لما روي أنه أقام في بني سعد إلى خمس سنوات. وأن النقد أصبح غير مقبول بعد أن بينت الرأي الصحيح الراجح. خاتم النبوة قد وردت روايات عدة تفيد أنه صلّى الله عليه وسلّم كان في جسده قطعة لحم ناتئة عليها شعر عند كتفه الأيسر كزرّ الحجلة «2» ، كما في صحيح البخاري، ومسلم، أو كبيضة الحمامة كما في صحيح مسلم، وهي ما كان يعرف بخاتم النبوة. والروايات تدل على أن هذا الخاتم كان من علامات نبوته في الكتاب السابقة، كما تدل على ذلك قصة بحيرى الراهب. فقد تحايل حتى راه، ثم قال لعمه أبي طالب ما قال. والصحيح أن هذا الخاتم تكوّن بعد الولادة، وأنه على الأصح كان بعد قصة شق الصدر، وأما القول بأنه ولد به أو ختم به عقب الولادة فضعيف «3» . روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، وقمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زرّ الحجلة. وروى مسلم بسنده عن جابر بن سمرة قال: «رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنه بيضة حمام» «4» .

_ (1) علوم الحديث للمؤلف، ص 10. (2) الحجلة- بفتح الحاء والجيم-: الخيمة المزينة بالستور، وزرها هي البكرة التي تربط بها الحبال، وقيل: الحجلة طائر، وزرها بيضتها. (3) شرح المواهب، ج 1 ص 192. (4) صحيح البخاري- كتاب المناقب- باب خاتم النبوة، وصحيح مسلم- كتاب الفضائل- باب صفة خاتم النبوة.

الفصل الثالث النبي عليه السلام في كفالة أمه، ثم جده، ثم عمه

الفصل الثالث النّبيّ عليه السّلام في كفالة أمّه، ثم جدّه، ثم عمّه ها هو ذا النبي صلّى الله عليه وسلّم قد عادت به حليمة بعد حادثة شق الصدر في مبتدأ سنته الخامسة، وقد شبّ عن الطوق، وقوي جسمه، وغلظ عوده، وبلغ من النضرة وميعة الصبا ما لم يبلغه صبي في مثل عمره، وقد عاش في كنف الأم الحنون، وأضحى هو كل شيء في حياتها، إذ ليس هناك ما يشغلها أو يلهيها عنه، ودرج في كفالة جده الشيخ الذي كان يحنو عليه أكثر من حنوه على أبنائه، وقد وجد فيه عوضا عن أحب أبنائه إليه. الذهاب إلى المدينة فلما بلغ النبي السادسة من عمره ارتأت أمّه أن تذهب به إلى أخوال جده عبد المطلب بالمدينة من بني النجار، ليرى مكانة هؤلاء الأخوال الكرام، وقد كان لهذه الخؤولة اعتبارها لمّا هاجر فيما بعد إلى المدينة، وليقضيا حق الحبيب المغيّب رمسه في تراب المدينة، وأغلب الظن أن تكون الأم حدّثت ابنها بقصة أبيه، ومفارقته الدنيا وهو في شرخ شبابه، وأن الابن تاقت نفسه إلى البلد الذي ضم رفات الأب. وخرجت الأم والابن ومعهما أم أيمن بركة الحبشية جارية أبيه، ووصل الركب إلى المدينة. وكان المقام في دار النابغة من بني النجار، ومكثوا عندهم شهرا، وزاروا الحبيب الثاوي في قبره، وحرّكت الزيارة لواعج الشوق والأحزان في نفس الأم والابن، وانطبع معنى اليتم في نفس النبي بعد أن كان لاهيا عنه. وبعد أن قضوا حاجات النفس عاد الركب إلى مكة، وفي الطريق بين

المدينة ومكة مرضت الأم، وحمّ القضاء، ودفنت بقرية (الأبواء) «1» ، وجلس الابن يذرف الدمع سخينا على فراق أمه، التي كان يجد في كنفها الحب، والحنان، والسلوى، والعزاء عن فقد الأب، وهكذا شاء الله- سبحانه- للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولما يجاوز السادسة، أن يذوق مرارة فقد الأبوين. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يذكر أمورا في زورته تلك، فقد نظر إلى دار بني النجار بعد الهجرة قائلا: «هنا نزلت بي أمي، وفي هذه الدار قبر أبي عبد الله، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار» «2» . وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم كلما مرّ بقبر أمه زاره، ويبكي، ويبكي من حوله، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: «زار النبي صلّى الله عليه وسلّم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، ثم قال: «استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم الموت» «3» . وروى الإمام أحمد بسنده عن بريدة قال: «خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا كنا (بودّان) «4» قال: «مكانكم حتى اتيكم» فانطلق، ثم جاءنا وهو ثقيل، فقال: «إني أتيت قبر أم محمد، فسألت ربي الشفاعة- يعني لها- فمنعنيها، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» . وروى البيهقي بسنده عن بريدة قال: انتهى النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى رسم قبر فجلس، وجلس الناس حوله، فجعل يحرك رأسه كالمخاطب، ثم بكى فاستقبله عمر، فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: «هذا قبر امنة بنت وهب، استأذنت ربي في أن أزور قبرها، فأذن لي، واستأذنته الاستغفار لها فأبى علي، وأدركتني رقتها فبكيت» . قال: فما رئيت ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة «5» .

_ (1) قرية بين مكة والمدينة. (2) شرح المواهب، ج 1 ص 167، 168. (3) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 7 ص 46. (4) مكان قريب من الأبواء. (5) البداية والنهاية، ج 2 ص 203، 204.

في كفالة جده عبد المطلب

في كفالة جده عبد المطلب وبعد موت أم النبي صلّى الله عليه وسلّم كفله جده عبد المطلب، وضمّه إليه، ورقّ عليه رقّة لم يرقّها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا، وإذا نام، ولا يأكل طعاما إلا يقول: «عليّ بابني» فيؤتى به إليه، وبذلك عوّضه الله بحنان جده عن حنان الأبوين، وكانت حاضنته بعد وفاة أمه هي أم أيمن «1» ، وكان النبي لما كبر يعرف لها ذلك ويقول: «هي أمي بعد أمي» وكان عبد المطلب كثيرا ما يقول لها: يا بركة لا تغافلي عن ابني، فإني وجدته مع غلمان قريب من السدرة، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبيّ هذه الأمة. وكان الجد يسر لما يرى من مخايل الشرف والعزة على حفيده محمد، فقد كان لعبد المطلب فراش يوضع في ظل الكعبة، وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يأتي وهو غلام يافع فيجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب، والغبطة تملأ نفسه: «دعوا ابني، فو الله إن له لشأنا!!» ثم يجلسه معه على فراشه، ويمسح ظهره بيمينه، ويضمّه إليه. فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى ابنه أبا طالب «2» بكفالة النبي وحياطته، ثم مات عبد المطلب، ودفن بالحجون، وكانت سن النبي ثماني سنين. كفالة عمه أبي طالب له ثم كفله عمه أبو طالب، ولم يكن أبو طالب بأكبر بني عبد المطلب، ولا بأكثرهم مالا، ولكنه كان أشرف قريش وأعظمها مكانة، وأكرمها نفسا، وقد أحب أبو طالب ابن أخيه محمدا حبا شديدا، لا يحبه أحدا من ولده، فكان

_ (1) هي بركة الحبشية بنت ثعلبة بن حصن كانت لأبيه، ثم انتقلت إليه، أسلمت قديما، وهاجرت الهجرتين، وقد صح أنها ماتت بعده صلّى الله عليه وسلّم بخمسة أشهر، وقيل بسنة، وقيل في خلافة عمر، وقيل في خلافة عثمان. (2) لأن أبا طالب كان أخا شقيقا لعبد الله.

لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وصبّ به صبابة «1» لم يصبّ مثلها بشيء قط. وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شبعوا، فكان إذا أراد أن يؤكلهم قال: كما أنتم حتى يأتي ولدي، فيأتي النبي فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم، فيعجب أبو طالب ويقول: إنك لمبارك. وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا «2» ، ويصبح محمد دهينا كحيلا. وقد زاده حبا في نفسه ما كان يتحلّى به النبي في صباه من طيب الشمائل، وكريم الاداب في هيئة الأكل، والشرب، والجلوس، والكلام، مما يعز وجوده في هذه السن بين الصبيان، ويدل على أن الله سبحانه فطره من صغره على خير الخلال والاداب.

_ (1) أحبه حبا عظيما. (2) جمع أرمص، والرمص قذر يكون في موق العين، وشعثا: جمع أشعث أي ثائر شعر الرأس.

رعيه الغنم

رعيه الغنم وقد اشتغل النبي صلّى الله عليه وسلّم في صباه برعي الغنم: رعاها لأهله، ورعاها لبعض أهل مكة، وبذلك ضرب مثلا عاليا من صغره في اكتساب الرزق بالكد والتعب، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يذكر ذلك في كبره وهو مغتبط مسرور، روى الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: «افتخر أهل الإبل والغنم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي: «الفخر والخيلاء في أهل الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم» ، وقال: «بعث موسى وهو يرعى غنما لأهله، وبعثت أنا وأنا أرعى غنما لأهلي بجياد» «1» ، وقال: «ما بعث الله نبيا إلا وقد رعى الغنم» فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم، كنت أرعاها على قراريط «2» لأهل مكة» «3» . والحكمة في رعي الأنبياء الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم بالتمرن والتعود على رعايتها القدرة على رعاية أممهم، والقيام بشؤونهم، إذ في رعيها ما يحصل لهم الحلم، والشفقة والرحمة، ويعودهم من الصغر الصبر، وطول البال، والأناة والتريث، وزجر الباغي، وجبر كسر الضعيف، ويربّي فيهم ملكة الحرص على المصلحة، ودفع المضرة، وحسن التعاهد، والرفق بمن تحت أيديهم، والسهر على مصلحتهم، وفي الحديث النبوي السابق الذي رواه أحمد ما يشير إلى هذه المعاني.

_ (1) مكان أسفل مكة. (2) قراريط جمع قيراط، وهو جزء من الدينار أو الدرهم، يعني يرعاها بأجر. (3) رواه البخاري.

هذا إلى ما في رعي الغنم من قضاء نهاره وبعض ليله في البادية، فيتمتاع بالسماء الصافية، والشمس المشرقة، والهواء النقي، ويطيل التأمل والنظر في السماء ذات الأبراج، والأرض ذات الفجاج، والجبال ذات الألوان، وبذلك يصير التأمل والتدبر ملكة من ملكات النفس.

صحبته لعمه إلى الشام

صحبته لعمه إلى الشام ولما بلغت سنه صلّى الله عليه وسلّم الثانية عشرة خرج عمه أبو طالب في تجارة له إلى الشام، فتعلقت نفس ابن أخيه به، ورغب في مصاحبته، فرقّ له عمه، واستصحبه معه حتى وصل الركب إلى (بصرى) من بلاد الشام، وكان بها راهب يقال له (بحيرى) «1» عنده علم بالكتب السماوية السابقة، وقد علم منها أنه قد ان مبعث نبي اخر الزمان وأنه من العرب. وقد جذب انتباهه إلى القافلة أنه رأى غمامة تظلل شخصا منهم، فصنع لهم طعاما على غير عادته ودعاهم إليه، وهنا تختلف الروايات: ففي بعضها أنهم حضروا بما فيهم النبي، وفي بعضها أنهم حضروا جميعا وتركوا النبي عند رحالهم تحت شجرة قريبة منهم، فلما حضروا تفرّس فيهم فلم يجد صاحب الصفة التي يعرفها، فرغب في حضوره فأحضروه، فلما حضر صار يتفرّس فيه ويتعرف على بعض صفاته، ثم تحايل حتى رأى خاتم النبوة بين كتفيه على صفته التي عندهم في الكتاب، فأقبل على أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال بحيرى: ما هو بابنك، وما ينبغي أن يكون أبوه حيا!! قال أبو طالب: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فو الله لئن رأوه، وعرفوا ما عرفت ليبغنّه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم.

_ (1) بحيرى: بفتح الباء وكسر الحاء مقصورا هو من علماء النصارى، قيل: كان من نصارى عبد القيس، وقال السهيلي وصاحب الإصابة: وقع في سيرة الزهري أن بحيرى كان حبرا من أحبار يهود تيماء.

حرب الفجار

وما إن فرغ أبو طالب من بيع تجارته حتى عاد به مسرعا إلى مكة، وقد اشتد حرصه عليه وحبه له، ولم تذكر لنا الروايات أكثر مما سمعت ولم يسمع منه النبي شيئا من علوم أهل الكتاب، ولا قرأ عليه بحيرى شيئا من كتبهم، ولو حدث شيء من هذا لحدّث به أفراد الركب ولا سيما بعد بعثته لما سبّ الهتهم، وسفّه أحلامهم، وعاب دينهم. حرب الفجار «1» ولما بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم أربع عشرة سنة شهد حرب الفجار، وكانت بين قريش وغيرها من قبائل كنانة وأحلافها، وبين قيس وأحلافها، وسببها أن النعمان بن المنذر ملك العرب بالحيرة بعث بقافلة له إلى سوق عكاظ، وكان في حاجة إلى من يجيرها له، فجلس يوما وعنده البرّاض بن قيس الكناني، وعروة بن عتبة الرّحّال، فقال: من يجير لي تجارتي حتى تبلغ عكاظ، فقال البرّاض بن قيس: أنا أجيرها على بني كنانة، وكان البرّاض فاتكا خليعا خلعه قومه لكثرة شره، فقال النعمان: أنا أريد من يجيرها على الناس كلهم. فقال عروة: أبيت اللعن، أكلب خليع يجيرها لك؟ يريد البراض، أنا أجيرها على أهل الشيح والقيصوم «2» من أهل نجد وتهامة، فقال البرّاض: أتجيرها على كنانة يا عروة؟ قال: نعم، وعلى الناس كلهم!! فأحفظ ذلك البرّاض، فتربّص بعروة حتى إذا خرج بالتجارة قتله غدرا وأخذ القافلة، وكانت قريش بعكاظ، فأتاهم ات فأخبرهم بما كان من البرّاض، فارتحلوا وهوازن لا تشعر بهم، فلما بلغ هوازن قتل عروة اتّبعت قريشا فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا حتى لاذت قريش بالحرم، فتواعدوا العام المقبل بعكاظ، وقد دامت هذه الحرب أربع سنوات حتى ألهم الله سبحانه أحد عقلاء الفريقين فدعا إلى الصلح، فاستجابوا له بعد أن أنهكتهم الحرب على

_ (1) بكسر الفاء على وزن قتال سميت كذلك لوقوعها في الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال. (2) نبتان من نبات البادية والمراد على أهل البادية كلهم.

حلف الفضول

أن يدفع من كان أقل قتلى دية من زاد من القتلى، فدفعت قريش لهوازن دية عشرين رجلا. وقد حضر النبي هذه الحرب مع أعمامه، قيل: كان يرمي معهم، وقيل كان ينبل لهم «1» ، ولمّا ذكر هذا اليوم بعد النبوة قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قد حضرته مع عمومتي، ورميت فيه بأسهم، وما أحب أني لم أكن فعلت» «2» . حلف الفضول وكان حلف الفضول بعد حرب الفجار بأربعة أشهر، وكان أكرم حلف وأفضله في العرب في الجاهلية، وسببه أن رجلا من قبيلة (زبيد) باليمن قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي وأبى أن يعطيه حقه، فاستعدى عليه الزّبيدي الأحلاف: عبد الدار، ومخزوما، وجمحا، وسهما، وعديّ بن كعب، فأبوا أن يعينوه على العاص بن وائل وانتهروه، فلما رأى الزبيدي الشر صعد على جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس، وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فاستصرخهم لرد ظلامته قائلا: يا ال فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر إنّ الحرام لمن تمت كرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك. فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان، فصنع لهم طعاما، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكوننّ يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يرد إليه حقه ما بلّ بحر صوفة، وما بقي جبلا ثبير وحراء مكانهما «3» . فسمّت قريش هذا الحلف «حلف الفضول» وقالوا: لقد دخل هؤلاء في

_ (1) يجمع السهام التي ترمى بها هوازن ويناولها لأعمامه. (2) الطبقات الكبرى، ج 1 ص 128. (3) الكلمتان كنايتان عن التأبيد.

تجارة النبي لخديجة في مالها

فضل من الأمر، ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه. وقيل: إنما سمي حلف الفضول لأنه أشبه حلفا تحالفته جرهم على هذا: من نصر المظلوم وردع الظالم، وكان دعي إليه ثلاثة من أشرافهم اسم كل واحد منهم (فضل) وهم: الفضل بن فضالة، والفضل بن وداعة، والفضل بن الحارث فيما قال ابن قتيبة، وقال غيره: الفضل بن شراعة والفضل بن بضاعة، والفضل بن قضاعة، وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبد المطلب: إن الفضول تعاقدوا، وتحالفوا ... ألّا يقيم ببطن مكة ظالم أمر عليه تعاقدوا وتواثقوا ... فالجار والمعتر «1» فيهم سالم وقد حضر النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الحلف الذي رفعوا به منار الحق، وهدموا صرح الظلم، وهو يعتبر من مفاخر العرب وعرفانهم لحقوق الإنسان، وقد روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لقد شهدت بدار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحبّ أن لي به حمر النّعم، ولو دعيت لمثله في الإسلام لأجبت» . تجارة النبي لخديجة في مالها كانت خديجة- رضي الله عنها- سيدة تاجرة ذات شرف، ومال، وتجارة تبعث بها إلى الشام. وكانت تستأجر الرجال، وتدفع إليهم المال مضاربة «2» . وكانت قريش قوما تجّارا، ومن لم يكن تاجرا فليس عندهم بشيء. وكان النبي قد ناهز العشرين من عمره المبارك، وأصبح شابا جلدا قويا، أعز الطالع، ميمون النقيبة، يزين شبابه الغض ما يتمتاع به من حلو الشمائل، وكرم الأخلاق: من أمانة، وصدق حديث، وعفة، وعزوف عما ينغمس فيه أمثاله من الشباب من لهو ومجون، فكان ذلك مما وجّه نفس السيدة خديجة إلى أن يعمل لها في تجارتها، فأرسلت إليه، فلما جاء إليها قالت له: دعاني إلى طلبك

_ (1) المعتر: الزائر من غير البلاد. (2) يعني يعملون لها في التجارة ولهم نصيب من الربح.

الخروج بالتجارة

ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، فذكر ذلك لعمه أبي طالب، فقال له: إن هذا لرزق ساقه الله إليك. وفي رواية أخرى أن أبا طالب هو الذي عرض على النبي أن يعمل لها في تجارتها، وأنها- ولا شك- ستفضله على غيره، وأن أبا طالب هو الذي سعى إليها، وقال لها: هل لك يا خديجة أن تستأجري محمدا؟ فقد بلغنا أنك استأجرت فلانا ببكرين، ولن نرضى لمحمد إلا بأربعة أبكار، فقالت هذه الكلمة التي تنم عن تقدير صادق، وحس مرهف، وشعور يفيض بالحب والحنان: لو طلبت هذا لبغيض بعيد لأجبتك، فكيف، وقد طلبته لحبيب قريب!! فرجع الشيخ أبو طالب مغتبطا، وحدّث ابن أخيه بما سمع، ولا تسل عما كان لهذه الكلمات الصادقة من أثر في نفس النبي الشاب. الخروج بالتجارة ثم خرج النبي بتجارة خديجة إلى الشام وكانت سنّه تخطو إلى الخامسة والعشرين، وكان خروجه لأربع عشرة ليلة من ذي الحجة ومعه غلام خديجة (ميسرة) ، حتى وصل سوق (بصرى) في رواية، وسوق حباشة «1» في رواية أخرى بتهامة، فنزل تحت ظل شجرة في سوق بصرى قريبا من صومعة راهب يسمى (نسطورا) «2» فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال: رجل من قريش من أهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة- وفي رواية بعد عيسى- إلا نبيّ!!. ولا تسل عما غمر نفس ميسرة من حب، وتقدير، وإكبار لسيده محمد، لقد رأى تظليل الغمام له في مسيره هذا، ولمس عن كثب الكثير من أخلاقه،

_ (1) بضم الحاء المهملة، وفتح الباء المواحدة، فألف، فشين معجمة، فتاء تأنيث، قال في الروض الأنف: سوق من أسواق العرب. (2) بفتح النون وسكون السين، وضم الطاء وألف مقصورة.

افتراءات المستشرقين ودسهم

وبره، وعطفه، وحسن معاملته، وأمانته، وسمع من نسطورا ما سمع، فلا عجب إذا كان حدّث سيدته بعد عودته بما رأى وما سمع، وما وجده منه من حسن الخلق. وباع النبي التجارة وابتاع، وعاد بربح وفير، وعاد معه غلام خديجة، ووصل الركب في الظهيرة إلى مكة، وخديجة في علّيّة لها «1» ، فرأت النبي تكسوه المهابة والجلال، فلما دخل عليها أخبرها بخبر التجارة وما ربحت، فسرت لذلك سرورا عظيما، وخرج النبي، وترك ميسرة يقص على سيدته من شأن سيده محمد ما شاءت له نفسه أن يقص. افتراءات المستشرقين ودسهم قد سمعت انفا ما قاله الراهب (نسطورا) في شأن النبي، وما قاله من قبل (بحيرى) لعمه أبي طالب، ولم تذكر الروايات الموثوق بها شيئا غير هذا، ولكن قد جرى بعض كتّاب السيرة من المستشرقين أو إن شئت فقل المبشّرين ومتابعيهم من الكتاب المسلمين أن يحمّلوا الروايات ما لا تتحمل، وأن يدسوا السم في الدسم، وأن يطلقوا لخيالهم الجامح العنان، كأنما يؤلفون رواية مسرحية، لا أعظم سيرة لنبي، توفر لها من دواعي الصدق، والثبوت، وتحرّي الحقيقة ما لم تحظ به سيرة في الدنيا!!. فزعموا أن النبي قابل في هاتين الرحلتين: رحلته مع عمه، ورحلته لخديجة بعض الرهبان وأخذ عنهم، وأنهم جادلوه، وجادلهم في أمر عيسى وأمر غيره، وغرضهم بهذا أن يلقوا في أوهام بعض القارئين أن النبي استفاد من هؤلاء، وانطبعت في ذهنه معارفهم، ثم فاض ذلك على لسانه فيما جاء به من قران، كي يصلوا إلى أن القران من عند النبي، وأن ما زعمه وحيا هو أمر نابع من نفسه، على ما يرون من فكرة الوحي النفسي «2» . وإذا جاز هذا التجني والدس من المبشرين والمستشرقين استجابة

_ (1) غرفة عالية. وهي بكسر العين- والضم لغة- وكسر اللام المشددة وفتح الياء المشددة. (2) سنعرض لإبطالها عند الحديث عن الوحي.

لعصبيتهم، وما رضعوه في ألبان أمهاتهم من صليبيتهم، فما كان ينبغي ولا يجوز أن يقلدهم في هذا بعض الكتاب المعاصرين من المسلمين!!. وإليك ما ذكره الدكتور هيكل في كتابه: «خرج محمد مع ميسرة غلام خديجة بعد أن أوصاه أعمامه به، وانطلقت القافلة في طريق الصحراء إلى الشام مارة بوادي القرى، ومدين، وديار ثمود، وبتلك البقاع التي مر بها مع أبي طالب، وهو في الثانية عشرة من عمره، فأحيت هذه الرحلة في نفسه ذكريات الرحلة الأولى، كما زادته تأملا وتفكيرا في كل ما رأى وسمع من قبل سفره بالشام، أو بالأسواق المحيطة بمكة، فلما بلغ (بصرى) اتصل بنصرانية الشام، وتحدّث إلى رهبانها وأحبارها، وتحدّث إليه راهب نسطورا وسمع منه، ولعله أو لعل غيره من الرهبان قد جادل محمدا في دين عيسى، هذا الدين الذي انقسم يومئذ شيعا وأحزابا كما بسطنا من قبل» «1» . وهذا الكلام الذي ذكره هيكل الباحث المسلم، وهذه الفروض والتخمينات قد اتبع فيها (در منغم) حذو النعل بالنعل «2» ، ولا أدري كيف غاب عنه أن مدين ليست في طريق الشام؟؟ ثم من هم نصارى الشام الذين تحدث إلى رهبانهم وأحبارهم؟ كنا نحب منه أن يؤيد ما يقول ويذكر لنا غير من جاءت بهم الرواية من (بحيرى) و (نسطورا) ، وما القيامة العلمية لكلمة «لعل» و «الفروض» في مثل هذا البحث الذي يتصل بحياة أعظم إنسان عرفته الدنيا؟! ثم من قال: إن النبي كان عنده علم بمذاهب أهل الكتاب وعقائدهم قبل النبوة؟. ولو أن النبي أخذ عنهم، واستفاد منهم كما زعموا لردّوا عليه حينما عرض في صراحة لبطلان عقائدهم، وفساد مذاهبهم، ولقالوا له نحن الذين علمناك، فكيف تجحد فضلنا، وتطعن في ديننا؟. ولا ندري أنصدق (درمنغم) ومتابعيه أم نصدق الحق تبارك وتعالى حيث قال:

_ (1) حياة محمد، لهيكل، ص 113، 114. (2) حياة محمد، لدر منغم، ص 125، 126.

وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً «1» مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «2» ؟!. ثم أي نصارى الذين أخذ عنهم النبي؟ النصارى المحرّفون؟! أم النصارى المخرّفون؟! وإليك صورة للنصرانية في هذا العهد بشهادة النصارى أنفسهم، يقول مولانا محمد علي: «ولكن كيف كانت حالة النصرانية في ذلك العهد؟ فلنرجع إلى شهادات الكتّاب النصارى أنفسهم في هذا الموضوع، فقد رسم أحد الأساقفة صورة لتلك الأيام فقال: إن المملكة الإلهية كانت في اضطراب كلي، بل إن حالة جهنمية حقيقية كانت قد أقيمت على سطح الأرض نتيجة للفساد الداخلي، وقد عالج السير (وليم موير) هذا الموضوع فانتهى إلى النتيجة نفسها قال: «وفوق هذا فقد كانت نصرانية القرن السابع نفسها متداعية فاسدة، كانت معطلة بعدد من الهرطقات المتنازعة، وكانت قد استبدلت بإيمان العصور الأولى السمح صغارات الخرافة وصبياناتها» . تلك صورة للنصرانية تمثل وضعها العام انذاك، كانت واحدة الذات الإلهية قد احتجبت منذ عهد بعيد، وكانت عقيدة التثليث قد أدت إلى نشوء تعقيدات متعددة، وتنافست الفرق والهرطقات المختلفة في قدح زناد الفكر لتفسير هذه العقيدة، وأدى ذلك إلى إنشاء جمهرة من المؤلفات أبعدت الإنسان عن هدف الدين الحقيقي» «3» . يتبين لك أيها القارىء المنصف أن ما ذكروه لا بد وأن يكون ظنونا وتخمينات، وليس من البحث العلمي الصحيح في شيء.

_ (1) أي حياة لأنه تحيى به القلوب، وتصلح به النفوس. (2) الايتان 52، 53 من سورة الشورى. (3) حياة محمد ورسالته، ص 10، 21.

الفصل الرابع زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة

الفصل الرّابع زواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بخديجة حدثناك انفا عن سفر النبي بتجارة السيدة خديجة، وصحبته غلامها ميسرة، وطبعي أن ميسرة حدثها بكل ما رأى وما سمع، وكانت خديجة ابنة عم ورقة بن نوفل، وكان عنده علم بالكتب السابقة، فحدثته بما حدثها به غلامها، فقال لها: «إن كان هذا حقا يا خديجة فإن محمدا نبيّ هذه الأمة» !!. ورجعت بها الذاكرة إلى حادثة تركت في نفسها أثرا، فقد روى ابن إسحاق أنها كانت بين لداتها القرشيات يوم عيد، فجاءهن يهودي، فقال: يا معشر نساء قريش، إنه يوشك فيكن نبيّ قرب وجوده، فأيتكن استطاعت أن تكون فراشا له فلتفعل، فحصبه النساء، وأغلظن له، وعضّت خديجة على قوله، ووقع في نفسها ذلك، وكان لهذا وذلك أثره البالغ في نفس خديجة. وهفا القلب العفيف الطاهر إلى الشاب الأمين المأمون، ولكن ماذا تفعل؟ أتعرض نفسها عليه؟ أم ترسل له من تتحسس الأمر وتتعرف رغبته؟. هنا تختلف الرواية، فمن قائل «1» : أنها أرسلت إليه، وقالت له: يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك «2» في قومك، وأمانتك، وحسن

_ (1) هي رواية ابن إسحاق. (2) شرفك.

خلقك، ومن قائل «1» : إنها أرسلت إليه نفيسة بنت منية «2» ولعل هذا هو الأقرب، وسأدع نفيسة تقص علينا القصة قالت: كانت خديجة امرأة حازمة جلدة شريفة، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكلّ قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك. قد طلبوها، وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال: «ما بيدي ما أتزوج به» ، قالت: فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى المال، والجمال، والشرف، والكفاءة، ألا تجيب؟ قال: «فمن هي» ؟ قالت: قلت: خديجة، قال: «وكيف لي بذلك؟» ، قالت: قلت: علي، قال: «فأنا أفعل» ، فأعلمت خديجة أهلها، فوجدت منهم قبولا وترحيبا، وحدّدت للنبي وأهله موعدا يحضرون فيه، وذكر النبي ذلك لأعمامه، فخرج معه عمّاه: أبو طالب، وحمزة حتى جاؤوا بيت خديجة، فوجدوا عندها عمها عمرو بن أسد حاضرا، فخطبها منه أبو طالب لابن أخيه محمد، فوافق ورحّب وقال: هذا الفحل لا يقدع أنفه «3» ، وخطب أبو طالب خطبة الإملاك «4» ، وهي تنم عن فضائل النبي وخصائصه، وشرفه، وشرف ابائه، وهي قطعة من بليغ الكلام، وفصيح القول. وهذا الذي ذكرناه من أن الذي ولي تزويجها هو عمها هو الذي عليه أكثر علماء السير، وهو الصحيح كما قال السهيلي، فإن أباها كان قد مات قبل ذلك.

_ (1) هي رواية ابن سعد عن الواقدي. (2) نفيسة: بضم النون، وفتح الفاء على صورة المصغر. ومنية بضم الميم، وسكون النون، وفتح الياء المثناة، نسبة إلى أمها، وفي بعض الكتاب: بنت أمية وهو أبوها، وهي أخت يعلى الصحابي المشهور. (3) مثل يضرب للكفء الكريم، وأصل المثل: أن العرب كانوا إذا وجدوا الفحل- الذكر من الإبل- غير كريم ضربوا أنفه ومنعوه عن الناقة، فإن كان كريما تركوه فذهب مثلا في العرب. (4) إعلان الزواج.

بطلان بعض المرويات

قال الواقدي: الثّبت عندنا المحفوظ عن أهل العلم أن أباها مات قبل حرب الفجار، وأن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها لمزيد حفظ الثبت وهو الزّهري، خصوصا وقد رواه عن صحابي من السابقين «1» ، وكذلك ذكر الطبري- وهو من ثقات المؤرخين- أن عمها عمرا هو الذي أنكحها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن خويلدا مات قبل الفجار «2» ، ويرى ابن إسحاق أن أباها هو الذي زوجها وهو رأي ضعيف. بطلان بعض المرويات ومن ثمّ يتبين لنا تهافت ما روي أن أباها امتنع من تزويجها، وأنهم سقوه الخمر حتى ثمل فرضي، وأنهم ألبسوه المزعفر، فلما صحا من سكره أخبروه فأنكر عليهم ذلك، فما زالت به خديجة حتى رضي، وهي رواية باطلة مدسوسة لمخالفتها للنقل الصحيح على ما ذكرنا. ثم هي مخالفة للواقع، وللظروف، والبيئة، فبنو هاشم في الذروة من قريش نسبا وشرفا، وقد صدع بها أبو طالب في مجمع حافل بالسادات فما نازعه فيها منازع، ثم إن مثل النبي في شبابه الغض، ورجولته النادرة، وخلقه الكامل ممّن تطّاول إلى مصاهرته أعناق الأشراف، وهذا أبو سفيان بن حرب وهو من هو في عداوته للنبي وبني هاشم، لما بلغه أن النبي تزوج السيدة أم حبيبة ابنته، ولم يكن أسلم بعد قال: «هذا الفحل لا يقدع أنفه» . دسّ المستشرقين ومن العجيب حقا أن رجلا مثل (درمنغم) لم يذكر في كتابه غير هذه الرواية المتهافتة، وقدّم لذلك بكلام يشعر أن النبي في منزلة دون منزلة خديجة، وأن عشيرته دون عشيرة بني مخزوم (كذا) ، وجعل النبي أجيرا لخديجة فلا يليق أن يكون زوجا، إلى اخر ما تخيل من تخيلات، وافترض من ترّهات «3» ، مع أنه

_ (1) شرح المواهب، ج 1. (2) تاريخ الطبري، ج 1. (3) حياة محمد، لدر منغم، ص 68.

خطبة أبي طالب

أنحى باللائمة في مقدمة كتابه على المتعصبين والمتغالين في نقد النبي، حتى كانت كتبهم عامل هدم، على الخصوص وأنه سلك مسلكا وسطا بين المتقدمين، ومغالاة بعض المستشرقين المغالين في النقد، وأنه سيعول في كتابه على المصادر القديمة والنقد الحديث «1» ، وقد وقع فيما اخذ غيره عليه، وهل من التعويل على المصادر القديمة ذكر الضعيف المتهافت، وترك الصحيح؟! وهل من النقد الحديث تجاهل البيئة والظروف والأعراف التي كانت سائدة وتجاهل الواقع الملموس؟ الحق أن المستشرقين مهما ادّعوا الأنصاف فكتاباتهم تنقض ما يدّعون. خطبة أبي طالب قال: «الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضىء معدّ، وعنصر مضر «2» ، وجعلنا حضنة بيته «3» ، وسوّاس حرمه «4» ، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما امنا، وجعلنا الحكّام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفا ونبلا وفضلا إلّا رجح به، وهو وإن كان في المال قل «5» ، فإن المال ظل زائل «6» ، وأمر حائل «7» ، وعارية «8» مسترجعة، ومحمد من عرفتم قرابته، وهو- والله- بعد هذا له نبأ «9» عظيم، وخطر جليل جسيم «10» ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة،

_ (1) المرجع السابق، ص 8. (2) ضئضىء: أصل، وكذلك معنى عنصر. وغاير للتفنن والإضافة بيانية أي أصل هو معد، ومضر، وخصهما لشرفهما وشهرتهما، وقيل: الضئضىء: المعدن. (3) المنافحين عنه. (4) القائمين على شؤونه. (5) بضم القاف أي قلة. (6) سريع الزوال. (7) لا بقاء له. (8) عند هذا يوما، وعند الاخر يوما اخر. (9) نبأ: خبر، وهي النبوة. (10) أثر جليل كبير، وهذا ما كان فقد كون أمة مثالية، وصنع التاريخ من جديد.

الوليمة والعرس

ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق «1» فعلي» . وقد أمهرها أبو طالب اثنتي عشرة أوقية ونشّا «2» ، يعني خمسمائة درهم، وأصدقها رسول الله زيادة على ذلك عشرين بكرة. الوليمة والعرس وبنى النبي بخديجة، وأولم عليها: نحر جزورا أو جزورين، وأطعم الناس، وأمرت خديجة جواريها أن يغنّين، ويضربن بالدفوف، فقد بلغت مناها، وتم الفرح والسرور، ولله در البوصيري حيث قال: ورأته خديجة والتقى والزه ... د فيه سجية والحياء وأتاها أنّ الغمامة والسّرح «3» ... أظلته منهما أفياء وأحاديث أن وعد رسول اللّ ... هـ بالبعث حان منه الوفاء فدعته إلى الزواج وما ... أحسن أن يبلغ المنى الأذكياء وكان عمر النبي حينئذ خمسا وعشرين سنة، وكان عمرها أربعين أو تزيد قليلا، ونعمت خديجة بالزواج الذي لم تعرف له الدنيا مثيلا في تاريخ الأزواج، ونعم النبي بهذا الزواج الميمون المبارك، فقد كانت خديجة حازمة، عاقلة، طاهرة، عروبا لزوجها، وواست النبي بالنفس والمال، ورزقه الله سبحانه وتعالى منها البنين والبنات، فولدت له: القاسم وبه كان يكنى، وعبد الله «4» ، وقيل: ثلاثة بزيادة الطيب، وقيل: أربعة بزيادة الطاهر. وولدت له زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة- رضي الله عنهن. أما الذكور فقد ماتوا في الجاهلية صغارا، وأما الإناث فقد عشن حتى تزوجن، وكلهن متن في حياة النبي ما عدا فاطمة فقد توفيت بعده بستة أشهر، ومن ثمّ نرى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذاق مرارة فقد الأبناء، كما ذاق من قبل مرارة فقد الأبوين.

_ (1) المهر. (2) نصف أوقية من فضة والأوقية: أربعون درهما. (3) السرح: الشجرة التي صارت أغصانها تتدلّى عليه. (4) كان يلقب بالطيب والطاهر عند من يقول كان الذكور اثنين.

خديجة قبل النبي

وقد شاء الله- وله الحكمة البالغة- ألايعيش له صلّى الله عليه وسلّم أحد من الذكور حتى لا يكون ذلك مدعاة لافتتان بعض الناس بهم، وادّعائهم لهم النبوة، فأعطاه الذكور تكميلا لفطرته البشرية وقضاء لحاجات النفس الإنسانية، ولئلا يتنقّص النبي في كمال رجولته شانىء، أو يتقوّل عليه متقول، ثم أخذهم في الصغر، وأيضا ليكون في ذلك عزاء وسلوى للذين لا يرزقون البنين، أو يرزقونهم ثم يموتون، كما أنه لون من ألوان الابتلاء، وأشد الناس بلاء الأنبياء، فالأمثل فالأمثل، وقد كان مما نبزه به سفهاء المشركين، أنهم قالوا فيه: إنه أبتر أي لا عقب له. خديجة قبل النبي وكانت السيدة خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة لشدة عفافها وصيانتها وشرفها وكمالها، وقد تزوجها وهي بكر أبو هالة «1» بن زرارة التميمي فولدت له هندا «2» ، وقد أسلم وحسن إسلامه، وهو راوي حديث صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، شهد بدرا وقيل وأحدا، وروى عنه الحسن بن علي فقال: حدثني خالي، لأنه أخو فاطمة لأمها، وكان- رضي الله عنه- فصيحا، بليغا، وصّافا، وكان يقول: «أنا أكرم الناس أبا، وأما، وأخا، وأختا: أبي رسول الله صلّى الله عليه وسلم «3» ، وأمي خديجة، وأخي القاسم، وأختي فاطمة» قتل مع علي يوم الجمل. وولدت له هالة «4» ، قال ابن عبد البر: له صحبة، وروي عن عائشة قالت: قدم ابن لخديجة يقال له هالة والنبي صلّى الله عليه وسلّم قائل، فسمعه فقال: «هالة، هالة، هالة» !! وروى الطبراني بسنده عن هالة بن أبي هالة أنه دخل على

_ (1) قيل: اسمه مالك، وقيل: زرارة، وقيل: هند. (2) اسم رجل. (3) هو ربيب رسول الله، ولكنه جعله أبا له لحسن رعايته، وكريم معاملته، فوجد فيه عوضا عن الأب ولأن رسول الله أبو المؤمنين. (4) اسم رجل وقد وهم من جعله أنثى.

النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو راقد، فاستيقظ فضم هالة إلى صدره وقال: «هالة، هالة، هالة» . ثم بعد وفاة أبي هالة تزوجها عتيق بن عابد «1» بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، فولدت له هندا وهي أنثى، أسلمت وصحبت النبي، ولم ترو شيئا. قاله الدارقطني، وهي أم محمد بن صيفي المخزومي، ويقال لولد محمد هذا بنو الطاهرة، لمكان خديجة «2» .

_ (1) بالعين المهملة، والباء المواحدة، والدال المهملة كما في الإكمال وغيره وهو الصواب ووقع في جامع ابن الأثير بالتحتانية، والذال المعجمة وهو غير صحيح. (2) هذا الذي اخترناه هو ما عليه الأكثر كما ذكر ابن عبد البر، وقال اخرون: تزوجها أولا عتيق بن عابد، ثم خلفه عليها أبو هالة، ثم أبو وهب بن عمرو المخزومي.

الفصل الخامس تجديد قريش بنيان الكعبة

الفصل الخامس تجديد قريش بنيان الكعبة ولما بلغ صلّى الله عليه وسلّم خمسا وثلاثين سنة جاء سيل عارم فصدع جدران الكعبة، وأوهن أساسها، وكان قد أصابها من قبل حريق بسبب امرأة كانت تجمّرها، فأرادت قريش هدمها، ولكنهم تهيّبوا ذلك لمكانتها في قلوبهم، وخوفهم أن يصيبهم الأذى، فقال لهم الوليد بن المغيرة: أتريدون بهدمها الإصلاح أم الإساءة؟ قالوا: بل الإصلاح، فقال: إن الله لا يهلك المصلحين، وأخذ المعول، وشرع يهدم، وتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننتظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء هدمنا، فقد رضي الله ما صنعنا. فأصبح الوليد من ليلته عائدا إلى عمله، فهدم، وهدم الناس معه، حتى إذا انتهوا إلى أساس إبراهيم- عليه السلام- أفضوا إلى حجارة خضر اخذ بعضها ببعض، فتركوا الأساس كما هو، وشرعوا في البناء، واتفقوا فيما بينهم بمشورة أحد أشرافهم ألايدخلوا في بنائها من كسبهم إلا طيبا، لا يدخل فيه مهر بغيّ «1» ، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس «2» . وقد تجزّأت قريش الكعبة، فكان جانب الباب لبني عبد مناف وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم، وقبائل من قريش انضموا

_ (1) أجر بغي، وهي المستعلنة بالزنا. (2) هذا يدل على أن العرب كان الكثيرون منهم يتحرون المكاسب الحلال وأن الربا كان طارئا عليهم من اليهود.

عرض لحل المشكلة

إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جمح، وسهم، وكان جانب الحجر لبني عبد الدار، ولبني أسد بن عبد العزّى، ولبني عدي. وقد شارك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعمامه في البناء، ونقل الحجارة. روى الشيخان في صحيحيهما عن جابر قال: «لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلّى الله عليه وسلّم والعباس ينقلان الحجارة، فقال العباس للنبي: اجعل إزارك على رقبتك يقك الحجارة، ففعل، فخرّ إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء، ثم أفاق فقال: «إزاري إزاري» فشدّ عليه إزاره فما رؤي بعد ذلك عريانا» «1» . وكان الذي يلي البناء رجل رومي يسمّى «باقوم» يقال: إنه كان في سفينة محملة بالخشب قاصدة اليمن لترميم كنيسة «القليس» ، ولما كانت السفينة قبالة مكة هبّ عليها إعصار فدمرها، فقصدت قريش إلى ساحل البحر، فاشتروا بقايا السفينة وما كان فيها، واستصحبوا معهم باقوم، وهكذا أراد الله سبحانه أن تستعمل الأخشاب التي أرسلت للكنيسة في بناء الكعبة بيت الله الحرام!! ولما وصلوا في البناء إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه؟ فكل قبيلة تريد أن تحظى بهذا الشرف حتى كادت الحرب تقع بينهم، وقرّب بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسمّوا (لعقة الدم) ، واستمروا على ذلك أربع ليال أو خمسا. عرض لحل المشكلة ثم ألهم الله سبحانه أحد عقلائهم وهو أبو أمية بن المغيرة المخزومي، والد السيدة أم سلمة، وكان عائذ أسن رجل في قريش، فقال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد «2» ، فرضوا وقبلوا، فأشخصوا أبصارهم إلى باب المسجد، واشرأبت الأعناق إلى من يا ترى

_ (1) يعني كاشفا عورته غير المغلظة كالفخذ مثلا. (2) هو باب بني شيبة وهو يعرف اليوم بباب السلام.

العقل الكبير

يكون هذا الداخل، فإذا به الأمين محمد أرسلته العناية الإلهية ليخلص العرب من هذا الشر المستطير، فلما رأوه قالوا: «هذا الأمين رضيناه، هذا محمد!!» . العقل الكبير فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر، فكّر وقدّر، ولم يلبث أن تفتّق العقل الكبير- عقل النبي- عن هذا الحل البارع حقا، فبسط رداءه، ثم أخذ الحجر ووضعه عليه، ثم قال: «لتأخذ كل قبيلة بطرف» ثم أمرهم برفعه، فرفعوه جميعا حتى وصلوا إلى مستوى وضعه، فأخذه بيده المباركة، ووضعه موضعه، وبنى عليه، وبهذا وقى الله قريشا شر حرب ربما أفنتهم، وقد ازداد النبي بهذا منزلة فوق منزلته، وقدرا إلى قدر، وأصبح أحدوثة العرب في كل ناد ومجلس. ضيق النفقة بقريش وكانت النفقة الطيبة قد ضاقت بقريش عن إتمام البيت على قواعد إبراهيم، فاضطروا إلى أن اقتطعوا منه قطعة من جهته الشمالية، وبنوا على هذا الجزء الذي احتجزوه جدارا قصيرا للإعلام أنه من البيت وهو ما يعرف (بالحجر) «1» . وفي صحيح البخاري أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعائشة: «لولا أنّ قومك حديثو عهد بالكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم» . وكان الكعبة ارتفاعها تسعة أذرع على عهد إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- وكان لها بابان: باب شرقي وباب غربي ليدخل الداخل من باب، ويخرج من الاخر، فلما بنتها قريش زادوا في ارتفاعها تسعة أذرع أخرى، واقتصروا على باب واحد، ورفعوا بابها عن الأرض، فصار لا يصعد إليها إلا على درج أو سلّم ليدخلوا من يشاؤون، ويمنعوا من يشاؤون، ونقصوا من طولها مقدار الحجر.

_ (1) وهو من البيت ولذلك لا يصح الطواف إلا من وراء الجدار القصير، والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم، سمي بذلك لأنه حجر، أي اقتطع من الكعبة.

عمارة ابن الزبير

عمارة ابن الزبير وقد استمرت الكعبة على هذا حتى كان عهد عبد الله بن الزبير، وحوصر من قبل يزيد بن معاوية، وأصيبت الكعبة بسبب الرمي بالمنجنيق، فهدمها ابن الزبير في مدة خلافته، وبناها على قواعد إبراهيم، وجعل ارتفاعها على ما هي عليه الان وهو سبع وعشرون ذراعا، وأدخل الحجر في البيت، وجعل لها بابا غربيا. إعادة الحجاج لها على ما كانت في عهد قريش فلما قتل عبد الله بن الزبير، واستتب الأمر لبني أمية، وكان عهد عبد الملك بن مروان، شاور الحجاج عبد الملك في نقض ما فعله ابن الزبير، فكتب إليه: أمّا ما زاده في طولها «1» فأبقه، وأما ما زاده في الحجر فردّه إلى بنائه «2» ، وسدّ بابه الذي فتحه، ففعل ذلك، رواه مسلم في صحيحه عن عطاء. وذكر الفاكهي أن عبد الملك ندم على إذنه للحجّاج في هدمها، ولعن الحجّاج، وفي صحيح مسلم نحوه من وجه اخر وبذلك أعاد الحجاج الكعبة إلى ما كانت عليه في عهد قريش والنبي، واستمر إلى وقتنا هذا. محاولة لبني العباس وقد أراد الرشيد أو أبوه أن يعيد البيت على ما كان عليه في عهد ابن الزبير، فناشده الإمام مالك أن يكف عن ذلك، وقال له: أخشى أن يصير البيت ملعبة للملوك، ولم يحدث تغيير شيء مما كان في عهد عبد الملك بن مروان إلا في الميزاب «3» ، والباب، وعتبته، وكذلك وقع الترميم في الجدران والسقف، وسلم السطح غير مرة، وجدد فيها الرخام، وقد قيل: إن أول من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك، وسيبقى البيت محفوظا بعناية الله إلى ما شاء الله.

_ (1) يعني ارتفاعها. (2) يعني الأول قبل الزيادة. (3) الميزاب: ما ينزل منه ماء المطر من على ظهر الكعبة، وهو يصب في الحجر، وميزاب الكعبة من الذهب، وهو يزن قرابة قنطار.

كفالة النبي لعلي

كفالة النبي لعلي كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، وما أراده الله له من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، ولم يكن على ثراء من المال، وإن كان ذا ثراء من الشرف والمكانة في قريش، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للعباس عمه- وكان من أيسر بني هاشم-: «يا عم إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه، فلنخفف عنه من عياله، اخذ من بنيه واحدا، وتأخذ أنت واحدا» ، فقال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا، فاصنعا ما شئتما، فأخذ النبي عليا، فضمّه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى بعثه الله، فكان من أوائل من امن به وصدق، بل قيل: إنه أول من أسلم، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه. ولقد كان لنشأة الفتى عليّ في بيت النبوة، وتعهد النبي له بالتربية والرعاية أكبر الأثر فيما كان يتمتاع به من صفاء الروح، وقوة الجنان، وفصاحة اللسان، وبلاغة البيان، وغزارة العلم، والشجاعة والبطولة، إلى غير ذلك من الصفات والاداب. أحداث في حياة الرسول وعاش النبي هذه الفترة من حياته قبل النبوة، وهو في طمأنينة وراحة نفسية، وذلك بفضل السيدة الودود الولود خديجة رضي الله عنها، ورزقه الله منها البنين والبنات، لولا ما شاب هذه الفترة من حياتهما من أحداث كان لبعضها وقع أليم في نفس النبي وزوجه.

فقد الأبناء

فقد الأبناء فقد مات ولداه: القاسم، وعبد الله وهما لا يزالان في المهد، وليس من شك في أن فقدهما ترك في نفس النبي وزوجه أسى وحزنا. زواج البنات وقد تزوجت كبراهن زينب بابن خالتها أبي العاص بن الربيع من أشراف قريش وكبار تجارها، هذا إلى ما كان يتصف به من كريم الخلال مما حبّبه إلى خالته خديجة، فأشارت على النبي بتزويج زينب منه، وسيأتيك من أخبار هذا الرجل شيء غير قليل. وأما رقية وأم كلثوم فقد تزوجتا من ابني عمهما: عتبة، وعتيبة ابني أبي لهب، ولم يكونا بالزوجين الكريمين، فقد أمرهما أبوهما أبو لهب بعد أن نبىء النبي بتسريحهما، كي يشغل النبي بمشاكل أسرته عن التفرغ لأداء رسالته، ففارقاهما، على حين أن أبا العاص لما كلمته قريش في تطليق زينب، وتزويجه أي فتاة يريد من بنات قريش أبى، وقال: والله ما أحب أن لي بها امرأة من قريش!! ثم كان من أمر رقية، وأم كلثوم أن تزوجهما ذو النورين عثمان بن عفان واحدة بعد الاخرى، ولم يعرف أن أحدا أرخى ستره على بنتي نبيّ غير عثمان، فمن ثمّ لقب بذي النورين. وأما فاطمة فلم تكن إلا فتاة صغيرة، فبقيت في بيت أبيها، وشاهدت ما ناله من البلاء والأذى من قريش بعد النبوة، حتى بلغت المحيض، وصارت أهلا للزواج، فتزوج بها فتى الفتيان علي بعد بدر، ورزقها الله منه البنين والبنات، ومن نسلها كانت العترة الطيبة من ال النبي. تبني زيد بن حارثة هو زيد بن حارثة، بن شرحبيل، بن كعب، بن عبد العزّى الكلبي، وكان زيد في سفر مع أمه، وهو طفل صغير، فأغار عليهما جماعة من الأعراب، فأسروا زيدا وباعوه، فاشتراه حكيم بن حزام فأهداه إلى عمته السيدة خديجة بعد زواجها من النبي بقليل، وكان عمر زيد إذ ذاك نحو عشرين سنة،

فاستوهبه النبي من زوجه خديجة، فوهبته له، فرعاه النبي وأحسن إليه غاية الإحسان، فلما علم أبوه به حضر وبعض أهله إلى مكة، وعرضوا على النبي ما يريد من الفداء، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أو خير من ذلك» ؟ قالوا: وما هو؟ قال: «خيّروه، فإن اختاركم فهو لكم دون فداء، وإن اختارني فدعوه» ، فخيروه فاختار النبي!! فجذبه عمه وقال له: يا زيد اخترت العبودية على أبيك وعمك؟! فقال: إي والله العبودية عند محمد أحبّ إلي من أن أكون عندكم!! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «يا معشر قريش، اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه» وطاف على حلق قريش يشهداهم على ذلك، فرضي أهله وانصرفوا، ومن ذلك الوقت أصبح يقال له زيد بن محمد حتى أبطل الإسلام التبني، وأمر أن ينسبوا إلى ابائهم فصار يسمّى زيد بن حارثة. وقد زوّجه النبي من حاضنته أم أيمن. وكانت أكبر منه سنا، فأنجبت أسامة بن زيد: الحب ابن الحب «1» لشدة حب النبي لهما، وكان النبي يسوّي بينه وبين الحسن ابن ابنته فاطمة، فيجلس الحسن على فخذه وأسامة على فخذ اخر، وقد استشهد زيد في غزوة «مؤتة» كما سيأتي.

_ (1) بكسر الحاء أي المحبوب بن المحبوب.

الفصل السادس حياة النبي عليه السلام قبل البعثة

الفصل السّادس حياة النّبيّ عليه السّلام قبل البعثة كانت حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل البعثة حياة فاضلة شريفة، لم تعرف له فيها هفوة، ولم تحص عليه فيها زلّة، لقد شبّ رسول الله يحوطه الله سبحانه وتعالى بعنايته، ويحفظه من أقذار الجاهلية؛ لما يريده له من كرامته ورسالته، حتى صار أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال، تنزّها وتكرما حتى صار معروفا «بالأمين» . لقد كان في المجتمع العربي حنيفيون وحّدوا الله ودعوا إلى توحيده، وكان هناك كرماء، وكان هناك أوفياء، وكان هناك أناس عرفوا بالعفة وطهارة الذيل، والبعد عن الماثم، والتنزّه عن الفواحش، ولكن كان عزيزا جدا أن تجد في هذه البيئة إنسانا جمع الله فيه كل هذه الصفات وغيرها مثل ما جمع الله ذلك في النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم. لقد نشأ سليم العقيدة، صادق الإيمان، عميق التفكر، غير خاضع لترّهات الجاهلية، فما عرف عنه أنه سجد لصنم قط، أو تمسح به، أو ذهب إلى عرّاف أو كاهن، بل بغّضت إليه عبادة الأصنام، والتمسح بها، ولما لقي «بحيرى» الراهب قال له: أسألك بحقّ اللّات والعزّى إلّا أخبرتني عما أسألك عنه، وكان بحيرى سمع قومه يحلفون بهما، فقال له النبي: «لا تسألني بحق اللّات والعزّى شيئا، فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما «1» » وروى البيهقي

_ (1) البداية والنهاية ج 2، ص 284.

بسنده عن زيد بن حارثة قال: كان صنم من النحاس يقال له: إساف ونائلة يتمسح بهما المشركون إذا طافوا «1» ، فطاف رسول الله وطفت معه، فلما مررت تمسحت به، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمسّه» قال زيد: فطفنا فقلت في نفسي: لأمسّنه حتى أنظر ما يكون، فمسحته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تنه» قال زيد: فو الذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما قط حتى أكرمه الله تعالى بالذي أكرمه، وأنزل عليه «2» . وأما ما روي من أنه كان يشهد مع المشركين مشاهداهم، فسمع ملكين خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب بنا حتى نقوم خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: كيف نقوم خلفه، وإنما عهده باستلام الأصنام، قال: فلم يعد بعد ذلك يشهد مع المشركين مشاهداهم- فهو حديث منكر واه ساقط عن الاعتبار «3» . ومثل ذلك ما روي زورا أنه تمسح «بالصفراء» كما ذكر هيكل «4» ، أو أهدى إلى العزّى شاة بيضاء كما زعم «درمنغم» «5» ، إلى غير ذلك من الروايات الباطلة المختلقة التي هي من وضع وتزوير أعداء النبي وأعداء الإسلام، وهي من البلايا والطامات التي اشتملت عليها بعض الكتاب التي لا يعتمد عليها في الرواية، وجاء بعض المستشرقين والذين تابعوهم من الكتاب المسلمين فنقلوها في كتبهم من غير تمحيص، وتحقيق. وكذلك بغّض إليه قول الشعر فلم يعرف عنه أنه قال شعرا، أو أنشأ قصيدة، أو حاول ذلك، لأن ذلك لا يتلاءم ومقام النبوة، فالشعر شيء، والنبوة شيء اخر، ولم يكن الشعراء بذوي الأخلاق والسير المرضية، فلا عجب أن

_ (1) يعني حول الكعبة. (2) البداية والنهاية ج 2، ص 288. (3) المرجع السابق. (4) الصفراء: هي صنم. (5) حياة محمد ص 30.

نزّهه الله سبحانه عن الشعر، والرسالة تقتضي انطلاقا في الأسلوب والتعبير، والشعر تقيد والتزام، وصدق الله حيث يقول: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ. ومع هذا فقد كان يتذوق ما في الشعر من جمال وحكمة وروعة، ويستنشده أصحابه أحيانا، ولا عجب فهو القائل: «إنّ من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما» رواه البخاري. ولم يشرب خمرا قط، ولا اقترف فاحشة، ولا انغمس فيما كان ينغمس فيه المجتمع العربي حينئذ من اللهو، واللعب، والميسر «القمار» ، ومصاحبة الأشرار، ومعاشرة القيان، والجري وراء الغيد الكواعب «1» ، على ما كان عليه من فتوة وشباب، وشرف نسب، وعزة قبيلة، وكمال وجمال وغيرها من وسائل الإغراء. ولقد كان صلّى الله عليه وسلّم يذكر ذلك وهو كبير، ويعدّه من نعم الله عليه، وعصمته له، فقد روي عنه أنه قال: «ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمّون به «2» إلا مرتين، وكلتاهما عصمني الله عز وجل فيهما، قلت ليلة لبعض فتيان قريش، ونحن في رعي غنم أهلها، قلت لصاحبي: أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة، فأسمر «3» فيها كما يسمر الفتيان، فقال: نعم، فدخلت حتى جئت أول دار من مكة، فسمعت عزفا بالغرابيل «4» ، والمزامير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر، وضرب الله على أذني، فو الله ما أيقظني إلا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئا! ثم أخبرته بالذي رأيت. ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة، فسألت،

_ (1) الغيد الكواعب: البنات الحسان اللاتي في سن البلوغ. (2) في رواية البيهقي: «يهمون به من النساء إلا ليلتين» والمراد مما يتعلق بالنساء كالعرس، فقد نصت الرواية على ذلك والقصة واحدة. أو لعلها السماع بدل النساء. (3) أي ألهو كما يلهو الشباب. (4) الدفوف.

فقيل: نكح فلان فلانة، فجلست أنظر، فضرب الله على أذني فو الله ما أيقظني إلا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء، ثم أخبرته الخبر، فو الله ما هممت، ولا عدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته» «1» . حتى الأمور التي قد يتسامح فيها في عهد الطفولة أثناء اللعب قد صانه الله تعالى منها، قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- فيما ذكر لي- يحدّث عما كان الله يحفظه به في صغره أنه قال: «لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل الحجارة لبعض ما يلعب الغلمان، كلنا قد تعرّى وأخذ إزاره وجعله على رقبته يحمل عليه الحجارة، فإني لأقبل معهم وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة، ثم قال: شدّ عليك إزارك، قال: فأخذته وشددته علي، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي، وإزاري علي من بين أصحابي» وقد سمعت فيما سبق ما حدث له أثناء نقله الحجارة مع أعمامه في بناء الكعبة. بل كان من توفيق الله له أنه كان يقف مع الناس بعرفات قبل أن يوحى إليه، ولا يصنع ما تصنع قريش من عدم وقوفها مع الناس بعرفات، ووقوفها بالمزدلفة، فعن جبير بن مطعم قال: «لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن ينزل عليه «2» ، وإنه لواقف على بعير له مع الناس بعرفات حتى يدفع معهم، توفيقا من الله عز وجل له» «3» . رواه أحمد. وكان النبي محل ثقة الناس وأماناتهم، لا يأتمنه أحد على وديعة من الودائع إلا أدّاها له، ولا يأتمنه أحد على سر أو كلام إلا وجده عند حسن الظن به، فلا عجب أن كان معروفا في قريش قبل النبوة «بالأمين» . وقد استمرت هذه الثقة إلى ما بعد النبوة، ولذلك لما هاجر صلّى الله عليه وسلّم أبقى عليا

_ (1) الشفا بحقوق المصطفى ج 1 ص 106؛ والبداية والنهاية ج 2 ص 287. (2) أي الوحي. (3) البداية والنهاية ج 2 ص 289.

كي يردّ ودائع الناس التي كانت عنده، وكان لا يعاهده أحد عهدا إلا وجد عنده حسن الوفاء، ولا يعد وعدا إلا صدق فيه، وقد روي أنه عاهد رجلا أن يلقاه في مكان كذا، فمكث ثلاثة أيام يذهب إلى هذا المكان، والرجل لا يذهب فقال له: «لقد شققت علي» . وكان الصدق من صفاته البارزة، شهد له بذلك العدو والصديق، ولما بعثه الله إلى الناس جميعا وأمره أن ينذر عشيرته الأقربين صار ينادي بطون قريش، فلما حضروا قال لهم: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدّقيّ» ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبا قط. ولما قابل هرقل ملك الروم أبا سفيان بن حرب- وكان لم يزل مشركا- قال له: هل جرّبتم عليه كذبا؟ قال: لا، قال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس، ويكذب على الله!! وكان النبي إلى ذلك كله وصولا للرحم، عطوفا على الفقراء وذوي الحاجة، ويقري الضيف، ويعين الضعيف، ويمسح بيديه بؤس البائسين، ويفرّج كرب المكروبين، وقد وصفته بهذا السيدة العاقلة، الحازمة خديجة وهي أعرف الناس به- في بدء النبوة، فقالت: «ما كان الله ليخزيك أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق» «1» !!. ومن هذا العرض الموجز نرى أن حياة النبي قبل البعثة كانت أمثل حياة وأكرمها، وأحفلها بمعاني الإنسانية والشرف، والكرامة، وعظمة النفس، ثم نبّأه الله وبعثه، فنمت هذه الفضائل وترعرعت، وما زالت تسمو فروعها، وترسخ أصولها، وتتسع أفياؤها حتى أضحت فريدة في تاريخ الحيوات في هذه الدنيا. إن هذه الحياة الفاضلة المثلى لمن أكبر الدلائل على ثبوت نبوته صلّى الله عليه وسلّم، فما سمعنا في تاريخ الدنيا قديمها وحديثها أن حياة كلها فضل وكمال، وهدى ونور،

_ (1) صحيح البخاري- باب كيف كان بدء الوحي.

وحق وخير، كحياة نبينا محمد، ولم يعهد في تاريخ البشر أن شخصا يسمو على كل مجتمعه وهو يعيش فيه، وينشأ مبرا من كل نقائصه ومثالبه وهو نابع منه!! ولا أن نورا ينبعث من وسط ظلمات، ولا طهارة تنبع من وسط أدناس وأرجاس، ولا أن علما يكون من بين جهالات وخرافات، اللهم إلا إذا كان ذلك لحكمة، وأمرا جرى على غير المعهود والمألوف، وما ذلك إلا لإعداد النبي للنبوة، واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ وصدق الإمام البوصيري حيث يقول: كفاك بالعلم في الأميّ معجزة ... في الجاهلية والتأديب في اليتم لقد قرأنا سير الحكماء، والفلاسفة، والعباقرة والمصلحين، وأصحاب النحل والمذاهب قديما وحديثا، فما وجدنا حياة أحد منهم تخلو من الشذوذ عن الفطرة السليمة، والتفكير الصحيح، والخلق الرضي، إما من ناحية العقيدة والتفكير وإما من ناحية السلوك والأخلاق، وغاية ما يقال في أسماهم وأزكاهم: كفى المرء نبلا أن تعد معايبه!! حاشا الأنبياء والمرسلين، فقد نشّأهم الله سبحانه على أكمل الأحوال، وعظيم الأخلاق، وقد بلغ الذروة في الكمال خاتمهم وسيد البشر كلهم نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم.

الفصل السابع حالة العالم قبل البعثة

الفصل السّابع حالة العالم قبل البعثة لقد أتى على العالم حين من الدهر فسدت فيه العقائد، وانتشرت الوثنية، وانتكست فيه الأخلاق، وسادت فيه الجهالات والخرافات، وعم التقليد حتى كادت تتعطل فيه ملكة العقل والتفكير، وتغيّرت فيه القيم الخلقية والمعاني الإنسانية، وأهدر فيه الكثير من حقوق الإنسان، وتغلبت فيه قوى الشر والبغي والضلال على دعاة الحق والخير والهدى، وساد العالم ألوان من الترف والإغراق في الملذات والشهوات، سواء في ذلك البيئات المتحضرة أم البدوية. ذلكم الحين هي الفترة التي سبقت ميلاد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم وبعثته. فقد كانت أحوال العالم الدينية، والاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية على أسوأ ما تكون، حتى إن أعظم المتفائلين كان يشك في أن يكون لهذا الفساد إصلاح!! الأحوال الدينية فمن وثنية في شبه الجزيرة العربية وغيرها، إلى عبادة للشمس والكواكب في بلاد سبأ، وبابل، وكلدانيا، وغيرها، ومن مجوسية في بلاد فارس وما جاورها، إلى ثنوية تقول بإله النور وإله الظلمة، إلى صابئة ليس لهم دين، ومن برهمية وعبادة للحيوان ولا سيما البقرة في بلاد الهند وما جاورها، إلى بوذية تقوم على تأليه بوذا وعبادته في بلاد الصين وما جاورها، ومن يهودية محرّفة مبدلة يزعم أهلها أن عزيرا ابن الله، إلى نصرانية مثلّثة «1» في بلاد الروم وغيرها، حتى بلاد

_ (1) كان النصارى فرقا، ففرقة تقول: الله ثالث ثلاثة. قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ... الاية 73 من سورة المائدة.

اليونان، ومصر الفرعونية كانت تسودها الوثنية، وتعدد الالهة، وعبادة الحيوان مع أنها مهد الحضارة، وهكذا نرى أن توحيد الله وعبادته واحده أمر يكاد يكون معدوما في الأرض. وإليك ما قاله مولانا محمد علي في كتابه «حياة محمد» عن النصرانية التي كانت أكثر الديانتين: اليهودية، والنصرانية انتشارا في ذلك الوقت قال: (وكان عيسى أقرب الأنبياء إلى الرسول محمد عليه السلام من وجهة النظر الزمنية، وطبعي أن يتوقع المرء أن يجد في الديار النصرانية على الأقلّ بعض اثار الفضيلة والأخلاق، ولكن كيف كانت حالة النصرانية في ذلك العهد؟ فلنرجع إلى شهادات الكتاب النصارى أنفسهم في هذا الموضوع، فقد رسم أحد الأساقفة صورة لتلك الأيام فقال: «إن المملكة الإلهية كانت في اضطراب كلي، بل إن حالة جهنمية حقيقية كانت قد أقيمت على سطح الأرض نتيجة للفساد الداخلي» . وقد عالج السير (وليم موير) هذا الموضوع فانتهى إلى النتيجة نفسها، قال: «وفوق هذا فقد كانت نصرانية القرن السابع نفسها متداعية فاسدة، كانت معطلة بعدد من الهرطقات المتنازعة، وكانت قد استبدلت بإيمان العصور الوسطى السمح صغارات الخرافة وصبياناتها» تلك صورة للنصرانية تمثل وضعها العام، كانت عقيدة واحدة الذات الإلهية قد احتجبت منذ عهد بعيد، وكانت عقيدة التثليث قد أدت إلى نشوء تعقيدات متعددة، وتنافست الفرق والهرطقات المختلفة في قدح زناد الفكر لتفسير هذه العقيدة، وأدّى ذلك إلى إنشاء جمهرة من المؤلفات أبعدت الإنسان عن هدف الدين الحقيقي.

_ - وفرقة تقول إن الله هو عيسى ابن الله، قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ... الاية 17 من سورة المائدة. وفرقة ثالثة تدّعي ألوهية عبد الله عيسى وأمه مريم، قال تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالَ: سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ... الاية 116 من سورة المائدة. وتكاد تكون عقيدة التثليث اليوم هي السائدة بين المسيحيين.

الأحوال الاجتماعية

والمؤرخ (جيبون (Gibbon) (في تعليقه على حادثة حرق مكتبة الإسكندرية الشهيرة من قبل المتعصبين من النصارى يبدي هذه الملاحظة الهامة: «ولكن إذا صحّ أن ركام الجدل الاريوسي والقائل بطبيعة المسيح الواحدة قد أحرق فعلا في الحمامات العمومية، فإن في ميسور الفيلسوف أن يذهب إلى القول- في ابتسامة- بأن ذلك كان في مصلحة الجنس البشري. وكانت الشرور التي سادت العالم المسيحي كالخمر، والميسر، والفسوق غالبة حتى في تلك الأيام، ويروي «1» دوزي (Dozy) عن الخليفة علي قوله في حق تغلب وهي قبيلة نصرانية: «إن كل ما اقتبسته عن تلك الكنيسة هو معاقرة الخمر» وبكلمة مختصرة فإن النصرانية وهي اخر ديانات العالم المنزلة- كانت في ذلك الحين في حكم المفقودة، كانت قد فقدت كل قدرتها الدافعة التي تمكنها من إحداث إصلاح أخلاقي، وإلى هذا فإن الدّرك الذي تردّى فيه المجتمع الإنساني كله في طول العالم وعرضه، ليقيم الدليل على صحة التوكيد القراني) «2» . الأحوال الاجتماعية ولم تكن الأوضاع الاجتماعية بأحسن حالا من سابقتها، فهنالك كان أشراف وسوقة: أشراف يعتقدون أنهم من طينة أخرى غير طينة البشر، وسوقة يضن عليهم بأدنى حقوق الإنسان، وسادة وعبيد: سادة يتمتعون بكل خيرات هذه الأرض وطيباتها، وعبيد يعاملون معاملة الحيوان، وليس لهم من كدّهم وتعبهم إلا العرق والدماء، وما تجود به نفوس السادة عليهم من فتات الموائد. وهنالك اعتزاز لا حدّ له بالأنساب والأحساب، والتفاخر بهما، وإضاعة الوقت في الاشتغال بذلك، حتى بلغ من العرب أنهم كانوا حين يفرغون من موسم الحج يعقدون الندوات لذكر الاباء والأحساب. وخلاصة القول أنه كانت هناك فوارق طبقية، وعصبيات جنسية، ونسبية، ولونية، ولغوية، وسواء في

_ (1) الصحيح أن يقول: ويذكر دوزي، أو وينقل؛ لأن الرواية تقتضي المعاصرة والمشافهة واللقاء. (2) حياة محمد ورسالته، ص 20، 21.

الأحوال الخلقية

ذلك البيئات المتحضرة أم المتبدية، ولقد بلغ ببعض رجال الفلسفة اليونانية المشهورين أن قسم الناس إلى حر بالطبع، وعبد بالطبع!!. وكان هنالك إسراف في النكاح، وإسراف في الطلاق، وكانت المرأة غالبا- مهضومة الحقوق، لا يقام لها وزن، ولا يسمع لها رأي، وتورث كما يورث المتاع، كما كانوا يتزوجون نساء الاباء ويجمعون بين الأختين، بل قيل: إن اليهود بلغ من سفههم وبغيهم أنهم كانوا ينكحون المحارم، وكانت بعض القبائل تئد البنات خشية العار، وتقتل الأولاد خشية الفقر، حتى جاء الإسلام فقضى على كل هذه المساوىء الاجتماعية، وجعل الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. الأحوال الخلقية أما الجانب الخلقي وما اعتراه من فساد وانحلال وانتكاس وتدلّ إلى الحضيض فحدّث عن ذلك ولا حرج، فمن انتهاك للأعراض، وسطو على الأحرار، وإغراق في المباذل الخلقية، إلى معاقرة للخمر، واقتراف للاثام، ومن معاشرة للبغايا والقيان، إلى اتخاذ الأخدان، ومن استهانة بالدماء، واغتصاب للأموال إلى تعامل بالربا، وأكل أموال الناس بالباطل. وكانت المباذل والمفاسد الخلقية أكثر ما تكون في بلاط الأكاسرة، وقصور القياصرة، والملوك والأمراء، وقد كانت هذه المفاسد الخلقية من أكبر الأسباب في انحلال الدولتين الكبيرتين انذاك: فارس والروم، وأن سارع إليهما الهرم، فالفناء والزوال. الأحوال السياسية وكان التعدّي والإغارة على الغير أمرا يكاد يكون سائدا بين قبائل العرب، وكانت تثور بينهم الحرب لأتفه الأسباب، من أجل ناقة، أو سباق فرس، فتستمر السنين، وتأكل الشباب والشيب، ولم تكن الحروب تفتر أيضا بين الدولتين اللتين كانتا تقتسمان العالم في هذا الوقت: دولتي فارس والروم، وقد كان هذا من العوامل التي جعلتهما تهويان تحت ضربات الجيوش الإسلامية المظفّرة، وقد زالت دول البغي والطغيان، وانتشرت شريعة السلام، والحق،

حاجة العالم إلى مخلص ومنقذ

والخير، والرحمة بقيام دولة الإسلام، ولم تكن الحروب انذاك حروبا مشروعة يقصد بها حماية دين، أو إقامة عدل، أو نصر فضيلة؛ وإنما كانت استجابة للأهواء، وحبا في الغلب، والتسلط، واستعباد الشعوب وإذلالهم!!. ومن هذه الصورة المصغّرة يتبين لنا أن العالم حينئذ كان عالما مضطربا لا أمان فيه، ولا سلام، وشمل الفساد جميع أحواله، ونواحيه، وحقت عليه كلمة الله: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) «1» . حاجة العالم إلى مخلص ومنقذ ترى- أيها القارىء- هل يترك الله سبحانه- وهو الرحمن الرحيم- العالم يتخبط في هذه الدياجير المظلمة، ووسط هذه الأمواج الهائجة، التي تتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال، وهذه الأوضاع السيئة الجائرة التي ذكرنا لك ذروا منها؟!!. لا، ما كان الله ليدع العالم هكذا، فيا ترى من ذا الذي اختارته العناية الإلهية والرحمة الربانية ليخلص هذا العالم الحائر المضطرب المظلم، الخائف الذي أمسى على شفا جرف هار؟ إنه نبي التوحيد، ونبي البر، ونبي الرحمة، ونبي العدل، ونبي الملحمة، إنه نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم. لماذا اختار الله خاتم أنبيائه من العرب؟ قلت فيما سبق إن العرب هم أفضل الجنس السامي، وإن لغتهم هي أسمى اللغات السامية، وأثراها، وأكثرها خصائص، وأصلحها لأن ينزل بها كتاب معجز باق على وجه الدهر. ولئن كان الفساد والاضطراب قد ساد العالم المعروف قبل البعثة المحمدية

_ (1) الاية 41 من سورة الروم.

- عربا وغير عرب-، إلا أنه- والحق يقال- لم يكن هناك شعب من الشعوب له رصيد من الفضائل النفسية، والذاتية، والخصائص الجسدية، والعقلية، والأخلاقية مثل ما كان للشعب العربي، كالمحافظة على الأنساب، وسلامة اللغة، والذكاء، والفطنة، وصفاء النفس، وإرهاف الحس، والشجاعة، والمروءة، والنجدة، وحماية الجار، والعزة، والحرية، وإباء الضيم، والوفاء بالعهد، والقدرة على البيان، وفصاحة اللسان، وتملك نواصي فنون القول، والتأثر بالكلمة، والغيرة على الأعراض، والتضحية بالنفس والأهل والمال في سبيل ما يعتقد، أو يقتنع به، واقتحام المخاطر ومواطن الأهوال من غير تهيب ولا وجل، إلى غير ذلك من الصفات التي كانت متأصلة في العرب، وقد علمت فيما سبق عزم عبد المطلب على ذبح أحب أبنائه إليه وفاء بنذره، وما كان من السموأل حينما ضحّى بابنه وفاء بوعده، وما كان من النعمان بن المنذر حينما أنف- وهو التابع- أن يزوج ابنته من كسرى- وهو المتبوع الغالب- وتحمّل في سبيل ذلك ما تحمل، إلى غير ذلك مما لا يتسع المقام لبسط القول فيه، وهي أحداث تدل على معان كبيرة، وعلى خصائص أصيلة لهذا الجنس العربي. لهذا- ولغيره- اختار الله خاتم أنبيائه ورسله من العرب برسالة عامة خالدة، واستأهل العرب أن يكونوا أحق الشعوب بحمل هذه الرسالة، وتبليغها إلى الناس جميعا، ولم يمض قرن من الزمان حتى بلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار، وامتدت دولته من المحيط إلى المحيط. ومن هذا العرض الموجز نرى أن بعثة النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه كانت ضرورة بشرية لإنقاذ العالم مما تردّى فيه من مهاوي الضلال، والمفاسد، والاثام، وصدق الحق تبارك وتعالى حيث يقول: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) «1» . وها هو العالم اليوم في جاهلية دونها الجاهلية الأولى، ولا مخلّص له مما يعانيه إلا اتباع شريعة الحق والعدل، والخير والسلام: شريعة الإسلام.

_ (1) الاية 107 من سورة الأنبياء.

الفصل الثامن البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب السماوية السابقة

الفصل الثامن البشارة بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الكتاب السّماويّة السّابقة الرسل جميعا إخوة لعلّات «1» ، تجمعهم عقيدة واحدة، ودين واحد، والأديان السماوية كلها تتفق في الأصول، وإن اختلفت في الشرائع والفروع، قال عز شأنه: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) «2» . وقال: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً (48) «3» . فالاية الأولى في الأصول التي لا تختلف اختلاف العصور والأزمان، والثانية في الفروع التي تتغير بتغير الأزمنة والأحوال. وقد أخذ الله العهد على الأنبياء إذا جاءهم رسول الله مصدّق لما معهم أن يؤمنوا به ولا يكذبوه: قال عز شأنه:

_ (1) أولاد العلّات الذين أبوهم واحد، وأمهاتهم شتى، وفي صحيح البخاري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات، ديننا واحد» وهو من التشبيهات النبوية الرائعة. (2) الاية 13 من سورة الشورى. (3) الاية 48 من سورة المائدة.

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) «1» . وإذا كان هذا حال الأنبياء بعضهم مع بعض فأحرى بالأقوام أن يكونوا أشد انقيادا للحق إذا ظهر، ومسارعة إلى الإيمان بالرسل متى قام الدليل، وظهرت الحجة. وقد توافرت البراهين والايات الدالة على نبوة خاتم الأنبياء ما لم تتوفر لغيره من الأنبياء، لأنه جاء بالدين العام الخالد، والشريعة التي لا تنسخها شريعة. وبشّر به وبرسالته من سبقه من الأنبياء ولا سيما موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) «2» . وقال تعالى مقيما الحجة على النصارى الذين جحدوا رسالة خاتم الأنبياء:

_ (1) الاية 81 من سورة ال عمران. (2) الايتان 156، 157 من سورة الأعراف.

وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) «1» . والقران الكريم هو الشاهد والمهيمن على الكتاب السماوية السابقة، فما جاء به هو الحق، وما خالفه باطل. ومع أن اليهود والنصارى قد حرّفوا التوراة والإنجيل ولا سيما فيما يتصل بالنبي من أوصاف وبشارة، فقد بقي من نصوصهما نبوات تدل على البشارة بالنبي، وبعضها يكاد يكون نصا في هذا. ففي التوراة وردت نبوءة على لسان موسى عليه السلام: «أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به» «2» . وهذا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار أن المراد به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وأن المراد بإخوتهم أبناء إسماعيل عليه السلام، وليس في الأنبياء الذين جاؤوا من بعد موسى في تعاقب مستمر، حتى ظهور عيسى من ادّعى أنه النبي الموعود في هذه النبوءة، ولا يمكن أن يحمل على أحد من خلفائه من أنبياء بني إسرائيل الذين جاؤوا لتنفيذ شريعته، لأنهم ليس فيهم أحد مثله، وقد نص في اخر سفر التثنية على أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثله. وكان أمر النبوءة معروفا لدى الخاصة والعامة من اليهود الذين انتظروا جيلا بعد جيل ظهور نبي مثل موسى، ويؤيد هذا تأييدا قويا ذلك الحوار الذي دار بين يوحنا المعمدان «3» وأولئك الذين وفدوا عليه ليسألوه: من أنت؟ فاعترف ولم ينكر، وأقر أني لست المسيح، فسألوه: إذن ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال: لست

_ (1) الاية 6 من سورة الصف. (2) سفر تثنية الاشتراع الإصحاح 18 الفقرة 18. (3) هو يحيى عليه السلام.

أنا؟ ذلك النبي أنت؟ فأجاب: لا، فقالوا: ما بالك إذن تعمد إذ كنت لست إيليا، ولا المسيح، ولا النبي «1» . فهذا النص يدل على نحو يقيني أن اليهود كانوا يترقبون ظهور ثلاثة أنبياء مختلفين: أولهم (إيليا) الذي اعتقدوا أنه سوف يظهر بشخصيته كرة أخرى على هذه الأرض، وثانيهم المسيح، وثالثهم نبي ذو شهرة إلى درجة رأوا معها أنه ليس من الضروري نعته بأي وصف مميز، كأن قولهم: «ذلك النبي» كاف للدلالة على ما يعنون، وبذلك تعيّن أن يكون المراد بالنبي هو نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم. وإذا قلبنا صفحات التاريخ لم نجد أيما نبي غير نبينا محمد أعلن أنه النبي الذي بشر موسى بظهوره، ولم نجد أيما كتاب مقدس غير القران أشار إلى تحقيق النبوءة في شخص امرىء ما. ثم إن الواقع يؤيد هذا، فقد كان موسى- عليه السلام- صاحب شريعة، وكذلك كان محمد عليه الصلاة والسلام صاحب شريعة مستقلة، وليس بين الأنبياء الإسرائيليين نبي جاء قومه بشريعة جديدة، ومن هنا كان النبي محمد بوصفه النبي الوحيد الذي أعطي شريعة، هو واحده النبي الذي هو مثل موسى. وهناك نبوءة أخرى تكاد تكون صريحة أيضا في البشارة بالنبي، ففي التوراة: «جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ من جبل فاران» «2» ، فالمجيء من سيناء يشير إلى ظهور موسى، والإشراق من ساعير إشارة إلى ظهور عيسى، وتلألئه من جبل فاران إشارة إلى ظهور نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، إذ إن التوراة تطلق فاران على أرض الحجاز (مكة) حيث ظهر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

_ (1) سفر يوحنا الإصحاح الأول الفقرة 19- 21. (2) تثنية الاشتراع الإصحاح 23 الفقرة 1.

وثمة نبوءة رابعة تدل على أن أرض النبي الموعود هي بلاد العرب وهي: «وحي من جهة بلاد العرب، في الوعر من بلاد العرب، تبيتين يا قوافل الدادانيين، هاتوا ماء لملاقاة العطشان، يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزة، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا، من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب» «1» . فكلمة بلاد العرب لها مغزى خاص كاف، والإشارة إلى من هاجر يلقي ضوا على من المراد بالنبوة، فتاريخ العالم لم يدوّن غير هجرة واحدة قدّر لها أن تكتسب الحدث الحاسم هي هجرة رسولنا محمد من مكة إلى المدينة، وفي هذه الكلمات «من أمام السيوف قد هربوا» لشهادة أبلغ على أنه هو المقصود بالنبوءة، فقد تواطأت كتب الأحاديث والسير على أن النبي ليلة الهجرة كان محاطا بأعدائه الشاهرين سيوفهم فعلا، المتعطشين للدماء، المستعدين تمام الاستعداد للانقضاض عليه بجمعهم حينما يخرج من بيته، وبحسبنا هذه النبوات الأربع من التوراة. وكان اليهود قبل مجيء النبي صلّى الله عليه وسلّم يبشرون به ويقولون لعرب المدينة إذا قاتلوهم: (لقد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، وسنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم) ، فلما بعث جحدوا رسالته، وحسدوه، وحاربوه قال تعالى: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) «2» . وكذلك بشّر الإنجيل بالنبي، وهذه الأناجيل الموجودة اليوم وإن كانت

_ (1) أشعيا الإصحاح 2 الفقرة 13- 15. (2) الاية 89 من سورة البقرة.

محرفة، كما أقر بذلك الأحرار المفكرون من علماء النصرانية، إلا أنها قد بقي فيها ما يدل على البشارة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم. فمن ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا، قال يسوع: «إن كنتم تحبوني فاحافظوا وصاياي، وأنا أطلب من الاب فيعطيكم معزيا اخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق، الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه، ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم فيكون فيكم» «1» ويقول: «وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم» «2» ويقول: «ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الاب، روح الحق الذي من عند الله الاب ينبثق فهو يشهد لي» «3» . ويقول: «لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله لكم» «4» ويقول: «إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم، ولكنكم لا تستطيعون أن تحتملوا الان، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق» «5» وهي بشارات تكاد تكون نصا في الإخبار بنبوة خاتم الأنبياء، ومع وضوح هذه البشارات فقد أرهق اللاهوتيون النصارى أنفسهم- وما يزالون- ابتغاء العدول بها عن قصدها بحيث تنطبق على الروح القدس، وفي الحق أن صيغة النبوءة لا تجيز قط هذا الاستنتاج لقوله: «إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي» كلام من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تعليق «6» . وقد كان في الأصل الأول للإنجيل التعبير في البشارات عن اسم النبي بكلمة «البارقليط» ولكنه لما ترجم إلى العربية فسرها بعضهم (بالمخلص) ،

_ (1) يوحنا الإصحاح 14 الفقرة 15- 17. (2) يوحنا 14: 26. (3) يوحنا 15: 26. (4) يوحنا 16: 7. (5) يوحنا 16: 12، 13. (6) حياة محمد ورسالته من ص 46- 51؛ أدلة اليقين في الرد على مطاعن المبشرين من ص 260- 314؛ تفسير الالوسي ج 28 ص 87 ط منيرية.

وفسرها اخرون (بالمعزي) ، وقد سأل المرحوم الأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار المستشرق الإيطالي (نلينو) - وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في اداب اللغة اليونانية، وكان يدرس في الجامعة المصرية القديمة- عن معنى (البارقليط) فقال: إن القسس يقولون إن هذه الكلمة معناها المعزي، فقال له: أنا أسأل الدكتور (نلينو) الحاصل على الدكتوراه في الاداب اليونانية القديمة، ولا أسأل قسيسا!! فقال نلينو: معناها الذي له حمد كثير، فقال له: هل ذلك يوافق أفعل التفضيل من حمد؟ فقال: نعم «1» وصدق الله حيث قال: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ وقد سبق المستشرق (نلينو) الإمام الالوسي فقد قال: إنه لفظ يؤذن بالحمد. يقول العلامة الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه القيم «إظهار الحق» : «إنه قبل أن يقدّم أوجه الاستدلال بهذه الفقرات- يريد الفقرات التي نقلها من الأناجيل للاستدلال بها على بشارة السيد المسيح بالنبي الخاتم محمد عليهما الصلاة والسلام- يود أن ينبه إلى أن السيد المسيح كان يتحدّث باللغة الارامية، وهي مشتقة من اللغة العبرية، وأنه مما لا شك فيه أن الإنجيل الرابع إنجيل يوحنا- ترجم اسم المبشّر به باللغة اليونانية حسب العادة، ثم جاء مترجمو اللغة العربية، فترجموا اللفظ اليوناني ب «فارقليط» ، وقد ذكرت من قبل تصرفهم في الأسماء، وقد حاول «اردو» صرف المسلمين عن الاستدلال بهذه البشارة، فذكر أن لفظ «فارقليط» معرب من اللفظ اليوناني ثم قال: فإن قلنا: إن هذا اللفظ اليوناني الأصل «باراكلي طوس» فيكون بمعنى المعزي والمعين والوكيل. وإن قلنا: إن اللفظ الأصلي «بيركلي طوس» فيكون قريبا من معنى محمد، أو أحمد، ولكن الصحيح أن اللفظ «باراكلي طوس» وليس «بيركلي طوس» . وقد ردّ عليه الشيخ رحمة الله الهندي، فقال: إنه من الواضح أن التفاوت بين اللفظين يسير جدا، وأن الحروف اليونانية كانت متشابهة، وأن استبدال

_ (1) قصص الأنبياء- مبحث بشارة عيسى بالنبي ص 473 الطبعة الثانية.

«باراكلي طوس» ب «بيركلي طوس» في بعض النسخ من الكاتب قريب القياس، ثم رجح أهل التثليث هذه النسخة على النسخ الاخرى. أقول: وما دامت الكلمة محتملة لأن تكون «بيركلي طوس» وأن تكون «باراكلي طوس» فلنلجأ إلى الترجيح كما هي قواعد البحث العلمي الصحيح، وليس من شك في أن «بپركلي طوس» هي الراجحة لأنها يوافقها القران الكريم الذي هو الشاهد والمهيمن على الكتاب السماوية، لأنه الكتاب السماوي الذي سلّم من التحريف، والتبديل بإجماع المسلمين، وشهادة العقلاء وأحرار الفكر من المسيحيين، والله تبارك وتعالى يقول الحق، وهو يهدي السبيل. وقد ورد في «إنجيل برنابا» الذي كان في طي الخفاء وظهر منذ زمن قريب ما يدل على البشارة بالنبي صراحة، ولم يسع القسس إلا الطعن فيه، وقالوا: إنه من وضع العرب، وهي دعوى لم يقم عليها دليل، فقد أثبت بعض الباحثين أنه موجود من قبل ميلاد النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقد تواترت الأخبار قبل النبوة المحمدية بقرب ظهور نبي من العرب بشّرت به التوراة والإنجيل على لسان الأحبار والرهبان، وحدث سلمان الفارسي الصحابي الجليل أنه صحب قسيسا، فكان يقول له: «يا سلمان إن الله سوف يبعث رسولا اسمه أحمد من جبال تهامة «1» ، علامته أن يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة» وكان هذا من أسباب إسلام سلمان لما بلغته الدعوة المحمدية. وكان هذا أيضا من أسباب مسارعة الأنصار إلى قبول الإسلام، ذلك أنهم لما عرض عليهم النبي الإسلام قال بعضهم لبعض: هذا الذي حدثتكم عنه يهود فلا يستبقنكم إليه!!

_ (1) أي مكة لأن تهامة تطلق عليها كما يطلق الحجاز على تهامة.

بين يدي النبوة

بين يدي النبوة فترة الخلوة وقبيل النبوة حبّب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخلوة عن الخلق، والانصراف إلى الخالق، لما في الخلوة من صفاء النفس، وهدوء البال، والتفكر في ملكوت الله، وعظيم خلقه، وجليل قدرته، فكان يخلو بغار حراء «1» في رمضان من كل عام، ويطعم من جاءه من الفقراء والمساكين، فإذا قضى جواره من شهره كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعا، أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته، وكانت السيدة خديجة- رضي الله عنها- تعينه على هذه الخلوة وتعدّ له الزاد والطعام، وكان رسول الله يرجع إليها في أثناء الخلوة ليتعهدها، ويأخذ زاده، وما زال يخلو ويتعبد» بهذا الغار حتى أكرمه الله بالنبوة، ونزل عليه الوحي. غار حراء وحراء جبل في أعلى مكة على ثلاثة أميال منها، عن يسار المار إلى منى، له قنة مشرفة على الكعبة منحنية. والغار في تلك الحنية. قال رؤبة بن العجاج: فلا وربّ الامنات القطن ... وربّ ركن من حراء منحني وسمي الغار باسم هذا الجبل، وكان هذا الغار معروفا عند العرب في الجاهلية، وكان بعضهم يخلو فيه ويتعبد، وقد ذكره أبو طالب في قصيدته المشهورة فقال: وثور ومن أرسى ثبيرا «3» مكانه ... وراق ليرقى في حراء ونازل

_ (1) حراء بمد ويقصر، ويصرف، ويمنع من الصرف. (2) وقد اختلف في تعبده صلّى الله عليه وسلّم قبل النبوة: أكان على شرع أم لا؟ فقيل: كان يتعبد بالتفكر والتأمل في ملكوت الله، وبديع صنعه، وقيل: كان يتعبد بشرع من قبله، وقد اختلف في: على أي شرع كان يتعبد؟ والأصح أنه كان يتعبد على شريعة أبيه وأبي الأنبياء الخليل- عليه السلام- وكانت قد بقيت منها شرائع لا زالت مأثورة عند العرب. (3) هو جبل اخر بمكة.

بعض ما أكرم الله به نبيه قبيل النبوة

وللغار مدخل يتسع للرجل البدين، ويقف فيه الرجل الفارع، ويتسع لبضعة رجال يصلون ويجلسون، وقد صعدت إليه وأنا في سن الشباب في أكثر من ساعة، وجلست فيه، وصليت ركعتين، فلله الحمد والمنة. والغار في مكان يبعث على التأمل والتفكر، تنظر إلى منتهى الطرف فلا ترى إلا جبالا كأنها ساجدة متطامنة لعظمة الله، وإلا سماء صافية الأديم، وقد يرى من يكون فيه مكة إذا كان حاد البصر. بعض ما أكرم الله به نبيه قبيل النبوة «1» فمن ذلك ما ذكره ابن إسحاق في سيرته بسنده عن أهل العلم الثقات أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أراده الله بكرامته، وابتدأه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت «2» ، ويفضي إلى شعاب «3» مكة، وبطون أوديتها، فلا يمر رسول الله بحجر، ولا شجر إلا قال: «السلام عليك يا رسول الله» «4» فيلتفت الرسول حوله، وعن يمينه، وعن شماله، فلا يرى إلا الشجر والحجارة، فمكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل- عليه السلام- بما جاءه من كرامة الله، ووحيه وهو بحراء في شهر رمضان. وفي صحيح مسلم: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الان» «5» .

_ (1) ذكر ابن الجوزي أن ذلك كان قبل النبوة بسنتين (شرح المواهب ج 1 ص 204) . (2) تبعد عنه ويبعد عنها. (3) الشعاب: جمع: شعب، وهي الطرق بين الجبال. (4) وذلك بأن يخلق الله فيها الكلام من غير حياة، ولا علم؛ أو بأن يخلق الله فيها الحياة والتمييز فتنطق وتتكلم: رأيان للعلماء، ولعل الأول هو الأولى. (5) صحيح مسلم بشرح النووي ج 15 ص 36.

الباب الثالث من البعثة إلى الهجرة

الباب الثالث من البعثة إلى الهجرة الفصل الأول: النبوّة. الفصل الثاني: أطوار الدعوة إلى الإسلام. الفصل الثالث: الجهر بالدعوة وما صاحبه من إيذاء وإغراء. الفصل الرابع: أحداث هامة في العهد المكيّ. الفصل الخامس: الذهاب إلى الطائف. الفصل السادس: الإسراء والمعراج. الفصل السابع: عرض رسول الله نفسه على قبائل العرب في موسم الحج. الفصل الثامن: الهجرة إلى المدينة.

الفصل الأول النبوة

الفصل الأوّل النّبوّة ولما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأربعين من عمره المبارك نبّأه الله، وأوحى إليه، وكان ذلك في ربيع الأول. وكان أول ما بدىء به النبي من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا تحقق صدقها، ورؤيا الأنبياء وحي، وقد مكث على هذه الحال ستة أشهر حتى نزل عليه جبريل الأمين بالوحي القراني، وذلك في السابع عشر من رمضان من هذا العام على ما عليه المحققون من العلماء، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ «1» يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) «2» . وكان التقاء الجمعين في بدر في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة بالإجماع. ابتداء نزول القران وقد كان أول ما نزل من القران في هذا اليوم المشهود الفذّ خمس ايات من صدر سورة اقرأ، وهي:

_ (1) الذي فرّق الله به بين الحق والباطل. أي في مثل اليوم الذي التقى فيه الجمعان. (2) الاية 41 من سورة الأنفال.

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) «1» . وكان ذلك في رمضان حسبما قال عز وجل: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ (185) «2» . وكان ذلك في ليلة القدر كما قال عز شأنه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) ... «3» . وهي الليلة المباركة التي ذكرها الله في قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) «4» . وقد كانت طلائع الوحي الإلهي فيها إشادة بالقلم وخطره، وبالعلم ومنزلته في بناء الشعوب والأمم، فما أصدقها من طلائع تجعل العلم والمعرفة من أخص خصائص الإنسان.

_ (1) أي اقرأ مبتدئا باسم الله، لا باسم أحد سواه، لأنه سبحانه هو الذي خلق هذا النوع الإنساني، وفضّله على كثير من خلقه، ثم بيّن لنبيه أن ربه الأكرم سيعلمه ما لم يكن يعلم، ولا تأس إن كنت أميا فإن العلم علمان: علم كسبي وقد أشار الله له بقوله عَلَّمَ بِالْقَلَمِ وعلم وهبي عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ومنه علم الأنبياء والمرسلين. (2) الاية 185 من سورة البقرة. (3) سورة القدر، وللعلماء في قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ. قولان: الأول: المراد النزول جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل على النبي مفرقا في نيّف وعشرين سنة، الثاني: أن المراد ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر وكان ذلك في رمضان والنبي يتعبد بغار حراء وتكون ليلة القدر في هذا العام ليلة السابع عشر من رمضان. (4) الايات 3- 5 من سورة الدخان.

رجوع النبي لخديجة

رجوع النبي لخديجة وبعد نزول هذه الايات الخمس في قصة مثيرة التقت فيها البشرية بالملائكية على غير عهد سابق رجع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يرتعد من شدة الخوف، حتى أتى السيدة خديجة فأخبرها بما جرى، وقال لها: «لقد خشيت على نفسي» فطمأنته وأكدت له أنه ما كان الله ليخزيه أبدا، وقالت له: «أبشر يا ابن عم، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة» «1» . إلى ورقة بن نوفل ثم انطلقت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان ممن تنصّر في الجاهلية، وعنده علم بالتوراة والإنجيل، وكان ممن يعبد الله ويواحده، فقص عليه النبي قصته فبشره بالنبوة، وقال له: هذا هو الناموس «2» الذي كان ينزل على موسى، وأخبره بما سيجده من قومه من عنت وأذى، وأنهم سيخرجونه من بلده مكة، وتمنى لو أدركته الرسالة لينصره نصرا مؤزرا، ولكن ورقة لم يلبث أن توفي بعد أن امن بالنبي وصدق به. قصة بدء الوحي كما رواها الشيخان وإليك ما رواه الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما «3» بسندهما واللفظ للبخاري- عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «أول ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة «4» في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح «5» ، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان

_ (1) سيرة ابن هشام ج 1 ص 238. (2) الناموس: رسول الخير، والمراد به جبريل- عليه السلام-. (3) رواه البخاري في باب كيف كان بدء الوحي.. وفي كتاب التفسير «سورة اقرأ» وفي كتاب التعبير، ورواه مسلم في باب بدء الوحي إلى رسول الله. (4) في رواية «الصادقة» وهي التي ليس فيها أضغاث أحلام، وهما بمعنى بالنسبة لأمور الاخرة، وأما في شؤون الدنيا فقد تكون صالحة وهو الأكثر، وقد تكون غير صالحة كرؤياه قبيل أحد. (5) فلق الصبح: ضياؤه.

يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التعبد- «1» الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع «2» إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارىء» قال: فأخذني، فغطّني «3» ، حتى بلغ مني الجهد «4» ، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: «ما أنا بقارىء» فأخذني فغطّني الثالثة «5» ثم أرسلني، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده «6» فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها- فقال: زمّلوني «7» ، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع «8» ، فقال لخديجة- وأخبرها الخبر-: لقد خشيت على نفسي «9» ، فقالت

_ (1) أصل التحنث ترك الحنث وهو الإثم ويلزمه التعبد، وهذا التفسير مدرج من الزهري راوي الحديث عن عروة عن عائشة. (2) يرجع وزنا ومعنى. (3) عصرني حتى كاد يكتم أنفاسي. (4) بفتح الجيم والنصب أي المشقة، وبضم الجيم والرفع أي غاية الوسع حتى بلغ مني الجهد مبلغه. (5) وإنما فعل به ذلك ليبلو صبره، ويختبر احتماله فيرتاض لاحتمال ما كلف به من أعباء النبوة، وأثقال الوحي، ولذلك كان صلّى الله عليه وسلّم إذا أوحي إليه يثقل جسمه، ويغط كما يغط البكر، ويتصبب عرقه، وكأنه يقول له: استعد لما ينتظرك في تبليغ الرسالة من شدائد والام. (6) يضطرب من الخوف. (7) غطوني ولفوني بالثياب. (8) بفتح الراء: الخوف. (9) أي المرض أو الموت من شدة الضغط والضم، وقد كان ذلك قبل أن يحصل له العلم الضروري بأن الذي جاءه ملك من الله، ولا يصح تفسير الخشية بغير هذا، ولا تلتفت لما يوجد في بعض الكتاب.

رواية لابن إسحاق

خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ «1» ، وتكسب المعدوم «2» وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق «3» - وفي بعض الروايات زيادة- وتصدق الحديث- وفي بعضها- وتؤدي الأمانة «4» . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عم خديجة، وكان امرا قد تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى «5» ، يا ليتني فيها جذعا» ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم» ؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا «7» . ثم لم ينشب «8» ورقة أن توفي، وفتر الوحي. رواية لابن إسحاق وفي رواية ابن إسحاق عن عبيد بن عمير مرسلا: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:

_ (1) الضعيف. (2) بفتح التاء ونصب المعدوم أي تصيب من المال ما لا يصيب غيرك، وكانت العرب تتمادح بها، قال أعرابي يمدح رجلا: كان أكسبهم لمعدوم، وأعطاهم لمحروم. (3) أحداث الزمان ونوازله. (4) وفي ذكر هذه الأوصاف ما يدل على كمال خلق النبي في الجاهلية، وأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، كما يدل على كمال عقل السيدة خديجة، ووفور شفقتها، ومحبتها للنبي. (5) خصّ موسى لأن شريعته كانت أعم وأوفى من شريعة عيسى. (6) أي شابا. أي ليتني أكون فيها جذعا. (7) قويا صادقا. (8) لم يلبث.

فترة الوحي

«جاءني جبريل، وأنا نائم بنمط من ديباج «1» فيه كتاب فقال: اقرأ ... » الخ، فظاهر هذا أنه كان مناما. والمعوّل عليه ما في الصحيحين، وأن ذلك كان في اليقظة لا في المنام، وإن ثبت ما ذكره ابن إسحاق فيكون ما حدث في المنام كان قبل ذلك توطئة لما حدث في اليقظة، ففي مغازي موسى بن عقبة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لخديجة: «أرأيتك الذي كنت حدثتك أني رأيت في المنام، فإنه جبريل استعلن إلي، أرسله إلي ربي عز وجل وأخبرها بالذي جاءه من الله، وما سمع منه، فقالت: أبشر فو الله لا يفعل الله بك إلا خيرا» «2» . فترة الوحي وقد فتر الوحي بعد ذلك فترة، وقد اختلف في مقدارها فقيل: كانت أياما، روى هذا ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس، وروي أن أقصاها أربعون يوما، وقيل: ستة أشهر، وقيل: سنتان ونصف، وقيل: ثلاث سنين، ونسب هذا إلى ابن إسحاق، والذي في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق عدم التحديد بمدة «3» . والذي أرجّحه وأميل إليه هو الأول، وأن أقصاها أربعون يوما، ويليه القول الثاني، وأما القولان الأخيران فإني أستبعدهما، فالفترة إنما كانت ليسترد النبي صلّى الله عليه وسلّم أنفاسه مما حدث له من ضغط جبريل، وما عراه من الهول والفزع لأول لقاء بين بشر وملك، وليحصل للنبي الشوق إلى لقاء جبريل بعد هذه الفترة. أما أن يقضي النبي ثلاث سنين أو سنتين ونصف سنة من عمر الدعوة الإسلامية من غير وحي ودعوة فهذا ما لا تقبله العقول، ولا يدل عليه نقل صحيح، وفي هذه الفترة كان النبي يداوم الذهاب إلى حراء، وإلى ما جاوره

_ (1) بقطعة من حرير فيها كتاب أي شيء مكتوب. (2) البداية والنهاية ج 3 ص 13. (3) السيرة لابن هشام ج 1 ص 241.

رواية موهمة

من الجبال عسى أن يجد هذا الذي جاءه بحراء حتى وصل جبريل ما انفصم، وعاد الوحي وتتابع. رواية موهمة وفي بعض روايات صحيح البخاري «1» : «ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى الله عليه وسلّم- فيما بلغنا «2» - حزنا غدا منه مرارا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل، فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك» . وهذه الرواية ليست على شرط الصحيح لأنها من البلاغات، وهي من قبيل المنقطع، والمنقطع من أنواع الضعيف، والبخاري لا يخرج إلا الأحاديث المسندة المتصلة برواية العدول الضابطين، ولعل البخاري ذكرها لينبهنا إلى مخالفتها لما صح عنده من حديث بدء الوحي، الذي لم تذكر فيه هذه الزيادة. ولو أن هذه الرواية كانت صحيحة لأوّلناها تأويلا مقبولا، أما وهي على هذه الحالة فلا نكلف أنفسنا عناء البحث عن مخرج لها. وأيضا فإن ما استفاض من سيرته صلّى الله عليه وسلّم يرد ذلك، فقد حدثت له حالات أثناء الدعوة إلى ربه أشد وأقسى من هذه الحالة، فما فكر في الانتحار بأن يلقي نفسه من شاهق جبل أو يبخع نفسه، وسترى فيما يأتي أنه لما عرض عليه عمه أن يكف عن قريش، ويبقي عليه وعلى نفسه، وكان عمه هو ناصره الوحيد من

_ (1) كتاب التعبير- باب أول ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة. (2) قال الحافظ في الفتح: «ثم إن القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه القصة، وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا» قال الكرماني: وهذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور (فتح الباري ج 16 ص 12 ط الحلبي) .

أهله قال هذه القولة: «والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه، ما تركته» !! ونحن لا ننكر أنه صلّى الله عليه وسلّم قد حصلت له حالة أسى وحزن عميقين على انقطاع الوحي خشية أن يكون ذلك عدم رضا من الله، وهو الذي كان يهون عليه كل شيء من لأواء الحياة وشدائدها ما دام ذلك في سبيل الله، وفيه رضا الله، وهو القائل في ساعة من ساعات الكرب، والضيق، والشدة، لما ناله ما ناله من سفهاء ثقيف مخاطبا ربه: «إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي!!» . كان يمكننا أن نقول: إنّ ظن حدوث غضب الله وسخطه تجوّز للمخلصين من عباد الله أن يهلكوا أنفسهم ويذهبوها ترضية لله، وخوفا منه، ولكنا لا نرى هذا لأن حالة الرواية كما سمعت، ولأنها تخالف المعروف المشهور من سيرته صلّى الله عليه وسلّم. والتعليل الصحيح لكثرة غشيانه صلّى الله عليه وسلّم في مدة الفترة رؤوس الجبال وشواهقها، أنّ الإنسان إذا حصل له خير أو نعمة في مكان ما فإنه يحب هذا المكان، ويتلمس فيه ما افتقده، فلما انقطع الوحي صار صلّى الله عليه وسلّم يكثر من ارتياد قمم الجبال، ولا سيما حراء، رجاء أنه إن لم يجد جبريل في حراء، فليجده في غيره، فراه راوي هذه الزيادة وهو يرتاد الجبال، فظن أنه يريد هذا، وقد أخطأ الراوي المجهول في ظنه قطعا. وليس أدل على ضعف هذه الزيادة وتهافتها من أن جبريل كان يقول للنبي كلما أو فى بذروة جبل: «يا محمد إنك رسول الله حقا» وأنه كرر ذلك مرارا، ولو صح هذا لكانت مرة واحدة تكفي في تثبيت النبي وصرفه عما حدّثته به نفسه كما زعموا، وقد نحا إلى ما نحوت بعض كتاب السيرة المحدثين المسلمين «1» .

_ (1) حياة محمد ورسالته، ص 70، 71.

الوحي وأنواعه

الوحي وأنواعه الوحي في اللغة: يطلق على الإعلام الخفي السريع وهو أعم من أن يكون بإشارة، أو كتابة، أو رسالة، أو إلهام غريزي أو غير غريزي، وهو بهذا المعنى اللغوي لا يختص بالأنبياء، ولا بكونه من عند الله سبحانه وتعالى «1» . وأما معناه الشرعي: فهو إعلام الله أنبياءه ورسله بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع، أو كتاب، بواسطة أو بغير واسطة «2» ، فهو أخص من المعنى اللغوي لخصوص مصدره ومورده «3» . وقد يعرّف بأنه (عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين أنه من عند الله) «4» . وقد يعرّف بأنه: (ما أنزله الله على أنبيائه، وعرفهم به من أنباء الغيب، والشرائع) «5» . إمكان الوحي ووقوعه مبنى الوحي ومداره على أمرين: الأول: وجود موح وهو الله سبحانه وتعالى، ووجود الملك الذي يبلّغ الوحي وينقله من الله إلى الأنبياء والرسل، والملك جسم نوراني لا يرى، ولكنه قادر على التشكل بالأشكال المختلفة الحسنة، والتنقل بالسرعة الفائقة، وقد يراه على حقيقته بعض أنبياء الله ورسله. الثاني: وجود نفس بشرية صافية عندها استعداد خاص لتلقي الوحي من الله مباشرة، أو من الملك.

_ (1) المدخل لدراسة القران الكريم، ص 73؛ والوحي المحمدي، ص 37. (2) وهو بهذا تعريف للوحي بمعناه المصدري. (3) مصدره: وهو كونه من الله، ومورده: وهم الأنبياء والرسل. (4) وهو تعريف للوحي بالمعنى الحاصل بالمصدر. (5) وهو تعريف للوحي بمعنى الموحى به.

أما الأول: فالله سبحانه وتعالى قام على وجوب وجوده الدلائل العقلية، والافاقية، والأنفسية والتنزيلية. وأما الملائكة فقد أخبر بوجودهم الأنبياء، وتواترت على ذلك الكتاب السماوية كلها بما لا يدع مجالا للشك في وجودهم، وأجمع على وجودهم أهل الأديان جميعا. والفلاسفة قديما وحديثا- إلا الشرذمة المادية- يقرون بوجود عالم غير محسوس وراء هذا العالم المحسوس، وأن الإنسان ليس جسما ماديا فحسب، وإنما هو جسم وروح. وإذا ثبت وجود عالم وراء هذا العالم المحسوس لم يبق مجال إذا- وقد أخبر بوجودهم الأنبياء والرسل، والكتاب السماوية- لإنكار وجود الملائكة. وأما الثاني: وهو استعداد النبي أو الرسول للتلقّي عن الله، أو عن الملك، فهو أمر ممكن؛ إذ الأنبياء والرسل لهم من سمو فطرتهم، وصفاء أرواحهم وإعداد الله سبحانه لهم إعدادا خاصا: جسمانيا، وروحيا ما يؤهلهم لتلقي الوحي من الله، أو الملك الموكل بذلك، والفهم منه، وليس لنا في هذا أن نقيس الغائب على الشاهد، أو عالم الروح على عالم الحس والمادة، وإلا ضللنا عن الصراط المستقيم. وإذا ثبت هذان الأمران فقد ثبت- ولا محالة- إمكان الوحي، وأنه لا استحالة فيه، ومن ادّعى الاستحالة فعليه البيان، وأن يقيم على ذلك البرهان، ثم إن بعض المخترعات الحديثة، كاللاسلكي، والمذياع، والتليفزيون، ونحوها تمكن الإنسان بوساطتها أن يبلغ الكلام أو الصورة إلى من هو أبعد من مصدره بألوف الأميال، فإذا توصل الإنسان- على عجزه- إلى هذه الوسائل، أفنستبعد على خالق القوى والقدر، العليم الخبير، أن يبلّغ رسله ما يريد بوساطة أو بغيرها؟! وأن يهيىء للموحى إليه من الوسائل ما يجعله مستعدا لتلقّي الوحي؟! وإذا ثبت أن الوحي ممكن، وأن كل ممكن أخبر بوقوعه الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم فهو واقع كانت النتيجة: أن الوحي ثابت، وواقع لا محالة.

أقسام الوحي الشرعي

أقسام الوحي الشرعي للوحي أنواع كثيرة أهمها: 1- تكليم الله نبيه بما يريد من وراء حجاب، إما في اليقظة، وذلك مثل تكليم الله موسى عليه السلام، ومثل ما حدث لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج. وإما في المنام كما في حديث ابن عباس ومعاذ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتاني ربي، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ... » «1» رواه أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وقال: حسن صحيح، وعبد الرزاق، والطبراني عن ابن عباس، والترمذي، وابن مردويه، والطبراني من حديث معاذ. والذي عليه السلف الصالح من أهل السنة والجماعة أن نبي الله موسى، ونبينا محمدا عليهما الصلاة والسلام سمعا كلام الله الأزلي القديم الذي هو صفة من صفاته، وليس المسموع الكلام النفسي كما زعم الأشاعرة، وليس المسموع الكلام الذي خلقه الله في الشجرة كما زعم المعتزلة. 2- إعلام الله أنبياءه بوساطة جبريل ، وهذا هو ما يعرف «بالوحي الجلي» ولذلك حالات: (أ) أن يبدو جبريل في صورته التي خلقه الله عليها وهي حالة نادرة، ولم ير النبي صلّى الله عليه وسلّم جبريل على هذه الحالة إلا مرتين: مرة وهو نازل بعد فترة الوحي من غار حراء، ومرة وهو في السماء ليلة الإسراء والمعراج. (ب) أن يأتي جبريل في صورة رجل، وكان يأتي غالبا في صورة دحية الكلبيّ «2» ، ويراه الحاضرون، ويسمعون قوله، ولا يعرفون حقيقته، أو في صورة رجل غير معروف، وذلك كما في حديث جبريل المشهور في السؤال عن الإيمان، والإسلام، والإحسان رواه الشيخان وغيرهما.

_ (1) أتاني ربي: أي في المنام: الملأ الأعلى: هم الملائكة. انظر: تفسير ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ الاية 69 من سورة ص. (2) رجل من الصحابة وكان جميل الصورة.

3 - القذف في القلب:

(ج) أن يأتي في صورته الملكية، وفي هذه الحالة لا يرى، ولكن يصحب مجيئه صوت كصوت الجرس، أو كدوي النحل، وفي هذه الحالة يتحوّل النبي من حالته البشرية الخالصة إلى حالة يحصل فيها استعداد للتلقي عن الملك، وهي أشد الحالات على النبي صلّى الله عليه وسلّم «1» ، فتأخذه حالة كحالة الرحضاء «2» ، فيربدّ وجهه، ويغطّ غطيط «3» النائم، ويتصبب عرقه، ويثقل جسمه، حتى إنه إن كان راكبا ناقة تزم من الثقل، وإن جاءت فخذه على فخذ إنسان تكاد ترضّها. 3- القذف في القلب: بأن يلقي الله أو جبريل في قلب النبي ما يريد من الوحي مع تيقنه أن ما ألقي إليه من قبل الله تعالى، وذلك مثل ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن روح القدس «4» نفث في روعي «5» : لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته» رواه ابن أبي الدنيا في كتاب «القناعة» ، وابن ماجه، والحاكم في المستدرك وصححه، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية. 4- الإلهام: وهو العلم الذي يلقيه الله تعالى في قلب نبيه، وعلى لسانه عند الاجتهاد في الأحكام، ويدل عليه قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) «6» . إذ المراد بالوحي في الاية الإلهام أو المنام لمقابلته للقسمين الاخرين:

_ (1) صحيح البخاري- باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (2) هي الحمى. (3) هو ما يحصل للنائم من شخير عند احتباس نفسه. (4) هو جبريل عليه السلام. (5) الروع بضم الراء: القلب، والنفث هو النفخ مع ريق قليل، والمراد هنا الإلقاء. (6) الاية 51 من سورة الشورى.

5 - الرؤيا في المنام:

التكليم من وراء حجاب، أو بوساطة رسول وهو جبريل. وبالتأمل في الاية نرى أنها تدل على جميع الأنواع التي ذكرتها، والفرق بين إلهام الأنبياء وإلهام غيرهم، أن الأول يكون مصحوبا بالعلم أنه من عند الله، ولا كذلك غيرهم. 5- الرؤيا في المنام: ورؤيا الأنبياء وحي، وذلك مثل رؤيا الخليل إبراهيم- عليه السلام- أنه يذبح ولده إسماعيل، ورؤيا نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم أنهم سيدخلون المسجد الحرام امنين محلّقين رؤوسهم ومقصّرين «1» ، وفي حديث بدء الوحي السابق: «أول ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم» . والوحي بجميع أنواعه يصحبه علم يقيني ضروري من الموحى إليه بأن ما ألقي إليه حق من عند الله، ليس من خطرات النفس، ولا نزغات الشيطان، وهذا العلم اليقيني لا يحتاج إلى مقدمات، وإنما هو من قبيل إدراك الأمور الوجدانية كالجوع والعطش ونحوهما. بطلان فكرة الوحي النفسي لقد حاول الماديون الذين لا يؤمنون بوجود قوى روحية غيبية وراء المادة، ومن على شاكلتهم ممن يحملون الحقد والضغن للإسلام والنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يشككوا في الوحي المحمدي، فنفوا أن يكون وحيا من خارج نفس النبي، وقالوا: إنه وحي من داخل نفسه، وليس هناك ملك ألقى شيئا من الله، فإن عالم الغيب الذي تقولون: إنه وراء عالم المادة والطبيعة لم يثبت عندنا وجوده، كما أنه لم يثبت عندنا ما ينفيه ويلحقه بالمحال، ونحن نفسر الظواهر غير المعتادة بما عرفنا وثبت عندنا دون ما لم يثبت، فهذا الوحي الذي أخبر به محمد إنما هو إلهام كان يفيض من نفس النبي الموحى إليه لا من الخارج. ذلك أن منازع نفسه العالية، وسريرته الطاهرة، وقوة إيمانه بالله وبوجوب عبادته، وترك ما سواها من عبادة وثنية، وتقاليد وراثية رديئة يكون لها في جملتها

_ (1) وقد ذكرت الرؤييان في القران الكريم.

تفنيد هذه الفكرة

من التأثير ما يتجلّى في ذهنه، ويحدث في عقله الباطن الرؤى والأحوال الروحية، فيتصور ما يعتقد وجوبه إرشادا إلهيا نازلا عليه من السماء، وقد يسمعه يقول ذلك، وإنما يرى ويسمع ما يعتقده في اليقظة، كما يرى ويسمع مثل ذلك في المنام الذي هو مظهر من مظاهر الوحي عند الأنبياء، فكل ما يخبر به النبي من كلام ألقي في روعه، أو عن ملك ألقاه على سمعه فهو خبر صادق عنده، ولكن تفسيره عندنا ما ذكرنا من أن ما تخيله إنما هو نابع من نفسه ومن عقله الباطن. ولأجل أن يؤيدوا فكرتهم الباطلة هذه ذكروا مقدّمات زعموا أنها كانت أساس هذا العلم النفسي الباطني الذي فاض على لسان النبي وقال إنه وحي، فزعموا أنه استفاد من رحلاته مع عمه أبي طالب التي لقي فيها الأعراب وسمع منهم، وأحبار اليهود والنصارى وأخذه عنهم، وأنه استفاد أيضا معلوماته عن اليهودية والنصرانية بسبب انتشار هاتين الديانتين في بلاد العرب، وما سمعه من متنصّرة العرب: كقس، وأمية بن أبي الصلت، وورقة بن نوفل، وأنه استفاد أيضا من رحلتي الشتاء والصيف، ومن الخلوة بغار حراء، وانقطاعه إلى عبادة الله، والتأمل والتفكير في خلق السموات والأرض، حتى خيّل إليه أنه النبي المنتظر الذي سيبعثه الله لهداية البشر، بل وسمع الكثير من القصص من اليهود والنصارى الذين كانوا يسكنون جزيرة العرب ولا سيما مكة التي كان فيها جالية كبيرة من النصارى، ولقد حاول درمنغم أن يثبت تعرّف النبيّ بكثير من النصارى بمكة، حتى ليخيل لقارىء ما كتب أن النبي كان يعيش في بيئة نصرانية «1» . تفنيد هذه الفكرة أما هذه الأمور التي استندوا إليها فهي من خيالهم، وقد قدّمت الرد عليهم في كثير من هذه الادعاات، وأنهم تقوّلوا على التاريخ وعلى الواقع حينما زعموا هذه المزاعم، وأن النبي لم يأخذ عن أحد من أهل الكتاب، ولا عن متنصّرة العرب شيئا، وإلا لواجهوه بالحقيقة حينما جادلهم وفند مذاهبهم، وأبطل عقائدهم، ثم إن النصرانية كما شهد بذلك الأحرار من النصارى كانت فاسدة،

_ (1) حياة محمد، لدر منغم، ص 125- 126.

محرّفة، مبدّلة، فغير معقول أن تكون مصدرا لما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم من عقيدة صحيحة، وتوحيد خالص لله. والنصارى الذين كانوا في مكة كانوا خدما أو صنّاعا، ولم يكونوا من أهل العلم والمعرفة حتى يأخذ النبي عنهم، ولما ادّعى بعض المشركين مثل هذه الدعوى، وزعموا أن النبي تعلم من (جبر) الرومي النصراني رد الله عليهم بقوله: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ «1» . وإذا ثبت بطلان المقدمات التي ذكروها ثبت بطلان ما أدّت إليه من نتيجة. ثم إنّ فكرة الوحي النفسي كما صوّروه مبنية على وجود معلومات وأفكار مدّخرة في العقل الباطن وأنها تظهر في صورة رؤى، ثم تقوى فيخيّل إلى صاحبها أنها حقائق خارجية، فهل كان الدين الذي جاء به نبينا محمد بعقائده وتشريعاته: في العبادات والمعاملات، والحدود والجنائيات، والاقتصاد والسياسة والأخلاق والاداب مركوزا مدّخرا في نفس النبي؟!. هذا ما تنكره العقول بداهة لأن ما جاء به النبي في العقائد يعتبر مناقضا لكل ما كان سائدا في العالم حينئذ من عقائد كالوثنية، والمجوسية، والثنوية «2» ، والتأليه، والتثليث والصلب، وإنكار البعث واليوم الاخر، وكذلك جاء النبي بتشريعات لم تأت بها شريعة أخرى، واشتمل القران على أسرار في الكون والأنفس ما كانت تخطر على بال بشرقط، ولم يظهر تأويلها إلا بعد تقدم العلوم في العصر الحديث، فكيف تكون هذه الأسرار والعلوم من داخل نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم؟! وأيضا فإن الوحي قد انقطع فترة بعد نزول صدر سورة «اقرأ» فكيف سكت النبي طوال هذه المدة، وهو هو صاحب العقل الباطن المملوء بالمعارف، والوجدان الملتهب، والنفس المتوثبة للإصلاح؟!!

_ (1) الاية 103 من سورة النحل. (2) الذين يقولون بإله الخير وإله الشر، أو إله النور وإله الظلمة.

بطلان ما زعموا أنه صرع

ثم إن العقل الباطن- على ما يقول علماء النفس- إنما يفيض بما فيه في غفلة من العقل الظاهر، ولذلك لا يظهر ما فيه إلا عن طريق الرؤى والأحلام والأمراض كالحمّى مثلا، والقران الكريم نزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في اليقظة، وفي اكتمال من عقله وبدنه، ولم ينزل منه شيء في الرؤى والنوم، وهكذا ترى أن ما استندوا إليه من فكرة العقل الباطن لا تساعدهم بل ترد عليهم. بطلان ما زعموا أنه صرع وقد أسفّ بعض المبشّرين والمستشرقين، فزعموا أن الحالة التي كانت تعتري النبي عند تلقي الوحي من جبريل، وهو على حالته الملكية، وهي الحالة التي كان يغيب فيها النبي عن الناس، وعما حوله، ويسمع له غطيط، ويتصبّب عرقه، ويثقل جسمه- هي حالة صرع تتمخض عما يخبر به أنه وحي. وإليك رد هذه الفرية لترى أنهم طعنوا في غير مطعن: 1- إن النبي صلّى الله عليه وسلّم بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء كان أصح الناس بدنا، وأقواهم جسما، وأوصافه التي تناقلها الرواة الثقات تدل على البطولة الجسمانية، وقد بلغ من قوته أنه صارع ركانة بن عبد يزيد فصرعه، وكان ركانة هذا مصارعا ماهرا، ما قدر أحد أن يأتي بجانبه إلى الأرض، ولما عرض عليه النبي الإسلام قال: صارعني فإن أنت غلبتني امنت أنك رسول الله، فتصارعا، فصرعه النبي، فقيل: إنه أسلم عقب ذلك «1» . والمصاب بالصرع لا يكون على هذه القوة، وقد شهد للنبي رجل غريب عن الإسلام، ولكنه منصف، قال الكاتب الأجنبي (بودلي) في كتابه «الرسول، حياة محمد» مفندا هذا الزعم: (لا يصاب بالصرع من كان في مثل الصحة التي كان يتمتاع بها محمد، حتى قبل وفاته بأسبوع واحد، وأن كل من تنتابه حالات الصرع كان يعتبر مجنونا، ولو كان هناك من يوصف بالعقل ورجاحته فهو محمد) !!

_ (1) الإصابة في تاريخ الصحابة، ج 1 ص 205؛ والاستيعاب، ج 1 ص 531.

2- إن مريض الصرع يصاب بالام حادة في كافة أعضاء جسمه، يحس بها إذا ما انتهت نوبة الصرع ويظل حزينا كاسف البال بسببها، وكثيرا ما يحاول مرضى الصرع الانتحار من قسوة ما يعانون من الام في النوبات، فلو كان ما يعتري النبي عند الوحي صرعا لأسف لذلك وحزن لوقوعه، ولسعد بانقطاع هذه الحالة عنه، ولكن الأمر كان على خلاف ذلك. لقد انقطع الوحي عن الرسول مدة فحزن لذلك حزنا شديدا، وكان يذهب إلى غار حراء وقمم الجبال عسى أن يعثر على الملك الذي جاءه بحراء، وبقي محزون النفس من هذه الحالة، حتى سرّى عنه ربه بوصل ما انفصم من الوحي، وعادت المياه إلى مجاريها. 3- إن الوحي لم يكن يأتي النبي صلّى الله عليه وسلّم على هذه الحالة التي قالوا عنها إنها صرع إلا أحيانا، وأحيانا كان يأتيه وهو في حالته الطبيعية، فلا غيبوبة، ولا عرق، ولا غطيط، وذلك حينما كان يأتيه جبريل في صورة رجل، وذلك كما حدث في حديث جبريل المشهور. ويدل على هاتين الحالتين الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها- أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟» ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» «1» قالت عائشة: «ولقد رأيته حين ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد «2» عرقا» «3» . 4- إن الثابت علميا أن المصروع أثناء الصرع يتعطل تفكيره وإدراكه تعطلا تاما، فلا يدري المريض في نوبته شيئا عما يدور حوله، ولا ما يجيش في

_ (1) ذكر النبي في هذا الحالتين اللتين كان يكثر مجيء الوحي عليهما، وفي بعض الأحيان كان يسمع عند ما يأتيه الوحي دويّ كدويّ النحل. (2) يسيل. (3) صحيح البخاري- باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

نفسه، كما أنه يغيب عن صوابه وتعتريه تشنجات تتوقف فيها حركة الشعور، ويصبح المريض بلا إحساس. ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان بعد الوحي يتلو على الناس ايات بيّنات، وتشريعات محكمات، وعظات بليغات، وأخلاقا عالية، وكلاما بلغ الغاية في الفصاحة والبلاغة، تحدّى به الناس أن يأتوا بأقصر سورة منه فعجزوا وما استطاعوا، فهل يعقل من المصروع أن يأتي بشيء من هذا؟! اللهم إن هذا أمر لا يجوز إلا في عقول المجانين إن كانت لهم عقول!! 5- لما تقدّمت وسائل الطب، واستخدمت الأجهزة والكهرباء في التشخيص والعلاج، إذا بالطب يقدّم دليلا لا ينقض، ويقيم حجة لا تحتاج إلى مناقشة على كذب فرية الصرع، ويؤكد أن ما كان يعتري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما هو وحي من الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يكون شيئا اخر، لقد ثبت أن نوبات الصرع ناتجة عن تغيرات فسيولوجية عضوية في المخ، والدليل على ذلك أنه أمكن تسجيل تغيرات كهربائية في المخ في أثناء النوبات الصرعية مهما كان مظهرها الخارجي، وعلى أية صورة كانت هذه النوبات، ومهما ضعفت حدة هذه النوبات، ولقد أثبت الطب الحديث أخيرا بعد الاستعانة بالأجهزة والرسم الكهربائي على أن هناك مظاهر عديدة ومختلفة للنوبات الصرعية، وذلك تبعا لمراكز المخ التي تبدأ فيها التغيرات الكهربائية، وطريقة وسرعة انتشارها، وأهم أنواع الصرع ما يسمى بالنوبات الصرعية النفسية، وهو ما يشبه أن يكون النوع الذي افتراه الخصوم على الرسول بأنه مصاب به، وفي هذه الحالة تمر بذهن المريض ذكريات، أو أحلام مرئية، أو سمعية، أو الاثنان معا، وتسمى «بالهلاوس» ، وقد أثبت الطب أيضا أن الذكريات التي تمر بالمريض لا بدّ أن يكون قد عاش فيها المريض نفسه حتما إذ أن النوبة الصرعية ما هي إلا تنبيه لصورة أو صوت مرّ بالإنسان ثم احتفظ به في ثنايا المخ، وقد أمكن طبيا إجراء عملية التنبيه هذه بوساطة تيار كهربائي صناعي سلّط على جزء خاص في المخ، فشعر المريض بنفس «الهلاوس» التي تنتابه في أثناء نوبة الصرع، وكلما تكررت نوبة الصرع تكررت نفس الذكريات أو الهلاوس. فهذا مريض يسمع أغنية،

أو قطعة من شعر، أو حديثا من أي نوع كان في نوبة صرعه، ويتكرر سماعه لها في كل نوبة، ولا بدّ أن يكون ما سمعه من النوبة قد سمعه يوما ما في طفولته، أو شبابه، أو قبل مرضه، وكذلك إذا كانت النوبة تثير منظرا لا بدّ أن يكون قد مرّ عليه. وبتطبيق ما قرره الطب الحديث في حقائق الصرع على ما كان يعتري النبي صلّى الله عليه وسلّم نجده يردّد ايات لا يمكن إطلاقا أن يكون قد سمعها من قبل في حياته، فهي ايات واردة من عند الحق سبحانه وتعالى قبل أن يعمر البشر الأرض، مثل قوله سبحانه: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) «1» . وايات أخرى فيها قول الله يوم القيامة مثل: حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) «2» . وقوله سبحانه: قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) » . وكذلك الايات التي تحكي عصور ما قبل الإسلام، والمقاولات، والمحاورات التي جرت بين أقوام عاشوا قبل الرسول بالاف السنين وذلك مثل قوله سبحانه:

_ (1) الايتان 34، 35 من سورة البقرة. (2) الاية 84 من سورة النمل. (3) الاية 119 من سورة المائدة.

كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) «1» . وقوله سبحانه: قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (24) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (25) «2» . إلى غير ذلك من الايات التي تحكي قصص الأولين، أو تصف أحوال القيامة واليوم الاخر. ولما كانت هذه الأحاديث والأحوال لم تمر بالرسول قطعا فهي لم تختزن بالتالي في المخ لتثيرها نوبات صرعية فيتذكرها، وبذلك يقرر الطب الحديث في أحدث اكتشافاته بالنسبة للصرع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يمكن أن يكون هناك أدنى شبهة في إصابته بالصرع إطلاقا، وأن ما كان إنما هي حالة نفسية وجسدية لتلقّي الوحي الإلهي، هذا الوحي الذي أخبر الله فيه عما مضى، وعما يستقبل «3» . 6- ثم ما رأي هؤلاء الطاعنين، وفيهم من ينتمي إلى بعض الأديان في أنهم لا ينالون من نبي الله محمد واحده، وإنما ينالون من جميع أنبياء الله ورسله الذين كانت لهم كتب أو صحف أوحي بها من عند الله سبحانه!! فهل تطيب نفوسهم أن يخربوا بيوتهم قبل أن يخربوا بيوت غيرهم؟!! وما رأيهم فيما جاء في كتب العهد القديم والجديد من إيحاات ونبوات؟! وهل يقولون في وحي نبي الله موسى وعيسى- عليهما السلام- ما يقولون في وحي خاتم الأنبياء محمد؟

_ (1) الاية 37 من سورة ال عمران. (2) الايتان 24، 25 من سورة المائدة. (3) من مقال للأستاذ عبد الرزاق نوفل نشر بمجلة «منبر الإسلام» العدد 9 السنة 19 رمضان سنة 1381 هـ فبراير 1964 م.

الرسالة

اللهم إن هذا الطعن لا يفوه به إلا أحد رجلين: إما رجل مادي مخرّف، وإما رجل مخرّب مدمر يريد هدم الأديان!! إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس ببدع من الرسل في باب الوحي، وإنه أوحي إليه كما أوحي إليهم، وصدق الحق تبارك وتعالى حيث يقول: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) «1» . وقال: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) «2» . الرسالة أول ما نزل بعد فترة الوحي وفي أثناء فترة الوحي كان النبي يذهب إلى غار حراء، فيخلو فيه، ويتعبد به، وبينا هو نازل ذات يوم إذ سمع صوتا من السماء، فرفع رأسه فإذا جبريل في صورته التي خلقه الله عليها سادا ما بين الأفق، فرعب منه ثم رجع

_ (1) الايتان 163، 164 من سورة النساء. (2) الايات 51- 53 من سورة الشورى.

نزول سورة"الضحى"

إلى السيدة خديجة- رضي الله عنها- فقال: «زملوني، زملوني» فزملوه فأنزل الله عليه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) «1» . فكانت أول ايات نزلت بعد فترة الوحي امرة بالإنذار، وداعية إلى توحيد الله، وتعظيمه، وعبادته واحده وترك عبادة غيره. يدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: «فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء- أي جهتها- فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت «2» منه حتى هويت على الأرض، فجئت أهلي فقلت: «زملوني، زملوني، فزملوه، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ.. إلى قوله: فَاهْجُرْ ثم حمي الوحي وتتابع» . نزول سورة «الضحى» ويرى ابن إسحاق أنه نزل بعد فترة الوحي سورة «والضحى» ، قال في سيرته: ثم فتر الوحي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فترة من ذلك حتى شقّ ذلك عليه، فأحزنه، فجاءه جبريل بسورة الضحى، يقسم له ربه، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به: ما ودّعه ربه، وما قلاه، فقال تعالى:

_ (1) المدثر: لابس الدثار وهو ما فوق الشعار، والشعار: هو الثوب الذي يلي الجسد، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الأنصار شعار، والناس دثار» . والمزمل: المتلفف في ثيابه ومعناهما متقارب. الإنذار: التخويف والزجر أي حقّق صفة الإنذار. وربك فكبر: عظم وخصّه بذلك. وثيابك فطهر: صنها عن الأقذار في الصلاة وغيرها، وقيل: المراد طهّر نفسك مما يستقذر من الأفعال والأخلاق. والرجز فاهجر: الرجز: الأوثان، اهجر: اترك، والمراد به أمته فقد كان صلّى الله عليه وسلّم منزها عن ذلك. (2) أي رعبت منه.

وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى «1» (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) . ما صرمك أي قطعك فتركك، وما أبغضك منذ أحبك: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4) . أي لما عندي في مرجعك إلي خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) . من الفلج «2» في الدنيا، والثواب في الاخرة: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8) . يعرّفه الله ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره، ومنّه عليه في يتمه، وعيلته «3» ، وضلالته «4» ، واستنقاذه من ذلك كله برحمته: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) . أي لا تكن جبارا، ولا متكبرا، ولا فحاشا فظا على الضعفاء من عباد الله: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) .

_ (1) سجى: غطى كل شيء بظلمته، ومن اللطائف البلاغية القرانية هذا التطابق البديع بين المقسم به، والمقسم عليه: فانقطاع الوحي ظلمة ورجوعه نور وضحى له ما بعده، وقدم الضحى ليكون أول ما يقرع الأسماع كلمة مبشرة، وللإشارة إلى أن الظلمة عارضة، والنور أصل، وكذلك انقطاع الوحي عارض واستمراره هو الأصل. (2) الغلب والنصر. (3) العيلة: الفقر. (4) يعني تحيره في هداية قومه، وقيل كان ضلّ أي غاب عن أهله وهو صغير فهداه الله إليهم.

أي بما جاءك من الله من نعمته وكرامته من النبوة «1» أي اذكرها، وادع إليها، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر ما أنعم الله به عليه وعلى العباد به من النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله «2» . وذكر الطبري في تفسيره نحو ذلك عن ابن عباس، وكذلك ذكر بعض كتاب السير قديما وحديثا، والحق أن أول ما نزل بعد فترة الوحي هي الايات من صدر سورة «المدثر» كما ذكرنا أولا، لأن ما في السيرة لا ينهض من جهة قوة السند لمقاومة ما في الصحيح، لأن هذه الروايات- كما قال الحافظ في الفتح- لا تثبت، وتكون سورة الضحى من أوائل ما نزل بعد فترة الوحي وليست أول ما نزل، والمؤلفون في علوم القران وترتيب السور في النزول لم يذكر أحد منهم أنها ثاني سورة نزلت من القران، وإنما قالوا: إنها من أوائل السور نزولا «3» . والحق في سبب نزول «والضحى» هو ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن جندب «4» بن سفيان البجلي قال: «اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يقم ليلة، أو ليلتين، أو ثلاثا، فجاءت امرأة «5» فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك «6» منذ ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله عز وجل: وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى.... وعلى هذا فتكون السورة نزلت في فترة أخرى غير هذه الفترة التي كانت بعد ابتداء الوحي، فإن تلك دامت أكثر من ذلك كما ذكرت انفا، وأما هذه فلم تكن أكثر من ليلتين أو ثلاث، فاختلطتا واستبهمتا على بعض العلماء «7» ، فكن على بيّنة من هذا التحقيق، وشدّ عليه بيديك.

_ (1) هذا رأي ابن إسحاق، والذي أراه أن يكون المراد جميع النعم من النبوة وغيرها، أثناء الدعوة سرّا وبعدها. (2) سيرة ابن هشام ج 1 ص 241، 243. (3) الإتقان في علوم القران ج 1 ص 10. (4) بضم الجيم، وسكون النون، وضم الدال. (5) هي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب. (6) بكسر الراء في الماضي، وفتحها في المضارع. (7) البداية والنهاية ج 2 ص 17؛ فتح الباري ج 8 «سورة الضحى» .

الفصل الثاني أطوار الدعوة إلى الإسلام

الفصل الثاني أطوار الدّعوة الى الإسلام بدء الدعوة السرية وبعد نزول ايات المدثّر قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو إلى الله وإلى الإسلام سرا، وكان طبعيا أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وألصق الناس به. إسلام السيدة خديجة وكان أول من امن به من النساء، بل أول من امن به على الإطلاق زوجه السيدة خديجة- رضي الله عنها- ومن تأمل في حديث بدء الوحي الذي سقته انفا لا يشك في هذا، وكانت وزيرة صدق للنبي، ومسرّية عنه ما يجده من قومه، لا يسمع شيئا يكرهه من ردّ عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك إلا فرّج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته، وتخفف عنه، وتصدقه، وتهوّن عليه أمر الناس، وهكذا كانت تصل إلى شغاف قلبه بعطفها، وحبها، وتزيل عنه اثار الأذى بيديها، وتمسح ما عسى أن يكون علق بنفسه من الناس بحديثها المؤمن العذب. إسلام أبي بكر وأول من امن به من الرجال الأحرار، الأشراف، صديقه الحميم أبو بكر: عبد الله «1» بن عثمان- المعروف بأبي قحافة التّيمي- من بني تيم بن

_ (1) هذا اسمه على المشهور، ويقال كان اسمه: عبد الكعبة، وقيل: عبد رب الكعبة، فسماه رسول الله: عبد الله، وكان يلقب «بالعتيق» قيل لأن أمه ما كان يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، وقالت: اللهم هذا عتيقك من الموت، وقيل لحسن وجهه وصباحته فيكون لقبا جاهليا، وقيل لأن النبي بشره بأن الله أعتقه من النار فيكون لقبا إسلاميا.

إسلام علي

مرة، شيخ الإسلام، والوزير الأول لرسول الله، والذي واساه بنفسه وماله، وأفضل الأمة الإسلامية بعد رسولها، وفيه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة، وتردد، ونظر، إلا أبا بكر، ما عكم «1» حين دعوته، ولا تردّد فيه» . إسلام علي وأول من امن به من الصبيان ابن عمه، والمتربّي في حجره علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وكانت سنه إذ ذاك عشر سنين على أرجح الأقوال، وهو قول الطبري وابن إسحاق، وقد صار فيما بعد ختن رسول الله على ابنته السيدة فاطمة الزهراء، وهو أبو الحسن والحسين- رضي الله عنهما-. إسلام زيد بن حارثة وأول من امن به من الموالي «2» حبّه، ومولاه، ومتبنّاه: زيد بن حارثة الكلبي الذي اثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على والده وأهله. إسلام بلال وأول من امن به من العبيد «3» بلال بن رباح الحبشي مولى الطاغية أمية بن خلف، والذي صار فيما بعد مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. بنات النبي وكذلك سارع إلى الإسلام بنات النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأنه لا شك في تمسكهن قبل البعثة بما كان عليه أبوهن من الاستقامة وحسن السيرة، والتنزه عما كان يفعله أهل الجاهلية، من عبادة الأصنام والوقوع في الاثام، وفي اقتدائهن بأمهن في المسارعة إلى الإيمان، والبنت غالبا ما تتأثر بوالديها ولا سيما في مثل هذا السن، روى ابن إسحاق عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «لما أكرم الله نبيه بالنبوة أسلمت خديجة، وبناته» .

_ (1) ما تلبث بل سارع. (2) يطلق المولى على السيد، وعلى المملوك الذي أعتق وهو المراد هنا. (3) أي المماليك الذين لم يعتقوا.

أول من أسلم

أول من أسلم وقد اختلف في أول من أسلم اختلافا كثيرا، فقيل: خديجة، وقيل: أبو بكر، وقيل: علي، وقيل غير ذلك، وذهب إلى كلّ فريق، وقد اثرت عدم الإفاضة في هذا هنا، وفصّلت القول فيه في كتابي «علوم الحديث» «1» . وهذا الذي اثرته هنا في التوفيق بين الأقوال المتضاربة هو ما روي عن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان «وهو توفيق حسن، وهو الذي عليه بعض المحققين كابن الصلاح، والنووي حيث قال: والأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال» «2» . السابقون الأولون من أسلم من الصحابة بدعوة أبي بكر وكان أبو بكر- رضي الله عنه- رجلا مألفا «3» لقومه، محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا ميسورا ذا خلق كريم، وصاحب معروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لهذه المعاني والصفات وغيرها. ولم يكتف بالمسارعة إلى الإيمان والتصديق بالنبي، بل قام بالدعوة إلى الإسلام سرا، وكان له فضل كبير في إسلام كثير من أشراف قريش وكبرائها، فأسلم بدعوته جماعة منهم:

_ (1) القسم الرابع ص 40، 44. (2) مقدمة ابن الصلاح بشرحها للعراقي ص 266- 268؛ التدريب شرح التقريب ص 208، 209. (3) يألفه الناس.

الرعيل الثاني

عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي «1» . والزبير بن العوام بن خويلد، بن أسد، بن عبد العزى، بن قصي بن كلاب، ابن عمة النبي صفية. وعبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب. وسعد بن أبي وقاص واسمه: مالك بن أهيب «2» ، بن عبد مناف، بن زهرة بن كلاب. وطلحة بن عبيد الله بن عثمان، بن عمرو، بن كعب، بن سعد، بن تيم، بن مرة. فجاء بهم أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين استجابوا له، فأسلموا وأصبحوا من جنود الإسلام المخلصين لدعوته. ولما أسلم الصديق وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية- وكان يدعى أسد قريش- فشدهما في وثاق «3» واحد، ولم يمنعهما بنو تيم، فلذلك كان يقال لأبي بكر وطلحة «القرينان» . الرعيل الثاني ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح، بن هلال، بن أهيب، ابن ضبة، بن الحارث، بن فهر. وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد، بن هلال، بن عبد الله، بن عمرو،

_ (1) أمه أروى بنت كريز بن ربيعة، وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب عمة رسول الله. (2) أهيب هو عم السيدة امنة بنت وهب والدة النبي، فأبو وقاص مالك ابن عمها، وابن العم كالأخ، فهذا هو السبب في تسمية سعد خال رسول الله لأن أباه بمنزلة الخال له. (3) أي حبل.

الرعيل الثالث

ابن مخزوم، بن يقظة، بن مرة، ابن عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاع. والأرقم بن أبي الأرقم، واسمه: عبد مناف، بن أسد، بن عبد الله، ابن عمر، بن مخزوم، بن يقظة، بن مرة، بن كعب، بن لؤي. وعثمان بن مظعون، بن حبيب، بن وهب، بن حذافة، بن جمح، ابن عمرو، بن هصيص، بن كعب، بن لؤي، وأخواه: قدامة، وعبد الله، ابنا مظعون بن حبيب. وعبيدة بن الحارث، بن المطلب، بن عبد مناف، بن قصي. وسعيد بن زيد، بن عمرو، بن نفيل، بن عبد العزّى، بن عبد الله، ابن قرط، بن رياح، بن رزاح، بن عدي، بن كعب، بن لؤي، وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل أخت عمر بن الخطاب، فهي ابنة عم أبيه. وأسماء بنت أبي بكر الصديق، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أختها عائشة أيضا، وهو وهم، لأن عائشة لم تكن ولدت، فكيف تكون أسلمت؟! وكان مولدها سنة أربع، وقيل سنة خمس بعد النبوة. وخباب بن الأرت «1» حليف بني زهرة، قال ابن هشام: خباب بن الأرت من بني تميم، ويقال: هو من خزاعة. الرعيل الثالث ثم أسلم عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص. وعبد الله بن مسعود، بن الحارث، بن شمخ، بن مخزوم، بن صاهلة، ابن كاهل- بفتح الهاء-، بن الحارث، بن تميم، بن سعد، بن هذيل. ومسعود بن القاري، وهو مسعود بن ربيعة، بن عمرو، بن سعد، بن عبد العزّى، بن حمالة من القارة «2» .

_ (1) خباب بفتح الخاء وتشديد الباء، والأرت بفتح الهمزة والراء وتشديد التاء. (2) بتخفيف الراء قبيلة، وهم: عضل، والديش ابنا الهون بن خزيمة، وسموا قارة لاجتماعهم، وهم قوم مشهورون بالرماية، قال الشاعر: قد أنصف القارة من راماها.

وسليط بن عمرو، وأخوه حاطب بن عمرو، وعيّاش بن أبي ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة، وخنيس بن حذافة السهمي، وعامر بن ربيعة حليف ال الخطاب، وعبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد: عبد بن جحش من بني أسد حليفا بني أمية بن عبد شمس، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث، وامرأته فاطمة بنت المجلل، وأخوه خطاب بن الحارث، وامرأته فكيهة بنت يسار، وأخوهما، معمر بن الحارث، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر، وامرأته رملة بنت أبي عوف، والنحام بن عبد الله بن أسيد. وعامر بن فهيرة «1» مولى أبي بكر، وفهيرة أمه، وكان عبدا للطفيل بن الحارث بن سخبرة، فاشتراه الصديق وأعتقه، وخالد» بن سعيد بن العاص ابن أمية، بن عبد شمس، بن عبد مناف، بن قصي، وامرأته أمينة بنت خلف ويقال: همينة، وأبو حذيفة بن عتبة، بن ربيعة، بن عبد شمس، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف، وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل، وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم بن يقظة، وقال ابن هشام: عنسي من مذحج. وصهيب بن سنان أحد النمر بن قاسط حليف بني تيم بن مرة، ويقال: مولى عبد الله بن جدعان، فعلى أنه عربي يقال: إنه أسر وهو صغير، فنشأ ببلاد الروم، فصار ألكن «3» ، فابتاعته منهم كلب ثم قدمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان، ويقال: إنه رومي وقد جاء في الحديث: «صهيب سابق الروم» .

_ (1) بضم الفاء على صيغة المصغر. (2) له قصة ذكرها البيهقي (البداية والنهاية، ج 3 ص 3) . (3) لا يستقيم لسانه بالعربية.

في دار الأرقم بن أبي الأرقم

ومن السابقين إلى الإسلام: أبوذر الغفاري، وأخوه أنيس، وأمه، وقصة إسلامه مبسوطة في صحيح البخاري، وفي صحيح مسلم «1» . وهكذا نجد أنه دخل في الإسلام أرسال من الرجال والنساء حتى فشا الإسلام بمكة، وتحدث به الناس في كل مكان. في دار الأرقم بن أبي الأرقم وكان الأرقم- رضي الله عنه- من السابقين الأولين كما رأيت، وكانت داره منتدى يجتمع فيه المسلمون، ويعبدون الله سرا، ويلقنهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الإسلام وأصوله، ويتعهّدهم بالتربية حتى كوّن منهم أناسا يستهينون بكل الالام والبلاء في سبيل دينهم وعقيدتهم، وكان من يريد الإسلام يأتي إليها مستخفيا خشية أن يناله أذى قريش، وكانت هذه الدار عند الصفا. ومكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في هذه الدار حتى أسلم الفاروق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فاستعلنوا بعبادتهم وراغموا أهل مكة، وأذلوهم، وقد أعطى رسول الله الأرقم دارا بالمدينة، ولعل هذا مكافأة له على ما أدته داره بمكة من خدمة جليلة للإسلام في أول عهده، فلله هذه الدار التي فاقت أعظم مدارس العالم، وجامعات الدنيا، وخرّجت أعظم رجال عرفهم التاريخ، ولا تزال هذه الدار مفخرة خالدة للأرقم، وشذى يتضوّع إلى يوم القيامة. شجاعة للصديق ومحنة وعرض الصدّيق أبو بكر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وقد وصل عدد المسلمين حوالي ثمانية وثلاثين رجلا- أن يظهروا ويستعلنوا، فقال له: «يا أبا بكر إنا قليل» ولم يزل الصدّيق برسول الله حتى أذن لهم في الخروج إلى المسجد الحرام، وتفرق المسلمون فيه كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله، وإلى رسول الله، وثار المشركون على أبي بكر والمسلمين، فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا،

_ (1) صحيح البخاري- كتاب فضائل الصحابة- باب إسلام أبي ذر، صحيح مسلم كتاب الفضائل- باب فضل أبي ذر.

ووطىء أبو بكر، وضرب ضربا مبرّحا، وجعل عتبة بن ربيعة يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرفهما لوجهه حتى فقد وعيه، فحمله بنو تيم إلى منزله، وقالوا: لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، وجعل أبو قحافة والد الصديق وقومه يكلمونه حتى أفاق، وأجاب اخر النهار «1» . فماذا كان من أبي بكر وقد أفاق؟ لقد كان أول ما قال: ما فعل رسول الله؟ فمسّوه بألسنتهم وعذلوه، فلما خلت به أمه قال لها: ما فعل رسول الله؟ فقالت: والله ما لي علم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه- وكانت تخفي إسلامها- فذهبت إليها وقالت: إن أبا بكر يسألك عن صاحبه محمد بن عبد الله؟ فقالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله!! وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا، دنفا، فدنت منه أم جميل، وصاحت قائلة: والله إن قوما نالوا منك هذا لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله؟ قالت: هذه أمك تسمع؛ قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح! قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله عليّ ألاأذوق طعاما، ولا أشرب شرابا، أو اتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأمهلتاه حتى إذا هدأت الرجل «2» ، وسكن الناس خرجتا به يتكىء عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله، فأكب عليه رسول الله فقبله، وقبله المسلمون، ورقّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رقة شديدة، فقال: بأبي أنت وأمي ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برّة بولدها، وأنت مبارك، فادعها إلى الله، وادع لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودعاها إلى الله، فأسلمت «3» .

_ (1) في القاموس: النعل ذات الطراق، وكل طراق خصفة، وخصف النعل يخصفها خرزها، فهي إما مرقعة أو جعل جلدها طبقة فوق طبقة، فهي الم وأوجع. (2) أي قلّ السائرون في الطريق. (3) البداية والنهاية، ج 3 ص 30.

الفصل الثالث: أطوار الدعوة

الفصل الثالث: [أطوار الدعوة] الجهر بالدّعوة وما صاحبه من إيذاء وإغراء ثم أمر الله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يصدع بالدعوة إلى الله، وكان ذلك بعد مضي ثلاث سنين من عمر الدعوة، فأنزل الله تبارك وتعالى قوله: فَاصْدَعْ «1» بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) «2» . فجهر النبي بالدعوة، واستعلن بها هو وأصحابه، فلم يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه، حتى عاب الهتهم، وسفّه أحلامهم، وبين لهم ما هم فيه من الضلالة والجهل والخرافات، فجاهروه وصحبه بالعداوة، وعزموا على مخالفته، عصبية وجهلا، ولمّا لم يمكنهم أن يقرعوا الحجة بالحجة، وأفحموا، لجأوا إلى السباب والشتم، والإيذاء، والتعذيب؛ ومن ثم بدأ دور المحنة والبلاء، وكان دورا طويلا شاقا أوذي فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم على الرغم من حدب عمه أبي طالب عليه، ومنعه له، وأوذي المسلمون غاية الإيذاء، ولا سيما الأعبد والضعفاء. دعوة النبي عشيرته الأقربين ولما نزل قوله تعالى:

_ (1) اجهر بما تؤمر به وأظهره يقال: صدع بالحجة إذا تكلم جهارا، من الصديع وهو الفجر، وقيل: افرق بين الحق والباطل لأن الصدع في الزجاجة الكسر والإبانة، وبما تؤمر: أي به من الشرائع، ومن لطائف التعبير البلاغية الإشارة إلى أن رؤوسهم في حاجة إلى كسر وتصحيحها من جديد، وقلوبهم في حاجة إلى صدع حتى يدخل فيها الدين الجديد. (2) الاية 94 من سورة الحجر.

عداوة أبي لهب وامرأته للنبي

وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) «1» . صعد النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصفا، فجعل ينادي، يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما الأمر؟ فجاء أبو لهب، وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا!! قال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا «2» لك، ألهذا جمعتنا» فأنزل الله في الرد عليه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) «3» . عداوة أبي لهب وامرأته للنبي ومن المفارقات العجيبة أن أبا لهب «4» هذا عم النبي، وهو الذي أعتق جاريته (ثويبة) لما بشرته بميلاد ابن أخيه محمد، ومع هذا كان من أشد الناس عداوة له، وقد سمعت انفا ردّه على النبي وسبه له، وكان من موجبات رعاية الرحم أن يسكت ولا يسب. وكذلك كانت امرأته أم جميل «5» من أشد الناس عداوة للنبي: كانت

_ (1) الايات 214، 216 من سورة الشعراء. (2) أي هلاكا. (3) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة الشعراء، والجيد: العنق، والمسد ليف غليظ خشن، وقيل: سلسلة من حديد وهي أنكى في العذاب. (4) اسمه عبد العزّى. (5) اسمها أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان.

إيغال أبي لهب في العداوة

تسعى بالإفساد بينه وبين الناس بالنميمة، وتضع الشوك في طريقه، والقذر على بابه، فينحيه ويقول: «أي جوار هذا يا بني عبد مناف» ؟! فلا عجب إذا كان الله عز شأنه توعدها بالنار، كما توعد زوجها. ولما سمعت امرأة أبي لهب ما نزل فيها وفي زوجها من القران أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق، وفي يدها فهر «1» من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن النبي، فلا ترى إلا أبا بكر!! فقالت: يا أبا بكر أين صاحبك؟ فقد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة، ثم قالت: مذمما عصينا، وأمره أبينا، ودينه قلينا وانصرفت. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ فقال: «ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عني» وكانت قريش، إنما تسمي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لشدة بغضهم له، وكراهيتهم ذكر اسمه على لسانهم: «مذمّما» بدل (محمد) ثم يسبون مذمما، فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش، يسبون ويهجون مذمّما، وأنا محمد» !! ويعتبر هذا من منن الله عليه، وهكذا صرف الله عنه وصول السباب باللسان، كما صرف عنه وصول الأذى بالفعال، فسبحان الله الكبير المتعال. إيغال أبي لهب في العداوة وقد بلغ من أمر أبي لهب أنه كان يتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأسواق، والمجامع، ومواسم الحج ويكذّبه. روى الإمام أحمد في مسنده عن رجل «2» قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: «يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا» والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه

_ (1) حجر ملء الكف. (2) هو ربيعة بن عباد كان جاهليا فأسلم.

منع أبي طالب النبي وحبه له

أحول ذو غديرتين «1» يقول: إنه صابىء «2» كاذب!! يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فقالوا: عمه أبو لهب. منع أبي طالب النبي وحبه له وكان على الضد من ذلك عمه أبو طالب شيخ قريش، وسيدها، فقد كان ابن أخيه أحب الناس إليه طبعا ورحما، وكان يحنو عليه، ويحسن إليه في صغره، ويدافع عنه ويحامي في كبره، ويخالف قومه في ذلك مع أنه على دينهم، وقد كان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى، ومما صنعه لرسوله من الحماية؛ إذ لو كان أسلم لما كان له عند قريش وجاهة ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه، ويحترمونه، ولا جترأوا عليه، ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه، وربك يخلق ما يشاء ويختار، ويدبر الخلق على حسب الحكمة والمصلحة، وقد قسم خلقه أنواعا وأجناسا فهذان أخوان كافران: أحدهما محب منافح، والاخر مبغض مؤذ مكابر. وأيضا فلو كان أسلم هذان الكبيران الشريفان من بني هاشم لقال المتقوّلون ذوو العصبية: إن بني هاشم يريدون أن يستأثروا بالرئاسة والزعامة والملك، وربما ضرّ هذا أكثر مما ينفع. وقد شاء الله- وله الحكمة البالغة- أن يسارع أحد أعمامه وهو حمزة إلى الإسلام، وقد كان ذلك لمصلحة الدعوة كما سترى، وأن يتأخر إسلام الاخر وهو العباس إلى ليلة الفتح، وقد كان ذلك في مصلحة الدعوة أيضا، فقد كان العباس- رضي الله عنه- بمثابة العين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قريش. من مساات قريش للرسول ومع منع أبي طالب لابن أخيه، وصدّه عنه، وحمايته له لم يسلم صلّى الله عليه وسلّم من الإساات والإيذاء، ومحاولة القتل، والسباب والفحش، والهزء والسخرية،

_ (1) ضفيرتين من الشعر. (2) خارج من دين قومه.

قصة أبي جهل والفحل من الإبل

وابتلي في هذا أشد الابتلاء، ولكن كل ذلك لم ينل من نفسه، ولا وهن من عزيمته، وتصميمه على أداء رسالته، وتحمل في ذلك ما تنوء به الجبال الراسيات، فكان في ذلك القدوة الحسنة لأصحابه، والسلوى إذا حزبهم الأمر، واشتد بهم الكرب، وعظم البلاء. قصة أبي جهل والفحل من الإبل وقد حمل كبر هذا الإثم أبو جهل فرعون هذه الأمة، فقد قال: يا معشر قريش، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم ابائنا، وتسفيه أحلامنا، وسبّ الهتنا، وإنّي أعاهد الله لأجلسنّ له غدا بحجر، فإذا سجد في صلاته فدخت به رأسه. فليصنع بنو عبد مناف ما بدا لهم. فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا، ثم جلس لرسول الله ينتظره، وغدا رسول الله يصلّي بين الركنين: الأسود واليماني، وغدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون، فلما سجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه متلصصا، حتى إذا دنا منه رجع منبهتا، منتقعا لونه، مرعوبا قد يبست يداه على حجره من الخوف حتى قذف الحجر من يده، فقام إليه رجال من قريش، فقالوا له: ما بك يا أبا الحكم؟! قال: قمت إليه لأفعل ما صممت عليه البارحة، فلما دنوت منه عرض لي فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته «1» ولا أنيابه لفحل قط، فهمّ أن يأكلني. قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ذلك جبريل، ولو دنا منه لأخذه» . مرة أخرى: وفي مرة أخرى قال: إنّ لله عليّ إن رأيت محمدا ساجدا لأطأنّ عنقه، ولأعفرنّ وجهه بالتراب، فأتى رسول الله ليطأ رقبته، فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه خندقا من نار، وهولا، وأجنحة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لو دنا مني لاختطفته الملائكة» .

_ (1) القصرة: العنق.

أشقى القوم عقبة بن أبي معيط

مرة ثالثة: وفي مرة ثالثة مرّ بالنبي وهو يصلي، وقد جبن بعد ما رأى من حماية الله لنبيه، فقال: ألم أنهك أن تصلي يا محمد؟ لقد علمت ما بها أكثر ناديا مني، ولكن النبي انتهره، فرجع خاسئا وهو حسير، وقد أنزل الله- عز شأنه- في أبي جهل وسفاهاته ومسااته قوله: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ «1» (15) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ «2» (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ «3» (18) كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) «4» . أشقى القوم عقبة بن أبي معيط وفي ذات يوم كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي عند الكعبة وصناديد قريش جلوس، فقال بعضهم: من ينطلق إلى سلا «5» جزور بني فلان، فيأتي به فيضعه على ظهر محمد وهو ساجد؟ فذهب أشقى القوم عقبة بن أبي معيط، فجاء به ووضعه على ظهر رسول الله، وهم يتضاحكون، ويميل بعضهم على بعض، فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة، وهي فتاة صغيرة، فأخذته عن ظهره. ثم أقبلت عليهم فسبتهم ووبختهم، فدعا عليهم رسول الله قائلا: «اللهمّ عليك بهذا الملأ من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهمّ عليك بشيبة بن ربيعة، اللهمّ عليك بأبي جهل بن هشام، اللهمّ عليك بعقبة بن أبي معيط، اللهمّ عليك بأمية بن خلف» ، وقد استجاب الله الدعاء فقتلوا جميعا يوم بدر. وبينما النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع

_ (1) لنضربنه على ناصيته: كناية عن إذلاله وإهانته. (2) أي أهل ناديه. (3) الملائكة الموكلون بالعذاب. (4) الايات 6- 19 من سورة اقرأ. (5) هو الذي يخرج منه ولد الناقة كالمشيمة لولد المرأة، ويكون به قذر ودماء.

النضر بن الحارث

ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر- رضي الله عنه- حتى أخذ بمنكب عقبة، ودفعه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: «أتقتلون رجلا أن يقول: ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم» «1» . وفي مرة ثالثة جاء عقبة هذا والنبي يصلي عند الكعبة، فوضع رجله على عنق رسول الله- عليه الصلاة والسلام- حتى كادت عيناه تندران «2» . النضر بن الحارث وممن كان شديد العداوة والإيذاء للرسول: النضر بن الحارث، وكان شيطانا من شياطين قريش وسفهائهم، وكان قدم الحيرة وتعلّم بها أحاديث ملوك فارس، وأحاديث رستم، واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسا فذكّر فيه بالله، وحذّر قومه أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله وعذابه، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلمّ إلي، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم قصص ملوك فارس، وأخبارهم، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثا مني؟ عظمة شخصية النبي صلّى الله عليه وسلّم قد سمعت بعض ما نال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قومه من إيذاء، وعداوة رؤسائهم له، ولا سيما رأس الكفر أبو جهل، وقد كان فيما عصم الله به نبيه، وما راه أبو جهل حينما همّ بفدخ رأس النبي بحجر ما زرع في قلبه الخوف من النبي، وقد كان له صلّى الله عليه وسلّم من الاكتمال الجسمي وعظمة الشخصية ما جعله مهيبا في نفوسهم على رغم عداوتهم له، وإليك ما يدل على ذلك: قصة الإراشي روى ابن إسحاق قال: قدم رجل من إراش «3» بإبل له إلى مكة، فابتاعها

_ (1) صحيح البخاري باب ما لقي النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من المشركين بمكة. (2) أي تخرجان من شدة الضغط. (3) بكسر الهمزة والشين المعجمة: اسم قبيلة.

قصة أخرى

- أي اشتراها- منه أبو جهل، فمطله بأثمانها، فأقبل الإراشي حتى وقف على نادي قريش، ورسول الله جالس في ناحية من المسجد، فقال يا معشر قريش، من رجل يعديني «1» على أبي الحكم بن هشام؟ فإني غريب وابن سبيل، وقد غلبني على حقي، فقال أهل المجلس: ترى هذا؟ - وأشاروا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه، فهو يعديك عليه، يريدون الاستهزاء به، فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقام معه، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ما يصنع؟! فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال: «محمد، فاخرج» ، فخرج إليهم وما في وجهه قطرة دم، وقد انتقع لونه، فقال: «أعط هذا الرجل حقه» قال: لا تبرح حتى أعطيه الذي له، فدخل، فخرج إليه بحقه، فدفعه له، ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال للإراشي: «الحق لشأنك» ، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرا، فقد أخذت الذي لي!! ولما جاء الرجل الذي أرسلوه ليرى ما يصنع أبو جهل، قالوا له: ويحك ماذا رأيت؟ قال: عجبا من العجب! والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج وما معه روحه، فقال له: «أعط هذا الرجل حقه» فأعطاه!! ثم لم يلبث أن جاء أبو جهل فلاموه، وقالوا- ساخرين منه-: فو الله ما رأينا مثل الذي فعلت!! فقال: ويحكم، ما هو إلا أن ضرب عليّ بابي، وسمعت صوتا فملئت رعبا! وإن فوق رأسه فحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط!! فو الله لو أبيت لأكلني!! وهكذا كانت صورة هذا الفحل من الإبل لا تبرح مخيلة أبي جهل أبدا!! قصة أخرى ومرة أخرى اجتمع أشرافهم في الحجر، فذكروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا:

_ (1) ينصرني ويأخذ لي بحقّي.

إسلام حمزة بن عبد المطلب

ما رأينا مثل صبرنا على هذا الرجل قط: سفّه أحلامنا، وشتم اباءنا، وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسب الهتنا، وصرنا منه على أمر عظيم، فبينما هم في ذلك طلع رسول الله، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مرّ بهم طائفا بالبيت، فغمزوه ببعض القول، فعرف ذلك في وجهه فمضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، ثم مرّ بهم الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فأقبل عليهم قائلا: «أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح» ، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة بإيذائه ليرفؤه «1» ويلاطفه ويقول له: انصرف أبا القاسم راشدا، فما كنت بجهول!! وهكذا كان الواحد منهم يأتي إليه قاصدا الشر، أو ينال منه بالسب، فإذا واجهه النبي اضطرب، وتلعثم، وخارت قواه «2» . إسلام حمزة بن عبد المطلب «3» وكان السبب في ذلك أن أبا جهل مرّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الصفا فاذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره، فلم يكلمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانت هناك مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى ناد من قريش، فجلس معهم، فلم يلبث حمزة أن أقبل متوشحا «4» قوسه راجعا من قنص «5» له- وكان صاحب قنص يرميه، ويخرج له- وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم، وتحدث معهم، وكان أعزّ فتى في قريش، وأشدهم شكيمة، فلما مرّ بالمولاة قالت له: يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد

_ (1) ليهدئه ويسكنه. (2) السيرة لابن هشام ج 1 ص 289، 389؛ والبداية والنهاية ج 3 ص 45، 46. (3) قد اختلف في سنة إسلامه، فقيل: سنة ست، وقيل: في السنة الثانية من المبعث، وبه جزم الحافظ في الإصابة. (4) متقلدا. (5) بفتح القاف والنون: صيد له.

من لحظات التجلي الإلهي

انفا من أبي الحكم بن هشام!! وجده هنا جالسا فاذاه وسبه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه، ولم يكلمه محمد. من لحظات التجلّي الإلهي فاحتمل الغضب حمزة لما أراد الله كرامته، وأدركته لحظة من لحظات التجلّي الإلهي، فانطلق يسعى مصمما أنه إذا لقي أبا جهل بطش به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس، فضربه به، فشجّه شجة منكرة، ثم قال له: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟! فردّ علي ذلك إن استطعت، فقام رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال لهم: دعوا أبا عمارة؛ فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا. وعاد حمزة إلى بيته وقد ساورته الوساوس الشيطانية، والهواجس النفسية، وكيف ترك دين قومه، واتبع دين ابن أخيه، ثم التمس التوفيق والرشد من الله فقال: اللهم إن كان هذا رشدا فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا. فبات بليلة لم يبت مثلها من وسوسة الشيطان حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا ابن أخي، إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه وإقامة مثلي على ما لا أدري: أرشد أم غي شديد» !! فحدثني حديثا، فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني. فأقبل عليه النبي بحديثه الذي ينير القلوب، ويطمئن النفوس، ويذهب ظلمات الشك والوساوس، فذكّره وبشّره، وأنذره، فثبت الله في قلبه الإيمان فقال: أشهد إنك لصادق، فأظهر دينك فو الله ما أحب أن لي ما أظلّته السماء وأنا على ديني الأول. وقد اكتسب المسلمون بإسلامه عزة وقوة، وازداد به الرسول نصرة ومنعة.

_ (1) هذا يدل على حصافة في العقل، وأصالة في التفكير، واعتداد بالنفس، وأن القوم كانوا أصحاب عقول ومواهب، وأنهم كانوا أهلا لكل توجيه نبوي كريم حتى صاروا خير أمة أخرجت للناس.

سعي قريش إلى أبي طالب

سعي قريش إلى أبي طالب قد علمت بعض ما نال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قريش، وما كان ذلك ليفتّ في عضد رسول الله، فقد مضى لأمر الله مظهرا لدينه لا يرده عنه شيء، ورأوا عمه أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه، وانتصر له لمنزلة الرحم والقرابة. سعي رجال من قريش إلى أبي طالب في شأن الرسول فسعى رجال منهم إلى أبي طالب: عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، وأبو سفيان بن حرب بن أمية، وأبو البختري العاص بن هشام، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج من بني سهم، والعاص بن وائل السهمي، فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب الهتنا وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وضلّل اباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلّي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه. فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا، وردّهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه. ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما هو عليه يظهر دين الله، ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ومضوا هم لسبيلهم يؤلبون عليه، ويؤذونه وأصحابه، ويحض بعضهم بعضا على عدم الاستماع إليه. سعيهم إليه مرة أخرى ثم سعوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا: يا أبا طالب إن لك سنا، وشرفا، ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك «1» من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله- لا نصبر على هذا من شتم ابائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب الهتنا، فإما أن تكفّه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، ثم انصرفوا عنه. فعظم على أبي طالب فراق قومه، وعداوتهم له، ولم يطب نفسا بإسلام ابن أخيه لهم، ولا خذلانه.

_ (1) أي طلبنا منك أن تنهاه أن يعرض لنا ولالهتنا.

طلب أبي طالب إلى النبي الكف عنهم

طلب أبي طالب إلى النبي الكف عنهم فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا كذا وكذا- الذي قالوه انفا- فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قد بدا لعمه فيه بداء «1» ، وأنه خاذله ومسلمه إليهم، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. فماذا كان من النبي؟ وقفت الدنيا كلها مشدودة السمع إلى ما تفترّ عنه شفتا النبي، وأصاخ الدهر لما يكون منه، ووقف التاريخ ينصت إلى الكلمة التي يتوقف عليها مصير البشرية، وتاريخ الحضارة الإنسانية، فقال الرسول العظيم هذه الكلمة الخالدة، الفاصلة: «يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري «2» ، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته» !! ثم استعبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبكى، ثم قام وولّى!! يا لقوة الإيمان، ويا لعظمة النفس البشرية، ويا لجلال البطولة!! رجل يظن أنه تخلّى عنه ناصره الوحيد من أهله، وهو وأصحابه في غمرات متتابعة من الأذى والبلاء وتألب رؤساء الشرك عليه، والريح والقوة مع

_ (1) ظهر له أمر. (2) قال الإمام السهيلي في «الروض الأنف» : خصّ الشمس باليمين لأنها الاية المبصرة، وخص القمر بالشمال لأنها الاية الممحوة، وقد قال عمر- رضي الله عنه- لرجل قال له: إني رأيت الشمس والقمر يقتتلان، ومع كل منهما نجوم، فقال عمر: مع أيهما كنت؟ قال: كنت مع القمر قال: كنت مع الاية الممحوة، اذهب فلا تعمل لي عملا، وكان عاملا له فعزله، وخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النيّرين حين ضرب المثل بهما لأن نورهما محسوس، والنور الذي جاء به من عند الله معنوي. وأنا أقول: ولأنهما أعز وأمنع ما يطمع فيهما طامع، أو يرجو الحصول عليهما بشر في هذه الحياة، بل الحصول عليهما في اليدين من ضروب المستحيلات وبذلك بلغ غاية الإفصاح عن استحالة تركه الدعوة حتى يظهرها الله سبحانه، أو يموت دون ذلك.

وماذا كان من أبي طالب؟

أعدائه، ثم يقف هذا الموقف الفذ العظيم!! إن هذا في منطق العقل يستحيل أن يكون مدعيا أو كاذبا أو بشرا من عامة البشر، ما هذا إلا نبي كريم، ورجل بالغ أسمى درجات الثقة بالله رب العالمين!! ولئن تخلّى عنه الناس جميعا فلن ينكص على عقبيه أو يفتر عن دعوته، لأنه يأوي إلى ركن شديد. وماذا كان من أبي طالب؟ وقف الشيخ الكبير أبو طالب مأخوذا بما سمع وما رأى، فناداه قائلا: أقبل يا ابن أخي، فأقبل، فقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا!!. مساومة حمقاء ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإسلامه لأحد، وإجماعه لفراقهم في ذلك، وعداوتهم، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد، أنهد «1» فتى في قريش، وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا، الذي قد خالف دينك، ودين ابائك، وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله!! فقال أبو طالب: والله لبئس ما تسومونني!! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟! هذا- والله- لن يكون أبدا. فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجاهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا!! فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني

_ (1) أشد وأقوى.

مناصرة بني هاشم والمطلب لأبي طالب

ومظاهرة الناس علي، فاصنع ما بدا لك، ثم قال أبو طالب قصيدة يعرّض فيها بالمطعم بن عدي، ومن خذله من بني عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش، مطلعها «1» : ألا قل لعمرو، والوليد، ومطعم ... ألا ليت حظي من حياطتكم بكر «2» فما كان بعد ذلك إلا أن اشتد الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وعظمت العداوة، واشتد الأذى للنبي والمسلمين. مناصرة بني هاشم والمطلب لأبي طالب ثم قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون بالمسلمين، في بني هاشم وبني المطلب، فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والقيام دونه، فاجتمعوا إليه، وقاموا معه، وأجابوه إلى ما دعاهم إليه، إلا ما كان من أبي لهب عم النبي، فقال أبو طالب في ذلك يمدحهم، ويحرضهم على ما وافقوه عليه من الحدب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والنصرة له قصيدة، منها: إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر ... فعبد مناف سرها، وصميمها وإن حصّلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم أشرافها، وقديمها وإن فخرت يوما فإن محمدا ... هو المصطفى من سرها وكريمها تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر، وطاشت حلومها قصيدة أبي طالب اللامية ولما رأى أبو طالب تواطؤ الملأ من قريش عليه وعلى النبي، وخشي أن تنابذه العرب كلها بالعداوة، قال قصيدته المشهورة التي تعوّذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في شعره أنه غير مسلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهم، ولا تاركه لشيء أبدا حتى يهلك دونه هو وبنو هاشم فقال:

_ (1) السيرة ج 1 ص 267. (2) يعني أن بكرا من الإبل أنفع لي منكم، فليته لي بدلا منكم.

ولما رأيت القوم لا ودّ فيهم ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل وقد صارحونا بالعداوة والأذى ... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل وقد حالفوا قوما علينا أظنة ... يعضون غيظا خلفنا بالأنامل صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ... وأبيض عضب من تراث المقاول «1» ومنها: أعوذ برب الناس من كل طاعن ... علينا بسوء أو ملحّ بباطل ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة ... ومن ملحق في الدين ما لم نحاول وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه ... وراق ليرقى في حراء ونازل وبالبيت حق البيت من بطن مكة ... وبالله إن الله ليس بغافل وبالحجر المسود إذ يمسحونه ... إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيا غير ناعل «2» ومنها: كذبتم- وبيت الله- نترك مكة ... ونظعن إلا أمركم في بلابل «3» كذبتم- وبيت الله- نبزى محمدا ... ولما نطاعن دونه ونناضل «4»

_ (1) المقاول: الملوك، يريد بهم اباءه، ولكن حديث أبي سفيان في الصحيح يدل على أنه لم يكن في ابائه من ملك، فإما أن يريد أنهم كالملوك، وإما أن يكون هذا السيف الذي ذكره أبو طالب من هبات الملوك لأبيه عبد المطلب، فقد وهبه سيف بن ذي يزن الحميري لعبد المطلب مع هبات جزيلة حين وفد عليه مع قريش يهنئه بظفره بالحبشة بعد الفيل بعامين. (2) مراده الحجر الذي قام عليه وهو يا بني البيت، ناعل: أي منتعل. (3) جمع بلبال: وساوس الهموم. (4) نبزى محمدا بالبناء للمجهول أي نسلبه ونغلب عليه، وفي رواية إيبزى محمدا بالياء، وفي الكلام حذف لا، أي لا نسلمه، ولا نغلب عليه حتى يكون ما ذكره، نناضل: نترامى بالسهام.

الإغراء بدل الإيذاء (قصة عتبة بن ربيعة مع الرسول)

ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل «1» وينهض قوم في الحديد إليكم ... نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل «2» ومنها: وما ترك قوم- لا أبا لك- سيدا ... يحوط الذمار غير ذرب مواكل «3» وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل «4» وهي قصيدة طويلة جدا قال فيها ابن كثير: هذه قصيدة بليغة جدا، لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه، وهي أفحل من المعلقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى منها جميعها «5» . الإغراء بدل الإيذاء (قصة عتبة بن ربيعة مع الرسول) ورأت قريش- وقد عزّ عليها أن يكف النبي عما يقول بالإيذاء والفتنة والسعي إلى عمه أبي طالب، بل والإيذان بالحرب والمنابذة- أن تلجأ إلى سياسة الملاينة، والإغراء بالمال، أو الجاه، أو الملك والسلطان ظنا منهم أنه ربما يغريه بريق هذه العروض. روى ابن إسحاق في سيرته عن محمد بن كعب القرظي قال: حدّثت أن عتبة بن ربيعة- وكان سيدا حليما- قال ذات يوم، وهو جالس في نادي قريش ورسول الله جالس واحده في المسجد الحرام: يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا

_ (1) الحلائل: الزوجات. (2) الروايا: جمع راوية، وهي البعير الذي يحمل الماء، الصلاصل: المزادات التي لها صلصلة بالماء. (3) الذمار: ما يلزم حمايته، الذرب بسكون الراء: الفاحش المنطق، المواكل: الذي لا جد عنده. (4) يستسقى: يستنزل المطر بسبب دعائه، وقيل: إن أهل مكة كانوا أجدبوا بسبب عدم نزول الماء، فقام عبد المطلب يحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو صغير على عاتقه، ودعا الله فما لبثوا أن تفجرت السماء، وامتلأ الوادي بالماء. (5) السيرة لابن هشام ج 1 ص 272- 280؛ البداية والنهاية ج 3 ص 53- 57.

فأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها، ويكف عنا؟ قالوا: بلى يا أبا الوليد، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السطة «1» في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفّهت به أحلامهم، وعبت به الهتهم ودينهم، وكفّرت من مضى من ابائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قل يا أبا الوليد أسمع» . قال: يا ابن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيّا «2» تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه. حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستمع منه قال: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم، قال: «فاسمع مني» قال: أفعل، فقال: حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) .... ومضى رسول الله يقرؤها، فلما سمعها عتبة أنصت إليها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك» !!

_ (1) الخيار والوسط. (2) الرئيّ كغني التابع من الجنّ.

ما أشار به عتبة على قريش

وفي رواية للبيهقي، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما بلغ قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (13) .... أمسك عتبة بفيه، وناشده الله والرحم أن يكف عنه!! ولا عجب فقد استولى على نفس عتبة ما سمعه من هذا الكلام الفصيح البليغ، حتى استند على يديه واستغرق في التأمل، وهو العربي الأصيل، وحتى خيل إليه حين سمع هذا الإنذار أن العذاب واقع به وبهم. ما أشار به عتبة على قريش وعندما سمع عتبة ما سمع قام ورجع إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به «1» ، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله- ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني، واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزّه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه!! قال: هذا رأيي، فاصنعوا ما بدا لكم. وقد ظنوا إثما وزورا، فما كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه طالب ملك، ولا راغبا في مال، ولا ناشدا جاها ولا سلطانا، وإنما هو نبي يوحى إليه من ربه، ومبلغ رسالة، ومنشىء أمة، ومنقذ البشرية من التردي في هوّة سحيقة، وصانع تاريخ، ومؤصل حضارة. إنها لشهادة حقة، لأنها من عدو لم يؤمن بالقران، وإنما امن بسلطان اللغة والبيان.

_ (1) هذا من بديع الكلام الدال على علم بالنفس البشرية، وظهور ما يكون بالنفس على قسمات الوجه، وأن العرب كانوا على علم ببعض قواعد علم النفس.

شهادة أخرى للقران من الوليد بن المغيرة

شهادة أخرى للقران من الوليد بن المغيرة روي أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه القران «1» ، فكأنما رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا، قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض ما قبله!! قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل في القران قولا يبلغ قومك أنك منكر له، قال: وماذا أقول؟ فو الله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إنّ لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق «2» أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته!! فقال أبو جهل: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: دعني حتى أفكر فيه، وبعد جهد جهيد، وصراع نفسي عنيف قال: إن هذا إلا سحر يؤثر، ألم تروا أنه يفرّق بين الرجل وأهله، والولد ووالده «3» !! وفي رواية ابن إسحاق أن الوليد اجتمع هو ونفر من قريش ليجمعوا على رأي ليواجهوا به أهل الموسم فقد قرب، فقالوا: كاهن، فقال لهم: ما هو بزمزمة الكهان، فقالوا: نقول: مجنون، فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فقالوا: شاعر، فقال: ما هو بشاعر، فقالوا ساحر فقال: ما هو بساحر، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ فقال مقالته الانفة في مدح القران، ثم غلبت عليه شقوته فقال: إن أقرب القول أن نقول: إنه ساحر «4» . وفي الوليد هذا أنزل الله سبحانه قوله:

_ (1) في بعض الروايات أن النبي قرأ عليه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ... الاية. (2) أي كثير الغدق أي الماء، والشجرة إذا كانت أصلها غدقا كانت نامية مثمرة. (3) البداية والنهاية، ج 3 ص 60. (4) السيرة، ج 1 ص 270، 271.

تأثير إعجاز القران في نفوس العرب

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) «1» . تأثير إعجاز القران في نفوس العرب وإنّ لنا هنا لوقفة ترينا أن الوليد بن المغيرة كان يدرك بفطرته العربية أن القران لا يمكن أن يكون من عند بشر، وأن الرجل قد قال مقالته الأولى استجابة لحسّه البياني وذوقه الأدبي، ومن غير أن يكون لشيء ما سلطان عليه

_ (1) الايات 11- 30 من سورة المدثر. وكان الوليد يسمى وحيد قريش لشرفه ورياسته وغناه، فهو تهكم به، وقيل: وحيدا بلا مال، ولا ولد، فأنعمت عليه بهما ففيه تبكيت له. ممدودا: كثيرا ممتدا من الزروع والضروع. شهودا: يحضرون معه المشاهد والمحافل، قيل: كانوا عشرة وقيل: ثلاثة عشر أسلم بعضهم. «ومهدت له تمهيدا» : أي بسطت له الجاه العريض، والرئاسة في قومه. كلا: كلمة زجر وردع وقطع لرجائه وطمعه. صعودا: عذابا شاقا. «فقتل كيف قدر» : تعجيب من تقديره الفاسد، ومقالته الشنعاء، وهو تهكم بهم وبإعجابهم بتقديره، واستعظامهم لقوله، تقول العرب: قاتله الله ما أشجعه، وأخزاه ما أشعره، وغرضهم الإشعار بأنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد، ويدعو عليه حاسده بذلك. عبس: قطّب وجهه. بسر: أي زاد وجهه عبوسا وتقطيبا. لواحة للبشر: تلفح الجلد لفحا شديدا فتدعه أسود من السواد. عليها تسعة عشر: يعني من الملائكة الأشداء، يجوز أن يراد حقيقة العدد، وأن يراد التكثير.

تهكم أبي جهل بالقران

إلا فطرته وحسه، ولكن التقاليد المتسلطة، والعصبيات الموروثة، وإرضاء قومه غلبت عليه، فلم يقدر أن يتحرر منها، حتى جعلت الرجل يناقض نفسه بنفسه!! وإن نظرة فاحصة في الايات: إِنَّهُ فَكَّرَ، وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. لتصور لنا تصويرا دقيقا، بارعا صادقا ما حدث بين الرجل وبين نفسه من صراع عنيف، كأقوى ما يكون الصراع وأعنفه، ففطرته اللغوية، وحسه البياني، ووجدانه الأدبي، كلها تأبى عليه أن يقول غير ما قال أولا، وإرضاء قومه، وخوفه من قالة السوء عنه، وحرصه على الزعامة والرياسة كلها تلح عليه إلحاحا بالغا في أن يقول قولا منكرا في القران يخالف قوله الأول، وأخيرا وبعد نظر وعبوس وتقطيب للوجه ثم تقطيب تنم عن ضيقه النفسي بما سيقول، قال: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ! ولو أنك أتيت بأبرع الفنانين العالميين اليوم ليرسم للوليد صورة معبرة عن هذا الصراع النفسي الذي بدت اثاره على وجه الوليد وجبهته، لما بلغ ما بلغه القران الكريم في إبراز هذه الصورة بألفاظ متخيرة، وجرس معبر، لا بريشة وظلال، فلله در التنزيل ما أفصحه وأبلغه!! تهكم أبي جهل بالقران ولما نزل قوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قال أبو جهل: يا معشر قريش يزعم محمد أن جنوده الذين يعذبونكم في النار، ويحبسونكم فيها تسعة عشر، وأنتم أكثر الناس عددا، وكثرة، أفيعجز كل مئة رجل منكم عن رجل منهم؟ فأنزل الله سبحانه ردا عليه قوله: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) «1» .

_ (1) الاية 31 من سورة المدثر.

استماع زعماء الشرك إلى القران سرا

استماع زعماء الشرك إلى القران سرا روى ابن إسحاق في سيرته عن الزهري قال: حدّثت: أن أبا جهل، وأبا سفيان، والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل منهم مجلسا، فيستمع منه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو راكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا. حتى إذا كان الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا!! حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد ألانعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا!! فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها، ولا ما يراد بها، فقال الأخنس: أنا والذي حلفت به كذلك!! ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، فما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الرّكب وكنّا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ فو الله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه!! وهذا يدل على استلذاذ العرب للاستماع للقران استجابة لفطرتهم العربية، وعلى ما كان للعصبية الجاهلية من أثر في عدم الإيمان بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.

تواصيهم بعدم استماع القران

تواصيهم بعدم استماع القران وقد كان النبي حريصا على استماعهم لما يعلم من قوة تأثيره في نفوسهم كما سمعت انفا، وكان المشركون يتواصون بعدم الاستماع للقران كيلا يجذبهم بسحر بيانه، وقوه تأثيره، ويتواصون باللغو فيه، وذلك بالتشويش على النبي حين قراءته، والصخب عليه، وإلقاء الشبه والأباطيل في القران. قال عز شأنه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) «1» . فكان إذا جهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالقران يتفرقون عنه، ويأبون أن يستمعوا له، وبعضهم يشغب عليه، وبعضهم يغطي نفسه بثوبه كيلا يسمع. قال عز شأنه: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (5) «2» . وكان بعضهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله ما يتلو من القران استرق السمع فرقا منهم، فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع، ولذلك أمر الله نبيه ألايجهر بالقران، ولا يخافت به رعاية لهؤلاء النفر، قال ابن عباس: إنما أنزلت هذه الاية: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) «3» . من أجل ذلك النفر يعني: لا تجهر بصلاتك، فيتفرقوا عنك، ولا تخافت بها، فلا يسمعها من يحب أن يسمعها ممن يسترق ذلك دونهم، لعله يرعوي إلى

_ (1) الاية 26 من سورة فصلت. (2) الاية 5 من سورة هود. (3) الاية 110 من سورة الإسراء.

أول من جهر بالقران من الصحابة

بعض ما يستمع فينتفع به «1» ، وكان بعضهم إذا سمع القران يقول- مكابرة- كما حكى الله عنهم: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (5) «2» . أول من جهر بالقران من الصحابة كان المشركون يؤذون من يجهر بالقران خشية تأثيره في نفوسهم، وكان أول من جهر به من الصحابة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- فقد اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القران يجهر به قط، فمن الرجل يسمعهم إياه؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا!! قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله سيمنعني. فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام، ثم قرأ: بسم الله الرّحمن الرّحيم رافعا بها صوته الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ.... ثم استقبلها يقرؤها، فتأملوه، فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أمّ عبد؟! ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد! فقاموا إليه، فجعلوا يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه، وقد أثّروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشيناه عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الان، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: لا، حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون.

_ (1) سيرة ابن هشام، ج 1 ص 314. (2) الاية 5 من سورة فصلت.

محاولة أخرى للإغراء

محاولة أخرى للإغراء قدّمنا لك ما كان من شأن عتبة بن ربيعة وعرضه على رسول الله المال والملك والسؤدد، نظير أن يكف عنهم وعن الهتهم، ورفض رسول الله جميع ما عرض عليه، فرأى أشرافهم أن يكرروا المحاولة، فجلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث، وأبو البختري بن هشام، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية- بعد الغروب عند الكعبة، وأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم وهو يظن أن قد بدا لهم في أمره شيء، وكان حريصا على إيمانهم، يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، فعرضوا عليه مثل ما عرض عتبة فيما سبق، فلما فرغوا قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لهم: «ما تقولون؟ ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة، وإن تردوه عليّ أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم» !! أسئلة تعنتية فقالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا، ولا أقل مالا، ولا أشد عيشا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر لنا هذه الجبال التي قد ضيّقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من ابائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا، فنسأله عما تقول: أحق أم باطل؟ فإن فعلت ما سألناك، وصدّقوك صدقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولا كما تقول. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والاخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» !!

مقالة عبد الله بن أبي أمية المخزومي

قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة، ويغنيك عما نراك تبتغي، فإنك تقوم في الأسواق، وتلتمس المعايش كما نلتمس، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم. فقال لهم: «ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسأل ربه هذا «1» ، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة، وإن تردوه علي أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم» !! قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل «2» ، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل، فقال: «ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك» . فقالوا: يا محمد، أما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيتقدّم إليك ويعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا، إذا لم نقبل منك ما جئتنا به؟ فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة» يقال له: الرحمن، وإنا- والله- لا نؤمن بالرحمن أبدا، فقد أعذرنا إليك يا محمد، أما- والله- لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك، أو تهلكنا!! وقال قائل منهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله، وقال اخر: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا «4» ، فيشهدون لك بصدق نبوتك. مقالة عبد الله بن أبي أمية المخزومي فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي- وهو ابن عمته: عاتكة بنت عبد المطلب- فقال: يا محمد،

_ (1) لأنه لا يسأل هذا إلا من جهل رسالته، وجهل سنن ربه، ورسول الله بريء منهما. (2) إشارة إلى قوله تعالى: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ... الاية 9 من سورة سبأ. (3) يريدون مسيلمة الكذاب. (4) جميعا.

عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب، فو الله لا أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما، ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، وتأتي معك بنسخة منشورة، ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك!! ثم انصرف عن رسول الله. وانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله حزينا أسفا لما فاته مما طمع فيه من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه التعنتات والردّ عليها في قوله سبحانه: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً «1» أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ «2» أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا «3» (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96) «4» .

_ (1) قطعا جمع كسفة كقطعة. (2) ذهب. (3) لو كان يسكن الأرض ملائكة لأرسل الله لهم ملكا رسولا، ولكن الأرض يسكنها بشر، وغير معقول أن يجعل الله عند جميع البشر استعدادا لتلقي الوحي عن الملك. فكان المعقول أن ينزل الله وحيه على واحد مختار منهم وهو يقوم بتبليغهم. (4) الايات 90- 96 من سورة الإسراء.

وقال سبحانه حكاية لمقالتهم: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ «1» يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) «2» . وقد ردّ الله عليهم بأن أكل الطعام والمشي في الأسواق والسعي على الرزق من سنن الأنبياء والرسل، فالنبي في هذا ليس ببدع، فقال سبحانه: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) «3» . كما بيّن لهم أن الله لم يرسل رسولا للبشر إلا منهم، ولم تجر سنته بأن يرسل للبشر ملائكة، فقال عز شأنه: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8) «4» . وقال: وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا «5» عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (9) «6» .

_ (1) حديقة. (2) الايات 7، 9 من سورة الفرقان. (3) الاية 20 من سورة الفرقان. (4) الايتان 7، 8 من سورة الأنبياء. (5) لأن الملك لو نزل في صورة رجل لقالوا: هو رجل وليس بملك فالمجادلة بالباطل لا تنقطع. (6) الاية 9 من سورة الأنعام.

إباء النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له الصفا وغيره ذهبا

إباء النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يكون له الصفا وغيره ذهبا ولو أن النبي صلوات الله وسلامه عليه رغب في أن تكون له الصفا وبطحاء مكة ذهبا لأجابه الله سبحانه، ولكن من أدّبه ربه فأحسن تأديبه وكمّله عقلا وخلقا، واصطفاه رحمة للعالمين، ما هو بالذي يسأل هذا، وإنما يسأله الحمقى والجهلاء، وحاشاه منهما، وقد رغب صلّى الله عليه وسلّم عن زخارف الحياة، وزهد في الدنيا زهد القادر عليها، لا زهد العاجز عنها، أو المحروم منها، ليكون في ذلك القدوة الحسنة للحكام، وولاة الأمور، الذين يكتنزون الأموال ورعاياهم جائعة عارية محرومة، وقد روى أبو أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «عرض علي ربي عز وجل- أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: يا رب، أشبع يوما، وأجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» ، رواه أحمد- وهذا لفظه- والترمذي وقال: هذا حديث حسن. الحكمة في أنهم لم يجابوا لما طلبوا والله سبحانه وتعالى لم يجبهم على ما سألوا- وهو القادر على كل شيء- لأنهم لم يسألوا مسترشدين وجادين، وإنما سألوا متعنتين ومستهزئين، وقد علم الحق سبحانه أنهم لو عاينوا وشاهدوا ما طلبوا لما آمنوا، وللجّوا في طغيانهم يعمهون، ولظلوا في غيهم وضلالهم يترددون، قال سبحانه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ «1» (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111 «2» .

_ (1) لا: زائدة. (2) الايات 109- 111 من سورة الأنعام.

وقال سبحانه: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) «1» . ولهذا اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الربانية ألا يجابوا على ما سألوا، لأن سنته سبحانه أنه إذا طلب قوم ايات فأجيبوا، ثم لم يؤمنوا عذّبهم عذاب الاستئصال، كما فعل بعاد وثمود وقوم فرعون، قال عز شأنه: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «2» . وقال سبحانه: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) «3» . فلو أعطيت قريش ما سألوا من الايات الحسية التي اقترحوها ثم لم يؤمنوا لأهلكوا، ولكن الله- جلّت حكمته- رفع عن هذه الأمة عذاب الاستئصال بفضل نبيها محمد صلوات الله وسلامه عليه، فقد بعثه رحمة ولم يبعثه نقمة، وصدق الله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. فهو رحمة للبر والفاجر: رحمة للبر في الدنيا والاخرة، وللفاجر في الدنيا، فقد أمنوا من الخسف والغرق، وإرسال حاصب من السماء، وأيضا فقد استفاد الناس جميعا بالرسالة المحمدية، فلولاها لما تحررت النفوس من رق التقليد، والشرك، والخرافات، ولا العقول من الجهل والضلال، ولا المجتمعات من

_ (1) الاية 7 من سورة الأنعام. (2) الاية 59 من سورة الإسراء. (3) الاية 8 من سورة الأنعام.

القران معجزة المعجزات

الظلم والجور والمفاسد الخلقية، ولما فتحت للبشرية هذه الافاق الواسعة من العلم والمعرفة اللذين عادا على البشر بالخير والنفع. وليس أدل على هذه الرحمة المحمدية مما رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال: «سأل أهل مكة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحّي عنهم الجبال فيزدرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم الأمم، فقال: «بل أستأني بهم» ورواه النسائي أيضا من حديث ابن جرير. وفي رواية أخرى للإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «قالت قريش للنبي صلّى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا، ونؤمن بك، قال: «وتفعلوا؟» قالوا: نعم، قال: فدعا فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا، فمن كفر بعد ذلك أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة قال: «بل التوبة والرحمة» «1» . القران معجزة المعجزات وليس أدل على أن القوم كانوا متعنتين وساخرين، ومعوّقين لا جادين من أن عندهم القران وهو اية الايات، وبينة البينات؛ ولذلك لما سألوا ما اقترحوا من هذه الايات وغيرها ردّ عليهم سبحانه بقوله: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52) «2» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 52. (2) الايات 50- 52 من سورة العنكبوت.

من تخرصاتهم على النبي والقران

وقال تعالى: وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133) «1» . ولما سأله قومه لأنفسهم تسيير الجبال، وتقطيع الأرض، وبعث من مضى من ابائهم قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى «2» بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31) «3» . من تخرصاتهم على النبي والقران وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له: جبر، عبد لبني الحضرمي كان يصنع السيوف، وقيل لغلام نصراني يسمى: يسار، وكان قينا «4» أيضا، فكانوا يزعمون أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يتعلم القران ويتلقاه من هذين الغلامين أو أحدهما، وكانت معلوماتهما عن التوراة والإنجيل- كما هو الشأن في أمثالهما- لا تعدو أن تكون معلومات مبتسرة خاطئة، كما كان لسانهما تغلب عليه الرطانة الأعجمية، وقد ردّ الله سبحانه عليهم ردا مفحما، قال سبحانه:

_ (1) الاية 133 من سورة طه. (2) يعني لو أن هناك قرانا بهذه المثابة لكان هذا القران الكريم، فهو ليس له مثيل لا من قبل ولا من بعد، فجواب «لو» محذوف دلّ عليه المقام. (3) الاية 31 من سورة الرعد. (4) أي حدادا.

تهكم المشركين بضعفاء المسلمين

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ «1» إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) «2» . تهكم المشركين بضعفاء المسلمين وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا جلس في المسجد، فجلس إليه المستضعفون من أصحابه: خبّاب، وعمّار، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية، وأضرابهم ممن لهم جاه عريض عند الله، وإن لم يكن لهم جاه عند الناس- استهزأ بهم المشركون، وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون!! أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا بالهدى والحق؟! ولو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصهم الله به دوننا. وقد ردّ الله عليهم مبيّنا فضلهم ومنزلتهم فقال سبحانه: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) «3» . وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) «4» . ومن قبل ذلك قال قوم نوح لنوح نحو ذلك قال تعالى: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ

_ (1) يميلون عن الحق إليه، ومنه الملحد لأنه مال عن الاستقامة والدين الحق إلى غيره. (2) الاية 103 من سورة النحل. (3) الاية 53 من سورة الأنعام. (4) الاية 11 من سورة الأحقاف.

سعي المشركين إلى إبعاد ضعفاء المؤمنين

اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27) . إلى قوله: وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) «1» . سعي المشركين إلى إبعاد ضعفاء المؤمنين ثم سعى رؤساء المشركين إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينحي هؤلاء الضعفاء والأعبد عن مجلسه، كي يجلسوا إليه، فقالوا: لو طردت عنا هؤلاء الأعبد فإنه يؤذينا أرواح جبابهم جلسنا إليك وحادثناك، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أنا بطارد المؤمنين» . فقالوا: فأقمهم عنا إذا جئنا، فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت، قال: «نعم» طمعا في إيمانهم، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم حريصا على ذلك غاية الحرص، حتى همّ الرسول أن يكتب لهم بذلك كتابا. عتاب الله لنبيه فأنزل الله عتابا لنبيه هذه الايات التي تدل على منزلة هؤلاء الفقراء والأعبد، وجاههم عند ربهم، قال سبحانه: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) «2» .

_ (1) الايات 27- 31 من سورة هود. (2) الاية 52 من سورة الأنعام.

عتاب اخر بشأن ابن أم مكتوم

فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا لقيهم عانقهم، وقال: «أهلا بمن عاتبني الله فيهم» وكان إذا جلس معهم يدنو منهم حتى تمس ركبته ركبهم، فإذا أراد القيام قام عنهم وتركهم، فأنزل الله سبحانه قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) «1» . فترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القيام عنهم إلى أن يقوموا عنه، وقال: «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع أقوام من أمتي، معكم المحيا، ومعكم الممات» . عتاب اخر بشأن ابن أم مكتوم وأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن أم مكتوم «2» ، وكان أعمى، وعند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام، رجاء أن يسلم بإسلامهم كثيرون، فقال: يا رسول الله أقرئني، وعلمني مما علمك الله، وكرر ذلك، وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله قطعه لكلامه، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه، فأنزل الله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8)

_ (1) الاية 28 من سورة الكهف. (2) قال ابن هشام: ابن أم مكتوم: أحد بني عامر بن لؤي، واسمه عبد الله، وقيل: عمرو، وأم مكتوم: أمه، واسمها: عاتكة بنت عامر بن مخزوم، وأبوه: قيس بن زائدة على الأشهر.

حجة وبرهان على أن القران ليس من عند النبي

وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) «1» . فكان رسول الله يكرمه ويقول له: «أهلا ومرحبا بمن عاتبني فيه ربي» ويقول له: «هل لك من حاجة؟» وقد استخلفه النبي على المدينة مرتين، وكانت وفاته بالقادسيّة، وقيل: عاد منها ثم توفي بالمدينة. حجة وبرهان على أن القران ليس من عند النبي وأحب من الذين يزعمون أن القران من عند النبي صلّى الله عليه وسلّم من المبشرين والمستشرقين ومن تابعهم أن يتأملوا في هذه القصة، والتي قبلها، ليروا أن هذا القران لا يمكن أن يكون من عند النبي، فما عهدنا أن بشرا مهما كان يؤاخذ نفسه في كتاب من عند نفسه هذه المؤاخذة، اللهم إلا إذا أنكرنا عقولنا، وأنكرنا الفطرة البشرية، والطبيعة الإنسانية، وهذه كتب الفلاسفة والمصلحين قديما وحديثا، ما وجدنا فيها شيئا من هذا، بل رأينا أن أي بشر مهما بلغ يحاول إخفاء ما يؤاخذ به ما استطاع، فهذه المعاتبات أو إن شئت فسمّها المؤاخذات الرفيعة من أقوى الأدلة على أن القران ليس من عند بشر، وإنما هو من عند خالق القوى والقدر، الذي لا يداهن، ولا يحابي، وقد فطن إلى هذا المعنى أحد السلف- رضي الله عنهم- فقال: «لو كان النبي صلّى الله عليه وسلّم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذا» » . سؤال المشركين النبي عن أهل الكهف، وذي القرنين، والروح، واستعانتهم باليهود وبعثت قريش اثنين من أشد الناس عداوة للرسول، وهما: النضر بن الحارث، بن كلدة، بن علقمة، بن عبد مناف، بن عبد الدار، بن قصي «3» ،

_ (1) الايات 1- 16 من سورة عبس. والسفرة: جمع سافر، والمراد بهم الملائكة. (2) تفسير ابن جرير عند تفسير هذه السورة. (3) قال ابن هشام: ويقال: النضر بن الحارث، بن علقمة، بن كلدة، بن عبد مناف.

وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد، وصفا لهم وصفه، وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ووصفا لهم أمره، وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. فقال لهم أحبار اليهود، سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهنّ فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل، فروا فيه «1» رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه قد كان لهم أمر عجيب، وسلوه عن رجل طاف مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هي؟ فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبراهم بها، فجاؤوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخبركم غدا بما سألتم عنه» ولم يقل: «إن شاء الله» فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، حتى أحزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاء جبريل- عليه السلام- من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا» فقال له جبريل: «وما نتنزّل إلا بأمر ربك، له ما بين أيدينا، وما خلفنا، وما بين ذلك، وما كان ربك نسيا» . وقد افتتح السورة سبحانه وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله، وبذكر ايته

_ (1) «فروا» فعل أمر من رأى، أسند لواو الجماعة.

العظمى، وهو القران الكريم اية بينة مستقيمة لا عوج فيه، ولا اختلاف، ولا تناقض، أنزله لإنذار الكافرين والعاصين، وتبشير المؤمنين الصالحين، فقال سبحانه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ إلى قوله: إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً «1» ثم أشفق عليه لحزنه على عدم إيمان قومه حزنا يكاد يذهب بنفسه، فقال: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) . ثم شرع سبحانه وتعالى في الإجابة عن قصة من سألوه عنهم من شأن الفتية الذين كانوا في الزمن الأول، فقال: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ... (9) إلى اخر القصة «2» ، وذكر في أثنائها تعليمه للنبي ذكر المشيئة في كلامه فيما يستقبل، فقال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ. ثم ذكر شأن الرجل الطواف فقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إلى اخر القصة «3» . وكذلك أنزل الله في سؤالهم عن الروح قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) «4» .

_ (1) الايات 1- 5 من سورة الكهف. (2) الايات 9- 27 من سورة الكهف. (3) الايات 83- 98 من سورة الكهف. (4) الاية 85 من سورة الإسراء. يعني أن الروح خلق عجيب من خلقه، وأمر من أمره سبحانه، لا يعلم حقيقتها إلا الله، وأما أنتم فبحسبكم من العلم بالروح معرفة اثارها التي تترتب عليها من الحياة، والحس، والتمييز، لأنكم مهما أوتيتم من علم فهو قليل بجانب علم الله.

اية الروح مكية أم مدنية؟

اية الروح مكية أم مدنية؟ وهذا الذي ذكره ابن إسحاق في سيرته يوافقه ما رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه، وقال: إنه صحيح وهو يتفق وكون الاية مكية. ولكن روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود أنه كان مع النبي وقد مرّ على اليهود، وهو متكىء على عسيب نخل، فقال اليهود بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فسكت فلم يرد عليهم، ثم أقام ساعة ينظر قال ابن مسعود: فظننت أنه يوحى إليه، فلما سرّي عنه قال: «ويسألونك عن الروح ... » الاية، وهذا يقتضي أن السائل اليهود، وأن الاية مدنية، فمن ثمّ رجّح بعض العلماء ما في الصحيح وقالوا: إن الاية مدنية وبعض السور المكية فيها بعض الايات المدنية وبالعكس. وذهب بعض العلماء ومنهم ابن كثير إلى تعدد النزول بأن تكون نزلت في مكة بسبب سؤال المشركين له بعد استشارتهم اليهود، ثم نزلت في المدينة بعد لما مر النبي صلّى الله عليه وسلّم على اليهود وسألوه، ولا مانع- كما قال الزركشي وغيره- من تكرر نزول بعض اي القران تعظيما لشأنها، وتذكيرا بها «1» . مجادلة يهود المدينة في اية الروح ولما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة قال أحبار يهود: يا محمد أرأيت قولك: «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» أإيانا تريد، أم قومك؟! قال: «كلّا عنيت» قالوا: فإنك تتلو فيما جاءك، إنا أوتينا التوراة فيها بيان كل شيء! فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إنها في علم الله قليل، وعندكم في ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه، فأنزل الله تعالى عليه فيما سألوه عنه من ذلك قوله: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» أي أن التوراة وغيرها من علم الله شيء قليل «3» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 52، 53؛ المدخل لدراسة القران الكريم، للمؤلف، ص 109، 112. (2) الاية 27 من سورة لقمان. (3) سيرة ابن هشام، ج 1 ص 308.

خصومات، ومجادلات، وتهكمات

خصومات، ومجادلات، وتهكمات جلس رسول الله ذات يوم مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم في المجلس وفيه غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله حتى أفحمه، ثم تلا عليهم قول الله تبارك وتعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ «1» جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100) «2» . مقالة ابن الزبعرى وما أنزل الله فيه ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمي حتى جلس؛ فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب انفا وما قعد «3» ، وقد زعم محمد أنّا وما نعبد من الهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعرى: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمدا: أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيرا، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم، فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول ابن الزبعرى! فقال النبي: «إن كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده، إنهم إنما يعبدون الشياطين، ومن أمرتهم بعبادته» . وهو جواب محكم دقيق «4» ، فأنزل الله تصديقا لنبيه في ذلك: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101) لا

_ (1) الحصب كالحطب وزنا ومعنى أي وقودها. (2) الايات 98- 100 من سورة الأنبياء. (3) كناية عن خذلانه في المجادلة، أو عدم انتصابه لحجاج النبي. (4) ما يذكر في بعض كتب التفسير من أن النبي قال له: «ما أجهلك بلغة قومك، إنه قال: ما- وهي لغير العاقل- ولم يقل من» غير صحيح، وأثر الوضع باد عليه.

الأخنس بن شريق

يَسْمَعُونَ حَسِيسَها «1» وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (102) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) «2» . يعني عيسى ابن مريم، وعزيرا، ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله. فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله، أولئك عن النار مبعدون لا يدخلونها أبدا. ونزل فيما ذكره ابن الزبعرى من أمر عيسى، وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته قوله تعالى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ «3» (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) . أي شديد واللجاجة في الخصومة، ثم بيّن حقيقة أمر عيسى فقال: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ (59) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) «4» . الأخنس بن شريق الأخنس بن شريق، بن عمرو، بن وهب الثقفي حليف بني زهرة. وكان من أشراف القوم، وممن يستمع منه. وكان يصيب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويجادله، ويرد عليه «5» . فأنزل الله فيه:

_ (1) صوتها. (2) الايات 101- 103 من سورة الأنبياء. (3) يصدون: يعجبون. (4) الايات 57- 61 من سورة الزخرف. (5) السيرة ج 1 ص 360.

الوليد بن المغيرة

وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) «1» . وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل: في أبي جهل، وقيل: في الأسود بن عبد يغوث. الوليد بن المغيرة وكان ممن يجادل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وينال منه الوليد بن المغيرة، وكان يقول: أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف، ونحن عظيما القريتين؟! فأنزل الله تعالى حكاية لأقوالهم وردا عليهم قوله: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ «2» عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا «3» وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) «4» . تهكم أبي جهل بالقران والنبي: ومن تهكمات أبي جهل وجهالاته أنه لما ذكر الله عز وجل شجرة الزقوم تخويفا لهم قال: يا معشر قريش، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا: لا، قال: عجوة يثرب بالزبد، والله لو استمكنا منها لنتزقمنها تزقما «5» فأنزل الله تعالى فيه قوله:

_ (1) الايات 10- 13 من سورة ن. والعتل: الغليظ الجافي، والزنيم: الدعي في القوم وليس منهم، وقد كان من ثقيف، وعداده في زهرة. (2) القريتين: مكة، والطائف. (3) ليسخّر الغني الفقير. (4) الايتان 31، 32 من سورة الزخرف. (5) لنبتلعنها ابتلاعا.

إنذار أبي جهل رسول الله بسب الله

إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ «1» يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) «2» . وشجرة الزقوم هي التي ذكرها الله في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ «3» فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60) «4» . إنذار أبي جهل رسول الله بسبّ الله ولقي أبو جهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «والله يا محمد لتتركنّ سبّ الهتنا أو لنسنّ إلهك الذي تعبد» فأنزل الله تعالى على نبيه قوله: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ... «5» . فكف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن سب الهتهم، وجعل يدعوهم إلى الله تعالى. تهكم العاص بن وائل برسول الله كان خباب بن الأرت صاحب رسول الله قينا بمكة يعمل السيوف، وكان قد باع للعاص بن وائل السهمي سيوفا عملها له حتى كان له عليه مال، فجاءه يتقاضاه، فقال له: يا خباب أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب، أو فضة، أو ثياب، أو خدم؟! قال

_ (1) المهل: كل شيء أذبته بالنار من نحاس أو رصاص أو ما أشبههما. (2) الايات 43- 46 من سورة الدخان، والحميم: الماء الشديد الحرارة. (3) أي الملعون اكلها. (4) الاية 60 من سورة الإسراء. (5) الاية 108 من سورة الأنعام.

مجادلة أبي بن خلف

خباب: بلى. قال: فأنظرني إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنالك حقّك، فو الله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب اثر عند الله مني، ولا أعظم حقا في ذلك، فأنزل الله تعالى ردا عليه، وتبكيتا له، وزجرا له وردعا قوله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) «1» . مجادلة أبيّ بن خلف ومشى أبيّ بن خلف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعظم بال «2» قد أرمّت، فقال يا محمد، أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم «3» ، ثم فتّه بيده ثم نفخه في الريح نحو رسول الله، فقال له: «نعم أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا، ثم يدخلك الله النار» فأنزل الله تعالى فيه قوله: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً» فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) «5» .

_ (1) الايات 77- 80 من سورة مريم. (2) تحطم وتكسر. (3) بلي وتفتت وصار رميما. (4) قيل: هما المرخ والعفار من شجر البادية إذا احتك أحدهما بالاخر أوقد نارا. (5) الايات 78- 83 من سورة يس.

من أماني المشركين الباطلة

من أماني المشركين الباطلة واعترض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يطوف بالكعبة الأسود بن المطلب بن أسد ابن عبد العزّى، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل السهمي، وكانوا ذوي أسنان في قومهم، فقالوا: (يا محمد، هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه) . وهو عرض خبيث ماكر يدل على حيلة واسعة، ولباقة في حسن العرض، وهو يدل على ما كان يتمتاع به القوم من ذكاء، وفطنة، وعقل، ولكن حجبتها العقائد الموروثة، والأوهام الفاسدة، والتقليد لما عليه الاباء، عن الإذعان للحق والخضوع له. وما كانت هذه الحيلة الماكرة لتجوز على النبي، فقد رفضها واستنكرها، فأنزل الله سبحانه تأييسا لهم، وقطعا لأطماعهم: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) «1» . عود إلى سياسة الإيذاء والاستهزاء ولما رأى المشركون أن سياسة الإغراء والملاينة، والمجادلة، والمغالطة لم تجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وقد حدّثناك عن بعضها- عادوا إلى سياسة الإيذاء. فمن ذلك ما كان يؤذي به رسول الله النّضر بن الحارث، وكان من شياطين قريش، وينصب لرسول الله بالعداوة، وكان من أمره ما ذكرنا فيما سبق

_ (1) النفي في الفقرتين الأوليين يتعلق بالزمن الحاضر، وفي الفقرتين الاخريين يتعلق بالمستقبل، وذلك لقطع أطماعهم فيه، في الحاضر، والمستقبل، ثم أكد النفي بقوله: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.

موقف للنضر يكون فيه منصفا للرسول

من معارضة ما يذكره النبي من قصص الأنبياء والأمم؛ بما كان معه من أساطير تعلمها من بلاد الحيرة عن ملوك فارس، وأحاديث رستم، واسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله مجلسا يعلّم ويذكّر، خلفه في مجلسه فحدثهم بما معه، ثم يقول: ما محمد بأحسن حديثا مني، أنا- والله- يا معشر قريش أحسن حديثا منه، وما حديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها، وقد أنزل الله في مقالته والرد عليه قوله سبحانه: وَقالُوا أَساطِيرُ «1» الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (6) «2» . وقال: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) «3» . وقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً «4» فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (7) «5» . موقف للنضر يكون فيه منصفا للرسول ومن العجيب حقا أن ابن إسحاق روى عن هذا الشيطان والمتمرد على النبوة أنه قال لقريش: «يا معشر قريش إنه- والله- قد نزل بكم أمر ما أتيتم

_ (1) جمع أسطورة أو إسطارة: الخرافات والأباطيل. (2) الايتان 5- 6 من سورة الفرقان. (3) الاية 15 من سورة ن. (4) صمما. (5) الايتان 6- 7 من سورة لقمان.

أمية بن خلف وهمزه للرسول

له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر!! لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة: نفثهم وعقدهم «1» وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، وقد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر؛ وقد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه، يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه- والله- قد نزل بكم أمر عظيم «2» . وكأنه كان يرى هذا ويعتقده، ثم انجرف في تيار معاداة الرسول، وغلبت عليه شقوته، فصار يتعقّب الرسول ويقول فيه ما قال!! أمية بن خلف وهمزه للرسول وكان أمية بن خلف بن وهب بن حذافة السهمي إذا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم همزه، ولمزه، فأنزل الله تعالى فيه: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ «3» (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ «4» (4) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ «5» (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) «6» .

_ (1) النفث النفخ مع ريق قليل، وعقدهم: بفتح العين وسكون القاف، أو بضم العين وفتح القاف جمع عقدة وهي التي يعقد الساحر في الخيط، وينفث فيها بشيء يقوله، وفي الكتاب الكريم: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ أي السواحر. (2) السيرة ج 1 ص 299- 300. (3) همزة، لمزة: بضم أولهما وفتح ثانيهما: كثير الهمز واللمز، وهو الذي يعيب الناس، ويغتابهم، ويؤذيهم بلسانه وجوارحه. (4) سميت النار حطمة: لأنها تحطم وتأتي على كل ما فيها. (5) تطّلع: تظهر وتعلو على القلوب باتقادها وشدة لهبها. (6) جعلها كالسرادق المقام على عمد قوية، المطبق على من فيه، فلا يستطيعون منه هربا ولا خروجا.

إغراء أبي بن خلف لعقبة بالنيل من الرسول

إغراء أبيّ بن خلف لعقبة بالنيل من الرسول وكان أبيّ بن خلف، والشقي عقبة بن أبي معيط متصافيين حسنا ما بينهما، فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمع منه، فبلغ ذلك أبيا، فأتى عقبة فقال له: ألم يبلغني أنك جالست محمدا وسمعت منه؟! وجهي من وجهك حرام أن أكلمك- واستغلظ من اليمين- إن أنت جلست إليه، أو سمعت منه، أولم تأته فتتفل في وجهه، ففعل ذلك السفيه الشقي عقبة «1» ، فأنزل الله تعالى فيهما قوله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (29) «2» . رمي العاص بن وائل الرسول بأنه أبتر وقد بلغ البغض والسّفه ببعض المشركين أن عابوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لا خيرة له فيه من موت أولاده الذكور، ولا يخلّ بدين، ولا مروءة، ولا رجولة، فمن هؤلاء العاص بن وائل السهمي، كان إذا ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: دعوه؛ فإنما هو أبتر لا عقب له، لو مات لا نقطع ذكره، واسترحتم منه، فأنزل الله تعالى سورة الكوثر بيانا لبعض ما رفع الله به ذكر رسوله، وأن شانئه هو الأبتر، قال سبحانه: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) «3» .

_ (1) السيرة ج 1 ص 361. (2) الايات 27- 29 من سورة الفرقان. (3) الكوثر: فوعل من الكثرة، وهو الخير الكثير الذي يشمل النبوة وعموم الرسالة، وكثرة الخصائص والفضائل. ومنه الكوثر النهر الذي في الجنة، وبعضهم خصّه به، والأول هو الأولى. انحر: اذبح نسكك. شانئك: مبغضك. الأبتر: الناقص الذي لا عقب

استهزاؤهم بالرسول

استهزاؤهم بالرسول ومر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، وأبي جهل بن هشام، فهمزوه واستهزؤوا به، فغاظه ذلك، فأنزل الله عليه مسليا ومواسيا، ومنددا بهم ومنذرا قوله تعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10) «1» . ولم يعبأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكل هذا، بل مضى إلى سبيله يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وما زاده الإسراف في الإيذاء والاستهزاء إلا إصرارا على الدعوة. ما نزل بالمسلمين ولا سيما المستضعفين من البلاء والفتنة لا يكاد التاريخ يعرف قوما ابتلوا بألوان البلاء، وفتنوا أشد الفتنة مثل ما عرف ذلك لأصحاب نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فقد عذّبوا عذابا تنوء به الجبال، وأوذوا في سبيل عقيدتهم ودينهم أشد الإيذاء، ولا سيما الأعبد والضعفاء منهم، وليس هذا بعجيب من قوم خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان، من أول يوم اعتنقوا فيه الإسلام، وتوالت عليهم ايات الوحي والمواعظ النبوية صباح مساء، وأخذهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بأساليبه الحكيمة في التربية والتهذيب، وكان لهم القدوة الحسنة في الثبات والصبر، والتحمل، والاستهانة بكل لأواء الحياة، والامها، ومرّها، في سبيل العقيدة والغاية الشريفة. ولم يكن هؤلاء السادة يبغون من إيمانهم ملكا، أو جاها، أو مالا،

_ - له، وقد ردّ الله على العاص مقالته، أي هو الأبتر، لا أنت يا رسول الله؛ لأن كل من يولد إلى يوم القيامة فهم أولادك، وأعقابك، وأنت أب لهم، وذكرك مرفوع على المنابر والماذن، وعلى لسان كل عالم، ومصلّ، وذاكر إلى اخر الدهر، ذلك وفي الاخرة ما لا يدخل تحت الوصف، وإنما الأبتر هو شانئك المنسي في الدنيا والاخرة. (1) الاية 10 من سورة الأنعام.

أو سمعة، وإنما كان همهم أن يقوم هذا الدين وينتشر، وتسود العالم شريعة الحق، والعدل، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان. ولئن كان وجد في الأمم السابقة من ضربوا مثلا عالية في التضحية والصبر والتحمل في سبيل الإيمان والدين، إلا أنهم لم يكونوا في الكثرة مثل ما كان ذلك في الإسلام، ولم يكن لهم من قوة الإيمان وصلابة الاعتقاد مثل ما كان لأصحاب نبينا محمد. وليس أدل على هذا من أن الحواريين الذين كانوا أخلص الخلصاء لعيسى- عليه الصلاة والسلام- خانه بعضهم وهو يهوذا الأسخريوطي كما ذكرته كتبهم- ودل عليه اليهود الذين كانوا يطلبونه لقتله، لولا أن رفعه الله إليه وعصمه منهم، ولن تجد مثالا واحدا لهذا في الصحابة- رضوان الله عليهم- على كثرتهم الكاثرة على أصحاب عيسى- عليه السلام- بل كانوا يفدونه بأنفسهم وأهليهم وأموالهم. وقد كان أبو جهل الفاسق الباغي إذا سمع بالرجل قد أسلم له شرف ومنعة أنّبه وأخزاه، وقال له: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهنّ حلمك، ولنفيّلنّ «1» رأيك، ولنضعنّ شرفك. وإن كان تاجرا قال: والله لنكسدنّ تجارتك، ولنهلكنّ مالك. وإن كان ضعيفا ضربه، وأغرى به. وإن في هذه الرواية التي رواها ابن إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ما يعطينا صورة مؤلمة غاية الألم لما كان ينالهم من العذاب، قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ قال: نعم، والله إن كانوا ليضربون أحدهم، ويجيعونه، ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضرب الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا

_ (1) لنخطئن، ففي القاموس: فال رأيه، يفيل فيولة، وفيلة: أخطأ وضعف، وفيّل رأيه: قبحه وخطأه.

شكاتهم إلى رسول الله ما يلاقون

له: اللات والعزّى إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل «1» ليمر بهم، فيقولون له: أهذا إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، افتداء منهم مما يبلغون من جهده. شكاتهم إلى رسول الله ما يلاقون وفي بعض ساعات الضعف الإنساني كانوا يأتون إلى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- شاكين ما يجدون من شدائد وتعذيب، فيضرب لهم الأمثال، ويعظهم ويذكرهم، فيرجعون راضين مطمئنين صابرين على البلاء. روي عن خباب بن الأرتّ أنه قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسد بردة، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله لنا؟ فقعد، وهو محمّر وجهه، وقال: «قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه!! وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله- عز وجل- والذئب على غنمه» وفي رواية: «ولكنكم تستعجلون» رواه البخاري ومسلم. إنّ ما وعاه التاريخ الصادق مما كان يلاقيه المسلمون الأوائل من صنوف البلاء والعذاب قد بلغ من الروعة، والجلال، وعزة النظير ما يعتبر عند بعض الناس ضروبا من الخيال، ولكنها الحقيقة التي لا ريب فيها، إن الإنسان ليغضّ الطرف حياء، ويحمر وجهه خجلا حينما يستعرض هذه المواقف البطولية الفذة التي سمت بأصحابها إلى درجات سامقة من السمو الديني والخلقي والنفسي، وإليك طرفا من حديث هؤلاء القوم. المعذّبون في الله فمن هؤلاء السادة الأبطال: بلال بن رباح الحبشي، وكان اسم أمه حمامة، وكان مولاه أمية بن خلف الجمحي قاسي الكبد، غليظ القلب؛ لا ينبض قلبه بقطرة من الرحمة الإنسانية. كان يخرجه إلى بطحاء مكة إذا حميت الشمس في الظهيرة، والرمضاء في هذا الوقت تكاد تنضج اللحم الطري، ثم

_ (1) الجعل: بضم الجيم وفتح العين دويبة من دواب الأرض.

يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا- والله- لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى. ولكن بلالا لا يعبأ بالالام ولا بالبلاء، ويأبى إلا أن يعلن عن صادق إيمانه، فلا ينفك يردد ويقول: «أحد. أحد» فتمتزج مرارة العذاب بحلاوة الإيمان!! فإذا حلاوة الإيمان تطغى على مرارة العذاب، وكان يقول: «لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها» وقد هانت نفس بلال عليه في الله، فتحمل ما تحمل بقلب مؤمن، ونفس راضية مطمئنة، حتى صار مثلا يحتذى، كلما ذكر المجاهدون والمعذبون. وهان هو على مواليه فكانوا يجعلون في عنقه حبلا، ويدفعون به إلى الصبيان يلعبون به، حتى أثر الحبل في عنقه، فما صرفه ذلك عن دينه، ويسرف أمية بن خلف الطاغية في التنكيل ببلال وسومه سوء العذاب، ويزداد بلال إيمانا واستعذابا لألوان العذاب، حتى مر به الصّديق أبو بكر- رضي الله عنه- فقال لأمية: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟! «1» فقال له: أنت الذي أفسدته، فأنقذه مما ترى، فقال الصّديق: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، على دينك، أعطيكه به، قال: قد قبلت، فقال: هو لك، فأعطاه سيدنا أبو بكر- رضي الله عنه- غلامه ذلك، وأخذ بلالا فأعتقه لوجه الله!! وهذه الأسرة الياسرية: عمار بن ياسر، وأبوه ياسر، وأمه سمية بنت خباط «2» مولاة أبي حذيفة بن المغيرة، وكان ياسر حليفا له فزوّجه سمية، فولدت له عمارا، فأعتقه، وكان بنو مخزوم يخرجون بهم إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة، ويلبسونهم دروع الحديد المحماة بالنار، فما وهنوا ولا استكانوا، وكان يمر بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم يعذبون، فما يملك لهم إلا أن يحثهم على الثبات والصبر، فيقول: «صبرا ال ياسر فإن موعدكم الجنة» . ولما اشتكى له عمار قائلا: يا رسول الله بلغ منا العذاب كل مبلغ، فقال له:

_ (1) يعني إلى أي وقت يدوم هذا العذاب؟! (2) بضم الخاء، وباء مواحدة مشددة، ويقال بمثناة تحتية، وهي غير سميّة أم زياد.

«اصبر أبا اليقظان، اللهم لا تعذب من ال ياسر أحدا بالنار» . ومرّ أبو جهل اللعين بسمية، وهي تعذب في الله، فطعنها بحربة في ملمس العفة منها، فماتت، فكانت أول شهيدة في الإسلام! ثم لم يلبث أبوه أن توفي تحت وطأة العذاب!! ويطول العذاب بعمار حتى كان لا يدري ما يقول، فيظهر كلمة الكفر على لسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ويجيء عمار- وهو يبكي- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له: «ما وراءك» ؟ قال: شر يا رسول الله: نلت منك، وذكرت الهتهم بخير، قال: «كيف وجدت قلبك» ؟ قال: «مطمئنا بالإيمان» ، فجعل النبي يمسح عينيه بيده، ويقول له: «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» !! ولهج بعض الناس بأن عمارا كفر، ولكن رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى صدع بالحق فقال: «كلا، إن عمارا ملىء إيمانا من مفرق رأسه إلى أخمص قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه» !! ثم ينزل الوحي بشهادة السماء على صدق إيمان عمار، قال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (106) «1» فكانت الاية إعذارا لهؤلاء المعذبين في الله بأن لا حرج عليهم إن جاروا الكفار بطرف اللسان، ما دام القلب عامرا بالإيمان، ورخصة يترخص بها من خاف على نفسه الهلاك. ومن المعذبين في الله عامر بن فهيرة «2» ، أسلم قديما، وصحب النبي والصدّيق في الهجرة يخدمهما، وشهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة شهيدا.

_ (1) الاية 106 من سورة النحل. (2) بضم الفاء وفتح الهاء وإسكان الياء وهي أمه.

ومنهم أبو فكيهة، ذكر ابن إسحاق أنه أسلم يوم أسلم بلال، فعذبه أمية بن خلف حتى اشتراه أبو بكر فأعتقه. ومن المعذّبات في الله، وأظهرن صبرا، وتجلدا، وبطوله: زنّيرة «1» الرومية أمة عمر بن الخطاب، أسلمت قبله، فكان يضربها حتى يفتر، ويشاركه في ضربها أبو جهل، فلا يزيدها ذلك إلا إصرارا على الإسلام، ولما أسلمت أصيب بصرها، فقالت قريش: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزّى، فقالت: كذبوا وبيت الله- ما تضر اللات والعزى، وما تنفعان، ولكن هذا أمر من السماء، وربي قادر على أن يرد عليّ بصري!! فرد الله بصرها، فقالت قريش: هذا من سحر محمد. وكان أبو جهل يقول: ألا تعجبون إلى هؤلاء وأتباعهم، لو كان ما أتى محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنّيرة إلى رشد!! نعم، نعم، يا أبا جهل- ولا كرامة لك- لقد سبقتك زنيرة إلى الرشد؟! وبقي لها الذكر والترضّي عليها ما بقي مسلم على وجه الأرض، وبقي لك اللعن على كل لسان إلى ما شاء الله، لقد ذهبت الأحساب والأنساب، وبقيت التقوى، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ. ومنهن أم عنيس «2» أمة لبني زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها، فما استطاع أن يفتنها عن دينها.

_ (1) بكسر الزاي، وتشديد النون المكسورة، فتحتية، فراء كسكّينة كما في القاموس وكذلك قال في الإصابة، ويقال: زنبرة بفتح الزاي وسكون النون فمواحدة كما في الاستيعاب (شرح المواهب، ج 1 ص 320) . (2) أم عنيس: بعين مهملة مضمومة فنون فياء على صيغة المصغر، وقيل: بباء مواحدة، فتحتية، فسين مهملة.

واهب الحريات

وحمامة «1» أم بلال بن رباح كانت تعذب في الله، وجارية بني المؤمل «2» وهم من بني عدي بن كعب، وكانت قد أسلمت، فكان عمر بن الخطاب يعذبها ويضربها حتى إذا ملّ قال: إني أعتذر إليك بأني لم أتركك إلا ملالة!! فتقول: كذلك فعل الله بك. والنهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار «3» . ولعلك- أيها القارىء الكريم- امنت معي بعد ما سمعت هذه النماذج البشرية العالية أن التاريخ لا يكاد يعرف قوما استعذبوا العذاب في سبيل الإيمان والعقيدة، وهانت عليهم نفوسهم في الله مثل ما عرف ذلك لأصحاب خاتم الأنبياء محمد، وأني لم أكن مسرفا، ولا مبالغا حينما قلت هذا القول، وأن هؤلاء الرجال والنساء خطّوا صحائف مشرقة في تاريخ الإيمان، والبطولة، والتضحية. فلله هذه النفوس المؤمنة، ما أزكاها، وما أشرفها، وما أخلدها على الدهر. واهب الحريات أما واهب الحريات ومحرر العبيد فهو شيخ الإسلام الوقور، الذي عرف بين قومه بأنه يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب «4» الحق، لم ينغمس في إثم في جاهليته، أليف مألوف، يسيل قلبه رقة ورحمة على الضعفاء والأرقاء، أنفق جزا كبيرا من ماله في شراء العبيد، وعتقهم لله وفي الله، قبل أن تنزل التشريعات الإسلامية المحببة في العتق، والواعدة عليه أجزل الثواب، ذلكم المحرر للعبيد هو صدّيق هذه

_ (1) بفتح الحاء المهملة، وتخفيف الميم. (2) قال في الإصابة: وردت في غالب الروايات غير مسماة، وسماها البلاذري لبينة بضم اللام ومواحدة تصغير لبنة. (3) سيرة ابن هشام، ج 1 ص 317- 320؛ شرح المواهب، ج 1 ص 320- 325. (4) هكذا وصف ابن الدغنّة سيد قبيلة القارة أبا بكر- رضي الله عنه- ومن قبل وصفت السيدة الجليلة المهيبة خديجة رسول الله بهذه الأوصاف، فانظر يا قارئي كيف تطابق وصف الصادق، ووصف الصديق.

الأمة، والوزير الأول لرسول الله أبو بكر بن أبي قحافة- رضي الله عنه وأرضاه- ومن هؤلاء السادة الذين أعتقهم: بلال بن رباح: وقد قدّمنا طرفا من قصته، وإذا علمت أن الغلام الذي أعطاه سيدنا أبو بكر كان يسمى: (نسطاس) ويقال: كان صاحب عشرة الاف دينار، وغلمان، وجوار، ومواش- أدركت عظم الفداء الذي فدى به الصديق أبو بكر بلالا، ولا تعجب إذا كان الفاروق عمر قال هذه القولة التي تدل على عظم منزلة الفادي والمفدى: «أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا» يريد بلالا، رواه البخاري في صحيحه. ومن موالي الصديق: أبو فكيهة اشتراه وأعتقه، وعامر بن فهيرة اشتراه وأعتقه لوجه الله. ومن الإماء اللاتي اشتراهنّ وأعتقهن لله: حمامة أم بلال، وأم عنيس وزنّيرة، وجارية بني المؤمل، والنهدية وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، فمر بهما، وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها «1» وهي تقول: والله لا أعتقكما أبدا، وتتوعدهما، فقال الصدّيق: حل «2» يا أم فلان، فقالت حل. أنت أفسدتهما، فأعتقهما، قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. قال قد أخذتهما وهما حرتان، أرجعا إليها طحينها، قالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر، ثم نرده إليها؟ قال: وذلك إن شئتما. وإن لنا هنا لوقفة ترينا كيف سوى الإسلام بين الصدّيق والجاريتين حتى خاطبتاه خطاب الند للند، لا خطاب المسود للسيد، وتقبّل الصديق- على شرفه وجلالته في الجاهلية والإسلام- منهما ذلك، مع أن له يدا عليهما بالعتق، وكيف صقل الإسلام الجاريتين حتى تخلقتا بهذا الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم أن تدعا لها طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله

_ (1) بحب ليطحن. (2) أي تحللي من يمينك واستثني فيه، وأكثر ما تقوله العرب بالفتح.

إنما أريد وجه الله

الحيوان والطير، ولكنهما أبتا- تفضّلا- إلا أن تفرغا منه، وترداه إليها!! إنما أريد وجه الله ولم يكن الصدّيق يقصد بعمله محمدة، ولا جاها، ولا دنيا، وإنما كان يريد وجه الله ذا الجلال والإكرام، لقد قال له أبوه ذات يوم: «يا بني إني أراك تعتق رقابا ضعافا، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك، ويقومون دونك؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله عز وجل، فلا عجب إذا كان الله سبحانه أنزل في شأن الصديق قرانا يتلى إلى يوم الدين «1» ، قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) «2» . فلله أنت أيها الصدّيق العظيم، فقد حررت العبيد قبل أن يعرف العالم الحديث ذلك ببضعة عشر قرنا!!

_ (1) سيرة ابن هشام، ج 1 ص 319؛ وتفسير ابن كثير والبغوي، ج 9 ص 226؛ وتفسير الالوسي، ج 30 ص 152. (2) الايات 5- 21 من سورة الليل، وتأمل في قول الله تعالى لنبيه وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى وقوله في شأن الصديق وَلَسَوْفَ يَرْضى لترى كيف كان الله تبارك وتعالى حفيا بالنبي، وبالصدّيق!!

الفصل الرابع أحداث هامة في العهد المكي

الفصل الرّابع أحداث هامّة في العهد المكّي هجرة الحبشة ولما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما كان ينالهم من التعذيب والإهانة- وقد ذكرت لك ذروا منه انفا- وأنه لا يقدر على أن يمنع عنهم ما يصيبهم قال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه» . فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله إلى أرض الحبشة فرارا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام، وقد روى الواقدي أن خروجهم إليها كان في رجب سنة خمس من البعثة. فكان أول من خرج عثمان بن عفان ومعه زوجه رقية بنت رسول الله، ولما بلغ رسول الله ذلك قال: «صحبهما الله، إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام» . ثم خرج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وزوجه سهلة بنت سهيل بن عمرو، فولدت له بالحبشة محمد بن أبي حذيفة، وخرج الزبير بن العوام، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وزوجه أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وولدت له بها زينب، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة حليف ال الخطاب وزوجه ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم، ويقال: بل أبو حاطب بن عمرو،

ابن عبد شمس، بن عبد ود، بن مالك، بن حسل، بن عامر، بن لؤي، ويقال: إنه أول من قدمها، وسهيل بن بيضاء، فكانوا عشرة رجال، وأربع نسوة، وقيل: وخمس نسوة بزيادة أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو زوج أبي سبرة «1» . ثم خرجوا ما بين ماش وراكب حتى انتهوا إلى البحر، فاستأجروا سفينة حملتهم إلى الحبشة بنصف دينار، وخرجت قريش في اثارهم فلم يدركوا منهم أحدا. ويقال: إن قريشا أرسلت في أثرهم عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدايا وتحف إلى النجاشي ليردهم إلى قومهم فأبى، وردهما خائبين. وأما بعد هجرة الحبشة الثانية فقد أرسلت عمرا وعبد الله بن أبي ربيعة، والمحققون على أن الإرسال إنما كان بعد الهجرة الثانية وهو الصحيح «2» ، فقد كان المتكلم عن المهاجرين جعفر بن أبي طالب، والصحيح أنه لم يهاجر إلا في الثانية، وسنذكر إن شاء الله تعالى- ما كان من رسولي قريش، وما كان من سيدنا جعفر بين يدي النجاشي في موضعه.

_ (1) السيرة، ج 1 ص 222- 223؛ شرح المواهب، ج 1 ص 326. (2) شرح المواهب، ج 1 ص 327، 328.

إسلام عمر بن الخطاب

إسلام عمر بن الخطاب «1» هو عمر بن الخطاب، بن نفيل، بن عبد العزّى، بن رياح، بن عبد الله، ابن قرط، بن رزاح «2» ، بن عدي، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، يجتمع مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في كعب، وأمه حنتمة بنت هاشم «3» بن المغيرة، ابنة عم أبي جهل وأخيه الحارث بن هشام. وكان عمر في جاهليته من أشد الناس إيذاء للمسلمين، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرى أن في إسلامه أو إسلام أبي جهل كسبا كبيرا للإسلام والمسلمين، فلذلك كان يدعو الله أن يهدي أي الرجلين إلى الإسلام. روى الترمذي وغيره عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ أعزّ الإسلام بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب» ورواه أحمد والترمذي وابن سعد وغيرهم عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بلفظ: «اللهم أعزّ الإسلام بأحب الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب» وقد استجاب الله الدعاء، فكان أحب الرجلين عمر بن الخطاب. بين يدي إسلام عمر وقد سبقت إسلام عمر مبشرات كانت تشير إلى أن الرجل يفكر في الإسلام، وأن ماله سيكون إليه، فقد روى ابن إسحاق عن أم عبد الله بنت أبي حثمة زوج الصحابي الجليل عامر بن ربيعة، قالت: إنا لنترحل إلى أرض

_ (1) اختلفت الروايات في وقت إسلامه، فقال ابن إسحاق: أسلم عقب الهجرة الأولى إلى الحبشة، فعلى هذا يكون سنة خمس من المبعث، وقيل: سنة ست في ذي الحجة. (2) رياح بكسر الراء والتحتانية، وقيل بكسر ومواحدة، قرط: بضمّ القاف وإسكان الراء، رزاح: بفتح الراء والزاي، وقيل بكسر الراء. (3) وقع في بعض الكتاب هشام وهو تصحيف كما نبه عليه ابن عبد البر وغيره.

سماعه للقران

الحبشة، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه، قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا، فقال: إنّه للانطلاق يا أم عبد الله؟ قالت: فقلت: نعم، والله لنخرجنّ في أرض الله، اذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجا ومخرجا، فقال: صحبكم الله! قالت: ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف، وقد أحزنه فيما أرى خروجنا. قالت: فجاء عامر، فقلت له: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر انفا ورقته وحزنه علينا، قال: أطمعت في إسلامه؟ قالت: نعم، فقال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب!! وذلك لما كان يرى من غلظته وقسوته. سماعه للقران وقد كان للقران الكريم، وإعجازه، وأسلوبه، وحسن تأليفه، وإحكام معناه أكبر الأثر في إسلامه، ومثل عمر في ذوقه الأدبي، وعلمه باللغة وأساليبها، وتذوقه للجيد من الكلام ممن تأسره بلاغة القران وأسرار الإعجاز، روى الإمام أحمد في مسنده عن عمر قال: خرجت أتعرّض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أتعجب من تأليف القران!! فقلت: هو شاعر كما قالت قريش «1» ، فقرأ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) . فقلت: كاهن علم ما في نفسي، فقرأ: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) .... إلى اخر السورة، قال عمر: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع «2» . كما تذكر بعض الروايات أنه جاء ذات يوم يريد جلساءه فلم يجد أحدا، فقال: لو أني ذهبت إلى فلان الخمار لعلي أجد عنده خمرا فأشرب، فلم يجده،

_ (1) تأمل لترى أنه قال ذلك متابعة لا عن يقين وعلم من نفسه. (2) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 8 ص 472.

إسلام أخته فاطمة وزوجها

ثم قال: لو أني جئت الكعبة فطفت بالبيت سبعا، فذهب يطوف، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلي فقال: لو أني استمعت إلى محمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فاستخفى وراء ستر الكعبة، وما زال يتحرك من وراء الكسوة حتى صار قريبا من النبي قبل قبلته ما يواريه إلا ثياب الكعبة، قال: فلما سمعت القران رقّ له قلبي، فبكيت ودخلني الإسلام، فلم أزل قائما في مكاني هذا حتى قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته ثم انصرف «1» . إسلام أخته فاطمة وزوجها وكانت أخته فاطمة بنت الخطاب قد سبقته إلى الإسلام هي وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وهو ابن ابن عمها، وكانا يخفيان إسلامهما، وكان خبّاب بن الأرت من قدماء المسلمين يختلف إلى فاطمة وزوجها يقرئهما القران. قصده رسول الله لقتله وفي ثورة من ثورات النفس المضطربة، المتحيرة، الناقمة على من يخالفها خرج عمر يوما متوشحا سيفه، يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء، منهم الصدّيق، وعلي، وحمزة في اخرين اثروا المقام مع رسول الله، ولم يخرجوا إلى الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد الله النحّام من بني عدي بن كعب، وكان يخفي إسلامه، فقال: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد محمدا هذا الصابىء الذي فرّق أمر قريش، وسفّه أحلامها، وعاب دينها، وسب الهتها، فأقتله!! فقال له نعيم: لقد غرّتك نفسك يا عمر!! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا؟! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال: وأي أهل بيتي؟ قال ختنك، وابن عمك سعيد بن زيد «2» ، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد- والله- أسلما. فرجع عمر عامدا إلى أخته وزوجها، وعندهما خباب بن الأرت معه

_ (1) السيرة، ج 1 ص 347. (2) الختن زوج البنت أو الأخت، وهو ابن ابن عمه، ففي قوله وابن عمك تجوز.

من لحظات التجلي الإلهي

صحيفة فيها صدر سورة (طه) يقرئهما إياها، فلما سمعوا صوت عمر اختفى خباب في البيت، وأخذت فاطمة الصحيفة، فوضعتها تحت فخذها، وكان عمر قد سمع حينما قرب من البيت قراءة خباب عليهما، فقال: ما هذه الهينمة «1» التي سمعت؟ قالا له: ما سمعت شيئا. قال: بلى- والله- لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه، وبطش بختنه سعيد بن زيد وبرك عليه، فقامت أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها، فضربها فشجها حتى سال منها الدم، فلما فعل ذلك قالا له: نعم قد أسلمنا، وامنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك!! من لحظات التجلّي الإلهي فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، وارعوى، وأدركته لحظة من لحظات التجلّي الإلهي على خلقه فخشع قلبه، وسكنت جوارحه، وهدأت نفسه، وتحوّلت العرامة والشراسة إلى هدوء وسكينة، فقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأونها انفا، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان عمر قارئا كاتبا- فلما قال ذلك قالت له أخته: إنما نخشاك عليها، قال: لا تخافي، وحلف لها ليردّنها إليها إذا قرأها، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وفيها: طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «2» ويروى أنه قال: لما قرأت «بسم الله الرحمن الرحيم» ذعرت، ورميت بالصحيفة من يدي، ثم رجعت إلي نفسي فأخذت الصحيفة، وأنه كلما مر باسم من أسماء الله ذعر!!

_ (1) صوت الكلام الذي لا يتبين. (2) صدر سورة طه، ويروى أنه كان بالصحيفة أيضا صدر سورة الحديد، وسورة التكوير.

فلما قرأ صدرا منها حتى بلغ قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) . فقال: ما ينبغي لمن يقول هذا الكلام أن يعبد معه غيره، ما أحسن هذا الكلام وأكرمه!! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له: يا عمر- والله- إني لأرجو أن يكون الله خصّك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: «اللهم أيّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب» فالله الله يا عمر، فقال له: فدلني يا خباب على محمد حتى اتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله فنظر من خلل «1» الباب، فراه متوشحا السيف، فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو فزع، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ائذن له» فأذن له الرجل، ونهض له رسول الله حتى لقيه، فأخذ بمجامع حجزته «2» ، أو بمجمع ردائه، ثم جبذه «3» به جبذة ارتعد منها عمر وجلس، وفي رواية: فما تمالك أن وقع على ركبتيه «4» ، وقال له: «ما جاء بك يا ابن الخطاب» ؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة» «5» فقال عمر: يا رسول الله جئت لأؤمن بالله ورسوله، وبما جاء من عند

_ (1) شق الباب. (2) موضع شد الإزار. (3) جذبه. (4) هذا يدل على ما كان يمتاز به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من القوة البدنية، وعظمة الشخصية، فضلا عن القوة العقلية والنفسية. (5) داهية.

استعلان المسلمين بدينهم

الله، فكبّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله أن عمر قد أسلم، وكبر المسلمون تكبيرة علم منها أهل مكة أن عمر قد أسلم «1» . استعلان المسلمين بدينهم ولما أسلم عمر قال: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: «بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم، وإن حييتم» فقلت: ففيم الخفاء يا رسول الله، علام نخفي ديننا ونحن على الحق، وهم على الباطل؟! فقال: «يا عمر إنا قليل، قد رأيت ما لقينا» فقال: والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان. ثم خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم هو والمسلمون في صفين: عمر في أحدهما، وحمزة في الاخر، قال حتى دخلنا المسجد الحرام، فنظرت قريش إلينا، فأصابتهم كابة لم يصبهم مثلها قط، فسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ (الفاروق) لأنه فرق بين الحق والباطل. عزّة المسلمين وبإسلام عمر- رضي الله عنه- عز الإسلام والمسلمون، وصاروا يغشون الكعبة ويطوفون حولها، ويصلّون لا يخافون قريشا. روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن مسعود قال: «ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر بن الخطاب» «2» وروى زياد البكّائي بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: «إن إسلام عمر كان فتحا، وإن هجرته كانت نصرا، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر «3» ، فلما أسلم قاتل حتى صلّى عند الكعبة وصلّينا معه» .

_ (1) السيرة، ج 1 ص 342- 350؛ شرح المواهب، ج 1 ص 328- 332. (2) صحيح البخاري- باب إسلام عمر. (3) يريد الضعفاء منهم، وإلا فقد كان رسول الله، وأبو بكر، وحمزة، وأمثالهم يصلون عند الكعبة على ما كان ينالهم.

إخباره لأبي جهل بإسلامه

إخباره لأبي جهل بإسلامه ولما أسلم عمر فكر فيمن هو أشد أهل مكة عداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرأى ذلك أبا جهل، قال: فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه، قال: فخرج إلي أبو جهل فقال: مرحبا وأهلا بابن أختي «1» ، ما جاء بك؟ قال: جئت لأخبرك أني قد امنت بالله وبرسوله محمد، وصدّقت بما جاء به، قال: فضرب الباب في وجهي، وقال: قبّحك الله وقبّح ما جئت به. تحدي عمر لقريش وأراد عمر أن يفي بما وعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أنه لا يبقى مجلس جلس فيه بالكفر إلا جلس فيه بالإيمان، وأن يناله في الله ما نال المسلمين، فسأل: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فغدا عليه وغدا ابنه عبد الله بن عمر وراءه، وهو غلام يعقل كل ما يرى لينظر ما يفعل، حتى جاءه، فقال له: أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ودخلت في دين محمد؟! قال ابن عمر: فو الله ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتّبعه عمر، واتبعت أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش- وهم في أنديتهم حول الكعبة- ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ!! وعمر من خلفه يقول: كذب، ولكني أسلمت، وشهدت ألاإله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. وثاروا إليه، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، ونال منه الإعياء فقعد، وأقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، وأحلف بالله لو قد كنّا ثلاثمائة رجل تركناها لكم، أو تركتموها لنا. إجارة العاص بن وائل السهمي له وقد عزّ على قريش أن يجاهرها عمر بالإسلام، ويغشى نواديهم متحديا،

_ (1) أم عمر هي ابنة عم أبي جهل، لأنها حنتمة بنت هاشم، وهو عمرو بن هشام، لا أخته كما زعم ابن إسحاق (السيرة ج 1 ص 350) . ولعل الوهم جاء من تسميته بابن أخته، والعرب قد يطلقون على بنت العم أختا، وعلى ابنها ابن الأخت، ولا يزال هذا العرف جاريا عندنا بمصر.

فاجتمعوا إلى داره من كل صوب يريدون قتله، حتى أجاره العاص بن وائل السهمي، روى البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر، قال: «بينما هو- أي عمر- في الدار خائف، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، وعليه حلة حبر «1» ، وقميص مكفوف بالحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني أن أسلمت!! قال: لا سبيل إليك، بعد أن أمنت «2» ، فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟! قالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ، قال: لا سبيل إليه، فكرّ الناس- وفي رواية أخرى- قال: فأنا له جار، فرأيت الناس تصدّعوا عنه، فقلت «3» من هذا؟ قالوا العاص بن وائل السهمي، فعجبت من عزته» .

_ (1) جمع حبرة: برد مخطط موشى من التحبير وهو التزيين. (2) يعني بعد أن قالها أمنت. (3) القائل هو عبد الله بن عمر.

الصحيفة الظالمة

الصحيفة الظالمة ولما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد كثروا وعزّوا بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، وأن المهاجرين إلى الحبشة قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، ورأوا الإسلام يفشو في القبائل أجمعوا على أن يقتلوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبلغ ذلك أبا طالب، فجمع بني هاشم وبني المطلب، فأمرهم فأدخلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شعبهم: شعب بني هاشم «1» ، ومنعوه ممن أرادوا قتله، فأجابوه لذلك حتى كفارهم، فعلوا ذلك حمية للرحم والقرابة على عادة أهل الجاهلية في ذلك، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا أبو لهب بن عبد المطلب، فقد انحاز إلى قريش وظاهرهم. فلما رأت قريش ذلك وأجمعوا أمرهم، وائتمروا فيما بينهم على أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم والمطّلب: ألاينكحوا إليهم «2» ، ولا ينكحوهم، ولا يبيعوا منهم شيئا، ولا يبتاعوا، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا حتى يسلموا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم ليقتلوه. وكتبوه في صحيفة بخط منصور ابن عكرمة في رواية ابن إسحاق، وقال ابن سعد: بخط بغيض بن عامر، وقال ابن هشام: بخط النضر بن الحارث، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على كاتبها، فشلّت يمينه، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوة.

_ (1) ويعرف بشعب ابن يوسف، والشعب: الطريق في الجبل، وما انفرج بين جبلين. (2) يعني لا يتزوجوا منهم.

الواصلون لبني هاشم

الواصلون لبني هاشم فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جاهدوا، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرا مستخفيا ممّن أراد صلتهم من قريش، وكان ممن يصلهم حكيم بن حزام ابن أخي السيدة خديجة رضي الله عنها، وهشام بن عمرو العامري وكان أوصلهم لبني هاشم، وذلك أنه ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه، ولذلك كان هشام لبني هاشم واصلا، وكان ذا شرف في قومه، فكان يأتي بالبعير وبنو هاشم وبنو المطّلب في الشعب ليلا، قد أوقره طعاما، حتى إذا بلغ فم الشعب خلع خطامه من رأسه، ثم يضرب على جنبيه، ثم يأتي به قد أوقر برا فيفعل به مثل ذلك. بين حكيم وأبي جهل وفي ذات يوم كان حكيم بن حزام معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته السيدة خديجة رضي الله عنها، وهي عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه في الشعب، فقابله أبو جهل فتعلّق به، وقال له: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟! فو الله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة، فاتفق مجيء أبي البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فقال لأبي جهل: مالك وله؟! فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم!! فقال له أبو البختري: طعام كان لعمته عنده بعثت إليه فيه، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها؟! خلّ سبيل الرجل، فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من الاخر، فأخذ أبو البختري لحي «1» بعير فضربه به فشجّه، ووطئه وطئا شديدا، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، فيشمتوا بهم، ومع كل هذا فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو قومه ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، لا يتقي في ذلك أحدا من الناس. رجوع مهاجري الحبشة وقد كان لما أسلم عمر وأعزّ الله به الإسلام، وتمكن المسلمون من أداء

_ (1) اللحي بكسر اللام عظم الفك.

من دخل في جوار

صلاتهم بالمسجد الحرام حصلت مهادنة بين قريش والمسلمين، ثم لم تلبث قريش أن جن جنونها لما رأت تزايد المسلمين كل يوم وثباتهم على دينهم وعقيدتهم، فعادت إلى ما كانت أولا من ابتلاء للمسلمين وتعذيبهم. وكان نمي إلى المسلمين بالحبشة خبر هذه المهادنة، كما بلغهم إسلام عمر رضي الله تعالى عنه، هذا إلى أنه كانت قد قامت ثورة ضد النجاشي في ملكه «1» ، فخشي المسلمون أن يصاب بهزيمة، وربما يأتي ملك لا يعرف للمسلمين حقهم كما كان النجاشي أصحمة يعرف ذلك. لذلك رأى مهاجرة الحبشة، أو معظمهم الرجوع إلى موطنهم «مكة» «2» ، فلما وصلوا وجدوا الأمر على غير ما سمعوا، وأن البلاء ما زال قائما، بل وعادت الفتنة إلى أشد مما كانت، فدخل من دخل منهم مكة بجوار أو مستخفيا، ومنهم من عاد من حيث أتى. من دخل في جوار وكان ممن دخل في جوار عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه، فقد دخل في جوار الوليد بن المغيرة، ولما رأى عثمان ما فيه أصحاب رسول الله من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان الوليد تألّم وأسف، ولم يسعه ضميره أن يعيش امنا في جوار رجل مشرك وأهل دينه يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبه، فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفّت ذمتك قد رددت إليك جوارك، قال له: لم يا ابن أخي؟ لعله اذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد فاردد إليّ جواري علانية كما أجرتك علانية،

_ (1) انظر أخبار هذه الثورة وما جرى فيها من حروب في السيرة لابن هشام جزء 1 من ص 328- 341. (2) قيل: كان ذلك في شوال سنة خمس من النبوة، وقيل كان في السنة السادسة، وذلك على حسب الخلاف في إسلام سيدنا عمر، فإن الراجح أن إسلامه كان من الأسباب القوية لعودتهم.

أبو سلمة بن عبد الأسد

فانطلقا حتى أتيا المسجد الحرام، فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يردّ عليّ جواري. قال: صدق. قد وجدته وفيا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان إلى مجلس من قريش ينشدهم فيه لبيد بن ربيعة الشاعر، فقال لبيد «1» : «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» فقال عثمان: صدقت، قال لبيد: «وكل نعيم لا محالة زائل» قال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فلا تجدنّ في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان، فقام إليه هذا الرجل السفيه فلطم عينه فخضّرها «2» . وكان الوليد قريبا منهما فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية!! لقد كنت في ذمة منيعة، فقال عثمان: والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله!! فقال له الوليد: هلمّ فعد إلى جوارك إن شئت، فقال: لا، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس. أبو سلمة بن عبد الأسد ودخل أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه في جوار خاله أبي طالب، فسعى إليه جماعة من بني مخزوم فقالوا له: يا أبا طالب لقد منعت ابن أخيك محمدا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا؟ قال: إنه استجار بي وهو ابن أختي، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي، فقام أبو لهب غاضبا وقال: يا معشر قريش، والله لقد أكثرتم على الشيخ، ما تزالون تتواثبون عليه في

_ (1) هو لبيد بن ربيعة، بن عامر، بن مالك، بن جعفر، بن كلاب، يكنى أبا عقيل، وقد أسلم، وذكره في الصحابة البخاري وابن أبي خيثمة وغيرهما، ولما سأله سيدنا عمر عما قاله من الشعر في الجاهلية قال: قد أبدلني الله بالشعر سورة البقرة، ثم سكن الكوفة ومات بها في خلافة عثمان، وعاش 120 سنة، وقيل: أكثر؛ وهو القائل: ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس: كيف لبيد (2) أي سوّدها من شدة الضربة.

جواره من بين قومه!! والله لتنتهن عنه، أو لنقومنّ معه في كل ما قام فيه حتى يبلغ ما أراد!! قالوا: بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة- وكان لهم وليا مناصرا على رسول الله- فأبقوا على ذلك، فلما سمع أبو طالب منه ذلك طمع فيه، ورجا أن يقوم معه في شأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال قصيدة يحرّض فيها أبا لهب على نصرته، ونصرة النبي مطلعها: إنّ امرا أبو عتيبة عمه ... لفي روضة ما إن يسام المظالما ومنها: ولا تقبلنّ الدهر ما عشت خطة ... تسبّ بها إما هبطت المواسما وولّ سبيل العجز غيرك منهم ... فإنك لم تخلق على العجز لازما وحارب فإن الحرب نصف ولن ترى ... أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما ولكنه لم يستجب لأخيه الشيخ أبي طالب، وسار في ركب قريش. «1»

_ (1) السيرة ج 1 ص 371.

قصة الغرانيق

قصة الغرانيق وقد ذكر بعض كتاب السيرة وبعض المفسرين- الذين لا تحقيق عندهم للروايات، ولا يعنون بالتمييز بين الصحيح والضعيف، والغث من السمين عنايتهم بحشد الروايات والإكثار منها- في سبب رجوع مهاجري الحبشة قصة باطلة مختلقة تعرف بقصة الغرانيق، وأنه نزل بسببها قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) ... الايات «1» . وقد انتصر لهذه القصة وطبّل لها وزمّر «السيرموير» وغيره من المبشرين والمستشرقين، وإليك ما روي في هذا قال الحافظ ابن حجر وتبعه السيوطي: أخرج ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة «والنجم» ، فلما بلغ قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ألقى الشيطان على لسانه «تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى» فقال المشركون: ما ذكر الهتنا بخير قبل اليوم، فسجدوا وسجد، فنزلت «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته..» الاية وأخرجه البزار

_ (1) الايات 52- 54 من سورة الحج.

بطلان القصة من جهة النقل والعقل

وابن مردويه من طريق اخر عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس- فيما أحسب «1» . وقال البزار لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، وبعد أن ذكر الحافظ من خرّج هذه القصة ومنهم ابن إسحاق في سيرته عن محمد بن كعب، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب ... قال: وكلها إما ضعيفة أو منقطعة سوى طريق سعيد بن جبير الأولى. وهذا الطريق وطريقان اخران مرسلان أخرجهما ابن جرير هي معتمد القائلين بأن للقصة أصلا كابن حجر والسيوطي «2» . بطلان القصة من جهة النقل والعقل وهذه القصة باطلة نقلا وعقلا. أما نقلا فقد طعن فيها كثيرون من المحدثين ومن المحققين الذين جمعوا بين المعقول والمنقول. قال الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة «3» - وقد سئل عن هذه القصة-: إنها من وضع الزنادقة، وصنف في ذلك كتابا، وقال الإمام البيهقي- وهو من كبار رجالات السنة، وصاحب السنن الكبرى-: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل. وقال الإمام القاضي عياض في الشفا: «إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم، ومن حكيت عنه هذه المقالة من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية.. إلى اخر ما قال «4» .

_ (1) أي أظن، والشك في وصل الحديث عن ابن عباس، وهو يقلّل الثقة بالرواية. (2) فتح الباري ج 8 ص 354، 355؛ أسباب النزول للسيوطي على هامش الجلالين ج 2 ص 15، 16 ط الحلبي. (3) كان يقال له: إمام الأئمة في الحديث توفي سنة 311. (4) الشفا ج 2 ص 117 وما بعدها ط عثمانية.

اضطراب الرواية

وكذا أنكر القصة القاضي أبو بكر بن العربي، وطعن فيها من جهة النقل وأنكرها أيضا الإمام أبو منصور الماتريدي حيث قال: (الصواب أن قوله «تلك الغرانيق العلا» من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة، حتى يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين ليرتابوا في صحة الدين) . وقال الحافظ المفسر ابن كثير في تفسيره: قد ذكر كثير من المفسرين ههنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح والله أعلم «1» . اضطراب الرواية ومما يقلل الثقة بالقصة المزعومة اضطراب الروايات اضطرابا فاحشا، فقائل يقول: كان خارج الصلاة، ومن قائل: إنه كان في الصلاة، واخر يقول: بل حدّث نفسه فسها، ومن قائل: إن الشيطان قالها على لسان النبي، ومن قائل: أعلمهم الشيطان أن النبي قرأها، ومن قائل: إن النبي قال هذا وهو ناعس، ومن قائل: إن الشيطان انتهز سكتة من سكتات النبي في القراءة فقرأها حاكيا صوت النبي. كما رويت «تلك الغرانيق العلا» بألفاظ مختلفة، وليس من شك في أن الاضطراب مما يذهب الثقة بالرواية ويوهنها كما هو مقرر في علم «أصول الحديث» والحق أبلج، والباطل لجلج. القصة لم يخرجها أصحاب الكتاب الصحاح والقصة لم يخرجها أحد من أصحاب الصحاح ولا أحد من أصحاب الكتاب المعتمدة كالسنن الأربعة ومسند الإمام أحمد، والذي رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ النجم وهو بمكة، فسجد معه المسلمون والمشركون، والجن، والإنس» . وفي رواية ابن مسعود «أول سورة أنزلت فيها سجدة «والنجم» قال:

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي ج 6 ص 600 وما بعدها.

اللغة تنكر القصة أيضا

فسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسجد من خلفه إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا» «1» ، فقد اقتصر البخاري على هذا الجزء الصحيح من القصة، وهو لا يدل على ما زادوه، أما سجود المسلمين فاتّباعا لأمر الله، وائتساء برسول الله، وأما سجود المشركين؛ فلما سمعوه من أسرار البلاغة الفائقة، والفصاحة البالغة، وعيون الكلم الجوامع لأنواع من الوعيد والإنكار، والتهديد والإنذار، وقد كان العربي يسمع القران فيخر له ساجدا، وقد حدثناك عن بعض اثار القران في نفوس المنكرين فضلا عن المصادقين، هذا إلى ما فيه من موافقة الجماعة، والشخص إذا كان في جماعة يندفع إلى موافقتها من غير ما شعور، وقد يكون الأمر على خلاف ما يهوى ويريد، كما تدل على ذلك قواعد علم النفس. اللغة تنكر القصة أيضا ومما يدل على افتعال القصة أيضا ما ذكره الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في رد هذه الفرية: وهو أن وصف العرب لالهتهم «بالغرانيق» لم يرد لا في نظمهم ولا في خطبهم، ولم ينقل عن أحد أن ذلك الوصف كان جاريا على ألسنتهم إلا ما جاء في «معجم ياقوت» من غير سند، ولا معروف بطريق صحيح، والذي تعرفه اللغة أن الغرنوق، والغرنوق، والغرنيق، والغرنيق اسم لطائر مائي أسود أو أبيض، ومن معانيه الشاب الأبيض الجميل، ويطلق على غير ذلك «2» ، ولا شيء من معانيه اللغوية يلائم معنى الإلهية والأصنام حتى يطلق عليهما في فصيح الكلام الذي يعرض على أمراء الفصاحة والبيان. تأويل المثبتين للقصة لها وقد حكمت الصنعة الحديثية والقواعد الاصطلاحية على بعض العلماء كالحافظ ابن حجر ومن تبعه كالسيوطي وغيره على أن يقول إن القصة، وإن لم تكن كل طرقها صحيحة، لكن كثرة الطرق تدل على أن لها أصلا، وأوّلوها

_ (1) صحيح البخاري- كتاب التفسير- باب سورة «والنجم» . (2) انظر القاموس مادة «غرنوق» .

ردي على المثبتين للقصة

بما يتفق هو وعصمة النبي صلّى الله عليه وسلّم، إذ الكل مجمعون على أن ذلك لا يجوز أن يجري على لسان النبي لا عمدا ولا سهوا، وقد نقل الحافظ ابن حجر في ذلك وجوها من التأويلات، ذكر معظمها وردّها كما ردّها من سبقه، ولم يرتض منها إلا هذا التأويل: وهو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يرتل القران ترتيلا، فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات، ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته، فسمعها من دنا، فظنه من قوله، وأشاعها بين الناس قال: وهو الذي ارتضاه عياض وأبو بكر بن العربي واستحسناه «1» . وفي الحق أن الإمامين عياضا وابن العربي ينكران القصة نقلا وعقلا، وإنما ارتضيا هذا التأويل على فرض تسليم الصحة، وهو لون من ألوان الحجاج والتنزل مع الخصم، ومن ثم نرى أنه لا يوجد من علماء الإسلام من يقول بظاهر القصة، وأن القائلين بأن لها أصلا أوّلوها بما يوافق مقام النبوة. ردّي على المثبتين للقصة وإني لأجيب على ما ذكره الحافظ ابن حجر في «الفتح» وتابعه عليه السيوطي وغيره بما يأتي: 1- إن جمهور المحدثين لم يحتجوا بالمرسل، وجعلوه من قسم الضعيف لاحتمال أن يكون المحذوف غير صحابي، وحينئذ يحتمل أن يكون ثقة أو غير ثقة، وعلى الثاني فلا يؤمن أن يكون كذابا، وقد قرر الإمام مسلم هذه الحقيقة في مقدمة صحيحه فقال: «والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة» وقال ابن الصلاح في مقدمته: «وما ذكرنا من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه اراء جماهير حفاظ الحديث وتداولوه في تصانيفهم، والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما- رحمهم الله- في طائفة «2» ، أما الشافعي فيحتج به بشروط ذكرها في رسالته، وقد نقلها العراقي في شرح ألفيته وغيره.

_ (1) فتح الباري ج 8 ص 355. (2) مقدمة ابن الصلاح، ص 58، ط العلمية بحلب.

مصادمة القصة للقران

2- الاحتجاج بالمرسل إنما هو في فروع الدين التي يكتفى فيها بالظن، أما الاحتجاج به على شيء يصادم العقيدة وينافي دليل العصمة فغير مسلّم، وقد قال علماء التوحيد: إن خبر الواحد لو كان صحيحا لا يؤخذ به في العقائد لأنه لا يكتفى فيها إلا بما يفيد اليقين، فما بالك بالضعيف أو المختلف فيه. 3- هذا التأويل الذي ارتضاه الحافظ وغيره ممن تابعه قديما وحديثا ما أضعفه عند النظر والتأمل، فهو يوقع القائل به فيما فرّ منه، وهو تسلط الشيطان على النبي، فالتسلط عليه بالمحاكاة، كالتسلط عليه بالإجراء على لسانه كلاهما لا يجوز، وفتح هذا الباب خطر على الرسالات الإلهية. وإذا سلّمنا أن الشيطان هو الذي نطق بهذا المنكر من القول في أثناء سكوت النبي فكيف لم يسمع ما حكاه الشيطان؟! وإذا كان سمعه فلم لم يبادر إلى الإنكار، والبيان في مثل هذا واجب على الفور؟! وإذا لم يسمع النبي ألم يسمع أصحابه؟ وإذا سمعوا فلم لم يبادروا إلى تنبيه الرسول؟! وأهون من هذا في الإبطال وأشد في الاستغراب ما ذكره موسى بن عقبة في مغازيه من أن المسلمين ما سمعوها، وإنما ألقى الشيطان بهذه المقالة في أسماع المشركين!! فهل كان الشيطان يسر بها في اذان المشركين دون المسلمين؟ ثم كيف يتفق هذا الذي اختاروه وما روي من أن النبي حزن حزنا شديدا، وأن جبريل قال له: ما جئتك بهذا؟! الحق أن نسج القصة مهما تأول فيه المتأولون وحاولوا إثبات أن لها أصلا مهلهل متداع لا يثبت أمام البحث، وأن أغلب البلاء دخل على الإسلام من المنقطعات والمراسيل. مصادمة القصة للقران ثم إن هذه القصة الباطلة مخالفة لقوله تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) «1» .

_ (1) الاية 42 من سورة الحجر.

بطلان القصة من جهة العقل والنظر

ومن أحق بهذه العبودية من الأنبياء بله رسول الله، وقال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) «1» . وأي بشر أصدق إيمانا وأشد توكلا على الله من الأنبياء ولا سيما خاتمهم صلّى الله عليه وسلّم، وقد أقر رئيس الشياطين بأنه لا سلطان له على عباد الله المخلصين، فقال كما حكاه الله عنه في قوله عز وجل: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) «2» . ومن أحق من الأنبياء بالاصطفاء؟ أو من أشد إخلاصا منهم لله؟ ونبينا محمد على رأس المصطفين الأخيار، وفي الذروة منهم إخلاصا لله. فهؤلاء الزنادقة الحاقدون على الإسلام ونبيه نسبوا إلى الشيطان ما أقر هو بأنه لا قبل له به، ووضعوا هذه الروايات الباطلة التي تصادم نص القران الذي لا ريب فيه. بطلان القصة من جهة العقل والنظر وأما بطلان القصة من جهة العقل والنظر فقد قام الدليل العقلي القطعي وأجمعت الأمة على عصمته عليه الصلاة والسلام من مثل هذا، وكل ما جاءت به الروايات الباطلة ممتنع في حقه أن يقوله من قبل نفسه عمدا أو سهوا، وهو في اليقظة أو هو وسنان لمكان العصمة منه، قال القاضي عياض: «وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلّى الله عليه وسلّم من جريان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمدا ولا سهوا، أو أن يتشبّه عليه ما يلقيه الملك بما يلقيه الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقوّل على الله لا عمدا ولا سهوا ما لم ينزل عليه قال الله تعالى:

_ (1) الاية 99 من سورة النحل. (2) الايتان 82، 83 من سورة ص. وقد قرىء «المخلصين» بفتح اللام بمعنى استخلصهم واصطفاهم لنفسه، وبكسر اللام أي أخلصوا لله العبادة والتوحيد وهما قراءتان سبعيتان.

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ «1» (46) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) «2» . وقال تعالى: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) «3» ولو جوّزنا شيئا من ذلك لذهبت الثقة بالأنبياء، ووجد المارقون سبيلا للتشكيك في الأديان. ووجه اخر لفساد هذه القصة وهو أن الله تعالى ذم الأصنام في سورة النجم، وأنكر على عابديها وجعلها أسماء لا مسمى لها، وأن التمسك بعبادتها أوهام وظنون قال تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) «4» . فقد جاءت الايات على هذا الأسلوب الإنكاري، التوبيخي، التهكمي بالأصنام وعابديها، وقال بعد الموضع الذي زعموا أنه ذكرت فيه الفرية: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) . فلو أن القصة صحيحة لما كان هناك تناسب بينها وبين ما قبلها

_ (1) الوتين: عرق متصل بالقلب إذا قطع مات الإنسان. (2) الايات 44- 47 من سورة الحاقة. (3) كتاب الشفا، ج 2 ص 119، والاية 75 من سورة الإسراء. (4) أي جائرة في منطق العقل السليم والنقل الصحيح، وقد جاء اللفظ هكذا خارجا عن المعهود في الفصحى ولا سيما الكتاب المعجز ليحصل التطابق بين اللفظ والمعنى، وهو من خصائص العربية.

وما بعدها، ولكان النظم مفككا، والكلام متناقضا، وكيف يطمئن إلى هذا التناقض السامعون وهم أهل اللّسن والفصاحة، وأصحاب عقول لا يخفى عليها مثل هذا، ولا سيما أعداؤه الذين يتلمسون له العثرات والزلات، فلو أن ما روي كان واقعا لشغب عليه المعادون له، ولارتد الضعفاء من المؤمنين، ولثارت ثائرة مكة، ولاتخذ منه اليهود بعد الهجرة متكأ يستندون إليه في الطعن على النبي صلّى الله عليه وسلّم والتشكيك في عصمته، ولكن شيئا من ذلك لم يكن. ووجه ثالث: وهو أن بعض الروايات ذكرت أن فيها نزل قوله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (74) «1» . وهاتان الايتان تردّان الخبر الذي رووه لأن الله ذكر أنهم كادوا يفتنونه، ولولا أن ثبّته لكاد أن يركن إليهم، ومفاده أن الفتنة لم تقع وأن الله عصمه وثبته حتى لم يكد يركن إليهم، فقد انتفى قرب الركون فضلا عن الركون، فالأسلوب القراني جاء على أبلغ ما يكون في تنزيه ساحته صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون، بل افترى بمدح الهتهم، وهذا ينافي ما تدل عليه الاية، وهو توهين للخبر لو صح، فكيف ولا صحة له؟ ولقد طالبته صلّى الله عليه وسلّم ثقيف وقريش إذا مر بالهتهم أن يقبل بوجهه إليها، ووعدوه الإيمان به إن فعل، فما فعل، وما كان ليفعل. وإذا كانت القصة غير ثابتة من جهة النقل، وهي مخالفة للقران، ولما قام عليه الدليل العقلي، فلا جرم أن التحقيق يدعونا إلى أن نصدع بأن حديث الغرانيق مكذوب اختلقه الزنادقة الذين يريدون إفساد الدين، والطعن في سيد الأنبياء وإمام المخلصين.

_ (1) الايتان 73، 74 من سورة الإسراء.

وإذ قد انتهينا إلى هذه النتيجة الممحّصة فما معنى اية الحج إذا؟ وللإجابة على ذلك أقول: إن للاية تفسيرين: الأول: أن التمني المذكور في الاية المراد به تشهّي حصول الأمر المرغوب فيه، ومن هذا المعنى: الأمنية، وما من نبي أو رسول إلا وغاية مقصوده، وجل أمانيه أن يؤمن قومه، وكان نبينا صلّى الله عليه وسلّم من ذلك في المقام الأعلى، قال تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6) «1» . وقال: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ (8) «2» . وقال: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) «3» . وعلى هذا يكون معنى الاية: وما أرسلنا من قبلك رسولا بشرع جديد كإبراهيم وموسى وعيسى، أو نبيا جاء مجددا لشرع جاء به رسول الله قبله كأنبياء بني إسرائيل الذين جاؤوا بعد موسى، مثل يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا وحزقيل، إلا إذا تمنى هداية قومه وإيمانهم ألقى الشيطان في سبيل أمنيته هذه العقبات، ووسوس في صدور الناس، فثاروا في وجهه وجادلوه حينا، وحاربوه حينا اخر، حتى إذا ما أراد الله هدايتهم أزال تلك الوساوس التي ألقاها الشيطان في نفوسهم ووفقهم لإدراك الحق وإجابة داعي الله، وبذلك ينسخ الله ما ألقى الشيطان من الشبهات والعقبات، ويحكم آياته بنصر الحق وأهله على الباطل وحزبه، وينشىء من ضعف أنصاره قوة، ومن ذلهم عزا، وتكون كلمة الله هي

_ (1) الاية 6 من سورة الكهف. (2) الاية 8 من سورة فاطر. (3) الاية 103 من سورة يوسف.

العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ليجعل ما يلقي الشيطان في سبيل دعوات الأنبياء فتنة لضعفاء الإيمان، ومرضى النفوس، وقساة القلوب الذين لا يعتبرون ولا يتعظون وهم المجاهرون بالكفر، أو ليعلم الذين أوتوا العلم وكشف الله الحجب عن بصائرهم أن ما جاء به الرسل هو الحق من ربهم فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم. الثاني: أن المراد بالتمني القراءة «1» ، ولكن الإلقاء ليس بالمعنى الذي أراده المبطلون مما رووه وهو إجراء الشيطان الباطل على لسان النبي، ولكن الإلقاء بمعنى إلقاء الأباطيل والشبه فيما يتلوه عليهم النبي مما يحتمله الكلام، ولا يكون مرادا للمتكلم، أو لا يحتمله، ولكن يدّعي أن ذلك يؤدي إليها، وذلك من شأن المعاجزين الذين دأبهم محاربة الحق يتبعون الشبهة، ويسعون وراء الريبة، ونسبة الإلقاء للشيطان على هذا بمعنى أنه المتسبب والملقي لهذه الشبهات في نفوس أتباعه، ويكون المعنى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا حدّث قومه عن ربه، أو تلا عليهم وحيا أنزله الله لهدايتهم قام في وجهه مشاغبون يتقوّلون عليه ما لم يقله، ويحرفون الكلم عن مواضعه، وينشرون ذلك بين الناس، ولا يزال الأنبياء والمرسلون يجالدونهم ويجاهدون في سبيل الحق حتى ينتصر، فينسخ الله ما يلقي الشيطان من شبه، ويثبت الحق، وقد وضع الله هذه السنة في الخلق ليتميز الخبيث من الطيب، فيفتتن ضعفاء الإيمان الذين في قلوبهم مرض، ويتمحص الحق عند أهله وهم الذين أوتوا العلم فيعلموا أنه الحق، وتخبت له قلوبهم، ويستمر عليه سلوكهم وعملهم. وقد ذكر البخاري في صحيحه هذين المعنيين للتمني، وبدأ بالأول، وثنّى بالثاني، بل ذكره بصيغة التضعيف «2» ، ونقل الأول عن ترجمان القران ابن عباس، وعلى تفسيره للتمني فالاية لا تمت بصلة ما إلى ما رواه المبطلون، وقد بيّنا على التفسير الثاني أنها لا تدل أيضا على ما ذكروه.

_ (1) ومما يدل على هذا قول حسان في عثمان: تمنّى كتاب الله أول ليلة ... تمني داود الزبور على رسل (2) صحيح البخاري- كتاب التفسير- باب تفسير سورة الحج.

هجرة الحبشة الثانية

هجرة الحبشة الثانية لما رأى المسلمون العائدون من الحبشة بعد الهجرة الأولى أن الأذى لا يزال مستمرا، والبلاء لا يزال قائما، بل اشتد أكثر من ذي قبل بعد المهادنة التي أعقبت إسلام الفاروق عمر- رضي الله عنه- خرجوا إلى الحبشة مرة أخرى، وهاجر معهم كثيرون غيرهم أكثر منهم، وعدتهم- كما قال ابن إسحاق وغيره- ثلاثة وثمانون رجلا إن كان عمار بن ياسر فيهم، واثنان وثمانون رجلا إن لم يكن فيهم، قال السهيلي: وهو الأصح عند أهل السير كالواقدي، وابن عقبة وغيرهما «1» ، وثماني عشرة امرأة: إحدى عشرة قرشيات، وسبع غير قرشيات، وذلك عدا أبنائهم الذين خرجوا معهم صغارا، ثم الذين ولدوا لهم فيها. وقد عدّ ابن إسحاق منهم: جعفر بن أبي طالب، وزوجته أسماء بنت عميس، وقد ولدت له بها ابنهما عبد الله، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن عمرو المعروف بابن الأسود، وعامر بن أبي وقاص، وخنيس بن حذافة السهمي، وهشام بن العاص بن وائل السهمي، والسكران بن عمرو، ومعه امرأته سودة بنت زمعة، وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح، وعبيد الله بن جحش، ومعه زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وقد كانت عاقبة أمره خسرا، فقد افتتن هناك وتنصّر وأكبّ على شرب الخمر حتى مات، فصارت امرأته- رضي الله عنها- أيّما، وفي غربة من وطنها ومن أهلها، وتحمّلت كل ذلك في سبيل عقيدتها ودينها، فلما انتهت عدتها أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى النجاشي ليعقد له

_ (1) شرح المواهب، ج 1 ص 346.

وهم لابن إسحاق وغيره

عليها، ففعل، وأمهرها أربعمائة دينار، وبذلك صارت من أمهات المؤمنين يجلّونها، ويكرمونها، وينزلونها من أنفسهم منزلة الأم، وكان عملا جد كريم، من نبي كريم، يواسي بنفسه فضلا عن ماله، ولما علم بذلك أبوها أبو سفيان، وكان من زعماء الشرك قال: هذا الفحل لا يقدع أنفه «1» . وقد بقيت بالحبشة حتى كانت سنة سبع، فقدمت فيمن قدم مع جعفر بن أبي طالب عقب خيبر، وقد تكفل ابن إسحاق وغيره بسرد أسمائهم، ومن ولد لهم، فمن أراد استقصاء فليرجع إلى الكتاب التي تكفلت بذلك «2» ، وقد أقام المهاجرون بخير دار إلى خير جار امنين على أنفسهم ودينهم حتى أراد الله لهم الأوبة. وهم لابن إسحاق وغيره وقد عدّ ابن إسحاق وغيره كأبي نعيم والبيهقي أبا موسى الأشعري فيمن هاجر من مكة إلى الحبشة، وهو وهم من بعض الرواة، والصحيح أنه خرج في اخرين راكبين البحر قاصدين مكة، فألقت بهم السفينة إلى الحبشة. روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: «بلغنا مخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فركبنا سفينة، فألقتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا، فوافينا النبي صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لكم أهل السفينة هجرتان» «3» وهكذا رواه مسلم. سعي قريش إلى النجاشي في ردّ المهاجرين فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أمنوا، واطمأنوا بأرض الحبشة، وأنهم قد أصابوا بها دارا واستقرارا، وحسن جوار من النجاشي، وعبدوا الله لا يؤذيهم أحد، ولا يسمعون شيئا يكرهونه- ائتمروا فيما بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين منهم جلدين، وأن يرسلوا معهما للنجاشي هدايا

_ (1) هذا مثل يضرب للكريم الكفء يتزوج بالكريمة الأصيلة. (2) سيرة ابن هشام، ج 1 ص 322- 330؛ البداية والنهاية، ج 3 ص 66- 69. (3) المراد هجرتهم من اليمن إلى الحبشة، وهجرتهم من الحبشة إلى المدينة.

إحضار النجاشي للمسلمين وسؤالهم

مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها الادم «1» ، فجمعوا له أدما، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وأمروهما بأمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق «2» هديته قبل أن تتكلموا في شأنهم، ثم ادفعوا إليه هداياه، فإن استطعتم أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا. فقدما عليهم، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا قدموا له هدية، وقالوا له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم، ولم يدخلوا في دينكم، فبعثنا قومنا ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا، ولا يكلمهم، ثم قدّموا إلى النجاشي هداياه، وكان من أحب ما يهدى إليه الادم، وذكر موسى بن عقبة في «مغازيه» أنهم أهدوا إليه فرسا وجبّة ديباج، فقالوا له: أيها الملك، إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، جاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجأوا إلى بلادك، وقد بعثنا إليك فيهم عشائرهم: اباؤهم، وأعمامهم، وقومهم لتردهم عليهم، فإنهم أعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، فقال بطارقته: صدقا أيها الملك، قومهم أعلم بهم، فأسلمهم إليهما. فغضب النجاشي ثم قال: لا، لعمر الله، لا أردهم عليهم حتى أدعوهم فأكلمهم، فأنظر ما أمرهم؟ قوم لجأوا إلى بلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني!! إحضار النجاشي للمسلمين وسؤالهم ثم أرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما جاءهم رسوله قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا صلّى الله عليه وسلّم كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤوا- وقد

_ (1) الجلود، وهو بفتح الهمزة والدال، أو ضمهما، جمع أديم. (2) البطريق: القائد العظيم الذي يلي عشرة الاف فما فوق.

استدعى النجاشي أساقفته «1» ، فنشروا مصاحفهم «2» حوله- سألهم، فقال لهم: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟!. فتولى الكلام عنهم سيدنا جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقال له: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله، لنواحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن واباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله واحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة، والزكاة.. وعدّد عليه أمور الإسلام. فصدّقناه، وامنا به، واتّبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله واحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وضيّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألانظلم عندك أيها الملك!! فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي، فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من سورة مريم، فبكى النجاشي حتى اخضلّت «3» لحيته، وبكى أساقفته حتى أخضلوا لحاهم حين

_ (1) جمع أسقف بضم الهمزة، وسكون السين، وتخفيف الفاء وتشديدها. وهم علماء النصارى الذين يقيمون لهم دينهم. (2) أي أناجيلهم، وكانوا يسمونها مصاحف. (3) ابتلت بالدموع.

محاولة أخرى للوقيعة بين المهاجرين والنجاشي

سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إنّ هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة «1» واحدة، انطلقا، فو الله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون. محاولة أخرى للوقيعة بين المهاجرين والنجاشي فلما خرجا من عند النجاشي قال عمرو بن العاص: والله لاتينه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم «2» ، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة: لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد. ثم غدا عليه من الغد، فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم ليسألهم عما يقولون فيه، فلما جاء الرسول قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول- والله- ما قال الله وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن!! فلما دخلوا عليه قال لهم: ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلّى الله عليه وسلّم، نقول: هو عبد الله ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي بيده إلى الأرض، فأخذ منها عودا، ثم قال: والله ما عدا «3» عيسى بن مريم ما قلت هذا العود!! فتناخرت «4» بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم «5» بأرضي، من سبكم غرم (ثلاثا) ، ما أحب أن لي دبرا «6»

_ (1) المشكاة الكوة غير النافذة، وهي محط المصابيح غالبا، والمراد أن القران والإنجيل من مصدر واحد، وهو الوحي الإلهي. (2) شجرتهم التي تفرّعوا منها. (3) ما جاوز أمر عيسى بن مريم. (4) تزاوموا لعدم الرضا. (5) السيوم: الامنون، وفي السيرة: شيوم وفسره بالامنين. (6) الدبر بلسان الحبشة: الجبل.

إسلام النجاشي

من ذهب وأني اذيت رجلا منكم، ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فخرجا من عنده مقبوحين، مذمومين مدحورين، وأقام المسلمون عند النجاشي بخير دار، مع خير جار، حتى قدم منهم من قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة بعد، وبقي من بقي حتى قدموا عقب خيبر سنة سبع. وهكذا نرى من هذه القصة أن من يصدق الله يصدقه، وينصره على من يريد به سوا، ويجعل له من ضيقه وأزماته فرجا ومخرجا، وعسى أن يكون فيها عبرة للذين يتصدّون للدعوة الإسلامية، وذلك بأن يلتزموا جانب الحق والصدق في دعوتهم، وألايحرّفوا فيها، أو يغيروا، أو يداهنوا تبعا للأهواء السياسية وغيرها، وليجاهروا بالحقائق الإسلامية، وليكن في ذلك ما هو كائن. إسلام النجاشيّ وقد أسلم النجاشي، وصدّق بنبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان قد أخفى إيمانه عن قومه؛ لما علمه فيهم من الثبات على الباطل، والجمود على العقائد الموروثة وإن صادمت العقل والنقل. وقد روي في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى، فصفّ بهم، وكبّر أربع تكبيرات» . وقد روي أيضا أن اسمه (أصحمة) ، فقد روى البخاري عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين مات النجاشي: «مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة» «1» وروي هذا عن غير واحد من الصحابة «2» . جواز الصلاة على الغائب وقد استدل بما صحّ من صلاة النبي والمسلمين على النجاشي على جواز الصلاة على الغائب، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء سلفا وخلفا، وصار شرعا متبعا إلى يوم القيامة.

_ (1) بفتح الهمزة، وسكون الصاد، وفتح الحاء والميم كما في القاموس. (2) البداية والنهاية، ج 3 ص 77. وانظر صحيح البخاري ومسلم- كتاب الجنائز.

خروج الصديق مهاجرا إلى الحبشة

خروج الصديق مهاجرا إلى الحبشة وكان ممن ابتلي في الله، وأوذي لمنافحته عن الرسول وعن الدعوة الصدّيق أبو بكر- رضي الله عنه- وقد بدا له أن يهاجر إلى الحبشة ليلحق بإخوانه، ولكن أحد أشراف العرب أجاره وأرجعه. روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «لم أعقل أبويّ إلا وهما يدينان الدين- أي الإسلام- ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو الحبشة، حتى بلغ برك الغماد «1» ، لقيه ابن الدغنّة «2» وهو سيد القارة «3» ، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج، ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق «4» ، فأنا لك جار ارجع فاعبد ربك ببلدك.

_ (1) بفتح الباء وسكون الراء، بعدها كاف، والغماد بكسر الغين وقد تضم وبتخفيف الميم: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن. (2) بضم الدال والغين، وتشديد النون المفتوحة عند أهل اللغة، وعند المحدثين بفتح الدال وكسر الغين وتخفيف النون، وقد روي بالوجهين. (3) بفتح القاف وتخفيف الراء قبيلة كبيرة من بني الهون- بضم الهاء- ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر كانت تشتهر بالرمي. (4) قد مضى شرح هذه الفقرات في حديث بدء الوحي، ولكن الذي يستحق النظر أن هذه الأوصاف هي التي وصفت بها السيدة خديجة رسول الله، مما يدل على ائتلاف الروحين، وتوافق المزاجين، والخالقين، عند الصادق والصدّيق.

فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟! فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا له: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصلّ فيها، وليقرأ ما يشاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا!! فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلي فيه، ويقرأ القران، فيتقذّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القران. وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنّة، فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبي إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك «1» ، ولسنا مقرّين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إليّ ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل «2» .

_ (1) أخفر بالألف نقض العهد، وخفر وفى به. (2) صحيح البخاري- باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة.

وهذه القصة تدل دلالة واضحة على تأثير القران وإعجازه البياني والبلاغي في نفوس العرب الخلّص، وسواء في ذلك الرجال والنساء، بل والصبيان. وقد مر بك من قرب ما كان من أثر القران الكريم وإعجازه في إسلام الفاروق عمر، وما كان من استماع زعماء الشرك أبي جهل، وأبي سفيان بن حرب، والأخنس بن شريق إلى قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم سرا، وكل منهم يخفي أمره على الاخر، حتى إذا رجعوا، وتلاقوا في الطريق صدفة تلاوموا وأوصى بعضهم بعضا بعدم المعاودة، حتى تكرر ذلك ثلاث ليال، وقد روى الإمام أحمد في «مسنده» بسنده عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق: «أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، قال: حسبي لا أبالي ألاأسمع غيرها» وروي أن أعرابيا سمع هاتين الايتين من النبي صلّى الله عليه وسلّم فذهب وهو يقول: ذرة، ذرة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد فقه الرجل» !!

نقض الصحيفة الظالمة

نقض الصحيفة الظالمة مكث بنو هاشم وبنو المطّلب بالشّعب ثلاث سنين، حتى بلغ منهم الجهد مبلغه، فقيّض الله سبحانه وتعالى لنقض الصحيفة أناسا من أشراف قريش، وكان الفضل الأول في ذلك لهشام بن عمرو «1» ، فقد مشى إلى زهير بن أبي أمية المخزومي، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال له: يا زهير، أقد رضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب. وتنكح النساء، وأخوالك حيث قد علمت؟! لا يبتاعون، ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، أما إني أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا، قال: ويحك يا هشام، فماذا أصنع؟! إنما أنا رجل واحد، والله لو كان معي رجل اخر لقمت في نقضها، فقال له: قد وجدت رجلا، قال: من هو؟ قال: أنا، فقال له زهير: أبغنا ثالثا. فذهب إلى المطعم بن عدي فقال له: يا مطعم، أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف، وأنت شاهد على ذلك، موافق لقريش فيهم؟ أما والله لو أمكنتموهم من هذه لتجدنّهم إليها منكم سراعا، قال: ويحك فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت لك ثانيا، قال: من؟ قال: أنا، قال: أبغنا ثالثا، قال: قد فعلت، قال: من؟ قال: زهير بن أبي أمية، فقال أبغنا رابعا، فذهب إلى أبي البختري بن هشام، فقال له نحو ما قال للمطعم بن عدي، فقال

_ (1) هو هشام بن عمرو بن الحارث، بن حبيب، بن نصر، بن مالك، بن حسل، بن عامر، بن لؤي، ابن أخي نضلة بن هاشم، لأمه، وكان هشام هذا لبني هاشم واصلا أثناء القطيعة.

له: ويحك وهل نجد أحدا يعين على ذلك؛ قال نعم: زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأنا، فقال: أبغنا خامسا. فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطّلب بن أسد، فكلمه وذكر له قرابته وحقّهم، فقال له: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد، قال: نعم، ثم سمّى له القوم. فاتّعدوا خطم الحجون «1» ليلا بأعلى مكة، فاجتمعوا هنالك، وأجمعوا أمرهم، وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها، وقال زهير: أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم، فلما أصبحوا غدا إلى أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلّة، فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون، ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل، وكان في ناحية المسجد: كذبت والله لا تشق، فقال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب ما رضينا كتابتها حين كتبت!! فقال أبو البختري: صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقرّ به، فقال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها، وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، تشوور فيه في غير هذا المكان، وأبو طالب جالس في ناحية المسجد لا يتكلم. وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا «باسمك اللهم» ، وذكر ابن هشام أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طالب: «يا عم إن الله قد سلّط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته فيها، ونفت منها الظلم، والقطيعة والبهتان، فقال: أربّك أخبرك بهذا! قال: «نعم» قال: فو الله ما يدخل أحد، ثم خرج إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إن ابن أخي قد أخبرني بكذا وكذا، فهلمّ صحيفتكم، فإن

_ (1) الحجون: موضع بأعلى مكة، وخطمه: مقدمه.

كانت كما قال فانتهوا عن قطيعتنا، وانزلوا عنها، وإن كان كاذبا دفعت إليكم ابن أخي، فقال القوم: قد رضينا، فتعاقدوا على ذلك، ثم نظروا فإذا هي كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فزادهم ذلك شرا، ونسوا ما تعاقدوا عليه، فعند ذلك صنع هذا النفر من قريش ما صنعوا، ولما مزقت قال أبو طالب في شأن هؤلاء الذين تسببوا في نقضها قصيدة يمدحهم فيها، مطلعها «1» : ألا هل أتى بحريّنا «2» صنع ربنا ... على نأيهم والله بالناس أرود «3» فيخبرهم أن الصحيفة مزّقت ... وأن كل ما لم يرضه الله مفسد ومنها: فمن ينش «4» من حضّار مكة عزة ... فعزتنا في بطن مكة أتلد نشأنا بها والناس فيها قلائل ... فلم ننفكك نزداد خيرا ونحمد ومنها: جزى الله رهطا بالحجون تجمعوا ... على ملإ يهدي لحزم ويرشد قعودا لدى خطم الحجون كأنهم ... مقاولة بل هم أعز وأمجد ومنها: متى شرّك الأقوام في جل أمرنا ... وكنا قديما قبلها نتودّد! وكنا قديما لا نقر ظلامة ... وندرك ما شئنا ولا نتشدد فيا لقصي هل لكم في نفوسكم ... وهل لكم فيما يجيء به غد! فإني وإياكم كما قال قائل ... لديك البيان لو تكلمات أسود «5»

_ (1) السيرة ج 1 ص 374- 380؛ البداية والنهاية ج 3 ص 96، 97. (2) قال السهيلي: يعني الذين بأرض الحبشة نسبهم إلى البحر لركوبهم إليه. (3) أرفق. (4) أصلها ينشأ بالهمزة فحذفت. (5) أسود: اسم جبل كان قد قتل فيه قتيل، فلم يعرف قاتله، فقال أولياء المقتول هذه المقالة، فذهب مثلا.

حسن تدبير العرب وإحكام تصرفهم

حسن تدبير العرب وإحكام تصرفهم وإنا لنا هنا لوقفة ترينا ما كان عليه العرب من الكياسة، وحسن التدبير، وإحكام الأمر، وما كانوا عليه من الذكاء والفطنة وبعد النظر، وإن كان بعضهم استغلوا هذه المواهب في محاربة الدعوة الإسلامية استجابة للأهواء، ولتحكم العصبية الجاهلية فيهم. ولولا أن العرب كانوا على درجة من الذكاء والفطنة، والاستعداد لفهم ما يلقى إليهم، وإدراك مغزاه، لما كانوا أهلا لأن يخاطبهم الله سبحانه بهذا القران البالغ الغاية في الفصاحة والبلاغة، وروعة الأسلوب، وإحكام السبك، وجلال المعنى، وسمو الغاية، ودقة المغزى. وقد كان لهذه الصفات والمواهب أثرها البعيد حين اعتنقوا الإسلام عن عقيدة ويقين في تدبير أمور الحرب، والمعاهدات، والصلح، والزكانة والكياسة الفائقتين في سياسة الشعوب، والأجناس المتباينة التي استظلت بلواء الإسلام، وكفى شاهدا لهذا ما قام به النبي والخلفاء الراشدون ومن سار على دربهم في الإمامة والسياسة، وما قام به السادة الأجلاء: خالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، والمثنى بن حارثة، وعكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، والقعقاع بن عمرو، وأمثالهم في الحروب والفتوحات، والصلح والمعاهدات. اللهمّ سبع كسبع يوسف ثم إن قريشا لما استعصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبطأوا عن الإسلام، وأوغلوا في عداوة النبي وإيذائه وإيذاء أصحابه، دعا عليهم فقال: «اللهمّ أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف» فأصابتهم سنة «1» حتى أكلوا الجيف والميتة، والعظام، وحتى كان الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع، ثم جاء إليه أبو سفيان في ناس من قومه، فقالوا: يا محمد إنك تزعم أنك قد بعثت رحمة، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فدعا لهم الرؤوف

_ (1) بفتح السين: جدب وقحط.

الرحيم، فكشف الله عنهم ما هم فيه، فسقوا الغيث، وأطبقت عليهم سبعا، فشكا الناس كثرة المطر، فقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» فانجاب السحاب عنهم فسقى الناس حولهم، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى هذا في قوله «1» : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) «2» . فعادوا كما كانوا، وأوغلوا في كفرهم، فأوعدهم الله الانتقام الأكبر قال تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) «3» . وهذه البطشة هي إما ما جرى لهم يوم بدر، وإمّا ما سينزل بهم من العذاب يوم القيامة «4» .

_ (1) وهذا أحد تفسيري الاية، فقد قيل: إن ذلك كان في الدنيا في العهد النبوي، وذهب اخرون إلى أن ذلك سيكون قبيل يوم القيامة من علاماتها. (2) الايات 10- 15 من سورة الدخان. (3) الاية 16 من سورة الدخان. (4) تفسير ابن كثير والبغوي ج 7 ص 420، 421.

قصة فارس والروم

قصة فارس والروم وقد حدث قبل الهجرة أن تحاربت فارس والروم، فغلبت فارس الروم، ففرح بذلك المشركون، وكانوا يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان مثلهم، وساء ذلك المسلمين؛ لأنهم كانوا يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب مثلهم، ولقي المشركون أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم، فأنزل الله تعالى: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (7) «1» . فخرج أبو بكر إلى الكفار، فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟! فلا تفرحوا، ولا يقرنّ الله أعينكم، فو الله ليظهرن الله الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا صلّى الله عليه وسلّم.

_ (1) الروم: الايات 1- 7.

فقام إليه أبي بن خلف، فقال: كذبت يا أبا فصيل «1» ، فقال له أبو بكر أنت أكذب يا عدو الله، فقال: أناحبك «2» : عشر قلائص «3» مني، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت- إلى ثلاث سنين، فرجع الصديق أبو بكر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبره، فقال: «ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر «4» ومادّه في الأجل» فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال له: لعلك ندمت؟ فقال الصديق: لا، تعال أزايدك في الخطر، وأمادّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين، قال: قد فعلت. فظهرت الروم على فارس قبل التسع، ففرح بذلك المسلمون، أن جاء الواقع على ما أخبر القران، وصدقت نبوءة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن نصر الله الروم أهل الكتاب على الفرس المجوس، وقد اختلف في هذا النصر متى كان؟ فقيل بعد بدر، وقيل: بل كان ذلك عام الحديبية، وهو الأولى والأصح.

_ (1) الفصيل: البكر الصغير، يريد التهكم بالصديق. (2) أي أراهنك، وقد كان هذا قبل تحريم الرهان في الإسلام. (3) جمع قلوص وهي الفتية القوية من الإبل. (4) الرهان.

موت أبي طالب وخديجة

موت أبي طالب وخديجة أولا: موت أبي طالب لقد انجابت الغمة، وأزال الله الكربة عن بني هاشم والمطّلب والرسول والمؤمنين بشق الصحيفة الظالمة، وعادت الأمور كما كانت، ولكن حدث حادثان سبّبا للنبي صلّى الله عليه وسلّم غاية الحزن: أحدهما: موت عم النبي وناصره، ومانعه من قريش أبي طالب بن عبد المطلب «1» ، ولما اشتكى أبو طالب، وثقل به مرضه مشى إليه أشراف من قريش: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب في اخرين، فقالوا: يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى، وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه فخذ له منا، وخذ لنا منه؛ ليكف عنا، ونكف عنه، وليدعنا وديننا، وندعه ودينه. فبعث إليه أبو طالب، فجاءه فقال: يا ابن أخي هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليعطوك، وليأخذوا منك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم كلمة تعطونيها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم» ، فقال أبو جهل: نعم وأبيك- وعشر كلمات، قال: «تقولون: لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه» فصفّقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الالهة إلها واحدا؟ إن هذا لعجب!!

_ (1) اسمه: عبد مناف، وأما ما قيل من أن اسمه عمران فباطل كما قال ابن تيمية.

عرض رسول الله الإيمان على أبي طالب

ثم قال بعضهم لبعض: إنه- والله- ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين ابائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا، فقال أبو طالب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شططا!! فأنزل الله في ذلك قوله: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) «1» . عرض رسول الله الإيمان على أبي طالب وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حريصا جدّ الحرص على إيمان عمه، وأن يختم له بهذه الخاتمة السعيدة، ولكن شياطين الإنس من قريش وعنجهية الجاهلية حالت بينه وبين ذلك. روى البخاري في صحيحه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده أبو جهل، فقال: «أي عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله» وفي رواية: «أشهد لك بها عند الله» فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملّة عبد المطلب! فلم يزالا يكلمانه حتى قال اخر شيء كلمهم به: هو «2» على ملّة عبد المطلب، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» فنزلت:

_ (1) الايات 1- 8 من سورة ص. (2) عبر الراوي بضمير الغيبة تنزها من نسبة الشرك إلى نفسه ولو تلفظا، ولكن أبا طالب نطق بضمير المتكلم.

ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) . ونزلت: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «1» . وقد علّق على ذلك الحافظ ابن حجر في «الفتح» فقال: أما نزول هذه الثانية فواضح في قصة أبي طالب، وأما نزول التي قبلها ففيه نظر «2» ، ويظهر أن المراد أن الاية المتعلقة بالاستغفار نزلت بعد أبي طالب بمدة، وهي عامة في حقه، وفي حق غيره، ويوضح ذلك ما سيأتي في «التفسير» «3» بلفظ «فأنزل الله بعد ذلك ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا.. الاية، وأنزل في أبي طالب إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ولأحمد من طريق أبي حازم عن أبي هريرة في قصة أبي طالب قال: فأنزل الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وهذا كله ظاهر في أنه مات على غير الإسلام، ويضعف ما ذكره السهيلي أنه رأى في بعض كتب المسعودي أنه أسلم، لأن مثل ذلك لا يعارض ما في الصحيح «4» . وأما الإمام الزرقاني في شرح «المواهب اللدنية» فقد نحا منحى اخر، فجعل الاية مكية وتكون مستثناة من كون سورة براءة مدنية حيث قال: «ولا يشكل بأن براءة من أواخر ما نزل بالمدينة، وهذه القصة قبل الهجرة بثلاث سنين؛ لأن هذه الاية مستثناة من كون السورة مدنية كما نقله في الإتقان عن بعضهم وأقره، فلا حاجة إلى تجويز أنه كان يستغفر له إلى نزولها، لأن التشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة.. قال وأما قول السيوطي في «التوشيح» : المعروف أنها نزلت لما زار صلّى الله عليه وسلّم قبر

_ (1) صحيح البخاري- باب قصة أبي طالب. (2) لأن قصة أبي طالب كانت بمكة، واية ما كانَ لِلنَّبِيِّ.. من سورة براءة وهي من أواخر السور المدنية نزولا، فمن ثمّ أول الحافظ الرواية هذا التأويل. (3) يعني كتاب «التفسير» من صحيح البخاري. (4) فتح الباري ج 6 ص 153.

رواية لابن إسحاق

أمه، واستأذن ربه في الاستغفار لها- كما روى الحاكم وغيره- فتساهل لا يليق بمثله، فإنها لا تعادل رواية الصحيح، وقد رد الإمام الذهبي في «مختصر المستدرك» تصحيح الحاكم؛ لأن في إسناده أبا رزين هانىء وقد ضعّفه ابن معين، وله علّة ثانية وهي مخالفته للمقطوع بصحته في البخاري من نزولها عقب موت أبي طالب، وهو كلام حسن. ولعل تأويل الزرقاني أولى وأقرب من تأويل الحافظ ابن حجر؛ لأنه يبعد أن يستمر النبي بضع سنوات يستغفر لعمه حتى نهي بعد. رواية لابن إسحاق وروى ابن إسحاق أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال له: «قل كلمة أستحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة» ورأى حرص رسول الله قال: «ابن أخي، والله لولا مخافة السبّة عليك، وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أني قلتها جزعا من الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها» قال الراوي: فلما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنه، فقال: يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم أسمع» . وهي رواية ضعيفة؛ لأن فيها من لم يسمّ «1» ، فأحد رواتها مجهول، ولعل البلاء منه، ولو أن العباس- رضي الله عنه- شهد بذلك بعد ما أسلم لقبلت روايته، أما وقد ذكر ذلك عنه قبل إسلامه فهي رواية غير مقبولة، لأن السند إليها لا يثبت كما قلنا، وأيضا فهي تعارض ما روي في الصحيحين وغيرهما. فالصحيح أن أبا طالب مات على دين قومه، وهو الذي دلّت عليه الأحاديث الصحيحة التي رواها الشيخان وغيرهما، وأما ما روي من أنه أسلم فهي روايات ضعيفة وموضوعة، وقد عرض لها الحافظ ابن حجر في الإصابة فليرجع إليها من يشاء.

_ (1) قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن بعض أهله عن ابن عباس ... ومثل هذا السند لا يعتبر صحيحا عند أئمة الحديث والرواية.

كلمة هادئة منصفة

كلمة هادئة منصفة وأحب أن أقول للشيعة الإمامية: إننا كنا نحب من صميم قلوبنا لو أن شيخ قريش، أبا طالب أسلم؛ لأننا نعلم أن ذلك كان يحبه رسول الله ويهواه، وما يحبه رسول الله ويهواه فنحن- ولا شك- نحبه ونهواه، ولكن ماذا نصنع وقد سبق القدر بما قد كان؟! ولم نجد من الأدلة الصحيحة ما يجعلنا نقول بذلك، والإمام الالوسي- وهو من محبي ال علي والمنتسبين إليهم- اعتبر الأدلة الدالة على إسلام أبي طالب أوهى من بيت العنكبوت!! كما أقول أيضا: إن موت أبي طالب على الكفر لا يخل بمنزلة الإمام علي رضي الله عنه- ولا بثبات قدمه في الإسلام، ولا بمواقفه البطولية المشهورة، ولا بعلمه الواسع الغزير، ولا بفصاحته وبلاغته المأثورتين، ولا بفقهه وأقضيته التي تخرّج بها العلماء والقضاة والفقهاء ووو ... وإن في الأنبياء من مات أبوه على غير الدين الحق كازر أبي خليل الرحمن، على ما بذل ورغب في هدايته ابنه إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-!! وما أخلّ ذلك بقدر أبي الأنبياء. ونحن- معاشر أهل السنة والجماعة- نجل ال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحبهم حبا جما، لأن حبهم من حبه، وتكريمهم من تكريمه صلّى الله عليه وسلّم، ولكن لا ينبغي أن يعمينا الحب ويصمنا عن الحق ودلائله، والحق أحق أن يتبع، والله هو الهادي لمن يشاء. على أن الخلاف في الرأي لا ينبغي أن يحول بيننا وبين أن نكون إخوانا متحابين، ومتعاونين لا متدابرين، وأن نوحّد جهودنا للإسلام، وفي سبيل رفعته وسيادته. تخفيف العذاب على أبي طالب وقد ورد في الصحيحين وغيرهما أن الله سبحانه وتعالى سيخفف العذاب عن أبي طالب، لمناصرته لرسول الله، وتأييده له في الدعوة إلى الإسلام، روى الإمام البخاري في صحيحه، بسنده عن العباس- رضي الله عنه- أنه قال

نيل المشركين من الرسول بعد وفاة أبي طالب

للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أغنيت عن عمك؟ فو الله كان يحوطك، ويغضب لك، قال: «هو في ضحضاح «1» من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» «2» . وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أنه صلّى الله عليه وسلّم قال- وذكر عنده عمه أبو طالب-: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، فيغلي منه دماغه» وهي نوع من شفاعاته صلّى الله عليه وسلّم بتخفيف العذاب عمن يستحقه، ولو كان من المخلّدين فيه. نيل المشركين من الرسول بعد وفاة أبي طالب ولما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش، فنثر على رأسه ترابا، فدخل رسول الله بيته، والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تزيل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لها: «لا تبكي يا بنية؛ فإن الله مانع أباك» . وكان يقول: «ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب» بل كان بعض جيرانه من ذوي رحمه يأتي بالقذر فيطرحه في برمته، أو في فناء داره، فيأخذه على العود فيقف به على بابه، ثم يقول: «يا بني عبد مناف أي جوار هذا» ؟! ثم يلقيه في الطريق. ومع كل هذا فقد مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لدعوته لا يلوي على شيء، ولا يصده إيذاء مهما بلغ، وكان يمكنه أن يدعو عليهم، فيهلكهم الله، ولكن كان كثيرا ما يقول: «اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون» . ثانيا: موت السيدة خديجة رضي الله عنها أما الحادث الثاني الذي ترك حزنا عميقا في نفس النبي فهو موت السيدة الجليلة المهيبة في قومها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى، وكانت له

_ (1) الضحضاح من الماء: ما يبلغ الكعبين، وقد استعير للقليل من النار. (2) صحيح البخاري- باب ما ورد في أبي طالب.

فضلها رضي الله عنها

وزيرة صدق، كما كانت نعم الزوجة الصالحة العاقلة، يجد فيها سكن النفس وطمأنينة القلب وراحة الروح، فكان كلما ناله من قريش أذى عاد إليها فتزيل عنه اثار الأذى بيديها، وتسرّي عن نفسه بقلبها وحنانها وحديثها المؤمن المستطاب. وكانت وفاة أبي طالب في السنة العاشرة من النبوة، وتوفيت بعده في شهر رمضان بقليل، قيل بأيام، وقيل بشهر، فلا عجب وقد فجع الرسول بهاتين الفجيعتين إذا كان سمي هذا العام «عام الحزن» . ولما قالت له خولة بنت حكيم: يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خلّة «1» لفقد خديجة قال: «أجل، كانت أم العيال، وربة البيت» وكانت إقامتها معه خمسا وعشرين سنة على الصحيح، وقد أفنى زهرة الشباب، وميعة الكهولة، ولم يشأ أن يتزوج عليها؛ وفاء لها وتقديرا لخدماتها، وحرصا على عدم تكدير خاطرها، وإيلام نفسها بإدخال ضرّة عليها مهما كانت، فقد هيأت له صلّى الله عليه وسلّم كل أسباب الراحة النفسية، والبدنية، والمالية، والمعيشية، فكان صنع رسول الله معها ردا للجميل بمثله أو بأكثر منه. فضلها رضي الله عنها لا خلاف بين علماء الأمة- إذا استثنينا السيدة فاطمة بنت الرسول- في أن أفضل نساء هذه الأمة أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم قال تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً (32) «2» . وأن أفضل أزواجه خديجة وعائشة، وقد اختلفوا في التفضيل بينهما، فمنهم من فضّل خديجة، ومنهم من فضّل عائشة، ومنهم من توقف في التفضيل

_ (1) حاجة وحزن بسبب الفراغ الذي تركته خديجة بموتها. (2) الاية 32 من سورة الأحزاب.

بينهما، وليس هنا مجال تفصيل القول في هذا، والذي اختاره الإمام السبكي في «الحلبيات» ، تفضيل خديجة ثم عائشة، ثم حفصة، ثم الباقيات سواء، والذي أميل إليه ما ذهب إليه السبكي من تفضيل خديجة- رضي الله عنها- لأنها أول من امن بالنبي على الإطلاق، وواسته بنفسها ومالها، ووفرت له كل وسائل الراحة التي أعانته على تأدية رسالة ربه. وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما عن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» أي كل منهما خير نساء زمانها، ورويا أيضا بسندهما عن أبي هريرة قال: «أتى جبريل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، ومني وبشّرها ببيت في الجنة من قصب «1» ، لا صخب فيه ولا نصب» فقد أقرأها ربها السلام، ولم يثبت ذلك لأحد من نساء النبي، وكل ما ثبت للسيدة عائشة إقراء جبريل عليه السلام لها، وقد وفرت السيدة الفاضلة خديجة للنبي صلّى الله عليه وسلّم كل وسائل الراحة في دنياها، فكان جزاء وفاقا أن يوفر الله سبحانه لها كل وسائل الراحة والنعيم في أخراها. وقد زاد الطبراني في رواية الصحيحين السابقة أنها قالت لما بلغها النبي عن جبريل سلام ربها: «هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام» ، وفي رواية النسائي بزيادة: «وعليك يا رسول الله السلام، ورحمة الله وبركاته» وهذا الجواب يدل على فقهها، ووفور عقلها، وحسن أدبها، رضي الله عنها. وأصرح من ذلك في الدلالة على تفضيلها على عائشة ما رواه ابن مردويه في تفسيره بسند صحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ثلاث: مريم بنت عمران، واسية امرأة فرعون،

_ (1) القصب: اللؤلؤ المجوف، وفي اختيار هذا اللفظ إيماء إلى أنها حازت قصب السبق بإيمانها وفضائلها.

وفاء الرسول لها بعد وفاتها

وخديجة بنت خويلد «1» ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد «2» على سائر الطعام» . وفاء الرسول لها بعد وفاتها وإذا كان الرسول الكريم قد وفى لها في حياتها بحسن العشرة، وكريم الصحبة، والحرص على تطييب نفسها بعدم الزواج عليها، فقد وفى لها بعد وفاتها، فقد كان دائم الذكر لها، والإشادة بفضائلها والترحم عليها، والإحسان إلى صديقاتها، وإكرام كل من يمت بسبب إليها «3» ، وإذا جاز أن يضيع المعروف عند الناس فهو لا يضيع قط عند معلّم الناس الخير، وصانع المعروف، وهو القائل: «من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، وإلا فادعوا له» «4» وإذا كان رسول الله وفى لمن لم يستحق الوفاء، فكيف بمن هي أهل للوفاء؟! فلا عجب إذا كان وفاؤه للسيدة خديجة منقطع النظير. ففي غزوة بدر الكبرى أسر السيد الجليل أبو العاص بن الربيع صهر الرسول، وزوج ابنته السيدة زينب رضي الله عنها، فأرسلت السيدة الوفية زوجته فداء له، وفيه قلادة كانت قلّدتها بها والدتها السيدة خديجة ليلة زفافها، فلما راها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رقّ لها رقة شديدة، وقال لأصحابه «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردّوا عليها قلادتها فافعلوا» ، فما كان من أصحابه إلا أن استجابوا، وكيف لا يستجيبون إلى نداء القلب المشوق، الذي أهاجته الذكرى وهم ذوو الحس المرهف، والشعور الرقيق والأدب العالي!!.

_ (1) من الموافقات اللطيفة التي جمعت الثلاث في نسق واحد أن كل واحدة منهن كفلت نبيا مرسلا، وأحسنت صحبته، وامنت به، فاسية ربّت موسى، وأحسنت إليه، وصدّقت به حين بعث، ومريم كفلت عيسى وربّته وصدّقت به حين أرسل، وخديجة رغبت في النبيّ وواسته بنفسها ومالها، وأحسنت صحبته، وكانت أول من صدّقه حين نزل عليه الوحي. (2) الثريد: الفت باللحم وكان عند العرب من أطيب الأطعمة. (3) بقرابة. (4) رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح بلفظ «من صنع» .

وقد كان ذكره صلّى الله عليه وسلّم الدائم لخديجة، وثناؤه عليها يثير غريزة الغيرة في نفس عائشة، فتنال منها، ولكن رسول الله كان يقسو عليها في الرد، مما جعلها تؤلي على نفسها ألا تعود. روى الإمام أحمد والطبراني بسندهما عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوما من الأيام، فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزا قد أبدلك الله خيرا منها، فغضب ثم قال: «والله ما أبدلني خيرا منها، امنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها» ، قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبة أبدا) !! وروى نحوه البخاري. ولم يقف الوفاء عند ذكرها، بل كان يحب حبيباتها، ويصلهن، فكان يذبح الشاة، ويقطّعها، ويقول: «أرسلوا إلى صديقات خديجة» رواه البخاري. وكانت تستأذن عليه هالة بنت خويلد أخت خديجة فيذكره صوتها بصوت خديجة، وحديثها العذب، وأيامها الحلوة، فيهش لها، وترتاح نفسه لذلك، وتشرق أسارير وجهه «1» . وجاءته ذات يوم امرأة عجوز من صويحباتها فأحسن لقاءها، وصار يسأل عن أحوالها، وما صارت إليه، فقالت عائشة لما خرجت: تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: «إنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» رواه الحاكم، والبيهقي في الشعب. فلله هذه السيدة العاقلة الطاهرة، التي لها دين كبير في عنق كل مسلم ومسلمة.

_ (1) صحيح البخاري- كتاب- الفضائل باب تزويج النبي صلّى الله عليه وسلّم خديجة وفضلها رضي الله عنها.

الفصل الخامس الذهاب إلى الطائف

الفصل الخامس الذّهاب إلى الطّائف ها هي مكة قد وقفت عقبة كأداء في سبيل الدعوة الإسلامية، وها هم سفهاء قريش قد أسرفوا في إيذاء النبي، والصد عن سبيله بعد موت عمه أبي طالب وزوجه خديجة، فلا عجب إذا أضحت مكة على سعتها أضيق من كفّة الحابل في عين النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيمّم وجهه جهة الطائف حيث توجد ثقيف عسى أن يجد منهم من ينصر الإسلام، ويحمي الدعوة. فخرج إليها في شوال في السنة العاشرة من النبوة، ومعه مولاه زيد بن حارثة، فأقام بها مدة يدعو ثقيفا إلى سبيل الله تعالى، فلم يجد اذانا صاغية، وكان ممن قابلهم ثلاثة من أشرافهم: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب بنو عمرو بن عمير، وكانوا سادة ثقيف وأشرافها، وكانت عند أحدهم صفية بنت معمر القرشي الجمحي، فجلس إليهم، وكلمهم بما جاء له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه. فقال أحدهم: هو يمرط «1» ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الثاني: أما وجد الله أحدا غيرك يرسله، وأما الثالث فكان أعقل منهما فقال: والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسول الله لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك. فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من عندهم، وقد يئس من مناصرتهم له، وقال لهم: «إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني» كراهة أن يبلغ قومه عنه مجيئه لهم،

_ (1) ينزعها ويرمي بها.

تضرع ودعاء

فيزدادوا إيذاء له ولأصحابه، وكان القوم لئاما فلم يفعلوا، بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويرمون عراقيبه بالحجارة، حتى دميت عقباه، وتلطّخت نعلاه، وسال دمه الزكي على أرض الطائف وزيد بن حارثة مولاه يدرأ عنه ويدفع حتى أصيب في وجهه بشجاج، وما زالوا بهما حتى ألجأوهما إلى حائط- بستان- لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه، فكره مكانهما لعداوتهما الله ورسوله، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظل شجرة من عنب، فجلس فيه هو وصاحبه زيد، ريثما يستريحا من عنائهما، وما أصابهما، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، ولم يحركا ساكنا، ولعلهما كانا يتلذذان من هذا المشهد الذي شفى نفوسهما من الرسول، ولقي رسول الله المرأة القرشية التي من بني جمح، فقال لها: «ماذا لقينا من أحمائك» «1» ؟! تضرع ودعاء وفي هذه الغمرة من الأسى والحزن، والالام النفسية والجسمانية توجه الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى ربه بهذا الدعاء الذي يفيض إيمانا ويقينا، ورضى بما ناله في الله، واسترضاء لله، والذي لم أقف على مثيل له فيما قرأت، قال: «اللهمّ إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟! أم إلى عدو ملّكته أمري؟! إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والاخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليّ سخطك. لك العتبى «2» حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله» رواه ابن إسحاق.

_ (1) أهل الزوج وأقاربه وهو جمع حمو. (2) العتبى: الاسترضاء.

قصة عداس النصراني

قصة عدّاس النصراني فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي النبي- ولعلهما سمعا دعاءه- تحركت له رحمهما، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له: عداس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى هذا الرجل فقل له: كل، فلما وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه يده قال: «بسم الله» وفي رواية: «بسم الله الرحمن الرحيم» ثم أكل، فنظر عدّاس في وجهه مستغربا، ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد!! فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ومن أي البلاد أنت يا عدّاس، وما دينك» ؟ قال: نصراني، وأنا من أهل نينوى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك أخي، كان نبيا، وأنا نبي» . فأكب عدّاس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبل رأسه، ويديه، وقدميه!! فقال أحد ابني ربيعة لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل، ويديه وقدميه؟! قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا!! لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي، قالا له: ويحك يا عدّاس، لا يصرفنّك عن دينك، فإن دينك خير من دينه. الأوبة إلى مكة ثم غادر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الطائف، وهو مهموم النفس مكلوم الفؤاد، فلم يستفق إلا وهو «بقرن الثعالب «1» » فرفع رأسه فإذا هو بسحابة قد أظلته، فنظر فإذا فيها جبريل، قال: «فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال «2» لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، وسلّم علي، ثم قال يا محمد إن الله قد بعثني إليك، وأنا

_ (1) بفتح القاف وسكون الراء، وفتحها غلط، والقرن كل جبل صغير منقطع من جبل كبير. (2) أي الموكل بها.

أمر الجن الذين استمعوا إلى النبي وآمنوا به

ملك الجبال لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «1» ؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله واحده، ولا يشرك به شيئا» «2» !! وفي بعض الروايات: فقال له ملك الجبال: أنت كما سماك ربك رؤوف رحيم. أمر الجن الذين استمعوا إلى النبي وآمنوا به وفي الطريق إلى مكة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنخلة «3» قام من جوف الليل يصلي متهجدا، فمر به نفر من الجن، وكانوا سبعة من جن نصيبين «4» ، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته ولّوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا، وقد قصّ الله خبرهم عليه صلّى الله عليه وسلّم، فقال عز شأنه: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى «5» مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (32) «6» . دخول النبي مكة في جوار المطعم بن عدي ولما وصل صلّى الله عليه وسلّم مكة أبى عليه قومها أن يدخلها حنقا عليه وغيظا أن ذهب يستنصر عليهم بثقيف، وتوجّس رسول الله منهم بشر، فبعث رسول الله

_ (1) جبلا مكة: أبو قبيس، والذي يقابله وهو قعيقعان. (2) رواه الشيخان، واللفظ لمسلم. (3) أحد واديين على ليلة من مكة يقال لأحدهما: نخلة الشامية، وللاخر: نخلة اليمانية. (4) من أرض الجزيرة بين العراق والشام. (5) خصوا موسى لاشتهار رسالته أكثر من عيسى عليهما الصلاة والسلام. (6) الايات 29- 32 من سورة الأحقاف.

عبد الله بن الأريقط إلى الأخنس بن شريق أن يجيره، فقال: أنا حليف قريش، والحليف لا يجير على صميمها، فبعثه إلى سهيل بن عمرو ليجيره، فقال: إن بني عامر لا تجير على بني كعب بن لؤي، فبعثه إلى المطعم بن عدي ليجيره، فقال: نعم، قل له فليأت، فذهب إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبات عنده تلك الليلة. فلما أصبح خرج هو وبنوه ستة أو سبعة متقلدي السيوف جميعا، فدخلوا المسجد، وقال لرسول الله: طف، واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف، فأقبل أبو سفيان بن حرب إلى المطعم، فقال: أمجير أم تابع؟ قال: بل مجير، قال: إذا لا نخفر ذمتك «1» ، فجلس معه حتى قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طوافه، فلما انصرف انصرفوا معه، وقد حفظ النبي صلّى الله عليه وسلّم للمطعم بن عدي هذه اليد، ولذلك لما جاءه ابنه جبير ليكلمه في أسارى بدر قال له: «لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» . ولما مات المطعم بعد هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة رثاه حسان بن ثابت بقصيدة مجازاة له على ما صنعه مع رسول الله.

_ (1) لا نغدر بجوارك وعهدك.

الفصل السادس الإسراء والمعراج

الفصل السّادس الإسراء والمعراج في الإسراء والمعراج تسرية عن نفس النبي قد علمت انفا ما وجد النبي من ثقيف لما ذهب إليهم داعيا إلى الله، وما صنعوه معه من الأذى حتى أدموا عقبيه، وكيف عاد النبي من الطائف مهموم النفس، جريح الفؤاد، لا لما ناله من الأذى فذلك أمر يهون، ولكن خوفا على الدعوة ألاتجد مكانا صالحا لانتشارها، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم يرجو من وراء رحلته المضنية إلى الطائف خيرا للدعوة، ومؤازرة لها، ولكنه وجد أهلها أسوأ من أهل مكة، وأجهل وأسفه، وكيف حال مشركو مكة بينه وبين دخول بلده لولا أن أجاره المطعم بن عدي سيد من سادات قريش، فتمكن من دخولها، والطواف حول الكعبة. وفي هذه الغمرة من الماسي والأحزان، وصدود القوم عن الإيمان، ومحاربة الدعوة الإسلامية بكل الوسائل والطرق، وبعد هذه الشدائد المتلاحقة؛ كان من رحمة الله بعبده وحبيبه محمد صلوات الله وسلامه عليه أن يسرّي عن نفسه الجريحة، وفؤاده المحزون، فكان الإسراء والمعراج. فقد شاهد من ايات ربه الكبرى ما شاهد، وعاين من أمارات العناية الإلهية به وبدعوته ما زاده يقينا إلى يقين بإنجاح دعوته، وتبليغ رسالة ربّه، ونصره على أعدائه، وأطلعه الله سبحانه من ملكوته العظيم على ما أطلعه عليه مما ملأ نفس الرسول رضى عن الله، وقلبه نورا وطمأنينة، وصدره ثلجا وانشراحا.

ما هو الإسراء وما هو المعراج؟

ما هو الإسراء وما هو المعراج «1» ؟ الإسراء: هو إذهاب الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بإيلياء- مدينة القدس- في جزء من الليل، ثم رجوعه من ليلته. المعراج: هو إصعاده صلّى الله عليه وسلّم من بيت المقدس إلى السموات السبع، وما فوق السبع، حيث فرضت الصلوات الخمس، ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل. ثبوت الإسراء والمعراج الإسراء ثابت بالقران المتواتر، والأحاديث الصحيحة المتكاثرة. أما القران ففي قوله سبحانه: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) «2» .

_ (1) الإسراء في اللغة: مصدر أسرى: وهو سير عامة الليل، ويقال: أسراه، وأسرى به، وعلى الثانية جاء القران الكريم، وجمهور اللغويين على أن سرى وأسرى بمعنى واحد، وبعضهم يفرق بينهما فيقول: أسرى سار من أول الليل، وسرى: سار من اخره. والمعراج بكسر الميم، قال ابن الأثير: المعراج بالكسر شبه السّلّم مفعال، من العروج أي الصعود كأنه الة له، مأخوذ من عرج يعرج عروجا إذا صعد، والظاهر أن المراد به العروج استعمالا لاسم الالة في المعنى المصدري وهو العروج. (2) الاية 1 من سورة الإسراء، وقد بدأ الاية بلفظ «سبحان» لأن من قدر على هذا فهو مستحق للتنزيه والتقديس، وفيها معنى التعجب وما أجدر الإسراء بأن يتعجب منه. وفي ذكر العبد في مثل هذا تشريف، وفيه أيضا تحذير أن يتخذ من الإسراء ذريعة لرفع الرسول من مقام العبودية إلى مقام الألوهية. وذكر لفظ «ليلا» مع أنه لا يكون إلا ليلا للإشارة إلى أنه في جزء منه. والمسجد الحرام بمكة، وسمي حراما لحرمته. والمسجد الأقصى هو مسجد القدس، وسمي الأقصى لبعده من المسجد الحرام. ومعنى باركنا حوله، البركات الدينية والدنيوية: أما بركاته الدينية فلكونه مقر الأنبياء، ومهاجر الكثيرين منهم، وقبلتهم، ومهبط الملائكة، وهو أحد

وأما الأحاديث فسنذكر بعضها فيما بعد. وأما المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة التي رواها الثقات العدول، وتلقتها الأمة بالقبول، ولو لم يكن إلا اتفاق صاحبي الصحيحين: البخاري ومسلم على تخريجها في صحيحيهما لكفى، فما بالك وقد خرّجها غيرهما من أصحاب كتب الحديث المعتمدة، وكتب السير المشهورة، وكتب التفاسير المأثورة. ويرى بعض العلماء أن المعراج وإن لم يثبت بالقران الكريم صراحة، ولكنه أشير إليه في سورة النجم في قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) «1» . فقد روي عن ابن مسعود والسيدة عائشة- رضي الله عنهما- أن المرئي هو جبريل «2» ، راه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على هيئته التي خلق عليها، ولم يره على هذه الحالة إلا مرتين: الأولى وهو نازل من غار حراء، والثانية ليلة المعراج.

_ - المساجد الثلاثة المشرفة التي تشدّ إليها الرحال: المسجد الحرام، والمسجد النبوي بالمدينة، ومسجد بيت المقدس. وأما الدنيوية فلما يحيط به من الأنهار الجارية، والزروع والبساتين. «لنريه من اياتنا» هي ما أراه الله لنبيه في هذه الليلة من مخلوقات الله وجلاله وسعة ملكه، وعجائب صنعه، وما أفاض به على قلبه من فيوضات ربانية، وعبّر «بمن» لأن الله أرى نبيه بعض آياته لا كلها، إذ ايات الله لا تنتهي، ولا يحيط بها قلب بشر «إنه هو السميع البصير» عدة للمؤمنين بالإسراء بالثواب الجزيل، ووعيد للمنكرين والمشككين. (1) الايات 13- 18 من سورة النجم. (2) وروي عن ابن عباس أن المرئي هو الله سبحانه وتعالى؛ والأول هو الصحيح المعتمد، وعلى رأي ابن عباس فالاية دالة أيضا على المعراج، لأنه يرى أن ذلك كان ليلة المعراج.

الإسراء والمعراج بالجسد والروح

قال الإمام ابن كثير في تفسيره «1» ما خلاصته مع التوضيح: وقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم جبريل- عليه السلام- على صورته التي خلقه الله عليها مرتين: الأولى عقب فترة الوحي، والنبي صلّى الله عليه وسلّم نازل من غار حراء، فراه على صورته له ستمائة جناح قد سدّ عظم خلقه الأفق، فاقترب منه، وأوحى إليه عن الله عز وجل ما أوحى، وإليه أشار الله بقوله: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) «2» . والثانية: ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى، وهي المشار إليها في هذه السورة «النجم» بقوله: «ولقد راه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى» . الإسراء والمعراج بالجسد والروح جمهور العلماء- سلفا وخلفا- على أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، وأنهما كانا في اليقظة بجسده وروحه صلّى الله عليه وسلّم، وهذا هو الذي يدل عليه قوله تعالى في مفتتح سورة الإسراء «بعبده» ، إذ ليس ذلك إلا الروح والجسد. وقد تواردت على ذلك الأخبار الصحيحة المتكاثرة، والنصوص على ظواهرها ما لم يقم دليل على صرفها عن ظاهرها، وأنّى هو؟ وفي الأحاديث الصحيحة أنه شق صدره الشريف، وركب البراق، وعرج به إلى السماء، ولاقى الأنبياء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وأن الله كلمه، وأنه صار يرجع بين موسى- عليه السلام- وبين ربه عز وجل، مما يؤكد أنهما كانا بجسده الشريف وروحه، وينفي ما عدا ذلك.

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي ج 8 ص 96 وما بعدها ط المنار. (2) الايات 5- 10 من سورة النجم، والضمير في قوله: «فأوحى» عائد على جبريل وهو الظاهر المقبول، لأنه المتحدث عنه قبل، وقيل: عائد على الحق تبارك وتعالى، وهو بعيد مردود لما فيه من تفكيك النظم الكريم، وأما الضمير في «عبده» فهو راجع إلى الله سبحانه فحسب، أي فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى، أو فأوحى الله إلى عبده محمد ما أوحى بوساطة جبريل.

القائلون بأنهما كانا بالروح

القائلون بأنهما كانا بالروح وذهب بعض أهل العلم إلى أنهما كانا بروحه- عليه الصلاة والسلام- ونسب القول به إلى السيدة عائشة- رضي الله عنها- وسيدنا معاوية- رضي الله عنه- ورووا في هذا عن السيدة عائشة أنها قالت: «ما فقدت «1» جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن أسري بروحه» وهو حديث غير ثابت، وهّنه القاضي عياض في «الشفا» «2» سندا ومتنا، وحكم عليه الحافظ ابن دحية بالوضع، ومما يضعف هذا الأثر ويرده أن السيدة عائشة لم تكن حينئذ قد دخل بها النبي، فإن من المتفق عليه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يبن بها إلا بعد الهجرة، وإن خطبها قبلها بسنة، وقيل بسنتين، ويرد ذلك أيضا أن الثابت عنها أنها كانت تنكر على من يقول: أن محمدا رأى ربه ليلة المعراج، وتستدل بايات من الكتاب الكريم على حسب اجتهادها وفهمها، فلو كانت ترى هذا الرأي الذي نسبوه إليها زورا لكان أقرب شيء في ردها على من يقول بالرؤية أن تحتج عليهم بأن المعراج لم يكن بجسده، ولكن لم ينقل عنها أنها احتجت بذلك. وأيضا فإن ما روي عن معاوية غير صحيح، وهو حين الإسراء والمعراج لم يكن أسلم بعد، ولو سلمنا ما نسب إليهما- جدلا- فظواهر القران والسنة الصحيحة ترده. القائلون بأنهما كانا مناما وأبعد من هذا القول قول من ذهب إلى أنهما كانا في المنام، ويستدلون لذلك بقوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ... «3» .

_ (1) روي «فقدت» مبنيا للمعلوم، وهي أدل على الوضع، وروي «فقد» بالمبني للمجهول. (2) ج 1 ص 156، 157 ط عثمانية. (3) الاية 60 من سورة الإسراء.

وقالوا: إن الاية تشير إلى الإسراء والمعراج، والرؤيا إنما تطلق على المنامية لا البصرية. وليس أدل على ردّ استدلالهم بهذه الاية من قول ابن عباس في تفسيرها: «هي رؤيا عين أريها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به، والشجرة الملعونة شجرة الزقّوم» رواه البخاري في صحيحه «1» ، والترمذي، والنسائي في سننهما. ومراد ابن عباس- برؤيا العين- جميع ما عاينه صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به من العجائب السماوية والأرضية. وابن عباس هو حبر الأمة، وترجمان القران، ومن أعلم الناس بالعربية، وكان إذا سئل عن لفظ من القران ذكر له شاهدا من كلام العرب، فكلامه حجة في هذا، والرؤيا كما تطلق على المنامية تطلق على البصرية أيضا. ومن شواهد ذلك من كلام العرب الذين يحتج بكلامهم قول الراعي يصف صائدا: وكبّر للرؤيا وهشّ فؤاده ... وبشّر قلبا كان جما بلابله على أن بعض المفسرين يرى أن الاية نزلت عام الحديبية بسبب رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه دخل المسجد الحرام، وعلى هذا فلا تكون الاية دليلا لهم قط، ولكن الصحيح هو الأول. وأيضا لو كان الإسراء والمعراج في المنام لم يكن فيهما شيء يستعظم، ولما بادر كفار قريش إلى تكذيب الرسول والتعجب مما قال، ولما ارتد بعض ضعفاء الإيمان «2» . إذ كثير من الناس يرون في منامهم مثل ذلك، فيرى الرائي أنه ذهب إلى أقصى المعمورة، أو صعد إلى السماء، فاستبعادهم لذلك ومسارعتهم إلى تكذيب النبي عقب إخباره لهم من أظهر الأدلة على أنهم فهموا من إخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم أنهما كانا في اليقظة لا في المنام.

_ (1) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة بني إسرائيل (الإسراء) - باب وما جعلنا الرؤيا ... (2) قلت: لم يثبت.

الفرق بين كونهما بالروح، وكونهما مناما

الفرق بين كونهما بالروح، وكونهما مناما ومما ينبغي أن يعلم أن بعض الكاتبين في معجزتي الإسراء والمعراج يخلط بين قول من يقول: كانا مناما، وقول من يقول: كانا بالروح، وبينهما فرق، فمن قال كانا بالروح أراد أن الروح بما لها من قدرة على التصرف والانتقال هي التي انتقلت وجالت في هذه المعاني المقدسة في الأرض والسماء، وأما من قال في المنام فإنما أراد حدوث صور وانكشافات للروح فيما وراء الحسّ من عالم الغيب من غير انتقال، ومفارقة للبدن، وقد نبه إلى هذا الفرق وبسطه، الإمام ابن القيم في كتابه «زاد المعاد في هدي خير العباد» «1» ، فليرجع إليه من يشاء الاستزادة. الإسراء والمعراج وواحدة الوجود ولا يفوتني وقد عرضت للاراء في الإسراء والمعراج، وبينت المقبول منها من المردود أن أعرج على رأي ساقه الدكتور محمد حسين هيكل- رحمه الله- في كتابه «حياة محمد» ، وهو تصوير الإسراء والمعراج تصويرا روحيا مبنيا على فكرة «واحدة الوجود» . وإليك ما ذكره في كتابه بعد أن عرض عرضا موجزا لخلاف العلماء في الإسراء والمعراج: أهما بالجسد أم بالروح؟ قال: «ففي الإسراء والمعراج في حياة «محمد» الروحية معنى سام غاية السمو، معنى أكبر من هذا الذي يصورون، والذي قد يشوب بعضه من خيال المتكلمين حظ غير قليل، فهذا الروح القوي قد اجتمعت فيه في ساعة الإسراء والمعراج واحدة هذا الوجود بالغة غاية كمالها، لم يقف أمام ذهن محمد وروحه في تلك الساعة حجاب من الزمان، أو المكان، أو غيرهما من الحجب التي تجعل حكمنا نحن في الحياة نسبيا محدودا بحدود قوانا المحسة، والمدبرة، والعاقلة. تداعت في هذه الساعة كل الحدود أمام بصيرة محمد، واجتمع الكون كله في روحه، فوعاه منذ أزله إلى أبده، وصوره في تطور واحدته إلى الكمال عن

_ (1) ج 2 ص 128، 129 ط أنصار السنة المحمدية.

مناقشة للدكتور هيكل

طريق الخير والفضل والجمال والحق في مغالبتها وتغلبها على الشر والنقص، والقبح والباطل بفضل من الله ومغفرة. وليس بمستطيع هذا السمو إلا قوة فوق ما تعرف الطبائع الإنسانية، فإذا جاء بعد ذلك ممن اتبعوا محمدا من عجز عن متابعته في سمو فكرته، وقوة إحاطته بواحدة الكون في كماله، وفي جهاده لبلوغ هذا الكمال فلا عجب في ذلك، ولا عيب فيه، والممتازون من الناس، والموهوبون منهم درجات، وبلوغنا الحقيقة معرض دائما لهذه الحدود التي تعجز قوانا عن تخطيها ... «والإسراء بالروح هو في معناه كالإسراء والمعراج بالروح جميعا سموا وجمالا، وجلالا، فهو تصوير قوي للواحدة الروحية من أزل الوجود إلى أبده، فهذا التعريج على جبل سيناء حيث كلّم الله موسى تكليما، وعلى بيت لحم حيث ولد عيسى، وهذا الاجتماع الروحي ضمت الصلاة فيه محمدا، وعيسى، وموسى، وإبراهيم مظهر قوي لواحدة الحياة الدينية على أنها من قوام واحدة الكون في موره الدائم إلى الكمال ... » إلى اخر ما قال «1» . مناقشة للدكتور هيكل إن فكرة واحدة الوجود فكرة خاطئة وافدة إلى الإسلام فيما وفد إليه من اراء فاسدة لا يشهد لها عقل ولا نقل، وهي من مخلّفات الفلسفات القديمة، وفيها ما فيها من أخطاء وأباطيل، وقد انتصر لها وتشيع بعض المتصوفة الذين ينتسبون إلى الإسلام، وكتبوا فيها فكان عاقبتهم الإلحاد في الله وصفاته. وقد أبان بطلانها كثير من علماء الأمة الراسخين في العلم، المتثبتين في العقيدة، والقول بها يؤدي إلى القول بالطبيعة، وقدم العالم، وإنكار الألوهية، وهدم الشرائع السماوية التي قامت على أساس التفرقة بين الخالق والمخلوق، وبين وجود الرب، ووجود العبد، وتكليف الخالق للخلق بما يحقق لهم السعادة، ومقتضى هذا المذهب أن الوجود واحد، فليس هناك خالق ومخلوق، ولا عابد

_ (1) «حياة محمد» ص 189، 190 ط ثانية.

ومعبود، ولا قديم وحادث، وعابدو الأصنام والكواكب والحيوانات حين عبدوها إنما عبدوا الحق، لأن وجودها الحق، إلى اخر خرافاتهم التي ضلّوا بسببها وأضلوا غيرهم، والتي أضرت بالمسلمين، وجعلتهم شيعا وأحزابا، ولقد بلغ من بعضهم أنه قال: إن النصارى ضلّوا لأنهم اقتصروا على عبادة ثلاثة، ولو أنهم عبدوا الوجود كله لكانوا راشدين، وقال بعض المعتنقين لهذه الفكرة: العبد حق، والرب حق ... يا ليت شعري من المكلّف؟ إن قلت: عبد فذاك رب ... أو قلت: رب أنّى يكلف؟ قال الإمام تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني في بعض كتبه بعد أن ذكر الفناء المحمود، والفناء المذموم: «ولهذا لما سلك ابن عربي، وابن سبعين وغيرهما هذه الطرق الفاسدة أورثهم ذلك «الفناء» عن وجود السوى فجعلوا الموجود واحدا، ووجود كل مخلوق هو عين وجود الحق، وحقيقة الفناء عندهم ألايرى إلا الحق، وهو الرائي والمرئي، والعابد والمعبود، والذاكر والمذكور، والناكح والمنكوح، والامر الخالق هو المأمور المخلوق، وهو المتصف بكل ما يوصف به الوجود من مدح وذم، وعبّاد الأصنام ما عبدوا غيره، وما ثمّ موجود مغاير له البتة عندهم، وهذا منتهى سلوك هؤلاء الملحدين!! وأكثر هؤلاء الملاحدة القائلين بواحدة الوجود يقولون: فرعون أكمل من موسى، وإن فرعون صادق في قوله: «أنا ربكم الأعلى» لأن الوجود فاضل ومفضول والفاضل يستحق أن يكون رب المفضول، ومنهم من يقول: إنه مات مؤمنا، وأن تغريقه كان ليغتسل غسل الإسلام» «1» . فالحق أن فكرة واحدة الوجود فكرة زائفة، تصادم نصوص الدين القطعية، ولا يدل عليها شيء من قران أو سنة، وأن العقيدة الإسلامية السمحة براء من مذهب «واحدة الوجود» .

_ (1) الرد على المنطقيين ص 521 ط الهند.

تفسير الإسراء والمعراج بهذا يلزم منه إنكار النصوص أو تحريفها

تفسير الإسراء والمعراج بهذا يلزم منه إنكار النصوص أو تحريفها ثم إن تفسير الإسراء والمعراج بهذه الفكرة، وتصويرهما هذا التصوير الذي ارتضاه «هيكل» يقتضي إنكارها على حسب ما جاء به القران القطعي، والسنة الصحيحة المشهورة، فليس ثمة إسراء حقيقة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بذات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وليس هناك عروج بالنبي من بيت المقدس إلى السماوات السبع وما فوقهن، ولا صلاة بالأنبياء، ولا لقاء ولا تسليم، ولا تكليم الله لنبيه، وإنما كل ذلك تمثيل وتقريب. وما الداعي إلى ذلك ما دام الكون كله قد اجتمع في روح النبي كما قال صاحب الرأي: فالمسجد الحرام في روحه، والأقصى في روحه، والسماوات وما فيهن في روحه، ووجودها في وجوده!! إغراب وتشويش ثم ما الداعي إلى كل هذا التكلّف والإغراب من الدكتور هيكل في فهم نصوص صريحة جاءت بلسان عربي مبين؟! وما الذي حدا به إلى أن «يشطح» هذه «الشطحات» التي لا داعي إليها. إن الإسراء والمعراج كما جاء بهما القران والأحاديث الصحاح أقرب منالا، وأشد استساغة لعقول الناس مما ذهب هو إليه، ولو جلست زمانا لتفهم رجلا أميا أو متعلما، بالإسراء والمعراج على ما رأى الدكتور ما أنت بمستطيع إفهامه هذه الألغاز والطلاسم التي حاول بها إحداث رأي جديد لا يدري أسبق إليه أم لا! وهل تصوير الإسراء والمعراج بهذا التصوير إلا إشكال على عقول الكثرة من الناس، ومخاطبة لهم بما لا تبلغه عقولهم ومداركهم، وقد أمرنا أن نحدّث الناس بما يعقلون وأن ندع ما ينكرون، وفي الحكم الذهبية عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم» «1» .

_ (1) رواه مسلم في مقدمة صحيحه.

متى كان الإسراء والمعراج؟

الحق أن الإغراب على القراء بمثل هذه الأفكار المسمومة، والاراء الشاذة الغريبة تشكيك لهم في عقائدهم الصحيحة، وتسميم لعقولهم، وانحراف بهم عن فطرتهم السليمة، والحق أبلج لا يحتاج إلى تكلف، وتعمّل وتفلسف من غير داع «وما أنا من المتكلّفين» كما أنه أثر من اثار مجاراة المستشرقين ومتابعتهم في أفكارهم. متى كان الإسراء والمعراج؟ يكاد يجمع العلماء المحققون على أن الإسراء والمعراج كانا بعد البعثة المحمدية، وأنهما كانا في اليقظة لا في المنام، وقد تظاهرت على ذلك الروايات المتكاثرة في كتب الحديث المشهورة، وكتب السير الموثوق بها. وأما ما روي من أنهما كانا مناما كما في حديث شريك بن عبد الله «1» عن أنس فهو غلط من شريك، وقد خالف فيه شريك أصحاب أنس «2» في إسناده ومتنه بالتقديم والتأخير والزيادة المنكرة، وأشد أوهامه- أغلاطه- قوله: سمعت أنس بن مالك يقول: «ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أن جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه» . والإمام البخاري قد أخرج في صحيحه الرواية التي اتفق عليها الرواة عن أنس- ما عدا شريك- في عدة مواضع من كتابه، وهي الرواية الصحيحة، وذكر أيضا الرواية التي وقع فيها الغلط من شريك، ولعل ذلك لينبهنا إلى ما فيها من غلط، وللإمام البخاري في سوق الروايات والمتون المكررة شفوف نظر، ومقاصد دقيقة لا يقف عليها إلا من أطال النظر في هذا الكتاب الجليل. وقد نبه على غلط شريك بن عبد الله في روايته الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، فقد قال بعد ذكر سند رواية شريك: «وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني، وقدّم فيه شيئا وأخّر وزاد ونقص» «3» .

_ (1) شريك بن عبد الله بن أبي نمر تابعي مدني، وهو أكبر من شريك بن عبد الله النخعي التابعي. (2) يعني الرواة الذين عرفوا بالرواية عن أنس. (3) صحيح مسلم بشرح النووي ج 2 ص 217.

شبه المنكرين للإسراء والمعراج، والرد عليها

وأنكر ما في حديث شريك من أوهام أيضا الأئمة: الخطابي، وابن حزم، والقاضي عياض، والنووي وغيرهم «1» . وقد اختلف في أي سنة كانا؟ وفي أي شهر؟ فذهب البعض إلى أنهما كانا قبل الهجرة بسنة، وإلى هذا ذهب الزهري وعروة بن الزبير وابن سعد، وادعى ابن حزم الإجماع على هذا، وقيل قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث. والذي عليه الأكثرون والمحققون من العلماء أنهما كانا في شهر ربيع الأول، وقيل في ربيع الاخر، وقيل في رجب، وهو المشهور بين الناس اليوم، والذي تركن إليه النفس بعد البحث والتأمل أنهما كانا في شهر ربيع الأول في ليلة الثاني عشر منه أو السابع عشر منه. وقد ذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» أثرا عن جابر وابن عباس- رضي الله عنهما- يشهد لذلك، قالا: «ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر» ثم قال: «وقد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته، وقد أورد هنا حديثا لا يصح سنده ذكرناه في فضائل شهر رجب: أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين منه والله أعلم» . شبه المنكرين للإسراء والمعراج، والرد عليها تكاد تنحصر شبه المخالفين في الإسراء والمعراج بالجسد في استبعاد الذهاب من مكة إلى بيت المقدس، ثم الصعود إلى السماوات العلا، ثم الرجوع من حيث أتى في جزء من الليل. وفي أن القران الكريم لم يذكر المعراج كما ذكر الإسراء، وفي أن المعراج يترتب عليه الخرق والالتئام في الأفلاك والسماوات وذلك مستحيل.

_ (1) الإسراء والمعراج للمؤلف ص 48، 49.

وفي أن الطبقة الهوائية المحيطة بالكرة الأرضية محدودة بثلاثمائة كيلومترا تقريبا، فمن جاوزها صار عرضة للموت المحقق لعدم وجود الهواء الذي لا بدّ منه للحياة. وهي شبه لا تثبت أمام البحث العلمي الصحيح. فالإسراء والمعراج أمران ممكنان عقلا أخبر بهما الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم في القران الكريم المتواتر، وفي الأحاديث الصحيحة المشهورة، فوجب التصديق بوقوعهما، ومن ادّعى استحالتهما فعليه البيان وهيهات ذلك، وكونهما مستبعدين عادة لا ينهض دليلا ولا شبه دليل على الاستحالة، وهل المعجزات إلا أمور خارقة للعادة كما قال العلماء؟ ولو أن كل أمر لا يجري على سنن العادة مئنّة للإنكار لما ثبت معجزة نبي من الأنبياء. ثم ما قول المنكرين لمثل هاتين المعجزتين فيما صنعه البشر من طائرات نفاثة، وصواريخ جبارة تقطع الاف الأميال في زمن قليل؟ فإذا كانت قدرة البشر استطاعت ذلك أفيستبعدون على مبدع البشر وخالق القوى والقدر أن يسخر لنبيه «براقا» يقطع هذه المسافة في زمن أقل من القليل؟! ولست أقصد بهذا أن الإسراء والمعراج من جنس ما يقدر عليه الناس، فحاشا لله أن أريد ذلك، وإنما أردت تقريبهما لعقول من ينكرونهما بما هو مشاهد ملموس، فمهما تقدمت العلوم وغزو الفضاء فلا يزال الإسراء والمعراج ايتين ظاهرتين للنبي صلّى الله عليه وسلّم. وأما شبهة أن المعراج لم يذكر في القران كما ذكر الإسراء فيدفعها ما قدمته من أن المعراج وإن لم يذكر في القران صراحة فقد أشير إليه فيه، ولو سلمنا عدم ثبوته بالقران فلا ينبغي أن يكون ذلك سببا للإنكار، فما الأحاديث إلا مبينة للقران، وشارحة له، ومتممة له، وهي الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام، ومعرفة الحلال والحرام، والحق من الباطل، والهدى من الضلال، وإثبات الايات والمعجزات، ولو أننا قصرنا الدين ومسائله على القران الكريم فحسب لفرّطنا في كثير من الأحكام والاداب، والايات، والمعجزات الدالة على نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وأما شبهة أن المعراج يترتب عليه الخرق والالتئام- وهو مستحيل- ففكرة قديمة عفى عليها الزمان، وأبطلتها النظريات العلمية الحديثة، فقد انتهى بحث العلماء إلى أن الكون في أصله كان قطعة واحدة، ثم تناثرت أجزاؤه، وانفصل بعضها عن بعض حتى غدا من ذلك العالم كله: علويه وسفليه. وأعتقد أن هذه الشبهة أضحت غير ذات موضوع بعد التقدم العظيم، والخطوات الواسعة التي خطاها العلماء الكونيون في غزو الفضاء، والتنقل بين الأجواء، والدوران حول الأرض والقمر، وها هم اليوم جادون في الوصول إلى إنزال إنسان على وجه القمر، ومن يدري؟ فلعلهم بعد الوصول إلى القمر يفكرون في الوصول إلى غيره من الكواكب السيارة، ولا ندري ماذا سيتمخض عنه الغد إن شاء الله تعالى. وإني لأنتهز هذه المناسبة لأؤكد أننا معشر علماء الإسلام الفاهمين للإسلام، والواعين لأصليه: القران والسنة، نرحب بتقدم العلوم والمعارف الكونية، وأننا ندعو إلى الازدياد من هذه العلوم، لأننا على يقين أن تقدم العلوم والكشوف الكونية لا يزيد الإسلام إلا قوة، والقران الكريم والسنة النبوية الصحيحة إلا ثباتا ورسوخا، واقتناعا للعقل والعلم بهما. وكيف لا نرحب ولا ندعو وهذا قول الحق تبارك وتعالى نقرؤه صباح مساء، ونعتقد صدقه وحقّيته، قال عز شأنه: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) «1» . بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. وإذا جاز لأناس عاشوا في أزمان ماضية لم تتقدم فيها العلوم الفلكية والكونية استبعاد الإسراء والمعراج، فلا يجوز ذلك قط ممن عاش في عصرنا،

_ (1) الاية 53 من سورة فصلت.

الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج

ورأى وسمع عن المخترعات والمستكشفات التي كانت تعد فيما مضى ضربا من الخيال والمحال. وأما شبهة أن الهواء ينعدم على بعد خاص فهي لا تبرر الإنكار، فها هم الغواصون يمكثون تحت أعماق الماء الساعات الطوال اكتفاء بما معهم من هواء مخزون يتنفسون منه، وها هم رواد سفن الفضاء قد تغلبوا على هذه المشكلة إن صح أن تسمى اليوم مشكلة- بل وعلى ما هو أشكل منها، وأعظم خطرا، ويختزنون معهم من الهواء ما يكفيهم للتنفس، ويحفظ عليهم حياتهم أياما لا ساعات. فإذا تمكن الإنسان على عجزه وقدرته المحدودة أن يتغلب على ذلك، أفنستبعد على قدرة الله أن يحفظ حياة نبيه في الطبقات التي ينعدم فيها الهواء بأية وسيلة من الوسائل؟؟ لا، إنه على كل شيء قدير. ومن بعد ذلك كله نقول كلمة الحق والإيمان: إن الله سبحانه وتعالى- الذي خلق السماوات، والأرضين معلّقات في الفضاء بلا عمد، وأمسكهما أن تزولا وتسقطا على عظم أجرامهما، ودقة مساراتهما، وأبدعهما أيما إبداع، وربط الأسباب بالمسببات، وأوجد للكائنات نواميس خاصة بها، وعلّم ما يحتاج إليه كل كائن حي من إنسان، أو حيوان، أو نبات، وقدّر لكل ما يحفظ له حياته- لقادر أن يسري بنبيه من مكة إلى بيت المقدس، ثم يعرج به إلى سدرة المنتهى في جزء من الليل، وأن يحفظ عليه حياته في عروجه من الأرض إلى السموات السبع وما فوقهن. الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج لقد روى أحاديث الإسراء والمعراج كثير من الصحابة- رضوان الله عليهم- وتلقّاها عنهم الرواة العدول الضابطون، وخرّجها أئمة الحديث والتفسير بالمأثور في كتبهم، كالأئمة: البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، وابن جرير الطبري، وغيرهم، وذكرها الإمامان محمد بن إسحاق، وعبد الملك بن هشام في سيرتيهما.

رواية البخاري ومسلم في صحيحيهما

قال العلّامة ابن كثير في تفسيره: «قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه «التنوير في مولد السراج المنير» بعد أن ذكر حديث الإسراء والمعراج من طريق أنس بن مالك، وتكلم عليه فأفاد وأجاد: وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وشدّاد بن أوس، وأبيّ بن كعب، وعبد الرحمن بن قرظ، وأبي حبة «1» ، وأبي ليلى الأنصاريين، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر، وحذيفة، وبريدة، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي أمامة، وسمرة بن جندب، وأبي الحمراء، وصهيب الرومي، وأم هانىء بنت أبي طالب، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق- رضي الله عنهم أجمعين- منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع من المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحيح، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، وأعرض عنه الزنادقة، والملحدون يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون» «2» . رواية البخاري ومسلم في صحيحيهما وسأكتفي بذكر أوثق الروايات وأصحها، وهي التي اتفق عليها الإمامان الجليلان: البخاري، ومسلم في صحيحيهما، ومن أراد استيفاء الروايات في الصحيحين فليرجع إلى رسالة «الإسراء والمعراج» «3» . روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما «4» عن قتادة، عن أنس بن مالك،

_ (1) أبو حبة: بفتح الحاء، وبالباء المشددة على المشهور، وعند القابسي بمثناة تحتانية وغلط في ذلك وذكره الواقدي بالنون. (2) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 5 ص 66، ط المنار. (3) الإسراء والمعراج للمؤلف، ص 57- 67. (4) صحيح البخاري- باب المعراج، ج 5 ص 66؛ صحيح مسلم بشرح النووي، ج 2 ص 223- 225.

عن مالك بن صعصعة- واللفظ للبخاري- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثهم عن ليلة أسري به قال: «بينما أنا في الحطيم، وربما قال: في الحجر «1» مضطجعا إذ أتاني ات، فقدّ «2» قال- أي قتادة-: وسمعته يقول: فشقّ ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود «3» : ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى ثنته «4» ، فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة «5» ، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض. فقال له الجارود: هو البراق «6» يا أبا حمزة- كنية أنس-؟ قال أنس: نعم، يضع خطوه عند أقصى طرفه «7» ، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح «8» ، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ «9» قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجيء «10» جاء، ففتح» .

_ (1) الحطيم: هو الحجر على الصحيح، والراوي لمّا لم يتأكد من اللفظ الذي سمعه ذكرهما على صيغة الشك، وهي أمانة في النقل من المحدّثين مشكورة. (2) القد: هو القطع. (3) لعله الجارود بن أبي سبرة البصري صاحب أنس وأحد الرواة عنه. (4) الثغرة: المكان المنخفض بين الترقوتين، والثنة بضم الثاء وتشديد النون: ما تحت السرة. (5) يعني مملوءة بشيء يترتب على الغسل به زيادة الإيمان، وكمال الحكمة. (6) بضم الباء، وتخفيف الراء مشتق من البرق، لأن سرعته في سيره مثل سرعة البرق في لمعانه. (7) يعني عند منتهى بصره، وما أشد سرعة من كان على هذا الحال. (8) طلب الفتح، ولله ملائكة موكلون بكل ما خلق، وله الحكمة البالغة. (9) قال العلماء: يعني أنه قد أرسل إليه للعروج إلى السماء، وأما أصل بعثته فمشهورة عند الملأ الأعلى معروفة لهم. (10) قيل المخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير، والتقدير جاء فنعم المجيء مجيئه، وقال ابن مالك: المخصوص بالمدح محذوف وجاء صلته أو صفة والتقدير نعم المجيء

فلما خلصت فإذا فيها ادم «1» عليه الصلاة والسلام، فقال: هذا أبوك ادم، فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح «2» . ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى- عليهما الصلاة والسلام- وهما ابنا الخالة «3» ، قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما، فسلّمت، فردا، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا أخوك يوسف فسلّم عليه، فسلّمت عليه فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح. ثم صعد بي إلى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلّم عليه، فسلّمت عليه فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

_ - الذي جاءه أو نعم المجيء جاءه، وكونه موصولا أولى لأنه مخبر عنه، والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة. (1) إما أن يكون بعث من قبره استعدادا للقادم الكريم في هذه الليلة، أو تكون روحه تمثلت في جسده من غير بعث، ولعله الأولى والأقرب، وكذلك يقال في جميع الأنبياء الذين تشرفوا بلقائه هذه الليلة ما عدا عيسى عليه السلام. (2) اقتصر الأنبياء الذين لقيهم في السماء على وصفه صلّى الله عليه وسلّم بصفة الصلاح لأن فيها جماع الخير كله، والصالح هو الطيب في نفسه، الذي يقوم بما عليه من حقوق الله وحقوق العباد. (3) وهذا على أن مريم وإيشاع أم يحيى بن زكريا أختان، وقيل: إن إيشاع خالة مريم، فيكون في العبارة تسامح، ولا يزال العرف عندنا في مصر يعتبر خالة الأم خالة للابن.

ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلّم عليه، فسلّمت عليه فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا موسى قال: هذا موسى فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما «1» بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلون من أمتي. ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلّم عليه، قال: فسلّمت عليه، فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رفعت إلى سدرة المنتهى «2» ، فإذا نبقها مثل قلال هجر «3» ، وإذا ورقها كاذان الفيلة «4» ، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان،

_ (1) لم يرد موسى- عليه السلام- التقليل من شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحاشا لله أن يريد ذلك، وإنما أراد صغر سنه لمن كان أكبر منه سنا من الأنبياء، وإذا قسنا عمر النبي بأعمار نوح، وإبراهيم، وموسى وجدناه أقل منهم بكثير، ومع هذا فقد أعطاه الله على صغر سنه، وقصر مدته ما لم يعط أحدا ممن هو أسن منه، وأطول زمنا، وتبعه على دينه الحق من غير تحريف ولا تبديل ما لم يتبع أحدا من الأنبياء. (2) سميت بذلك لأنها ينتهي إليها علم كل نبي مرسل، وكل ملك مقرّب، ولم يجاوزها أحد إلا نبينا صلّى الله عليه وسلّم. (3) جمع قلة وهي الجرة، والنبق الثمر يعني أن ثمرها في الكبر مثل القلال، وكانت قلال هجر معروفة عند المخاطبين، وهجر: بفتح الهاء والجيم: بلد بقرب المدينة. (4) يعني في الشكل والكبر.

ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة «1» ، وأما الظاهران فالنيل والفرات «2» . ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال «3» : هي الفطرة «4» التي أنت عليها وأمتك. ثم فرضت عليّ الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت، فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا. فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قال بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى

_ (1) هما: الكوثر والسلسبيل. (2) أي مثالهما أو عنصرهما وإلا فهما ينبعان من الأرض، وقد فهم النبي من تمثيلهما له أن دينه سيبلغ هذين النهرين المشهورين وما وراءهما، وهذا ما كان، وبهذا التفسير يظهر لك أن الحديث لا يخالف المشاهدة كما أرجف المرجفون. (3) القائل هو جبريل. (4) عبر عن اللبن بالفطرة؛ لأنه أول ما يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، وهو الغذاء الذي لم يكن يصنعه صانع غير الله، والغذاء الكامل المستوفي للعناصر التي يحتاج إليها الجسم في بنائه ونموه، مع كونه طيبا سائغا للشاربين، وقد تكرر هذا العرض مرتين، مرة بعد الصلاة في بيت المقدس- كما في صحيح مسلم- ومرة في السماء كما في هذا الحديث المتفق عليه.

استحييت، ولكن أرضى وأسلّم، قال: فلما جاوزت ناداني مناد «1» : أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي» . وقد تكفّلت بعض روايات الإمام مسلم في صحيحه «2» ببيان مجيء النبي بيت المقدس، ودخوله به، وصلاته فيه ركعتين، وعرض جبريل عليه بعد خروجه إناءين: إناء من خمر، وإناء من لبن، فاختار اللبن. وأن الله تبارك وتعالى قال: «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر- يعني حسنات- فذلك خمسون صلاة، ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة» . وكذلك تكفّلت بعض الكتاب الحديثية الاخرى ببيان ما راه النبي في مسراه من مكة إلى بيت المقدس، حيث ضربت له الأمثال لبعض الفضائل والرذائل، وصلاته صلّى الله عليه وسلّم ركعتين بطور سيناء، وببيت لحم وبالمدينة، وصلاته بالأنبياء في بيت المقدس، وثناء الأنبياء على ربّهم، وثناء النبي على ربه، وقد ذكر الكثير من هذه الروايات الدالة على ذلك ابن كثير في تفسيره «3» ، والحافظ ابن حجر في «الفتح» «4» ، وقد ذكرت كل هذا وغيره كرؤية النبي صلّى الله عليه وسلّم لربه، وأهي بعيني بصره؟ أم بعيني قلبه وبصيرته؟! إلى غير ذلك من المباحث المحرّرة الشيقة في كتابي «الإسراء والمعراج» فليرجع إليه من يشاء التزيد من روايات الإسراء والمعراج. وقد رويت روايات أخرى في الإسراء والمعراج حصلت فيها بعض

_ (1) المنادي هو الله سبحانه وتعالى إذ هذا الكلام لا يصدر إلا منه سبحانه، وهذا من أقوى الأدلة على أن الله سبحانه وتعالى كلّم نبيه ليلة المعراج بغير وساطة. (2) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 2 ص 209- 215. (3) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 5 ص 107- 130. (4) فتح الباري، ج 7 ص 159- 172.

التزيدات، وأطلق بعض رواتها لأنفسهم فيها عنان الخيال، وألحق فيها من هنا وهناك بعض القصص، حتى غدا فيها تخليط وتزيدات كثيرة، وليس فيها من الحقيقة إلا شيء يسير، وذلك مثل الحديث الطويل الذي رواه ابن جرير في تفسيره عن أبي هريرة، وهي رواية مطوّلة جدا وفيها غرابة، وقد ذكرها ابن كثير في تفسيره «1» ، وأشار إلى أنها رويت أيضا من طريق أبي جعفر الرازي ثم قال ابن كثير: «وأبو جعفر الرازي قال فيه الحافظ أبو زرعة: الرازي يهم في الحديث كثيرا، وقد ضعّفه غيره أيضا، ووثّقه بعضهم، والظاهر أنه سيىء الحفظ، ففيما تفرّد به نظر، وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة، ونكارة شديدة، وفيه شيء من حديث المنام برواية سمرة بن جندب في المنام الطويل عند البخاري، ويشبه أن يكون مجموعا من أحاديث شتى أو مناما، أو قصة أخرى غير الإسراء» .

_ (1) تفسير ابن كثير، ج 5 ص 131- 137.

الفصل السابع عرض رسول الله نفسه على قبائل العرب في موسم الحج

الفصل السّابع عرض رسول الله نفسه على قبائل العرب في موسم الحجّ لم يكن بدّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وقد استحكمت العداوة بينه، وبين قريش، وإصرارهم على خلافه، وإباء أهل الطائف نصرته، والدخول في دعوته، وإيذاؤهم له- من أن ييمّم وجهه قبائل العرب الاخرى في مواسم الحج، وأسواق التجارة، وقد روى أبو نعيم بسنده عن العباس- رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أرى عندك، ولا عند أخيك- يريد أبا لهب- منعة، فهل أنتم مخرجيّ إلى السوق غدا حتى نقر في منازل قبائل الناس» وكان مجمع العرب، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعه الصديق أبو بكر رضي الله عنه، فعرض نفسه على قبائل العرب وبطونها قائلا: «يا بني فلان إني رسول الله إليكم، امركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دون الله من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي، وتمنعوني حتى أبلّغ رسالة ربي» ؟ ويقول: «من يحملني حتى أبلّغ رسالة ربي» ويقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» ، وخلفه عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب يقول: لا يغرّنكم هذا عن دينكم، ودين ابائكم، إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزّى من أعناقكم، وحلفاءكم من الجن، إلى ما جاء به من البدعة، والضلالة، فلا تطيعوه، ولا تسمعوا له!! وقد كان من لا يعرف أبا لهب يتعجّب ويقول: من هذا الرجل الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول؟! فيقال له: هذا عمه أبو لهب!! فأتى بني كندة في منازلهم، ودعاهم إلى الله فأبوا عليه، وأتى كلبا في

من دلائل النبوة

منازلهم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم، وأتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فلم يكن أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم، وأتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له بيحرة «1» بن فراس، والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؛ فقال له رسول الله: «الأمر لله يضعه حيث شاء» ، فقال الرجل: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك. فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم مجرب كان قد أدركه السن، فحدثوه بخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما قالوه له، فوضع يده على رأسه متأسفا على ما فاتهم من فضل اتباعه وإيوائه، وأقسم لهم بأنه ما تقوّلها «2» إسماعيلي قط، يعني أحد من ولد إسماعيل «3» . من دلائل النبوة وما كان لنا أن نمر بهذه القصة دون أن نعلّق عليها ففيها دلالة قوية على صدقه صلّى الله عليه وسلّم، فلو كان طالب ملك، أو جاه، أو يتجر بالمبادىء يصنع كما يصنع دهاقين السياسة في القديم والحديث من استمالة الناس بالأحاديث الكاذبة والوعود الخادعة البراقة، ويمنّيهم الأماني الفارغة حتى إذا تم له ما أراد نسي ما قال، ورجع في وعوده، بل قد يتنكر لهم، ويسفّه عليهم، وينكل بهم، وهذا فرق ما بين النبوة وغيرها، وما بين الداعي إلى الحق وطالب الدنيا. استمرار الرسول في العرض ولم ييأس النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما كان له أن ييأس، واستمر يغشى القبائل

_ (1) هكذا في السيرة بباء مفتوحة، وياء ساكنة، وفي البداية والنهاية نقلا عن ابن إسحاق بحيرة. (2) ما تقوّلها: يعني النبوة. (3) السيرة ج 1 ص 422- 425؛ البداية والنهاية ج 3 ص 138- 140.

ترصد الأشراف القادمين إلى مكة

والبطون في المواسم، والمجامع، والمنازل، ويكلم أشراف كل قوم، لا يسألهم مع ذلك شيئا إلا أن يؤووه ويمنعوه، وكان يقول لهم: «لا أكره أحدا منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذلك، ومن كره لم أكرهه، وإنما أريد أن تحرزوني «1» فيما يراد لي من القتل حتى أبلّغ رسالة ربي، وحتى يقضي الله لي، ولمن صحبني بما شاء» فلم يقبل أحد منهم، وما يأتي أحدا من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا، وقد أفسد قومه، ولفظوه؟! وقد شاء الله تعالى أن يدخر فضل الاتباع والنصرة للأنصار- رضي الله عنهم-. ترصد الأشراف القادمين إلى مكة ولجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى وسيلة أخرى عسى أن يكون من ورائها خير للدعوة، فكان لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب، له اسم وشرف إلا تصدّى له، ودعاه إلى الله تعالى وعرض عليه ما جاء به من الهدى والحق. إسلام سويد بن الصامت فقدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا، وكان سويد يسميه قومه فيهم الكامل، لجلده، وشعره، وشرفه، ونسبه، فتصدى له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سمع به، فدعاه إلى الله والإسلام، فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما الذي معك» ؟ قال: مجلة «2» لقمان، فقال له رسول الله: «اعرضها علي» فعرضها عليه فقال: «إن هذا الكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا: قران أنزله الله علي، هو هدى ونور» فتلا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القران، ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا القول حسن. ثم انصرف عنه فقدم المدينة

_ (1) تحفظوني وتحرسوني ففي القاموس: «وحرزه: حفظه، أو هو إبدال، والأصل حرسه» . (2) المجلة: الصحيفة، وتطلق على الحكمة أي حكمة لقمان.

إسلام إياس بن معاذ

على قومه فلم يلبث أن قتله الخزرج، وقد كان رجال من قومه يقولون: إنا لنراه قتل وهو مسلم، وكان قتل قبل يوم بعاث. إسلام إياس بن معاذ لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم فجلس إليهم، فقال: «هل لكم في خير مما جئتم له» ؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: «أنا رسول الله إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله، ولا يشركوا به شيئا، وأنزل عليّ الكتاب» ، ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القران، فقال إياس بن معاذ- وكان غلاما حدثا-: هذا والله خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر كفا من تراب، وضرب به وجهه، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس. وقام رسول الله عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك، وقد روى من حضره من قومه أنه ما زال يهلّل الله ويكبره، ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكّون أنه مات مسلما، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما سمع. يوم بعاث «1» وهو يوم كانت فيه موقعة عظيمة بين الأوس والخزرج، وقتل فيه خلق كثير من أشرافهم وكبرائهم، ولم يبق فيه من شيوخهم إلا القليل، وقد كان الغلب فيه للأوس على الخزرج. وقد شاء الله سبحانه أن تكون هذه الوقعة العظيمة قبيل مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة لتتهيّأ النفوس لقبول الإسلام والإيمان بالنبي، وليظهر فضل الإسلام

_ (1) بعاث على وزن غراب وهو بالعين المهملة: موضع بقرب المدينة، وصحفه بعضهم فجعله بالغين المعجمة.

على الأنصار؛ فقد جمعهم بعد الفرقة، وغرس في قلوبهم المحبة بعد العداوة، والوئام بعد الشقاق، روى البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان يوم بعاث يوما قدّمه الله لرسوله، قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، وقد افترق ملأهم «1» ، وقتل سراتهم» «2» .

_ (1) الملأ: رؤساء الناس ومقدّموهم الذين يرجع إلى قولهم. (2) ساداتهم وأشرافهم.

طلائع النور من جهة المدينة

طلائع النور من جهة المدينة بدء إسلام الأنصار لما أراد الله سبحانه إظهار دينه وإعزاز نبيه، وإنجاز وعده له خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موسم الحج، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة ساق الله نفرا من الخزرج أراد الله بهم خيرا، فكانوا طلائع هذا النور الذي أبى الله إلا أن يكون من المدينة. فقال لهم: «من أنتم» ؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: «أمن موالي اليهود» «1» ! قالوا: نعم. قال: «أفلا تجلسون إليّ أكلمكم» ! قالوا: بلى، فجلسوا إليه، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القران، وكان من أسباب مسارعتهم إلى قبول دعوة الإسلام أن يهود كانوا يساكنونهم في المدينة، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك، وأصحاب أوثان. وكانت تقع بين اليهود وبين الأوس والخزرج وقائع وحروب، وكانت الغلبة تكون للعرب، فكان إذا وقع شيء منها قالوا لهم: «إن نبيا مبعوثا الان قد أظلّ «2» زمانه سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم» فلما كلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله تهامسوا وقال بعضهم لبعض: تعلمون «3» - والله- أنه النبي الذي توعّدكم به يهود، فلا يسبقنّكم إليه.

_ (1) أي حلفائهم. (2) قرب. (3) تعلمون: أي اعلموا.

فلا عجب أن أسرعوا إلى إجابته، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، وسنقدم عليهم، وندعوهم إلى الإسلام ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك. ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعد أن آمنوا وأسلموا، وكانوا ستة نفر فيما ذكر ابن إسحاق- وهم: (1) أسعد بن زرارة من بني النجار، وقال أبو نعيم: إنه أول من أسلم من الأنصار من الخزرج. (2) وعوف بن الحارث بن رفاعة من بني النجار، وهو ابن عفراء بنت عبيد النجارية، وهي أم معاذ، ومعوذ، وإليها ينسبون. (3) ورافع بن مالك بن العجلان الزرقي. (4) وقطبة بن عامر من بني سلمة «1» . (5) وعقبة بن عامر بن نابي السلمي أيضا، ثم من حرام. (6) وجابر بن عبد الله بن رياب «2» السلمي، ثم من بني عبيد. وذكر موسى بن عقبة في مغازيه أنهم كانوا ثمانية، منهم من ذكره ابن إسحاق، وبعضهم لم يذكره وهم: (1) أسعد بن زرارة. (2) ورافع بن مالك. (3) ومعاذ بن عفراء. (4) ويزيد بن ثعلبة. (5) وأبو الهيثم بن التّيّهان. (6) وعويم بن ساعدة. (7) وعبادة بن الصامت. (8) وذكوان. فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودعوهم إلى

_ (1) بفتح السين وكسر اللام، وتفتح عند النسب. (2) بكسر الراء، وفتح الياء الخفيفة، فألف، فمواحدة، وهو غير جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الصحابي ابن الصحابي، وقد تسمى بجابر بن عبد الله خمسة: هذان، وجابر بن عبد الله العبدي، وجابر بن عبد الله الراسبي، وجابر بن عبد الله الأنصاري استصغره النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد فرده، وليس بجابر بن عبد الله المشهور (شرح المواهب ج 1 ص 375) .

بيعة العقبة الأولى

الإسلام حتى فشا فيهم، ولم تبق دار من دور الأنصار حتى كان فيها ذكر لرسول الله والإسلام. بيعة العقبة الأولى «1» حتى إذا كان العام المقبل قدم على النبي صلّى الله عليه وسلّم اثنا عشر رجلا، فأسلموا وبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منهم خمسة من الستة الذين أسلموا أولا، وهم: (1) أسعد بن زرارة. (2) وعوف بن عفراء. (3) ورافع بن مالك. (4) وقطبة بن عامر السلمي. (5) وعقبة بن عامر بن نابي. والسبعة الباقون هم: (6) معاذ بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور. (7) وذكوان بن عبد قيس البدري الزرقي «2» . (8) وعبادة بن الصامت بن قيس. (9) وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة «3» . (10) والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان «4» وهؤلاء العشرة من الخزرج. (11) وأبو الهيثم مالك بن التّيّهان «5» من بني عبد الأشهل. (12) وعويم بن ساعدة- وهما أوسيان- فلما عادوا إلى المدينة أظهروا الإسلام ودعوا إليه.

_ (1) جرى ابن إسحاق وغيره على عد هذه العقبة الأولى، وما بعدها الثانية، لأن هذه والتي بعدها هما اللتان حصلت فيهما المبايعة، ومن لم ينظر إلى المبايعة عدّ العقبات ثلاثا. وعلى هذا جرى صاحب المواهب. (2) ذكوان: بفتح الذال المعجمة، وسكون الكاف، الزرقي بتقديم الزاي المضمومة، على الراء، وكذا كل ما في نسب الأنصار قاله ابن ماكولا وغيره، نسبة إلى جده زريق، وقيل: إنه رحل إلى رسول الله بمكة فسكنها معه، ثم هاجر لما هاجر المسلمون، فهو مهاجري أنصاري كما قال ابن هشام، وقتل يوم أحد. (3) بفتح المعجمتين كما ضبطه الطبري والدارقطني، وقال ابن إسحاق والكلبي: بسكون الزاي. (4) قيل إنه مهاجري أنصاري أيضا. (5) بفتح التاء المثناة فتحتية عند أهل الحجاز، مشددة عند غيرهم، واسمه أيضا مالك شهد أبو الهيثم العقبة، وبدرا والمشاهد كلها.

علام كانت المبايعة؟

علام كانت المبايعة؟ وقد ذكر ابن إسحاق في سيرته بسنده عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال: «كنت ممن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب: على ألانشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفّيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله، إن شاء عذب وإن شاء غفر» . وذكر عن ابن شهاب نحو ذلك ولكنه أوفى وأتم، ولفظه: «وإن غشيتم من ذلك شيئا فأخذتم بحدّه في الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله- عز وجل- إن شاء عذّب، وإن شاء غفر» . وقد تابع ابن إسحاق- رحمه الله- بعض كتاب السيرة من القدماء، وبعض المحدثين كالدكتور محمد حسين هيكل، وظاهر رواية الشيخين في صحيحيهما تفيد ذلك، فقد رويا بسندهما- واللفظ للبخاري- أن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النقباء ليلة العقبة- قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وعليه عصابة «1» : «بايعوني على ألاتشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك» وليس في هذه الرواية الصحيحة تصريح بأن هذه المبايعة كانت ليلة العقبة، وليس من شك في أن اية بيعة النساء نزلت بعد الحديبية بلا خلاف، وأين العقبة الأولى من الحديبية؟ فمن ثم سلك العلماء المحققون في مقالة ابن إسحاق على بيعة النساء مسالك:

_ (1) العصابة: الجماعة من العشرة إلى الأربعين، ولا واحد لها من لفظها، وجمعت على عصائب وعصب.

فقال ابن كثير: «وقوله على بيعة النساء يعني: على وفق ما نزلت عليه اية بيعة النساء بعد ذلك عام الحديبية، وكان هذا مما نزل على وفق ما بايع عليه أصحابه ليلة العقبة. وليس هذا بعجيب، فإن القران نزل بموافقة عمر بن الخطاب في غير ما موطن كما بيّناه في سيرته، وفي التفسير، وإن كانت هذه البيعة وقعت على وجه غير متلو فهو أظهر والله أعلم» «1» . ولكن الإمام الحافظ ابن حجر يرى أن المبايعة المذكورة في حديث عبادة لم تقع ليلة العقبة، وأن المبايعة هذه الليلة كانت على الإيواء، والنصرة، والسمع والطاعة، ففي حديث عبادة عند البخاري قال: «بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره ... » الحديث. وأصرح من ذلك في المراد ما أخرجه أحمد، والطبراني من وجه اخر عن عبادة بن الصامت أنه جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام، فقال: «يا أبا هريرة، إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة: في النشاط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول الحق، ولا نخاف في الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا، وأبناءنا، ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي بايعناه عليها» . وأما المبايعة على الصفة المذكورة فإنما وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الاية التي في الممتحنة، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) «2» .

_ (1) البداية والنهاية ج 3 ص 151. (2) الاية 12 من سورة الممتحنة.

ونزول هذه الاية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف، والدليل على ذلك ما عند البخاري في «كتاب الحدود» في حديث عبادة هذا «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما بايعهم قرأ الاية كلها» وفي صحيح مسلم قال: «فتلا علينا اية النساء قال: لا تشركن بالله شيئا..» . وفي رواية الطبراني للحديث: «بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما بايع عليه النساء يوم فتح مكة..» ثم قال: فهذه أدلة ظاهرة في أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الاية بعد صدور البيعة، بل بعد فتح مكة، وإنما حصل الالتباس من جهة أن عبادة بن الصامت حضر البيعتين معا: العقبة، والبيعة على مثل بيعة النساء يوم الفتح، وكانت بيعة العقبة من أجل ما يتمدّح به. فكان يذكرها إذا حدّث تنويها بسابقته، فلما ذكر هذه البيعة التي صدرت على مثل بيعة النساء عقب ذلك توهّم من لم يقف على حقيقة الحال أن البيعة الأولى وقعت على ذلك «1» . وهذا الذي ذكره الحافظ هو الذي يجب أن يصار إليه، فهو- رحمه الله- من أعلم الناس بالقران وتنزلاته، والسنة وطرق الجمع بين رواياتها المختلفة، وبالسيرة وتواريخ الصحابة، وله انتقادات كثيرة صائبة على ابن إسحاق وغيره من كتاب السير وتاريخ الرجال. وهذه التحقيقات والتنبيه إلى المغالط والأوهام في الرواية هي من أهم ما يعنى به الدارسون للسيرة النبوية في ضوء القران والسنة، وهي قد تخفى على غير المتخصصين في علوم القران والسنة وعلومها، فالحمد لله الذي هدانا لهذا. والخلاصة: أن المبايعة في العقبة الأولى كانت على السمع والطاعة في العسر واليسر، وفي المنشط والمكره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول الحق، وألايخافوا في الله لومة لائم، وعلى الولاء والنصرة لرسول الله إذا قدم عليهم يثرب، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم، وأولادهم، وأما المبايعة على مثل بيعة النساء فقد كانت بعد ذلك.

_ (1) فتح الباري ج 1 ص 12، 13.

أول جمعة جمعت في المدينة قبل الهجرة

أول جمعة جمّعت في المدينة قبل الهجرة وقد كان من ماثر السيد الصحابي الجليل أسعد بن زرارة النجاري الخزرجي أنه أول من صلّى بالناس الجمعة قبل مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، فقد روى ابن إسحاق بسنده عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: «كنت قائد أبي كعب بن مالك حين ذهب «1» بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها صلّى «2» على أبي أمامة أسعد بن زرارة، قال: فمكث حينا على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلّى عليه واستغفر له، قال: فقلت في نفسي: والله إن هذا بي لعجز ألاأسأله: ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلّى على أبي أمامة أسعد بن زرارة؟ قال: فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة صلّى عليه، واستغفر له، فقلت له: يا أبت مالك إذا سمعت الأذان للجمعة صلّيت على أبي أمامة؟ فقال: أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت من حرّة بني بياضة، يقال له: نقيع الخضمات، قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلا» ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق ابن إسحاق. أول مبعوث في الإسلام لما انصرف القوم من الأوس والخزرج إلى المدينة كتبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ابعث إلينا من يقرئنا القران، وقد صادف هذا هوى من نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إليهم الصحابي الجليل مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي «3» ، وأمره أن يقرئهم القران، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم

_ (1) ذهب بصره: كفّ وعمي. (2) صلى عليه: دعا له. (3) كنيته أبو عبد الله، وكان من أجلّة الصحابة وفضلائهم، سباقا إلى كل خير وفضل، هاجر إلى الحبشة في أول من هاجر إليها، ثم أرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الأنصار كما رأيت فنجح في مهمته خير نجاح، وكان مصعب قد تربى في النعيم، وكان يعتبر فتى مكة شبابا، وجمالا، وسمتا، وكان رسول الله يذكره ويقول: «ما رأيت بمكة أحسن لمة، ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير» وقد اثر الإسلام، وسارع إليه على ما ناله بسببه من

نجاح مصعب في مهمته

في الدين، وأن يؤمهم في الصلاة، وذلك أن الأوس والخزرج كره كل منهم أن يؤمه الاخر، وكان يسمى بالمدينة «المقرىء» و «القارىء» ، وكان نزوله بالمدينة على السيد الصحابي الجليل السابق إلى الخير سيد الخزرج، ونقيب بني النجار أسعد بن زرارة بن عدس بن أبي أمامة. نجاح مصعب في مهمته وقد نجح داعية الإسلام بالمدينة في إسلام الكثيرين من أهلها، ومن أجلّهم سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير «1» ، وبإسلامهما أسلم الكثيرون من بني عبد الأشهل وغيرهم، وإليك قصة مصعب معهما، فإن فيها أسوة حسنة لكل داع إلى الله، وإلى الإسلام بإخلاص وعقيدة، وتفان في سبيل الدعوة. ذلك أن مصعب بن عمير نزل على أسعد بن زرارة سابق الأنصار إلى الإسلام، فخرج أسعد بمصعب يريد دار بني عبد الأشهل، ودار بني ظفر، فدخل به أسعد حائطا «2» من حيطان بني ظفر على بئر يقال لها: بئر مرق، فجلسا في الحائط، واجتمع إليهما رجال ممّن أسلم، وكان سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير سيّدي قومهما من بني عبد الأشهل، وكانا مشركين على دين قومهما، فلما سمعا بمصعب بن عمير ونشاطه في الدعوة إلى الإسلام قال سعد لأسيد: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين أتيا دارينا ليسفّها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما. فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل عليهما، فلما راه أسعد بن زرارة

_ - الإيذاء، والضيق، والتقشف، ورثاثة الحال، فلا تعجب إذا كان رسول الله إذا راه بكى لحاله، وقد شهد بدرا، واستشهد بأحد لما حمى رسول الله بنفسه، ولما مات كان عليه ثوب إن «غطّوا به رأسه تبدّت رجلاه، وإن غطّوا به رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله: غطّوا رأسه وضعوا على رجليه الإذخر» ، فرضي الله عنه وأرضاه. (1) بالتصغير فيهما. (2) حائطا: بستانا.

قال: هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشتما فقال: ما جاء بكما تسفّهان ضعفاءنا؟! اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب بلسان المؤمن الهادىء الواثق من سماحة دعوته: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كفّ عنك ما تكره؟! قال أسيد: أنصفت، ثم ركز حربته، وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القران، فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهّله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهّر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي، فقام فاغتسل وطهّر ثوبيه وتشهّد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلّف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكم الان: سعد بن معاذ. ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مقبلا قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم!! فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمات الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأسا، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك «1» . فقام سعد مغضبا مبادرا مخوفا للذي ذكر له من أمر بني حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئا، ثم خرج إليهما سعد فوجدهما مطمئنين، فعرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف متشتما، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره وكان أسعد قد قال لمصعب: لقد جاءك- والله-

_ (1) كان غرض أسيد إثارة حمية سعد ليقوم ويذهب إلى أسعد وصاحبه مصعب، ويسمع منه.

سيد من وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلّف منهم اثنان، فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، فقال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام، وقرأ القران، وذكر موسى بن عقبة أنه قرأ عليه أول سورة الزخرف، قالا: فعرفنا- والله- في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله. ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم، ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل، فتطّهر وتطهّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين، فقام فاغتسل، وطهر ثوبيه، وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عائدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلما راه قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيماننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة. ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال مسلمون ونساء مسلمات، إلا ما كان من الأصيرم «1» وهو عمرو بن ثابت بن وقش «2» ، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم، واستشهد بأحد، ولم يصلّ لله سجدة قط، وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه من أهل الجنة. وقد روى ابن إسحاق- بإسناد حسن- عن أبي هريرة أنه كان يقول: «حدّثوني عن رجل دخل الجنة لم يصلّ صلاة قط، فإذا لم يعرفه الناس قال

_ (1) بصاد مهملة تصغير أصرم، وبه كان يلقب أيضا، وقيل: أصرم، وقدمه البعض على المصغّر. (2) بفتح الواو وسكون القاف، وشين معجمة، ويقال: أقيش، وقد ينسب إلى جده فيقال: ابن أقيش.

بيعة العقبة الثانية

هو أصيرم بني عبد الأشهل» ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة بل كانوا حنفاء مخلصين- رضي الله عنهم- وإلا ما كان من دار بني أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، وواقف، وهم من الأوس بن حارثة، وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت واسمه صيفي، وقيل: الحارث، وقيل: عبيد الله، وكان شاعرا وقائدا لهم يستمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام حتى كان بعد الخندق، وقد اختلف في إسلامه، فالأكثرون- ابن إسحاق والزبير بن بكار والواقدي- على أنه لم يسلم، وأن الذي حال بينه وبين الإسلام بعد أن عزم عليه ابن أبيّ رأس النفاق، وقيل: إنه أسلم، والأول هو الصحيح «1» . بيعة العقبة الثانية ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة بعد أن دعا إلى الله بإخلاص وعزيمة صادقة، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة، فوعدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العقبة من أوسط أيام التشريق حين أراد بهم ما أراد من كرامته ونصر نبيه، وإعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وذويه، وكان في القوم كعب بن مالك، والبراء بن معرور سيد من ساداتهم وكبير من كبرائهم، فقال لهم: إني قد رأيت رأيا فو الله ما أرى أتوافقونني عليه أم لا؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت ألاأدع هذه البنيّة- يعني الكعبة- مني بظهر، وأن أصلي إليها، فقالوا له: والله ما بلغنا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلّي إلا إلى الشام- ببيت المقدس- وما نريد أن نخالفه، فكانوا إذا حضرت الصلاة صلّوا إلى بيت المقدس، وصلّى هو إلى الكعبة، واستمروا كذلك حتى قدموا مكة، وتعرفوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس مع عمه العباس بالمسجد الحرام، فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم العباس: «هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل» ؟ قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الشاعر؟» قال: نعم، فقصّ عليه البراء ما صنع في سفره من صلاته إلى الكعبة.

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 156.

إسلام عبد الله بن عمرو بن حرام

وقال: فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: «قد كنت على قبلة لو صبرت عليها» «1» قال كعب: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصلّى معنا إلى الشام، فلما حضرته الوفاة أمر أهله أن يوجهوه قبل الكعبة، ومات في صفر قبل قدومه صلّى الله عليه وسلّم بشهر، وأوصى بثلث ماله إلى النبي، فقبله وردّه على ولده، وهو أول من أوصى بثلث ماله. إسلام عبد الله بن عمرو بن حرام قال كعب- راوي القصة-: فلما فرغنا من الحج، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام- والد جابر- سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من المشركين أمرنا، فكلّمناه، وقلنا له: يا أبا جابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيانا العقبة، فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا. عدّة أصحاب العقبة الثانية قال كعب: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من

_ (1) قال السهيلي في هذا الحديث: إنه لم يأمره بإعادة ما قد صلّى لأنه كان متأولا، وكان باجتهاد منه، وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي بمكة إلى بيت المقدس، وهو قول ابن عباس. وقالت طائفة: ما صلّى إلى بيت المقدس إلا مذ قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا، فعلى هذا يكون حصل في القبلة نسخان: نسخ سنة بسنة، ونسخ سنة بقران، وقد بيّن حديث ابن عباس منشأ الخلاف في هذه المسألة، فروي عنه من طرق صحاح: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا صلّى بمكة استقبل بيت المقدس، وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فلما كان عليه السلام يتحرى القبلتين جميعا لم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة.

أسماء أصحاب بيعة العقبة الثانية

نسائنا: نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار «1» ، والثانية: أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي إحدى نساء بني سلمة، وهي أم منيع، وقال الحاكم: كان عدتهم خمسة وسبعين رجلا وامرأة، وهو يزيد على ما ذكره ابن إسحاق. وقال عروة بن الزبير وموسى بن عقبة: كانوا سبعين رجلا وامرأة واحدة، أربعون من ذوي أسنانهم، وثلاثون من شبانهم. وقد تكفّل الإمام ابن إسحاق في سيرته بسرد أسمائهم، وقبائلهم، فمن أراد الاستقصاء فليرجع إليها «2» ، وإليك خلاصة ذلك على ما ذكره ابن كثير في بدايته «3» . أسماء أصحاب بيعة العقبة الثانية قال ابن كثير: وجملتهم على ما قال ابن إسحاق ثلاثة وسبعون رجلا، وامرأتان. فمن الأوس أحد عشر رجلا: أسيد بن حضير أحد النقباء، وأبو الهيثم ابن التيّهان بدري أيضا، وسلمة بن سلامة بن وقش بدري، وظهير بن رافع، وأبو بردة بن نيار «4» بدري، ونهير بن الهيثم من بني نابي بن مجدعة بن حارثة، وسعد بن خيثمة أحد النقباء بدري، وقتل بها شهيدا، ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير نقيب بدري، وعبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك بدري، وقتل يوم أحد شهيدا أميرا على الرماة، ومعن بن عدي بن الجد بن عجلان بن الحارث بن ضبيعة البلوي حليف للأوس، شهد بدرا، وما بعدها، وقتل باليمامة شهيدا، وعويم بن ساعدة شهد بدرا وما بعدها.

_ (1) سيأتيك من بطولتها وتضحياتها في سبيل الإسلام، وما كان من شأن زوجها زيد بن عاصم، وولديها: حبيب، وعبد الله صفحات مشرقة في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى. (2) السيرة، ج 1 ص 454، 467. (3) البداية والنهاية، ج 3 ص 166، 168. (4) في البداية: دينار وهو تحريف والصحيح نيار كما في السيرة وغيرها.

ومن الخزرج اثنان وستون رجلا: أبو أيوب خالد بن زيد شهد بدرا وما بعدها، ومات بأرض الروم زمن معاوية، ومعاذ بن الحارث، وأخواه عوف ومعوّذ، وهم بنو عفراء بدريون، وعمارة بن حزم شهد بدرا وما بعدها وقتل باليمامة، وأسعد بن زرارة أبو أمامة أحد النقباء مات قبل بدر، وسهل بن عتيك بدري، وأوس بن ثابت بن المنذر بدري، وأبو طلحة زيد بن سهل بدري، وقيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن كان أميرا على الساقة يوم بدر. وعمرو بن غزية، وسعد بن الربيع أحد النقباء شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا، وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك شهد بدرا، وقتل يوم أحد شهيدا، وعبد الله بن رواحة أحد النقباء شهد بدرا وأحدا والخندق، وقتل يوم مؤتة أميرا، وبشير بن سعد بدري، وعبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الذي أري النداء «1» وهو بدري، وخلّاد بن سويد بدري أحدي خندقي، وقتل يوم قريظة شهيدا طرحت عليه رحى فشدخته، فيقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن له لأجر شهيدين» وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري، قال ابن إسحاق: وهو أحدث من شهد العقبة سنا، ولم يشهد بدرا، وزياد بن لبيد بدري، وفروة بن عمرو بن ودقة، وخالد بن قيس بن مالك بدري، ورافع بن مالك أحد النقباء. وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق، وهو الذي يقال له: مهاجري أنصاري لأنه أقام عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة حتى هاجر منها، وهو بدري قتل يوم أحد، وعبّاد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق بدري، وأخوه الحارث بن قيس بن عامر بدري أيضا، والبراء بن معرور أحد النقباء، وأول من بايع فيما تزعم بنو سلمة، وقد مات قبل مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة، وابنه بشر بن البراء وقد شهد بدرا وأحدا والخندق، ومات بخيبر شهيدا من أكلة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الشاة المسمومة التي صنعتها زينب زوجة

_ (1) أي الأذان.

سلّام بن مشكم اليهودية، وسنان بن صيفي بن صخر بدري، والطفيل بن النعمان بن خنساء بدري، قتل يوم الخندق، ومعقل بن المنذر بن سرح بدري، وأخوه يزيد بن المنذر بدري، ومسعود بن يزيد بن سبيع. والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بدري، ويزيد بن خذام بن سبيع، وجبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد بدري، والطفيل بن مالك بن خنساء بدري، وكعب بن مالك، وسليم بن عمرو بن حديدة بدري، وقطبة بن عامر بن حديدة بدري، وأخوه أبو المنذر يزيد بدري أيضا، وأبو اليسر كعب بن عمرو بدري، وصيفي بن أسود بن عباد. وثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي بدري، واستشهد بالخندق، وأخوه عمرو بن غنمة بن عدي، وعبس بن عامر بن عدي بدري، وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي، وعبد الله بن أنيس حليف لهم من قضاعة، وعبد الله بن عمرو بن حرام أحد النقباء، بدري واستشهد يوم أحد، وابنه جابر بن عبد الله، ومعاذ بن عمرو بن الجموح بدري، وثابت بن الجذع بدري وقتل شهيدا بالطائف، وعمير بن الحارث بن ثعلبة بدري، وخديج بن سلامة حليف لهم من بلي. ومعاذ بن جبل شهد بدرا، وما بعدها، ومات بطاعون عمواس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبادة بن الصامت أحد النقباء شهد بدرا وما بعدها، والعباس بن عبادة بن نضلة، وقد أقام بمكة حتى هاجر منها فكان يقال له: مهاجري أنصاري أيضا، وقتل يوم أحد شهيدا، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم حليف لهم من بلي، وعمرو بن الحارث بن لبدة، ورفاعة بن عمرو بن زيد بدري، وعقبة بن وهب بن كلدة حليف لهم بدري، وكان ممن خرج إلى مكة فأقام بها حتى هاجر منها، فهو ممن يقال له: مهاجري أنصاري أيضا، وسعد بن عبادة بن دليم أحد النقباء، والمنذر بن عمرو نقيب بدري أحدي، وقتل يوم بئر معونة أميرا. وأما المرأتان: فأم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية النجارية، والاخرى: أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي السلمية.

حضور العباس العقبة استيثاقا لأمر ابن أخيه

حضور العباس العقبة استيثاقا لأمر ابن أخيه قال كعب: فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، ويستوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج- وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج لخزرجها وأوسها- إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الان فدعوه، فإنه في عزّ ومنعة من قومه وبلده، فقالوا: قد سمعنا يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. مقالة العباس بن عبادة بن نضلة ولما اجتمع القوم لبيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري- وهو أحد الذين بايعوا العقبة الأولى- فقال: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الان، فهو- والله إن فعلتم- خزي الدنيا والاخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة «1» الأموال وقتل الأشراف، فخذوه، فهو- والله- خير الدنيا والاخرة. قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفّينا بذلك؟ قال: «الجنة» قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه. وما أراد العباس- رضي الله عنه- بمقالته تلك إلا أن يشد العقد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أعناقهم. عهد رسول الله على الأنصار والمبايعة وتكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتلا القران، ودعا إلى الله، ورغّب في الإسلام، ثم قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم، وأبناءكم» .

_ (1) نقص.

مقالة أبي الهيثم بن التيهان

فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحق نبيّا لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا «1» ، فبايعنا يا رسول الله، فنحن- والله- أبناء الحروب، وأهل الحلقة «2» ورثناها كابرا عن كابر، وكانت وصاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لهم أن يوجزوا في القول، فقد روى البيهقي أنه قال: «ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم» . وإنه لتوجيه كريم يدل على بعد النظر، وأصالة الرأي، وحسن التدبير في هذا الاجتماع الخطير. مقالة أبي الهيثم بن التّيّهان ولما فرغ البراء بن معرور من مقالته قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالا «3» إنا قاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: «بل الدم الدم والهدم الهدم «4» ، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» وقد وفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما قال بل وبأكثر مما قال، فقد عرف للأنصار فضلهم وسابقتهم، وأوصى بهم خيرا. مقالة أسعد بن زرارة وكان ممن تكلم أيضا السيد الجليل أسعد بن زرارة فقال: سل يا محمد

_ (1) جمع إزار، أي نساءنا، والمرأة قد يكنى عنها بالإزار لأنها تحمى كما يحمى الإزار، أو المراد أنفسنا، وقد يعبر عن النفس بالإزار والثوب، ففي الكتاب الكريم: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال بعض المفسرين: ونفسك فطهر، وقال عنترة العبسي: فشككت بالرمح الأصمّ ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرّم أي نفسه وذاته. فيجوز أن يراد به أيّ المعنيين. (2) السلاح. (3) عهودا والمراد ما كان بينهم وبين اليهود بالمدينة. (4) كانت العرب تقولها عند عقد الحلف والجوار، أي ما هدمت من الدماء هدمت أنا أي أهدرت، وفسر ابن عباس الهدم بالحرمة يعني ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم، فالعبارة تفيد المبالغة في الوفاء بالعهد.

أول من بايع

لربك ما شئت، ثم سل لنفسك بعد ذلك ما شئت، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب إذا فعلنا ذلك، فقال: «أسئلكم لربي أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأسئلكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا، وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم» قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: «الجنة» قالوا: فلك ذلك. أول من بايع ثم أقبل الأنصار على مبايعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإخلاص وعزيمة، وقد اختلف الرواة في أول من بايع، فابن إسحاق يقول فيما يرويه عن كعب بن مالك إنه البراء بن معرور، وبنو النجار يزعمون أنه أبو أمامة أسعد بن زرارة، وهو الذي رواه ابن سعد في طبقاته عن العباس قال: أول من ضرب على يده صلّى الله عليه وسلّم تلك الليلة أسعد بن زرارة، ثم البراء بن معرور، ثم أسيد بن الحضير «1» . وبنو عبد الأشهل يقولون: بل أبو الهيثم بن التيهان، وقال ابن الأثير في «أسد الغابة» : وبنو سلمة يزعمون أن أول من بايعه ليلتئذ كعب بن مالك. ولعل السبب في هذا الاختلاف أن كلا من هؤلاء تكلم ثم قام فبايع، فأخبر من راه يبايع، ولم يكن علم بغيره أنه أول من بايع، ومثل هذه المواقف مما يحصل فيها الاشتباه، والأمر هيّن وبحسبهم فضلا وفاؤهم بما عاهدوا الله ونبيه عليه. النقباء الاثنا عشر وبعد أن بايع القوم على هذه الشروط قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا يكونون كفلاء على قومهم بما فيهم» «2» فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا «3» : تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وها هي أسماؤهم: (1) أبو أمامة

_ (1) شرح المواهب، ج 1 ص 381- 382. (2) أخذ هذا النبي من قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ، وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً، وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ... الاية 12 من سورة المائدة. (3) النقيب: الرئيس المسؤول عن القوم.

إذن رسول الله لهم بالانصراف

أسعد بن زرارة. (2) وسعد بن الربيع. (3) وعبد الله بن رواحة. (4) ورافع بن مالك بن العجلان. (5) والبراء بن معرور. (6) وعبد الله بن عمرو بن حرام. (7) وعبادة بن الصامت. (8) وسعد بن عبادة. (9) والمنذر بن عمرو وهم من الخزرج. (10) وأسيد بن حضير. (11) وسعد بن خيثمة. (12) ورفاعة بن عبد المنذر وهؤلاء الثلاثة من الأوس. قال ابن هشام: وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيّهان، ولا يعدون رفاعة، واستشهد بقصيدة كعب بن مالك في النقباء، فإنه ذكر فيهم «أبا الهيثم» ولم يذكر رفاعة «1» . ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للنقباء: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي» يعني المهاجرين. قالوا: نعم، فكان هذا إلزاما من الرسول لهم، والتزاما منه لهم. إذن رسول الله لهم بالانصراف ثم أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الانصراف قائلا: «ارفضّوا «2» إلى رحالكم» وذلك مبالغة في الحيطة والحذر كي يبقى أمر الاجتماع في طي الكتمان، فقال العباس بن عبادة بن نضلة: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم نؤمر بهذا، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» فرجعوا إليها وباتوا حتى أصبحوا. عند الصباح وفي الصباح غدت جلّة قريش على الأنصار لمّا نمي إليهم نبأ البيعة، حتى جاؤوا إليهم في منازلهم، فقالوا: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه- والله- ما من حيّ من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم. فانبعث من هناك من المشركين يحلفون بالله ما كان من هذا شيء،

_ (1) السيرة ج 1 ص 445. (2) تفرقوا.

تأكد قريش من صدق الخبر وطلبهم الأنصار

وما علمناه، وصدقوا، فإنهم لم يعلموه، وأما المسلمون فصار بعضهم ينظر إلى بعض ولا يتكلم، ثم قام المشركون وفيهم الحارث بن هشام المخزومي وفي رجليه نعلان جديدان، فقال كعب: يا أبا جابر، أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ فخلعهما الحارث من رجليه، ثم رمى بهما إلى كعب، وأقسم عليه لينتعلنّهما، فقال أبو جابر: مه، أحفظت والله- الفتى، فاردد إليه نعليه، فقال: والله لا أردهما، فأل- والله- صالح، لئن صدق الفأل لأسلبنّه. ثم ذهب المشركون إلى عبد الله بن أبي، فقالوا له مثل ما قالوا للخزرج، فقال لهم: والله إن هذا الأمر جسيم، ما كان قومي ليتفوّتوا علي بمثل هذا وما علمته كان، فانصرفوا عنه. تأكد قريش من صدق الخبر وطلبهم الأنصار ثم نفر الناس من منى، وتنطّس» المشركون من أهل مكة الخبر فوجدوه صادقا، فخرجوا في طلب الأنصار ولكنهم كانوا قد فاتوهم، ولم يدركوا إلا سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وكلاهما كان نقيبا، فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله «2» ، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته «3» ، وكان ذا شعر غزير، وقد بقي في أيديهم يلكمه اللاكم، ويضربه الضارب، حتى هتف باسم رجلين من أشراف قريش كان يجير لهما تجارتهما إذا مرّت بالمدينة، ويمنعهم من ظلمهم، فجاا إليه فخلّصاه من أيديهم، فانطلق وقد سلمت له نفسه راجعا إلى المدينة. إسلام عمرو بن الجموح لما رجع الأنصار الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة الثانية إلى المدينة

_ (1) تنطس الخبر: أكثر من البحث عنه، والتنطّس: تدقيق النظر، ومنه الطبيب النطاسي أي البارع بعيد النظر. (2) النسع: الشراك الذي يشد به الرحل. (3) الجمة: ما يصل من الشعر إلى المنكبين، والمراد أنهم يشدونه من شعره.

أظهروا الإسلام بها، وكان في قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك، منهم: عمرو بن الجموح من سادات بنى سلمة وأشرافهم، وكان قد اتخذ صنما من خشب في داره يقال له «مناة» كما كان الأشراف يصنعون، فلما أسلم فتيان بني سلمة منهم ابنه معاذ ومعاذ بن جبل، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو هذا فيحملونه، فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس منكّسا على رأسه، فإذا أصبح قال: ويلكم من عدا على إلهنا هذه الليلة؟ ثم يغدو يلتمسه، حتى إذا وجده غسله، وطيّبه، وطهّره، ثم قال: والله لو أعلم من فعل بك هذا لأخزينه. فإذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه ففعلوا مثل ذلك، فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى فيغسله، ويطيّبه، ويطهره. ثم يعدون عليه إذا أمسى، فيفعلون به مثل ذلك. فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث ألقوه يوما فغسله وطيّبه، ثم جاء بسيفه، فعلّقه عليه، ثم قال له: إني والله لا أعلم من يصنع بك ما أرى، فإن كان فيك خير فامتنع، هذا السيف معك، فلما أمسى ونام عمرو غدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه. ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه في بئر من ابار بني سلمة فيها عذر الناس، وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه، فجعل يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكّسا مقرونا بكلب ميت، فلما راه أبصر شأنه وبان له صوابه، ورجع إليه عقله، وعلم أنها أصنام لا تضر ولا تنفع، فما إن كلّمه من أسلم من قومه حتى أسلم، وحسن إسلامه وقال- حين استبان له الرشد- يذكر صنمه هذا وما كان من أمره، ويشكر الله الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة: والله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن «1»

_ (1) القرن: الحبل.

من أوهام ابن إسحاق

أف لملقاك إلها مستدن ... الان فتشناك عن سوء الغبن «1» الحمد لله العلي ذي المنن ... الواهب الرزاق ديّان الدين «2» هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن بأحمد المهدي النبي المؤتمن من أوهام ابن إسحاق وقد ذكر الإمام ابن إسحاق أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بايعهم في العقبة الثانية بيعة الحرب حين أذن الله لرسوله في القتال، وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلّى الله عليه وسلّم في الحرب، فلما أذن الله له فيها، وبايعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة، ثم ذكر بعد أول ما نزل في القتال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا «3» . وهذا من أوهام ابن إسحاق على جلالته، فالجهاد لم يشرع إلا في السنة الثانية من الهجرة كما فصّلنا القول في الجزء الثاني من هذا الكتاب، وقد وافقه على هذا الوهم ابن هشام أيضا. وليس أدل على عدم فرضية الجهاد قبل العقبة من أن العباس بن عبادة بن نضلة لما قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: والله لو شئت لنميلنّ بأسيافنا على أهل منى غدا، فقال رسول الله: «لم نؤمر بهذا» .

_ (1) مستدن: مستعبد ذليل، الغبن: السفه. (2) الدين: جمع دينة وهي العادة، ويقال لها دين أيضا، ويجوز أن يراد بالدين الأديان أي هو ديان أهل الأديان، ولكن جمعها على الدين، لأنها ملل ونحل كما قالوا في جمع الحرة حرائر لأنهن في معنى الكرائم والعقائل. (3) السيرة لابن هشام ج 1 ص 454، 467.

الفصل الثامن الهجرة إلى المدينة

الفصل الثامن الهجرة إلى المدينة أسباب الهجرة ها أنت قد رأيت طرفا من تعذيب المشركين للمسلمين ولا سيما ضعفاؤهم، وأن النبي قد أذن لهم في الهجرة إلى الحبشة، فهاجر بعضهم إلى الحبشة الهجرة الأولى، ثم هاجر الكثيرون منهم إليها الهجرة الثانية. وها هي طلائع النور قد بدت من جهة يثرب- المدينة- بعد التقاء بأهلها في موسم الحج، فقد التقى بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في العقبة الأولى والثانية، فامن من امن، وعاهد من عاهد منهم على الولاء والنصرة، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم، ونساءهم، وأبناءهم، وما كان من انتشار الإسلام بين أهل المدينة انتشارا لم يكن يتوقعه أحد حتى أذهل ذلك مشركي مكة، وبذلك أصبح للمسلمين إخوان مؤمنون صادقون في دار أمن وإيمان، وإسلام وسلام، وهي المدينة «1» . وقد الم المشركين وأقض مضاجعهم انتشار الإسلام بالمدينة هذا الانتشار السريع، فأوغلوا في إيذاء المسلمين، ونالوا منهم غاية النيل، وضيّقوا عليهم السبل والمسالك، فلم يكن لهم بدّ من الهجرة إليها، فقد أضحى لهم بها أهل

_ (1) علم بالغلبة على مدينة الرسول، والظاهر أنها كانت معروفة بهذا الاسم في الجاهلية، وإن كان الاسم الغالب لها حينذاك «يثرب» ، حتى نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن تسميتها بيثرب فيما صحّ عنه، وسماها «طابة» و «طيبة» ، ولا يزال اسم المدينة هو الغالب، وأشهر الأسماء.

إذن النبي لأصحابه في الهجرة

بأهل، ودور بدور، وأيضا فلم تعد مكة بوقوفها في سبيل الإسلام والمسلمين صالحة لأن تكون مركزا لانتشار الدعوة الإسلامية، وأصبحت المدينة بفتح صدرها للإسلام والمسلمين جديرة بأن تكون مركزا لانتشار هذه الدعوة، فكان من الضروري أن تنتقل الدعوة من مكة إلى المدينة وهذا ما كان. إذن النبي لأصحابه في الهجرة وكان الصحابة يشتكون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يجدونه من المشركين من الأذى والعنت، فيثبتهم، ويصبرهم، ويعدهم فرجا ومخرجا من هذا الكرب. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد رأى فيما يرى النائم أنه هاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب ظنه إلى أنها اليمامة، أو هجر «1» ، ثم استبان له صلّى الله عليه وسلّم أنها المدينة، ففي صحيح البخاري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين «2» » وهما الحرتان «3» . فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم إليهم بعد هذه الرؤية مسرورا وقال: «قد أريت دار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد أن يخرج فليخرج إليها» وقال: «إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها» وقد صادف هذا الإذن بالهجرة إلى المدينة هوى في نفوسهم، فخرجوا إليها أرسالا «4» وفرادى، منهم من خرج مستعلنا كالفاروق عمر- رضي الله عنه- ومن صحبه، وأبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ومنهم من خرج مستخفيا وهم الضعفاء والموالي كصهيب الرومي، ورجع الكثيرون ممن هاجر إلى الحبشة إلى مكة، ثم هاجروا منها إلى المدينة.

_ (1) اليمامة: بلد بنجد بالجزيرة، هجر: بلد بالبحرين، وهي من بلاد عبد القيس، وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام. (2) اللابة، والحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة، والمدينة بين حرتين. (3) صحيح البخاري- باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة. (4) جمع رسل- بفتح الراء والسين- أفواجا وجماعات.

متى كان الإذن بالهجرة

متى كان الإذن بالهجرة والذي ظهر لي بعد البحث والتأمل أن الإذن في الهجرة كان بعيد بيعة العقبة الأولى، وأن ذلك كان قبل بيعة العقبة الثانية بنحو عام، كما تدل على ذلك قصة هجرة أبي سلمة وزوجه أم سلمة الاتية عند ابن إسحاق، وكما قال موسى بن عقبة في «مغازيه» «1» . أول من هاجر إلى المدينة وكان أول من هاجر إليها سيدنا أبو سلمة بن عبد الأسد «2» ، وذلك قبل بيعة العقبة الثانية بسنة، وكان قد عاد من الحبشة إلى مكة، فاذاه أهلها، فلما بلغه إسلام من أسلم من الأنصار، وأذن النبي لأصحابه كان أول مهاجر إليها، وكان خرج بزوجه أم سلمة، ومعهما ابنهما سلمة، فخرج يقود بهما بعيره، فلما رأته رجال من بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم- وهم عشيرة زوجه وابنة عمه أم سلمة- قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك قد غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟ فنزعوا خطام البعير من يده، وانتزعوها منه، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد- رهط أبي سلمة- فقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا «سلمة» فيما بينهم حتى خلعت يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وأما أم سلمة فقد حبسها بنو المغيرة عندهم، وفرّقوا بينها وبين زوجها وولدها، ومع كل هذا انطلق أبو سلمة إلى الله مهاجرا، ولم يلو على أهل، ولا ولد، ولا مال حتى وصل إلى قباء فأقام بها حتى وصلت إليه زوجه بعد عام. محنة أم سلمة أما أم سلمة فكانت تخرج كل غداة فتجلس في الأبطح، فما تزال تبكي

_ (1) شرح المواهب ج 1 ص 384. (2) هو أخو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الرضاع، أرضعتهما ثويبة جارية أبي لهب، وابن عمته برة بنت عبد المطلب. وهو من السابقين الأولين، ومن خيار المسلمين، استشهد بعد أحد في أوائل السنة الرابعة للهجرة.

حتى تمسي، سنة أو قريبا منها، حتى مر بها رجل من بني عمها، فرأى ما بها، وحزنها على فراق زوجها، فرق لها ورحمها، وذهب لأهلها وقال لهم: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟! فقالوا لها: الحقي بزوجك إن شئت، وحينئذ ردّ بنو عبد الأسد إليها ابنها سلمة، وسأدع السيدة الجليلة أم سلمة تتحدث عن هجرتها قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني- سلمة- فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله، فقلت: أتبلّغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم «1» لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية «2» ؟ فقلت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أوما معك أحد؟! فقلت: لا والله إلا الله، وبنيّ هذا قال: والله مالك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فو الله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل «3» أناخ بي- أي البعير- ثم استأخر عني، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحطّ عنه- أي الرحل- ثم قيده في الشجرة، ثم تنحّى عني إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فرحله «4» ، ثم استأخر عني وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى، فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي. فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجك في هذه القرية- وكان أبو سلمة بها نازلا- فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعا إلى مكة، فكانت السيدة

_ (1) موضع بين مكة وسرف على فرسخين من مكة. (2) هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومي، وهي ابنة عم أبي سلمة، وكانت تكنى هي وزوجها بابنهما سلمة. (3) المكان الذي يستريحون فيه في السفر. (4) وضع عليه الرحل، وهو للبعير كالسرج للفرس.

هجرة عامر بن ربيعة وزوجه

أم سلمة تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب ال أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة «1» . وإن لنا هنا لوقفة عند قصة عثمان هذا، فقد كان يومئذ كافرا، لأنه لم يسلم إلا أوائل عام الفتح، وهي تشهد لما ذكرته من نفاسة معدن العرب، وفضائلهم في الجاهلية، ولا سيما خلق المروءة والنجدة، وحماية الضعيف، فقد أبت عليه مروءته وخلقه العربي الأصيل أن يدع امرأة شريفة تسير واحدها في هذه الصحراء الموحشة، وإن كانت على غير دينه، وهو يعلم أنها بهجرتها تراغمه وأمثاله من كفار قريش!! فأين من هذه الأخلاق- يا قومي المسلمين والعرب- أخلاق الحضارة في القرن العشرين، من سطو على الحريات، واغتصاب للأعراض، بل وعلى قارعة الطريق، وما تطالعنا به الصحافة كل يوم من أحداث يندى لها جبين الإنسانية، ومن تفنن في وسائل الاغتصاب، وانتهاك الأعراض، والسطو على الأموال. إن هذه القصة- ولها مثل ونظائر- لتشهد لما قلته حينما تحدثت عن العرب من أن رصيدهم في الفضائل كان أكثر من مثالبهم ورذائلهم، فمن ثمّ اختار الله منهم خاتم أنبيائه ورسله، وكانوا أهلا لحمل الرسالة وتبليغها إلى الناس كافة. هجرة عامر بن ربيعة وزوجه ثم قدمها بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب، ومعه زوجه السيدة ليلى بنت أبي حثمة، قال الإمام ابن عبد البر: إنها أول ظعينة «2» قدمت المدينة، وقال موسى بن عقبة: أول ظعينة السيدة أم سلمة، ولكل وجهة، فالسيدة أم سلمة أول من خرجت مهاجرة من النساء، ولولا منع أهلها

_ (1) أسلم عثمان بن طلحة بعد الحديبية، وهاجر إلى المدينة في صفر عام ثمان، وقد قتل أبوه، وإخوته: الحارث، وكلاب، ومسافع، وعمه عثمان بن أبي طلحة يوم أحد. (2) الظعينة: المرأة تركب البعير.

هجرة مصعب، وابن أم مكتوم، وبلال، وسعد، وعمار

لها لكانت أول من وصلت المدينة، والسيدة ليلى أول من وصلت إليها من النساء. هجرة مصعب، وابن أم مكتوم، وبلال، وسعد، وعمار ثم تتابع المسلمون سراعا إلى الهجرة، فهاجر مصعب بن عمير، وعبد الله ابن أم مكتوم، وكانا يقرئان القران للأنصار، وبلال بن رباح، وسعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهم-. روى البخاري في صحيحه بسنده عن البراء بن عازب قال: «أول من قدم علينا- زاد في رواية الحاكم في الإكليل: من المهاجرين- مصعب بن عمير وابن أم مكتوم» . بنو جحش ثم هاجر بنو جحش: عبد الله بن جحش بن رياب الأسدي، ينتهي نسبه إلى أسد بن خزيمة حليف بني أمية بن عبد شمس، احتمل بأهله، ومعه أخوه أبو أحمد عبد بن جحش «1» ، وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر، وكان يطوف مكة أعلاها وأسفلها بلا قائد، وكان شاعرا، وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب، وكان معهما محمد بن عبد الله بن جحش، وكان منزلهما ومنزل أبي سلمة بن عبد الأسد على مبشّر بن عبد المنذر بقباء في بني عمرو بن عوف. وكذلك هاجر نساؤهم: زينب بنت جحش، وحمنة بنت جحش- زوج مصعب بن عمير- وأم حبيب بنت جحش- زوجة عبد الرحمن بن عوف، فغلّقت دار بني جحش بسبب الهجرة، فمر بها عتبة بن ربيعة، والعباس بن عبد المطلب، وأبو جهل بن هشام، وهم مصعدون إلى أعلى مكة، فنظر إليها عتبة تخفق أبوابها يبابا «2» ليس بها ساكن، فلما راها كذلك تنفّس الصعداء ثم قال:

_ (1) عبد من غير إضافة، وكانوا ثلاثة: عبد الله، وعبيد الله، وعبد. أما عبيد الله فقد هاجر إلى الحبشة مع زوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، ثم تنصّر ومات هناك، وأما عبد الله فقد استشهد بأحد، وأما عبد فطالت به الحياة، وهم أولاد أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلّى الله عليه وسلّم. (2) قفرا.

بنو غنم بن دودان

كل دار وإن طالت سلامتها ... يوما ستدركها النكباء والحوب «1» ثم قال عتبة: أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها، فقال أبو جهل: وما تبكي من فل ابن فل «2» ، ثم قال للعباس: هذا من عمل ابن أخيك هذا، فرّق جماعتنا، وشتت أمرنا، وقطع بيننا. وقد عدا أبو سفيان بن حرب على دار بني جحش فتملكها، وقيل: باعها من عمرو بن علقمة العامري، فذكر ذلك عبد الله بن جحش- لما بلغه- لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارا في الجنة خيرا منها» ؟ قال: بلى، قال: «فذلك لك» . فلما فتحت مكة كلّم أبو أحمد عبد بن جحش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دارهم، فأبطأ عليه الرسول، فقال الناس: يا أبا أحمد إنه- صلّى الله عليه وسلّم- يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله، فأمسك أبو أحمد عن الكلام في ذلك، وقد سجل أبو أحمد هجرة بني جحش في قصيدة له «3» . بنو غنم بن دودان ثم قدم المسلمون أرسالا، وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلى المدينة هجرة: رجالهم ونساؤهم، منهم- غير بني جحش ونسائهم-: عكاشة بن محصن، وشجاع وعقبة ابنا وهب، وأربد بن حميرة «4» ، ومنقذ بن نباتة، وسعيد بن رقيش، ومحرز بن نضلة، ويزيد بن رقيش وغيرهم. ومن نسائهم: جذامة بنت جندل، وأم قيس بنت حصن، وأم حبيب بنت ثمامة، وامنة بنت رقيش، وسخبرة بنت تميم «5» .

_ (1) الحوب: التوجع. وهذا البيت لأبي دؤاد الإيادي في قصيدة له. (2) هكذا في السيرة لابن إسحاق، وفل: فلان، وفي السيرة لابن هشام «من قل» بالقاف، قال ابن هشام: القل: الواحد، واستشهد ببيت لبيد بن ربيعة. (3) سيرة ابن هشام ج 1 ص 472، 473. (4) بضم الحاء، وفتح الميم، وتشديد الياء المكسورة، وقال ابن هشام: ويقال: ابن حميرة بإسكان الياء. (5) السيرة ج 1 ص 470- 472؛ والبداية والنهاية ج 3 ص 170، 171.

هجرة عمر بن الخطاب، وعياش في ركب من المسلمين

هجرة عمر بن الخطاب، وعيّاش في ركب من المسلمين ثم هاجر الفاروق عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وكان تواعد هو وعيّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السهمي على مكان من أضاة بني غفار «1» ، وقالوا: أينا لم يصبح فقد حبس، فليمض صاحباه، قال عمر: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند هذا المكان، وحبس هشام، وفتن فافتتن. وقد أخرج ابن عساكر وغيره عن علي- رضي الله عنه- قال: ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكّب قوسه، وأخرج أسهما من كنانته، وجعلها في يديه، واختصر عنزته «2» ، ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا، ثم أتى المقام فصلّى ركعتين، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس «3» ، من أراد أن تثكله أمه، أو يؤتم ولده، أو ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علّمهم ما أرشدهم إليه، ثم مضى لوجهه، وقد صحبه في هجرته بعض أهله وقومه. كما صحبه بعض المستضعفين ليحتموا به. وكان في ركب عمر نحو من عشرين راكبا، منهم: زيد بن الخطاب «4» ، وعيّاش بن أبي ربيعة، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر العدوي،

_ (1) موضع على عشرة أميال من مكة. (2) حملها مضمومة إلى خاصرته، والعنزة: العصا. (3) شاهت: قبحت. لا يرغم الله: لا يلصق بالرغام وهو التراب. إلا هذه المعاطس: الأنوف. (4) أخو عمر، وهو أسن منه، أسلم قبله، وشهد بدرا والمشاهد، واستشهد باليمامة وراية المسلمين بيده سنة اثنتي عشرة، وحزن عليه عمر حزنا شديدا، وكان يقول: سبقني إلى الحسنيين: أسلم قبلي، واستشهد قبلي، ولما رثى متمم بن نويرة أخاه مالكا في شعره قال له: لو كنت أحسن الشعر لرثيت أخي مثل ما رثيت أخاك، فقال متمم: لو مات أخي على ما مات عليه أخوك لما رثيته، فقال عمر: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.

قصة أبي جهل مع عياش

وخنيس بن حذافة السهمي «1» ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ابن عم عمر وزوج أخته فاطمة، وواقد بن عبد الله التميمي حليف لهم، وخولي بن أبي خولي، ومالك بن أبي خولي حليفان لهم، وبنو البكير الأربعة: إياس، وعاقل، وعامر، وخالد. ولم يذكر ابن إسحاق غير هؤلاء الثلاثة عشر، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «فلعل الباقين كانوا من أتباعهم» فنزل سيدنا عمر ومن معه، وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث على رفاعة بن عبد المنذر في بني عمرو بن عوف بقباء. قصة أبي جهل مع عياش ولما قدموا المدينة خرج أبو جهل بن هشام وأخوه الحارث إلى عياش بن أبي ربيعة» ، وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما حتى قدما المدينة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يزال بمكة، فكلم أبو جهل عياشا، وقال له: إن أمك نذرت ألايمس رأسها مشط حتى تراك، ولا تستظل عن شمس حتى تراك، فرقّ لها، فقال له عمر: إنه- والله- ما يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم، فو الله لو اذى أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حرّ مكة لاستظلت، فقال له: أبر قسم أمي، ولي هناك مال فاخذه، فقال له عمر: والله إنك لتعلم إني لمن أكثر قريش مالا فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما، ولكنه أبى عليه إلا أن يخرج معهما فقال له: أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها. فخرج عليها معهما، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال أبو جهل: يا ابن أخي والله- لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني «3» على ناقتك هذه؟ قال: بلى، فأناخ عياش، وأناخا ليتحول عليها، فلما استوى بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه،

_ (1) كان صهر عمر على ابنته حفصة واستشهد في بدر. (2) اسم أبي ربيعة: عمرو- ويلقب: ذا الرمحين- ابن المغيرة، بن عبد الله، بن عمر، ابن مخزوم القرشي من السابقين الأولين، وهاجر الهجرتين. (3) أي تجعلني أعقبك عليها لركوبها.

كتاب عمر لهشام

وربطاه، ثم دخلا به مكة وفتناه، فافتتن، وكان دخولهما به مكة نهارا موثقا، فصارا يقولان: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا. كتاب عمر لهشام وروى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال: فكنّا نقول: ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة أنزل الله تعالى فيهم، وفي قولنا، وقولهم لأنفسهم: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) «1» . فكتبها عمر بيده في صحيفة وبعث بها إلى هشام بن العاص، قال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى «2» أصعّد فيها وأصوّب، ولا أفهمها حتى قلت: اللهمّ فهّمنيها، قال: فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، قال: فرجعت إلى بعيري فركبت عليه ثم لحقت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بالمدينة. هذا ما ذكره ابن إسحاق. وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو بالمدينة: «من لي بعيّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص؟» فقال الوليد بن الوليد «3» بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما، فخرج إلى مكة فدخلها

_ (1) الايات 53- 55 من سورة الزمر. (2) بالقصر مكان بأسفل مكة. (3) أخو خالد أسلم قبله، وهاجر الهجرتين، وكان له قصة مع خالد في إسلامه ستأتي.

هجرة صهيب بن سنان الرومي

مستخفيا، فلقي امرأة تحمل طعاما فقال لها: أين تريدين يا أمة الله؟ قالت: أريد هذين المحبوسين- تعنيهما- فتبعها حتى عرف موضعهما، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له، فلما أمسى تسوّر عليهما، ثم أخذ مروة «1» ، فوضعها تحت قيديهما، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما، فكان يقال لسيفه «ذو المروة» لذلك، ثم حملهما على بعيره، وساق بهما، فعثر فدميت إصبعه فقال: هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت ثم قدم بهما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة. هجرة صهيب بن سنان الرومي ولما أراد صهيب- رضي الله عنه- أن يهاجر قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك، فقال لهم: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلّون سبيلي؟ قالوا: نعم، قال: فإني جعلت لكم مالي، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ربح صهيب، ربح صهيب» . هكذا قال ابن هشام في السيرة. وروى الإمام البيهقي بسنده قصة هجرة صهيب على نحو اخر قال: قال صهيب: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخرج معه أبو بكر، وكنت قد هممت معه بالخروج، فصدني فتيان من قريش، فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد، فقالوا: قد شغله الله عنكم ببطنه- ولم أكن شاكيا- «2» ، فناموا فخرجت منهم يعني متسللا، فلحقني أناس بعدما سرت يريدون ليردوني، فقلت لهم: إن أعطيتكم أواقيّ من ذهب تخلّوا سبيلي وتوفون لي؟ ففعلوا، فتبعتهم إلى مكة فقلت: احفروا تحت أسكفة «3» الباب، فإن بها أواقي، واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلتين، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقباء قبل أن يتحول عنها، فلما راني قال: «يا أبا يحيى ربح البيع» ، فقلت: يا رسول الله ما سبقني إليك

_ (1) يعني قطعة من الحجر. (2) يعني أنه تصنّع ذلك، ولم يكن به مرض كي يفلت منهم. (3) عتبة الباب.

منازل المهاجرين بالمدينة

أحد، وما أخبرك إلا جبريل عليه السلام: وكان نزول صهيب بن سنان على خبيب بن إساف «1» أخي بلحارث بن الخزرج بالسّنح. منازل المهاجرين بالمدينة منزل طلحة بن عبيد الله: ونزل طلحة بن عبيد الله بن عثمان على خبيب بن إساف الذي نزل عليه صهيب، وقيل: إنه نزل على أسعد بن زرارة نقيب بني النجار. منزل حمزة واخرين: ونزل حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة، وأبو مرثد كناز بن حصن، قال ابن هشام ويقال: ابن حصين وابنه مرثد الغنويان حليفا حمزة بن عبد المطلب، وأنسة «2» ، وأبو كبشة «3» ، موليا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف بقباء، ويقال: بل نزلوا على سعد بن خيثمة، ويقال: نزل حمزة على أسعد بن زرارة أخي بني النجار. منزل عبيدة بن الحارث واخرين: ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب، وأخوه الطفيل بن الحارث، والحصين بن الحارث، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وسويبط بن سعد بن حريملة أخو بني عبد الدار،

_ (1) ولم يكن حين نزول المهاجرين عليه مسلما، بل تأخر إسلامه حتى خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بدر- كما قال ابن عبد البر- في الاستيعاب، وخبيب هذا هو الذي خلف على بنت خارجة بن زيد بعد وفاة الصديق، وقد مات في خلافة عثمان، وهو جد خبيب بن عبد الرحمن الذي يروي عنه الإمام مالك في الموطأ. (2) كان من مولدي السراة، ويكنى «أبا مسروح» شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. (3) أصله من فارس ويقال: هو من مولدي أرض دوس، واسم أبي كبشة سليم، وقد شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله، ومات في خلافة عمر في اليوم الذي ولد فيه عروة بن الزبير، وأما الذي كانت قريش تنسب النبي إليه فالصحيح أنه أبوه من الرضاع كما قدمنا.

وطليب بن عمير أخو بني عبد بن قصي، وخباب مولى عتبة بن غزوان على عبد الله بن سلمة أخي بلعجلان بقباء. منزل عبد الرحمن بن عوف في اخرين: ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع أخي بلحارث بن الخزرج في دارهم. منزل الزبير وأبي سبرة: ونزل الزبير بن العوام، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة- دارهم. منزل مصعب بن عمير: ونزل مصعب بن عمير بن هاشم أخو بني عبد الدار على سعد بن معاذ بن النعمان أخي بني عبد الأشهل في دار عبد الأشهل. منزل أبي حذيفة وسالم مولاه: ونزل أبو حذيفة بن عتبة وسالم مولاه على سلمة «1» ، وقال الأموي: على خبيب بن إساف أخي بني حارثة. منزل عتبة بن غزوان: ونزل عتبة بن غزوان بن جابر على عباد بن بشر بن وقش أخي بني عبد الأشهل في دار عبد الأشهل. منزل عثمان بن عفان: ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت بن المنذر أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار، فلذلك كان حسان يحب ذا النورين عثمان، وبكاه لما قتل. وكان يقال: إن الأعزاب من المهاجرين نزلوا على سعد بن خيثمة، وذلك أنه كان عزبا، فكان أيسر لهم، وأبعد من الحرج.

_ (1) هكذا في «البداية والنهاية» وعزاه لابن إسحاق، وأما السيرة لابن هشام فلم تذكره.

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة

هجرة النبي صلّى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة من بقي مع النبي بمكة وهكذا هاجر المسلمون جماعات وفرادى، وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين رجاء أن يؤذن له في الهجرة، ولم يبق بمكة من أصحابه إلا من فتن وحبسه المشركون، وإلا أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما- فقد تخلّفا معه. وكان الصدّيق قد همّ بالهجرة إلى المدينة فقال له النبي: «لا تعجّل لعل الله يجعل لك صاحبا» فيفهم أبو بكر أن النبي يعني بالصاحب نفسه، ففي صحيح البخاري في سياق حديث الهجرة الطويل: «وتجهّز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك «1» ، فإني أرجو أن يؤذن لي» فقال: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر- وهو الخبط- «2» أربعة أشهر ... » استعدادا للهجرة إلى المدينة. ائتمار قريش برسول الله ولما رأت قريش أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أصبح له أتباع كثيرون، وأنصار من أهل المدينة يفدونه بأنفسهم وأهليهم وأولادهم وأن أصحابه من المهاجرين قد

_ (1) بكسر الراء على مهلك. (2) السمر بفتح السين، وضم الميم: شجرة تسمى أم غيلان، وقيل ورق الطلح. والخبط بفتح الخاء والباء: ما يخبط بالعصى فيسقط من ورق الشجر.

أمسوا بدار أمان وعزّ ومنعة بعد أن هاجروا إليها، وتجمعوا فيها، فحذروا خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليهم، وحينئذ تكون الطامة، فإنهم لا يلبثون أن يحاربوهم، ويغتضوا عليهم بلدهم، ويدخلوها عليهم. فاجتمع أشرافهم ورؤساؤهم في دار الندوة- وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها «1» - يتشاورون في أمر النبي الذي أقضّ مضاجعهم، وأصبحت له ولأصحابه قوة تهددهم، واعترضهم إبليس في صورة شيخ نجدي عليه بتّ «2» ، فلما رأوه واقفا على الباب قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من نجد «3» سمع بالذي اتّعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألايعدمكم منه رأيا ونصحا، قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم. وقد اجتمع فيها أشراف من قريش منهم من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وأبو سفيان بن حرب، ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام، ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، ومن بني عبد الدار: النضر بن الحارث بن كلدة، ومن بني أسد بن عبد العزّى: أبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام، ومن

_ (1) قال في شرح المواهب، ج 1 ص 387: قال الماوردي صارت بعد قصي لولده عبد الدار، فبقيت في نسله حتى اشتراها معاوية بن أبي سفيان من عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وجعلها دار الإمارة، وقبل لما حج معاوية اشتراها من الزبير العبدري بمائة ألف درهم، ثم صارت كلها في المسجد الحرام بعد توسعته. وقال السهيلي: صارت بعد بني عبد الدار إلى حكيم بن حزام، فباعها في الإسلام بمائة ألف زمن معاوية، فلامه وقال له: أبعت مكرمة ابائك وشرفهم؟! فقال حكيم: ذهبت والله- المكارم إلا التقوى، والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر، وقد بعتها بمائة ألف، وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله، فأينا المغبون؟!! (2) كساء غليظ. (3) قال السهيلي في الروض: وإنما قال لهم إنه من أهل نجد فيما ذكر بعض أهل السير، لأنهم قالوا: لا يدخل معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة، لأن هواهم مع محمد، فلذلك تمثل في صورة شيخ نجدي.

بني جمح: أمية بن خلف، ومن بني سهم نبيه ومنبّه ابنا الحجاج، وغيرهم ممن لا يعد من قريش. فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأيا، فتشاوروا، فقال قائل منهم- وهو أبو البختري بن هشام-: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا، ثم تربّصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله: زهيرا والنابغة، ومن مضى منهم حتى يأتيه الموت. فقال الشيخ النجدي: لا، والله ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجنّ أمره من وراء الباب إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من بين أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي فانظروا غيره. فتشاوروا، ثم قال قائل منهم: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا أخرج عنّا فو الله ما نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، وتعود لنا واحدتنا وإلفتنا كما كانت. فقال الشيخ النجدي: ما هذا لكم برأي، ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال، فو الله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب فيتابعوه، ثم يسير بهم إليكم حتى يغلبكم، وينتزع الأمر من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، أديروا فيه رأيا غير هذا. فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا: ما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا، نسيبا وسيطا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إن فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، فرضوا منا بالعقل «1» فعقلناه لهم.

_ (1) العقل: الدية، سميت بذلك لأنهم كانوا يعقلون الإبل التي يقدمونها في الدية بالعقل جمع عقال، وهو الحبل الذي تشد به الإبل حتى لا تفلت.

إذن الله لنبيه في الهجرة

فقال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي ولا رأي غيره، فتفرق القوم وهم مجمعون على هذا. إذن الله لنبيه في الهجرة وهكذا بيّت المشركون أمرا، وبيّت الله أمرا، وأرادوا أن يكيدوا النبي، فرد الله كيدهم في نحرهم، فنزل جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلّم مخبرا له بما كادوه به، ومخبرا له بأن الله أذن له في الهجرة، وألاينام على فراشه الذي كان يبيت عليه، وقد أنزل الله «1» سبحانه في شأن هذه المؤامرة قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ «2» وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) «3» . إخبار الصديق بالإذن في الهجرة وكان من عادة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي بيت أبي بكر كل يوم مرتين: بكرة وعشية، قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة «4» قال قائل «5» لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متقنعا «6» في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر! فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن فأذن له، فدخل، فاستأخر أبو بكر عن

_ (1) قيل نزلت على النبي وهو بمكة، وقيل وهو في طريقه إلى المدينة، أو بعد وصوله إليها. (2) قد يقول قائل: ما بال الترتيب في الاية لم يجىء على حسب الواقع، ولم وسّط القتل مع أنه كان في المشاورة اخرا؟ والجواب: أن هذا من عجيب أسلوب القران، وبديع طريقته، ذلك أن الرأي الذي اختاروه هو القتل، فجاءت الاية على هذا النسق البديع من توسيط القتل بين الحبس والإخراج، لتدل الاية بوضعها وترتيبها على الرأي الوسط المختار، وهو سر من أسرار الإعجاز، فلله ربّ التنزيل ما أكرمه وأبلغه. (3) الاية 30 من سورة الأنفال. (4) أول الزوال وهو أشد ما يكون من حرارة النهار. (5) الظاهر أنها ابنته أسماء. (6) مغطيا رأسه.

تجهيز طعام السفر

السرير حتى جلس عليه، فقال لأبي بكر: «أخرج من عندك» فقال أبو بكر: إنما هم أهلك «1» بأبي أنت يا رسول الله. قال النبي: «فإني قد أذن لي في الخروج» فقال أبو بكر وهو يبكي من الفرح: الصحبة «2» يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» قالت عائشة: فو الله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ!! ثم قال الصديق: يا نبي الله، إن هاتين راحلتان كنت أعددتهما لهذا، فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بالثمن» «3» واستأجرا عبد الله بن أريقط رجلا من بني الدئل بن بكر، وكانت أمه من بني سهم بن عمرو، وكان مشركا يدلهما على الطريق، ودفعا إليه الراحلتين اللتين أعدهما الصديق- رضي الله عنه- للهجرة، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما الذي واعداه بعد ثلاث. تجهيز طعام السفر واشتركت أسماء وعائشة ابنتا الصديق في تجهيز السفرة التي سيأخذها المهاجران، ووضعتاها في جراب «4» ، فلما أرادتا ربط فم الجراب لم تجدا شيئا،

_ (1) هكذا في صحيح البخاري، وفي السيرة: إنما هما ابنتاي، وقد فسرت المراد بالأهل، فعائشة كان عقد عليها النبي، وأسماء صارت بمنزلة الأهل بعد خطبة أختها، أو أن هذا من أبي بكر تنزيل لأهله منزلة أهل النبي. (2) أي أريد الصحبة. (3) إنما اشترط النبي أن يكون ذلك بالثمن مع أن أبا بكر أنفق ماله في سبيل الله ورسوله، لأنه أحب ألاتكون هجرته إلا من مال نفسه، وكان ثمنها أربعمائة درهم، وقد قال الواقدي: إن هذه الناقة هي القصواء، وأنها كانت من نعم بني قشير، وقد عاشت بعد النبي قليلا، وكانت مرسلة ترعى في البقيع، وماتت في خلافة أبي بكر، وذكر ابن إسحاق أنها الجدعاء، وكانت من إبل بني الحريش، وكذا روى ابن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أنها الجدعاء. (فتح الباري، ج 7 ص 187) . (4) الوعاء من الجلد.

مبيت علي على فراش النبي

فشقّت السيدة أسماء نطاقها «1» نصفين، فربطت فم الجرب بنصفه وانتطقت بالاخر، فلذلك سميت ذات النطاقين أو ذات النطاق. وقال ابن سعد: شقّت نطاقها فأوكأت بنصف منه الجراب، وشدّت فم القربة بالاخر، فسميت ذات النطاقين، وقد ذكر ابن إسحاق في سيرته قصة النطاق بعد خروج النبي وصاحبه بالغار لما جاءهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيريهما، وفي صحيح البخاري أن القصة كانت في بيت الصديق قبل خروج النبي وصاحبه، وما «في الصحيح» هو الصحيح. مبيت عليّ على فراش النبي ثم عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعدما أخبر أبا بكر بالإذن له في الهجرة، وبعد أن أعدّا العدة للهجرة- إلى بيته، وكان جبريل عليه السلام أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن لا يبيت على فراشه، فلما كانت عتمة الليل اجتمع فتيان من قريش على بابه، وبيدهم السيوف المرهفة، ويتطاير من عيونهم شرر الغدر والمكيدة، فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: «نم على فراشي، وتسج «2» ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فإنه لن يخلص إليك منهم شيء تكرهه» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينام في برده هذا إذا نام، فسمع عليّ لما أشار به رسول الله وأطاع طيّبة بذلك نفسه، وبذلك كان أول فدائي شاب في الإسلام، فقد وقى رسول الله بنفسه، وهو يعلم أنه على قيد أذرع من سيوف المشركين ورماحهم، وكان هذا التدبير المحكم الذي أشار به جبريل عليه السلام مما لبّس الأمر على المشركين المتربصين للنبي، فكانوا إذا نظروا من خلل الباب «3» وجدوا النائم فيظنونه النبي، بينما هو الفتى الشجاع علي.

_ (1) هو ما تشد به المرأة وسطها، وكان الانتطاق من عادة النساء العربيات. (2) تغط. (3) شقوق الباب.

خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم

خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي هجعة من الليل خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد أخذ الله على أبصارهم فلم يبصروا به، وكان أخذ كفا من تراب، فصار ينثر منها على رؤوسهم زيادة في النكاية بهم «1» ، وهو يتلو قول الله تبارك وتعالى: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) » . ثم انصرف رسول الله لشأنه، وبقي المشركون ينتظرون النائم حتى يخرج، فيفعلوا به ما اتفقوا عليه. ذهاب الرسول إلى بيت الصدّيق وذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فوره إلى بيت الصدّيق «3» - رضي الله عنه-

_ (1) قيل: الحكمة في وضع التراب دون غيره الإشارة إلى أنهم الأذلون الأصغرون، وأن مصيرهم إلى الذل والرغام. (2) الايات 1- 9 من سورة يس. (3) هذا الذهاب خلاف الذهاب الأول في نحر الظهيرة، فالأول كان لإخبار الصديق بالإذن للهجرة، والثاني كان ليلا بعد ما أفلت من المشركين للخروج إلى الغار، وقد تحيّر بعض كتاب السيرة وشرّاحها في هذا، فخروج الرسول من بيته كان ليلا، ووصوله إلى بيت الصديق كان في الظهيرة كما ثبت في الصحيح وغيره، فأين كان النبي في هذه الساعات الطوال؟! وهذا الذي ذهبت إليه هو الذي ينبغي أن يصار إليه، وقد جوّز بعضهم أن النبي مكث في بيت الصديق حتى كانت الليلة المقبلة، فخرجا ليلا وهو بعيد، والبعض جوز أنه خرج إلى الغار، ثم عاد إلى بيت أبي بكر في الظهيرة، ثم عادا إلى الغار معا، وهو أشد بعدا من الأول، والحق ما هداني الله إليه، وهو الذي يتفق ومنطق العقل وتسلسل الحوادث.

إلى غار ثور

وكان الصدّيق يترقب وصوله في أية ساعة بعد أن اتفقا على الصحبة في الهجرة، وأعدّا للسفر عدته. إلى غار ثور خرج الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه وقد تزودا بالزاد والماء ليلا من خوخة «1» في ظهر بيت أبي بكر حتى لا يراهما أحد، وسلكا طريقا غير معهودة، فبدلا من أن يسيرا نحو الشمال ذهبا إلى الجنوب حيث يوجد (غار ثور) وكان خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- كما قال ابن إسحاق- لهلال ربيع الأول، وقيل: في أواخر صفر. نظر إلى البيت ودعاء ولما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكة توجه إلى البيت وقال: «والله إنك لأحب أرض الله إلي، وإنك لأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت» «2» . ثم توجه إلى الله بهذا الدعاء: «الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا، اللهمّ أعنّي على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام. اللهمّ اصحبني في سفري، واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذللني، وعلى صالح خلقي فقوّني، وإليك ربي فحببني، وإلى الناس فلا تكلني. ربّ المستضعفين وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السماوات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والاخرين، أن تحلّ عليّ غضبك، وتنزل بي سخطك. أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحوّل عافيتك، وجميع سخطك، لك العتبى عندي خير ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلا بالله» «3» .

_ (1) باب صغير في ظهر البيت. (2) رواه أحمد والترمذي وصححه. (3) البداية والنهاية، ج 3 ص 178، وقال: رواه أبو نعيم.

شيخ الفدائيين

شيخ الفدائيين وفي الطريق إلى الغار رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أبي بكر عجبا، راه مرة يسير أمامه، ومرة يسير خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن شماله!! فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذا، فقال: يا رسول الله أذكر الطّلب «1» فأمشي خلفك، وأذكر الرّصد «2» فأكون أمامك، ومرة عن يمينك، ومرة عن شمالك، لا امن عليك «3» ! فقال له النبي: «يا أبا بكر لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني؟» قال: نعم والذي بعثك بالحق!! وما زالا يسيران في ظلمة الليل وبين الرمال والصخور حتى وصلا إلى الغار. استبراء الغار ولما وصلا إلى الغار وأراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينزل فيه قال له الصديق: مكانك حتى أستبرىء لك، فإن كان به أذى نزل بي قبلك، ثم نزل فتحسس الغار فلم يجد به شيئا، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد بلغ منه الإعياء والتعب مبلغه «4» ، فما إن دخلا حتى توسّد الرسول قدم أبي بكر ونام. وكان الصدّيق يأخذ من ثوبه ويسدّ فم الأجحار خشية أن يكون شيء من الهوامّ فتؤذي رسول الله، فبقي منها جحر فألقمه عقبه، وكانت به حية فلدغته،

_ (1) الطالب للإنسان، وإنما يأتي من الخلف. (2) الرصد: المترصد في الطريق. (3) روى هذه القصة الإمام البيهقي (البداية والنهاية، ج 3 ص 180) . (4) لقد صعدت إلى هذا الجبل نهارا في رفقة ونحن شباب، فاستغرقنا أكثر من ساعة، وقد حفيت أقدامنا من الصخور، فما بالك إذا كان ليلا، وطلبا للنجاة من عدو مغيظ محنق؟ فلله ما لقي النبي وصاحبه في هذه الليلة، وأذكر أن رحلتنا تلك كانت في مثل يوم الذكرى المجيدة، ذكرى الميلاد، وقد صليت في الغار ركعتين، وألقيت كلمة يومها في جلال هذه الذكرى.

قصة الشجرة، والعنكبوت، والحمامتين

فمنعه مكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منه أن يتململ، ولكن الألم لمّا اشتد به تحدّرت دموعه، فسقطت على وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستيقظ، فقال: «ما لك يا أبا بكر؟» فأخبره بما حدث، فتفل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبرئت بإذن الله تعالى «1» . فلا عجب إذا كان شيخ الإسلام أبو بكر جديرا بأن يكون شيخ الفدائيين في القديم والحديث. قصة الشجرة، والعنكبوت، والحمامتين وقد روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما دخل هو وصاحبه الصديق بالغار أمر الله سبحانه شجرة فنبتت على فم الغار، وانتشرت أغصانها على بابه، وألهم العنكبوت فنسجت على أغصان الشجرة، وألهم حمامتين وحشيّتين فعششتا وباضتا بين أغصان الشجرة «2» ، وقد كان لهذه الايات الثلاث أثرها في تضليل المشركين وصدّهم عن اقتحام الغار ودخوله كما سترى عن كثب، وهكذا وقى الله نبيه وصاحبه بأضعف جنده. تشكيك أميل در منغم ويحاول أميل درمنغم أن يقلل من هذه المعجزات فيقول: هذه الأمور الثلاثة هي واحدها المعجزة التي يقص التاريخ الإسلامي الجد: نسيج عنكبوت، وهوى حمامة، ونماء شجرة، وهي أعاجيب ثلاث لها كل يوم في أرض الله نظائر. وهي شنشنة نعرفها من أخزم، فالمستشرقون- إلا القليل- يحرصون على التقليل من معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم الحسية، ويشككون فيها، وإني لأقول لدر منغم

_ (1) روى هذه القصة رزين العبدري صاحب «تجريد الصحاح» (شرح المواهب، ج 1 ص 404) . (2) روى القصة الإمام أحمد في مسنده، والبزار في مسنده، وقاسم بن ثابت في الدلائل (شرح المواهب، ج 1 ص 399) ؛ ورواها أيضا الحافظ ابن عساكر (البداية والنهاية، ج 3 ص 181، 182) .

تخلف علي لرد الودائع إلى أهلها

ومشايعيه: من الذي أخذ بأبصار المشركين فلم ينظروا تحت أرجلهم، ولو فعلوا لرأوا طلبتهم المنشودة؟ ومن الذي سمّر أرجلهم في الأرض فلم يتقدموا نحو فم الغار؟! ومن الذي صرفهم عن الغار، وقد همّ بعضهم بدخوله؟ أليست هذه ايات بيّنات على أن النبي ممنوع ومحفوظ من ربه؟ وأنه نبي الله حقا؟ ولو أن الأمور تجري على السنن العادي- كما زعم- لكان الأمر على غير ما كان، فسبحان الله تعالى الذي يسخر ما شاء من خلقه، لمن شاء من عباده المخلصين. تخلف عليّ لردّ الودائع إلى أهلها ولم يكن أحد يعلم بخروج النبي صلّى الله عليه وسلّم حين خرج إلا أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، وقد أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتخلّف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس، إذ لم يكن أحد بمكة عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه، وأمانته حتى كان يلقّب «بالأمين» . في الصباح ولنعد إلى الفتيان المشركين الذين وقفوا يتربصون على باب الدار، يحرسون النائم ظنا منهم أنه النبي، بل صاروا يتشاورون فيما بينهم أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه، حتى اتاهم ات فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمدا، قال: قد خيّبكم الله، قد- والله- خرج محمد عليكم، ثم ما ترك أحدا منكم إلا وضع على رأسه التراب، وانطلق لشأنه، أفما ترون ما بكم؟! فوضع كل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب، فكأنهم لم يصدّقوا، فجعلوا يطّلعون فيرون النائم على فراشه متسجيّا ببرده، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم، عليه برده. فما زالوا كذلك حتى تنفس الصباح، فدخلوا على النائم، وكشفوا البرد فإذا به علي! فقالوا له: أين صاحبك هذا؟ فقال: لا أدري، فعلموا وتيقنوا

جن جنون قريش

أنه أفلت منهم، فأصابهم الحزن والكمد، «ويمكرون، ويمكر الله، والله خير الماكرين» «1» . جن جنون قريش ولما تبينت قريش إفلات النبي منهم جنّ جنونهم، وصاروا يهيمون على وجوههم طلبا له، وجعلوا لمن يأتي به حيا أو ميتا مائة ناقة، وبعثوا القافة «2» إثره في كل وجه، منهم: كرز بن علقمة، وسراقة بن جعشم، فصاروا يتبعون الأثر حتى انتهوا إلى جبل (ثور) ، ثم صعدوا الجبل حتى وقفوا على فم الغار. وهنالك وقفوا متحيرين إذا كان دخل الغار فكيف لم يتهدم نسج العنكبوت، ولم ينكسر بيض الحمام؟! ووقفوا مترددين، أيدخلون الغار أم لا؟ حتى إن أحدهم همّ أن يدخل الغار فقال له الاخر: إن هذا العنكبوت لمن قبل ميلاد محمد!! وهكذا نرى أن الله صرف المشركين عن النبي وصاحبه، ويرحم الله الإمام البوصيري حيث قال: وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من الأطم لا تحزن إن الله معنا وكان المشركون واقفين على فم الغار يتحدثون بمسمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه، وكان الصدّيق شديد الخوف على رسول الله حتى قال: يا رسول الله

_ (1) قد يراد بالمكر التدبير المحكم، وهو بهذا المعنى يجوز إسناده إلى الله، وقد يراد به التدبير في خفاء خشية الاستعلان، وهو بهذا المعنى لا ينسب إلى الله، وعليه فتكون الاية من قبيل المشاكلة اللفظية، أي ومكروا بالنبي هذا المكر السيىء فجازاهم الله على مكرهم بما هو أنكى لهم والم. (2) جمع قائف، وهو الذي يتبع أثر الأقدام في الأرض حتى يعلم أين ذهب صاحبه.

لطم أبي جهل للسيدة أسماء

لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصارنا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما ظنك يا أبا بكر- باثنين الله ثالثهما» ، وفي هذا نزل قول الله تبارك وتعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) «1» . ومكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه في الغار ثلاث ليال حتى انقطع عنهم الطلب. لطم أبي جهل للسيدة أسماء قالت أسماء رضي الله عنها: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ فقلت: لا أدري- والله- أين أبي؟ فرفع أبو جهل يده- وكان فاحشا خبيثا- فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي!!. وهكذا وصل السفه بأبي جهل أن يؤذي امرأة، وأن يتخلّى عن أخلاق العرب في الترفع عن مثل هذا، وأن ينزل بنفسه إلى هذا الدرك من الإسفاف. كياسة السيّدة أسماء روى ابن إسحاق بسنده عن السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخرج معه أبو بكر احتمل ماله كله معه، خمسة الاف درهم أو ستة الاف، فانطلق بها معه، فدخل علينا جدّي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لا أراه إلا قد فجعكم بماله مع نفسه، فقلت: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا، قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في

_ (1) الاية (40) من سورة التوبة.

البيت البكري وتضحياته في الهجرة

البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا، فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، وإذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني أردت أن أسكّن الشيخ بذلك. البيت البكري وتضحياته في الهجرة وقد كان لال أبي بكر- رضي الله عنه- تضحيات، ومفاخر خالدة في سبيل الهجرة، وقد علمت ما كان من السيدة أسماء لمّا شقّت نطاقها نصفين، وستسمع ما كان من الشاب عبد الله بن أبي بكر، وما كان من مولى الصدّيق عامر بن فهيرة، وبذلك اجتمعت هذه المفاخر الكبرى للصدّيق- رضي الله عنه- وإليك ما رواه البخاري في هذا بسنده عن عائشة، قالت: «ثم لحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت في الغار عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب ثقف «1» لقن «2» ، فيدلج «3» من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يكتادان به «4» إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة «5» من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل- وهو لبن- منحتهما ورضيفهما «6» حتى ينعق «7» بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة» وبذلك كان عامر

_ (1) بفتح الثاء وكسر القاف ويجوز إسكانها: حاذق. (2) بفتح اللام وكسر القاف: سريع الفهم جيد الوعي. (3) بفتح الياء وتشديد الدال بعدها جيم: أي يخرج بغلس. (4) من الكيد، وهو بضم الياء مبنيا للمجهول. (5) غنما فيها لبن. (6) رضيف كرغيف: هو اللبن المرضوف، أي الذي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته. (7) يصيح، والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم.

خروج الرسول وصاحبه من الغار

يعفّي على اثار عبد الله فلا يتفطن أحد إليه، ولا يستدل باثاره على المهاجرين الكريمين. خروج الرسول وصاحبه من الغار وبعد ثلاث ليال وقد هدأ الطلب، ويئس المشركون من إدراكهما خرجا من الغار، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر استأجرا رجلا من بني الديل «1» يسمّى عبد الله بن أريقط، وهو من بني عبد بن عدي، وكان هاديا خرّيتا «2» قد غمس حلفا «3» في ال العاص بن وائل السهمي، وكان على دين كفار قريش «4» فأمناه «5» ، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما، يردفه أبو بكر ويعقبه، فكانوا ثلاثة والدليل. طريق الهجرة فلما خرج بهما عبد الله بن أريقط «6» دليلهما سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل حتى عارض الطريق أسفل من (عسفان) «7» ، ثم سلك

_ (1) بكسر الدال، وإسكان الياء، وقيل بضم أوله وكسر ثانيه مهموزا. (2) الخريت: الماهر بالهداية العارف بالطريق، وسمي كذلك لأنه يهدي بمثل خرت الإبرة أي ثقبها، أو لأنه يهتدي لاخرات المفازة وهي طرقها الخفية. (3) أي كان حليفا لهم. (4) وهذا يدل على مروءة العرب ووفائهم وأمانتهم، وإلا فقد كان يمكنه أن يدل المشركين عليهما ويأخذ الجعل الكبير. (5) بفتح الهمزة وكسر الميم. (6) لم يعرف له إسلام كما جزم بذلك الحافظ عبد الغني المقدسي في سيرته وتبعه النووي، وقال السهيلي: لم يكن أسلم ولا وجدنا من طريق صحيح أنه أسلم بعد، ولا يعترض بأن الواقدي ذكر أنه أسلم لأنه ليس بصحيح، وضعف الواقدي معلوم خصوصا مع الانفراد، وكأنه سلف الذهبي في عده صحابيا، وقال في الإصابة: لم أر من ذكره من الصحابة إلا الذهبي في التجريد (شرح المواهب، ج 1 ص 409) . (7) عسفان: موضع بين مكة والمدينة بينه وبين مكة نحو ثلاث مراحل، قال الفيومي في المصباح: ويسمى في زماننا مدرج عثمان.

بهما على أسفل (أمج) «1» ، ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن أجاز قديدا «2» ، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك، فسلك بهما (الخرّار) «3» ، ثم سلك بهما ثنية المرة «4» ، ثم سلك بهما لقفا» ، قال ابن هشام: ويقال: لفتا، ثم أجاز بهما مدلجة لقف، ثم استبطن بهما مدلجة مجاج- ويقال: مجاج «6» فيما قال ابن هشام-، ثم سلك بهما مرجح «7» من ذي الغضوين، قال ابن هشام: ويقال: العضوين، ثم بطن ذي كشر، ثم أخذ بهما على الجداجد «8» ، ثم على الأجرد، ثم سلك بهما ذا سلّم من بطن أعداء مدلجة تعهن «9» ، ثم على العبابيد «10» ، قال ابن هشام: ويقال: العبابيب، ويقال: العيثانة يريد: العبابيب. ثم أجاز بهما الفاجة «11» ، ويقال: القاحة فيما قال ابن هشام، ثم هبط بهما العرج وقد أبطأ عليهما بعض ظهرهما، فحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من أسلم يقال له: أوس بن حجر على جمل له يقال له: ابن الرداء إلى المدينة، وبعث معه غلاما له يقال له: مسعود بن هنيدة.

_ (1) يفتح الهمزة والميم: موضع. (2) على صيغة المصغر: موضع. (3) بفتح الخاء وتشديد الراء: موضع قرب الجحفة. (4) بفتح الميم والراء المخففة، قال السهيلي: كذا وجدته مخفف الراء، مقيدا كأنه مسهّل الهمزة من المرأة. (5) بفتح اللام والقاف في قول ابن إسحاق، وفي رواية ابن هشام «لفتا» بكسر اللام، والفاء. (6) مجاج: بكسر الميم وجيمين قال ابن هشام: ويقال فيها مجاج بفتح الميم وقيل مجاح بالحاء المهملة بعد الجيم. (7) مرجح: بتقديم الجيم على الحاء. (8) الجداجد بجيمين ودالين: كأنها جمع جدجد، وأحسبها ابارا، قاله السهيلي. (9) تعهن: بكسر التاء والهاء، والتاء فيه أصلية. (10) العبابيد: كأنه جمع عباد، وقال ابن هشام: وهي العبابيب كأنها جمع عباب من عبيت الماء عبا. (11) الفاجة: بفاء وجيم وقال ابن هشام: القاحة بالقاف والحاء.

في خيمة أم معبد

ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنية العائر عن يمين ركوبة، ويقال: ثنية الغائر- فيما قال ابن هشام- حتى هبط بهما بطن رئم، ثم قدم بهما قباء على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتد الضحاء، وكادت الشمس تعتدل. في خيمة أم معبد وفي الطريق إلى المدينة مرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بأم معبد، وإليك قصتها لما فيها من معجزة ظاهرة للنبي، ولما فيها من صورة صادقة للمرأة العربية في عفتها وشهامتها، ومروءتها، وكرمها، وبلاغتها وفصاحتها، فقد وصفت النبي صلّى الله عليه وسلّم بما يعجز عنه بيان غيرها. روى البيهقي وغيره «1» عن أخي أم معبد حبيش صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعه أبو بكر، وعامر بن فهيرة، وابن أريقط يدلهم على الطريق مرّوا بقديد على أم معبد: عاتكة بنت خالد بن خليد «2» الخزاعية، وكانت برزة «3» ، جلدة «4» ، تحتبي بفناء القبة «5» ، ثم تسقي وتطعم من يمر بها، وكان القوم مرملين «6» مسنتين «7» ، فسألوها: هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها فلم يجدوا عندها شيئا، وقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى «8» .

_ (1) ورواها أيضا ابن خزيمة، والحاكم وصحّحها، وصاحب الغيلانيات، ومن طريقه اليعمري عن أبي سليط الأنصاري البدري، وابن عبد البر، وابن شاهين، وابن السكن، والطبراني وغيرهم. (2) على صيغة المصغر كما صرّح به ابن الأثير في الجامع، وقيل: ابن خنيف مصغرا، وقيل ابن منقذ، وهي صحابية خرّج لها ابن السكن. (3) كضخمة عفيفة مسنة فلم تتخدر لسنها، وخرجت من حد المحجوبات. (4) قوية. (5) الفناء: المكان الواسع أمام البيت أو القبة وهي الخيمة. (6) نفدت أزوادهم. (7) أصابتهم سنة أي جدب. (8) القرى: إكرام الضيف أي ما منعناه عنكم.

فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى شاة في كسر الخيمة «1» خلّفها الجهد «2» عن الغنم، فسألها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل بها من لبن» ؟ فقالت: هي أجهد من ذلك، فقال: «أتأذنين لي أن أحلبها «3» ؟ فقالت: نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت حلبا «4» فاحلبها، فدعا بالشاة فاعتقلها «5» ، ومسح ضرعها- وفي رواية وظهرها- وسمّى الله- وفي رواية: ودعا لها في شائها- فتفاجّت «6» ، ودرّت، ودعا بإناء يربض «7» الرهط، فحلب فيه ثجا «8» ، وسقى القوم حتى رووا، وسقى أم معبد حتى رويت، ثم شرب اخرهم وقال: «ساقي القوم اخرهم شربا» ثم حلب فيه مرة أخرى فشربوا عللا بعد نهل «9» ، ثم حلب فيه اخرا، وغادره عندها- وفي رواية أنه قال لها أن «ارفعي هذا لأبي معبد إذا جاءك» - ثم ركبوا، وذهبوا. فقلما لبث أن جاء أبو معبد «10» زوجها يسوق أعنزا عجافا «11» ، يتساوكن هزلا «12» لا نقي بهن «13» ، فلما رأى اللبن أبو معبد عجب، وقال:

_ (1) بكسر الكاف وفتحها: جانب الخيمة. (2) بضم الجيم وفتحها: المشقة والهزال. (3) بضم اللام وكسرها. (4) أي لبنا في الضرع. (5) وضع رجلها بين ساقه وفخذه. (6) فتحت ما بين رجليها كما هو شأن الغنم إذا حلبت. (7) أي يشبع الجماعة ويرويهم حتى يربضوا: أي يناموا ويمتدوا على الأرض. (8) أي حلبا كثيرا. (9) النهل: الشربة الأولى، والعلل: الشربة الثانية. (10) قال السهيلي: لا يعرف اسمه، وله رواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وتوفي في حياته، وقال العسكري: اسمه أكثم بن أبي الجون، وقال الذهبي: قيل اسمه حبيش بضم الحاء، وفتح المواحدة، وسكون الياء، اخره شين معجمة على الأصح، وقيل بمعجمة مضمومة ونون مفتوحة، وقيل: أكثم قديم الوفاة. (11) جمع عجفاء أي هزالا. (12) يتمايلن في مشيتهن من الهزال. (13) النقي: مخ العظام أي مخهن قليل.

ما هذا يا أم معبد؟ أنّى لك هذا؟! والشاء عازب، حيال «1» ولا حلوب «2» بالبيت، فقالت: لا- والله- إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك فمن حاله كذا، وكذا «3» ، فقال: صفيه يا أم معبد، فقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة «4» ، مبلج الوجه» ، حسن الخلق «6» ، لم تعبه ثجلة «7» ، ولم تزر به صعلة «8» ، وسيم قسيم، في عينيه دعج «9» ، وفي أشفاره وطف «10» ، وفي صوته صحل «11» ، أحور «12» ، أكحل «13» ، أزج «14» ، أقرن «15» ، شديد سواد الشعر، في عنقه سطح «16» ، وفي لحيته كثاثة «17» ، إذا صمت فعليه

_ (1) العازب: بعيدة المرعى، الحيال: بكسر الحاء المهملة جمع حائل وهي التي ليس بها حمل. (2) ذات لبن. (3) كناية عن القصة التي حدثت بها. (4) الحسن والبهجة. (5) مشرقه. (6) بفتح الخاء وسكون اللام، أو بضم الخاء واللام، وعرفت ذلك من تواضعه وحسن معاملته لرفقته. (7) بفتح الثاء وسكون الجيم عظم البطن. (8) صغر الرأس. (9) شدة سواد العينين. (10) أشفاره: رموش عينيه، وطف: طول وغزارة. (11) بفتح الصاد والحاء بحة خفيفة فليس في صوته غلظ. (12) الحور بفتح الحاء والواو: شدة بياض العينين، وشدة سواد سوادهما. (13) الكحل بفتح الكاف والحاء: سواد في أجفان العينين خلقة، والرجل أكحل وكحيل، والمرأة كحلاء. (14) دقيق الحاجبين في طول. (15) مقرون الحاجبين. (16) ارتفاع وطول. (17) غزارة من غير دقة.

مكافأة النبي لأم معبد

الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن «1» ، حلو المنطق، فصل «2» ، لا نزر «3» ، ولا هذر «4» ، أجهر الناس «5» ، وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب «6» ، ربعة لا تشنؤه «7» من طول، ولا تقتحمه «8» عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به «9» ، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا لأمره «10» محفود محشود «11» ، لا عابس، ولا مفنّد «12» . فقال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش، لو رأيته لاتّبعته، ولأجهدنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا «13» . مكافأة النبي لأم معبد وقد روي أنها كثرت غنمها ونمت حتى جلبت منها جلبا إلى المدينة، فمر أبو بكر، فراه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك،

_ (1) أي كلام متناسق، ومتصل بعضه ببعض، فأشبه في تناسقه الدرر، وفي تواليه الخرزات إذا تتابعت. (2) بسكون الصاد: أي كلام بيّن يفصل الحق من الباطل، أو تفسيره ما بعده. (3) قليل الكلام. (4) كثير الكلام فهو وسط بين هذا وذاك، والفضيلة وسط بين رذيلتين. (5) أرفعهم صوتا من غير إفراط مع الوضوح. (6) أفرد الضمير حملا على لفظ الناس أو لإرادة الجنس. (7) لا يبغض لفرط طوله. (8) لا تتجاوزه إلى غيره ازدراء له وإعراضا. (9) يحيطون به. (10) تسابقوا إلى امتثاله. (11) محفود: مخدوم، ومن ذلك ما ورد في دعاء القنوت: «وإليك نسعى ونحفد» ، محشود: عنده حشد وهم الجماعة. (12) عابس: مقطب الوجه، والمفنّد بكسر النون مع التشديد اسم فاعل الذي يكثر من اللوم. (13) شرح المواهب ج 1 ص 410- 416؛ البداية والنهاية ج 3 ص 192- 193.

هاد يهديناي الطريق

فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: أوما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال: هو نبي الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأعطاها- وفي رواية: فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا من أقط ومتاع الأعراب، فكساها وأعطاها، قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت. وذكر صاحب «الوفاء» أنها هاجرت هي وزوجها، وأسلما، وفي شرح السنة للبغوي: هاجرت هي وزوجها، وأسلم أخوها حبيش، واستشهد يوم الفتح. هاد يهديناي الطريق وكان أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- شيخا «1» يعرف، لأنه كان كثير التردد على هذا الطريق الذي يمر بالمدينة في أسفار تجارته، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم شابا «2» ، فيلقى الرجل أبا بكر وهو يعرفه، فيقول: يا أبا بكر: من هذا الرجل الذي بين يديك؟! فيقول: هذا رجل يهديناي السبيل، فيحسب السامع أنه يعني الطريق المحسوس، وإنما يعني الصديق طريق الخير والهداية. وقد كان ما فعله الصديق بإيحاء من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد ذكر ابن سعد في طبقاته أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر: «أله الناس عني «3» » وهذا من التحوط الحكيم في وقت اشتد فيه الطلب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فكان إذا سئل الصديق ممن

_ (1) أدركه الشيب. (2) يعني لم يلحقه الشيب، وقد يفهم من ظاهر هذا الكلام أن الصديق- رضي الله عنه- كان أسن من رسول الله وهو غير صحيح، وأما الأثر المشهور على الألسنة أن النبي قال لأبي بكر: «أينا أسن أنا أم أنت» ؟ قال: «أنت أكبر وأكرم، وأنا أسن منك» فقد قال فيه الإمام ابن عبد البر: هذا مرسل ولا أظنه إلا وهما، وقال الحافظ ابن حجر: وهو كما ظن، وإنما يعرف هذا للعباس، وأما أبو بكر فقد ثبت في صحيح مسلم عن معاوية أنه عاش ثلاثا وستين سنة، وكان قد عاش بعد النبي سنتين وأشهرا، فيلزم على الصحيح أن يكون أصغر من النبي بأكثر من سنتين. (3) أي اصرفهم عن معرفة حقيقة أمري.

قصة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي

لا يعرفه: من أنت؟ قال: باغي حاجة، فإذا قيل له من هذا معك؟ قال: هاد يهديناي. قصة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي «1» كانت قريش قد جعلت في النبي صلّى الله عليه وسلّم من يأتي به حيا أو ميتا، وصاحبه أبي بكر دية كل واحد منهما مائة ناقة- كما ذكر موسى بن عقبة في مغازيه- وكان هذا الجعل مما حمل سراقة على متابعة النبي صلّى الله عليه وسلّم. وإليك قصة سراقة كما رواها قال: «فبينما أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني قد وجدت انفا أسودة «2» بالساحل أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم «3» ، قال: لعل وسكت. ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فحططت بزجه الأرض» ، وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها «5» تقرب بي «6» حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها «7» ، فأهويت يدي إلى

_ (1) جعشم: بضم الجيم، وسكون العين، وضم الشين، والمدلجي بضم الميم، وسكون الدال، وكسر اللام، وهو مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة. (2) جمع سواد يعني أشخاصا. (3) يقصد التعمية على قومه. (4) الزج: الحديدة التي في أسفل الرمح. (5) أسرعت بها السير. (6) التقريب دون العدو، وفوق العادة، وقيل: أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا. (7) سقطت.

كنانتي «1» فاستخرجت الأزلام «2» فاستقسمت بها «3» أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره، وكنت أرجو أن أرده فاخذ المائة ناقة. فركبت فرسي- وعصيت الأزلام- تقرّب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، فقال أبو بكر: يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا، والتفت نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا عليه قائلا: «اللهمّ اصرعه، اللهم اكفناه بما شئت» قال سراقة: فساخت يدا «4» فرسي حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، وصرعتني، ثم زجرتها، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان «5» في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان «6» قائلا: أنا سراقة بن مالك بن جعشم، أنظروني أكلمكم، فو الله لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه، ادع الله لي ولا أضرك فدعا له. فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنه ممنوع «7» ، وأن سيظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزاني «8» مما معي شيئا، ولم يسألاني، فقلت:

_ (1) كيس من جلد التي بها السهام. (2) جمع زلم وهي القداح التي كانوا يستقسمون بها، والقدح قطعة من خشب كالسهم إلا أنها لا ريش لها ولا نصل. (3) أي ضرب ليعرف حظه ونصيبه وقد حرمه الإسلام. (4) أي غاصتا في الأرض. (5) غبار صاعد جهة السماء. (6) هكذا في رواية الصحيح أنه ناداهم بالأمان بعد أن غاصت قدما فرسه في التراب في المرة الثانية، وفي السيرة لابن إسحاق أنه واصل الطلب، وأنه سقط عنها ثلاث مرات، وغاصت قدما فرسه في الثالثة فقام فناداهم بالأمان. (السيرة ج 1 ص 489) فلعل في رواية الصحيح اقتصارا على المرتين. (7) محفوظ من الله تعالى ولن ينال منه أحد. (8) ينقصاني مما معي شيئا.

ستلبس سواري كسرى

يا رسول الله مرني بما شئت فقال: «قف مكانك، ولا تترك أحدا يلحق بنا، وأخف عنا» . وهكذا كان في أول النهار جاهدا «1» على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان في اخر النهار مسلحة له «2» قال سراقة: فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم «3» ثم ألقاه إلي، فأخذته ووضعته في كنانتي ثم رجعت «4» . ستلبس سواري كسرى ولم يقف الأمر في قصة سراقة عند هذه المعجزة الظاهرة البيّنة الدالة على حماية الله لنبيه وحفظه له، بل تعدّاه إلى نبوءة أخرى ما كان يجول مصداقها بخلد إنسان قط إلا أن يكون نبيا يوحى إليه من ربه، ذلك أنه لما همّ سراقة بالرجوع التفت إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: «كأني بك يا سراقة تلبس سواري كسرى» فقال سراقة متعجبا: كسرى بن هرمز!! قال: «نعم» . فرجع سراقة وهو في حيرة من أمر هذه النبوءة، وتواردت على نفسه شتى الهواجس والخواطر والخلجات النفسية: محمد بن عبد الله الذي خرج مستخفيا مطاردا من قومه يخشى الطلب، ويخاف الرصد، ولا يكاد يأمن على نفسه من غوائل المشركين- يعدني سواري كسرى إنه للأمر العجب!! وفاء سراقة بما وعد وقد وفى سراقة بما وعد، فجعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده قائلا: كفيتم هذا الوجه، فلما اطمأنّ إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وصل إلى المدينة جعل سراقة يقصّ ما كان من قصته وقصة فرسه، واشتهر هذا عنه، وتناقلته الألسنة حتى امتلأت به نوادي مكة، فخاف رؤساء قريش أن يكون ذلك سببا لإسلام بعض أهل مكة، وكان سراقة أمير بني مدلج، ورئيسهم فكتب أبو جهل إليهم:

_ (1) يريد النيل من رسول الله جهده. (2) مانعا له، وحارسا له بسلاحه. (3) أدم: جلد. (4) صحيح البخاري، باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، السيرة ج 1 ص 489

إسلام سراقة

بني مدلج إني أخاف سفيهكم ... سراقة مستغو لنصر محمد عليكم به ألّا يفرّق جمعكم ... فيصبح شتى بعد عز وسؤدد فقال سراقة يرد على أبي جهل: أباحكم- والله- لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدا ... رسول وبرهان فمن ذا يقاومه عليك فكفّ القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوما ستبدو معالمه بأمر تود الناس فيه بأسرهم ... بأن جميع الناس طرّا مسالمه إسلام سراقة وتسير الأيام في صالح الدعوة الإسلامية بعد جهاد وكفاح وتضحية وصبر، ويدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة منتصرا، وتدول دولة الشرك والأصنام، ويقابل سراقة رسول الله مرجعه من حنين والطائف «بالجعرّانة» فيطلعه على الكتاب، فيقول له رسول الله: «اليوم يوم الوفاء والبر، ادن» قال: فدنوت منه وأسلمت. صدق النبوءة وتدور عجلة التاريخ مسرعة، ويأتي زمن الخليفة العبقري الملهم عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فيفتح الله على المسلمين بلاد فارس ومنها المدائن، ويثلّ عرش كسرى، ويؤتى بالغنائم، وفيها سوارا كسرى، وتاجه، وبساطه، وجواهره الغالية التي قدّرت بألوف الألوف من الدراهم والدنانير، ويقف الفاروق متعجبا من أمانة الجند وقوادهم، فيقول: «إن قوما أدّوا هذا لذوو أمانة» !! فيقول له علي- رضي الله عنه-: «إنك عففت فعفّت الرعية» !! ويقسم عمر الغنائم بين المسلمين، ويتعفف عنها فلم ينله منها شيء. ويتذكر عمر والمسلمون نبوءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومقالته لسراقة، فأتى به، وألبسه سواري كسرى، وكان سراقة رجلا أزب «1» ، وقال له «قل: الله أكبر،

_ (1) أي كثير شعر الذراعين.

من تفاؤل النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بني مدلج» ورفع بها عمر صوته، ثم أركب سراقة، وطيف به المدينة، والناس حوله، وهو يرفع عقيرته مرددا قول الفاروق: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بني مدلج!! وكان يوما مشهودا من أيام المدينة الخالدة، وهكذا صدق الله وعده، ونصر جند الإسلام المتقين، وجعل وراثة الأرض لعباده الصالحين. من تفاؤل النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ هو والركب بإبل لمالك بن الأوس الأسلمي بالجحفة ومعها غلام راع، فقال: «لمن هذه» ؟ قال: لرجل من أسلم، فالتفت إلى أبي بكر وقال: «سلمت إن شاء الله» قال: «ما اسمك» ؟ قال: مسعود، فالتفت إلى أبي بكر، وقال: «سعدت إن شاء الله» «1» وقد كان من خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه يحب التفاؤل، ويكره التشاؤم. إهداء الزبير وطلحة ثيابا لرسول الله وأبي بكر ومما وقع في الطريق إلى المدينة أنه صلّى الله عليه وسلّم لقي الزبير بن العوام في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسى الزبير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر ثيابا بيضاء، رواه البخاري «2» ، وكذا روى أصحاب السير أن طلحة بن عبيد الله لقيهما أيضا وهو عائد من الشام وكساهما بعض الثياب «3» . في انتظار الرسول ولما بلغ المسلمين بالمدينة مخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة هو وصاحبه الصديق رضي الله تعالى عنه، كانوا يخرجون كل غداة إلى الحرّة فينتظرونه حتى يردهم حرّ الظهيرة، فعلوا ذلك مرارا، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم،

_ (1) البداية والنهاية ج 3 ص 190. (2) صحيح البخاري- باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة. (3) فتح الباري ج 7 ص 193.

في قباء

فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم «1» من اطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه مبيّضين «2» ، يزول بهم السراب «3» ، فلم يملك اليهودي أن صاح بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا جدّكم «4» الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح «5» ، فتلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف. في قباء «6» وكانت منازل بني عمرو بن عوف في قباء، وكان ذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، وقيل لهلال ربيع الأول، وقيل: لليلتين خلتا منه، وقيل لثامن يوم منه، وقال ابن إسحاق لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وعند ابن سعد لثلاث عشرة منه. فقام أبو بكر للناس يتلقاهم، وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يعرفه من قبل يحيّي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل أبو بكر حتى ظلّل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله عند ذلك. فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بني عمرو بن عوف أربعة أيام «7» ، الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وخرج يوم الجمعة قاصدا المدينة.

_ (1) الأطم: الحصن. (2) عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها الزبير وطلحة رضي الله عنهما. (3) يزول بهم السراب عن النظر بسبب عروضهم له، أو ظهرت حركتهم للعين، والسراب: ما يرى في الظهيرة كأنه ماء وليس بماء. (4) حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعون وصوله. (5) لإظهار القوة، وحمايتهم له من أول يوم قدم فيه المدينة. (6) قباء بالمد والقصر، وبضم القاف وفتحها، وهو يصرف، ويمنع من الصرف. (7) والذي في صحيح البخاري أنه أقام فيهم أربع عشرة ليلة، وقد جمع الحافظ ابن حجر في الفتح بين ما في السيرة وما في الصحيح بأن المراد تتمة أربع عشرة ليلة بما فيها المدة التي استغرقها في السير من يوم أن خرج من الغار إلى أن وصل إلى قباء.

تأسيس مسجد قباء

تأسيس مسجد قباء وكان أول عمل قام به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما قدم قباء أن أسس مسجد قباء، كي يكون للمسلمين مكان يصلون فيه، ويجمعهم على البر والخير والتقوى، وهو المسجد الذي أسس على التقوى، وهو أول مسجد بني في الإسلام لكافة المسلمين، وهو المراد بقوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) «1» . نزول النبي وصاحبه بالمدينة وكان نزول النبي صلّى الله عليه وسلّم حين قدم قباء على كلثوم بن الهدم «2» أخي بني عمرو بن عوف، ويقال: بل نزل على سعد بن خيثمة، ولا منافاة بين القولين، فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يبيت عند كلثوم بن الهدم، فإذا أصبح جلس في بيت سعد بن خيثمة، وذلك أنه كان عزبا لا أهل له، وكان يقال لبيته: بيت العزاب، ولذلك نزل عليه العزاب من المهاجرين كما ذكرنا. ونزل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح «3» وقيل: بل نزل على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج. هجرة علي رضي الله عنه وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الودائع التي كانت عنده للناس، ثم لحق برسول الله فأدركه بقباء بعد وصوله بليلتين أو ثلاث، فكانت إقامته بقباء ليلة أو ليلتين، ثم خرج مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة يوم الجمعة.

_ (1) الاية 108 من سورة التوبة. (2) قيل كان يومئذ مشركا، وهو الذي جزم به الحسن بن زبالة في «أخبار المدينة» . (3) مكان خارج المدينة قرب قباء.

مكرمة لسهل بن حنيف

مكرمة لسهل بن حنيف وقد لاحظ سيدنا علي مدة إقامته بقباء امرأة مسلمة لا زوج لها، ورأى إنسانا يأتيها من جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه، فيعطيها شيئا معه، فتأخذه، قال: فاستربت بشأنه، فقلت: يا أمة الله، من هذا الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه، فيعطيك شيئا لا أدري ما هو؟ وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟! قالت: هذا سهل بن حنيف، وقد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، فقال: احتطبي بهذا، فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من شأن سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق. وبوصول النبي صلّى الله عليه وسلّم وصحبه إلى قباء تمت خير هجرة عرفتها الدنيا لقوم مؤمنين، وأعظم حادث تاريخي كان له أكبر الأثر في تاريخ الإسلام والمسلمين، بل في تاريخ الدنيا قديمها وحديثها. وإلى هنا نقف بك- أيها القارىء الكريم- لنسلمك إلى أحداث السيرة النبوية من الهجرة إلى وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم في «القسم الثاني» من هذه السيرة العطرة، التي أراد الله أن يخرج قسمها الثاني قبل الأول ببضع سنين. والحمد لله في النهاية كما حمدناه في البداية، وصلّى الله- تبارك وتعالى- على سيدنا محمد نبي الهدى، والبر، والرحمة، والملحمة، وعلى اله وأصحابه الذين فدوه بالنفس، والأهل، والولد، والمال، وعزّروه، ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بفضلك وكرمك يا إله العالمين، امين. وكان الفراغ من تأليفه في شهر ربيع الأول لعام ثمان وثمانين وثلاثمائة بعد الألف هجرية، الموافق يونيو لعام 1968 ميلادية، وأنا بمدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. وكتبه العاجز عن شكر ربه وراجي عفوه أبو السادات محمد بن محمد أبو شهبة من علماء الأزهر الشريف والمتخصص في الأصلين الشريفين: القران والسنة

ثبت بأهم مراجع الكتاب

ثبت بأهم مراجع الكتاب (1) القران الكريم. (2) تفاسير: ابن جرير الطبري، والزمخشري، والبغوي، وابن كثير، والقرطبي، والألوسي، وأسباب النزول للسيوطي. (3) الصحيحان: صحيح البخاري، وصحيح مسلم. (4) سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ومسند أحمد، والموطأ. (5) المستدرك للحاكم، السنن للبيهقي، سنن الدارقطني. (6) السيرة النبوية لابن إسحاق وابن هشام، ط الحلبي. (7) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ ابن حجر طبعة البهية. (8) الشفا في التعريف بحقوق المصطفى، للإمام القاضي عياض، ط استانبول. (9) الطبقات الكبرى، للإمام ابن سعد، ط بيروت. (10) الإصابة في تاريخ الصحابة، للإمام ابن حجر، ط الأولى. (11) الاستيعاب في تاريخ الأصحاب، ابن عبد البر على هامش الإصابة. (12) شرح المواهب اللدنية، للإمام الزرقاني، ط بولاق. (13) زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، ط أنصار السنة. (14) البداية والنهاية، للإمام الحافظ ابن كثير، ط الاستقامة. (15) الروض الأنف شرح السيرة لابن هشام، للإمام السهيلي، ط الجمالية 1332 هـ 1914 م. (16) السيرة الحلبية، للشيخ العلامة علي بن برهان الدين الحلبي. (17) نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، للعلامة الشيخ محمد الخضري. (18) حياة محمد، للدكتور محمد حسين هيكل، ط الأولى. (19) حياة محمد، لدرمنغم ترجمة الأستاذ عادل زعيتر. (20) حياة محمد ورسالته، لمولانا محمد علي.

(21) الدين، للدكتور الشيخ محمد عبد الله دراز. (22) التاريخ الإسلامي والحضارة العربية، للدكتور أحمد شلبي. (23) جزيرة العرب في القرن العشرين، للشيخ حافظ وهبة. (24) دائرة معارف القرن العشرين، للأستاذ محمد فريد وجدي. (25) مكة والمدينة في عصر الجاهلية، للأستاذ أحمد الشريف. (26) معجم البلدان، للشيخ العلامة ياقوت الحموي. (27) الأصنام، لابن الكلبي. (28) أدلة اليقين في الرد على مطاعن المبشرين، للعلامة الشيخ عبد الرحمن الجزيري. (29) الرد على المنطقيين، للإمام أحمد بن تيمية الحراني. (30) مدخل لدراسة القران الكريم، للدكتور الشيخ محمد أبو شهبة. (31) الإسراء والمعراج، للدكتور الشيخ محمد أبو شهبة. (32) تفسير سورة الفاتحة وملحقاتها، للإمام الشيخ محمد عبده. (33) زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، لأستاذنا الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، ط الحلبي. (34) البيان والتبيين، للإمام أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، ط ثالثة. (35) عبقرية محمد، للأستاذ العقاد، ط الهلال. (36) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، للأستاذ العقاد، ط الهلال. (37) أم النبي صلّى الله عليه وسلّم، للدكتورة عائشة عبد الرحمن، ط الهلال. (38) الملل والنحل، للإمام الشيخ محمد الخضر حسين، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. (39) الملل والنحل، للأستاذ حامد عبد القادر، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. (40) التاريخ الإسلامي، للدكتور محمد مصطفى زيادة، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. (41) التاريخ الإسلامي، للأستاذ محمد حبيب أحمد، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. (42) كتب العهد القديم، والعهد الجديد أو التوراة والأناجيل، ط جمعية التوراة الأميركانية. (43) كتب اللغة: القاموس المحيط، والمصباح المنير.

فهارس الجزء الأول صنع فهارسه العلمية عبد الستار الشيخ

فهارس الجزء الأوّل صنع فهارسه العلمية عبد الستّار الشيخ 1- فهرس الايات القرانية. 2- فهرس الأحاديث النبوية. 3- فهرس الأعلام. 4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات. 5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع. 6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام. 7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك. 8- فهرس الشعر. 9- فهرس الموضوعات.

1 - فهرس الايات القرانية *

1- فهرس الايات القرانية* الاية رقمها الصفحة [سورة البقرة] وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ... (34) 277 وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ... (35) 277 وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ... (89) 251 وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً ... (125) 70، 125، 133 وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً ... (126) 124 وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ ... (127) 122، 131 رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا ... (128) 115، 122 رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ... (129) 122 إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ... (158) 72 شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... (185) 260 لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ... (198) 101 الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ... (229) 90 فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ... (230) 91 [سورة ال عمران] كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ... (37) 278 ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا ... (67) 80 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ... (81) 248

_ * الايات مرتبة في سورها حسب تسلسل أرقامها.

الاية رقمها الصفحة إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ... (96) 56، 122 فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ... (97) 122 وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... (144) 178 [سورة النساء] وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ ... (25) 90 وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا ... (125) 131 إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ... (163) 279 وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ... (164) 279 [سورة المائدة] حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ... (3) 76 وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ... (12) 451 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ... (17) 242 قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها ... (24) 278 قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ... (25) 278 لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ... (48) 247 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ... (73) 241 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ... (90) 76 ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ ... (103) 77 وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ... (116) 242 قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ... (119) 277 [سورة الأنعام] وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ... (7) 320 وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ، وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً ... (8) 320 وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا ... (9) 318 وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ... (10) 339 وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ ... (52) 324 وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... (53) 323 وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً ... (108) 333 وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها ... (109) 319

الاية رقمها الصفحة وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ... (110) 319 وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ... (111) 319 اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ... (124) 106، 240 وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ... (136) 78 ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... (143) 78 وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ... (144) 78 وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ... (151) 91 [سورة الأعراف] وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ ... (74) 51 وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ... (156) 248 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ... (157) 248 [سورة الأنفال] وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ... (30) 473، 481 وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... (41) 259 [سورة التوبة] إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً ... (36) 137 إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (37) 143 إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (40) 482 لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ... (108) 497 ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... (113) 393 [سورة يونس] أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ... (2) 75 [سورة هود] أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ... (5) 313 فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ... (27) 323 وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ... (31) 324 لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ ... (70) 116 وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ ... (71) 116

الاية رقمها الصفحة قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً ... (72) 120 قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ... (73) 120 [سورة يوسف] وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) 373 وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) 73 لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ (111) 52 [سورة الرعد] وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ ... (31) 322 [سورة إبراهيم] وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ... (35) 124 رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ... (36) 124 رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ... (37) 124، 128، 135 رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ ... (38) 124 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ... (39) 124 رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ... (40) 125 رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41) 125 [سورة الحجر] إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ... (42) 369 قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ ... (54) 121 قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55) 121 قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) 121 فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) 291 [سورة النحل] وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ... (43) 75 بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ ... (44) 75 وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) 92 وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) 92 يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ... (59) 92

الاية رقمها الصفحة وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ ... (66) 155 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ... (90) 309 إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ... (99) 370 وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ... (103) 273، 323 مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ... (106) 343 وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ ... (116) 77، 143 [سورة الإسراء] سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... (1) 408، 409 وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ... (31) 92 وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ (59) 320 وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا ... (60) 333، 411 وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ... (73) 372 وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ... (74) 372 إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ... (75) 371 وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ.. (79) 180 وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ... (85) 328، 329 وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ... (90) 317 أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ ... (91) 317 أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً ... (92) 317 أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ ... (93) 317 وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا ... (94) 317 قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ ... (95) 317 قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... (96) 317 وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) 313 [سورة الكهف] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ ... (1) 328 إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ... (5) 328 فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ ... (6) 328، 373 أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا ... (9) 328 وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) 328

الاية رقمها الصفحة إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ... (24) 328 وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ ... (28) 325 وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ... (83) 328 [سورة مريم] وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا ... (64) 327 أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً (77) 334 أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) 334 كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) 334 وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80) 334 [سورة طه] طه ... (1) 354 ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) 354 إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) 354 تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) 354 الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) 354 إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ... (14) 355 وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ (133) 322 [سورة الأنبياء] وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ... (7) 75، 318 وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ... (8) 75، 318 وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ ... (26) 74 لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) 74 إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ... (98) 330 لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (99) 330 لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100) 330 إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ... (101) 330 لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (102) 331 لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ... (103) 331 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) 246، 320

الاية رقمها الصفحة [سورة الحج] وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً ... (26) 123 وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا ... (27) 123 لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ... (28) 123 ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ... (29) 123 ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ... (30) 123 حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ... (31) 123 ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ... (32) 123 لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ... (33) 123 وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ... (34) 123 الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَالصَّابِرِينَ ... (35) 123 وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ ... (36) 123 لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى ... (37) 123 أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ... (39) 455 وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى ... (52) 364 [سورة المؤمنون] هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ ... (36) 74 إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا ... (37) 74 [سورة الفرقان] وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ ... (5) 336 قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... (6) 336 وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ... (7) 318 أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها ... (8) 318 انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا ... (9) 318 وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ ... (20) 318 وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ ... (27) 338 يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا ... (28) 338 لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي ... (29) 338

الاية رقمها الصفحة [سورة الشعراء] كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) 50 إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) 50 إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) 50 فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) 50 وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا ... (127) 50 أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) 50 وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) 50 وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) 50 فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) 50 وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) 50 أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) 50 وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) 50 كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) 51 إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) 51 إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) 51 فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) 51 وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ (145) 51 أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (146) 51 فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) 51 وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (148) 51 وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (149) 51 فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) 51 وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) 292 وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) 292 فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) 292 [سورة النمل] وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ... (20) 64 لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ... (21) 64 فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ ... (22) 64

الاية رقمها الصفحة إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ... (23) 64 قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ ... (41) 64 فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ ... (42) 64 وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... (43) 64 لَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ... (44) 64 حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها ... (84) 277 [سورة القصص] وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ... (5) 97، 118 إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ... (56) 393 [سورة العنكبوت] وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ... (50) 321 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ... (51) 321 قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ... (52) 321 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ... (61) 73 أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ... (67) 98 [سورة الروم] الم (1) 389 غُلِبَتِ الرُّومُ (2) 389 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) 389 فِي بِضْعِ سِنِينَ، لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.. (4) 389 بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) 389 وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ... (6) 389 يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ... (7) 389 ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ... (41) 245 [سورة لقمان] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... (6) 336 وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً ... (7) 336 وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ... (27) 329

الاية رقمها الصفحة [سورة الأحزاب] لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... (21) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ... (32) 397 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ... (45) 178 وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ... (46) 178 [سورة سبأ] إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ ... (9) 316 لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ... (15) 49 فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ... (16) 49، 63 ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ ... (17) 50، 63 وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ... (18) 50 فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ... (19) 50 [سورة فاطر] فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ... (8) 373 [سورة يس] يس (1) 476 وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) 476 إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) 476 عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) 476 تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) 476 لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6) 476 لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) 476 إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ ... (8) 476 وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ... (9) 476 وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ ... (69) 237 وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ... (78) 75، 334 قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ... (79) 75، 334 الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ... (80) 334 أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ ... (81) 334

الاية رقمها الصفحة إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ ... (82) 334 فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ... (83) 334 [سورة الصافات] وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) 113 رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) 113 فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) 113 فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى ... (102) 112، 113 فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) 113 وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) 113 قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) 113 إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) 113 وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) 113 وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) 113 سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) 113 كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) 113 إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) 113 وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) 117 أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) 74 ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) 74 أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) 74 أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) 74 فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (157) 74 وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً ... (158) 74 [سورة ص] ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) 392 بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) 392 كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ... (3) 392 وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ... (4) 392 أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ... (5) 392 وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا ... (6) 392

الاية رقمها الصفحة ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ ... (7) 392 أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا ... (8) 392 ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) 269 قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) 370 إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) 370 وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) 417 [سورة الزمر] وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا ... (3) 73 قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا ... (53) 466 وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ ... (54) 466 وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ... (55) 466 [سورة فصلت] حم (1) 307 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) 307 كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (3) 307 بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) 307 وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ... (5) 307، 314 فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ ... (13) 308 وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ.. (26) 313 سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ... (53) 420 [سورة الشورى] وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ... (7) 56 شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ... (13) 247 وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ ... (51) 270، 279 وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ... (52) 218، 279 صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ... (53) 218، 279 [سورة الزخرف] وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) 332 أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ... (32) 332

الاية رقمها الصفحة وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ ... (57) 331 وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ، ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ... (58) 331 إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا ... (59) 331 وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) 331 وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ (61) 331 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ... (87) 73 [سورة الدخان] إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) 260 فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) 260 أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) 260 فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) 388 يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) 388 رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) 388 أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) 388 ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) 388 إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) 388 يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) 388 إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) 333 طَعامُ الْأَثِيمِ (44) 333 كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) 333 كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) 333 [سورة الجاثية] وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا ... (24) 75 [سورة الأحقاف] وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ... (11) 323 وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ... (29) 404 قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ... (30) 404 يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ ... (31) 404 وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ ... (32) 404

الاية رقمها الصفحة [سورة الفتح] مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ... (29) 178 [سورة الحجرات] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ... (13) 344 [سورة ق] ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) 74 بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ... (2) 74 أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) 74 قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ... (4) 74 [سورة الذاريات] هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) 117 إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) 117 قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) 117 [سورة النجم] عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) 410 ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) 410 وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) 410 ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) 410 فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) 410 فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (10) 410 وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) 409، 410 عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) 409، 410 عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) 409 إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) 409 ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) 409 لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) 409 أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) 70، 364، 371 وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) 364، 371

الاية رقمها الصفحة أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) 371 تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) 371 إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ (23) 371 [سورة الرحمن] الرَّحْمنُ (1) 314 عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) 314 مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (76) 17 [سورة المجادلة] الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ... (2) 91 وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ... (3) 91 فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ... (4) 91 [سورة الممتحنة] يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ... (12) 438 [سورة الصف] وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ... (6) 178، 249، 253 [سورة الجمعة] ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) 118 [سورة القلم] وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) 332 هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) 332 مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) 332 عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) 332 إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) 336 [سورة الحاقة] إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) 352 وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) 352 وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) 352

الاية رقمها الصفحة وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44) 371 لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) 371 ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) 371 فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47) 371 [سورة المدثر] يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) 280 قُمْ فَأَنْذِرْ (2) 280 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) 280 وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) 280، 450 وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) 280 ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) 310 وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) 310 وَبَنِينَ شُهُوداً (13) 310 وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) 310 ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) 310 كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) 310 سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) 310 إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) 310، 311 فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) 310، 311 ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) 310، 311 ثُمَّ نَظَرَ (21) 310، 311 ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) 310، 311 ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) 310 فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) 310، 311 إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) 310، 311 سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) 310 وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) 310 لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) 310

الاية رقمها الصفحة لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) 310 عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) 310، 311 وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ... (31) 311 [سورة عبس] عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) 325 أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) 325 وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) 325 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) 325 أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) 325 فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) 325 وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) 325 وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) 325 وَهُوَ يَخْشى (9) 326 فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) 326 كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11) 326 فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12) 326 فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) 326 مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) 326 بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) 326 كِرامٍ بَرَرَةٍ (16) 326 [سورة التكوير] وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) 91 بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) 91 [سورة البروج] قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4) 65 النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (5) 65 إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (6) 65 وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) 65 وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) 65

الاية رقمها الصفحة [سورة الليل] فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (5) 347 وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (6) 347 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (7) 347 وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (8) 347 وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (9) 347 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (10) 347 وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (11) 347 إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (12) 347 وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (13) 347 فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (14) 347 لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) 347 الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) 347 وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) 347 الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) 347 وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) 347 إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) 347 وَلَسَوْفَ يَرْضى (21) 347 [سورة الضحى] وَالضُّحى (1) 281، 282 وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) 281، 282 ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) 281، 282 وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4) 281 وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) 281 أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) 281 وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) 281 وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8) 281 فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) 281 وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) 281 وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) 281

الاية رقمها الصفحة [سورة الشرح] أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) 199، 201 [سورة العلق] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) 260، 262 خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) 260، 262 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) 260، 262 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) 260، 262 عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) 260، 262 كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) 296 أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7) 296 إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8) 296 أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) 296 عَبْداً إِذا صَلَّى (10) 296 أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) 296 أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) 296 أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) 296 أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) 296 كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) 296 ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16) 296 فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) 296 سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) 296 كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) 296 [سورة القدر] إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) 260 [سورة الزلزلة] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) 383 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) 383

الاية رقمها الصفحة [سورة التكاثر] أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) 86 حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) 86 [سورة الهمزة] وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ. (1) 337 الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) 337 يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) 337 كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) 337 وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) 337 نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) 337 الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) 337 إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) 337 فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) 337 [سورة الفيل] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1) 169 أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) 169 وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3) 169 تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) 169 فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) 169 [سورة قريش] لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) 100 إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (2) 100 ْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3) 100 الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) 100 [سورة الكوثر] إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) 338 فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) 338 إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) 338

الاية رقمها الصفحة [سورة الكافرون] قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) 335 لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) 335 وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) 335 وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) 335 وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) 335 لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) 335 [سورة المسد] تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) 292 ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (2) 292 سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (3) 292 وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) 292 فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) 292 [سورة الفلق] وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (4) 337 [انتهى فهرس الايات القرانية الكريمة]

2 - فهرس الأحاديث النبوية *

2- فهرس الأحاديث النبوية* أول الحديث/ الصفحة [همزة الوصل] «ائذن له» 355 «ارفضوا إلى رحالكم» 452 «ارفعي هذا لأبي معبد إذا جاءك» 487 «ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا» 48 «ارموا بني إسماعيل وأنا مع بني فلان» 48 «ارموا وأنا معكم كلكم» 48 «استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ... » 206 «اصبر أبا اليقظان، اللهم لا تعذب ... » 343 «الحق لشأنك» 298 [همزة القطع] «امن شعره وكفر قلبه» 85 «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه ... » 449 «أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر ... » 237 «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» 90 «أتأذنين لي أن أحلبها؟» 487 «أتى جبريل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال ... » 398 أول الحديث الصفحة «أتاني ربي فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟» 269 «أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده ... » 299 «أجل كانت أم العيال وربة البيت» 397 «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده ... » 275 «أخبركم غدا بما سألتم عنه ... » 327 «أخرج من عندك» 474 «أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا يكونون ... » 451 «إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني» 401 «أذّن يا إبراهيم وعلي البلاغ» 132 «أرأيتك الذي كنت حدثتك أني رأيت في المنام ... » 264 «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي ... » 292 «أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا وراء ... » 239 «أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصلّ ... » 134 «أرسلوا إلى صديقات خديجة» 400

_ * الأحاديث مرتبة ترتيبا ألف بائيا، وتشمل القولية والفعلية والتقريرية.

«أريت دار هجرتكم ذات نخل ... » 458 «أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة ... » 18 «إزاري، إزاري» 228 «أسئلكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ... » 451 «أشهد لك بها عند الله» 392 «أعط هذا الرجل حقه» 298 «أفلا تجلسون إليّ أكلمكم؟» 434 «أفيكم من يحفظ شعره؟» 81 «أقد فرغت يا أبا الوليد؟» 307 «ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارا ... » 463 «ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش» 293 «ألم تنه؟» 236 «أله الناس عني» 490 «أمرت بقرية تأكل القرى» 56 «أمن موالي اليهود؟» 434 «إن أحببت فعندي محببة مكرمة ... » 196 «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا ... » 399 «إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت ... » 321 «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» 343 «إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي» 266 «أنا ابن الذبيحين» 119 «أنا ابن العواتك من سليم» 188 «أنا أول من تنشق عنه الأرض» 182 «أنا رسول الله إلى العباد أدعوهم إلى ... » 432 «أنا محمد بن عبد الله ... » 185 «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله ... » 185 «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة ... » 452 «أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ النجم وهو بمكة فسجد معه ... » 366 «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بلدح ... » 82 «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما بايعهم قرأ الاية كلها» 439 «أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء ... » 89 «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه جبريل عليه السلام وهو ... » 198 «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا صلّى بمكة استقبل ... » 445 «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعى النجاشي في اليوم الذي ... » 380 «إنّ اية ما بيننا وبين المنافقين أنهم ... » 159 «إن إبراهيم حرم مكة وأنا أحرم ما بين لابتيها ... » 58 «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني ... » 58 «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله ... » 142، 143 «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ... » 184 «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ... » 184 «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» 20 «إن الله حبس عن مكة الفيل ... » 169 «إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ... » 458 «إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك ... » 321 «إن ربي قتل ربكم في ليلة كذا» 67 «إن روح القدس نفث في روعي: لن تموت ... » 270 «إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس ... » 134

«إن كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو ... » 330 «إن له لأجر شهيدين» 447 «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ... » 179 «إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما» 237 «إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل منه ... » 431 «إنما كان يقول ذلك العباس ... » 183 «أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه: فمن يعمل ... » 383 «إنها ابنة أخي من الرضاع» 191 «إنها طعام طعم» 158 «إنها طعام طعم وشفاء سقم» 159 «إنها في علم الله قليل وعندكم في ذلك ... » 329 «إنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد ... » 400 «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ... » 191 «إني أتيت قبر أم محمد فسألت ربي ... » 206 «إني عند الله لخاتم النبيين وإن ادم لمنجدل ... » 174 «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي ... » 256 «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» 292 «أهلا بمن عاتبني الله فيهم» 325 «أهلا ومرحبا بمن عاتبني فيه ربي» 326 «أو خير من ذلك؟» 233 «أو مخرجي هم؟! ... » 84، 263 «أول سورة أنزلت فيها سجدة «والنجم» ... » 366 «أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ... » 127 «أول ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا ... » 261- 271 «أول من سيّب السوائب وعبد الأصنام عمرو بن لحي» 71 «أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك ... » 392 «أي جوار هذا يا بني عبد مناف؟» 293 «أيكم يعرف قس بن ساعدة الإيادي؟» 81 «أينا أسن أنا أم أنت؟» 490 [المعرف بالألف واللام] «الأمر لله يضعه حيث يشاء» 430 «الأنصار شعار والناس دثار» 280 «اللهم اصحبني في سفري واخلفني في ... » 477 «اللهم اصرعه، اللهم اكفناه بما شئت» 492 «اللهم أعز الإسلام بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب» 351 «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك ... » 351 «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» 387 «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ... » 402 «اللهم إن كنت تعلم أني امنت بك وبرسلك ... » 109 «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» 396 «اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر ... » 355 «اللهم حوالينا ولا علينا» 388 «اللهم عليك بهذا الملأ من قريش ... » 296 [الباء] «بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة ... » 438

«بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما بايع عليه النساء ... » 439 «بايعوني على ألاتشركوا بالله شيئا ... » 437 «بالثمن» 474 «بسم الله» 403 «بسم الله الرحمن الرحيم» 403 «بعث الله جبريل إلى ادم فأمره ببناء البيت ... » 126 «بعث موسى وهو يرعى غنما لأهله ... » 209 «بعثت من خير قرون بني ادم قرنا فقرنا» 185 «بل التوبة والرحمة ... » 321 «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم ... » 450 «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من ... » 404 «بل أستأني بهم ... » 321 «بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق ... » 356 «بنت أبي سلمة؟!» 191 «بينما أنا في الحطيم ... » 423 [التاء] «تقولون لا إله إلا الله وتخلعون ما تعبدون..» 391 [الثاء] «ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت ... » 426 «ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية ... » 424 «ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة ... » 425 «ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة ... » 426 [الجيم] «جاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج ... » 264 «جاءني رجلان عليهما ثياب بيض ... » 196 [المعرف بالألف واللام] «الجنة» 449، 451 [الحاء] [المعرف بالألف واللام] «الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا ... » 477 «الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن ... » 325 [الخاء] «خذ أبا سفيان وقف به عند خطم الجبل» 21 «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها ... » 398 «خيروه فإن اختاركم فهو لكم دون فداء ... » 233 [الدال] ..... [الذال] «ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي» 403 «ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك» 316 «ذلك جبريل، ولو دنا منه لأخذه» 295 [الراء] «رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنه ... » 203 «رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار ... » 76 «رأيت ورقة في بطنان الجنة عليه السندس» 85 «ربح صهيب، ربح صهيب» 467 «رحم الله قسا كأني أنظر إليه على جمل ... » 80 «رد الله كيد الكافر- أو الفاجر- في نحره وأخدم هاجر ... » 109 [الزاي] «زملوني، زملوني ... » 262، 280

[السين] «ساقي القوم اخرهم شربا ... » 487 «سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يريهم اية ... » 22 «سعدت إن شاء الله» 495 «سلمت إن شاء الله» 495 «سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ... » 179 [المعرف بالألف واللام] «السلام عليك يا رسول الله» 256 [الشين] «شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة ... » 138 [المعرف بالألف واللام] «الشاعر؟» 444 «الشهر هكذا وهكذا، وعقد الإبهام ... » 138 [الصاد] «صبرا ال ياسر فإن موعدكم الجنة ... » 342 «صحبهما الله، إن عثمان أول من هاجر ... » 349 «صهيب سابق الروم ... » 288 [الضاد] ..... [الطاء] «طعام طعم، وشفاء سقم» 158 [الظاء] ..... [العين] «عرض علي ربي عز وجل أن يجعل لي بطحاء مكة ... » 319 «على ألايشركن بالله شيئا ولا يسرقن ... » 94 «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي ... » 470 [الغين] «غطوا رأسه وضعوا على رجليه ... » 441 «غفر الله له ورحمه، فإنه مات على دين إبراهيم» 83 [الفاء] «فأخذني فغطني، ثم أرسلني فقال ... » 262 «فاسمع مني» 307 «فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس» 129 «فأنا أفعل» 220 «فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية ... » 128 «فأنى ذلك؟» 186 «فإني قد أذن لي في الخروج» 474 «فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء ... » 280 «فتلا علينا اية النساء، قال ... » 439 «فذلك سعي الناس بينهما ... » 128 «فذلك لك» 463 «فلعل ابنك هذا نزعه عرق!» 186 «فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي ... » 427 «فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام وهو ... » 81 «فما فعل؟» 81 «فمن هي؟» 220 «فناداني فقال: إن الله قد سمع قول ... » 403 «فناداني ملك الجبال وسلّم علي ثم قال ... » 403 [المعرف بالألف واللام] «الفخر والخيلاء في أهل الإبل، والسكينة ... » 209

[القاف] «قد أريت دار هجرتكم وهي يثرب ... » 458 «قد حضرته مع عمومتي، ورميت فيه ... » 213 «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك ... » 307 «قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ... » 341 «قد كنت على قبلة لو صبرت عليها» 445 «قف مكانك، ولا تترك أحدا يلحق بنا ... » 493 «قل كلمة أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة» 394 «قل يا أبا الوليد أسمع ... » 307 [الكاف] «كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم» 85 «كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله ... » 433 «كأني بك يا سراقة تلبس سواري ... » 493 «كلا إن عمارا مليء إيمانا من مفرق رأسه ... » 343 «كلا عنيت» 329 «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء ... » 398 «كنت مسترضعا في بني سعد بن بكر ... » 198 «كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم ... » 20 «كيف وجدت قلبك؟» 343 [اللام] «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» 392 «لا أرى عندك ولا عند أخيك منعة ... » 429 «لا أكره أحدا منكم على شيء، من رضي ... » 431 «لا بل نترفق به، ونحسن صحبته ما دام بيننا ... » 20 «لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك» 396 «لا تخافوا الضيعة، فإن هذا بيت الله ... » 129 «لا تسألني بحق اللات والعزى شيئا، فو الله ... » 235 «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... » 132 «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا» 470 «لا تمسه» 236 «لا، نحن بنو النضر بن كنانة ... » 183 «لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» 142 «لبيك اللهم لبيك ... » 132 «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ... » 123 «لتأخذ كل قبيلة بطرف» 229 «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل ... » 396 «لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا» 327 «لقد خشيت على نفسي ... » 261، 262 «لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير ... » 84 «لقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن ينزل عليه ... » 238 «لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل الحجارة ... » 238 «لقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا» 83 «لقد شرف العرش بنعلك يا محمد ... » 13 «لقد شققت علي» 239 «لقد شهدت بدار عبد الله بن جدعان حلفا ... » 214 «لقد فقه الرجل ... » 383 «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدّثون ... » 18 «لقد مر به هود وصالح عليهما السلام ... » 127 «لقد مر بهذا نوح وهود وإبراهيم ... » 126

«لكم أهل السفينة هجرتان ... » 376 «لم أسمع» 394 «لم نؤمر بهذا» 455 «لم نؤمر بهذا، ولكن ارجعوا إلى رحالكم ... » 452 «لمن هذه؟» 495 «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا ... » 349 «لو دنا مني لاختطفته الملائكة» 295 «لولا أن قومك حديثو عهد بالكفر ... » 229 «لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد ... » 178 «ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن ... » 450 [الميم] «ما أجهلك بلغة قومك» 330 «ما اسمك؟» 495 «ما ألوانها؟» 186 «ما أنا بطارد المؤمنين» 324 «ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسأل ربه هذا ... » 316 «ما أنا بقارىء» 262 «ما بعث الله نبيا إلا وقد رعى الغنم» 209 «ما بيدي ما أتزوج به» 220 «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» 9، 58 «ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني ... » 315 «ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب ... » 315 «ما جاء بك يا ابن الخطاب، فو الله ما أرى أن تنتهي ... » 355 «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده ... » 284 «ماذا لقينا من أحمائك؟ ... » 402 «ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عني ... » 293 «ما رأيت بمكة أحسن لمة، ولا أنعم نعمة من ... » 440 «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» 482 «ما كان الله ليخزيك أبدا، إنك ... » 239 «ما لك يا أبا بكر؟» 479 «ما من نبي إلا وقد حج البيت» 126 «ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب ... » 396 «ما هكذا ذكرت، إنما البضع ما بين الثلاث ... » 390 «ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية ... » 237 «ما وراءك؟» 343 «ماء زمزم لما شرب له ... » 158 «ماء زمزم لما شرب له، إن شربته لتستشفي ... » 158 «مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة» 380 «محمد، فاخرج» 298 «مكانكم حتى اتيكم» 206 «من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، وإلا ... » 399 «من أنا؟» 185 «من أنتم؟» 434 «من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟» 403 «من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا» 175 «من لي بعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص؟» 466 «من يحملني حتى أبلغ رسالة ربي؟ ... » 429 [المعرف بالألف واللام] «المسجد الأقصى» 134 «المسجد الحرام» 134

[النون] «نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ... » 247 «نعم» 324، 385، 470، 474، 493 «نعم أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك ... » 334 «نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى ... » 197 «نعم، كلمة تعطونيها تملكون بها العرب ... » 391 «نعم، كنت أرعاها على قراريط ... » 209 «نم على فراشي، وتسجّ ببردي هذا ... » 475 [الهاء] «هاتوه» 81 «هالة، هالة، هالة!!» 224، 225 «هذا قبر امنة بنت وهب، استأذنت ... » 206 «هل بها من لبن؟» 487 «هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟» 444 «هل فيها من أورق؟» 186 «هل لك من إبل؟» 186 «هل لك من حاجة؟» 326 «هل لكم في خير مما جئتم له؟» 432 «هنا نزلت بي أمي، وفي هذه الدار قبر أبي ... » 206 «هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا ... » 396 «هي أمي بعد أمي ... » 207 [الواو] «والله إنك لأحب أرض الله إلي ... » 477 «والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير ... » 4 «والله ما أبدلني الله خيرا منها، امنت بي ... » 400 «والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني ... » 266 «وإليك نسعى ونحفد» 489 «وإن غشيتم من ذلك شيئا ... » 437 «وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي ... » 182 «وأنا العاقب ما بعده نبي ... » 182 «والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في ... » 187 «وإنه لأشبه الناس بصاحبكم» 184 «وتفعلوا؟» 321 «وكيف لي بذلك؟» 220 «وكيف يتحدث الناس- يا عمر- أن محمدا يقتل ... » 20 «ولكنكم تستعجلون» 341 «ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان ... » 130 «وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني ... » 185 «وما الذي معك؟» 431 «وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر ... » 20 «وما يمنعني وأنا من قريش، واسترضعت» 192 «ومن أي البلاد أنت؟» 403 [الياء] «يا أبا بكر إنا قليل» 289 «يا أبا بكر أي واد هذا؟» 126، 127 «يا أبا بكر لو كان شيء لأحببت» 478 «يا أبا يحيى ربح البيع» 467 «يا إبراهيم أذن وعلي البلاغ ... » 122 «يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا ... » 293، 429 «يا بني عبد مناف أي جوار هذا؟ ... » 396 «يا بني فلان إني رسول الله إليكم ... » 429 «يا رسول الله إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ... » 203 «يا عمر إنا قليل، قد رأيت ما لقينا» 356 «يا عمّ إن أخاك أبا طالب كثير العيال ... » 231

«يا عمّ إن الله قد سلط الأرضة على ... » 385 «يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ... » 302 «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل ... » 427 «يا معشر قريش اشهدوا أن زيدا ابني ... » 233 «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت ... » 129 [المعرف بالألف واللام] «اليوم يوم الوفاء والبر، ادن ... » 494

3 - فهرس الأعلام *

3- فهرس الأعلام (أ) ادم عليه السلام: 112، 125، 126، 174، 185، 424. اردو: 253. ازر (انظر تارح) : 107، 108، 395. اسية (امرأة فرعون) : 398، 399. الالوسي: 253، 395. امنة بنت رقيش: 463. امنة بنت هاجر: 160. امنة بنت وهب: 41، 163، 164، 165، 166، 173، 174، 175، 176، 188، 189، 192، 200، 206، 286. أبان بن عثمان: 28. أبرام- إبراهيم عليه السلام. إبراهيم عليه السلام: 40، 41، 56، 57، 70، 72، 80، 82، 83، 84، 107، 108، 109، 110، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 118، 120، 121، 122، 124، 125، 126، 127، 128، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 136، 137، 139، 145، 174، 184، 185، 188، 197، 222، 227، 229، 230، 255، 271، 305، 373، 395، 414، 425. إبراهيم بن عمر- البقاعي: 36. إبراهيم بن محمد- برهان الدين الحلبي: 35. إبراهيم بن محمد الإصطخري: 53. أبرهة: 66، 167، 168، 169. إبليس: 471، 472، 473. ابن أبي- عبد الله بن أبي. أبي بن خلف: 334، 338، 390. أبي بن كعب: 422. ايتين دينيه: 22. ابن الأثير- محمد بن عبد الكريم. أبو أحمد بن جحش- عبد بن جحش. أحمد بن الحسين- البيهقي: 81، 84، 126، 174، 185، 206، 235، 308، 365، 376، 400، 421، 450، 467، 486. أحمد بن حنبل: 28، 31، 34، 65، 71، 116، 127، 158، 174، 185، 206، 209، 238، 269، 293، 319، 321، 329، 351، 352، 366، 383، 393، 400، 421، 438.

_ * أسقطت في هذه الفهارس: أبو، ابن، أم، ابن أبي، ابن أم، أخت، بنت.

أحمد شوقي: 176. أحمد بن عبد الحليم- ابن تيمية: 115، 116، 391، 415. أحمد بن عبد الله- أبو نعيم: 80، 84، 165، 166، 198، 270، 376، 429، 435. أحمد بن علي بن ثابت- الخطيب البغدادي: 33. أحمد بن علي بن حجر- ابن حجر العسقلاني: 23، 35، 166، 174، 179، 181، 192، 202، 265، 282، 364، 365، 367، 368، 369، 393، 394، 427، 438، 465، 490، 496. أحمد بن علي بن شعيب- النسائي: 28، 33، 134، 321، 398، 412، 421. أحمد بن علي بن المثنى- أبو يعلى: 126، 198. أحمد بن عمر القرطبي: 202. أحمد بن عمرو- البزار: 174، 364، 365. أحمد بن محمد الفيومي- الفيومي: 100، 484. أحمد بن القسطلاني: 35. أحمد بن موسى- ابن مردويه: 269، 365، 398. أحمد بن يحيى- البلاذري: 33، 160، 184، 345. أحيحة بن الجلاح: 152. الأخنس بن شريق- أبو ثعلبة: 312، 331، 383، 405. أدبال- أذبل بن إسماعيل. أدبيل- أذبل بن إسماعيل. أدد بن مقوّم: 144. أدر- أذر بن إسماعيل. إدريس عليه السلام: 71، 424. أذبل بن إسماعيل (- أدبال، أدبيل) : 144. أذر بن إسماعيل- أدر: 144. الإراشي: 297، 298. أربد بن حميرة: 463. الأرقم بن أبي الأرقم- عبد مناف: 287، 289. إرم بن سام بن نوح: 46. أروى بنت حرب- أم جميل: 282، 292. أروى بنت عبد المطلب: 160. أروى بنت كريز بن ربيعة: 286. أرياط: 66. الأزرقي- محمد بن عبد الله. أسامة بن زيد: 233. أبو الأسباط- يعقوب عليه السلام. ابن إسحاق- محمد بن إسحاق. أم إسحاق- سارة. إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام: 110، 113، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 132، 136. أسد بن خزيمة: 462. أسد قريش- نوفل بن خويلد. أسد الله- حمزة بن عبد المطلب. أسعد بن زرارة- أبو أمامة: 435، 436، 440، 441، 442، 443، 447، 450، 451، 452، 468. اسفنديار: 297، 336. أسلم بن أفصى بن حارثة: 48. أسماء بنت أبي بكر- ذات النطاقين: 28، 83، 287، 422، 473، 474، 475، 482، 483. أسماء بنت سلامة: 288. أسماء بنت عمرو بن عدي- أم منيع: 446، 448. أسماء بنت عميس: 288، 375. أم إسماعيل- هاجر. إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام: 32، 40، 47، 48، 57، 70، 72، 80، 82، 83،

107، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 125، 128، 130، 131، 132، 135، 136، 137، 139، 144، 145، 156، 158، 184، 185، 222، 229، 249، 271، 430. إسماعيل بن عمر بن كثير- ابن كثير: 34، 37، 108، 115، 126، 198، 306، 329، 366، 410، 418، 422، 427، 428، 438، 446. إسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبي وقاص: 8. الأسود بن عبد يغوث: 332، 344. الأسود بن المطلب بن أسد: 301، 315، 335. أسيد بن حضير: 441، 442، 443، 446، 451، 452. الأشعث بن قيس: 183. أصحمة بن أبجر (وانظر النجاشي) : 361، 380. الاصطخري- إبراهيم بن محمد. أصرم- عمرو بن ثابت بن وقش. الأصيرم- عمرو بن ثابت بن وقش. الأعشى: 180. أكتم بن أبي الجون- أبو معبد: 487، 489. أبو إلياس- مضر بن نزار. إلياس بن مضر: 190. أم إلياس بن مضر- الرباب بنت جندة. أبو أمامة- أسعد بن زرارة. أبو أمامة- صدي بن عجلان. أبو امرىء القس: 47. الأموي- سعيد بن يحيى. إميل درمنغم- درمنغم. أميمة بنت عبد المطلب: 160، 462. أمينة بنت خلف- همينة: 288. ابنة أبي أمية- هند بنت أبي أمية. أمية بن خلف: 284، 296، 325، 335، 337، 339، 341، 342، 344، 391، 472. أمية بن أبي الصلت: 85، 116، 272. أمية بن عبد شمس: 151، 152، 158. أمية بن قلع بن عباد: 142. أبو أمية بن المغيرة المخزومي: 228. أنس بن رافع- أبو الحيسر: 432. أنس بن مالك: 198، 417، 422، 423. أنسة (مولى النبي) - أبو مسروح: 468. أنيس بن جنادة الغفاري: 289. أهيب بن عبد مناف: 286. أوس بن ثابت بن المنذر: 447، 469. أوس بن حجر: 485. إياس بن البكير: 288، 465. إياس بن معاذ: 432. إيشاع (أم يحيى عليه السلام) : 424. إيليا (من أنبياء بني إسرائيل) : 249، 250. أم أيمن- بركة الحبشية. أبو أيوب الأنصاري- خالد بن زيد. (ب) باذان: 67. باراكلي طوس (انظر البارقليط) : 253، 254. بارتلمي سانت هلير: 69. البارقليط (- المخلص، المعزي، الفارقليط) : 252، 253. الباقر- محمد الباقر. باقوم: 288. بحيرى (الراهب) : 203، 211، 212، 216، 217، 235. بحيرة- بيحرة. البخاري- محمد بن إسماعيل. أبو البختري- العاص بن هشام.

بختنصر البابلي: 57. البراء بن عازب: 462. البراء بن معرور: 444، 445، 447، 450، 451، 452. أبو بردة بن نيار- هانىء بن نيار. البراض بن قيس الكناني: 212. بركة بنت ثعلبة بن حصن- بركة الحبشية أم أيمن: 166، 205، 207، 233. بركة الحبشية- بركة بنت ثعلبة. برنابا: 254. برة بنت عبد العزى: 189. برة بنت عبد المطلب: 160، 287، 459. برة بنت مراد بن أد: 190. البرهان: 191. ابن بري- عبد الله بن بري. بريدة بن الحصيب الأسلمي: 206، 422. البزار- أحمد بن عمرو. بشر بن البراء بن معرور: 447. بشير بن سعد الأنصاري: 447. البغوي- الحسين بن مسعود. بغيض بن عامر: 359. البقاعي- إبراهيم بن عمر. أبو بكر الصديق- عبد الله بن عثمان. أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: 30. البكير بن عبد ياليل: 288. البلاذري- أحمد بن يحيى. أم بلال- حمامة. بلال الحبشي: 55، 84، 284، 285، 323، 341، 342، 344، 345، 346، 462. بلقيس: 64. بودلي: 274. بوذا: 241. البوصيري- محمد بن سعيد. بيحيرة بن فراس- بحيرة: 230. بيركلي طوس (انظر البارقليط) : 253، 254. البيروني- محمد بن أحمد. البيضاء بنت عبد المطلب- أم حكيم: 160، 286. البيهقي- أحمد بن الحسين. (ت) تارح (انظر ازر) : 107، 108. الترمذي- محمد بن عيسى. توماس كارليل- كارليل: 17. تيرح بن يعرب: 144. ابن تيمية- أحمد بن عبد الحليم. (ث) ثابت البناني: 417. ثابت بن الجذع: 448. أبو ثعلبة- الأخنس بن شريق. ثعلبة بن غنمة بن عدي: 448. أبو ثمامة (تابع من الجن) : 71. أبو ثمامة- جنادة بن عوف بن أمية. ثويبة الأسلمية «جارية أبي لهب) : 176، 191، 292، 459. (ج) أبو جابر- عبد الله بن عمرو بن حرام. جابر بن سمرة: 203. جابر بن عبد الله الأنصاري: 435. جابر بن عبد الله الراسبي: 435. جابر بن عبد الله بن رياب: 435. جابر بن عبد الله العبدي: 435. جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام: 158، 228، 280، 380، 418، 422، 435، 445، 448. الجاحظ- عمرو بن بحر.

الجارود بن أبي سبرة: 423. جارية بني المؤمل- لبينة. جبار بن صخر بن أمية: 448. جبر الرومي: 55، 273، 322. جبريل عليه السلام: 111، 126، 129، 132، 144، 158، 197، 198، 256، 259، 261، 264، 265، 266، 269، 270، 271، 274، 275، 280، 295، 321، 327، 398، 403، 409، 410، 423، 424، 425، 426، 427، 468، 473، 475. جبلة بن الأيهم: 68. جبير بن مطعم: 178، 238، 405، 471. جدامة- الشيماء بنت الحارث. جذامة بنت جندل: 463. جرهم بن قحطان: 144. جرهم بن يقطن بن عيبر: 144. ابن جرير: 321. ابن جعفر- عبد الله بن جعفر. أبو جعفر الرازي- عيسى بن عبد الله بن ماهان. جعفر بن أبي طالب: 231، 288، 350، 375، 376، 378، 379. أم جميل بنت حرب- أروى بنت حرب. أم جميل بنت الخطاب: 290. جميل بن معمر الجمحي: 357. جنادة بن عوف بن أمية- أبو ثمامة: 142. جندب بن جنادة- أبو ذر الغفاري: 134، 158، 289، 422. جندب بن سفيان البجلي: 282. جندلة بنت الحرث: 190. أبو جهل- عمرو بن هشام. ابن الجوزي- عبد الرحمن بن علي. جيبون: 243. (ح) ابن أبي حاتم- عبد الرحمن بن محمد. حاتم الطائي: 24، 95. الحارث بن الأسلت- أبو قيس بن الأسلت. الحارث بن جبلة: 68. الحارث بن طلحة: 461. الحارث بن عباد: 95. الحارث بن عبد العزى السعدي (- أبو كبشة، أبو ذؤيب) : 193، 195. الحارث بن عبد المطلب: 153، 156، 157، 160، 165. الحارث بن قيس بن عامر الزرقي: 447. الحارث بن كلدة: 93. الحارث بن مضاض الجرهمي: 145. الحارث بن هشام: 275، 351، 453، 465. حاطب بن أبي بلتعة: 20. حاطب بن الحارث: 288. حاطب بن عمرو: 288. أبو حاطب بن عمرو: 349. الحاكم- محمد بن عبد الله. ابن حبان- محمد بن حبان. أبو حبة الأنصاري: 422. حبيّ بنت حليل: 147، 148، 189. أم حبيب بنت أسد: 189. أم حبيب بنت ثمامة: 463. أم حبيب بنت جحش: 462. حبيب بن زيد بن عاصم: 446. حبيب بن عمرو (أخو عبد ياليل) : 401. أم حبيبة- رملة بنت أبي سفيان. حبيش- أكتم بن أبي الجون (أبو معبد) . حبيش بن خالد: 486، 490. الحجاج بن يوسف الثقفي: 133، 174، 230. ابن حجر- أحمد بن علي.

حجل بن عبد المطلب: 160. حذامة- الشيماء بنت الحارث. حذيفة بن عبد بن فقيم- القلمس: 141. أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: 288، 349، 469. أبو حذيفة بن المغيرة: 342. حذيفة بن اليمان: 422. حزقيل: 373. ابن حزم- علي بن أحمد. حسان بن ثابت: 374، 405، 469. الحسن البصري: 115. الحسن بن زبالة: 497. الحسن بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس: 33. الحسن بن علي بن أبي طالب: 224، 233، 284. الحسين بن علي بن أبي طالب: 284. الحسين بن مسعود- البغوي: 490. الحصين بن الحارث: 468. حفصة بنت عمر (أم المؤمنين) : 398، 465. أبو الحكم- عمرو بن هشام. أم حكيم- البيضاء بنت عبد المطلب. حكيم بن حزام: 232، 360، 471. حكيم بن مرة- كلاب بن مرة. الحلبي- إبراهيم بن محمد. الحلبي- علي بن برهان الدين. حليل بن حبشية بن سلول الخزاعي: 147، 148، 149. حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية: 191، 192، 194، 195، 196، 200، 205. حمامة (أم بلال الحبشي) : 341، 345، 346. حمد بن محمد- الخطابي: 18، 418. أبو الحمراء: 422. أبو حمزة الإباضي- المختار بن عوف. حمزة بن عبد المطلب: 160، 191، 220، 294، 299، 300، 353، 355، 356، 359، 360، 468. حمنة بنت جحش: 462. حمورابي: 47. حنتمة بنت هاشم: 351، 357. أبو حنظلة- صخر بن حرب. ابن الحنظلية- عمرو بن هشام. أبو حنيفة- النعمان بن ثابت. ابن حوقل- محمد بن حوقل. حواء: 112. حيدرة- علي بن أبي طالب. أبو الحيسر- أنس بن رافع. (خ) خارجة بن زيد بن أبي زهير: 447، 468، 497. خالد بن البكير: 288، 465. خالد بن زيد- أبو أيوب الأنصاري: 422، 447. خالد بن سعيد بن العاص: 288. خالد بن عمرو بن عدي: 448. خالد بن قيس بن مالك: 447. خالد بن معدان الكلاعي: 197. خالد بن الوليد: 19، 30، 72، 387، 466. خباب (مولى عتبة بن غزوان) : 469. خباب بن الأرت: 287، 323، 333، 334، 341، 353، 354، 355. خبيب بن إساف: 468، 469، 497. خبيب بن عبد الرحمن: 468. خديج بن سلامة: 448. خديجة بنت خويلد (أم المؤمنين) : 84، 85، 99، 171، 214، 215، 216، 217، 219، 220، 221، 222، 223، 224، 225، 231، 232، 233، 239، 255، 261، 262، 263، 264، 280، 283، 284،

285، 345، 360، 381، 391، 396، 397، 398، 399، 400، 401. خذامة- الشيماء بنت الحارث. خزيمة بن مدركة: 190. أم خزيمة بن مدركة- سلمى بنت أسلم. الخطاب (والد عمر) : 352. خطاب بن الحارث: 288. أبو الخطاب بن دحية- عمر بن الحسن. الخطابي- حمد بن محمد. الخطيب البغدادي- أحمد بن علي بن ثابت. ابن خالدون- عبد الرحمن بن خالدون. خلاد بن سويد: 447. خليل الرحمن- إبراهيم عليه السلام. خليل بن كيكلدي- الحافظ العلائي: 166، 183. خندف (أم مدركة) : 190. خنيس بن حذافة السهمي: 288، 375، 465. خولة بنت حكيم: 397. خولي بن أبي خولي: 465. خويلد بن أسد (والد خديجة) : 221. ابن أبي خيثمة: 362. الخيزران (أم هارون الرشيد) : 174. (د) الدارقطني- علي بن عمر. داود عليه السلام: 374. أبو داود- سليمان بن الأشعث. أبو داود الطيالسي- سليمان بن داود. داود بن علي بن عبد الله بن عباس: 154. أبو دجانة- سماك بن خرشة. ابن دحية- عمر بن الحسن بن علي. دحية بن خليفة الكلبي: 269. درمنغم: 170، 199، 200، 201، 217، 221، 236، 272، 479. درة بنت أبي سلمة: 191. دريد بن الصمة: 61. ابن الدغنة: 345، 381، 382. دمّا بن إسماعيل- دمار: 144. دمار- دما بن إسماعيل. ابن أبي الدنيا- عبد الله بن محمد. الدمياطي- عبد المؤمن بن خلف. أبو دؤاد الإيادي: 463. دوزي: 243. الديش بن الهون بن خزيمة: 287. (ذ) ذات النطاقين- أسماء بنت أبي بكر. أبو ذر الغفاري- جندب بن جنادة. ذكوان بن عبد قيس الزرقي: 435، 436، 447. الذهبي- محمد بن أحمد بن عثمان. ذو الجناحين- جعفر بن أبي طالب. ذو الرمحين- عمرو بن المغيرة. ذو القرنين: 326. ذو نواس: 65، 66. ذو النورين- عثمان بن عفان. أبو ذؤيب- الحارث بن عبد العزى. ابنة أبي ذؤيب- حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية. (ر) الراعي (الشاعر) : 412. رافع بن مالك بن العجلان: 435، 436، 447، 452. الرباب بنت جندة بن معد: 190. الربيع بن أنس: 116. ابنا ربيعة- شيبة وعتبة. أبو ربيعة- عمرو بن المغيرة. ربيعة بن حرام: 148. ربيعة بن عباد: 293.

ربيعة بن نزار بن معد: 47. الرحال- عروة بن عتبة. الرحمن- مسيلمة الكذاب. رحمن اليمامة- مسيلمة الكذاب. رحمة الله الهندي: 253. رزاح بن ربيعة بن حرام: 148. رزاح بن عدي بن كعب: 351. أبو رزين (مولى المنصور) : 154. أبو رزين (هانىء) : 394. رستم: 297، 336. رضي الدين القزويني: 14. رعلة بنت مضاض الجرهمية: 130، 144. رفاعة بن عبد المنذر: 446، 452، 465. رفاعة بن عمرو بن زيد: 448. رقية بنت رسول الله: 223، 232، 349. رقية بنت نوفل- قتيلة بنت نوفل. ركانة بن عبد يزيد: 274. رملة بنت أبي سفيان- أم حبيبة (أم المؤمنين) : 191، 221، 375، 462. رملة بنت أبي عوف: 288. رؤبة بن العجاج: 255. رياح بن عبد الله بن قرط: 351. (ز) ابن الزبعرى- عبد الله بن الزبعرى. زبيدة (زوج هارون الرشيد) : 174. الزبير بن بكار: 184، 444. الزبير بن عبد المطلب: 160، 213، 214. الزبير العبدري: 471. الزبير بن العوام: 28، 99، 286، 349، 469، 495، 496. زرارة بن زرارة- أبو هالة بن زرارة. أبو زرعة الرازي- عبد الله بن عبد الكريم. الزرقاني- محمد بن عبد الباقي. الزركشي- محمد بن بهادر. زريق (جد ذكوان الزرقي) : 436. زمعة بن الأسود بن المطلب: 315، 385، 471. زنبرة- زنّيرة. زنّيرة: 344، 346. زهرة بن كلاب: 148، 163، 188. الزهري- محمد بن مسلم. زهير بن أبي أمية المخزومي: 384، 385. زهير بن أبي سلمى: 472. زياد بن عبد الله البكائي: 32، 356. زياد بن لبيد الأنصاري: 447. زيد بن حارثة: 93، 232، 233، 236، 284، 285، 401، 402، 468. زيد بن الخطاب: 464. زيد بن سهل- أبو طلحة الأنصاري: 447. زيد بن عاصم: 446. زيد بن عمرو بن نفيل: 82، 83، 84، 92. زيد بن كلاب- قصي بن كلاب. زيد بن محمد- زيد بن حارثة. زين العابدين- علي بن الحسين. زينب بنت جحش (أم المؤمنين) : 15، 39، 462. زينب بنت الحارث اليهودية: 447. زينب بنت رسول الله: 223، 232، 399. زينب بنت أبي سلمة: 349. (س) سارة (زوج إبراهيم عليه السلام) : 107، 108، 109، 110، 114، 115، 116، 118، 120، 121، 128، 132. سالم مولى أبي حذيفة: 469. سام بن نوح: 45. السائب بن عثمان بن مظعون: 288. السائب بن يزيد: 203. سبأ- عبد شمس بن يشجب.

أبو سبرة بن أبي رهم: 349، 350، 469. ابن سبعين- عبد الحق بن إبراهيم. السبكي- علي بن عبد الكافي. سخبرة بنت تميم: 463. سراقة بن مالك بن جعشم: 481، 491، 492، 493، 494، 495. سراقة بن المعتمر: 464. ابن سعد- محمد بن سعد. سعد بن خيثمة: 446، 452، 468، 469، 497. سعد الدريني- عبد العزيز بن أحمد. سعد بن الربيع: 447، 452، 469. سعد بن عبادة: 448، 452، 453. سعد بن مالك- أبو سعيد الخدري: 209، 396، 422. سعد بن معاذ: 441، 442، 443، 469. سعد بن أبي وقاص: 19، 286، 287، 462. السعدان- سعد بن عبادة وسعد بن معاذ. سعيد بن جبير: 115، 340، 364، 365. أبو سعيد الخدري- سعد بن مالك. سعيد بن رقيش: 463. سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: 82، 83، 287، 353، 354، 465. سعيد بن المسيب: 116، 264. سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي: 33، 34، 469. أبو سفيان- صخر بن حرب. السكران بن عمرو: 375. سلّام بن مشكم: 448. سلمى بنت أسلم: 190. سلمى بنت عمرو الخزاعية: 190. سلمى بنت عمرو النجارية: 152، 189. سلمان الفارسي: 55، 93، 254. سلمة: 469. أبو سلمة- عبد الله بن عبد الأسد. أم سلمة- هند بنت أبي أمية. سلمة بن الأكوع- سلمة بن عمرو بن الأكوع. سلمة بن أبي سلمة: 459، 460. سلمة بن سلامة بن وقش: 446. سلمة بن عمرو بن الأكوع: 48. أبو سليط الأنصاري: 486. سليط بن عمرو العامري: 288. سليم- أبو كبشة (مولى النبي) . سليم بن عمرو بن حديدة: 448. سليمان عليه السلام: 64، 134. سليمان بن إبراهيم الجزائري: 22. سليمان بن أحمد- الطبراني: 81، 174، 224، 269، 270، 398، 400، 438، 439. سليمان بن الأشعث- أبو داود: 28، 33، 440. سليمان بن داود- أبو داود الطيالسي: 158. سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس: 154. سماك بن خرشة- أبو دجانة: 19. سمرة بن جندب: 422، 428. السموأل بن عادياء: 95، 246. السميدع: 145. سمية (أم زياد) : 342. سمية بنت خباط: 342، 343. سنان بن صيفي بن صخر: 448. سهل بن حنيف: 498. سهل بن عتيك: 447. سهلة بنت سهيل بن عمرو: 349. سهيل بيضاء: 350. سهيل بن عمرو بن عبد شمس- أبو يزيد: 405. السهيلي- عبد الرحمن بن عبد الله. سودة بنت زمعة: 375. سودة بنت عك: 190.

سويبط بن سعد بن حريملة: 468. سويد بن سعيد: 158. سويد بن الصامت- الكامل: 431. ابن سيد الناس- محمد بن محمد. سير موير- وليم موير. سيف بن ذي يزن: 66، 67، 305. سيف الله المسلول- خالد بن الوليد. السيوطي- عبد الرحمن بن أبي بكر. (ش) شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي: 463. شداد بن أوس: 198، 422. شريك بن عبد الله النخعي: 417. شريك بن عبد الله بن أبي نمر: 417، 418. الشعبي- عامر بن شراحيل. الشفاء: 175. الشمس الشامي: 35. الشمّاء- الشيماء بنت الحارث. ابن الشهيد- محمد بن إبراهيم. شيبة- شيبة الحمد- عبد المطلب بن هاشم. شيبة بن ربيعة: 296، 301، 315، 325، 391، 402، 403، 471. شيث بن ادم: 125، 126. شيخ نجدي- إبليس. الشيماء بنت الحارث السعدية (- جدامة، حذامة، خذامة، الشماء) : 195، 196. (ص) صالح عليه السلام: 127. أبو صالح: 116. صخر بن حرب- أبو سفيان: 21، 94، 99، 183، 221، 239، 292، 301، 305، 312، 315، 376، 383، 387، 391، 405، 463، 471. الصديقة بنت الصديق- عائشة بنت أبي بكر. صدي بن عجلان- أبو أمامة: 319، 422. صعصعة بن معاوية: 383. صفوان بن أمية: 323. صفية بنت جندب: 160. صفية بنت عبد المطلب: 160، 286. صفية بنت معمر الجمحي: 401. ابن الصلاح- عثمان بن عبد الرحمن. صلاح الدين العلائي- خليل بن كيكلدي. صهيب بن سنان الرومي: 55، 288، 323، 422، 458، 467، 468. صيفي بن الأسلت- أبو قيس بن الأسلت. صيفي بن أسود بن عباد: 448. (ض) الضحاك بن حارثة: 448. ضرار بن عبد المطلب: 160. (ط) أبو طالب- عبد مناف بن عبد المطلب. الطاهر بن محمد رسول الله: 223. الطاهرة- خديجة بنت خويلد. الطبراني- سليمان بن أحمد. الطبري- محمد بن جرير. طعيمة بن عدي: 471. أبو الطفيل- عامر بن واثلة. الطفيل بن الحارث بن سخبرة: 288. الطفيل بن الحارث بن المطلب: 468. الطفيل بن مالك بن خنساء: 448. الطفيل بن النعمان بن خنساء: 448. أبو طلحة: 19. أبو طلحة الأنصاري- زيد بن سهل. طلحة بن عبيد الله: 19، 99، 286، 468، 495، 496. طليب بن عمير: 469.

الطيالسي- سليمان بن داود. الطيب بن محمد رسول الله: 223. طيما بن إسماعيل: 144. (ظ) ظهير بن رافع: 446. (ع) عاتكة بنت الأوقص السلمية: 188. عاتكة بنت خالد الخزاعية- أم معبد: 486، 487، 488، 489. عاتكة بنت سعد بن الظرب: 190. عاتكة بنت عامر بن مخزوم- أم مكتوم: 325 عاتكة بنت عبد المطلب: 160، 316، 384. عاتكة بنت مرة بن هلال السلمية: 188، 189. عاتكة بنت هلال بن فالج: 188، 190. عادل زعيتر: 170. أبو العاص بن الربيع: 232، 399. العاص بن هشام بن الحارث- أبو البختري: 301، 315، 360، 384، 385، 471، 472. العاص بن وائل السهمي: 213، 214، 301، 333، 335، 338، 339، 357، 358. عاصم بن عمر بن قتادة: 29. عاقل بن البكير: 288، 465. عامر بن البكير: 288، 465. عامر بن الجراح- عامر بن عبد الله بن الجراح. عامر بن ربيعة: 83، 288، 349، 351، 352، 461. عامر بن شراحيل- الشعبي: 115. عامر بن عبد الله بن الجراح- أبو عبيدة: 19، 286، 375، 387. عامر بن فهيرة: 288، 343، 346، 483، 484، 486، 493. عامر بن واثلة- أبو الطفيل: 115. عامر بن أبي وقاص: 375. عائشة بنت أبي بكر (أم المؤمنين) : 28، 89، 90، 224، 229، 261، 262، 275، 284، 287، 381، 382، 397، 398، 399، 400، 409، 411، 422، 432، 473، 474، 483. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء) : 189. عباد بن بشر: 469. عباد بن حذيفة بن عبد: 142. عباد بن قيس بن عامر الزرقي: 447. عبادة بن الصامت: 435، 436، 437، 438، 439، 448، 452. العباس بن عبادة بن نضلة: 436، 448، 449، 452، 455. العباس بن عبد المطلب: 20، 21، 99، 153، 154، 160، 163، 176، 183، 185، 228، 231، 294، 325، 394، 395، 429، 444، 449، 451، 462، 463، 490. ابن أم عبد- عبد الله بن مسعود. ابن عبد البر- يوسف بن عبد الله. عبد بن جحش (أبو أحمد) : 288، 462، 463. عبد الحق بن إبراهيم- ابن سبعين: 415. عبد الدار بن قصي: 148، 150، 471. عبد رب الكعبة- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي: 120، 166، 364، 365، 367، 393. عبد الرحمن بن خالدون- ابن خالدون: 103. عبد الرحمن الشرقاوي: 83. عبد الرحمن بن صخر- أبو هريرة: 76، 115، 126، 142، 206، 380، 393، 398، 422، 428، 438، 443.

عبد الرحمن بن عبد الله- السهيلي: 33، 108، 120، 142، 155، 156، 166، 180، 184، 189، 211، 220، 302، 375، 386، 393، 445، 471، 484، 485، 487. عبد الرحمن بن علي- ابن الجوزي: 82، 256. عبد الرحمن بن عوف: 175، 286، 349، 462، 469. عبد الرحمن بن قرظ: 422. عبد الرحمن بن كعب بن مالك: 440. عبد الرحمن بن محمد- ابن أبي حاتم: 364. عبد الرحيم بن الحسين- العراقي: 36، 119، 158، 175، 183، 192، 368. عبد الرزاق الصنعاني: 125، 269. عبد الرزاق نوفل: 278. أبو عبد شمس- الوليد بن المغيرة. عبد شمس بن عبد مناف: 99، 150، 151، 152، 158. عبد شمس بن يشجب- سبأ: 62. عبد العزى بن عبد المطلب- أبو لهب (أبو عتبة، أبو عتيبة) : 99، 160، 176، 191، 232، 282، 292، 293، 294، 304، 359، 362، 363، 429، 459. عبد العزى بن قصي: 148، 150. عبد العزيز بن أحمد- سعد الدريني: 36. عبد الغني بن سرور المقدسي: 418، 484. عبد بن قصي: 148، 150. عبد الكعبة- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) . أم عبد الله- عائشة بنت أبي بكر. عبد الله بن أبيّ بن سلول: 20، 444، 453. عبد الله بن الأريقط: 405، 474، 484، 486. عبد الله بن أبي أمية: 315، 316، 392. عبد الله بن أنيس: 448. عبد الله بن بري- ابن بري: 188. عبد الله بن أبي بكر الصديق: 483، 484. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: 29، 30. عبد الله بن أبي ربيعة: 350، 377، 379. عبد الله بن جبير بن النعمان: 446. عبد الله بن جحش: 288، 462، 463. عبد الله بن جدعان: 213، 214، 288، 299. عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: 375. عبد الله بن الحارث (ابن حليمة) : 193. أم عبد الله بنت أبي حثمة- ليلى بنت أبي حثمة. عبد الله بن رواحة: 447، 452. عبد الله بن الزبعرى: 330، 331. عبد الله بن الزبير: 132، 230. عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه: 447. عبد الله بن زيد بن عاصم: 446. عبد الله بن سراقة بن المعتمر: 464. عبد الله بن سعيد الصنابحي: 119. عبد الله بن سلمة: 469. عبد الله بن عباس: 14، 71، 80، 81، 116، 126، 127، 128، 129، 135، 154، 158، 174، 264، 269، 282، 313، 321، 340، 351، 365، 366، 374، 394، 409، 412، 418، 422، 445، 450. عبد الله بن عبد الأسد- أبو سلمة: 191، 286، 349، 362، 458، 459، 461، 462. عبد الله بن عبد الله بن أبيّ: 20. عبد الله بن عبد المطلب: 41، 119، 160، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 176، 188، 206، 207. أم عبد الله بن عبد المطلب- فاطمة بنت عمرو المخزومية.

عبد الله بن عثمان- أبو بكر الصديق: 18، 82، 99، 126، 127، 142، 192، 283، 284، 285، 286، 288، 289، 290، 293، 297، 342، 343، 344، 345، 346، 347، 353، 356، 381، 382، 389، 390، 422، 429، 467، 468، 470، 473، 474، 475، 476، 477، 478، 479، 480، 481، 482، 483، 484، 486، 489، 490، 491، 492، 495، 496، 497. عبد الله بن عمر بن الخطاب: 82، 115، 175، 351، 357، 358. عبد الله بن عمرو بن حرام: 445، 448، 452، 453. عبد الله بن عمرو بن العاص: 126، 134، 422. عبد الله بن قيس- أبو موسى الأشعري: 376. عبد الله بن لهيعة: 126. عبد الله بن محمد رسول الله: 223، 232. عبد الله بن محمد- ابن أبي الدنيا: 270. عبد الله بن مسعود: 99، 287، 314، 329، 356، 366، 375، 409، 416، 422. عبد الله بن مظعون: 287. عبد الله بن أم مكتوم- عمرو: 325، 462. عبد المطلب بن هاشم (- شيبة، شيبة الحمد) : 119، 146، 152، 153، 155، 156، 157، 158، 160، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 175، 182، 189، 205، 207، 246، 305، 306، 330، 392. أم عبد المطلب بن هاشم- سلمى بنت عمرو النجارية. عبد الملك بن مروان: 28، 132، 133، 230. عبد الملك بن هشام: 13، 26، 31، 32، 33، 35، 36، 146، 166، 183، 193، 264، 287، 288، 325، 326، 359، 385، 421، 436، 452، 455، 463، 466، 467، 468، 485، 486. أم عبد مناف- حبيّ بنت حليل الخزاعية. أم عبد مناف- عاتكة بنت هلال بن فالج. عبد مناف بن أسد- الأرقم بن أبي الأرقم. عبد مناف بن زهرة: 188. عبد مناف بن عبد المطلب- أبو طالب: 99، 133، 153، 154، 158، 160، 167، 174، 203، 207، 208، 211، 212، 215، 216، 217، 220، 221، 222، 223، 231، 255، 272، 291، 294، 301، 302، 303، 304، 305، 306، 359، 362، 363، 385، 386، 391، 392، 393، 394، 395، 396، 397، 401. عبد مناف بن قصي- المغيرة بن قصي: 148، 150، 182، 188، 189، 190. عبد المؤمن بن خلف- الدمياطي: 35، 158. عبد الوهاب النجار: 253. عبد ياليل بن عمرو الثقفي: 401. عبس بن عامر بن عدي: 448. أبو عبيد- القاسم بن سلام. عبيد بن عمير: 263. عبيد الله بن الأسلت- أبو قيس بن الأسلت. عبيد الله بن جحش: 375، 462. عبيد الله بن عبد الكريم- أبو زرعة الرازي: 428. أبو عبيدة: 112، 146. عبيدة بن الحارث بن المطلب: 287، 468. أبو عتبة- عبد العزى بن عبد المطلب.

عتبة بن ربيعة: 290، 296، 301، 306، 307، 308، 315، 325، 391، 402، 403، 462، 463، 471. عتبة بن غزوان: 469. عتبة بن أبي لهب: 232. أبو عتيبة- عبد العزى بن عبد المطلب. عتيبة بن أبي لهب: 232. العتيبي: 108. العتيق- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) . عتيق بن عابد المخزومي: 225. عثمان بن أبي طلحة: 461. عثمان بن طلحة بن أبي طلحة: 460، 461. عثمان بن عبد الرحمن- ابن الصلاح: 285، 368. عثمان بن عفان: 132، 207، 232، 286، 349، 362، 374، 468، 469. عثمان بن مظعون: 287، 349، 361، 362. عداس النينوي: 55، 403. عدنان أدد- عدنان (جد النبي الأعلى) : 47، 116، 144، 184. العراقي- عبد الرحيم بن الحسين. العرباض بن سارية: 174. ابن عربي- محمد بن علي. ابن العربي- محمد بن عبد الله. عروة بن الزبير: 28، 262، 418، 446، 468. عروة بن عتبة الرحّال: 212. عزير: 241، 330، 331. ابن عساكر- علي بن الحسن بن هبة الله. العسكري- (أبو أحمد) : 18، 487. عضل بن الهون بن خزيمة: 287. عطاء: 125، 230. عطاء بن أبي رباح: 174. عفراء بنت عبيد النجارية (أم معاذ ومعوذ) : 435. عقبة بن عامر السلمي: 435، 436. عقبة بن عمرو البدري (أبو مسعود) : 447. عقبة بن أبي معيط: 296، 297، 327، 338. عقبة بن وهب بن ربيعة: 463. عقبة بن وهب بن كلدة: 448. أبو عقيل- لبيد بن ربيعة. عقيل بن أبي طالب: 174، 231. عك بن عدنان بن أدد: 144. عكاشة بن محصن: 463. عكرمة بن أبي جهل: 387. عكرمة بن عامر بن هاشم: 471. العلائي- خليل بن كيكلدي. علي بن أحمد بن حزم- ابن حزم: 35، 183، 418. علي بن برهان الدين الحلبي: 36. علي بن الحسن- ابن عساكر: 198، 464. علي بن الحسين الأصبهاني (أبو الفرج) : 184. علي بن الحسين بن علي: 4، 8. علي بن الحسين بن علي- المسعودي: 37، 393. علي بن أبي طالب: 19، 24، 115، 155، 224، 231، 232، 238، 243، 284، 285، 353، 395، 398، 422، 464، 470، 475، 480، 494، 497، 498. علي بن عبد الكافي- التقي السبكي: 398. علي بن عبد الله بن عباس: 154. علي عبد الواحد وافي: 187. علي بن عمر- الدارقطني: 158، 225، 436. علي القيرواني: 167. علي بن محمد الماوردي: 471. عمار بن ياسر: 288، 323، 342، 343، 375، 462. أبو عمارة- حمزة بن عبد المطلب. أم عمارة- نسيبة بنت كعب.

عمارة بن حزم: 447. عمارة بن الوليد: 303، 350. عمر بن الحسن بن علي- ابن دحية: 179، 184، 411، 422. عمر بن الخطاب: 18، 19، 20، 68، 82، 83، 99، 132، 133، 142، 206، 207، 287، 289، 302، 344، 345، 346، 351، 352، 353، 354، 355، 356، 357، 358، 359، 360، 361، 362، 375، 383، 422، 438، 448، 458، 464، 465، 466، 468، 494، 495. أم عمر بن الخطاب- حنتمة بنت هاشم. عمر بن عبد العزيز: 29، 30، 119. عمر بن قتادة بن النعمان: 29. عمرو بن أحيحة بن الجلاح: 152. عمرو بن أسد (عم خديجة) : 220، 221. عمرو بن أقيش- عمرو بن ثابت بن وقش. عمرو بن بحر- الجاحظ: 81، 82. عمرو بن ثابت بن وقش- الأصيرم: 443، 444. عمرو بن الجموح: 453، 454. عمرو بن الحارث الغبشاني: 146. عمرو بن الحارث بن لبدة: 448. عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي: 145، 146. عمرو بن حزم الأنصاري: 29. عمرو بن سراقة بن المعتمر: 464. عمرو بن العاص: 350، 358، 377، 379، 387. عمرو بن عامر الخزاعي: 146. عمرو بن عبد مناف- هاشم بن عبد مناف. عمرو بن عدي: 68. أبو عمرو بن العلاء: 116. عمرو بن علقمة العامري: 463. عمرو بن عمير الثقفي (أبو مسعود) : 332. عمرو بن غزية: 447. عمرو بن غنمة بن عدي: 448. عمرو بن لحيّ الخزاعي: 71، 76، 147. عمرو بن المغيرة (- ذو الرمحين، أبو ربيعة) : 465. عمرو بن أم مكتوم- عبد الله بن أم مكتوم. عمرو بن نزار- مضر بن نزار. عمرو بن هشام (- أبو جهل، أبو الحكم) : 295، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 309، 311، 312، 315، 325، 332، 333، 339، 340، 343، 344، 351، 355، 357، 360، 383، 384، 385، 391، 392، 462، 463، 465، 471، 472، 482، 493، 494. عمير بن الحارث بن ثعلبة: 448. عمير بن أبي وقاص: 287. عنترة العبسي: 450. أم عنيس: 344، 346. عوانة بنت سعد- أم كنانة بن خزيمة: 190. عوف بن أمية بن قلع: 142. عوف بن الحارث بن رفاعة- عوف بن عفراء: 435، 436، 447. عوف بن عفراء- عوف بن الحارث بن رفاعة. عويم بن ساعدة: 435، 436، 446. عياش بن أبي ربيعة: 288، 464، 465، 466. عياض بن موسى- القاضي عياض: 36، 39، 120، 180، 181، 365، 368، 370، 411، 418. عيسى عليه السلام: 23، 65، 80، 84، 121، 173، 174، 181، 197، 200، 201، 215، 216، 217، 242، 243، 248، 249، 250، 252، 253، 263، 278،

330، 331، 340، 373، 379، 399، 404، 414، 424، 452. عيسى بن عبد الله بن ماهان- أبو جعفر الرازي: 428. عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس: 154. (غ) غالب بن فهر: 190. أم غالب بن فهر- ليلى بنت سعد. أبو غبشان الخزاعي: 149. (ف) الفارعة بنت أبي سفيان: 462. فارقليط- البارقليط. الفاروق- عمر بن الخطاب. فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب: 191. فاطمة بنت الخطاب: 287، 353، 354، 465. فاطمة بنت سعد بن سيل- أم قصي: 148، 190. فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية: 160، 189. فاطمة بنت المجلل: 288. فاطمة بنت محمد رسول الله: 223، 224، 232، 233، 284، 296، 397. فاطمة بنت مر الخثعمية: 164. الفاكهي- محمد بن إسحاق. فتحي الدريني: 104. أبو الفرج الأصبهاني- علي بن الحسين. الفرزدق: 383. فرعون: 398، 415. فروة بن عمرو بن ودقة: 447. فريد وجدي: 170. الفضل بن بضاعة: 214. الفضل بن الحارث: 214. الفضل بن شراعة: 214. الفضل بن فضالة: 214. الفضل بن قضاعة: 214. الفضل بن وداعة: 214. أبو فكيهة- يسار (مولى صفوان) . فكيهة بنت يسار: 288. فهر بن مالك- قريش: 183، 190. أم فهر بن مالك- جندلة بنت الحرث. فهيرة (أم عامر) : 288. الفيض- المطلب بن عبد مناف. الفيومي- أحمد بن محمد. (ق) القابسي: 422. القارىء- مصعب بن عمير. القاسم بن سلام- أبو عبيد: 100، 101. القاسم بن محمد رسول الله: 223، 224، 232. قتادة: 423. قتادة بن النعمان الأنصاري: 29. ابن قتيبة: 163، 214. قتيلة بنت نوفل: 164. أبو قحافة: 283، 290، 482. قحطان بن عامر: 47، 48، 144. قحطان بن عيبر بن شالخ- يقطن: 144. قدامة بن مظعون: 287. قرط بن رزاح بن عدي: 351. القرطبي- أحمد بن عمر. قريش- فهر بن مالك. قريش- النضر بن كنانة. قس بن ساعدة الإيادي: 80، 81، 82، 272. القسطلاني- أحمد بن محمد. قصي بن كلاب- زيد بن كلاب: 57، 147، 148، 149، 150، 182، 188، 190، 315، 386، 471.

أم قصي بن كلاب- فاطمة بنت سعد. قطبة بن عامر بن حديدة: 448. قطبة بن عامر السلمي: 435، 436. قطور- يطور بن إسماعيل. قطوراء بن كركر: 145. القعقاع بن عمرو: 387. قلع بن عباد بن حذيفة: 142. القلمس- حذيفة بن عبد بن فقيم. قيدار- قيذر بن إسماعيل. قيدمان- قيذم بن إسماعيل. قيذار- قيذر بن إسماعيل. قيذر بن إسماعيل (- قيدار، قيذار) : 144. قيذم بن إسماعيل- قيدمان: 144. أبو قيس بن الأسلت (- صيفي، الحارث، عبيد الله) : 444. أم قيس بنت حصن: 463. قيس بن زائدة (أبو ابن أم مكتوم) : 325. قيس بن أبي صعصعة: 447. قيس بن مخرمة بن المطلب: 30. قيصر الروم (وانظر هرقل) : 66. ابن القيم- محمد بن أبي بكر. (ك) كارليل- توماس كارليل. كالب بن يوفنا: 373. الكامل- سويد بن الصامت. كاهنة بني سعد بن هذيم: 156. كاهنة قريش: 166. أبو كبشة- الحارث بن عبد العزى. أبو كبشة (مولى النبي) - سليم: 468. ابن كثير- إسماعيل بن عمر بن كثير. كرز بن علقمة: 481. الكرماني- محمد بن يوسف. كسرى: 67، 68، 86 246، 493، 494، 495. كعب بن عمرو- أبو اليسر: 448. كعب بن لؤي: 190، 351. أم كعب بن لؤي- ماوية بنت كعب. كعب بن مالك: 440، 444، 445، 448، 449، 451، 452، 453. كلاب بن طلحة: 461. كلاب بن مرة- حكيم بن مرة: 148، 182، 188، 190. أم كلاب بن مرة- هند بنت سرير. الكلبي- محمد بن السائب. ابن الكلبي- هشام بن محمد بن السائب. أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو: 350. أم كلثوم بنت محمد رسول الله: 223، 232. كلثوم بن الهدم: 468، 497. كليب بن ربيعة: 93. كناز بن حصن- كناز بن حصين (أبو مرثد الغنوي) : 468. كنانة بن خزيمة: 142، 190. أم كنانة بن خزيمة- عوانة بنت سعد. (ل) لاروس: 69. لاوز بن سام بن نوح: 46، 56. لبيد بن ربيعة: 362، 463. لبينة (جارية بني المؤمل) : 345، 346. لقمان الحكيم: 183، 431. أبو لهب- عبد العزى بن عبد المطلب. ابن لهيعة- عبد الله بن لهيعة. لوط عليه السلام: 107، 108، 349. لؤي بن غالب: 80، 190. أم لؤي بن غالب- سلمى بنت عمرو الخزاعية. أبو ليلى الأنصاري: 422.

ليلى بنت أبي حتمة: 349، 351، 352، 461، 462. ليلى بنت سعد: 190. (م) الماتريدي- محمد بن محمد. ماسي- ماشي بن إسماعيل. ماشي بن إسماعيل- ماسي: 144. ابن ماكولا: 436. ابن مالك: 423. مالك بن أنس (الإمام) : 27، 30، 230، 368، 468. مالك بن أهيب (أبو وقاص والد سعد) : 286. مالك بن الأوس الأسلمي: 495. مالك بن التيّهان- أبو الهيثم: 435، 436، 446، 450، 451، 452. مالك بن أبي خولي: 465. مالك بن زرارة- أبو هالة بن زرارة. مالك بن صعصعة: 422، 423. مالك بن النضر: 183، 190. أم مالك بن النضر- عاتكة بنت سعد بن الظرب. مالك بن نويرة: 464. الماوردي- علي بن محمد. ماوية بنت كعب: 190. مبشر بن عبد المنذر: 462. متمم بن نويرة: 464. المثنى بن حارثة: 387. مجاهد: 115. مجمّع- قصي بن كلاب. محمد بن إبراهيم- ابن الشهيد: 36. محمد بن إبراهيم بن المنذر- ابن المنذر: 364. محمد بن أحمد- البيروني: 140. محمد بن أحمد بن عثمان- الذهبي: 33، 37، 119، 394، 484، 487. محمد بن أحيحة بن الجلاح: 180، 181. محمد بن إدريس الشافعي: 30، 183، 368. محمد بن إسحاق- ابن منده: 191. محمد بن إسحاق بن خزيمة: 365. محمد بن إسحاق الفاكهي- الفاكهي: 83، 125، 230. محمد بن إسحاق بن يسار: 13، 14، 22، 25، 26، 29، 30، 31، 32، 33، 48، 65، 71، 83، 119، 142، 144، 146، 155، 164، 166، 170، 173، 174، 189، 190، 192، 193، 196، 197، 198، 202، 219، 221، 238، 256، 263، 264، 280، 282، 284، 287، 295، 297، 306، 309، 312، 329، 336، 340، 344، 351، 357، 359، 365، 375، 376، 394، 402، 421، 430، 435، 436، 437، 439، 440، 443، 444، 446، 447، 451، 455، 459، 465، 466، 474، 475، 477، 482، 485، 496. محمد بن إسماعيل البخاري: 18، 19، 22، 27، 30، 31، 32، 33، 48، 82، 83، 89، 115، 125، 127، 133، 135، 138، 144، 182، 185، 191، 199، 203، 228، 237، 261، 265، 269، 275، 280، 282، 329، 341، 346، 356، 358، 362، 366، 367، 374، 376، 380، 381، 392، 394، 395، 398، 400، 409، 412، 417، 421، 422، 423، 428، 432، 437، 438، 439، 462، 483، 495. محمد الباقر- أبو جعفر: 116. محمد بن براء البكري: 180.

محمد بن أبي بكر- ابن القيم: 116، 175، 413. محمد بن بهادر- الزركشي: 329. محمد بن جرير الطبري: 30، 31، 37، 119، 120، 221، 282، 284، 364، 365، 421، 428، 436. محمد بن حبان- ابن حبان: 174، 474. محمد بن أبي حذيفة: 349. محمد حسين هيكل: 22، 39، 136، 200، 201، 217، 236، 413، 414، 416، 437. محمد بن حمران الجعفي: 180، 181. محمد بن حوقل: 53. محمد بن خزاعي السلمي: 180. محمد الخضر حسين: 21. محمد الخضري: 39. محمد بن السائب الكلبي: 48، 116، 436. محمد بن سعد- ابن سعد: 29، 30، 31، 33، 83، 160، 165، 174، 220، 264، 351، 359، 418، 451، 475، 490، 496. محمد بن سعيد- البوصيري: 223، 240، 481. محمد بن سفيان بن مجاشع: 180، 181. محمد بن صيفي المخزومي: 225. أم محمد بن صيفي- هند بنت عتيق. محمد بن عبد الباقي بن يوسف- الزرقاني: 35، 156، 393، 394. محمد بن عبد الله الأزرقي- الأزرقي: 125. محمد بن عبد الله- الحاكم: 118، 119، 158، 174، 270، 394، 400، 446، 462. محمد بن عبد الله- ابن العربي: 366، 368. محمد بن عبد الله بن جحش: 462. محمد عبده (الإمام) : 39، 367. محمد بن علي- ابن عربي: 415. محمد بن عمر- الواقدي: 29، 30، 31، 33، 220، 221، 349، 375، 422، 444، 474، 484. محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري: 29. محمد بن عيسى- الترمذي: 28، 32، 33، 184، 269، 319، 329، 351، 412، 421. محمد بن كعب القرظي: 115، 119، 306، 365. محمد بن محمد- ابن سيد الناس: 35، 36. محمد بن محمد- أبو منصور الماتريدي: 366. محمد بن محمد بن عبد الكريم- ابن الأثير: 408، 451. محمد بن مسلم بن شهاب- الزهري: 8، 29، 183، 221، 262، 264، 265، 312، 365، 418، 437. محمد بن مسلمة الأنصاري: 180، 181. محمد بن اليحمد: 181. محمد بن يزيد- ابن ماجه: 28، 158، 270، 440. محمد بن يوسف الثقفي: 174. محمد بن يوسف الصالحي: 36. محمد بن يوسف الكرماني: 265. محمد بن يونس الشافعي: 35. محمود باشا الفلكي: 173. المختار بن عوف الإباضي: 102. مخزوم بن هانىء: 177. المخلص (انظر البارقليط) : 252. مدركة بن إلياس: 190. أم مدركة بن إلياس- خندف. مدلج بن مرة بن عبد مناف: 491. أبو مرثد الغنوي- كناز بن حصن.

مرثد بن أبي مرثد الغنوي: 468. ابن مردويه- أحمد بن موسى. مرة بن كعب: 190. أم مرة بن كعب- وحشية بنت شيبان. مريم (أم المسيح عليه السلام) : 200، 242، 379، 398، 399، 424. مسافع بن طلحة: 461. أبو مسروح- أنسة (مولى النبي) . مسروح بن ثويبة: 191. مسطح بن أثاثة: 468. مسعود (راعي إبل) : 495. أبو مسعود البدري- عقبة بن عمرو. أبو مسعود الثقفي: عمرو بن عمير. مسعود بن ربيعة- مسعود بن القاري: 287. مسعود بن عمرو (أخو عبد ياليل) : 401. مسعود بن القاري- مسعود بن ربيعة. مسعود بن هنيدة: 485. مسعود بن يزيد بن سبيع: 448. المسعودي- علي بن الحسين. مسلم بن الحجاج: 18، 19، 22، 28، 32، 33، 58، 65، 138، 158، 198، 199، 202، 203، 228، 230، 261، 269، 341، 368، 376، 398، 409، 417، 421، 422، 427، 437، 439. مسمع بن إسماعيل: 144. المسيح- عيسى عليه السلام. مسيلمة الكذاب: 316. مصعب بن عمير: 349، 440، 441، 442، 443، 462، 469. مضر بن نزار- عمرو- أبو إلياس: 47، 183، 190، 222. أم مضر بن نزار- سودة بنت عك. المطعم بن عدي: 303، 304، 384، 385، 404، 405، 407. المطلب بن أزهر: 288. المطلب بن عبد مناف: 99، 150، 152، 153، 189. المطلب بن أبي وداعة السهمي: 185. معاذ بن الحارث بن رفاعة- معاذ بن عفراء: 435، 436، 447. معاذ بن جبل: 269، 448، 454. معاذ بن عفراء- معاذ بن الحارث. معاذ بن عمرو بن الجموح: 448، 454. المعافر بن يعفر: 31. معانة بنت جوشم: 190. معاوية بن أبي سفيان: 19، 88، 119، 411، 438، 447، 471، 490. أبو معبد- أكثم بن أبي الجون. أم معبد- عاتكة بنت خالد. معدّ بن عدنان: 47، 144، 184، 222. المغري (انظر البارقليط) : 252، 253. معقل بن المنذر بن سرح: 448. معمر بن الحارث: 288. معن بن عدي بن الجد بن عجلان: 446. معوذ بن الحارث بن رفاعة- معوذ بن عفراء: 435، 447. معوذ بن عفراء- معوذ بن الحارث. المغيرة بن قصي- عبد مناف بن قصي. المقداد بن عمرو: 19، 375. المقرىء- مصعب بن عمير. المقوم بن عبد المطلب: 160. مقوم بن ناحور: 144. أم مكتوم- عاتكة بنت عامر بن مخزوم. ابن أم مكتوم- عبد الله بن أم مكتوم. منبه بن الحجاج السهمي: 301، 472. ابن منده- محمد بن إسحاق. ابن المنذر- محمد بن إبراهيم بن المنذر.

المنذر بن جبلة: 68. أبو المنذر بن عامر- يزيد بن عامر بن حديدة. المنذر بن عمرو: 448، 452، 453. المنذر بن ماء السماء: 68. منذر بن محمد بن عقبة: 469. المنصور (الخليفة) : 30، 154. منصور بن عكرمة: 359. منقذ بن نباتة: 463. أم منيع- أسماء بنت عمرو. المهدي (الخليفة) : 30. المهلهل بن ربيعة: 95، 96. موسى عليه السلام: 23، 84، 201، 209، 248، 249، 250، 261، 263، 269، 278، 373، 399، 404، 410، 414، 415، 425، 426. أبو موسى الأشعري- عبد الله بن قيس. موسى بن عقبة: 30، 264، 365، 369، 375، 377، 435، 443، 446، 459، 461، 491. مولانا محمد علي: 170، 218، 242. موير- وليم موير. ميسرة (غلام خديجة) : 215، 216، 217، 219. ميسون بنت بحدل (زوج معاوية) : 88. ميشا بن إسماعيل: 144. ميكائيل: 197. (ن) نابت بن إسماعيل: 144، 145. النابغة (الشاعر) : 472. ناحور بن ازر: 107. ناحور بن تيرح: 144. نبش بن إسماعيل- نفيس- يافيش: 144. نبيه بن الحجاج السهمي: 301، 472. نتلة (أم العباس) - نتيلة: 160. نتيلة- نتلة. النجاشي (وانظر أصحمة) : 66، 350، 359، 361، 375، 376، 377، 378، 379، 380. النحام بن عبد الله بن أسيد: 288. نزار بن معد: 47، 184، 190. أم نزار بن معد- معانة بنت جوشم. النسائي- أحمد بن علي. نسطاس: 346. نسطورا (الراهب) : 215، 216، 217. نسيبة بنت كعب- أم عمارة: 446، 448. النضر بن الحارث: 297، 315، 326، 327، 330، 335، 336، 359، 471. النضر بن كنانة- قريش: 183، 190. أم النضر بن كنانة- برة بنت مرار بن أد. نضلة بن هاشم: 360، 384. النعمان بن ثابت- أبو حنيفة: 285، 368. النعمان بن المنذر: 68، 86، 212، 246. أبو نعيم- أحمد بن عبد الله. نعيم بن عبد الله النحام: 353. نفيس- نبش بن إسماعيل. نفيسة بنت أمية- نفيسة بنت منية. نفيسة بنت منية: 220. النقاش: 108. نلينو (مستشرق) : 253. النهدية: 345، 346. نهير بن الهيثم: 446. نوح عليه السلام: 71، 126، 323، 425. نوفل بن خويلد بن العدوية- أسد قريش: 286. نوفل بن عبد مناف: 99، 150، 152. النووي- يحيى بن شرف.

(هـ) هاجر (أم إسماعيل) : 57، 109، 110، 111، 112، 114، 115، 118، 121، 127، 128، 129، 130، 135، 137، 144. هاران بن ازر: 107، 108. هارون عليه السلام: 425. هارون الرشيد: 174، 230. هاشم بن عبد مناف- عمرو بن عبد مناف: 99، 150، 151، 152، 153، 158، 182، 188، 189. أم هاشم بن عبد مناف- عاتكة بنت مرة السلمية. هاشم بن المغيرة- هشام بن المغيرة: 351. هالة بنت خويلد: 400. أبو هالة بن زرارة التميمي (- زرارة أو مالك أو هند) : 424، 225. هالة بن أبي هالة: 224، 225. هالة بنت وهيب: 160. أم هانىء بنت أبي طالب: 422. هانىء بن نيار- أبو بردة: 446. هرقل (وانظر قيصر) : 239. أبو هريرة- عبد الرحمن بن صخر. ابن هشام- عبد الملك بن هشام. هشام بن العاص بن وائل: 375، 464، 466. هشام بن عروة بن الزبير: 28، 474. هشام بن عمرو العامري: 360، 384، 385. هشام بن محمد بن السائب- ابن الكلبي: 70، 71، 72. هشام بن المغيرة- هاشم بن المغيرة. الهمداني: 44. همينة بنت خلف- أمينة بنت خلف. هند (أمة المسيح) : 79. هند بنت أبي أمية- أم سلمة (أم المؤمنين) : 228، 349، 459، 460، 461. هند بن زرارة- أبو هالة بن زرارة. هند بنت سرير: 190. هند بنت عتبة: 94. هند بنت عتيق بن عابد: 225. هند بن أبي هالة: 224. هود عليه السلام: 50، 126، 127. الهون بن خزيمة: 287. أبو الهيثم بن التيهان- مالك بن التيهان. هيرودوت: 44. هيكل- محمد حسين هيكل. (و) واقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمي: 288، 465. الواقدي- محمد بن عمر. وحشية بنت شيبان: 190. وحيد قريش- الوليد بن المغيرة. ورقة بن نوفل: 84، 85، 164، 219، 261، 263، 265، 272. أبو وقاص- مالك بن أهيب. أبو الوليد- عتبة بن ربيعة. الوليد بن عبد الملك: 230. الوليد بن المغيرة- وحيد قريش: 227، 309، 310، 311، 315، 325، 330، 331، 332، 335، 339، 361، 362. الوليد بن الوليد بن المغيرة: 466. وليم موير: 136، 137، 199، 200، 218، 242، 364. وهب بن عبد مناف الزهري: 163، 188. أبو وهب بن عمرو المخزومي: 225. وهب بن منبه: 125، 126. وهرز: 66.

(ي) ياسر بن عامر (والد عمار) : 342. يافيش- نبش بن إسماعيل. ياقوت الحموي: 79. يحيى عليه السلام: 249، 424. أم يحيى عليه السلام- إيشاع. يحيى بن سعيد بن أبان: 33. يحيى بن شرف النووي: 183، 285، 418، 484. يزيد بن ثعلبة: 435، 436. يزيد بن خذام بن سبيع: 448. يزيد بن رقيش: 463. يزيد بن أبي سفيان: 387. يزيد بن عامر بن حديدة- أبو لمنذر بن عامر: 448. يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: 88، 230. يزيد بن المنذر: 448. يسار- أبو فكيهة (مولى صفوان) : 323، 344، 346. يسار (نصراني) : 322. يسار المطلبي (جد ابن إسحاق) : 30. أبو اليسر- كعب بن عمرو. يسوع- عيسى عليه السلام. يشجب بن نابت: 144. يطور بن إسماعيل- قطور: 144. يعرب بن يشجب: 144. يعقوب عليه السلام: 116، 117، 120، 121، 134. يعقوب بن عتبة: 170. أبو يعلى- أحمد بن علي. يعلى بن أمية: 220. يقطن- قحطان بن عيبر. أبو اليقظان- عمار بن ياسر. يهوذا الأسخريوطي: 340. يوحنا: 252، 253. يوحنا المعمدان- يحيى عليه السلام. يوسف عليه السلام: 121، 387، 424. ابن يوسف (صاحب الشّعب) : 359. يوسف بن عبد الله- ابن عبد البر: 224، 225، 351، 461، 468، 490. يوشع بن نون: 373. يونس عليه السلام: 403. [انتهى فهرس الأعلام]

4 - فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات *

4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات* (أ) الاراميون: 46. ال أبي بكر: 483. ال البيت (ال بيت النبي، ال رسول الله) : 40، 232، 395. ال الخطاب: 288، 349. ال سعود: 133. ال أبي سلمة: 461. ال العاص بن وائل السهمي: 484. ال علي: 395. ال فهر: 213. ال هاشم: 166. ال ياسر: 342، 343. إبراهيم عليه السلام (بنو) : 185. أحبار اليهود- الأحبار: 254، 327، 329، 331. الأحباش- الحبشة: 55، 66، 67، 151، 305، 379. الأحلاف: 150، 213. إراش (قبيلة) : 297. إرم: 251، 434. الأزد: 47، 181. أزد شنوءة: 190. أسد بن خزيمة (بنو) : 288. أسد بن عبد العزى (بنو) : 158، 164، 228، 471. إسرائيل (بنو) : 100، 121، 249، 373، 426. أسلم (قبيلة) : 48، 485، 495. إسماعيل عليه السلام (بنو، أولاد) : 48، 70، 83، 116، 144، 145، 146، 148، 185، 249، 430. الأشاعرة: 269. الأشعريون: 64. أصحاب الأخدود: 65. أميم (قبيلة) : 46. أمية (بنو) : 230. أمية بن زيد (بنو) : 444. أمية بن عبد شمس (بنو) : 288، 462. الأنباط: 67.

_ * أسقطت في هذا الفهرس: بنو، قبيلة، دولة، مملكة، حضارة، قوم. ووضعتها على اليسار بين قوسين () لتسهيل الكشف عن المراد.

الأنباط (دولة، مملكة) : 67، 105. الأنصار- أنصار الله: 20، 58، 72، 254، 280، 431، 432، 434، 435، 436، 440، 441، 443، 444، 449، 450، 451، 452، 453، 459، 462، 470، 496. أنمار (قبيلة) : 64. أهل التثليث- النصارى. أهل (أصحاب) الكهف: 326، 327. الأوربية (الحضارة) : 106. الأوس: 47، 57، 58، 64، 152، 432، 434، 440، 441، 446، 449، 451، 452. الأوس بن حارثة (قبيلة) : 444. أولاد جفنة- ملوك الغساسنة. إياد (قبيلة) : 81. (ب) بابل (مملكة) : 105. البابلية (الدولة) : 57. بجيلة (قبيلة) : 64. برهمية (عقيدة) : 241. بكر (بنو، قبيلة) : 47، 93. بكر بن عبد مناة (بنو) : 146، 148، 149. البكير بن عبد ياليل (بنو) : 288، 465. بلعجلان: 469. بليّ: 448. بهراء (قبيلة) : 64. بوذية (عقيدة) : 241. بياضة (بنو) : 440. (ت) التثليث (عقيدة) : 242، 254، 273. تدمر (دولة) : 105. تغلب (قبيلة) : 47، 64، 93، 243. تميم (بنو، قبيلة) : 47، 81، 287. تنوخ (قبيلة) : 64. تيم بن مرة (بنو) : 213، 283، 286، 288، 290. (ث) ثقيف (قبيلة) : 59، 72، 85، 100، 266، 332، 372، 401، 402، 404، 407. ثمود (حضارة) : 51. ثمود (قبيلة، قوم) : 46، 51، 320. الثنوية (عقيدة) : 241، 273. (ج) جحش (بنو) : 462، 463. جديس (قبيلة) : 46. جذام (قبيلة) : 64. جرهم (قبيلة) : الجراهمة: 46، 47، 48، 56، 57، 71، 111، 129، 135، 144، 145، 146، 190، 214. جفنة (قبيلة) (انظر قبيلة غسان) : 68. جمح (بنو) : 158، 213، 228، 402، 472. (ح) الحارث بن الخزرج (بنو) : 468، 469، 497. حارثة (بنو) : 442، 469. الحبشة- الأحباش. حرام (بنو) : 435. الحريش (بنو) : 474. حضرموت (قبائل) : 46. الحضرمي (بنو) : 322. حمورابي (دولة) : 47، 57، 105. حمير: 64. حمير (ملوك) : 66.

حمير (مملكة) : 47، 62، 64، 65، 66. الحميريون: 66. الحنفاء- الحنفيون. حنيفة (بنو، قبيلة) : 47، 48، 430. الحنيفية: 84، 85، 188. الحنيفيون- الحنفاء: 80، 82، 181، 235. الحواريون: 340، 452. الحيرة (ملوك) : 68. الحيرة (مملكة) : 60، 67، 68. (خ) خزاعة (بنو) : 48، 57، 64، 146، 147، 148، 149، 189، 287. الخزرج: 47، 57، 58، 64، 431، 432، 434، 435، 436، 440، 441، 447، 449، 451، 452، 453. خطمة (قبيلة) : 444. (د) الدادانيون: 251. الدئل بن بكر (بنو) : 474، 484. (ذ) ..... (ر) ربيعة بن نزار (قبائل) : 47، 139. الرهبان: 254، 331. الروم (- الرومان، بنو الأصفر) : 55، 67، 68، 69، 79، 96، 151، 239، 389، 390. الروم (دولة) : 244. الرومانية (الحضارة) : 44. (ز) زبيد (قبيلة) : 213. الزبيريون (ال الزبير) : 30. الزنادقة: 365، 366، 370، 372، 422. زهرة (بنو) : 163، 164، 188، 213، 227، 287، 331، 332، 344. (س) الساميون: 45، 46. سبأ (حضارة) : 49. سبأ (قبائل) : 48. سبأ (ملوك) : 64. سبأ (مملكة) : 47، 62، 64، 65، 66، 104. سعد بن بكر (بنو) : 191، 192، 194، 197، 198، 203. سعد بن ليث (بنو) : 465. سعد هذيم (بنو) : 156. سلمة (بنو) : 435، 446، 447، 451، 454. سليم بن منصور (بنو) : 188، 189. سهم (بنو) : 158، 213، 228، 301، 358، 472، 474. (ش) شيبة (بنو) : 228. الشيعة الإمامية: 395. (ص) الصابئة: 241. الصلب (عقيدة) : 273. الصليبية: 14. الصليبيون: 38، 168. (ض) ..... (ط) الطاهرة (بنو) : 225. طسم (قبيلة) : 46. (ظ) ظفر (بنو) : 441.

(ع) عاد (حضارة) : 50. عاد (قبائل، قوم) : 46، 50، 251، 320، 434. عامر (بنو) : 198. عامر بن لؤي (بنو) : 325، 405. عامر بن صعصعة (بنو) : 430. عاملة (قبيلة) : 64. العباس (بنو) : 230. عبد الأسد (بنو) : 459، 460. عبد الأشهل (بنو) : 432، 436، 441، 443، 444، 451، 469. عبد الدار (بنو) : 150، 158، 213، 228، 345، 346، 460، 468، 479، 471. عبد شمس (بنو) : 471. عبد بن عدي (بنو) : 484. عبد بن قصي (بنو) : 469. عبد القيس (بنو، قبيلة) : 47، 48، 81، 211، 458. عبد المطلب (بنو) : 164، 207. عبد مناف بن قصي (بنو) : 85، 99، 150، 156، 163، 188، 227، 293، 295، 304، 312، 353، 384، 396، 472. العبريون: 135. عبيد (بنو) : 435. العدنانية- العدنانيون. العدنانيون- العرب العدنانية: 47، 48، 110، 144. عدوان (قبيلة) : 189. عدي (قبيلة) : 47. عدي بن كعب (بنو) : 213، 228، 292، 345، 353، 461. عدي بن النجار (بنو) : 152، 206. عذرة: 148. العرب الباقية: 47. العرب البائدة: 46، 56. العرب العاربة (انظر القحطانيون) : 47، 140. العرب المستعربة (انظر العدنانيون) : 47، 48، 112. عفراء (بنو) : 447. العمالقة- العماليق: 46، 56، 57، 71، 105. عمرو بن عمير (بنو) : 401. عمرو بن عوف (بنو) : 431، 460، 462، 465، 468، 486، 496، 497. (غ) غبشان: 146. الغساسنة: 68، 151. الغساسنة (دولة) : 79. الغساسنة (ملوك) : 47، 68. الغساسنة (مملكة) : 60، 67، 68. غسان (قبيلة) : 64، 72. غطفان (بنو، قبيلة) : 47. غفار (بنو) : 464. غنم بن دودان (بنو) : 463. (ف) فارس (دولة) : 244. فارس (ملوك) : 297، 336. الفارسية (الحضارة) : 44. الفرس- فارس: 55، 66، 67، 68، 69، 96، 151، 177، 389، 390. فرعون (قوم) : 320. الفضول (حلف) : 213، 214. فهر بن مالك (بنو) : 190، 292.

(ق) القارة: 287، 345، 381. قتبان (مملكة) : 62. القحطانيون- القحطانية: 47، 48. القرشيون (وانظر: قريش) : 72، 137. قريش (قبيلة) : 47، 55، 57، 81، 82، 83، 84، 100، 102، 144، 146، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 156، 157، 158، 160، 161، 162، 163، 166، 167، 168، 169، 171، 183، 184، 188، 189، 190، 192، 193، 207، 212، 213، 214، 215، 219، 220، 221، 222، 227، 228، 229، 230، 231، 232، 233، 237، 238، 239، 265، 285، 286، 289، 292، 293، 294، 295، 296، 297، 298، 299، 301، 303، 304، 305، 306، 308، 309، 310، 311، 314، 320، 321، 325، 326، 327، 330، 332، 335، 336، 337، 344، 350، 352، 353، 356، 357، 359، 360، 361، 362، 363، 366، 372، 376، 382، 384، 385، 386، 387، 391، 392، 394، 395، 396، 397، 401، 405، 407، 412، 429، 430، 432، 452، 453، 461، 464، 465، 467، 468، 470، 471، 472، 475، 481، 482، 483، 484، 489، 491، 493. القسس: 253، 254. قشير (بنو) : 474. قضاعة: 48، 148، 190، 448. قطوراء (بنو) : 145. قمعة بن إلياس بن مضر (قبائل) : 190. قيس عيلان بن مضر (قبائل) : 189، 190، 212. (ك) كعب بن لؤي (بنو) : 149، 405. كلب (قبيلة) : 72، 288، 429. كنانة (بنو، قبائل) : 146، 147، 148، 184، 212. كندة (بنو، قبيلة) - الكنديون: 64، 183، 429. كندة (ملوك) : 47. (ل) اللاهوتيون: 252. لخم (قبيلة) : 64. اللخميون: 47. (م) المادية- الماديون: 268، 271. مازن بن النجار (بنو) : 446. المبشرون: 14، 15، 23، 38، 170، 181، 216، 274، 326، 364. المتصوفة: 414. المجوسية: 273. مخزوم (بنو) : 119، 161، 163، 189، 213، 221، 227، 288، 300، 342، 362، 471. مدلج (بنو) : 491، 493، 494، 495. مذحج (قبيلة) : 64، 288. المستشرقون: 14، 15، 22، 23، 38، 39، 170، 200، 201، 216، 221، 222، 236، 274، 326، 364، 417، 479. المسيحيون: 65، 242، 254. المصريون: 135. مضر (قبائل) : 47، 101، 139، 141، 143. المطلب (بنو) : 304، 359، 360، 384، 391.

المطيبين (حلف) : 150. المعتزلة: 269. المغيرة بن عبد الله (بنو) : 459. معين (مملكة) : 47، 62. المنافقون: 25. مهاجرو الحبشة: 350، 359، 360، 361، 364، 366، 376، 379. المهاجرون: 20، 452، 462، 464، 468، 469، 470، 497. مولدو أرض دوس: 468. مولدو السراة: 468. المؤمل (بنو) : 345، 346. (ن) نابي بن مجدعة (بنو) : 446. النجار (بنو) : 152، 165، 205، 206، 435، 441، 451، 468، 469. النصارى: 65، 79، 83، 84، 93، 211، 218، 241، 242، 243، 248، 249، 252، 254، 272، 273، 330، 378، 389، 415. نصارى الشام: 217. النصرانية: 65، 66، 79، 84، 85، 218، 241، 242، 243، 252، 272. نصرانية الشام: 217. النضر بن كنانة (بنو) : 183. النمر بن قاسط: 288. نوح (قوم) : 71، 323. نوفل بن عبد مناف (بنو) : 471. (هـ) هاشم (بنو) : 31، 174، 176، 184، 213، 221، 231، 294، 304، 359، 360، 384، 385، 391. هذيل: 190. هوازن (بنو، قبيلة) : 47، 48، 212، 213. الهون بن خزيمة (بنو) : 381. (و) واقف (قبيلة) : 444. وائل (قبيلة) : 444. الوثنية: 70، 136، 181، 241، 242، 273. (ي) اليمن (ملوك) : 47. اليمن (مملكة) : 60. اليمنية (الحضارة) : 68. اليمنيون- اليمن: 48، 99، 144، 180. اليهود: 25، 57، 83، 93، 100، 108، 113، 115، 116، 119، 120، 136، 137، 211، 227، 244، 249، 250، 251، 254، 272، 326، 329، 330، 340، 372. يهود تيماء: 211. يهود المدينة: 327، 329، 434، 450، 496. اليهودية: 65، 79، 241، 242، 272. اليونانيون: 104. [انتهى فهرس القبائل والأمم ... ]

5 - فهرس الأيام والغزوات والوقائع *

5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع* (أ) أحد (غزوة) : 29، 224، 261، 343، 435، 436، 441، 446، 447، 448، 459، 461، 462. الأحزاب (غزوة) - الخندق. (ب) بدر الكبرى (غزوة، يوم) : 29، 85، 176، 224، 232، 259، 296، 343، 388، 390، 399، 405، 436، 437، 441، 446، 447، 448، 464، 465، 468. البسوس (حرب) : 93، 95. بعاث (وقعة، يوم) : 431، 432، 433. البلاغ (حجة) - الوداع. بئر معونة (سرية، يوم) - القراء (سرية) : 343، 448. (ت، ث) ..... (ج) الجمل (يوم) : 224. أبي جندل (يوم) - الحديبية (صلح) . (ح) الحديبية (صلح، عام، غزوة) : 13، 390، 412، 437، 438، 439، 461. الحرة (يوم) : 28، 29. حنين (غزوة، يوم) : 494. (خ) الخندق (غزوة، يوم) - الأحزاب: 13، 444، 447، 448. خيبر (عام، فتح، يوم) : 376، 380. (د) داحس والغبراء (حرب) : 93. (ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض) ..... (ط) الطائف (حصار، غزوة) : 494. (ظ) ..... (ع) العقبة (ليلة) (انظر العقبة الأولى والثانية) : 437، 438.

_ * أسقطت هنا: غزوة، يوم، صلح، بيعة. ووضعتها كذلك على اليسار بين قوسين () .

العقبة الأولى (بيعة) : 436، 437، 439، 449، 457، 459. العقبة الثانية (بيعة، ليلة) : 444، 445، 446، 447، 449، 452، 453، 455، 457، 459. عمواس (طاعون) : 448. عين التمر: 30. (غ) ..... (ف) الفتح- فتح مكة (عام، غزوة، ليلة) : 21، 94، 294، 438، 439، 461، 490. الفجار (حرب) : 212، 213، 221. الفيل (حادثة، قصة) : 167. (ق) قريظة (غزوة بني، يوم) : 447. القضاء (عمرة) - القصاص- القضية: 191. (ك) الكعبة (تجديد بنيان) : 171. (ل) ..... (م) مؤتة (غزوة، يوم) : 233، 447. النضير (غزوة بني) : 13. (ن) النساء (بيعة) : 437، 438، 439. (هـ) الهجرتان (وانظر الهجرة للحبشة وللمدينة) : 465، 466. الهجرة: 28، 58، 106، 206، 251، 257، 343، 372، 389، 393، 405، 411، 418، 440، 457، 458، 459، 462، 464، 470، 473، 474، 475، 476، 477، 483، 484، 498. هجرة الحبشة الأولى: 349، 351، 375، 457. هجرة الحبشة الثانية: 350، 375، 457. هوازن (غزوة) : 196. (و) الوداع (حجة) - حجة الإسلام، حجة البلاغ: 142، 143. (ي) اليرموك (واقعة، يوم) : 126. اليمامة (معركة، يوم) : 446، 447، 464. [انتهى فهرس الأيام والغزوات]

6 - فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام *

6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام* (أ) ابار بني سلمة: 454. اسيا (بلاد، قارة) : 43، 44، 99. الأبطح: 459. الأبواء: 206. الأجرد: 485. الأحقاف: 50. أرض الجزيرة (بين العراق والشام) : 404. أرض دوس: 468. أرض الكلدانيين: 107، 108. أرض الكنعانيين: 108. أرض المريا: 114. إساف (الصنم) : 71، 157، 236. الإسكندرية: 243. أضاة بني غفار: 464. إفريقيا (بلاد قارة) : 44، 99. أم العرب: 110. أم عريك: 110. أم القرى (وانظر مكة) : 56. أمج: 485. الأندلس: 33. أودية الحجاز: 54. أوربا: 44. أورشليم: 115. أوطاس: 48. أيلة: 54. إيلياء- القدس. إيوان كسرى: 177. (ب) باب بني شيبة- باب السلام: 228. بابل: 105، 107، 108، 241. بادية الجزيرة: 53. بادية سيناء: 44، 250. بادية الشام: 53. بادية العراق: 53. البتراء (انظر: بطره) : 67. البحر الأبيض المتوسط: 43، 54، 66. البحر الأحمر: 43، 44، 54، 59، 72. البحر العربي- المحيط الهندي: 43، 99. البحرين: 48، 53، 458.

_ * في هذا الفهرس لم أسقط شيئا تسهيلا للباحث.

بحيرة ساوه: 177. بحيرة طبرية: 177. بدر: 54. برزخ السويس- قناة السويس: 43. برك الغماد: 381. برية فاران: 115. بصرى: 165، 173، 174، 197، 211، 215، 217. البصرة: 32، 33. البطحاء (بطحاء مكة) : 166، 319، 341. بطره: 67. بطن رئم: 486. بعاث: 432. بغداد: 31، 33. البقيع: 59، 474. بكة (وانظر مكة) : 56، 146. بلاد بني سعد: 194. بلاد تهامة- تهامة. بلاد الحجر (حجر ثمود) : 51، 104، 105، 217. بلاد الروم: 47، 49، 67، 68، 241، 288، 447. بلاد سبأ: 241. بلاد الشام- الشام. بلاد عبد القيس: 458. بلاد غسان: 104، 105. بلاد فارس: 47، 49، 67، 99، 105، 177، 241، 468، 494. بلاد مصر- مصر. بلاد المغرب- المغرب. بلاد اليمامة- اليمامة. بلاد اليمن- اليمن. بلاد يونان- اليونان. بلدح: 82. البلقاء: 84. البنية الكعبة. البيت الحرام- البيت العتيق (وانظر الكعبة) : 41، 55، 57، 107، 115، 117، 121، 122، 124، 125، 127، 128، 129، 131، 132، 133، 134، 135، 139، 143، 144، 145، 146، 147، 148، 149، 168، 169، 190، 222، 228، 229، 230، 283، 299، 305، 344، 353، 385، 464، 477. بيت لحم: 414، 427. البيت المعمور (في السماء السابعة) : 426. بيت المقدس- المسجد الأقصى. بئر بني عدي بن النجار: 206. بئر مرق: 441. بئر معونة: 343. البيضاء (دار محمد بن يوسف الثقفي) : 174. (ت) تبوك: 53. التنعيم: 82، 460. تهامة: 44، 49، 53، 54، 71، 212، 215، 254، 471. تيماء: 211، 251. (ث) ثنية العائر- ثنية الغائر: 486. ثنية المرة: 485. (ج) الجامعة المصرية القديمة: 253. جاوة: 99. جبال تهامة: 254. جبال الحجاز: 54.

جبال السراة: 44، 53. جبال فاران: 110، 250. جبل أبي قبيس: 122، 132، 213، 404. جبل أسود: 386. جبل ثبير: 213، 255، 305. جبل ثور: 55، 255، 305، 481، 483. جبل حراء: 55، 213، 255، 305. جبل سيناء: 414. جبل غزوان: 59. جبل القصيم: 54. جبل قعيقعان: 404. جبل المريا: 115. الجحفة: 485، 495. الجداجد: 485. الجدعاء (ناقة النبي) : 474. جدة: 55، 59، 71. جزر المحيط الهندي: 99. جزيرة العرب- شبه الجزيرة: 43، 44، 45، 47، 48، 49، 52، 53، 54، 60، 62، 67، 68، 69، 79، 97، 99، 100، 101، 136، 151، 170، 181، 182، 241، 272، 458. الجعرانة: 494. جلق (انظر دمشق) : 68. جياد: 209. (ح) الحبشة: 65، 79، 99، 349، 350، 351، 352، 353، 359، 361، 364، 366، 375، 376، 381، 386، 440، 457، 458، 459، 462. الحجاز: 8، 29، 49، 50، 51، 53، 54، 55، 59، 64، 66، 71، 104، 105، 133، 136، 137، 147، 250، 254، 436. الحجر- حجر الكعبة: 131، 144، 155، 166، 228، 229، 230، 296، 298، 423. الحجر الأسود- الركن الأسود: 121، 131، 142، 227، 228، 229، 295، 299، 305. حجر ثمود- بلاد الحجر. حجر الكعبة- الحجر. الحجون: 207، 385، 386. الحرار: 45. حران: 108. حرتا المدينة- لابتا المدينة: 458. الحرم: 71. الحرة (بالمدينة) : 495، 496. حرة بني بياضة: 440. حرة فدك: 54. حضرموت: 4، 47، 50، 53، 93، 341. الحطيم- الحجر. حوران: 197. الحيرة: 47، 68، 79، 104، 105، 212، 297، 336. (خ) الخرار: 485. الخليج العربي: 43. خليج العقبة: 54. خيبر: 45، 54، 79، 98، 161، 447. (د) دار أبي طالب: 174. دار الأرقم بن أبي الأرقم: 289، 290. دار الإمارة: 471. دار بني أمية بن زيد: 444.

دار بني جحش: 462، 463. دار بني زهرة: 164. دار بني ظفر: 441. دار بني عبد الأشهل: 441، 443، 469. دار بني النجار: 206، 469. دار عبد الله بن جدعان: 213، 214. دار قصي بن كلاب- دار الندوة. دار محمد بن يوسف الثقفي- البيضاء. دار منذر بن محمد- العصبة. دار النابغة: 165، 205. دار الندوة- دار قصي: 106، 149، 150، 471. دار وهب بن عبد مناف الزهري: 163. دمشق: 68، 197. دومة الجندل: 72. ديار ثمود- بلاد الحجر. ديار عاد: 104. (ذ) ذو سلم: 485. ذو طوى: 466. ذو العضوين- ذو الغضوين. ذو الغضوين: 485. ذو كشر: 485. ذو المجاز- سوق ذي المجاز. (ر) ردمان: 152، 153. الركن الأسود- الحجر الأسود. ركوبة: 486. الروضة الشريفة: 9، 58. الروم- بلاد الروم. (ز) زمزم: 55، 57، 107، 111، 119، 121، 127، 128، 129، 131، 135، 144، 146، 149، 153، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 198. (س) ساعير: 250. سد مأرب: 47، 49، 57، 62، 63، 104. سدوم: 108. سرف: 460. سلمان (بالعراق) : 152. السماوة: 53. السنح: 468، 497. سهيل: 33. سواع (الصنم) : 71. السودان: 99. سورية: 44، 67. سوق بصرى: 215. سوق حباشة: 215. سوق ذي المجاز: 100، 101، 102، 293. سوق عكاظ: 80، 81، 100، 101، 102، 212. سومطرة: 66، 99. سيل العرم: 48، 63. (ش) الشام: 8، 29، 44، 46، 50، 53، 58، 64، 66، 68، 71، 83، 84، 99، 100، 104، 108، 109، 117، 120، 132، 146، 152، 156، 165، 173، 174، 177، 189، 197، 211، 214، 215، 217، 220، 315، 404، 438، 444، 445، 495. شبه جزيرة العرب- جزيرة العرب. الشّحر: 53.

شرق الأردن: 67. شعاب مكة: 256. الشعب (عند العقبة) : 445، 449. شعب ابن يوسف: 359. شعب أبي طالب: 158. شعب بني هاشم: 174، 359، 360، 384. (ص) صحراء مصر الشرقية: 44. الصفا: 56، 72، 111، 117، 128، 135، 146، 289، 292، 299، 319، 321، 353، 355. الصفراء (صنم) : 236. الصفراء (قرية) : 54. صنعاء: 4، 53، 93، 168، 341. الصومال: 66، 99. الصين: 66، 241. (ض) ..... (ط) طابة (وانظر المدينة) : 58، 457. الطائف: 55، 59، 72، 98، 100، 101، 104، 105، 257، 332، 401، 402، 403، 407، 429، 448. طور سيناء: 427. طيبة (وانظر المدينة) : 10، 58، 457. (ظ) ..... (ع) العبابيب- العبابيد. العبابيد (- العبابيب، العثيانة) : 485. عبقر: 17. العراق: 44، 46، 53، 56، 105، 107، 136، 152، 315، 404، 498. العرج: 485، 486. عرفات- عرفة: 56، 101، 102، 238. العروض: 53. العزى (الصنم) : 72، 235، 236، 341، 342، 344، 429. عسفان: 484. عسير: 44. العصبة (دار منذر بن محمد) : 469. العقبة (مكان البيعة) : 434، 444، 445. العقبة (انظر خليج العقبة) : 66، 67. عكاظ- سوق عكاظ. عمان: 53. العيثانة- العبابيد. (غ) غار ثور: 55، 475، 476، 477، 478، 479، 480، 481، 482، 483، 484، 496. غار حراء: 55، 255، 256، 260، 262، 264، 265، 266، 269، 272، 275، 279، 280، 409، 410. الغراب الأعصم: 155، 157. غزة: 67، 152، 189. الغور (بالجزيرة) : 53. (ف) الفاجة- القاحة: 485. فاران (وانظر مكة) : 110، 115، 250. الفرما: 110. فلسطين: 44، 53، 136، 152. (ق) القاحة- الفاجة. القادسية: 326. قباء: 459، 460، 462، 465، 467، 468، 469، 486، 496، 497، 498.

القدس: 115، 408. قديد: 72، 485، 486. قرى قوم لوط (انظر: سدوم) : 120. قرن الثعالب: 403. قرن المنازل: 100. قرية بني عمرو بن عوف: 460. قرية النمل: 155، 157. قرية الوجه: 54. قصر الخورنق: 68، 105. قصر السدير: 68، 105. القصواء (ناقة النبي) : 474. قصور بصرى: 165، 173، 174، 197. قصور الشام: 165، 174، 197. القلّيس (كنيسة) : 168، 228. قم: 177. (ك) كداء: 129. الكعبة (وانظر: البيت الحرام) : 24، 41، 55، 56، 57، 66، 68، 71، 72، 83، 110، 122، 125، 131، 132، 133، 134، 136، 144، 145، 149، 150، 153، 157، 160، 161، 164، 168، 169، 171، 175، 184، 207، 213، 227، 228، 229، 230، 238، 255، 293، 296، 297، 299، 315، 335، 341، 353، 356، 357، 359، 401، 407، 417، 444، 445، 464. كلدانيا (وانظر بابل) : 108، 241. الكوفة: 362. (ل) لابتا المدينة- حرتا المدينة. اللات: 72، 235، 341، 342، 344، 429. لفت- لقف. لقف: 485. (م) مالقا: 33. مجاج: انظر (مدلجة مجاج) . مجنة: 100، 101، 102. المحصب- الأبطح. المحيط الأطلسي: 182. المحيط الهادي: 182. المحيط الهندي- البحر العربي. المدائن: 494. مدرج عثمان- عسفان. مدلجة تعهن: 485. مدلجة لقف: 485. مدلجة مجاج: 485. مدين: 44، 217. المدينة المنورة: 9، 28، 30، 44، 45، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 64، 72، 98، 104، 105، 142، 152، 153، 161، 165، 175، 189، 205، 206، 251، 257، 289، 326، 327، 329، 376، 382، 393، 405، 409، 425، 427، 431، 432، 433، 434، 435، 436، 440، 441، 445، 447، 450، 453، 457، 458، 459، 460، 461، 462، 463، 465، 466، 467، 468، 470، 473، 484، 485، 486، 489، 490، 493، 495، 496، 497، 498. مر الظهران: 146. مرجح: 485. المروة: 56، 72، 111، 117، 128، 129، 135، 146، 322. المزدلفة: 56، 238.

المسجد- المسجد الحرام. المسجد الأقصى- بيت المقدس: 132، 134، 408، 409، 416، 418، 421، 426، 427، 444، 445. مسجد بيت المقدس- المسجد الأقصى. المسجد الحرام- (المسجد، مسجد الكعبة) : 55، 56، 132، 133، 134، 149، 150، 158، 212، 215، 222، 228، 271، 289، 298، 300، 304، 306، 323، 330، 352، 356، 357، 361، 362، 385، 405، 408، 409، 412، 416، 417، 444، 471. مسجد دمشق: 29. مسجد الضرار: 24. مسجد قباء: 24، 497. مسجد الكعبة- المسجد الحرام. مسجد المدينة- المسجد النبوي. المسجد النبوي: 24، 58، 409. المشلل: 72. مصر: 31، 32، 46، 56، 105، 109، 136، 152، 242، 357، 424. مقام إبراهيم: 122، 133، 464. مكتبة الإسكندرية: 243. مكة المكرمة: 41، 44، 47، 48، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 64، 66، 71، 72، 80، 84، 98، 101، 102، 104، 105، 110، 111، 115، 117، 118، 120، 122، 124، 128، 129، 130، 135، 136، 143، 145، 146، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 155، 158، 163، 165، 168، 169، 176، 189، 190، 192، 193، 195، 205، 206، 209، 212، 213، 216، 217، 228، 233، 237، 250، 251، 254، 255، 256، 261، 272، 273، 288، 289، 297، 304، 305، 306، 319، 321، 327، 329، 332، 333، 342، 356، 357، 360، 361، 364، 366، 372، 376، 377، 380، 381، 385، 386، 393، 401، 403، 404، 407، 408، 418، 421، 427، 431، 432، 436، 440، 444، 445، 447، 448، 453، 457، 458، 459، 460، 462، 463، 464، 465، 466، 467، 470، 473، 477، 480، 483، 484، 493، 494، 495، 497. منى: 56، 101، 102، 113، 115، 255، 452، 453، 455. منازل بني زهرة: 163. منازل بني عبد المطلب: 164. مناة (الصنم) : 72. مناة (صنم عمرو بن الجموح) : 454. (ن) نائلة (الصنم) : 71، 157، 236. نجد: 44، 49، 53، 98، 101، 133، 212، 458، 471. نجران: 65، 66، 79. نخلة الشامية: 404. نخلة اليمانية: 404. نسر (الصنم) : 71. نصيبين: 404. نقيع الخضمات: 440. نهر السلسبيل: 426. نهر الفرات: 43، 426. نهر الكوثر: 426. نهر النيل: 44، 426. نينوى: 403.

(هـ) هبل (الصنم) : 71، 72، 76، 157، 161. هجر: 105، 425، 458. هدهد سليمان: 64. هزم النبيت: 440. همذان: 177. الهند: 96، 99، 241. (و) وادي إضم: 54. وادي الرمة: 54. وادي الصفراء: 54. وادي عسفان: 126، 127. وادي العقيق: 54. وادي القرى: 54، 217. وادي مكة: 47. وادي نخلة: 72، 404. ودّ (الصنم) : 71، 72. ودان: 206. (ي) يثرب (وانظر المدينة) : 54، 55، 57، 58، 79، 332، 438، 439، 457، 458. يعوق (الصنم) : 71. يغوث (الصنم) : 71. اليمامة: 48، 53، 105، 316، 458. اليمن: 29، 44، 47، 49، 50، 53، 54، 62، 63، 64، 65، 66، 67، 68، 79، 98، 99، 100، 104، 111، 146، 152، 167، 213، 228، 376، 381. ينبع: 54، 59. [انتهى فهرس الأماكن]

7 - فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك

7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك الحدث/ التاريخ/ الصفحة تأسيس دولة حمورابي بالعراق/ القرن 23 قبل الميلاد/ 47، 57، 105 ملك العماليق مصر وكونوا بها أسرة مالكة/ القرن 23 قبل الميلاد/ 56، 105 نشأة مكة المكرمة/ سنة 2050 قبل الميلاد/ 56 ظهور الجفاف في شبه جزيرة العرب/ الألف الثاني قبل الميلاد/ 52 نشأة المدينة المنورة/ 1600 قبل الميلاد/ 57 ميلاد رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم/ 12 ربيع الأول عام الفيل- 570 م/ 173 إسلام حمزة بن عبد المطلب/ السنة الثانية (أو السادسة) للبعثة/ 299 هجرة الحبشة الأولى/ رجب- السنة الخامسة للبعثة/ 349 رجوع مهاجرة الحبشة (الهجرة الأولى) إلى مكة/ شوال سنة خمس (أو ست) للبعثة/ 361 إسلام عمر بن الخطاب/ سنة خمس (أو ست) للبعثة/ 351 تعليق الصحيفة الظالمة في جوف الكعبة/ هلال المحرم سنة سبع للبعثة/ 359 وفاة السيدة خديجة أم المؤمنين/ السنة العاشرة للبعثة/ 397 وفاة أبي طالب/ السنة العاشرة للبعثة/ 397 خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف/ شوال السنة العاشرة للبعثة/ 401 الإسراء والمعراج/ قبل الهجرة بسنة (أو سنتين أو ثلاث) / 418 هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة/ هلال ربيع الأول أو أواخر صفر/ 477 قدوم النبي مهاجرا على بني عمرو بن عوف بقباء/ الإثنين 12 ربيع الأول/ 486 تشريع الجهاد/ السنة الثانية للهجرة/ 455 غزة بدر/ 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة/ 259

الحدث/ التاريخ/ الصفحة قدوم مهاجرة الحبشة إلى المدينة/ سنة 7 هـ عقب خيبر/ 380 معركة اليمامة/ سنة 12 هـ/ 464 بدء التدوين في السيرة على سبيل الاستقلال عن الحديث/ النصف الثاني من القرن الأول الهجري/ 28 تدوين الأحاديث تدوينا عاما/ اخر القرن الأول الهجري/ 27 ترك الناس سوق عكاظ واندراسها/ 129 هـ/ 102

8 - فهرس الشعر

8- فهرس الشعر صدر البيت/ قافيته/ الشاعر/ الصفحة (أ) ولد الهدى/ وثناء/ أحمد شوقي/ 176 الروح والملأ/ بشراء/ أحمد شوقي/ 176 والعرش يزهو/ العصماء/ أحمد شوقي/ 176 بك بشر الله/ الغبراء/ أحمد شوقي/ 176 يوم يتيه/ وضاء/ أحمد شوقي/ 176 ذعرت عروش/ أصداء/ أحمد شوقي/ 177 والنار خاوية/ الماء/ أحمد شوقي/ 177 والاي تترى/ غدّاء/ أحمد شوقي/ 177 ورأته خديجة/ والجياء/ البوصيري/ 223 وأتاها أن/ أفياء/ البوصيري/ 223 وأحاديث أن/ الوفاء/ البوصيري/ 223 فدعته إلى/ الأذكياء/ البوصيري/ 223 (ب) أرب يبول الثعلبان/ الثعالب/-/ 72 وليلة من/ الطنبا/-/ 140 لا ينبح الكلب/ الذنبا/-/ 140 كل دار/ والحوب/ أبو دؤاد الإيادي/ 463

صدر البيت/ قافيته/ الشاعر/ الصفحة (ت) هل أنت/ ما لقيت/ الوليد بن الوليد/ 467 (د) وهل أنا إلا/ أرشد/ دريد بن الصمة/ 61 إليك/ المحمّد/ الأعشى/ 180 يا رب أبق/ وأمردا/ الشيماء بنت الحارث السعدية/ 195 ثم أراه/ والحسدا/ الشيماء بنت الحارث السعدية/ 195 ولقد سئمت/ كيف لبيد/ لبيد بن ربيعة/ 362 ألا هل/ أرود/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 فيخبرهم/ مفسد/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 فمن ينش/ أتلد/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 نشأنا بها/ ونحمد/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 جزى الله/ ويرشد/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 قعودا/ وأمجد/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 متى شرّك/ نتودد/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 وكنا قديما/ ولا نتشدد/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 فيا لقصي/ به غد/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 فإني وإياكم/ أسود/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 386 بني مدلج/ محمد/ أبو جهل بن هشام/ 494 عليكم به/ وسؤدد/ أبو جهل بن هشام/ 494 (ر) في الذاهبين/ بصائر/ قس بن ساعدة الإيادي/ 81 لما رأيت/ مصادر/ قس بن ساعدة الإيادي/ 81 ورأيت/ والأكابر/ قس بن ساعدة الإيادي/ 81 لا يرجع/ غابر/ قس بن ساعدة الإيادي/ 81 أيقنت/ صائر/ قس بن ساعدة الإيادي/ 81 يا ال فهر/ والنفر/ رجل من زبيد/ 213 إن الحرام/ الغدر/ رجل من زبيد/ 213

صدر البيت/ قافيته/ الشاعر/ الصفحة ألا قل/ بكر/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 304 (ف) تشتو بمكة/ بالطائف/-/ 59 لبيت تخفق/ منيف/ ميسون بنت بحدل/ 88 ولبس عباءة/ الشفوف/ ميسون بنت بحدل/ 88 وأكل كسيرة/ الرغيف/ ميسون بنت بحدل/ 88 وخرق من/ عنيف/ ميسون بنت بحدل/ 88 عمرو الذي/ عجاف/- 151 سنّت/ الأصياف/-/ 151 العبد حق/ من المكلف؟ /-/ 415 إن قلت/ أنى يكلف؟ -/ 415 (ق) وأنت لما/ الأفق/ العباس بن عبد المطلب/ 176 فنحن في/ نخترق/ العباس بن عبد المطلب/ 176 يا رب/ ورقّه/ حليمة السعدية/ 195 (ك) لا همّ/ رحالك/ عبد المطلب بن هاشم/ 168 وانصر/ الك/ عبد المطلب بن هاشم/ 168 لا يغلبن/ محالك/ عبد المطلب بن هاشم/ 168 إن كنت/ لك/ عبد المطلب بن هاشم/ 168 (ل) لك المرباع/ والفضول/-/ 61 وموطىء/ ناعل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 133 وثور/ نازل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 255 ولما رأيت/ والوسائل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 وقد صارحونا/ المزايل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 وقد حالفوا/ بالأنامل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 صبرت لهم/ المقاول/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 أعوذ برب/ بباطل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305

صدر البيت/ قافيته/ الشاعر/ الصفحة ومن كاشح/ نحاول/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 وثور ومن/ ونازل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 وبالبيت/ بغافل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 وبالحجر/ والأصائل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 وموطىء/ ناعل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 كذبتم/ بلابل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 كذبتم/ ونناضل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 305 ونسلمه/ والحلائل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 306 وينهض/ الصلاصل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 306 وما ترك/ مواكل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 306 وأبيض/ للأرامل/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 306 ألا كل/ زائل/ لبيد بن ربيعة/ 362 تمنى كتاب/ رسل/ حسان بن ثابت/ 374 وكبر للرؤيا/ بلابله/ الراعي/ 412 (م) عفا جانب/ الغمائم/ امنة بنت وهب/ 166 دعته/ ابن هاشم/ امنة بنت وهب/ 166 عشية/ التزاحم/ امنة بنت وهب/ 166 فإن تك/ التراحم/ امنة بنت وهب/ 166 هذا أخ/ وعمي/ الشيماء بنت الحارث السعدية/ 195 فديته/ تنمي/ الشيماء بنت الحارث السعدية/ 195 إن الفضول/ ظالم/ الزبير بن عبد المطلب/ 214 أمر عليه/ سالم/ الزبير بن عبد المطلب/ 214 كفاك/ اليتم/ البوصيري/ 240 إذا اجتمعت/ وصميمها/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 304 وإن حصلت/ وقديمها/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 304 وإن فخرت/ وكريمها/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 304 تداعت/ حلومها/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 304 إن امرا/ المظالما/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 363 ولا تقبلنّ/ المواسما/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 363 وول/ لازما/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 363

صدر البيت/ قافيته/ الشاعر/ الصفحة وحارب/ يسالما/ أبو طالب بن عبد المطلب/ 363 فشككت/ بمحرّم/ عنترة العبسي/ 450 وقاية/ الأطم/ البوصيري/ 481 أبا حكم/ قوائمه/ سراقة بن مالك الجعشمي/ 494 علمت/ يقاومه/ سراقة بن مالك الجعشمي/ 494 عليك/ معالمه/ سراقة بن مالك الجعشمي/ 494 بأمر/ مسالمه/ سراقة بن مالك الجعشمي/ 494 (ن) لا يسألون/ برهانا/-/ 61 أما الحرام/ فأستبينه/ عبد الله بن عبد المطلب/ 164 فكيف/ ودينه/ عبد الله بن عبد المطلب/ 164 فلا ورب/ منحني/ رؤبة بن العجاج/ 255 والله/ قرن/ عمرو بن الجموح/ 454 أفّ/ الغبن/ عمرو بن الجموح/ 455 الحمد لله/ الدّين/ عمرو بن الجموح/ 455 هو الذي/ مرتهن/ عمرو بن الجموح/ 455 (هـ) وأغض/ مأواها/-/ 96 (ي) إذا لم/ العصيّ/-/ 96 فتملأ/ وريّ/-/ 96 [انتهى فهرس الشعر]

9 - فهرس الموضوعات - الجزء الأول

9- فهرس الموضوعات- الجزء الأول إهداء/ 5 مقدمة الكتاب/ 7 مقدمات تمهيدية لدراسة السيرة/ 11 منهجي في هذه الدراسة/ 13 تاريخ التأليف في السيرة وأشهر كتبها 27، السيرة جزء من الحديث 27، التأليف في السيرة على سبيل الاستقلال 28، منهج هؤلاء المؤلفين 34، كتب ألّفت في السيرة بعد 34، نظم السيرة 36، كتب الموالد 36، كتب جمعت بين التاريخ والسيرة 37. التأليف في السيرة في العصر الحاضر 38، كتب المستشرقين 38، كتب المسلمين 39، رد بعض أباطيل المستشرقين من غير تأليف في السيرة 39، جهود العلماء المتقدمين 39، عناية الأمة الإسلامية بسيرة نبيها 40. الباب الأول 41 الفصل الأول: موجز لتاريخ العرب قبل الإسلام 43، شبه جزيرة العرب 43، موقع الجزيرة الهام 44، طبيعة جزيرة العرب 44، الحرار 45، الجنس العربي 45، أقسام العرب 46، سكان جزيرة العرب 49، وجود بعض المدنيات والحضارات في جزيرة العرب 49، حضارة سبأ باليمن 49، حضارة عاد بالأحقاف 50، حضارة ثمود بالحجاز 51، أقسام شبه جزيرة العرب 53، الحجاز 53، أودية الحجاز 54، الحجاز لم تطأه قدم مغير 54، أشهر مدن الحجاز 55، مكة 55، المدينة 57، الطائف 59، جدة 59، أحوال الجزيرة السياسية والدينية والاجتماعية 60، الأحوال السياسية 60، مم تتكون

القبيلة 61، ممالك وحضارات في شبه الجزيرة 62، مملكة سبأ 62، مملكة حمير 65، مملكة الأنباط 67، مملكة الحيرة وغسان 67، الحالة الدينية عند العرب 69، الوثنية 70، نشأة الوثنية ببلاد العرب 70، ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى 73، عبادة الملائكة والجن 73، إنكار البعث 74، إنكارهم الرسالة 75، الاستقسام بالأزلام 76، التحليل والتحريم 76، اليهودية والنصرانية في جزيرة العرب 79، الحنيفيون 80، الحياة الاجتماعية عند العرب 86، الحياة الأخلاقية عند العرب 94، حالة العرب الاقتصادية 98، مدنية العرب وحضارتهم قبل الإسلام 103. الفصل الثاني: الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام 107، هجرة الخليل إلى بلاد الشام 108، رحلة الخليل إلى مصر 109، استيلاد الخليل هاجر 109، إسكان هاجر وإسماعيل بجبال فاران 110، نبع عين زمزم 111، حصول الأنس بجرهم ونشأة مكة 111، قصة الذبيح 112، الذبيح إسماعيل لا إسحاق 113، ولادة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام 120، بناء البيت العتيق 121، تشريع الحج على لسان إبراهيم 122، أول من بنى البيت 125، رواية البخاري في صحيحه 127، المسجد الحرام 132، مقام إبراهيم 133، المسجد الأقصى 134، التشكيك في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام 135، الأشهر الحرم 137، أسماء الشهور العربية 140، النسيء 141، أولاد إسماعيل 144. الفصل الثالث: ولاة البيت وتاريخ مكة إلى مولد الرسول صلّى الله عليه وسلّم 145، ولاية الجراهمة 145، غلبة خزاعة على البيت 146، طم الجراهمة زمزم 146، ولاية خزاعة البيت 146، قصي بن كلاب 148، ولاية قصي البيت 148، جعل قصي هذه الماثر لعبد الدار 150، منازعة بني عبد مناف لبني عبد الدار 150، ولاية هاشم بن عبد مناف السقاية والرفادة 151، مناوأة أمية بن عبد شمس لعمه هاشم 151، تزوج هاشم من بني النجار 152، ولاية المطلب الرفادة والسقاية 152، عبد المطلب في مكة 152، ولاية عبد المطلب السقاية والرفادة 153، السقاية بعد عبد المطلب 153، رؤيا عبد المطلب في شأن زمزم 155، عثور عبد المطلب على زمزم 156، تعفية زمزم على جميع الابار 158، فضل زمزم 158، نذر عبد المطلب ذبح أحد أولاده 160، خروج القدح على عبد الله

161، فداء عبد الله بمائة من الإبل 161. الفصل الرابع: زواج عبد الله بامنة 163، تعرض بعض النساء لعبد الله 164، حمل السيدة امنة بالنبي 165، وفاة عبد الله بن عبد المطلب 165، رثاء امنة لعبد الله 166، رؤيا لعبد المطلب 166، قصة الفيل 167، المشككون في القصة 170. الباب الثاني: من الميلاد إلى البعثة النبوية 171 الفصل الأول: الميلاد 173، موضع ولادته 174، إخبار جده عبد المطلب 175، احتفاء بني هاشم بالمولود 176، ما صاحب الميلاد من الايات والعجائب 177، النسب الزكي الشريف 182، وراثة الصفات والفضائل 185. الفصل الثاني: الرضاع 191، إرضاع أمه له 191، إرضاع ثويبة 191، استرضاعه في بني سعد 191، مداعبة حليمة وابنتها للنبي 195، جميل بأجمل منه 196، قصة شق الصدر 196، تكرار شق الصدر 199، المنكرون لشق الصدر والمشككون فيه 199، خاتم النبوة 203. الفصل الثالث: النبي عليه السلام في كفالة أمه، ثم جده، ثم عمه 205، الذهاب إلى المدينة 205، في كفالة جده عبد المطلب 207، كفالة عمه أبي طالب له 207، رعيه الغنم 209، صحبته لعمه إلى الشام 211، حرب الفجار 212، حلف الفضول 213، تجارة النبي لخديجة في مالها 214، الخروج بالتجارة 215، افتراات المستشرقين ودسهم 216. الفصل الرابع: زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بخديجة 219، بطلان بعض المرويات 221، دس المستشرقين 221، خطبة أبي طالب 222، الوليمة والعرس 223، خديجة قبل النبي 224. الفصل الخامس: تجديد قريش بنيان الكعبة 227، عرض لحل المشكلة 228، العقل الكبير 229، ضيق النفقة بقريش 229، عمارة ابن الزبير 230، إعادة الحجاج لها على ما كانت في عهد قريش 230، محاولة لبني العباس 230، كفالة النبي لعلي 231، أحداث في حياة الرسول 231، فقد الأبناء 232، زواج البنات 232، تبني زيد بن حارثة 232.

الفصل السادس: حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل البعثة 235. الفصل السابع: حالة العالم قبل البعثة 241، الأحوال الدينية 241، الأحوال الاجتماعية 243، الأحوال الخلقية 244، الأحوال السياسية 244، حاجة العالم إلى مخلص ومنقذ 245، لماذا اختار الله خاتم أنبيائه من العرب 245. الفصل الثامن: البشارة بالنبي في الكتاب السماوية السابقة 247، بين يدي النبوة 255، فترة الخلوة 255، غار حراء 255، بعض ما أكرم الله به نبيه قبيل النبوة 256. الباب الثالث: من البعثة إلى الهجرة 257 الفصل الأول: النبوة 259، ابتداء نزول القران 259، رجوع النبي لخديجة 261، إلى ورقة بن نوفل 261، قصة بدء الوحي كما رواها الشيخان 261، رواية لابن إسحاق 263، فترة الوحي 264، رواية موهمة 265، الوحي وأنواعه 267، إمكان الوحي ووقوعه 267، أقسام الوحي الشرعي 269، بطلان فكرة الوحي النفسي 271، تفنيد هذه الفكرة 272، بطلان ما زعموا أنه صرع 274، الرسالة 279، أول ما نزل بعد فترة الوحي 279، نزول سورة الضحى 280. الفصل الثاني: أطوار الدعوة إلى الإسلام 283، بدء الدعوة السرية 283، إسلام خديجة 283، إسلام أبي بكر 283، إسلام علي 284، إسلام زيد بن حارثة 284، إسلام بلال 284، بنات النبي 284، أول من أسلم 285، السابقون الأولون 285، من أسلم من الصحابة بدعوة أبي بكر 285، الرعيل الثاني 286، الرعيل الثالث 287، في دار الأرقم بن أبي الأرقم 289، شجاعة للصديق ومحنة 289. الفصل الثالث: الجهر بالدعوة وما صاحبه من إيذاء وإغراء 291، دعوة النبي عشيرته الأقربين 291، عداوة أبي لهب وامرأته للنبي 292، إيغال أبي لهب في العداوة 293، منع أبي طالب النبي وحبه له 294، من مساات قريش للرسول 294، قصة أبي جهل والفحل من الإبل 295، أشقى القوم عقبة بن أبي معيط 296، النضر بن الحارث 297، عظمة شخصية النبي صلّى الله عليه وسلّم 297،

قصة الإراشي 297، قصة أخرى 298، إسلام حمزة بن عبد المطلب 299، سعي قريش إلى أبي طالب 301، طلب أبي طالب إلى النبي الكف عنهم 302، مساومة حمقاء 303، مناصرة بني هاشم والمطلب لأبي طالب 304، قصيدة أبي طالب اللامية 304، الإغراء بدل الإيذاء (قصة عتبة بن ربيعة مع الرسول) 306، ما أشار به عتبة على قريش 308، شهادة أخرى للقران من الوليد بن المغيرة 309، تأثير إعجاز القران في نفوس العرب 310، تهكم أبي جهل بالقران 311، استماع زعماء الشرك إلى القران سرا 312، تواصيهم بعدم استماع القران 313، أول من جهر بالقران من الصحابة 314، محاولة أخرى للإغراء 315، أسئلة تعنتية 315، مقالة عبد الله بن أبي أمية المخزومي 316، إباء النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يكون له الصفا وغيره ذهبا 319، الحكمة في أنهم لم يجابوا لما طلبوا 319، القران معجزة المعجزات 321، من تخرصاتهم على النبي والقران 322، تهكم المشركين بضعفاء المسلمين 323، سعي المشركين إلى إبعاد ضعفاء المؤمنين 324، عتاب الله لنبيه 324، عتاب اخر بشأن ابن أم مكتوم 325، حجة وبرهان على أن القران ليس من عند النبي 326، سؤال المشركين النبي عن أهل الكهف وذي القرنين والروح واستعانتهم باليهود 326، اية الروح مكية أم مدنية 329، مجادلة يهود المدينة في اية الروح 329، خصومات ومجادلات وتهكمات 330، مقالة ابن الزبعرى وما أنزل الله فيه 330، الأخنس بن شريق 331، الوليد بن المغيرة 332، تهكم أبي جهل بالقران والنبي 332، إنذار أبي جهل رسول الله بسب الله 333، تهكم العاص بن وائل برسول الله 333، مجادلة أبيّ بن خلف 334، من أماني المشركين الباطلة 335، عود إلى سياسة الإيذاء والاستهزاء 335، موقف للنضر يكون فيه منصفا للرسول 336، أمية بن خلف وهمزه للرسول 337، إغراء أبي بن خلف لعقبة بالنيل من الرسول 338، رمي العاص بن وائل الرسول بأنه أبتر 338، استهزاؤهم بالرسول 339، ما نزل بالمسلمين ولا سيما المستضعفين من البلاء والفتنة 339، شكاتهم إلى رسول الله ما يلاقون 341، المعذّبون في الله 341، واهب الحريات 345، إنما أريد وجه الله 347. الفصل الرابع: أحداث هامة في العهد المكي/ 349

هجرة الحبشة/ 349 إسلام عمر بن الخطاب 351، بين يدي إسلام عمر 351، سماعه للقران 352، إسلام أخته فاطمة وزوجها 353، قصده رسول الله لقتله 353، من لحظات التجلّي الإلهي 354، استعلان المسلمين بدينهم 356، عزة المسلمين 356، إخبار عمر لأبي جهل بإسلامه 357، تحدّي عمر لقريش 357، إجارة العاص بن وائل السهمي له 357. الصحيفة الظالمة 359، الواصلون لبني هاشم 360، بين حكيم وأبي جهل 360، رجوع مهاجري الحبشة 360، من دخل في جوار 361. قصة الغرانيق 364، بطلان القصة من جهة النقل والعقل 365، اضطراب الرواية 366، القصة لم يخرجها أصحاب الكتاب الصحاح 366، اللغة تنكر القصة أيضا 367، تأويل المثبتين للقصة لها 367، ردي على المثبتين للقصة 368، مصادمة القصة للقران 369، بطلان القصة من جهة العقل والنظر 370. هجرة الحبشة الثانية 375، وهم لابن إسحاق وغيره 376، سعي قريش إلى النجاشي في رد المهاجرين 376، إحضار النجاشي للمسلمين وسؤالهم 377، محاولة أخرى للوقيعة بين المهاجرين والنجاشي 379، إسلام النجاشي 380، جواز الصلاة على الغائب 380. خروج الصديق مهاجرا إلى الحبشة 381 نقض الصحيفة الظالمة 384، حسن تدبير العرب وإحكام تصرفهم 387، اللهم سبع كسبع يوسف 387. قصة فارس والروم 389 موت أبي طالب وخديجة 391، موت أبي طالب 391، عرض رسول الله الإيمان على أبي طالب 392، رواية لابن إسحاق 394، كلمة هادئة منصفة 395، تخفيف العذاب على أبي طالب 395، نيل المشركين من الرسول بعد وفاة أبي طالب 396، موت السيدة خديجة رضي الله عنها 396، فضلها 397، وفاء الرسول لها بعد وفاتها 399. الفصل الخامس: الذهاب إلى الطائف 401، تضرع ودعاء 402، قصة عداس النصراني 403، الأوبة إلى مكة 403، أمر الجن الذين استمعوا إلى النبي

وآمنوا به 404، دخول النبي مكة في جوار المطعم بن عدي 404. الفصل السادس: الإسراء والمعراج 407، في الإسراء والمعراج تسرية عن نفس النبي 407، ما هو الإسراء وما هو المعراج 408، ثبوت الإسراء والمعراج 408، الإسراء والمعراج بالجسد والروح 410، القائلون بأنهما كانا بالروح 411، القائلون بأنهما كانا مناما 411، الفرق بين كونهما بالروح وكونهما مناما 413، الإسراء والمعراج وواحدة الوجود 413، مناقشة للدكتور هيكل 414، تفسير الإسراء والمعراج بهذا يلزم منه إنكار النصوص أو تحريفها 416، إغراب وتشويش 416، متى كان الإسراء والمعراج 417، شبه المنكرين للإسراء والمعراج والرد عليها 418، الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج 421، رواية البخاري ومسلم في صحيحيهما 422. الفصل السابع: عرض رسول الله نفسه على قبائل العرب في موسم الحج 429، من دلائل النبوة 430، استمرار الرسول في العرض 430، ترصد الأشراف القادمين إلى مكة 431، إسلام سويد بن الصامت 431، إسلام إياس بن معاذ 432، يوم بعاث 432، طلائع النور من جهة المدينة 434، بدء إسلام الأنصار 434، بيعة العقبة الأولى 436، علام كانت البيعة 437، أول جمعة جمّعت في المدينة قبل الهجرة 440، أول مبعوث في الإسلام 440، نجاح مصعب في مهمته 441، بيعة العقبة الثانية 444، إسلام عبد الله بن عمرو بن حرام 445، عدة أصحاب العقبة الثانية 445، أسماء أصحاب بيعة العقبة الثانية 446، حضور العباس العقبة استيثاقا لأمر ابن أخيه 449، مقالة العباس بن عبادة بن نضلة 449، عهد رسول الله على الأنصار والمبايعة 449، مقالة أبي الهيثم بن التيهان 450، مقالة أسعد بن زرارة 450، أول من بايع 451، النقباء الاثنا عشر 451، إذن رسول الله لهم بالانصراف 452، عند الصباح 452، تأكد قريش من صدق الخبر وطلبهم الأنصار 453، إسلام عمرو بن الجموح 453، من أوهام ابن إسحاق 455. الفصل الثامن: الهجرة إلى المدينة 457، أسباب الهجرة 457، إذن النبي لأصحابه بالهجرة 458، متى كان الإذن بالهجرة 459، أول من هاجر إلى المدينة 459، محنة أم سلمة 459، هجرة عامر بن ربيعة وزوجه 461، هجرة مصعب

وابن أم مكتوم وبلال وسعد وعمار 462، بنو جحش 462، بنو غنم بن دودان 463، هجرة عمر بن الخطاب وعياش في ركب من المسلمين 464، قصة أبي جهل مع عياش 465، كتاب عمر لهشام 466، هجرة صهيب بن سنان الرومي 467، منازل المهاجرين بالمدينة 468، هجرة النبي من مكة إلى المدينة 470، من بقي مع النبي بمكة 470، ائتمار قريش برسول الله 470، إذن الله لنبيه في الهجرة 473، إخبار الصديق بالإذن في الهجرة 473، تجهيز طعام السفر 474، مبيت علي على فراش النبي 475، خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم 476، ذهاب الرسول إلى بيت الصديق 476، إلى غار ثور 477، نظر إلى البيت ودعاء 477، شيخ الفدائيين 478، استبراء الغار 478، قصة الشجرة والعنكبوت والحمامتين 479، تشكيك إميل درمنغم 479، تخلف علي لرد الودائع إلى أهلها 480، في الصباح 480، جن جنون قريش 481، وهنالك وقفوا متحيرين 481، لا تحزن إن الله معنا 481، لطم أبي جهل للسيدة أسماء 482، كياسة السيدة أسماء 482، البيت البكري وتضحياته في الهجرة 483، خروج الرسول وصاحبه من الغار 484، طريق الهجرة 484، في خيمة أم معبد 486، مكافأة النبي لأم معبد 489، هاد يهديناي الطريق 490، قصة سراقة بن مالك 491، ستلبس سواري كسرى 493، وفاء سراقة بما وعد 493، إسلام سراقة 494، صدق النبوءة 494، من تفاؤل النبي صلّى الله عليه وسلّم 495، إهداء الزبير وطلحة ثيابا لرسول الله وأبي بكر 495، في انتظار الرسول 495، في قباء 496، تأسيس مسجد قباء 497، نزول النبي وصاحبه بالمدينة 497، هجرة علي رضي الله عنه 497، مكرمة لسهل بن حنيف 498. مراجع الكتاب 499.

الفهارس العامّة 1- فهرس الايات القرانية/ 503 2- فهرس الأحاديث النبوية/ 525 3- فهرس الأعلام/ 535 4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات/ 559 5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع/ 565 6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام/ 567 7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك/ 575 8- فهرس الشعر/ 577 9- فهرس الموضوعات/ 583 [تمت الفهارس] والحمد لله الذي بن عمته تتم الصالحات

الجزء الثاني

الجزء الثاني مقدمّة الطّبعة الثانية المحمود الله جلّ جلاله، والمصلّى والمسلّم عليه سيدنا محمد واله. أما بعد: فقد طبع هذا القسم الثاني من السيرة النبوية منذ بضع سنين، وقد لقي ولله الحمد والمنة- رواجا وقبولا عند قارئيه، وقد نفدت طبعته الأولى بعد صدورها بزمن غير بعيد، وقد شغلت عن إعادة طبعة باهتمامي بإبراز القسم الأول، وقد ظهر- والحمد لله- وأشرف على النفاد. وقد رغب إليّ الكثيرون ممن حرصوا على اقتناء القسم الأول من هذه السيرة العطرة أن أعيد طبع القسم الثاني حتى يستكملوا السيرة بقسميها، وقد جاءت هذه الطبعة- كما هي سنة الله في التطور والارتقاء- مزيدة زيادات قيّمة ومحقّقة غاية التحقيق، فقد استدركت فيها أمورا فاتت، وزدت بعض مباحث مهمة، وتعليقات وتحقيقات مفيدة، استفدتها من ملازمة البحث والدرس. ولا أكتمك- يا قارئي الكريم- أني كتبت هذه السيرة بعقلي وقلبي ووجداني، فلا عجب أن أرضت العقل والقلب والوجدان، كما أقر بذلك المنصفون. وأني عنيت فيها بالتعليق والتحليل لمواقف الرسول والصحابة، والموازنة والمقارنة والاستنتاج، وبذلك جمعت بين أصالة القديم وجدّة الحديث. كما عنيت فيها برد أباطيل المستشرقين والمبشرين ومن تابعهم من الكتاب

المعاصرين، بالنصفة واتباع قواعد البحث العلمي الصحيح، مع العفة في القول، والقصد في التسفيه (وما راء كمن سمعا) . فإليك يا سيدي يا رسول الله أقدّم سيرتك الفذّة العطرة، مشرقة مجلوة كعروس في ليلة عرس، راجيا شفاعة لي ولوالديّ يوم تنشر الكتب ويكون الحساب. المحب لله ولرسوله محمّد بن محمّد أبو شهبة

مقدمة الطبعة الأولى

مقدمّة الطّبعة الأولى الحمد لله الذي أرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، والصلاة والسلام على رسولنا محمد إمام المتقين، وسيد المجاهدين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، جاءنا بالشريعة السمحة التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلى اله وصحابته الذين آمنوا به، وعزّروه، ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو القسم الثاني من قسمي السيرة النبوية، من بعد الهجرة إلى الوفاة النبوية، وقد كانت الهجرة للإسلام والمسلمين قوة وعزة ونصرا وفتحا، ولذلك لمّا وضعوا التاريخ في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لم يجدوا حدثا أحق أن يبدأوا به من الهجرة «1» .

_ (1) أما في الجاهلية فقد كانوا يؤرخون بالأحداث العظيمة، كحادث الفيل، وقد جاء الإسلام وهم على هذا، ثم في صدر الإسلام أرخوا بشهر المبعث وهو شهر ربيع الأول الذي فيه نبىء النبي صلّى الله عليه وسلم، ثم لما هاجر المسلمون إلى المدينة اتخذوا منها مبدأ التاريخ، وتناسوا ما قبلها، إلا أنهم سموا كل سنة أتت عليهم باسم حادثة وقعت فيها، كسنة القدوم، وسنة الإذن، وسنة الأمر، وسنة الابتلاء. واستمر الأمر على هذا المنوال إلى خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه، فيقال إن أبا موسى الأشعري كتب إليه: إنه يأتينا من أمير المؤمنين كتب لا ندري بأيها نعمل؟ وقد قرأنا صكا محله شعبان فلم ندر: أي الشعبانين الماضي، أم الاتي، وقيل إنه- رضي الله عنه- رفع إليه صك محله شعبان، فقال: أي شعبان هو؟ ثم قال: إن الأموال كثرت فينا، وما قسمناه غير موقت، فكيف التوصل إلى ضبطه؟ ثم قال: ضعوا للناس تاريخا يتعاملون عليه، ويضبط أوقاتهم، فتشاوروا في الأمر حتى ارتضوا الهجرة مبدأ للتاريخ على السنين، لا على الأحداث. (روح المعاني، ج 10 ص 90) .

وفي هذا الدور من الدعوة أذن الله للمسلمين في الجهاد، وكانت أولى الوقائع المشهورة غزوة بدر الكبرى التي كانت نقطة تحول في تاريخ الإسلام، وما زال النصر يتتابع ويتوالى حتى كان فتح الفتوح، وهو فتح مكة، وبه دخل البلد الحرام الذي هو أحب البلاد إلى الله في حظيرة الإسلام، ودخل الناس فيه أفواجا من كل فج، وعمّ الإيمان والأمان في الجزيرة، وصدقت نبوءة الرسول: «والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه» . رواه البخاري. ولم يجاور الرسول الرفيق الأعلى حتى كانت الجزيرة كلها على قلب رجل واحد، مؤمنة موحّدة، ثم حمل أصحابه الأبطال المغاوير الأمانة من بعده، وساروا على هديه ونهجه، وجاهدوا ورابطوا، وكان لهم في الجهاد بطولات نادرة، وتضحيات غالية، حتى ركعت الدولتان العاتيتان انئذ- فارس والروم- على ركبتيهما، وثلّت عروش، وأديلت دول، وشرّق الإسلام وغرّب. ولم يكد يمضي قرن من الزمان حتى بلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار، وامتدت دولة الإسلام من بلاد المغرب غربا إلى بلاد الصين شرقا، وتحقق وعد الله لعباده الصالحين: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «1» . أبو السادات محمّد بن محمّد ابو شهبة

_ (1) سورة النور: الاية 55.

بين عهدين: العهد المكي والعهد المدني

بين عهدين: العهد المكي والعهد المدني لقد مكث النبي صلوات الله وسلامه عليه يدعو إلى الله على بصيرة ثلاثة عشر عاما بمكة، وأهلها واقفون عقبة كأداء في سبيل الدعوة، فلم يدخل في الإسلام طوال هذه المدة إلا عدد قليل لا يتناسب وهذه المدة من عمر الدعوة الإسلامية، حتى أذن الله للنور أن ينتشر، فيمّم النبي وجهه شطر قبائل العرب ووفودهم في موسم الحج، فوجد هذا النور من أهل المدينة- طيبة- عيونا متفتحة، واذانا صاغية، وقلوبا واعية، وسرعان ما سرى النور في المدينة كما يسري نور البدر في ظلمات الليل فيبددها، والماء العذب في الأرض الجدبة فينبتها، واحتضنت المدينة الإسلام والمسلمين كما تحتضن الأم الرؤوم أولادها، ووجد المسلمون في الأنصار خير إخوان وأعوان عرفتهم الدنيا في تاريخها الطويل. وقد كان المحور الذي تدور عليه الدعوة في مكة انتزاع العقائد الضارة من شرك ووثنية، وإنكار للبعث والنبوات، وتثبيت العقائد الصحيحة في النفوس من توحيد، وإيمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الاخر، وإقامة الأدلة العقلية والوجدانية والافاقية والأنفسية على ذلك، ليؤمن من امن عن بيّنة واقتناع، ويكفر من كفر عن تعنّت وعناد، وقد مكث النبي في هذه الفترة يعلّم ويلقّن ويربّي ويتعهد، حتى صنع طرازا فريدا من الرجال، كانوا اللبنات الأولى التي منها أسس الإسلام وعليها قام صرحه العالي المنيف. وطبعي أن يكون اتجاه الدعوة في مكة إلى هذه العقائد، فقد بعث النبي بين قوم وثنيين لا يؤمنون ببعث ولا رسالة، فكان المنهج المنطقي القويم في

الدعوة أن يؤمنوا بهذه الأصول أولا، حتى إذا اطمأنت قلوبهم بالإيمان، وانشرحت صدورهم للإسلام، سهل عليهم تقبل التشريعات من حلال وحرام، وهذا ما كان. وقد كان اتجاه الدعوة في مكة أيضا إلى أصول التشريعات العامة والاداب والفضائل التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وذلك كالحث على الثبات على العقيدة، والصبر والتحمل في سبيلها، والأمر بالصلاة والصدق والعفاف، وبر الوالدين وصلة الرحم والعدل والإحسان، والتواصي بالحق والخير، والنهي عن الرذائل كالقتل ووأد البنات، والظلم والزنا، وأكل أموال الناس بالباطل إلى غير ذلك. أما في العهد المدني فقد بدأت الدعوة الاسلامية تتجه اتجاها اخر، ولم تعد مقصورة على مكة وما جاورها، بل وجدت أمامها افاقا فسيحة، ودنيا عريضة في جزيرة العرب وخارجها، ووجدت أرضا خصبة تقبلت الإسلام بقبول حسن، وأخذت عالمية الإسلام تأخذ طريقها إلى الأمم والشعوب، فلم تمض بضع سنوات حتى أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بالكتب إلى الملوك والأمراء والرؤساء، داعيا إياهم إلى الدخول في الإسلام وإلى كلمة سواء: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فمنهم من أطاع، ومنهم من أبى ورد ردا سيئا، ومنهم من رد ردا حسنا. والإسلام دين عام خالد، نزل للبشرية جمعاء، لا فرق بين عربي وغير عربي، ولا بين أبيض وأسود، ففي الكتاب الكريم: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «1» . وفيه أيضا يقول الله على لسان رسوله: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ «2» .

_ (1) سورة الأعراف: الاية 158. (2) سورة الأنعام: الاية 19.

ويقول الله سبحانه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «1» . وفي الحديث الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة ... » ورواه مسلم بلفظ: «وبعثت إلى كل أحمر وأسود» وفي رواية: «وبعثت إلى الخلق كافة» . والحق ما لم تكن له قوة تؤيده وتفسح له الطريق كي يأخذ سبيله إلى القلوب والعقول كان حقا مضيعا، فكان لابدّ في هذا العهد من تشريع القتال في الإسلام، ولو أن المناهضين للدعوة اكتفوا في ذلك بالحجاج والكلام، لقابلهم الإسلام بالمثل ولكان له الفوز والغلب. ولكنهم سلكوا مسلك القوة، وحملوا السلاح، فكان من العدل والحق أن تقابل القوة بالقوة، والسلاح بالسلاح، ولا سيما وقد أضحى للمسلمين قوة وكيان. وقد كانت هذه الفترة من عمر الإسلام أخصب الفترتين، ففيها نزلت معظم التشريعات التفصيلية والأحكام العملية في الحلال والحرام، والعبادات والمعاملات والحدود والجنائيات، والحروب والمعاهدات، والعلاقات الدولية، والنظم السياسية، وذلك لأن حياة المسلمين في المدينة بدأت في الاستقرار، وأصبح لهم دولة وسلطان، ومن شأن الجماعة التي لها رابطة تربطها أن تكون في مسيس الحاجة إلى تشريع يتكفل بما تحتاج إليه في دينها ودنياها. وشيء اخر: ذلك أن التشريعات العملية- ولا سيما الحدود والجنائيات- مرتبطة بسلطان الحكم التنفيذي، فلا تشريع لمن لا يملك حق التنفيذ. وقد أشارت إلى هذه الحكمة التشريعية السيدة العاقلة العالمة عائشة

_ (1) سورة الأنبياء: الاية 107.

رضي الله عنها، قالت: (إنما نزل من القران أول ما نزل منه سورة «1» من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء «لا تشربوا الخمر» لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: «لا تزنوا» لقالوا: «لا ندع الزنا أبدا» ) رواه البخاري. وكما مني المسلمون بمكة بالمشركين والوثنيين منوا في المدينة باليهود والمنافقين، وبذلك أصبح المسلمون في المدينة أمام قوى ثلاث تصارع الإسلام وتحاربه: قوة المشركين، وقوة المنافقين، وقوة اليهود. وهؤلاء المنافقون وهم خليط من عرب المدينة ويهودها وإن لم يعلنوها حربا سافرة فقد كانوا أشد خطرا على الدعوة من غيرهم، لأن العدو المكاشف أهون شأنا من العدو المخالط المتستر تحت ستار من الخداع والتمويه، وقد شاء الله سبحانه أن يصرع الإسلام هذه القوى الثلاث، وأن يقضي عليها قضاء مبرما وأن يبقى الإسلام خفاق الراية، عالي المنار، يعلو ولا يعلى عليه. وبعد: فهذا إيجاز لابدّ له من توضيح وإجمال يحتاج إلى كثير من التفصيل، وهذا ما سنعرض له في البحوث الاتية إن شاء الله، فاللهمّ أعن، وسدّد، وحقّق.

_ (1) لعل مرادها سورة المدثر، فإنها أول ما نزلت بعد فترة الوحي، ففيها الأمر بتوحيد الله وذكر الجنة والنار، أو أن مرادها بالسورة الجنس أي سور من المفصّل، وسور المفصّل ومعظمها نزل بمكة- تدور حول تثبيت العقائد والدعوة إلى الفضائل، وذكر الجنة والنار، وهذا الثاني أرجح.

منزلة المساجد في الإسلام

منزلة المساجد في الإسلام قبل أن أعرض لبناء مسجد قباء ومسجد المدينة أرى لزاما علينا أن نتعرف منزلة المساجد في الإسلام. والمساجد بيوت الله في الأرض: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً «1» . ومهبط الملائكة، ومثوى عباد الله الصالحين في الأرض، فيها يصل المسلم حباله بحبال السماء، ويزكّي نفسه، ويسمو بروحه حتى تصل إلى معارج القدس، ثم هي إلى ذلك مصحّات للأبدان كما هي مصحّات للأرواح، فلابدّ لمن يغشاها مصليّا أن يتطهر من الأحداث والأنجاس في النفس والثوب والمكان، وهي المستراح لمن لا مستراح له، والمأوى والملجأ لمن لا مأوى له. وهي منازل أدب ووقار، فلا رفع فيها لصوت، ولا للغو، ولا فسوق، وهي منازل طهر ونظافة وتجمّل، وقد جاء في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد وكاد الصحابة أن يتناولوه بالأذى فمنعهم قوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القران» فلا يجوز أن تكون المساجد للبيع والشراء، والعبث واللهو، ولا لنشدان الضالة، ولا لإثارة الأهواء والمنازعات والمشاحنات السياسية ونحوها، ولا للخلافات الدينية. وقد كان من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموعظة

_ (1) سورة الجن: الاية 18.

بناء مسجد قباء

التلويح لا التصريح، فكان يقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» وهي طريقة فذة مبتكرة في التربية والتهذيب. وفي الحق أن المساجد في صدر الإسلام ولا سيما المسجد النبوي كانت تؤدي خدمات دينية، وعلمية، واجتماعية، وصحية وحربية، فكانت متعبدات يؤدي فيها المسلمون شعائر دينهم، وكانت تقوم مقام المعاهد والجامعات في التربية والتعليم والتهذيب، ومقام الجمعيات الخيرية في جمع الصدقات والمساعدات والتعاون على البر والخير، وكانت تقوم مقام الملاجىء والمبرات، يلجأ إليها الفقراء ممن لا مال لهم ولا دار، فيجد فيها المسكن والمأكل والمشرب، كما كان الحال في أهل الصّفّة «1» ، أضياف الله وأضياف الإسلام. وكانت منتديات يجتمع فيها المسلمون فيتالفون ويتحابون، ويتشاورون في مصالحهم الدينية والدنيوية، ويبرمون ما يرتأون، وكانت تصنع بالمسجد النبوي السهام والات الجهاد، وتنصب به الخيام يستقبل فيها جرحى الحروب ويمرضون ويعالجون، وكان يجتمع به بعض المسلمين، فيتمرنون على فنون الحرب والقتال «2» وهكذا نجد أن المساجد في صدر الإسلام كانت تؤدي من الخدمات ما تقوم به جهات عدة في عصرنا الحديث. بناء مسجد قباء فلا تعجب والمساجد في الإسلام على ما ذكرنا أن كان أول عمل قام به الرسول في المدة التي أقامها في بني عمرو بن عوف أن يا بني مسجد قباء، وهو المسجد الذي أشار إليه الحق تبارك وتعالى في قوله:

_ (1) الصفة: الموضع المظلّل من المسجد، وكانت في مؤخرة المسجد النبوي، أعدّ لنزول الغرباء ممن لا مأوى لهم ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر، وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا عن مائة. (2) راجع صحيح البخاري- كتاب الصلاة- أبواب المساجد، تجد الإمام البخاري عقد لكثير مما ذكرت بابا مستقلا.

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «1» . روى الطبراني بسنده عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاية: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ... ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال: «ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم؟» . فقال: يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه أو قال مقعدته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو هذا» وروى نحوه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه. وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، ويؤيد رأي هؤلاء أن سياق الايات القرانية إنما هو في مسجد قباء، وهو الذي قصد أهل مسجد الضرار أن يصدوا الناس عنه بمسجدهم. وذهب اخرون إلى أنه مسجد المدينة، واستدلوا بما ورد في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ فأخذ كفا من الحصباء فضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا» . والذي نرجحه أنه مسجد قباء لظاهر الاية والسياق، ولا تنافي بين الاية والحديث، لأنه إذا كان مسجد قباء أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد المدينة بطريق الأحرى والأولى، وهذا الحديث ذكر في معرض المفاضلة، وليس من شك في أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وهو خير المساجد بعد المسجد الحرام «2» ولو أن النبي قال: «هو مسجد قباء» لتوهم متوهم أن مسجد النبي لم يؤسس على التقوى، ولا تخذ البعض من هذا ذريعة للتقليل من شأن المسجد النبوي، فهذا هو السر في هذا الجواب الحكيم.

_ (1) سورة التوبة: الاية 108. (2) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 242؛ البداية والنهاية، ج 3 ص 209.

وقد ورد في مسجد قباء أن جبريل عليه الصلاة والسلام هو الذي أشار للنبي صلى الله عليه وسلم إلى موضع قبلته. ولما كان قباء أول مسجد بني في الإسلام وجعل لعموم الناس من هذه الأمة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل له ذكريات كريمة في نفسه، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه كان يزوره كل يوم سبت تارة راكبا وتارة ماشيا، وفي الحديث الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجد قباء كعمرة» رواهما الشيخان. وروى الترمذي عن أسيد بن ظهير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة في مسجد قباء ركعتين أحب إليّ من أن اتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل» ، وروى ابن ماجه عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان كأجر عمرة» . وقد زرت مسجد قباء- ولله الحمد والمنة- غير مرة وأنا في طريقي إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وجلست فيه وصلّيت فيه مرارا.

وصول النبي إلى المدينة وبناؤه المسجد النبوي

وصول النّبيّ إلى المدينة وبناؤه المسجد النّبويّ أقام النبي صلى الله عليه وسلم بقباء بقية وصوله، وهو يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم خرج يوم الجمعة قاصدا البلد الطيب (طيبة) ، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في المسجد الذي ببطن الوادي: وادي (رانوناء) «1» ، وهي أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، بل قيل: هي أول صلاة جمعة «2» صلاها مطلقا، لأنه لم يكن يتمكن في مكة من الاجتماع بأصحابه حتى يقيموا بها جمعة ذات خطبة وإعلان وموعظة لشدة مخالفة المشركين له وإيذائهم إياه وأصحابه، وفي هذه الجمعة خطب المسلمين خطبة بليغة مؤثرة تفيض بالإيمان واليقين، والمواعظ والزواجر، والترغيب والترهيب، وها هي الخطبة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلّة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنوّ من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرّط، وضلّ ضلالا بعيدا.

_ (1) بين قباء والمدينة، ويعرف هذا المسجد اليوم «بمسجد الجمعة» . (2) أما صلاة الجمعة جماعة فقد حدثت قبل مقدم النبي وكان أول من جمعهم على صلاة الجمعة أبو أمامة أسعد بن زرارة النجاري أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة الثانية. رواه ابن إسحاق وأبو داود وابن ماجه من طريقه.

وأوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الاخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذّركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرى، وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الاخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر السر والعلانية ولا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدّم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ هو الذي صدّق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول تعالى: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. واتقوا الله في عاجل أمركم واجله، في السر والعلانية، فإنه مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً، ومن يتّق الله فقد فاز فوزا عظيما. وإن تقوى الله توقي مقته، وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيّض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة. خذوا بحظكم، ولا تفرّطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بيّنة، ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفيه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» . روى هذه الخطبة الإمام محمد بن جرير، وفي السند إرسال، وقد حرصت على ذكرها كلها لأن فيها قبسا من نور الوحي، وحكما من حكم النبوة، وهي نموذج رائع من كلمه الجوامع، وحكمه النوابغ، وفيها القدوة لمن يحب أن يقتدي بالرسول في خطبه، ويحتذي به في مواعظه.

توسل الأنصار إلى الرسول أن ينزل عندهم

توسل الأنصار إلى الرسول أن ينزل عندهم ثم أتاه رجال من بني سالم بن عمرو بن عوف فقالوا: يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة «1» ، ويتشبثون بزمام الناقة- ناقته القصواء-، فيقول لهم: «خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» ورسوله الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، وكلما مر بدار من دور الأنصار في الطريق عرضوا عليه أن ينزل عندهم في العدد والعدة والمنعة، فيقول لهم مثل قولته الأولى، حتى وصلت الناقة إلى موضع مسجده الشريف فبركت عنده، ورسول الله راكب عليها لم ينزل، ثم ثارت الناقة «2» ، وسارت غير بعيد ورسول الله واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت خلفها ورجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه وألقت بجرانها «3» . فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعه الملأ أيهم ينزل عليه، فقال: «إني أنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك «4» » . ثم سأل: «أي دور أهلنا أقرب» ؟ فقال السيد الجليل أبو أيوب الأنصاري: أنا، فاحتمل رحل رسول الله إلى منزله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معتذرا بلطف عن النزول عند غير بني النجار «المرء مع رحله» . ثم جاء أسعد بن زرارة نقيب بني النجار ليلة العقبة الثانية، وقد فاته شرف نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، فأخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده، واعتبر هذا شرفا وكرامة له. وكان نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار السيد أبي أيوب الأنصاري منقبة عظيمة له ولبني النجار جميعا، وقد كان في المدينة دور كثيرة تبلغ تسعا، كل دار محلة مستقلة بمساكنها، ونخيلها، وزروعها وأهلها، كل قبيلة من قبائلهم قد اجتمعوا

_ (1) العدد: الكثرة. العدة- بضم العين-: السلاح. المنعة: القوة وحماية الجار. (2) ثارت: قامت. (3) جرانها: مقدم عنقها. (4) وطبعي ألايغضب أحد من أشراف المدينة، لأن أحق الناس به هم أقرباؤه وأهله، وبهذا التصرف الحكيم تخلص الرسول الكريم من هذا الموقف المحرج حقا.

اليوم المشهود

في محلتهم، وهي كالقرى المتلاصقة، فاختار الله لرسوله صلى الله عليه وسلم دار بني مالك بن النجار تكريما لهم لخؤولتهم لرسول الله. وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع دور الأنصار، فقد ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير» ، فقال سعد بن عبادة: ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم إلا قد فضّل علينا، فقيل: قد فضلكم على كثير، وفي رواية أخرى عن أبي حميد الساعدي عن النبي، وزاد فيه فقال أبو أسيد لسعد بن عبادة: ألم تر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيّر الأنصار فجعلنا اخرا، فأدرك سعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله خيّرت دور الأنصار فجعلتنا اخرا؟ فقال: «أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الأخيار» وإنها لكياسة في الجواب لن تكون إلا من صاحب العقل الكبير، والصدر الرحيب، والقول الفصل البليغ. اليوم المشهود وكان يوما مشهودا في تاريخ الدنيا يوم دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة راكبا ناقته القصواء وأبو بكر الصديق ردفه «1» ، وملأ بني النجار حوله متقلدين سيوفهم يرهبون بها أعداء الله ورسوله، ومن تسوّل له نفسه من اليهود والمشركين أن ينال من رسول الله، وليعلموهم أنه إذا كان ترك أهله ووطنه إلى الله، فلا يزال في عزة ومنعة من أخواله وأتباعه وأنصاره، إنه لمشهد معبّر يغني عن الكلام والخطب!!. وخرجت المدينة كلها بشبابها وشيبها، وصبيانها ونسائها وولائدها، لتشارك في استقبال القادم الكريم، وليملأوا عيونهم من هذا الذي أصبح ذكره على كل لسان، وأنصاره في كل بيت.

_ (1) ردفه يعني خلفه، وقد كانت للصديق ناقة، ولكن رسول الله أراد ذلك تكريما للصديق، وليرى الناس في هذا اليوم المشهود منزلة الصديق منه.

روى الإمام أحمد- في وصف هذا المشهد الحافل- عن أنس بن مالك قال: (إني لأسعى في الغلمان يقولون: جاء محمد، فأسعى ولا أرى شيئا، ثم يقولون جاء محمد، فأسعى ولا أرى شيئا، قال حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر، فكمنّا في بعض خراب المدينة، ثم بعثا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما الأنصار، فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما، فقالت الأنصار، انطلقا امنين مطاعين، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم، فخرج أهل المدينة حتى إن العواتق «1» لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيهم هو، فما رأينا منظرا شبيها به. قال أنس: فلقد رأيته يوم دخل علينا ويوم قبض، فلم أر يومين شبيها بهما) . وخرجت جوار «2» - بنات- من بني النجار يضربن بالدفوف وهنّ يقلن: نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتحببنني» ؟ فقلن: إي والله يا رسول الله فقال: «وأنا والله أحبكم» ثلاثا. وفي صحيح البخاري ومسلم في حديث الهجرة: «وخرج الناس حين قدما المدينة في الطرق وعلى البيوت، والغلمان والخدم يقولون: الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء رسول الله» «3» .

_ (1) العواتق: جمع عاتق، وهي الشابة أول ما تدرك. (2) جوار: جمع جارية وهي الشابة أمة كانت أو حرة. (3) أما ما يذكره بعض كتّاب السيرة من أنهم قالوا: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع فقد خالفه المحققون كابن القيم، والحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر، وقالوا: إن ذلك كان مرجعه من تبوك، وذلك لأن ثنية الوداع من جهة الشام لا من جهة مكة [شرح المواهب ج 1 ص 434] .

في دار أبي أيوب الأنصاري

في دار أبي أيوب الأنصاري وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب معزّزا مكرّما سبعة أشهر، حتى بنى المسجد وبنيت دور أهله ونسائه فانتقل إليها، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما نزل في سفل دار أبي أيوب، وقد الم أبا أيوب أن يكون رسول الله في السفل، وألحّ عليه أن يكون في العلو، حتى بيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك أرفق به وبمن يأتيه من المسلمين والزائرين، فقد كانت دار أبي أيوب منتدى يجتمع فيه المسلمون. وبالغ أبو أيوب في إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانت تطيب نفسه أن يأكل حتى يأكل رسول الله، فكان يهيىء الطعام ويرسله إلى النبي، فإذا عادت القصعة سأل عن موضع أصابع النبي فيأكل حيث أكل. وفي ذات مرة صنع طعاما وكان فيه ثوم لم تذهب رائحته، فسأل عن موضع أصابع الرسول فقيل له: لم يأكل منه، ففزع وذهب إليه وقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكنني أكرهه، فإني أناجي من لا تناجي» «1» يريد الملائكة، وهي تتأذّى مما يتأذّى منه بنو ادم. وفي مرة أخرى كسرت لأبي أيوب جرّة فيها ماء، ففزع أبو أيوب والسيدة أم أيوب زوجه، وأسرعا إلى قطيفة لهما كانا يعتزّان بها، فأخذاها وصارا يجففان بها الماء خشية أن يسيل الماء إلى أسفل البيت فيتأذى منه رسول الله أو زوّاره. وقد بلغ من أدب أبي أيوب وأهله- لما امتنع الرسول أن يصعد إلى العلو- أنهم كانوا لا ينزلون في المكان المسامت لرسول الله من العلو استحياء من الله ورسوله، وهكذا فليكن الأدب، والقيم الروحية العالية، ومع اعتذار رسول الله عن الصعود إلى العلو لم يزل به أبو أيوب، يرجوه ويلح في الرجاء، حتى قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في العلو، إذ قد خف الزوار ولم يعد هناك من حرج.

_ (1) رواه الشيخان.

جميل بجميل

وتسابق الأنصار في إكرام وفادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما من ليلة إلا وتجد على دار أبي أيوب القصاع والجفان يأكل منها من يشاء، ويدع من يشاء، وكذلك تسابقوا في إيواء المهاجرين وإكرامهم، وعرضوا عليهم أن يقاسموهم دورهم وأموالهم، بل وأعز شيء لديهم وهو التنازل لهم عن بعض أزواجهم كي ينكحوهن إذا رغبوا، ولكن المهاجرين أبوا واكتفوا منهم بالارتفاق والمواساة، وقد ضرب الأنصار في مواساة إخوانهم المهاجرين مثلا عليا تذكر بالإعظام والإكبار، وسنوفيهم حقهم فيما يأتي إن شاء الله. وقد صارت دار أبي أيوب التي حظيت بهذا الشرف الرفيع إلى مولاه أفلح بعد وفاته، فاشتراها منه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار، وأصلح ما وهى من بنيانها، ووهبها لأهل بيت فقراء. وقد ذهبت إلى هذه الدار وأنا بالمدينة في زيارة رسول الله ومسجده، وهي بالقرب من المسجد النبوي، وأهاجت الدار الذكرى، وحركت لواعج الشوق والحب لأهلها الأخيار، فلله أنت يا دار أبي أيوب. جميل بجميل ودارت الأيام دورتها، وقدم السيد الكريم أبو أيوب الأنصاري البصرة، وكان عليها يومئذ سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما واليا من قبل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجد ابن عباس الفرصة سانحة لردّ الجميل المذكور لسيدنا أبي أيوب، فخرج له عن داره وأنزله فيها كما أنزل رسول الله في داره، وملّكه كل ما أغلق عليها بابها، ولما أراد الانصراف من البصرة ودّعه وأجزل له العطاء. وما كان أبو أيوب- علم الله- ليرجو على ما عمل جزاء من أحد، ما كان يرجو إلا رضاء الله ورسوله، ولكنه أدب من اداب الإسلام، ردّ المعروف بمثله أو بخير منه، وأحق من رعى هذا الأدب الرسول واله الكرام، وقد قال معلّم الناس الأدب والخير صلى الله عليه وسلم: «من أسدى إليكم معروفا فكافئوه عليه، فإن لم تقدروا فادعوا له بخير» رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.

إسلام عبد الله بن سلام وبعض أهله

إسلام عبد الله بن سلام وبعض أهله وفي أثناء مقام الرسول بدار أبي أيوب الأنصاري قدم عليه أحد أحبار اليهود وعلمائهم وهو عبد الله بن سلام، وكان يعلم من كتبهم أوصاف النبي المبعوث في اخر الزمان. فلما جاء إلى النبي سأله بعض أسئلة تأكّد منها أنه نبي، لأنه ما يعلمها إلا نبي، فأسلم وقال للرسول: لا تعلن إسلامي حتى تسأل اليهود عني، لأنهم إن علموا إسلامي فسينتقصونني. فأرسل إليهم النبي وسألهم عنه، فقالوا: خيرنا وابن خيرنا، فلما أخبرهم بإسلامه قالوا: شرنا وابن شرنا. وإليك هذه القصة كما رواها البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: « ... فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بالحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق، فأسلموا» قالوا: ما نعلمه. قال: «فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام» ؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أفرأيتم إن أسلم» ؟ قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، وكرّرها وأجابوه- ثلاثا- قال: «يا ابن سلام اخرج عليهم» ، فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت. وفي رواية أخرى أنهم قالوا: شرّنا وابن شرّنا وتنقّصوه. قال هذا ما كنت أخاف يا رسول الله «1» . وقد أسلم

_ (1) صحيح البخاري «باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة» و «باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة» .

بإسلامه أهل بيته، وعمة له تسمّى خالدة بنت الحارث «1» . وأما غيره من أحبار اليهود فقد طمس الحقد والحسد على قلوب الكثيرين منهم، وأبوا أن يؤمنوا، فكان عاقبة أمرهم خسرا ووبالا في الدنيا والاخرة، كما سيأتي إن شاء الله.

_ (1) فتح الباري ج 7 ص 202.

بناء المسجد النبوي

بناء المسجد النبوي وفي المدة التي أقامها رسول الله بدار أبي أيوب بني المسجد النبوي، وقد بنوه في المكان الذي بركت فيه الناقة، وكان في الأصل حائطا- بستانا- فتخرّب بعضه فبنيت فيه قبور، واتّخذ بعضه مربدا لتجفيف التمر، وكان لغلامين يتيمين بالمدينة، وهما سهل وسهيل ابنا عمرو، وكانا في حجر أسعد بن زرارة، فساومهما النبي فأبيا، وقالا بل نهبه لله ولرسوله؛ ولكن الرسول أبى إلا أن يكون بالثمن. وبهذا التصرف الحكيم ضرب النبي مثلا كريما في رعاية حقوق اليتامى، وقطع ما عسى أن تتقوّل به ألسنة السوء. وقد ذكر موسى بن عقبة في تاريخه أن الرسول اشتراه بعشرة دنانير، وأن الصدّيق هو الذي دفعها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطعت، وبالقبور فنبشت، وبالخرب فسويت. وشرع المسلمون يبنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل معهم التراب واللبن وهم يقولون: هذي الحمال لا حمال خيبر ... هذي أبر- ربّنا- وأطهر «1» ويقولون: اللهمّ إنّ الأجر أجر الاخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة

_ (1) الحمال بكسر الحاء: المحمول، أي هذا اللبن على ما ينال العامل في حمله من المشقة والاغبرار أبقى ذخرا، وأكثر ثوابا، وأشد طهرا من حمال خيبر وهي ما يحمل من التمر والزبيب ونحوهما في التجارة، وإنها لروحانية سامية لا تكون إلا من هذه النفوس الزكية.

الأطوار التي مر بها بناء المسجد النبوي

وكان علي يقول: لا يستوي من يعمر المساجدا ... يدأب فيها قائما وقاعدا ومن يرى عن التراب حائدا وكان بعضهم يقول: لئن قعدنا والنبي يعمل ... ذاك إذا للعمل المضلّل وفي هذا الارتجاز في الأعمال والأسفار تنشيط للنفوس، وترويح للقلوب، فيسهل الشاق، ويلين الصعب. ولما بني المسجد النبوي صار مصلّى المسلمين ومتعبدهم ومنتداهم ومكان تشاورهم، وكان فيه صفّة يأوي إليها الفقراء والمساكين ممّن لا مال لهم ولا دار، ولا يجدون ما يعملون به فيكتسبون، وفيه تلقى دروس العلم والحكمة. وهكذا كان المسجد النبوي يؤدي خدمات دينية وعلمية واجتماعية وسياسية، وكن على ذكر مما ذكرنا سابقا في منزلة المساجد في الإسلام. الأطوار التي مرّ بها بناء المسجد النبوي كان المسجد النبوي في عهده صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن- الطوب النيء- وكانت عمده من جذوع النخل، وسقفه من الجذوع والجريد. وهكذا كانت المساجد في عهده صلى الله عليه وسلم تمتاز بالبساطة وعدم التكلف، ولكنها كانت عامرة بالإيمان والهدى، والعلم والمعرفة. يدل على هذه البساطة في بناء المسجد النبوي وغيره ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك- واللفظ لمسلم- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة «1» ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاؤوا

_ (1) في سيرة ابن إسحاق أنه قدم يوم الاثنين وخرج إلى المدينة يوم الجمعة، ويمكن التوفيق بين ما رواه ابن إسحاق وما ثبت في الصحيح بأن المراد تتمة أربع عشرة ليلة، ويكون داخلا فيها المدة التي قضاها رسول الله والصدّيق في الطريق بعد خروجهما من الغار حتى دخلا قباء.

متقلدي سيوفهم قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب. فكان رسول الله يصلّي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم إنه أمر بالمسجد. قال: فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاؤوا فقال: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» ، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى، قال أنس: فكان فيه ما أقول: كان فيه نخل وقبور المشركين وخرب. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطعت، وبقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت؛ قال: فصفّوا النخل قبلة وجعلوا عضادتيه حجارة، قال: فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم «1» وهم يقولون: اللهمّ إنه لا خير إلا خير الاخرة ... فارحم الأنصار والمهاجره وبقي المسجد النبوي على هذا الحال في خلافة الصدّيق رضي الله عنه، فلما كان عهد الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه، واتسعت رقعة الإسلام، وكثر الوافدون إلى المسجد، وسّعه عمر وأبقاه على ما كان عليه في عهد الرسول من بنيانه باللبن، وسقفه بالجريد، إلا أنه جعل عمده من الخشب بدل جذوع النخل. وقد روي عنه أنه قال لمن زاول البناء: (أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمّر أو تصفّر لتفتن الناس) . فلما ولي السيد الحييّ عثمان رضي الله عنه الخلافة زاد فيه زيادات كبيرة، وبنى جدرانه بالحجارة المنقوشة والقصة- الجص- وجعل عمده من الحجارة المنقوشة أيضا، وسقفه بخشب الساج «2» . وقد أنكر بعض الناس على عثمان هذا، واعتبروه إسرافا وزخرفة، روى البخاري في صحيحه بسنده أن عثمان كان يقول عند قول الناس فيه حين بنى

_ (1) في رواية البخاري «فتمثل بشعر رجل من المسلمين ... » قيل إنه عبد الله بن رواحة، فالشعر ليس من إنشاء الرسول قطعا، والعضادة جانب الباب. (2) خشب جيد يجلب من الهند.

زخرفة المساجد:

مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة» . ويعلم الله أن عثمان رضي الله عنه ما قصد الزينة حين بناه بهذا النوع من الحجارة، ولا قصد الإسراف حينما وسّعه وجعل جدرانه من الحجارة، وسقفه بخشب الساج، فقد كان بيت المال في عهده يفيض بالأموال التي لا تحصى، وإنما هي الضرورة والمصلحة ليتسع المسجد للوافدين من المسلمين، وليكون ذلك أدعى إلى طول البقاء، وعدم تسارع الخلل والخراب إليه. ثم زيد في المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك باني جامع دمشق، وقد قام بهذا نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، وفي هذه الزيادة أدخلت حجر أزواج النبي ومنها حجرة عائشة التي كان فيها القبر الشريف، ثم زيد فيه زيادات كثيرة فيما بعد، وزيد فيه من جهة القبلة حتى صارت الروضة والمنبر بعد الصفوف الأمامية للمتوجه للقبلة كما هو اليوم. ومما ينبغي أن يعلم أن القبر الشريف ما كان في المسجد أولا، وإنما دخل فيه لما اضطروا إلى توسعة المسجد، فقد وردت الأحاديث الصحيحة بلعن اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ونهى النبي عن ذلك، ودعا الله ألايتخذ قبره وثنا يعبد، ففي الحديث الشريف: «اللهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد، غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . وقد احتاط المسلمون الأولون، فأحاطوا القبر الشريف بحائط مرتفع كيلا يظهر القبر في المسجد فيصلي إليه العوام، فيقعوا في اتخاذ قبره مسجدا، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على هيئة رأس مثلث من الشمال حتى لا يتمكن المصلّي من استقبال القبر الشريف في الصلاة. زخرفة المساجد: وكان أول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان، ومن يومها والناس شرعوا يغالون في بناء المساجد وزخرفتها حتى أصبح بعضها من قبيل المتاحف، تقصد لما فيها من زخرفة لا للصلاة فيها، وكل ذلك خارج عن هدي

فضل المسجد النبوي

النبوة، ولو روعيت البساطة في بناء المساجد وعدم المغالاة في الزخرفة والتشييد لكان خيرا وأولى. وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما سيصير إليه حال المسلمين في بناء المساجد وزخرفتها، فقال فيما رواه أنس عنه: «يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلا» ، وقال: «لتزخرفنّها- أي المساجد- كما زخرفت اليهود والنصارى» رواهما أبو داود في سننه. ولم يزل الخلفاء والملوك المسلمون يتداولون المسجد النبوي من قديم بالتوسعة والعمارة والتشييد حتى أصبح على وضعه الحالي وعلى هيئته الان. وكانت اخر توسعة وتشييد ما قام به ال سعود القائمون على شؤون الحرمين، وقد أصبح على حال من قوة التأسيس والسعة والفخامة تليق بهذا المسجد المشرّف، الذي تشدّ إليه رحال ألوف الألوف من المسلمين من جميع بقاع الأرض، فشكر الله لهم هذا العمل المجيد. فضل المسجد النبوي هو أحد المساجد المشرفة التي تشدّ إليها الرحال في الأرض، وثانيها في الفضل، وإن كان ثالثها في الزمان والبناء، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، ومسجد بيت المقدس» . وفي الصحيحين أيضا أن رسول الله قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» . وفي مسند أحمد بإسناد حسن زيادة حسنة: وهي قوله: «فإن ذلك أفضل» . وفي مسجد النبي الروضة الشريفة التي هي من رياض الجنة، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي» ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي» .

_ (1) اشتهر هذا الحديث على الألسنة بلفظ «ما بين قبري» وهو غير صحيح فالرسول لما قال الحديث لم يكن قبرا وإنما كان بيتا وهي الرواية الصحيحة.

بناء حجر أمهات المؤمنين

وكيف لا تكون من رياض الجنة والعبادة فيها مما يقرّب صاحبها من الجنة، ويباعد بينه وبين النار، فالأعمال فيها ثوابها مضاعف، والدعاء فيها مرجو الإجابة، وبجوارها أشرف بقعة ضمّت أشرف جسمان على وجه الأرض، وطالما صلّى فيها النبي في حياته وقام، وكثيرا ما وعظ فيها وذكّر، وبشّر وأنذر، وشهدت من أحداث الإسلام وسياسته ما شهدت، والجالس فيها يشعر بروحانية صافية، وراحة نفسية، وإشراقة قلب، وانشراح صدر، وينسى فيها بؤس الحياة والامها، ويغمره إيمان بصاحب الرسالة وحب يصلان به إلى حظيرة القدس. وذهب الإمام مالك وأصحابه إلى تفضيل مسجد المدينة على مسجد مكة؛ لأن ذاك بناه الخليل إبراهيم، وهذا بناه نبينا محمد. والحق ما ذهب إليه جمهور العلماء من تفضيل المسجد الحرام، لأنه في بلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، وحرّمه الخليل وحرمه نبينا، وجعل الصلاة فيه أفضل من الصلاة في المسجد النبوي، وجعل حجه فرضا مفروضا، ومن دخله كان امنا، وفضيلته قد شهد بها التنزيل وصدق الله: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ «1» مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) «2» . بناء حجر أمهات المؤمنين وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم حجر حول مسجده الشريف، لتكون مساكن له ولأهله، ولم تكن الحجر كبيوت الملوك والأكاسرة والقياصرة، بل كانت بيوت من ترفّع عن الدنيا وزخارفها، وابتغى الدار الاخرة، فقد كانت كمسجده مبنية من اللبن والطين وبعض الحجارة، وكانت سقوفها من جذوع النخل والجريد،

_ (1) بكة هي مكة بلد الله الحرام بإبدال الميم باء، سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة الذين يلحدون فيها بظلم، وقيل لأن الناس يجتمعون فيها ويتزاحمون للطواف والسعي. (2) ال عمران: الايتان 96، 97.

حمى المدينة

وكانت قريبة الفناء قصيرة البناء، ينالها الغلام الفارع بيده. قال الحسن البصري وكان غلاما مع أمه خيرة مولاة أم سلمة-: (قد كنت أنال أطول سقف في حجر النبي صلى الله عليه وسلم بيدي) . ولما تمّت هجرة النبي وصاحبه أبي بكر رجع عبد الله بن أريقط دليلهما إلى مكة، فأرسلا معه زيد بن حارثة وأبا رافع- وهما موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم- ليأتوا بأهليهما، فذهبا وجاا ببنتي الرسول: أم كلثوم وفاطمة، وزوجته: السيدة سودة بنت زمعة، وأم أيمن زوج زيد، وابنها أسامة. أما السيدة زينب فكانت في بيت زوجها أبي العاص بن الربيع حتى أرسلها بعد أن أسر في بدر كما سيأتي، وأما السيدة رقيّة فكانت مع زوجها عثمان رضي الله عنه. وقدمت معهما أيضا السيدة عائشة، وأمها أم رومان صحبة عبد الله بن أبي بكر، ومن ال أبي بكر أيضا السيدة أسماء بنت الصدّيق امرأة الزبير بن العوام، وهي حامل متمّ بابنها عبد الله بن الزبير. ولم يكن مع رسول الله حينئذ من أزواجه إلا سودة بنت زمعة التي دخل بها بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها، أما السيدة عائشة فكان عقد عليها ولم يبن بها إلا في شوال بعد مقدمه المدينة بسبعة أشهر. وكان رسول الله كلما بنى بزوجة بنى لها حجرة، حتى اكتملت حجرات نسائه حول المسجد، وكان لكل حجرة بابان: خارجي وداخلي من المسجد، ليسهل دخول النبي إلى المسجد، وقد أضيفت هذه الحجر كلها إلى المسجد لما اضطروا إلى توسعته كما أسلفنا. حمّى المدينة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه إلى المدينة كانت أوبأ أرض الله من الحمّى، فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، وصرف ذلك عن نبيه. وكان ممن وعكتهم الحمى وهدّت من كيانهم الصدّيق أبو بكر، وعامر بن فهيرة مولاه، وبلال بن رباح، فكان الصدّيق إذا اشتدت به الحمى يقول: كل امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

وكان عامر يقول: قد وجدت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه كل امرىء مجاهد بطوقه ... كالثور يحمي جلده بروقه «1» وكان بلال يقول: ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وعندي إذخر وجليل «2» وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل «3» فأخبرت عائشة النبي بما رأت وسمعت فدعا بهذا الدعاء: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة» رواه البخاري، وقد استجاب الله لنبيه الدعاء وصار جو المدينة من أحسن الأجواء، ولم تكن الجحفة حينئذ من بلاد الإسلام، وهي التي كانت مهل أهل الشام ومصر ومن على شاكلتهم، وقد درست الجحفة، والإحرام الان من «رابغ» قرية قريبة منها على الطريق بين مكة والمدينة.

_ (1) الروق: القرن. (2) إذخر وجليل: نباتان من نبات البادية. (3) شامة وطفيل: جبلان بمكة.

حالة المدينة السياسية والاجتماعية بعد الهجرة

حالة المدينة السّياسيّة والاجتماعيّة بعد الهجرة بعد أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة أصبح سكان المدينة يمثلون هذه الطوائف: المهاجرين وهم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة فرارا بدينهم، تاركين الأهل والولد والدور والمال، مجردين من كل شيء إلا من الإيمان، ومنهم من اصطحب معه زوجه وولده، ومنهم من تركهم، وقد عانى المهاجرون في مبدأ قدومهم شدة ومرضا وغربة ووحشة، ولكنهم لم يلبثوا- بفضل إخوانهم الأنصار- أن تعودوا على جو المدينة، وأن اندمجوا في المجتمع الجديد، وصارت المدينة وطنا لهم، وأبدلهم الله بالأهل أهلا، وبالمال مالا. وكانت الهجرة قبل فتح مكة واجبة وفرضا على المسلمين من أهل مكة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته بالنفس، وليكون لهم في تجمعهم في مكان واحد كيان وقوة، ولذلك أنحى الله باللائمة والتوبيخ لمن استطاع الهجرة ولم يهاجر، ولم يعذر إلا المستضعفين الذين ليست لهم قدرة عليها، فقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً «1» .

_ (1) سورة النساء: الايات 97- 99.

وأما بعد الفتح فلم تعد الهجرة واجبة، ففي الحديث المتفق عليه: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» ومع هذا فقد أبى الله ورسوله إلا أن تكون المدينة هي الوطن للمهاجرين، فحرم رسول الله على من هاجر قبل الفتح أن يستوطن مكة بعد الفتح، وأباح لمن قصدها لحج أو عمرة أن يقيم بها بعد أداء نسكه ثلاثا لا يزيد عليها، ففي الحديث المتفق عليه- واللفظ لمسلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا» ولذلك رثى النبي لسعد بن خولة «1» أن مات بمكة كما رواه البخاري في صحيحه «2» . والحكمة في تحريم الإقامة للمهاجرين بمكة بعد الفتح خشية أن يعتبر هذا رجوعا في هجرتهم، لأنهم تركوا ديارهم وأهليهم وأموالهم لله، وفي سبيل نصرة رسول الله، فأراد الله سبحانه أن يستمر تركهم لها ابتغاء مرضاته، ليكون شاهد صدق على قوة إخلاصهم، وعظمة نفوسهم، وسمو أخلاقهم، وليكونوا قدوة حسنة لمن يجيء بعدهم أن من ترك شيئا لله لا ينبغي أن يرجع إليه. هذا إلى أن المدينة- دار الهجرة- قد أضحت قلب الإسلام النابض، ومركز الدعوة الإسلامية، ففيها استقر الرسول بعد الهجرة، والخلفاء الراشدون من بعده، فما أشد الحاجة إلى أن يبقى فيها السابقون الأولون من المهاجرين من قريش، التي تدين لها العرب كلها، فمن ثمّ حرم على المهاجرين الأولين الإقامة بمكة بعد الفتح، ولو أبيح لهم الرجوع لربما نزع الكثيرون منهم إلى الرجوع إليها، فإن النفوس البشرية مجبولة على حب الوطن والرجوع إليه إذا سنحت الفرصة، لذلك اقتضت حكمة الله سبحانه- ولله الحكمة البالغة- أن يحرّم ذلك، ليبقى المهاجرون مع الأنصار في البلد الطيب «طيبة» الذي اوى الإسلام، ومنه انتشرت دعوة الإسلام، وعمّ نوره الخافقين، وهو من أسمى أنواع الوفاء.

_ (1) سعد بن خولة من بني عامر بن لؤي من المهاجرين السابقين، وقد مات بمكة عام حجة الوداع. (2) صحيح البخاري كتاب الجنائز. وانظر فتح الباري ج 3، ص 128.

الأنصار

ولما مرض سيدنا سعد بن أبي وقاص بمكة في حجة الوداع خاف أن يموت، فطمأنه الرسول وأشار له إلى أنه ستطول به الحياة، وقال: «اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم» رواه البخاري. ولهذه المعاني كان النبي يرغّب أصحابه في سكنى المدينة، ولا يتحوّلون عنها إلا لضرورة، فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أحرّم ما بين لابتي «1» المدينة: أن يقطع عضاهها «2» أو يقتل صيدها» ، وقال: «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها «3» وجهدها إلا كنت له شفيعا، أو شهيدا يوم القيامة، ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء» . الأنصار هم أولئك الذين استجابوا إلى الإسلام من أهل المدينة أوسها وخزرجها في بيعة العقبة الأولى والثانية، وقد كان يساكنهم بالمدينة جالية كبيرة من اليهود الذين نزحوا إليها من الشام مشردين مضطهدين، وكان بينهم وبين اليهود وقائع وحروب، فكانوا إذا انتصفوا من اليهود وأذلوهم قالوا لهم: لقد قرب عهد نبي يبعث من العرب وسننضوي تحت لوائه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما دعا النبي أهل المدينة في موسم الحج قالوا فيما بينهم: هذا هو الذي بشّرت به يهود، فلا يسبقنّكم إليه، فكان هذا من أسباب كرامة الله لهم بالمسارعة إلى الإسلام ونشره بالمدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كانت بين الأوس والخزرج في الجاهلية حروب وأيام مشهودة كيوم بعاث، ولذلك لما عرض النبي عليهم الإسلام قالوا: إنا تركنا قومنا وبينهم

_ (1) أي حرّتيها وهي الأرض ذات الحجارة السود. (2) جمع عضة شجر ذو شوك. (3) شدّتها من حر أو برد، أو جدب مثلا.

المنافقين

ما بينهم من العداوة والبغضاء، فإن يجمعهم الله بك فلن يكون أحد أعزّ منك في العرب. وقد حقق الله الرجاء، فقد صاروا بعد أن أنعم الله عليهم بالإسلام إخوانا متحابين متالفين، وكان للإسلام من هذا الغنم والخير الكثير، وقد ذكّرهم الله بهذه النعمة في قوله عز شأنه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «1» . وقد قام السادة الأنصار تجاه إخوانهم المهاجرين بألوان من المواساة، والإكرام، والإيواء، والإيثار، ما استحقوا به أن ينزل الله فيهم قرانا يتلى إلى يوم الدين، وصاروا مثلا عاليا يضرب في الأولين والاخرين، وسنعرض لماثرهم ونوفّيهم بعض حقهم عن كثب. وقد صار المهاجرون والأنصار بعد الهجرة كالجسد الواحد، وعلى قلب رجل واحد، ويدا واحدة تجاه المشركين واليهود والمنافقين، ولم يزالوا يكافحون ويجالدون، ويصبرون ويصابرون حتى انما هؤلاء الأعداء الثلاثة، وصاروا في عداد الهلكى الغابرين، وبقيت كلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم. المنافقين وهم أهل المدينة من غير المسلمين، ولم يكن بمكة منافقون لأن طبيعة العرب الخلّص تأبى النفاق، فإما إيمان صادق، وإما كفر ظاهر، وإنما نجم النفاق بالمدينة، فقد كان يساكن العرب فيها اليهود، وهم قوم مخادعون منافقون بطبيعتهم، وعنهم أخذ عرب المدينة الذين لم يسلموا هذا الخلق المرذول. ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وتالف المهاجرون والأنصار، وتاخوا في الله، وصاروا قوة مرهوبة في المدينة، وصارت للنبي صلى الله عليه وسلم الكلمة النافذة على المسلمين

_ (1) سورة ال عمران: الاية 103.

جميعا، لا فرق بين مهاجري وأنصاري، وصارت إليه الرئاسة الدينية والدنيوية، والقيادة السياسية والاجتماعية- حقد عليه وعلى دينه بعض العرب ممن كانت له الزعامة في المدينة، واليهود الذين حقدوا على العرب أن يكون منهم النبي المبعوث في اخر الزمان، وتامر من هؤلاء وأولئك فئات على الشر وعداوة الإسلام، ولم يكن في استطاعتهم أن يعلنوا عن الحقد والشر الخبيء في قلوبهم، فلم يجدوا بدا من التستر بالإسلام، يظهرونه ويبطنون الكفر والحقد والضغينة على الإسلام والمسلمين، وهم من يسمّون في الإسلام (بالمنافقين) ، وقد تزعم هؤلاء رجل من العرب، كان قومه قد نظموا له الخرز ليتوّجوه ويملّكوه عليهم، فلما انصرفوا عنه ومنهم أهله وولده حقد وضغن، ونافق وداهن، وهو عبد الله بن أبيّ ابن سلول الخزرجي. وانضوى تحت لوائه- لواء النفاق- جماعة، منهم: أبو عامر، وكان يقال له الراهب، كان قد ترهّب في الجاهلية ولبس المسوح «1» . قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا الراهب ولكن قولوا: الفاسق» ومات بالشام غريبا طريدا وحيدا، وكان ابنه حنظلة من خيار المسلمين، استشهد يوم أحد، وهو غسيل الملائكة. ومنهم: جلاس بن سويد بن الصامت، قال ابن إسحاق: وقد زعموا أنه تاب وحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير. ونبتل بن الحارث وهو الذي قال فيه رسول الله: «من أحب أن ينظر إلى شيطان فلينظر إلى هذا» ، وكان جسيما ثائر شعر الرأس، أحمر العينين، أسفع الخدين وكان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينقله إلى المنافقين، وهو الذي قال: إنما محمد أذن، من حدثه بشيء صدّقه، فأكذبه الله. وعبّاد بن حنيف، وكان ممن بنوا مسجد الضّرار. ومربع بن قيظي، وكان أعمى، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاز في حائطه وهو ذاهب إلى أحد: لا أحلّ لك إن كنت نبيا أن تمر في حائطي، وأخذ في يده حفنة من تراب، ثم قال: لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لرميتك بها، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال

_ (1) المسوح: لباس الرهبنة.

رسول الله: «دعوه فهذا الأعمى، أعمى القلب، أعمى البصر» ، وقد ضربه سعد بن زيد الأشهلي بالقوس فشجه. وأخوه أوس بن قيظي. وحاطب بن أمية بن رافع، وكان شيخا جسيما قد أسنّ في الجاهلية، وكان له ابن من خيار المسلمين يقال له: يزيد بن حاطب أثخنته الجراح يوم أحد فاستشهد، وهؤلاء من الأوس. ومن الخزرج: رافع بن وديعة، والجد بن قيس، وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس، وقيس بن عمرو. ومن المفارقات العجيبة أن عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين كان له ابن من خيار المسلمين وأصدقهم إيمانا، حتى لقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل أباه، فأبى النبي وقال: «لا، بل نحسن صحبته ما دام بيننا» !!. وتبع ابن أبيّ من اليهود قوم أظهروا الإسلام نفاقا وتقية، منهم: سعد بن حنيف، وزيد بن اللصّيت، ورافع بن حرملة، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات: «قد مات اليوم عظيم من عظاماء المنافقين» ، ورفاعة بن زيد بن التابوت، أخبر النبي بموته مرجعه من تبوك، ونعمان بن أوفى، وعثمان بن أوفى، وغيرهم «1» . وكان هؤلاء المنافقون بحكم ظاهرهم يحضرون المسجد، ويسمعون أحاديث المسلمين، ويسخرون ويستهزئون بدينهم، ويتسقطون الأخبار وينقلونها إلى الأعداء. ولكن الله سبحانه وتعالى كان لهم بالمرصاد، فما بيّتوا أمرا إلا أظهره الله وفضحهم. وما دبروا مكيدة إلا ردّ الله كيدهم في نحرهم، وأنزل في شأنهم معظم سورة التوبة، فما زال يقول فيها: ومنهم، ومنهم ... حتى أخزاهم وكشف عن نذلة نفوسهم، وايات كثيرة في سورة البقرة، وال عمران، والأحزاب وغيرها، حتى أنزل فيهم سورة بتمامها وهي: (المنافقون) ، وكانت عاقبة أمرهم كفرا وذلة، وعاقبة أمر المؤمنين المخلصين عزا وسيادة، وسنبين موقف الإسلام منهم في فصول تأتي إن شاء الله.

_ (1) البداية والنهاية، ج 3، ص 240.

اليهود

اليهود لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان فيها من أحياء اليهود: بنو قينقاع وبنو النضير، وبنو قريظة، وكان نزوحهم إلى الحجاز أيام «بختنصّر» البابلي «1» الذي استولى على بلادهم بالشام، وهدم متعبداتهم، وخرب الهياكل للمرة الأولى، وأنزل العذاب بهم، وسبى الكثيرين منهم لما عتوا في الأرض فسادا واستكبارا. ولعل هذا هو ما أراده الله سبحانه وتعالى في قوله: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً. فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا «2» . ففر بعضهم إلى بلاد الحجاز؛ فمنهم من سكن خيبر، ووادي القرى وتيماء، ومنهم من سكن بيثرب (أي المدينة) وذاك فيما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي «3» وقيل: إن هجرتهم إلى بلاد الحجاز: خيبر وما جاورها، ويثرب وما قرب منها، إنما كان سنة سبعين ميلادية، حينما هجم «طيطوس» الروماني على بلادهم واستولى على أورشليم، وخرّب الهيكل للمرة الثانية، ونكّل بهم، وقتلهم، وأذلهم «4» .

_ (1) وكان ذلك حوالي سنة 586 ق. م. (2) سورة الإسراء: الايتان 4، 5. (3) البداية والنهاية، ج 2، ص 39. (4) الملل والنحل للأستاذ حامد عبد القادر، ص 23 و 36.

ولعل هذا هو ما أشار الله إليه في قوله سبحانه: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً. عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً «1» . وقد سكن بجوارهم من قديم الزمان قبيلتا الأوس والخزرج، وكان اليهود ذوي ثروة ومال وزروع، وإن لم يكونوا ذوي بأس وقوة كالأوس والخزرج، فمن ثمّ عاشوا كالأتباع لهم، مستذلين صاغرين، وكان اليهود أهل كتاب، ويعلمون صفات النبي في توراتهم، وكانوا يستفتحون على الأنصار قبل البعثة، بالنبي الذي سيبعث، وإنهم سيتبعونه ويأخذون بثأرهم منهم، فلما بعث النبي جحدوا رسالته وكفروا به عنادا وبغيا وحسدا للعرب. وقد سجل الله سبحانه وتعالى عليهم هذا في قوله: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «2» . وقال سبحانه: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ «3» . ولما كان اليهود يزعمون كذبا وزورا أنهم شعب الله المختار، وأن النبوة لن تكون إلا فيهم، فقد عادوا الإسلام ونبيه عداء حاقدا، ولم يسلم منهم

_ (1) سورة الإسراء: الايتان و 7 و 8. (2) سورة البقرة: الاية 89. (3) سورة البقرة: الاية 146.

إلا القليل، أمثال عبد الله بن سلام؛ وأهله وعمته؛ ومخيريق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «مخيريق خير يهود» «1» قال ابن إسحاق في سيرته: وكان حبرا عالما، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته؛ وما يجد في علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم السبت، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم حق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم، فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يصنع فيها ما أراد الله، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مخيريق خير يهود» وقبض رسول الله أمواله وتصدّق بها على المسلمين. وقد نافق بعضهم وأظهر الإسلام خداعا ومضارة للمسلمين، كما قدّمنا، وأما الكثرة الكاثرة منهم فقد ناصبوا الإسلام وأهله العداوة، فمنهم حيي بن أخطب، وأخوه أبو ياسر، وسلّام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وسلّام بن أبي الحقيق، وهو أبو رافع الأعور تاجر أهل الحجاز، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وعمرو بن جحّاش، وكعب بن الأشرف، وشاس بن قيس، ومالك بن صيف، وكعب بن أسد، ووهب بن يهوذا «2» ، وغيرهم. وروى ابن إسحاق بسنده عن صفية بنت حيي قالت: (لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أحب إليهما مني، ولم ألقهما في ولد لهما ولم أهشّ إليهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قرية بني عمرو بن عوف- غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلّسين، فو الله ما جاانا إلا مع مغيب الشمس، فجاانا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما نظر إليّ واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله!! قال

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 236، 237؛ والإصابة في تاريخ الصحابة، ج 3 ص 393. (2) البداية والنهاية، ج 3 ص 236 و 237.

تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله!! قال: فماذا في نفسك منه؟ قال عداوته ما بقيت) . وهذا يدل على مقدار ما كان يكنّونه للنبي والإسلام، وكان عاقبة حيي خسرا وخزيا، فقتل فيمن قتل يوم قريظة «1» . وكذلك كانت عاقبة المكذّبين الحاقدين من اليهود، فمنهم من قتل، ومنهم من أجلي عن المدينة، ثم عن جزيرة العرب كلها، وأراح الله من شرورهم العباد والبلاد، وسنفصل ذلك حينما نعرض لمواقف الإسلام من بني إسرائيل.

_ (1) سيرة ابن هشام، ج 1 ص 518.

الإخاء بين المهاجرين والأنصار

الإخاء بين المهاجرين والأنصار ولما استقر المسلمون بالمدينة ألهم الله سبحانه نبيه محمدا بعمل يعتبر غاية في حسن السياسة وأصالة الرأي وبعد النظر، فقد عقد بين المهاجرين والأنصار أخوّة بها يتعاونون ويترافقون، ويتناصرون ويتوارثون. وقد اختلف العلماء في وقت هذه المؤاخاة، فقيل بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل بتسعة أشهر، وقيل وهو يا بني المسجد، وقيل قبل بنائه، والذي نرجحه أن ذلك كان بعد الهجرة بقليل، فإن الحال كانت تدعو إلى الإسراع بهذا الإخاء جمعا للشمل، وتوثيقا للعرى، وقطعا لدسائس الأعداء ولا سيما اليهود. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب أخوين، وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين، وعمر وعتبان بن مالك أخوين، وحمزة وزيد بن حارثة أخوين، وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين، وابن مسعود ومعاذ بن جبل أخوين، ومصعب بن عمير وأبو أيوب الأنصاري أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعبّاد بن بشر أخوين، وبلال وأبو رويحة «1» أخوين، وأبو عبيدة بن الجراح وأبو طلحة الأنصاري أخوين، والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش أخوين، وطلحة بن

_ (1) اسمه عبد الله بن عبد الرحمن، روي أنه لما دوّن عمر الدواوين بالشام، وكان بلال قد خرج إلى الشام، فأقام بها مجاهدا، فقال عمر لبلال: إلى من تجعل ديوانك يا بلال؟ قال: مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدها بينه وبيني، فضم إليه.

عبيد الله وكعب بن مالك أخوين، وسعيد بن زيد وأبيّ بن كعب أخوين، وعمار وحذيفة بن اليمان حليف بني عبد الأشهل أخوين. وهكذا. قال ابن سعد: اخى بين مائة، خمسين من المهاجرين وخمسين من الأنصار، وليس معنى هذا أنه لم يكن التاخي إلا بين هذا العدد، وإنما كان هذا أول ما اخى، وصار يجددها بحسب من يأتي إلى المدينة مهاجرا، ومن دخل في الإسلام بعد ذلك. ومما ينبغي أن يتنبه إليه أن الإمام محمد بن إسحاق وهم في بعض من ذكرهما أخوين، وذلك مثل عدّه جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين، والمعروف الثابت أن جعفرا كان بالحبشة وقتها، ولم يقدم المدينة إلا عام خيبر سنة سبع، وعدّه أبا عبيدة وسعد بن معاذ أخوين، والصحيح ما ذكرته وهو ما رواه الإمامان أحمد ومسلم. وقد أجاب بعض العلماء عن بعض هذه الماخذ «1» . وقد أنكر الإمام ابن تيمية المؤاخاة بين مهاجري ومهاجري، وقال إنها كانت بين مهاجري وأنصاري، وردّ عليه الحافظ ابن حجر في الفتح، قال الحافظ: (وأنكر ابن تيمية في كتاب الردّ على ابن المطهّر الرافضي- يعني كتاب منهاج السنة- المؤاخاة بين المهاجرين، وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، قال: لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم بعضا، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري. وهذا رد للنص بالقياس، وإغفال عن حكمة المؤاخاة، لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى، فاخى بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى، ويستعين الأعلى بالأدنى، وبهذا نظر إلى مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي، لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأن زيدا مولاهم، فقد ثبتت أخواتهما وهما من المهاجرين) «2» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 227. (2) فتح الباري، ج 7 ص 217.

ولم تكن هذه الأخوة أخوة إسلام وارتفاق فحسب، وإنما كانت أخوة بها يتوارثون، قال عز شأنه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ «1» ... وقد استمر الأمر على ذلك حتى عزّ الإسلام، واجتمع الشمل، وذهبت اثار الغربة من وحشة وحاجة، فنسخ الله حكم التوارث بهذه الأخوة بالحكم الثابت المستقر، وهو التوارث بالقرابة والرحم قال عز شأنه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً «2» . وقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ «3» . وقد كان لهذه الأخوة اثارها البعيدة في الحب والارتفاق، والتعاون والتناصر، وقاموا بحقوقها خير قيام، وضرب الأنصار في هذا مثلا عليا لم تعرف لغير هؤلاء السادة الأبرار، واعترافا بالفضل لأهله أرى لزاما علي أن أقول كلمة في فضائل الأنصار بعد قليل.

_ (1) سورة الأنفال: الاية 72. (2) سورة الأحزاب: الاية 6. (3) سورة الأنفال: الاية 75.

المؤاخاة بين المسلمين بمكة

المؤاخاة بين المسلمين بمكة ومما ينبغي أن يعلم أنه كانت هناك مؤاخاة قبل هذه المؤاخاة حدثت بين المسلمين بمكة، وهي تعتبر أول مؤاخاة في الإسلام، كان الغرض منها تقوية الأواصر والروابط بين المسلمين، وارتفاق الضعيف بالشريف، والفقير بالغني، ومن ليس من قريش بمن هو منهم، فالحكمة منها ظاهرة والغرض منها شريف. قال الحافظ ابن حجر في: «فتح الباري شرح صحيح البخاري» : (قال ابن عبد البر: كانت المؤاخاة مرتين: مرة بين المسلمين وذلك بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار ... ) وهي التي كانت بالمدينة، وعني بذكرها كتّاب السير والمؤرخون. ثم قال: (وقعت المؤاخاة الأولى كما أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن ابن عمر قال: واخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان) وذكر جماعة قال: (فقال علي: يا رسول الله، إنك اخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال: أنا أخوك) . وقد ذكر الحافظ في الإصابة في ترجمة سيدنا بلال رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اخى بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، فلعل مراد من قال ذلك المؤاخاة الأولى التي كانت بمكة، وإلا فالمعروف الثابت أن النبي اخى بين بلال وبين أبي رويحة الخثعمي رضي الله عنهما.

ماثر الأنصار الخالدة

ماثر الأنصار الخالدة إن المتأمل فيما قام الأنصار رضي الله عنهم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه المهاجرين ليتعجب مما فعله هؤلاء القوم، ولو ذهب يتلمّس الأسباب، فلن يجد إلا سبب الأسباب، وهو أن ذلك كان بفضل الله ورحمته لا بصنع بشر وحكمته وسياسته، وصدق الله حيث يقول: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ «1» . فلم يلتق النبي صلى الله عليه وسلم بالأنصار إلا في سويعات تحت جنح الليل، واكتفى فيها بعرض الإسلام، وأخذ العهود والمواثيق، ولم يطل لقاؤه معهم قبل الهجرة حتى يكون هذا الذي فعلوه بسبب تربية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم، وطول تعهده لهم كما فعل تجاه المهاجرين حتى كون منهم رجالا، ولم يكن بين دخولهم في الإسلام وقيامهم بهذه الماثر إلا أقل من عام!! وقد سمعت فيما مضى طرفا من لقائهم للرسول وإكرام وفادته. ولم يكن شعورهم تجاه إخوانهم المهاجرين بأقل من هذا، فقد فتحوا لهم قلوبهم قبل أن يفتحوا لهم بيوتهم، ووسعوهم بصدورهم قبل أن يسعوهم بأموالهم، وتسابقوا إلى لقائهم وإكرامهم حتى لم يجدوا بدا في بعض الأحيان من تحكيم القرعة بينهم، وضربوا في باب الإيثار، وسخاء النفس، وكرم الطبع مثلا عليا لا تزال تذكرها لهم الأجيال المتعاقبة بالإكبار والإعظام.

_ (1) سورة الأنفال: الاية 63.

روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخى بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فجاء سعد فعرض عليه أن يقاسمه ماله، وقال له: انظر أيّ زوجتيّ أحب إليك أتنازل لك عنها حتى إذا ما انتهت عدتها تزوجتها. فأبى عبد الرحمن وقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلّني على السوق، فدلّه على السوق، فباع وابتاع حتى صار له مال، وتزوج امرأة من الأنصار بوزن نواة من ذهب، فقال له النبي: «أولم ولو بشاة» » . وهكذا ضرب سعد بن الربيع مثلا فريدا في الإيثار، وضرب عبد الرحمن بن عوف مثلا عاليا لعزة النفس والرغبة في العمل والاكتساب، وقد فتحت عليه الدنيا بعد، فما توفي إلا وهو أثرى الأثرياء. وما سعد بن الربيع إلا صورة مشرقة ومثلا من أمثلة الأنصار الكرام. ويبالغ الأنصار في الإيثار والعمل على مقتضى هذه الأخوة، فيأتون إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه فيقولون: (اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل) . فيقول لهم النبي: «لا» ، فقالوا لإخوانهم المهاجرين: تكفونا المؤونة- يعني السقي والعمل- ونشرككم في الثمرة، فقالوا: (سمعنا وأطعنا) رواه البخاري في صحيحه. وروى أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين. فقالوا: إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها) قال: «إما لا «2» ، فاصبروا حتى تلقوني، إنه سيصيبكم بعدي أثرة» «3» .

_ (1) صحيح البخاري باب: «كيف اخى النبي بين أصحابه» . (2) إمالا: هي إن الشرطية المدغمة في (ما) الزائدة، ولا نافية، وفعل الشرط محذوف تقديره: تقبلوا. (3) أثرة: على وزن قصبة أي استئثار بالأموال دونهم.

وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكافئهم على ما قدّموا له وللمهاجرين من برّ ومواساة وإيواء، ولكن القوم سموا وأبوا إلا أن يكون عملهم لوجه الله، لا يريدون من أحد عليه جزاء ولا شكورا. وإن شئت في باب الإيثار أروع من ذلك وأعجب، فإليك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النضير للأنصار: «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم، وتشاركونهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم أموالكم ودياركم ولم نقسم لكم شيئا من الغنيمة» فقالت الأنصار: «بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها» !! ذكره البغوي في تفسيره. يا لله لهذه النفوس الكريمة الأبيّة، المؤثرة السخية!! لقد كان جزاؤهم من ربهم أن أنزل فيهم قرانا يتلى إلى يوم الدين، وصدق الله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1» . وأن قال فيهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه مشيدا بمناقبهم وفضلهم «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» وأن جعل حبهم علامة الإيمان، وبغضهم علامة النفاق فقال: «اية الإيمان حب الأنصار، واية النفاق بغض الأنصار» وقال: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» . وأن أوصى بهم المسلمين بعده خيرا، فقد حدّث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: «مرّ أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون،

_ (1) سورة الحشر: الاية 9.

فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي «1» ، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» رواها البخاري «2» .

_ (1) بطانتي وخاصتي، وموضع سري. (2) صحيح البخاري باب حب الأنصار من الإيمان وباب قول النبي فاقبلوا من محسنهم.

موادعة النبي اليهود

موادعة النبي اليهود لئن كان النبي صلى الله عليه وسلم بإخائه بين المهاجرين والأنصار بلغ الغاية في الحكمة والتدبير والسياسة، فقد كان العمل البارع حقا الذي يدل على الحنكة السياسية والقدرة الفائقة على حل المشاكل- هو ما قام به من موادعة اليهود ومحالفتهم، فقد كتب بين المهاجرين والأنصار كتابا وادع فيه اليهود وعاهداهم وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم، وشرط لهم، وهذا هو نص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي الأمي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس: المهاجرون من قريش على ربعتهم «1» يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، ثم ذكر كل بطن من بطون الأنصار وأهل كل دار: بني ساعدة، وبني جشم، وبني النجار، وبني عمرو بن عوف، وبني النبيت. إلى أن قال: وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا «2» بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل، ولا يخالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعهم، ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر؛ ولا ينصر

_ (1) ربعتهم: جماعتهم. (2) المفرح المثقل بالدين الكثير العيال، قاله ابن هشام.

كافرا على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، ولا متناصر عليهم، وأن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم، وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا، وأن المؤمنين يبيء «1» بعضهم بعضا بما نال دماءهم في سبيل الله، وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه. وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن، وأنه من اعتبط «2» مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه. وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وامن بالله واليوم الاخر أن ينصر محدثا «3» ولا يؤويه، وأنه من نصره أو اواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل «4» ، وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم. وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين. لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ «5» إلا نفسه وأهل بيته. وأن ليهود بني النجار وبني الحارث، وبني ساعدة وبني جشم، وبني الأوس، وبني ثعلبة، وجفنة، وبني الشّطيبة «6» مثل ما ليهود بني عوف، وأن بطانة يهود كأنفسهم. وأنه لا يخرج منهم أحد

_ (1) يبيء من البوء أي المساواة يريد أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض فيما ينال دماءهم. (2) يقال: اعتبطه أي قتله بلا جناية كانت منه ولا جريرة توجب قتله. (3) جانيا. (4) الصرف: التوبة، العدل: الفدية، أي لا يقبلان منه. (5) يوتغ: يهلك ويفسد. (6) في حياة محمد «لبني الشطبية» .

إلا بإذن محمد، ولا ينحجر «1» على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم، وأن الله على أثر «2» هذا. وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه؛ وأن النصر للمظلوم؛ وأن يثرب حرام جرفها «3» لأهل هذه الصحيفة، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا اثم. وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها. وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى «4» ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها. وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو اثم، وأنه من خرج امن ومن قعد امن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم. وأن الله جار لمن بر واتقى» . هذه هي الوثيقة التي وضعها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ قرابة أربعة عشر قرنا؛ وهي وثيقة جديرة بالإعجاب حقا، وثّق فيها ما بين المهاجرين والأنصار من إخاء وحلف، وقرّر فيها حرية العقيدة لغير المسلمين، وحرية الرأي، وحرمة المدينة، وحرمة الحياة، وحرمة المال، وبذلك سبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى تقرير حقوق الإنسان من هذا الزمن البعيد. وقرر فيها أيضا تحريم الجريمة والإثم والغدر والخديعة، وهي فتح جديد حقا في الحياة السياسية والمدنية في هذا العالم يومئذ، هذا العالم

_ (1) يعني لا يلتئم جرح على ثأر. (2) في حياة محمد «على أبر» . (3) الجرف: موضع قريب من المدينة. وفي ابن هشام «جوفها» . (4) في حياة محمد «على أتق» .

الذي كان تغلب عليه روح الاستبداد، وتعبث فيه يد الظلم فسادا، ولا تراعى فيه الحقوق والحرمات. وبمقتضى هذه الوثيقة أصبحت المدينة حرما امنا، وأصبح كلّ من المسلمين واليهود في أمن من جانب الاخر، وأصبح اليهود ملزمين بمعاونة المسلمين إذا ما دهم المدينة عدو، وبعدم مساعدة المشركين ومناصرتهم ضدهم. ولقد وفى النبي والمسلمون بكل الالتزامات التي أوجبتها هذه الوثيقة عليهم، على حين لم يف بما فيها اليهود، ولما عادوا إلى طبيعتهم من الدس والوقيعة والخداع، فحاولوا الوقيعة بين الأوس والخزرج، وهمّوا بقتل النبي، واستباحوا حرمات المسلمين فكانت عاقبة أمرهم ذلا.

بناء النبي بعائشة

بناء النبي بعائشة وفي شوّال من السنة الأولى دخل النبي صلى الله عليه وسلم بزوجه عائشة، وكان خطبها من أبيها الصدّيق وهي بنت ست وقيل سبع سنين، وبنى بها بعد الهجرة وهي بنت تسع، وكانت نامية نموا حسنا، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها، وقد أراه جبريل صورتها في قطعة من حرير خضراء قبل أن يخطبها. روى البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «أريتك في المنام مرتين، إذا رجل يحملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشفها فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه» ولما خطبها النبي من أبيها قال: إنما أنا أخوك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال» رواه البخاري. وقد دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي فتاة حديثة السن تلهو مع صويحباتها، وتلعب بالأرجوحة والعرائس كما هو شأن الفتيات الصغار، وكثيرا ما كان الرسول يدخل عليها وهي معهن، فيرفق بها، ويفسح لها من صدره. وقد تربت في منزل الوحي، فنشأت متخلّقة بأحسن الأخلاق، متطبعة بما يوافق هوى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا عجب أن كانت أحب نسائه إليه، واثرهن عنده، وكانت تكنى بأم عبد الله، قيل لسقط ولدته، وقيل باسم ابن اختها أسماء عبد الله بن الزبير، وهو الصحيح. وكانت عاقلة عالمة، روت عن النبي وعن أبيها وغيره من الصحابة، وروى عنها كثير من الصحابة والتابعين، وعنها أخذ الكثير من أحكام الشريعة،

ولا سيما ما كان يصنعه النبي في بيته، ومع زوجاته. قال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض، وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمر قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما. ولما مرض النبي استأذن نساءه كي يمرض في بيتها، فقامت عليه حتى توفي صلى الله عليه وسلم بين سحرها «1» ونحرها، وقد ألقى برأسه على صدرها، فرضي الله عنها وأرضاها.

_ (1) السحر: الرئة فقد توفي النبي ورأسه على صدرها.

مشروعية الأذان

مشروعية الأذان لقد فرض الله سبحانه الصلوات الخمس على الأمة قبل الهجرة ليلة الإسراء والمعراج. فكانوا يصلّون ولا يؤذّون، لأن الظروف المحيطة بهم في مكة ما كانت تسمح بالدعوة إليها، والإعلان عنها. واستمر الحال على ذلك إلى ما بعد الهجرة، فلما اطمأن الرسول وأصحابه بالمدينة، واستحكم أمر الإسلام، وبدأ تشريع الأحكام، وأصبحوا على حال تؤهلهم لإظهار شعائر الإسلام، فكّر النبي والمسلمون في وسيلة للإعلان عن الصلاة، وتشاوروا في ذلك. روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عمر قال: (كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلاة ليس ينادى لها، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بوقا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا بلال فناد بالصلاة) وكان هذا النداء بلفظ: «الصلاة جامعة» «1» ، رواه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب. وليس المراد بالنداء الأذان الشرعي المعهود. فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه في منامه من يلقّنه الأذان، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «إنها لرؤيا حق» وأقره على ذلك وقال له: «ألقها على بلال فإنه أندى صوتا منك» فلما سمع الفاروق عمر رضي

_ (1) بنصب الصلاة على الإغراء، وجامعة على الحال أي احضروا الصلاة حالة كونها جامعة، وقيل بالرفع مبتدأ وخبر أي ذات جماعة.

الله تعالى عنه جاء- وهو يجر رداءه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال الرسول: «فلله الحمد» . وإليك ما رواه ابن إسحاق في سيرته عن عبد الله بن زيد قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهمّ رسول الله أن يجعل بوقا مثل بوق اليهود الذي يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس ليضرب به للمسلمين للصلاة «1» ، فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه النداء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنه طاف بي الليلة طائف: مرّ بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة. فقال: ألا أدلك على خير من ذلك؟ قلت وما هو؟ قال تقول: «الله أكبر الله أكبر. الله أكبر الله أكبر. أشهد ألاإله إلا الله. أشهد ألاإله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله. حيّ على الصلاة. حيّ على الصلاة. حيّ على الفلاح. حيّ على الفلاح. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله» . فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها لرؤيا حق إن شاء الله، قم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها، فإنه أندى صوتا منك» . فلما أذّن بلال سمعه عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه وهو يقول: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلله الحمد» .

_ (1) في بعض الروايات الحديثية أنهم كرهوا ذلك أيضا، وإنما كرهوا هذا وذاك لأنهم يعتبرون أن لهم شخصية مستقلة تنأى بهم عن التقليد والمحاكاة لغيرهم، ولا سيما اليهود والنصارى، وهكذا ينبغي أن تكون شخصية المسلم تؤثر ولا تتأثر، وتبدع ولا تقلد، وقد بينت رواية ابن سعد في الطبقات الحلقة المفقودة في رواية ابن إسحاق وهي نداؤهم بلفظ «الصلاة جامعة» .

وقد روى هذه القصة أيضا أبو داود والترمذي وصحّحه وابن ماجه، وابن خزيمة وصحّحه. ولا يظن ظان أن الأذان شرع بالرؤيا فحسب، وإنما شرع بالوحي أيضا، وقد توافقا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «إنها لرؤيا حق» وفي رواية ابن جريج التي ذكرها ابن هشام في سيرته أن عمر لما جاء إلى النبي يخبره بما رأى قال له: «قد سبقك بذلك الوحي» وأيضا فتقرير النبي لأحد على شيء أحد وجوه السنن المعروفة «1» . وقد ذكر السهيلي حديثا يفيد مشروعية الأذان ليلة الإسراء والمعراج، ثم قال: وأخلق بهذا الحديث أن يكون صحيحا لما يعضده ويشاكله من حديث الإسراء، وقد ردّ عليه الحافظ ابن كثير فيما زعم حيث قال: (فهذا الحديث ليس كما زعم السهيلي أنه صحيح؛ بل هو منكر تفرد به زياد بن المنذر أبو الجارود، الذي تنسب إليه الفرقة الجارودية، وهو من المتهمين بالكذب، ثم لو كان قد سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لأوشك أن يأمر به بعد الهجرة في الدعوة إلى الصلاة) . وكل ما روي من روايات تدل على مشروعيته قبل الهجرة هي ضعيفة لا تنهض للاحتجاج بها كما نبه إلى ذلك الحافظ الكبير ابن حجر في الفتح. وكان بلال بن رباح هو مؤذن «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع وجود مساعدين له في بعض الأحيان، وكان بلال يزيد في أذان الفجر بعد حي على الفلاح الثانية: (الصلاة خير من النوم) مرتين، وأقره النبي على ذلك. والأذان شعيرة من شعائر الإسلام، فلا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد

_ (1) فتح الباري، ج 2 ص 64 والبداية والنهاية، ج 2 ص 221- 223. (2) والحكمة في تخصيص بلال بالأذان حسن صوته ونداوته وقوته، وأيضا فقد كان ذلك مكافأة على ما لقي في الله، لقد كان إذا اشتد به التعذيب لا يفتر عن قوله: «أحد أحد» فجوزي بالأذان الذي أوله تعظيم وتوحيد، واخره تعظيم وتوحيد.

أجمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه، وأقوى ما يستدل به على هذا ما رواه البخاري ومسلم- واللفظ لمسلم- عن أنس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، كان يستمع الأذان، فإذا سمع أذانا أمسك وإلا أغار) .

السنة الأولى من الهجرة

السّنة الأولى من الهجرة السرايا في السنة الأولى كانت عادة قريش أن تذهب بتجارتها إلى الشام لتبيع وتشتري، ويسمّى الركب السائر بهذه التجارة عيرا، وكان يسير معها لحراستها كثير من أشراف قريش وسراتهم، وكانت طريقهم إلى الشام تمر على دار الهجرة، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليهم طريقهم، ويصادر تجارتهم ذاهبة وايبة، ليكون في ذلك عقاب لهم على إخراجهم لهم من ديارهم، وما أخذوه من أموالهم، وإضعاف لقوتهم، فيكون ذلك أدعى لخذلانهم في ميدان القتال الذي لابدّ أن يكون، فما كانت قريش لتدع النبي يبلّغ الإسلام لمن أمره الله بتبليغه إليهم من الناس كافة، وكان النبي يترقب أن يؤذن الله له ولأصحابه في القتال وهذه هي السرايا «1» . سرية حمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عمه حمزة في ثلاثين راكبا من المهاجرين، وعقد له لواء أبيض حمله أبو مرثد الغنوي، وأمره أن يعترض عيرا لقريش راجعة من الشام، فيها أبو جهل وثلاثمائة من المشركين، فسار حمزة رضي الله عنه ومن معه حتى وصلوا ساحل البحر، فصادف العير هناك، فلما تصافوا للقتال حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، فأطاعه الفريقان وانصرفوا.

_ (1) السرية: الفرقة من الجيش التي لم يخرج فيها رسول الله؛ أما ما يخرج فيها الرسول فهي غزوة.

سرية عبيدة بن الحارث

سرية عبيدة بن الحارث وفي شوال من هذه السنة أرسل النبي عبيدة بن الحارث بن المطلب في ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم أنصاري، وأمرهم أن يعترضوا عيرا لقريش، فوافوا العير ببطن رابغ قرب «العيص» ، وكان على العير أبو سفيان بن حرب في مائتي رجل من قريش، فكان بينهم الرمي بالنبال، ثم خشي المشركون أن يكون للمسلمين كمين فتقهقروا ولم يتابعهم المسلمون، وفر من القرشيين المقداد بن الأسود وعتبة بن غزوان، وكانا قد أسلما قديما فانتهزا الفرصة ولحقا بالمسلمين. وفي هذه السرية أطلق أول سهم في الإسلام، وكان الذي أطلقه عبيدة بن الحارث وقيل سعد بن أبي وقاص. سرية سعد بن أبي وقاص وفي اخر شوال من هذه السنة خرجت سرية ثالثة عدتها عشرون من المهاجرين، وعلى رأسهم سعد بن أبي وقاص، فكانوا يكمنون النهار ويسيرون الليل، حتى وصلوا صبح اليوم الخامس إلى «الخرّار» «1» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إليهم ألايجاوزوا هذا المكان، فلما وصلوا علموا أن العير قد مرت بالمكان في اليوم السابق، فعادوا دون أن يلقوا أحدا. وقد ذكر الواقدي أن هذه السرايا كانت في السنة الأولى، وكلام ابن إسحاق في سيرته يميل إلى أنها في السنة الثانية، ورجّح ابن كثير الرأي الأول، قال: (والواقدي عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبا، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثار) «2» .

_ (1) موضع قرب الجحفة. (2) البداية والنهاية، ج 3 ص 234.

رأينا في هذه السرايا

رأينا في هذه السرايا والذي نراه في هذه السرايا التي وقعت في السنة الأولى أنها كانت لمعاقبة المشركين، والحصول على ما يمكن الحصول عليه من تجاراتهم، نظير ما أخذوا من أموالهم وما ظلموهم، ولإضعاف شوكتهم، فإن المال عصب الحياة. وأيضا فقد قصد بها إفهام قريش أن مصلحتهم تقتضيهم التفاهم مع المسلمين من أهليهم- الذين اضطروا إلى الفرار من مكة بسبب ما عانوا من الاضطهاد والإيذاء- تفاهما يقي الطرفين شرور العداوة والبغضاء، ويكفل للمسلمين حرية الدعوة إلى دينهم، وحرية الإعلان عن عقيدتهم، وحرية الدخول إلى الحرم لتأدية شعائرهم، كما يكفل لأهل مكة سلامة تجارتهم في طريقها إلى الشام، ولم يكن مثل هذا التفاهم ممكنا ما لم تقدّر قريش قوة المهاجرين من أبنائها على الإيقاع بها، وإيصاد طرق التجارة في وجهها. ولا أرى أنها كانت للحرب، فقد كان القتال لم يشرع بعد، وذلك على حسب ما ترجّح في نظري من أن مشروعية القتال كانت في أوائل السنة الثانية على ما سأذكر، لأن الأعداد التي كان فيها المسلمون في سراياهم تلك لم تكن متكافئة مع أعداد المشركين، ولم تنقل الروايات أن النبي كان يوجههم للقتال، وإنما للقاء العير واعتراضها، وإن كان الاعتراض لا يسلم من المناوشة. وقد رأى هذا الرأي من قبل الدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله تعالى «1» ، وإن كنت أخالفه في اعتبار الغزوات التي كانت في السنة الثانية قبيل بدر من هذا القبيل، فاحتمال القتال فيها أمر راجح، ولا سيما وقد أصبح الجهاد مشروعا للمسلمين. مزاعم المستشرقين في هذه السرايا زعم بعض المستشرقين أن هذه السرايا الأولى إنما كان يقصد بها إلى نهب تجارة القوافل، فإن النهب كان بعض طباع أهل البادية، وأن أهل المدينة

_ (1) حياة محمد، ص 239- 240.

إنما أغرتهم الغنيمة والسلب باتباع محمد على خلاف عهداهم في العقبة، وهذا زعم ليس له ما يؤيده، ويرد عليه الواقع، وسأدع الدكتور محمد حسين هيكل يرد عليهم قال رحمه الله: (وهذا كلام مردود، لأن أهل المدينة كأهل مكة لم يكونوا أهل بادية يعيشون على السلب والنهب، وأنهم فوق ذلك، كان في طبعهم ما في طبع من يعيشون على الزراعة من حب الاستقرار، ممّا يجعلهم لا يتحركون إلى قتال إلا لدافع قوي. أما المهاجرون فكان من حقهم أن يستخلصوا من أيدي قريش ما أخذ من أموالهم، لكنهم لم يستعجلوا ذلك قبل بدر، فلم يكن هو الدافع للسرايا في الغزوات الأولى، ثم إن القتال لم يشرع في الإسلام ولم يقم (سيدنا) محمد وأصحابه لهذه الغاية البدوية التي يتوهّم المستشرقون، وإنما شرع وقام به (سيدنا) محمد وأصحابه حتى لا يفتنهم عن دينهم أحد، وحتى يكون لهم من حرية الدعوة له ما يشاؤون....) «1» .

_ (1) حياة محمد، ص 142.

أحداث هذا العام

أحداث هذا العام مواليد وفي شوال من هذه السنة ولد عبد الله بن الزبير، فكان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة من المهاجرين، ولما ولدته السيدة أسماء بنت الصديق كبّر المسلمون تكبيرة كبيرة عظيمة فرحا بمولده، لأنه كان قد بلغهم عن اليهود أنهم سحروهم حتى لا يولد لهم بعد هجرتهم ولد، ومع أن المسلمين ما كانوا يلقون بالا لهذه الترهات التي كذبها الواقع الذي لا مراء فيه، ولما ولدته جاءت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعه في حجره، ثم حنّكه بتمرة، ثم دعا له، وبرّك عليه، وكان أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة النعمان بن بشير. وفيات في هذه السنة توفي كلثوم بن الهدم الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف، وقد ذكر الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه، أنه أول من توفي بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، وكان شيخا كبيرا أسلم قبل مقدم النبي، ولما هاجر النبي ونزل بقباء نزل في بيته، فكان ينام عنده ليلا، ويكون مع أصحابه في النهار في منزل سعد بن خيثمة، لأنه كان أعزب لا أهل له، وقيل: إنه مات قبل بدر بيسير. وتوفي أيضا أبو أمامة أسعد بن زرارة النجاري الخزرجي، أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة على قومه بني النجار، وشهد العقبتين، وهو أول من أسلم من الخزرج، وأول من صلّى الجمعة بالمدينة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد مات بالذبحة أو الشرقة والمسلمون يبنون المسجد النبوي.

ولما توفي سأل بنو النجار رسول الله أن يقيم لهم نقيبا فقال: «أنتم أخوالي وأنا بما فيكم، وأنا نقيبكم» «1» ، وكره أن يخص بعضهم دون بعض، فكان من فضل بني النجار على قومهم أن رسول الله كان نقيبهم، وقد كان هذا تصرفا حكيما من رسول الله، فقد كان المتطلعون إليها كثيرين، وبحسبهم شرفا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم.

_ (1) البداية والنهاية: ج 3 ص 229.

السنة الثانية من الهجرة

السّنة الثّانية من الهجرة تشريع الجهاد «1» في الإسلام لقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاما بمكة وهو يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد حارب أهل مكة الدعوة الإسلامية حربا لا هوادة فيها، واذوا النبي وأصحابه إيذاء تجاوز كل معاني الإنسانية، ومع هذا كان المسلمون يزدادون عددا وصلابة وقوة في التمسك بدينهم، وكان الله سبحانه وتعالى ينزل على نبيه من الايات ما يقوّيه ويثبته على الصبر، وذلك مثل قوله سبحانه: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ «2» . وقوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «3» .

_ (1) الجهاد بكسر الجيم: أصله لغة: المشقة، يقال جاهدت جهادا بلغ المشقة، وشرعا: بذل الجهد في قتال الكفار وإعلاء كلمة الله، ويكون بالنفس والمال أو اللسان والقلب، وهو المراد هنا، ويطلق أيضا على مجاهدة النفس، والشيطان، والفساق، فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها، ثم على تعليمها. وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات، وما يزينه من الشهوات، وأما مجاهدة الفساق فباليد، ثم اللسان، ثم بالقلب، وهو أضعف ثمرات الإيمان. (2) سورة النحل: الاية 127. (3) سورة الشورى: الاية 43.

أول ما نزل في القتال

وقوله: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ» . وقوله: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا «2» . وكان المسلمون كثيرا ما يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما بين مضروب ومشجوج ومعذّب، شاكين إليه، فيثبتهم ويضرب لهم الأمثال والعظات ويقول لهم: «اصبروا فإني لم أومر بقتال» ، حتى هاجر النبي والمسلمون إلى المدينة، وتاخوا هم والأنصار، وأصبح لهم كيان وسلطان، وأضحوا ذوي عدد وقوة، فلم يكن بدّ من أن يأذن الله لهم في القتال. وأما ما ذكره ابن إسحاق في سيرته من أن الجهاد شرع قبل الهجرة فمن أوهامه. أول ما نزل في القتال وكانت أول اية نزلت فيه هي قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ «3» يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ «4» .

_ (1) سورة الأحقاف: الاية 35. (2) سورة المزمل: الاية 10. (3) الصوامع للرهبان، والبيع متعبدات اليهود والنصارى وهي الكنائس، والصلوات متعبدات النصارى أيضا، والمساجد: متعبدات المسلمين. (4) سورة الحج: الايات 39- 41.

متى شرع الجهاد؟

والإذن لا يكون إلا بعد منع، فأسلوب الايات يشعر بأنها أول ما نزل، هذا إلى ما روى الحاكم في المستدرك عن حبر القران ابن عباس، أنها أول ما نزل في القتال، ورواه عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية- وهو من التابعين- أن أول اية نزلت فيه قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «1» . ويرى البعض أن أول ما نزل هو قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «2» . والذي نرجّحه هو الأول، وهو الذي يؤيده العقل والنقل، أما الاية الثانية فهي إلى تنظيم شؤون القتال أقرب، والتنظيم إنما يكون بعد الإذن، وأما الاية الثالثة فهي إلى الحثّ والترغيب في الجهاد أقرب. متى شرع الجهاد؟ والذي يترجح عندي بعد النظر والبحث أن يكون تشريع الجهاد في أوائل السنة الثانية للهجرة، وذلك لأن المسلمين في السنة الأولى كانوا مشتغلين بتنظيم أحوالهم الدينية والدنيوية، كبنائهم المسجد النبوي، وأمور معايشهم، وطرق اكتسابهم، وتنظيم أحوالهم السياسية: كعقد التاخي بينهم، وموادعتهم اليهود

_ (1) سورة البقرة: الاية 190. (2) سورة التوبة: الاية 111.

لم شرع الجهاد في الإسلام؟

المساكنين لهم في المدينة، كي يأمنوا شرورهم، ولا يقال: إن النبي أرسل سرايا في السنة الأولى، لأنها في نظرنا كانت للمناوشات وإرغامهم على أن يفكروا جديا في تغيير خطتهم تجاه المسلمين، وتركهم يبلّغون دين ربهم وهم امنون مطمئنون. لم شرع الجهاد في الإسلام؟ لقد تضمنت ايات سورة الحج المذكورة انفا الأسباب والأغراض التي اقتضت تشريع الجهاد، ولن أخرج في بيان ذلك عن منطق الاية وفحواها، حتى يكون في هذا إلقام الحجر لمن يتقوّل على الإسلام، ومن هذه الايات نستخلص الأسباب والحكم الاتية: 1- تأمين دعوة الإسلام، الدين العام الخالد، الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء، ومساندة هذه الدعوة التحريرية الكبرى، حتى يتمكن النبي من تبليغ رسالة ربه حسبما صدع به الوحي في قوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ «1» . وقوله: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ «2» . وتأمين المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام عن رضا واطمئنان، وحمايتهم من أذى المشركين، ومنحهم حقهم في الإعلان عن عقيدتهم وهم امنون، وليس من الحق والعدل أن يدافع أصحاب المذاهب الباطلة عن باطلهم بالقوة، وأن يترك أصحاب العقائد الصحيحة والشريعة السمحة من غير أن يؤذن لهم في الدفاع عن عقيدتهم ودينهم، وقد أشار الله إلى ذلك بقوله: بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وأي

_ (1) سورة المائدة: الاية 67. (2) سورة الأنعام: الاية 19.

ظلم أظلم من ألايجد الهداة والمصلحون متنفسا لدعواتهم في أرض الله الواسعة؟ ومن أن يحجر عليهم فلا يستطيعون الإعلان عن عقائدهم، ولا إظهار شعائرهم؟ والمظلوم إن لم يجد النصر من أهل الأرض فسيجده لا محالة من السماء، وصدق الله: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. 2- الانتصاف للمظلوم من الظالم، والانتصار للنفس، فها هم المشركون قد اذوا المسلمين، وحاولوا ما وسعهم الجهد أن يفتنوهم عن دينهم، فلما لم يفلحوا أخرجوهم من ديارهم وأهليهم وأموالهم. والانتصار للنفس أمر فطري، وحق من حقوق الإنسان، قررته الشرائع السماوية والقوانين الأرضية، وقد قرر الله هذه الحقيقة الإنسانية في قوله سبحانه: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «1» . وقد أمر الله المسلمين بالصبر على أذى المشركين والتسامح معهم طوال العهد المكي وأوائل العهد المدني؛ عسى أن يرعووا، ولكنهم لم يزدادوا إلا بطرا وظلما واستعلاء في الأرض، فأما إذا لم تفلح معهم سياسة المهادنة والتسامح، فلتقابل القوة بالقوة، والسلاح بالسلاح، وإلّا صار السكوت والإغضاء عجزا وضعفا ومهانة. وليس من العدل والحق أن يترك المشركون يمرحون في الأرض، ويجوبون الجزيرة من الجنوب إلى الشمال، ولا يؤذن للمسلمين في محاربتهم من جنس ما حاربوهم به، وأن يقطعوا عليهم تجارتهم، ويأخذوا منها ما تصل إليه أيديهم نظير ما اغتصبوا من أموالهم، وأن يضيّقوا عليهم مثل ما ضيقوا عليهم، وصدق الله حيث يقول: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ. وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «2» .

_ (1) سورة الشورى: الايتان 41، 42. (2) سورة الشورى: الايتان 39، 40.

وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذا بقوله: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ «1» . 3- إن في تشريع الجهاد نشر للسلام والأمان في الأرض، وتأمين كل ذي دين على دينه، واحترام مقدسات الأديان في الأرض. والإسلام هو الدين الذي ألزم معتنقيه بالإيمان بجميع رسل الله، وجميع كتبه المنزلة من عنده، وإذا كان اعتبر القران هو الشاهد والمهيمن على الكتب السماوية كلها، فلأنه هو الكتاب الذي سلم من التحريف والتبديل، لأنه نقل بأقوى طرق النقل والإثبات، وهو التواتر المفيد للقطع واليقين. فالمسلمون حينما تكون لهم السلطة والغلبة في الأرض فلا خشية على أهل الأديان الاخرى منهم، لأن لهم من وصايا دينهم ما يعصمهم من الظلم والجور والتعنت، ولا كذلك الحال لو ساد غيرهم، وهذا ما صدقه الواقع والتاريخ الصادق، فحينما كان السلطان للمسلمين في الأرض، لم يضارّ أحد من أهل الذمة في دينه، ولا في دنياه، ولا في نفس ولا عرض ولا مال، فلما ذهبت ريحهم، وغلبوا على أمرهم، ذاقوا من أعدائهم ألوان العذاب من تقتيل وتخريب وانتهاك للحرمات. وليس أدل على ذلك من أن الإسلام قبل من أهل الكتاب إما أن يسلموا، وإما أن يبقوا على دينهم ويدفعوا الجزية، وهي ليست للإكراه على الدخول في الإسلام أو المضايقة، ولكنها نظير ما تقوم به الدولة الإسلامية من رعاية وحماية لأهل الأديان الاخرى، وما تؤديه لهم من خدمات اجتماعية واقتصادية، وقد أشار الله سبحانه إلى هذا الغرض النبيل في قوله سبحانه: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ

_ (1) سورة الحج: الاية 40.

حكم الجهاد في الإسلام

وَمَساجِدُ «1» يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ «1» . 4- إن الإسلام بما خصه الله به من عموم الدعوة للناس أجمعين، وبما جاء به من عقائد وتشريعات واداب، أكسبته الصلاحية لكل زمان ومكان، وهو الحقيق بأن يسود في الأرض، والمسلمون المتمسكون به هم الأحق بالسيادة والاستخلاف في الأرض، لأنهم هم الذين ينشرون فيها الهدى والحق والعدل والرحمة والبرّ والخير، وهم يأمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، وهما أساس كل خير وإصلاح، وليس من شك في أن هذا يتطلب الجهاد والكفاح وبذل النفس والمال في سبيل هذه الغاية الشريفة. وقد أشار الله إلى هذا في قوله: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ «2» . وقد أشار الله سبحانه بهذه الأصول إلى ما عداها، فالصلاة رأس العبادات البدنية التي تزكّي النفس، وتحسّن علاقة المخلوق بالخالق، والإنسان بأخيه الإنسان. والزكاة رأس العبادات المالية التي تقيم المجتمع على أساس من التعاون والتكافل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس كل خير ديني أو دنيوي، وهما دعامتا كل إصلاح، ودرء كل شر وفساد في الأرض. حكم الجهاد في الإسلام الجهاد في الإسلام من الفروض الكفائية عند جمهور أهل العلم من السلف والخلف، ومعنى هذا أنه إذا قام به من يكفي في دفع غائلة الأعداء ونصر الإسلام سقط عن الباقين، ولا يكونون اثمين، وإن لم يقم به من يكفي

_ (1) سورة الحج: الاية 40. (2) سورة الحج: الاية 41.

أثمت الأمة كلها، ولا يرتفع هذا الإثم إلا بخروج من فيهم الكفاية، ولو أدّى ذلك إلى تجنيد الجميع. والدليل على هذا قول الله تعالى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «1» . ويصير الجهاد فرض عين في أحوال ثلاثة: الأولى: إذا التقى الجيشان وتقابل الصفّان، تعيّن الجهاد على من حضر، وحرم عليه الفرار، إلا أن يكون ذلك لمكيدة أو خدعة حربية، أو لأخذ مكان أفضل وأحسن، أو للانحياز إلى فئة أخرى من الجيش. قال جل شأنه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «2» . وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ «3» . وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» قيل: ما هنّ يا رسول الله؟ قال: «الشرك

_ (1) سورة التوبة: الاية 122. يعني ما كان المؤمنون لينفروا إلى الجهاد جميعا بل لتنفر طائفة، ولتقم طائفة مع النبي ليتفقهوا في الدين ويتلقوا القران حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع، وما تجدد نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم من القران وما سمعوه من الحديث. (2) سورة الأنفال: الاية 45. (3) سورة الأنفال: الايتان 15، 16.

بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» . والفرار كبيرة مهما كان عدد الأعداء، وإلى هذا ذهب بعض العلماء. ومنهم من يرى ذلك إذا لم يزد الأعداء عن ضعف عدد المسلمين، فإن زادوا فلا، وذلك لقوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ «1» اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ «2» . والرأي الأول هو الذي يؤيده ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الثبات والصبر، وعدم الفرار مهما بلغ جنود الأعداء، فقد صمد المسلمون في «مؤتة» وهم ثلاثة الاف أمام مائتي ألف من الروم، وأحلافهم من العرب من لخم وجذام، ولم يروا الفرار. وليس من الفرار ما يراه قائد الجيش من الانسحاب الكلي أو الجزئي، حتى لا يحاط به أو يفنى الجيش عن اخره أو لتنظيمه، وإنما ذلك داخل في قوله سبحانه: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، وذلك كما حدث من سيف الله خالد بن الوليد في «مؤتة» ، ولذلك لما عيّر أهل المدينة الجيش بقولهم لهم: يا فرّار، قال النبي صلى الله عليه وسلم مدافعا عنهم: «بل هم الكرّار» !! الثانية: إذا هاجم الكفار بلدا من بلاد الإسلام أو نزلوا فيه تعين على أهله قتالهم ودفعهم بما استطاعوا، ووجب على إخوانهم المسلمين في كل قطر وبلد أن يخفوا إليهم بالعون والمساعدة أداء لحق الأخوة الإسلامية، ففي

_ (1) وقد كان في أول الأمر يجب الثبات إذا لم يزد جيش الأعداء عن عشرة أضعاف جيش المسلمين. (2) سورة الأنفال: الاية 66.

من يرى أن الجهاد فرض عين

الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله» ، وفي رواية أخرى للبخاري: «ولا يسلمه» أي لا يخذله إذا استنصر به، ولا يسلمه أو يتركه لأعدائه ينالون منه. الثالثة: إذا استنفر ولي الأمر- خليفة أو ملكا أو رئيسا- قوما أو أقواما لزمهم الخروج، وتعيّن عليهم الجهاد، وذلك لقول الحق تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ. إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «1» . وفي الحديث الصحيح المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» . وفي معنى الاستنفار العام إعلان التعبئة العامة في العرف الحديث ودعوة الأمة للجهاد، وقد يكون الاستنفار خاصا بفئة، فيكون تعبئة جزئية. من يرى أن الجهاد فرض عين ومن السلف الصالح من كان يرى أن الجهاد فرض عين على أي حال وفي جميع الأزمان، ويستدلون بقول الحق تبارك وتعالى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «2» أي شبابا وشيبا، ورجالا وركبانا، وأغنياء، وفقراء، وأقوياء وضعفاء.

_ (1) سورة التوبة: الايتان 38، 39. (2) سورة التوبة: الاية 41.

مثل عليا للحرص على الجهاد

مثل عليا للحرص على الجهاد وممن كان يرى هذا الرأي السادة الأخيار: أبو أيوب الأنصاري، وأبو طلحة الأنصاري، والمقداد بن الأسود من الصحابة، وسعيد بن المسيّب من التابعين. وقد كان أبو أيوب يستدل بالاية السابقة، وكان يرى أن الرغبة عن الجهاد والاشتغال بالأهل والمال إلقاء بالنفس إلى التهلكة، مستدلا بقول الله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «1» . وقد لزم رضي الله عنه الجهاد في حياة الرسول وبعده، ولم يتخلّف عن غزوة قط، ولما حدثت الفتنة بين علي ومعاوية انحاز إلى جانب علي، وشهد معه قتال الخوارج، ولما أرسل معاوية ابنه يزيد على رأس جيش لغزو القسطنطينية تحرج في أول الأمر أن يخرج في جيش تحت إمرة يزيد، ولكن نفسه التواقة للجهاد نازعته إليه وقال: (ما ضرني من استعمل على الجيش) ، فلحق بهم وأبلى بلاء حسنا، ثم مرض فعاده يزيد فقال له: ما حاجتك؟ قال: حاجتي إذا أنا متّ، فاركب بي ما وجدت مساغا في أرض العدو، فإذا لم تجد فادفني ثم ارجع، فلما توفي صلّى عليه يزيد والمسلمون، وفعلوا به ما أوصى به، فدفن بجوار أسوار القسطنطينية شاهدا على لون رائع من ألوان البطولة الإسلامية الفذّة، وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين، فرضي الله عنه وأرضاه. وروي أن أبا طلحة الأنصاري صاحب رسول الله وأحد الذين أحاطوا بالنبي يوم أحد، قرأ سورة التوبة وهو شيخ كبير، فأتى على هذه الاية: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا..، فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبابا جهزوني يا بنيّ، فقال بنوه: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى، فركب البحر غازيا، فمات، فلم يجدوا جزيرة يدفنونه بها إلا بعد تسعة أيام ولم يتغير، فدفنوه بها.

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 1، ص 438، ط المنار.

الترغيب في الجهاد والاستشهاد

وروى ابن جرير الطبري عن أبي راشد أنه رأى المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص يريد الغزو- وكان شيخا كبيرا همّا قد سقط حاجباه على عينيه- فقال له: لقد أعذر الله تعالى إليك، فقال: أبت علينا سورة البعوث، يريد هذه الاية من سورة التوبة. وقال الإمام الزهري: خرج سعيد بن المسيّب إلى الغزو، وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل صاحب ضر، فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكنّي الحرب كثرت السواد، وحفظت المتاع «1» . وبحسب هؤلاء السادة الأمجاد أنهم مجتهدون في فهم الاية «2» ، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر، وبحسبهم فضلا ومثوبة هذه النية الصادقة، وبهؤلاء الأبطال المغاوير وأمثالهم- وما أكثرهم- مكّن الله للمسلمين في الأرض، وانتشر الإسلام حتى بلغ المشرق والمغرب. الترغيب في الجهاد والاستشهاد لمّا كان الجهاد هو الوسيلة لحماية العقيدة، وتأمين الدعوة، ونشر الشريعة شريعة التوحيد والحق والعدل والخير، رغّب الله ورسوله فيه أيما ترغيب. ففي الكتاب الكريم يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «3» .

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4، ص 174، ج 1، ص 428. (2) ويرى ابن عباس وغيره أن حكم هذه الاية كان في مبدأ الأمر ثم نسخت بقوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وقوله: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ.... (3) سورة التوبة: الاية 111.

وقال مبيّنا الفرق ما بين المجاهدين والقاعدين: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً «1» . وقال مرشدا إلى أعظم طرق الخير: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «2» . وقال مبيّنا أن القتال وإن كان مكروها للنفس بحسب الفطرة، لكنه قد يكون فيه الخير الكثير: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «3» . وإذا جاز لغير المسلم أن يخشى الجهاد أو يفرّط فيه فلا يجوز ذلك للمسلم، إذ مال الجهاد له إما نصر وغنيمة وإما أجر وشهادة، وكلا الأمرين غنم وجميل، قال سبحانه: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ «4» .

_ (1) سورة النساء: الاية 95. والمراد بالقاعدين أولا أصحاب الأعذار، وبالقاعدين ثانيا من لا عذر لهم. (2) سورة الصف: الايتان 10، 11. (3) سورة البقرة: الاية 216. (4) سورة التوبة: الاية 52.

الاستشهاد في سبيل الله

وفي السنة النبوية الكثير من الأحاديث المرغبة في الجهاد، المنفّرة من التفريط فيه، ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تضمّن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي وبرسلي أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، بما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده لولا أن أشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلّفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله، فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل» ، وفي صحيح البخاري مرفوعا: «رباط «1» يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها» ، وفي صحيح مسلم مرفوعا: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه» ، وعين المرابط التي تبيت وتحرس، وتراقب الأعداء في سبيل الله، ولا تذوق طعم الكرى هي عين أوجب الله لها الجنة، ففي الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعا: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» «2» . وفي مواقف الرسول في الغزوات مواطن مشهودة تشجع الجبان، وتجرىء الشجاع، حتى يصير منه ليثا هصورا. الاستشهاد في سبيل الله وكذلك رغّب الإسلام في الاستشهاد في سبيل الله، ففي الكتاب الكريم: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «3» .

_ (1) الرباط والمرابطة: الإقامة في الثغور وهي: المواضع التي يخاف منها هجوم الأعداء كالموانىء والمطارات ونقط المراقبة. (2) حديث حسن. (3) سورة ال عمران: الايتان 169، 170.

الأطوار التي مر بها الجهاد

وهي حياة برزخية روحية تتمتاع فيها الروح بشتى أنواع الملذات الحسية والمعنوية «1» ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية فقال: «أرواحهم في جوف طيور خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطّلع الله عليهم إطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ فقالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» . وفي مسند الإمام أحمد نحو حديث مسلم وفي اخره: «فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلّغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ.. الاية. فلا تعجب وهذا موقف القران والسنة من الجهاد والاستشهاد أن ضرب المسلمون الأولون في باب الجهاد وحب الاستشهاد مثلا عليا نادرة، وأن جادوا بأرواحهم طيبة بذلك نفوسهم، وأن حرصوا على الموت أكثر من حرصهم على الحياة، وكانت لهم في هذا المضمار بطولات لم يعرفها التاريخ لغيرهم، وسيأتيك من أنباء هذه البطولات الشيء الكثير. الأطوار التي مرّ بها الجهاد الطور الأول لقد كان القتال في هذا الدور مقصورا على القرشيين الذين عذّبوهم، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، والذين لا يزالون يعذبون المستضعفين الذين

_ (1) وهذه الحياة البرزخية فوق الحياة الدنيوية لتجرد الأرواح فيها من شوائب المادة، وخلوها من البلاء، والالام، والمنغصات التي لا تسلم منها الحياة الدنيوية، ودون الحياة الاخروية لعودة الأرواح فيها إلى أجسادها، وكمال التمتاع فيها باللذائذ الروحية والجسمانية.

الطور الثاني

لم يستطيعوا أن يهاجروا، أما من لم يحارب المسلمين ولم يتسبب في إخراجهم فلا يحارب، وهذا هو ما صدعت به الاية الكريمة: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ إلى قوله: فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» . الطور الثاني إن بعض القبائل كانوا أحلافا لقريش، أو صاروا أحلافا لها بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فحملوا على المسلمين تمشيا مع سياسة قريش العامة، أو أخذا بثأرها، ومن هؤلاء من فكروا في مهاجمة المدينة، أو هاجموها بالفعل، كما فعل كرز بن جابر الفهري، فقد أغار على سرح المدينة، وكان ذلك سببا في خروج المسلمين إليه في غزوة بدر الأولى فلم يدركوه. ومنهم من تحرشوا بالمسلمين أو قتلوا بعوثا منهم غدرا وغيلة كما حدث في سريتي الرجيع والقرّاء، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبادر إلى لقائهم أو يرسل إليهم السرايا والبعوث ليعاقبهم على بغيهم، ويرد عليهم كيدهم، ومن هذه القبائل: بنو غطفان، وبنو سليم، وبنو عامر، والأحابيش أحلاف قريش، وقبائل نجد وثقيف، وقد أفادت حروبه مع هؤلاء كثيرا، فقد اطّلعوا على الإسلام، وعرفوا سماحته، فأسلم منهم الكثيرون، وصاروا أعوانا للإسلام بعد أن كانوا حربا عليه. الطور الثالث لمّا تمالأ المشركون في مكة وخارجها على المسلمين وصاروا يدا واحدة في قتالهم لم يكن بدّ من قتال هؤلاء جميعا، كما يقاتلون جميعا المسلمين، وهذا هو ما أراده الله سبحانه بقوله:

_ (1) سورة البقرة: الايات 190- 193.

الطور الرابع

وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ «1» . وبذلك صار الجهاد عاما لكل من ليس له كتاب سماوي، وفي هذا الدور من الجهاد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله» «2» . الطور الرابع كان النبي صلى الله عليه وسلم قد وادع اليهود وعاهداهم، وبذلك أمّنهم على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ولكنهم لم يلبثوا أن نقضوا العهد، وتمالأوا مع المشركين وصاروا يحرّضونهم على قتال النبي كما حدث في أحد وغيرها، بل حاولوا طعن المسلمين في ظهورهم كما حدث في غزوة الأحزاب، وطالما سعوا في إفساد ما بين الأوس والخزرج، وإفساد ما بين المهاجرين والأنصار، وبذلك أصبحوا شوكة في ظهور المسلمين، وجراثيم إفساد في المجتمع المدني لابدّ من القضاء عليها، فلذلك أمر الله سبحانه نبيّه بقتالهم بعد إيذانهم بنقض ما بينه وبينهم من عهود بقوله سبحانه: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ «3» وهو أدب من اداب الحرب في الإسلام لم تصل إليه المدنيّة في القرن العشرين!! وقد قتل المسلمون البعض، وأجلوا البعض الاخر عن المدينة، ولم يلبثوا أن قطع دابرهم من جزيرة العرب كلها، وأراح الله منهم العباد والبلاد.

_ (1) سورة التوبة: الاية 36. (2) صحيح البخاري كتاب الإيمان- باب «فإن تابوا وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة» . (3) سورة الأنفال: الاية 58.

الطور الخامس

الطور الخامس لما فتح المسلمون مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، ودانت لهم الطائف وما حولها، ونجد وما جاورها، لم تلبث الجزيرة العربية أن صارت مؤمنة مواحدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل كتبا إلى الملوك والأمراء في الهدنة ما بين الحديبية والفتح، عارضا عليهم الدخول في الإسلام، فمنهم من أسلم، ومنهم من أبى وتوعّد، وبذلك أصبحت دعوة الإسلام معروفة عند الدول المتاخمة للجزيرة، والمعروفة للمسلمين وقتها، ثم تحفّزت الروم لغزو بلاد المسلمين، فلما علم الرسول جمع الجموع وخرج إليهم فلم يجد أحدا، فرجع بعد أن أراهم أن سلطان الله في الأرض لا يرهب أحدا. وهذا الدور من أهم أدوار الكفاح والجهاد، فقد انتقلت الدعوة إلى العالمية، وانتقل ميدان الجهاد إلى خارج الجزيرة، وحدثت بعد وفاة الرسول الوقائع المشهورة بين الدولة الناشئة ودولتي الفرس والروم، وتمت الفتوحات العظيمة في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها، وتحققت سنّة الله في الكون من تغليب المؤمنين على الكافرين، والمحقّين على المبطلين وصدق الله: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ «1» . وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ «2» . رد الفرية الكبرى من الأكاذيب التي يرددها أعداء الإسلام والمسلمين أن الإسلام قام على السيف، وأنه لم يدخل فيه معتنقوه بطريق الطواعية والاختيار، وإنما دخلوا فيه

_ (1) سورة القصص: الاية 5. (2) سورة الأنبياء: الاية 105.

بالقهر والإكراه، وقد اتخذوا من تشريع الجهاد في الإسلام وسيلة لهذا التجنّي الكاذب الاثم، وشتان ما بين تشريع الجهاد وما بين إكراه الناس على الإسلام، فإن تشريع الجهاد لم يكن لهذا، وإنما كان لحكم سامية، وأغراض شريفة كما علمت انفا. وهذه الدعوى الباطلة الظالمة كثيرا ما يرددها المبشرون والمستشرقون، الذين يتأكلون من الطعن في الإسلام وفي نبيّ الإسلام، ويسرفون في الكذب والبهتان، فيتصايحون قائلين: أرأيتم؟!! هذا محمد يدعو إلى الحرب، وإلى الجهاد في سبيل الله، أي إلى إكراه الناس بالسيف على الدخول في الإسلام، وهذا على حين تنكر المسيحية القتال، وتمقت الحرب، وتدعو إلى السلام، وتنادي بالتسامح، وتربط بين الناس برابطة الإخاء في الله وفي السيد المسيح عليه السلام «1» . وقد فطن لسخف هذا الادعاء كاتب غربي كبير هو: «توماس كارليل» صاحب كتاب الأبطال وعبادة البطولة، فإنه اتخذ نبيّنا محمدا- عليه الصلاة والسلام- مثلا لبطولة النبوّة، وقال ما معناه: (إن اتهامه- أي سيدنا محمد- بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم، إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا امن به من لا يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدّقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها) «2» . ومن الإنصاف أن نقول: إن بعض المستشرقين لم يؤمن بهذه الفرية، ويرى أن الجهاد كان لحماية الدعوة، ورد العدوان، وأنه لا إكراه في الدين، وإليك ما كتبه «أميل در منغم» في هذا قال «3» :

_ (1) من حياة محمد لهيكل ص 246. (2) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه للعقاد ص 227 ط الهلال. (3) حياة محمد لدر منغم ص 166 ترجمة عادل زعيتر.

(لم يشرع الجهاد لهداية الناس بالسيف، ففي القران لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، والقران يأمر المسلمين بالاعتدال، وبأن لا يبدؤوا بالاعتداء، وما تجده في القران من الايات المتتابعة، أو المبثوثة، أو المبعثرة في سوره حول الجهاد، فيشير إلى حوادث ذلك الزمن الراهنة، وإلى ما يجب على محمد أن يسلكه هو وأصحابه في المغازي تبعا لتبدل الأحوال، ولذلك نرى من اللغو جعل تلك الايات شاملة لأحوال أخرى، واستخراج مبدأ عام) «1» . وهاتان الشهادتان الحقتان من «كارليل» و «در منغم» لهما قيمتهما العلمية في هذا الموضوع الخطير، إذ إنهما من رجلين لا يدينان بالإسلام. وأحب قبل الشروع في ردّ هذه الفرية أن أبيّن كذب مزاعمهم في أن المسيحية تنكر القتال على إطلاقه، وتمقت الحرب، وتدعو إلى السلام، من كلام السيد المسيح نفسه قال: «لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته. من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها» «2» ، فما رأي المبشرين والمستشرقين في هذا؟ أنصدقهم ونكذب الإنجيل؟ أم نكذبهم ونصدق الإنجيل؟! الجواب معروف ولا ريب. وأما التوراة فشواهد تشريع القتال فيها أكثر من أن يحصى، على ما فيه من الصرامة وبلوغ الغاية في الشدة، مما يدل دلالة قاطعة على الفرق ما بين اداب الحرب في الإسلام، وغيره من الأديان «3» .

_ (1) وذلك مثل قوله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ سورة الأنفال: الاية 39، وقوله: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً سورة التوبة: الاية 36. (2) إنجيل متى، الإصحاح العاشر فقرة 35 وما بعدها. (3) أدلة اليقين في الرد على مطاعن المبشرين ص 409.

وليس أدل على افترائهم من أن تاريخ الأمم المسيحية في القديم والحديث، شاهد عدل على رد دعواهم، فمنذ فجر المسيحية إلى يومنا هذا، خضبت أقطار الأرض جميعها بالدماء باسم السيد المسيح. خضّبها الرومان، وخضّبتها أمم أوروبا كلها، والحروب الصليبية إنما أذكى المسيحيون- ولم يذك المسلمون- لهيبها، ولقد ظلّت الجيوش باسم الصليب تنحدر من أوروبا خلال مئات السنين قاصدة أقطار الشرق الإسلامية، تقاتل، وتحارب، وتريق الدماء، وفي كل مرة كان البابوات خلفاء المسيح كما يزعمون- يباركون هذه الجيوش الزاحفة للاستيلاء على بيت المقدس، والبلاد المقدسة عند المسيحية، وتخريب بلاد الإسلام. أفكان هؤلاء البابوات جميعا هراطقة، وكانت مسيحيتهم زائفة؟! أم كانوا أدعياء جهالا، لا يعرفون أن المسيحية تنكر القتال على إطلاقه؟! أجيبونا أيها المبشّرون والمستشرقون المتعصبون!!. فإن قالوا: تلك كانت العصور الوسطى عصور الظلام، فلا يحتج على المسيحية بها، فماذا يقولون في هذا القرن العشرين الذي نعيش، والذي يسمونه عصر الحضارة الإنسانية الراقية؟!. لقد شهد هذا القرن من الحروب التي قامت بها الدول المسيحية، ما شهدت تلك العصور الوسطى المظلمة بل وأشد وأقسى!! ألم يقف «اللورد اللنبي» ممثل الحلفاء: إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، ورومانيا، وأميركا في بيت المقدس في سنة (1918) حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلا: (اليوم انتهت الحروب الصليبية) ؟!. وأ لم يقف القائد الفرنسي «غورو» ممثل الحلفاء أيضا- وقد دخل دمشق- أمام قبر البطل المسلم «صلاح الدين الأيوبي» قائلا: (لقد عدنا يا صلاح الدين) ؟!!. إن الإسلام إنما غزا القلوب وأسر النفوس بسماحة تعاليمه: في العقيدة، والعبادات، والأخلاق، والمعاملات، وادابه في السلم والحرب، وسياسته الممثلة

في عدل الحاكم، وإنصاف المحكومين، والرحمة الفائقة، والإنسانية المهذبة في الغزوات والفتوح، إنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فلا عجب أن أسرعت إلى اعتناقه النفوس، واستجابت إليه الفطرة السليمة، وتحمّلت في سبيله ما تحملت، فاستعذبت العذاب، واستحلت المر، واستسهلت الصعب، وركبت الوعر، وضحت بكل عزيز وغال في سبيله. والان وقد فرغنا من تفنيد ما بنوا عليه مزاعمهم الكاذبة، من دعوة الإسلام إلى الجهاد، وتحريم المسيحية له، فلنأخذ في تفنيد هذه الدعوى الظالمة من واقع تاريخ الدعوة المحمدية قبل فرض الجهاد، ومن حكم تشريعه في الإسلام، ومن نصوص القران والسنّة المتكاثرة، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير خلفائه الراشدين وأصحابه، ومن واقع تاريخ المسلمين اليوم، وما تعرضوا له من اضطهاد وحروب ومظالم، لم تزدهم إلا صلابة في التمسك بالإسلام، والعض عليه بالنواجذ، فأقول وبالله التوفيق: 1- لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو إلى الله بالحجة والموعظة الحسنة، وقد دخل في الإسلام في هذه الفترة من الدعوة خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء، ولم يكن عند رسول الله من الثراء ما يغري هؤلاء، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، وقد تحمّل المسلمون ولا سيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم من صنوف العذاب والبلاء ألوانا، فما صرفهم ذلك عن دينهم، وما تزعزعت عقيدتهم، بل زادهم ذلك صلابة في الحق، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم، وما سمعنا أن أحدا منهم ارتدّ سخطا عن دينه، أو أغرته مغريات المشركين في النكوص عنه، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاء ونقاء، وكالحديد لا يزيده الصهر إلا قوة وصلابة، بل بلغ من بعضهم أنهم وجدوا في العذاب عذوبة، وفي المرارة حلاوة. ثم كان أن هاجر بعضهم إلى بلاد الحبشة هجرتين، ثم هاجروا جميعا الهجرة الكبرى إلى المدينة، تاركين الأهل والولد والمال والوطن، متحملين الام

الاغتراب، ومرارة الفاقة والحرمان. واستمر الرسول بالمدينة عاما وبعض العام يدعو إلى الله بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، وقد دخل في الإسلام من أهل المدينة قبل الهجرة وبعدها عدد كثير عن رضا واقتناع ويقين واعتقاد، وما يكون لإنسان يحترم عقله ويذعن للمقررات التاريخية الثابتة، أن يزعم أنه كان للنبي والمسلمين في هذه الأربعة عشر عاما أو تزيد حول أو قوة ترغم أحدا على الدخول في الإسلام، إلا إذا ألغى عقله وهدم التاريخ الصحيح. 2- إن تشريع الجهاد في الإسلام لم يكن لإرغام أحد على الدخول في الإسلام كما زعموا، وإنما كان للدفاع عن العقيدة، وتأمين سبلها ووسائلها، وتأمين المعتنقين للإسلام، وردّ الظلم والعدوان، وإقامة معالم الحق، ونشر عبادة الله في الأرض، وبحسبنا في هذا المقام ما ذكرته انفا في حكمة مشروعية الجهاد من نص القران، وما عرضت له في الأطوار التي مرّ بها الجهاد، من أن القتال كان للمقاتلين والمعتدين، فلما تمالأ المشركون على المسلمين أمرهم الله بقتالهم عامة، ثم ماذا يقول هؤلاء المغرضون في قوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «1» . فالإسلام لم يقف عند حدّ أن من سالمنا سالمناه، بل لم يمنع من البر بهم والعدل معهم، وعدم الجور عليهم، وكذلك كان موقف القران كريما جدا مع الذين قاتلوا المسلمين، وأخرجوهم من ديارهم، أو ساعدوا عليه، فلم يأمر بظلمهم أو البغي عليهم، وإنما نهى عن تولّيهم بإفشاء الأسرار إليهم، أو نصرتهم وإخلاص الودّ لهم، فإن حاربونا حاربناهم، وإن كفوا عنّا كففنا عنهم، وصدق الله: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا.

_ (1) سورة الممتحنة: الايتان 8، 9.

3- نصوص القران والسنة الصحيحة تردان على هذا الزعم وتكذبانه. وقد صرح الوحي بذلك في غير ما اية قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1» . وإليك ما ذكره ثقات المفسرين في سبب نزول هذه الاية: روي أنه كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصران قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الزيت، فلزمهما أبوهما وقال: لا أدعكما حتى تسلما، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل الله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ... ، فخلّى سبيلهما، وقال الزهري: سألت زيد بن أسلم عن قوله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحدا في الدين، فأبى المشركون إلا أن يقاتلوه، فاستأذن الله في قتالهم فأذن له. ومعنى «لا إكراه في الدين» أي دين الإسلام ليس فيه إكراه عليه. وقال سبحانه: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «2» . وقال: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ «3» . فالاية نص في أن من اختار الإيمان فباختياره، ومن اختار الكفر فباختياره، فلا إكراه، ولكن مع هذا التخيير فالله سبحانه يحب الإيمان ويرضاه

_ (1) سورة البقرة: الاية 256. (2) سورة يونس: الاية 99. (3) سورة الكهف: الاية 29.

ويدعو إليه، ويكره الكفر ويحذّر منه، ونصوص القران حافلة في هذا المعنى، ولهذا عقّب الله التخيير بقوله محذرا ومنفرا: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها. والكفر رأس الظلم، فلا يتوهمن أحد أن حمل الاية على التخيير وعدم الإكراه يشعر بإباحة الكفر أو الرضا، حاشا لله أن يكون هذا، ولعل خوف هذا التوهم هو الذي حدا كثيرا من المفسرين على حمل الاية على التهديد والوعيد، حتى مثّل علماء البلاغة للأمر الذي يراد به التهديد بهذه الاية، فالاية بنصها تخيير، ولكنه تخيير يستلزم تهديدا ووعيدا لا محالة في حال اختيار الكفر على الإيمان، وهي نصوص صريحة في عدم الإكراه على الإسلام. وأما السنة فقد جاءت مؤيدة لما جاء به القران، وإليك طرفا منها: روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا «1» ، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم» «2» . وهكذا ترى أن النبي لم يأمر بالقتال إلا بعد أن تستنفد الوسائل السلمية، وليس بعد استنفادها إلا أنهم قوم مفسدون أو يريدون الحرب، وقد بينت فيما سبق أن الجزية ليست للإرغام على الإسلام، وإنما هي نظير حمايتهم

_ (1) الغلول: الخيانة في الغنيمة، الغدر: عدم الوفاء بالعهود في الحروب، المثلة: تقطيع أعضاء المقتول، وتشويه جسده بعد القتل أو قبله. (2) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 12 ص 37، 39.

وتأمينهم وتقديم شتى الخدمات لهم، وليس أدل على هذا مما رواه البلاذري في فتوح البلدان أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع، وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لواقعة اليرموك ردّوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الجزية وقالوا: (قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم) ، فقال أهل حمص: (لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل- مع أنه على دينهم- عن المدينة مع عاملكم) ، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود. وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه، وإلا فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد «1» ... وقد يقول قائل فما تقول في الحديث الشريف: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» ؟ قلنا: المراد بالحديث فئة خاصة، وهم وثنيو العرب، أما غيرهم من أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهم على التخيير بين الأمور الثلاثة التي نص عليها حديث مسلم. على أن بعض كبار الأئمة كمالك والأوزاعي ومن رأى رأيهما يرون أن حكم مشركي العرب كحكم غيرهم في التخيير بين الثلاثة: الإسلام، أو الجزية أو القتال، واستدلوا بحديث مسلم السابق، ويقولون: إن حديث «أمرت أن أقاتل الناس» منسوخ، أو أن فيه إيجازا واقتصارا على بعض الأمور الثلاثة «2» . وإذا نظرنا بعين الإنصاف إلى الذين حملوا حديث المقاتلة على وثنيي العرب، لا نجده يجافي الحق والعدل، فهؤلاء الوثنيون الذين بقوا على شركهم لم يدعوا وسيلة من وسائل الصد عن الإسلام إلا فعلوها، ثم هم أعرف الناس بصدق الرسول، فهو عربي من أنفسهم والقران عربي بلغتهم، فالحق بالنسبة

_ (1) أشهر مشاهير الإسلام، ج 1 ص 52. (2) فتح الباري، ج 1 ص 64.

إليهم واضح ظاهر، فلم يبق إلا أنهم متعنتون معوّقون لركب الإيمان والعدل والحضارة عن التقدم. هذا إلى أن الشرك مذهب فاسد، والمذاهب الفاسدة تحارب ويحارب دعاتها بكل الوسائل، من قتل أو نفي أو سجن، وهذا أمر مقرر في القديم والحديث. وها هي دول الحضارة اليوم في سبيل تأمين سلامتها، بل وفي سبيل إرضاء نزواتها وأهوائها تزهق الالاف من الأرواح، ويغمض الناظرون أعينهم عن هذا ولا يعترض المعترضون، فهل هذا حلال لهم حرام على غيرهم؟!. فالإسلام حينما لم يقبل من مشركي العرب المحاربين إلا الإسلام بعد ما تبين لهم الحق، وأصبحوا قلة تعتنق مذهبا فاسدا بجانب الكثرة الكاثرة من العرب التي أسلمت طواعية واختيارا لم يكن متجنيا ولا ظالما، فالحديث كيفما فهمناه لا ينهض دليلا للمفترين على الإسلام. 4- ويرد هذه الفرية ويقتلعها من أساسها ما التزمه الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته من التسامح مع أناس أسروا وهم على شركهم، فلم يلجئهم على الإسلام، بل تركهم واختيارهم. ذكر الثقات من كتّاب السير والحديث أن المسلمين أسروا في سرية من السرايا سيد بني حنيفة- ثمامة بن أثال الحنفي- وهم لا يعرفونه، فأتوا به إلى رسول الله فعرفه وأكرمه، وأبقاه عنده ثلاثة أيام، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام عرضا كريما فيأبى ويقول: إن تسأل مالا تعطه، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، فما كان من النبي إلا أن أطلق سراحه. ولقد استرقت قلب ثمامة هذه السماحة الفائقة، وهذه المعاملة الكريمة، فذهب واغتسل، ثم عاد إلى النبي مسلما مختارا، وقال له: (يا محمد، والله ما كان على الأرض من وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي. والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي. والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فقد أصبح أحب البلاد إلي) .

وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه سرورا عظيما، فقد أسلم بإسلامه كثير من قومه، ولم يقف أثر هذا التسامح في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه بل كانت له اثار بعيدة المدى في تاريخ الدعوة الإسلامية، فقد ذهب إلى مكة معتمرا، فهمّ أهلها أن يؤذوه ولكنهم ذكروا حاجتهم إلى حبوب اليمامة، فالى على نفسه أن لا يرسل لقريش شيئا من حبوب اليمامة حتى يؤمنوا، فجاهدوا جهدا شديدا فلم يروا بدّا من الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم. ترى ماذا كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم؟ أيدع ثمامة حتى يلجئهم بسبب منع الحبوب عنهم إلى الإيمان؟ لا، لقد عاملهم بما عرف عنه من التسامح، وألاإكراه في الدين، فكتب إلى ثمامة أن يخلّي بينهم وبين حبوب اليمامة، ففعل!! فما رأيكم أيها المفترون؟ بل امتد أثر دخوله في الإسلام على أساس من الاختيار والرغبة الصادقة إلى ما بعد حياة النبي، ذلك أنه لما ارتد بعض أهل اليمامة ثبت ثمامة ومن اتبعه من قومه على الإسلام، وصار يحذر المرتدين من اتباع مسيلمة الكذاب، ويقول لهم: (إياكم وأمرا مظلما لا نور فيه، وإنه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم، وبلاء على من لم يأخذ به منكم) ، ولما لم يجد النصح معهم خرج هو ومن معه من المسلمين وانضموا للعلاء بن الحضرمي مددا له، فكان هذا مما فتّ في عضد المرتدين، وألحق بهم الهزيمة «1» . وإليك قصة أخرى: لما فتح النبي مكة ودخلها ظافرا منتصرا كان صفوان بن أمية «2» ممن أهدرت دماؤهم لشدة عداوتهم للإسلام، والتأليب على المسلمين، فاختفى وأراد أن يذهب ليلقي بنفسه في البحر، فجاء ابن عمه عمير بن وهب الجمحي وقال: يا نبي الله، إن صفوان سيد قومه، وقد هرب

_ (1) الإصابة في تمييز الصحابة، والاستيعاب بالهامش، ج 1 ص 203. (2) صفوان هذا هو الذي كان أغرى عميرا هذا على قتل النبي بعد بدر، فلما قدم عمير لتنفيذ ما اتفقا عليه أخبره النبي بما جرى، فما كان منه إلا أن أسلم وحسن إسلامه لما استيقن أنه نبي يوحي إليه من ربه.

ليقذف نفسه في البحر فأمّنه، فأعطاه عمامته، فأخذها عمير حتى إذا لقي صفوان قال له: (فداك أبي وأمي. جئتك من عند أفضل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس؛ وهو ابن عمك؛ وعزه عزك؛ وشرفه شرفك، وملكه ملكك) فقال صفوان: إني أخافه على نفسي. قال عمير: هو أحلم من ذلك وأكرم، وأراه علامة الأمان وهي العمامة، وقيل برده، فرجع إلى رسول الله فقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني، فقال النبي: «صدق» ، فقال صفوان: أمهلني بالخيار شهرين، فقال له رسول الله: «بل أربعة أشهر» ، ثم أسلم بعد وحسن إسلامه. فهل بعد هذه الحجج الدامغة يتقوّل متقوّل على الإسلام زاعما أنه قام على السيف والإكراه؟! 5- ثم ما رأي المبشّرين والمستشرقين في أن من أكره على شيء لا يلبث أن يتحلل منه إذا وجد الفرصة سانحة له، بل ويصبح حربا على هذا الذي أكره عليه؟ ولكن التاريخ الصادق يكذب هذا، فنحن نعلم أن العرب- إلا شرذمة، تسور الشيطان عليها- ثبتوا على ما تركهم عليه الرسول، وحملوا الرسالة، وبلّغوا الأمانة كأحسن ما يكون البلاغ إلى الناس كافة، ولم يزالوا يكافحون ويجاهدون في سبيل تأمين الدعوة وإزالة العوائق من طريقها حتى بلغت ما بلغ الليل والنهار في أقل من قرن من الزمان، ومن يطّلع على ما صنعه العرب في حروبهم وفتوحاتهم لا يسعه إلا أن يجزم بأن هؤلاء الذين باعوا أنفسهم رخيصة لله، لا يمكن أن يكون قد تطرق الإكراه إلى قلوبهم، وفي صحائف البطولة التي خطوها أقوى برهان على إخلاصهم وصدق إيمانهم، وسل سهول الشام وسهول العراق، وسل اليرموك والقادسية، وسل شمال إفريقيا تخبرك ما صنع هؤلاء الأبطال. 6- ثم ما رأي هؤلاء المفترين على الإسلام في حالة المسلمين لمّا ذهبت ريحهم، وانقسمت دولتهم الكبرى إلى دويلات، وصاروا شيعا وأحزابا، وتعرضوا لمحن كثيرة في تاريخهم الطويل كمحنة التتار، والصليبيين في القديم، ودول الاستعمار في الحديث، وكل محنة من هذه المحن كانت كافية للمكرهين

على الإسلام أن يتحللوا منه ويرتدوا عنه، فأين هم الذين ارتدوا عنه، أخبرونا يا أصحاب العقول؟!! إن الإحصائيات الرسمية لتدل على أن عدد المسلمين في ازدياد، على الرغم من كل ما نالهم من اضطهاد وما تعرضوا له من عوامل الإغراء، وقد خرجوا من هذه المحن بفضل إسلامهم وهم أصلب عودا وأقوى عزيمة على استرداد مجدهم التليد وعزتهم الموروثة. بل ما رأي هؤلاء في الدول التي لم يدخلها مسلم مجاهد بسيفه، وإنما انتشر فيها الإسلام بوساطة العلماء والتجار والبحّارة كأندونيسيا، والصين، وبعض أقطار إفريقيا، وأوروبا وأمريكا، فهل جرّد المسلمون جيوشا أرغمت هؤلاء على الإسلام؟ ألا فليسألوا أحرار الفكر الذين أسلموا من أوروبا وغيرها، وسيجدون عندهم النبأ اليقين. لقد انتشر الإسلام في هذه الأقطار بسماحته، وقربه من العقول والقلوب، وها نحن نرى كل يوم من يدخل في الإسلام، وذلك على قلة ما يقوم به المسلمون من تعريف بالإسلام، ولو كنا نجرد للتعريف به عشر معشار ما يبذله الغربيون من جهد ومال لا يحصى في سبيل التبشير بدينهم وحضارتهم، لدخل في الإسلام ألوف الألوف في كل عام. ولن ترى- إن شاء الله- من يحل عروة الإسلام من عنقه أبدا مهما أنفقوا وأسرفوا في سبيل دعاياتهم التبشيرية، وبعثاتهم التعليمية والتنصيرية. أما بعد: فقد لاح الصبح لذي عينين، وتبيّن الحق لكل ذي عقل وقلب، وما إخالك- أيها القارىء المنصف- إلا ازددت يقينا بسماحة الإسلام وسماحة الرسول في الدعوة إليه، وأن ما ردّده المستشرقون والمبشرون ما هو إلا فرية كبرى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً «1» .

_ (1) سورة الكهف: الاية 5.

أحداث وتشريعات

أحداث وتشريعات تحويل القبلة إلى الكعبة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس، تأليفا لليهود وتحبيبا لهم للدخول في الإسلام، ولكن اليهود لم تثمر معهم هذه السياسة، واتخذوا من توجه النبي إلى بيت المقدس ذريعة للطعن فيه فقالوا: يخالفنا ويتبع قبلتنا؟!. فالم النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، وكان النبي يحب أن تكون قبلته هي الكعبة قبلة أبيه إبراهيم «1» ، ومفخرة ابائه وأجداده، فكان كثيرا ما يرفع بصره إلى السماء داعيا وراجيا، وقد مكث على استقبال بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، ثم أجابه الله على سؤاله، وحقق أمنيته فوجّهه إلى الكعبة البيت الحرام. قال عز شأنه: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «2» .

_ (1) أما قبلته بمكة فقيل كان النبي يستقبل بيت المقدس، ولكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس، وذلك بأن يقف بين الركنين الأسود واليماني، فلما هاجر استمر على استقبال بيت المقدس حتى نسخ الله ذلك بالتوجه إلى الكعبة، وقيل كانت قبلته الكعبة، فلما هاجر أمره الله باستقبال بيت المقدس حتى نسخ ذلك، قال ابن عبد البر عالم المغرب: وهذا أصح القولين عندي. وهو ما نرجحه، ويؤيده حديث إمامة جبريل للنبي غداة ليلة الإسراء والمعراج، فقد كان وقوفهما عند باب الكعبة، وغير ممكن لمن كان عند بابها أن يستقبل الكعبة وبيت المقدس معا. (2) سورة البقرة: الاية 144.

وبذلك تحقق للنبي والمسلمين شرف التوجه إلى القبلتين. وقد كان التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة في منتصف شهر رجب على الصحيح، وبه جزم جمهور العلماء، ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس، وذهب البعض إلى أن التحويل كان في نصف شعبان، وهو قول ضعيف، وقد اختلف العلماء في أول صلاة حصل فيها التحويل، فقيل الظهر، وقيل العصر، والتحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم زار أم بشر بن البراء بن معرور خارج المدينة في بني سلمة، فصنعت لهم طعاما، وحانت صلاة الظهر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للصلاة في مسجدهم، وبعد أن صلّى بهم ركعتين نزل جبريل على النبي بتحويل القبلة فاستدار النبي وهو في صلاته إلى الكعبة، واستدار معه أصحابه، فسمّي هذا المسجد، المسجد ذي القبلتين؛ ولا يزال مكانه موجودا إلى وقتنا هذا بالقرب من المدينة، وفيه مكان القبلتين. ثم خرج النبي إلى المدينة فحانت صلاة العصر فصلاها إلى الكعبة، ثم خرج رجل ممن صلّى معه بالمسجد النبوي، فمر على بني حارثة في مسجدهم وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم بتحويل القبلة، فاستداروا وهم في صلاتهم إلى الكعبة، ثم ذهب هذا الرجل أو غيره إلى قباء، فأدركهم في صلاة الفجر وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم بنزول القران بالتحويل إلى الكعبة، فتوجهوا في صلاتهم إليها، وبهذا التحقيق يحصل التوافق بين الروايات المختلفة الواردة في هذا المقام، والتي يكمل بعضها بعضا «1» . وقد أكثر اليهود من الطعن في النبي والمسلمين بسبب هذا التحويل، ولهجوا بقالة السوء، مع علمهم من كتبهم أن هذا سيكون، وأن توجهه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس لن يدوم، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى موقفهم هذا في قوله: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «2» .

_ (1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 5 ص 9؛ فتح الباري، ج 1 ص 79- 81. (2) سورة البقرة: الايتان 142، 143.

ثم بين سبحانه أن هذا التحويل كان بلاء واختبارا ليتميز عند الناس المؤمنون المخلصون من الشاكين المرتابين، فقال سبحانه: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ «1» . ولما كان نسخ القبلة أول نسخ وقع في الإسلام، وقارنه إرجاف اليهود والمنافقين، أكّد الله سبحانه الأمر بالتوجه إلى الكعبة في ثلاثة مواضع متقاربة، فقال سبحانه أولا: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها. وقال ثانيا: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. وقال ثالثا: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «2» . وقد روى قصة تحويل القبلة إلى الكعبة الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وإليك رواية البخاري لأنها أتم وأكمل: عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من

_ (1) سورة البقرة: الاية 143. (2) سورة البقرة: الايات 144، 149، 150.

تشريع فريضة الصيام

الأنصار، وأنه صلّى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا «1» وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلّى أول صلاة صلّاها صلاة العصر، وصلّى معه قوم فخرج رجل ممن صلّى معه فمر على أهل مسجد- هم بنو حارثة- وهم راكعون، فقال: «أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البيت، فداروا كما هم» ، وفي رواية أخرى للبخاري فنزلت: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ... الاية، وفي رواية أيضا: «أنه مات قبل أن تحوّل- يعني القبلة- رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، يعني صلاتكم التي توجهتم فيها إلى بيت المقدس» . فلله الحمد والمنة أن اختار لنا القبلة أول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين، فيه ايات بيّنات مقام إبراهيم، ومن دخله كان امنا، وأن جعل قبلتنا خير القبل، كما جعل أمتنا خير الأمم وإن كره الكافرون واليهود. تشريع فريضة الصيام «2» وفي شعبان من السنة الثانية فرض الله شريعة من أعظم شرائع الإسلام وركنا من أركانه، وهو صيام رمضان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء- وهو اليوم العاشر من المحرم-، فسألهم عن سبب ذلك فقالوا: هذا يوم نجّى الله فيه موسى وقومه فصامه موسى شكرا لله،

_ (1) قدوم النبي المدينة كان في ربيع الأول، والتحويل كان في منتصف رجب على الصحيح، فإذا اعتبرنا شهوي القدوم والتحويل شهرا كانت المدة ستة عشر شهرا، وإذا اعتبرناهما شهرين كانت المدة سبعة عشر شهرا، فمن ثمّ تردد الراوي، وبعض الروايات جاءت بالجزم. (2) الصوم والصيام في اللغة الإمساك. وفي الشرع: إمساك المكلّف نفسه بنية عن تناول الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومن كمال الصوم الإمساك عن اللغو والرفث، والفسوق، والعصيان وبذلك يشعر الصائم بفائدة الصوم، ويفوز بثمرته.

فقال النبي لهم: «نحن أولى بموسى منكم» فصامه وأمر المسلمين بصيامه، روى ذلك البخاري ومسلم، فلما فرض صوم رمضان أصبح صيام عاشوراء غير واجب، فمن شاء صامه ومن شاء أفطره، روى ذلك الشيخان أيضا عن عائشة. وقد أوجب الله صيام رمضان بقوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1» . وكان صيام رمضان في أول الإسلام على سبيل التخيير، فمن شاء صام وأدّى الفريضة، ومن شاء أفطر ووجب عليه الفداء: عن كل يوم إطعام مسكين، ثم لمّا مرنوا عليه وأصبح أمرا مألوفا أمرهم بصيامه على سبيل الإلزام ونسخ التخيير، وذلك بقوله سبحانه: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... » الاية. روى ذلك الشيخان في صحيحيهما عن سلمة بن الأكوع- واللفظ لمسلم- قال: لما نزلت هذه الاية: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الاية التي بعدها فنسختها. وهي قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وقد أكدت الايتان الرخصة للمريض أو المسافر أن يفطر ويقضي دفعا للحرج، وتيسيرا من الله على المسلمين: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.

_ (1) سورة البقرة: الايتان 183، 184. (2) سورة البقرة: الاية 185.

ويرى فريق من العلماء وعلى رأسهم ابن عباس أنه لا نسخ، وأن الايتين محكمتان، وأن قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ إنما هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فلهما أن يفطرا ويطعما بدل كل يوم مسكينا. رواه البخاري في صحيحه، وعلى رأي ابن عباس ومتابعيه تكون الايتان قد نزلتا مرة واحدة. وفي مبدأ الإسلام كان الصائم إذا أفطر يأكل ويشرب ويباشر امرأته إلى أن ينام أو يصلّي العشاء، فمتى نام أو صلّى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والمباشرة، فشق ذلك على المسلمين، ووقع بعضهم في الحرج بسبب هذا، فخفف الله عن الأمة، ورحمها، وأباح لهم هذه الثلاثة إلى طلوع الفجر «1» . روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل من حديث طويل في أحوال الصلاة والزكاة قال: وكانوا يأكلون، ويشربون، ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة- يعني ابن قيس- كان يعمل صائما حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلّى العشاء ثم نام، فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فراه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهد كثيرا فقال: «ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا» ، فأخبره. وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ندما، فذكر له ذلك، فأنزل الله سبحانه: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ ... ، إلى قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ورواه أبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه، وغيرهما. وبهذا استقر تشريع الصيام على هذا اليسر ورفع الحرج، وتأكد وجوبه بالسنة القولية والعملية المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وأجمع على هذا المسلمون، فلا يحل لمسلم أن يفرّط في هذا الأصل من أصول الإسلام الذي هو من أسس التقوى، وهي جماع الخير كله، ومن حكمه تزكية النفوس

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 1 ص 418.

زكاة الفطر

والسمو بالأرواح، وتعطيف قلوب الأغنياء على الفقراء، وتعويد النفوس على الصبر والتحمل، ومواجهة شدائد الحياة ولأوائها، ومن بعد ذلك كله يكون غفران الذنوب، والفوز برضاء الله رب العالمين. زكاة الفطر وفي رمضان من نفس العام شرع الله سبحانه وتعالى زكاة الفطر من رمضان، طعمة للمساكين والفقراء، وطهرة للصائم من اللغو والرفث، وهي على كل حر أو عبد، وذكر أو أنثى، وصغير أو كبير من المسلمين. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل الفطر بيوم أو يومين وأمرهم بذلك، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين» «1» . وهي فريضة عند جمهور الأئمة واجب عند الحنفية على قاعدتهم في التفريق بين الفرض والواجب. ولها أحكام وتفصيلات تطلب من كتب الفقه. صلاة العيد وفي هذه السنة صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد، فكانت أول صلاة عيد صلاها، وخرج بالناس إلى المصلى- كما هي السنّة- يهلّلون الله، ويكبّرونه ويعظّمونه شكرا لله على ما أفاء عليهم من النعم المتتالية، ولا سيما نعمة النصر في يوم الفرقان: يوم التقى الجمعان، وهو يوم بدر العظمى، اليوم الأغر في تاريخ الأيام، وخرجوا من بين يديه بالحربة وهي التي وهبها له النجاشي، فكانت تحمل بين يديه في الأعياد «2» ، فمن ثمّ اتخذ الأمراء من بعده الحربة يخرج بها بين يديهم في صلاة العيد.

_ (1) رواة الجماعة. (2) فتح الباري، ج 1 ص 455.

الصوم والفطرة والعيد من روافد العدالة الاجتماعية في الإسلام

وقيل إن الحربة كانت للزبير بن العوام وهبها له النجاشي، ثم وهبها للنبي صلى الله عليه وسلم «1» . الصوم والفطرة والعيد من روافد العدالة الاجتماعية في الإسلام وبتشريع الصوم وزكاة الفطر والعيد خطّط الإسلام روافد ثلاثة من روافد البر والمواساة والتكافل الاجتماعي في الإسلام، فالصوم كما أراده الله ورسوله يربي في النفس صفات السخاء والبذل والعطاء، فالصائم إذا لذعه الجوع وعضّه بنابه أدرك بحسه ووجدانه ما يعانيه الفقراء والمساكين والمعوزون، فيجد نفسه مدفوعا إلى البر والمواساة عن اقتناع وشعور، هذا إلى ما ورد في فضل البر والإنفاق والجود في رمضان، وأن من فطّر صائما كان له مثل أجره، وهذا جانب من الجوانب الفسيحة في تشريع الصيام. ثم تأتي زكاة الفطر فتكون بأدائها شاهدا من شواهد صدق المسلم في صيامه، ورافدا من روافد البر والتوسعة على الفقراء في هذا اليوم الكريم، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في يوم العيد: «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» ثم يأتي العيد، وهو موسم من مواسم الخير والتعاطف والتحابب، فيكون رافدا ثالثا، وقد كان من دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا صلّى العيد ذكر وأنذر، ورغب ورهب، فيتسابق في مضمار البذل والعطاء الرجال والنساء والصغار والكبار، وتمتد الأيدي إلى الأقراط والحلي فتلقي بها إلى بلال عن رضا وطيب خاطر. روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى يوم الفطر ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة، فجعلن يلقين: تلقي المرأة خرصها، وسخابها» «2» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 256. (2) الخرص بضم الخاء: القرط. السخاب بكسر السين: القلادة.

تشريع الزكاة في الإسلام

تشريع الزكاة «1» في الإسلام وفي السنة الثانية أيضا شرع الله الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام وكان ذلك بعد شهر رمضان، لأن تشريع الزكاة العامة كان بعد زكاة الفطر، وزكاة الفطر كانت بعد فرض صيام رمضان قطعا، يدل على هذا ما رواه الأئمة أحمد وابن خزيمة والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت فريضة الزكاة، فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله» قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح «2» . وجمهور العلماء سلفا وخلفا على أن مشروعية الزكاة إنما كانت بالمدينة في السنة الثانية، وقالوا: إن قوله تعالى في سورة الأنعام المكية: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ليس المراد به الزكاة المفروضة، وإن هذا شيء كانوا يعطونه عند الجذاذ ترضية للفقراء والمساكين من غير تقدير حد له، بل هو متروك لأريحية كل معط، فكان الواحد منهم يأتي بالقنون أو العذق فيضعه في جانب «3» المسجد، فيأتي الفقراء والمساكين فيأكلون منه، أو يعطي من حصاده ما تجود به نفسه من غير إلزام ولا تحديد بحد «4» . وذهب بعض العلماء إلى أن فرضية الزكاة كانت بمكة بهذه الاية، ثم نزل تأكيد فرضيتها وبيان أنصبتها ومصارفها، ومقدار المخرج من كل نوع إلى غير ذلك من التفصيلات في المدينة.

_ (1) الزكاة في اللغة: النماء والتطهير، وفي الشرع: إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ومسكين وغيرهما من المصارف غير هاشمي ولا مطّلبي، والمناسبة بين المعنيين ظاهرة لأن إخراجها سبب للنماء في المال أو الأجر، وأيضا فهي طهرة للنفس من رذيلة البخل، وطهرة للمجتمع من الأحقاد والمفاسد والمذاهب المنحرفة، وركنها الإخلاص، وشرطها: هو ملك النصاب الحولي، وشرط من تجب عليه: العقل والبلوغ والحرية، وبأدائها يسقط الواجب في الدنيا، ويحصل له الثواب في الاخرى. (2) فتح الباري، ج 3 ص 207. (3) مجمع الكناسة، وهي ما نسميها «السباطة» . (4) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 3 ص 410؛ فتح الباري، ج 3 ص 211، ط. بولاق.

وأيّاما كان الأمر، فقد ثبتت فرضيتها بالقران والسنة والإجماع، وأجمع الصحابة على قتال مانعها. فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله» فقال: والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا أو عقالا «1» كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق. وإنما تجب الزكاة على المسلم المكلف إذا بلغ ما يملكه نصابا من أي نوع من الأنواع التي تجب فيها الزكاة، فنصاب الذهب أن يبلغ عشرين مثقالا «2» ونصاب الفضة أن تبلغ مائتي درهم «3» ، وما زاد منهما فبحسابه، وذلك بشرط حولان الحول، ونصاب الغنم أربعون شاة، ونصاب البقر والجاموس ثلاثون، ونصاب الإبل خمس، فمن ملك نصابا منها وحال عليه الحول وكانت سائمة وجب إخراج زكاته. وعروض التجارة تقوّم بأحد النقدين، والزروع تجب فيها الزكاة على تفصيل بين الفقهاء في النصاب، وما يخرج منه وما لا يخرج، وما يسقى بالسيح أو ماء المطر وما يحتاج في سقيه إلى الة وتعب، وقد فصّلت ذلك كتب الأحاديث النبوية وكتب الفقه بما لا مزيد عليه. وقد كان الشارع حكيما في تقدير الزكاة الواجبة من كل نوع، وجعل ذلك جزا من المال لا تضنّ به النفوس الشحيحة، لأن الله يعلم حب

_ (1) العناق: الأنثى من ولد الماعز. والعقال: ما تعقل به الإبل، أي لا يترك شيئا من الزكاة قط ولو قلّ. (2) وقدر ذلك باثني عشر جنيها ذهبا تقريبا. (3) وقدر ذلك بستة وعشرين ريالا فضة تقريبا.

مصارف الزكاة

النفوس للمال، فاقتضت حكمته أن يكون جزا يسيرا، وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذه الحكمة السامية، قال عز شأنه: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ. إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ. ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ «1» . وقد رتّب الشارع الحكيم هذا الحق الذي يخرج بحسب المؤونة والتعب في المال وعدمها: فأقلها تعبا الركاز «2» ، وفيه الخمس لعدم التعب فيه أو قلّته، ويليه الزرع والثمر، فإن سقي بماء المطر والسيح فيه العشر، وإن سقي بالالة أو الدالية أو الساقية ونحوها فنصف العشر، ويليه الماشية، وقد لوحظ فيها أنها يدخلها الأوقاص «3» . مصارف الزكاة وقد تكفّلت ببيان هذه المصارف الاية الكريمة: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «4» . وقد أسقط الفاروق عمر مصرف المؤلفة قلوبهم بعد أن أعز الله الإسلام، ولم يعد في حاجة إلى تأليف، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، ويرى بعض العلماء أن حقهم لم يسقط وأنه لا يزال باقيا إذا دعت الضرورة إليه.

_ (1) سورة محمد: الايات 36- 38. (2) الركاز: ما يوجد في بطن الأرض من مال أو معدن. (3) جمع وقص بفتح القاف وسكونها، ما بين الفريضتين من نصب الزكاة مما لا شيء فيه. (4) سورة التوبة: الاية 60.

الزكاة أساس العدالة الاجتماعية الإسلامية

الزكاة أساس العدالة الاجتماعية الإسلامية إن الغرض من تشريع الزكاة هو إشراك الفقراء والمساكين ومن على شاكلتهم في أموال الأغنياء، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا معاذا إلى اليمن قاضيا أو واليا قال له: «أخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد إلى فقرائهم» «1» . والزكاة هي أساس العدالة الاجتماعية في المجتمع المسلم، ففيها اشتراك في المنفعة والثمرة لا في أصل المال، فقد ترك الشارع لأهل الأموال أموالهم لينمّوها، ثم فرض فيها حقا لازما لا يجوز التساهل فيه. قال سبحانه في صفة عباد الله المتقين: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ «2» . وقال: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ «3» . وقد سمعت انفا أن الصدّيق قاتل مانعي الزكاة، وجادله في هذا عمر حتى اقتنع برأيه، وصار أمرا مجمعا عليه من الصحابة، ولا عجب فالزكاة ركن أصيل في بناء المجتمع على أساس من التعاون والتكافل، والمشاركة في الخير والنعماء، وقد رأيت أن الإسلام جعلها حقا في الذهب والفضة، والإبل والبقر والغنم، والزروع والثمار، وعروض التجارة، بل ذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها في البقول، والخضر، والفواكه، وحلي النساء. ترى لو أن الزكاة أخرجت من كل هذه الأنواع الحولية وغير الحولية، ووزعت في مصارفها المشروعة، هل كان هناك جائع لا يجد ما يسدّ جوعته؟

_ (1) رواه البخاري. (2) سورة الذاريات: الاية 19. (3) سورة المعارج: الايتان 24، 25.

أو عار لا يجد ما يستر عورته؟ أو متشرد لا يجد مسكنا يؤويه؟ أو مريض لا يجد مستشفى يستشفى فيه، أو طالب علم لا يجد ما يعينه على طلب العلم؟. ترى لو أن الناس أخرجوا زكاة أموالهم بأمانة وإخلاص، من غير تهرب أو تحايل، ووزعت في مصارفها، هل كنت تجد بين المسلمين من يدعو إلى الشيوعية أو يعتنقها مذهبا؟ وهل كنت تجد بينهم في كثير من أقطار المسلمين هذا الفقر والضنك، وهذه الفوارق الشاسعة بين الناس؟ فهناك قلة تتمتاع بمتاع الحياة وزخارفها، بما يصل إلى حد الإسراف، وتبعثر الأموال هنا وهناك في الحانات وبيوت اللهو والفجور، وحلبات الرقص، والسباق والقمار!! وهناك الكثرة الكاثرة لا تتمتاع بالطيبات الحلالات، بل ولا تجد الضروريات. إن الزكاة حينما كانت تجمع من كل من تجب عليه، وتنفق في سبلها المشروعة في صدر الإسلام، كان المجتمع الإسلامي على خير ما يكون رخاء ورغدا، وتمتعا بالطيبات، وتالفا وتاخيا وتحاببا. فقد روى الرواة أنه في عهد خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أخصب الناس، واغتنوا حتى إنهم بحثوا عن مستحق للصدقة فلم يجدوا، فما كان منهم إلا أن اشتروا بها عبيدا وأعتقوهم لوجه الله. وهكذا بلغ الإسلام في عصوره الأولى، بمستوى حياة المسلمين ومعيشتهم حدا لم تبلغه إلا أمم قليلة اليوم، وذلك بفضل تشريع الزكاة.

الغزوات والسرايا في السنة الثانية

الغزوات والسرايا في السنة الثانية غزوة الأبواء أو ودّان «1» وهي أولى غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت في شهر صفر من السنة الثانية، خرج فيها النبي وبعض أصحابه، بعد أن استخلف على المدينة سعد بن عبادة من الخزرج ليعترض عيرا لقريش، وكان يحمل لواءه عمه حمزة أسد الله، وكان لونه أبيض، فلما وصلوا إلى ودّان وجدوا العير قد فاتتهم، فوادع النبي مخشي بن عمرو الضمري سيد بني ضمرة «2» ، وعاهده على أنهم امنون على أنفسهم، ولهم النصر على من رامهم، وأن عليهم نصر المسلمين إذا دعوا، وكانت هذه أول معاهدة عقدها الرسول مع غير يهود المدينة وقد حققت نصرا للمسلمين. غزوة بواط «3» وأقام رسول الله بالمدينة حتى كان شهر ربيع الأول من هذه السنة، فبلغه أن عيرا لقريش ايبة من الشام، فيها أمية بن خلف ومائة من قريش وألفان وخمسمائة بعير، فخرج إليها في مائتين من المهاجرين والأنصار بعد أن استخلف على المدينة سعد بن معاذ سيد الأوس، وكان يحمل لواءه سعد بن أبي وقاص، فسار حتى بلغ بواط، ولكن أمية كان قد نمي إليه خبر خروج المسلمين للقائهم، فأسرع بالقافلة ونجا بها.

_ (1) ودان بتشديد الدال، والأبواء: مكانان متقاربان بينهما نحو ستة أميال. (2) ضمرة: بفتح الضاد المعجمة وإسكان الميم. (3) بواط بفتح الباء وضمها وتخفيف الواو: جبل من جبال جهينة بالقرب من ينبع.

غزوة العشيرة

غزوة العشيرة «1» وفي جمادى الأولى أو الثانية بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش بأعظم عير لها، قد جمعوا فيها أموالهم حتى لم يبق بمكة قرشي له مثقال إلا بعث به في تلك العير، وكان يرأسها أبو سفيان بن حرب في بضعة وعشرين رجلا من قريش، فخرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وحمل لواءه عمه حمزة، ولم يزل سائرا يسعى الليل ويخفى النهار حتى بلغ العشيرة، فوجد العير قد أفلتت، مما يدل على أن قريشا بدأت تأخذ حذرها، وترسل لذلك العيون والجواسيس. وفي أثناء عودته حالف بني مدلج وحلفاءهم بمثل ما حالف بني ضمرة، وبهذا كسب أيضا ودّ قبيلة أخرى من القبائل الواقعة على طريق التجارة بين مكة والشام، وهذا ولا شك فيه تقوية للمسلمين وإضعاف لقريش، فقد قطع عليهم الرسول بهذه الأحلاف أن يستجيروا بقبيلة من هذه القبائل، ويحتموا بها، وهي سياسة حكيمة ولا ريب. غزوة بدر الأولى لم يقم الرسول بالمدينة إلا بضع ليال بعد أوبته من العشيرة، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح «2» المدينة حيث ترعى الأغنام ليأخذ منها ما تصل إليه يده، فخرج الرسول في طلبه بعد أن استخلف على المدينة زيد بن حارثة مولاه، وكان يحمل اللواء علي بن أبي طالب، حتى بلغ واديا يقال له «سفوان» من ناحية بدر، ولكن كان قد هرب كرز فلم يدركه، وهكذا بيّن النبي بهذا العمل الحازم أنه لن يقبل من أحد انتقاص حقوقهم، أو الإغارة على المدينة وما حولها من حمى وقرى.

_ (1) العشيرة بالتصغير والشين بهاء وبغيرها، وبالسين بهاء وبغيرها: مكان ببطن ينبع. (2) السرح: المرعى الذي ترعى فيه الدواب.

سرية عبد الله بن جحش

سرية عبد الله بن جحش في رجب من السنة الثانية، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رهطا من المهاجرين ثمانية «1» ، وقيل سبعة، وأمّر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، وأعطاه كتابا وقال له: «لا تفتحه إلا بعد يومين، فإذا فتحته فامض لما أمرتك به، ولا تستكره أحدا من أصحابك» فلما سار بهم يومين فتحه فإذا فيه: «إذا نظرت كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصّد بها قريشا وتعلّم لنا من أخبارهم» فلما قرأ الكتاب قال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه بما في هذا الكتاب، وقال: قد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلّف منهم أحد. وإنما وقع اختيار النبي على هذا المكان البعيد لأن أهل مكة كانوا قد بدؤوا يحتاطون لتجارتهم، ويأخذون لها الحذر، ويجتهدون في إخفاء أخبارها عن أهل المدينة، فغلبهم النبي على حذرهم، وأراد أن يتعرف أخبار تجارتهم من وادي نخلة الواقع بين مكة والطائف؛ وكانت حكمة بالغة أن لم يخبر النبي السرية بمقصده من إرسالهم ووجهتهم قبل مغادرتهم المدينة، حذرا من أن يشاع الخبر، فينقله أحد المنافقين أو اليهود إلى قريش، فتترصدهم في هذا المكان النائي عن المدينة، وهم قلة فتقتلهم.

_ (1) هم: أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التميمي، وخالد بن البكير، وسهيل بن بيضاء الفهري.

وسار الركب حتى وصلوا مكانا يسمى «بحران» ، فأضلّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه؛ فتخلّفا في طلبه، ومضى بقية الركب، حتى نزلوا «نخلة» ، فمرت بهم عير لقريش فيها عمرو بن الحضرمي ومعه ثلاثة اخرون، فلما راهم القرشيون هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم، فأطلّ عليهم عكاشة بن محصن «1» ، وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا وقالوا: عمّار لا بأس عليكم منهم. وتشاورت السرية في أمرهم وكان في اخر يوم من رجب «2» ، فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم، فليمتنعنّ به منكم، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجّعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتالهم، وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وأسروا اثنين وأفلت واحد، واستاقوا العير، ورجعوا بها وبالأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما علم أنهم قاتلوا في رجب قال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» ، ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فسقط في يد رجال السرية، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنّفهم إخوانهم المسلمون، واتخذ المشركون مما حدث وسيلة للطعن في المسلمين، وقالوا: قد استحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا الأموال، وأسروا الرجال، وأرجف اليهود والمنافقون في المدينة قصد إشعال الفتنة. وفي هذه الغمرة من الأسى والأسف، والتثريب والعتاب والإرجاف من الأعداء، نزل الوحي من السماء بقول الله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ

_ (1) عكاشة: بضم العين وتشديد الكاف، وقد تخفف، ومحصن: بكسر الميم وفتح الصاد. (2) وقيل إن ذلك كان في اخر يوم من جمادى الثانية، فقاتلوهم ظنا منهم أنه من جمادى، ثم ظهر أنه من رجب فندموا.

وقفة عند ما نزل من القران

مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . فكان في هذا إعذار من الله لأصحاب السرية، فسري عنهم وعن المسلمين ما كانوا فيه من الكرب والغمة، فقبض الرسول العير والأسيرين، وبعثت قريش في فدائهما، فقال رسول الله: «لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يريد سعدا وعتبة- فإنا نخشاكم عليهما، فإن قتلتموهما نقتل صاحبيكم» ، فقدم سعد وعتبة سالمين، فأفداهما رسول الله، فأما أحد الأسيرين وهو الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه وأقام بالمدينة حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا؛ وأما الثاني وهو عثمان بن عبد الله بن المغيرة فلحق بمكة، ومات بها كافرا. وقفة عند ما نزل من القران وما كان لنا أن نمر بهذه الاية دون أن نعرض لها بالبحث والاستنتاج، فقد كان ذلك مفترق طرق في سياسة الإسلام من تقدير للقيم الدينية والخلقية، وسمو بالمعاني الروحية والإنسانية، وعدم إغفال للبواعث الشريفة التي دعت رجال السرية للقتال في الشهر الحرام، دون الوقوف عند الظواهر والرسوم وما التزمه الناس من تقاليد كريمة مشروعة أو موروثة، فالله سبحانه أجاب المتسائلين بأن القتال في الشهر الحرام أمر كبير، ولكن هناك من الكبائر التي قام بها المشركون تجاه المسلمين ما هو أكبر وأعظم، فالصد عن سبيل الله- وهو الإسلام- والكفر به، والصد عن المسجد الحرام أن تؤدّى فيه الشعائر والمناسك، وإخراج المسلمين من بلدهم وأهليهم وأموالهم كلها أكبر عند الله مما فعل المسلمون!!.

_ (1) سورة البقرة: الايتان 217- 218.

ثم هم مع كل جرائمهم هذه فعلوا ما هو أشنع وأظلم، فقد ابتغوا الفتنة، فتنة المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، وسلكوا كل وسيلة ممكنة للفتنة من وعد ووعيد وإغراء وتعذيب، وتجردوا في هذا من معاني الإنسانية والرحمة، ولا يزالون- وقد فعلوا كل هذه الجرائم- يحاولون جاهدين فتنة المسلمين وقتالهم والتضييق عليهم، فإذا كان المشركون يرتكبون هذه الكبائر كلها فلا جناح على من وقعت عليهم هذه الكبائر والاثام إن قاتلوهم في الشهر الحرام، وأسروا منهم، واستاقوا عيرهم، وإنما الحرج والإثم أن يقاتل في الشهر الحرام من يجترح هذه الأوزار والاثام. وفي الاية الثانية عدة بالجميل لمن هاجر وجاهد في سبيل الله على سبيل الرجاء، وهو أسلوب من أساليب القران قصد به إزالة الأطماع، وعدم الاتكال والاعتماد على ما قدّموا من أعمال مجيدة فيما مضى، وحثّ لهم على إدامة الجهاد والكفاح فيما يأتي وما يستقبلون من حياتهم، وفي ضمن هذا عدة لأصحاب هذه السرية بالأجر والمغفرة.

غزوة بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى ترقب وانتظار بقي الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالمدينة يترقبون قدوم العير العظيمة التي أفلت بها أبو سفيان، وكانت تبلغ ألف بعير، فيها معظم أموال قريش، وهي التي خرج للقائها في غزوة العشيرة التي مرّ الحديث عنها انفا. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين من أصحابه هما: طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى «الحوراء» على البحر الأحمر، وهي محطة من محطات القوافل التي تسير بين الحجاز والشام ولابدّ للعير أن تمر بها يترصدانها، وقد تمكن الرجلان من أن يستميلا قبيلة جهينة، وأقاما يتسقّطان الأخبار، حتى تأكدا من موعد مبارحتها الشام، فعادا إلى الرسول يبلغانه الخبر، ويقال إن الرسول لم ينتظر قدوم الرسولين من مهمتهما وقرر الخروج إلى طريق الشام، خشية أن تفوته العير في إيابها كما فاتته في ذهابها ولا سيما أنه قوّم ما فيها بخمسين ألف دينار. الخروج إلى العير ندب الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الخروج قائلا: «هذه عير قريش، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها» «1» فخفّ لدعوته أقوام، وتثاقل عنها اخرون، لظنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد حربا، وقوي عندهم هذا الظن أن الرسول قال: «من كان ظهره حاضرا فليركب معنا» ولم ينتظر من كان ظهره غائبا، فخرج

_ (1) في القاموس: نفله ونفّله وأنفله: أعطاه إياه، والنفل: الغنيمة.

رسول الله صلى الله عليه وسلم لثلاث وقيل لثمان ليال خلون من رمضان، وكان معه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، منهم نيّف وأربعون ومائتان من الأنصار، والباقي من المهاجرين، ولم يتخلّف منهم إلا عثمان بن عفان لتمريض زوجته السيدة رقية بنت الرسول فقد اشتد عليها المرض. واستخلف النبي عبد الله بن أم مكتوم ليصلي بالناس في المدينة، وردّ أبا لبابة الأنصاري من الرّوحاء واستعمله على المدينة، وردّ عاصم بن عدي أيضا واستخلفه على قباء والعالية، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، وكان أبيض، وبين يدي رسول الله رايتان سوداوان: إحداهما مع علي بن أبي طالب، والثانية مع سعد بن معاذ، وكان معهم فرسان: أحدهما للزبير بن العوام، والثاني للمقداد بن الأسود، وسبعون بعيرا يعتقبونها، كل ثلاثة أو أربعة يتناوبون بعيرا. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وأبو لبابة على بعير ولما ردّ أبا لبابة كان ثالثهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي «1» ، وضرب رسول الله مع صاحبيه غاية العدل والرحمة، ذلك أنه لما جاءت نوبته في المشي قالا له: نحن نمشي عنك فقال: «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما» . وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا. وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة «2» يتعاقبون بعيرا. وسار الجيش القليل في عدده الكثير بروحه وإيمانه حتى وصل إلى «بيوت السقيا» خارج المدينة، وعسكر فيها واستعرض النبي من خرج معه، فردّ من ليس له قدرة على الحرب المحتملة الوقوع، وكان ممن ردّ: البراء بن عازب، وعبد الله بن عمر، ففي صحيح البخاري عن البراء قال: «استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يوم بدر نيّفا على ستين، والأنصار نيّفا وأربعين ومائتين» » .

_ (1) أبو مرثد اسمه كناز بن حصين ينتهي نسبه إلى قيس بن عيلان. (2) الثلاثة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب «عدة أصحاب بدر» .

أبو سفيان واستنفار قريش

وروي عن البراء أيضا: «أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، بضعة عشر وثلاثمائة» . وقد اختلف في هذا البضع، فقيل: ثلاثة عشر، وقيل: أربعة عشر، وقيل: خمسة عشر، ولا ينافي هذا ما ذكره ابن سعد من أنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة رجال، وما ذكره ابن جرير من أنهم كانوا ثلاثمائة وستة؛ لأن هناك صحابة عدوا من أهل بدر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ بعضهم، استخلافا له كسيدنا أبي لبابة، أو تخلّفوا عنها لأعذار وضروريات كسيدنا عثمان، فقد تخلّف لتمريض زوجته السيدة رقية بنت الرسول، وكسيدنا الحارث بن الصمة، فقد كسرت رجله بالرّوحاء فردّه النبي صلى الله عليه وسلم «1» ، والاختلاف في مثل هذا سهل غير بعيد. أبو سفيان واستنفار قريش كان أبو سفيان على حذر أن تقع العير في قبضة المسلمين، فلما دنا من الحجاز صار يتجسس الأخبار، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك وخاف العاقبة، إذ لم يكن معه من قريش في حراسة العير إلا ثلاثون أو أربعون رجلا، وما يغني هذا العدد عند اللقاء؟. فاستأجر ضمضم «2» بن عمرو الغفاري، فبعثه مسرعا إلى مكة ليستنفر قريشا إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه، فوصل ضمضم إلى مكة، وقد جدع أذني بعيره وأنفه، وحوّل رحله، وشقّ قميصه، وقال: يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة «3» . أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها. الغوث الغوث.

_ (1) فتح الباري، ج 7 ص 233. (2) بفتح الضادين، وسكون الميم بينهما. (3) اللطيمة: العير التي تحمل التجارة والأموال.

تخوف قريش من بني بكر

وما لبث أبو جهل حين سمعه أن صاح بالناس من عند الكعبة يستنفرهم، وكان أبو جهل رجلا خفيفا حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر، ولم تكن قريش في حاجة إلى من يستنفرها فقد كان لكل منهم في هذه العير نصيب. فتجهز الناس سراعا وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ والله ليعلمنّ غير ذلك، فكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رجلا. وأوعبت قريش «1» ، فلم يتخلف من أشرافها إلا أبو لهب بن عبد المطلب، فقد بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة استأجره بأربعة الاف درهم كانت عليه قد أفلس بها، وكاد أمية بن خلف يتخلّف، وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا، ذلك أنه سمع من صديقه سعد بن معاذ- وقد ذهب إلى مكة معتمرا بعد الهجرة- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنهم قاتلوك» قال: بمكة؟ قال سعد: لا أدري. فلما حصل الاستنفار تذكر هذا وداخله رعب شديد. ولكن الله إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب، فلم يلبث أبو جهل- وقد علم بخبر تخلفه- أن جاءه ومعه عقبة بن أبي معيط، ومع عقبة مجمرة فيها بخور، ومع أبي جهل مكحلة ومرود، فوضع عقبة المجمرة بين يديه وقال له: يا أبا علي استجمر فإنما أنت مثل النساء، وقال أبو جهل: اكتحل أبا علي فإنما أنت امرأة، فلم يجد بدا وقد استثارا حميته بهذا الكلام الجارح لرجولته إلا أن قال لهم: ابتاعوا لي أجود بعير بمكة، وخرج معهم وفي نيته أن يرجع بعد قليل متسللا، ولكن منيته ساقته إلى حتفه رغم أنفه، وهكذا لم يتخلّف بمكة قادر على القتال، غير بني عدي فلم يخرج منهم أحد. تخوف قريش من بني بكر وكانت قريش تتخوف إذا خرجت إلى لقاء النبي وصحبه أن يأتيهم بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة من خلفهم، لما كان بينهم من ثارات وقتل في الجاهلية، حتى كاد ذلك يثنيهم عن الخروج لولا أن جاء سراقة بن مالك بن

_ (1) يقال: أوعب القوم إذا خرجوا جميعا إلى الغزو.

جعشم «1» المدلجي- وكان من أشراف بني كنانة- فقال: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه، فزالت مخاوفهم وأجمعوا على المسير. فخرجوا بجمعهم بطرين أشرين، وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذا بقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ «2» . وكان مثله ومثلهم: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ «3» . وكان تعداد جيش المشركين تسعمائة وخمسين رجلا، معهم مائة فرس وسبعمائة بعير يعتقبونها، وأمامهم القينات يغنين بهجاء المسلمين، وساروا يحدوهم البطر، ويملؤهم الزهو والغرور حتى كانت عاقبة أمرهم هلاكا وخسرا.

_ (1) وقيل إن إبليس جاء في صورة سراقة وقال: إني جار لكم وسار معهم، حتى لما كانت الموقعة ونزلت الملائكة نكص على عقبيه. (2) سورة الأنفال: الايتان 47، 48. (3) سورة الحشر: الايتان 16، 17.

فرار أبي سفيان بالعير واختلاف المشركين في الخروج

فرار أبي سفيان بالعير واختلاف المشركين في الخروج أما أبو سفيان فقد ساحل بالعير خارجا عن الطريق المعتاد، فنجا، وأرسل إلى قريش وقد خرجت عن بكرة أبيها يعلمهم بذلك، ويشير عليهم بالرجوع قائلا: (إنكم قد خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجّاها الله فارجعوا) ، ورأى رأي أبي سفيان من قريش عدد غير قليل، لكن أبا جهل ما لبث حين سمع هذا الكلام أن صاح قائلا: (والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم عليها ثلاثا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا) . وقال الأخنس بن شريق «1» - وكان حليفا لبني زهرة وكان فيهم مطاعا-: (يا بني زهرة قد نجّى الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم- مخرمة بن نوفل- فارجعوا، فاتّبعوا مشورته ورجعوا، فلم يشهد بدرا زهريّ، وكذلك لم يشهدها أحد من بني عدي، وكان بين طالب بن أبي طالب- وكان في صفوف المشركين- وبين بعض قريش محاورة فقال له: والله لقد عرفنا يا بني هاشم- وإن خرجتم معنا- أن هواكم مع محمد، فرجع طالب إلى مكة مع من رجع، ومضت جموع قريش في خيلها وخيلائها حتى وصلت وادي بدر، فنزلوا عدوته القصوى عن المدينة في أرض سهلة لينة. مسير المسلمين إلى بدر «2» أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد سار وأصحابه في الطريق إلى بدر، وكان لا يزال شائعا بين صفوف المسلمين أن عير أبي سفيان ستمر بها في طريقها إلى مكة، ولم يكن عليه السلام عارفا بما فعله أبو سفيان من إفلاته بالعير، ولا بما قامت به قريش

_ (1) شريق: بفتح الشين المعجمة وكسر الراء. (2) بدر: مكان بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب، سمي باسم بئر هناك. وكان به سوق تقام كل سنة ثمانية أيام وبه قرية الان.

استشارة النبي أصحابه في القتال

من جمع جموعها والتوجه إلى بدر حتى بلغ واديا يقال له «ذفران» «1» أو «الروحاء» ، وهناك أتاه الخبر عن قريش ومسيرهم في جيش كبير لمنع العير وحمايتها. وحينئذ تغيّر وجه الأمر، ولم يصبح الأمر مقصورا على اللحاق بالعير والاستيلاء عليها، فها هي قريش خرجت بجموعها الكثيرة، وبذلك ترجحت كفة القتال والمناجزة، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كبراء الجيش وقال لهم: «أيها الناس إن الله وعدني إحدى الطائفتين أنها لكم: إما العير، وإما النفير» ، فتبيّن له عليه الصلاة والسلام أن البعض يريد العير، ولا يرغب في لقاء النفير، وقال بعضهم: هلّا ذكرت لنا القتال فنستعد؟ ولكن الأكثرية كانت تريد لقاء النفير، وقد ذكر الله سبحانه هذا في قوله: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ «2» . وإذا أراد الله شيئا هيّأ له الأسباب، وإن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا. استشارة النبي أصحابه في القتال وقد كانت هذه الاستشارة بمثابة اختبار لإيمان المسلمين، وصلابة عقيدتهم، ومقدار استعدادهم للقتال والتضحية في سبيل الإسلام، وقد أسفر الامتحان عن نجاح باهر، ودلّلوا بحق على أنهم أهل لحمل الرسالة المحمدية والجهاد في سبيل تبليغها للناس كافة.

_ (1) ذفران: بفتح الذال المعجمة وكسر الفاء: واد قرب وادي الصفراء. (2) سورة الأنفال: الايتان 7، 8. والمراد بالطائفتين: العير أو النفير يعني الجيش. ومعنى الشوكة: السلاح. فغير ذات الشوكة هي العير. وقد صار مثلا أن يقال: فلان لا في العير ولا في النفير لمن لا خطر له ولا يؤبه به.

استشار النبي أصحابه في القتال، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن الكلام، وقام الفاروق عمر فقال وأحسن الكلام، ثم قام المقداد بن الأسود «1» فقال: (يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون- وفي رواية البخاري في صحيحه: «ولكن نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك وخلفك» - فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد «2» لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه) ، فقال له رسول الله خيرا ودعا له. ثم قال رسول الله: «أشيروا عليّ أيها الناس» ، وإنما يريد الأنصار لأنهم لما بايعوه ليلة العقبة بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم ما دام بين أظهرهم، ولم تكن المبايعة على قتال خارج المدينة، وإنها لمشورة حقة ممن كان أصدق الناس بالوعود، وأوفاهم بالعهود، وأبعدهم عن التوريط والخداع، وقد فطن لهذا السيد الجليل سعد بن معاذ فقال: (والله لكأنك تريدنا يا رسول الله) ؟ قال «أجل» فقال: (لقد امنا بك وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب. صدق «3» عند اللقاء. لعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر على بركة الله) فسرّ الرسول وأشرق وجهه، ثم بشّر القوم بالنصر قائلا: «سيروا

_ (1) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي، كان أبوه ترك بلاد قومه إلى حضرموت، وهنالك تزوج وولد لهم المقداد، فلما كبر المقداد تلاحى هو ورجل اخر، فضربه بالسيف وهرب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري، فتبنّى المقداد، فكان يعرف به، فلما أبطل الإسلام ذلك كان يقال له: المقداد بين عمرو، ولكن بقيت شهرته ابن الأسود. (2) برك: بفتح الباء، الغماد بكسر الغين موضع على خمس ليال من مكة في طريق اليمن. (3) صبر: بضم الصاد والباء جمع صبور، صدق: بضم الصاد والدال جمع صدوق.

تسنط أخبار قريش

وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الان أنظر إلى مصارع القوم» . وكيف لا يسر الرسول بهذه المواقف المشرفة التي مبعثها الإيمان الصادق الذي لا يعرف الضعف ولا الاستخذاء، والذي ظهرت ثمراته في كلمات طيبة مؤمنة، والتي كشفت عن معدن العرب المسلمين الأصيل، وأبانت الفرق الشاسع ما بين موقف اليهود من نبيهم موسى عليه السلام وموقف المسلمين من نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. وإنها لمقارنة صادقة حقة في هذا الموقف الدقيق، تشف عن نفاسة معدن العرب، وبطولتهم، وعن خبث معدن بني إسرائيل ونذلتهم. تسنّط أخبار قريش وارتحل المسلمون من «ذفران» ، حتى إذا كانوا على مقربة من بدر ركب رسول الله وصاحبه الصّديق حتى وقفا على شيخ من العرب يقال له: سفيان الضمري، فسأله الرسول عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له رسول الله: «إذا أخبرتنا أخبرناك» فقال: أو ذاك بذاك؟ قال: «نعم» ، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به قريش، فلما فرغ قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله: «نحن من ماء» «1» !! ثم انصرفا عنه فقال الشيخ: ما من ماء؟ أمن ماء العراق «2» ؟ ثم رجع رسول الله وصاحبه إلى أصحابه. فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء

_ (1) هذا من التوريات البديعة، وهو يحتمل معنيين: أحدهما قريب وهو المكان المعروف بهذا الاسم، والثاني بعيد وهو الماء الذي خلق منه كل كائن حي، وهو مراد النبي. (2) يعني أمن المكان الذي بالعراق أم من غيره؟

تعرف أخبار العير

ببدر يتسقطون له الأخبار، ويتجسسون على قريش، فأصابوا راوية «1» لقريش فيهما غلامان لهما: غلام لبني الحجاج، وغلام لبني العاص بن سعيد، فأتوا بهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقالا: نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم الماء فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما أوجعوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، فلما فرغ رسول الله من صلاته قال: «إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا- والله- إنهما لقريش» ، ثم قال لهما: «أخبراني عن قريش» فقالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما: «كم القوم» ؟ قالا: كثير، قال: «ما عدّتهم» ؟ قالا: لا ندري، قال الرسول: «كم ينحرون كل يوم» ؟ قالا: يوما تسعا، ويوما عشرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القوم ما بين التسعمائة والألف» «2» . فقال لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش» ؟ فذكرا: عتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبا جهل، وأمية بن خلف، وسهيل بن عمرو في اخرين من صناديد قريش، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قائلا: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» !!. تعرف أخبار العير وكما عاد سيدنا علي ومن معه بالغلامين وبخبر قريش معهما، عاد رجلان اخران ذهبا يتعرفان أخبار العير، حتى عرفا من جاريتين تتنازعان على حقّ لإحداهما على الاخرى على ماء لهم أن العير ستقدم غدا أو بعد غد، وأخبرا الرسول بما سمعا. وكان أبو سفيان قد سبق العير يتسقّط الأخبار حذرا أن يكون المسلمون قد سبقوه إلى الطريق، فلما ورد الماء وجد عليه مجدي بن عمرو، فسأله هل رأى أحدا؟ فأجابه بأنه لم ير إلا راكبين أناخا إلى هذا التل، وأشار إلى حيث أناخا،

_ (1) الراوية: الإبل يستقى عليها الماء. (2) هذا من حصافة الرسول، وألمعيته النادرة، وحدسه الصائب الذي لا يخطىء.

جيش المسلمين في بدر

فأتى أبو سفيان مناخهما فوجد في روث بعيريهما نوى، عرفه من علائف يثرب، فأسرع إلى أصحابه، وعدل بالسير عن الطريق المعهود متبعا ساحل البحر، مسرعا في سيره حتى نجا بالعير كما قدمنا، وأصبح الغد والمسلمون في انتظار مرور العير بهم، فإذا الأخبار تصلهم أنها فاتت، وأن قريشا بجموعها تعسكر بالقرب منهم، وهكذا أفلتت العير، ولم يبق إلا النفير وتعيّن القتال. جيش المسلمين في بدر وسار المسلمون حتى نزلوا بعدوة الوادي الدنيا «1» بعيدا عن الماء في أرض سبخة، لا تثبت عليها الأقدام، فأصبحوا عطاشا، وبعضهم جنب، وبعضهم محدث، ووجد إبليس وأعوانه مجالا للوسوسة، وإلقاء الريب والشكوك في النفوس، فهجس قائلا: ما ينتظر المشركون منكم إلا أن يقطع العطش رقابكم، ويذهب قواكم، فيتحكموا فيكم كيف شاؤوا. اية من السماء ولكن الله عز شأنه أبطل كيده، ومنّ عليهم بأن أرسل عليهم السماء مدرارا فشربوا، وتوضأوا واغتسلوا، وملأوا الأسقية، ولبّد المطر الأرض من تحت أقدامهم، فسّهل لهم السير، على حين كان نقمة على المشركين، فقد وحل الأرض تحت أقدامهم، حتى لم يعودوا يقدرون على الارتحال، وصدق الله حيث يقول: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ «2» . وسار جيش المسلمين حتى نزل أدنى ماء من بدر.

_ (1) العدوة: جانب الوادي. الدنيا: القريبة من المدينة، أما العدوة القصوى فهي البعيدة عنها. (2) سورة الأنفال: الاية 11.

مشورات حكيمة

مشورات حكيمة لما نزل النبي بالمسلمين هذا المنزل قال الحباب «1» بن المنذر الخزرجي وكان معروفا بجودة الرأي والدربة في الحروب- لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال الرسول: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» ، فقال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فامض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغوّر ما وراءه من الابار، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله: «لقد أشرت بالرأي» ، ونفّذ ما أشار به الحباب. وقد دلّل النبي بهذا على تأصل روح الشورى في نفسه الشريفة فيما لم ينزل فيه وحي، وأنه على جلالة قدره، ووفور عقله، وبعد نظره لا يستبد برأيه، ولا يأنف من الرجوع إلى الحق، كما هو شأن الكثيرين من القادة والزعماء والسياسيين، فإن الواحد منهم قد يودي بأمة في سبيل التشبث برأي قد يكون خطأ، وما ذلك إلا لأنه نبي يتبع ما يؤمر به، وصدق الله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «2» . ومن المشورات الصائبة، مشورة سعد بن معاذ الأوسي، فقد قال: (يا نبي الله، ألا نبني لك عريشا تكون فيه، ونعدّ عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلّف عنك أقوام ما نحن بأشد حبّا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلّفوا عنك، يمنعك الله بهم، ويناصحونك ويجاهدون معك) . فأثنى عليه النبي خيرا، ودعا له بخير، ثم بني

_ (1) الحباب: بضم الحاء المهملة وفتح الباء المواحدة المخففة. (2) سورة ال عمران: الاية 159.

تصاف المسلمين

للرسول عريش على تل مشرف على ميدان القتال، فكان فيه ومعه صاحبه الصدّيق يحرسه. وهذه الفكرة التي أشار بها سعد هي من أدق فنون الحرب، فالقائد ينبغي أن يكون بمنأى عن ميدان القتال، حتى يكون قادرا على التوجيه والإشارة بما يراه من أساليب القتال. وحتى لا يصاب فينفرط بإصابته عقد الجيش، فيكون ماله الفشل والهزيمة، وقضى الرسول في ذلك العريش ليلته ومعه الصّديق، وأقام سعد بن معاذ على مدخل العريش بسيفه، ونام المسلمون نوما عميقا استراحوا فيه من وعثاء السفر. تصافّ المسلمين وفي الصباح صف النبي جنوده للقتال صفوفا متراصة، لا خلل فيها ولا اعوجاج، حسبما أشار إليه القران في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ «1» . وارتحلت قريش حين أصبحت، فلما راها رسول الله تنحدر من وراء الكثيب إلى الوادي قال: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم «2» الغداة» ، ووقف الجيشان وجها إلى وجه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر قال: «إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا» . رؤيا الرسول وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه- ليلة اليوم الذي التقى فيه الجيشان- المشركين قليلا عددهم، كي يجرؤوا عليهم ولا يهابوهم. قال سبحانه:

_ (1) سورة الصف: الاية 4. (2) الحين: بفتح الحاء الهلاك، أي أهلكهم وأمتهم.

إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ «1» . وكذلك شاء الله أن يقلّل المشركين في أعين المسلمين، ويقلّل المسلمين في أعين المشركين كي يتجرأ الجيشان، وتقع الواقعة، فيكون النصر والعزة للمسلمين، والهزيمة والذلة للمشركين، والله سبحانه إذا أراد شيئا مما يجري بين الخلق يسّر له الأسباب، ووفّر له الدواعي. قال عز شأنه: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ «2» . وروي عن ابن مسعود قال: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى إني لأقول للرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة!! وكان ذلك عندما تراءى الفريقان، فلما التحم الجيشان، وأمدّ الله المسلمين بالملائكة تعينهم وتثبت قلوبهم، وتلقي الرعب في قلوب أعدائهم، وتكثّر عددهم، راهم المشركون مثليهم، وعلى هذا ينزّل قول الحق تبارك وتعالى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ «3» . فإن المعنى على أصح القولين أن الفئة الكافرة رأت الفئة المؤمنة مثلي عدد الكافرة على الصحيح أيضا «4» .

_ (1) سورة الأنفال: الايتان 43، 44. (2) سورة الأنفال: الايتان 43، 44. (3) سورة ال عمران: الاية 13. (4) انظر تفسير ابن كثير، والبغوي، ج 4 ص 73، وتفسير الالوسي، ج 3 ص 96.

تخاذل في صفوف المشركين

تخاذل في صفوف المشركين لما نزلت قريش منازل القتال بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا له: احزر- قدّر- لنا أصحاب محمد، فاستجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا، فرجع إليهم، فقال: (ما رأيت شيئا، ولكن قد رأيت- يا معشر قريش- البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك، فروا رأيكم) «1» . فشل المساعي لعدم الحرب ثم سعى بعض العقلاء في الحيلولة بين قريش والحرب، فقد مشى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى ألاتزال تذكر فيها بخير إلى اخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلت. هو حليفي علي عقله- دينه- وما أصيب من ماله، فأت ابن الحنظلية- أبا جهل- فإني لا أخشى أن يجسر أمر الناس غيره. ثم قام عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر إلى وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه، أو ابن خاله، أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلّوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك لم نتعرض منه لما تكرهون. فانطلق حكيم إلى أبي جهل، فأرغى وأزبد، واتهم عتبة بالجبن، والتخوف على ابنه أبي حذيفة الذي كان في صفوف المسلمين وأوعز إلى عامر

_ (1) فروا: أمر من رأى وصل بواو الجماعة.

مخاطرة من بعض المشركين

ابن الحضرمي أن ينشد مقتل أخيه؛ فقام عامر مكتشفا وصرخ: واعمراه، واعمراه، فانتصر الشر على محاولات الخير، ولم يعد من الحرب مفر. مخاطرة من بعض المشركين وقبل أن تقوم الحرب خرج من صفوف المشركين الأسود بن عبد الأسد المخزومي وقال: (أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم، أو لأهدمنّه، أو لأموتنّ دونه) ، وتقدم نحو الحوض فعاجله أسد الله حمزة بضربة قطع بها نصف ساقه، فوقع على الأرض وصار يزحف نحو الحوض إبرارا لقسمه حتى اقتحمه، فثنّى عليه سيدنا حمزة بضربة أخرى قضت عليه، وحينئذ ثار الدم في العروق، وأهاج منظر الدم النفوس، وأوشكت رحى الحرب أن تدور، ووقف رسول الله بين أصحابه ينفخ فيهم من روحه، ويشحذ عزائمهم بصدق إيمانه وسحر بيانه، فكان مما قال: «وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرّج الله به الهم، وينجّي به من الغم» . ابتداء الحرب بالمبارزة وابتدأت الحرب بالمبارزة، فخرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد، وطلبوا المبارزة، فخرج إليهم فتية ثلاثة من الأنصار، فقالوا من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار «1» ، فقالوا: أكفاء كرام، ولكن أخرجوا إلينا أكفاءنا من بني عمنا. وذكر بعض محقّقي كتّاب السيرة «2» أن النفر من الأنصار لما خرجوا كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه أول موقف واجه فيه الرسول أعداءه، فأحب أن يكون أولئك من أهله وذوي قرباه، فأمر الأنصار بالرجوع وقال: «قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي» » ، فبارز عبيدة- وكان أسنّ

_ (1) هم: عوف ومعوذ ابنا الحارث، وعبد الله بن رواحة الأنصاريون. (2) البداية والنهاية، ج 3 ص 273. (3) عبيدة هو ابن الحارث، بن المطّلب، بن عبد مناف، وقد أخطأ قلم بعض كتّاب السيرة فظن أنه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب مثل المرحوم الشيخ الخضري في «نور اليقين» ، وعلى هذا فيكون المتبارزون اثنين من بني هاشم وواحدا من أبناء عمومتهم، وبنو هاشم والمطلب سواء في الجاهلية والإسلام كما قال الرسول الكريم.

تعديل الرسول صفوف الجيش

الثلاثة- عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة. فأما حمزة وعلي فقتل كل منهما صاحبه، وأما عبيدة وعتبة فاختلفا بضربتين كلاهما أصاب الاخر، فكرّ حمزة وعلي فأجهزا على عتبة، واحتملا صاحبهما وجاا به إلى رسول الله، فأفرشه قدمه، فوضع خده عليها وقد طاب نفسا بذلك، ثم قال: يا رسول الله، وددت والله أن أبا طالب كان حيا ليعلم أنّا أحقّ منه بقوله: ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل «1» ثم لم يلبث عبيدة أن توفي بعد من جراحته، فقال رسول الله: «أشهد أنك شهيد» . وفي شأن هذين الفريقين المتبارزين نزل قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ «2» . تعديل الرسول صفوف الجيش وبعد المبارزة رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جيش المسلمين يعدل من صفوفه بقضيب في يده، فمر بسواد بن غزية «3» حليف بني النجار وهو خارج عن الصف، فطعنه في بطنه بالقضيب وقال: «استقم يا سواد» ، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني- يعني مكني من نفسك حتى أقتص- فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه راضيا وقال: «استقد يا سواد» ، فاعتنقه سواد وقبّل بطنه!! فقال النبي: «وما حملك على هذا يا سواد» ، قال: يا رسول الله حضر ما ترى- يعني موطن الشهادة- فأردت أن يكون اخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له الرسول بخير!!

_ (1) من قصيدة أبي طالب اللامية المشهورة التي يقسم فيها ألايسلم لهم رسول الله أبدا حتى يموتوا دونه. والحلائل: الزوجات. وقبل هذا البيت: كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولمّا نطاعن دونه ونناضل نبزى: نسلمه ونغلب عليه، والكلام على حذف «لا» أي لا نبزى ولا نسلمه، وفي رواية «لا نبزى محمد» بالرفع. (2) رواه البخاري ومسلم. والاية من سورة الحج رقم 19. (3) سواد بتخفيف الواو، غزية كفنية.

وصاة النبي للمسلمين

وإن لنا هنا لوقفة ترينا كيف يبلغ السمو النفسي والخلقي بصاحبه، وترينا كيف قبل النبي على جلالته عن طيب خاطر أن يقتصّ أحد المسلمين من نفسه، وهو غاية ما يطمع فيه من عدل في هذه الحياة، وترينا أيضا كيف بلغ حب هؤلاء الصحابة للرسول وتكريمه وتقديسه في نفوسهم، قداسة لا تخل بدين ولا عقيدة، فهذا سواد وقد حضر موطن الشهادة يريد أن يحظى بلمسة من جسد الرسول، لأنه يرى فيها ثلج الصدر، وطمأنينة القلب وغذاء الروح!! وصاة النبي للمسلمين وتزاحف الناس من الفئتين، ودنا بعضهم من بعض، وأخذت جموع المشركين الغفيرة تنحدر نحو معسكر المسلمين، والمسلمون ثابتون في مكانهم، وذلك عملا بنصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال لهم: «لا تحملوا حتى امركم، وإن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل، ولا تسلّوا السيوف حتى يغشوكم» ، وقد بلغ النبي الغاية في السياسة الحربية بهذه الخطة الحكيمة، إذ أن معسكر المسلمين يكاد يكون خلوا من الخيل التي لابدّ من وجودها في الهجوم، هذا إلى قلة عددهم وكثرة عدد عدوهم، فكان لابدّ من اتباع خطة الدفاع بدل الهجوم. إشفاق ودعاء وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العريش ومعه صاحبه الصدّيق، وسعد بن معاذ على باب العريش شاهرا سيفه، وكان رسول الله أشد ما يكون إشفاقا على المسلمين وهم قليل، وأخوف ما يكون من مصير هذا اليوم الذي له ما بعده، واتجه النبي بقلبه وصدق إخلاصه إلى ربه، مناشدا إياه ما وعده، ومستنزلا النصر والمدد لأصحابه، قائلا: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد بعد في الأرض أبدا» ، وما زال يدعو ويستغيث حتى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكر فرده على منكبيه ثم قال: (يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك) . وأخذت النبي سنة وهو في العريش ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر، فقد

التحريض على القتال

أتاك نصر الله، هذا جبريل اخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع» ، وصدق الله حيث يقول: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ «1» . التحريض على القتال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوف المسلمين يحرضهم على القتال، ويعدهم بالخلود في جنات النعيم بمثل قوله: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة. ومن قتل قتيلا فله سلبه» «2» ، وقوله: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» ، فسمع ذلك عمير بن الحمام الأنصاري «3» فقال: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض!؟ قال: «نعم» قال: بخ بخ «4» !! فقال له رسول الله: «ما يحملك على قول: بخ بخ؟» قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: «فإنك من أهلها» . وكان معه تمرات في يده يأكل منهن، فقال: لئن أنا حييت حتى اكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة!! فرمى بما بقي معه ثم قاتل وهو يقول: ركضا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد والصبر في الله على الجهاد ... وكلّ زاد عرضة النفاد غير التقى والبر والرشاد وما زال يقاتل حتى قتل شهيدا رضي الله عنه وأرضاه «5» .

_ (1) سورة الأنفال: الاية 9. (2) السلب: بفتح السين واللام ما على المقاتل من سلاح وثياب وقيل من سلاح. (3) عمير: بالتصغير. الحمام: بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم. (4) كلمة رضا واستحسان. (5) الإصابة في تاريخ الصحابة ج 3 ص 31.

القوى الروحية تفوق القوى المادية

وقال عوف بن الحارث وهو ابن عفراء: يا رسول الله ما يضحك الربّ من عبده؟ قال: «غمسه يده- أي سيفه- في العدو حاسرا» ، فنزع درعا كانت عليه فقذفها، وصار يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه. القوى الروحية تفوق القوى المادية وأخذ رسول الله كفا من الحصا بيده، ثم خرج واستقبل القوم فقال: «شاهت الوجوه» ثم رماهم بها وقال لأصحابه: «شدّوا» فشدّوا. والتحم الجيشان، واشتد القتال، وحمي الوطيس، وتعانقت السيوف، وتخاطبت الأسنة بدل الألسنة، وتوالت الإمدادات الإلهية بجند الله من الملائكة تثبت قلوب المؤمنين، وتزفّ لهم البشرى، وتلقي الرعب في قلوب المشركين، وتشارك في القتال أحيانا، وصدق الله: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ «1» . وأظهر المسلمون بطولات فائقة، وعرفت الدنيا أن القوى الروحية لا تقهرها القوى المادية، وأن النفس البشرية إذا امتلأت بالإيمان وحب الشهادة تضاءلت أمامها شم الجبال الراسيات، فما بالك بالنفوس الخاويات، والقلوب الفارغات؟ وأن الله القوي القاهر يمد عباده المؤمنين بنصر من عنده إذا صدقوا الإيمان، وأخلصوا له في الجهاد، وانتصروا على شهواتهم وأنفسهم، واتقوا الله حق تقواه. وكان شعار المسلمين يوم بدر «أحد. أحد» ، وما هي إلا ساعة حتى انجلت المعركة عن نصر حاسم للمسلمين، وهزيمة منكرة للمشركين، فقتل سبعون من صناديدهم، وأسر سبعون، ومن أفلت من القتل أو الأسر سارع إلى الهرب وقال: النجاء النجاء!!.

_ (1) سورة الأنفال: الاية 12.

مشاركة الرسول في القتال

ولم تزد خسارة المسلمين يومئذ عن أربعة عشر شهيدا: منهم ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار. ولا عجب فقد كانت يد الله فوق أيديهم، وقوته معهم، وكأنما كانت الحصى التي رمى بها الرسول سهاما صائبة ونارا محرقة؛ وصدق الله: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «1» . وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» . وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «3» . وكان هذا النصر المبين في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان يوم الفرقان الذي فرّق الله فيه بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وهو يوافق اليوم الذي ابتدأ الله فيه نزول القران على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يتعبّد في غار حراء، وبين التاريخين أربع عشرة سنة قمرية، بدئت بالقران، وتوّجت بيوم الفرقان. مشاركة الرسول في القتال ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء والتحريض على الجهاد، فقد شارك في القتال. روى الإمام أحمد بسنده عن علي قال: (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله وهو أقربنا من العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا) . وروى البخاري بسنده عن ابن عباس أن رسول الله خرج من العريش يوم بدر وهو يثب في الدرع ويقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ، وهذه الاية مكية قطعا، ولكن وقع مصداقها يوم بدر، وهذا ممّا سبق نزوله معناه، ولما نزلت الاية بمكة قال عمر: أي جمع هذا؟! فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ... فعرفت تأويلها يومئذ «4» .

_ (1) سورة الأنفال: الاية 17. (2) سورة الأنفال: الاية 10. (3) سورة ال عمران: الاية 123. (4) الإتقان ج 1 ص 36.

الصديق والقتال

الصدّيق والقتال وكان الصدّيق في بدر ملازما للرسول في العريش وخارجه، وبيده السيف يذب به عنه. روي عن علي رضي الله عنه أنه خطب ذات يوم فقال: (يا أيها الناس من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر. إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا، فقلنا: من يكون مع رسول الله لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله، لا يهوي إليه أحد من المشركين إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس) . ثم قال: (ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يحادّه، وهذا يتلتله، ويقولون: أأنت جعلت الالهة إلها واحدا؟ فو الله ما دنا منه أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجاهد هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أو مؤمن ال فرعون خير أم هو؟ فسكت القوم فقال علي: والله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن ال فرعون: ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه) «1» . إمداد الله المسلمين بالملائكة يوم بدر اتفق العلماء قاطبة على إمداد الله سبحانه للمسلمين يوم بدر بالملائكة، وذلك لقوله سبحانه: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ، فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» ، وقوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ... إلى قوله: أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ «3» . وقد حصل هذا الإمداد على مرات بألف أولا، ثم بثلاثة الاف، ثم بخمسة الاف، وبذلك تكمّل الايات بعضها بعضا.

_ (1) البداية والنهاية ج 3 ص 271. (2) سورة الأنفال: الايتان 9، 10. (3) سورة ال عمران: الايات 124- 127.

ولكنهم اختلفوا، أحصل قتال من الملائكة أم لا؟ فذهب الكثيرون إلى حصول القتال فضلا عن البشرى والتثبيت بإبقاء الخواطر الحسنة في قلوب المسلمين، وذلك لقوله سبحانه: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ «1» . واستدلوا أيضا بالأحاديث والاثار الواردة في هذا، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم- اسم فرس هذا الملك-، فنظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه، كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري، فحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة» . وروى ابن إسحاق عن ابن عباس قال: (لم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون) «2» ، وابن عباس وإن لم يكن حضر الموقعة يومئذ لصغره وعدم هجرته، فلابد أن يكون سمع ذلك من رسول الله فيما بعد، أو من مشيخة المهاجرين والأنصار. وذهب بعض العلماء إلى أن الملائكة لم تقاتل يوم بدر، وإنما كانت عونا ومددا، تثبّت القلوب، وتبشّر بالنصر، وتكثّر العدد، واستدلوا بقوله سبحانه: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى، وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ «3» ، وقوله: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ «4» . فقد ذكر الله هاتين الايتين بعد ايات

_ (1) سورة الأنفال: الاية 12. (2) صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 85. (3) سورة الأنفال: الاية 10. (4) سورة ال عمران: الاية 126.

الإمداد، وقالوا: إن الخطاب في قوله سبحانه: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ.. إنما هو حكاية لما أمر الله الملائكة أن يلقوه إلى المسلمين يوم بدر «1» . والذي نراه- والله أعلم- أن الإمداد بالملائكة حصل قطعا لتكثير العدد، وتثبيت القلوب، وإلقاء البشرى، وأن بعضهم قاتل لا كلّهم، وأن الجهد الأكبر في القتال إنما هو للمسلمين، وبذلك لا نكون تعسّفنا في التأويل، وخرجنا عن ظواهر بعض الايات بغير داع، ولا نرد الأحاديث الصحيحة الدالّة على حصول قتال من بعض الملائكة، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وقد يقول قائل: إن صيحة من جبريل أو انتفاضة منه كانت تكفي للقضاء على قريش وإبادتها في لمحة عين، فلم كل هؤلاء الملائكة؟. وجوابنا عن ذلك أن الله جرت سنته مع الأمة المحمدية ألايأخذها بما أخذ به الأمم السابقة من عموم العذاب والاستئصال، وترك إهلاكهم للسنن العادية التي أجراها الله في عباده، بدفع الكافرين بالمؤمنين، والمبطلين بأهل الحق، والظالمين بالعادلين، فأراد الله سبحانه أن يكون هلاك الكفار بأيدي المؤمنين، ليكون ذلك أنكى لقريش، وأذلّ لها، وأشفى لنفوس المؤمنين، وفي الوقت ذاته أمدّهم بالملائكة تثبت وتؤيد، وتبشّر وتخوف، وتكثر العدد، ولا حرج أن يشارك البعض في القتال كما ذكرنا، وقد أشار الحق إلى هذه الحكمة في قوله: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ. إلى قوله: وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «2» .

_ (1) البداية والنهاية ج 3 ص 279- 281. (2) سورة التوبة: الايات 14- 16. انظر تفسير ابن كثير والبغوي.

وصاة النبي ببعض القرشيين

وصاة النبي ببعض القرشيين لمّا حرّض النبي المؤمنين على القتال، واستحث عزائمهم، لم ينس وصيته بأناس خرجوا مكرهين إلى القتال بحكم العصبية الجاهلية، وكانت لهم مواقف مشكورة في منع النبي وحمايته، أو مساع حميدة في ردّ الظلم والطغيان، فقال لأصحابه يومئذ: «إني قد عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا مكرهين، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما خرج مستكرها» . ولا تحسبنّ أن الرسول بهذه الوصاة أراد أن يحابي أهله وذوي قرباه، فقد كانت نفسه الشريفة أسمى من ذلك وأرفع، وإنما ذكر لبني هاشم منعهم له ثلاثة عشر عاما، وانحيازهم لأجله في الشّعب ثلاثة أعوام حتى جاهدوا وأكلوا ورق الشجر، وذكر لعمه العباس موقفه المشرّف في بيعة العقبة الثانية وقوله للأنصار: (إن محمدا لا يزال في عزة ومنعة من قومه) ، وذكر لأبي البختري أنه كان له ضلع كبير في نقض الصحيفة الظالمة، وهي حسنات لا ينساها الإسلام قط، وقد كان من خلق رسول الله أن يردّ الجميل بخير منه، وليس أدل على ذلك من أن أبا البختري ليس من بني هاشم، ولا تربطه بالنبي قرابة قريبة، وإنما هو السمو الخلقي والإنساني. وفي ثورة من الحمية والغضب بدرت بادرة من رجل من خيار المسلمين وهو أبو حذيفة بن عتبة، فقال: (أنقتل اباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لألحمنّه «1» بالسيف) ، فبلغت مقالته رسول الله فقال لعمر: «يا أبا حفص أيضرب وجه عمّ رسول الله بالسيف» ، فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فو الله لقد نافق، ولكن الرسول أبى وغفر له ما بدر بحسن نية وصدق وإيمان.

_ (1) لألحمنّه: أي لأضربنه بالسيف.

مثل عليا للإيمان

ولقد بقيت الكلمة التي قالها أبو حذيفة شبحا مخيفا يتراءى له أمام عينيه، يقلق عليه راحته النفسية وطمأنينته القلبية كلما ذكرها، حتى لقد كان يرى أن لا مكفّر لها إلا الشهادة في سبيل الله، فكان يقول: ما أنا بامن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة. وقد قتل يوم اليمامة شهيدا فرضي الله عنه وأرضاه. مثل عليا للإيمان من المثل العليا الإيمانية الرائعة في غزوة بدر ما حدث من بعض المسلمين، فقد التقى المسلم الصادق أبو عبيدة بالأب المشرك عبد الله بن الجراح، وقد كان الأب يتصدّى لابنه يريد قتله، وابنه يحيد عنه رعاية لحق الأبوة، ولكن الأب ما زال يتصدّى للابن يريد قتله، فلم يكن بدّ لأبي عبيدة من قتله. وفيها دعا الصديق أبو بكر ابنه عبد الرحمن إلى المبارزة وقال: دعني يا رسول الله أكن في الرعلة «1» الأولى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «متّعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة السمع والبصر» . وفيها قتل الفاروق عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، وقتل حمزة وعلي أبناء عمومتهم من قريش «2» ، وقتل مصعب بن عمير أخاه عبيد بن عمير «3» . وهكذا ضرب المسلمون في بدر مثلا عليا لصدق الإيمان، وأنهم اثروا رضاء الله ورسوله على حب الوالد والولد والأهل والعشيرة، فلا تعجب إذا كان الله سبحانه أشاد بهذه المواقف الصادقة وأمثالها في قوله سبحانه: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

_ (1) في القاموس: والرعلة- بفتح الراء-: القطعة من الخيل كالرعيل أو مقدمتها أي في مقدمة المجاهدين والمستشاهدين. (2) تفسير الألوسي ج 28 ص 37. (3) تفسير القرطبي ج 17 ص 307.

قتلى المشركين

وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1» . قتلى المشركين لقد قتل في بدر من صناديد قريش وأشرافهم ما يربو على السبعين، منهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد، وأبو جهل بن هشام، قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوّذ «2» ابن عفراء فتيان من الأنصار «3» ، ثم أدركه عبد الله بن مسعود وبه رمق، فوضع رجله على عنقه، فقال أبو جهل له: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم، فاجتزّ ابن مسعود رأسه وجاء به إلى رسول الله. وأمية بن خلف وكان هو الذي يعذب بلالا على الإسلام، فلما راه بلال قال: رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا، وكان أمية وابنه قد وقعا أسيرين في يد عبد الرحمن بن عوف، فدرأ بلالا عنهما، فقال بلال: لا نجوت إن نجا، ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فأحاطوا به وبابنه حتى قتلوهما. والعاص بن هشام بن المغيرة، وعبد الله بن الجراح والد أبي عبيدة، وحنظلة بن أبي سفيان، ونوفل بن خويلد الأسدي، وأبو البختري بن هشام، وكان رسول الله قد أوصى المسلمين به خيرا كما أسلفنا ولكنه أبى إلا أن يترك هو وزميل له، فقالوا له: ما أمرنا رسول الله إلا بك واحدك، قال: لا والله إذا لأموتنّ أنا وهو جميعا. وغيرهم كثير.

_ (1) سورة المجادلة: الاية 22. (2) بضم الميم وفتح العين وكسر الواو المشددة، وقيل: تفتح. وعفراء أمه. (3) وقيل اشترك في قتله معاذ، ومعوذ ابنا عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، انظر صحيح البخاري- كتاب فرض الخمس- باب من قتل قتيلا فله سلبه، وكتاب المغازي- باب قتل أبي جهل، وفتح الباري في الموضعين.

موقف إنساني للرسول

موقف إنساني للرسول ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى فنقلوا من مصارعهم التي كانوا بها إلى قليب «1» ببدر، وقد كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مرّ بجيفة إنسان أمر بها فدفنت، لا يسأل عن صاحبها مؤمنا أم كافرا «2» ، وهو موقف إنساني كريم لا يفعله إلا أولو العزم من الرسل، فطالما أهانوه، وسبّوه وأذاقوه وأصحابه العذاب ألوانا، وهم الذين أخرجوهم من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولكنها إنسانية الإسلام تعلو عن الأحقاد والانتقام. ولما طرحوهم ولم يبق إلا أمية بن خلف، وقد كان رجلا بدينا فانتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليخرجوه فتزايل لحمه، فأقروه وحفروا له، وألقوا عليه التراب حتى واراه. ولما مروا بعتبة بن ربيعة ليلقوه في القليب- وكان ابنه أبو حذيفة حاضرا- نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه ابنه فإذا هو كئيب قد تغيّر لونه، فقال: «يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟» ، فقال: (لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك للإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك) ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا. البشرى بالنصر ولما تمّ النصر أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشّرين قبل مقدمه المدينة: عبد الله بن رواحة لأهل العالية» ، وزيد بن حارثة لأهل المدينة راكبا على ناقة رسول الله، فدخلا وهما يرفعان عقيرتهما إعلاما بالنصر للمسلمين، والقتل والهزيمة للمشركين، فتلقاهم الرجال والصبيان والولائد، وطافوا بالمدينة وضواحيها يهلّلون ويكبّرون الله على هذا النصر العظيم.

_ (1) القليب: البئر التي لم تطو، أي لم تبن جوانبها بالطوب فانهارت. (2) رواه الدارقطني في سننه. (3) العالية: قرى ظاهر المدينة ومنها قباء.

الاختلاف على غنائم بدر وقسمتها

وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا بالمدينة، وزعموا أن النبي قد قتل وأن المسلمين هزموا، فلما جاء المبشّران شرقوا بريقهم، ورأوا أنهم قد ذلّوا وهانوا حتى قال أحد زعماء اليهود: بطن الأرض اليوم خير من ظهرها بعد أن أصيب أشراف الناس وساداتهم، وملوك العرب وأهل الحرم الامن. وقد جاءت البشرى والمسلمون منصرفون من دفن السيدة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تركها مريضة لمّا خرج لبدر، وخلف معها زوجها عثمان، فخفّف من هول المصاب ما منّ الله به على المسلمين من نصر مؤزر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا مثلا لإيثار مصلحة الإسلام والمسلمين على الأهل والولد. الاختلاف على غنائم بدر وقسمتها لما أراد المسلمون أن يقتسموا الغنائم التي غنموها في بدر اختلفوا، فقال الشباب الذين خرجوا يتعقبون الكفار: نحن الذين نفينا عنها العدو، ولولانا لما أصبتموها، وقال الرجال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ونافحوا دونه: نحن خفنا على رسول الله أن يصيب منه العدو غرة، فاشتغلنا به عن جمع الغنائم، وقال الذين جمعوا الغنائم: نحن الذين استحوذنا عليها وليس لأحد فيها نصيب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجمع الغنائم حتى يحكم الله حكمه فيها، فأنزل الله سبحانه قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «1» . وقد ذهب بعض كتّاب السيرة كابن إسحاق وبعض العلماء كأبي عبيد القاسم بن سلّام إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قسمها بين المجاهدين بالبواء يعني بالسواء، ولم يخمّسها، وهؤلاء يرون أن هذا الحكم كان في مبدأ الأمر، ثم نسخ فيما بعد بقوله سبحانه:

_ (1) سورة الأنفال: الاية 1.

وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ الاية «1» . وذهب كثير من العلماء من المحدّثين وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمّسها، فأخذ الخمس لنفسه ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وقسم أربعة الأخماس الباقية بين المجاهدين. ويرى هؤلاء أن سياق الايات قبل اية الخمس وبعدها في غزوة بدر وقصتها، وهو يقتضي أنها نزلت كلها جملة واحدة في وقت واحد غير متأخر بعضها عن بعض حتى يقال بالنسخ، قال ابن كثير في بدايته: (وهو قول البخاري وابن جرير وغيرهما وهو الصحيح الراجح) . وقال هؤلاء: إن ما ورد في رواية ابن إسحاق من أن الغنائم قسمت بالبواء، أي ساوى فيها النبي بين الذين جمعوها وبين الذين ثبتوا تحت الرايات مع الرسول لم يخصّ بها فريقا دون الاخر، ولا ينفي هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه، ويشهد لهم أيضا ما رواه البخاري في صحيحه من قصة الشارفين «2» اللذين كانا لعلي رضي الله تعالى عنه، فجبّ حمزة رضي الله عنه أسنمتهما، وبقر بطنهما، وهو ثمل وذلك قبل أن تحرم الخمر، ففيها أن أحدهما كان من نصيبه في غنائم بدر، والاخر كان من الخمس الذي أفاء الله به على رسوله من بدر «3» ، ومهما يكن من شيء فقد حسم الله الخلاف، وبذلك زال الانقسام، وحل الوئام وعاد الصفاء. وقد أسهم النبي لبعض من لم يحضر الموقعة لعذر، وهم: أبو لبابة الأنصاري لأنه كان مخلّفا على أهل المدينة، وعاصم بن عدي لأنه خلّفه الرسول على أهل قباء والعالية، والحارث بن حاطب لأن الرسول خلّفه على بني عمرو ابن عوف، والحارث بن الصمة وخوّات بن جبير لأنهما كسرا بالروحاء فلم يتمكنا من السير، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد لأنهما

_ (1) سورة الأنفال: الاية 41. (2) الشارف: الناقة المسنة. (3) البداية والنهاية، ج 3 ص 302؛ وتفسير ابن كثير والبغوي، ج 3 ص 94.

الأوبة إلى المدينة

أرسلا يتجسسان الأخبار فلم يرجعا إلا بعد انتهاء الحرب، وعثمان بن عفان لأن رسول الله كان خلفه على السيدة رقية ليمرضها. وكذلك أسهم الرسول لمن استشهد ببدر، فأعطى ذلك لورثتهم وهم أربعة عشر مسلما: ستة من المهاجرين، منهم: عبيدة بن الحارث الذي جرح في المبارزة الأولى، ثم مات عند رجوع المسلمين من بدر ودفن «بالصفراء» ، وثمانية من الأنصار، وما فعله النبي هو غاية العدل والإنصاف، وقد سبق به إلى رعاية أسر الشهداء وذويهم وضمان عيشة كريمة لهم بعد وفاة عائليهم قبل أن يعرف العالم الحديث ذلك. الأوبة إلى المدينة ثم قفل المسلمون إلى المدينة شاكرين الله وحامدين، لا يزهيهم النصر، ولا يبطرهم الغلب، وقد سبقتهم البشرى بالنصر إلى المدينة وما جاورها، وكان مع رسول الله الأسرى، وكانوا نحوا من السبعين، وفي الطريق تحت سرحة عظيمة بالقرب من «الصفراء» قسم رسول الله الغنائم بين المسلمين على حسب ما أراه الله، ثم ارتحل حتى إذا كان بالرّوحاء لقيه المسلمون يهنئونه ومن معه من المسلمين بالفتح العظيم والنصر المبين، ودخل الجيش المنصور المدينة بين تهليل المهللين وتكبير المكبرين، وضرب الولائد بالدفوف، وترديد أهازيج النصر. وصاة النبي بالأسرى وصل الرسول المدينة قبل قدوم الأسارى بيوم، وكان قد فرقهم بين أصحابه وقال: «استوصوا بهم خيرا» . وهذا غاية الرحمة والإنسانية حيث أوصى بأناس طالما عذّبوه وأصحابه، وحاولوا فتنتهم عن دينهم، وقد نفّذ الصحابة وصية رسول الله بأمانة، وكانوا سمحاء كرماء معهم، فهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يقول: (كنت في رهط الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدّموا غداءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز وأكلوا التمر، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحيي فأردها، فيردها عليّ ما يمسها) .

قتل أسيرين

وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث، وكان قد مرّ به أخوه مصعب ورجال من المسلمين فأسروه فقال له: (شدّ يديك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك) ، فقال له أبو عزيز: (يا أخي، هذه وصاتك بي؟!) فقال له مصعب: (إنه أخي دونك) . فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي، فقيل لها أربعة الاف درهم، فبعثت بها فداء له، وكان أخا شقيقا لمصعب، وقد أسلم أبو عزيز بعد وحسن إسلامه، وروى الحديث «1» . ولما قدم المسلمون بالأسارى كانت السيدة سودة بنت زمعة زوج النبي عند ال عفراء في مناحتهم على عوف ومعوّذ ابني عفراء- وهما من شهداء بدر- وذلك قبل أن يضرب الحجاب، فلما أخبرت بقدوم الأسارى رجعت إلى بيتها ورسول الله فيه، فإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو «2» مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما ملكت نفسها حين رأته كذلك أن قالت: (أي أبا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كراما؟!) قالت: فو الله ما أنبهني إلا قول رسول الله من البيت: «يا سودة أعلى الله وعلى رسوله تحرّضين» ؟! فقالت: والذي بعثك بالحق، ما ملكت نفسي أن رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت، فقبل النبي اعتذارها. قتل أسيرين وبينما كان النبي والمسلمون في طريقهم إلى المدينة أمر بقتل أسيرين: أحدهما النّضر بن الحارث، والثاني عقبة بن أبي معيط، وكانا من شرّ عباد الله، وأكثرهم كفرا وعنادا وبغيا وحسدا وإيذاء للنبي والمسلمين، وهجاء للإسلام وأهله، ولم يأمر النبي بقتل أحد من الأسرى غيرهما. ذلك أنه لما بلغ النبي في مرجعه «الصفراء» عرض عليه الأسرى، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى النضر نظرة رأى فيها الموت، فلما رأى ذلك قال لمصعب بن عمير

_ (1) الروض الأنف، ج 2 ص 78؛ الإصابة، ج 4 ص 133. (2) هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ- ابن عم والد السيدة سودة، وهو زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ.

- وكان أقرب من هناك به رحما-: كلّم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابه، فهو والله قاتلي إن لم تفعل، فقال مصعب: إنك كنت تقول في كتاب الله وفي نبيه كذا وكذا، وكنت تعذّب أصحابه، فقال النضر: لو أسرتك قريش ما قتلتك أبدا وأنا حي، قال مصعب: والله إني لأراك صادقا، ثم إني لست مثلك، فقد قطع الإسلام العهود!. وكان النضر أسير المقداد بن الأسود، وكان يطمع أن ينال في فدائه مالا كثيرا، فلما همّوا بقتله صاح: النضر أسيري، فقال النبي لعلي بن أبي طالب: «اضرب عنقه، واللهمّ أغن المقداد من فضلك» . أما عقبة بن أبي معيط فقد قتل «بعرق الظبية» ، ولما أمر النبي بقتله قال: فمن للصبية يا محمد؟ قال: «النار» ثم قال: أتقتلني من بين قريش؟ فقال النبي: «نعم» ثم التفت إلى أصحابه وقال: «أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي، وغمزها، فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران «1» ، وجاء مرة بسلا «2» شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي» . وهذه القصة الثانية رواها البخاري ومسلم، فقد كان النبي يصلي عند الكعبة ورؤساء الشرك جالسون، فقالوا: من يذهب إلى سلا جزور بني فلان فيأتي به، فإذا سجد محمد وضعه على ظهره؟ فقال عقبة هذا: أنا، فذهب وجاء به ومعه فرث «3» ودم، فوضعه على ظهر النبي ورأسه، فصاروا يتضاحكون، ومكث النبي على هذا خشية أن يقوم فيقع في المسجد الحرام فيقذره، حتى انطلق أحد الناس فأخبر ابنته فاطمة- وكانت صغيرة السن- فجاءت، ونحّت القذر عن أبيها، وقلبها يكاد يتفطر مما رأت، وعيناها مغرورقتان بالدموع، ثم

_ (1) ستندران: ستخرجان من مكانهما. (2) السلا: الكيس الذي يكون فيه الجنين في بطن أمه «المشيمة» . (3) الفرث: ما يكون في الكرش من قذر.

أسارى بدر

التفتت إلى القوم، فسبّتهم، ووبختهم على هذا العمل، وقد قتله علي بن أبي طالب، وقيل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. ولما قتل النضر بن الحارث رثته أخته قتيلة بنت الحارث، وكان مما قالت: أمحمد يا خير ضنء «1» كريمة ... من قومها والفحل «2» فحل معرق ما كان ضرّك لو مننت وربما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق والنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق قال ابن هشام: يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال: «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه» «3» وليس هذا بعجيب من الرؤوف الرحيم الذي وسع خلقه الناس جميعا محسنهم ومسيئهم. أما باقي الأسارى فلم يكن الرسول وأصحابه قد اتفقوا على رأي بالنسبة إليهم، أيقتلون أم يفادون؟ أسارى بدر ولما استقر المقام للمسلمين بالمدينة بعد بدر استشار النبي أصحابه فيما يصنعون بالأسارى، فقال الصدّيق أبو بكر- وكان رحيما رقيقا-: يا رسول الله قومك وأهلك، وإني أرى أن تأخذ منهم الفداء، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهداهم الله فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله: «ما ترى يا ابن الخطاب» ؟ فقال عمر- وكان صلبا في الحق شديدا-: والله ما أرى رأي أبي بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان- قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم، وأئمتهم، وقادتهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا.

_ (1) الضنء: بفتح الضاد وكسرها: الولد. (2) تريد الأب، أي إنه كريم الأبوين. (3) البداية والنهاية، ج 3 ص 305.

وصول النذير بالهزيمة إلى قريش

فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يردّ عليهم شيئا، ومكث ساعة ثم خرج والصحابة ما بين قائل برأي أبي بكر، وقائل برأي عمر، وقائل برأي ابن رواحة، فقال: «إنّ الله ليليّن قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وكمثل عيسى قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً وكمثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ، وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ أنتم اليوم عالة «1» ، فلا يفلتنّ أحد إلا بفداء أو ضربة عنق» . فقال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام، فسكت النبي، قال عبد الله: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ حجارة من السماء من ذلك اليوم، حتى قال النبي: «إلا سهيل بن بيضاء» فسرّي عنه، وهكذا رجّح النبي صلى الله عليه وسلم رأي الصدّيق لما جبل عليه قلبه من الرأفة والرحمة، ولما فيه من التخلّق بصفة من صفات الرب جل وعلا، حيث قال: «سبقت رحمتي غضبي» . وصول النذير بالهزيمة إلى قريش على حين كان المسلمون فرحين بنصر الله وما أفاء الله عليهم من الغنائم، كان الحيسمان بن عبد الله الخزاعي يحثّ الطريق إلى مكة، حتى كان أول من دخلها، وأخبر أهلها بالهزيمة، وقتل الكثيرين من صناديدهم وأشرافهم وأسر الكثيرين منهم، وقد تشكّكوا أول الأمر، ثم لم يلبثوا أن استيقظوا لما توالت عليهم النذر، فكأنما نزلت عليهم صاعقة من السماء. وكان أشدهم غيظا وكمدا أبو لهب بن عبد المطلب، ولم يمكث إلا بضع

_ (1) عالة: فقراء في حاجة إلى المال.

افتداء الأسرى

ليال حتى رماه الله بمرض العدسة فقضى عليه، وكانت قريش تتّقي هذا المرض، فتركه ابناه بعد موته ثلاثا حتى أنتن، فقال لهما رجل من قريش: ألا تستحيان، إن أباكما قد أنتن في بيته، ألا تدفنانه؟ فقالا: إنا نخشى عدوى هذه القرحة، فقال: انطلقا وأنا أعينكما عليه، فغسلوه قذفا بالماء من بعيد ما يدنون منه، ثم احتملوه إلى أعلا مكة فأسندوه إلى جدار ثم ردموا عليه الحجارة. وهكذا شاء الله سبحانه وتعالى أن يموت هذه الميتة الشنيعة لعداوته للرسول ومناهضته للإسلام، وعدم رعايته للرحم حرمة. ومكثت قريش تنوح على قتلاها مدة، ثم تواصوا فيما بينهم وقالوا: لا تفعلوا، يبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم. وكذلك تواصوا ألايسرعوا في بذل الفداء، وقالوا: لا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم، لا يأرب «1» عليكم محمد وأصحابه في الفداء، وكان هذا من تمام ما عذّب الله به أحياءهم في ذلك الوقت، فإن البكاء مما يبل فؤاد الحزين، ويخفف من لوعة الحزن وهول المصاب، وكان الأسود بن المطلب قد أصيب في ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث، فقال لغلام له: هل بكت قريش على قتلاها لعلّي أبكي على ولدي، فإن جوفي قد احترق. افتداء الأسرى ولم تطق قريش الصبر على ما اتفقوا عليه من عدم التسارع إلى الفداء، وانسلوا واحدا وراء الاخر، وقد كان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال، وكأنكم به قد جاءكم في طلب فداء أبيه» ، فلما قالت قريش: لا تعجلوا بفداء أسراكم، قال المطلب بن أبي وداعة: صدقتم لا تعجلوا، وكان هو أول من نقض هذا، فانسل من الليل وقدم المدينة، وفدى أباه بأربعة الاف درهم، وكان هذا أول أسير فدي، ثم بعثت قريش في فداء أسراهم.

_ (1) قال في النهاية في تفسير هذا الخبر: أي يتشدّدون عليكم في طلب الفداء.

فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، وكان سهيل رجلا أعلم «1» من شفته السفلى، فقال عمر بن الخطاب لرسول الله: (دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو فيدلع «2» لسانه، فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا) ، فكان جواب النبي هذا الجواب البالغ السمو في الرحمة والإنسانية: «لا أمثّل، فيمثّل الله بي، وإن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه» . وقد صدقت نبوءة الرسول، فإنه لما جاور الرفيق الأعلى أراد بعض أهل مكة الارتداد كما فعل غيرهم من الأعراب والمنافقين، فقام سهيل هذا خطيبا وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله: (أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ألم تعلموا أن الله قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، ثم قال: والله إني لأعلم أن هذا الدين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها، فلا يغرنّكم هذا يريد أبا سفيان «3» - من أنفسكم، فإنه يعلم من هذا الأمر ما أعلم، لكنه قد ختم على صدره حسد بني هاشم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وكلمته تامة، وإن الله ناصر من نصره، ومقر دينه، وقد جمعكم الله على خيركم يعني أبا بكر- وإن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة، فمن رأيناه ارتد ضربنا عنقه) فتراجع الناس عما كانوا عزموا عليه، فكان معجزة من معجزات النبوة. ومن الأسرى: عمرو بن أبي سفيان بن حرب، فقالوا له: افد عمرا ابنك فقال: لن يجتمع علي دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي عمرا؟ دعوه في أيديهم فيمسكوه ما بدا لهم. فبينما هو كذلك خرج سعد بن النعمان، - وكان شيخا مسلما- إلى مكة معتمرا، فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو،

_ (1) أعلم: مشقوق الشفة. (2) يخرج عند الكلام. (3) لم يثبت أن أبا سفيان كان له موقف سيّىء بعد وفاة رسول الله، ولقد أسلم الرجل وحسن إسلامه، وأبلى في فتوح الشام بلاء حسنا (الناشر) .

فمشى قوم سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكوا صاحبهم به، فأعطاهم إياه فأرسلوه إلى أبي سفيان، فخلّى سبيل سعد. ومن الأسرى: العباس بن عبد المطلب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: لما أمسى رسول الله يوم بدر والأسارى محبوسون بالوثاق بات النبي ساهرا أول الليل، فقال له أصحابه: مالك لا تنام يا رسول الله؟ فقال: «سمعت أنين عمي العباس في وثاقه» ، فأطلقوه فسكت، فنام رسول الله «1» . وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عمر قال: لما أسر العباس فيمن أسر يوم بدر أوعدته الأنصار أن يقتلوه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه» ، فقال عمر: أفاتيهم؟ فقال: «نعم» فأتى عمر الأنصار فقال لهم: أرسلوا العباس، فقالوا: لا والله لا نرسله، فقال عمر: فإن كان لرسول الله رضا؟ قالوا: فإن كان له رضا فخذه، فأخذه عمر، فقال له: يا عباس أسلم فو الله لئن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك. ومع أن النبي تألّم لألمه وهو في الأسر فقد أبى إلا أن يأخذ منه الفداء، وقد فدى نفسه وابني أخويه: عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وحليفه عتبة بن عمرو أحد بني الحارث بن فهر بمائة أوقية من الذهب، ولما قال للنبي: إنه لا مال له قال له: «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، وقلت لها: إن أصبت في سفري فهذا لبنيّ: الفضل، وعبد الله، وقثم» ، فقال: والله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا شيء ما أعلمه إلا أنا وأم الفضل!!! ولما قال: إنه خرج مستكرها وإنه كان قد أسلم قال له النبي: «أما ظاهرك فكان علينا، والله أعلم بإسلامك وسيجزيك» ، وكذلك أبى أن يتنازل له الأنصار عن الفداء. روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: إن

_ (1) السيرة مع فتح الباري، ج 7 ص 248 ط بولاق.

رجالا من الأنصار «1» استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا «2» العباس فداءه، فقال: «لا والله، لا تذرون له درهما» «3» . وهذا غاية العدل والإنصاف في المعاملة، فرسول الله مع رحمته بعمه وشفقته عليه وتخوفه أن يقتل وهو يرجى من ورائه للإسلام خير كثير، تأبى عليه نفسه السامية أن يفرّق بينه وبين الأسارى في الفداء، أو أن يقبل أن يمن عليه الأنصار خشية أن يكون عملهم هذا لمكانه من رسول الله وقرابته، مع أنه صلى الله عليه وسلم منّ على بعض الأسارى دون فداء، وهذا ليس بعجيب ممن كان خلقه القران. ومن الأسرى: أبو عزّة الشاعر، كان فقيرا ذا عيال، فقال: يا رسول الله، لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامنن عليّ، فمنّ عليه رسول الله، وأخذ عليه ألايظاهر عليه أحدا، فتعهّد بذلك ومدح الرسول بشيء من شعره. ثم لم يلبث أن أغراه المشركون بهجاء النبي والمسلمين، ففعل بعد أن تمنّع، وصار يؤلب على المسلمين لأجل أحد، وقد حضر الموقعة فأسر، فسأل النبي أن يمنّ عليه فقال له: «لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدا مرتين» ، ثم أمر به فضربت عنقه، وقيل: إن الرسول قال له: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» ، قيل: إن هذا من الأمثال التي لم تسمع إلا منه عليه الصلاة والسلام «4» . ومن الأسرى: الوليد بن الوليد، افتداه أخواه خالد وهشام، فلما افتدي ورجع إلى مكة أسلم، فقيل له: هلّا أسلمت قبل الفداء، فقال: خفت أن

_ (1) هم بنو النجار، وقد كان وقع في أسرهم، ولعل الذين أرادوا أن يقتلوه غير بني النجار، أو بعض اخر منهم، فلا تنافي بين هذه الرواية والسابقة. (2) هم أخوال أبيه عبد المطلب لأن أمه سلمى بنت عمرو من بني النجار ففي الكلام تجوز. (3) البداية والنهاية، ج 3 ص 299. (4) المرجع السابق، 313.

يعدوا إسلامي خوفا، ولما أراد الهجرة إلى المدينة منعه أخواه، فبقي بمكة حتى فرّ إلى النبي في عمرة القضاء. ومن الأسرى: أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب رضي الله عنها، وهو ابن أخت «1» السيدة خديجة رضي الله عنها، وكان من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة، وكان تزوجها قبل النبوة، فلما دعا النبي إلى دين الله مشى رجال من قريش إلى أبي العاص فقالوا له: فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت، فقال: لا والله إذا لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش!! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في صهره كما ثبت في صحيح البخاري ويقول: «حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» ، وكان أسر ببدر، فلما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت السيدة زينب بنت الرسول في فداء زوجها بمال، وفي المال قلادة كانت للسيدة خديجة رضي الله عنها، فأهدتها إليها وأدخلتها بها على أبي العاص، فلما راها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقة شديدة، وأهاجت في نفسه ذكرى السيدة الجليلة التي واسته بنفسها ومالها خديجة، فقال لأصحابه: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا» ، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردّوا عليها قلادتها. وكان النبي قد أخذ عليه أن يخلّي سبيل ابنته زينب فوفى بالعهد وأرسلها، فبقيت عند أبيها إلى ما بعد الحديبية، فأسر أبو العاص مرة أخرى، ففر إلى المدينة واستجار بزوجته زينب- وكان الإسلام قد فرّق بينه وبينها- فأجارته، فأقر المسلمون إجارتها له، ورجع إلى مكة ومعه ماله، فأدّى الأمانات إلى أصحابها، ثم عاد إلى المدينة مسلما، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعقد ومهر جديدين على الصحيح.

_ (1) الروض الأنف، ص 81، 83؛ الإصابة، ج 4 ص 122؛ والاستيعاب (على هامش الإصابة) 4 ص 125- 129.

ومن الأسرى: وهب بن عمير بن وهب الجمحي، وكان أبوه شيطانا من شياطين قريش، شديد الإيذاء للرسول وأصحابه بمكة، جلس يوما بعد الحرب مع صفوان بن أمية يتذاكران مصاب بدر، فقال عمير: والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد فأقتله، فإن ابني أسير عنده. فاغتنمها صفوان بن أمية فقال له: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير: فاكتم علي، قال: سأفعل. ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له، وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، وما أكرمهم الله به، إذ نظر إلى عمير بن وهب وقد أناخ بعيره على باب المسجد متوشحا سيفه، فقال: هذا عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل على رسول الله فأخبره فقال له: «أدخله علي» . فأقبل إليه عمر فأخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبه بها، وقال لمن كان معه من الأنصار: أدخلوه على رسول الله، فلما راه وعمر اخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: «أرسله يا عمر، أدن يا عمير» فدنا فقال له: «فما جاء بك يا عمير» ؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه. قال: «فما بال السيف في عنقك» ؟ قال: قبّحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئا؟ قال: «اصدقني ما الذي جئت له» ؟ قال: ما جئت إلا لذلك، قال: «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك» . فقال عمير: أشهد أنك رسول الله!! قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القران، وأطلقوا أسيره» ، ففعلوا.

قيمة الفداء

ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ورسوله وإلى الإسلام، لعل الله يهداهم، وإلا اذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم. فأذن له رسول الله فلحق بمكة، وكان صفوان حين حرج عمير يمنّي نفسه الأماني، ويقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الان في أيام تنسيكم وقعة بدر، وكان يخرج فيتلقّى الركبان يسألهم عن عمير ليتأكد من نجاح المؤامرة، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فسقط في يده، وحلف ألايكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا، أما عمير فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديدا، فأسلم على يديه ناس كثير، وهكذا خرج كافرا جاهدا على قتل النبي، فإذا به يعود مؤمنا صادق الإيمان!!. قيمة الفداء وكانت قيمة الفداء يومئذ ما بين الأربعمائة والأربعة الاف درهم، كما رواه أبو داود في سننه، ومنهم من أخذ منه أربعون أوقية من ذهب عن نفسه كالعباس رضي الله عنه، ومن لم يكن له مال ويعرف القراءة والكتابة أعطوه عشرة من غلمان المدينة يعلمهم القراءة والكتابة. روى الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، فجاء غلام يبكي إلى أمه، فقالت: ما شأنك؟ فقال: ضربني معلمي، فقالت: الخبيث يطلب بدخل بدر، والله لا تأتيه أبدا «1» . ومن لم يكن يعرف القراءة والكتابة منّوا عليه كأبي عزة الشاعر، والمطّلب بن حنطب المخزومي، أسره بعض بني الحارث بن الخزرج، فترك في أيديهم حتى خلّوا سبيله فلحق بقومه «2» . وقبول النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في هذا الوقت الذي

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 338. (2) المرجع السابق ص 312.

وعد الله الأسارى بالخير إن أسلموا

كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سموّ الإسلام في نظرته إلى العلم والمعرفة وإزالة الأمية، وليس هذا بعجيب من دين كان أول ما نزل من كتابه الكريم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «1» . واستفاضت فيه نصوص القران والسنة في الترغيب في العلم وبيان منزلة العلماء، وبهذا العمل الجليل يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أول من وضع حجر الأساس في إزالة الأمية وإشاعة القراءة والكتابة، وأن السبق في هذا للإسلام. وعد الله الأسارى بالخير إن أسلموا وقد وعد الله سبحانه الأسارى من امن منهم وأسلم وحسن إسلامه بالعوض عما أخذ منهم في الدينا والاخرة، قال عز شأنه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2» . وهو ترغيب لهم في الإيمان، وعدة لهم بالعوض في الدنيا والغفران في الاخرة، وكان العباس رضي الله عنه ممن ناله هذا الوعد الكريم، فكان يقول: أبدلني الله من ذلك عشرين عبدا- وفي رواية أربعين- كلهم تاجر بمالي، وأعطاني زمزم- يريد السقاية- وما أحب أنّ لي بها جميع أموال أهل مكة. وكان يقول بعد ما ناله من الخير حتى رضي: وأنا بعد أرجو المغفرة التي وعدنا الله جلّ ثناؤه.

_ (1) (الذي علم بالقلم) إشارة إلى العلم الكسبي، (علّم الإنسان ما لم يعلم) إشارة إلى العلم الوهبي الذي يهديه الله لأنبيائه وأوليائه، والايات هي: 1- 5 من سورة العلق. (2) سورة الأنفال: الاية 70.

العتاب في الفداء

العتاب في الفداء وقد عاتب الله سبحانه النبي والمسلمين على اختيارهم الفداء على القتل الذي أشار به الفاروق رضي الله عنه، وأنزل في ذلك قوله سبحانه: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «1» . ولما نزلت الايتان جاء عمر من الغد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان، فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما!! فقال رسول الله: «للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، وقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة» ، لشجرة قريبة منه، وأخبره بما نزل من الايات، وهذا يدل على أن جمهرة الصحابة كانوا على رأي أخذ الفداء. ولما نزلت الايتان كفّ الصحابة أنفسهم عن الانتفاع بما أخذوا من الفداء، وأسفوا لهذا العتاب، فأنزل الله سبحانه: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

_ (1) سورة الأنفال: الايتان 67، 68. تفسير الايتين: أسرى: جمع أسير، الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار منه، والمراد المبالغة في تقتيل الكفار. عرض الدنيا: الفداء. لولا كتاب من الله سبق: يعني لولا ما قدّره الله في الأزل وجرى به تقديره الحكيم من أنه لا يؤاخذ من اجتهد وبذل الوسع، وإن لم يصادف الصواب، وقيل: من أنه لا يؤاخذ أهل بدر بما صنعوا، وقيل: من أنه لا يعذب قوما حتى يبين لهم الحلال من الحرام، وما ينبغي مما لا ينبغي، يعني لولا هذا لنالكم عذاب شديد بسبب إيثاركم عرض الدنيا على ثواب الاخرة، وهذا درس تربوي عظيم، وبهذا الدرس وغيره أنشأ الله خير جيل عرفته الدنيا قديما وحديثا، وهم الصحابة الكرام، والاية الثانية بمثابة الترضية والإعذار لهم بعد العتاب.

طنين المستشرقين

طنين المستشرقين يقف غير واحد من المستشرقين والمبشّرين عند أسارى بدر، وقتل أسيرين من سبعين أسيرا، ويزعمون زورا وكذبا تعطش الدين الجديد للدماء، ويرون أنه كان الأحسن أن يمنّ المسلمون على الأسرى وبحسبهم ما نالوا من غنيمة، قالوا هذا وتغافلوا عما قام به هذان القتيلان، وما قام به معظم هؤلاء الأسرى من تعذيب وإيذاء للنبي والمسلمين، وصدّهم للناس عن الإسلام ثلاثة عشر عاما، ولم يكفهم ما فعلوا بالمسلمين بمكة، فهاهم لا يزالون يحاربون الإسلام والمسلمين، ويحاولون القضاء عليهم في موطنهم الجديد، وها نحن قد سمعنا عتاب الله للمسلمين أن قبلوا الفداء، ولم يثخنوا فيهم قتلا، ولو أنهم فعلوا لما عوتبوا، ولحظوا بالثناء من رب العالمين. يقولون هذا ويتجاهلون ما قام به المسيحيون باسم الصليب تجاه المسلمين من حروب دامية دامت حقبا من الزمان، وحاولوا أن يغتصبوا جزا عزيزا من أرض المسلمين في فلسطين، بل وأن يقضوا على الإسلام والمسلمين، ويتناسوا ذلك لولا ما قيّض الله للإسلام والمسلمين من أمثال صلاح الدين الأيوبي البطل المسلم، فهزمهم وألقى بهم في البحر، وطردهم شر طردة. ويتناسون ما قام به المسيحيون ضد المسلمين في الأندلس، وأيضا المجازر الكبرى التي قامت باسم المسيحية تجاه إخوانهم المسيحيين مثل مجزرة (سان بارتلمي) ، هذه المجزرة التي تعتبر سبة في تاريخ المسيحية لا شيء مثلها قط في تاريخ الإسلام، هذه المجزرة التي دبرت بليل وقام فيها الكاثوليك يذبحون البروتستانتييين في باريس وفي فرنسا غدرا وغيلة، بل في أحط صور الغدر وأبشع صور الغيلة «1» . وتجاهلوا أيضا ما حدث في أثناء الثورة الفرنسية والثورات المختلفة التي وقعت وتقع في أمم أوروبا المختلفة، من تقتيل وتذبيح للالاف، وما قامت

_ (1) حياة محمد لهيكل، ص 268.

فضائل أهل بدر

وتقوم به الدول المسيحية في العصر الحديث باسم قمع الثورات في بلاد يحكمونها على كره من أهلها، قصد استغلال خيراتها، وامتصاص دماء بنيها. وما رأيهم فيما تقوم به الدول المتحضرة اليوم في الشرق والغرب، وما جرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية من قتل الأسارى قتلا جماعيا والتنكيل بهم تنكيلا جاوز حدود الإنسانية؟ فلماذا أغمضوا عن هذا عيونهم، وأصموا اذانهم؟ وفتحوها لقتل أسيرين حفلت حياتهما بالمساوىء والجرائم تجاه النبي والمسلمين؟ فأين هذا مما صنعه المسلمون مع الأسارى في بدر من إحسان إليهم حسب وصاة نبيهم لهم، حتى كانوا يؤثرونهم على أنفسهم بالطعام والشراب؟! إن ما جرى في بدر وفي غير بدر من المسلمين في مغازيهم وفتوحاتهم إنما هي رحمة وعدل من اثار هذا الدين، دين الرحمة والعدل، ولقد لهج بذلك رجل لا يمت إلى الإسلام بصلة، وهو المؤرخ الكبير (غوستاف لوبون) حيث قال: (ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب) «1» . وإليكم أيها المستشرقون والمبشرون هذه الحكمة: (من كان بيته من زجاج فلا يرشق بيوت الناس بالحجارة) . فضائل أهل بدر لا تعجب وقد سمعت ما سمعت عن أهل بدر، وما قدّموه من التضحيات راضية بذلك نفوسهم، وما كان لهذه الغزوة من أثر بعيد في نشر الإسلام وظهوره على الأديان كلها- أن جعل الله سبحانه لأهل بدر من المنزلة والمكانة في الدنيا والاخرة ما ليس لغيرهم، حتى صار من الماثر والمفاخر أن يقال: فلان بدري. روى البخاري في صحيحه عن حميد قال: سمعت أنس بن مالك رضي

_ (1) الوحي المحمدي، ص 129.

الله عنه يقول: أصيب حارثة «1» يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الاخرى ترى ما أصنع، فقال: «ويحك، أو هبلت- أي ثكلت- أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس» وفي رواية: «إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» . قال الحافظ ابن كثير: وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر، فإن هذا لم يكن في حومة الوغى، بل كان من النظّارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب» وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس الذي هو أعلا الجنان، ومنه تفجّر أنهار الجنة، والتي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها، فإن كان هذا حاله فما ظنك بمن كان واقفا في نحر العدو، وعدوهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعددا! وروى الشيخان في صحيحيهما قصة حاطب بن أبي بلتعة، وبعثه الكتاب إلى أهل مكة عام الفتح يخبرهم فيه بعزم رسول الله على قصد مكة، وأن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه، لأنه قد خان الله ورسوله، فقال له الرسول: «أليس من أهل بدر؟ لعلّ الله اطّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. والمراد عدم مؤاخذتهم عما عسى أن يبدر منهم بعد ذلك من الزلات والتجاوز عن سياتهم، كفاء ما قدموا للإسلام من مخاطرة بالنفس في هذه الغزوة، وما أظهروه من إيمان وبطولة، وليس المراد أن الله سبحانه أباح لهم أن يفعلوا أي شيء أرادوه من المعاصي والاثام كما يتوهم ذلك، وقد كان صحابة رسول الله ولا سيما أهل بدر أشد الناس تقوى لله وخوفا من الله، على كثرة ما وعدهم من المغفرة والرضوان والنعيم المقيم في الاخرة.

_ (1) هو حارثة بن سراقة من بني عدي بن النجار الأنصاري وأبوه سراقة له صحبة واستشهد يوم حنين، وأمه هي الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك. (2) أي أتاه من حيث لا يدري، فإن الذي رماه قصد غرته فرماه وحارثة لا يشعر به.

نتائج غزوة بدر

وكانوا يغلّبون الخوف على الرجاء، وقد كان الصدّيق على منزلته يشمّ من فيه رائحة الكبد المشوي من شدة الخوف من الله، وكان الفاروق عمر على زهده وعدله يقول: ليت أمي لم تلدني، وكان أبو الحسن علي يقوم في محرابه بالليل فيبكي بكاء الثكلى، ويتململ تململ السليم- اللديغ- من خوفه وخشيته لله، إلى غير ذلك من المثل الكثيرة التي زخرت بها سير الصحابة الكرام. وروى مسلم في صحيحه بسنده عن جابر: أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا ويقول: ليدخلنّ حاطب النار، فقال رسول الله: «كذبت لا يدخلها، إنه شهد بدرا والحديبية» . وروى البخاري في صحيحه أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين» أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة «1» . وقد عرف الخلفاء الراشدون لأهل بدر منزلتهم وقدمهم في الإسلام دينا ودنيا، فقد جعل سيدنا عمر عطاء أهل بدر لكل واحد خمسة الاف «2» ، وقال: لأفضلنّهم على من بعدهم، وكذلك عرف لهم العلماء منزلتهم لما تكلموا في فضل الصحابة وجعلهم طبقات، حتى إن بعضهم جعل الطبقة الأولى أهل بدر، وهذا عرفان منهم بالفضل لذويه «3» . نتائج غزوة بدر 1- كانت من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين، وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها، وأضحى من يريد أن يغزو المدينة، أو ينال من المسلمين يفكر ويفكر قبل أن يقدم على فعلته، وإلا نزل به ما نزل بقريش على عددها وعدتها.

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 328. (2) الباعث الحثيث إلى علوم الحديث، ص 333. (3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب فضل من شهد بدرا.

2- أنها تركت بنفوس أهل مكة المشركين كمدا وأحزانا والاما بسبب هزيمتهم ومن فقدوا أو أسروا، فهذا أبو لهب لم يلبث أن أصيب بالعلة ومات، وهذا أبو سفيان فقد ابنا له وأسر له ابن اخر، وما من بيت من بيوت مكة إلا وفيه مناحة على قتل عزيز أو قريب، أو أسر أسير، فلا عجب أن كانوا صمموا في أنفسهم على الأخذ بالثأر، حتى إن بعضهم حرم على نفسه الاغتسال «1» حتى يأخذ بالثأر ممن أذلوهم، وقتلوا أشرافهم وصناديدهم، وانتظروا يترقبون الفرصة للقاء المسلمين والانتصاف منهم، فكان ذلك في أحد. 3- أن النصر المبين في بدر حرك ما كمن في نفوس اليهود والمنافقين والمشركين من أهل المدينة. فهذا الذي وفد عليهم فارا مهاجرا يزداد سلطانه ونفوذه يوما بعد يوم، ويكاد يكون صاحب الكلمة في المدينة كلها لا في أصحابه واحدهم، وكان اليهود قد بدأ تذمرهم من قبل بدر، وبدأوا يحيكون الدسائس والمؤامرات لتفريق واحدة المسلمين، ولولا عهد الموادعة الذي كان بينهم وبين المسلمين لوقع الصدام السافر بين الفريقين، لذلك ما كاد المسلمون يعودون من بدر منصورين حتى جعلت طوائف اليهود والمنافقين تتغامز، وتستخف بالنصر الذي أحرزوه زاعمين أنهم لقوا أغمارا «2» في الحرب، ولئن وقعت بينهم وبين المسلمين الحرب فسيرى المسلمون أنهم هم الناس «3» !! وبدأوا يتحرشون بالنبي والمسلمين، وما كان النبي ليخفى عليه شيء من ذلك، وإنما كان يراقبهم عن حذر ويقظة، حتى استخفوا بالمقررات الخلقية، والحرمات التي يعتز بها المسلمون، واستعلنوا بالعداوة، فلم يكن بدّ من حربهم وإجلائهم عن المدينة، كما سنفصل ذلك فيما بعد إن شاء الله.

_ (1) هو أبو سفيان بن حرب، كان نذر بعد بدر ألايمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أغار على المدينة في رجال من قومه، ولكن لم ينل مأربا، فخرج إليه النبي في جماعة من أصحابه، ولكنه فر هاربا، وكان ذلك في «غزوة السويق» . (2) لا خبرة لهم بالحروب وفنونها. (3) يعنون أنهم أهل الخبرة والدربة في الحروب.

مواطن العبرة في بدر

مواطن العبرة في بدر إن في بدر لعبرا وايات يستجليها ذوو البصائر النيرة، والقلوب المؤمنة، والعقول الفاحصة المتحررة، وصدق الله حيث يقول: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ «1» . من هذه العبر والايات: 1- أثر القوى الروحية والمعنوية: وأساس هذه القوى هو الإيمان: الإيمان بالله وأنه ذو قوة لا تغالب، وأن بيده النصر والموت والحياة، وأن الموت في سبيل الله خلود. والإيمان بالرسول، وأنه لا ينطق عن الهوى، وأن حبه إيمان، وتفديته بالنفس فريضة، وأن كل مصاب دونه هين ويسير. والإيمان باليوم الاخر، وأن هناك حياة أخرى خيرا من هذه الحياة يوفّى فيها كل عامل جزاءه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وأن الجنة للمتقين المجاهدين والنار للكفار والمتقاعسين عن نصرة الأنبياء والمرسلين. والإيمان بالرسالة المحمدية، وأنها الشريعة العامة الخالدة التي يجب أن تسود الدنيا وأن يستظل بها البشر، فقد ناط الله بها كل سعادة، وربط بها كل هدى وحق وخير. والإيمان بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم الأمة الوسط الشاهدة على الأمم كلها بعقيدتها وشريعتها، وعلمها وعملها، وأخلاقها وسلوكها، وعلى الأمة الإسلامية أن تنشىء أبناءها على هذا الإيمان اليوم، وحينئذ ستسترجع عزتها وسلطانها. هذا الإيمان العميق الجذور، المتشعب الفروع، هو سر الانتصار في هذه الموقعة وغيرها من مواقع الإسلام وأيامه المشهورة، وهو سر الأسرار وعبرة

_ (1) سورة ال عمران: الاية 13.

العبر، وإنا لنلمسه جليا في مقالة السادة: أبي بكر، وعمر، والمقداد، وسعد بن معاذ لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أشيروا عليّ أيها الناس» ونلمسه أيضا في مقالة عمير بن الحمام لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» فرمى بتمرات في يده كان يأكلها قال: إني إن حييت حتى اكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة!! ونحس هذا الإيمان المثالي في طلب الصدّيق أن يبارز ابنه عبد الرحمن، وفي قتل الفاروق لخاله العاص بن هشام، وقتل أبي عبيدة لأبيه، ومصعب بن عمير لأخيه، وفي مقالة أبي حذيفة لما رأى أباه عتبة وقد مات على الكفر ... إلى غير ذلك من المواقف المشرّفة، والمثل الإيمانية العليا. 2- من العبر أن النصر من عند الله، وأن لله جنودا كثيرة منها الملائكة، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ والله سبحانه وتعالى قد أمرنا في صريح الكتاب الكريم بإعداد العدة، وأخذ الأهبة للأعداء، وقد بلغ النبي والصحابة المدى في هذا، فلم يدعوا وسيلة من وسائل القوة والنصر مما يقع تحت أيديهم وفي استطاعتهم إلا اتبعوها، فضربوا بالسيوف والحرب، ورموا بالسهام والنبال، وحفروا الخنادق، وصنعوا الدبابات بما يلائم عصرهم، وتدربوا على فنون القتال، وتعلّموا الكر والفر، ومع هذا كانوا على صلة وثيقة بالله، وتوكل عليه، وهم على صلاح واستقامة، لم يغتروا بعدد ولا عدّة، وإنما يستنزلون النصر من عند الله. ولذلك كان النبي كثيرا ما يلجأ إلى الدعاء عند حضور المواطن، بل ويبالغ فيه كما حدث في بدر ليثبت في نفوسهم هذا المعنى الكريم، ولذلك لما عرض الله سبحانه في الكتاب الكريم لإمداد المسلمين بالملائكة ختم ذلك بقوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ «1» .

_ (1) سورة ال عمران: الاية 126.

وقوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «1» . وإنه لدرس عظيم يجب أن يعيه المسلمون في كل قطر، فما أجدرهم أن يأخذوا أنفسهم بتقوى الله والاستقامة على شريعته، وأن يصلوا حبالهم بحبال السماء، وإلا كانوا هم والأعداء في المعاصي سواء، وإن لا يكن لنا عليهم فضل بالدين والاستقامة والطاعة فضلونا بالعدد والعدّة، وإذا تخلّى الله سبحانه وتعالى عنا، ووكلنا إلى أنفسنا واغترارنا عزّ علينا استنزال النصر من الله، وصارت الغلبة لمن هم أكثر عددا وعدّة. 3- احترام النبي صلى الله عليه وسلم لمبدأ الشورى في الحرب ولو كانت من فرد واحد، وهو تقرير لهذا المبدأ التي يعتبر من مبادىء الإسلام، وذلك مثل ما حدث من أخذه برأي الحباب بن المنذر في تخيّر مكان نزول الجيش، ورأي سعد بن معاذ في بناء العريش؛ واستشارة أصحابه في القتال، لما علم بخروج قريش في جموعها، وفي الأسارى أيقتلون أم يفادون؟. وليس هذا بعجب ممّن نزل عليه قول الله سبحانه: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «2» . 4- إنسانية الرسول الفائقة: إنسانية مبعثها الرحمة التي امتلأ بها قلبه الكبير، والعظمة النفسية التي تسمو عن أن تؤاخذ كل مذنب بذنبه، وإنما تعفو وتسمح، وتتسامى وتصفح، وإنا لنلمس هذا في الأمر بدفن القتلى، وفي أمر أصحابه بالإحسان إلى الأسرى، وفي إبائه على سيدنا عمر أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو

_ (1) سورة الأنفال: الاية 10. (2) سورة ال عمران: الاية 159.

حتى لا يقوم ضد النبي خطيبا، وقوله هذه المقالة: «لا أمثّل فيمثّل الله بي وإن كنت نبيا» !! وفي موقفه لما سمع رثاء قتيلة لأخيها النضر بن الحارث وقوله: «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه» . 5- مواهب النبي صلى الله عليه وسلم السياسية: هذه المواهب التي تفجّر بها القلب المستنير الذي أشرق بالإيمان، وامتلأ بالفيوضات الإلهية والتجليات الربانية التي أفاض الله بها عليه، والعقل الكبير الذي تربّى على التأمل والنظر في الكون، وترعرع في حياطة الله ورعايته، وتمرّس بايات الوحي والحكمة، فوسع العقول جميعا، ولو وزنت به العقول كلها لرجحها. وإنا لنلمس هذه المواهب في استشارة أصحابه لمّا ترجّح جانب القتال بخروج جيش قريش، فقد كان هذا بمثابة اختبار لإيمان القوم، وتعرّف مبلغ استعدادهم لنصرة الإسلام خارج المدينة. وقد نجحوا في هذا الاختبار أيما نجاح، وأبانوا بما قالوا عن معدنهم الأصيل تجاه نبيهم محمد، الذي يختلف عن معدن بني إسرائيل معدن الجبن والخور والنذلة تجاه نبيهم موسى. كما نلمس هذا أيضا حين بدأت المبارزة، فقد أخرج النبي- كما رجّحنا- للثلاثة القرشيين ثلاثة من ألصق الناس به وذوي قرباه: اثنين من بني هاشم وواحدا من بني المطّلب، وبنو هاشم والمطّلب سواء في الجاهلية والإسلام، وذلك ليكون إيذانا على رؤوس الأشهاد بأن أقرباء النبي الأقربين سيكونون في مقدمة المسلمين- مهاجرين وأنصارا- تضحية بالنفس، وتفدية للرسول والإسلام، وإنه لموقف معبّر دونه الخطب والكلام. ونلمس هذه الموهبة الفائقة في موقف يعتبر من أحرج المواقف بين رأيين متعارضين، وكل من صاحبي الرأيين يعتبر وزير صدق للنبي صلى الله عليه وسلم، وانحاز إلى رأيه كثيرون، وذلك حينما استشار أصحابه في الأسرى، فقد رأى الصدّيق الفداء، ورأى الفاروق القتل، ودخل النبي بيته وفكر في الأمر، فرأى بما جبل عليه من الرحمة والتسامح رأي الصدّيق، ولكن الرأي المعارض رأي عمر،

وهو من هو في الإسلام، وصاحب الموافقات، وربما يكون في هذا غضاضة على عمر. وفكّر الرسول ثم فكر، فتفتّق العقل الكبير عن هذا التصرف الحازم البصير، فخرج وأثنى على كلا الرجلين ثناء نابعا من طبيعة الرجلين، لا تحيّف فيه على أحدهما، ولا هضم لحقه، ولا محاباة ولا مداهنة، فشبّه الصديق بنبيين رحيمين: إبراهيم وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وشبه الفاروق بنبيين اشتد غضبهما على قومهما، بعد أن لم يدعا في قوس الصبر منزعا، وهما: نوح وموسى عليهما الصلاة والسلام، ثم رأى رأي الصدّيق، وبهذه التقدمة البارعة قضى الرسول على ما عسى أن يداخل نفس الفاروق، فإذا كان الرسول لم يأخذ برأيه فبحسبه شرفا وتقديرا أن يكون شبيها بنبيين من أولي العزم من الرسل، وإنها لأمنية تنقطع دونها الأماني، وحلم ترنو إليه أي نفس مهما بلغت من أصالة الرأي، وحسن التدبير، والاقتناع بما رأت. ومن هذه السياسة الحكيمة إسهام النبي لكل من لم يحضر الموقعة لتخلّفه في مصلحة عامة أو خاصة، وكذلك إسهامه لمن استشهدوا في بدر وإعطاء حقوقهم لورثتهم وذويهم، وبذلك كان للإسلام السبق في تكريم الشهداء ورعاية أسرهم وأبنائهم من قرابة أربعة عشر قرنا. 6- عدالة النبي التامة في أخذ الفداء من القادرين عليه، وعدم محاباته لذوي قرباه، بل كان الأمر على خلاف ذلك، فقد أغلا الفداء على عمه العباس، ولم يقبل أن يتنازل له أخواله من الأنصار عن شيء منه، وترك أمر صهره إلى خيار المسلمين، فمنّوا عليه لمّا رأوا زوجته السيدة زينب أرسلت في فدائه بقلادتها الغالية التي تحمل في نفسها أعظم ذكرى لأمها السيدة خديجة، وفضل خديجة على الإسلام مذكور مشكور، وقد دلّل المسلمون بصنيعهم هذا على حسّ مرهف، وشعور كريم، وإنسانية فائقة، وعلى حين فعل النبي هذا مع ذوي قرباه منّ على أناس لا يمتون إليه بصلة القربى لاعتبارات تدعو إلى ذلك.

7- أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد فيما لم ينزل فيه وحي، وأنه إذا اجتهد في أمر من الأمور وسكت الوحي عن هذا الاجتهاد كان ذلك دليلا على موافقته الصواب والحق، واكتسب صفة إقرار الوحي لما أدّى إليه الاجتهاد، لأنه سبحانه حاشاه أن يقر نبيه على أمر يخالف الحق والصواب، أما إذا اجتهد النبي ولم يصادف الصواب نزل الوحي معاتبا ومبينا، وذاك كما حدث في هذه الغزوة. فقد نزل قوله تعالى معاتبا: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... والنبي في كلتا الحالتين مأجور، لأن الإسلام يقرر أن من اجتهد فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، وهذا يدل على مبلغ تقدير الإسلام للاجتهاد والدعوة إليه، وتكريم المجتهدين، وهذا الذي ذهبنا إليه من أنه صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد هو ما عليه جمهور العلماء والمحققون منهم، وهو الرأي الراجح المنصور. 8- حدوث بعض المعجزات النبوية الحسية في هذه الموقعة: فقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس قاتل يوم بدر بسيفه حتى انكسر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا «1» من حطب، فقال: «قاتل بهذا يا عكاشة» فأخذه فهزّه فصار سيفا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، وكان يسمى «العون» ، ولم يزل هذا السيف عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله حتى استشهد على يد طليحة الأسدي أيام حروب الردة. وكان النبي يشيد بشجاعة عكاشة هذا فيقول: «منا خير فارس في العرب» قالوا: ومن هو يا رسول الله؟ قال: «عكاشة بن محصن» فقال ضرار بن الأزور الأسدي: ذاك رجل منا يا رسول الله، فقال: «ليس منكم ولكنه منا للحلف» «2» وبحسبه شرفا هذا التقدير الكريم.

_ (1) الجذل: ما عظم من أصول الشجر المقطّع، وقيل: هو من العيدان ما كان على مثال شماريخ النخل وهو المراد. (2) الروض الأنف، ص 73، الجمالية.

وروى الواقدي بسنده في مغازيه عن رجال من بني عبد الأشهل قالوا: انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب- نخل بالمدينة رطبها جيد-، فقال: «اضرب به» ، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد «1» . ومن ذلك ما أعلم به النبي عمه العباس لما اشتكى الفقر، وإخباره بما ترك من مال عند زوجته أم الفضل، وقوله لها: إن هلكت فهذا المال لبنيّ. وما حدث به عمير بن وهب لما جاء متظاهرا بفداء ابنه، وهو يريد قتل النبي باتفاق مع صفوان بن أمية، فقد أنبأه نبأ المؤامرة، فكانت سببا في إسلامه وصدق إيمانه. وما ينبغي لأحد أن يزعم أن المعجزات الحسية لا ضرورة إليها بعد القران، فها هي قد بدت اثارها واضحة جلية في إسلام البعض، وتقوية يقين البعض الاخر، وإثبات أنه نبي يوحى إليه، فقد أخبر بمغيبات انتفى في العلم بها كل احتمال إلا أنه خبر السماء، وغير خفي ما يحدثه انقلاب عود أو عرجون في يد صاحبه سيفا بتارا في إيمانه وتقوية يقينه، وجهاده به جهادا لا يعرف التردد أو الخور، وحرصه البالغ على أن يخوض المعارك بسيف خرقت به العادة، وصار مثلا وذكرى في الأولين والاخرين.

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 290. وفي البداية أبي عبيدة وهو خطأ والصحيح أبي عبيد، وهو أبو عبيد بن مسعود الثقفي وكان عبر الفرات إلى الضفة الاخرى لقتال الفرس على جسر، فلما قتل أبو عبيد جال المسلمون جولة ثم انهزموا، فقطع رجل الجسر حتى لا يفكر أحد من الجيش في الفرار، وكانت خطيئة ترتب عليها أن قتل كثير من المسلمين وتهافتوا في الفرات، ولولا موقف المثنى بن حارثة ومعه بعض أبطال المسلمين لكانت الهزيمة ساحقة ماحقة. (الإصابة، ج 4 ص 130؛ والاستيعاب، ج 4 ص 124) .

أحداث في السنة الثانية

أحداث في السنة الثانية زواج علي بفاطمة في هذه السنة تزوج أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنى بها، وقد ذكر البخاري أن ذلك كان بعد غزوة بدر بقليل، وقال الواقدي إنه بنى بها في ذي الحجة من هذه السنة، وإليك قصة خطبتها كما رواها البيهقي عن علي قال: خطبت فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة خطبت من رسول الله؟ قلت: لا. قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوجك بها؟ فقلت: أو عندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجك. فو الله ما زالت ترجّيني حتى دخلت على رسول الله، فلما أن قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جاء بك، ألك حاجة» ؟ فسكتّ، فقال: «لعلك جئت تخطب فاطمة» فقلت: نعم. فقال: «وهل عندك من شيء تستحلها به» ؟ فقلت: لا والله يا رسول الله، فقال: «ما فعلت درع سلحتكها» ؟ فو الذي نفس علي بيده إنها لحطميّة ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت عندي، فقال: «قد زوجتكها، فابعث إليها بها، فاستحلّها بها» فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان زواجا ميمونا مباركا، أنجبت منه السيدة الزهراء السادة: حسنا، وحسينا، ومحسنا، وأم كلثوم، وزينب عليهم السلام. أما محسن فمات صغيرا، وعاش الحسن والحسين حتى بلغا مبلغ الرجال، فمات الحسن واستشهد الحسين بكربلاء، ولعلك تعجب إذا علمت أن السيدة الزهراء كان جهازها خميلا-

قطيفة- وقربة ووسادة أدم حشوها إذخر «1» ، وهكذا كان الأمر في صدر الإسلام لا مغالاة في المهور، ولا إرهاق في سبيل إعداد الجهاز كما هو الحال اليوم. وإنما الحال سماحة وبساطة، وتعاون في سبيل الحياة الزوجية الكريمة، ولو كانت المغالاة في المهور مكرمة لكان أولى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته، وأهله، وأصحابه الكرام الميامين.

_ (1) أدم: جلد. إذخر: نبات طيب الرائحة.

وفيات

وفيات في هذا العام توفيت السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك عند قدوم المبشرين بالنصر ببدر إلى المدينة كما أسلفنا. وفيها استشهد أربعة عشر من المهاجرين والأنصار في بدر، منهم: عبيدة بن الحارث بن المطلب، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص من المهاجرين، ومعوّذ وعوف ابنا عفراء، وعمير بن الحمام، وسعد بن خيثمة من الأنصار. وفيها توفي بعد بدر السيد الجليل عثمان بن مظعون أحد السابقين الأولين وممن هاجر الهجرتين، وكان أخا للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع، ولما توفي دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وبكى حتى سالت الدموع على وجهه «1» ، ثم شيّع جنازته هو وأصحابه، ولما دفن أمر النبي رجلا أن يأتي له بحجر، فلم يقدر الرجل على حمله لكبره، فقام النبي وأحضره ووضعه عند رأسه وقال: «أعلم به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي» «2» ، ومن هنا أخذ جواز تمييز القبر بحجر ونحوه، ولما توفي إبراهيم ابن النبي قال: «الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون» «3» ، وقد وهم بعض المؤلفين في السيرة «4» فذكر أنه توفي في العام الأول، وهو غلط، والصحيح كما ذكرنا.

_ (1) رواه أحمد والترمذي. (2) رواه أبو داود. انظر نيل الأوطار ج 4 ص 55، 132. (3) رواه الترمذي. (4) هو الشيخ الخضري رحمه الله في كتابه «نور اليقين» .

السنة الثالثة من الهجرة

السّنة الثّالثة من الهجرة تمهيد: في هذه السنة واجه النبي خصوما لم يكن له بهم سابق عهد، ذلك أنه كان حالف معظم القبائل التي تسكن غربي المدينة بينها وبين ساحل البحر، فكاد يصبح طريق تجارة مكة إلى الشام مغلقا، ولكن ماذا يصنع القرشيون والتجارة هي روحهم وعماد معيشتهم، لذلك فكروا في طريق صحراوي اخر من مكة إلى نجد، ومنها إلى العراق والشام، وكان بنو سليم وغطفان أهم من يسكن هذا الطريق من القبائل، وكانوا حلفاء قريش يستخدمونهم في تأمين متاجرهم إلى العراق. وقد وثّق القرشيون ما بينهم وبين سليم وغطفان وأغروهم بمحاربة الرسول. وقد كان من سياسة النبي الحكيمة في محاربة هذه القبائل هي مبدأ المبادأة، فما إن يعلم بعزمهم على حربه حتى يسرع إليهم بالخروج ليريهم أنهم أقوياء، وقد أثمرات هذه السياسة ثمرتها، فكان النبي إذا خرج إلى قوم منهم ألقى في قلوبهم الرعب وفروا، فيعود غانما منتصرا، وقد كفاه الله والمؤمنين القتال. [الغزوات في هذه السنة] غزوة الكدر تجمعت جموع من بني سليم وغطفان يريدون مهاجمة المدينة، فلما علم النبي بعزمهم خرج إليهم على رأس مائتين من أصحابه، فلما وصلوا ماء لهم يسمى «قرقرة الكدر» وجدهم قد فروا، فرجع ولم يلق كيدا، وغنم المسلمون خمسمائة بعير خمّست، فأخذ النبي الخمس، ووزع الباقي على المجاهدين.

غزوة غطفان أو ذي أمر

غزوة غطفان أو ذي أمر وفي شهر ربيع الأول تجمع بنو ثعلبة ومحارب- هما حيان من غطفان- وعلى رأسهم رئيس لهم يسمى «دعثور» يريدون الغارة على المدينة، فخرج إليهم النبي في أربعمائة وخمسين من أصحابه بعد أن خلّف على المدينة عثمان بن عفان، فلما سمعت الأعراب بمسيره رعبوا وفروا. وسار المسلمون حتى وصلوا ماء لهم يسمى (ذا أمر) فعسكروا به، وأمطرت السماء مطرا غزيرا، فابتلت ثياب رسول الله، فذهب إلى شجرة هناك بمنأى عن المعسكر ونشر عليها ثيابه، وشغل المسلمون بشؤونهم. ورأى المشركون أن ينالوا من النبي على غرة، فأرسلوا رجلا منهم شجاعا يقال له دعثور هذا ويقال غورث بن الحارث- لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فما شعر به النبي إلا وهو قائم على رأسه بالسيف مشهورا، فقال: من يمنعك مني يا محمد؟ فقال النبي: «الله» !! فرعب الرجل، وسقط السيف من يده، فتناوله الرسول، ورفعه، وقال له: «من يمنعك مني» ؟، فقال الرجل: لا أحد، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من الرجل إلا أن أسلم وتعهد ألايكثر على النبي جمعا، وعاد إلى قومه، فأخبرهم الخبر، ودعاهم إلى الإسلام. وهكذا شاء الله سبحانه أن يخرج قاصدا قتل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به يعود مؤمنا به ومحبا له!! وصار يجمع قومه للرسول، بعد أن كان يجمعهم عليه، وقد قيل: إنه نزل «1» في هذا قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «2» .

_ (1) تفسير الألوسي ج 6 ص 76. (2) سورة المائدة: الاية 11.

سرية زيد بن حارثة أو القردة

سرية زيد بن حارثة أو القردة علمت قريش من مبادأة الرسول لغطفان وسليم وخروجه إليهم؛ أن قوة المسلمين المادية والمعنوية لا يستهان بها، وأن الطرق المطروقة إلى الشام أصبحت غير مأمونة، وأن القبائل المتحالفة معهم أصبحت غير قادرة على حماية تجارتهم، ففكروا في طريق وعر قليل الماء، عرّفهم به مرشد يأتمنونه، فخرجت عيرهم في تجارة عظيمة، وكان رئيس العير صفوان بن أمية، ومعه أبو سفيان بن حرب، واخرون، واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل يسمى: فرات بن حيان «1» ليدلهم على الطريق، وتكتموا أمر هذه العير. ولكن الأقدار ساقت يثربيا، وهو نعيم بن مسعود الأشجعي، فقد كان بمكة وعلم بخبر العير، فلما قدم المدينة وجلس في رفقة له يشربون ومعهم رجل مسلم- وذلك قبل أن تحرم الخمر- فجرى على لسانه ذكر عير قريش والطريق الذي سلكته، فأسرع الرجل المسلم فأخبر النبي، فأرسل من فوره زيد بن حارثة في مائة راكب مجاهد، وكان ذلك في مستهل جمادى الأولى من السنة الثالثة فسارت السرية حتى لقوا العير عند ماء يسمى «القردة» ، ففرّ الرجال، وأصاب المسلمون العير، وكانت أول غنيمة ذات قيمة غنمها المسلمون، وعادت السرية بها، فخمّسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ خمسها خمسة وعشرين ألفا، وقسم الباقي على رجال السرية، وكان فرات بن حيان فيمن أسر، فعرضوا عليه الإسلام فأسلم.

_ (1) حيان: بالياء المثناة. وقيل: بالباء المواحدة.

غزوة أحد

غزوة أحد «1» تجهز قريش لأحد لما أصيبت قريش في بدر أرصدوا التجارة التي كانت تحملها العير لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، والثأر منه ومن أصحابه، وأوقفوها بدار الندوة، وكانت تبلغ خمسين ألف دينار، فسعى رجال من رؤسائهم قبيل أحد إلى أبي سفيان بن حرب، فقالوا له: إن محمدا وترنا «2» ، وقتل خيارنا، وإنا رضينا أن نترك ربح أموالنا فيها استعدادا لحرب محمد وأصحابه، وقد رضي بذلك كل من له فيها نصيب. وصاروا يجمعون الجموع لقتال النبي، واستنفروا حلفاءهم من الأحابيش، والقبائل المنتشرة حول مكة من كنانة وأهل تهامة، وعبّأوا القوى لهذا الاستنفار، فقد سعى صفوان بن أمية إلى أبي عزّة الشاعر الذي كان في الأسارى يوم بدر، ومنّ عليه الرسول، وقال له: يا أبا عزّة إنك امرؤ شاعر، فأعنّا بلسانك، واخرج معنا، فقال: إن محمدا قد منّ علي فلا أريد أن أظاهر عليه، ولم يزل به يغريه، ويقول: لله علي إن رجعت أن أغنيك، وإن قتلت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، حتى قبل، فخرج أبو عزة يسير في تهامة، ويدعو بني كنانة لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك اشترك في تأليب القبائل أبو عامر الذي كان يقال له: الراهب، فسماه رسول الله: الفاسق. وما زالت قريش تجمع الجموع حتى تكوّن جيش تعداده ثلاثة الاف منها، ومن حلفائها، وأعراب كنانة، وتهامة. وقد اختلفوا: يخرجون بالنساء أم لا؟ وكان اخر الأمر أن ترجّح رأي القائلين بخروجهن لما صرخت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وأصرّت على

_ (1) أحد: جبل بينه وبين المدينة نحو ستة أميال. وكانت الموقعة عنده. (2) وترنا: أصابنا في أحبتنا وأهلنا.

وصول الخبر إلى الرسول

خروجهن، فخرجت مع زوجها تؤلب وتحث على القتال، وكذلك خرجت زوجات عكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن العاص، وصفوان بن أمية وغيرهن، وسار هذا الجيش قاصدا المدينة ومعهم ثلاثة الاف بعير، ومائتا فرس ومن بينهم ستمائة دارع. وكان في الجيش عبد حبشي يقال له: «وحشي» وهو غلام لجبير بن مطعم، فقال له جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي- وكان قتل يوم بدر مشركا- فأنت حر، وكانت هند تحرضه هي الاخرى على قتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب الذي فجعها بقتل الأحبة من أهلها في بدر، فكانت كلما مرت أو مرّ بها تقول له: ويها أبا دسمة، اشف، واستشف «1» وسار الجيش حتى وصل إلى الأبواء حيث قبر السيدة امنة بنت وهب أم النبي، ففكر بعض سوقتهم في نبش قبرها، ولكن زعماءهم أبوا ذلك حتى لا تكون سنة سيئة في العرب، وقالوا: لا تذكروا من هذا شيئا فلو فعلنا نبشت بنو بكر وبنو خزاعة موتانا. وتابعت قريش سيرها حتى نزلت عند بعض السفوح من جبل أحد على خمسة أميال من المدينة. وصول الخبر إلى الرسول وكان العباس بن عبد المطلب يعلم ما صنعت قريش من تأليب القبائل، وجمع الجموع، وعزمها على مهاجمة المدينة، فكتب كتابا إلى ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم يخبره فيه بما جرى، وأعطاه لرجل من بني غفار، فأوصله الرجل إلى النبي، فقرأه عليه أبي بن كعب، فاستكتمه الرسول ما فيه، وأخبر بعض أصحابه واستكتمهم الخبر أيضا. ثم أرسل النبي أنسا ومؤنسا ابني فضالة يتسنّطان أخبار قريش، فألفياها قد قاربت المدينة، وأرسلت خيلها وإبلها ترعى زروع يثرب المحيطة بها، وأرسل بعدهما الحباب بن المنذر مستطلعا، فجاءت الرسل تؤكد ما أخبر به العباس، وأن جيش قريش بمشارف المدينة، ولم يعد الأمر سرا، فقد توالت الأخبار بوصول قريش وعسكرتها بالقرب من أحد، وأخذ المسلمون الحيطة للرسول

_ (1) ويها: كلمة إغراء وتحريض. أبو دسمة: كنية وحشي.

مشاورة النبي أصحابه

ولأنفسهم، حتى لقد بات وجوه المسلمين من أهل المدينة وعليهم السلاح بالمسجد النبوي خوفا على الرسول، وأقاموا حراسا على مداخل المدينة بالليل. مشاورة النبي أصحابه ولم يكن بدّ من أن يتشاور النبي والمسلمون فيما دهمهم، فجمع النبي وجوه المهاجرين والأنصار وحضر معهم عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وكان ذلك في يوم جمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ليلة الجمعة رؤيا، فلما أصبح قصّها على أصحابه فقال: «إني قد رأيت والله خيرا، رأيت بقرا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة، فأوّلتها المدينة» ، وقد ورد في تأويل بقية الرؤيا أن النبي قال: «فأما البقر فأناس من أصحابي يقتلون، وأما الثلم ... فهو رجل من أهل بيتي يقتل» «1» . فمن ثمّ كان رأي رسول الله المقام بالمدينة والتحصن بها، فإن هم دخلوا عليهم قاتلوهم، ورأى هذا الرأي شيوخ المهاجرين والأنصار، ورأى هذا الرأي أيضا عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال: (يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فو الله ما خرجنا إلى عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا؟ فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين) . ولكن الكثيرين ولا سيما الشباب ممن لم يشهد بدرا، أو شهدها وأمتعهم الله بالنصر قالوا: يا رسول الله: اخرج بنا إلى أعدائنا، ولا يرون أنا جبنّا عنهم وضعفنا، ومن هؤلاء حمزة بن عبد المطلب فقال: والذي أنزل عليك الكتاب لنجالدنّهم. وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم الجمعة، ووعظ الناس وذكّرهم وحثّهم على الثبات والصبر، ثم دخل بيته فلبس لأمته «2» ثم خرج عليهم، فلما راه الذين أشاروا بالخروج ندموا وقالوا: استكرهناك ولم يكن لنا ذلك، يا رسول الله إن

_ (1) سيرة ابن هشام ج 3 ص 62 ط الحلبي. (2) عدة الحرب من درع ومغفر ونحوهما.

شئت فاقعد، فقال: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين أعدائه» . وأذّن مؤذّن رسول الله بالخروج، فخرج في ألف من أصحابه واستعمل على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم، ثم عقد الألوية فأعطى لواء المهاجرين لمصعب بن عمير، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن حضير، وسار الجيش، وفي الطريق بصر النبي بكتيبة كبيرة فسأل عنها، فقيل له هؤلاء حلفاء ابن أبي من اليهود، فقال: «لا حاجة لنا فيهم، إنا لا نستعين بكافر على مشرك» ونعمّا فعل، فهم قوم مرنوا على الخيانة والنفاق فلا يؤمن جانبهم. فلما وصلوا إلى الشوط «1» انخزل عبد الله بن أبي بثلاثمائة من أصحابه وقال: أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس؟ فرجع من اتّبعه من قومه من أهل النفاق والشك، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فقال: يا قوم، أذكّركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، فلما استعصوا عليه قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه. وفي هؤلاء المنخزلين نزل قول الله تعالى: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ «2» . ولما رجع ابن أبي وأصحابه همّت بنو سلمة وبنو حارثة أن ترجعا، ولكن الله ثبتهما وعصمهما، وفي ذلك نزل قوله سبحانه:

_ (1) الشوط: مكان بين المدينة وأحد. (2) سورة ال عمران: الايتان 166- 167.

استعراض الجيش ورد بعض الصبيان

إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «1» . استعراض الجيش ورد بعض الصبيان وفي الطريق استعرض رسول الله الجيش، وكان خرج مع الرجال بعض الغلمان ممن لا طاقة لهم على الجهاد رغبة في الجهاد وحبا للاستشهاد في سبيل الله، فردّهم النبي لصغرهم، منهم: عبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وأسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، وعرابة بن أوس «2» ، وأجازهم يوم الخندق، وكان الرسول ردّ سمرة بن جندب ورافع بن خديج، وهما أبناء خمس عشرة سنة، فقيل له: يا رسول الله إن رافعا رجل رام فأجازه، فقيل له: فإن سمرة يصرع رافعا فأجازه. وما كان لنا أن نمر بهذا دون أن نشيد بأثر التربية الإسلامية انذاك في نفوس الشبان، وأنهم لم يكونوا أقل من الرجال حبا للجهاد وتضحية في سبيل العقيدة والمثل الإنسانية العالية، وبهؤلاء الشباب وأمثالهم انتصر الإسلام وعلا على كل الأديان، وكان المسلمون خير أمة أخرجت للناس، وعسى أن يكون لشبابنا في هؤلاء أسوة حسنة. نزول المسلمين بالشعب في أحد والتعبئة للقتال ومضى رسول الله في سبعمائة من أصحابه حتى وصل الشّعب من أحد، وجعل ظهره وعسكره إلى الجبل، وقال: «لا يقاتلنّ أحد حتى امره بالقتال» . وفي صبيحة يوم السبت الخامس عشر من شوال عبّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصفّ الصفوف، وبوّأ كل فريق مكانه، وأمّر رسول الله على الرماة عبد الله بن جبير، وهو معلم بثياب بيض، وكانوا خمسين رجلا، وأوصاهم قائلا: «انضحوا بالنبل عنا لا نؤتينّ من قبلكم، والزموا مكانكم، إن كانت النوبة لنا أو علينا،

_ (1) سورة ال عمران: الاية 122. (2) قال فيه الشاعر: رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع النظير إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين

الرسول يحمس أصحابه

وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم» . وفي هذا نزل قول الله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1» . الرسول يحمس أصحابه وصار النبي يحمس المسلمين، وينفخ فيهم من روحه وقوة إيمانه، ويحثهم على الصبر والثبات في هذه المواطن، وابتدع طريقة تثير الحمية، وتدعو إلى الاستبسال في القتال، فقد أخذ بسيف في يده وقال: «من يأخذ هذا السيف بحقه» ؟ فأحجم القوم، ثم كرر الكلمة فقام رجال فأمسكه عنهم، فقام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: «أن تضرب به العدو حتى ينحني» ، قال: أنا اخذه بحقه، فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم أنه سيقاتل، فأخرج عصابته تلك فاعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصفّين فقال رسول الله: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» . جيش قريش وعبّأت قريش جيشها وتصافّوا، وكان معهم مائتا فرس قد جنّبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، وكان حامل لوائهم طلحة بن عثمان من بني عبد الدار، وقال أبو سفيان لأصحاب اللواء يحمّسهم ويستثير حميتهم: (يا بني عبد الدار، قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم، وإنّما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا وإما أن تخلّوا بيننا وبينه فنكفيكموه) ، فهمّوا به وتواعدوه، وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا؟! غدا إذا التقينا ترى كيف نصنع؟ وهذا ما أراد أبو سفيان. وقامت هند امرأة أبي سفيان في نساء من قريش وهن يتجوّلن بين الصفوف، ويضربن بالدفوف، ويحرّضن على القتال ويقلن: ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأدبار ضربا بكل بتّار»

_ (1) الاية 121 من سورة ال عمران. (2) ويها: كلمة تحريض وحث على القتال. حماة الأدبار: الذين يحمون أعقاب الناس. البتّار: السيف القاطع.

محاولة فاشلة

ويقلن: نحن بنات طارق «1» ... نمشي على النمارق مشي القطا النوازق ... والمسك في المفارق والدرّ في المخانق إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق «2» محاولة فاشلة وحاول أبو عامر الفاسق- وقد تصاف الجيشان- أن يستزل بعض الأنصار، فقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق، فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتلهم قتالا شديدا، ورماهم بالحجارة. بدء القتال بالمبارزة وابتدأ القتال بالمبارزة، فقد دعا طلحة بن أبي طلحة العبدري أحد حملة لواء المشركين يومئذ إلى البراز، فأحجم عنه الناس، فبرز إليه الزبير بن العوام، فوثب حتى صار معه على جمله، ثم ألقاه على الأرض وذبحه بسيفه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبي حواريا «3» ، وحواريّ الزبير» ، وقال: «لو لم يبرز

_ (1) قال السهيلي: فيقال: إنها- أي هندا- تمثلت بهذا الرجز، وإنه لهند بنت طارق بن بياضة، قالته في حرب الفرس لأياد، فعلى هذا يكون إنشاده. نحن بنات طارق- بالنصب على الاختصاص. وإن كانت أرادت النجم فبنات مرفوع خبر مبتدأ، أي نحن شريفات رفيعات كالنجوم، وبعد أن استبعده ذكر عن بعضهم أنه استحسنه (الروض الأنف ج 2 ص 129- 130) . (2) النمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة. النيازق: الخفاف. المخانق جمع مخنقة وهي القلادة. والوامق: المحب. (3) الحواري: المخلص الصفي الناصر.

التحام الجيشين

إليه أحد لبرزت أنا إليه، لما رأيت من إحجام الناس عنه» ، وهذا يدل على شجاعة رسول الله الفائقة التي لا تدانيها شجاعة. وخرج سباع بن عبد العزّى من صفوف المشركين، وهو يقول: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال له: يا سباع، يا ابن أم أنمار أتحادّ الله ورسوله؟! ثم شدّ عليه فكان كأمس الذاهب. ونادى أبو سعد بن أبي طلحة- وكان أحد حملة لواء المشركين وقد سمع علي بن أبي طالب يقول: أنا أبو القصم «1» - فقال: هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة؟ قال: نعم، فبرزا بين الصفين، فاختلفا ضربتين، فضربه علي فصرعه ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ فقال: إنه استقبلني بعورته، فعطفتني عليه الرحم، وعرفت أن الله قد قتله. التحام الجيشين ثم التحم الجيشان، وحمي الوطيس، وتعانقت السيوف، وحملت خيّالة المشركين على المسلمين ثلاث مرات، فينضحهم الرماة بالنبال فينكصون على أعقابهم، وأبلى كثير من المسلمين في هذا اليوم بلاء حسنا، وأظهروا من البطولات ما أعجز المشركين. فاندفع أبو دجانة «2» وقد اعتصب بعصابة الموت وهو يقول: أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل ألاأقوم الدهر في الكيول «3» ... أضرب بسيف الله والرسول فجعل لا يلقى أحدا من المشركين إلا قتله، ورأى رضي الله عنه إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا، قال: فصمدت له، فلما حملت عليه بالسيف ولول،

_ (1) بضم القاف وفتح الصاد، وروي بالفاء، والقصم- بالقاف- القطع مع الإبانة، والفصم- بالفاء- قطع من غير إبانة. (2) أبو دجانة: بضم الدال وتخفيف الجيم، واسمه: سماك بكسر السين ابن خرشة بفتح الخاء والراء والشين. (3) الكيول: اخر الصفوف في الحرب، ويروى أيضا الكبول: جمع كبل وهو القيد.

فإذا هي امرأة، وهي هند بنت عتبة، قال: فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة. وقاتل علي، والزبير، وطلحة بن عبيد الله، وأبو طلحة الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وأبطال غيرهم كثيرون، وقاتل أسد الله حمزة بن عبد المطلب قتال الأبطال، لا يمر به أحد من المشركين إلا أطاح برأسه؛ ولا يقدر أحد أن يهوي إليه، فقتل نفرا من حملة اللواء من بني عبد الدار؛ وبينما هو على هذه الحال؛ كمن له وحشيّ حتى تمكن منه، ثم رماه بحربته فأصابت منه مقتلا، وسأدع وحشيا يحدثنا عن هذا المشهد المؤلم المثير قال: (كنت غلاما لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت حر، قال: فخرجت مع الناس وكنت رجلا أقذف بالحربة قذف الحبشة؛ قلّ ما أخطىء بها، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس كأنه الجمل الأورق «1» ، يهد الناس بسيفه هدّا ما يقوم له شيء، فو الله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني، فلما دنا هززت حربتي، حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته- تحت سرته- حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أخذت حربتي ورجعت، ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لأعتق) «2» . وسرت قوة الإيمان في نفوس المسلمين، وضاعفت من قواهم المعنوية، فإذا السبعمائة يهزمون الثلاثة الاف، حتى لقد قتل من حملة لواء المشركين من بني عبد الدار سبعة أو تسعة، ولم يزل اللواء صريعا لا يجد من يحمله، حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش فاجتمعوا عليه، وأنزل الله نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسّوهم بالسيوف، حتى كشفوهم عن المعسكر، وولولت نساء المشركين، وأصعدن في الجبل هربا.

_ (1) الجمل الأورق: الذي لونه بين الأبيض والأسود «الرمادي» . (2) البداية والنهاية، ج 4 ص 18.

مخالفة الرماة أمر الرسول

قال الزبير بن العوام: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم «1» هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير. وأضحت الهزيمة لا شك فيها، وأقبل المسلمون على جمع الغنائم، وما أكثرها، وشغلوا بها عن مطاردة المشركين، والإثخان، فيهم، وتطلع إلى الغنائم كثير من الرماة، فتركوا أماكنهم فكانت بوادر الهزيمة. مخالفة الرماة أمر الرسول ونسي معظم الرماة وصية الرسول إليهم ألايبرحوا مكانهم، وقالوا: ما لنا في الوقوف من حاجة، وذكّرهم رئيسهم عبد الله بن جبير قائلا: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال لهم: أما أنا فلا أبرح مكاني، فخالفه أكثرهم، وانطلقوا إلى الغنائم وثبت معه عشرة رماة، حينذاك اهتبل هذه الفرصة خالد بن الوليد، فشدّ على بقية الرماة فقتلهم، واندفع بخيله في ظهور المسلمين وأخذوهم على غرة وهم لاهون بجمع الغنائم، وصاح في قريش: أن ارجعوا، فعاد كل منهزم منهم، واندفعت قريش كالسيل الاتي إلى معسكر المسلمين؛ وصار المسلمون بين نارين، وهنالك دارت الدائرة على المسلمين وتحولت الصّبا دبورا «2» ، ووقع الاضطراب في صفوفهم، وصار كل واحد يلقي بما في يده من مغنم، وعاد إلى سيفه يسلّه ليقاتل به، ولكن هيهات هيهات، لقد تفرقت الصفوف، وتمزقت الواحدة، وابتلع البحر اللجي من جيش قريش هذه الفئة القليلة من المسلمين. لقد كانوا من منذ ساعة يقاتلون بوحي من إيمانهم، ودفاعا عن عقيدتهم، وها هم الساعة يقاتلون لينجوا من براثن الموت، ويفلتوا من ذل الأسر، وكانوا يقاتلون متراصين متضامنين، وهم الان يقاتلون مبعثرين مفرقين، لا نظام يجمعهم ولا واحدة تشملهم، وكانوا يقاتلون تحت قيادة حكيمة حازمة، وهم الان يقاتلون ولا قيادة لهم، فلا تعجب إذا صار المسلمون يضرب بعضهم

_ (1) الخدم: بفتح الخاء والدال جمع خدمة: الخلاخيل، وقيل موضع الخلاخيل من الساق. (2) الصبا: ريح تهب من المشرق. والدبور: تهب من المغرب.

شائعة قتل الرسول

بعضا، وهم لا يشعرون، كما حدث في قتل «اليمان» «1» والد حذيفة، فقد قتله المسلمون خطأ وهم لا يعرفونه، واعتذروا لحذيفة، فقال: يغفر الله لكم، وأراد رسول الله أن يعطيه دية أبيه فأبى، وتصدّق بها على المسلمين، فما زال في حذيفة بقية خير حتى لقي الله عز وجل. شائعة قتل الرسول واندفع المشركون نحو رسول الله يريدون قتله، منهم ابن قمئة، فتلقاه مصعب بن عمير، فقتله ابن قمئة ظنا أنه رسول الله، وصاح صائح: ألا إن محمدا قد قتل، وهنالك عظمت البلية، وطاشت أحلام المسلمين، وذهلوا عن أنفسهم، فمنهم من ولّى هاربا، ولم ترده إلا حيطان المدينة فرجع استحياء، وفي هؤلاء نزل قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ «2» . ومنهم من انطلق صاعدا فوق الجبل وألقى بسلاحه من هول الفاجعة، ثم لم يلبثوا أن فاؤوا إلى الرسول وإلى القتال بعد أن أفاقوا من أثر الصدمة، ومنهم من قاتلوا دفاعا عن دينهم وحماية لأنفسهم، وهم كثير منهم: حنظلة بن أبي عامر، وكعب بن مالك، وقتادة بن النعمان، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر. وقدم أنس بن النضر عم أنس بن مالك على قوم ممن أذهلتهم الشائعة وألقوا بسلاحهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله، فقال: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن ربّ محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما قال

_ (1) هو حسيل بن جابر، وسمي اليماني لأنه من ولد جروة بن مازن، وكان جروة قد بعد عن أهله في اليمن زمنا طويلا، ثم رجع إليهم فسموه اليماني. (2) سورة ال عمران: الاية 155.

الذين ثبتوا مع الرسول

هؤلاء- يعني المسلمين- وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء- يعني المشركين- ثم لقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد إني لأجد ريح الجنة دون أحد، ثم ألقى بنفسه في أتون المعركة، وما زال يقاتل حتى استشهد. فوجد به بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه، وفي هذا وأمثاله نزل قول الله سبحانه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا «1» . الذين ثبتوا مع الرسول وثبت حول النبي ثلّة من المهاجرين والأنصار، وفدوه بأنفسهم، قال ابن سعد: إنهم أربعة عشر رجلا، منهم أبو بكر، وسبعة من الأنصار. وذكر الواقدي في مغازيه أنه ثبت مع الرسول يوم أحد من المهاجرين سبعة: أبو بكر، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وطلحة، والزبير، وأبو عبيدة. ومن الأنصار: أبو دجانة، والحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير «2» . وذكر البغوي في تفسيره أنه كان ممن ثبت أبو بكر وعمر؛ وفي هذا ما يرد ما ذكره الدكتور هيكل في كتابه: «حياة محمد» «3» صلى الله عليه وسلم، من أن أبا بكر وعمر ممن انتحوا ناحية الجبل وألقوا بأيديهم، والظنّ بالصدّيق في قوة إيمانه وتفديته للرسول بنفسه في الهجرة وغيرها أن يكون ممن ثبتوا، وكذلك الظن بعمر، ولعل هيكل أخذ بما رواه ابن إسحاق في قصة أنس بن النضر من أنه وجد عمر وطلحة بن عبيد الله فيمن ألقوا بأيديهم، وهي رواية مردودة، فقد اتفقت الروايات كلها في الصحيحين وغيرهما على أن طلحة كان ممن ثبت «4» ،

_ (1) سورة الأحزاب: الاية 23. قضى نحبه: مات. (2) فتح الباري، ج 7 ص 288. (3) ص 291. (4) البداية والنهاية، ج 4 ص 26، 27.

ثبات الرسول

وهو مما يوهن هذه الرواية ويضعفها، ويقلل الثقة بها، وليس لنا أن نأخذ ببعض ما تفيده وندع البعض. وفي بعض الروايات أن المقداد، وسعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة ممن ثبتوا مع الرسول. والذي يظهر لي- والله أعلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يدعو أصحابه إليه، فصار كل من يسمع النداء يفيء إليه، حتى تجمع حوله عدد كثير، فمن ثمّ اختلفت الروايات في ذكر العدد والأشخاص بحسب الأحوال والأزمان. ثبات الرسول وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كالجبل الأشم، يدافع ويجالد جموع المشركين المحيطين به من كل ناحية، وهو يقول: «إليّ عباد الله، إليّ عباد الله» ، ففاء إليه الكثيرون ممن أذهلتهم شائعة أنه قتل، فقعدوا عن القتال، وممن تفرقوا يقاتلون بين الصفوف، حتى تكونت حوله ثلّة من أصحابه، فسار بهم حتى وصل إلى الصخرة التي فوق الجبل، وكان أول من عرف رسول الله بعد شائعة قتله كعب بن مالك، فإنه رأى عينيه تزهران من تحت المغفر، فنادى: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله، فأشار إليه الرسول أن أنصت. وكانت تلك حكمة بالغة من الرسول، فإن شائعة قتله كان من شأنها أن يخفف المشركون الوطأة على المسلمين، فإذا ما علموا أنه لا يزال حيا عاودوا الكرة، وكرروا محاولة قتله. ولكن لم يلبث الخبر أن ذاع وانتشر بين المسلمين، فقويت العزائم بعد خور، وتجمعت الصفوف بعد تفرق، ثم أراد رسول الله أن يعلو الصخرة التي في الشعب من الجبل فلم يستطع لكثرة ما نزف من دمه الزكي، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله حينئذ: «أوجب طلحة» ، وبصر رسول الله بجماعة من المشركين فيهم خالد بن الوليد على ظهر الجبل، فقال: «لا ينبغي لهم أن يعلونا» ، ثم أرسل إليهم عمر بن الخطاب في رهط من المهاجرين، فقاتلوهم حتى أهبطوهم من الجبل، وهذا يدل

ما نزل بالرسول من جراح

على أن المسلمين على الرغم مما أصابهم من جروح وهزيمة كانوا ولم يزالوا بهم قوة ومنعة. ما نزل بالرسول من جراح فقد رماه عتبة بن أبي وقاص فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وكان سعد بن أبي وقاص يقول: ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة- يعني أخاه- ولقد كفاني فيه قول الرسول: «اشتد غضب الله على من دمّى وجه رسول الله» ، وقد دعا عليه الرسول فما حال عليه الحول حتى مات كافرا، وشجّ رسول الله في جبهته عبد الله بن شهاب؛ ورماه ابن قمئة- أقمأه الله- فجرح وجنته ودخلت حلقتان من المغفر فيها، فكان أن سلّط الله عليه تيسا فقتله، ذلك أنه لما انصرف إلى مكة خرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل، فشدّ عليه تيسها فنطحه نطحة أردته من شاهق الجبل، فتقطع قطعا. وكان أبو عامر الفاسق قد حفر حفرة وغطّاها ليقع فيها المسلمون، فوقع رسول الله في حفرة منها، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما. وأقبل أبي بن خلف، وهو مقنّع في الحديد قائلا: أين محمد لا نجوت إن نجا؟ فقال أصحاب النبي: يا رسول الله يعطف عليه رجل منا، فقال رسول الله: «دعوه» ، فلما دنا منه تناول الحربة من الحارث بن الصمة، قال الراوي: فلما أخذها رسول الله انتفض انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشّعراء عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله رسول الله فطعنه في عنقه طعنة تدحرج منها عن فرسه، وهو يخور خوار الثور، ومات- لعنه الله- بسرف «1» ، والمشركون راجعون إلى مكة وبحسبه قول الرسول: «اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله في سبيل الله» «2» . وعالج أبو عبيدة بن الجراح إخراج حلقتي المغفر من وجه رسول الله،

_ (1) سرف: ككتف موضع قريب من التنعيم. (2) رواه الشيخان.

علي وفاطمة يضمدان جراح النبي

وكره تناولهما بيده فيؤذي الرسول، فأزم على إحدى الحلقتين بفمه فاستخرجها، وقد سقطت ثنيته معها، ثم أزم على الاخرى فاستخرجها فوقعت الثنية الاخرى، فكان أبو عبيدة لذلك من أحسن الناس هتما، ومصّ مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ازدرده- ابتلعه- فقال الرسول: «من مس دمي دمه لم تصبه النار» . علي وفاطمة يضمّدان جراح النبي أصلح علي وزوجه السيدة فاطمة من شأن الجروح، فكان علي يسكب الماء بالمجن، وفاطمة بنت الرسول تغسل، فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها بالجراح، فاستمسك الدم «1» . وكان النبي يقول وقد أصابته الجراح والدم يسيل على وجهه يوم أحد: «كيف يفلح قوم شجّوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعو إلى الله» ، فأنزل الله سبحانه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «2» . فصبر النبي ورضي. وقد كان ثبات النبي صلى الله عليه وسلم موقفا بطوليا فذا، لا يكون إلا من نبي يوحى إليه، ولولا هذا الموقف لما تجمع الأبطال حول البطل، ولكانت الهزيمة ساحقة ماحقة. مثل من البطولات في الدفاع عن الرسول وقد أبدى بعض المسلمين في ثباتهم حول الرسول ودفاعهم عنه يوم أحد بطولات فدائية، لم يعرفها التاريخ لأحد إلا لأصحاب نبينا محمد، وسواء في ذلك المهاجرون والأنصار ومن هؤلاء: طلحة بن عبيد الله من السابقين الأولين، وكان الصدّيق أبو بكر إذا ذكر

_ (1) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة أحد. (2) سورة ال عمران: الاية 128.

يوم أحد قال: ذاك يوم كله لطلحة، وتكاد تجمع الروايات على أنه ممن ثبت، وقد روى البيهقي بسنده عن جابر أن المشركين رهقوا رسول الله وهو صاعد في الجبل ومعه جماعة من الأنصار ومعهم طلحة، فقال رسول الله: «ألا رجل لهؤلاء؟» فقال طلحة: أنا، فقال: «كما أنت يا طلحة» ، فقال رجل من الأنصار: أنا. فقاتلهم حتى قتل، فلحقه المشركون، وما زال يقول: «ألا رجل لهؤلاء» ؟ وطلحة يقول: أنا، فيدخره، ويتقدم أحد الأنصار فيقاتلهم حتى يقتل، حتى قتلوا جميعا، ثم قاتلهم طلحة، فقاتل مثل قتال جميع من كانوا قبله، وأصيبت أنامله فقال: «حس» ، فقال رسول الله: «لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء» . وروى البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلّاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ولقد بقيت يده رضي الله عنه وساما دونه كل وسام إلى يوم القيامة. ومنهم سعد بن أبي وقاص الزهري، نثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته «1» يوم أحد وقال له: «ارم، فداك أبي وأمي» ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله لم يجمع أبويه لأحد في التفدية إلا له. ومنهم أبو طلحة الأنصاري، روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي مجوّب عليه بجحفة له «2» . وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع «3» ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر معه جعبته «4» فيقول النبي: «انثرها لأبي طلحة» ، ويشرف النبي ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك «5» . وكان أبو طلحة

_ (1) الكنانة: كيس يوضع فيه السهام. (2) مجوّب: بضم الميم وفتح الجيم وكسر الواو المشددة. الجحفة بفتح الجيم والحاء: الترس الذي يتقي به المقاتل. (3) شديد النزع: أي الرمي بالقوس. (4) بضم الجيم: وعاء السهام. (5) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة أحد.

بطولة امرأة

يسوّر نفسه بين يدي الرسول ويقول: إني جلد يا رسول الله، فوجهني في حوائجك، ومرني بما شئت. ومنهم أبو دجانة، فقد ترّس بنفسه على رسول الله، فحنى ظهره عليه، والنبل يقع فيه حتى كثرت به الجراح. ومنهم زياد بن السكن، ويقال: عمارة بن يزيد بن السكن، كان أحد النفر من الأنصار الذين قتلوا بين يدي رسول الله دفاعا عنه حينما غشيه القوم وتكاثروا عليه لقتله «1» . ومنهم فتى الفتيان علي بن أبي طالب، فقد كان ممن ثبت مع الرسول، ونافح عنه، وممن قاتل في هذا اليوم قتال الأبطال. بطولة امرأة وإنها لبطولة تستحق التسجيل، وبطلتها هي السيدة نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية. روى ابن إسحاق وغيره أنها دخلت عليها أم سعد بن الربيع فقالت لها: يا خالة أخبريني خبرك؟ قالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح «2» للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إليّ. قالت الراوية: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف، له غور، فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة- أقمأه الله- لمّا ولّى الناس عن الرسول أقبل يقول: دلّوني على محمد، لا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبتوا مع الرسول، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان. وقد غشي عليها من جراحها، فلما أفاقت قالت: أين رسول الله وما صنع المشركون معه؟ فقالوا لها: بخير.

_ (1) سيرة ابن هشام، ج 3 ص 81. (2) الريح: الغلبة والنصر.

وروى الواقدي بسنده عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما التفتّ يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها تقاتل دوني» . وإن الإنسان ليدهش من هذه الشجاعة التي لا نكاد نجد لها مثالا في تاريخ الدنيا، إن لهذه السيدة البطلة لتاريخا حافلا في باب الجهاد في الإسلام، فقد ذكر ابن عبد البر في ترجمتها: أنها شهدت أحدا مع زوجها زيد بن عاصم وابنيها: حبيب وعبد الله، وشهدت كذلك بيعة الرضوان، وقد أبلت بلاء حسنا في حروب الردة. وكان مسيلمة الكذاب قد ظفر بابنها حبيب وهو مقبل من عمان إلى المدينة وأخذه أسيرا «1» ، فقال له: أتشهد أني رسول الله: فيقول: لا أسمع، فيقول: أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم، فيقطع منه عضوا، وما زال يسأله ويجيب بما أجاب به حتى قطّعه إربا إربا، ومات شهيد عقيدته مرضيا عليه من ربه، وأبت عليه بطولته أن يداهن في موطن تجيز له التقيّة أن يوافق ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان، ولكن المؤمنين الأبطال يأبى عليهم إيمانهم الفذ إلا العزائم!!. ولما بلغها ما صنع الكذاب بحبيب عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة، فلما كان يوم اليمامة ذهبت إلى الصدّيق تستأذنه في الخروج، فقال لها: ما مثلك يحال بينه وبين الخروج، فقد عرفناك، وعرفنا جرأتك في الحرب، فاخرجي على اسم الله. فخرجت هي وابنها عبد الله، وأصيبت يومها باثني عشر جرحا، وفقدت يدا في هذا اليوم وكانت حريصة على قتل مسيلمة، ولم يهدأ بالها حتى قابلها ابنها البطل عبد الله بن زيد الذي شارك وحشيا في قتل مسيلمة، وسيفه يقطر دما من دمه، فقالت له: أقتلته؟ قال: نعم، فسجدت شكرا لله، وعادت وقد فقدت في

_ (1) وذكر ابن عبد البر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إلى مسيلمة الكذاب باليمامة، ففعل به ما ذكرنا.

مثل اخر من إيمان النساء

حروب الردة يدا وابنا، وعادت بيد وابن، ولكنها كانت قريرة العين أن أبرّ الله قسمها، وأن فقدت ما فقدت في سبيل الله!! «1» . مثل اخر من إيمان النساء فقد مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الموقعة بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد، فلما نعوا إليها قالت: ما فعل رسول الله؟ قالوا خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل!! «2» . ومن جهاد النساء في أحد وقد كان للنساء المسلمات جهاد مشكور في أحد: يسقين العطشى، ويداوين الجرحى. روى الشيخان في صحيحيهما عن أنس قال: «ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر- زوج الرسول- وأم سليم- يعني أمه- وإنهما لمشمّرتان أرى خدم «3» سوقهما تنقزان» القرب على متونهما، تفرغان في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملانها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم» . ومنهن أم سليط؛ روى البخاري في صحيحه بسنده: «أن عمر بن الخطاب قسم مروطا «5» بين نساء من نساء المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله التي عندك يريدون أم كلثوم بنت علي- فقال عمر: أم سليط أحق به منها، قال عمر: فإنها كانت تزفر «6» لنا القرب يوم أحد» «7» .

_ (1) الإصابة، ج 4 ص 479، وج 1 ص 306؛ والاستيعاب على هامش الإصابة، ج 4 ص 475 وج 1 ص 328. (2) جلل: أي صغيرة. وهذا اللفظ من الأضداد. (3) خدم: جمع خدمة، هي الخلخال، والسوق: جمع ساق. (4) تنقزان: تسرعان المشي، وقيل تهرولان. (5) المروط: جمع المرط وهو كساء من صوف أو حرير تتلفع به المرأة وتتستر. (6) تزفر: مثل تحمل وزنا ومعنى. (7) صحيح البخاري- كتاب المغازي- غزوة أحد، باب ذكر أم سليم.

المقاتلون حمية

وكان النساء يقمن بهذه الخدمات وهنّ على حالة من الوقار والاحتشام، وعدم التبرج والمخالطة المريبة، فالإسلام لا يمنع المرأة من المشاركة في الحرب بما يليق بحالها، بل ومن الأخذ بالسلاح إذا لزم الأمر، كما فعلت السيدة نسيبة وغيرها. روى مسلم في صحيحه بسنده عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت: «اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه» وهكذا فلتكن النساء. وروى مسلم أيضا عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى» ، وروى أيضا عن أم عطية الأنصارية قالت: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى» «1» . فالإسلام يبيح للمرأة المشاركة في الجهاد، ولكن بشرط التدين والتصون والتعفف وعدم الابتذال والوقوع في الماثم، وإلا كان ضررها أكثر من نفعها، وإفسادها أكثر من إصلاحها. المقاتلون حمية على حين كانت الكثرة من المسلمين تقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، كان في صفوفهم من يقاتل حمية عن قومهم ممن يظهرون الإسلام، ولا يرجون الله واليوم الاخر، ومن هؤلاء رجل يسمى: «قزمان» . قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتي- غريب- لا يدرى ممّن هو يقال له «قزمان» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له قال: «إنه من أهل النار» ، وقال: فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا، فقتل واحده ثمانية أو سبعة من المشركين، وكان ذا بأس، فأثبتته الجراح، فاحتمل إلى دار بني ظفر، فجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر، قال: بماذا أبشر؟ فو الله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا هذا

_ (1) صحيح مسلم- كتاب الجهاد- باب غزو النساء مع الرجال.

ما قاتلت! فلما اشتدت به جراحه أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه. وهكذا صدق الله مقالة رسوله، وكانت خاتمة أمره خسرا، ومالا إلى النار حيث قتل نفسه.

المشركات يمثلن بشهداء أحد

المشركات يمثلن بشهداء أحد لما وقعت الهزيمة بسبب مخالفة الرماة أمر الرسول، وأصيب من أصيب من المسلمين انطلقت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي كن معها إلى قتلى المسلمين، يمثلن بهم بحقد وغيظ وشراسة، فصرن يجدعن الاذان والأنوف، ويبقرن البطون، حتى إن هندا بقرت عن كبد سيد الشهداء حمزة فلاكتها- مضغتها- فلم تستطع أن تسيغها- تبتلعها- فلفظتها. وبالغن في التمثيل بالشهداء، ونسين صنع الرسول والمسلمين في قتلاهم ببدر، حيث أمر بدفنهم، ولم يتركهم للسباع والطير، فضلا أن يمثّلوا بأحد منهم. فشتان ما بين الصنيعين!! وصنعت هند من الاذان والأنوف خلاخيل وأقراطا وقلائد، وأعطت وحشيا قلائدها وخلاخيلها وأقراطها مكافأة له على جريمته النكراء، بل بلغ الأمر بأبي سفيان بن حرب أن صار يضرب في شدق سيد الشهداء حمزة بزج الرمح ويقول: ذق عقق- يعني يا عاق- فمرّ عليه الحليس بن زبّان سيد الأحابيش يومئذ وهو يفعل ذلك فقال: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما «1» ؟! فقال: ويحك اكتمها علي فإنها كانت زلة. حزن الرسول على عمه وحرج رسول الله يتفقد القتلى، ويتلمّس عمه حمزة، فوجده قد مثّل به، فبقر بطنه، وأخرج كبده، وقطعت أنفه وأذناه، فقال: «لن أصاب بمثلك أبدا، وما وقفت قط موقفا أغيظ علي من هذا» ثم قال: «ولئن أظهرني الله على قريش

_ (1) لحما يعني ميتا لا يقدر على الانتصار لنفسه.

أمر الله بالعدل في القصاص

في موطن من المواطن لأمثلنّ بثلاثين رجلا منهم مكانك» . وقال المسلمون لما رأوا المثلة في قتلاهم، وحزن النبي البالغ على عمه حمزة: لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب. أمر الله بالعدل في القصاص ولم يلبث الوحي أن نزل بالأمر بمراعاة العدل في القصاص، ومحببا في الصبر والعفو، فقال عز شأنه: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ «1» . فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصبر وكفّر عن يمينه، ونهى عن المثلة. روى ابن إسحاق بسنده عن سمرة بن جندب قال: «ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه، حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة» . ولا يشكلن عليك كون هذه الايات من سورة النحل وهي مكية، لأن بعض العلماء قال: إنها مكية إلا هذه الايات من خواتم السورة فإنها مدنية. نعم ذهب كثير من العلماء إلى أنها كلها مكية وعلى هذا فتكون هذه الايات مما تكرر نزولها على حسب المناسبات والدواعي، تذكيرا بما فيها من هذا الأدب الإسلامي العالي، وهو رعاية العدل عند النصر والظفر، وعدم الاستجابة لهوى النفس، أو الإسراف في الانتقام والتشفّي، وهو أدب إسلامي لم تصل إليه المدنيّة في القرن العشرين «2» .

_ (1) سورة النحل: الايات 126- 128. (2) المدخل لدراسة القران الكريم للمؤلف، ص 15.

بعد الموقعة

بعد الموقعة وبعد الموقعة أشرف أبو سفيان بن حرب على المسلمين فقال: أفي القوم محمد؟ فقال لهم النبي لا تجيبوه، أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ والنبي يقول: لا تجيبوه، فقال أبو سفيان: إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذي عددت لأحياء، وقد بقي لك ما يسوؤك، فقال: يوم بيوم بدر والحرب سجال يعني يوم لك ويوم عليك- فقال له عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. فقال أبو سفيان: وإنكم ستجدون في القوم مثلة لم امر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز: اعل هبل، اعل هبل «1» ، فقال النبي: «أجيبوه» ، قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل» فقال أبو سفيان لنا العزّى، ولا عزّى لكم، فقال النبي: «أجيبوه» ، قالوا: ما نقول قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» ثم قال أبو سفيان: إن موعدكم بدر العام المقبل، فقال رسول الله لرجل من أصحابه: «قل: نعم هو بيننا وبينك موعد» «2» . تعرّف وجهة المشركين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على تعرف رغبة القوم حتى لا يميلوا إلى المدينة، فأرسل ابن عمه عليا وقال له: «اخرج في اثار القوم، وانظر ماذا يصنعون، وما يريدون، فإن كانوا قد جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون

_ (1) يعني أظهر دينك. أو اعل هبل أي ازدد علوا. (2) رواه ابن إسحاق وأحمد والبخاري ومسلم.

صلاة النبي بالمسلمين قاعدا

مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرنّ إليهم فيها، ثم لأناجزنّهم» فخرج علي، فوجدهم جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل، وتوجهوا إلى مكة، وهذا يدل على أن المسلمين كانوا لا يزالون أقوياء وعلى استعداد للقتال، وأن الهزيمة لم توهن من قواهم المعنوية. صلاة النبي بالمسلمين قاعدا وصلّى رسول الله بأصحابه الظهر قاعدا لكثرة ما نزف من دمه، وصلى وراءه المسلمون قعودا. دعاء وابتهال وتوجه النبي إلى الله الذي بيده كل شيء بالدعاء والثناء على ما نالهم من الجهد والبلاء، فقال لأصحابه: «استووا حتى أثني على ربي عز وجل» فصاروا خلفه صفوفا ثم دعا بهذه الكلمات المؤمنة العذاب: «اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرّب لما باعدت، ولا مبعّد لما قربت. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك. اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا. اللهم حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق» «1» .

_ (1) رواه الإمام أحمد.

من استشهد في أحد

من استشهد في أحد وقد استشهد في أحد من خيار المسلمين حوالي سبعين، منهم أربعة من المهاجرين وقيل ستة، والباقي من الأنصار. فمن المهاجرين: 1- حمزة بن عبد المطلب: سيد الشهداء وأسد الله وأسد رسوله، قتله وحشي كما أسلفنا، وقد بقي وحشي بمكة حتى فتحت، ففر إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف أعيته المذاهب، فعزم على الفرار إلى الشام أو اليمن، فقيل له: إن النبي لا يقتل أحدا من الناس دخل في دينه، فخرج حتى قدم على رسول الله بالمدينة، فإذا هو واقف على رأسه يشهد شهادة الحق، فقال له: «أوحشي أنت» ؟ قال: نعم، فحدثه بمقتل حمزة، فقال له: «ويحك غيّب وجهك عني فلا أرينك» ، ففعل، فكان يتعمد ألايلقى رسول الله كي لا يثير الكامن من الحزن، ولا الذكريات المؤلمة. فلما حصلت حروب الردة وخرج المسلمون إلى مسيلمة، خرج معهم ومعه حربته التي قتل بها سيد الشهداء كي يكفّر عن فعلته بقتل مسيلمة، فأمكنه الله منه، وشاركه عبد الله بن زيد بن عاصم في قتله «1» ، فلذا كان يقول: قتلت خير الناس بعد رسول الله وقتلت شر الناس. وكانت وفاته بحمص. ولما قتل حمزة ومثّل به جاءت أخته صفية بنت عبد المطلب لتراه، وكان أخا شقيقا لها؛ فقال رسول الله- رحمة بها وشفقة عليها- لابنها الزبير بن العوام:

_ (1) صحيح البخاري- كتاب المغازي، غزوة أحد- باب قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، والإصابة والاستيعاب، ترجمة حمزة.

«القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها» ، فقال لها ابنها: إن رسول الله يأمرك أن ترجعي؛ فقالت: ولم؟ وقد بلغني أنه مثّل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا ما كان من ذلك!! لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله، فلما أخبر الزبير رسول الله بمقالتها قال: «خلّ سبيلها» فأتته، فنظرت إليه، وصلّت عليه «1» واسترجعت واستغفرت. 2- مصعب بن عمير: وكان حامل اللواء يومئذ، قتله ابن قمئة لما اعترضه مفديا رسول الله بنفسه. ولما قفل رسول الله إلى المدينة لقيته حمنة بنت جحش زوجة مصعب رضي الله عنه، فنعي إليها أخوها عبد الله بن جحش، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي إليها خالها حمزة فاسترجعت واستغفرت، ثم نعي إليها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت، فقال رسول الله: «إن زوج المرأة منها لبمكان» . 3- عبد الله بن جحش ابن السيدة أميمة بنت عبد المطلب، وكان قد مثّل به حتى سمي: المجدّع في الله، وذكر الزبير بن بكار أن سيفه انكسر يوم أحد، فأعطاه رسول الله عرجونا فصار في يده سيفا فقاتل به، ثم بيع في تركة بعض ولده بمائتي دينار. واستشهد من الأنصار رضوان الله عليهم كثيرون منهم: 4- أنس بن النضر عم أنس بن مالك، وقد قدّمنا طرفا من خبره. 5- سعد بن الربيع: ولما افتقده رسول الله قال: «من رجل ينظر لي سعد بن الربيع، في الأحياء هو أم في الأموات؟» فذهب إليه رجل فوجده جريحا في القتلى وبه رمق، فأخبره بمقالة رسول الله فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله سلامي، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع

_ (1) صلّت عليه: أي دعت له.

يقول لكم: لا عذر لكم إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف. ثم لم يلبث أن مات، فجاء الرجل وأخبر النبي بخبره. 6- عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر: وفي الصحيحين عن جابر أنه لما قتل أبوه صار يكشف عن وجهه الثوب ويبكي، وصارت عمته تبكي أيضا، فقال رسول الله: «تبكيه أو لا تبكيه، لم تزل الملائكة تظله حتى رفعتموه» وروى البيهقي عن جابر قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما لي أراك مهتما؟» فقال: قتل أبي وترك دينا وعيالا فقال له: «ألا أخبرك؟ ما كلّم الله أحدا إلا من وراء حجاب، وإنه كلّم أباك كفاحا- يعني مواجهة- وقال له: يا عبدي سلني أعطك. قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال الحق تبارك وتعالى: إنه سبق مني القول أنهم إليها- أي الدنيا- لا يرجعون، قال: ربي فأبلغ من ورائي، فأنزل الله سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. وكان والد جابر قد خلّفه على أخواته البنات السبع، وقال له: ما كنت لأوثرك على نفسي في الخروج مع رسول الله، حتى كتب الله له الشهادة. 7- عمرو بن الجموح: وكان رجلا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون المشاهد مع رسول الله، فلما كان يوم أحد أرادوا منعه من الخروج وقالوا: إن الله قد عذرك، فأتى النبي وقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك، فو الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال رسول الله: «أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك» وقال لبنيه: «ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة» فخرج فرزقها. 8- حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة، كان أبوه من أشد الناس عداوة للرسول، وكان هو من خيار المسلمين، وقد التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فلما علاه حنظلة راه شداد بن الأسود- وكان يسمى: ابن شعوب- فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا أهله

قتلى المشركين:

ما شأنه؟» فسألوا صاحبته- زوجته- وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول وكانت عروسا عليه تلك الليلة، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة الصيحة للجهاد- فقال رسول الله: «لذلك غسلته الملائكة» . وقد التقى به بعد استشهاده الوالد الفاسق القاسي فضربه برجله وقال: لقد نهيتك عن مصرعك هذا، ولقد كنت- والله- وصولا للرحم، برا بالوالد. ولا أدري لو لم يكن برا به فماذا كان سيلقى منه؟!! وبحسب حنظلة فضلا ألايزال ذكره مسكا يتضوع على مدى الأجيال. 9- عبد الله بن جبير أمير الرماة، وقد ذكّر من كان معه بوصية رسول الله وأبى أن يبرح هو ومن وافقه حتى قتلوا شهداء. قتلى المشركين: أما عدد من قتل من المشركين فكانوا عشرين.

دفن شهداء أحد

دفن شهداء أحد وأمر رسول الله أن يدفن شهداء أحد حيث ماتوا، وقد كان بعض أهالي الشهداء نقلوهم إلى المدينة المنورة ليدفنوا فيها، ولكن نادى منادي رسول الله: أن ردّوا القتلى إلى مضاجعهم، فأعادوهم «1» . وكان رسول الله يجمع بين الرجلين والثلاثة في القبر الواحد، بل وفي الكفن الواحد، وكان يسأل: «أيهم أكثر أخذا للقران؟» فإذا أشير إليه قدّمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسلوا «2» وإنما أرخص لهم في الدفن في القبر الواحد لما كان بهم من الجراح والجهد الذي يشق عليهم معه أن يحفروا لكل واحد قبرا، وقد دفن حمزة مع ابن أخته عبد الله بن جحش في قبر، ودفن عمرو بن الجموح مع صاحبه وصهره عبد الله بن حرام في قبر، ومصعب بن عمير وسعد بن الربيع في قبر، وهكذا. وهذا الذي ذكرناه من أن شهداء أحد دفنوا بثيابهم ودمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم هو الذي ثبتت به الروايات الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، وذلك لتكون دماؤهم وجراحاتهم شاهدة لهم يوم القيامة بفضلهم ومنزلتهم. وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لا يكلم- يجرح- أحد في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، اللون لون الدم، والريح ريح المسك» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 45. (2) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب من قتل من المسلمين يوم أحد.

منزلة شهداء أحد:

ولذلك ذهب الجمهور من الفقهاء إلى عدم الصلاة على الشهداء الذين قتلوا في جهاد الكفار، وعدم تغسيلهم. وأما ما رواه ابن إسحاق وغيره من أن النبي صلّى عليهم، وأنه صلّى على حمزة سبعين صلاة بتعدادهم، فقد قال الحافظ ابن كثير: إنه ضعيف «1» . نعم ثبت في صحيح البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلّى عليهم بعد ذلك ببضع سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: «إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوها» . قال الراوي: وكانت اخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى مشروعية الصلاة على الشهيد: شهيد المعركة. وأما الجمهور فحملوا هذا على الدعاء أو أن ذلك خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم «2» . منزلة شهداء أحد: ولما لشهداء أحد من منزلة وتضحية في سبيل الله كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورهم ويسلّم عليهم، ويقول: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ. وكان أبو بكر يفعله، وكان عمر يفعل ذلك، وكان عثمان يفعله، وحكى الواقدي زيارتهم عن السيدة فاطمة، وسعد، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وأم سلمة رضي الله عنهم أجمعين. وبحسبهم فضلا أن الله أنزل فيهم وفي أمثالهم قوله سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. وقد قدمنا في فضل الاستشهاد في الإسلام من روى ذلك من الأئمة، وبيّنا المراد بهذه الحياة، فكن على ذكر من ذلك «3» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 40- 41. (2) فتح الباري، ج 3 ص 163، 164. (3) ص 84- 87 من هذا الكتاب.

من أصيب بالجراح يوم أحد

وقد بقي الشهداء بمكانهم حتى كان عهد معاوية وإجرائه العين من أحد، فانفجرت العين عليهم فنقلوا من أماكنهم. وفي رواية ابن إسحاق عن جابر قال: فأخرجناهم كأنما دفنوا بالأمس، وهذا إكرام من الله للشهداء. كما حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، روى الإمام مالك في الموطأ: «أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام الأنصاريين كان قد حفر السيل قبرهما، وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد «1» ، وهما ممن استشهد يوم أحد، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يغيرا كأنما ماتا بالأمس. وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه، فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت. وكان بين أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة» «2» . من أصيب بالجراح يوم أحد وأصيب كثيرون بجراح ولا سيما الذين كانوا يحيطون برسول الله، منهم أبو دجانة، وأبو طلحة، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعبد الرحمن بن عوف، فقد جرح عشرون جراحة أو أكثر، وكسرت ثنيته فهتم. وأصيبت يومئذ السيدة نسيبة بنت كعب بجرح غائر في عاتقها. معجزة نبوية وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى سقطت على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما. وقد روى هذه القصة ابن إسحاق، والدارقطني، والبيهقي في الدلائل وذكروا أنها كانت في أحد. وروى البعض أن ذلك كان في بدر، والصحيح الأول، ولما وفد حفيده عاصم بن عمر بن قتادة على عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو والي المدينة قال له: من أنت؟ فقال له مرتجلا:

_ (1) لأنهما كانا متصاحبين ومتصاهرين في الدنيا. (2) الموطأ كتاب الجهاد- باب الدفن في قبر واحد للضرورة، «البداية والنهاية» ، ج 4 ص 43.

أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردّت بكف المصطفى أحسن الردّ فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسنها عينا، ويا حسن ما خد فأجابه عمر متمثلا: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا وصدق خامس الراشدين، فتلك هي المفاخر الباقية حقا، فلا عجب إذا كان وصله وأحسن جائزته «1» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 34.

سبب الهزيمة في أحد

سبب الهزيمة في أحد 1- مخالفة معظم الرماة أمر رسول الله ووصيته لهم ألايبرحوا أماكنهم سواء انتصروا أم انهزموا. وقد كان النصر للمسلمين في الجولة الأولى فلما تخلفوا عن أماكنهم كانت الهزيمة. 2- إيثار بعضهم الغنيمة على الجهاد، وعرض الدنيا على ثواب الاخرة، فلولا أن الرماة سارعوا إلى الغنائم يحوزونها، ولولا أن البعض شغلوا بالغنيمة عن الإثخان في المشركين لما حدث ما حدث، وقد سجل الله ذلك في كتابه فقال: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «1» . وهذه معاني كلمات هذه الاية: (وعده) يعني بالنصر. (تحسونهم) تقتلونهم. (ما تحبون) أي النصر. (ليبتليكم) : أي يعاملكم معاملة المختبر، ليظهر صادق الإيمان من غيره. عبرة وعظة وقد كانت أحد درسا قاسيا تعلّم منه المسلمون أن مخالفة الرسول لا تجر إلا إلى الخيبة والهزيمة، فمن ثمّ لم يقعوا في هذا الخطأ بعد، ولم تقع مثل هذه

_ (1) سورة ال عمران: الاية 152.

ما نزل من القران في أحد

الهزيمة، كما تعلموا منه أن ما عند الله خير وأبقى، وأن الغنائم ما هي إلا عرض زائل لا ينبغي أن تكون غرضا لمجاهد في سبيل الله، كما كان اختبارا تميّز به المؤمنون الصادقون من ضعفاء الإيمان والمنافقين. وقد دلّ ما حدث في أحد على أن الرسل وأتباعهم قد تنالهم الهزيمة في بعض المواقف لخطأ أو لغير ذلك، ولكن العاقبة بالنصر لابد أن تكون لهم، وهذه هي سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا. وصدق الله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ «1» . وقد سجل الله سبحانه ذلك في كتابه فقال: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ «2» . وهذا توضيح لمعاني كلمات هذه الاية: قَرْحٌ: جراح في أحد، فقد نزل بهم مثله في بدر نُداوِلُها: يوم لك ويوم عليك، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ ... : أي يظهر لعباده المؤمنين المخلصين من المنافقين، وليكرم من أكرم من أهل الإيمان بالشهادة، وَلِيُمَحِّصَ ... : أي يطهرهم بالبلاء الذي نزل بهم مما عسى أن يكونوا اقترفوه حتى يصيروا كالذهب نقاء وصفاء، ويهلك الكافرين والمنافقين ويكشف عن دخيلة نفوسهم. ما نزل من القران في أحد وقد أنزل الله سبحانه في أحد وما يتصل بها حوالي أربعين اية من سورة ال عمران، وقد ذكرنا بعضها أثناء الدراسة التحليلية للغزوة، وها هي بعض الايات الاخرى منزّلا لها على مواقعها، وموجزا مقاصدها ومواضع العبرة فيها.

_ (1) سورة المجادلة: الاية 21. (2) سورة ال عمران: الايتان 140، 141.

قال تعالى في بيان سنة الله في الأمم، وأن النصر للرسل وأتباعهم، والهلاك للمكاذبين أعدائهم: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ. إلى قوله: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «1» . وَلا تَهِنُوا: أي لا تضعفوا عن الجهاد بسبب ما جرى لكم. وَلا تَحْزَنُوا: على ما أصابكم من قتل وجراح. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ: جمع الأعلى أي الأعلون شأنا، لأن قتالكم لله، وفي سبيل إعلاء كلمته، وقتالهم للشيطان، وإعلاء كلمة الكفر. وأيضا فقتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار، ثم إنكم أصبتم منهم في بدر أكثر مما أصابوا منكم. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أن العاقبة والنصر للمؤمنين، أو إن كنتم من أهل الإيمان الصادق، ففيه تهييج وإلهاب لحماسهم، لأن الإيمان الصادق لا يهن صاحبه ولا يحزن لما أصابه، ويستهين بكل شدائد الحياة في سبيل العقيدة الحقة والغاية الشريفة، أما قوله تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ... الاية، فقد سبق شرحها انفا.. ثم بين سبحانه أن الجنة حفت بالمكاره فلا محيص لمن يطلبها من الجهاد والصبر والكفاح، والقتل والجراح.. فقال سبحانه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ إلى قوله: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ «2» . ومعنى يعلم: يظهر، أو المراد تعلق علم الله بالشيء واقعا وحادثا. وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ: تحضروا مواطنه. فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ: عاينتم أسبابه، وأبصرتم موارده.

_ (1) سورة ال عمران: الايات 137- 139. (2) سورة ال عمران: الايتان 142، 143.

ثم عاتب الذين انهزموا وفروا أو قعدوا عن القتال لما أشيع أن النبي قتل مع أنه كسلفه من الأنبياء الذين مضوا، وسيموت كما ماتوا، ولكل أجل كتاب، فقال عز شأنه: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ إلى قوله وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ «1» . انْقَلَبْتُمْ: انهزمتم وتخاذلتم، وفعلتم فعل المرتدين وإن كان لا ردة، ومن فرّ أو تخاذل فلا يضر إلا نفسه، ومن ثبت وقاتل وصابر فسيجزيه خير الجزاء. وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ: بقضائه وقدره. كِتاباً مُؤَجَّلًا: أي كتب ذلك كتابا مؤقتا لا تقدّم عنده ولا تأخر. ثَوابَ الدُّنْيا: من يرد بعمله الدنيا أعطي من الدنيا. ثَوابَ الْآخِرَةِ: ومن قصد وجه الله ورضاءه أجزل له الثواب. ثم عرض لأتباع الأنبياء في الأمم السابقة، وأنهم ما ضعفوا لما نالهم من قتل أو هزيمة، إلهابا لحماسهم، وإثارة لنفوسهم فقال عز شأنه: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. إلى قوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ «2» . وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ ... : أي وكثير، وقرىء «قتل» و «قاتل» . رِبِّيُّونَ الجماعات الكثيرة. فَما وَهَنُوا: تخاذلوا لما نزل بهم من هزيمة أو قتل أو جراح. وَما ضَعُفُوا: عن طلب عدوهم. وَمَا اسْتَكانُوا: لما أصابهم في الجهاد دفاعا عن دينهم، وهذا ظاهر على قراءة قاتل، وعلى الاخرى يكون المراد بقوله: فَما وَهَنُوا ... : الباقون بعدهم. ثَوابَ

_ (1) سورة آل عمران: الايتان 144، 145. (2) سورة آل عمران: الايات 146- 148..

الدُّنْيا: النصر والظفر. وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ: الجنة ونعيمها. وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: الإحسان الإتقان ومراقبة الله في الاعتقاد والقول والعمل، أي يثيبهم. ثم عاتبهم على فرارهم عن نبيهم وهو يدعوهم إليه فقال: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «1» . تُصْعِدُونَ: من أصعد وهو الذهاب والإسراع في الأرض هربا، وأما صعد فمعناه ارتقى في جبل أو نحوه. وَلا تَلْوُونَ: ولا تعطفون وترجعون. فِي أُخْراكُمْ: في اخركم ومن ورائكم حينما قال: «إليّ عباد الله» . فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ: أي غما بسبب غم، وهو ما نزل بهم من الهزيمة والقتل بسبب ما أدخلتموه على نفس الرسول بمخالفتكم أمره أيها الرماة، أو غما بعد غم، وهو ما نزل بهم من الهزيمة وما حصل لهم لما أشيع أن النبي قتل. عَلى ما فاتَكُمْ: من النصر والغنيمة. وَلا ما أَصابَكُمْ: من القتل والجراح. ثم وبخ الله المنافقين وضعفاء الإيمان الذين لم تهمهم إلا أنفسهم، وظنوا بالله ورسوله الظنون السيئة، والذين زعموا أنهم لو لم يخرجوا لما قتل من قتل، فقال: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ «2» .

_ (1) سورة ال عمران: الاية 153. (2) سورة ال عمران: الاية 154.

وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ ... : أي أصابكم الله بما أصابكم ليميز الخبيث من الطيب، ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس، أما هو سبحانه فعليم بما في القلوب. يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ: أي إن الله خاذل دينه ونبيه. قُلْ لَوْ كُنْتُمْ ... : فالخروج في الجهاد لا يقصّر أجلا، والجبن والتخلّف في البيوت لا يطيل عمرا، وما قدّره الله لابد أن يكون، والله لا تخفى عليه خافية، ويعلم ما تكنه صدوركم. ثم حذر سبحانه المؤمنين أن يكونوا كالمنافقين الذين يفتحون عمل الشيطان في نفوسهم بقولهم: لو ولو.. ولن تجر عليهم هذه التمنيات الباطلة إلا الحسرة، والله سبحانه وتعالى هو الذي بيده الحياة والموت، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ «1» . لِإِخْوانِهِمْ: أي لأجل إخوانهم في النفاق أو في النسب. ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ: سافروا فيها لتجارة أو غيرها فماتوا. غُزًّى: جمع غاز أي غزاة فقتلوا. حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ: أي ندامة في الدنيا أن فاتهم ما أحبوا، وفي الاخرة حينما يحرمون من النعيم وتتكشف لهم الحقائق، والله قادر أن يرجع من خرج مجاهدا غانما سالما، وأن يميت من أقام في أهله، ونكص عن القتال. ثم بين سبحانه أن الموت أو القتل في سبيل الله هو أسمى الغايات وأشرفها، وأن ما أعدّه للمجاهدين ولا سيما الشهداء من النعيم الدائم المقيم خير من الدنيا وما فيها فقال:

_ (1) سورة ال عمران: الاية 156.

وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ «1» : فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. ثم قال سبحانه معزّيا للمسلمين ومسلّيا، ومبينا أن ما أصابهم في أحد قد أصابوا مثليه في بدر، وأن ما أصابهم إنما هو بسبب مخالفتهم: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» . أَنَّى هذا؟: أي من أين حصل لنا هذا. قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ: أي بسبب مخالفتكم أمر الرسول ورغبتكم في الغنائم. ثم ختم الحق سبحانه قصة أحد يبين منزلة الشهداء عند ربهم فقال سبحانه: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ «3» . والخوف: ألم يحصل في النفس من توقع حصول مكروه فيما يستقبل. والحزن: ألم يحصل في النفس من خوف فوات محبوب فيما مضى، وأهل الجنة لا يخافون فيها شيئا لأنها دار أمن وسلام، فلا مكروه فيها، ولا يحزنون لأنهم سيجدون كل ما عملوه من خير محضرا، أو أن ما أعدّه الله لهم من النعيم يفوق

_ (1) سورة ال عمران: الايتان 157، 158. (2) سورة ال عمران: الاية 165. (3) سورة ال عمران: الايات 169- 171.

أضعافا مضاعفة ما كانوا يحبون ويرجون، وصدق الرسول الكريم حيث يروي عن رب العالمين: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله ما اطلعتم عليه، ثم قرأ: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. وقد قدّمت ما يتعلق بحياة الشهداء، نسأل الله الكريم أن يرزقنا هذا النعيم المقيم تفضّلا وكرما.

اثار غزوة أحد

اثار غزوة أحد رجع النبي إلى المدينة وقد دفن بأحد سبعين شهيدا، وبأصحابه العائدين جراح؛ فأظهر المنافقون واليهود بالمدينة فرحهم، وفارت المدينة بالنفاق والتشفي، ولم يقف أمرهم عند حد السرور والانشراح النفسي، بل ظهرت سخائم نفوسهم في كلمات على ألسنتهم، فقالت اليهود: لو كان نبيا ما ظهروا عليه ولا أصيب منه؛ ولكنه طالب ملك تكون له الدولة وعليه! ونسوا ما حل بأنبياء بني إسرائيل من تقتيل وتشريد، بل نسوا فرار موسى وأتباعه من فرعون وقومه، ولولا أن أنجاهم الله لكانوا من المهلكين. وقال المنافقون لو كنتم أطعتمونا ولم تخرجوا لما أصابكم ما أصابكم. وتجاوز أثر أحد المدينة إلى من حولها من الأعراب والقبائل الموالية لأهل الشرك، فكان لابدّ من استرجاع هيبة المسلمين؛ وإيذان الناس جميعا أن المسلمين على الرغم مما نالهم لا يزالون أقوياء وقادرين على منازلة الأعداء، فكان الخروج إلى غزوة حمراء الأسد.

غزوة حمراء الأسد

غزوة حمراء الأسد كانت غزوة أحد في يوم السبت الخامس عشر من شوال، وفي يوم الأحد أذّن مؤذن رسول الله في الناس بطلب قريش وقال: «لا يخرجن معنا إلا من حضر معنا القتال» فخرج الذين حضروا غزوة أحد من المسلمين، واستأذن جابر بن عبد الله رسول الله في الخروج، لأن تخلّفه عن أحد كان لعذر كما أسلفنا، فأذن له، وقال ابن أبيّ رأس المنافقين: أنا راكب معك، فأبى عليه الرسول ذلك. واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وحمل اللواء علي بن أبي طالب، وساروا حتى وصلوا (حمراء الأسد) «1» يوم الاثنين. ومر برسول الله معبد بن أبي معبد الخزاعي- وهو يومئذ مشرك، وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة «2» نصح رسول الله- فقال: يا محمد، أما والله لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك؛ ولوددنا أن الله عافاك فيهم. وكان المشركون لما غادروا المدينة وبلغوا الروحاء قد أخذوا يتلاومون أن لم يستأصلوا المسلمين، فمر معبد بأبي سفيان وأصحابه وقد هموا أن يرجعوا إلى الرسول وأصحابه، فقال له: ما وراءك يا معبد؟ قال: قد خرج محمد في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله، يتحرقون عليكم تحرقا، واجتمع إليهم من كان تخلّف عنهم، ونصحه بعدم العودة. فخاف أبو سفيان إذا ما عادوا أن تكون الكرّة عليهم فأسرع إلى مكة،

_ (1) موضع على ثمانية أميال من المدينة. (2) عيبة نصحه: يعني موضع سره وأهل مودته.

مخزاة لابن أبي

ولكنه لجأ إلى حيلة، فقد مرّ به ركب بني عبد القيس يقصدون المدينة، فعرض عليهم أن يبلّغوا النبي وأصحابه أن قريشا قد أجمعت السير إليهم، ووعدهم أن يوقر لهم إبلهم زبيبا إذا وافوا عكاظ في الموسم، فمرّ الركب برسول الله وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بما قال أبو سفيان، فقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل» . وأقام المسلمون بحمراء الأسد ثلاثة أيام، وفي يوم الأربعاء عادوا إلى المدينة وقد استردوا الكثير من هيبتهم؛ بعد أن كادت تتزعزع بسبب أحد. وقد ذكر الله هذا الموقف المشرف في قوله سبحانه: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. إلى قوله: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ «1» . مخزاة لابن أبيّ كان عبد الله بن أبيّ ابن سلول له مقام بقومه كل جمعة لا ينكر لشرفه في قومه، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ليخطب الناس قام فقال: «أيها الناس: هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه وعزّروه، واسمعوا له وأطيعوا» ثم يجلس، حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع، ورجع الناس قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس أي عدو الله لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت!!.

_ (1) سورة ال عمران: الايات 172- 174. والمراد بالناس أولا: وفد عبد القيس، والمراد بالثاني: أبو سفيان وأصحابه. حَسْبُنَا: كافينا. الْوَكِيلُ: متولي أمورنا وناصرنا. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ: عافية وقوة. وَفَضْلٍ: أجر عظيم. وقيل هي تجارة أصابوها فربحوا فيها. لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ: أذى من أعدائه. وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ: بطاعتهم لرسول الله على ما بهم من جراح والام.

فخرج وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا- أمرا عظيما- أن قمت أشدد أمره. فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: مالك وتلك، فأخبره فقال له: ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي.

حوادث هذا العام

حوادث هذا العام تزوج عثمان بأم كلثوم في هذه السنة تزوج سيدنا عثمان بن عفان السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أختها رقية عام بدر، وقد عقد عليها في ربيع الأول ودخل بها في جمادى الاخرة، ولما خطبها من النبي قال له: «لو كان لي يا عثمان عشرة لزوجتك واحدة بعد الاخرى» ويقال لم يتزوج أحد بابنتي نبي واحدة بعد الاخرى غيره، ولهذا كان يقال له: ذو النورين. تزوج النبي بحفصة وفيها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبل النبي زوجا لخنيس- مصغّرا- بن حذافة السهمي، وكان بدريا توفي بعد بدر، وقيل بعد أحد، والأول هو الصحيح. وقد روى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه عرضها على عثمان بعد وفاة زوجته رقية، فقال: لا حاجة لي في الزواج. ثم عرضها على أبي بكر فسكت، ولم يرجع له بقول، حتى وجد عمر في نفسه. ثم خطبها النبي فأنكحها إياه. وقد بيّن له الصدّيق بعد خطبة النبي لحفصة أنه ما منعه من الجواب إلا أنه كان يعلم أن رسول الله ذكرها، وأنه كره أن يفشي سرّ رسول الله «1» . وقد وثّق النبي بهذا الزواج علاقته بصاحبه ووزيره الثاني، عمر، كما وثّق من قبل علاقته بصاحبه ووزيره الأول أبي بكر بزواج عائشة، وأيضا فقد كرّم

_ (1) صحيح البخاري- كتاب النكاح- باب عرض الرجل ابنته أو أخته على أهل الخير.

مولد الحسن

النبي بزواجه منها أباها، كما كرّم بذلك زوجها بعد مماته- وكان من أهل بدر- برعاية أرملته وضمها إليه، وأزال عنها تأيّمها. مولد الحسن وفيها ولد للسيدة فاطمة بنت رسول الله ابنها الحسن بن علي، وفيها حملت بالحسين رضي الله عنهما، وكان مولد الحسن في رمضان عند الأكثر، وقيل بعد ذلك.

السنة الرابعة من الهجرة

السّنة الرّابعة من الهجرة عاد النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة حمراء الأسد وقد استرد بعض هيبة المسلمين في المدينة وما حولها، إلا أن بعض القبائل الضاربة حولها سوّلت لها أنفسها النيل من المسلمين لما أصابهم في أحد، ولتحريض قريش إياهم على محاربتهم، وكان للرسول عيون وجواسيس يأتون إليه بأخبار تلك الحركات العدائية قبل وقوعها، فيسارع إلى وأدها في مهدها قبل استفحالها، فمن ذلك: [السرايا والغزوات في السنة الرابعة] سرية أبي سلمة بن عبد الأسد ففي المحرم من هذه السنة بلغه عليه الصلاة والسلام أن طليحة وسلمة ابني خويلد الأسديين قد جمعا الجموع لحرب النبي، فأرسل أبا سلمة على رأس سرية تعدادها خمسون ومائة، فساروا حتى وصلوا إلى أرضهم، فلما سمعوا بهم هربوا وتفرقوا، وتركوا نعما كثيرة لهم من الإبل والغنم، فأخذوها غنيمة، فخمّست، فأبقوا الخمس للنبي يصرفه كما أراه الله، وقسموا بينهم الباقي، وعادوا إلى المدينة ظافرين غانمين، وقد أعادوا إلى النفوس من هيبة المسلمين شيئا مما ضيعت أحد. ثم لم يلبث السيد الجليل أبو سلمة أن توفي، فقد كان أصيب في أحد بجرح ثم التأم، فلما خرج في هذه السرية نغر «1» عليه الجرح ومات بسبب ذلك.

_ (1) نغر الجرح: سال منه الدم.

سرية عبد الله بن أنيس

سرية عبد الله بن أنيس وفي نفس الشهر بلغه عليه الصلاة والسلام أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي المقيم بعرنة «1» يجمع الجموع لحربه، فأرسل عبد الله بن أنيس لقتله، فاستأذن عبد الله رسول الله أن يتقول حتى يتمكن منه، فأذن له. فخرج فلما وصل إلى ديار القوم قال له سفيان ممن الرجل؟ قال من خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد فجئت لأكون معك. قال: أجل إني لفي الجمع له، فمشى عبد الله معه وصار يحدثه، وسفيان يستحلي حديثه، حتى إذا أمكنته الفرصة منه قتله، ثم عاد إلى المدينة وقد كفى الله المؤمنين القتال، وهدأت بنو لحيان من هذيل بعد موت زعيمهم لتجد فرصة فتثأر فيها من المسلمين.

_ (1) عرنة: بضم العين وفتح الراء والنون: موضع قريب من عرفات كما في القاموس.

سرية الرجيع

سرية الرجيع «1» في صفر من هذه السنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من عضل والقارة «2» ، فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القران، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله معهم نفرا ستة في رواية ابن إسحاق، وقيل عشرة في رواية البخاري، وهو الأصح، ليؤدوا هذه المهمة السامية، وليكونوا عيونا على قريش والمشركين، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح «3» . فساروا حتى إذا كانوا بالرجيع غدروا بهم، واستصرخوا عليهم بني لحيان من هذيل- هم قوم سفيان بن خالد الهذلي الذي قتله عبد الله بن أنيس- فنفروا إليهم في مائتي رجل، فلم يرع المسلمين وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم، فلجأ رجال السرية الى ربوة عالية، واستعصموا بها، وأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم، فلجأ المشركون إلى الخديعة وقالوا لهم: إنا والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألانقتلكم. فأما عاصم واخرون فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا، وأبوا التسليم، وقاتلوا حتى استشهدوا، واغتر بعهداهم خبيب بن عدي،

_ (1) الرجيع: اسم موضع من بلاد هذيل بين مكة وعسفان على ثمانية أميال من عسفان. (2) عضل: بفتح المهملة والمعجمة بطن من بني الهون- بفتح الهاء وقيل بضمتين- ابن خزيمة ابن مدركة بن إلياس. والقارة: بالقاف وتخفيف الراء بطن من بني الهون أيضا. (3) وفي رواية ابن إسحاق أن أميرهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي.

وزيد بن الدّثنّة، وعبد الله بن طارق، فنزلوا إليهم فلما استمسكوا بهم حلّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، فقال عبد الله: هذا أول الغدر حتى إذا كانوا بالظهران في طريقهم إلى مكة انتزع عبد الله يده منهم، ثم استأخر عنهم وأخذ بسيفه ليقاتلهم، فرجموه بالحجارة حتى مات شهيدا، وأما خبيب «1» وزيد فباعوهما لأناس من أهل مكة بأسيرين من هذيل، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر ليقتلوه بأبيهم الذي قتله يوم بدر، واشترى زيدا صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فحبسوهما حتى انتهت الأشهر الحرم فأخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما. وكان من أمر خبيب أنه وهو محبوس في دار لبني الحارث قد استعار من جارية لهم «موسى» «2» ليستحدّ بها لما دنا قتله، فأعارته إياه، وغفلت عن غلام لسادتها درج حتى أتى خبيبا فوضعه على فخده، فلما رأت هذا المنظر فزعت فزعة شديدة وقالت في نفسها: أصاب- والله- الرجل ثأره بقتل هذا الغلام، فأدرك خبيب ما حدّثت به نفسها فقال لها: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله!! وكانت الجارية تحدّث بعد أن أسلمت فتقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، ولقد رأيته يأكل من قطف من عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله!! ولما خرجوا به إلى الحلّ ليقتلوه قال: دعوني أصلّ ركعتين. فكان أول من سن الركعتين عند القتل، ثم انصرف إليهم وقال: لولا أن تروا أنّ ما بي «3» جزع من الموت لزدت، ولما رفعوه على الخشبة وأوثقوه ليقتلوه صبرا قال: اللهمّ إنّا قد بلّغنا رسالة رسولك، فبلّغه الغداة ما يفعل بنا، اللهمّ أحصهم عددا واقتلهم بددا «4» ، ولا تبق منهم أحدا.

_ (1) بضم الخاء وفتح الباء وسكون الياء مصغّرا. (2) الموسى: هو الالة الحادة المعروفة، استعارها ليحلق بها شعر عانته. (3) ما: موصولة. (4) بددا: متفرقين.

ثم أنشد يقول: ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع «1» ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، ومات رضي الله عنه شهيد إيمانه وإخلاصه. وأما زيد بن الدثنة «2» فلما جاؤوا به ليقتلوه وعاين الموت، قال له أبو سفيان بن حرب: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الان عندنا مكانك تضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمدا الان في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي!! فقال أبو سفيان: ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا!! ثم قام إليه نسطاس عبد لصفوان- فقتله رضي الله عنه. ولما قتل عاصم بن ثابت أمير السرية أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكان قتل ابنيها يوم أحد، فنذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ في قحفه الخمر «3» . ولكن الله عز شأنه منعه، فبعث على جسده مثل الظلّة من الدبر «4» . وكذلك أرادت قريش أن تنال من جسده فلم يستطيعوا، فقالوا: دعوه حتى يمسي فيذهب عنه الدبر فنأخذه، فغيبه الله في الوادي، فما عرفوا له أثرا.

_ (1) الشلو: العضو. ممزع: ممزق. (2) الدثنة بفتح الدال، وكسر الثاء، وفتح النون المشددة. (3) القحف بكسر القاف: أعلى الدماغ. (4) الدبر: الزنابير، أو ذكور النحل.

وكان عاصم رضي الله عنه قد أعطى الله عهدا ألايمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا تنجسا، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته: يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر ألايمسه مشرك، ولا يمس مشركا أبدا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته، كما امتنع منه في حياته «1» .

_ (1) البداية والنهاية ج 4 ص 64.

أصحاب بئر معونة أو سرية القراء

أصحاب بئر معونة «1» أو سرية القرّاء وفي شهر صفر أيضا وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة، وهو من رؤوس بني عامر، فدعاه رسول الله إلى الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني أخشى عليهم أهل نجد» ، فقال أبو براء: أنا لهم جار، فبعث رسول الله المنذر بن عمرو في سبعين رجلا من خيار المسلمين، وكانوا يعرفون بالقرّاء «2» ، وقيل في أربعين رجلا والصحيح الأول. منهم: الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان- خال أنس بن مالك- وعامر بن فهيرة مولى الصدّيق. فساروا حتى نزلوا بئر معونة، فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في الكتاب، وأوعز إلى رجل فأنفذه بالرمح من خلفه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة!! ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا وقالوا: لن نخفر «3» أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم: رعلا وذكوان وعصية «4» ، فأجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فقال

_ (1) اسم موضع من بلاد هذيل بين مكة وعسفان. (2) هم جماعة من حفظة القران، كانوا يحتطبون بالنهار، ويتدارسون القران ويصلون بالليل، ويطعمون أهل الصفة، وإذا دعوا إلى الجهاد لبوا سراعا. (3) نخفر بضم أوله: ننقض عهده، وأما خفر الثلاثي فبمعنى وفى بالعهد. (4) رعل: بكسر الراء وسكون العين، وذكوان بفتح الذال، وعصية: بضم العين وفتح الصاد وتشديد الياء، أحياء من بني سليم.

لهم المسلمون: والله ما إياكم أردنا وإنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأبوا عليهم، فقاتلوهم حتى قتلوا عن اخرهم، إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق، فارتثّ «1» من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا، وإلا عمرو بن أمية الضمري، والمنذر بن محمد بن عقبة، فقد كانا في سرح القوم «2» فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم حول العسكر. فقالا: والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال المنذر لعمرو: ما ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر، فقال المنذر بن محمد: لكني لا أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لأخبر عنه الرجال!! وقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه شهيد البطولة والوفاء، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل بعد أن جزّ ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت عن أمة فيما زعم، فخرج عمرو قاصدا المدينة، فلقي رجلين من بني عامر، وكان معهما عهد من الرسول وهو لا يعلم، فأمهلهما حتى ناما فقتلهما، وهو يرى أنه أصاب بهذا ثأرا من بني عامر، فلما قدم عمرو وأخبر الرسول بقصتهما قال: «لقد قتلت قتيلين لأدينّهما» . ثم قال: «هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا» ، فبلغ ذلك أبا براء، فشق عليه إخفار ابن أخيه عامر إياه، فذهب ابنه ربيعة إلى عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح انتقاما منه على فعلته النكراء، فجرح ولكنه لم يمت، ثم وفد على النبي بعد قاصدا الغدر به فمنعه الله منه، وقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اكفني عامرا» ، فأصابه الله بغدّة «3» في بيت امرأة من بني سلول، فكان يقول: غدّة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية، ثم ركب فرسه، فمات على ظهره بالعراء، تطعم منه الطيور والسباع.

_ (1) أي رفع من بين القتلى وبه بقية حياة. (2) حيث ترعى إبلهم ودوابهم. (3) نوع من الطاعون يصيب الإبل.

وقفة عند سرية الرجيع وبئر معونة:

وكان وصول خبر سرية الرجيع وبئر معونة في يوم واحد، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون حزنا شديدا عليهم لم يخفف منه إلا أنهم شهداء عند ربهم يرزقون، ولقد بلغ حزن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مكث شهرا يدعو في صلاة الصبح على رعل وذكوان وعصية الذين غدروا بالقراء. وروى البخاري أن النبي لما نعى القراء قال: «إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا: ربّنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك، ورضيت عنا، فأخبرهم عنهم، فأنزل الله فيهم قرانا كان يتلى: بلّغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا» ، ثم نسخ بعد «1» . وقفة عند سرية الرجيع وبئر معونة: وإنّ لنا لوقفة ترينا كيف يستهين الإيمان بالكثرة حينما قاتل بضعة نفر غرباء عن ديارهم مائتي رجل في عقر دارهم، وكيف يسمو الإيمان عن الضعف والاستخذاء والترخص ويأبى إلا العزيمة. فقد كان يمكن لزيد وخبيب أن يظهرا كلمة الكفر، أو أن ينالا من النبي وقلبهما مطمئن بالإيمان، ليكون سببا في نجاتهما من القتل والصلب، ولكن أولي العزائم الثابتة، والعقائد الصادقة، يأبون إلا أن يموتوا أبطالا كما عاشوا أبطالا. ولو أن خبيبا المأسور ليقتل بعد أن غدروا به قتل الغلام ثأرا من أهله لما كان أمرا مستنكرا، فهو مظلوم انتصر لنفسه، ولكنه الخلق الإسلامي الأصيل، والقلب المؤمن، والضمير الحي تترفع بصاحبها عن الغدر والغيلة حتى ولو كان على سبيل المجازاة، وأن يؤخذ الغلام بجريرة أهله. وإن هذه المعاني الشريفة لتستشفها في قولة خبيب للجارية: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك!! وكنا نحب من المستشرقين الذين أسرفوا في القول من أجل أسيري بدر اللذين قتلا أن نسمع لهم كلمة في قتل الأسيرين المؤمنين على فرق ما بين الموقفين، وفي قتل من قتل غدرا وغيلة في سريتي الرجيع وبئر معونة، ولكن الأمر كما قيل:

_ (1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب سرية الرجيع وبئر معونة.

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا وقد يقول قائل: كيف يوافق النبي صلى الله عليه وسلم على إيفاد هاتين السريتين مع أناس ليسوا بمسلمين، وفي جوار رجل لم يدخل الإسلام، مع احتمال أن يكون هذا استدراجا للمسلمين ومكيدة للإيقاع بهم، وقد كان النبي من رجاحة العقل، وبعد النظر، والمواهب السياسية بالمنزلة التي لا تدفع؟ وللجواب عن ذلك نقول: 1- إن حفظ الجوار كان من خيرة فضائل العرب والخلق المتأصل فيهم، فاحتمال الغدر بهم مستبعد، ولا سيما أن القراء كانوا في جوار رجل له منزلته في بني عامر، وهو أبو براء. ولذلك لم يقبل بنو عامر أن يخفروه في جواره، فاستصرخ عليهم عامر بن الطفيل قبائل من بني سليم. 2- إن إيفاد هاتين السريتين لم يكن إلا حلقة من حلقات الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى هذا الدين، والسهر على نشره بشتى الوسائل، أليس غاية ما يحتمل أن يموتوا شهداء؟ وهذا ما كان يرجوه كل مسلم انئذ. وصدق الله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إما النصر والغنيمة، أو الموت والشهادة.

غزوة بدر الاخرة

غزوة بدر الاخرة في شعبان من نفس العام خرج الرسول وأصحابه إلى بدر لميعاد أبي سفيان، واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبيّ، وسار في ألف وخمسمائة من أصحابه. وكانت بدر محل سوق تعقد كل عام للتجارة في شعبان، يقيم فيها التجار ثمانية أيام يتبادلون فيها التجارة، فلما وصلوا إليها أقاموا بها ثمانيا في انتظار أبي سفيان. وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان، وقيل مجنّة، ثم ألقي الرعب في قلبه، فبدا له أن يرجع فقال: يا معشر قريش إن هذا العام عام جدب، ولا يصلحكم إلا عام خصب، ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإني راجع فارجعوا، فرجعوا فسمّاهم أهل مكة جيش السويق «1» ، يريدون أنهم خرجوا لشرب السويق لا للحرب. وكان أبو سفيان قد لجأ إلى حيلة يقصد بها إرهاب المسلمين حتى لا يخرجون إلى بدر، فيكون خلف الوعد من جانب المسلمين لا من جانبه، فاتفق مع نعيم بن مسعود الأشجعي وجعل له جعلا على أن يذهب إلى المدينة فيرجف فيها بعظم جيش أبي سفيان وعدّته، فذهب نعيم وقال للنبي وأصحابه: إن قريشا قد جمعت لكم الجموع. ولكنهم لم يلتفتوا إلى مقالته، وخرجوا وهم يقولون: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

_ (1) السويق: شراب يصنع من القمح أو الشعير.

وفي أثناء مقام المسلمين ببدر اشتغلوا بالتجارة فعادت عليهم بربح عظيم، وقد ذكر الله هذا في قوله: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «1» . والمتتبع لمجريات الحوادث في هذه الغزوة يرى أن المشركين قد باتوا يخشون المسلمين، ولا يجرؤون على لقياهم، وكأنما كان نصرهم في أحد فلتة لا يطمعون في مثلها، فمن ثمّ لجأوا إلى الحيلة يدرؤون بها عن أنفسهم عار خلف الوعد باللقاء، ولكنهم لم يفلحوا، وخيب المسلمون ظنونهم، وقد شعر المشركون بأثر تخلفهم في إذهاب هيبتهم المزعومة في النفوس، ولذلك قال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد- والله- نهيتك أن تعد القوم، قد اجترؤوا علينا، رأوا أنّا أخلفناهم.

_ (1) جمهور المفسرين على أن قوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، إلى: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، في غزوة حمراء الأسد، وقد عرضت لذلك انفا. ومنهم من يرى أنها نزلت في غزوة بدر الاخرة، وذكر الواقدي في المغازي أن الاية الأولى في غزوة حمراء الأسد، وهاتين الايتين في غزوة بدر الاخرة والايات من سورة ال عمران.

حوادث في هذا العام

حوادث في هذا العام وفاة أبي سلمة في هذه السنة توفي أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال القرشي المخزومي، وأمه برّة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخا رسول الله من الرضاع، ارتضعا من ثويبة مولاة أبي لهب، وكان من السابقين الأولين، هاجر إلى الحبشة هو وزوجته أم سلمة، وقد ولد لهما بها أولاد، ثم عادا إلى مكة، وكان أول من هاجر إلى المدينة ومعه زوجته فمنعها أهلها، ثم لحقت به بعد عام، وشهد بدرا وأحدا فأصيب فيها بجرح فمكث شهرا يداويه حتى برأ، ثم بعثه رسول الله في سرية في أول هذا العام، فلما عاد انتقض جرحه، فمات لثلاث بقين من جمادى الأولى فرضي الله عنه وأرضاه. وفاة عبد الله بن عثمان وفي جمادى الأولى من هذه السنة مات عبد الله بن عثمان رضي الله عنه، وهو من السيدة رقية بنت الرسول، وكان ابن ست سنين، فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل والده عثمان رضي الله عنه في حفرته. مولد الحسين وفي ليال خلون من شعبان من هذا العام ولد الحسين بن علي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد شباب أهل الجنة، وقد قال فيه الرسول وفي أخيه الحسن: «هما ريحانتاي من الدنيا» ، وقد روي أن رسول الله كان يشمهما ويقبلهما.

تزوج رسول الله بزينب بنت خزيمة

تزوج رسول الله بزينب بنت خزيمة وفي شهر رمضان من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله، ينتهي نسبها إلى هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، وهي التي يقال لها أم المساكين، لكثرة صدقاتها عليهم، وبرها إياهم، وإحسانها إليهم، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث بن المطلب، ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أحد شهداء بدر، وقيل كانت تحت عبد الله بن جحش فقتل عنها يوم أحد، وهذا يرجح أن زواج النبي بها في السنة الرابعة لا في السنة الثالثة كما زعم بعض كتاب السيرة «1» ، إذ أن عدتها على الرأي الأخير لا تنتهي إلا في اخر صفر من السنة الرابعة. قال ابن عبد البر: ولا خلاف أنها ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة، ثم توفيت رضي الله عنها، وقد أصدقها رسول الله أربعمائة درهم. وقد ظهر مما ذكرنا الحكمة في زواج رسول الله بها، وأن ذلك كان تكريما للتضحية والاستشهاد في شخص زوجها الذي مات عنها، سواء أكان ذلك عبد الله بن جحش أو عبيدة بن الحارث، فكلاهما ممن أسلم وهاجر وسبق إلى الشهادة، هذا إلى ما كانت تمتاز به من حب المساكين والبر بهم. فما أجدرها أن تكون في كفالة النبي وأن تحظى بزواجه منها بهذا الشرف الرفيع في الدنيا والاخرة، ولم نر أحدا ذكر أنها كانت ذات جمال أو شباب، بل الظاهر أنها كانت مسنة وكغيرها من النساء في الجمال، مما يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها لما ذكرنا من المعاني الشريفة، وهذا يرد أي تقوّل على النبي في هذا الزواج. تزوج النبي بأم سلمة وفي شوال من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيدة أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية القرشية، وكانت قبل النبي عند الصحابي

_ (1) هو الشيخ الخضري- رحمه الله- في «نور اليقين» ص 143.

الجليل ابن عمها وأبي أولادها أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي «1» الذي توفي في جمادى الأولى من نفس العام، وقد أنجبت منه سلمة وعمر وزينب ورقية، فلما انقضت عدّتها وحلّت خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال من هذا العام، فأرسل إليها عمر بن الخطاب فاعتذرت بأنها امرأة غيرى وأنها ذات عيال، فلم يجد رسول الله بدا من أن يذهب إليها بنفسه. روى الإمام أحمد في مسنده عنها قالت: أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سررت به، قال: «لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول: اللهم اجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا اجره الله، وأخلف له خيرا منها» ، قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت، وقلت: اللهمّ اجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟!. فلما انقضت عدّتي استأذن عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي، فغسلت يدي من القرظ وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد عليها، فخطبني إلى نفسه، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله ما بي ألاتكون بك الرغبة، ولكني امرأة بي غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال، فقال: «أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله عنك- يعني بسبب دعائه لها كما في رواية أخرى- وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي» ، فقالت: قد سلّمت لرسول الله، فقالت أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ (1) أبو سلمة: هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فهما يلتقيان في الجد الثاني، واسم أبيها حذيفة، وقيل سهيل، وكان يسمّى: «بزاد الراكب» لجوده، كان إذا سافر لا يترك أحدا يرافقه ومعه زاد، بل يكفي رفقاءه من زاد مهما بلغوا.

الحكمة في زواجها

وقد زوجها إياه ابنها سلمة، وأصدقها رسول الله فراشا حشوه ليف، وقدحا، وصحفة، ومجشة- أي رحى-. وقد تربى أولادها الصغار في بيت النبي، مما جعلهم لا يشعرون بمرارة اليتم وذل الحاجة. الحكمة في زواجها ومن ثمّ نرى أن زواج رسول الله بها لم يكن إلا جبرا لخاطرها وكسرها، وحفظا لها ولأولادها من الضّيعة، وقد سمعت انفا أنها ما كانت تعدل بأبي سلمة أحدا، ولولا أن رسول الله تقدم إليها لما رضيت بالزواج من أي رجل أيا كان في قومها، لأنها لا ترى خيرا من أبي سلمة إلا رسول الله الذي لم يكن يخطر لها على بال أثناء مقالتها، وأيضا فقد كان هذا الزواج وفاء بحق زوج من خيار المسلمين، وخاطر بنفسه في سبيل الله، وبهذا الزواج ضرب رسول الله أروع الأمثال في باب المواساة بالنفس والمال، ووضع الأساس الصالح لأولي الأمر في رعاية حقوق المواطن المؤمن الصالح، والجندي الباسل المضحي بنفسه في سبيل الله ورسوله. فهذه الاعتبارات السامية هي التي حدت برسول الله أن يتزوج بها، لا كما يزعم بعض المتخرصين من أن ذلك كان لجمالها، وهي بشهادتها كانت مسنة، ومهما قيل في بقاء مسحة من جمال الشباب عليها فهناك- ولا ريب- من الشابات الأبكار الشريفات من يفقنها في هذا، وللشباب ماله من سحر وفتنة، وإنكار ذلك مكابرة، ولا أدري كيف يرغب رجل شهواني- كما زعموا- في امرأة مسنة مترهلة، وذات شغل شاغل بعيالها؟ ألا كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. وقد كانت عاقلة عالمة راوية، روت عن رسول الله بالذات وبالواسطة، وعن غيره من الصحابة، وعنها روى الكثيرون، وقد ساهمت في نشر العلم والحكمة عن رسول الله، وبسبب سؤالها للنبي نزلت بعض ايات القران وتشريعاته، وهي اخر أمهات المؤمنين وفاة كما قال الحافظان الذهبي وابن حجر، وكان وفاتها سنة اثنتين وستين بعد مقتل الحسين إبان حكم يزيد بن معاوية، وقيل غير

تعلم زيد بن ثابت كتابة اليهود ولغتهم

ذلك. وبموتها انطفأ اخر مصباح من مصابيح أمهات المؤمنين طالما شع النور والهدى والعلم، فرضي الله عنها وأرضاها. تعلم زيد بن ثابت كتابة اليهود ولغتهم وفي هذه السنة تعلّم زيد بن ثابت كتابة اليهود، ففي صحيح البخاري تعليقا عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلّم كتاب يهود ليقرأه النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتبوا إليه، فتعلّمه في خمسة عشر يوما» » . وفي مسند الإمام أحمد أن رسول الله لما قدم المدينة ذهب بزيد إلى رسول الله وقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال: «يا زيد تعلّم لي كتاب يهود، فإني والله ما امن يهود على كتاب» ، قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرّت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب. وهذا ذكاء مفرط، وقوة حافظة، ومن لوازم تعلّم الكتابة تعلم اللسان، وقد ثبت أنه كان يعرف السريانية والعبرانية «2» ، وقد كان- رضي الله عنه- ممن حفظ القران كله على عهد رسول الله، ومن أشهر كتّاب الوحي بين يديه، وهو الذي تولى كتابة القران واحده في الصحف في عهد الصدّيق، وكان أحد كاتبي المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه، وأمر رسول الله زيدا بتعلم لغة اليهود وكتابتهم يدل على أن الإسلام يحبب إلى المسلم أن يتعلم لغة غيره وكتابتهم، ويتعرف على علومهم ومعارفهم ولا سيما إذا دعت لذلك ضرورة.

_ (1) صحيح البخاري- كتاب الأحكام- باب ترجمة الحكام أي الترجمة لهم. (2) البداية والنهاية ج 5 ص 346، فتح الباري ج 13 ص 158، 159.

السنة الخامسة من الهجرة

السّنة الخامسة من الهجرة غزوة دومة الجندل «1» في ربيع الأول من سنة خمس بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بدومة الجندل جمعا كبيرا من الناس، وأنهم يظلمون من مرّ بهم، ويريدون أن يدنوا من المدينة، فندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا في ألف، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وكانوا يسيرون الليل، ويكمنون النهار، ومعهم هاد خرّيت يقال له «مذكور» ، فلما دنوا من دومة الجندل، هجموا على الماشية والرعاء، فأصابوا من أصابوا، وهرب من هرب. فلما علم أهل دومة الجندل رعبوا وتفرقوا، فنزل رسول الله بساحتهم فلم يجد أحدا، فأقام بها أياما، وبثّ السرايا والعيون فأصاب محمد بن مسلمة رجلا منهم، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أصحابه، فقال: هربوا أمس، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله إلى المدينة بعد أن غاب عنها شهرا «2» ، وقد امتازت هذه الغزوة بأمرين: 1- أنها أول غزوة بعيدة عن المدينة من جهة الشام، إذ بينها وبين دمشق ما لا يزيد عن خمس ليال، وقد كانت بمثابة إعلان عن دعوة الإسلام بين سكان البوادي الشمالية وأطراف الشام الجنوبية، وأحسوا بقوة الإسلام وسطوته، كما كانت إرهابا لقيصر وجنده.

_ (1) دومة الجندل: بضم الدال وتفتح واحة على الحدود بين الحجاز والشام. (2) البداية والنهاية ج 4 ص 92.

مصالحة عيينة بن حصن

2- أن سير الجيش الإسلامي هذه المسافات الطويلة قد كان فيه تدريب له على السير إلى الجهات النائية، وفي أرض لم يعهدوها من قبل، ولذلك تعتبر هذه الغزوة فاتحة سير الجيوش الإسلامية للفتوحات العظيمة في بلاد اسيا وإفريقيا فيما بعد. مصالحة عيينة بن حصن وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عائد عيينة بن حصن الفزاري، وهو الذي كان يسميه عليه الصلاة والسلام «الأحمق المطاع» لأنه كان يتبعه ألف قناة لا يسأله أصحابها فيم غضب؟ وقد أقطعه الرسول أرضا يرعى فيها دوابه على بعد ست وثلاثين ميلا من المدينة، لأن أرضه كانت قد أجدبت. غزوة بني المصطلق «1» أو المريسيع «2» وفي شعبان من سنة خمس بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق الذين ساعدوا قريشا على حرب المسلمين في أحد بقيادة رئيسهم الحارث بن أبي ضرار يجمعون الجموع لحربه، فخرج إليهم في سبعمائة من أصحابه بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري، وقيل غيره، وأعطى راية المهاجرين إلى أبي بكر الصدّيق، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، وساروا حتى دهموهم وهم عند ماء لهم يسمى «المريسيع» وهم غارّون «3» ، وأنعامهم تسقى على الماء. فأمر عمر بن الخطاب فنادى فيهم: أن قولوا ألاإله إلا الله تمنعوا بها

_ (1) المصطلق بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء وكسر اللام: لقب لخزيمة بن كعب، وهم بطن من خزاعة. والمريسيع بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء وكسر السين: ماء بني خزاعة. (2) قد اختلف في زمن هذه الغزوة، فذهب ابن إسحاق أنها في شعبان سنة ست ووافقه الطبري، وقال موسى بن عقبة: إنها في شعبان سنة خمس، ووافقه الحاكم، والبيهقي، وأبو معشر، وهو الراجح الذي تشهد له الأحاديث الصحيحة. (3) غافلون.

تصرف نبوي حكيم

أنفسكم وأموالكم. فأبوا، فتراموا بالنبل، ثم أمر رسول الله المسلمين فحملوا حملة رجل واحد، فقتل منهم عشرة، وأسر سائرهم، ولم يقتل من المسلمين إلا هشام بن صبابة، قتله أحد الأنصار خطأ ظنا أنه من الأعداء، وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة: ألفي بعير، وخمسة الاف شاة، هذا عدا السبايا من النساء والأسارى من الرجال، وكان شعار المسلمين يوم المريسيع (يا منصور: أمت أمت) . تصرف نبوي حكيم وكان بنو المصطلق من أعز العرب دارأ وأشرفهم نسبا، وأسر نسائهم على هذه الحال مما يترك في نفوسهم ونفوس حلفائهم جراحا لا تندمل، وحزازات لا تنسى، والعربي يهون عليه المال مهما غلا، ولكن لا يهون عليه أن ينال في عرضه، أو تخدش كرامته وشرفه، لذلك لم يرتح قلب النبي الكبير لما تمّ من سبي واسترقاق، وفكر ثم فكر، حتى تفتّق العقل الكبير عن هذا التصرف الحكيم. فقد كانت من السبايا يومئذ جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، وقد وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شمّاس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له فكاتبته «1» على نفسي، فجئت أستعينك على كتابتي.

_ (1) أي على أن يعتقها نظير مال، وروي أن النبي لم يجعلها في سهم أحد تكرمة لها حتى قدم أبوها بعد في فدائها بإبل، فلما بلغ العقيق غيّب بعيرين من الفداء ضنّا بهما، فلما قدم على الرسول قال له: «أين البعيران اللذان غيبتهما في شعب كذا» ؟ فلم يملك الرجل نفسه أن شهد شهادة الحق وقال: والله ما اطلع على ذلك إلا الله، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، وأرسل في طلب البعيرين فدفع الإبل، وسلمت إليه ابنته، فأسلمت فخطبها رسول الله من أبيها فزوجه إياها، وأيا كان الأمر فقد منّ الصحابة على من بأيديهم من قومها لمصاهرة رسول الله فيهم. سيرة ابن هشام ج 2 ص 295.

حدثان عظيمان في هذه الغزوة

فوجد الرسول الفرصة سانحة لتخليص بني المصطلق مما وقعوا فيه، فقال لها: «فهل لك في خير من ذلك؟» ، قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: «أقضي عنك كتابتك وأتزوجك» ، قالت: نعم، وخرج الخبر إلى الناس، وفشا بينهم أن رسول الله قد تزوج جويرية بنت الحارث، وكان المسلمون عند حسن ظنه وبعد نظره، فقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟!! فأطلقوا كل من بأيديهم، قالت عائشة- راوية القصة-: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها. وبفضل هذا التصرف النبوي الحكيم أسلم بنو المصطلق عن طواعية جميعا، وصاروا أعوانا للمسلمين بعد أن كانوا عليهم. حدثان عظيمان في هذه الغزوة وفي هذه الغزوة نجمت حادثتان عظيمتان: إحداهما كادت تحدث فتنة بين المسلمين لولا أن النبي تدارك ذلك بموهبته السياسية الفائقة، والثانية حادثة الإفك التي حسم الكلام بشأنها وحي السماء، ونزل بسببها تشريع عام خالد. الحدث الأول بينما المسلمون على الماء يستقون، وكان مع عمر غلام أجير له من بني غفار يسمى جهجاه بن مسعود الغفاري يقود له فرسه، فتزاحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء وتضاربا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصاح الغفاري: يا معشر المهاجرين، فاجتمع الفريقان، وكادوا يقتتلون، فذهب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة» ، وأزال ما بينهما من شحناء ونيّم الفتنة. ولكن عبد الله بن أبيّ رأس النفاق أراد أن يوقظها، ويذكي لهبها، فقال وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم-: أو قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: (سمّن كلبك يأكلك) . أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على الحاضرين

اعتذار ابن أبي

من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم. فسمع ذلك زيد بن أرقم فسعى إلى رسول الله فأخبره، وعنده عمر بن الخطاب سيف الحق، فاستأذن رسول الله في قتله، أو أن يأمر به من يقتله، فقال ذو الخلق العظيم، والسياسي الحكيم: «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولكن اذن بالرحيل» . اعتذار ابن أبيّ ولما بلغ ابن أبيّ أن زيدا أخبر الرسول بما سمع منه ذهب إلى رسول الله، وحلف بالله ما قلت ما قال لك، ولا تكلمات به، فقال بعض الحاضرين من الأنصار من أصحابه لرسول الله: عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، ترضية للرسول، ودفعا عن ابن أبيّ. سير النبي بالجيش ليشغلهم عن الفتنة وارتحل النبي بالمسلمين في وقت لم يكن يرتحل فيه، فلقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية الإسلام وسلّم عليه، وقال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة ما كنت تروح في مثلها؟ فقال له: «أو ما بلغك ما قال صاحبكم» ؟ قال: أي صاحب يا رسول الله؟ قال: «عبد الله بن أبيّ» ، قال: وما قال؟ قال: «زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل» ! فقال أسيد: فأنت يا رسول الله تخرجه منها إن شئت، هو- والله- الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا. وسار رسول الله بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم الثاني حتى اذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياما. وبهذا التصرف البالغ الغاية في السياسة الرشيدة قضى على الفتنة قضاء مبرما، ولم يدع مجالا للحديث فيما قال ابن أبيّ.

نزول سورة المنافقون

نزول سورة المنافقون وفي هذه الحادثة أنزل الله سورة بتمامها وهي «المنافقون» وفيها قوله سبحانه: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ. يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ «1» . ولما نزلت السورة أخذ رسول الله بأذن الغلام الصادق اللّقن، وقال: «هذا الذي أوفى الله بأذنه» ، وقد شاء الله أن تتحقق مقالة ابن أبي لا على ما أراد، فكان الرسول وأصحابه هم الأعزاء، وكان ابن أبيّ وجماعته هم الأذلاء!!. مثل أعلى للإيمان وقد تجلّى في هذه الحادثة موقف بطولي إيماني، سما عن الرحم والعاطفة، وعزّ في تاريخ الدنيا بله سير الصحابة، ذلك أن المؤمن الصادق عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به وأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ يمشي بين الناس فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر، فأدخل النار!!. ماذا ترى يكون جواب الرسول الكريم؟ إنه لموقف محرج حقا، أيوافق الرسول؟ إنه إن فعل فسيستريح من شر مستطير طالما نال من النبي والمسلمين، وأضرّ بالدعوة الإسلامية، ولكن كيف؟ ونبيّنا محمد إنسان بشر قبل أن يكون نبيا، وإنسانيته فاقت كل ما يتصور في عقله وخبرته بالنفوس البشرية

_ (1) سورة المنافقون: 7 و 8.

اثار هذه السياسة النبوية الحكيمة

وغرائزها في المحل الذي لا يطاول، وهو يعلم يقينا أن الابن في مأساة نفسية وعاطفية تغلّب عليها بقوة إيمانه، وسمو نفسه، وحبّه لله ولرسوله!!. لقد ضرب الابن أروع مثل الإيمان والتضحية بعاطفة الأبوة، فليضرب النبي الإنسان ذو القلب الكبير والخلق العظيم أروع المثل في العفو والرحمة وحسن الصحبة، فيقول: «بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا» !!. يا لروعة العفو، ويا لجلال العظمة الإنسانية!!. ويسمو الإيمان ثم يسمو، فلا يرضى الابن المؤمن الصادق من الأب بالاعتذار أو إنكار ما قال، بل يقف لأبيه وهم ايبون عند مدخل المدينة، وبيده سيفه قائلا له: قف، فو الله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله في ذلك، فلما أذن له تركه يدخل وقد أشاح عنه بوجهه. اثار هذه السياسة النبوية الحكيمة وقد كان لتسامح الرسول مع رأس المنافقين أبعد الاثار فيما بعد، فقد كان ابن أبيّ كلما أحدث حدثا، كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنّفونه، ويعرضون قتله على النبي، والرسول يأبى ويصفح، فأراد رسول الله أن يكشف لسيف الحق عن اثار سياسته الحكيمة، فقال: «كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي لأرعدت له انف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته!!» فقال عمر: قد- والله- علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري!!. احتيال وغدر وقدم من مكة مقيس بن صبابة، فقال: يا رسول الله جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخي الذي قتل خطأ، فأمر له الرسول بدية أخيه هشام، فأقام بالمدينة غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا، ولهذا كان مقيس من الذين أهدر النبي دماءهم يوم الفتح، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة.

حادثة الإفك

حادثة الإفك وهي حادثة أخرى تمخضت عنها هذه الغزوة، وهي أشد شناعة وفظاعة من الأولى؛ لأنها تناولت بيت النبوة في أحب نسائه إليه وهي الصدّيقة بنت الصدّيق. وإليك هذه القصة كما رواها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما بالسند عن عائشة رضي الله عنها- واللفظ للبخاري- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج- يعني إلى سفر- أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين اذن ليلة بالرحيل، فقمت حين اذنوا بالرحيل فمشيت، حتى جاوزت الجيش- يعني لقضاء حاجتها- فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار «1» قد انقطع فالتمست عقدي، وحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم، إنما يأكلن العلقة «2» من الطعام، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا.

_ (1) جزع بفتح الجيم وسكون الزاي، خرز معروف في سواده بياض كالعروق. وظفار بفتح الظاء وكسر الراء الأخيرة للبناء: مدينة باليمن. (2) العلقة: القليل من الطعام.

فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السلمي من وراء الجيش، فادلج «1» فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين راني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه «2» حين عرفني، فخمّرت- غطيت- وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة «3» ، فهلك من هلك، وكان الذي تولّى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريا بني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلّم ثم يقول: «كيف تيكم؟» «4» ثم ينصرف، فذاك يريا بني ولا أشعر بالشر. حتى خرجت بعد ما نقهت «5» ، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع «6» وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ... فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة «7» ، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح،

_ (1) ادلج بتشديد الدال: سار من اخر الليل. (2) قوله: «إنا لله وإنا إليه راجعون» إعظاما وتألما لما حدث من تأخرها بغير قصد. (3) موغرين: نازلين للاستراحة. نحر الظهيرة: في وقت شدة الحر. (4) تيكم: اسم إشارة للمؤنثة. (5) نقه: بفتح القاف الذي برأ من مرضه ولم تكتمل صحته. (6) المناصع: مكان خارج المدينة. (7) مسطح: بكسر الميم وسكون السين. أثاثة: بضم الهمزة.

فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه «1» أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ثم قال: «كيف تيكم» ؟ فقلت: أتأذن لي أن اتي أبويّ؟ وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويّ فقلت لأمي: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوّني عليك، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله، أو قد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: «أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟» قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه «2» عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن «3» فتأكله. فقال رسول الله وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني «4» من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا، لقد ذكروا

_ (1) يعني يا هذه. (2) أغمصه: بالغين والصاد أي أعيبه. (3) الداجن: ما يألف البيوت من شاة أو طير. (4) يعذرني: من ينصرني عليه وينتقم منه.

رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج- وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته «1» الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير «2» وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين «3» ، فتثاور الحيان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله يخفّضهم حتى سكتوا وسكت. فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي، وقد بقيت ليلتين ويوما ... فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأننا، فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: «أما بعد: يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه» فلما قضى مقالته قلص دمعي «4» حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله، قلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القران: إني

_ (1) احتملته: أي غلبته العصبية. (2) أسيد: هو بالتصغير في اسمه واسم أبيه. (3) أي صنيعك في المجادلة عن ابن أبيّ صنيع المنافقين. (4) قلص: جف من شدة الحزن والأسى.

والله لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة- والله يعلم إني بريئة- لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أني منه بريئة- لتصدقني، والله ما أجد لكم ولي مثلا إلا قول أبي يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «1» ، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان «2» من العرق وهو في يوم شات من ثقل الوحي الذي ينزل عليه. فلما سرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّي عنه وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها: «يا عائشة أما الله عز وجل فقد برّأك» فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل، وأنزل الله- عز وجل-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... العشر الايات كلها- يعني إلى قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «3» . فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة- يعني عنها- ما قال، فأنزل الله: وَلا يَأْتَلِ «4» أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ

_ (1) بضم المواحدة وفتح الراء وبالمد: الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي. (2) الجمان: بضم الجيم حبات اللؤلؤ أو الفضة. (3) سورة النور: الايات 11- 20. (4) ولا يحلف.

وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي!! فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري، فقال: «يا زينب ماذا علمت أو رأيت» ؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا قالت: وهي التي كانت تساميني «2» من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك» » . وقد بينت الروايات الاخرى في الصحيحين وغيرهما أن الذين خاضوا في هذا الحديث الاثم رأس النفاق ابن أبيّ، وحمنة بنت جحش، ومسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وأن الذي تولّى معظم الحديث والإرجاف به ابن أبيّ، وتليه حمنة في هذا، وقد تاب هؤلاء- ما عدا ابن أبيّ- ولا سيما حسان بن ثابت، فقد اعتذر عما كان منه وقال يمدح عائشة بما هي له أهل: حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل مهذبة قد طيّب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل «4»

_ (1) سورة النور: الاية 22. (2) تناظرني وتحرص على أن تكون لها حظوتي عند رسول الله. (3) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة النور، صحيح مسلم- كتاب التوبة- باب حديث الإفك. (4) حصان: عفيفة. رزان: عاقلة. تزن بضم التاء: ترمى وتتهم. الغوافل: جمع غافلة أي عن الشر والإثم. عقيلة: كريمة. خيمها بكسر الخاء: أصلها.

إقامة الحد على من قذف عائشة

وزاد الحاكم في رواية له من غير رواية ابن إسحاق: حليلة خير الخلق دينا ومنصبا ... نبي الهدى والمكرمات الفواضل رأيتك- وليغفر لي الله- حرة ... من المحصنات غير ذات الغوائل وقد تخلّقت السيدة عائشة بأخلاق زوجها وأبيها فعفت، وكان يستأذن عليها لما كبر وعمي فتأذن له، بل كانت تكره- رضي الله عنها- أن يسب عندها لمنافحته عن رسول الله وال بيته وتقول: إنه الذي قال: فإنّ أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء إقامة الحد على من قذف عائشة ولما نزلت الايات ببراءة عائشة أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على مسطح وحسان وحمنة، رواه أصحاب السنن، وهذا يرد ما رجّحه الماوردي من أنهم لم يجلدوا اعتمادا على أن الحد لا يثبت إلا بإقرار أو بيّنة!! ولا أدري أي بينة بعد النص القراني الدال على كذبهم، وهو يستلزم ثبوت الحد، وأما ابن أبي رأس النفاق فقيل إنه لم يحدّ سياسة وتأليفا لقومه وأتباعه، وإلى هذا ذهب ابن القيم في الهدي، والذي رجّحه الحافظ ابن حجر في الفتح أنه أقيم عليه الحدّ استنادا إلى ما رواه الحاكم في الإكليل «1» . صفوان بن المعطل السلمي ويقال له الذكواني نسبة إلى ذكوان بن ثعلبة بطن من بني سليم، صحابي فاضل، لا يغمص في دين ولا في خلق، أول مشاهده المريسيع، وقيل الخندق، وبحسبه تزكية قول الرسول فيه: «ما علمت عليه إلا خيرا» . وقد ثبت في الصحيحين أنه لما بلغه حديث الإفك قال: سبحان الله: (والذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط) . وما زعمه ابن إسحاق أنه كان حصورا لم يثبت، ففي بعض الروايات الصحيحة أنه تزوج، وفي الصحيح أنه قتل شهيدا في سبيل الله، فقيل: استشهد في غزوة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة،

_ (1) فتح الباري، ج 8 ص 388.

وقفات عند قصة الإفك

وقيل بل عاش إلى سنة أربع وخمسين فاستشهد بأرض الروم في خلافة معاوية «1» . وقفات عند قصة الإفك وما كان لنا أن نمر بهذا الحادث دون أن نقف وقفات، نستخلص منها عبرا وعظات، وأخلاقا ساميات، منها: 1- صيانة الله سبحانه أنبياءه أن تقع من زوجاتهم خيانة زوجية، وذلك لأن زنا الزوجة مما يمتد أثره السيّىء إلى الزوج، فصان الله زوجاتهم عن ذلك حتى لا يكون منفرا منهم، ومعوّقا عن الاهتداء بهم، أما الكفر فيجوز عليهن، وذلك كامرأتي نوح ولوط عليهما السلام، لأن الكفر لا تتعدى معرّته إلى الزوج، وأما ما ذكره الله عنهما في قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً «2» . فقد أجمع المفسرون سلفا وخلفا على أنه ليس المراد الزنا وإنما الخيانة في الدين، روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (ما زنت امرأة نبي قط، وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تخبر أنه مجنون، وإذا ما امن به أحد أخبرت به قومه الكافرين، وكانت امرأة لوط تدل قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف) . 2- إن في هذه القصة عزاء وسلوى للعفيفات اللاتي يرمين زورا وكذبا بالفاحشة، فهذه الصدّيقة بنت الصدّيق، وزوج الرسول، والمبرأة من فوق سبع سماوات قد رميت بما هي براء منه، من المنافقين ومن شايعهم من ضعفاء الإيمان، ومن قبل رمى اليهود صدّيقة بني إسرائيل السيدة مريم البتول بالزنا،

_ (1) فتح الباري، ج 8 ص 371. (2) سورة التحريم: الاية 10.

فما دنس ذلك من شرفها، ولا أنزل من كرامتها عند ربها، بل زادها رفعة وشرفا، ولا تزال هذه القصة تتكرر على مسرح الحياة، فليكن للمحصنات المؤمنات الغافلات اللاتي لا يسلمن من قالة السوء فيها عزاء وسلوى. 3- أدب الصحابة رضوان الله عليهم في معاملة النساء المسلمات ولا سيما نساء النبي، والمبالغة في توقي مواطن الريبة والتهمة، فقد ثبت أن صفوان رضي الله عنه اكتفى بالاسترجاع حتى استيقظت السيدة عائشة، وفي استرجاعه ما يدل على استفظاعه وأسفه أن تترك زوجة النبي في العراء، ولم يكلمها قط غير أنه سألها عن شأنها وعرض عليها الركوب، وحين الركوب أولاها ظهره ولما ركبت قاد بها ولم يسر خلفها. وقديما فعل نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ذلك مع ابنة شعيب عليه الصلاة والسلام، فقد قال لها: سيري خلفي ودليني على الطريق، خشية أن تضرب الريح بثوبها فتكشف أو تصف بعض جسمها. وهذا غاية الأدب والعفة، ولذلك قالت ابنة شعيب- وقد سمعت ورأت- كما قال الله سبحانه: قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ «1» . 4- حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، ورحمته بهم، وضبط النفس حتى في المواقف التي يستبد بالنفس البشرية فيها الغضب، فتخرج عن حد الاعتدال فعلى الرغم مما قيل في عائشة مما يجرح القلب، ويؤذي النفس كان يدخل عليها وهي مريضة فيسأل عنها وإن لم تجد منه صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تجده منه حينما كانت تشتكي، وغاية ما يطمع فيه من بشر كريم في مثل هذا الموقف المؤلم المحيّر أن يكظم غيظه، ويكف غضبه، أما الملاطفة فأمر خارج عن طوق البشر، ولن تكون إلا ممن فقد غيرته، وذهبت من نفسه معالم الرجولة والنخوة.

_ (1) سورة القصص: الاية 26. أما أمانته فقد حدثناك عنها. وأما قوته فقد قيل: لأنها شاهدته وهو ينحى عن البئر، وما كان يطيق ذلك إلا الجماعة من الرجال، وقيل: لأنها رأته وقد دفع الرعاء عن البئر على كثرتهم، ولم يخشهم، وسقى لهما.

ويبلغ السمو الإنساني بالرسول في معاملة عائشة حينما دخل عليها وهي في بيت أبيها وقال لها: «يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه» !!. يا لعظمة النفس، إن العظيم حقا هو الذي يعلم أن كل بني ادم خطاء، وييسر للمذنبين طريق التوبة، والقوي حقا هو الذي يرحم ضعف الناس!!. كان يمكن للنبي صلوات الله وسلامه عليه أن يطلق عائشة، وبذلك يستريح من ألم النفس الواصب، ويقطع قالة السوء، ولكن كيف يكون هذا؟ وهو الذي وسع بصدره وخلقه الناس جميعا على اختلاف مشاربهم وفطرهم وطبائعهم، حتى استحق ثناء الحق جل وعلا حيث يقول: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. 5- كرامة بيت أبي بكر رضي الله عنه على ربه، فقد شاء الله أن يبرىء عائشة من فوق سبع سماوات، وأن ينزل في شأنها قرانا يتلى إلى يوم الدين، وهذا بعض ما جوزي به رجل دخل في الإسلام من أول يوم، وبذل نفسه وأهله وماله لله ولرسوله، ولم يزد- وقد تلظّى بنار هذه الفتنة- على أن قال: (والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية فكيف بعد أن أعزنا الله بالإسلام) !! وما جوزيت به سيدة قدمت للرسول كل خير، ووفرت له كل وسائل الراحة النفسية والبيتية حتى تفرغ لأداء رسالة ربه، ولم تملك حينما نزل بها البلاء؛ وحل المصاب، إلا أن قالت كما قال نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ «1» .

_ (1) سورة يوسف: الاية 18.

تفسير ايات الإفك

تفسير ايات الإفك قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ «1» . بِالْإِفْكِ: أشنع الكذب وأفحشه. عُصْبَةٌ مِنْكُمْ: الجماعة من العشرة إلى الأربعين، منهم عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش. لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ: خطاب للمسلمين ولا سيما من بلغ منهم الأذى مبلغه. بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ: يعني في الدنيا والاخرة: أما في الدنيا فلأنه نزل بسببه تشريع عام خالد يحفظ الحرم ويصون المجتمع، ولما تمخّض عنه من تبرئة عائشة حبيبة رسول الله والشهادة لال بيت الرسول بالطهر والعفاف، وتبرئة الرجل الصالح صفوان، وأما في الاخرة فلما لهم من رفعة الدرجات بالصبر على المحنة والبلاء. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ: جزاء ما اجترح من الذنب على قدر ما خاض فيه. وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ: كبر الشيء معظمه، وهو ابن أبي فهو الذي كان يجمعه ويذيعه ويشيعه. ثم أدّب الله المؤمنين والمؤمنات مما كان ينبغي أن يسلكوه في هذه القصة من أدب فقال: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ «2» . لَوْلا: هلّا. مُبِينٌ: بين ظاهر. يعني هلّا قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، وظنوا بإخوانهم خيرا، ولو أنهم فعلوا لتبين لهم أن أم المؤمنين أولى البراءة وأحرى، ولتعففوا عن النطق بهذا الهجر من القول، وممن تأدب بهذا

_ (1) سورة النور: الاية 11. (2) سورة النور: الاية 12.

الأدب الإلهي السامي سيدنا أبو أيوب الأنصاري، فقد قالت امرأته أم أيوب: أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منك!!. ثم قال تعالى: لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ «1» . «عند الله» : يعني في حكمه وشريعته، لأنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بشهداء، وحكم القاذف في الإسلام إن لم يأت بهم أن يحدّ حد القذف، وقد حدّ النبي صلى الله عليه وسلم الأربعة الذين صرحوا بالقذف لما تبين كذبهم بشهادة الوحي. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ «2» . «لولا» : حرف امتناع لوجود: يعني لولا أني فضّلت أن أتفضل عليكم بضروب النعم في الدنيا التي من جملتها الإمهال، وقبول توبة التائبين، والترحم عليكم في الاخرة بالعفو والمغفرة، لعاجلتكم بالعقوبة في الدنيا والعذاب الدائم في الاخرة. وهذا فيمن عنده إيمان يقبل الله بسببه التوبة كحسان ومسطح وحمنة، فأما من خاض فيه من المنافقين كابن أبي وأضرابه فليسوا مرادين لأنهم ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يؤهلهم لاستحقاق هذا. ثم بين سبحانه الأحوال والملابسات التي كانت توجب أن ينزل بهم العذاب فقال: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ: أي يتلقفه بعضكم من بعض من غير تحر وتثبت ثم يذيعه، وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: يعني أن قالة

_ (1) سورة النور: الاية 13. (2) سورة النور: الاية 14.

السوء التي نطقتم بها ليس لها ما يسندها من علم أو دليل، وليست نابعة عن اعتقاد وإنما هي شكوك وأراجيف لا تعدو طرف اللسان، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ «1» : هذه جريمة من جرائمهم وهي استصغارهم لذلك وهو عظيمة من العظائم عند الله، ولو لم تكن عائشة زوجة نبي لما كان هينا، فكيف وهي زوجة خاتم الأنبياء، وسيد ولد ادم على الإطلاق، وهي بالمنزلة التي لا تخفى عليكم نسبا وشرفا ودينا؟ ثم قال سبحانه: وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ «2» «سبحانك» : كلمة تعجب من الأمر المستفظع «بهتان» : كذب فاحش وهذا تأديب اخر للمؤمنين أنه كان الأليق بهم أن يستعظموا هذه المقالة، ويطهروا ألسنتهم من النطق بها، ثم حذرهم سبحانه أن يعودوا لمثل هذه المقالة الفاحشة التي تجافي الإيمان فقال: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «3» . ثم قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «4» . هذا تأديب إلهي ثالث لمن سمع قالة السوء أو علم بفاحشة ألايذيعها ويشيعها، لما في إشاعة الفاحشة من إثارة بواعث الشر في النفوس، وإيقاظ الفتنة بين الناس، وفي ذلك ما فيه من الإضرار بالأسر والجماعات. ومن أدب النبوة في هذا قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة» رواه مسلم، وقال: «يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الإيمان

_ (1) سورة النور: الاية 15. (2) سورة النور: الاية 16. (3) سورة النور: الايتان 17، 18. (4) سورة النور: الاية 19.

قلبه لا تتّبعوا عورات المسلمين، فإن من تتّبع عورات المسلمين فضحه الله تعالى في قعر بيته» رواه أبو داود. ثم قال سبحانه: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «1» . جواب لولا محذوف أي لعاجلكم بالعقوبة، وفي هذا تكرير للمنّة بترك المعاجلة، وفي حذف الجواب إيجاز معجز لتذهب النفس فيه كل مذهب، فلله در التنزيل، ما أبلغه وما أكثر بركاته!!. ومما يتصل بايات الإفك قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) «2» . «المحصنات» : العفائف، «الغافلات» : يعني عن الفاحشة، وهذا أسمى وصف يدل على العفة، فإن من العفائف من تخطر الفاحشة ببالها ثم لا تلبث أن تزول، ولكن أعف العفة أن تكون المرأة غافلة عن التفكير فيها والخطور بنفسها، ويدخل في هذه الأوصاف أمهات المؤمنين دخولا أوليا ولا سيما عائشة التي كانت سبب نزولها، فالذين يرمون بالزنا المحصنات الغافلات المؤمنات ملعونون في الدارين على ألسنة الخلق والملائكة، ومطرودون في الاخرة من رحمة الله، ولهم عذاب هائل لا يقادر قدره لعظم ما ارتكبوه. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ «3» . ومعنى شهادة الجوارح المذكورة أنه عز وجل ينطقها بقدرته، فتخبر كل جارحة منها بما صدر عنها من الذنوب والاثام. دِينَهُمُ الْحَقَّ: أي يعطيهم

_ (1) سورة النور: الاية 20. (2) سورة النور: الاية 23. (3) سورة النور: الايتان 24، 25.

جزاءهم المطابق لمقتضى العدل والحكمة وافيا تاما. الْحَقُّ الْمُبِينُ: الحق الظاهر ألوهيته والظاهر حقيته. ثم ساق سبحانه دليلا على براءة السيدة عائشة على ما هو السنة الجارية الغالبة فيما بين الناس، فقال: الْخَبِيثاتُ: أي من النساء لِلْخَبِيثِينَ من الرجال، وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ: ذكره وإن كان مفهوما مما سبق مبالغة في التأكيد. وَالطَّيِّباتُ من النساء لِلطَّيِّبِينَ من الرجال، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أي والطيبون من الرجال للطيبات من النساء لا يتجاوزوهن إلى من عداهن، وحيث كان رسول الله أطيب الطيبين، وخير الأولين والاخرين، فقد ثبت كون الصدّيقة من أطيب الطيبات، واتضح بطلان ما قيل فيها من الترهات. أُولئِكَ: إشارة إلى ال البيت النبوي رجالا ونساء، ويدخل فيه السيدة عائشة دخولا أوليا. مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ: منزهون عما يقوله أهل الإفك في حقهم من الأكاذيب. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ: مغفرة لما عسى أن يقع منهم من خلاف الأولى، أو ما لا يسلم منه إنسان من الذنب، ورزق دائم لا يزول ولا يحول وهو الجنة. ورحم الله الإمام الزمخشري حيث قال في تفسيره: (ولو قلّبت القران، وفتشت ما أوعد به العصاة، لم تر الله قد غلّظ في شيء تغليظه في إفك عائشة رضوان الله عليها، ولا أنزل من الايات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد، والعتاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك، واستفظاع ما أقدم عليه- ما أنزل فيه على طرق مختلفة وأساليب مفتنة، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث «1» لكفى بها، حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الاخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيّهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فأوجز في ذلك وأشبع، وفصّل وأجمل، وأكّد

_ (1) يريد قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... ، إلى قوله تعالى: الْحَقُّ الْمُبِينُ.

وكرر، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلا بما هو دونه في الفظاعة وما ذلك إلا لأمر. وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان بالبصرة يوم عرفة، وكان يسأل عن تفسير القران، حتى سئل عن هذه الايات فقال: «من أذنب ذنبا ثم تاب عنه قبلت توبته، إلا من خاض في أمر عائشة» ، وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك، وقد برّأ الله أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها، وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه «1» ، وبرّأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وبرّأ عائشة بهذه الايات العظام، في كتابه المعجز، المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات، فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك، وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنبيه على أنافة محل سيد ولد ادم، وخيرة الأولين والاخرين، وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقق من عظمة شأنه صلى الله عليه وسلم، وتقدم قدمه، وإحرازه لقصب السابق دون كل سابق- فليتلق ذلك من ايات الإفك، وليتأمل كيف غضب الله له في حرمته، وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه) «2» .

_ (1) هذه القصة رويت في صحيح البخاري، وقد أشار إليها الله في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا، وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً، وكانوا رموه بأنه «ادر» أي منتفخ الخصية، وبينا هو ذات يوم يغتسل في البحر وقد ترك ثيابه على حجر، إذ فرّ الحجر بثوبه، فصار يجري وراءه وهو يقول: ثوبي يا حجر، فرأى الناس أن ليست به أدرة. (2) تفسير الكشاف، ج 2 ص 78.

غزوة الخندق أو الأحزاب

غزوة الخندق أو الأحزاب كانت قريش تود لو أتيحت لها الفرصة للقضاء على النبي والإسلام، ولا سيما بعد ما أصابها من نكسة بسبب نكوصها عن الخروج في بدر الاخرة. وكان الأعراب الذين نال منهم النبي وصحابته موتورين ويتحينون الفرصة للانتقام. وكان اليهود من بني قينقاع وبني النضير الذين أجلاهم النبي عن المدينة مغيظين محنقين، ويسعون ما وسعتهم الحيلة في القضاء على هؤلاء الذين أجلوهم عن ديارهم، ونسوا عفو النبي عنهم، وكان يمكنه أن يبيدهم بدل إجلائهم، فلا تعجب إذا كانت قوى الشر الثلاث هذه قد تعاونت قصد القضاء على الإسلام والمسلمين، فكانت غزوة الأحزاب. تأليب اليهود على النبي وحمل اليهود وزر التأليب، فخرج وفد منهم على رأسهم حييّ بن أخطب النضري، وسلّام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، ونفر من وائل حتى قدموا على قريش، فدعوهم إلى حرب النبي وقالوا: إنا سنكون معكم حتى نستأصله، فرحبت قريش بمقدمهم، واستجابوا لدعوتهم، وحرضوهم على مواصلة مسعاهم. تفضيل اليهود الوثنية على الإسلام وانتهزت قريش وجود هذا الوفد الحانق المضلل فقالوا لهم: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق

استمرار اليهود في تأليب القبائل

منه!! وإنها لسقطة من اليهود وهم أهل كتاب أن يفضلوا الوثنية على التوحيد، وقد سجل الله عليهم هذا الموقف المخزي فقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً «1» . وكفى اليهود خزيا أن يهوديا مثلهم قد اخذهم على هذا الموقف المشين، قال الدكتور إسرائيل ولفنسون في كتابه «تاريخ اليهود في بلاد العرب» : كان من واجب هؤلاء اليهود ألا يتورطوا في مثل هذا الخطأ الفاحش، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإسلامي، ولو أدى بهم الأمر إلى عدم إجابة مطالبهم «2» . استمرار اليهود في تأليب القبائل وخرج هؤلاء النفر، فطافوا على بني مرة، وبني فزارة، وبني أشجع وسليم، وبني سعد وأسد، وكل من له عند المسلمين ثأر، يحرضونهم ويعلمونهم أن قريشا معهم. خروج الأحزاب وتجمعت الأحزاب لحرب رسول الله والمسلمين، فخرجت قريش وعلى رأسها أبو سفيان بن حرب في أربعة الاف، معهم ثلاثمائة فرس وألف وخمسمائة بعير، ويحمل لواءهم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة الذي قتل أبوه وهو يحمل اللواء يوم أحد. وخرجت غطفان يرأسها عيينة بن حصن الأحمق المطاع، الذي صالحه رسول الله وأقطعه أرضا يرعى فيها سوائمه، وكان معه ألف فارس. وخرج بنو مرة في أربعمائة برئاسة الحارث بن عوف المري. وتجهزت بنو سليم في سبعمائة مقاتل، وبنو أسد يرأسهم طليحة بن خويلد الأسدي، وبنو أشجع.

_ (1) سورة النساء: الايتان 51- 52. (2) حياة محمد ص 320.

استشارة الرسول أصحابه

وهكذا تحزبت الأحزاب حتى صاروا عشرة الاف قائدهم العام أبو سفيان بن حرب، وساروا قاصدين المدينة. وكانت الخندق في شوال سنة خمس عند جمهور العلماء من أهل المغازي وغيرهم، وهو الصحيح «1» . استشارة الرسول أصحابه واتصل نبأ هذا الجمع الحاشد بالرسول، فاستشار أصحابه، أيقيمون في المدينة أم يخرجون للقاء العدو؟ ولما كان عدد المهاجمين عظيما لا قبل للمسلمين على الوقوف أمامهم في سهل منبسط كسهل بدر دون أن تكون العاقبة عليهم، قرّ رأي المسلمين على أن يتحصنوا بالمدينة، ولكن أيجدي التحصن أمام هذا الجيش الكبير؟ وهنالك تقدم سيدنا سلمان الفارسي إلى رسول الله يعرض عليه أن يحفر المسلمون خندقا في الجهة الشمالية، وهي عورة المدينة لا يستطيع المهاجمون نفاذا إلى المدينة إلا منها، إذ إن بقية مداخل المدينة ضيقة المسالك مشتبكة البيوت والنخيل، لا يفكر العدو في النفاذ منها، لما يخشى أن يصيبه من أسطح المنازل ونحوها، ثم هي لا تتسع إلا لعدد من المهاجمين، مما يسهل على المسلمين تصيدهم وإبادتهم، فاستحسن الرسول الفكرة، ودعا له بخير. حفر الخندق وشرع المسلمون في حفر الخندق في جو بارد، ورسول الله معهم يحفر ويحمل التراب بنفسه، وقد جعل لكل عشرة منهم أربعين ذراعا، واحتق المهاجرون والأنصار في سلمان كل يريد أن يكون من قبيله، فحسم الرسول الأمر بقوله: «سلمان منا أهل البيت» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما بهم من النصب والتعب نشّطهم بمثل قوله: اللهمّ إن العيش عيش الاخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة

_ (1) البداية والنهاية، وفتح الباري، ج 7 ص 364 و 375.

تخاذل المنافقين

فيجيبون قائلين: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا وهكذا تجاوبت المشاعر بالإيمان، والعزائم بالكفاح والجلاد. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته يحمل من تراب الخندق حتى وارى عنه التراب جلدة بطنه وكان كثير الشّعر، فسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة وهو ينقل التراب يقول: اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا ثم يمد صوته باخرها، يعني بقول: أبينا. أبينا «1» . ولا تسل عما كانت تصنعه هذه الكلمات المؤمنة العذاب في نفوسهم من مضاعفة الجهد، والاستهانة بالنصب والتعب، وبهذا العمل الدائب أتموا حفر الخندق في ستة أيام، وقد استعانوا بالأحجار الصلبة فاتخذوا منها متاريس يتحصنون بها. تخاذل المنافقين على حين كان المؤمنون المخلصون يجدّون في حفر الخندق كان المنافقون يتخاذلون، ويتسلّلون إلى أهليهم دون إذن الرسول. أما المؤمنون فقد كان الواحد منهم إذا عرضت له الحاجة الملحة استأذن الرسول، فإذا قضى حاجته

_ (1) في مدّ الصوت بهذا المقطع من البيت ما فيه من التطابق بين اللفظ والمعنى واللحن المعبر، فهو إباء أبيّ، متصل ممدود، لا يعرف الضعف والاستخذاء، ولا الاستكانة والاستسلام.

نبوات صادقة

رجع إلى عمله رغبة في الخير، وطلبا للأجر، وقد أنزل الله في هؤلاء وأولئك قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «1» . نبوات صادقة وفي أثناء الحفر عرضت للمسلمين صخرة بيضاء صلدة شقّ عليهم كسرها، فذهب سلمان إلى رسول الله فأخبره عنها، فجاء فأخذ المعول من سلمان، فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها- يعني المدينة- حتى كأنها مصباح في ليل مظلم، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبّر المسلمون، ثم ضربها الثانية فكذلك، ثم الثالثة فكذلك. فسألوا رسول الله عن ذلك، فقال: «لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة، ومدائن كسرى، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثانية القصور الحمر من أرض الروم، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثالثة قصور صنعاء، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا» . فاستبشر المسلمون وقالوا: موعود صادق «2» . وقد صدّق الله نبوءة نبيه، فكانت معجزة ظاهرة من معجزات النبي، إذ لم يمض على هذه الحادثة إلا نحو ربع قرن حتى فتحت هذه البلاد كلها

_ (1) سورة النور: الايتان 62- 63. (2) روى هذه القصة ابن إسحاق، وابن جرير الطبري، والطبراني. وروى أصلها الإمام البخاري في صحيحه.

جيش المسلمين

ودخلت تحت لواء الإسلام، ولذلك كان أبو هريرة- رضي الله عنه- يقول حين فتحت هذه الأمصار: افتتحوا ما بدا لكم، فو الذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك!! وكنت أحب من المنكرين لنبوة سيدنا محمد أن يتأملوا في هذه النبوات التي صدّقها الزمن، مع أنها قيلت في ظروف وملابسات ما كانت تشجع عليها، فإن أشد الناس تفاؤلا ما كان يجول بخاطره أن يقول هذا، أو يفكر فيه؛ اللهم إلا أن يكون نبيا يوحى إليه. ولا جائز لقائل أن يقول: لعلها رمية من غير رام فأصابت، لأنا نقول: إن تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم، وما عرف عنه من الاتئاد والتروي في الأمور، وعدم المجازفة في القول، والبصر بالعواقب ونحو ذلك ما أقر به الأعداء والأصدقاء يرد هذا الجواز، ويبعده، فلم يبق إلا أنها نبوات صادقة من نبوات الوحي، فاعتبروا يا أولي الأبصار!! جيش المسلمين وبعد أن أتم المسلمون الحفر خرج النبي وأصحابه في ثلاثة الاف من المسلمين بعد أن استخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وكان يحمل لواء المهاجرين زيد بن حارثة، ولواء الأنصار سعد بن عبادة، وأمر الذراري والنساء فجعلوا فوق الاطام (الحصون) ، وأسند ظهر الجيش إلى جبل (سلع) ، وجعل الخندق بينه وبين المشركين. دهشة المشركين من الخندق وأقبلت قريش بجموعها وهي ترجو أن يكون المسلمون بأحد، فجاوزته إلى المدينة، فإذا بها أمام الخندق، فدهشت وعجبت لأن العرب لم يكن لهم عهد بهذا النوع من الدفاع، واتخذت قريش ومن تابعها مكانا لها حول الخندق، وعسكرت غطفان ومن تبعها من أهل نجد بمكان اخر، ورأوا ألاسبيل إلى اجتياز الخندق، فاكتفوا بالترامي بالنبال عدة أيام، وأيقنوا أنهم سيقيمون أياما

نقض بني قريظة العهد

طوالا في هذا الشتاء القارص البرد، العاصف الرياح، المنذر بالمطر بين حين واخر. نقض بني قريظة العهد وخرج حييّ بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عهداهم، فلما سمع به كعب أغلق بابه دونه، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له وقال: يا حيي إنك امرؤ مشئوم، وإني عاهدت محمدا عهدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا. وما زال حييّ به حتى فتح له فقال: ويحك يا كعب لقد جئتك بعز الدهر، قال: وما ذاك؟ قال: لقد جئتك بقريش على قادتها وسادتها، وبغطفان على قادتها وسادتها، وقد عاهدوني على ألايبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه، فقال كعب: دعني يا حيي، فإني لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا!! وتكلم عمرو بن سعدى القرظي فذكر وفاء الرسول ومعاهدتهم إياه وقال: إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوه، ولكن حييا ما زال بكعب يفتله في الذروة والغارب «1» حتى غلبت عليه يهوديته فاستجاب له، ونقض ما بينه وبين الرسول من عهد، ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العهد إلا بني سعنة: أسد وأسيد وثعلبة، فإنهم خرجوا إلى رسول الله ووفوا بالعهد. استجلاء الرسول الخبر فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة، وخوّات بن جبير وقال: «انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحق ما بلغنا عنهم؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه «2» ، ولا تفتّوا في أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس» .

_ (1) هذا مثل يضرب في المراوضة والمخاتلة، وأصله في البعير يستصعب عليك فتأخذ القرادة من ذروته وغارب سنامه وتفتل هناك، فيجد البعير لذة فيأنس عند ذلك. (2) يعني أسلوب التعريض والتلويح لا التصريح.

اشتداد البلاء والخوف

فخرجوا حتى أتوهم فوجدوا أن الخبر صحيح، ووقعوا في رسول الله ونالوا منه، فجعل سعد بن معاذ يشاتمهم فأغضبوه، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أعظم من المشاتمة، ثم أقبل السعدان ومن معهما فقالوا: عضل والقارة، أي غدر كغدرهم بأصحاب سرية الرجيع، فقال رسول الله: «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين» ، ثم تقنّع بثوبه واضطجع، ومكث طويلا، فعرفوا أنه لم يأته خير عن بني قريظة، ثم رفع رأسه وقال: «أبشروا بفتح الله ونصره» . اشتداد البلاء والخوف وعظم البلاء على المسلمين، واشتد الخوف، فقد أتاهم العدو من فوقهم، ومن أسفل منهم، وتنوعت الظنون، وكثرت الهواجس، فأما المؤمنون المخلصون فازدادوا إيمانا، وأيقنوا أن نصر الله لابدّ أن يكون، وأما المنافقون وضعفاء الإيمان فقد كشفوا عن خبيئة نفوسهم حتى قال بعضهم: كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!! وعزم البعض على الرجوع إلى المدينة، وتعلّل بعضهم بأن بيوتهم مكشوفة غير محصّنة، واستأذنوا النبي ورجعوا، وهكذا استحكم البلاء، ولاح الشر من كل مكان. ولن تجد أدق في تصوير هذه الحالة من قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ... الايات «1» . وقد اضطر الرسول وقد نقضت قريظة العهد أن يرسل مسلمة بن أسلم في مائتين، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة لحراسة المدينة خوفا على النساء والذراري

_ (1) سورة الأحزاب: الاية 9 وما بعدها.

اقتحام بعض المشركين الخندق

من غدر اليهود، وهكذا تضاءل عدد الجيش الواقف للدفاع قبالة الخندق بانسحاب بعض المنافقين أولا، ثم بهذا العدد الذي وجهه النبي لحراسة المدينة. اقتحام بعض المشركين الخندق وقد شجّع نقض قريظة العهد وطول المقام أمام الخندق بلا قتال بعض المشركين على اقتحام الخندق، فتيمّموا مكانا من الخندق ضيقا وأكرهوا خيلهم فاقتحموه منه، فجالت بهم في أرض سبخة بين الخندق وسلع، منهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب بن مرداس، فأسرع إلى الخروج إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم. قتل عمرو بن عبد ود وكان عمرو بن عبد ودّ أشجع فارس في العرب، وقد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما «1» ليرى مكانه، فلما اقتحم الخندق قال: من يبارز؟ فبرز إليه علي بن أبي طالب وقال له: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه؟ قال: أجل، قال: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام، فقال: لا حاجة لي بذلك، فقال له: فإني أدعوك إلى النزال، قال له: لم يا ابن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك؟ فقال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه، فخرجت خيل الباقين منهزمة حتى اقتحمت الخندق هاربة. وأقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة على فرس له بعد ما غربت الشمس يريد أن يجتاز الخندق، فهوى هو والفرس فصرعا، وقيل بل نزل إليه علي بن أبي طالب فقتله، وقيل قتله الزبير بن العوام.

_ (1) جعل لنفسه علامة ليعرف بها.

محاولة لتفريق الأحزاب

فأرسل أبو سفيان بن حرب يعرض دية جثته مائة من الإبل، فرفض عليه الصلاة والسلام ذلك وقال: «خذوه فإنه خبيث، خبيث الدية، نحن لا نأكل ثمن الموتى» !! ورمي سعد بن معاذ يومئذ بسهم فقطع أكحله «1» ، وكان جرحه سببا في وفاته كما ستعلم، واستمرت المناوشة والمراماة بالنبال يوما كاملا، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق حراسا حتى لا يقتحمه المشركون بالليل، وكان يحرس بنفسه ثلمة فيه مع شدة البرد. محاولة لتفريق الأحزاب ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخذّل بين الأحزاب ويفرق جمعهم، فبعث إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف المرّي- وهما قائدا غطفان- وساومهما على أن يأخذا ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما، فقبلا، ولكن الرسول ما كان ليبرم أمرا لم ينزل فيه وحي حتى يستشير أصحابه. فأرسل إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك، فقالا: يا رسول الله أمرا نحبه فنصنعه؟ أم شيئا أمرك الله به لابدّ لنا من العمل به؟ أم شيئا تصنعه لنا؟ فقال: «بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحد، وكالبوكم- اجتمعوا عليكم- من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما» ، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟!!. والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنت وذاك» .

_ (1) عرق في الذراع.

الحرب خدعة

ويرى بعض المؤرخين أن عرض الرسول عهد الصلح هذا لم يقصد به العرض حقيقة، وإنما سبرا لغور الأنصار، وتعرفا لمبلغ استعدادهم للذود عن المدينة، والتضحية بالنفس في سبيل العقيدة، وقد ظهر له صلى الله عليه وسلم أن الأخطار والمخاوف وتكالب عوامل الشر لم تزدهم إلا إيمانا وصلابة في الدفاع عن دينهم. الحرب خدعة إن الله سبحانه إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب ويسّر له الوسائل، وقد ساقت الأقدار نعيم بن مسعود الأشجعي- وهو من غطفان- إلى رسول الله، وكان صديقا لقريش واليهود، فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وقومي لا يعلمون بإسلامي، فمرني بأمرك حتى أساعدك. وتفتّق العقل الكبير عن هذا التوجيه الرائع والإيمان إلى العمل السياسي البارع، فقال له: «أنت رجل واحد وماذا عسى أن تفعل؟ ولكن خذّل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة» » . وكان نعيم عند حسن ظن النبي وأهلا لتوجيهه، فخرج من عند النبي وتوجّه إلى بني قريظة فقال: يا بني قريظة تعرفون ودّي لكم، وخوفي عليكم، وإني محدثكم حديثا فاكتموه عني، قالوا: نعم لست عندنا بمتهم، فقال: لقد رأيتم ما وقع ببني قينقاع والنضير، وإن قريشا وغطفان ليسوا مثلكم، فهم إذا رأوا فرصة انتهزوها وإلا انصرفوا لبلادهم، وأما أنتم فتساكنون الرجل- يريد الرسول- ولا طاقة لكم بحربه واحدكم، فأرى ألاتدخلوا في هذه الحرب حتى تستيقنوا من قريش وغطفان أنهم لن يتركوكم ويذهبوا إلى بلادهم، بأن تأخذوا منهم رهائن سبعين شريفا منهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه. فاستحسنوا رأيه وقالوا: قد أشرت بالرأي.

_ (1) خدعة بفتح المعجمة وضمها مع سكون المهملة، وبضم أوله وفتح ثانيه وهي أشهر لغاتها، وأفصحها الأولى حتى قال ثعلب: إنها لغة النبي. ومعنى الأولى أن الحرب تنتهي بخدعة واحدة، والثانية أن الشأن في الحرب الخداع، والثالثة صيغة مبالغة أي كثيرة الخداع.

نجاح التدبير

ثم قام من عندهم وتوجه إلى قريش فاجتمع برؤسائهم وقال: أنتم تعرفون ودّي لكم ومحبتي إياكم، إني محدّثكم حديثا فاكتموه عني، فقالوا نفعل، فقال لهم: إن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من قريش وغطفان جمعا من أشرافهم، ونعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولا أظنكم تتهمونني، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال لهم: فاكتموا عني قالوا: نفعل، ثم أخبرهم بما أخبر به قريشا، وحذّرهم مثل ما حذّرهم. نجاح التدبير فلما كانت ليلة السبت من شوال أرسل أبو سفيان بن حرب رؤوس غطفان وفدا برئاسة عكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخفّ والحافر- الإبل والخيل- فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت، ولم يصبنا ما أصابنا إلا من التعدّي فيه، ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم، فإنا نخشى إن ضرّستكم الحرب «1» واشتد عليكم القتال أن تذهبوا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا به. فلما رجعت إليهم الرسل بذلك قالوا: والله إن الذي حدّثكم نعيم بن مسعود لحق!! فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فلما انتهت إليهم الرسل بذلك قالت قريظة: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق!! فأرسلوا إلى قريش وغطفان: أنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهائن. وهكذا بلغ هذا التدبير المحكم غايته بالتفرقة بين قريظة والأحزاب.

_ (1) ضرستكم: ضعضعتكم ونالت منكم.

دعاء وابتهال

دعاء وابتهال وفي هذه الغمرة من الشدائد والمخاوف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا ينفكون عن الدعاء والتوجه إلى رب السماء. ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الأحزاب فقال: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب. اللهم اهزمهم وزلزلهم» ، وفي رواية: «اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم» . وعن أبي سعيد الخدري قال: قلت يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟! قال: «نعم، اللهم استر عوراتنا، وامن روعاتنا» «1» . هزيمة الأحزاب واستجاب الله لرسوله والمؤمنين، ونزل المدد من السماء، وأرسل الله عليهم ريحا شديدة في ليلة شاتية باردة، فهدمت خيامهم، وكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وفعلت فيهم جنود الله غير المرئية الأفاعيل، فامتلأت قلوبهم رعبا وخوفا، وساد الهرج والمرج والجلبة والصياح. تعرف أخبار القوم وكان رسول الله مستيقظا لا ينام، وقائما لا ينفك عن الصلاة، فلما سمع الجلبة قال: «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة؟» ، فما قام رجل من القوم من شدة الخوف والبرد والجوع، فلما لم يقم أحد دعا حذيفة بن اليمان، قال: فلم يكن لي من بدّ من القيام حين دعاني، فقال: «يا حذيفة اذهب فادخل القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثنّ شيئا حتى تأتينا» . قال: فذهبت فدخلت في القوم وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، فقام أبو سفيان فقال: لينظر كل امرىء من جليسه؟ فأخذ حذيفة بيد الرجل الذي كان جنبه، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، وتنادى الأعراب بالرحيل، وقام طليحة بن خويلد الأسدي فقال: إن محمدا قد بدأكم بشر فالنجاء

_ (1) رواه أحمد في المسند.

الأوبة إلى المدينة

النجاء!! ثم نادى أبو سفيان بالرحيل فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخفّ «1» ، وأخلفتنا قريظة، ولقينا من شدة الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل!! ثم قام إلى بعيره وركبه، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فأسرعت إلى ديار قومها. ثم رجع حذيفة ورسول الله يصلي وعليه كساء يمني، فلما فرغ من صلاته أخبره الخبر، فغطاه رسول الله بطرف كسائه، حتى ذهب عنه القر، فما زال نائما حتى أصبح. الأوبة إلى المدينة واب النبي وأصحابه إلى المدينة، وقد أزال الله الكرب، وكشف الغمة، ووعد أصحابه ألايغزوهم المشركون بعد هذا بل هم الذين سيغزونهم، فما قامت للمشركين بعدها قائمة، وما زال أمر المسلمين في ازدياد حتى توج ذلك بفتح مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا. وعاد الرسول والمسلمون وهم يكبّرون ويقولون: لا إله إلا الله واحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير: ايبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، لا إله إلا الله واحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب واحده، فلا شيء بعده.

_ (1) الكراع: الخيل. الخف: الإبل.

ما نزل من الايات في غزوة الأحزاب

ما نزل من الايات في غزوة الأحزاب وقد أنزل الله سبحانه في هذه الغزوة بضع عشرة اية من سورة الأحزاب، وإليك تفسيرها موجزا: قال عزّ شأنه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: خطاب للمؤمنين الذين هم أهل العبرة والذكرى. اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: وهي رجوع الأحزاب مدحورين مخذولين، ورجوعكم منصورين امنين. إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ قريش وغطفان وأتباعهما فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً عاصفة في ليلة مطيرة، فضرّست أجسامهم، واقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وكفأت قدورهم وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها هم الملائكة ألقوا في قلوبهم الرعب والخوف، فذهبت معنوياتهم ورجعوا وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً بتاء الخطاب أي من نصرة نبيكم، فيجازيكم أحسن الجزاء. وقرىء في السبع بالياء، أي من تأليبهم على نبيّه، وتحزبهم عليه، فهو وعيد لهم. ثم صور سبحانه ما نزل بهم من بلاء وشدة لتعظم النعمة بأبلغ عبارة، فقال: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ هم قريش وغطفان وأحلافهما وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ هم بنو قريظة لما نقضوا العهد وأرادوا أن يطعنوهم من ظهورهم «1»

_ (1) وقيل: «من فوقكم» بنو قريظة «ومن أسفل منكم» قريش وغطفان. وقيل من فوقكم عيينة بن حصن ومن معه، ومن أسفل منكم أبو سفيان ومن معه. والأول أولى، ويشهد له ما رواه الحاكم عن حذيفة قال: (لقد رأيتنا ليلة الأحزاب وأبو سفيان ومن معه من مكة من فوقنا، وقريظة أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة أشد ظلمة ولا ريحا منها، فجعل المنافقون يستأذنون ويقولون: إن بيوتنا عورة. فمرّ بي النبي-

وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ فلا تثبت ولا تستقر على حال من شدة الخوف وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ لما كان من شأن الخائف المذعور أن تنتفخ رئتاه فتضغطان على القلب فيرتفع قليلا، كنّى بذلك عن شدة الخوف وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا الحسنة من جانب المؤمنين، وهي أن الله ناصر رسوله مهما اشتد البلاء والجهد، والسيئة من جانب المنافقين وضعفاء الإيمان الذين زعموا أن الله خاذل رسوله ودينه. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً تصوير بالغ في الإعجاز لما اعتراهم من الضيق والانحصار بين عدوين لدودين: الأحزاب واليهود. ثم قصّ الله سبحانه ما قاله المنافقون وضعفاء الإيمان فقال: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً باطلا وزخرفا من القول، ويمثل هؤلاء من قال: إن محمدا يعدنا ملك كسرى وقيصر، ولا يقدر الواحد منا أن يذهب إلى الغائط، وهناك طائفة أخرى وهم عبد الله بن أبي وأصحابه حرّضت على الرجوع إلى المدينة متعلّلين بالتعلّات الباطلة، وهم المعنيون بقوله سبحانه: وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا يثرب هي المدينة وكانت تعرف بهذا في الجاهلية، سماها النبي (طابة) و (طيبة) ، وهناك طائفة ثالثة اعتذرت بالأعذار الواهية وهم المرادون بقوله سبحانه: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ، يَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني مكشوفة للعدو والسرّاق غير محصنة، وهم قوم من بني حارثة ويمثلهم أوس بن قيظي، وقيل هم قوم من بني حارثة وبني سلمة، وقد أكذبهم الله في هذا فقال: وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ، إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً. ثم بيّن سبحانه أن القائلين ذلك قوم جبناء لا ينتصرون لدين ولا حق ولا فضيلة، ولا تهمهم إلا أنفسهم، فقال سبحانه: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ

_ - ولم يبق معه إلا ثلاثمائة فقال: «اذهب وأتني بخبر القوم» ودعا لي، فأذهب الله عني القر والفزع، فدخلت عسكرهم، فإذا الريح فيه لا تجاوزه شبرا، فلما رجعت رأيت فوارس في طريقي فقالوا: أخبر صاحبك أن الله عز وجل كفاه اليوم) . فتح الباري ج 7 ص 401.

أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها بالمد، أي لأعطوها، وبغيره أي لجاؤوا بها، والمراد بالفتنة الشرك والردة، أقطارها: جوانبها وهي المدينة وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً يعني أنهم لو سئلوا الفتنة لما تريّثوا في الإجابة إلا قليلا ثم أعطوها، وهذا يدل على نفاقهم وضعف اعتقادهم وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ، وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا هم بنو حارثة همّوا أن ينكصوا يوم أحد مع بني سلمة فثبتهما الله، ثم عاهدوا الله ألايعودوا لمثلها أبدا، فلما كانت غزوة الأحزاب نكصوا وعادوا لما هموا به. ثم بيّن سبحانه أن الجبن لا ينجي من القدر، وأن الموت بسيف، أو بدونه لابد أن يكون، وهبوا أنكم فررتم من أسباب الموت فما تتمتعون في الحياة إلا قليلا، فإن الحياة مهما طالت فهي قصيرة وعمر تأكله ذرات الدقائق والثواني وإن كثر فهو قليل، فقال: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ثم بيّن سبحانه أن الموت والحياة، والخير والشر بيد الله، ولو أراد الله بكم سوا نزل بكم، ما عصمكم منه أحد منكم ولو أراد بكم خيرا ما منعه أحد عنكم، فقال: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً وليا ينفعكم، ونصيرا يدفع الضر عنكم. ثم قال سبحانه: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ المنكّصين من القتال ونصرة الإسلام وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا، وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا هلمّ: تعالوا، البأس: الحرب، وهم عبد الله بن أبيّ ومن رجع معه إلى المدينة، فلم يكتفوا بزلتهم بل حاولوا استزلال غيرهم إلى القعود عن نصرة رسول الله أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ بخلاء بالمعونة والإنفاق في سبيل الله. ثم صوّر الله جبنهم أبلغ تصوير بقوله: فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ جاء الخوف أي أسبابه لم تستقر أعينهم على حال، كالذي غشيته سكرات الموت فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ نالوكم بألسنة بذيئة سليطة أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ يعني أن

شحّهم عليكم إنما هو لأن أنفسهم شحيحة بالخير أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً فإن من شأن النفاق أن يحبط الله به الأعمال فلا ثواب لها. ثم بينّ الله شدّة خوفهم وجبنهم فقال: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا، وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ- يعني مرة ثانية- يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي مقيمون في البادية حتى لا يصيبهم أذى يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ، وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا يعني أنهم حتى وهم مقيمون بالبادية لا يجرؤون أن يتعرفوا أخباركم بأنفسهم، بل يتعرّفونها ممن يأتي من ناحيتكم، ومثل هؤلاء لا ترجون قتالهم معكم ونصرتهم لكم، لأنهم إن قاتلوا فمرااة وسترا لنفاقهم وتضليلا لغيرهم. ثم أقبل على المؤمنين فقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً الأسوة بضم الهمزة وكسرها: القدوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محل القدوة في الصبر والشدائد، والثبات في الحروب، والصدق عند اللقاء، وفي كل شيء محل الائتساء، وإنما يأتسي برسول الله الذين يرجون رحمة الله وثواب الاخرة، ولا ينفكون عن ذكر الله، ومثل هؤلاء قلوبهم حاضرة، وضمائرهم حية، وأعمالهم كلها خير وصلاح. ثم ذكر الله سبحانه المؤمنين وصدقهم في عقيدتهم، وتصديقهم بما وعدهم الله ورسوله مهما عظم البلاء، وأن ذلك لا يزيدهم إلا ثباتا على الإيمان، وصبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، فقال سبحانه: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً فانظر الفرق بين الصورتين: صورة المؤمنين المشرقة، وصورة المنافقين المخزية. ثم بيّن سبحانه أن من المؤمنين من سبق إلى الشهادة، ووفى بعهده، وأن منهم من ينتظرها ويترقبها، وأن هؤلاء وأولئك صدقوا الله بالإيمان، وثبتوا على الوفاء، فقال عزّ شأنه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا النحب: النذر اللازم،

وقد أريد به هنا الموت، وكأن المجاهد الذي خرج مخاطرا بنفسه فاستشهد قد نذر نفسه لله ثم وفى بنذره، ومن هؤلاء الذين قضوا نحبهم من استشهدوا في بدر وأحد وغيرها. ثم بيّن سبحانه أن الغاية من البلاء والاختبار بالمحن والشدائد أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق، فيجازي الأول خيرا والثاني شرا، فقال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ- يعني إن تابوا- إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. ثم ختم الله القصة بتذكيرهم بنعمة الله عليهم بهزيمة الأحزاب، وارتدادهم صاغرين، فقال: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً- نصرا- وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً ومن كان ملاذه القويّ العزيز الذي لا يغالب فقد اوى إلى ركن شديد وحليف عظيم.

زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش

زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش هي السيدة زينب بنت جحش الأسدية، أخت شهيد أحد المجدّع في الله عبد الله بن جحش، وأمها السيدة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أوسط العرب دارا ونسبا، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، وقد تحقق بذلك غرضان شريفان: إبطال حرمة زوجة الابن المتبنّى، والقضاء على عنجهية الجاهلية بالاعتزاز بالأحساب والأنساب. ذلك أن العرب كان من عادتهم التبنّي، وكانوا يلحقون الابن المتبنّى بالابن العصبي، وتجري عليه حقوقه في الميراث وحرمة زوجه على من تبنّاه، وكانت تلك العادة متأصلة فيهم. كما كان كبيرا عندهم أن تتزوج بنات الأشراف من موال وإن أعتقوا وصاروا أحرارا. فلما جاء الإسلام كان من مقاصده أن يزيل الفوارق بين الناس التي تقوم على العصبية وحمية الجاهلية، فالناس كلهم لادم، وادم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وأن يقضي على بدع الجاهلية، وقد شاء الله أن يكون أول عتيق يتزوج بعربية في الصميم من العرب هو زيد بن حارثة، وأن يكون أول سيد يبطل هذه العادة الجاهلية هو رسول الله، فما على بنات الأشراف أن يتزوجن بعد من الموالي وهذه زينب بنت جحش قد اقترنت بزيد، وما على سادات العرب أن يتزوجوا بأزواج أدعيائهم بعد فراقهم لهن، وإمام المسلمين ومن يصدع بأمر الله قد فتح هذا الباب الموصد، وتزوج حليلة متبنّاه بعد فراقها، وقد كان ما أراده الله في تشريعه الحكيم.

فرسول الله يخطب زينب لزيد فتأنف وتأبى ويأبى بعض أهلها، وينزل الوحي من السماء بقوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً «1» . فلم يكن بدّ من الإذعان والخضوع لما أراد الله ورسوله، فيتزوجها زيد، ولكنه وجد منها تعاظما وترفعا، وكان يؤذيه ذلك، فرغب في فراقها وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه طلاقها، فكان ينصحه بإمساكها، وكان جبريل قد أخبر رسول الله بأن زينب ستكون من أزواجه، وسيبطل الله بزواجه منها هذه العادة الجاهلية، ولكن النبي وجد غضاضة على نفسه أن يأمر زيدا بطلاقها ثم يتزوجها، فتشيع القالة بين الناس أن محمدا تزوج حليلة ابنه كما كان يدعى في الجاهلية، ويصير عرضة للقيل والقال، وإرجاف المرجفين، وهو في دعوته إلى الله أحوج إلى تأييد المؤيدين، وقطع طريق التقوّل عليه من المبغضين. فهذا القدر من خشية الناس حتى أخفى في نفسه ما أظهره الله بعد من تزوّجه بها هو ما عاتبه الله عليه، وقد صدع الوحي بالسبب الباعث على زواج النبي منها فقال عز شأنه: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ «2» وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ «3» أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «4» .

_ (1) سورة الأحزاب: الاية 36. (2) يعني بالإسلام وهو زيد. (3) يعني بالعتق. (4) سورة الأحزاب: الاية 37.

ثم ردّ الله سبحانه على من عسى أن يتقوّل على النبي بسبب زواج النبي من زينب أو من غيرها من أمهات المؤمنين، ويفتري عليه فقال: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً. الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً «1» . نعم هذه سنة الله في الأنبياء السابقين، فقد كان لداود مائة من الزوجات فضلا عن السراري، وكان لسليمان ما يزيد عن المائة، فلئن كان لخاتم الأنبياء أكثر من أربع فليس ببدع من الرسل. ثم بين الله بطلان التبني وبطلان ما يترتب عليه من الحقوق والاثار فقال عز شأنه: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً «2» . كما بيّن الله سبحانه إبطال التبني في الإسلام، وبين أنه لا يستقيم في منطق العقل أن يكون دعيا وابنا، فقال عز شأنه: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ «3» أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «4» .

_ (1) سورة الأحزاب: الايتان 38- 39. (2) سورة الأحزاب: الاية 40. (3) جمع دعيّ وهو المتبنّى. (4) سورة الأحزاب: الايتان 4- 5.

الروايات الصحيحة تؤيد ما ذكرناه

ومن بعدها صار يدعى مولى النبي «زيد بن حارثة» ولا يقال: «زيد بن محمد» ، وكذلك صنع المسلمون في مواليهم. الروايات الصحيحة تؤيد ما ذكرناه وهذا الذي ذكرناه في تفسير الخشية هو ما جاءت به الروايات الصحيحة والحسنة، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن هذه الاية: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة، وفي رواية أخرى عنه قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» . قال أنس: (لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الاية) ، يعني لما فيها من عتاب، وهذا من أكبر الأدلة على أنه نبي يوحى إليه. قال الحافظ الكبير ابن حجر في فتح الباري «1» تعليقا على رواية البخاري: وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة من طريق السدّي، فساقها سياقا واضحا حسنا ولفظه: بلغنا أن هذه الاية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه، فكرهت ذلك، ثم رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه، ثم أعلم الله عز وجل نبيه بعد أنها من أزواجه، فكان يستحي أن يأمر بطلاقها، وكان لا يزال بين زيد وزينب ما يكون بين الناس، فأمره رسول الله أن يمسك عليه زوجه، وأن يتقي الله وكان يخشى أن يعيب عليه الناس ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا) . وروى ابن أبي حاتم أيضا والطبري عن علي بن الحسين بن علي قال: (أعلم الله نبيه أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها وقال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» قال الله: قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه) . وهذا ما ذهب إليه المحققون من المفسرين وغيرهم في تفسير الخشية، كالزهري، والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي،

_ (1) ج 8 ص 425.

روايات واهية مدسوسة

والقاضي عياض في الشفاء «1» ، والحافظ المؤرخ ابن كثير في التفسير والبداية والنهاية. روايات واهية مدسوسة ورويت روايات واهية ساقطة في بعض كتب التفسير والقصص التي لا تعنى بالنقد والتمييز بين الروايات، مثل ما روي عن قتادة وابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت زيد في غيبته، فرأى زينب في زينتها، وفي رواية: أن الريح كشفت عن ستر بيتها فراها في حسنها، فوقع حبها في قلبه، فرجع وهو يقول: «سبحان الله العظيم، سبحان مقلب القلوب» ، فلما حضر زيد أخبرته بكلام رسول الله، فذهب إليه وقال: بلغني أنك أتيت منزلي فهلّا دخلت يا رسول الله، لعل زينب أعجبتك فأفارقها، فقال له رسول الله: «أمسك عليك زوجك واتق الله» ، فنزلت الاية وَإِذْ تَقُولُ.... وقد ذكر هذا الهراء في تفسير الجلالين، والزمخشري، والنسفي، وابن جرير، والثعلبي إلا أن ابن جرير ذكر بجانب هذا الباطل المكذوب رواية علي بن الحسين الانفة وهي الصحيحة. وذكر مثل هذه الروايات الباطلة عقلا ونقلا غفلة شديدة، وقد تذرّع بها أعداء الإسلام في التهجم على النبي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم متهم بالكذب والتحديث بالغرائب ورواية الموضوعات، وقد تنبه لزيفها وبطلانها الكثيرون من المحدّثين والعلماء الراسخين، قال الحافظ ابن حجر في الفتح «2» بعدما ذكر الصحيح في تفسير الخشية: (ووردت اثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري، ونقلها كثير من المفسرين، لا ينبغي التشاغل بها، وما أوردته هو المعتمد) . وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره «3» عند تفسير هذه الاية: (ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هنا اثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها) .

_ (1) تفسير القرطبي، والالوسي عند تفسير هذه الاية. (2) ج 8 ص 425. (3) ج 5 ص 560.

أباطيل المبشرين والمستشرقين

أباطيل المبشّرين والمستشرقين وقد نسج المستشرقون والمبشّرون المحترفون الذين يتأكلون بالاختلاق على الإسلام ونبيه من تلك الروايات الواهية المردودة أثوابا من الكذب والخيال، وصوروا النبي صلوات الله وسلامه عليه بصورة الرجل الذي لا هم له إلا إشباع رغباته الجنسية والجري وراء النساء، يقول الدكتور محمد حسين هيكل، رحمه الله: (ويطلق المبشرون والمستشرقون لخيالهم العنان حين يتحدثون عن تاريخ محمد في هذا الموضوع، حتى ليصور بعضهم زينب ساعة راها النبي وهي نصف عارية أو تكاد، وقد انسدل ليل شعرها على ناعم جسمها الناطق بما يكنّه من كل معاني الهوى. ويذكر اخرون أنه حين فتح باب بيت زيد لعب الهواء بأستار غرفة زينب، وكانت ممدّدة على فراشها في ثياب نومها، فعصف منظرها بقلب هذا الرجل الشديد الولع بالمرأة ومفاتنها، فكتم ما في نفسه وإن لم يطق الصبر على ذلك طويلا!! وأمثال هذه الصور التي أبدعها الخيال كثيرا تراه في موير، وفي در منجم، وفي واشنطن إرفنج، وفي لامنس وغيرهم من المستشرقين والمبشرين) «1» . وكذلك صوروا النبي بصورة الرجل الشهواني الغارق في لذات الجسد، الذي لم يكتف في الزواج بواحدة ولا بأربع، بل أطلق لنفسه العنان في التزوج بالنساء، ومن هؤلاء القسيس «فندر» في كتاب له حشاه بالجهل والسفه، والزور والبهتان، والتجني الاثم على النبي صلى الله عليه وسلم. تهافت كلامهم ما اتفق خصوم الإسلام على شيء كما اتفقوا على تشويه سمعة النبي في موضوع تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم، وقد اعتمد هؤلاء في طعونهم على بعض ما أطلعناك عليه من روايات مختلقة مدسوسة عند أئمة النقد وعلماء الرواية، أغلب الظن أنها من صنع أسلافهم من اليهود والزنادقة من الفرس وغيرهم، الذين عجزوا

_ (1) حياة محمد، ص 308.

أن يقاوموا سلطان الإسلام وقوته، فلجأوا إلى الكذب والدس؛ وجاز هذا الزور على بعض الأغرار من المسلمين، فرووه وذكروه في كتبهم، ولكنه ما كان يخفى على العلماء الراسخين، فنبهوا على كذبه، وحذّروا من التصديق به، وهكذا نرى أنهم أقاموا من مزاعمهم قصرا على أساس من خيوط العنكبوت وما أوهنها من أساس. وثمة حجة دامغة تذهب بالقصة من أساسها، فالسيدة زينب هي بنت عمة رسول الله، وقد ربيت على عينه، وشهدها وهي تحبو، ثم وهي شابة، وله بحكم صلة القرابة معرفة بها وبمفاتنها، ولا سيما أن النساء كن يبدين من محاسنهن ما حرمه الإسلام فيما بعد، وهو الذي خطبها لموالاه زيد فتمنعت حتى نزل الوحي ألاخيرة لأحد بعد قضاء الله ورسوله، فغير معقول والحال كما ذكرت ألايكون شاهدها، فلو كان يهواها، أو وقعت من قلبه فأي شيء كان يمنعه من زواجها من أول الأمر، وإشارة منه كانت كافية لأن يقدمها له أهلها وما ملكت، فمثله وهو في الذروة من قريش نسبا ودينا وخلقا وخلقة وصحة ممن تتطاول إليه الأعناق وتهفو القلوب، فلو كان كما يزعم المتخرصون تمتد عينه إلى كل من يهوى ويستحسن لتزوجها وهي بكر عذراء، لا أن يسكت حتى يجني جناها ويقطف زهرتها رجل مولى له، ثم بعد ذلك يرعى حيث رعى، فلولا أنه يتزوج لتشريع أو لحكمة سامية لما رضي بذلك. وأيضا فحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن حياة حب واستهتار، ولا عرف عنه أنه كان صريع الغواني، وإنما كانت حياة الشرف والكرامة والعفة والترفع عن الدنايا قبل نبوته وبعدها، ما عرفت الدنيا أطهر ذيلا منه، ولا أعف منه، ولا لمست يده قط يد امرأة لا تحل له، ولما بايع النساء على الإيمان والطاعة، ونبذ المعاصي والفجور، بايعهن بدون مصافحة، مع أن المصافحة كانت من ملازمات البيعة والمعاهدة في الجاهلية والإسلام، وكيف يكون على ذلك الخلق الذي لا نرضاه لرجل من سوقة الناس فضلا عن أنبياء الله ورسله- من خاطبه مولاه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ؟

تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء

ولو كان رسول الله متيّما بالنساء ومغرما بمفاتنهن- كما زعموا- لأشبع رغبته بالأزواج الكثيرات وهو في ميعة الصبا وشرخ الشباب، أيام أن كان الغيد الكواعب، والخيرات الحسان من بنات الأشراف تشرئب أعناقهن إلى أن يكن حليلات له، ولا سيما وأن التعدد عند العرب في الجاهلية لم يكن له حد محدود، ولكنه قضى زهرة شبابه ومعظم حياته الزوجية مع سيدة كانت عند اقترانه بها تعدو الأربعين، ورضيها قانعا بها حتى توفاها الله قبيل الهجرة، ومهما قيل في السيدة خديجة وما كانت تتمتاع به من جمال في شبابها، فهناك- ولا شك- غيرها من الأبكار الشابات من يفقنها في الجمال، وللأبكار ما لهن من جاذبية وروعة وسحر، ومن قضى بغير ذلك فقد خالف سنة الله في الفطرة. تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء وأحب أن أقول للمبشرين والمستشرقين وأبواقهم المتابعين لهم: إن تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، وإن التسرّي في الحروب ليس بدعا في الإسلام، فقد نصت التوراة التي يعترف بها هؤلاء على إباحة تعدد الزوجات والسراري بدون تحديد، ففي التوراة: إذا خرجت لمحاربة أعدائك، ودفعهم الرب إلهك إلى يدك، وسبيت منهم سبيا ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة، والتصقت بها، واتخذتها لك زوجة، فحين تدخلها إلى بيتك، تحلق رأسها، وتقلم أظفارها، وتنزع ثياب سبيها عنها، وتقعد في بيتك، وتبكي أباها وأمها شهرا من الزمان، ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها، فتكون لك زوجة، وإن لم تسريها فأطلقها لنفسها «1» . وقد نصت التوراة على أن إبراهيم أبا الأنبياء عدّد الزوجات، وجدعون وهو من الأنبياء عند اليهود تزوج نساء كثيرات جمع بينهن، أما داود فقد نصت على أنه تزوج سبعا: ذكرتهن بأسمائهن «2» ، ثم قالت: إنه تزوج غير ذلك نساء

_ (1) سفر التثنية- الإصحاح 21، فقرة 10 وما بعدها. (2) سفر صموئيل الثاني- الإصحاح 3، فقرة 3- 5، وسفر صموئيل الأول- الإصحاح 18.

كثيرات، واتخذ سراري بدون قيد «1» . وكذلك نصت التوراة على كثرة نساء نبي الله سليمان- عليه السلام- وكثرة سراريه كثرة تفوق الحد. ففي التوراة: «وكانت له- سليمان- سبع مئين من النساء السيدات، وثلاث مئين من السراري» «2» . فإذا كان تعدد الزوجات والسراري مباحا بنص التوراة التي يقدسونها لأنبيائهم، فكيف اعتبروه نقيصة ومطعنا لسيد البشر، وخاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه؟!!. ومن قبل طعن أسلافهم اليهود في النبي بسبب هذا، فرد عليهم القران أبلغ ردّ، وذكّرهم بأن التعدد سنة من سنن الأنبياء والمرسلين الذين كانوا قبله. روي أن اليهود عيّرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء «3» ، فأنزل الله سبحانه في الرد عليهم قوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ «4» . فقد ألقمهم هذا الرد حجرا، وباؤوا بالخزي والبهتان. وأرى من المناسب هنا أن أبيّن أن التوراة والقران وإن أباحا تسرّي المسبيات في الحروب والتزوج بهن، ولكن شتان ما بين أدب التوراة في الاسترقاق والتسرّي وأدب القران، والفرق بينهما فرق ما بين شريعة مؤقتة لزمن خاص، وبين شريعة عامة خالدة، وهي شريعة القران، والإسلام لا يبيح حلق الرأس!! ولا تقليم الأظافر!! ولا الاستذلال!! وما الاسترقاق والتسرّي في

_ (1) سفر صموئيل- الإصحاح 15، فقرة 13. (2) سفر الملوك الأول- الإصحاح 11، فقرة 3. (3) تفسير الالوسي، ج 13، ص 168، ط. منير. (4) سورة الرعد: الاية 38.

الحكمة في تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام

الإسلام إلا لون من ألوان التربية، والبر، والإحسان، وقد رأيت كيف أكرم النبي جويرية بنت الحارث المصطلقية، وسترى كيف عامل صفية بنت حييّ النضرية، وريحانة اليهودية القرظية، ومارية القبطية المصرية. الحكمة في تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام ولو أن هؤلاء الطاعنين بحثوا بحثا مجردا عن الهوى والتعصب في أسرار تعداده صلوات الله وسلامه عليه لأزواجه لكبّروا إعجابا لنبل المشاعر الإنسانية عند الرسول، ولكنه الهوى يعمي ويصمّ، فلم يكن زواج رسول الله بزوجاته إلا لحكم عالية ومقاصد سامية، وهناك حكم عامة وحكم خاصة. الحكم العامة 1- إن نبينا محمدا صلوات الله وسلامه عليه هو خاتم الأنبياء والرسل، ودينه خاتم الأديان، وشريعته عامة لكل البشر في كل زمان ومكان، وكان حريصا غاية الحرص على أن تبلغ عقائد هذا الدين وشرائعه، وادابه، وأخلاقه إلى جميع البشر، رجالا ونساء، وكبارا وصغارا، وقد كانت زوجاته خير معوان له على تحقيق هذا الواجب الذي هو من أهم واجبات الرسالة، وهو التبليغ، ولا سيما فيما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم الزوجية والبيتية، مما هو مناط التشريع، ولا يعتبر من أسرار الحياة الزوجية، وطبيعي أنه لا يمكن أن يبلغ ما يتعلق بهذا إلا زوجاته صلى الله عليه وسلم، لأن أصحابه مع حرصهم على تبليغ كل ما يصدر عنه إلا أنهم ما كانوا ليطلعوا على حياته في بيته ومعاشرته أزواجه. وقد كنّ رضي الله عنهن مصابيح هداية وإرشاد، ووسائل تبليغ في حياة النبي وبعد وفاته، ومن يطّلع على كتب الأحاديث والسنن يعلم إلى أي حدّ تحدثن وروين، وأفتين في مسائل مما يتعلق بالمباشرة الزوجية، والمضاجعة وادابها، والإكسال بعد الجماع، والاغتسال بعده أو عدم الاغتسال، والقبلة أثناء الصوم، وكيف يتمتاع الرجل بامرأته أثناء الحيض والنفاس من غير المباشرة المحرمة، إلى غير ذلك مما يجب على كل مسلم ومسلمة معرفته وإلا وقع في الإثم والحرج من حيث لا يدري.

والمرأة بحكم فطرتها وحيائها تركن إلى المرأة، وسؤالها في مثل هذا من غير تحرج أو استحياء، ولم يقتصر استفتاؤهن وسؤالهن عما يشكل وبخاصة فيما يتعلق بحياة النبي الزوجية على النساء، بل كان كبار الصحابة يرجعون إليهن في ذلك ولا سيما السيدة عائشة رضي الله عنها. روي عن مسروق أنه قال: (رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض) . وروى أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: (ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمر قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما) . وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: (ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة) . وكذلك كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والفقه وإن تفاوتن في ذلك، ولم يبلغن مبلغ السيدة العاقلة العالمة المبرأة من فوق سبع سموات الصدّيقة بنت الصدّيق رضي الله عنها، ومنهن من عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من نصف قرن تنشر الهداية والعلم كالسيدة عائشة رضي الله عنها. فقد توفيت سنة ثمان وخمسين للهجرة، والسيدة أم سلمة رضي الله عنها فقد توفيت سنة اثنتين وستين للهجرة، وهكذا نرى أن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم كان ضرورة دينية لا محيص عنها. 2- إقامة الحجة على أنه صلى الله عليه وسلم نبي حقا، فقد توفي عن تسع نسوة، ومع ذلك فلم يشغله هذا التعدد عن القيام بتبليغ شريعة ربه ونشر دينه في حياته، حتى عم الجزيرة العربية كلها وما جاورها من أطراف الممالك الاخرى. وإن الإنسان المنصف ليعجب حقا من هذا؛ إن الواحد منا مهما بلغ من العقل وحسن الكياسة تكون عنده الزوجة فضلا عن الثنتين والثلاث والأربع ومع ذلك يكون في هم من شأنها وإرضائها، ويكون في حيرة من التوفيق بين القيام بحقوقها وحقوق بنيها والقيام بأمور معاشه ومعاده وما وكل إليه من المهام، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين تسع في حياته وهن مختلفات السن والطبائع والأمزجة، ومع هذا فقد قام بأعباء الرسالة خير قيام، وإنها لبطولة حقا تستحق الإعجاب لا الغمز واللمز والاعتراض!!

أيضا فإن الواحد منا تكون عنده الزوجتان فيحار كيف يوفق بينهما، ويتعذر عليه الاستحواذ على رضائهما والعدل بينهما، وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عنده تسع نسوة، فوفق بينهن واكتسبن رضاه، حتى كن يتسابقن في ذلك، وذلك بسبب سعة عقله صلى الله عليه وسلم، ورحابة صدره، وحسن خلقه، وبعد نظره، وعجيب سياسته، وكمال كياسته، ولست أغفل هنا أمرا مهما أعانه صلى الله عليه وسلم على كل هذا وهو أنهن رضي الله عنهن كن خيار نساء هذه الأمة دينا وخلقا وعلما وعملا، طلبا لمرضاة الله ورسوله حسبما أشار إليه الحق تبارك وتعالى في قوله: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً «1» . ولعلك تعجب معي إذا علمت أن هذه الحياة الزوجية الطويلة مع هذا العدد الكثير لم يحص الرواة على كثرة تتبعهم لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام واستقصائهم لأخباره وأخبار أهل بيته إلا حادثتين أو ثلاثا عكّرت من صفو هذه الحياة الزوجية المثالية، وسأعرض لها في اخر الكتاب تحت عنوان «النبي الزوج» . 3- من الحكم العامة الوقوف على استواء سره وعلنه صلى الله عليه وسلم، وأنه في معاملته لأهله كمعاملته لصحبه، وأنه لا يحكم تصرفه في هذا إلا التدين الصادق، والخلق الكريم، ومراقبة الله في السر والعلن، إذ الشأن في النساء أن لا يحفظن سرا كيفما كان، فلو كان منه صلى الله عليه وسلم في السر ما يخالف العلن لعلمنه،

_ (1) سورة الأحزاب: الايات 32- 34.

الحكم الخاصة

ولو علمنه لأذعنه بمقتضى طبائعهن البشرية، وهذا أمر معهود في النساء، ولا سيما الضرائر، ولكن لم يكن شيء من هذا، فكان ذلك من الأدلة على أنه نبي حقا!! إن كثيرا من الزعماء، والساسة، ورجال الإصلاح يخالف ظواهرهم بواطنهم، وعلانيتهم سرهم، مما يسجل عليهم النفاق والخداع، ويعود عليهم بالنقص والمؤاخذة، ويبين الفرق الشاسع بين النبي وغير النبي. وبحسبنا هذا في الحكم العامة. الحكم الخاصة أما السيدة خديجة رضي الله عنها لأنها أول زوجة فهو زواج الفطرة، وكذلك السيدة سودة بنت زمعة لا يسأل عنها أيضا، ومع ذلك فقد كان في زواجه صلى الله عليه وسلم منها تكريم لها وللإسلام والعقيدة في شخصها، وشخص زوجها الذي مات عنها بعد رجوعهما من هجرة الحبشة الثانية، ولم يكن له عند تزوجها غيرها، لأن ذلك كان بعد موت السيدة خديجة، ولم تكن ذات جمال بل كانت ذات عيال، وقد أبدت للنبي إشفاقها عليه من زواجها بما يسببه له صبيتها من إقلاق راحة، فأبدى لها ترحيبا بأولادها. أما زواجه بعائشة وحفصة فجاء توكيدا للعلاقة والإخاء بينه وبين وزيريه: أبي بكر وعمر، وليس أدل على هذا بالنسبة لحفصة أن أباها عمر دخل عليها وهي تبكي فقال لها: لعل رسول الله طلّقك، لقد طلقك مرة ثم راجعك من أجلي، والله لو طلقك مرة ثانية لا أكلمك أبدا. وزواجه بالسيدة زينب بنت خزيمة التي كانت تلقب بأم المساكين لكثرة تصدقها عليهم وبرها بهم تكريم لهذا الخلق الكريم فيها، وتكريم للشهادة في شخص زوجها الذي توفي عنها. وزواجه بالسيدة أم سلمة جبر لكسرها، وتعويض لها عن فقد عائلها الذي مات عنها بعد أحد بشهور، وعرفان لتضحياتها وتضحيات زوجها أبي سلمة في سبيل الله والإسلام، فقد هاجرا إلى الحبشة، وكانا أول مهاجرين

إلى المدينة، ومهما قيل في أم سلمة وأنها كانت ذات جمال في شبابها، فقد كان في كبر سنها، وما مرت به من أحداث جسام، وما أنجبت من أولاد، وما رزئت به من فقد الرجل الذي كانت تقول فيه: ومن خير من أبي سلمة؟ ما يذوي هذا الجمال، إن لم يذهب به. وزواجه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق كان لحكمة سامية جدا، فقد كان هذا سببا في أن منّ الصحابة على من في أيديهم من سبايا بني المصطلق، مما تسبب عنه إسلام أبيها وإسلام قومها، فكانت أيمن امرأة على قومها. وزواجه بالسيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان حفظ لها من الضّيعة وهي في بلاد نائية عن بلاد قومها، فقد تنصّر زوجها عبيد الله بن جحش بالحبشة ومات بها، وثبتت هي على عقيدتها، فلم يكن أجمل مما فعله رسول الله معها، وقد عقد عليها النبي وهي بالحبشة، ولم يدخل بها إلا بعد خيبر عام سبع، فكيف يكون هذا من رجل صار همه في النساء وإشباع رغباته الجنسية منهن؟!! وزواجه بالسيدة زينب بنت جحش كان لما ذكرته انفا من إبطال بعض عادات الجاهلية. وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب فقد كانت في سبي خيبر، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها اصطفاها لنفسه ضنا بكرامتها ومنزلتها في قومها، فأعتقها وتزوجها بعد ما انقضت عدتها، وأحسن إليها غاية الإحسان في عشرتها، وكثيرا ما كان ينتصر لها عند ما تبدر من بعض أزواجه بادرة في النيل منها، وهذه غاية الإنسانية والإحسان لامرأة طالما نال النبي والمسلمين من قومها شر كثير، ولم يألو جهدا في محاربة دعوة الإسلام. وأما زواجه من السيّدة ميمونة بنت الحارث الهلالية فقد وثّق به ما بينه وبين قبيلة من أعلم قبائل العرب وأشرفها، وقد زوجها إياه عمه العباس وأصدقها عنه في عمرة القضاء، ودخل بها بعد أن حلّ، كما كان فيه تكريم لعمه العباس وزوجه أم الفضل، فقد كانت أختها. وقد عرضت فيما سبق لزواج النبي بأغلبهن بإفاضة وتوسع، وسأعرض فيما يأتي لمن بقيت منهن.

خطبة النبي لزينب وفضلها

والعجب من هؤلاء المستشرقين المتعصبين، والمبشرين المحترفين أنهم إذا وقعوا على ما يرضي أحقادهم، ويشفي غليلهم من باطل الروايات ومتهافتها هلّلوا له وطبّلوا، وتجاهلوا البيئة وأحكامها، والعادات وسلطانها، إلى غير ذلك مما يتفيهقون به باسم العلم وقواعد البحث، ولم يعيروا نقد السند أو المتن أية أهمية، بينما يطيشون كثيرا في الحكم على روايات في غاية الصحة بأنها موضوعة، ولا حامل لهم في الحالين إلا الهوى والتعصب، والحقد الموروث، والتجني الاثم. وبعد: فلعلك- أيها القارىء الفطن- قد تيقنت أن ساحة الرسول الكريم بريئة من كل ما زعموا، وأنه ليس بعد الحق إلا الضلال فأنى يؤفكون؟!! خطبة النبي لزينب وفضلها روى الإمام أحمد ومسلم بسندهما عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد: «اذهب فاذكرها علي «1» » ، فانطلق حتى أتاها وهي تخمّر عجينها، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي عز وجل، ثم قامت إلى مسجدها، ونزل القران وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بدون إذن. وقد علم الله سبحانه ما سيكون من أمر هؤلاء الطاعنين فألهم نبيه أن يرسل زيدا لخطبتها ليكون فيه قطع لألسنتهم ورد لفريتهم، فهذا الإعظام لزينب لأن رسول الله رغب فيها، وإبائه على نفسه أن يمتد إليها طرفه لن يكون من رجل ترك زوجته وهو كاره فراقها. وقد كانت زينب رضي الله عنها تدلّ على زوجات النبي وتقول: (زوجكن أهلكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات) ، وكانت زينب من المهاجرات الأول وكانت كثيرة الخير والصدقة وتصل الرحم، وبحسبها وصف

_ (1) اخطبها لي من نفسها.

نزول اية الحجاب صبيحة عرسها

إحدى ضراتها لها وهي السيدة عائشة رضي الله عنها بالورع والتقوى كما مر في حديث الإفك. وكانت أولى زوجات النبي لحوقا به. روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة أم المؤمنين قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا» ، قالت فكنّ يتطاولن أينا أطول يدا، قالت: فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدّق) «1» ، وقد توفيت سنة عشرين من الهجرة، وصلّى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودفنت بالبقيع، وهي أول امرأة صنع لها القبة فوق النعش ليستر شخصها «2» . نزول اية الحجاب صبيحة عرسها ولما دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم أولم عليها ما لم يولم على غيرها، وكان ذلك سببا في نزول اية الحجاب. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما واللفظ للبخاري- عن أنس رضي الله عنه قال: (بني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب ابنة جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعو، فقلت يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه، قال: «ارفعوا طعامكم» ، وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله» ، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك بارك الله لك، فتقرّى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدثون، وكان النبي شديد الحياء، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري اخبرته أو أخبر أن القوم خرجوا، فرجع، حتى إذا وضع رجله

_ (1) فهمن- رضي الله عنهن- أن المراد بالطول الطول الحسي، ثم ظهر لهن أن المراد الطول المجازي طول اليد في الخير والبر. (2) البداية والنهاية، ج 4 ص 109.

في أسكفة «1» الباب داخلة وأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت اية الحجاب. والمراد بها قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ «2» وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ. ولما نزلت قال بعضهم: أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب؟ لئن مات محمد لأتزوجنّ عائشة، فنزل تتمة الاية السابقة: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً «3» . وقد كان نزول اية الحجاب من موافقات عمر رضي الله عنه. روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: قال عمر رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله اية الحجاب «4» .

_ (1) الأسكفة: بضم الهمزة وسكون السين وضم الكاف وفتح الفاء المشددة عتبة الباب السفلى. (2) أي نضجه. (3) سورة الأحزاب: الاية 53. (4) صحيح البخاري- كتاب التفسير سورة الأحزاب- باب يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي.

تشريع الحجاب في الإسلام

تشريع الحجاب في الإسلام وبنزول هذه الاية كان تشريع الحجاب في الإسلام بالنسبة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد عدم إبداء شيء من أجسامهن للأجانب عنهن، وعدم محادثتهن أو طلب شيء منهن إلا من وراء حجاب، أي ستريكون بينهن وبين غيرهن، ولما نزلت قال الاباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فأنزل الله قوله: لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً «1» . ونزل أيضا في شأن نساء النبي في أدب الخطاب والإقامة في البيوت قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2» . فَلا تَخْضَعْنَ: أي لا تلنّ أو تتكلمن بكلام مريب موهم. وَقُلْنَ: أقمن والزمن بيوتكن. الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى: هي ما قبل الإسلام فهي كقولهم: جاهلية جهلاء، فقد كان النساء لا يتحاشين كلام الرجال الأجانب، والتكسر في حديثهن، وإظهار بعض محاسنهن، كالعنق، والصدر، والساقين، والساعدين، فجاء الإسلام فأبطل ذلك، ومن العجب المؤلم أن تتجاوز جاهلية القرن العشرين الجاهلية الأولى في باب التبرج والسفور حتى أضحى عريا!!!

_ (1) سورة الأحزاب: الاية 55. (2) سورة الأحزاب: الايتان 32، 33.

وجمهور المفسرين على أن هذه الاية وإن كانت خطابا لأزواج النبي فحكمها لجميع نساء الأمة، وإنما خصّ نساء النبي لمنزلتهن وعظم فضلهن، ومكانهن من النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام الالوسي في تفسيره: (والمراد أمرهن رضي الله عنهن- بملازمة البيوت؛ وهو أمر مطلوب من سائر النساء. أخرج الترمذي والبزار عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها» ، وأخرج البزار عن أنس قال: جئن «1» النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله، ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى» ، وقد يحرم عليهن الخروج بل قد يكون كبيرة كخروجهن لزيارة القبور إذا عظمت مفسدته، وخروجهن إلى المسجد وقد استعطرن وتزين إذا تحققت الفتنة، أما إذا ظنت فهي حرام غير كبيرة، وما يجوز من الخروج كالخروج للحج وزيارة الوالدين وعيادة المرضى وتعزية الأموات من الأقارب ونحو ذلك فإنما يجوز بشروط مذكورة في محلها) «2» . يعني مع الاستتار وعدم إبداء الزينة وعدم مخالطة الأجانب، وعند أمن الفتنة، وقال الإمام القرطبي في تفسيره: (معنى هذه الاية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن؟ والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة على ما تقدم في غير موضع) «3» . وقد فصّل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ما يتعلق بالنساء المسلمات: من غض البصر، وحفظ الفروج، وعدم إبداء مواضع الزينة من

_ (1) إما على لغة «أكلوني البراغيث» أو النون علامة جمع الإناث والنساء فاعل. (2) تفسير الالوسي، عند تفسيره هذه الاية. (3) تفسير القرطبي، ج 14 ص 179.

عنق وصدر وساق وعضد وساعد وشعر ونحوها من العورة الظاهرة إلا للمحارم، قال سبحانه وتعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «1» . الْخَمْرِ بضم الخاء والميم: جمع خمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها وعنقها، والجيوب: فتحات الثياب من عند العنق، كنّ في الجاهلية يسدلن الخمر على ظهورهن فتبدو نحورهن وصدورهن وما حواليها، فأمرن بلفها على الأعناق والصدور كي لا يظهر شيء منها، وكنّ يضربن بأرجلهن ليتنبه الناس إلى أنهن ذوات خلخال فيلتفتوا إليهن، فنهين عن ذلك؛ وفي النهي عن الزينة نهي عن إبداء مواضعها بطريق أولى وأبلغ. أما احتجاب المرأة بالنسبة إلى الأجانب منها فكل بدن المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، ويستأنس لهذا بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يا أسماء، إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا» ، وأشار إلى وجهه وكفيه. وجمهور الفقهاء على تقييد إظهار الوجه والكفين بأمن الافتتان بها وإلا فلا يجوز.

_ (1) سورة النور: الاية 31.

وكان النساء في أول الإسلام كما كنّ في الجاهلية متبذلات، تبرز المرأة في درع وخمار لا فرق بين الحرة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة «1» يتعرضون للإماء إذا خرجن بالليل إلى قضاء حوائجهن في الخلاء، وربما تعرضوا للحرائر ظنا أنهن إماء، فأمرن أن يخالفن بزيهن زي الإماء، بأن يدنين عليهن من جلابيبهن فيغطّين الوجه والأعطاف فيعرفن ويهبن، ولا يطمع فيهن فاسق. قال تعالى شأنه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «2» . يُدْنِينَ: أي يرخين، ولذلك عدّي بعلى لأنه ضمّن معناه. جَلَابِيبِهِنَّ: جمع جلباب وهو ما تلتف به المرأة فوق درعها وثيابها كالملاءة والملحفة، يحيث يستر جميع البدن، ولا يصفه ولا يشفّ ما تحته. وقد بينت السنة النبوية كل ما يتعلق بالنساء من احتجاب وتصوّن وتعفّف، وعدم السفور والخلاعة والابتذال بما لا مزيد عليه، وبحسبنا هذا القدر في هذا المقام وندع التفصيل لمقام اخر.

_ (1) أهل الشطارة: أهل الهوى واللؤم والتعدي على الحرم. (2) سورة الأحزاب: الاية 59.

تزوج النبي بأم حبيبة بنت أبي سفيان

تزوج النبي بأم حبيبة بنت أبي سفيان وفي هذه السنة على ما رجّحه ابن كثير في بدايته «1» تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة أم حبيبة- رملة، وقيل هند، والأول أصح- بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، ولدت قبل البعثة بسبعة عشر عاما، وكانت قبل النبي تحت زوجها عبيد الله بن جحش، وكانا أسلما وهاجرا إلى الحبشة، فولدت بها حبيبة وبها كانت تكنى، وقيل ولدتها بمكة ثم هاجرت بها، ثم تنصّر زوجها وبقيت على إسلامها، ثم مات، فلما انقضت عدتها كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أن يتولّى له العقد عليها، وقيل أرسل له عمرو بن أمية الضمري بذلك، فولي النجاشي العقد، وأمهرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار وتولّى نكاح أم حبيبة ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص. وقد بقيت السيدة أم حبيبة بالحبشة معزّزة مكرمة حتى قدمت إلى المدينة مع مهاجري الحبشة سنة سبع، ولما بلغ أباها أبا سفيان تزوج النبي بها قال: (هو الفحل لا يقدع أنفه) «2» ، وكان من سرورها بهذا الزواج أن أهدت الجارية التي أرسلها النجاشي لتعرض عليها زواج رسول الله بها سوارين من فضة،

_ (1) وقيل سنة ست وقيل سبع ويرجح الأول أن عمرو بن العاص لما ذهب إلى الحبشة بعد الخندق وجد عند النجاشي عمرو بن أمية الضمري لأجل خطبتها للنبي. (2) مثل يضرب للكفء الكريم. والفحل: ذكر الإبل، وكان من عادة العرب إذا كان الفحل غير كريم ضربوا أنفه ليبعد عن الناقة، وإذا كان كريما تركوه.

الحكمة في تزوج النبي بها

وبعض الدنانير، ولكن الجارية ردته بأمر سيدها النجاشي، وجاءت لها بعود وورس وعنبر، قالت: فقدمت به معي على رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» . الحكمة في تزوج النبي بها ومما ذكرنا يتبين للمنصف أن النبي لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباع رغبة جنسية، فالنبي لم يدخل بها إلا بعد خيبر، وإنما أراد المواساة بالنفس، فقد تنصّر زوجها وثبتت على إيمانها، ومات فأصبحت أيّما، فكان عملا إنسانيا كريما أن عقد عليها وصارت بذلك في عداد أمهات المؤمنين، وحظيت بهذا الشرف الرفيع كفاء هجرتها وثباتها وتحملها، وناهيك بالاحترام البالغ الذي وجدته فيما بعد في نفوس المسلمين، والحفاوة البالغة التي أحاطها بها ملك الحبشة العادل الكريم، ألا إنه موقف كريم تغص به حلوق المتقوّلين على الرسول العظيم. وفاتها وكانت وفاتها بالمدينة سنة أربع وأربعين، فرضي الله عنها وأرضاها.

_ (1) الإصابة، ج 3 ص 305، 306.

فرض الحج

فرض الحج وفي هذا العام على ما ذهب إليه الكثيرون «1» شرع الله فريضة الحج بقوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وقيل بقوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، والصحيح الأول لأن الإتمام إنما يكون بعد المشروعية. وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع حتى صار ركنا من أركان الإسلام معلوما من الدين بالضرورة. والحج شريعة قديمة من لدن أبي الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام، فإنه لما فرغ من بناء البيت بمعاونة ابنه إسماعيل أمره الله أن يقف على جبل «أبي قبيس» بمكة وينادي في الناس بالحج، فقال: يا ربّي وما يبلغ صوتي؟ فقال الله: «أذّن يا إبراهيم وعليّ البلاغ» ، فأذّن إبراهيم قائلا: «يا أيها الناس، إنّ الله كتب عليكم الحج فحجوا» ، فأسمع الله سبحانه نداءه من كان في أصلاب الرجال، أو أرحام الأمهات، أو عالم الذر قبل أن يوجدوا!! ومن يومها ومن أراد الله لهم الحج يجيبون قائلين: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» . وهو العبادة التي بقي العرب محافظين عليها إلى وقت البعثة المحمدية، إلا أنهم كانوا شابوها بالوثنية بما نصبوه على الكعبة وعلى الصفا والمروة من أصنام يتمسحون بها ويتبركون، وكذلك غيّروا في بعض المناسك وبدلوا وابتدعوا، فلما جاء الإسلام قضى على ما شابه من وثنية وعادات جاهلية، ورجع به إلى ما كان

_ (1) وقيل في السنة السادسة وإليه ذهب الشافعي، وقيل في السنة التاسعة.

في عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام من صفاء ورمز إلى التوحيد والواحدة والألفة والمحبة. وللحج حكمته وفلسفته التي لا يتسع لها المقام هنا، ولو لم يكن فيه إلا أنه مؤتمر المسلمين الأكبر لكفى، فما بالك وفيه ما فيه من تزكية النفوس والسمو بالأرواح وغفران الذنوب، والتقوى والمساواة بين الناس جميعا، وألوان العبر والعظات!!. نعم إنه المؤتمر السنوي الأكبر الذي يتلاقى فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فيتقاسمون السراء والضرّاء، ويتجاوبون في الالام والامال، ويتشاورون في كل ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم، ويتعاونون على البر والتقوى، والتكافل والتناصر، ألا ما أعظمه من مؤتمر لو اهتبل فرصته المسلمون!! وليس في الحج وثنية كما يزعم بعض أعداء الإسلام، وليس أدل على ذلك من أن كل شعيرة ونسك من مناسكه لا ينفك عن التهليل والتكبير، والثناء على الله العلي العظيم، وإنما الأمر كما قيل: أمرّ على الديار: ديار سلمى ... أقبّل ذا الجدار، وذا الجدارا وما حبّ الديار شغفن قلبي ... ولكن حبّ من سكن الديارا فالطواف بالكعبة ليس تعظيما للحجارة، وإنما هو تعظيم لرب البيت، وتقبيل الحجر الأسود ليس حبا للحجر، وإنما هو حب لرب الحجر، وهو الله سبحانه، وعلى المسلم إذا خفي عليه شيء من حكم تشريعات الله تبارك وتعالى أن يقول: سمعنا وأطعنا، لا يتهم الشريعة، بل يتهم عقله القاصر، ويقول كما قال الفاروق الملهم العبقري: (اللهم إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك) «1» .

_ (1) رواه البخاري.

وفاة سعد بن معاذ

وفاة سعد بن معاذ قدمنا في الخندق أن سعدا رضي الله عنه أصيب في أكحله أثناء المراماة بالنبل، فلما أصيب قال: (اللهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني بها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهداهم من قوم اذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من قريظة) ، وقد استجاب الله دعوة وليّه سعد، وأقر عينه فيهم، فحكم فيهم بقدرته وتيسيره، وجعلهم هم الذين يطلبون ذلك كما سيأتي، فأمر النبي بإحضاره من خيمة (رافدة) التي كانت بالمسجد لتمريض الجرحى، فجعل بنو قريظة يتحلقون حوله ويقولون له: أحسن في مواليك، فقال: لقد ان لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم!! ثم حكم فيهم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، فقال له النبي: «لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله من فوق سبع سماوات» ثم أرجع إلى خيمته بالمسجد، فلم يرعهم إلا الدم يسيل في المسجد، فدخلوا فإذا جرحه قد انفجر ومات شهيدا رضي الله عنه، وقد شيّعه رسول الله والصحابة حتى واروه في قبره. وقد كان- رضي الله عنه- سيد الأوس، ومن خيار المسلمين، من ذوي السوابق في الإسلام، وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة منها ما روي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» وإنما اهتز فرحا بروحه وترحيبا بمقدمه ولقائه ربه، ولما أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة صار الصحابة يعجبون من لينها وحسنها، فقال: «أتعجبون من هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها أو ألين» . حشره الله سبحانه مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

السنة السادسة من الهجرة

السّنة السّادسة من الهجرة أهلّت السنة السادسة للهجرة والمسلمون على أحسن حال من القوة والمنعة بالمدينة وما جاورها، منتصرين على قريش ومن تحزّب إليهم من عرب ويهود، فقد ارتد الأعراب منهزمين، كما لقي يهود بني قريظة القصاص العادل بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم. وقد أرسل النبي عدة سرايا في هذا العام لتأديب بعض القبائل المجاورة جزاء على غدرها، أو مباغتة لها في عقر دارها قبل أن تنفّذ ما بيتته من مهاجمة المدينة، كما قام ببعض الغزوات التي أجلّها خطرا غزوة الحديبية. [السرايا والغزوات في السنة السادسة للهجرة] سرية محمد بن مسلمة قبل نجد في المحرم من هذه السنة أرسل النبي عليه الصلاة والسلام محمد بن مسلمة في ثلاثين راكبا لشنّ الغارة على بني بكر بن كلاب، فسار إليهم يكمن النهار ويسير الليل حتى دهموهم على غرّة، فقتلوا منهم عشرة وفر الباقون، واستاقوا الإبل والشاء، وقفلوا راجعين إلى المدينة، فلقيهم ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة فأسروه وهم لا يعرفونه، فلما قدموا على النبي عرفه وأحسن معاملته، وأطلق سراحه بعد ثلاث بعد أن عرض عليه الإسلام فلم يسلم، فما كان من ثمامة إلا أن عاد وأسلم وصار من خيار المسلمين، وقد قدمنا قصته، ويرى ابن كثير أن هذه السرية كانت بعد خيبر «1» ، فقد روى قصته البخاري

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 49.

غزوة بني لحيان

وابن إسحاق عن أبي هريرة وأنه شاهد ذلك، وأبو هريرة إنما أسلم عقب خيبر سنة سبع. غزوة بني لحيان بنو لحيان هم الذين غدروا بعاصم بن ثابت وإخوانه أصحاب سرية الرجيع، ولم يزل رسول الله عازما على الاقتصاص منهم حتى جمادى الأولى من هذه السنة، فخرج في مائتي راكب من أصحابه بعد أن استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، واتبع طريقة التعمية، فسلك طريق الشام ليرى أنه لا يريد بني لحيان، فلما وصل إلى منازلهم هربوا، وتمنّعوا في رؤوس الجبال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنا هبطنا عسفان «1» لرأت قريش أنا قد جئنا مكة» فذهبوا إليها ليداخل أهل مكة الرعب، ثم أرسل فارسين حتى جاا «كراع الغميم» «2» ليري قريشا من نفسه القوة. وفي عسفان استقبلهم جمع من المشركين على رأسهم خالد بن الوليد، فصلّى النبي بأصحابه صلاة الظهر، فقال المشركون: قد كانوا على حال لو أصبنا منهم غرّتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم صلاة «3» هي أحبّ إليهم من أبنائهم وأنفسهم، فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الايات: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً «4» .

_ (1) عسفان: موضع قرب مكة. (2) كراع الغميم: موضع جنوب عسفان بثمانية أميال. (3) هي صلاة العصر. (4) سورة النساء: الاية 102.

سرية كرز بن جابر الفهري

وكانت هذه أول صلاة خوف صلاها رسول الله «1» ، وبذلك شرعت هذه الصلاة التي تدل على يسر الإسلام وسماحته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقيل إن مشروعية صلاة الخوف كانت في غزوة «ذات الرقاع» ، وكانت على ما ذهب إليه ابن إسحاق سنة أربع، وذهب الإمام البخاري إلى أنها كانت سنة سبع عام خيبر واستدل بأدلة فليرجع إليها من يشاء «2» . سرية كرز بن جابر الفهري وفي شوال من هذا العام قدم على المدينة جماعة من عكل وعرينة «3» ، فأظهروا الإسلام، وبايعوا رسول الله، وكانوا هزالا مصفرة ألوانهم، فلم يوافقهم هواء المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بإبل له خارج المدينة فيشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا، فلما صحّوا قابلوا الإحسان بالكفران، وقتلوا الراعي ومثّلوا به وسمروا عينيه، واستاقوا الإبل، فلما بلغ الخبر النبي أرسل وراءهم كرز بن جابر الفهري في عشرين فارسا، فلحقوا بهم وجاؤوا بهم إلى المدينة، فأمر رسول الله أن يقتص منهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمرت أعينهم «4» ، وألقوا في الحرّة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا «5» . وما فعل بهم ليس مثلة وإنما هو قصاص واحد: ذاك أنهم سرقوا، وقتلوا، ومثّلوا، وكفروا، وحاربوا الله ورسوله. فأقيم عليهم حدّ السرقة والبغي، واقتص منهم بالقتل والتمثيل كما فعلوا. سرية عمرو بن أمية الضّمري جلس أبو سفيان بن حرب ذات يوم في نادي قومه فقال: ألا رجل يذهب إلى محمد فيقتله غدرا فنستريح منه، فتقدم له رجل من الأعراب وقال له: إني

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 81، 149. (2) المرجع السابق، ص 83. (3) عكل بضم العين: قبيلة من تيم الرباب، وعرينة مصغرا: حي من بجيلة. (4) أي فقئت بالمسامير، لأنهم فقأوا عيني الراعي بوضع الشوك فيهما. (5) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب قصة عكل وعرينة، وكتاب الطهارة- باب أبوال الإبل.

هاد بالطرق خرّيت، ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأعطاه راحلة ونفقة وأوصاه أن يخفي أمره، فخرج الرجل حتى وصل المدينة، فسأل عن النبي حتى انتهى إليه وهو في جماعة من أصحابه، فلما راه قال: «إنّ هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد» فوقف فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال النبي: «أنا» فذهب ينحني على رسول الله كأنه يسر إليه شيئا، فجبذه أسيد بن حضير وقال: تنحّ عن النبي، وجذب بداخل إزاره فإذا الخنجر، فقال: يا رسول الله هذا غادر، فأسقط في يد الأعرابي وقال: دمي، دمي، وأخذ أسيد بن حضير بتلابيبه، فقال له النبي: «اصدقني ما أنت وما أقدمك؟ فإن صدقتني نفعك الصدق، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به» فقال الأعرابي فأنا امن؟ قال: «وأنت امن» فأخبر النبي بخبر أبي سفيان وما جعل له. فحبس عند أسيد بن حضير، ثم دعا به من الغد فقال: «قد أمنتك فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك؟» قال: وما هو؟ فقال النبي: «أن تشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله» فأسلم الرجل وقال: يا محمد ما كنت لأفرق من الرجال، فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت، ثم أطلعت على ما هممت به، وما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان!! فجعل النبي يبتسم. وأقام الرجل أياما، ثم استأذن وخرج، ثم أراد النبي أن يجازي أبا سفيان بما صنع، فقال لعمرو بن أمية الضمري- وكان شجاعا فاتكا في الجاهلية- ولسلمة بن أسلم بن حريش: «اخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب، فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه» فخرجا حتى أتيا مكة، وطافا بالبيت وصلّيا ركعتين، ففطن أهل مكة لعمرو وقالوا: ما جاء عمرو إلا بشر وهمّوا بقتلهما، ففرا حتى قدما المدينة ولم يقضيا مما أرادا وطرا، وهكذا أراد رسول الله أمرا، وأراد الله أمرا، وكان ما أراد الله، فقد نجّى أبا سفيان حتى أسلم ليلة الفتح، وتشرّب بهذا الدين الحنيف، وصار من أنصاره بعد أن كان من أعدى أعدائه.

غزوة الحديبية

غزوة الحديبية «1» ها هي السنة السادسة كادت تنتهي، وقد أصبح المسلمون مرهوبي الجانب في الجزيرة، ولئن لم تكن فيها موقعة فاصلة فقد حفلت بسرايا كثيرة تمخضت عن قوة المسلمين، ورعب المشركين وهزيمتهم، وها هم المسلمون قد اشتاقوا إلى زيارة الكعبة البيت الحرام: بيت ابائهم وأجدادهم ومتعبدهم وقبلتهم، فقد مضى نحو ست سنين ولمّا يتشرفوا بزيارة هذا البيت، ويقضوا شيئا من حاجات النفس المشوقة إليه. وأذكى هذا الشوق، وقوّى الأمل في نفوسهم رؤيا راها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأى أنهم يدخلون المسجد الحرام محلّقين رؤوسهم ومقصرين، ولكن كيف للمسلمين هذا، والمشركون حريصون على صدهم عن البيت، وأهون عليهم أن يموتوا جميعا من أن يدخلها عليهم المسلمون عنوة؟ لذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم بثاقب فكره أن يستنفر العرب ومن حوله من الأعراب، ليخرجوا معه معتمرين، كي تعلم قريش أنه لا يريد حربا، فاستجاب له بعض الأعراب، وأبطأ عنه الكثيرون. خروج النبي معتمرا وفي ذي القعدة من هذا العام خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في زهاء ألف

_ (1) الحديبية- بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء مواحدة مكسورة وياء منهم من خففها ومنهم من شددها- قرية بالقرب من مكة على مرحلة منها سميت ببئر هناك.

وصول النبأ إلى قريش

وخمسمائة «1» من المهاجرين والأنصار، ومن لحق بهم من الأعراب، واستخلف على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي، وأحرم بالعمرة «2» هو والكثيرون من أصحابه، وساق معه الهدي سبعين بعيرا حتى يكون إيذانا للناس أنه لم يرد حربا، وإنما خرج زائرا للبيت ومعظما له. وصول النبأ إلى قريش وخرج رسول الله حتى إذا كان بعسفان «3» لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم العوذ المطافيل «4» ، قد لبسوا جلود النمور، وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم «5» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟! فو الله لا أزال أجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» «6» .

_ (1) ذكر ابن إسحاق في سيرته أنهم كانوا سبعمائة، وهو خلاف ما ذكره المحدّثون في الصحاح وغيرها وكتب السير من أنهم كانوا بضع عشرة مائة، وقد استنتج ذلك مما روي أن النبي ساق سبعين بدنة، كل بدنة عن عشرة، وهذا ليس بلازم، فإن بعضهم قد يهدي بغير الإبل، كما أن بعضهم لم يكن محرما كأبي قتادة كما ثبت في الصحيح (صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة الحديبية) . (2) هذا هو الصحيح، وهو ما ذكره المحدثون وكتاب السير، لا ما ذكره الدكتور هيكل في كتابه «حياة محمد» من أن النبي أذّن في الناس بالحج. (3) قرية على مرحلتين من مكة أي مسيرة يومين. (4) العوذ: جمع عائذ، وهو من الإبل الحديثة النتاج. والمطافيل جمع مطفل: التي معها أولادها، والمراد أنهم خرجوا ومعهم النساء والأولاد، والكلام على الاستعارة. (5) واد أمام عسفان بثمانية أميال. (6) السالفة صفحة العنق وهو كناية عن الموت.

رسل قريش

ثم تفادى رسول الله الاصطدام بخيل المشركين فقال: «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟» ، فقال رجل من أسلم: أنا، فسلك بهم طريقا وعرا صعبا خرجوا منه بعد مشقة وجهد، فأفضوا إلى أرض سهلة منبسطة، فقال رسول الله: «قولوا، نستغفر الله ونتوب إليه» فقالوها، فقال: «والله إنها للحطّة «1» التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها» ثم سلكوا طريقا انتهى بهم إلى ثنيّة المرّار قرب الحديبية. وفي هذا المكان بركت ناقة رسول الله فزجروها فلم تقم، فقالوا: خلأت حرنت- القصواء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء، وما هو بخلق لها، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها» ثم قال للناس: «انزلوا» فقالوا: ما بالوادي من ماء ينزل عليه، فأخرج سهما من كنانته، فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل به في بئر فغرزه في جوفه، فجاش بالماء حتى ضرب الناس بعطن، فشربوا وسقوا دوابهم. رسل قريش رأت قريش ألاقبل لها بحرب المسلمين، وإلّا دارت عليهم الدائرة، ونمى إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يريد حربا، فأرسلت إليه من يفاوضه تعرفا على قوة المسلمين وعزمهم على القتال من جهة، وطمعا في صد المسلمين عن البيت بالطرق السلمية من جهة أخرى.

_ (1) إشارة إلى قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، وَقُولُوا حِطَّةٌ ... سورة البقرة: الايتان 58- 59، فبدّلوا، وغيروا، وسخروا، وتهكموا، ومعنى «وقولوا حطة» أي حط يا رب عنا ذنوبنا، واغفرها لنا. وفي المقارنة دلالة على طيب عنصر الصحابة وطاعتهم للرسول، وخبث اليهود، ولؤم طباعهم، وعصيانهم لنبي الله موسى.

بديل بن ورقاء

بديل بن ورقاء فأتاه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة وكانت خزاعة عيبة «1» نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها وكافرها، لا يخفون عنه شيئا كان بمكة- فسألوه عما جاء به، فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت ومعظّما له، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، وإنه لم يأت لقتال، وإنما جاء زائرا للبيت، فاتهموهم وقالوا: وإن جاء لا يريد قتالا فو الله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة!!. مكرز بن حفص ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص، فلما راه رسول الله قال: «هذا رجل غادر» ، فلما انتهى إلى رسول الله قال له نحو ما قال لبديل، فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال. حليس بن علقمة ثم بعثوا بحليس سيد الأحابيش، فلما راه رسول الله قال: «إنّ هذا من قوم يتألّهون «2» ، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه» فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله إعظاما لما رأى، فأخبرهم بما رأى، فقالوا له: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك، فغضب الحليس وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، أيصدّ عن بيت الله من جاءه معظّما له!! والذي

_ (1) عيبة- بفتح المهملة وسكون التحتانية- ما توضع فيها الثياب لإخفائها، أي موضع النصح له والأمانة على أمره، كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب. (2) يتألهون: يتعبدون ويعظمون شعائر الله.

عروة بن مسعود الثقفي

نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرنّ بالأحابيش «1» نفرة رجل واحد، قالوا: مه، كفّ عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به. عروة بن مسعود الثقفي ثم بعثوا إلى رسول الله حكما يطمئنون إليه، وهو عروة بن مسعود الثقفي، فخشي أن يناله من التعنيف وسوء المقالة ما نال من سبقه وهو من يعرفون، فقالوا له: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، فخرج حتى أتى رسول الله، فجلس بين يديه ثم قال: يا محمد أجمعت أو شاب «2» الناس، ثم جئت بهم إلى بيضتك- بلدك- لتفضها بهم؟ إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وايم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. فلم يتمالك الصدّيق نفسه- وقد أحفظته هذه المقالة الكاذبة- أن ردّ على عروة ردا جارحا مؤلما، فقال: من هذا يا محمد؟ قال: «هذا ابن أبي قحافة» ، فقال له: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بهذه. مثل أعلى للحب وللإيمان وكان عروة يتناول لحية رسول الله وهو يكلمه، والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله وهو مدجّج في السلاح، فجعل يقرع يد عروة بنعل سيفه ويقول له: اكفف يدك عن وجه رسول الله قبل ألاتصل إليك، فاغتاظ عروة

_ (1) الأحابيش جمع أحبوش- بفتح الهمزة والباء- وهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو الحارث بن عبد مناف بن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة. كانوا قد تحالفوا تحت جبل يقال له الحبشي أسفل مكة، وقيل سموا بذلك لتجمعهم. والتحبش والحباشة الجماعة «فتح الباري، ج 5 ص 342» . (2) أوشاب: أخلاط.

رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال: من هذا يا محمد!: قال: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» ، فقال: أي غدر، وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس «1» !!. فكلمه رسول الله بنحو ما كلم به من سبقه وأنه ما جاء يريد حربا، وكان عروة يرمق أصحاب رسول الله ويتعرف أحوالهم، فرأى أمرا عجيبا: رأى رسول الله لا يتنخّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده!! وإذا أمرهم ابتدروا أمره: أيهم ينفذه أولا!! وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه!! وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيما له!!. فرجع عروة إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه، لقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فإني لكم ناصح، فقالت قريش: لا تتكلم بهذا، ولكن نرده عامنا هذا ويرجع من قابل. رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى رسول الله حرصا على حرمة البيت، وإيثارا للسلام على الحرب أن يرسل رسلا إلى قريش بمكة، لاحتمال ألايكون عند رسل قريش من الشجاعة ما يحملهم على المصارحة بالحقيقة. فأرسل خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش، حمله على بعير له ليبلّغ أشرافهم ما جاء الرسول إليه، لكنهم استبد بهم الحمق والغضب، فعقروا به البعير، وأرادوا قتله، لولا أن منعتهم الأحابيش أحلافهم، فخلّوا سبيله. سفارة عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم دعا رسول الله عمر بن الخطاب ليكون رسولا إلى أهل مكة، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي من

_ (1) كان المغيرة قد قتل الجماعة في الجاهلية، فتحمل ديتهم عمه عروة هذا، فلهذا استنكر معاملته له، ولكنه الإيمان يسمو بصاحبه عن الأهل والولد والمال!! وغدر- بضم الغين وفتح الدال- كثير الغدر.

بيعة الرضوان

يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعزّ بها مني: عثمان بن عفان، فقبل الرسول منه الاعتذار، واستحسن ما عرضه عليه، فدعا عثمان فأرسله إلى أبي سفيان وأشراف قريش ليخبرهم بقصد رسول الله، فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي «1» ، فحمله بين يديه ثم أجاره حتى بلّغ رسالة رسول الله، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم!! بيعة الرضوان واحتبست قريش عثمان عندها، وبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله: «لا نبرح حتى نناجز القوم» ودعا إلى البيعة تحت شجرة سمرة هناك، فبايعه بعضهم على الموت، وبعضهم على ألايفروا، ولم يتخلّف عن المبايعة إلا الجدّ بن قيس، فقد لصق بإبط ناقته يستتر من الناس، وكان أول من بايع أبو سفيان وهب بن محصن أخو عكاشة بن محصن، ولما تمت البيعة للحاضرين ضرب رسول الله بإحدى يديه على الاخرى وقال: «وهذه لعثمان» ، فكانت يد رسول الله لعثمان خيرا من يده لنفسه، وهذه البيعة هي بيعة الرضوان لقول الله سبحانه وتعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً «2» . وهو صلح الحديبية. وبهذه البيعة أصبح المسلمون على استعداد لمناجزة قريش، وجعل كل واحد منهم يترقب يوم الظفر ويوم الاستشهاد بنفس راضية وقلب مطمئن. وإنهم لفي استعداد للمناجزة إذ ترامى إليهم أن عثمان لم يقتل، ثم لم يلبث أن جاء إليهم سالما، وبذلك كفى الله المؤمنين القتال، وحقق رغبتهم في السلام.

_ (1) هو ابن عم عثمان، قيل أسلم قديما، وهاجر مع زوجته فاطمة بنت صفوان كما ذكره ابن إسحاق، والأكثرون على أنه أسلم أيام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم. (2) سورة الفتح: الاية 18.

مناوشات قريش

مناوشات قريش وأرسلت قريش نحوا من خمسين رجلا منهم، عليهم مكرز بن حفص ليطيفوا بعسكر المسلمين عسى أن ينالوا منهم غرّة، فأسرهم حارس الجيش محمد بن مسلمة؛ وهرب رئيسهم، وأتى بهم إلى رسول الله فعفا عنهم تشبثا منه صلى الله عليه وسلم بخطة السلم، واحتراما للشهر الحرام أن يسفك فيه دم، وقد بهتت قريش حين عرفوا ذلك، وسقطت كل حجة لهم في أن النبي يريد حربا، وأيقنوا أن أي اعتداء من جانبهم على المسلمين لن تنظر إليه العرب إلا على أنه غدر لئيم، للمسلمين الحق كل الحق في أن يدفعوه- وما أقدرهم- بكل ما أوتوا من قوة، وفي هذا نزل قول الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً «1» . بشائر الصلح لم يكن بدّ لقريش وقد جرى ما جرى من أن تفكر في الصلح جديا، وأن تنتهي هذه الحالة التي قد تدور بسببها الدائرة عليهم، فأرسلوا سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: ائت محمدا وصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فو الله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا. فلما انتهى سهيل إلى رسول الله وراه تفاءل به وقال: «لقد سهل لكم من أمركم» وتكلم سهيل فأطال الكلام، وتراجع هو والنبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهيا إلى صيغة الصلح، وتم الاتفاق ولم يبق إلا الكتاب.

_ (1) سورة الفتح: الاية 24.

شروط صلح الحديبية

شروط صلح الحديبية وكانت شروط الصلح على ما يأتي: 1- وضع الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنين «1» ، يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، وأن بينهم عيبة مكفوفة، فلا إسلال- سرقة- ولا إغلال- خيانة-. 2- من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه. 3- من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهداهم دخل. فدخلت خزاعة في عهد الرسول، ودخلت بنو بكر في عقد قريش. 4- أن يرجع النبي وأصحابه من غير عمرة هذا العام، فإذا كان العام القابل خرج عنها المشركون، فيدخلها المسلمون ويقيمون بها ثلاثا ليس معهم من السلاح إلا السيوف في قربها- أغمادها-. وقبل النبي هذه الشروط على ما في بعضها بادىء الرأي من إجحاف بالمسلمين؛ لأنه يصدع بأمر الله وإلهامه ولن يضيعه الله أبدا، ولحرصه على أن يسود السلام ويحفظ للبيت حرمته.

_ (1) ذكر الشيخ محمد الخضري رحمه الله في كتابه «نور اليقين» ص 190 أن مدة الصلح كانت أربع سنين، وقد تابعه بعض الكتاب المعاصرين، والذي في السير وكتب الحديث أن المدة عشر سنين، وأما رواية الأربع فضعيفة منكرة.

رأي المسلمين في الشروط

رأي المسلمين في الشروط أما المسلمون فرأى بعضهم كالصدّيق ما رأى الرسول في الشروط وسلّموا بها، ورأى بعضهم ولا سيما في الشرط الثاني إجحافا بحق المسلمين، وقالوا: سبحان الله!! كيف نرد إليهم من جاء مسلما، ولا يردّون إلينا من جاء مرتدا؟ فأجابهم الرسول بهذا الجواب الحكيم: «إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا» . ومن هذا الفريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكما هو معروف عنه من الصلابة في الحق وحب المراجعة فيما لم يستبن له فيه وجه الحق والصواب؛ أبى إلا أن يعلن عما في نفسه، فذهب إلى الصدّيق رضي الله عنه، فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!! فقال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه «1» - طريقته-، فإني أشهد أنه رسول الله، فقال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. وكأن الفاروق لما يزل في نفسه بعض الحرج في قبول هذا الشرط، فرأى أن يستبين من الرسول وجه الحق وأن يسمع منه، فأتى رسول الله وقال له: ألست برسول الله؟ قال: «بلى» ، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: «بلى» ، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال الرسول: «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يضيعني «2» » ، فلم يكن بدّ من أن يذعن الفاروق وينتظر ما تجيء به الأيام، ولم تلبث الأحداث أن أظهرت بعد نظر الرسول كما ستعلم عن كثب.

_ (1) الغرز للبعير: كالسرج للفرس، والمراد الزم أمره وطريقته وإياك والمخالفة. (2) هذا ما ورد في السيرة لابن إسحاق، وفي الصحيح أنه أتى النبي أولا فسأله، ثم أتى أبا بكر بعد ذلك فسأله، وقد رجّحت ما في السيرة على ما في الصحيح لأن بقاء شيء من الشك بعد سؤال الفاروق للصدّيق حتى سأل النبي فأزال ما بقي عنده أقرب من بقاء شيء من الشك بعد سؤال عمر للنبي حتى سأل الصدّيق فأجابه وأزال ما بقي عنده، والله أعلم.

رؤيا رسول الله

وقد استشعر الفاروق وقد هدأت ثورته النفسية أنه ربما يكون قد جانبه الصواب في التردد في السؤال، أو احتمال أن يظن به الشك، فكان يقول: ما زلت أصوم وأتصدّق، وأصلّي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمات يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا، وفي صحيح البخاري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا، أي الأعمال الصالحة المذكورة. رؤيا رسول الله وكذلك كانت هناك مسألة أخرى تتردد في نفس بعض المسلمين وهي الرؤيا التي راها رسول الله في دخولهم المسجد الحرام، فقد ظنّوا أنها هذا العام، فلما لم تتحقق وانتهى الصلح بالتأجيل وجدوا لذلك أسى وحزنا في نفوسهم، حتى بين لهم الرسول أن الرؤيا ليس بلازم أن تتحقق هذا العام، فقد سأل الفاروق عمر رسول الله عن هذا، فقال: «أفأخبرتك أنك تأتيه هذا العام؟» ، قال: لا، قال: «فإنك اتيه ومطوّف به» ، وكذلك سأل الفاروق الصديق عن الرؤيا، فأجابه بما أجاب به الرسول «1» . كتابة كتاب الصلح ودعا رسول الله علي بن أبي طالب ليكتب الكتاب، فقال له: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» ، فقال سهيل: أما الرحمن فلا أدري ما هو؟ ولكن اكتب باسمك اللهم، فأبى المسلمون، فقال النبي: «اكتب باسمك اللهم» ثم قال: «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو» ، فقال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله: «والله إني لرسول الله حقا وإن كذبتموني» ، ثم أمر عليا بمحو ما كتب وكتابة محمد بن عبد الله، فامتنع علي

_ (1) صحيح البخاري- كتاب الشروط- باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وصحيح مسلم- كتاب الجهاد والسير- باب أسباب صلح الحديبية.

وقفة عند هذا الصلح

تأدبا، فأخذ رسول الله الصحيفة فمحاها وكتب محمد بن عبد الله وهو لا يحسن أن يكتب «1» . وبعد أن فرغ علي من كتابة الشروط أشهد الرسول على الكتاب رجالا من المسلمين، وهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة. وشهد من المشركين حويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص. وكتب من شروط الصلح نسختان: نسخة للنبي ونسخة لقريش. وقفة عند هذا الصلح وإن لنا هنا لوقفة ترينا مبلغ صبر الرسول واحتماله، وتنازله عن بعض حقوقه في سبيل إتمام الصلح، ولو أن النبي استجاب لرغبات بعض المسلمين أو لهوى في نفسه لما تمّ الصلح، وهذا يدل على أنه نبي يوحى إليه، كما يدل على سمو نفسه سموا يعلو على الجاه وعن هوى النفس وعن الألقاب، وكل ذلك كان حرصا على الوفاء بما وعد به حيثما قال: «والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها» . وإن ما حدث في صلح الحديبية ليعتبر مثلا يحتذى في المساهلة في الشروط طلبا للأمن والسلام، فهل يكون فيما صنعه رسول الله قدوة للقواد والزعماء والرؤساء في عالمنا المضطرب الخائف، الذي يشاهد كل يوم مؤتمرات واجتماعات في سبيل السلام والحد من التسابق المجنون في سبيل التسلح ثم تنتهي إلى لا شيء؟!!. أبو جندل بن سهيل بن عمرو وبينا علي يكتب الكتاب جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في قيود الحديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليه أبوه فضرب وجهه وأخذ بتلابيبه وقال: يا محمد هذا أول من أقاضيك عليه أن ترده، فقال النبي: «إنا لم نقض الكتاب بعد» ،

_ (1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب عمرة القضاء، وباب الحديبية، وكتاب الشروط- باب الصلح في الجهاد.

نحر النبي هديه

فقال سهيل: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا، فقال النبي: «فأجزه لي» فأبى فقال أبو جندل: يا معشر المسلمين أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت؟ فازداد الناس غما فقال له الرسول: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم» . نحر النبي هديه ولما فرغ النبي من كتابة العهد قال لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا» ثلاث مرات- فما قام منهم أحد، فقد أذهلهم ما هم فيه من الغم، والحزن عن أمر الرسول، فدخل رسول الله على زوجه أم سلمة وكانت خرجت القرعة عليها في سفر رسول الله هذا، فذكر لها ما وجد من الناس، فقالت- وكانت عاقلة حازمة-: يا نبي الله، اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ما فعل الرسول قاموا فنحروا، وحلق بعضهم وقصّر اخرون، فقال الرسول: «يرحم الله المحلّقين» قالوا: والمقصّرين يا رسول الله، قال: «يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصّرين، قال: «يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصّرين، قال: «والمقصرين» قالوا: يا رسول الله لم ظاهرت- كررت- الترحيم للمحلقين دون المقصرين؟ قال: «لأنهم لم يشكّوا» . الأوبة إلى المدينة ونزول سورة الفتح ثم اب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغتبط بما أتمّ من صلح، وفي الطريق أنزلت عليه سورة الفتح. روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثلاثا- قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل فيّ القران، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن

صلح الحديبية فتح مبين

يكون نزل فيّ قران، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّمت عليه، فقال: «لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس» ثم قرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. ورواه أيضا الإمام أحمد الترمذي والنسائي والطبراني، وقد بيّنات رواية الطبراني ورواية أخرى لأحمد أن نزولها كان مرجعه من الحديبية، وهو المراد بالسفر المذكور، وقد اختلف في مكان نزولها، فقيل: بالجحفة، وقيل: بكراع الغميم، وقيل بضجنان، والأماكن الثلاثة متقاربة «1» . وهذا يدل على أن هذه السورة نزلت بعد صلح الحديبية لا بعد فتح مكة، كما يزعم بعض الناس. صلح الحديبية فتح مبين وقد بيّنات هذه الرواية الصحيحة وغيرها أن المراد بالفتح في مفتتح السورة هو صلح الحديبية وما جرى فيها من البيعة، وقد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمّع بن حارثة قال: وشهدنا الحديبية، فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم، وقد جمع الناس يقرأ عليهم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، فقال رجل: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: «أي والذي نفسي بيده إنه لفتح» . كما ورد ذلك صريحا عن بعض الصحابة، روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قال: الحديبية. وروى بسنده عن البراء بن عازب قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، يعني الفتح في قوله: إِنَّا فَتَحْنا ... «2» . وما أحسن ما ورد عن الصدّيق رضي الله عنه في هذا قال: (ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية، ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، والله لا يعجل لعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد) .

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي ج 7 ص 158 وفتح الباري ج 8 ص 473. (2) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة الفتح.

وقال الإمام الزهري: (ما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس كلّم بعضهم بعضا، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلّم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تيناك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر) . وليس أدل على هذا من أن المسلمين كانوا في الحديبية حوالي ألف وخمسمائة، وكانوا في فتح مكة عشرة الاف «1» . ولكي تزداد يقينا بأن صلح الحديبية فتح مبين نسوق لك ما أفاده المسلمون من هذا الصلح.

_ (1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 322.

مكاسب المسلمين من صلح الحديبية

مكاسب المسلمين من صلح الحديبية 1- اعترفت قريش بالمسلمين اعتراف الندّ بالندّ، وفي ذلك دعاية للإسلام لا يستهان بها إن لم تكن ذات بال عند قريش فسوف يسمع بها العرب، وفي ذلك تمهيد لا تساع نفوذ الإسلام وسطوته. 2- إنّ هذه الهدنة ضمنت للمسلمين الانصراف إلى تبليغ دعوة الإسلام في كافة أنحاء الجزيرة وما يتاخمها من الدول والإمارات، وهذا ما كان، فقد كاتب النبي الملوك والأمراء وبذلك انتشر الإسلام أضعاف انتشاره من قبل. 3- اعتراف المشركين بمجيء المسلمين معتمرين من العام القابل أكسب المسلمين الحق في زيارة البيت من غير مناجزة ولا حرب، وهذا ما كان يريده المسلمون. 4- كان أشد ما أحفظ بعض المسلمين من الصلح: أن من أتى المسلمين من قريش ردّ، ومن جاء قريشا من المسلمين لا يرد، وقد أثبت الواقع أنه لم يرتد مسلم، وبذلك أصبح هذا البند من الشرط غير ذي خطر، كما كان النبي يعلم بثاقب فكره، واستضاءة قلبه بنور الوحي وفيوضاته أن الفقرة الأولى من هذا الشرط ستجر على قريش متاعب كثيرة، قد تضطرها إلى التنازل عنه، بل والإلحاح في ذلك، وهذا ما صدّقته الحوادث بأسرع مما كان يظن. سعي قريش في التنازل عن هذه الفقرة من الشرط فقد جاء أبو بصير عروة بن أسيد الثقفي من قريش إلى المسلمين بالمدينة، فأرسلت قريش في طلبه رجلين فسلّمه لهما النبي وقال له: «يا أبا بصير، إنا قد

أعطينا هؤلاء القوم عهدا ولا يصح في ديننا الغدر، وإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، فانطلق إلى قومك» ، فقال أبو بصير: يا رسول الله أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟! فكرّر عليه النبي قوله. فخرج مع الرجلين، حتى إذا كان بذي الحليفة تحايل على أحد الرجلين فأخذ منه سيفه فضربه به حتى برد «1» ، وفرّ الاخر يعدو حتى دخل مسجد المدينة فلما راه رسول الله قال: «قد رأى هذا ذعرا» وأخبر رسول الله بما جرى فأمنه، ولم يلبث أبو بصير أن جاء وقال: يا رسول الله قد- والله- أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي: «ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد» «2» . ففطن الرجل لمقالة الرسول، وخرج حتى نزل (العيص) على ساحل البحر في طريق قريش إلى الشام، ولم يلبث أن انفلت أبو جندل ولحق به، وهكذا صنع كل من ضيّق عليه واحتجز بمكة حتى تكوّن منهم نحو السبعين رجلا، فقطعوا على قريش تجارتها، فماذا كان من أمر قريش؟ لقد أرسلت إلى رسول الله تناشده الله والرحم أن يرسل إليهم ويؤويهم، وأن من أتاه مهاجرا من المسلمين فهو امن ولا يرد. وهكذا صدّق الله فراسة نبيّه، وعلم المسلمون الذين امتعضوا من هذا الشرط أن أمر رسول الله أعظم بركة من أمرهم، وأن رأيه لهم أولى من رأيهم لأنفسهم، وازدادوا إيمانا بأن الله ناصر نبيه، وناشر دينه، ورضي الله عن الصحابي الجليل سهل بن حنيف، فقد كان يقول: (اتهموا الرأي، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أردّ على رسول الله أمره لرددت، والله ورسوله

_ (1) برد: مات. (2) ويل أمه: كلمة ذم. والمراد بها هنا المدح. مسعر حرب: مثيرها ومحركها، ومسعر بالنصب على التمييز وهو وصف له بالإقدام.

أعلم) «1» . وأخرج البزار عن عمر قال: (اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي، وما ألوت عن الحق) ، وفيه قال: (فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت، حتى قال لي: «يا عمر تراني رضيت وتأبى» ) ؟!!.

_ (1) رواه البخاري.

تفسير سورة الفتح

تفسير سورة الفتح قال الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً: هو صلح الحديبية كما سبق أن دللنا عليه لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ: قد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة والبر والاستقامة قبل البعثة وبعدها، فالمراد بالذنوب الأمور التي خالف فيها الأولى، وذلك مثل ما حدث في أسارى بدر، وترجيحه رأي القائلين بأخذ الفداء، ومثل إذنه للمعتذرين عن تبوك، وهذه ليست ذنوبا لكنها اعتبرت كذلك بالنسبة لجلالة قدره وعظم منزلته عند ربه، فهو من قبيل ما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ: بهذا النصر على المشركين. وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً: بما يشرعه لك ولأمتك من الشرائع العادلة والدين القيم. وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً: فيما تستقبل من أمرك حتى يظهر دينك على الأديان كلها. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ السكينة: الطمأنينة والوقار والاية تدل على زيادة الإيمان. وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً: لله جنود كثيرة لا يعلمها إلا هو، ولو أراد أن يسلّط عليهم ملكا واحدا لأبادهم، ولكنه تعالى شرع لكم الجهاد لما في ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة. ولما بيّن الله ما يتعلق بنبيّه ذكر ما أعدّه لعباده المؤمنين المجاهدين فقال: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... الاية. ثم ذكر ما يتعلق بالمنافقين والمشركين في قوله: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ

وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ وهو أن الله لن ينصر نبيّه والمؤمنين وسيهلكون عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ... : أي ما يظنونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم فهم مخذولون وهالكون في الدنيا ولهم العذاب الأليم في الاخرة، ثم أكد سبحانه قدرته على الانتقام من أعدائه فقال: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً قويا لا يغالب، منتقما بحكمة. ثم قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على أمتك وعلى الأنبياء أنهم بلّغوا وَمُبَشِّراً للمؤمنين وَنَذِيراً للكافرين لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ أي تنصروه وَتُوَقِّرُوهُ وتعظموه وتكرموه وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الضمير لله عزّ شأنه أي تنزهوه وتقدسوه في أول النهار واخره، والمراد في جميع الأوقات. ثم قال سبحانه وتعالى تشريفا لنبيّه وتكريما: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يعني في الحديبية وغيرها إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لأنك إنما تبايع بأمر الله وشرعه وطاعته يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ: أي هو حاضر معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فالله هو المبايع في الحقيقة بواسطة رسوله. ثم بيّن عاقبة النكث والوفاء فَمَنْ نَكَثَ نقض العهد فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ لأن وبال ذلك وضرره عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً: النصر في الدنيا والنعيم المقيم في الاخرة. سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ كان النبي استنفر الأعراب قبل الخروج إلى مكة معتمرا عام الحديبية فتثاقل الكثيرون منهم وتعلّلوا بتعلات باطلة كقولهم شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا: نساؤنا وأبناؤنا فَاسْتَغْفِرْ لَنا: قالوه تقية ومصانعة لا اعتقادا بدليل قوله: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وكان قعودهم ظنا منهم أنه يدفع عنهم الضر ويحصّل لهم النفع، فردّ عليهم بقوله سبحانه: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً: استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا أحد. بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيجازيكم بسرائركم.

ثم بيّن سبحانه أن تخلفهم ليس لعذر وإنما هو تخلف نفاق فقال: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً: طمعا أن يستأصلهم العدو وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ زيّنه لكم الشيطان والهوى وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ: وهو أنهم لن يرجعوا وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً هلكى. وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً: نارا مسعّرة وهو تسجيل عليهم بالكفر، ثم بيّن سبحانه أنه المتصرف في الكون كله على حسب مشيئته فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً: فمن تاب منكم وندم فباب المغفرة مفتوح له. ثم بيّن سبحانه أن هؤلاء المتخلفين لا همّ لهم إلا المغنم، ولا يعنيهم نصرة الإسلام فقال: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ هي مغانم خيبر. يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ هو ما وعد الله أصحاب بيعة الرضوان أن مغانم خيبر لهم واحدهم لا يشاركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين. قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ: أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية. فَسَيَقُولُونَ: بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نشرككم في الغنائم، فردّ الله عليهم زعمهم فقال: بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا الفقه: الفهم والعلم. ثم بين سبحانه أن لهم فرصة لتدارك ما فاتهم والتكفير عن سيئاتهم فقال: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ: هم بنو حنيفة وأضرابهم من المرتدين، وقيل: أهل فارس والروم تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ أي ينقادون إليكم بلا قتال ويدخلون في سلطانكم فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً النصر في الدنيا والثواب في الاخرة. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ في الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً: بالذلة في الدنيا والعذاب في الاخرة، ثم بين سبحانه أصحاب الأعذار في القعود عن الجهاد، فمنها لازم كالعمى والعرج، ومنها عارض كالمرض فقال: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ الاية.

ثم بيّن سبحانه رضوانه على أهل بيعة الحديبية فقال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ: هي شجرة سمرة كانت هناك، وقد بني عندها مسجد، وقد كان الناس يأتون الشجرة ويصلون عندها، حتى كان زمان خلافة الفاروق عمر فقطعها خشية افتتان البعض بها. فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الإيمان فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً: هو صلح الحديبية. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها: هي مغانم خيبر. وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً: لا يغالبه غالب. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها: هي جميع المغانم التي غنموها فيما بعد من العرب وغيرهم. فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ مغانم خيبر. وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ: لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة، وكذلك كف أيدي اليهود وغيرهم عمن خلفتموهم وراء ظهوركم بالمدينة من عيالكم ونسائكم. وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: عبرة لهم أن الله ناصرهم، وأن الخيرة فيما اختاره الله لهم، وإن كرهوه في الظاهر. وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً: بانقيادكم لأمره وطاعتكم لرسوله. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً: الاخرى: قيل فتح مكة، وقيل: فتوح فارس والروم. ثم بين سبحانه أنه لم يختر لهم القتال لحكم تجلت، لا لضعفهم، ولو أنهم قاتلوكم لانتصرتم عليهم فقال: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً: من دون الله، أما أنتم فالله وليكم وناصركم. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا: أي سنة الله وعادته في الأمم أن ينتصر أهل الإيمان على أهل الكفر، والحق على الباطل، وأن العاقبة والنصر في النهاية إنما هي للمتقين المخلصين. ثم قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً: امتنان من الله على عباده المؤمنين حيث كفّ أيدي المشركين عنهم فلم ينلهم منهم سوء، وكف أيدي المسلمين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، وصد كلّا من

الفريقين عن الاخر لحكم بالغة يعلمها، وأوجد بينهم صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم. وكان المشركون قد أرسلوا عيونا على المسلمين نحوا من سبعين، فأسرهم المسلمون وجاؤوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله منهم. ثم قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: أن تعتمروا به. وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، يعني وصدّوا الهدي الذي سقتموه وبقي محبوسا بالحديبية عن أن يبلغ محل نحره وهو الحرم، ثم بين سبحانه الحكمة في أنه لم يأذن له في القتال مع قدرتهم عليه بقوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ: هم المستضعفون والمستضعفات ممن أسلموا وأقاموا بمكة ولم يستطيعوا الهجرة. لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ: أي تقتلوهم بغير علم. فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ: أي ينالكم بقتلهم سبة وإثم ويقول المشركون: قتلوا إخوانهم في الدين، وجواب لولا محذوف تقديره لسلطناكم عليهم فقاتلتموهم وأبدتموهم. لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ متعلق بمحذوف أي كففناكم عنهم ليكون لهم فسحة فيفيء بعضهم إلى الإسلام، وهذا ما كان، فقد أسلم منهم بين الحديبية والفتح أبطال مغاوير كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن عبد الدار. لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً: تزيلوا: تميزوا، يعني لو تميز المؤمنون عن الكافرين لسلطناكم عليهم فقتلتموهم قتلا ذريعا. إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ: هي الغضب والأنفة فأبوا أن تدخلوا مكة معتمرين، وأبو أن يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم، وأبو أن يكتبوا: محمد رسول الله. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ: فلم تأخذهم الحمية فيعصوا الله في قتالهم، ولكنهم كظموا غيظهم، وأذعنوا لنبيهم. وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى: هي كلمة الإيمان: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعملوا بموجبها ووقفوا عند ما أمر الله ورسوله: وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها: أحق بكلمة التقوى وأهلا للعمل بها واحترامها. وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. فقد وسع علمه كل شيء، أما علمكم فقاصر، ومن كان هذا

شأنه فليتهم عقله، وليلتزم ما أمر به الله ونبيه، ولينته عما نهيا عنه، وكن على ذكر لكلمة الصحابي الجليل سهل بن حنيف الانفة «1» . ثم بيّن سبحانه أن رؤيا رسول الله صادقة ولابد أن تتحقق فقال: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ: تعليم للخلق أن يلتزموها في كل شيء وإن كان المتكلم بالقران سبحانه عالما بكل شيء، وصدق الله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ. آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ: ذلك أن رسول الله كان قد رأى في المنام قبل الخروج إلى الحديبية أنه دخل مكة وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، فلما ساروا إلى الحديبية لم يشكّوا أنّ هذه الرؤيا سيكون تأويلها هذا العام، فلما حدث ما حدث من قضية الصلح ورجوعهم وقع في نفس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر رسول الله عن ذلك فأخبره أنه لم يقل هذا العام، وأنه سيأتيه ويطوّف به، وهذا ما كان فقد وقع تأويل الرؤيا في العام القادم. فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا: وهو أن الصلاح والخير كان في الصلح وتأخير الدخول للحكم التي ذكرها الله انفا. فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً: وهو صلح الحديبية، وقيل: فتح خيبر. ثم بيّن سبحانه أن الله ناصر نبيه وناصر دينه، وسيعلو على الأديان كلها فقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً: أنك المبعوث رحمة للعالمين، ثم ختم سبحانه السورة ببيان صفة النبي وصحابته، وأنهم لجلالتهم ضرب الله لهم الأمثال في التوراة والإنجيل، وأشاد بذكرهم في القران فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ: لا تأخذهم في المشركين شفقة ولكنهم متوادون متراحمون بينهم، فهو كقوله سبحانه: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ. تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً كناية عن كثرة صلاتهم ومواظبتهم عليها. يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ

_ (1) انظر صفحة 341.

المهاجرات المؤمنات

وَرِضْواناً: أي يطلبون بأعمالهم الصالحة ثواب الله ورضوانه وهو أعظم من الثواب وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ. سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ: عليهم سيما الصلاح من الخشوع والتواضع وحسن السمت وإشراق الوجه. ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ: وبحسبهم فضلا أن ينوّه الله سبحانه بهم في توراته التي أنزلها على موسى عليه السلام. وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ: فرخه، وهو أول ما يبدو منه فَآزَرَهُ: قوّاه وشده. فَاسْتَغْلَظَ: ترعرع وطال. فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ: غلظ وقوي. يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ: وكذلك أصحاب رسول الله كانوا قلة فكثروا، وضعفاء فقووا، وازروه ونصروه حتى بلّغ رسالة ربه، وعمّ دينه المشارق والمغارب. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ: من لبيان الجنس أي هم مَغْفِرَةً: لذنوبهم وَأَجْراً عَظِيماً: ثوابا جزيلا، ورزقا كريما لا يعلم قدره إلا الله، ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة، ونهج نهجهم فهو في ركابهم، وإن كان لهم الفضل، والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم. المهاجرات المؤمنات كان من شروط الصلح كما أسلفنا أن من جاء من قريش إلى النبي مسلما ردّ، فما استقر المقام للنبي بالمدينة حتى جاءت نسوة مؤمنات من قريش منهن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فجاء أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فيها أن يردها إليهما فأبى، وروي أنه قال: «كان ذلك في الرجال لا في النساء» ، فأنزل الله سبحانه قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ... الاية «1» .

_ (1) سورة الممتحنة: الاية 10.

تفسير الايتين الواردتين في هذه الحادثة

وهكذا صدّق الله نبيه فيما قال، وأن النساء لا يدخلن في العهد الذي مضى، وأنهن يختبرن، فإن ظهر إيمانهن لا يرجعن إليهم أبدا. تفسير الايتين الواردتين في هذه الحادثة فَامْتَحِنُوهُنَّ: وكانت صيغة الامتحان كما روى ابن جرير عن ابن عباس: أن تقسم بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، ولا عشقا لرجل، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله، فإذا قالت ذلك اكتفي به في إيمانها وحرم إرجاعها إلى المشركين، وذلك لأنّ المرأة لا يؤمن عليها الفتنة، أما الرجل فله في أرض الله الواسعة ملجأ كما صنع أبو جندل وأبو بصير وغيرهما. اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ: يعني يكفيكم هذا في اختبارهن فلكم الظاهر والله يتولى السرائر. فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ: وهذه الاية هي التي حرمت النساء المسلمات على أزواجهن المشركين، فإن أسلم زوجها فهو أحق بها ما لم تتزوج غيره، وقد ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب لأبي العاص بن الربيع لمّا أسلم، بعد نزول هذه الاية، قيل: بالعقد الأول، وقيل بعقد ومهر جديدين. وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا: أي أعطوا أزواج المهاجرات المسلمات من المشركين ما أنفقوا من مهور. وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ: أيها المسلمون أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ: أي مهورهن بشرط انقضاء عدتهن. وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ: جمع كافرة، والمراد المشركات لا الكتابيات، نهي المسلمون عن الاستمرار مع زوجاتهم المشركات بهذه الاية كما نهوا عن زواجهن ابتداء بقوله سبحانه: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ. ولما نزلت اية الممتحنة طلّق المسلمون أزواجهم المشركات، فقد كان لسيدنا عمر زوجتان بمكة فطلقهما، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، وتزوج الاخرى أبو جهم بن حذافة وهما على شركهما قبل أن يسلما. وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ: يعني إذا لحقت امرأة منكم بالمشركين مرتدة

فاسألوا ما أنفقتم من المهر ممن تزوجها منهم، قيل لم ترتد امرأة مسلمة قط، وقيل ارتدت واحدة ثم عادت فأسلمت فيما بعد، وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا: يعني للمشركين الذين لحقت زوجاتهم المؤمنات بكم أن يسألوا ما أنفقوا من المهر ممن تزوجها منكم. وهذا غاية العدل في التشريع ولذا قال: ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ: أي عليم بما يصلح العباد حكيم في تشريعه. ولما نزلت قال المسلمون: رضينا بما حكم الله، وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا من أداء مهور من ارتددن أو ثبتن على كفرهن، فأنزل الله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا يعني لو ذهبت إليهم امرأة مرتدة ولم يعطوا زوجها ما أنفق من مهر، فأعطوه مما بأيديكم من مهور النساء اللاتي جئن مهاجرات، ولا تعطوا مهورهن لأزواجهن المشركين، وذلك على سبيل المعاقبة والمقابلة بالمثل. وقيل معنى عاقَبْتُمْ: غنمتم، أي من ذهبت زوجته مرتدة إلى المشركين ولم يعطوه ما أنفق من مهر فأعطوه مما غنمتم وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ: أي اتقوا الله واحذروا أن تتعدّوا ما شرعه الله لكم، ولا تستجيبوا لأهوائكم في معاملة أعدائكم لأن الشأن في المؤمن أن يتقي على كل حال.

أحداث وتشريعات في هذا العام

أحداث وتشريعات في هذا العام 1- في هذا العام كان تشريع صلاة الخوف وهي تدل على يسر الشريعة الإسلامية وملاءمتها لكل زمان ومكان ولجميع الأحوال، وقد اختلفت الفقهاء في كيفيتها بناء على اختلاف الأحاديث والاثار الواردة فيها، وليس هنا مكان تفصيل ذلك، وإنما يطلب ذلك من كتب التفسير والحديث والفقه. 2- وفي هذا العام كان تحريم النساء المسلمات على أزواجهن المشركين بعد الحديبية، وتحريم النساء المشركات على أزواجهن المسلمين، قيل للإسلام، وقيل لاختلاف الدار. تحريم الخمر وقد اختلف العلماء وأصحاب السير في وقت تحريمها: قيل سنة أربع، وهو الذي يدل عليه كلام ابن إسحاق، فقد ذكر أنه كان في واقعة بني النضير، وقيل سنة ست وهو الذي جزم به الدمياطي في سيرته، واستظهر الحافظ في الفتح أنه كان سنة ثمان «1» ، والذي ترجح عندي أنه كان سنة ست. ومهما يكن من شيء فقد كانت الخمر ممتزجة بلحوم العرب ودمائهم، حتى بلغ من بعضهم وهو أبو محجن الثقفي أن قال في الجاهلية: إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها

_ (1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 85 ص 224، وج 10 ص 24.

ولا تدفنّي بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت ألاأذوقها لذلك كان حكمة الشارع الحكيم أن حرمها بالتدريج، فإن النفوس البشرية يشق عليها ترك ما تعودته دفعة واحدة (شديد عادة منتزعة) ، فقد نزل فيها أول ما نزل قوله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما «1» . والاية وإن لم تقطع بالتحريم إلا أن فيها ترجيح جانب الحرمة على الحلّ، فمن ثمّ تركها قوم واستمر على شربها اخرون. ثم إن بعض المسلمين وهو عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما لأصحابه، فأكلوا وشربوا، ثم قام أحدهم يصلّي بهم وهو لا يعي، فقرأ: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ» ، فترك حرف النفي في الاية وهو (لا) ، فأنزل الله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ «2» . فقالوا: ما لنا ولشيء يمنعنا عن صلاتنا، فكانوا يتركونها عند الصلوات، وفي الأوقات القريبة منها، حتى إذا ما صلّوا العشاء شربوا وناموا، فيصحون وقد زال أثر السكر، وبذلك صار من السهل تحريمها تحريما باتا، وهذا ما كان. فقد صنع بعض المسلمين طعاما، فأكلوا وشربوا حتى لعبت الخمر برؤوسهم، فتهاجوا بالأشعار، فتشاجروا حتى شجّ أحدهم رأس الاخر بعظم، فقال الفاروق عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا، فأنزل الله سبحانه:

_ (1) سورة البقرة: الاية 219. (2) سورة النساء: الاية 43.

ما هي الخمر؟

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «1» . فقال عمر: انتهينا انتهينا. وبذلك حرمت الخمر تحريما باتا قاطعا، روى هذا الإمام أحمد، وأصحاب السنن. ولما حرمت نادى منادي رسول الله: ألا إن الخمر قد حرمت، فقام الناس إلى ما عندهم منها فأهرقوه حتى سالت بها طرق المدينة، وبذلك نجح الإسلام أيما نجاح في تحريمها على تأصّلها فيهم، وقد حاولت بعض الدول- الولايات المتحدة- في العصر الحديث تحريمها بسطوة القانون ففشلت، وأين قانون الإنسان من شريعة الرحمن؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار. وروي أنه لما نزلت اية التحريم البات قال ناس: يا رسول الله فكيف بمن قتلوا في سبيل الله أو ماتوا على فراشهم وكانوا يشربونها؟ فأنزل الله سبحانه قوله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ «2» . فالاية إعذار لمن كان يشربها قبل التحريم ومات على ذلك، وليس فيها إباحة شربها لأن شربها لا يجامع التقوى بأي حال من الأحوال. ما هي الخمر؟ والخمر هي كل ما أزال العقل أو غيّر منه. روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: قام عمر على المنبر فقال: (أما بعد: فإنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر

_ (1) سورة المائدة: الايتان 90، 91. (2) سورة المائدة: الاية 93. والحديث رواه البخاري.

حكمة تحريم الخمر

العقل) ، وقد خطب عمر بهذا وهو بمحضر من كبار الصحابة فلم ينكر عليه أحد، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء سلفا وخلفا، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام» ، وفي رواية: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» . والخمر بجميع أنواعها حرام قليلها وكثيرها سواء، ويحد شاربها وإن لم يسكر، روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام» ، وكل ما أسكر فهو خمر سواء أكان من العنب، أو التمر، أو الزبيب، أو البصل، أو الشعير، أو الذرة، والعبرة ليست بالأسماء، وإنما العبرة بالإسكار، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الذين يتحايلون على الشرع ويسمون الخمر بغير اسمها فقال: «ليشربنّ أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» «1» . حكمة تحريم الخمر والخمر مضرة بالصحة «2» ، مذهبة للأموال، مفسدة لما بين الناس من أواصر المحبة والأخوة، مغواة للشيطان، صارفة عن ذكر الله وعن الصلاة، سالبة للعقل الذي هو أشرف ما وهب الله الإنسان، معرّضة شاربها للعربدة والتعدّي على الدماء والأعراض، فهي أم الخبائث، فلا تعجب إذا كان الإسلام حرّمها فيما حرم على المسلمين، ليكون المجتمع الإسلامي على خير ما يكون دينا وخلقا، وأمنا وسلاما. وقد يقول قائل: إن القران الكريم قرر في اية البقرة أنها لم تخل من منافع، فكيف جعلتها سببا لكل هذه الماثم؟ وأقول لمن يزعم ذلك: إن المراد بالمنافع في الاية الدنيوية وهي ما يتخيله شاربها بعد شربها من النشوة وإدخال

_ (1) رواه أحمد والبخاري في التاريخ. (2) انظر ما كتبه الطبيب النطاسي الدكتور عبد العزيز إسماعيل في كتابه «الإسلام والطب الحديث» .

الفرح والسرور على نفسه ونسيان الهموم، وما ينتفع به بعض الناس من صنعها أو بيعها أو الاتجار فيها، وهي منافع لا توازي في معيار الحق والفضيلة شيئا مما فيها من مفاسد ومباذل وماثم، على أن هذه الاية كانت قبل التحريم، فكان من الحكمة مجاراتهم فيما يزعمونه منافع حتى لا ينفروا، ثم لمّا تهيأوا للتحريم حرمها وجردها من أية منفعة أو مصلحة.

تبليغ الإسلام في العالم

تبليغ الإسلام في العالم مكاتبة الملوك والأمراء عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية وقد أمن شر قريش ومناوأتها لدعوة الإسلام، ووجد الرسول الفرصة سانحة لتبليغ رسالة الإسلام للناس جميعا عربهم وعجمهم، إذ قد أرسل للبشر كلهم قال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «1» . وقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «2» . وقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ «3» . وقد كان هذا كسبا كبيرا للدعوة، فقد شهدت افاقا واسعة، ووجدت أرضا خصبة، ونفوسا مستعدة لتقبل الدين الجديد بعد أن عاشت البشرية في ليل داج مظلم، ولم يكن ليخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعانيه العالم- ولا سيما الدولتان اللتان كانتا تقتسمان النفوذ في العالم حينئذ: فارس والروم- من انحراف ديني، وفساد خلقي، واضطراب اجتماعي، وما وقع بينهما من حروب وغارات أنهكت قواهما، مما جعل هذه الشعوب على استعداد لقبول الإسلام،

_ (1) سورة الأعراف: الاية 158. (2) سورة الأنبياء: الاية 107. (3) سورة سبأ: الاية 28.

كتاب رسول الله إلى القيصر (هرقل)

الذي ينعمون فيه بالإيمان والأمان، والحرية والإخاء، والعدل والمساواة، ولذلك لم تكد تنتهي ثلاثون عاما من دعوتهم إلى الإسلام، حتى كانت هذه البلاد قد دخلت في الإسلام، واستظلت بلوائه، وقد كان بدء إرسال الكتب بعد الحديبية في أواخر سنة ست أو أوائل سنة سبع، ولذلك اثرت ذكر هذه الكتب في هذا الموضع. ولما عزم رسول الله على مكاتبة الملوك والأمراء خرج على أصحابه ذات يوم فقال: «أيها الناس: إن الله قد بعثني رحمة وكافة، فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم» فقال أصحابه: وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله؟ قال: «دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي وسلّم، وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل» ثم ذكر أنه مرسل إلى هرقل وكسرى والمقوقس والنجاشي وغيرهم، يدعوهم إلى الإسلام، فأجابه أصحابه إلى ما أراد، ثم صنع له خاتم من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله) ليختم به هذه الكتب. كتاب رسول الله إلى القيصر (هرقل) وجه رسول الله دحية بن خليفة الكلبي بكتاب إلى قيصر، وأمره أن يدفعه إلى حاكم (بصرى) ليوصله إلى هرقل، ونص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإن أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولّيت فإن عليك إثم الإرّيسيين «1» : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» «2» .

_ (1) الإرّيسيون: الفلاحون والأتباع، والمراد رعيته لأنها غالبا تتبع ملكها وراعيها. (2) سورة ال عمران: الاية 64.

موقف هرقل من الكتاب

موقف هرقل من الكتاب ولما وصل الكتاب إلى هرقل وكان الرجل عاقلا قال: ائتوني برجل من قومه أسأله عنه، فالتمسوه، فصادفوا أبا سفيان في ركب من قومه ذاهبين بتجارتهم إلى الشام بعد صلح الحديبية، فجاؤوا بهم إليه، فسألهم بوساطة ترجمانه أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا، فقال له: ادن مني، فأجلسه أمامه، ثم أجلس بقية قومه خلفه حتى لا يخجلوا من ردّ كذبه عليه إذا كذب. ثم سأله عن نسبه، وهل ادّعى ذلك أحد قبله، وعن مبلغ صدقه؟ وهل كان من ابائه من ملك؟ وأيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ وأيزيدون أم ينقصون؟ وهل يرتد أحد من أتباعه سخطة لدينه؟ وهل يغدر إذا عاهد؟ وكيف حربكم وحربه؟ وبم يأمركم؟ كل ذلك وأبو سفيان يجيب بما هو الحق. ثم استخلص هرقل الحق من كلام أبي سفيان فقال له: إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله، فزعمت أن لا، فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يأتم بقول قيل قبله. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فقلت ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك هل كان من ابائه ملك فقلت: لا، فلو كان من ابائه ملك لقلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فقلت: بل يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك هل قاتلتموه؟ فقلت: نعم، وأن الحرب بيننا وبينه سجال، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، وسألتك بماذا يأمر؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد اباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.

كتاب كسرى

ثم قال: وهذه صفة نبي كنت أعلم أنه نبي، ولكن لم أعلم أنه منكم، وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه!! ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرىء على الحاضرين، فعلت أصوات من حوله من عظاماء الروم وكثر لغطهم، وأمر بأبي سفيان وأصحابه فأخرجوا، فقال أبو سفيان: لقد عظم أمر ابن أبي كبشة «1» ، هذا ملك بني الأصفر «2» يخافه، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام. ولما سار قيصر إلى حمص وأذن لعظماء الروم في دسكرة له، ثم أمر بأبوابها فأغلقت، ثم قال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة، فلما رأى قيصر نفرتهم وغضبهم قال: ردّوهم علي، ثم قال لهم: إنما قلت مقالتي انفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فسجدوا له ورضوا عنه «3» . وهكذا غلبه حب ملكه على الإسلام، فذهب بإثمه وإثم رعيته كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه مع هذا كرّم دحية ورده ردا جميلا. كتاب كسرى ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السّهمي بكتاب إلى كسرى «4» ملك الفرس، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه هذا إلى كسرى ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وامن بالله ورسوله، وشهد ألاإله إلا الله

_ (1) قيل: هو كنية أبيه من الرضاعة، واسمه الحارث بن عبد العزى، كانوا ينسبونه إليه استهزاء. (2) بنو الأصفر: الروم. (3) صحيح البخاري، باب بدء الوحي، وكتاب الجهاد- باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام. (4) كسرى لقب لكل ملك الفرس وهو كسرى بن برويز بن هرمز بن أنو شروان.

كتاب المقوقس عظيم مصر

واحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فإن تسلم تسلم، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك» . فلما قرىء الكتاب عليه مزقه، فلما بلغ رسول الله ذلك دعا عليه قائلا: «اللهم مزّق ملكه» وقد استجاب الله لنبيه، فقتله ابنه شيرويه، ولم تقف حماقة كسرى عند تمزيق الكتاب بل أرسل إلى «باذان» عامله على اليمن: ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز، ففعل باذان، فلما قدما على النبي قال: «أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة» ! وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الاخرة سنة سبع من الهجرة، فخرجا من عند النبي حتى قدما على باذان فأخبراه بمقتل كسرى، وقالا له يقول لك: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك من الأبناء. ثم لم ينشب باذان أن جاءه كتاب شيرويه يخبره بقتل أبيه، وأوصاه أن لا يهيج النبي حتى يأتيه أمره فيه، فقال: إن هذا الرجل لرسول، فأسلم وأسلم الأبناء من فارس الذين كانوا باليمن. كتاب المقوقس عظيم مصر وأوفد عليه الصلاة والسلام حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس عظيم مصر وأميرها من قبل الروم بكتاب ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم القبط: يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «1» .

_ (1) انظر: صورة هذا الخطاب في كتاب «الوسيط في الأدب العربي وتاريخه» ، ص 122.

فوفد حاطب على المقوقس وكان بمدينة الإسكندرية، فناوله الكتاب، فقبّله وأكرم حاطبا وأحسن نزله. ثم بعث إلى وفد جمع بطارقته، وقال: إني سائلك عن كلام، فأحب أن تفهم عني، قال: قلت هلمّ، قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت: بلى، هو رسول الله، قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟! قال: فقلت: عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى، قلت: فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حيث رفعه الله إلى السماء الدنيا؟!. فسر منه وقال له: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم «1» ، ثم قال إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدت أنه لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، وسأنظر، ثم كتب ردّ الخطاب، فقال فيه: (لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وكنت أظنه بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان عظيم في القبط، وبثياب، وأهديت إليك بغلة تركبها والسلام) . وإحدى الجاريتين مارية التي تسرّاها رسول الله وولدت له إبراهيم، والاخرى أعطاها حسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان وقيل أربع جوار، ومما أهدي غلام خصي اسمه «مابور» وحمار أسمي عفيرا أو يعفور، وقد أسمى النبي البغلة دلدلا، وكانت فريدة ببياضها بين البغال التي عرفتها بلاد العرب. وخطاب المقوقس هذا يدل على إكباره لرسول الله كما يدل على أنه لم يسلم، ولم يبعد، والذي يبدو أن الرجل خاف على ملكه، ولولا هذا لامن ونال حظه من الإسلام.

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 273.

كتاب النجاشي

كتاب النجاشي وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة مع عمرو بن أمية الضمري ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى وامن بالله ورسوله، وشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسوله، فأسلم تسلم: يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك» «1» . ولما وصله الكتاب احترمه وكرم حامله وقال له: إني أعلم والله أن عيسى بشّر به، ولكن أعواني بالحبشة قليل، فأنظرني حتى أكثر الأعوان وألين القلوب. وفي بعض الروايات أنه أسلم، والصحيح خلافه، ففي صحيح مسلم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى، وليس النجاشي الذي صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم» . ثم بعث إليه رسول الله بكتاب اخر مع عمرو أيضا بشأن مساعدة مهاجري الحبشة على الخروج إلى المدينة، فأعدّ لهم سفينتين حملتاهم إليها، فوصلوا عقب فتح خيبر كما سيأتي إن شاء الله. بقية الكتب كتاب المنذر بن ساوى ووجه عليه الصلاة والسلام العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، يدعوه وقومه إلى الإسلام، فأسلم، فأقره النبي على إمارته، وأوصاه

_ (1) البداية والنهاية، ج 3 ص 83.

كتاب أمير بصرى

بالنصح والطاعة والإصلاح، وألايكره أحدا على الإسلام، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية. كتاب أمير بصرى وأرسل عليه الصلاة والسلام الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى أمير بصرى، فلما بلغ مؤتة- قرية بمشارف الشام- تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، قال له: أين تريد؟ قال: الشام. قال: لعلك من رسل محمد؟ قال: نعم، فأمر به فضربت عنقه، ولم يقتل لرسول الله رسول غيره. كتاب أمير دمشق ووجه عليه الصلاة والسلام شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أمير دمشق من قبل هرقل، يدعوه إلى الإسلام، ويعده ملكه إن أسلم، فلما وصله الكتاب رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي؟ واستعد ليرسل جيشا لحرب النبي، وقال لشجاع: أخبر صاحبك بما ترى، ثم أرسل إلى قيصر يستأذنه في ذلك، وصادف ذلك مجيء دحية بكتاب رسول الله إلى هرقل، فكتب إليه يثنيه عن عزمه، فلما رأى الحارث كتاب قيصر صرف شجاعا بالحسنى ووصله بنفقه وكسوة. كتاب ملك اليمامة ووجه النبي سليط بن عمرو العامري بكتاب إلى هوذة بن علي ملك اليمامة يدعوه إلى الإسلام، ووعده أن يجعل له ما تحت يديه إن أسلم، فكتب في رد الكتاب: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، فلما بلغ كتابه الرسول قال: «لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه» فلم يلبث أن مات منصرف الرسول من فتح مكة. كتب أخرى وكذلك أرسل النبي إلى جبلة بن الأيهم الغساني، وإلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن، وإلى جيفر وعبد ابني الجلندى ملكي عمان،

وإلى غيرهم من الملوك والأمراء، فمنهم من أجاب وأسلم ومنهم من رد ردا سيئا. ويلاحظ على هذه الكتب الخبرة الدقيقة بنفوس من أرسل إليهم، وحسن تخير الألفاظ المناسبة لكل، والمثيرة للعواطف والمشاعر، كما يلاحظ أن بعض من لم يسلم كان رده ردا جميلا رقيقا مما يدل على قوة الإسلام وسطوته، وسماحة دعوته، فلا تعقيد فيها ولا غموض، وأن الصحابة الذين حملوا الكتاب كانوا عند حسن ظن الرسول بهم، ووفوا بما عاهدوه عليه من الإقدام، وأن لا ينكصوا كما نكص بعض رسل عيسى عليه الصلاة والسلام، كما كان عجيبا أن لم يقتل من الرسل على كثرتهم إلا واحد، وهذا يدل على أن العالم حينئذ كان يستشرف إلى دين جديد سمح، ينقذه من الحضيض الذي هوى إليه، فكان هذا الدين هو الإسلام.

السنة السابعة من الهجرة

السّنة السّابعة من الهجرة [الغزوات والسرايا في هذه السنة] غزوة ذي قرد «1» لم يختلف أصحاب السير أنها كانت سنة ست قبل الحديبية وإن اختلفوا في شهرها، وجزم الإمام البخاري بأنها كانت قبل خيبر بثلاث ليال على ما ثبت عنده من أحاديث صحيحة، وقد رجّح الحافظان ابن كثير وابن حجر ما ذهب إليه البخاري «2» ، ولذلك اثرت ذكرها هنا تبعا لما في الصحيح. أغار عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري في جماعة من قومه غطفان على لقاح «3» النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة، وعلى اللقاح رجل من غفار ومعه امرأته، فقتلوا الرجل واستاقوا اللقاح وأخذوا معهم المرأة، وكان أول من سمع بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع، فقد لقيه غلام لعبد الرحمن بن عوف فأخبره، فتوشح سيفه، وتنكّب قوسه، وأخذ نبله وصعد على جبل فراهم، فصاح واصباحاه «4» (ثلاثا) وخرج يشتد في اثار القوم، وكان عاديا لا يسبقه أحد حتى لحق بهم، فجعل يرميهم بالنبل ويقول: خذها وأنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرّضّع «5»

_ (1) بفتح القاف والراء وحكي الضم فيها، وهو ماء على نحو بريد من بلاد غطفان. (2) فتح الباري، ج 7 ص 37. (3) جمع لقحة بكسر اللام وفتحها: الإبل ذوات اللبن. (4) كلمة تقال عند استنفار الغافل. (5) الرضع: جمع راضع وهو اللئيم، أي يوم هلاك اللئام.

لا نذر في معصية

فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع صياح ابن الأكوع فنادى في المدينة: «الفزع. الفزع» فترامت الخيول إلى رسول الله، فأمر عليهم سعدا وقال: «اخرج في طلب القوم حتى ألحقك» . منهم المقداد بن الأسود، وعبّاد بن بشر، وسعد بن زيد، وعكاشة بن محصن، وأبو قتادة. وما زال سلمة يكر ويفر، حتى استنقذ منهم اللقاح، واستلب منهم أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا، ألقوها متخففين منها، وهم يظنون أنه ما فعل ذلك إلا ومعه كمين أو وراءه مدد. ولما أدركهم الفرسان المسلمون حمل أبو قتادة على عبد الرحمن بن عيينة فقتله، وقتل عكاشة رجلا وابنه، وقتل من المسلمين محرز بن نضلة، وأخذ المشركون في السير هربا، ولم يلبث رسول الله أن جاء في خمسمائة من أصحابه وأقام على ذي قرد يوما وليلة، فقال سلمة: يا رسول الله لو سرحتني ومائة رجل لاستنقذت بقية السرح، وأخذت بأعناق القوم، فقال العفوّ الكريم: «يا سلمة ملكت فأسجح «1» ، إنهم الان ليغبقون في غطفان» «2» أي فاتوا ووصلوا إلى بلادهم. وقسم النبي الغنيمة عليهم وأعطى سلمة سهمين: سهم الراجل وسهم الفارس، تقديرا له، وأردفه على ناقته العضباء، وهم عائدون إلى المدينة، وقال: «خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة» وعاد المسلمون بعد أن لقنوا غطفان درسا لن ينسوه. لا نذر في معصية وكانت امرأة الغفاري قد غافلت المشركين، وركبت ناقة من إبل النبي حتى قدمت عليها المدينة، وكانت نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنّها،

_ (1) أي إذا قدرت فاعف. (2) ليغبقون: يشربون لبن العشي، والغبوق- بفتح الغين- ما يشرب بالمساء.

الوفاء حتى للحيوان

فلما أخبرت الرسول تبسم وقال: «بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها، ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية، ولا فيما لا تملكين، وإنما هي ناقة من إبلي» . الوفاء حتى للحيوان وإن هذه القصة لترينا حسن العهد، وغاية الوفاء اللذين كان يتخلق بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الوفاء الذي شمل بني الإنسان والحيوان، وقد كان هذا درسا علمه رسول الله هذه المرأة ليكون عبرة للأجيال، إن صاحب الخلق العظيم يعلمنا أن نقابل الإحسان بالإحسان، والجميل بالجميل، والنعم بالشكر، لا بالجحود والكفران، وأن الوفاء لازم حتى للحيوان. وبعد أن بيّن لها الرسول الكريم أن هذا وإن كان لا يليق خلقا ومروءة، فهو لا يجوز شرعا، إذ لا نذر في معصية ولا فيما لا يملكه الإنسان. غزوة خيبر وفي هذه السنة كانت غزوة خيبر، وبالانتصار فيها تم القضاء على شوكة اليهود في جزيرة العرب، وسنرجىء الكلام عليها إلى بحث موقف الإسلام من اليهود بعد الفراغ من حوادث هذا العام.

غزوة ذات الرقاع

غزوة ذات الرقاع «1» خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع من أصحابه، قيل: أربعمائة وقيل: سبعمائة قبل نجد يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان لما بلغه أنهم يجمعون الجموع له، واستخلف على المدينة أباذر، وقيل عثمان بن عفان، فساروا حتى وصلوا «نخلا» ، فلقي بها جمعا من غطفان، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وخاف المسلمون أن يأخذهم المشركون على غرّة، فصلى النبي بأصحابه صلاة الخوف، وذلك أن طائفة منهم صفّت مع النبي صلى الله عليه وسلم ووقفت طائفة تجاه العدو، فصلّى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا تجاه العدو، وجاءت الطائفة الاخرى فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم. وقد ورد عن النبي في صفة صلاة الخوف كيفيات أخرى حملها بعض العلماء على التوسع والتخيير، وأن أية طريقة منها جائزة، وحملها البعض الاخر على اختلاف الأحوال، فإذا اشتد الخوف أخذ بأيسرها مؤونة، وأقلها عملا. وهذا يدل على يسر الإسلام وسماحته، وصلاحيته لكل زمان ومكان. وقد اختلف في تحديد وقتها، فالإمام البخاري يرى أنها كانت سنة سبع بعد خيبر وساق أدلته على ذلك، أما أصحاب السير فذهبوا إلى أنها قبل خيبر، وإن اختلفوا في تحديد زمانها، فقيل سنة أربع، وقيل سنة خمس، وقيل في أوائل سنة ست.

_ (1) اختلف في سبب تسميتها «ذات الرقاع» فقيل: لأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما حفيت أقدامهم، وقيل: لأنهم رقعوا راياتهم فيها.

قدوم مهاجري الحبشة

قدوم مهاجري الحبشة وفي هذا العام وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من بقي من مهاجري الحبشة وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب، ومعه بضعة وخمسون رجلا من أهل اليمن وهم الأشعريون، منهم أبو موسى الأشعري، وأخوه أبو بردة، وأبو رهم. ففي صحيح البخاري «1» عن أبي موسى أنه بلغهم مخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم باليمن، فخرجوا مهاجرين إليه وركبوا سفينة، ولكن الرياح عاكستها، وألقت بها إلى الحبشة، فوافوا جعفرا وأصحابه هناك، فأقاموا معهم حتى بعث النبي عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي أن يجهّز إليه جعفرا ومن معه، فجهزهم وحملهم في سفينتين وعادوا مكرمين إلى المدينة. وكان قدومهم بعد فتح خيبر، وقد سر النبي بمقدم جعفر وأصحابه، وقال: «ما أدري بأيهما أنا أسر: بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر؟» وكان فيمن قدم مع جعفر زوجته أسماء بنت عميس والسيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج الرسول، وخالد بن سعيد بن العاص، وزوجته، وولده، وعمرو بن سعيد بن العاص، والأشعريون. ولما قدمت أسماء وراها الفاروق عمر قال لها: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت، وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله، يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار البعداء البغضاء، وذلك في الله،

_ (1) فتح الباري، ج 7 ص 334.

وفي رسول الله. ثم أخبرت النبي بمقالة سيدنا عمر فقال لها: «ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان» أي هجرتهم إلى الحبشة، ثم هجرتهم إلى المدينة، فما فرح أصحاب السفينة بشيء أعظم من فرحهم بمقالة الرسول. ولما لهم من منزلة، ولما تحمّلوه في سبيل الإسلام قسم لهم جميعا من غنائم خيبر، ولم يقسم لأحد لم يشهدها غيرهم، إلا ما كان من أمر أبي هريرة فقد قدم على النبي مسلما وهو بخيبر بعد فتحها، فكلم النبي أصحابه في شأنه فأشركوه في غنيمتهم.

سرية بشير بن سعد

سرية بشير بن سعد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد الأنصاري لقتال بني مرة بناحية فدك، فلما ورد بلادهم لم ير منهم أحدا، فاستاق نعمهم، وكان القوم بالوادي فجاءهم الصريخ «1» ، فأدركوه ليلا وهو راجع، فتراموا بالنبل، ولما أصبح الصباح اقتتل الفريقان قتالا مريرا حتى قتل عامة من كان مع بشير، وصمد هو يومئذ صمود الأبطال، وما زال يقاتل حتى أثخنته الجراح، وظنوا أنه مات، ثم لم يلبث وقد انصرف عنه العدو أن تحامل على نفسه حتى جاء إلى رسول الله وأخبره الخبر. سرية غالب بن عبد الله وفي رمضان سنة سبع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي إلى الميفعة «2» من أرض بني مرة في جماعة من الصحابة، منهم أبو مسعود البدري، وكعب بن عجرة، وأسامة بن زيد، فأدرك أسامة بن زيد ورجل من الأنصار «مرداس بن نهيك» «3» ، فلما شهرا عليه السيف قال: أشهد ألاإله إلا الله، فكفّ عنه الأنصاري وقتله أسامة، وقد لامه الصحابة على هذا حتى سقط في يده، فلما قدموا على رسول الله أخبروه فقال: «يا أسامة كيف لك بلا إله إلا الله» ؟ فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذا من القتل، فقال النبي: «فهلّا شققت عن قلبه فنظرت إليه» ؟! وما زال النبي يردد قوله: «فكيف لك

_ (1) الصريخ: المستغيث. (2) بكسر الميم وسكون الياء وفتح الفاء: على ثمانية برد من المدينة بناحية نجد. (3) «مرداس» بكسر الميم و «نهيك» بفتح النون وكسر الهاء.

بلا إله إلا الله» حتى تمنى أسامة أنه لم يكن أسلم قبل ذلك اليوم وقال: إني أعطي الله عهدا ألاأقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله أبدا، فقال النبي: «بعدي يا أسامة» قال: بعدك. وهذا يدل على عظم حرمة كلمة التوحيد، وأن الرجل ما دام أظهر كلمة الإسلام فهو معصوم الدم. وقد حدث مثل ذلك من المقداد وغيره من الصحابة متأولين «1» ، فأنزل الله هذا التأديب الإلهي في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً «2» .

_ (1) فتح الباري، ج 8 ص 208؛ وتفسير القرطبي، ج 5 ص 336، 337. (2) سورة النساء: الاية 94.

عمرة القضاء والقضية والقصاص

عمرة القضاء والقضية والقصاص «1» ها هو العام قد استدار، وحلّ ميعاد عمرة القضاء، فما إن وافى ذو القعدة من عام سبعة حتى أذن مؤذن رسول الله أن يتجهزوا للعمرة، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من كان معه بالحديبية إلا من مات أو استشهد، وخرج معه اخرون حتى بلغت عدتهم ألفين، واستخلف على المدينة عويف بن الأضبط الديلي وقيل أبارهم، وسار رسول الله يلبي والمسلمون يلبون بعد أن أحرموا بالعمرة، وساقوا أمامهم الهدي، وشهدت الصحراء هذا المشهد الرائع الذي لم تشهده من قبل، وعجّت الصحراء بالتهليل والتكبير والتلبية، والمسلمون يغذون السير يحدوهم الشوق إلى بيت الله الحرام، ويستخفهم الفرح بالعودة إلى البلد الطيب الذي فيه ولدوا، وعلى ترابه ترعرعوا، وفي مغانيه كانت ذكريات الطفولة ومارب الشباب. وكان رسول الله- رعاية للحيطة، وأخذا للحذر- قد ساق أمامه الخيل وعليها محمد بن مسلمة، والسلاح مع بشير بن سعد، حتى إذا غدر أهل مكة

_ (1) سميت عمرة القضاء لأنها كانت قضاء عن العمرة الأولى، وأنكر السهيلي ذلك وقال: سميت بالقضاء لأنها كانت بسبب التقاضي والصلح بين المسلمين والمشركين في الحديبية، وتسمى عمرة القضية أيضا لما ذكرنا، وتسمى عمرة القصاص لأنها كانت قصاصا عن عمرة الحديبية، وقيل لقول الله تعالى: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ لأنهم لما منعوا المسلمين من الاعتمار في شهر حرام كان جزاؤهم أن يدخلوا عليهم مكة في شهر حرام من العام القابل.

بهم أو أهاجهم هائج كان السلاح قريبا منهم، وفي مرّ الظهران التقى نفر من قريش بمحمد بن مسلمة في خيل المسلمين، ورأوا السلاح مع بشير بن سعد، فرجعوا سراعا فأخبروا قريشا، ففزعت قريش وقالوا: والله ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا وهدنتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه؟ ولما بلغ رسول الله بطن يأجج حيث ينظر أنصاب الحرم «1» ترك الخيل والسلاح، وبعثت قريش مكرز بن حفص في نفر منهم فالتقوا بالنبي ببطن يأجج، فقالوا: يا محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر، وقد شرطت ألاتدخل مكة إلا بالسيوف في القرب، فقال له النبي: «إني لا أدخل عليهم السلاح» فقال مكرز: هذا التي تعرف به: البر والوفاء. ثم رجع إلى قريش فأخبرهم، فخرجوا إلى رؤوس الجبال، وأخلوا مكة للمسلمين، واكتفوا بالنظر إليهم من عل، واستبدّ الحنق والغضب ببعضهم، فذهبوا إلى الخندمة كراهة أن ينظروا إلى النبي وإلى أصحابه، وتهيأ المسلمون لدخول البلد الحرام، وركب رسول الله على ناقته القصواء، وهؤلاء الغر الميامين والأبطال الأشاوس يحيطون به، وهم متوشحون سيوفهم، والكل يقول: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» والبطل المقدام عبد الله بن رواحة اخذ بزمام الناقة وهو يرتجز ويقول: خلّوا بني الكفار عن سبيله ... خلّوا فكل الخير في رسوله يا ربّ إني مؤمن بقيله ... أعرف حقّ الله في قبوله نحن قتلناكم على تأويله ... كما قتلناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله وأنكر ابن هشام أن البيتين الأخيرين من كلام ابن رواحة وأنهما لعمار بن ياسر يوم صفّين، وقال: إنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل. وفيما قاله نظر،

_ (1) العلامات الدالة عليه.

إقامة النبي بمكة

فإن موسى بن عقبة والحافظ البيهقي رويا هذا، والمسلمون قد قاتلوا المشركين على تأويله، كما قاتلوهم على ما أوجبه التنزيل «1» . ودخل المسلمون المسجد الحرام ليطوفوا بالبيت، وكان المشركون قد أرجفوا وقالوا: إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمّى يثرب، وتطلعوا من رؤوس الجبال ليروا الذين أضعفتهم الحمى والغربة، فلما علم النبي بهذه المقالة اضطبع بردائه وصار يهرول «2» ، وأمر المسلمين أن يضطبعوا ويهرولوا وقال: «رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة» فكان إذا استلم الحجر الأسود هرول وهرولوا، حتى إذا استلم الركن اليماني وواراه البيت منهم مشى ومشوا حتى يستلم الركن عند الحجر الأسود، هكذا فعل الأشواط الثلاثة الأولى ومشى في الأربعة الباقية، ولولا الرحمة بهم، والإشفاق عليهم لهرول بهم الأشواط كلها. وبعد الطواف وصلاة ركعتين عند مقام إبراهيم سعوا بين الصفا والمروة، ثم حلقوا وذبحوا هداهم، وبذلك تمت عمرتهم. ورأى المشركون هذا المشهد المؤثر المعبّر فخاب ظنهم، ولم يكتموا ما بأنفسهم، فقالوا: ما يرضون بالمشي، أما إنهم لينفرون نفر الظباء، وازدادوا كمدا إلى كمد. إقامة النبي بمكة ومكث النبي والمسلمون بمكة ثلاثة أيام، يطوفون بالبيت ويصلون، ويعبون من ماء زمزم، وقد قضوا بعض حاجات النفس المشوقة إلى بيت الله

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 228؛ فتح الباري، ج 7 ص 402. (2) الاضطباع: أن يضع منتصف إزاره تحت إبطه اليمنى، ثم يطرح طرفه على كتفه اليسرى. والهرولة فوق المشي العادي، ودون الجري مع تقارب الخطا وهز الكتفين، وهي مشية تنم عن القوة والفتوة، وهذا أصل هذه السنة، ثم أبقاها الشارع لما فيها من التذكير بنعمة الله على المسلمين حيث أعزهم بعد ذلة، وقواهم بعد ضعف، ونصرهم ومكن لهم في الأرض بعد ضيعة، وقد ذكر المرحوم الشيخ الخضري في سيرته: أن النبي طاف بالبيت وهو على ناقته، واستلم الركن بمحجن في يده، وهذا ليس بصحيح، وإنما كان ذلك في حجة الوداع، وهذا الذي ذكرناه هو ما ذكره ابن إسحاق وثبت في الأحاديث الصحاح.

حادثة وقضية

الحرام، وفي صبح اليوم الرابع جاء سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزّى إلى رسول الله وهو يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب: نناشدك الله والعهد لما خرجت عن أرضنا فقد مضت الثلاث، فقال سعد: كذبت ليس بأرضك ولا بأرض ابائك والله لا يخرج، ولكن رسول الله حسم المخاصمة وقال لهما: «إني قد نكحت فيكم امرأة- ميمونة- فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا» وذلك تطييبا لنفوسهم، وتأليفا لقلوبهم، ولكنهما أبيا فأمر رسول الله أبا رافع فأذّن بالرحيل، فارتحل الرسول وأصحابه حتى نزلوا بسرف- قرية قرب مكة- وأقاموا هناك، وفيها بنى النبي صلى الله عليه وسلم بزوجه ميمونة، ثم ارتحلوا إلى المدينة وألسنتهم بالشكر والثناء على الله، أن صدق وعده، ونصر عبده وهم يرددون قول الله سبحانه: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً «1» . حادثة وقضية ولما خرج النبي من مكة تبعته فاطمة ابنة حمزة شهيد أحد وكانت جارية صغيرة، وقالت: يا عم يا عم، فتناولها علي وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك فحملتها، فلما رجعوا إلى المدينة اختصم فيها علي، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، فقال علي: أنا أخذتها وهي ابنة عمي، وعندي ابنة رسول الله وهي أحق بها، وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي «2» ، وقال زيد ابنة أخي «3» ، فقضى النبي بها لخالتها وقال: «الخالة بمنزلة الأم» ثم طيّب خاطر كل واحد

_ (1) سورة الفتح: الاية 27. (2) لأن أم البنت هي سلمى بنت عميس أخت أسماء بنت عميس. (3) لأن النبي كان اخى بين حمزة وزيد حين عقد المؤاخاة بين المسلمين.

من هؤلاء الثلاثة فقال لعلي: «أنت مني وأنا منك» وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» «1» وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا» ولما كبرت قال علي للنبي: ألا تتزوج ابنة حمزة فقال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة» . وإن لنا هنا لوقفة عند هذه القضية الشائكة، فكل من الثلاثة أدلى بحجته، وعلي وجعفر تربطهما بالنبي صلة القرابة الوثيقة، وهما بالنسبة للبنت أبناء عمومة، وزيد تربطه بالنبي علاقة تربية ومحبة، بهما اثر النبي على أهله حتى تبناه النبي، ثم أبطل ذلك الإسلام فيما أبطل، قضية محيّرة حقا، ولكن ذا القلب الكبير والعقل الواسع قضى فيها خير ما يكون القضاء، فزيد مهما نال من شرف الأخوة وحقها لحمزة فهو دون علي وجعفر في استحقاق ابنة حمزة، وقد يرى بعض بني هاشم في تربيتها في بيت مولى لهم ما يخل بمنزلتهم في قريش، أو ترى البنت الهاشمية في ذلك غضاضة عليها، فبقي التفاضل بين علي وجعفر، كلاهما من بني هاشم، وكلاهما ابن عم لها، وكلاهما من السابقين الأولين من المهاجرين ومنزلتهما في الإسلام معروفة، فليكن التفاضل بما وراء ذلك فمن ثمّ قضى بها لجعفر، لأن خالتها عنده والخالة كما قال الصادق المصدوق بمنزلة الأم. وقد يبدو بادىء الرأي أن عليا كان أولى بها، لأنه ابن عم، وزوجه بنت عم لها، ولكن كيف؟ وابنة العم مهما بلغت من الكرم والتسامح والرعاية لن تكون كالخالة، وربما ترى في وجود ابنة العم معها- وهي من تحل لزوجها- منافسا لها، فلا تعجب إذا كان صاحب القلب المضيء، والنظر الرحيب، قد قضى بهذا القضاء العادل الحكيم، فقضى بها لجعفر، أو إن شئت الدقة فقل لخالتها التي عنده: أسماء بنت عميس، وهي من هي دينا وخلقا وتضحية في سبيل الله ورسوله. ولا يخفى على العارف بالنفوس البشرية وما يدبّ فيها من الخواطر والهواجس ما عسى أن يداخل نفوسهم من ألم أو خواطر لفوات ما كانت تحب

_ (1) الأولى بفتح الخاء وسكون اللام والثانية بضم الخاء واللام.

وتهوى، أو هوان وضعف منزلة، فيطيب خاطر الثلاثة بهذه الأوصاف المشرّفة الموزونة بميزان عادل دقيق، لا يمكن أن يكون إلا ممن أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارا، وبهذا جمع النبي صلوات الله وسلامه عليه بين جلال الحق العادل وجمال تطييب الخاطر.

تشريعات وحوادث هذا العام

تشريعات وحوادث هذا العام تحريم لحوم الحمر الأهلية وغيرها وفي غزوة خيبر حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية- الإنسية-، وحرم لحوم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» ورويا بسندهما عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال: أفنيت الحمر، فأمر مناديا ينادي في الناس: «إن رسول الله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس، فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم» . وروى مسلم عن ابن عباس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) وبينت رواية الترمذي أن ذلك كان في خيبر «1» . تحريم نكاح المتعة وفي خيبر أيضا حرم النبي نكاح المتعة، وهو النكاح لأجل، ولم يكن يستلزم طلاقا ولا عدّة، ولا يستوجب ميراثا، وقد كان هذا النكاح معروفا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أباحها في بعض الغزوات للضرورة القصوى، ففي

_ (1) فتح الباري، ج 9 ص 540؛ صحيح مسلم بشرح النووي، ج 13، ص 82، 99.

حديث ابن مسعود: (أنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة، فأذن لهم في الاستمتاع) . وقد ورد في حل المتعة ثم تحريمها أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، ففي الصحيحين عن علي رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة، عام خيبر، ولحوم الحمر الأهلية. وفي صحيح البخاري عن علي أيضا التصريح بأن نكاح المتعة نسخ. وتحرير المقال في هذا المقام الذي كثر فيه القيل والقال: إن تحريم المتعة بعد إباحتها وقع مرتين: الأولى يوم خيبر، والثانية يوم فتح مكة، أبيحت ثلاثة أيام ثم حرمت بعد ذلك تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الشيعة. وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه، بل قد ورد عنه أنه كان يبيحها للضرورة، فقد روى الخطابي والفاكهي عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء، فقال: والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر، فإذا ثبت ذلك وأنه رجع عن مقالته فقد تأكد الإجماع على حرمتها بعد الفتح إلى يوم القيامة، وأجمع العلماء على أنه متى وقع نكاح المتعة الان حكم ببطلانه سواء كان قبل الدخول، أو بعده، إلا ما ورد عن زفر من الحنفية في أنه يتأبد نكاحه، وكأنه يرى التوقيت من باب الشروط الفاسدة في النكاح، فإنها تلغى ويصح النكاح. ولا أدري كيف يستحل الشيعة نكاح المتعة، ويقولون ببقائه بعد ما ثبت في الصحيحين عن الإمام علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها وأنها منسوخة «1» ؟! والحق أحق أن يتبع.

_ (1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 9 ص 179- 181؛ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 9 ص 136.

زواج النبي بصفية بنت حيي النضرية

زواج النبي بصفية بنت حييّ النضرية هي السيدة صفية بنت حييّ بن أخطب من ذرية هارون بن عمران، ومن سبط لاوي بن يعقوب، ولما أجلى النبي يهود بني النضير من المدينة ذهب عامتهم إلى خيبر، وفيهم أبوها حييّ سيد بني النضير وبنو أبي الحقيق، وكانت صفية حينئذ دون البلوغ، فلما بلغت تزوجها سلّام بن مشكم، ثم خلفه عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان عنده كنز بني النضير، فجيء به إلى الرسول بعد هزيمة يهود خيبر، فسأله عن الكنز فجحده، فقال له النبي: «أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك» ؟ قال: نعم، فأتى رسول الله رجل من اليهود فقال: يا رسول الله، إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، فأمر الرسول بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض الكنز، ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤديه، فدفعه رسول الله إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة الذي قتله اليهود في خيبر. ولما فتح المسلمون القموص- حصن بني أبي الحقيق- كانت صفية في السبي، فأعطاها دحية الكلبي، فجاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قومها، وهي ما تصلح إلا لك، فاستحسن النبي ما أشار به الرجل، وقال لدحية: «خذ جارية من السبي غيرها» ثم أخذها رسول الله وأعتقها وجعل عتقها صداقها. وهكذا ردّ النبي إليها بصنيعه هذا اعتبارها، وحفظ لها شرفها وسيادتها. وذكر ابن سعد عن الواقدي قال: لم يخرج النبي من خيبر حتى طهرت صفية من حيضها، فحملها وراءه، فلما صار إلى منزل على ستة أميال من خيبر

مال يريد أن يعرّس بها فأبت عليه، فوجد في نفسه، فلما كان بالصهباء نزل بها هناك فمشطتها أم سليم، وعطرتها، وزفتها إلى النبي وبنى بها، فسألها: «ما حملك على الامتناع من النزول أولا» ؟ فقالت خشيت عليك من قرب اليهود، فعظمت في نفسه، ومكث رسول الله بالصهباء ثلاثة أيام، وأولم عليها ودعا المسلمين، وما كان فيها من لحم وإنما التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطّأ لها خلفه ومدّ عليها الحجاب، فأيقنوا أنها إحدى أمهات المؤمنين. وقد بلغ من إكرام النبي لها أنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته لتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، وقد بلغ من أدبها أنها كانت تأبى أن تضع رجلها على ركبته، فكانت تضع ركبتها على ركبته وتركب. ولما كانت ليست بعربية ولا قرشية كان بعض نساء النبي يدللن عليها ويحاولن النيل منها، ولكن العادل المنصف، وناصر الضعفاء كان ينتصر لها، وينافح عنها، ويلقنها كيف ترد عليهن، فقد بلغ النبيّ أن عائشة وحفصة نالتا منها، فقال لها: «ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى» رواه الترمذي، بل بلغ من انتصار النبي لها أن هجر زينب بنت جحش مدة لنيلها منها، ووصفها لها باليهودية «1» . فلا عجب أن كانت تحب رسول الله حبا جما، وشديدة الوفاء والإخلاص له، ففي مرض موته اجتمع نساؤه حوله، فقالت صفية: يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزن ببصرهن، فقال: «مضمضن» فقلن: من أي شيء؟ فقال: «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة» . وقد روت عن النبي الأحاديث، وروي عنها، وكانت صفية عاقلة حليمة صادقة، يروى أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها عن ذلك، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما،

_ (1) رواه ابن سعد.

حكمة زواجه بها

فأنا أصلها، فقبل منها، ثم قالت للجارية: ما حملك على هذا؟ قالت: الشيطان، فقالت لها: اذهبي فأنت حرة. وكانت وفاتها في رمضان سنة خمسين في زمن معاوية، وقيل سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنها وأرضاها «1» . حكمة زواجه بها ومما ذكرنا يتبين لنا أن النبي لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباعا للغريزة الجنسية كما يزعم الأفاكون، وإنما أراد إعزازها وتكريمها وصيانتها من أن تفترش لرجل لا يعرف لها شرفها ونسبها في قومها، هذا إلى ما فيه من العزاء لها فقد قتل أبوها من قبل وزوجها وكثير من قومها، ولم يكن هناك أجمل مما صنعه الرسول معها، كما أن فيه رباط المصاهرة بين النبي واليهود عسى أن يكون هذا ما يخفف من عدائهم للإسلام، والانضواء تحت لوائه، والحد من مكرهم وسعيهم بالفساد، وقد ضرب النبي بزواجه بها بعد أن أعتقها في باب التسامح والعفو المثل الأعلى فطالما نال النبي والمسلمين من قومها الشر الكثير، ولا سيما أبوها الذي جمع الجموع في الأحزاب وكان دائم التأليب على النبي، وكان للنبي أن يدعها مملوكة له يستحقها بملك اليمين، أو يتركها سبية عند رجل ربما لا يعرف لها قدرها، ولكنه النبي الإنسان الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وأوفى في مكارم الأخلاق على الغاية. حراسة أبي أيوب للنبي ولما أعرس الرسول بصفية في قبة له، بات السيد الجليل أبو أيوب الأنصاري يحرس رسول الله ويطيف بالقبة من بعد، فلما أصبح الصباح ورأى النبي مكانه قال: «مالك يا أبا أيوب» ؟ قال: يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة، وقد قتل أبوها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فسرّ الرسول بعمله الذي ينبىء عن غاية الحب والإيمان وقال: «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحرسني» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 196؛ الإصابة والاستيعاب، ج 4 ص 347.

زواج النبي بميمونة بنت الحارث

زواج النبي بميمونة بنت الحارث وفي ذي القعدة من هذا العام تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية، أخت أم الفضل لبابة الكبرى زوج عمه العباس، وكانت قبل النبي عند أبي رهم بن عبد العزّى وقيل عند حويطب بن عبد العزى «1» ، وكانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل، فجعلت أم الفضل أمرها إلى زوجها العباس، فعرضها العباس- وقد تأيّمت- على رسول الله فقبل «2» ، وأصدقها العباس عن الرسول أربعمائة درهم ولما بلغتها خطبة النبي وهي راكبة على بعير قالت: الجمل وما عليه لرسول الله، وقد أراد النبي أن يدخل بها وهو بمكة، فأبى المشركون ذلك كما ذكرنا، فخرج وبنى بها وهو بسرف. وكانت اخر امرأة تزوجها رسول الله ممن دخل بهن كما قال ابن سعد، وقد اختلفت الروايات في الصحيحين وغيرهما أتزوجها النبي وهو محرم أم وهو حلال؟ فعن ابن عباس تزوجها وهو محرم، وروى غيره أنه تزوجها وهو حلال، فمن ثمّ جمع العلماء بين الروايات بأنه عقد عليها وهو محرم ودخل بها وهو حلال بعد قضاء عمرته، وقد شاء الله أن تكون وفاتها بسرف حيث بنى بها النبي، ودفنت هناك، وكانت وفاتها سنة إحدى وخمسين وقيل سنة إحدى وستين، فرضي الله عنها وأرضاها «3» .

_ (1) ذكر المرحوم الشيخ الخضري في «نور اليقين» ، ص 212 أنها كانت تحت حمزة بن عبد المطلب، ولم أر هذا لغيره. (2) وقيل: إن النبي أرسل جعفر بن أبي طالب فخطبها عليه، فلعلها لما بلغتها الخطبة وكلت من يتولى العقد. (3) الإصابة، ج 4 ص 411.

الحكمة في زواجها

الحكمة في زواجها قد سمعت أن العباس عرضها على الرسول فكان من أدب النبي مع عمه- والعم صنو الأب- ألايرد له رغبة شريفة، ولا سيما أن في تحقيق هذه الرغبة توثيق الصلة بعمه العباس، وتأليفه إلى الدخول في الإسلام، وبزوج عمه أم الفضل وهي من السابقات إلى الإسلام، وبابن عمه جعفر فقد كانت زوجه أسماء بنت عميس أختا لميمونة من أمها، كما كانت سلمى بنت عميس زوجة سيد الشهداء حمزة أختا لها من أمها. ولعل النبي أراد ما هو أهم من هذا وهو استمالة البطل المغوار خالد بن الوليد، فقد كانت ميمونة أختا لأمه لبابة الصغرى، هذا إلى ما في زواج الرسول بها من توثيق صلته بقبيلة من أشرف القبائل العربية، وهم بنو هلال وبغيرها من قبائل العرب؛ فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب «1» أن ميمونة بنت الحارث كان لها ثلاث أخوات شقيقات، وأربع أخوات من أمها، وكلهن كنّ متزوجات في أشرف القبائل، وبعضهن كنّ من المنجبات، ولأولادهن منازل عالية في الإسلام، وكان النبي يسمي لبابة الكبرى، وميمونة، وأسماء، وسلمى: (الأخوات المؤمنات) وبحسبهن ذلك شرفا.

_ (1) ج 4 ص 404.

موقف النبي عليه السلام من اليهود وموقفهم منه

موقف النّبيّ عليه السّلام من اليهود وموقفهم منه ذكرنا فيما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وادع اليهود، وكتب بينه وبينهم كتابا شرط لهم فيه وشرط عليهم، وأقرهم على دينهم بشرط أن لا يغدروا، ولا يمالئوا عليه عدوا، ولكن اليهود قوم في طبيعتهم الغدر والدس والخيانة، فقابلوا هذا الإحسان بالإساءة، وحاربوا الدعوة الإسلامية بأساليبهم الماكرة حربا لا هوادة فيها، فقد هموا بقتل النبي وهو بدارهم لولا أن عصمه الله منهم، وطالما سعوا في إفساد ما بين المسلمين ولا سيما الأوس والخزرج من أخوة ومحبة كانت بفضل اعتناقهم الإسلام، وكثيرا ما نقضوا العهود وحاولوا طعن المسلمين من ظهورهم، وكثيرا ما ألّبوا عليه المشركين والقبائل كما حدث في غزوة الأحزاب. وهكذا كانت حياتهم في المدينة وما جاورها سلسلة من المخازي، والمؤامرات الدنيئة، فلم يكن بدّ من أن يقف النبي منهم موقفا حازما، فأجلاهم عن المدينة واستراح من شرورهم، وقتل من يستحق منهم القتل، ولم تأت السنة السابعة حتى تقوّض سلطانهم في شبه الجزيرة، ولم يعد لهم شأن يذكر، وأذعنوا لسلطان الإسلام وسطوته. وهذا إيجاز يحتاج إلى تفصيل، وإليك البيان. محاولتهم الوقيعة بين الأوس والخزرج مرّ شاس بن قيس- وكان شيخا كبيرا عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين- على نفر من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من

العداوات والإحن فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة- الأوس والخزرج- بهذه البلاد، لا والله ما لنا إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه فذكّرهم بيوم بعاث «1» وما كان فيه، وما تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم وتفاخروا، وتواثبوا حتى قال أحدهم للاخر: إن شئتم رددتها- أي الحرب- الان جذعة، وغضب الفريقان، وتنادوا: السلاح السلاح موعدكم الحرة. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إليهم في جماعة من المهاجرين حتى جاءهم فقال: «يا معشر المسلمين، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟! الله الله» . فأفاق القوم من غضبهم، وعلموا أنها نزغة شيطانية وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين، وفي هذا نزل قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. إلى قوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «2» . ولولا حكمة النبي لكان من وراء هذه الفتنة شر كثير.

_ (1) بضم الباء، وفتح العين: هو اخر يوم جرت فيه حرب بين الأوس والخزرج، وكان الغلب للأوس، ثم جاءهم الله بالإسلام، فألف بين قلوبهم. (2) سورة ال عمران: الايات 100- 103.

الجدل بين اليهود والمسلمين

الجدل بين اليهود والمسلمين من مخازي بني إسرائيل وأكاذيبهم وثارت بين المسلمين واليهود حرب كلامية، تدرّع فيها اليهود بالأباطيل والاختلاق على الله وعلى الرسل، ونسبوا إليهم ما لا يليق بهم، روى ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه بيت المدراس «1» فوجد من اليهود ناسا كثيرين قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له: فنحاص «2» بن عازوراء من علمائهم وأحبارهم، فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة، وإنه إلينا لفقير، وإنا عنه لأغنياء!! لو كان غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم «3» ، ينهاكم عن الربا ويعطيناه؛ ولو كان غنيا ما أعطانا الربا!! فغضب الصديق وضرب وجهه ضربة شديدة- على ما كان يتصف به الصديق من الحلم والرزانة والوقار- وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب فنحاص شاكيا إلى رسول الله، فقال الرسول لأبي بكر: «ما حملك على ما صنعت» ؟ فأخبره بمقالة فنحاص وتجرئه على الله، فجحد فنحاص، فأنزل الله سبحانه وتعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ... الايتين «4» .

_ (1) المدراس: الكنيسة التي يتدارسون فيها كتبهم. (2) فنحاص: بكسر الفاء وسكون النون. (3) يريد قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً. (4) سورة ال عمران: الايتان 181، 182.

وزعموا أيضا أن الله أخذ عليهم العهد ألايؤمنوا برسول حتى يقدّم قربانا، فتأتي نار من السماء فتأكله، وأنهم لن يؤمنوا برسول الله حتى يكون كذلك؛ وقد أكذبهم الله ورد عليهم ردا مفحما فقال: الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» . وقد يستبد ببعضهم الغضب والحمق فينكر بعض الحقائق الثابتة التي يقر بها، جاء مالك بن الصيف ليخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي: «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين» وكان حبرا سمينا- فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء. فلما لامه أصحابه على مقالته قال: أغضبني محمد فقلت ذلك، وقد ذكر الله مقالتهم والرد عليها في قوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «2» . إلى غير ذلك مما أثاروه من جدل حول تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وأي المسجدين أفضل: الكعبة، أم بيت المقدس «3» ؟، وأي النبيين هو الذبيح إسماعيل أم إسحاق «4» ؟، وحكم الزاني المحصن في التوراة أهو الرجم أم الجلد؟ وتحريفهم للتوراة، ولا سيما فيما يتعلق بالبشارة بالنبي،

_ (1) سورة ال عمران: الاية 183. (2) سورة الأنعام: الاية 91. (3) قد أوضحت أفضلية الكعبة في الجزء الأول. (4) قد حققت ذلك في الجزء الأول.

اليهود بالجزيرة العربية

وقد كانوا قبل البعثة المحمدية يقولون للأوس والخزرج: إنه قرب زمان نبي يبعث في اخر الزمان سنتبعه وسنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما جاءهم النبي العربي المؤيد بالوحي والمعجزات الباهرة كفروا وعاندوا، وصدق الله في قوله: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ «1» . وهكذا ثارت حرب كلامية في هذه المسائل وغيرها، وكان للمسلمين فيها الغلب والحجة ولليهود البهت والعجز. اليهود بالجزيرة العربية كان يساكن المسلمين بالمدينة يهود بني قينقاع، ويهود بني النضير، ويهود بني قريظة، كما كانت تسكن منهم جالية كبيرة بخيبر وما جاورها. وإليك ما حاكوه من دسائس، وما همّوا به من شر، وما قاموا به من مناهضة للدعوة، لترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حق فيما صنع معهم، وأن إجلاءهم كان لابدّ منه لتأمين الدعوة.

_ (1) سورة البقرة: الايات 89- 101.

يهود بني قينقاع

يهود بني قينقاع لما انتصر المسلمون ببدر حرك هذا الأحقاد في نفوس الأعداء ولا سيما اليهود، وصاروا يرجفون بالمدينة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعظهم بالحسنى ويدعوهم إلى ترك المعاندة والدخول في الإسلام، فذهب رسول الله إلى يهود بني قينقاع، وجمعهم في سوق لهم، ثم قال: «يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» . فقالوا: (يا محمد لا يغرّنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحروب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس) ، وتمادوا في غيهم، فأنزل الله في شأنهم محذرا قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ. قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ ... الاية «1» . يريد سبحانه فئتي المؤمنين والكافرين في بدر فلم يرعووا. تماديهم في الشر وتمادوا في الشر ولم يعبأوا بالقيم الخلقية، والتقاليد الكريمة العربية، ذلك أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع؛ ثم جلست إلى

_ (1) سورة ال عمران: الايتان 12، 13.

غزوة بني قينقاع

صائغ هناك منهم، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى عمل مشين، فقد عقد طرف ثوبها إلى ظهرها وهي لا تشعر؛ فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت واستغاثت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله، فتجمع اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين فغضب المسلمون ووقع الشر بينهم وبين اليهود. ولا تنس ما لهذا العمل الدنيء من إثارة النفوس العربية التي جبلت على حماية الأعراض، وصيانة النساء من مثل هذا العبث، والاستهانة بكل شيء في سبيل الشرف والكرامة. غزوة بني قينقاع لذلك لم يجد النبي بدا من غزوهم وقد نقضوا العهد بهذه الفعلة النكراء، وأخبرهم بنقض العهد الذي كان بينه وبينهم تأدبا بأدب القران في هذا حيث يقول: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ «1» . ثم حاصرهم خمس عشرة ليلة حتى نزلوا على حكم الله ورسوله، فاستشار الرسول كبار أصحابه فأشاروا بقتلهم، وكان لهم حليفان: عبد الله بن أبيّ المنافق، وعبادة بن الصامت، فأما عبادة فقد تبرأ إلى الله ورسوله منهم وقال: (يا رسول الله، أتولّى الله ورسوله وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم) «2» . وأما ابن أبي فقال: (يا محمد أحسن في موالي) ، فأعرض عنه الرسول، ثم كرر مقالته والرسول يعرض عنه، وما زال يلح على الرسول ويقول: (إني أخشى الدوائر) ، حتى قبل شفاعته فيهم على أن يخرجوا من المدينة ولهم النساء والذرية وللمسلمين الأموال.

_ (1) سورة الأنفال: الاية 58. (2) هذا هو الصحيح لا ما ذكره الدكتور هيكل في كتابه «حياة محمد» ، ص 274 من أنه حدث النبي بحديث ابن أبي وشفع فيهم.

ووكل رسول الله عبادة بن الصامت بإجلائهم وأمهلهم ثلاث ليال، فذهبوا إلى أذرعات على حدود الشام، وبذلك أزال الله سبحانه عن المسلمين شر شوكة من الشوكات الثلاث التي كانت في ظهورهم انذاك، وكان ذلك في أوائل سنة ثلاث وقيل في شوال سنة ثنتين للهجرة. وفي شأن ابن أبي وموالاته لهم، وعبادة بن الصامت وبراءته منهم أنزل الله ايات كريمة، لتكون درسا للمسلمين يعلمهم من يوالون، ومن لا يوالون فقال سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ «1» يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ «2» . إلى قوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ «3» . يعني عبادة بن الصامت ومن على شاكلته من المؤمنين.

_ (1) مرض: نفاق، والمراد عبد الله بن أبي وأصحابه. (2) سورة المائدة: الايتان 51، 52. (3) سورة المائدة: الاية 55.

قتل كعب بن الأشرف

قتل كعب بن الأشرف كان كعب بن الأشرف «1» شديد العداوة للإسلام ورسوله، ولما هزم المشركون ببدر قال: (لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها) ، ثم خرج إلى مكة يندب من مات، ويحرض على رسول الله والمسلمين، ولما عاد إلى المدينة صار يشبّب «2» بنساء المسلمين، ويقذع في هجاء النبي وأصحابه، فقال رسول الله: «من لكعب بن الأشرف، فإنه اذى الله ورسوله؟» ، فقال محمد بن مسلمة الأنصاري الأوسي: أنا، وقال: ائذن لي أن أقول شيئا فيك، فقال له النبي: «قل» . وانضم إليه نفر من قومه، منهم: أبو نائلة وكان أخا كعب من الرضاع، وعبّاد بن بشر بن وقش، والحارث بن أوس، فاجتمعوا فيما بينهم كي يحكموا الخطة لاغتيال عدو الله كعب، فخرج حتى أتى كعبا، فوقع في الرسول حتى ركن إليه كعب، واستسلفه وسقا أو وسقين، فقال: نعم ولكن ارهنوني قال: أي شيء تريد؟ قال: نساءكم!! قالوا: وكيف وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم!! قالوا: كيف نرهنك أبناءنا، فتكون مسبة وعارا علينا، ولكن نرهنك السلاح- وذلك حتى لا ينكر منهم مجيئهم بالسلاح- فواعده أن يأتيه ليلا بالسلاح.

_ (1) قال ابن إسحاق وغيره: كان عربيا من بني نبهان، وهم بطن من طيّىء، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية، فأتى المدينة فحالف بني النضير، فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا، وكان طويلا جسيما له بطن وهامة. (2) التشبيب: ذكر محاسن النساء والتعرض لهن.

فخرج محمد بن مسلمة ومعه أبو نائلة وصحبه وكلهم من الأوس حتى أتوه، فناداه محمد بن مسلمة وأبو نائلة، فأراد أن ينزل فقالت له امرأته: أين تخرج الساعة؟ إني أسمع صوتا يقطر منه الدم؟! فقال لها: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة «1» ، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب، ثم قال محمد: إذا جاء فساخذ بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت منه فاضربوه، فنزل كعب إليهم متوشحا سيفه، وهو ينفح منه ريح المسك، فقال له محمد: ما رأيت كاليوم ريحا أطيب، أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم، فشمه وكذلك فعل أبو نائلة- «2» فلما استمكن منه قال: دونكم فاقتلوه ففعلوا. ثم أتوا النبي فأخبروه «3» ، وبذلك أراحوا المسلمين من هذا الشر المستطير، وهكذا كان الرسول إذا رأى من أحد من اليهود غدرا وتأليبا عليه ومحاربة للدعوة أرسل إليه من يريحهم من شره، وكان قتله في ربيع الأول من السنة الثالثة كما ذكره ابن سعد في طبقاته.

_ (1) اسمه سلكان بن سلامة بن وقش، وقيل اسمه سعد، ولقبه سلكان، وكان أخا كعب من الرضاع كما كان نديمه في الجاهلية ويركن إليه. وذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة كان أخاه من الرضاع أيضا. (2) في السيرة لابن هشام: «أن أبا نائلة هو الذي وقع في الرسول، وأنه هو الذي أخذ برأسه حتى قتلوه» ولعل الاثنين اشتركا في النيل من الرسول، والأخذ برأسه، وقد اثرت ذكر ما في صحيح البخاري. (3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب قتل كعب بن الأشرف.

غزوة بني النضير

غزوة بني النضير وكان يهود بني النضير ممن عاهداهم النبي ووادعهم على أن يأمن كل فريق الاخر، لكنهم لم يفوا بالعهد وهمّوا بقتل الرسول. ذلك أن عمرو بن أمية الضمري الذي نجا من سرية القراء لقي أثناء رجوعه إلى المدينة رجلين من بني عامر، فقتلهما وهو يظن أنه أصاب بذلك بعض الثأر من بني عامر الذي غدروا بهم، ولم يشعر بعهدهما الذي لهما من رسول الله، فقال له الرسول: «لقد قتلت رجلين لأدينّهما» «1» وكان بين بني عامر وبني النضير عهد وحلف. فخرج رسول الله إلى بني النضير يستعينهم في دية الرجلين في جماعة من صحابته منهم أبو بكر وعمر وعلي، فلما جاءهم أظهروا له حسن الاستعداد لإجابته، ثم خلا بعضهم إلى بعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إلى جنب جدار لهم- فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك الشقي عمرو بن جحّاش فقال: أنا لذلك. فصعد ليلقي الصخرة، فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استلبث النبيّ أصحابه قاموا في طلبه حتى انتهوا إليه بالمدينة، فأخبرهم بما كانت اليهود اعتزمته من الغدر بهم. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إليهم يطلب إليهم الخروج من جواره بالمدينة، وأمهلهم عشرة أيام وإلا حاق بهم الهلاك. فأيقنوا أن الله أطلعه

_ (1) لأدفعن الدية إلى أهلهما.

حصار بني النضير

على ما أرادوا وصاروا متحيرين لا يدرون ما يفعلون، وبينما هم في حيرتهم وترددهم جاءهم رسل أهل النفاق ابن أبي وأتباعه أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم: إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فقويت عند ذلك نفوسهم، وحمي حيي بن أخطب، وبعثوا إلى رسول الله أنهم لا يخرجون، ونابذوه بنقض العهود وفي ذلك نزل قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ. لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ «1» . حصار بني النضير وأمر رسول الله بالتهيؤ لحربهم وقتالهم، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة حتى نزل بدارهم، فحاصرهم ست ليال، وقيل: خمس عشرة ليلة، وقاتلوهم، ثم أمر رسول الله بقطع نخيلهم وتحريقها ليكون ذلك أدعى إلى تسليمهم، فقطعت، ففزعوا وجزعوا ونادوا: يا محمد، كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها؟! ولم يكن هذا إفسادا إنما هو وسيلة لنشر السلام والأمان والتقليل من إراقة الدماء، وكان بأمر الله وإذنه. وعبثا انتظر اليهود نصر ابن أبيّ وجماعته، وخذلهم كما خذل بني قينقاع من قبل، وكان مثله ومثلهم كما قال الله: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ

_ (1) سورة الحشر: الايات 11- 13.

إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ «1» . وملأ الرعب قلوبهم، واشتد الحصار عليهم، وأيقنوا أن حصونهم لا تمنعهم من سوء المصير، فسألوا رسول الله أن يجليهم ويؤمنهم على دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة أي السلاح. فصالحهم رسول الله على الجلاء، وعلى أن لكل ثلاثة منهم بعيرا يحملون عليه ما شاؤوا من أموال، فصاروا يخربون بيوتهم بأيديهم ليحملوا منها ما استطاعوا مما يحرصون عليه، ولكيلا ينتفع بها المسلمون، فمنهم من خرج إلى خيبر كحيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع، ومنهم من ذهب إلى أذرعات بالشام، وتركوا وراءهم للمسلمين مغانم كثيرة من غلال وسلاح وعقار ودور، ولما كان المسلمون قد أخذوها صلحا بدون حرب ولا قتال، فكانت فيئا من حق رسول الله يتصرف فيها كيف شاء، وقد قسمها على المهاجرين دون الأنصار بعد أن استبقى منها قسما خصصت غلته لذوي القربى والفقراء والمساكين، وبذلك أغنى الله المهاجرين وأزال فاقتهم، ولم يأخذ من الفيء من الأنصار إلا أبو دجانة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة، فقد شكوا فقرا، ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان فأحرزا أموالهما. وبإجلاء بني النضير أراح الله المسلمين من شوكة ثانية كانت تقض مضاجعهم، ولو أن هؤلاء الأشرار نجحوا في مكيدتهم لقضوا على الإسلام في مهده، وأية خسارة كان سيمنى بها العالم لو لم يستضىء بنور الإسلام وتعاليمه؟ ولكن الله بالغ أمره لا محالة، وقد أنزل الله سورة الحشر في هذه الغزوة وإليك موجز تفسيرها.

_ (1) سورة الحشر: الايتان 16، 17.

ما نزل في غزوة بني النضير

ما نزل في غزوة بني النضير (سورة الحشر) : بسم الله الرحمن الرحيم سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: أي نزّهه وقدّسه. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: القوي الذي لا يتصرف إلا عن حكمة. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ: هم يهود بني النضير، والحشر: الجلاء. والحشر الأول من المدينة إلى خيبر، والثاني من خيبر والجزيرة إلى الشام. ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا: لشدة بأسهم، وحصانة حصونهم، وكثرة عددهم وعددهم. وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ: بأسه وعذابه. فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا: يظنوا، فسلط عليهم المؤمنين ذوي البأس الشديد، فلم تغن عنهم حصونهم شيئا. وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ: الذي نصر به النبي من مسيرة شهر يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ: فكان اليهود يخربون ليحملوا معهم ما أمكن والمسلمون يخربون نكاية فيهم. فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ: العقول والبصائر، واحذروا أن تقعوا فيما وقعوا فيه من الاغترار بالقوة والمال وترك جانب الله ومحاربة الله ورسوله. وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ: الخروج من المدينة. لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا: بالأسر والقتل. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ: ولكنهم باستسلامهم وقوا أنفسهم من القتل والأسر، ولكن بقي لهم عذاب الاخرة. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: بسبب مخالفة الله ورسوله. وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ: وعيد لكل من يخالف أمر الله ويحارب رسوله. ثم بين سبحانه أن قطع النخل ليس إفسادا كما زعموا لأنه بأمر الله وشرعه فقال: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها: اللينة: النخلة أو نوع منها. فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ: يعني اليهود، ثم بين سبحانه معنى الفيء ووصفه فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ: أوجف: أسرع وتكلف. ركاب: إبل. يعني أن الفيء ما أخذ بدون حرب ولا قتال

ولا تعب، وهو ما أخذ صلحا و (ما) في (فما أوجفتم) نافية. أما الغنيمة: فهي ما أخذت بحرب وقتال. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: ومنه تمكينهم من مال بني النضير. ذكر الله مصارف الفيء وبين أنه لرسول الله يضعه حيث شاء في ذوي القربى والمساكين، وليس للمجاهدين فيه نصيب، فقال: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ: أي مما جعل الله مصرفه لهؤلاء، حتى لا يكون المال متداولا بين الأغنياء دون الفقراء، فالاية تبين أن البر ومواساة الفقراء تلحقهم بالأغنياء وتزيل من فقرهم وحاجتهم. وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا: أصل عام في طاعة رسول الله في كل ما يأمر به من قران أو سنة والانتهاء عما ينهى عنه. وَاتَّقُوا اللَّهَ: أن تخالفوا أوامر رسوله ونواهيه لأنها من أمر الله ونهيه. إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ: لكل من خالف رسوله. ثم بين سبحانه من هم أحق بهذا الفيء فقال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً: الجنة ونعيمها، ورضوان من الله أكبر. وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: بالتضحية بالنفس والجهاد في سبيل الله. أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ: المخلصون في إيمانهم، وقد خصهم الرسول بالفيء في هذه الغزوة إغناء لهم وتعويضا عما تركوه راضين من دور وعقار ومال. ثم أثنى على الأنصار بما هم أحق به وأهل له فقال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ: المدينة. وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ: أي أخلصوا الإيمان وصدقوا الله فيه. من قبلهم: راجع لتبوّء الدار، فقد كانت موطنهم قبل هجرة المهاجرين إليها. يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا: أي مما أعطي المهاجرون من هذا الفيء وغيره. وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ: شدة فقر وحاجة. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: الفائزون، ولعلك على ذكر مما ذكرناه في ماثر الأنصار رضوان الله عليهم.

ثم بين الله عز شأنه ما يجب أن يتخلّق به التابعون ومن جاء بعدهم إلى يوم القيامة، وهو موقفهم من المهاجرين والأنصار خيار هذه الأمة الذين زكاهم الله ورسوله فقال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ: فليتق الله الذين يتناولون الصحابة رضوان الله عليهم بالنقد الجريء والتجريح، وليتأدبوا بأدب القران في هذا. ثم ذكر الله المنافقين وكيف أغروا بني النضير على المعاندة حتى يئسوا منهم، ونزلوا على حكم الرسول فقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا ... إلى قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ. وقد ذكرتها أثناء الغزوة. ثم بيّن الله أن اليهود لا يجرؤون على قتالكم إلا وهم متحصنون فقال تعالى: لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ، بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ: أي هم يدّعون القوة والبأس فيما بينهم، فإذا لقوكم انهارت قواهم، وانماعت شجاعتهم، والمراد بالحصون الحسية والمعنوية، فتشمل الحصون المثبتة، والمتاريس، والخنادق ونحوها كما كان أولا، وتشمل أيضا الدبابات والطائرات، والقواعد التي يوجهون منها الصواريخ كما هو اليوم، ولو لم يكن إلا عنايتهم ببناء المسالح، والقرى المحصنة اليوم- المستعمرات- لكفى في بيان أسرار الإعجاز في الاية فاعتبروا يا أولي الأبصار. تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى: تحسب اليهود والمنافقين متفقين في ظاهرهم ولكنهم مختلفون في بواطنهم، فأهواؤهم متشعبة وقلوبهم متفرقة. كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ: هم بنو قينقاع الذين سبقوا بالغدر والنذلة. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: فقد أجلوا في الدنيا ولهم العذاب في الاخرة. ثم بين سبحانه أن مثل المنافقين في إغرائهم اليهود وتخليهم عنهم كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ... الايتين. وإلى هنا انتهى ما يتعلق ببني النضير.

ثم بعد ذلك نادى الله المؤمنين وأوصاهم بتقوى الله وأن يقدّموا ما ينفعهم في أخراهم، ولا يكونوا كاليهود الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ثم خلص من ذلك إلى أن السبب في العصيان والمخالفة واتباع هوى النفس إنما هو لعدم الفقه والتأمل في القران، هذا الكتاب الذي لو نزل على الجمادات لخشعت وتصدعت، فكيف لا تخشع له قلوبكم وتلين جلودكم؟ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. ثم ختم السورة بتقديس الله في ذكر الكثير من أسمائه فقال: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إلى قوله: يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وبذلك ختم السورة بما بدئت به فسبحانه سبحانه في البدء والنهاية، وتقديسا له ثم تقديسا فيما مضى، وفي الحال، وفيما يستقبل، وعلى كل حال.

غزوة بني قريظة

غزوة بني قريظة قدمنا في غزوة الأحزاب أن حيي بن أخطب في جماعة من بني النضير ألّبوا العرب على محاربة الرسول بالمدينة حتى كانت غزوة الخندق، وأنهم سعوا إلى بني قريظة- والمشركون يحاصرون المدينة- أن ينقضوا ما بينهم وبين النبي، وأنهم نجحوا في ذلك حتى اشتد الكرب على المسلمين وأصبحوا بين نارين: نار المشركين ونار اليهود، حتى اضطر النبي إلى أن يرسل بعض المسلمين لحراسة الذراري والنساء من غدر اليهود، بعد أن نقضوا العهد. ولما عاد النبي من الخندق ووضع سلاحه جاء جبريل فقال: أوضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: «نعم» . فقال جبريل: ما وضعنا السلاح، وإن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم، فأمر رسول الله مناديا ينادي في الناس: «ألا لا يصلينّ أحد العصر إلا في بني قريظة» فأخذ بعضهم بظاهر الأمر، فلم يصلوا العصر حتى جاؤوا بني قريظة وقد غربت الشمس، وقال بعضهم: إنما أراد الإسراع وصلّوا في الطريق، فلما علم النبي لم يعنف واحدا منهم «1» . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءهم فيمن بقي من الصحابة ولواؤه معقود لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما عاين بنو قريظة جيش المسلمين امتلأت قلوبهم رعبا، وتحصنوا بحصونهم، وحاصرهم المسلمون خمسا وعشرين

_ (1) لأن كلا الفريقين مجتهد، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.

استشارتهم أبا لبابة

ليلة حتى اشتد بهم الحال، وأيقنوا أن رسول الله غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، فقال لهم كعب بن أسد: أرى أن تسلموا فقد استبان لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي بشر به كتابكم؛ فتأمنوا على دمائكم ونسائكم وأبنائكم وأموالكم، فأبوا، فقال لهم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ونخرج إلى محمد مستميتين في القتال حتى يحكم الله بيننا وبينه، فإن نهلك لم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه، وإن نغلب فلن نعدم النساء والأبناء، فأبوا، فقال: الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمد وأصحابه أمنونا فيها، فانزلوا لعلنا نصيب منهم غرّة، فأبوا وتخوفوا أن يعدوا في السبت فيصيبهم ما أصاب من قبلهم، فأعرض عنهم ورماهم بعدم الحزم. استشارتهم أبا لبابة فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف- وكانوا حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا، فأرسله الرسول إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء، وبكى الصبيان، فكأنه رقّ لهم، فقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، يعني الذبح، فاستشعر أبو لبابة أنه زل، وندم ندما تصوره هذه العبارة التي قالها: فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله!!. توبة أبي لبابة فاستحيا أبو لبابة أن يقابل رسول الله وقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي، وعاد إلى المدينة فربط نفسه إلى سارية من سواري المسجد النبوي- وكانت من جذوع النخل- وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله على ما صنعت، فلما علم الرسول الكريم قال: «لو جاءني لاستغفرت له، وإذ قد فعل هذا فلن أطلقه حتى يقضي الله فيه ما يشاء» . وأقام على هذه الحال ست ليال أو أكثر تأتيه امرأته في وقت كل صلاة

نزول بني قريظة على حكم رسول الله

فتحله حتى يتوضأ ويصلي، ثم يرتبط حتى نزلت توبته من السماء في قول الله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . فتتابع إليه الناس يبشرونه بتوبة الله عليه، وأرادوا أن يحلوه فأبى وقال: لا يحلّني إلا رسول الله، فلما خرج الرسول إلى صلاة الفجر حلّه من رباطه، ولم يكتف أبو لبابة بما صنع بنفسه وقال: يا رسول الله إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كله، فقال النبي: «يجزيك الثلث» فتصدق به. وإن لنا هنا لوقفة ترينا مبلغ قوة الإيمان، وتذكر القلب، ويقظة الضمير من صحابة رسول الله، الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وسرعان ما يتوبون، ومبلغ ما وصل إليه المجتمع الإسلامي حينئذ من حياء من المعاصي والرذائل، وتقدير للقيم الخلقية، والمعاني الروحية، واستهانة بالنفس والولد والمال في سبيل رضاء الله ورسوله، وأن هذا المجتمع لم يصل إليه أي مجتمع متحضر إلى وقتنا هذا. نزول بني قريظة على حكم رسول الله فلما لم ير بنو قريظة فائدة من تحصنهم، وأنهم لا ناصر لهم من دون الله، عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم معاملة بني النضير، فأبى إلا أن ينزلوا على حكمه ففعلوا، فأمر برجالهم فكتفوا، ثم سعى إلى رسول الله رجال من الأوس راجين أن يعاملهم معاملة بني قينقاع حلفاء إخوانهم الخزرج، فقال لهم السيد الحكيم: «ألا يرضيكم أن يحكم فيهم رجل منكم» ؟ فقالوا: بلى، فاختاروا سعد بن معاذ- وكان في خيمة في المسجد النبوي معدة لمعالجة الجرحى وتمريضهم بسبب سهم أصيب به في الخندق- فأرسل رسول الله في طلبه، فجاء

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 212. والاية هي 102 من سورة التوبة.

دم بني قريظة في عنق حيي

راكبا، فالتف حوله جماعة من الأوس قائلين له: أحسن في مواليك، ألا ترى ما فعل ابن أبي في مواليه؟ فقال لهم: لقد ان لسعد ألاتأخذه في الله لومة لائم ثم قال: فإني أحكم فيهم أن تقتلوا الرجال، وتسبوا النساء والذرية، فقال له رسول الله: «لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله «1» من فوق سبع سماوات» . فنفّذ فيهم الحكم، فإذا كما قيل ثلاثمائة، وقيل أربعمائة، وقيل أكثر من ذلك. وقتل معهم حيي بن أخطب وهو السبب فيما نزل بهم من قتل وبلاء، فقد كان دخل معهم حصنهم بعد انصراف قريش وغطفان، وعاد سعد إلى الخيمة بالمسجد، فلم يلبث- وقد أقر الله عينه- أن انفجر جرحه فمات شهيدا رضي الله عنه وأرضاه. وبالقضاء على بني قريظة تخلّص المسلمون بالمدينة من اخر شوكة في ظهورهم، وأصبحت المدينة كلها- ما عدا المنافقين- على قلب رجل واحد، وموئل الإسلام، وحصنه الحصين. دم بني قريظة في عنق حيي وفي الحق أن دم بني قريظة معلق في عنق حيي بن أخطب النضري، وإن كان قتل معهم، فهو الذي حمل قريظة على نقض العهد وجسّم العداوة بين اليهود والمسلمين، حتى اعتقدوا أن اليهود لا تطيب نفوسهم إلا باستئصال النبي وأصحابه، وهو الذي دخل معهم حصنهم وأغراهم بعدم التسليم والاستمرار في المقاتلة، ولو أنهم استسلموا من أول الأمر لما أهدرت دماؤهم، ولقبل النبي

_ (1) وهو ما قضى به كتابهم المقدس «العهد القديم» في حق العدو المهزوم ففي سفر التثنية الإصحاح 13، فقرة 13، 14: «وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء، والأطفال، والبهائم، وكل ما في المدينة، كل غنيمتها لنفسك. وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك» وهكذا يتبين لنا أن ما قضى به سيدنا سعد لم يخرج عما حكمت به التوراة وأيضا فهم ليسوا أعداء مهزومين فحسب بل هم خائنون غادرون غير وافين بالعهد.

قسمة أموال قريظة

منهم ما قبل من بني قينقاع وبني النضير من قبل، وعفوه عن الاخرين بعد أن همّوا بقتله. وقيل أن يستعظم أحد حكم سعد عليهم واعتبار ذلك قسوة، عليه أن يتدبر فيما لو نجح المشركون في عبور الخندق والتقوا بالمسلمين وجها لوجه، ونفذ بنو قريظة خطتهم التي همّوا بها بمهاجمة المسلمين من ظهورهم، والتعدّي على نسائهم وذراريهم، ماذا يكون الحال؟ وإلى أي مدى ستكون الكارثة؟ لا شك أن الكارثة ستكون بالنسبة إلى من اقتص منهم من بني قريظة أضعافا مضاعفة من رجال المسلمين ونسائهم وأولادهم. وفي شأن بني قريظة نزل قول الله تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ «1» ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً «2» يعني الذين ظاهروا الأحزاب وهم قريظة. قسمة أموال قريظة وقسم النبي أموال بني قريظة بعد ما أخرج الخمس، جعل للفارس ثلاثة أسهم: سهمين للفرس، وسهما لراكبه أو للراجل، وكانت الخيل يومئذ ستا وثلاثين، وبعث رسول الله سعيد بن زيد بسبايا من بني قريظة إلى نجد فاشترى بها خيلا وسلاحا ليزيد من قوة المسلمين الحربية. ريحانة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى من نسائهم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة، فعرض عليها الإسلام فامتنعت، ثم أسلمت بعد ذلك، فسرّ الرسول بإسلامها، وقد عرض عليها أن يعتقها ويتزوجها، فاختارت أن تستمر على الرق

_ (1) الصياصي: جمع صيصة، وهي الحصن. وكل ما يتحصن به يقال له: صيصة، ومنه سمي قرن الثور. (2) سورة الأحزاب: الايتان 26، 27.

من استشهد

ليكون أسهل عليها وعليه، وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خيّرها اختارت الإسلام، فأعتقها وتزوجها وضرب عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة فطلقها، فشق عليها وأكثرت البكاء فراجعها، ولم تختلف الروايات أنها ماتت في حياة النبي، قيل لما رجع من حجة الوداع، وقيل قبلها فرضي الله عنها «1» . من استشهد واستشهد من المسلمين يوم بني قريظة خلاد بن سويد، طرحت عليه امرأة رحى فجرحته جرحا بالغا فمات فقال النبي: «إنّ له لأجر شهيدين» ، وقد أمر رسول الله بقتل هذه المرأة، ولم يقتل من بني قريظة امرأة غيرها، ومات في أثناء الحصار أبو سنان بن محصن فدفن هناك رضي الله عنهما وأرضاهما.

_ (1) الإصابة ج 4 ص 309.

قتل سلام بن أبي الحقيق

قتل سلام بن أبي الحقيق «1» كان أبو رافع سلّام بن أبي الحقيق فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله، وكان شديد الإيذاء له وللمسلمين. وكان تاجرا مشهورا بأرض الحجاز، وقد اتخذ من ثرائه وسيلة لمحاربة الدعوة الإسلامية، وكان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيّين من الأوس والخزرج كانا يتسابقان في سبيل إرضاء الرسول وخدمة الإسلام، لا تصنع الأوس شيئا إلا وقالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذا الفضل، فلا ينتهون حتى يفعلوا مثله أو أكثر منه، وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك. وكان الأوس قد قتلوا كعب بن الأشرف فقال الخزرج: والله لا يذهبون بهذا الفضل علينا، فتذاكروا من رجل في عداوة رسول الله كابن الأشرف؟ فذكروا ابن أبي الحقيق، وكان بقصره بخيبر، فاستأذنوا رسول الله في قتله فأذن لهم، فخرج من الخزرج خمسة نفر وهم: عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان الأسلمي، وعبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار، وأبو قتادة الأنصاري، وخزاعي بن أسود، وأمّر عليهم رسول الله عبد الله بن عتيك، وأوصاهم أن لا يقتلوا وليدا ولا امرأة.

_ (1) سلام: بتشديد اللام، الحقيق: بضم الحاء المهملة، وفتح القاف مصغّرا، وقيل: اسمه عبد الله، وقد اقتصر ابن إسحاق على الأول. وذكر البخاري الاسمين (وكان له أخوان مشهوران من أهل خيبر، أحدهما: كنانة وكان زوج صفية بنت حيي قبل النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: الربيع بن أبي الحقيق وقد قتلا في غزوة خيبر) .

فلما وصلوا إلى خيبر قال لهم عبد الله: مكانكم، وانطلق إلى الباب، وتحايل على البوّاب حتى دخل، ثم توجّه إلى بيت أبي رافع، وصار يفتح الأبواب التي توصل إليه، وكلما فتح بابا أغلقه من داخل حتى انتهى إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله فلم يمكنه تمييزه، فنادى يا أبا رافع، فقال: من؟ فأهوى بالسيف نحو الصوت فلم يغن شيئا، فعاد عبد الله يناديه وفي كل مرة يغيّر صوته، حتى استمكن منه وقتله دون أن يؤذي أحدا من ولده وزوجه. ثم خرج من البيت وكان نظره ضعيفا فوقع من فوق السلم فانخلعت رجله، فعصبها بعمامته، وصار يتحامل على نفسه حتى وصل إلى أصحابه فأخبرهم، فقالوا: النجاة النجاة، حتى انتهوا إلى الرسول، فلما راهم قال: «أفلحت الوجوه» وحدّثوه بما كان، ثم قال لعبد الله: «ابسط رجلك» فمسحها عليه الصلاة والسلام فكأنه لم يشتكها قط «1» ، وعادت أحسن مما كانت، فلله در هذه النفوس المؤمنة التي استهانت بالموت في سبيل الله، وكانت أسمى أمانيها أن تفوز برضاء الله ورسوله. وكان قتل أبي رافع- كما قال ابن سعد- في رمضان سنة ست، وقيل في ذي الحجة سنة خمس وقيل غير ذلك.

_ (1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب قتل أبي رافع.

غزوة خيبر

غزوة خيبر لئن كانت المدينة قد تطهّرت من اليهود وغدرهم فها هي خيبر «1» لا تزال حصنا حصينا لليهود وأهلها، ومن نزح إليها من يهود بني النضير الذين يحملون الحقد والضغن على الإسلام والمسلمين، وغير بعيد عنا ما قام به زعماء بني النضير الذين اتخذوا خيبر مقاما لهم، من تأليب العرب على المسلمين في الخندق، وحملهم بني قريظة على نقض العهود التي كانت بينهم وبين الرسول، ومن ثم نجد أن خيبر أصبحت مركزا لتجمعات اليهود يقومون منها بما يريدون من غدر ومكايد. ولئن كان المسلمون بعد فتح الحديبية قد أمنوا قريشا والجنوب، لكنهم لم يأمنوا ناحية الشمال، ولا سيما أهل خيبر الذين لا ينسون ما فعل بإخوانهم اليهود، وليس ببعيد أن يستعينوا بهرقل أو كسرى في النيل من المسلمين، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو السياسي المحنك- ليخفى عليه شيء من هذا، لذلك لم يكد يرجع من الحديبية ويستريح بالمدينة شهرا أو نحوه حتى أمر بالتجهز للخروج إلى خيبر، على ألايغزو معه إلا من شهد الحديبية كما أمر الله، وأراد بعض الأعراب الذين تخلّفوا عن الحديبية أن يخرجوا معه فقال لهم: «لا تخرجوا معي إلا رغبة في الجهاد، أما الغنيمة فلا أعطيكم منها شيئا» ، وقد أراد الرسول بذلك أن يبيّن لهم ألاحاجة له بالذين لا همّ لهم إلا الغنيمة، ولا يهمّهم نصر الإسلام، وولّى على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وصحب معه من أزواجه السيدة أم سلمة.

_ (1) قرية في شمال المدينة بينها وبين الشام.

الخروج إلى خيبر

الخروج إلى خيبر وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلع عام سبع في جيش تعداده ألف وستمائة، ومعهم مائتا فرس وقيل ثلاثمائة، وكلّ واثق بنصر الله، وذاكر قول الله سبحانه في سورة الفتح التي نزلت منصرفه من الحديبية: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا «1» . وكان من شأن رسول الله أنه إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح، فإن سمع أذانا كف وإن لم يسمع أذانا أغار، فوصل إلى خيبر ليلا، فبات حتى أصبح لم يسمع أذانا، فركب وركب معه أصحابه، فاستقبلهم يهود خيبر بمساحيهم ومكاتلهم «2» ، فلما رأوا رسول الله والجيش قالوا: محمد والجيش معه، فقال رسول الله: «الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» . ضخامة القوتين وقد كان يهود خيبر من أشدّ الطوائف اليهودية بأسا وأكثرها مالا، وأوفرها سلاحا، وكذلك كان المسلمون كثيرا عددهم، وافرا سلاحهم، ممتلئة قلوبهم بالإيمان، واثقة نفوسهم بنصر الله، مصمّمين على استئصال هذا الشر مهما كانت التضحية، فلا عجب إذا كانت قريش والجزيرة كلها وقفت تنتظر ما يسفر عنه التقاء هاتين القوتين، حتى حدث من البعض التراهن على أي الفريقين سيكون له الغلب؟. ووقف المسلمون أمام حصون خيبر متأهبين للقتال، وهم كاملو العدة،

_ (1) سورة الفتح: الاية 15. (2) مساحيهم: جمع مسحاة وهي المجرفة وهي من حديد، المكاتل جمع مكتل- بكسر الميم- وهو الزنجيل وهو شيء يصنع من الخوص يحمل فيه التمر والتراب وغيرهما.

وكانت حصونهم ثلاثة مجاميع، وكل مجموعة ثلاثة حصون تمتد من الجنوب إلى الشمال، يتخلّلها النخيل والزروع والمنازل المتفرقة. وهذه المجاميع هي: النطاة، والشق، والكتيبة، أما النطاة فكانت ثلاثة حصون: ناعم، والصعب، وقلة، وكانت الشق حصنين: أبي، والبريء، وأما الكتيبة فكانت ثلاثة حصون: القموص، الوطيح، والسلالم. وتشاور اليهود فيما بينهم فأشار عليهم زعيمهم سلام بن مشكم فأدخلوا أموالهم وعيالهم حصني الوطيح والسلالم، وأدخلوا ذخائرهم حصن ناعم، ودخلت المقاتلة وأهل الحرب حول حصن النطاة. والتقى الجمعان حول حصن نطاة واقتتلوا قتالا شديدا، وضيّق المسلمون الحصار على حصون خيبر، واليهود يستميتون في الدفاع عنها لأنهم يعلمون أن هزيمتهم ما هي إلا القضاء الأخير عليهم في جزيرة العرب، وتتابعت الأيام والقتال يشتد، فالمسلمون يبدون من ضروب الشجاعة والاستبسال والتضحية ما هم أهل له، واليهود يستميتون في الدفاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله عليه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» . فبات الناس ليلتهم يتمنى كل منهم أن يعطاها، حتى إن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فلما أصبح الصباح قال: «أين علي بن أبي طالب» ؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، فدعاه فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ بإذن الله، فأعطاه الراية وقال له: «انفذ إليهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» «1» . ولما ذهب إليهم خرج مرحب اليهودي يختال في سلاحه، ويرتجز ويدعو إلى المبارزة قائلا:

_ (1) رواه البخاري ومسلم.

قصة الشاة المسمومة

أنا الذي سمتني أمي مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرّب أطعن حينا وحينا أضرب ... إذا الليوث أقبلت تحرّب «1» فبرز له سيدنا علي وهو يرتجز ويقول: أنا الذي سمتني أمي حيدره «2» ... كليث غابات كريه المنظره أكيلهم بالصاع كيل السّندره «3» فقتله، وقيل بل قتله محمد بن مسلمة الموتور الثائر الذي قتل اليهود أخاه محمود بن مسلمة بالأمس. وخرج بعد مرحب أخوه ياسر يقول: هل من مبارز؟ فبرز له الزبير بن العوام فقتله، ثم كان أن سقط حصن ناعم، ثم لم تلبث الحصون أن تهاوت حصنا بعد حصن، فاستولى اليأس على اليهود فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الصلح على أن يحقن دماءهم، فقبل الرؤوف الرحيم وصارت أرضهم لله ولرسوله وللمسلمين، فلما أراد النبي إجلاءهم سألوه أن يقرهم على أن يعملوا في الأرض ولهم نصف التمر فقال لهم: «نقركم على ذلك ما شئنا» «4» ، وقد قتل من اليهود في هذه الغزوة ثلاثة وتسعون رجلا، واستشهد من المسلمين نحو خمسة عشر رجلا. قصة الشاة المسمومة ومع هذه المساهلة في الصلح، والإحسان إليهم بالكف عن قتلهم وإجابة مطلبهم، ما زالت نفوسهم مملوءة بالحقد والبغضاء وانتهاز الفرص للنيل من النبي والمسلمين، وليس أدل على هذا من أن النبي بعد أن صالحهم واطمأن، أهدت إليه زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم- وهو ممن قتل في الحرب- شاة مشوية، وسألت أي عضو أحب إلى نبيّهم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه من السم، ثم سمّت سائر الشاة وجاءت بها ووضعتها بين يدي

_ (1) تحرب أي مغضبة. (2) حيدرة: من أسماء الأسد. (3) مكيل واف. (4) رواه البخاري.

تقسيم غنائم خيبر

النبي، فتناول الذراع، فلاك منها قطعة فلم يسغها «1» ، وكان معه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها قطعة فأساغها، وأما رسول الله فلفظها وقال: «إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم» . ثم دعا بها فاعترفت فقال لها: «ما حملك على هذا؟» قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان كذابا استرحنا منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز عنها، ومات بشر من أكلته هذه. ويروى أن النبي قتلها به قصاصا، وهكذا نجى الله نبيّه من غدر هذه اليهودية، كما نجّاه من غدرهم وهمهم بقتله فيما قبل، ولم يزل أثر هذا السم يعاود النبي صلى الله عليه وسلم كل عام حتى اختاره الله لجواره، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى قطعت أبهري «2» » . تقسيم غنائم خيبر وبعد الموقعة وحيازة الغنائم خمّسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبقى الخمس لنفسه يصرفه في مصارفه، ثم قسّم الباقي نصفين: نصفا قسمه في الغانمين، ونصفا أرصده لما ينوبه من الحاجات والمصالح، وقد جعل للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهما، ولم يقسم رسول الله إلا لمن شهد الحديبية من حضر منهم خيبر ومن غاب، ولم يغب عن خيبر ممن شهد الحديبية إلا جابر بن عبد الله، فضرب له بسهمه، وكذلك أسهم النبي لأصحاب السفينة الذين قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب بعد أن استأذن أصحابه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكّل إلى عبد الله بن رواحة أخذ النصف من غلتهم، فشكوا إلى رسول الله شدة خرصه- تقديره-، وأرادوا أن يرشوه، فقال: يا أعداء الله تطعموني السحت!! والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم، وحبي إياه على

_ (1) لاك: مضغها، فلم يسغها: لم يبلعها. (2) الأبهر عرق متصل بالقلب إذا قطع مات الإنسان وهو كناية عن الموت.

مثل أعلى للتسامح

ألاأعدل، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، فلما استشهد في مؤتة ولي بعده جبار بن صخر «1» . مثل أعلى للتسامح وقد كان من إحسان النبي معاملة يهود خيبر أنه كان من بين ما غنم المسلمون منهم عدة صحف من التوراة، فطلب اليهود ردّها، فأمر بتسليمها إليهم، ولم يصنع صلى الله عليه وسلم ما صنع الرومان حينما فتحوا أورشليم وأحرقوا الكتب المقدسة، وداسوها بأرجلهم، ولا ما صنع النصارى في حروب اضطهاد اليهود في الأندلس حين أحرقوا كذلك صحف التوراة «2» .

_ (1) البداية والنهاية ج 4 ص 201. (2) حياة محمد ص 377.

يهود فدك وتيماء ووادي القرى

يهود فدك وتيماء ووادي القرى ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود فدك «1» من يطلب إليهم الانقياد والطاعة، فصالحوا رسول الله على أن يحقن دماءهم، ويتركوا أموالهم، فكانت فدك فيئا لرسول الله خاصة، ينفق منها على نفسه وعلى من يمون ويعول، ثم عاملهم على العمل في الأرض بنصف ما يخرج منها. ولما بلغ يهود تيماء «2» ما انتهى إليه أمر أهل خيبر، صالحوا على دفع الجزية وبقوا في بلادهم وأموالهم امنين. ثم دعا رسول الله يهود وادي القرى إلى الاستسلام والطاعة، فأبوا وقاتلوا فقاتلهم، ولكن سرعان ما استسلموا، وصالحوا على ما صلح عليه أهل خيبر، فتركت لهم الأرض يزرعونها بشطر ما يخرج منها. وبهذا النصر المتتابع دان اليهود كلهم لسلطان الإسلام، وانتهى ما كان لهم من نفوذ وكيان، ولم تقم لهم قائمة بعد، وبهذا أصبحت الدولة الإسلامية بمأمن من ناحية الشمال إلى بلاد الشام.

_ (1) فدك، بفتحتين: بلد بينها وبين مدينة النبي صلى الله عليه وسلم يومان، وبينها وبين خيبر دون مرحلة. (2) تيماء، وزن حمراء: موضع قريب من بادية الحجاز يخرج منها إلى الشام على طريق البلقاء.

إجلاء الفاروق عمر لهم عن جزيرة العرب

إجلاء الفاروق عمر لهم عن جزيرة العرب ولم يزل يهود خيبر ومن صالح صلحهم يعملون في أرضها على نصف ما يخرج منها حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدة خلافة الصدّيق أبي بكر رضي الله عنه، وصدرا من خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه، حتى أجلاهم إلى بلاد الشام بعد أن أعطاهم قيمة ما كان لهم من التمر مالا وإبلا وعروضا، وذلك لأمور: 1- لما قاموا به من الغدر والإفساد، فقد كان لابنه عبد الله مال بخيبر، وكان يختلف إليه بين الحين والحين، فعدوا عليه من الليل، وألقوه من فوق السطح وهو نائم ففدعت «1» يداه ورجلاه. 2- ولما ثبت عنده من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى بجزيرة العرب دينان» ، فقال: من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له، وإلا فإني مجليكم فأجلاهم «2» ، ولا سيما أن إبقاء رسول الله لهم، وإقرارهم في بلدهم كان مشروطا بمشيئة المسلمين، ففي الصحيحين «نقركم ما شئنا» ، وفي رواية ابن إسحاق: «على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم» . 3- لأن إقرارهم عليها إنما كان لأنهم أقدر على العمل في الأرض، وأعمر لها من غيرهم، ولأن المسلمين كانوا في قلة من الأيدي العاملة،

_ (1) الفدع بفتحتين: اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل، فينقلب الكف أو القدم إلى الجانب الاخر. (2) أخرجه ابن أبي شيبة وغيره.

لاشتغالهم بالجهاد ونشر الإسلام، والعمل في زراعاتهم بالمدينة، فلما كثروا لم تعد حاجة إليهم، لا سيما أنهم أصبحوا مصدر قلق وإفساد. روى عمر بن شبّة في أخبار المدينة قال: لما كثر العيال- أي الخدم- في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر، فلهذه الاعتبارات مجتمعة كان الإجلاء «1» . ونعمّا فعل الملهم المحدّث، فإن الحجاز قطب الإسلام، وقلبه النابض، فكان من الحكمة أن يبقى القطب قويا متماسكا، والقلب سليما من عوامل الضعف والفساد، كي تبقى الأطراف سليمة قوية تؤدي وظائفها المطلوبة معها، فهل يقيّض الله لهم من أبطال المسلمين والعرب من يجليهم من الأرض المباركة (فلسطين) كما أجلوا عن البلد الطيب (المدينة) والأرض الطاهرة (الحجاز) ؟!.

_ (1) فتح الباري ج 5 ص 250.

السنة الثامنة من الهجرة

السّنة الثّامنة من الهجرة إسلام خالد، وعمرو، وعثمان بن طلحة وفي مستهل هذا العام أسلم ثلاثة من خيار قريش، وسادة بيوتاتها، وهم: عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة. إسلام عمرو وقد كان هاجر إلى الحبشة بعد غزوة الأحزاب في رواية ابن إسحاق لما ضاقت نفسه بانتصارات الإسلام، وبعد صلح الحديبية في رواية البيهقي، فصادف هناك عمرو بن أمية الضمري «1» ، فأراد أن يوقع به فزجره النجاشي، ثم كان أن أسلم وأقام بالحبشة حتى قدم على النبي أوائل هذا العام مظهرا إسلامه. إسلام خالد أما خالد فكان من أشد الناس على النبي والمسلمين، ولكن الله لما أراد له الكرامة نظر فرأى أنه لا يشهد مشهدا ضد النبي إلا وقد خذل فيه، وهو الفارس المعلم والقائد المحنك، وفي الحديبية كان على خيل المشركين ولقي رسول الله بعسفان، وتربص بالمسلمين شرا وهم يصلّون، ولكن الله أعلم نبيّه فصلّى صلاة الخوف، فوقع ذلك من نفس خالد وقال: الرجل ممنوع!!.

_ (1) قيل كان هناك ليوصل كتاب النبي إلى النجاشي بشأن تزويجه من أم حبيبة، وقيل بشأن قدوم جعفر وأصحابه، وقيل كان يحمل كتاب النبي إلى النجاشي داعيا له إلى الإسلام.

فلما كانت عمرة القضاء تغيب فيمن تغيب من المشركين كراهة رؤية المسلمين وهم بمكة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أخاه الوليد بن الوليد، وتعجب كيف يغيب الإسلام عن مثل خالد، فكتب له أخوه هذا الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم، فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك!! ومثل الإسلام جهله أحد؟! وقد سألني رسول الله عنك وقال: «أين خالد» ؟ فقلت: يأتي الله به فقال: «مثله جهل الإسلام؟ ولو كان جعل نكايته وجدّه مع المسلمين كان خيرا له، ولقدّمناه على غيره» ، فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة) . فلما وصل خالدا الكتاب وقع سؤال النبي عنه من نفسه، واستشعر ما فيه من معان وتقدير كريم، فازداد رغبة في الإسلام، وقوّى هذه الرغبة في نفسه رؤيا راها: رأى أنه كان في بلاد ضيقة مجدبة، فخرج منها إلى بلاد خضراء واسعة، فقال: إن هذه لرؤيا!! فكانت البلاد الضيقة- كما عبّرها له الصدّيق فيما بعد- هي دنيا الشرك الذاهبة القاحلة. وكانت البلاد الخضراء الواسعة هي دنيا الإسلام الفسيحة الخصبة. وأدركته لحظة من لحظات التجلّي الإلهي، فعزم على الخروج إلى رسول الله، وعرض هذه الفكرة على صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل فأبيا، ثم عرضها على عثمان بن طلحة فأسرع الإجابة. وخرج خالد وعثمان حتى كانا بالطريق بين مكة والمدينة التقيا بعمرو بن العاص، فقال له: أين يا أبا سليمان- يعني خالدا-؟ قال: والله لقد استقام الميسم- أي تبين الطريق ووضح- وإن الرجل لنبي، أذهب- والله- فأسلم، فحتى متى؟! وسار الركب الميمون المبارك حتى دخلوا المدينة، فأصلحوا من شأنهم ولبسوا صالح ثيابهم، ثم قصدوا إلى النبي. وكان البشير قد جاء بالبشرى إلى رسول الله فسر بمقدمهم، ولقيهم أخوه الوليد فقال لخالد: أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سر بمقدمك وهو ينتظركم، فأسرعوا حتى وقفوا على الرسول

وهو يبتسم، فسلّم عليه خالد بالنبوة، فرد السلام بوجه طلق، ثم شهد شهادة الحق، فقال النبي له: «تعال، الحمد لله الذي قد هداك، كنت أرى لك عقلا رجوت ألايسلمك إلا إلى خير» ، فقال خالد: يا رسول الله إني قد شهدت تلك المواطن عليك معاندا للحق، فادع الله أن يغفرها لي، فقال الرسول الكريم: «الإسلام يجبّ ما كان قبله» . وتقدم عثمان بن طلحة فبايع، وتقدم عمرو بن العاص فبايع. قال عمرو: فو الله ما هو إلا أن جلست بين يديه فاستحييت أن أرفع طرفي حياء منه، فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، فقال: «إن الإسلام يجبّ ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها» ، فو الله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا، ولقد كان عند أبي بكر بتلك المنزلة، ولقد كنت عند عمر بهذه المنزلة، وكان عمر على خالد كالعاتب، وكان قدومهم وإسلامهم في أول صفر سنة ثمان من الهجرة «1» . وبإسلام خالد وعمرو اكتسب الإسلام اثنين من أبطال الإسلام وقواده، الذين كانت لهم يد طولى في غزوات الإسلام وفتوحاته.

_ (1) ذكر الشيخ الخضري- رحمه الله- في نور اليقين إسلام خالد وصاحبيه في سنة سبع، والتحقيق ما ذكرته (البداية والنهاية، ج 4 ص 236) .

غزوة مؤتة

غزوة مؤتة «1» في جمادى الأولى من عام ثمان الموافق سنة 629 م جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا للقصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير الأزدي رسول الله إلى أمير بصرى، داعيا له إلى الإسلام، وقيل: إن النبي كان أرسل سرية إلى ذات الطلح على حدود الشام يدعون إلى الإسلام، فكان جزاؤهم القتل، ولم ينج منهم إلا رئيسهم بعد أن ظنوا أنه مات. وأمر على الجيش زيد بن حارثة، وقال: «إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» ، وسار الجيش وعدته ثلاثة الاف من المهاجرين والأنصار بعد أن ودعهم المسلمون قائلين: صحبكم الله، ودفع عنكم؛ وردكم إلينا سالمين. وخرج رسول الله يشيّعهم ويوصيهم قائلا: «اغزوا باسم الله؛ قاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام، وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم، ولا تقتلوا امرأة ولا صغيرا، ولا شيخا فانيا، ولا تقطعوا شجرا، ولا تهدموا بناء....» . ثم مضوا في سبيل الله حتى وصلوا (معانا) من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل (ماب) في أرض الشام في مائة ألف من الزوم وانضم إليهم مائة ألف أخرى من متنصّرة العرب من: لخم وجذام والقين وبهراء وبلي. فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على (معان) ليلتين وقالوا: نكتب إلى رسول الله نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره

_ (1) مؤتة: مهموزة الواو، وحكى غير الهمزة، قرية من أرض البلقاء بطرف الشام.

التقاء الجيشين

فنمضي له، فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة. فتشجع الناس وقالوا: صدق ابن رواحة، وسار الجيش الإسلامي تحدوه الرغبة في إعزاز دين الله وحب الشهادة، حتى التقوا بجموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء (مشارف) فانحاز المسلمون إلى مؤتة وتحصنوا بها. التقاء الجيشين والتقى الجمعان غير المتكافئين عددا وعدة، وقاتل المسلمون قتال الأبطال، وصمدوا أمام هذا الجيش العرمرم، وقاتل زيد بن حارثة حامل اللواء حتى استشهد، فولي القيادة جعفر بن أبي طالب وحمل اللواء؛ وكان على فرس له شقراء، فنزل عنها وعقرها، وتقدم يقاتل وهو يحمل اللواء ويقول: يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها عليّ إن لاقيتها ضرابها وكان جعفر يحمل اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى ضربه رجل من الروم ضربة فقطعته نصفين، فاستشهد وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة بعد أن خط في كتاب البطولة الإسلامية سطورا مشرقة، وكان جزاؤه من ربه أن أبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء، ولما التمس في القتلى وجد به بضع وتسعون جرحا. وكان ابن عمر إذا حيّ ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. فأخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم تقدم بها في جموع الروم وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد وهو يقول: أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... لتنزلنّ أو لتكرهنّه

بلاء المسلمين

إن أجلب الناس وشدوا لرنّة ... مالي أراك تكرهين الجنة قد طال ما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة في شنّه «1» ويقول: يا نفس إن لا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت وما زال يتقدم باللواء ويقاتل حتى قتل شهيدا رضي الله عنه. ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، فقالوا: أنت، فقال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد المخزومي، فلما أخذ الراية قاتل قتال الأبطال حتى اندقت في يده تسعة أسياف، وما صبرت معه إلا صحيفة يمانية، واستعمل دهاءه وحنكته الحربية حتى انحاز بالجيش، وأنقذه من هزيمة منكرة كادت تقع، وكان الليل قد أقبل، فانتهز خالد هذه الفرصة وغير نظام الجيش، فجعل المقدمة ساقة، والساقة مقدمة، والميمنة ميسرة، والميسرة ميمنة، وصف صفا طويلا وراء الجيش، فلما أصبح الصباح أنكرت الروم ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم، وسمعوا من الجلبة، وقعقعة السلاح، ما قد ظنوا معه أنهم جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا، وما زال خالد يحاورهم ويداورهم، والمسلمون يقاتلونهم في أثناء انسحابهم بضعة أيام حتى خاف الروم أن يكون هذا استدراجا لهم إلى الصحراء، فتحاجز الفريقان وانقطع القتال. بلاء المسلمين وقد أبلى البطل خالد وأصحابه الأبطال بلاء حسنا في هذا اليوم، وبفضل ثباتهم وشجاعتهم تبدلت هزيمتهم نصرا، وأيّ نصر يرجى أكثر من صمود جيش تعداده ثلاثة الاف أمام جيش تعداده مائتا ألف، وانسحابهم وهم موفور والعدد محفوظو الكرامة، وإنه لشيء نادر في تاريخ الحروب أن يقف جندي واحد أمام

_ (1) أجلبوا: صاحوا. الرنة صوت ترجيع شبه البكاء. النطفة: الماء القليل الصافي. الشنة: السقاء البالي، فيوشك أن تهراق أو ينخرق السقاء، وضرب ذلك مثلا لنفسه في جسده.

نعي رسول الله الأمراء

سبعين من الجنود المدججين بالسلاح، ولكنه الإيمان الذي يصيّر من الجبناء شجعانا، ومن الشجعان أبطالا، ولعل مما يثير العجب أن جميع من استشهد من المسلمين في مؤتة ثمانية، وقيل اثنا عشر. نعي رسول الله الأمراء وأطلع الله سبحانه رسوله على ما جرى فقام على المنبر فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب- وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم» «1» . ومن يومها قد عرف خالد بسيف الله المسلول، وفي رواية ابن إسحاق: «ولقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم على سرير من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله ازورارا عن سريري صاحبيه، فقلت عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى» ، ويا لها من عبرة!! فإذا كان بعض التردد من الشجاع المغوار ابن رواحة قد جعله في منزلة دون صاحبيه، فما بالك بمن ينكص على عقبيه مؤثرا الحياة على الشهادة، طمعا في جاه أو مال أو عرض من أعراض الحياة؟!! إن مثله لا يقام له عند الله وزن وإن عرض عند سواد الناس جاهه، وبذّ مال قارون ماله. لقاء الجيش وخرج الرسول والمسلمون للقاء الجيش، فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ويقولون لهم يا فرّار، فررتم في سبيل الله، ولكن الرسول العليم ببواطن الأمور، والمقدّر لموقف الجيش قال لهم: «ليسوا بالفرّار، ولكنهم الكرّار إن شاء الله» . مثل أعلى للاستحياء ومع منافحة الرسول عن أصحاب مؤتة قد اعتزل بعض المسلمين في بيته خشية سماع هذه الكلمة الثقيلة على أسماع المؤمنين الشجعان «يا فرّار» . روى

_ (1) رواه البخاري.

إكرام النبي لال جعفر

ابن إسحاق عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما يستطيع أن يخرج، كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار، فررتم في سبيل الله، حتى قعد في بيته ما يخرج. وهذا يدل على مبلغ ما وصل إليه الخلق الإسلامي انئذ من حب البطولة وإيثار الشهادة في سبيل الله على الفرار، والاستحياء من المثالب والمساوىء، وتقدير للقيم الخلقية، والمعاني الأدبية. إكرام النبي لال جعفر لما أصيب جعفر دخل رسول الله على أسماء بنت عميس فقال: «ائتني ببني جعفر» ، فأتت بهم فشمّهم وقبلهم وذرفت عيناه، فقالت أسماء: أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: «نعم، أصيبوا هذا اليوم» ، فجعلت تصيح وتولول فقال النبي: «لا تغافلوا عن ال جعفر أن تصنعوا لهم طعاما، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم» ، وهذا هو الأصل في صنع الطعام لأهل الميت لا ما يصنعه بعض الناس اليوم بقصد التفاخر والمقابلة بالمثل، وقد لا يصيب أهل الميت منه شيء. ولما قارب الجيش المدينة تلقّاهم الصبيان يشتدون ورسول الله مقبل مع الجيش على دابة له فقال: «خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر» ، فأتي بعبد الله فحمله بين يديه، وبعد ثلاث دخل على أسماء وقال لها: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي بني أخي» ، فجيء بهم كأنهم أفرخ، فدعا بالحلاق فحلق لهم رؤوسهم ثم قال: «أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي» ، ثم أخذ بيمين عبد الله وقال: «اللهمّ اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه» ، (ثلاثا) . ولما ذكرت له أمهم يتمهم وضعفهم قال لها: «العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والاخرة» رواه الإمام أحمد. وهذا غاية ما ينتظر من تكريم أبناء الشهداء، وبذلك وضع الرسول الكريم الأساس الصالح لهذا التقليد الشريف.

نهي ال جعفر عن النياحة

نهي ال جعفر عن النياحة روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الحزن فأتاه رجل فقال: أي رسول الله، إن نساء جعفر- وذكر بكاءهن- فأمره أن ينهاهن، فذهب الرجل ثم أتى فقال: والله لقد غلبننا، فقال رسول الله: «فاحث في أفواههن من التراب» . رثاء أسماء بنت عميس زوجها ورثت أسماء زوجها فقالت: فاليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فلله عينا من رأى مثله فتى ... أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا فلما انقضت عدتها خطبها الصدّيق رضي الله عنه فتزوجها فأولم عليها، وكان في الناس علي بن أبي طالب، فلما ذهب الناس استأذن عليّ أبا بكر في أن يكلم أسماء من وراء الستر فأذن له، فلما اقترب من الستر نفحه ريح طيبها فقال لها- متباسطا معها-: من القائلة: فاليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فقالت: دعنا منك يا أبا الحسن فإنك امرؤ فيك دعابة. فولدت للصديق ابنه محمدا، ثم لما توفي الصدّيق تزوجها بعده علي بن أبي طالب، فولدت له أولادا رضي الله عنهم أجمعين.

غزوة ذات السلاسل

غزوة ذات السلاسل «1» وفي جمادى الاخرة بلغه صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة يتجمعون في ديارهم وراء وادي القرى ليغيروا على المدينة، فأرسل لهم عمرو بن العاص في ثلاثمائة من خيار المسلمين، لأن أم عمرو كانت من بليّ، ولعل في هذا تأليفا لهم، فلما صار إلى هناك خاف كثرة عدوه، فبعث إلى رسول الله يستمده، فندب لذلك المهاجرين والأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في مائتين من سراة المهاجرين، وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وقال له: «إذا أنت قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا» . فلما قدم على عمرو قال له: إنما جئت مددا لي، فقال له أبو عبيدة: لا، ولكني على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه، فأبى عمرو، فتذكر أبو عبيدة وصاة رسول الله- وكان رجلا سهلا هينا عليه أمر الدنيا- فقال له: يا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «لا تختلفا» ، وإنك إن عصيتني أطعتك، وبذلك حسم الخلاف. وسار عمرو بمن معه حتى وصل إلى بلاد بلي، فكان كلما انتهى إلى موضع به جمع تفرّقوا حتى انتهى إلى بلاد بلي وعذرة، فلقي جمعا ليس

_ (1) ضبطها ابن الأثير في النهاية، بضم السين الأولى، وكسر الثانية. وضبطها صاحب القاموس بفتح السين الأولى. سميت باسم ماء بأرض جذام يقال له السلسل، وقيل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا. وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام. ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق فقال: إنها كانت قبلها.

بالكثير، فاقتتلوا ساعة وتراموا بالنبل، وحمل عليهم المسلمون فهزموا وتفرقوا، وأوغلوا هربا في البلاد، ثم عاد المسلمون منتصرين بعد أن أروهم سلطان الإسلام وسطوته. وفي الطريق أصيب عمرو بن العاص بجنابة من أثر احتلام، فتيمم وصلّى بأصحابه، فلما قدموا على رسول الله سألهم عن أحوالهم في غزوتهم كما هي عادته، فأخبروه بما كان من أمر عمرو واحتلامه وتيممه وصلاته من غير اغتسال، فقال رسول الله: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب» ، فقال: يا رسول الله احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، وإني سمعت الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً، فضحك النبي ولم يقل شيئا، وكان سكوت النبي تقريرا له على هذا، وتقريره أحد وجوه السنن المعروفة. وقد نجح عمرو في إرجاع هيبة الإسلام لأطراف الشام، وإرجاع أحلاف المسلمين لصداقتهم الأولى، ودخول قبائل أخرى في حلف مع المسلمين، وإسلام الكثيرين من بني عبس، وبني مرة، وبني ذبيان، وكذلك دخلت فزارة وسيدها عيينة بن حصن في حلف مع المسلمين، وتبعها بنو سليم، وعلى رأسهم العباس بن مرداس، وبنو أشجع، ومعظم من لم يكن قد حالف المسلمين من القبائل المجاورة للمدينة، وأصبح المسلمون أقوى عنصر سياسي في شمال بلاد العرب، وإن لم يكن في بلاد العرب جميعها «1» .

_ (1) محاضرات في السيرة وتاريخ الخلفاء للدكتور محمد مصطفى زيادة.

فتح الفتوح في الإسلام فتح مكة

فتح الفتوح في الإسلام فتح مكّة تمهيد لما أبرم صلح الحديبية كان من شروط الصلح أن من أحب أن يدخل في عهد النبي فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش فليفعل، فدخلت خزاعة في عهد رسول الله، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وقد مضى على الصلح قرابة عامين ولم يحدث من المسلمين ما يخل بالعهد، وقد حدث بعد مؤتة أن خيّل إلى قريش أن المسلمين قد ضعفوا وزالت هيبتهم، وخيّل إلى بني بكر أن ينالوا من خزاعة أحلاف الرسول، وقد كان بين بني بكر وخزاعة ثارات في الجاهلية ودماء، فبيّت بنو بكر خزاعة وهم على ماء يسمى (الوتير) وأصابوا منهم، وأعانتهم قريش بالرجال والسلاح تحت جنح الليل، وما زالوا يقاتلونهم حتى ألجؤوهم إلى الحرم، ولجأت خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء، ومولى لهم يسمى أبا رافع. فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله بالمدينة يخبره بغدر قريش وإخلافهم العهد، ولما وقف على النبي أنشده أبياتا منها: يا ربّ إني ناشد محمدا ... حلف أبيه وأبينا الأتلدا فانصر رسول الله نصرا أعتدا «1» ... وادع عباد الله يأتوا مددا في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إنّ قريشا أخلفوك الموعدا

_ (1) أعتدا: حاضرا، من الشيء العتيد، وهو الحاضر.

سفارة أبي سفيان بن حرب

وزعموا أن لست أدعو أحدا ... فهم أذلّ وأقلّ عددا هم بيّتونا بالوتير هجّدا ... وقتلونا ركعا وسجّدا فقال رسول الله: «نصرت يا عمرو بن سالم» . ثم خرج أيضا بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله فأخبروه بما جرى، ثم انصرفوا ايبين إلى مكة، وفي الطريق لقيهم أبو سفيان وهو ذاهب إلى المدينة فقال له: لعلك ذهبت إلى محمد بالمدينة، فأنكر بديل وتعلّل بتعلّات أخرى، ولكن أبا سفيان جاء إلى مبرك ناقته، فرأى في بعرها نوى يثرب، فأيقن أنه جاء النبي مستنصرا. سفارة أبي سفيان بن حرب وأدركت قريش مغبة غدرها ونقضها للعهد، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة يؤكد العهد ويمد في المدة، فلما وصلها قصد إلى بيت ابنته أم حبيبة زوج الرسول، فلما همّ بالجلوس على فراش رسول الله طوته، فعجب وقال: يا بنية أرغبت بي عن الفراش أم رغبت به عني؟ فقالت هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت مشرك نجس فلم أحب أن تجلس عليه!! وكانت صدمة له لم يفق منها حتى قال: يا بنية والله لقد أصابك بعدي شر، وخرج مغضبا. ثم كلم رسول الله في العهد وإطالة المدة فلم يحظ منه بطائل، فخرج قاصدا أبا بكر فكلمه أن يكلم رسول الله فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال له: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فو الله لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به. ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة بنت رسول الله والحسن غلام يدب بين يديه، فقال: يا علي، إنك أمسّ القوم بي رحما وأقربهم مني قرابة، وقد جئت في حاجة فلا أرجعنّ كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى رسول الله، فقال له: ويحك يا أبا سفيان، والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فالتفت إلى فاطمة فقال: هل لك أن تأمري بنيّك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى اخر الدهر،

تجهز النبي للخروج

فقالت: والله ما يبلغ بني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على النبي صلى الله عليه وسلم «1» فقال: يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني، فقال علي: والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك شيئا، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك، فقال: أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ فقال: لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان فقال: إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره وعاد من حيث أتى، فلما قدم على قريش أخبرهم بما كان وإجارته بين الناس، فقالوا له: هل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا، قالوا: ويحك ما زاد الرجل على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت. تجهز النبي للخروج ولم يلبث رسول الله أن أخذ التجهز للخروج إلى مكة، وأذّن في الناس بالتجهيز، وأخفى مقصده إلا عن بعض خاصته كالصدّيق، وكان غرض رسول الله أن يبغت قريشا في عقر دارها من غير أن تأخذ أهبتها، حرصا أن لا تراق الدماء في بلد الله الحرام، فلما تجمعت الجموع وتهيأت للمسير أخبرهم بمقصده وقال: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها» . كتاب حاطب إلى قريش ولما أجمع صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله، ثم أعطاه مولاة لبعض بني عبد المطلب تسمى سارة، وجعل لها جعلا على أن تبلّغه قريشا، فجعلته في عقاص شعرها، ثم خرجت به، فإذا الوحي ينزل على رسول الله بما صنع حاطب، فبعث عليا والزبير والمقداد وقال: «انطلقوا حتى تأتوا (روضة خاخ) فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها» . فانطلقوا تتعادى بهم خيلهم حتى أدركوها، فقالوا لها أخرجي الكتاب، فقالت: ليس معي كتاب، فقالوا لها: لتخرجنّ الكتاب، أو لنكشفنّ

_ (1) لا مخالفة بين هذا وقوله عليه الصلاة والسلام: (ويجير على المسلمين أدناهم) لأن المراد بالثاني من يجير واحدا ونفرا يسيرا، وأما قول السيدة فاطمة فالمراد به الإجارة العامة أي لا يمنع أحد الإمام من غزوه قوما.

العظيم من يرحم الضعفاء

الثياب، فخافت وأخرجته من عقاصها، فأتوا به إلى النبي فإذا فيه: «يا معشر قريش فإن رسول الله جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل. فو الله لو جاءكم واحده لنصره الله، وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم، والسلام» «1» . فقال النبي: «يا حاطب ما هذا؟» فقال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش- يعني حليفا ولم يكن من أنفسها- وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي بها، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال الرسول العظيم: «أما إنه قد صدقكم» . فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال الرسول: «إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطّلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ، فبكى عمر وقال: الله ورسوله أعلم!! فأنزل الله هذا التأديب الإلهي وهو صدر سورة الممتحنة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ إلى قوله سبحانه: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ «2» . العظيم من يرحم الضعفاء وإن لنا هنا لوقفة، فما كان حاطب منافقا، ولا ضعيف الإيمان، بتزكية الرسول له. ولكن في النفس الإنسانية جوانب ضعف تطغى عليها في بعض الأحيان، وتهوي بها إلى ما لا ترضاه لنفسها، وكل بني ادم خطّاء، وما كان هذا الضعف الإنساني ليخفى على صاحب القلب الكبير، والقوي الأمين صاحب الخلق العظيم، فلا تعجب إذا كان الرسول صدّقه فيما قال، ورحم ضعفه،

_ (1) فتح الباري ج 8 ص 420. (2) سورة الممتحنة: الاية 1.

مسيرة الجيش إلى مكة

ونافح عنه، والقوي حقا هو الذي يرحم الضعفاء، والعظيم حقا هو الذي يلتمس المعاذير لمن يستزلهم الشيطان في غفوة من صدق الإيمان ووازع الضمير!!. مسيرة الجيش إلى مكة ثم مضى رسول الله لغزوته واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، وكان خروجه لعشر مضين من رمضان من السنة الثامنة، فصام وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد- موضع بين مكة والمدينة- أفطر حتى قدم مكة وانسلخ الشهر، وخرج معه المهاجرون والأنصار لم يتخلف منهم أحد، وانضمّ إليهم الاف من سليم ومزينة وغطفان وغيرها، وما إن وصل مرّ الظهران حتى صار تعداد الجيش عشرة الاف وقيل اثنا عشر ألفا، وشهدت الصحراء العربية الجيش العرمرم الذي لم تشهد له مثيلا من قبل، في عقيدته وإيمانه، وإيثاره الموت على الحياة والاخرة على الدنيا. إسلام العباس وبعض القرشيين وكان العباس بن عبد المطلب عم الرسول قد خرج من مكة مهاجرا إلى الله، واحتمل معه أهله وولده، فلقي الرسول بالجحفة «1» فأسلم، وقد سرّ الرسول بإسلامه غاية السرور، إذ قد كان ناصرا له ومؤيدا، وفي هم شاغل به وبدعوته مع بقائه على دين قريش، وإقامته بمكة على سقاية الحاج، وخرج من قريش أيضا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي، فلقيا رسول الله «بنيق العقاب» والتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما وقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك، وصهرك يلتمسان الدخول عليك فقال: «لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فبالغ في إساءتي،

_ (1) وقيل برابغ، والقريتان متجاورتان، وقد درست الجحفة وبقيت رابغ، ويرى بعض المؤرخين أن العباس كان قد أسلم من قبل ولكنه أخفى إسلامه لمصلحة الدعوة، فقد كان بمثابة العين لرسول الله على قريش، ثم أعلن إسلامه قبل الفتح، ومنهم من يرى أنه ذهب إلى المدينة قبل الفتح وأسلم وسار مع جيش الفتح، ويشكك بعض المؤرخين في هذا وذاك، والصحيح ما ذكرناه أولا.

تخوف العباس على قريش

وأما ابن عمتي فهو الذي قال بمكة ما قال» ، فلما بلغهما ذلك كان مع أبي سفيان بنيّ له فقال: والله ليأذننّ لي، أو لاخذن بيد بني هذا، ثم لنذهبنّ في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ النبي ذلك رقّ لهما، فدخلا عليه وأسلما. تخوف العباس على قريش ورأى العباس علو نجم ابن أخيه وقوته، وأحسّ منزلة النبي في قلوب هذه الالاف المؤمنة التي لا يقدر على أن يصدها عن غايتها صاد، والتي لا قبل لمكة ولا لغيرها بهم، فقال: واصباح قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى اخر الدهر، فركب بغلة رسول الله البيضاء وذهب ناحية الأراك عسى أن يجد حطّابا أو صاحب لبن أو ذا حاجة ذاهبا إلى مكة فيخبرهم بمكان رسول الله حتى يخرجوا إليه فيستأمنوه، فكان أن التقى بأبي سفيان وصحبه. أبو سفيان يستطلع الأخبار لقريش ها هو رسول الله والجيش قد وصل إلى مر الظهران «1» ، وقد عميت الأخبار عن قريش لا يأتيهم خبر عنه، ولا يدرون ما هو فاعل بهم، وبينما هم في حيرة من أمرهم خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يستطلعون الأمر لقريش، وكان رسول الله قد أمر أصحابه أن يوقدوا نارا فأوقدوا عشرة الاف نار، حتى كانوا قريبا من مرّ الظهران رأوا نيرانا كنيران الحجيج في عرفة، فقال أبو سفيان ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا!!، فقال بديل: هذه والله خزاعة، فقال أبو سفيان: خزاعة أذلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. وبينما هما يتحاوران عرف العباس صوت أبي سفيان، فقال: أبا حنظلة! وأجاب أبو سفيان: أبا الفضل! فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجيش، فقال أبو سفيان: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ فقال العباس: فاركب في عجز هذه البغلة حتى اتي بك رسول الله فأستأمنه لك،

_ (1) قرية بالقرب من مكة بوادي الظهران يقال لها اليوم: وادي فاطمة.

إسلام أبي سفيان

فركب وسار الاخران وراءهما، فكلما مروا بنار قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله وأنا عليها قالوا: عمّ رسول الله على بغلة رسول الله، حتى مروا بنار عمر بن الخطاب وعرف أبا سفيان فوجأه في عنقه، وهمّ بقتله حتى أجاره العباس، وأركض العباس البغلة، وعمر يشتد في إثرها حتى دخل العباس ومعه أبو سفيان على رسول الله، ثم دخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد فدعني فلأضرب عنقه، فقال العباس: أنا أجرته. ثم جلس إلى رسول الله يناجيه، فلما أكثر عمر في شأن أبي سفيان قال العباس: مهلا يا عمر، فو الله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه من بني عبد مناف!! فقال عمر: مهلا يا عباس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب!!، وحسم رسول الله الخلاف بينهما فقال: «اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به» ، أما حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء فقد أسلما. إسلام أبي سفيان وبات أبو سفيان ليلته ورأى فيها ما ملأ نفسه إعجابا!! رأى المسلمين لما سمعوا الأذان انتشروا فتوضأوا، ثم اقتدوا بالرسول يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، فقال: يا عباس، ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه؟! قال: نعم والله، لو أمرهم بترك الطعام والشراب لأطاعوه! ورأى أعجب من ذلك، ذلك أنه لما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوا يبتدرون وضوءه، فقال: يا عباس ما رأيت كالليلة ولا ملك كسرى وقيصر!!. وفي الصباح غدا به العباس إلى رسول الله فقال له: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم ألاإله إلا الله؟» ، فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد، قال الرسول: «ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟» ، فقال: أما هذه فإنّ في النفس منها حتى الان شيئا. فقال له العباس: ويحك أسلم واشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا

حبس أبي سفيان بمضيق الوادي

رسول الله قبل أن تضرب عنقك، فشهد شهادة الحق وأسلم، فقال العباس: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا، فرأى رسول الله بنور قلبه، وواسع عقله أن يكون هذا الشيء مما يتعلق بحقن الدماء، ونشر الأمان، وأن لا يقتصر على أبي سفيان حتى يأمن أكثر عدد من الناس فقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو امن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو امن، ومن دخل الكعبة فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن، ومن أغلق بابه فهو امن» . حبس أبي سفيان بمضيق الوادي ورأى الرسول الحكيم أن يوقف أبو سفيان حيث تمر عليه كتائب جيش المسلمين ليرى قوة المسلمين، فيكون نذيرا لقريش بالتسليم والجنوح إلى السلام إبقاء على أنفسها، فقال: «يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم «1» الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها» . فخرج بأبي سفيان- وقيل كان معه حكيم وبديل- فحبسه حيث أمره رسول الله، ومرّت القبائل على راياتها، فمرّت قبيلة فقال: يا عباس من هذه؟ قال: غفار، فيقول: ما لي ولغفار، وهكذا كلما مرّت قبيلة قال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، فقال: يا عباس من هذه؟، فقال: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار- أي يوم الحرمة ورعاية العهد-. الكتيبة الخضراء ثم مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء يحيط به المهاجرون لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد «2» ، يحمل الراية الزبير بن العوام، فقال سبحان الله يا عباس!! من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين، فقال

_ (1) خطم الجبل: هو المكان الناتىء منه في الطريق، ليتمكن من رؤية الجيش كله. (2) أي عدة الحروب من قوس، ومغفر، وسلاح، والعرب تعبر عن الاسوداد بالاخضرار، والعكس، ومنه قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ أي خضراوان شديدتا الخضرة حتى كأنهما سوداوان.

رجوع أبي سفيان إلى مكة

أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما!! فقال العباس: يا أبا سفيان إنها النبوة!! قال: نعم إذا. وبلّغ أبو سفيان الرسول مقالة سعد بن عبادة فقال: «كذب- أي أخطأ- سعد، ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة» «1» ، وأمر بالراية أن تؤخذ من سعد وتعطى لابنه قيس، وقيل أعطاها لعلي بن أبي طالب، وقيل للزبير، والذي نرجّحه الأول وهو ما يتّفق وما عرف عن الرسول من حكمة وبعد نظر، إذ لم يرد أن يغضب أبا سفيان وصحبه بإبقاء الراية مع سعد، وقد يطغى سيفه فيسرف في القتل، فأخذها من سعد تأديبا له وزجرا عما قال، وفي الوقت نفسه لم يغضب سعدا لأنه أخذها منه وأعطاها لابنه، وأي إنسان لا يود لابنه من الفخار والمنزلة ما يود لنفسه بل وأكثر! رجوع أبي سفيان إلى مكة ثم رجع أبو سفيان مسرعا حتى إذا وصلها نادى بأعلا صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به!! فمن دخل دار أبي سفيان فهو امن، فقالوا وما تغني دارك؟ فقال: ومن أغلق عليه بابه فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، إلا من غلبت عليه الحمية وصمم على القتال. دخول مكّة وسار الجيش الإسلامي حتى وصل (ذا طوى) ، وفي هذا المكان رأى الرسول الحكيم والقائد المحنك أن يفرّق الجيش فرقا، وأوصاهم أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفلها من كدى، وأمر الزبير بن العوام أن يدخل في فرقته من شمالها، وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري من جانبها الغربي.

_ (1) هذا ما ذكر في صحيح البخاري، وذكر ابن إسحاق أن ذلك عند الدخول، والذي نرجحه ما في الصحيح.

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلاها من كداء بين يديه أبو عبيدة بن الجراح في فرقة من الجيش، دخلها وهو راكب ناقته ومطأطىء رأسه حتى إن شعر لحيته ليمس واسطة رحله تواضعا لله وشكرا، ومعظما له ومكبّرا، حين رأى ما أكرمه الله من الفتح، وقد أردف وراءه أسامة بن زيد، فلما بلغ الحجون «1» أمر أن تركز رايته هناك وأن تضرب له قبة، فضربت فاستراح بها هو وزوجتاه ميمونة وأم سلمة، فقال له أسامة بن زيد: أين تنزل غدا يا رسول الله؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور» ؟ وفي رواية أخرى: «منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» «2» رواهما البخاري. ودخلت الجيوش مكة ولم يلق منها مقاومة تذكر إلا جيش خالد بن الوليد فقد كان يقيم في أسفل مكة أشد قريش عداوة للرسول، ومن اشتركوا مع بني بكر في نقض عهد الحديبية، هؤلاء لم يرضهم أن يستسلموا من غير إراقة دماء، ولم يعتدّوا بما منحوا من أمان فأعدوا عدتهم للقتال، ومن هؤلاء: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وحماس بن قيس، فلما دخل جيش خالد أمطروه بنبالهم، ولكن خالدا لم يلبث أن فرقهم، ولم يقتل من رجاله إلا اثنان ضلّا طريقهما، أما قريش ففقدت ثلاثة عشر رجلا في رواية، وأربعة وعشرين في رواية أخرى، ولم يلبث صفوان وعكرمة وسهيل أن ولّوا الأدبار منهزمين. وكان حماس بن قيس يعد سلاحا قبل مقدم جيش المسلمين، فقالت له امرأته: لماذا تعدّ ما أرى؟ فقال: لمحمد وأصحابه، فقالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء، فقال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، فلما شهد

_ (1) مكان بأعلى مكة بالقرب من مقبرتها، و (كداء) بفتح الكاف كسحاب جبل بأعلى مكة، و (كدى) بالضم والقصر جبل بأسفل مكة. (2) يعني لما تحالفت قريش ألايبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يؤوهم وحصروهم في الشعب وقد اختار النبي ذلك المكان ليتذكروا ما أصابهم من بلاء، فيشكروا الله على ما أنعم عليهم من الفتح العظيم ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا، ومقابلتهم بالعفو والإحسان، وقد كان الخيف وجاه الشعب.

إجارة أم هانىء رجلين

الموقعة مع صحبه وهزموا جاء حماس لاهثا وهو يقول: أغلقي عليّ بابي، فقالت: فأين ما كنت تقول؟! فقال لها: إنك لو شهدت يوم الخندمه ... إذ فر صفوان وفر عكرمه وأبو يزيد قائم كالمؤتمه ... واستقبلتهم بالسيوف المسلمه يقطعن كل ساعد وجمجمه ... ضربا فلا يسمع إلا غمغمه لهم نهيت خلفنا وهمهمه ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه «1» ولما قيل لرسول الله: هذا خالد بن الوليد يقتل، فقال: «قم يا فلان فأت خالدا فقل له يرفع يديه من القتل» . وكان هذا الفتح المبين في صبيحة العشرين من رمضان سنة ثمان، فلا عجب أن كان المسلمون يحتفلون في هذا اليوم بالذكرى الخالدة: ذكرى الفتح المبين. إجارة أم هانىء رجلين وكانت السيدة أم هانىء بنت أبي طالب زوج هبيرة بن أبي وهب المخزومي فرّ إليها يوم الفتح رجلان من أحمائها «2» ، وهما: الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية المخزوميان، فدخل عليها أخوها علي بن أبي طالب يريد قتلهما فمنعته أم هانىء، ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أعلى مكة، فلما راها قال: «مرحبا بك وأهلا يا أم هانىء ما جاء بك» ؟ فقالت: يا نبي الله كنت أمنت رجلين من أحمائي فأراد عليّ قتلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء» «3» . وقد أسلم الحارث وزهير، وأما هبيرة زوجها فلم يسلم وأقام بمكة حتى مات كافرا.

_ (1) الخندمة: المكان الذي كانت به الموقعة، أبو يزيد: سهيل بن عمرو، المؤتمة: الاسطوانة أو المرأة مات عنها زوجها، الغمغمة: أصوات غير مفهومة، نهيت: صوت الصدر، همهمة: كلام خفي أو صوت يتردد في الصدر عند الحرب والطعن. (2) أحماء: جمع حم: أقارب زوج المرأة كالأب والأخ والعم. (3) رواه البخاري ومسلم.

إلى الكعبة

إلى الكعبة ثم قصد رسول الله الكعبة فطاف بها سبعا، يستلم الركن بمحجن في يده، وكان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مشدودة إليها برصاص، فصار يطعنها بعود في يده وهو يقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ فجعلت الأصنام تتهاوى وتسقط إلى غير رجعة، ورجعت الكعبة كما كانت على عهد الخليل إبراهيم رمز التوحيد، وعبادة الله واحده. في جوف الكعبة ثم دعا النبي عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد الدار حاجب الكعبة، فأخذ منه المفتاح ففتحت له الكعبة، فدخلها وكبّر في جوانبها وصلّى فيها ركعتين، ورأى على جدرانها صور الملائكة وغيرهم، وصورة إبراهيم وإسماعيل بيدهما الأزلام يستقسمان بها فقال: «قاتلهم الله، لقد علموا ما استقسما بها قط» !! وأمر بالصور فأزيلت، وبالأصنام فأخرجت. أذان بلال على الكعبة وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالا فأذّن فوقها، مما أهاج غيظ الذين لم يكونوا قد تخلّصوا من عنجهية الجاهلية، حتى لقد قال بعضهم: الحمد لله الذي توفى فلانا قبل أن يرى هذا العبد الأسود على ظهر الكعبة!! ومن يومها ومنذ أربعة عشر قرنا إلى يومنا وإلى ما شاء الله وبلال وخلفاؤه ينادون الناس كل يوم خمس مرات: (ألاإله إلا الله وأن محمّدا رسول الله) وأن الله أكبر من كل كبير، وداعين الناس إلى الفلاح، وإلى خير العمل وهي الصلاة. اليوم يوم بر ووفاء ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ومفتاح الكعبة بيده، فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أين عثمان بن طلحة» ؟ فدعي له فقال: «هذا مفتاحك يا عثمان،

خطبة يوم الفتح

اليوم يوم بر ووفاء» وقال: «خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم» «1» . ولا يزال مفتاح الكعبة فيهم إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله، ويقال للحجبة: الشيبيون نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده، وله أيضا صحبة للنبي ورواية، فقد انتقلت من عثمان بن طلحة إلى ابن عمه شيبة وما زالت في نسله إلى اليوم، وفي هذه الحادثة نزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ الاية «2» . خطبة يوم الفتح ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة، وقد تكاثر الناس في المسجد، وأوجس المشركون خيفة، وكادت تغص حلوقهم بقلوبهم من شدة الخوف، وصارت أبصارهم مشدودة إلى الرسول، ولكن المظلوم المنتصر أبى إلا أن يضرب مثلا نادرا في العفو، فقام خطيبا وكان مما قال: «لا إله إلا الله واحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب واحده، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية، أو دم، أو مال يدعى، فهو موضوع تحت قدمي هاتين، إلا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحاج فإنهما أمضيتهما لأهلها على ما كانت ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا، ففيه الدية مغلّظة مائة من الإبل: أربعون منها في بطونها أولادها. يا معشر قريش إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالاباء، الناس من ادم، وادم من تراب» ثم تلا هذه الاية:

_ (1) فتح الباري، ج 8 ص 15. (2) سورة النساء: الاية 58.

العفو عند المقدرة

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ «1» . ثم قال: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم» ؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» !!. العفو عند المقدرة ألا ما أجمل العفو عند المقدرة، وما أعظم النفوس التي تسمو على الأحقاد وعلى الانتقام، بل تسمو على أن تقابل السيئة بالسيئة، ولكن تعفو وتصفح، والعفو عن من؟ عن قوم طالما عذبوه وأصحابه، وهموا بقتله مرارا، وأخرجوه وأتباعه من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولم ينفكّوا عن محاربته والكيد له بعد الهجرة!!. إن غاية ما يرجى من نفس بشرية كانت مظلومة فانتصرت أن تقتص من غير إسراف في إراقة الدماء، ولكنه النبي!! والنبوة من خصائصها كبح النفس ومغالبة الهوى، والعفو والتسامح، أليس من صفاته التي بشّرت بها التوراة أنه ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يقابل السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح؟ لقد ضرب النبي صلوات الله وسلامه عليه بعفوه عن أهل مكة للدنيا كلها، وللأجيال المتعاقبة مثلا في البر والرحمة، والعدل والوفاء وسمو النفس لم تعرفه الدنيا، ولن تعرفه في تاريخها الطويل. ارجع ببصرك قليلا إلى ما فعله الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا: قرن الحضارة كما يقولون، لتعلم علم اليقين فرق ما بين النبوة وغير النبوة، والإسلام وغير الإسلام. إسلام أبي قحافة وبعد الفتح جاء أبو بكر الصديق بأبيه أبي قحافة يقوده وقد كفّ بصره، فلما راه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا اتيه» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، فأجلسه بين

_ (1) سورة الحجرات: الاية 13.

إسلام الحارث وعتاب

يديه، ثم مسح صدره وقال: «أسلم» فأسلم، وهنأ رسول الله أبا بكر بإسلام أبيه، وكان رأس أبي قحافة قد اشتعل شيبا، فقال الرسول: «غيّروا من شعره، ولا تقربوه سوادا» . إسلام الحارث وعتّاب وكان الحارث بن هشام، وعتّاب بن أسيد وأبو سفيان بن حرب جلوسا بفناء الكعبة، وبلال يؤذن فوق ظهر الكعبة، فقال عتّاب: لقد أكرم الله أسيدا ألايكون سمع هذا، فسمع منه ما يغيظه، فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا، لو تكلمات لأخبرت عني هذه الحصا، فطلع عليهم رسول الله فقال: «قد علمت الذي قلتم» ثم ذكره لهم، فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله، ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول: أخبرك!! إسلام فضالة بن عمير وكانت نفسه قد حدثته أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه قال له الرسول: «أفضالة» ؟ قال نعم فضالة يا رسول الله، قال: «ماذا كنت تحدّث به نفسك» ؟ قال لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك النبي ثم قال: «استغفر الله» ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه. فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه. قال فضالة: فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلمّ إلى الحديث- تعني حديث الهوى والغرام- فقال: لا، وانبعث يقول: قالت هلمّ إلى الحديث فقلت: لا ... يأبى عليك الله والإسلام لو ما رأيت محمدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسّر الأصنام

لرأيت دين الله أضحى بيّنا ... والشرك يغشى وجهه الإظلام نعم إن الإسلام يغير من سلوك من يعتنقه، ويرشده إلى القيم الخلقية الكريمة، ويغيّر من نظراته إلى الحياة حتى يصير منه إنسانا اخر في عقيدته، وسلوكه، وأخلاقه.

إهدار النبي بعض الدماء

إهدار النبي بعض الدماء لقد كان النبي صلوات الله وسلامه عليه حريصا غاية الحرص على أن تبقى لمكة حرمتها، وأن يتم الفتح من غير إراقة دماء، وقد أوصى أمراء الجيوش ألايقاتلوا إلا مكرهين، وتوّج هذا بالعفو عن أهل مكة عفوا شاملا، بيد أنه استثنى بضعة عشر رجلا أمر بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة، لأنهم عظمت جرائمهم في حق الله ورسوله، وحق الإسلام، ولما كان يخشاه منهم من إثارة الفتنة بين الناس بعد الفتح. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقد جمعت أسماءهم من متفرقات الأخبار، وهم: عبد العزّى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نقيد- مصغّرا- ومقيس بن صبابة، وهبّار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن خطل: فرتنى وقريبة، وسارة مولاة بني عبد المطلب، وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي، وذكر الحاكم أن فيمن أهدر دمه كعب بن زهير، ووحشي بن حرب، وهند بنت عتبة «1» . ومن هؤلاء من قتل، ومنهم من جاء مسلما تائبا فعفا عنه الرسول، وحسن إسلامه، إليك بعضا منهم. عبد الله بن خطل وقينتاه كان اسمه عبد العزّى، فلما أسلم سمي: عبد الله، وقد بعثه رسول الله

_ (1) فتح الباري، ج 7 ص 9.

عبد الله بن أبي سرح

مصدّقا «1» ، وبعث معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولى له فغضب عليه فقتله، ثم ارتد مشركا، وكانت قينتاه تغنيان بهجاء رسول الله والمسلمين، فلهذا أهدر النبي دمه ودم قينتيه، وقد اشترك في قتله أبو برزة الأسلمي، وسعيد بن حريث المخزومي، وقتلت إحدى قينتيه، واستؤمن للاخرى. عبد الله بن أبي سرح كان ممن يكتب الوحي لرسول الله، ثم ارتد وزعم أنه كان يزيف الوحي على الرسول، ولما أهدر الرسول دمه ذهب مع أخيه من الرضاع عثمان بن عفان كي يطلب له الأمان، فأعرض عنه الرسول طويلا، ثم قال: «نعم» ، فلما انصرف مع عثمان قال الرسول: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين راني قد صمتّ فيقتله» ؟ فقالوا: يا رسول الله، هلّا أو مأت إلينا، فقال: «إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» وقد حسن إسلامه فيما بعد، وولاه الفاروق عمر بعض أعماله، وكذلك فعل عثمان. الحويرث بن نقيد ولما تحمّل العباس بن عبد المطلب بفاطمة وأم كلثوم ليذهب بهما إلى المدينة يلحقهما برسول الله، نخس بهما الحويرث الجمل الذي هما عليه فسقطتا على الأرض، وهي نذلة وعمل عار عن المروءة، وقد قتله سيدنا علي بن أبي طالب. مقيس بن صبابة كان قتل أخ له مسلم خطأ، فأخذ ديته ورضي، ثم التمس من القاتل غرة فقتله وارتد مشركا، فقتله رجل من قومه نميلة بن عبد الله. هبار بن الأسود كان أبو العاص بن الربيع زوج السيدة زينب بنت الرسول أسر في بدر فأطلقه المسلمون، فأخذ عليه رسول الله أن يرسل إليه ابنته، فوفى بما وعد،

_ (1) المصدق- بتخفيف الصاد وتشديد الدال- هو الذي يأخذ صدقات النعم، وأما المصدق- بتشديد الصاد- فهو الذي يعطي الناس، ويتصدق عليهم.

عكرمة بن أبي جهل

وأرسل بصحبتها أخاه كنانة بن الربيع «1» ، فلما علمت قريش بخروجها علانية سعوا إليها كي يردوها، فكان أول من أدركها هبّار بن الأسود فروعها بالسيف وهي في هودجها، فسقطت وكانت حاملا فأجهضت، ولم يزل يعاودها المرض بسبب هذا حتى توفاها الله. فلما أهدر النبي دمه هرب، حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرّانة بعد الفتح لقيه فأسلم، وقال: يا رسول الله هربت منك وأردت اللحاق بالأعاجم، ثم ذكرت عائدتك وصلتك وصفحك عمن جهل عليك، وكنا يا رسول الله أهل شرك فهدانا الله بك، وأنقذنا من الهلكة فاصفح الصفح الجميل فقال العفوّ الكريم: «قد عفوت عنك، وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام، والإسلام يجبّ ما قبله» . عكرمة بن أبي جهل لما أهدر النبي دمه هرب قاصدا اليمن، وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث قد أسلمت قبل الفتح، فأخذت له أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحقته وقد همّ بركوب البحر، فقالت: جئتك من عند أبر الناس، وخيرهم، لا تهلك نفسك، وإني قد استأمنته لك. فرجع معها، فلما راه رسول الله وثب قائما فرحا به، وقال: «مرحبا بمن جاءنا مسلما مهاجرا» ، ثم التمس من النبي أن يستغفر له كل عداوة عاداه إياها فاستغفر له، وكان رضي الله عنه بعد ذلك من خيرة المسلمين، وأشدهم غيرة على الإسلام ومن أبطال الفتوحات الإسلامية. هند بنت عتبة بن ربيعة زوج أبي سفيان، وهي التي أغرت وحشيا بقتل حمزة، والتي مثلت بقتلى المسلمين في أحد، وكانت اختفت ثم جاءت إلى النبي مسلمة، فعفا عنها

_ (1) هذا ما ذكره ابن إسحاق، وذكر الحافظ في الإصابة أنه كنانة بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى، فهو ابن عم أبي العاص لا أخوه. وقال ابن عبد البر إنه ابن أخيه (الإصابة، ج 3 ص 307) ، ولعله للاختلاف في نسبه أهو أبو العاص بن الربيع بن ربيعة بن عبد العزى، أم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى كما ذكر الحافظ في الفتح.

فقالت: والله يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم أهل خباء أحب إليّ أن يعزوا من أهل خبائك!!. وأما وحشيّ بن حرب قاتل سيد الشهداء حمزة فقد مضت قصة إسلامه في غزوة أحد، وأما كعب بن زهير فتأتي قصته بعد.

خطبة النبي غداة الفتح وإسلام أهل مكة وبيعتهم

خطبة النبي غداة الفتح وإسلام أهل مكة وبيعتهم وفي غداة الفتح بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن خزاعة حلفاءه عدت على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك برجل قتل في الجاهلية، فغضب وقام بين الناس خطيبا فقال: «يا أيها الناس، إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد- يقطع- فيها شجرا لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا: إن الله قد أحلّها لرسوله ولم يحلها لكم. يا معشر خزاعة: ارفعوا أيديكم عن القتل فلقد كثر إن نفع، لقد قتلتم قتيلا لأدينّه، فمن قتل بعد مقامي هذا، فأهله بخير النظرين: إن شاؤوا قدّم قاتله، وإن شاؤوا فعقله» «1» . ثم ودى رسول الله الرجل الذي قتلته خزاعة، فأي احترام لحرمة الدماء حتى ولو كانت غير مسلمة فوق هذا؟ وهل يشك أحد في حرمة البلد الأمين بعد هذه الخطبة البليغة المؤثرة، واستمرارها إلى يوم القيامة؟.

_ (1) رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق ابن إسحاق صاحب السيرة، ورواه أيضا من غير طريقه، وأصل الحديث في الصحيحين، والعقل: الدية.

إسلام قريش رجالا ونساء

إسلام قريش رجالا ونساء لقد كان من أثر عفو النبي الشامل عن أهل مكة، والعفو عن بعض من أهدر دماءهم أن دخل أهل مكة رجالا ونساء وأحرارا وموالي في دين الله، طواعية واختيارا، وبانطواء مكة تحت راية الإسلام دخل الناس في دين الله أفواجا، وتمت النعمة، ووجب الشكر، وصدق الله حيث يقول: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً. فالمراد بالفتح في هذه السورة فتح مكة، ولما نزلت قال النبي: «نعيت إليّ نفسي» فقد فهم منها قرب انتهاء أجله «1» ...

_ (1) كان نزولها في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع كما سيأتي، وإنما ذكرتها هنا استشهادا على انتشار الإسلام بعد الفتح حتى عم الجزيرة، ولبيان أن المراد بالفتح في الاية فتح مكة.

بيعة الرجال

بيعة الرجال وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جميعا الرجال والنساء، والكبار والصغار، وبدأ بمبايعة الرجال، فقد جلس لهم على الصفا، فأخذ عليهم البيعة على الإسلام والسمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، وجاء مجاشع بن مسعود بأخيه مجالد بعد يوم الفتح فقال يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، فقال عليه الصلاة والسلام: «ذهب أهل الهجرة بما فيها» ، فقال: على أي شيء تبايعه؟ قال: «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد» «1» . وقد روي في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله قال يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» ، والمراد أن الهجرة التي كانت واجبة من مكة قد انتهت بفتح مكة، فقد عز الإسلام، وثبتت أركانه ودعائمه، ودخل الناس فيه أفواجا، أما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، أو من بلد لا يقدر أن يقيم فيه دينه ويظهر شعائره إلى بلد يتمكن فيه من ذلك فهي باقية إلى يوم القيامة، ولكن هذه دون تلك، فقد تكون واجبة؛ وقد تكون غير واجبة؛ كما أن الجهاد والإنفاق في سبيل الله مشروع وباق إلى يوم القيامة ولكنه ليس كالإنفاق ولا الجهاد قبل فتح مكة قال عز شأنه: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ «2» .

_ (1) رواه البخاري. (2) سورة الحديد: الاية 10.

بيعة النساء

بيعة النساء ولما فرغ رسول الله من بيعة الرجال بايع النساء، وفيهن هند بنت عتبة متنقّبة متنكرة، على ألايشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصين في معروف، ولما قال النبي: ولا يسرقن قالت هند: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بنيّ، فهل علي من حرج إذا أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال لها: «خذي من ماله ما يكفيك وبنيك بالمعروف» . ولما قال: ولا يزنين قالت هند: وهل تزني الحرة؟ ولما عرفها رسول الله قال لها: «وإنك لهند بنت عتبة؟» ، قالت: نعم، فاعف عما سلف عفا الله عنك. وقد بايعن رسول الله من غير مصافحة، فقد كان لا يصافح النساء ولا يمس يد امرأة إلا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لا والله، ما مسّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط) ، وفي رواية: ما كان يبايعهن إلا كلاما ويقول: «إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة» «1» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 319.

أكان فتح مكة عنوة أم صلحا؟

أكان فتح مكة عنوة «1» أم صلحا؟ وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وجماهير العلماء، وأهل السير: إن مكة فتحت عنوة. وقال الشافعي- ورواية عن أحمد- إنها فتحت صلحا. وقد احتج الجمهور بأدلة منها: 1- حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداه، فقال أبو هريرة: لبيك يا رسول الله، قال: «اهتف لي بالأنصار» ، فلبوا سراعا، قال: فأطافوا به، ووبّشت قريش أوباشا لها «2» وأتباعا، فقالوا: نقدّم هؤلاء فإن كان لهم شيء- يعني من النصر- كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترون إلى أوباش قريش، وأتباعهم» ، ثم قال «3» بيديه إحداهما على الاخرى «4» ثم قال: «حتى توافوني بالصفا» ، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيحت

_ (1) قال في المصباح المنير: «عنا يعنو عنوة إذا أخذ الشيء قهرا ... وفتحت مكة عنوة أي قهرا» . (2) أي جمعت جموعا من قبائل شتى لمحاربة جيش المسلمين. (3) قال: أشار. (4) يريد الإشارة إلى القتل.

خضراء قريش «1» ، لا قريش بعد اليوم!! ثم قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو امن» «2» . 2- وقوع القتال من خالد بن الوليد وجيشه، وهذا أمر ثابت في الصحاح وكتب السير. 3- قوله صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين-: «أحلت لي ساعة من نهار» ، ونهيه عن التأسّي به في ذلك. 4- إذنه صلى الله عليه وسلم أن ينادى في الناس بقوله: «من دخل دار أبي سفيان فهو امن، ومن ألقى سلاحه فهو امن» ، فلو كان دخولهم مكة صلحا لم يحتج إلى هذا. 5- حديث أم هانىء- وهو في الصحيحين- حين أجارت رجلين من أحمائها أراد علي أخوها قتلهما، فأخبرت النبي بذلك، فقال: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء» ، فكيف يكون دخولها صلحا ويخفى على مثل عليّ؟! واحتج الإمام الشافعي بأمور منها: 1- ما قاله الإمام النووي من أنه احتج بالأحاديث المشهورة من أن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم بمرّ الظهران قبل دخول مكة. 2- لأنها لم تقسم بين الغانمين، ولم يملكوا دورها، بل بقيت على ملك أهليها. وقد رد الجمهور بما يأتي: 1- أي أحاديث مشهورة رويت في هذا؟! وما ذكره الإمام النووي رحمه الله تعالى- إن أراد به ما وقع من قوله صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان

_ (1) يعني جماعاتهم، ويعبر عن الجماعة المجتمعة بالسواد، والخضرة، ومنه السواد الأعظم. (2) صحيح مسلم- كتاب الجهاد والسير- باب غزوة الفتح.

فهو امن ... » ، فإن ذلك لا يسمّى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال، والذي ورد في الأحاديث الصحيحة والسير أن قريشا لم يلتزموا ذلك، بل استعدوا للقتال، وجمعوا أوباش القبائل كما في حديث مسلم، وإن كان المراد بالصلح وقوع عقد بين النبي وبينهم فهذا لم ينقل قط. 2- وأما عدم القسمة بين الغانمين، فإنها لا تستلزم عدم العنوة، فقد تفتح البلد عنوة، ويمن الإمام على أهلها، ويترك لهم دورهم، لأن قسمة الأرض المغنومة بين الغانمين ليس متفقا عليها بل الخلاف ثابت بين الصحابة فمن بعدهم، وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم، وذلك في زمن عمر وعثمان، مع وجود أكثر الصحابة، وقد زادت مكة على ذلك بأمر يمكن أن تكون مختصة به دون بقية البلاد، وهي أنها دار النسكين- الحج والعمرة- ومتعبد الخلق، وقد جعلها الله تعالى حرما امنا سواء العاكف فيه والباد. وجنحت طائفة منهم الإمام الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة، لما وقع بينهم وبين خالد وجيشه من قتال، وإن كانت دارت عليهم الدائرة، وبعضها وقع صلحا. وقد قرر ذلك الإمام الحاكم في «الإكليل» . والحق أن الراجح والصحيح أن فتحها كان عنوة، وبقوة السلاح، ولو أمكنهم أن يقاتلوا أيضا الجيش الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم لفعلوا، وقد ناوشوا جيش خالد، ولكنهم لم يلبثوا أن هزموا واستسلموا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم للاعتبارات التي ذكرناها، وتأليفا لقلوب من لم يدخل منهم في الإسلام يوم الفتح عاملهم معاملة من فتحت بلدهم بأمان وصلح «1» ، وبحسبنا هذا القدر في هذا المقام.

_ (1) شرح النووي على صحيح مسلم، ج 12 ص 130، 131؛ فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 8 ص 9، 10.

مخاوف الأنصار وتبديدها

مخاوف الأنصار وتبديدها لما رأى الأنصار سرور رسول الله بالفتح، وحفاوته بالكعبة والمسجد الحرام، وذهابه إلى الصفا داعيا وشاكرا لله على عظم نعمائه- تخوفوا أن يقيم رسول الله في بلده، ولا يرجع إليهم فيحرموا منه، فقال بعضهم لبعض فيما بينهم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها؟ فأوحى الله إليه بما جرى، فذهب إليهم فأخبرهم بما قالوا فأقروا، فطمأنهم قائلا: «كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم» ، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله، فقال رسول الله: «إن الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» .

مدة إقامة النبي بمكة

مدة إقامة النبي بمكة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بضعة عشر يوما، قيل: خمسة عشر يوما، وقيل سبعة عشر يوما، وقيل تسعة عشر وهي أرجح الروايات، لأن أكثر الروايات الصحيحة على هذا «1» ، وكان النبي يقصر الصلاة في هذه المدة ويفطر، لأنه كان على سفر ولم يرد الإقامة، وكان إذا صلّى قال: «يا أهل البلد صلّوا أربعا فإنا سفر» «2» . وفي هذه المدة أرسل النبي بعض الصحابة للدعوة إلى الإسلام، وهدم الأصنام والأوثان، والأنصاب.

_ (1) فتح الباري، ج 2 ص 449. (2) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وهدم بعض الأصنام

بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وهدم بعض الأصنام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعيا إلى الإسلام، ولم يبعثه مقاتلا، فلما راه القوم أخذوا السلاح، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا، فقام رجل منهم يسمى: جحدرا فقال: ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد؛ والله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا فلم يزالوا به حتى وضع سلاحه. فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكتفوا، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، وخالد يأخذ فيهم أسرا وقتلا، فأنكر عليه بعض أصحابه ذلك، ثم دفع الأسرى إلى من كان معه، حتى إذا أصبح يوما أمر خالد أن يقتل كل واحد أسيره، فامتثل البعض، وامتنع عبد الله بن عمر وامتنع معه اخرون من قتل أسراهم، فلما قدموا على رسول الله أخبروه، فغضب ورفع يديه إلى السماء قائلا: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» مرتين. وقد أنكر على خالد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف، وقال له: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام، وكانت بينهما ملاحاة قال له فيها عبد الرحمن: إنك ثأرت لعمك الفاكه بن المغيرة، وكان بعض بني جذيمة قتلوه في الجاهلية «1» وكذلك أنكر على خالد بعض كتاب السير والتاريخ، ورموه بما رماه به ابن عوف.

_ (1) السيرة لابن هشام، ج 2 ص 431.

تعويض النبي بني جذيمة عن الدماء والأموال

والظن بمثل خالد أنه إنما أراد نصرة الإسلام، وأنه اجتهد في أمر وتأوّل فأخطأ، ففهم من كلامهم صبأنا أنهم يتبرأون من الإسلام، لا أنهم يريدون الإسلام. ولعل هذا هو السبب في أن النبي صلى الله عليه وسلم عذره ولم يعزله، وإن كان تبرأ من فعله إلى الله، وما كان رسول الله يداهن، أو يخاف في الحق لومة لائم. وبعض من يعذر خالدا وينتصر له يزعم أنّ خالدا قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السّهمي، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام، وليس من شك في أن لخالد من المواقف المشهودة، والتضحية بالنفس، ما يغفر له مثل هذه الهنات، والله يغفر لهم جميعا. تعويض النبي بني جذيمة عن الدماء والأموال ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له: «يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم. واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك» . فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله معه، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من مال حتى ميلغة الكلب «1» ، وبقيت معه بقية من المال فقال لهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يؤدّ لكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيتكم هذه البقية احتياطا لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون، ثم رجع إلى رسول الله فأخبره بما صنع فقال له: «أصبت، أحسنت» . وبهذا التصرف النبوي الحكيم واسى النبي بني جذيمة، وأزال ما في نفوسهم من أسى وحزن. هدم العزّى وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا لهدم العزّى، وهي هيكل بنخلة تعظمه قريش وكنانة ومضر؛ وكان ذلك لخمس بقين من رمضان، فذهب إليها وهدمها وهو يقول: يا عزّ كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك

_ (1) الميلغة: إناء من خشب كان يعد لشرب الكلب.

هدم سواع

هدم سواع وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص لهدم سواع، وهو أعظم صنم لهذيل على ثلاثة أميال من مكة، فذهب إليه وهدمه. هدم مناة وبعث سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا لهدم مناة، وهي صنم لكلب وخزاعة، وهيكلها بالمشلل، وهو جبل على ساحل البحر يهبط منه إلى قديد، فتوجهوا إليها وهدموها. وبهذا الفتح المبين وسقوط دولة الأصنام والهياكل أصبح توحيد الله على كل لسان، وأضحت الكعبة منارة التوحيد في الأرض، وعادت كما كانت على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

غزوة حنين

غزوة حنين «1» لما فتح الله مكة على رسوله والمؤمنين، ودانت له قريش فزعت هوازن وثقيف وقالوا: قد فرغ محمد لقتالنا، فلنغزه قبل أن يغزونا، وأجمعوا أمرهم على هذا، وولّوا عليهم مالك بن عوف النّصري، فاجتمع إليه هوازن، وثقيف، ونصر، وجشم، وسعد بن بكر قوم السيدة حليمة السعدية، وناس من بني هلال، ولم يحضرها من هوازن كعب وكلاب، وكان معهم دريد بن الصّمّة، وكان معروفا بشدة البأس في الحرب وأصالة الرأي، إلا أنه كان كبيرا فلم يكن له إلا الرأي والمشورة. وكان رأي مالك بن عوف أن يخرجوا ووراءهم النساء والذراري والأموال حتى لا يفروا، فلما علم بذلك دريد سأله: لم ذلك؟ فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم، فقال دريد: راعي ضأن والله، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك!! ولكنه لم يستمع لمشورته. خروج رسول الله فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أجمعوا عليه خرج إليهم لخمس خلون من شوال من هذا العام وقيل لست، ليغزوهم قبل أن يغزوه في اثني ألفا، منهم العشرة الالاف الذين كانوا في فتح مكة، وألفان من الأعراب والطلقاء، والمؤلفة قلوبهم والنساء يرجون الغنائم، وخرج في الجيش ثمانون من المشركين، منهم:

_ (1) حنين مصغرا واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات.

استعارة دروع صفوان

صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، واستخلف النبي على مكة عتّاب بن أسيد «1» الأموي العبشمي، وكان عمره عشرين عاما. استعارة دروع صفوان وكان ذكر لرسول الله أن عند صفوان بن أمية دروعا وسلاحا، فلما عزم الأمر أرسل إليه وهو يومئذ مشرك، فقال: «يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلق به عدونا غدا» ، فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: «بل عارية مضمونة» ، فأعاره مائة درع بما يكفيها من السلاح، وسأله رسول الله أن يكفيهم حملها ففعل، فلما تمت الموقعة جمعت دروع صفوان فوجدوا أن بعضها فقد، فعرض عليه رسول الله أن يضمنها له، فأبى وقال: أنا اليوم في الإسلام أرغب. مسيرة الجيش وسار رسول الله حتى كان قريبا من معسكر العدو صف الغزاة، وعقد الألوية، فأعطى لواء المهاجرين لعلي بن أبي طالب، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن حضير، وكذلك فعل مع القبائل الاخرى. وركب النبي بغلته ولبس درعين والبيضة والمغفر، واغتر بعض المسلمين بهذه الكثرة الكاثرة حتى قال: لن نهزم اليوم من قلة. وفي الطريق إلى حنين مرّوا بذات أنواط «2» فقال بعض حديثي العهد بالإيمان: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر!! قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، قالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. إنها السنن، لتركبنّ سنن من كان قبلكم» .

_ (1) قال في المصباح المنير: «وأسد أسيد مثل كريم أي متأسد جريء وبه سمي، ومنه: عتاب بن أسيد» ، وعتاب بتشديد التاء صيغة مبالغة ثم سمي به، وعبشمي: نسبة إلى عبد شمس. (2) شجرة عظيمة كانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب، يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما.

التقاء الجيشين

التقاء الجيشين وكان مالك بن عوف قد سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، فأعدوا أنفسهم، وكمنوا في مضايق الوادي وأحنائه، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى نزلوا بالوادي في عماية الصبح، وإنهم لكذلك إذ شدت عليهم قبائل هوازن وثقيف شدة رجل واحد، وخرج من كان مستترا في شعاب الوادي ومضايقه، وأمطروهم بالسهام، فاختلط أمر المسلمين وأذهلتهم المفاجأة، فلووا أعنة خيلهم وأزمة إبلهم متقهقرين لا يلوون على أحد حتى وصلت فلول المنهزمين إلى مكة. ثبات الرسول ورأى رسول الله الجيش على كثرته قد اختل نظامه، واضطرب أمره، وولّى الكثيرون الأدبار، فماذا يصنع؟ إنه ليعلم أنه رسول الله وأنه ناصره، وأنه البطل الذي لم يعرف عنه الفرار قط، فعزم على الثبات ولو أن يكون واحده، وثبت رسول الله، وصار يركض بغلته البيضاء ركضا في نحر العدو «1» ، والعباس عم الرسول اخذ بلجامها يكفها به إرادة ألاتسرع وأبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول اخذ بركابه ينافح عنه، ورسول الله ينادي: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» «2» وكان من دعائه في هذا اليوم: «اللهم أنزل نصرك، اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض بعد اليوم» .

_ (1) قال الحافظ في الفتح: ومما ينبه عليه هنا أن البغلة البيضاء التي كان عليها في حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك «أيلة» ، لأن ذلك كان في تبوك، وغزوة حنين كانت قبلها. وقد وقع في مسلم من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له فروة بن نفاثة- بضم النون بعدها فاء خفيفة ثم مثلاثة- وهذا هو الصحيح. وذكر أبو الحسين بن عيدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين «دلدل» وكانت شهباء أهداها له المقوقس. وأن التي أهداها له «فروة» يقال لها «فضة» ذكر ذلك ابن سعد، وذكر عكسه. والصحيح ما في مسلم (فتح الباري، ج 6 ص 57) وفروة كان عاملا للروم على بلاد «معان» وما جاورها من بلاد الشام. (2) انتسب إلى جده لأنه كان أشهر وأذكر عند العرب. أما أبوه فقد مات وهو شاب.

من ثبت مع الرسول

من ثبت مع الرسول وثبت مع رسول الله عدا هذين رهط من المهاجرين، وال البيت، منهم: أبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، والفضل وقثم ولدا العباس، وأسامة بن زيد، وأيمن ابن أم أيمن. ولكن ماذا تفعل هذه القلة في هذا البحر اللجي من جيش الأعداء؟ فتفتق عقل النبي عن هذا الأمر الحكيم، فقد أمر عمه العباس- وكان رجلا جسيما صيّتا- أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة. فنادى بها. استجابة المسلمين وحركت هذه الكلمات ذات الذكريات مكامن الإيمان والشجاعة في النفوس، وأزالت ما غشي النفوس من هلع وفزع، فثاب الفارون إلى رشدهم، وأجابوه: لبيك، لبيك، وجعل الرجل منهم إذا لم يستطع أن يلوي عنق بعيره ينزل عنه، ويأخذ سيفه ورمحه ويؤم الصوت، حتى تجمع حول الرسول عدد كبير. الان حمي الوطيس واشتد القتال، وأشرف رسول الله على المعركة فقال: «الان حمي الوطيس» «1» ، وأمد الله المؤمنين بجند من عنده، واشتدت مطاردة المسلمين للفلول المنهزمة من هوازن وثقيف، وما هي إلا ساعة حتى انهزم المشركون، وجيء بالأسارى وهم مكتفون، وأفاء الله على رسوله والمؤمنين أموالهم وأبناءهم ونساءهم، وقتل من المشركين عدد غير قليل منهم دريد بن الصمة. وممن قاتل في هذا اليوم قتال الأبطال السادة علي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد، فقد جرح جراحات بالغة، وأبو قتادة حتى سمّاه الصديق أسدا من أسد الله. وهكذا بفضل ثبات النبي كان النصر بعد الهزيمة، ولولا ثبات الرسول لما تجمع الأبطال حول سيدهم، ولما ثاب المسلمون إلى نبيهم، وقد

_ (1) أي اشتدت رحى الحرب وهي من الكلم التي لم يسبق النبي إليها.

تشفي بعض الأعراب وضعفاء الإيمان

كان لهذا النصر أثره في نفوس كثير ممن بقي من أهل مكة على شركهم، فأسلموا لما عاينوا نصر الله لنبيه، وإعزازه لدينه، وفي غزوة حنين أنزل الله سبحانه قوله: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ. ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . تشفّي بعض الأعراب وضعفاء الإيمان ولما انهزم المسلمون تكلم بعض جفاة الأعراب، ومن كانوا حديثي عهد بالإسلام بكلام ينم عن التشفي والشماتة، فقال كلدة بن الحنبل- وهو أخ لصفوان بن أمية لأمه-: ألا بطل السحر اليوم!! فقال له صفوان- وكان لا يزال مشركا في المدة التي جعل له فيها الرسول الخيار-: اسكت، فضّ الله فاك، فو الله لأن يربّني- يملكني- رجل من قريش أحب إلي من أن يربّني رجل من هوازن!! ومر رجل قرشي بصفوان بن أمية فقال له: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه فو الله لا يجبرونها أبدا، فزجره أمية وقال: تبشرني بظهور الأعراب؟! وقال عكرمة بن أبي جهل لهذا الرجل: الأمر ليس بيدك، الأمر بيد الله ليس إلى محمد منه شيء، إن أديل عليه اليوم فإن العاقبة له غدا!! فقال سهيل بن عمرو: والله إن عهدك بخلافه لحديث، فقال عكرمة: يا أبا يزيد إنا كنا على غير شيء، وعقولنا ذاهبة نعبد حجرا لا يضر ولا ينفع!! وقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر. وقد أكذب الله كل هذه الأماني، وكانت العاقبة للرسول والمؤمنين.

_ (1) سورة التوبة: الايات 25- 27.

موقف إنساني للرسول

موقف إنساني للرسول ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة مقتولة قتلها خالد بن الوليد، والناس واقفون عليها ينظرون ويتعجبون من خلقها، حتى لحقهم رسول الله على راحلته، فانفرجوا عنها، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل» ، وقال لأحدهم: «الحق خالدا فقل له: لا يقتلن وليدا ولا امرأة ولا عسيفا» أي أجيرا. حنين درس في التربية النفسية وقد كانت حنين درسا أفاد منه المسلمون، فقد كان في الجيش أخلاط كثيرون من المشركين والأعراب، والمؤلّفة قلوبهم، وهؤلاء لا يقاتلون عن عقيدة وإخلاص، وإنما يقاتلون لمغنم أو عصبية. كما كانت درسا في التربية النفسية علم المسلمين أن النصر ليس بكثرة العدد والعدة، وأن الاغترار بذلك ليس من أخلاق الإسلام، فها هم لما اغتروا بكثرتهم كانت الهزيمة، وذلك ليكون المسلمون على صلة قوية بالله، فلا يلهيهم العدد والعدة عن تذكر الله، والتوكل عليه، فليتوكلوا على الله، ثم ليأخذوا ما استطاعوا في إعداد العدة للأعداء حسبما أمر الله به في قوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ... ، وقد أشار الله إلى هذا المعنى بقوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ «1» ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» . غنائم حنين وأمر رسول الله بجمع السبي من النساء والذراري والغنائم من الإبل والغنم والمال، وكانت نحو أربعة وعشرين ألف بعير، وأكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة الاف أوقية من الفضة، وأمر أن تساق إلى الجعرّانة فتحبس هناك ريثما تقسم، وجعل على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري.

_ (1) سورة ال عمران: الاية 126. (2) سورة الأنفال: الاية 10.

من استشهد من المسلمين

من استشهد من المسلمين وممن استشهد في حنين أيمن بن عبيد ابن أم أيمن مولاة رسول الله وحاضنته، وزيد بن زمعة بن الأسود جمح به فرسه فمات، وسراقة بن الحباب الأنصاري. سرية أوطاس لما انهزمت هوازن وثقيف ذهبت فرقة منهم فيها رئيسهم مالك بن عوف فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها، وسارت فرقة أخرى فعسكروا بمكان يسمى (أوطاس) «1» ، وتوجهت فرقة ثالثة نحو نخلة «2» ، وهم بنو غيرة من ثقيف، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثار من توجه قبل أوطاس سرية وأمّر عليهم أبا عامر الأشعري، فلما التقوا تناوشوا القتال، وقد أبلى أبو عامر بلاء حسنا حتى قيل: إنه قتل تسعة منهم، ثم رماه أحدهم بسهم فأثبته في ركبته فعجز عن القتال، فاستخلف على السرية ابن أخيه: «3» أبا موسى الأشعري، فقتل قاتل عمه. ولم يلبث أبو عامر أن مات من جرحه بعد أن أوصى أبا موسى أن يقرىء رسول الله منه السلام، وأن يستغفر له، وقاتل أبو موسى القوم حتى هزمهم، فلما رجع بعد الموقعة أخبر الرسول بخبر عمه فدعا له ولأبي موسى رضي الله عنهما. سبايا أوطاس وفي يوم أوطاس أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج من أهل الشرك، فتأثّم أناس من أصحاب رسول الله من غشيانهن وكفوا، فأنزل الله هذه الاية:

_ (1) أوطاس: واد في ديار هوازن. (2) مكان بين مكة والطائف. (3) وهم ابن إسحاق فقال إنه ابن عمه، والذي في صحيح البخاري أن أبا عامر عم أبي موسى، وهو الصحيح

وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ «1» . فاستحلوا فروجهنّ «2» . وقد استدلّ جماعة من السلف على إباحة الأمة المشركة بهذه الاية، وخالفهم الجمهور فقالوا: هذه قصة عين فلعلهن أسلمن أو كنّ كتابيات.

_ (1) سورة النساء: الاية 24. (2) رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي.

غزوة الطائف

غزوة الطّائف «1» أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ للمسير إلى الطائف حيث ذهب إليها مالك بن عوف رئيس المشركين في حنين في فلول من الجيش المنهزم، وكانت الطائف مدينة محصنة لها أبواب تغلق عليها كأكثر مدن العرب في ذلك العهد، وكان أهلها ذوي دراية بحرب الحصار، وذوي ثروة طائلة جعلت حصونهم من أمنع الحصون. فسار إليهم رسول الله في جيش كثيف في شوال سنة ثمان حتى نزل قريبا من حصونها، فضرب به عسكره، فصار أهل الطائف يرمون بالنبل من فوق حصونهم، فأصابوا عددا من المسلمين، فتأخر إلى الموضع الذي يوجد فيه مسجد الطائف الذي بنته ثقيف لما أسلمت بعد، وكان مع رسول الله من نسائه أم سلمة وزينب بنت جحش، فضرب لهما قبتين، فكان يصلي بينهما بأصحابه، ومكث المسلمون حول الحصون بضعا وعشرين ليلة، وقيل سبع عشرة ليلة يترامون هم وأهل الطائف بالنبال والسهام. إسلام بعض العبيد وأمر رسول الله من يؤذن في ثقيف: أن من خرج إلينا من العبيد فهو حر، فخرج إليهم جماعة بعد أن تسوروا الحصن، منهم أبو بكرة «2» نفيع بن مسروح الحبشي، وكان عبدا للحارث بن كلدة فتبناه، فمن ثمّ ذكر في نسبه أنه نفيع بن

_ (1) الطائف بلد كثير الأعناب والنخيل على ثلاث مراحل من مكة. (2) كان عبدا لال يسار بن مالك من ثقيف، وقال الواقدي: كان مولى يسار نفسه.

الرمي بالمنجنيق واستعمال الدبابات

الحارث. والمنبعث، ويحنس، ووردان في رهط من رقيقهم يبلغ ثلاثة وعشرين رجلا، فأسلموا فأعتقهم رسول الله، ودفع كل واحد منهم إلى رجل من المسلمين يعوله ويحمله. فلما قدم أهل الطائف بعد مسلمين قالوا يا رسول الله: ردّ علينا رقيقنا فقال: «لا، أولئك عتقاء الله» «1» . الرمي بالمنجنيق واستعمال الدبابات ثم أمر رسول الله برميهم بالمنجنيقات «2» وذكر ابن هشام أن رسول الله أول من رمى به، وكان أول استعمالهم له في حصار الطائف، ويقال إن سلمان الفارسي هو الذي أشار به وعمله بيده، ورأى المسلمون أن يستعملوا الدبابات «3» ليتوصلوا بها إلى نقب الحصن وتقويض أساسه، فيسهل عليهم الدخول والتلاقي مع الأعداء وجها لوجه، فدخل نفر من الصحابة تحت دبابة ثم زحفوا إلى جدار الحصن لينقبوه. ولكن أهل الطائف كانوا من المهارة والدربة في الحرب ما أكره المسلمين على الفرار من تحتها، وعدم الاستفادة منها، ذلك أنهم أحموا قطعا من الحديد بالنار، حتى إذا انصهرت ألقوها على الدبابات فأحرقتها، ففرّ الجنود المسلمون من تحتها خيفة أن يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبال فقتلت بعضهم، وهكذا لم تفد هذه المحاولة الجادة المبتكرة في نقب الحصون والدخول منها، وهذا يدل على لون من ألوان إعداد العدة للأعداء، وعلى مبلغ تقبل النبي والصحابة واستعمالهم لكل سلاح مستطاع في الحروب. تقطيع الأعناب والزروع وكانت الطائف مشهورة بزروعها وكرومها وكانت تمثل ثروة عظيمة لأهلها، فأمر رسول الله أصحابه بتقطيعها عسى أن يكون هذا حاملا لهم على

_ (1) البداية والنهاية ج 4 ص 348. (2) المنجنيق الة يرمى بها الحجارة كانت تقوم مقام المدفع اليوم. (3) الدبابة مشدّدة: الة تتخذ للحروب، فتدفع في أصل الحصن فينقبونه وهم في جوفها (قاموس) وقد كانت حينذاك تكسى بالجلود الغليظة، فلذلك أحرقتها كرات النار.

مشورة نوفل بن معاوية الدئلي

الاستسلام، وشرع المسلمون يقطعون الكروم ويحرقونها، فلما رأى المشركون أن المسلمين جادون أرسلوا إلى الرسول مع أبي سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة أنه إن شاء فليأخذه لنفسه، أو ليدعه لله وللرحم، وكان رسول الله عطوفا رحيما فتركه لهم. مشورة نوفل بن معاوية الدئلي ولما طال حصار الطائف استشار رسول الله نوفل بن معاوية الدئلي فقال: «ما رأيك في المقام عليهم» ؟ فقال: يا رسول الله، ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك. وكان رسول الله قد رأى رؤيا قصّها على صاحبه أبي بكر قال: «إني رأيت كأني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا، فنقرها ديك فهراق ما فيها» ، فقال الصدّيق ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد، فقال رسول الله: «وأنا لا أرى ذلك» . ولما نما إلى الفاروق عمر ما قاله رسول الله أنه لم يؤذن له في اقتحام ثقيف جاء إلى الرسول فقال: أو ما أذن فيهم؟ قال: «لا» ، فقال: أفلا أؤذّن بالرحيل؟ قال: «بلى» ، فأذن بالرحيل. وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يفتح الطائف، ولو أن رسول الله أقام على حصارهم لاشتدّ بهم الجهد، ولاضطروا بعد القتال إلى الاستسلام، ولكن الحكمة الإلهية اقتضت أن يؤخر الفتح عامئذ، لئلا يستأصلوا قتلا وأسرا، وقد كان رسول الله- كما هو دأبه- حريصا على عدم الإسراف في القتل وإراقة الدماء، كما كان حريصا على هدايتهم، ولما قيل له وهم قافلون من الطائف: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم، قال: «اللهم اهد ثقيفا واكفنا مؤنتهم» . ولو أننا رجعنا القهقرى إلى ما قبل الهجرة، وقد خرج إليهم داعيا إلى الله، وأن يؤوه حتى يبلغ رسالة ربه لرأينا أنهم ردوا عليه وكذبوه، وأغروا به الصبيان والسفهاء حتى رموه بالحجارة فأدموا عقبيه، فرجع مغموما لم يستفق إلا عند قرن الثعالب، فناداه جبريل فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك

وما ردوا عليك، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداه هذا الملك وقال له: أنا رسول ربك، بعثني إليك لتأمرني فيهم بما شئت: إن شئت أطبق عليهم الأخشبين؟ - جبلين- فقال الرؤوف، الرحيم: «أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا» «1» ، وكذلك استأنى بهم رسول الله بعد هذه القصة بنحو عشر سنين، وفك حصارهم، واستجاب الله دعاءه، فقدموا من العام المقبل في رمضان مسلمين.

_ (1) رواه البخاري ومسلم.

وفد هوازن واسترداد السبايا

وفد هوازن واسترداد السبايا وعاد رسول الله من حصار الطائف إلى الجعرّانة «1» حيث وجد الغنائم والسبايا ليقسمها، فوافاه بها وفد هوازن وقد جاؤوا مسلمين، فقالوا: يا رسول الله إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا منّ الله عليك، وقام إليه خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ثم أنشده بعض الشعر. وكان رسول الله أعرف الناس بالجميل، وأرحم الناس بكليم القلب، وكسير الجناح، فقال لهم: «نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟، وقد كنت استأنيت بكم» «2» ، فقالوا: يا رسول الله خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا، فقال رسول الله: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، وإذا أنا صلّيت بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فإني سأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم» . فلما صلّى رسول الله الظهر بالناس قاموا فقالوا مثل ما قال لهم، فقام النبي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء

_ (1) بكسر الجيم والعين وتشديد الراء، وقد تسكن العين وتخفف الراء: موضع بين الطائف ومكة وهو إليها أقرب. (2) كان رسول الله انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، وأخر قسمة السبي عسى أن يحضروا مسلمين فيشفع لهم إسلامهم.

الشيماء بنت الحارث

قد جاؤوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول مال يفيء الله به علينا فليفعل» ، ثم قال: «ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم» ، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأنصار مثل ذلك، وتمنّع أناس منهم الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، والعباس بن مرداس، وما زال بهم رسول الله حتى أرضاهم. وبذلك ردّت إلى هوازن نساؤها وذراريها بفضل النبي وبره ورحمته، وحسن كياسته وسياسته، فهو صلى الله عليه وسلم يعلم أن العربي يضحّي بكل مال، ولا يضحّي بامرأته، وذريته، ويموت راضيا في سبيل صيانة عرضه. وأكمل رسول الله بره وصلته، فسأل وفد هوازن عن رئيسهم مالك بن عوف، فقالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال: «أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل» ، فلما بلغ ذلك مالكا انسل من ثقيف خفية، وركب فرسه حتى أتى رسول الله بالجعرانة، أو بمكة، فأسلم فردّ عليه رسول الله أهله وماله وأعطاه المائة، مما جعل لسانه ينطلق بمدح النبي، واستعمله النبي على من أسلم من قومه، وقد أسرت هذه المعاملة الكريمة مالكا، فكان يقاتل بمن أسلم من قومه ثقيفا، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيّق عليهم. الشيماء بنت الحارث وكان في السبايا الشيماء بنت الحارث بن عبد العزّى أخت رسول الله من الرضاع، وكان بعض المسلمين قد عنف عليها، فقالت: والله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدّقوها حتى أتوا بها رسول الله، فتعرّف عليها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، وقال لها: «إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت؟» فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها وأعطاها وردها إلى قومها ويقال: إنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوجتهما، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية.

قسمة الغنائم

قسمة الغنائم لما ردّ رسول الله السبايا على هوازن وأعطى بعضهم ما أعطى من الإبل، تخوف بعض الناس ولا سيما الأعراب أن يرد إليهم أموالهم أيضا، فألحوا على الرسول في قسمة الغنائم حتى ألجأوه إلى شجرة هناك، وخطفوا رداءه، فقال: «ردوا علي ردائي أيها الناس، فو الذي نفسي بيده لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته فيكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا» ، ثم أخذ وبرة من سنام بعير ثم رفعها بين إصبعيه وقال: «أيها الناس، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول «1» عار وشنار على أهله يوم القيامة» . فجعل كل من أخذ شيئا من الغنيمة يرده ولو كان زهيدا. «2» ثم خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة فأخذ الخمس لنفسه، وأعطى منه أناسا أسلموا يتألفهم بذلك، وأناسا لم يسلموا ليحببهم في الإسلام، فأعطى مائة من الإبل لكل من أبي سفيان، وابنيه: معاوية ويزيد، والحارث بن هشام، وحكيم بن حزام، وكان كلما أعطاه الرسول مائة استزاده حتى قال له: «يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى» «3» . وقد أثرت هذه الموعظة في نفس حكيم، فأخذ

_ (1) في القاموس: «والخياط- ككتاب ومنبر-: ما خيط به الثوب والإبرة» ، والغلول: الخيانة في الغنيمة، يعني أدوا الخيط والإبرة. (2) رواه البخاري. (3) رواه البخاري.

المائة وترك ما عداها، ثم قال: والذي بعثك بالحق لا أرزأ «1» أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يعرضان عليه العطاء فلا يأخذه. وأعطى عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس مائة، وسهيل بن عمرو، والحارث بن كلدة وغيرهم، وأعطى غير هؤلاء دون المائة كالعباس بن مرداس، فأنشأ يقول: أتجعل نهبي ونهب العبيد «2» ... بين عيينة والأقرع فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرىء منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع فقال النبي: «اقطعوا عني لسانه» فأكملوا له المائة. وأعطى صفوان بن أمية- وكان لا يزال مشركا- عطاء كثيرا حتى قال: ما طابت بهذا نفس أحد، وكان يقول ما زال رسول الله يعطيني من غنائم حنين وهو أبغض الخلق إلي، حتى ما خلق الله شيئا أحب إليّ منه، وكان من البواعث على إسلامه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن بعض النفوس عبيد الإحسان فتألّفهم بذلك، وهو ضرب من ضروب السياسة الشرعية الحكيمة، ولهذا جعل الشارع الحكيم للمؤلفة قلوبهم سهما في الزكاة، ونعمّا فعل الرسول، فإن كثيرين ممن لم يسلموا قد أسلموا، وكثيرين ممن أسلموا ولم تشرب قلوبهم حب الإيمان قد صاروا بعد من أجلّاء المسلمين، وأعظمهم نفعا للإسلام. ثم قسم رسول الله الغنائم بين سائر المجاهدين فأصاب الراجل أربعة من الإبل وأربعون شاة، وأصاب الفارس ثلاثة أمثال ذلك.

_ (1) لا أرزأ: لا أنقص، يعني لن اخذ من أحد شيئا. (2) النهب: النصيب، والعبيد بضم العين على صيغة المصغر: فرسه.

اعتراض بعض المنافقين

اعتراض بعض المنافقين ولما قسم النبي غنائم حنين وأعطى للمؤلفة قلوبهم ما أعطى جاء رجل من المنافقين يقال له: (ذو الخويصرة) من بني تميم فقال: يا رسول الله اعدل، فقال الرسول: «ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إذا لم أعدل» ، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، دعه فإنّ له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القران لا يجاوز تراقيهم، ويمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» !!. وقال معتّب بن قشير- وكان منافقا-: ما أريد بهذه القسمة وجه الله، فلما أخبر بذلك رسول الله قال: «رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ولم يكن رسول الله يفعل هذا لهوى نفسه، فحاشاه من ذلك، وإنما الأمر كما قال: «إني أعطي قوما أخاف هلعهم وجزعهم، وأكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى» . معتبة الأنصار لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا والمؤلفة قلوبهم وغيرهم من سائر العرب ولم يعط الأنصار، وجد بعض الأحداث منهم في نفسه وقالوا: يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟!، فلما نميت المقالة إلى رسول الله أرسل إليهم وجمعهم في قبة واحدهم، فلما اجتمعوا قام خطيبا فيهم فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «ما حديث بلغني عنكم» ؟ فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله ... ثم قال: «يا معشر الأنصار، ألم اتكم ضلّالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم» ؟ قالوا: بلى، ثم قال: «ألا تجيبون يا معشر الأنصار» ؟ قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وبماذا نجيبك؟ المنّ لله ولرسوله، فقال

عمرة الجعرانة

النبي: «والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم: جئتنا طريدا فاويناك، وعائلا فاسيناك، وخائفا فأمناك، ومخذولا فنصرناك» فقالوا: المنّ لله ولرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة- شيء يسير- من الدنيا تألّفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام؟! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» «1» . فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ربا وبرسوله قسما، ثم انصرفوا. فهل سمعت في باب الاسترضاء أروع من هذه الخطبة البليغة الجامعة بين الحق والصراحة، والرقة والاستعطاف؟ وهل سمعت في تهدئة النفوس العاتية أو الثائرة مثل هذه الكلمات الرقاق التي تضرب على أوتار القلوب، وتهز المشاعر، وتستولي على الوجدان؟ ومن أعجب العجب أنك لا تجد فيها كلمة مداهنة أو مخادعة، أو كلمة مزوّقة دعت إليها المجاملة، أو عدة بالوعود الكاذبة، والأماني البراقة، كما يفعل دهاقين السياسة، وقواد الحروب، وزعماء الإصلاح ولا سيما في العصر الحديث، ولكنها النبوة التي تسمو عن كل هذا، وتأبى إلا الإذعان للحق والإقرار بالفضل لذويه. عمرة الجعرانة واعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد قسمة الغنائم من الجعرانة في أواخر ذي القعدة هذا العام، ودخل مكة بليل، فطاف وسعى ثم تحلل من عمرته، ثم

_ (1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة الطائف، وصحيح مسلم- كتاب الزكاة- باب إعطاء المؤلفة قلوبهم.

عتاب بن أسيد

عاد هو وأصحابه من المهاجرين والأنصار إلى المدينة وقد دانت لهم مكة وما جاورها ومنّ الله عليهم بهذا النصر العظيم. عتاب بن أسيد وقد استعمل على مكة عتّاب بن أسيد «1» وكان عمره نيّفا وعشرين سنة، وأخلف معه معاذ بن جبل ليفقه الناس في دينهم، ويعلمهم القران. ولما ولاه رسول الله مكة جعل رزقه كل يوم درهما، فقام فخطب الناس فقال: أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم، فقد رزقني رسول الله كل يوم درهما، فليست لي حاجة إلى أحد. وهذا غاية القناعة، وكان متعففا عن أموال المسلمين، روي عنه أنه قال: ما أصبت في عملي هذا الذي ولّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معقّدين «2» كسوتهما مولاي كيسان، وقد بقي واليا على مكة مدّة الصدّيق، ثم في خلافة عمر إلى سنة اثنتين وعشرين فتوفاه الله «3» . الحج هذا العام وحج الناس في هذا العام على ما كانت العرب تحج وكان أمير الحج في هذا العام عتاب بن أسيد.

_ (1) عتاب- بتشديد التاء- ابن أسيد- بفتح أوله وكسر السين- ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، وأمه زينب بنت عمرو بن أمية، وقد أسلم يوم الفتح كما ذكرنا. وقد استعمله النبي على مكة بعد أن رجع من الطائف، وقيل لما سار إلى حنين واستمر واليا عليها حتى مات. (2) الثوب المعقد: نوع من ثياب هجر. (3) الإصابة ج 2 ص 451.

إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى

إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى كان كعب ممن أهدر النبي دماءهم لكثرة هجائه لرسول الله والمسلمين، فلما اب النبي إلى المدينة بعد غزوة الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب أن رسول الله لا يقتل من جاء تائبا مؤمنا، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل. وبعد مطارحة شعرية بينهما خرج كعب قاصدا المدينة، فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة من جهينة، فغدا به إلى رسول الله في صلاة الصبح، فلما فرغ من صلاته قال له صاحبه: هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه، فقام كعب إلى رسول الله فجلس إليه، ووضع يده في يده- وكان رسول الله لا يعرفه- فقال: يا رسول الله إنّ كعب بن زهير قد جاء يستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن جئتك به؟ قال: «نعم» ، فقال: إذا أنا يا رسول الله كعب، فوثب إليه رجل من الأنصار مستأذنا رسول الله أن يضرب عنقه، فقال له: «دعه عنك فإنه جاء تائبا مسلما» ، فمن ثمّ وجد على الأنصار في نفسه، ولم يذكرهم بشيء في قصيدته. بل يقال: إنه عرض بهم في بعض شعره. ثم أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته المشهورة الطويلة ومطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغنّ قرير العين مكحول ومنها: إنّ الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول

في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا شمّ العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل ويقال إنه لما أنشد رسول الله قصيدته أعطاه بردته، وهي التي صارت إلى الخلفاء؛ قال ابن كثير: هذا من الأمور المشهورة جدا، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه فالله أعلم. قال ابن هشام: ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده: بانت: «لولا ذكرت الأنصار بخير فإنهم لذلك أهل» ، وكانت هذه إيماءة كريمة من رسول الله بعد أن أحس غضب الأنصار عليه، فقال يمدح الأنصار: من سره كرم الحياة فلا يزل ... في مقنب من صالحي الأنصار ورثوا المكارم كابرا عن كابر ... إن الخيار همو بنو الأخيار ومنها: والبائعين نفوسهم لنبيهم ... للموت يوم تعانق وكرار

تشريعات وأحداث في هذا العام

تشريعات وأحداث في هذا العام في هذا العام حرّمت المتعة تحريما باتا إلى يوم القيامة. وفي ذي القعدة منها تزوج رسول الله فاطمة بنت الضحاك الكلابية، فاستعاذت بالله منه فقال لها: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك» ، وقد أدركها الندم فيما بعد وكانت تقول: أنا الشقية. وقيل إن رسول الله دخل بها، فلما خيّر نساءه اختارت قومها ففارقها، ورد هذا ابن عبد البر، واحتج لذلك بما ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة أن النبي لما خيّرهن بدأ بها فاختارته، وتتابع أزواج رسول الله كلهن على ذلك. إسلام أبي العاص بن الربيع قدمنا أن أبا العاص بن الربيع صهر رسول الله كان أسر في بدر، فأرسلت السيدة زينب زوجه في فدائه قلادة قلدتها إياها أمها السيدة خديجة، فلما راها رسول الله رقّ لها رقة شديدة وقال: «إن شئتم أن تردوا عليها قلادتها وتطلقوا لها أسيرها فافعلوا» ، ففعلوا، وأخذ عليه الرسول عهدا أن يرسل إليه ابنته، فوفّى بالعهد، وكان ما كان من ترويع هبّار بن الأسود لها وكانت حاملا فأجهضت. واستمرت السيدة زينب عند النبي، وبقي زوجها على كفره بمكة، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش، فلما قفل من الشام لقيته سرية، فأخذوا ما معه وأعجزهم هربا، وجاء تحت جنح الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح وكبّر وكبّر الناس؛ صرخت من صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. فلما سلم رسول الله أقبل على الناس فقال: «أما والذي نفس محمد بيده

ما علمت من شيء حتى سمعت ما سمعتم، وإنه يجير على المسلمين أدناهم» ، ثم انصرف إلى ابنته زينب فقال: «أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلصنّ إليك، فإنك لا تحلّين له» ، ثم حثّ رسول الله أصحابه على ردّ ما كان معه، فردّوه بأسره، فأخذه أبو العاص وذهب به إلى مكة فأعطى كل ذي حق حقه، ثم قال لهم: هل بقي لأحد منكم عندي مال يأخذه، قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما قال: فإني أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن اكل أموالكم، فقد أداها الله إليكم. ثم خرج حتى قدم المدينة. وقد اختلفت الرواية في رد رسول الله إليه زوجته زينب أكان بالنكاح الأول، أم بنكاح ومهر جديدين؟ فالذي رواه ابن إسحاق عن ابن عباس أنه ردّها بالنكاح الأول، وهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه أن رسول الله ردّ بنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد، ولكن قال فيه الإمام أحمد: إنه حديث ضعيف، والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على النكاح الأول، والأول وإن كان صحيحا إلا أن العمل عند الفقهاء على الثاني، فإن القاعدة عندهم أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة، وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم فيها استمر على نكاحها، وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها، والسيدة زينب انقضت عدتها ولا محالة فقد نزل تحريم المسلمات على المشركين عام ست، وأبو العاص أسلم سنة ثمان. ويعجبني في هذا الموضوع قول بعض العلماء: إن في قضية زينب والحالة هذه دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى انقضت عدتها فنكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك، بل يبقى بالخيار إن شاءت تزوجت غيره، وإن شاءت تربصت وانتظرت إسلام زوجها أي وقت كان، وهي امرأته ما لم تتزوج، وهذا القول فيه قوة وله حظ من جهة الفقه والله أعلم «1» .

_ (1) البداية والنهاية، ج 4 ص 332، 333.

وفاة السيدة زينب

وفاة السيدة زينب وفي هذا العام توفيت السيدة زينب بنت رسول الله وزوج أبي العاص بن الربيع، ولدت قبل المبعث بعشر سنين، وكانت أكبر بناته صلى الله عليه وسلم تليها رقية ثم أم كلثوم، ثم فاطمة رضي الله عنهن، كان رسول الله محبا لها، أسلمت قديما ثم هاجرت قبل إسلام زوجها بست سنين، وكانت قد أجهضت في هجرتها كما أسلفنا ثم نزفت، وصار المرض يعاودها حتى توفيت رضي الله عنها ولذا كان رسول الله يقول: «هي خير بناتي، أصيبت فيّ» ، ولما ماتت قال رسول الله: «اغسلنها وترا: ثلاثا، أو خمسا، واجعلن في الاخرة كافورا» «1» . وكانت ولدت من أبي العاص عليا، ثم مات وقد ناهز الاحتلام، وأمامة وهي التي كان يحملها رسول الله وهو يصلّي كما في الصحيحين، ولما كبرت تزوجها سيدنا علي بن أبي طالب بعد موت خالتها فاطمة، ثم تزوجت بعد علي المغيرة بن نوفل بن الحارث، فولدت له يحيى، وقيل إنها لم تلد لعلي ولا للمغيرة، ولذلك قال الزبير: ليس لزينب عقب. مولد إبراهيم ابن النبي وفي ذي الحجة من هذا العام ولد إبراهيم ابن النبي من السيدة مارية القبطية التي كان أهداها له المقوقس عظيم مصر، فتسراها، حتى ولدت له، فصارت أم ولد، وأنزلها منزلة الأزواج، وكان رسول الله قد رزىء بفقد أولاده الذكور صغارا كما رزىء بفقد رقية وهو ببدر، ثم بوفاة زينب سنة ثمان، لذلك لا تعجب إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرح بمولد إبراهيم فرحا شديدا، وخرج إلى أصحابه فبشرهم قائلا: «ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم» ، ولدته مارية بالعالية حيث كانت تقيم في الموضع الذي يقال له اليوم مشربة إبراهيم، وكانت قابلة مارية سلمى مولاة النبي امرأة أبي رافع، فبشّر به أبو رافع النبي فوهب له عبدا.

_ (1) الكافور: نبت طيب الرائحة، وهو فضلا عن كونه يطيب الميت يجفف جسمه ويجعله صلبا متماسكا، ويمنع إسراع الفساد إليه.

سرية بني المصطلق

وفي اليوم السابع عقّ عنه بكبش، وحلق رأسه أبو هند، وتصدّق بوزن شعره ورقا «1» على المساكين، ثم دفعه رسول الله إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له: أبو يوسف لترضعه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق إلى بيت مارية كل يوم فيأخذه ويقبله، وتنافست نساء الأنصار في إرضاعه، فكان النبي يجاملهن ولا يرد لهنّ طلبا، كما كان يغدق على من ترضعه الكثير من خيره وبره، وأرصد لذلك قطعة من الغنم واللقاح فتروح كل ليلة على بيت من ترضعه فتشرب من لبنها وتسقي رضّعها حتى لقد أثار ذلك مكامن الغيرة في نفوس أزواجه. ورسول الله بشر وإنسان، والأولاد ولا سيما البنين الصالحين ذكر باق بعد الموت، وحياة موصولة لحياة الاباء، فليس ببدع أن يهفو قلبه إلى إبراهيم، وأن يحل إبراهيم من نفس النبي هذه المنزلة، وأن يرى فيه العزاء والسلوى وهو في سن الستين عن فقد الأحبة قبل البعثة وبعدها، وأن يملأ إبراهيم جانبا من جوانب القلب الإنساني الكبير. سرية بني المصطلق وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط لأخذ صدقات بني المصطلق، فلما علموا بقدومه خرج منهم عشرون رجلا متقلدين السلاح تحية أثناء قدومه، ومعهم إبل الصدقة فلما راهم الوليد هابهم وظن أنهم يريدون حربه لما كان بينه وبينهم من عداوة في الجاهلية، فرجع مسرعا إلى المدينة وأخبر الرسول بما ظن، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سريّة لتعرّف حقيقة أمرهم، فسار إليهم حتى ديارهم، وكمن بالقرب منهم ليلا، فإذا بمؤذنهم يؤذن للصلوات، فأتاهم خالد فلم ير منهم إلا الطاعة، فأخذ الصدقات وعاد إلى المدينة وأخبر الرسول بخبرهم. وفي هذه الواقعة أنزل الله هذا التأديب الإلهي في قوله تعالى:

_ (1) الورق بكسر الراء: الفضة.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ «1» . وهذه الاية أصل في التثبت في الأخبار، واشتراط العدالة في الرواة، والبحث عن أحوالهم حتى كان من ذلك علم (الجرح والتعديل) في الإسلام.

_ (1) سورة الحجرات: الاية 6.

السنة التاسعة من الهجرة

السّنة التّاسعة من الهجرة سرية طيّىء في ربيع الأول من هذا العام أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في خمسين فارسا لهدم (الفلس) «1» صنم لطيّىء، فسار إليه وهدمه وأحرقه، ولما حاربه عبّاده هزمهم واستاق نعمهم وشاءهم، وسبى منهم سبايا فيهن «سفانة» «2» ، بنت حاتم الطائي المشهور. ولما رجع إلى المدينة جعلت سفانة في حجرة عند باب المسجد كان السبايا تقيم فيها، فلما مر بها رسول الله قامت إليه فقالت: يا رسول الله: هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليّ منّ الله عليك، فقال لها: «ومن وافدك؟» قالت: عديّ بن حاتم، قال: «الفار من الله ورسوله» ؟! ثم مضى وتركها، فكررت هذا من الغد، وبعد الغد، فمنّ عليها وقال: «لا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك، ثم اذنيني» . فلما أعلمته بأنها وجدت رفقة ثقاة كساها وحملها وأعطاها نفقة، فشكرت النبي على هذا الجميل، وكان مما قالت: «شكرتك يد افتقرت بعد غنى؛ ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة كريم إلا وجعلك سببا لردها عليه» .

_ (1) في القاموس: الفلس بالكسر صنم لطيّىء. (2) سفانة بفتح السين وتشديد الفاء كما في القاموس.

ثم ارتحلت حتى قدمت على أخيها عدي بالشام، لأنه لما سمع بخيل رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل بأهله وولده وتركها وفرّ إلى الشام، فلما وصلت إليه وبخته على صنيعه، فلم يجد ما يعتذر به، ثم أخبرته بما لقيت من رسول الله من كرم وحسن معاملة، وقالت له: أرى أن تلحق به سريعا، فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكا فأنت أنت، فما كان منه إلا أن أخذ بمشورتها، وقدم على النبي، ثم أسلم كما سنذكره إن شاء الله أثناء الوفود.

غزوة تبوك

غزوة تبوك «1» وكانت في رجب في العام التاسع، وكان سببها ما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت له الجموع تريد غزوه في بلاده، وكان من سياسة رسول الله الحكيمة أنه إذا علم أن قوما همّوا بغزوه أن يبادئهم قبل أن يغزوه وكان قلما يخرج لغزوة إلا ورّى بغيرها؛ ليعمّي الأخبار على الأعداء، إلا في هذه الغزوة فإنه أخبر بمقصده، لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو، حتى يأخذ الناس لذلك عدتهم. وقد اتفق أن كانت هذه الغزوة في زمان عسرة من الناس، وجدب في البلاد، وشدة الحر، كما كانت حين طابت الثمار، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، لذلك أمر الرسول بالتجهز، واستنفر لذلك أهل المدينة وما حولها، وأهل مكة وما جاورها، واستنفر أيضا الأعراب الضاربين في الجزيرة العربية ممن أسلموا، كي يتكون من ذلك أكبر جيش يمكن إعداده لمقاتلة الروم، ذوي العدد والعدة، والدربة في الحروب. الحث على تجهيز الجيش وحث رسول الله على البذل والإنفاق في سبيل الله فقال: «من جهز جيش العسرة فله الجنة» ، وتسابق الخيّرون في هذا المضمار، فتبرّع عثمان بن عفان

_ (1) تبوك: موضع معروف في منتصف الطريق بين المدينة ودمشق.

البكاؤون

رضي الله عنه بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها «1» ، وبألف دينار «2» جاء بها فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها ويقول: «اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض» ، ويقول: «ما على عثمان ما عمل بعد اليوم» «3» . وجاء أبو بكر الصديق بكل ماله وهو أربعة الاف درهم فقال له الرسول: «هل أبقيت لأهلك شيئا» ؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائة أوقية من ذهب، وجاء العباس وطلحة بمال كثير، وجاء عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، وجاء أحد الأنصار بصاع من تمر «4» ، وأرسلت النساء ما استطعن من حلي. وهكذا ضرب المسلمون أروع ألوان التضحية والبذل، وتكاثر الراغبون في الجهاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغون الظّهر والنفقة حتى لم يبق لديه شيء. البكاؤون وجاء جماعة إلى رسول الله وكانوا سبعة يسألونه ما يحملهم عليه فلم يجدوا، فرجعوا وهم يبكون أسفا وحزنا على ما فاتهم من شرف الجهاد مع رسول الله، والمساهمة في النفقة فيه، وقد عذرهم الله حيث قال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ

_ (1) الأحلاس: جمع حلس وهو كساء يوضع على ظهر البعير تحت الرحل. الأقتاب: جمع قتب وهو ما يوضع على ظهر البعير للركوب. (2) وأما روآية عشرة الاف دينار فسندها واه كما قال الحافظ، ولعلها كانت بعشرة الاف درهم فتتوافق الروايتان. (3) رواه أحمد والترمذي. (4) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 212.

خروج الجيش

ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ «1» . وقد روي أن يامين بن عمرو جهز اثنين، وجهز عثمان ثلاثة، والعباس اثنين «2» . وإن لنا هنا لوقفة ترينا كيف بلغ حب الجهاد والبذل في سبيل الله في نفوس الصحابة، وأنهم كانوا يؤثرون رضاء الله ورسوله على كل محبوب لديهم، وبهذه المعاني والخصائص النفسية فتحوا العالم وسادوا الدنيا. خروج الجيش ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس في جيش كثيف يزيد عن الثلاثين ألفا، يتقدمهم عشرة الاف فارس في مشهد مثير يستولي على المشاعر، ويستهوي القلوب، ويثير العزائم حتى وصل إلى ثنية الوداع حيث عسكر هناك، وضرب عبد الله بن أبيّ عسكره أسفل من عسكر النبي، وقد استخلف النبي على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وقيل: سباع بن عرفطة الغفاري، واستخلف على أهله علي بن أبيّ طالب، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له حتى قال علي لرسول الله: أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال له: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» رواه البخاري ومسلم. تخلّف المنافقين وتخذيلهم عن الرسول ثم لم يلبث ابن أبي أن تخلف وتخلف معه كثير من المنافقين، وقال بعضهم: يغزو محمد بني الأصفر- الروم- مع جهد الحال والحر والبلد البعيد!! أيحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب!! والله لكأني أنظر إلى

_ (1) سورة التوبة: الايتان 91، 92. (2) نور اليقين، ص 246.

تحريق بيت سويلم

أصحابه مقرّنين في الحبال!! وتعلّل بعضهم بالتعلّات الباطلة من بعد الشقة وشدة الحر، وهم الذين ذكرهم الله في قوله: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ «1» . وقوله: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ... «2» الاية. ومن هؤلاء الجدّ بن قيس، فقد قال له الرسول: «يا جدّ هل لك العام في جلاد بني الأصفر» فقال: يا رسول الله، أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني، وإني خشيت إن رأيت نساء بني الأصفر ألاأصبر، فأعرض عنه الرسول. تحريق بيت سويلم وبلغ رسول الله أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله في غزوة تبوك، فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرّق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة، فاقتحم بعضهم من ظهر البيت فانكسرت رجله، وأفلت الاخرون. المعتذرون وجاء قوم من المنافقين يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لهم عذر، وإنما هو النفاق والشك وكراهية الجهاد، فأذن لهم بناء على ظاهر حالهم، ولكن الله عاتبه على الإذن لهم فقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ إلى قوله: فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ «3» .

_ (1) سورة التوبة: الاية 81. (2) سورة التوبة: الاية 42. (3) سورة التوبة: الايات 43- 45.

المتخلفون من غير نفاق

وفي شأن المنافقين المتخلفين عن تبوك أنزل الله ايات كثيرة في سورة التوبة، وسنعرض لهم فيما بعد. المتخلفون من غير نفاق وتخلف جماعة من المسلمين لا يتهمون في إيمانهم، ولكن عن كسل، وميل إلى الراحة، منهم الجماعة الذين ربطوا أنفسهم في سواري المسجد، ومنهم الثلاثة الذين خلّفوا، وسنعرض لهم فيما يأتي ومن المتخلفين من تدارك أمره، فلحق بالرسول في الطريق أو في تبوك. مسيرة الجيش إلى تبوك ثم سار الرسول قاصدا تبوك، وأعطى اللواء الأعظم الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه ولا يخفى على القارىء الفطن ما في إعطائه صلى الله عليه وسلم اللواء في اخر غزوة غزاها الصدّيق، وتخليفه عليا في أهل بيته من إشارة لطيفة إلى أن الصدّيق أحق الصحابة بالخلافة. ووزع الرسول الرايات، فأعطى الزبير بن العوام راية المهاجرين، وأسيد بن حضير راية الأوس، والحباب بن المنذر راية الخزرج. وسار الجيش في جهد شديد من قلة الظّهر، حتى كان الرجلان والثلاثة يعتقبون على بعير واحد، ومن قلة المؤنة حتى كان الرجلان والثلاثة يقتسمون التمرة فيما بينهم، حتى استأذنوا رسول الله أن ينحروا رواحلهم فيأكلون منها، فأذن لهم، فجاء الفاروق عمر فقال: يا رسول الله إن فعلنا قلّ الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة، فقال الرسول: «نعم» ودعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم حتى اجتمع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله بالبركة ثم قال: «خذوا في أوعيتكم» ، فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوها، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة» «1» .

_ (1) رواه مسلم والبيهقي، عن البداية والنهاية ج 5 ص 10.

كن أبا خيثمة

وأصيبوا بعسرة في الماء حتى عطشوا عطشا شديدا كادت تتقطع منه رقابهم، حتى كان الرجل منهم ينحر بعيره فيعتصر ما في كرشه من ماء فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيرا، فادع الله لنا. فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى أمطرت السماء، فشربوا وملأوا ما معهم، ثم ذهبوا فنظروا فلم يجدوها جاوزت العسكر. وقد ذكر ابن إسحاق أن هذه القصة كانت وهم بالحجر، وأنهم قالوا لرجل معهم منافق: ويحك هل بعد هذا من شيء؟ فقال: سحابة مارة!!. وهكذا لم ينفك المنافقون عن شكهم وإرجافهم، بل قال بعضهم- يقال إنه زيد بن نصيب «1» - وقد ضاعت ناقة رسول الله: هذا محمد يخبركم أنه نبي ويخبركم خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال الرسول: «إني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، هي في الوادي، حبستها شجرة بزمامها» فانطلقوا فوجدوها كما أخبر الرسول فجاؤوا بها. وقد دلّل النبي بمقالته تلك على أنه نبي حقا يوحى إليه، وهكذا الأنبياء لا يعلمون إلا ما علّمهم الله سبحانه، ولا يزعمون لأنفسهم علم الغيب، وإنما ذلك شأن المشعوذين والدجالين، أما زيد بن النصيب فقيل: إنه تاب، وقيل: ما زال منافقا حتى هلك. كن أبا خيثمة وكان أبو خيثمة رضي الله عنه ممن تخلّف من غير عذر، فرجع بعد ما سار رسول الله إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في بستان له، وقد رشّت كل واحدة منهما عريشها، وبرّدت فيه ماء، وهيّأت فيه طعاما، فلما رأى ذلك قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح «2» ، والريح، والحر، وأبو خيثمة في

_ (1) في الإصابة: زيد بن لصيب بلام مهملة ومثناة مصغّرا، وقيل بنون في أوله واخره مواحدة يعني باء، ثم ذكر عن ابن إسحاق قصته هذه في تبوك (الإصابة ج 4 ص 571) . (2) الضح بكسر الضاد: الشمس وضوؤها (قاموس) .

كن أبا ذر

ظل بارد، وطعام مهيأ، وامرأة حسناء، في ماله مقيم!! ما هذا بالنّصف، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله، فهيّئا زادا ففعلتا. ثم ركب راحلته ولحق برسول الله حين نزل بتبوك، فلما دنا من الجيش قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل. فقال رسول الله: «كن أبا خيثمة» فنظروا فإذا هو أبو خيثمة. فسلّم على الرسول وأخبره خبره، فدعا له بخير. وكذلك لحق برسول الله عمير بن وهب الجمحي «1» . كن أبا ذر لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل الرجل يتخلّف عنه فيقولون: يا رسول الله تخلّف فلان فيقول: «دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم. وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه» . حتى قيل يا رسول الله تخلف أبوذر وأبطأ به بعيره، فقال مقالته تلك. فتلوم- انتظر- أبوذر بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله ماشيا، ونزل رسول الله في بعض منازله، ونظروا فإذا رجل ماش على الطريق، فقال رسول الله: «كن أبا ذر» فتأمله القوم فإذا هو أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أبا ذر، يمشي واحده، ويموت واحده، ويبعث واحده» . وقد صدقت نبوءة الرسول، ففي عهد عثمان خرج إلى الربذة «2» وأقام بها حتى مات، فلما حضرته الوفاة أوصى امرأته وغلامه فقال: إذا أنا مت فاغسلاني، وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمر فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما مات فعلوا به كذلك، فإذا ابن مسعود مار في رهط من الكوفة، فقال: ما هذا؟ فقيل له: جنازة أبي ذر، فبكى وقال: صدق رسول الله «يرحم الله أبا ذر ... » ونزل فتولّى دفنه بنفسه.

_ (1) البداية والنهاية ج 5 ص 7، 8. (2) الربذة: على وزن قصبة: مكان على الطريق بين المدينة والعراق، على ثلاثة أيام من المدينة.

النزول بالحجر

النزول بالحجر ولما مرّ رسول الله بالحجر- ديار ثمود- قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم» ثم قنّع «1» رأسه وأسرع السير حتى أجازوا الوادي «2» . وروى الإمام أحمد بسنده عن ابن عمر قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك الحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الابار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا ونصبوا القدور باللحم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل، ثم ارتحل بهم حتى نزل البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذّبوا فقال: «إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلا تدخلوا عليهم» . وذكر ابن إسحاق نحو ذلك وكذا البخاري في صحيحه، وهكذا لا يجد النبي فرصة للاعتبار إلا ذكّرهم وحذّرهم. انسحاب الروم ولما وصل جيش المسلمين تبوك لم يجد أحدا هنالك، لأن الروم لما بلغهم مسير هذا الجيش الذي يؤثر الموت على الحياة اثروا الانسحاب إلى بلاد الشام ليتحصنوا بحصونها، فلم ير النبي داعيا لتتبعهم داخل بلادهم، وأقام عند الحدود يناجز من شاء أن يناجزه ويقاومه. وفود صاحب أيلة وأهل جرباء وأذرح «3» وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضعة عشر يوما، ليريهم أن سلطان الله في الأرض لا يرهب أحدا، وليؤمن الحدود الشمالية بمعاهدة المجاورين له.

_ (1) قنّع رأسه: غطاها بثوبه. (2) رواه البخاري ومسلم. (3) أيلة بفتح الهمزة وسكون الياء: قرية بين الحجاز والشام على خليج العقبة. والجرباء: قرية من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام. أذرح بفتح الهمزة وسكون الذال، وضم الراء اخره حاء مهملة: بلد في أطراف الشام من نواحي البلقاء مجاورة لأرض الحجاز، وهي قريبة من الجرباء.

كتاب رسول الله ليحنة

وكان يحنة بن رؤبة «1» صاحب أيلة أحد الأمراء المقيمين على الحدود قد أتى إلى رسول الله وصالحه وأعطاه الجزية، فأمنه وكتب له كتابا. وأتاه أهل جرباء وأذرح وصالحوه أيضا وأعطوه الجزية، فأمنهم وكتب لهم كتابا. وأهدى صاحب أيلة النبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم أي ببلدهم «2» . كتاب رسول الله ليحنة «بسم الله الرحمن الرحيم: هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله، وذمة محمد النبي، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن، وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا، فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يريدونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر» وأعطاهم النبي برده مع كتابه زيادة في الأمان لهم. كتاب أهل جرباء وأذرح «بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي رسول الله لأهل جرباء وأذرح: إنهم امنون بأمان الله وأمان محمد، وإن عليهم مائة دينار في كل رجب، ومائة أوقية طيبة. وإن الله عليهم كفيل بالنصح والإحسان إلى المسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين» . بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر وبهذه العهود أمن النبي هؤلاء، وأمن مجيء الروم من ناحيتهم، ولم يبق

_ (1) يحنة- بضم أوله وفتح الباقي- ابن رؤبة: بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الباء في اخره تاء: ملك أيلة كما في القاموس. (2) رواه البخاري.

الأوبة إلى المدينة

إلا أكيدر دومة «1» ، فيخشى انتفاضه أو معاونته لجيوش الروم إذا جاءت من ناحيته، فأرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في خمسمائة فارس وأخبره بأنه سيجده يصطاد البقر، فذهب إليه خالد فإذا أكيدر وأخوه حسان في نفر من أهل بيته يصطادون بقر الوحش ليلا، فلم يجدوا مقاومة تذكر، فقتلوا أخاه وأسروا أكيدرا، وكان عليه قباء من ديباح- حرير- مخوص بالذهب «2» ، فاستلبه خالد منه وأرسل به إلى رسول الله قبل قدومه عليه، فصار الصحابة يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال الرسول لهم: «أتعجبون من هذا؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا» . ثم قدم خالد بأكيدر على رسول الله فحقن دمه وأمنه، وصالحه على الجزية، ثم خلّى سبيله. وذكر بعض الكاتبين في السيرة أنه أسلم «3» ، وقد اختلف الكاتبون في تاريخ الصحابة في إسلامه وعدمه، والراجح أنه لم يسلم «4» وقيل إنه أسلم ثم ارتد. الأوبة إلى المدينة وبعد أن أقام النبي بتبوك مدة استشار أصحابه في مجاوزة تبوك إلى ما هو أبعد منها من ديار الشام، فقال الفاروق عمر: إن كنت أمرت بالسير فسر، فقال عليه الصلاة والسلام: «لو كنت أمرت بالسير لما استشرت» فقال عمر: يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة، وليس بالشام أحد من أهل الإسلام، وقد دنونا وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعنا في هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله أمرا، فاستجود النبي رأيه، واتبع مشورته بالرجوع إلى المدينة، فعادوا حامدين شاكرين.

_ (1) دومة هي المعروفة بدومة الجندل بين المدينة ودمشق، وأكيدر: على صيغة المصغر هو ابن الملك الكندي ملكها. (2) مخوص: مزين بالذهب. (3) حياة محمد ص 444. (4) الإصابة في تمييز الصحابة ج 1 ص 125- 128.

موت ذي البجادين

ونعمّا أشار به الفاروق، فإنه ربما يكون من المخاطرة الحرب في بلاد الشام، مع أن الجزيرة لم تكن أسلمت أو استسلمت كلها، وقد تمّ ذلك بعد تبوك. قدمت ثقيف مسلمة ومذعنة في هذا العام وما بعده حتى صارت الجزيرة كلها على قلب رجل واحد، وبذلك حصل التهيؤ للجهاد والفتوحات خارج الجزيرة وتبليغ الإسلام للناس كافة، وهذا ما قام به الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. موت ذي البجادين «1» وفي طريق الأوبة مات عبد الله ذو البجادين، فحفروا له ونزل رسول الله في حفرته، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه. وإذا هو يقول: «أدنيا لي أخاكما» فدلياه فلما هيأه لشقه قال «اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه» . مكيدة بعض المنافقين كان بعض المنافقين في الأوبة تامروا على رسول الله أن يزحموه في الطريق وهو على رأس عقبة- مكان عال- ولكن الله عصمه منهم. روى البيهقي عن حذيفة بن اليمان قال: كنت اخذا بخطام ناقة رسول الله، وعمار يسوق الناقة، حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثني عشر رجلا قد اعترضوه فيها، قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ فيهم، فولّوا مدبرين، فقال رسول الله: «هل عرفتم القوم؟» قلنا: لا، يا رسول الله، قد كانوا متلثمين، قال: «هؤلاء المنافقون يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟» قلنا: لا، قال: «أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها!!» قلنا: أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: «لا، أكره أن يتحدث العرب أن محمدا قاتل بقومه حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم» ودعا عليهم.

_ (1) البجاد بكسر الباء وبالجيم هو الكساء الغليظ المخطط، كان يريد الإسلام فمنعه قومه وضيقوا عليه حتى خرج من بينهم وليس عليه إلا بجاد فشقه اثنين، فائتزر بواحد وارتدى بالاخر وقدم على رسول الله فقيل له: ذو البجادين لذلك.

وروى الإمام أحمد في مسنده نحو ذلك وزاد: أن عمارا صار يضرب وجوه رواحلهم ينحّيها عن رسول الله حتى قال: (قد، قد) يعني كفى، كفى، وهم الذين عناهم الله بقوله سبحانه: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا «1» يعني قتل الرسول.

_ (1) سورة التوبة: الاية 74.

هدم مسجد الضرار وتحريقه

هدم مسجد الضرار وتحريقه كان أبو عامر الراهب ممّن حمل لواء العداوة لرسول الله من أول يوم قدم فيه المدينة. وقد دعاه رسول الله إلى الإسلام، وقرأ عليه القران فأبى، وقد كان يسمى الراهب لتنصره وترهبه في الجاهلية، فلما أبدى عداوته لله ورسوله قال النبي: «لا تقولوا: الراهب، بل قولوا: الفاسق» . وقد دعا عليه النبي أن يموت بعيدا طريدا فأصابته الدعوة، وهو الذي ألّب قريشا على المسلمين في أحد، وحفر الحفائر في ميدان المعركة كي يقع فيها المسلمون. ولم يكفّ عن محاربة الرسول بعد أحد، فلما رأى أمر الرسول في ارتفاع وظهور، ورأى النصر يتوالى عليه ولا سيما بعد حنين وهزيمة هوازن، فرّ إلى هرقل ملك الروم يستنصر به، فوعده ومنّاه وأقام عنده، فكتب إلى جماعة من المنافقين بالمدينة يعدهم ويمنّيهم أنه سيقدم عليهم بجيش يقاتل به رسول الله، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لتبليغ كتبه، ويكون مرصدا لهم إذا قدم عليهم بعد ذلك. فشرعوا في بناء هذا المسجد وكانوا اثني عشر رجلا، منهم: خذام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب «1» ، ومعتّب بن قشير،

_ (1) أو ابن أبي حاطب كان من المنافقين، وهو الذي روي أنه منع الزكاة لما اغتنى وترك الجمعة والجماعة فنزل فيه قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ الايات من سورة التوبة، وهو غير ثعلبة بن حاطب الأنصاري من بني أمية بن زيد وهو من أهل بدر، وذكر ابن الكلبي أنه مات بأحد، وقد نبه إلى ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة (ج 1 ص 198) وساق أدلة على ذلك، وقد وهم ابن إسحاق حيث عدّ الثاني ممن بنى مسجد الضرار ووهم ابن عبد البر في الاستيعاب حيث نسب إليه القصة السابقة.

ونبتل بن الحارث، ومجمّع بن جارية وهو الذي كان يصلي بهم فيه «1» . فلما فرغوا من بنائه وأحكموه جاؤوا إليه صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لتبوك وسألوه أن يصلي لهم فيه ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره واعتباره، وذكروا للنبي أنه بنوه لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، والليلة الباردة، فعصمه الله من الصلاة فيه وقال: «أنا على جناح سفر، ولكن إذا رجعنا- إن شاء الله- أتيناكم فصلينا لكم فيه» . فلما رجع النبي من تبوك، ولم يبق بينه وبين المدينة إلا يوم أو بعض يوم نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار، وما أراد به بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين، فدعا رسول الله مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وقيل أخاه عاصما وقال: «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه» فذهبا فحرّقاه وهدّماه. وفي هذا نزل قول الله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «2» . ولا يزال أعداء الإسلام من المنافقين الملحدين والمبشرين والمستعمرين يقيمون أماكن باسم العبادة وما هي لها، وإنما المراد بها الطعن في الإسلام وتشكيك المسلمين في معتقداتهم وادابهم، وكذلك يقيمون مدارس باسم الدرس والتعليم ليتوصلوا بها إلى بث سمومهم بين أبناء المسلمين، وصرفهم عن دينهم، وكذلك يقيمون المنتديات باسم نشر الثقافة والغرض منها خلخلة العقيدة

_ (1) سيرة ابن هشام ج 21 ص 530. (2) سورة التوبة: الايتان 107، 108.

السليمة من القلوب، والقيم الخلقية من النفوس، ومستشفيات باسم المحافظة على الصحة والخدمة الإنسانية والغرض منها التأثير على المرضى والضعفاء وصرفهم عن دينهم. وقد اتخذوا من البيئات الجاهلة والفقيرة ولا سيما في بلاد إفريقيا ذريعة للتوصل إلى أغراضهم الدنيئة التي لا يقرها عقل ولا شرع ولا قانون، وكل هذه أخطر بكثير من مسجد الضرار الذي حاربه الله ورسوله أشد المحاربة.

الوصول إلى المدينة واعتذار من تخلف عن الخروج إلى رسول الله

الوصول إلى المدينة واعتذار من تخلّف عن الخروج إلى رسول الله ولما وصل النبي والمسلمون إلى المدينة تلقاهم النساء والصبيان والولائد من ثنية الوداع وهن ينشدن الأناشيد، ويرحبن بالرسول الكريم، وأصحابه الغر الميامين، والجيش المظفر المنصور. طوائف المتخلفين كان المتخلفون في غزوة تبوك أربعة أصناف: 1- مأمورون مأجورون، كعلي بن أبي طالب، ومحمد بن مسلمة. 2- ومعذورون، وهم الضعفاء والمرضى والمقلّون الذين لا يجدون ما ينفقون، ولا يجد الرسول ما يحملهم عليه كالبكائين وأمثالهم. 3- وعصاة مذنبون، وهم الثلاثة الذين خلّفوا، وأبو لبابة وأصحابه الذين ربطوا أنفسهم في سواري المسجد حتى يتوب الله عليهم. 4- واخرون ملومون مذمومون، يظهرون خلاف ما يبطنون وهم المنافقون «1» . المنافقون أما المنافقون فقد جاؤوا إلى رسول الله يعتذرون عن تخلفهم، ويحلفون الأيمان الكاذبة، وينتحلون المعاذير، فأعرض عنهم النبي وترك حسابهم لله سبحانه وتعالى. وفي هؤلاء نزل قول الله تعالى:

_ (1) البداية والنهاية، ج 5 ص 27.

أبو لبابة وأصحابه

يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ. إلى قوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1» . وقوله: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ... الاية «2» . إلى غير ذلك من الايات المتكاثرة التي كشفت عن المنافقين وأساليبهم في سورة التوبة. أبو لبابة وأصحابه وهم قوم تخلفوا كسلا وميلا إلى الراحة، لا شكا ولا نفاقا، وكانوا سبعة وقيل عشرة، فقد أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد «3» ، تعبيرا عن بالغ ندمهم، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هؤلاء؟» قالوا: أبو لبابة وأصحابه، تخلّفوا عنك وعاهدوا الله عز وجل ألايطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت تطلقهم وترضى عنهم، فقال: «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله عز وجل هو الذي يطلقهم، رغبوا عني، وتخلّفوا عن الغزو مع المسلمين» . فلما أن بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا، فأنزل الله سبحانه قوله: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فأرسل إليهم رسول الله فأطلقهم وعذرهم، فجاؤوا بأموالهم، وقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدّق بها عنا، واستغفر لنا، وكان هذا شأن الصحابة رضي الله عنهم إذا تاب الله عليهم من ذنب قدموا أموالهم شكرا لله، فقال: «ما أمرت أن اخذ من أموالكم شيئا» فأنزل الله سبحانه قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ

_ (1) سورة التوبة: الايات 94- 98. (2) سورة التوبة: الاية 101. (3) هي الأعمدة.

الثلاثة الذين خلفوا

وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... إلى قوله تعالى: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «1» فأخذ رسول الله ثلث أموالهم وترك لهم الباقي. الثلاثة الذين خلّفوا وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع. لم يبالغوا في التوبة والاعتذار كما فعل أبو لبابة وأصحابه، فلذلك نزلت توبة هؤلاء وتأخرت توبة كعب وصاحبيه خمسين ليلة، وهم المرادون بقوله سبحانه: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «2» . وإليك خلاصة قصة هؤلاء الثلاثة، وسأحرص على إيراد لفظها لأنها قطعة من الأدب النفسي والقولي. روى البخاري ومسلم وغيرهما- واللفظ للبخاري- «3» عن كعب قال: لم أتخلّف عن رسول الله في غزوة غزاها إلا في غزاة تبوك، غير أني كنت تخلّفت في غزاة بدر ولم يعاتب أحد تخلّف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ... حتى كانت تلك الغزوة التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفاوز وعددا كثيرا ... والمسلمون مع رسول الله كثير لا يجمعهم كتاب حافظ- يريد الديوان-. فتجهز إليها رسول الله، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا- خرجوا- ولم أقض شيئا،

_ (1) سورة التوبة: الايات 102- 105. (2) سورة التوبة: الاية 106. (3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- حديث كعب بن مالك.

فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم- وليتني فعلت- فلم يقدّر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا «1» عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال: «ما فعل كعب» ؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه «2» ، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا. قال كعب: فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، فكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله عز وجل. فجئته، فلما سلّمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: «ما خلّفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرا» ؟ فقلت: بلى- والله- لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكنّ الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديثا تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» . ثم قلت: هل لقي هذا أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي.

_ (1) أي مطعونا عليه. (2) العطف: الجانب والمراد إعجابه بنفسه.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فقد استكانا وقعدا في بيوتهما، وأما أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، واتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر «1» ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض. حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسوّرت «2» جدار حائط- بستان- أبي قتادة- وهو ابن عمي وأحبّ الناس إلي- فسلمت عليه، فو الله ما ردّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي. قال: وبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط «3» أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه: (أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك) فقلت: وهذا أيضا من البلاء، فتيمّمت بها التنور- الفرن- فسجرته بها. فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك،

_ (1) أنظر إليه خلسة. (2) أي: علا عليه ودخل. (3) جيل من الناس يسكنون سواد العراق.

فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه قال: «لا، ولكن لا يقربك» فقالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومنا ... قال: فلبثت بعد ذلك عشر ليال وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع «1» يقول بأعلى صوته: يا كعب أبشر، فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج. واذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبيّ مبشرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقّاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة يقولون: ليهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو يبرق وجهه من السرور-: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير» قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله إنما نجّاني الله بالصدق، وإن من توبتي ألا أتحدث إلا صدقا ما بقيت، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك

_ (1) بفتح السين وسكون اللام.

وقفات عند هذه القصة

لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت. وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ إلى قوله: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «1» . وقفات عند هذه القصة وإن لنا في هذه القصة لعبرا وعظات وايات بينات، تدل على فضل الصحابة وما وصلوا إليه من سمو في الدين والأخلاق وتقدير للمعاني الروحية والقيم الأدبية، منها: 1- صدق الإيمان، وقوة اليقين، وحضور القلب، وكيف يسمو الإيمان بصاحبه حتى يرى السعادة الحقة الكاملة في رضوان الله ورسوله، والشقاوة كل الشقاوة في غضبهما وإنا لنلمس هذا في قول كعب: (حتى تنكرت لي الأرض، فما هي بالتي أعرف) . وفي بعض الروايات: (تنكرت لنا الحيطان، وتنكر لنا الناس، حتى ما هم الذي نعرف) . وهذا المعنى يجده الحزين والمهموم في كل شيء، حتى قد يجده في نفسه فينكرها، بل نلمس هذا المعنى بصورة أكبر في قول الله عنهم: وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ. والإنسان قد تضيق به الأرض من سوء من يجاوره أو لعدم وجود من يشاكله، ومع هذا فيكون في اطمئنان من قلبه، ورضى من نفسه، ورحابة من صدره، ولكن أضيق الضيق أن تضيق بالإنسان نفسه، وحينئذ تصير الحياة مهما أحيطت بمظاهر النعيم جحيما لا تطاق، ويكون الموت خيرا من الحياة، وهذا يدل على مبلغ ما كان يتمتاع به هؤلاء الثلاثة من قلوب متيقظة ونفوس شفافة وضمائر حية. 2- إن المقاطعة والهجر كان نوعا من أنواع التأديب والزجر في صدر الإسلام، وقد أثمر هذا اللون من التأديب ثمرته ووصل بهم إلى هذه الخاتمة السعيدة الموفقة، وإن أضر شيء على أي مجتمع أن يجد فيه أهل الفسق

_ (1) سورة التوبة: الايات 117- 119.

والفجور، وأهل الظلم والابتداع، وأهل الاستهتار بالقيم الدينية والخلقية صدورا رحبة، ونفوسا ترضى عن فعلهم، بل وتحتضنهم، ولو أن العصاة والمذنبين والمنحرفين عن الصراط المستقيم وجدوا من المجتمعات التي يعيشون فيها نبذا لهم ومقاطعة وازدراء، لكان هذا من أقوى العوامل الدافعة إلى أن يرشد الغاوي، ويستقيم المعوج، ويصلح الطالح. 3- إن المتأمل في القصة يعجب كيف أن الصحابة نفّذوا ما أمر به الرسول من المقاطعة حتى ولو كانوا في غيبة عن أعين الرقباء. فهذا كعب ينشد ابن عمه كلمة عسى أن يجد فيها ما يخفف ما به من حزن وأسى، ولكنه يأبى عليه هذه الكلمة، ويكل علم ذلك إلى الله ورسوله، وهذه غاية ما يطمع فيه مجتمع من أمانة ومراقبة لله. 4- في أثناء المحنة تعرض كعب لمحنة أخرى كانت أقسى وأشد من الأولى، فهذا هو ملك غسان يكتب له كتابا وهو في أشد أوقات المقاطعة وضيق النفس، يفسح له من صدره، ويفتح له باب الأماني الحلوة، والجاه العريض، ويستغل ما كانت عليه حالته النفسية، فيقول له: قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك!!. لو ان كعبا- رضي الله عنه- كان رقيق الإيمان، ضعيف النفس والخلق لوجد في هذه الفرصة السانحة المغرية ما يرغم به أنوف مقاطعيه ونابذيه، ولكن أدرك بادىء ذي بدء أنها محنة أخرى أقسى من الأولى، فلا يرضيه أن يجيب الرجل بالسلب، أو يرمي بالكتاب ويمزقه، ولكنه رمى به في التنور ليصير رمادا، ويصير كل ما به دخانا يتبدد في الهواء، وخرج الرجل من محنته وهو أقوى ما يكون إيمانا، وأصفى ما يكون روحا، وأكرم ما يكون أخلاقا، فيا لعظمة هذه النفوس المؤمنة الكبيرة!!. 5- هذه القصة توحي بما كان يتمتاع به المجتمع الإسلامي انئذ من تقدير للقيم الدينية والخلقية، فغاية ما يطمع فيه الفرد أن يكون على كمال في دينه، ومن أجلّ النعم عندهم نعمة التوبة، إنها للجديرة بأن يهنأ بها المسلم، وإنا

تبوك خاتمة الغزوات

لنلمس هذا المعنى في قول الرسول لكعب: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» وخلع كعب ثوبيه الوحيدين لمن بشره بالتوبة، ومجيء المسلمين أفواجا لتهنئة كعب وصاحبيه، وعدم نسيان كعب لطلحة بن عبيد الله مصافحته وتهنئته له. 6- إن من أدب الصحابة- وهم خير من يمثل الإسلام- أن من شكر الله على نعمائه أن يخرج شيئا من ماله صدقة على الفقراء والمساكين والمحتاجين، برا بهم ومواساة لهم، ترى لو أن كل من حصلت له نعمة دينية أو دنيوية جعل شيئا من ماله لله فهل كنت تجد بائسا أو محروما، أو جائعا أو عاريا؟ فلا تعجب وقد كوّن الصحابة هذا المجتمع المثالي في عقيدته، وسلوكه، وأخلاقه أن خاطبهم الله سبحانه هذا الخطاب الشريف: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «1» . وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «2» . تبوك خاتمة الغزوات وبغزوة تبوك تمت كلمة ربك في شبه الجزيرة العربية كلها، وأمن النبي صلى الله عليه وسلم الحدود الشمالية، وأمن من كل عادية عليها، وأقبل سائر العرب وفودا يقدمون الطاعة، ويعلنون لله الإسلام، وقد كانت هذه الغزوة خاتمة غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق وعد الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ «3» .

_ (1) سورة ال عمران: الاية 110. (2) سورة البقرة: الاية 143. (3) سورة التوبة: الاية 33.

تفسير ما نزل من الايات في تبوك

تفسير ما نزل من الايات في تبوك لقد أنزل الله سبحانه في تبوك ايات كثيرة وإليك تفسيرها موجزا: قال عز شأنه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ: نزلت في الحث على غزوة تبوك، وكانت في زمان عسرة من الناس، وشدة من الحر، حين طابت الثمار والظلال، فكان لابدّ من الترغيب في الخروج، والتنفير من القعود. اثَّاقَلْتُمْ: أصلها تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء فصارت ساكنة، فأتي بهمزة الوصل: أي تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة وطيب الثمار. أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ: أفعلتم هذا رضاء للدنيا بدل الاخرة، ثم زهّد في متاع الدنيا ورغب في الاخرة فقال: فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، ثم أوعدهم على ترك الجهاد فقال: إِلَّا تَنْفِرُوا هي إن الشرطية المدغمة في لا النافية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً: جواب الشرط، يعني في الاخرة، أو فيها وفي الدنيا كمنع المطر عنهم. وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ: خيرا منكم وأطوع. وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً: بترككم النفير. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: فهو ينصر نبيه بدونكم. ثم بيّن الله أن نصرة نبيه ليست متوقفة عليكم، وإلا فقد نصره الله على أعدائه لما خرج مهاجرا ليس معه إلا صاحبه الصدّيق ولا أعوان معه ولا سلاح، وقد أيده بجنود لم تروها وهم الملائكة، فأنجاه الله منهم وهم مسلحون وهو على قيد أذرع منهم فقال: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إلى قوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وهو من الاستطرادات اللطيفة البديعة.

ثم عاد إلى الحث على غزوة تبوك فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: قيل إنها أول ما نزل من سورة براءة، وهو قول سديد يتفق وما روي أن صدر السورة نزل قبيل خروج أبي بكر أميرا على الحج سنة تسع أو بعد خروجه بقليل، وتبوك قبل حجة الصديق قطعا. ومعناها: شبابا وشيبا، وأغنياء وفقراء، وأقوياء وضعفاء، ومشاة وركبانا، في العسر واليسر، والمنشط والمكره. ثم من العلماء من يرى أن ذلك كان في أول الأمر بسبب ما لابس تبوك من ظروف، ثم نسخ باية لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى.... واية: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ، ومنهم من يرى أنها محكمة، وكان بعض السلف الصالح على هذا، ويخرج للجهاد على أي حال «1» منهم أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن عمرو من الصحابة، ومن التابعين سعيد بن المسيب كما قدمنا. ذلِكُمْ: أي الجهاد بالنفس والمال خَيْرٌ لَكُمْ: في الدنيا لما فيه من العزّة والظهور على الأعداء، والاخرة لأن الله ضمن للمجاهدين في سبيل الله الجنة. ثم وبّخ الله المتخلفين في تبوك فقال: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً: أي غنيمة قريبة المتناول. وَسَفَراً قاصِداً: قريبا هيّنا. لَاتَّبَعُوكَ: لخرجوا معك. وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ: المسافة. وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ: لكم إذا رجعتم إليهم قائلين: لَوِ اسْتَطَعْنا: الخروج، لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ ... : بالتخلف من غير عذر والأيمان الكاذبة. كان جماعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخلفوا عنه فأذن لهم، وكان الأولى أن لا يأذن لهم لأنهم لا أعذار لهم، فعاتبه الله على هذا، وهذا من ألطف أنواع الكلام، حيث قدّم العفو على العتاب. وهو يدل على غاية إكرام الله لخاتم

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 179.

أنبيائه، وحفاوته به فقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ. ثم بين الله أنه لا يستأذنه المؤمنون المخلصون في التخلف عن الجهاد، وإنما ذلك شأن المنافقين فقال: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ: شكت ونافقت، فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ: يتحيرون لا يثبتون على حال. ثم هوّن الله الأمر على نبيه في شأن المتخلفين، وأنهم لم يكونوا جادّين في اعتذارهم، وأن الخير في عدم خروجهم فقال: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً: من سلاح وكراع «1» ، وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ: خروجهم معكم مع أمرهم به شرعا، فَثَبَّطَهُمْ: بعد التوفيق وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ: المرضى والزّمنى والنساء والصبيان. أي قال بعضهم لبعضهم ذلك. ثم بين تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين فقال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا: أي فسادا وشرا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ: الإيضاع الإسراع، أي لأسرعوا بالسعي فيما بينكم بالفتنة والبغضاء والنميمة، وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ: أي مستجيبون لأحاديثهم ووسوستهم. ثم بين الله سبحانه أنهم طالما فكروا في كيدك وخذلان دينك، وتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم، كما فعل ابن أبيّ في أحد، ولكن الله ردّ كيدهم في نحرهم، ونصرك وأظهر دينك، فقال: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ، حَتَّى جاءَ الْحَقُّ النصر وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ: دينه على كره منهم. قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي: نزلت في الجدّ بن قيس كما قدمنا. ثم بيّن الله تأصل عداوة هؤلاء المنافقين فقال: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ: نصر أو غنيمة تَسُؤْهُمْ: تحزنهم وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ: من قتل أو هزيمة

_ (1) الكراع: بضم الكاف، جماعة الخيل.

يَقُولُوا: قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ: أي حذرنا بالقعود عن الغزو وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ: بما نالكم من مصيبة قُلْ لهم يا محمد: لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا: هو تعزّ بالقضاء بعد نزول البلاء، ولن يخفف عن الإنسان ألم المصيبة إلا الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك هُوَ مَوْلانا: ناصرنا وحافظنا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: ونحن متوكلون عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إما النصر والغنيمة، أو الشهادة والمغفرة وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ: فيهلككم كما أهلك الأمم الخالية أَوْ بِأَيْدِينا بالقتل أو السبي فَتَرَبَّصُوا: ما وعدكم به الشيطان إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ما وعدنا الله به قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً: أي طائعين أو مكرهين. قيل نزلت في الجدّ بن قيس حين اعتذر وقال: أعينكم بمالي لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ: عاصين لله ورسوله. وبعد أن ذكر الله سبحانه أصنافا من المنافقين ومقالاتهم ونيلهم من النبي والمسلمين رجع إلى أخبار تبوك فقال: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ: أي مخالفين له أو متخلّفين بعده وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ: أي قال بعضهم لبعض ذلك قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا: في الدنيا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً: في الاخرة جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ: من النفاق فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ: أي ردّك، والمراد بالطائفة الذين تخلفوا نفاقا فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك في غزوة أخرى فَقُلْ: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً في سفر وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا، إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ: يعني في غزوة تبوك فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ: الرجال الذين تخلّفوا بغير عذر وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ... : نزلت بسبب صلاة النبي على ابن أبيّ المنافق كما سيأتي، وحكمها عامّ في كل من عرف نفاقه. قال تعالى: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ المعذرون: قرىء بالتشديد من عذر في الأمر إذا قصر فيه، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما فعل ولا عذر له، أو أصله المعتذرون أدغمت التاء في الذال ونقلت حركتها إلى

العين، وهم الذين يعتذرون بالباطل، وهم جماعة من الأعراب جاؤوا يعتذرون ولا عذر لهم، وقرأ يعقوب ومجاهد: المعذرون بالتخفيف، وهم المبالغون في العذر، يقال في المثل: «لقد أعذر من أنذر» قال ابن إسحاق: إنهم نفر من بني غفار وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: يعني المنافقين. قال أبو عمرو بن العلاء: كلا الفريقين كان سيئا، قوم تكلّفوا عذرا بالباطل، وقوم تخلّفوا من غير تكلف عذر، فقعدوا جرأة على الله تعالى، فأوعدهم الله بقوله: سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. ثم بيّن الله تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد عن القتال بسببها، سواء ما كان منها لازما لا ينفك عن صاحبه، أو عارضا، فقال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ، وَلا عَلَى الْمَرْضى، وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ: طريق بالعقوبة والمؤاخذة وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ: بهم وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ لتوفر لهم الظهر والنفقة قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ: وهم البكاؤون كما أسلفنا. وفي الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو راجع من تبوك: «إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا وهم معكم» قالوا وهم بالمدينة؟ قال: «نعم، حبسهم العذر» إِنَّمَا السَّبِيلُ: الحجة بالعقوبة عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ: النساء جمع خالفة وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ: بسوء اختيارهم فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ: النافع من الضار. ثم أعلم الله نبيه بأنه عند رجوعه إلى المدينة سيأتي المنافقون المتخلّفون يعتذرون، وأوصاه بأن لا يصدقهم فقال: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ، قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ: لن نصدقكم قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ فيما سلف وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ: فيما يستقبل، أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ

تَعْمَلُونَ: من خير أو شر، ويجازيكم عليهما سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ: إخبار بأنهم سيشفعون اعتذارهم بالأيمان الكاذبة لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ: لتصفحوا عنهم ولا تؤنّبوهم فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ: احتقارا لهم إِنَّهُمْ رِجْسٌ: نجس بواطنهم واعتقاداتهم وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ: يجترحون من السيئات. ثم بيّن سبحانه إلحاحهم في الحلف فقال: يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ: فلا تركنوا إليهم فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ أي إن فرض أنكم رضيتم عنهم فلن يرضى الله عنهم لأنهم فاسقون خارجون عن طاعة الله ورسوله. ثم بيّن الله طوائف الأعراب أي أهل البدو، وأنّ منهم كفارا، ومنافقين ومؤمنين، وأنهم أعرق في الكفر والنفاق من غيرهم، فقال: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً من أهل الحضر لغلظ قلوبهم، وبعدهم عن مراكز العلم والاستنارة وهي المدن وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ أجدر: أحرى لبعدهم عن سماع القران ومعرفة السنن وهما أصل الدين والفقه والعلم وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ: عليم بقلوب خلقه حكيم فيما شرعه من شرائع. ثم ذكر صنفا اخر من الأعراب فقال: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً المغرم التزام ما لا يلزم، فهم لا يرجون على الإنفاق ثوابا، ولا يخافون على إمساكه عقابا، إنما ينفقون خوفا ورياء وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ: الحوادث والشرور والافات عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ قرىء بفتح السين وضمها، أي سينزل بهم البلاء والشرور وما يترقبونه للمؤمنين وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ: سميع لدعاء عباده، عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان. ثم ذكر الصنف الفاضل المؤمن الخيّر فقال: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ: طاعات تقربهم من الله وَصَلَواتِ الرَّسُولِ: أي دعائه واستغفاره لهم أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ: حقا

وواقعا سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ: جنته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ثم استطرد سبحانه إلى ذكر خيار المؤمنين فقال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ... الاية. ثم بيّن الله أن في الأعراب منافقين، وفي أهل المدينة منافقين فقال: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ: أي مرنوا عليه لا تَعْلَمُهُمْ يا محمد يقينا، وإنما تعلمهم بعلاماتهم وأماراتهم، فهو لا ينافي قوله سبحانه في سورة محمد: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ «1» أو معناه لا تعلمهم جميعا، وهو لا ينافي أنه كان يعلم بعضهم، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة بأسماء بعضهم. نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ اختلف في تفسير المرتين على أقوال عدة، فقيل الفضيحة في الدنيا وعذاب القبر، وقيل المصائب في الأموال والأولاد، وقيل بافتضاح أمرهم، وبما كان يداخلهم من الغم والحزن عند ظهور الإسلام. والذي يترجح عندي أن المراد به التكثير لا التحديد، فهو مثل قوله سبحانه: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ويكون المراد ما ينزل بهم في الدنيا من بلاء ومصائب وافتضاح، وما كان يحزّ في نفوسهم كلما حصل للمسلمين نصر وظهور وللإسلام انتشار ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ: عذاب جهنم خالدين فيها أبدا. قال تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ الاية، هم أبو لبابة وأصحابه، وقد قدّمنا قصتهم خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ: بها من ذنب تخلفهم بغير عذر كسلا وتهاونا، لا نفاقا ولا شكا وَتُزَكِّيهِمْ بِها: من شبهة النفاق إلى منازل المخلصين، والضمير في أَمْوالَهُمْ* قيل للمذكورين في الاية السابقة فإنهم لما تاب الله عليهم عرضوا على النبي أن يتصدقوا بأموالهم، فأخذ منهم الثلث وترك الباقي، وعلى هذا يكون المراد بالصدقة صدقة النفل كفارة

_ (1) لحن القول: فحواه ومعناه الذي يفهم منه نفاقهم، وذلك بما يبدو منهم رغما عنهم ويظهر من فلتات لسانهم، وعلى قسمات وجوههم، ورضي الله عن ذي النورين عثمان حيث قال: (ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه) .

لذنوبهم، ومن العلماء من يجعل الاية مستقلة عما قبلها وأنها تشريع عام لجميع الناس فقالوا: إن المراد صدقة الفرض وهي الزكاة. وَصَلِّ عَلَيْهِمْ: ادع لهم واستغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ: طمأنينة لهم أن الله قد قبل منهم توبتهم على الأول، وزكاتهم على الثاني، وكان من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل بصدقة قوم دعا لهم أو بصدقته دعا له، وهل هذا الدعاء واجب، أو مستحب، وفي صدقة الفرض أم في صدقة التطوع أم فيهما معا؟ خلاف بين العلماء «1» . أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ: هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحو السيئات وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ: ومن شأن التواب أنه يقبل توبة من تاب إليه بشروطها. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ حثّ للتائبين أن يتداركوا ما فاتهم من الغزو ويعملوا صالحا فيما يستقبلون من أمرهم وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: وعد للطائعين ووعيد للمخالفين بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى يوم القيامة، فيجازيهم عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ: هم الثلاثة الذين خلّفوا، فقد قبل الله توبة أبي لبابة وأصحابه، وأرجأ توبة هؤلاء الثلاثة حتى تاب عليهم إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ: أي هم تحت عفو الله، إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم، ولكن رحمته تسبق غضبه وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*: عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو، حكيم في أفعاله وأقواله، منزّه عن العبث والهوى. ثم أنزل الله التوبة عليهم في قوله سبحانه: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ: أي وقت العسرة ولم يرد ساعة بعينها، ويَزِيغُ: يميل ولم يرد الميل عن الدين، بل أراد الميل إلى التخلف والانصراف عن السير للشدة التي

_ (1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 235.

نزلت بهم ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ*: توكيدا للأولى إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا إلى قوله: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ: أي وتاب عن الثلاثة، وقد ذكرنا قصتهم سابقا مستوفاة، ومعنى خلّفوا أي أرجىء قبول توبتهم عن توبة أبي لبابة وأصحابه، وقيل تخلّفوا عن غزوة تبوك، ومعنى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أي ليستقيموا على التوبة ويستمروا عليها. قال تعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ: هذا عتاب من الله للمتخلّفين عن رسول الله في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب، ومعنى ما كانَ*: ما صح وما ينبغي، وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ: أي ولا أن يرغبوا بأنفسهم عن أن يصيبهم من الشدائد ما نزل به، فيختاروا الراحة والدّعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مشقة السفر ومعاناة التعب، فإنهم حرموا أنفسهم من الأجر ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ: في سفرهم ظَمَأٌ: عطش وَلا نَصَبٌ: تعب وَلا مَخْمَصَةٌ: مجاعة فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً: إما مصدر أو اسم مكان يَغِيظُ الْكُفَّارَ: وطؤهم إياه، ونزولهم به وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا قتلا أو أسرا، أو غنيمة أو هزيمة إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ، إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ: أي كتب لهم بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم، وإنما هي ناشئة عن أفعالهم- أعمالا صالحة وثوابا جزيلا، فهو سبحانه لا يضيع عنده شيء مهما قلّ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً: قليلة أو كثيرة وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً: في السير إلى الأعداء إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ* ثواب ما قدموه من نفقة أو قطع واد لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ: أي أحسن جزاء أعمالهم. وأما ما يتعلق بمسجد الضرار من الايات فقد ذكرناه فيما سبق، وأما ما يتعلّق بالمسجد الذي أسس على التقوى فقد ذكرناه في أول هذا الكتاب أثناء الكلام عن مسجد قباء، والحمد لله الذي هدانا لهذا.

قدوم ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم

قدوم ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بعد رجوعه من تبوك، وكان من خبرهم بعد أن فكّ حصارهم ورجع عنهم أن اتبعه أحد أشرافهم: عروة بن مسعود الثقفي حتى أدركه قبل أن يصل المدينة، فأسلم وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، فقال له: «إنهم قاتلوك» ، فقال عروة وكان فيهم محبّبا مطاعا-: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم. فلما عاد من الطائف أشرف على عليّة له ودعاهم إلى الإسلام، فرموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله، فقيل له- وهو يحتضر-: ما ترى في دينك؟ فقال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم. فدفنوه، فقال فيه رسول الله: «إنّ مثله في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه» «1» . ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، وائتمروا فيما بينهم، فرأوا أن لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا، فأجمعوا أمرهم أن يرسلوا رجالا منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا عبد ياليل ومعه خمسة من أشرافهم منهم عثمان بن أبي العاص، وكان أصغرهم، فلما وافوا المدينة وجدوا

_ (1) قال السهيلي: يحتمل أن يريد به المذكور في سورة يس الذي قال لقومه: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ فقتله قومه، واسمه حبيب بن مري. ويحتمل أن يريد صاحب إلياس وهو اليسع، فإن الياس يقال في اسمه ياسين أيضا، وفيه قال الله تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الروض الأنف، ج 2 ص 325.

المغيرة بن شعبة، فلما راهم ذهب يشتدّ إلى رسول الله يبشره بقدومهم، فلقيه الصدّيق فأخبره عنهم وأنهم قدموا يريدون البيعة والإسلام إن شرط لهم شروطا، ويكتبوا لهم كتابا، فأقسم عليه الصديق ألايسبقه حتى يبشر هو الرسول بمقدمهم، فقبل ودخل الصديق على رسول الله فبشره. ثم خرج إليهم المغيرة فعلّمهم كيف يحيّون رسول الله، فلما قدموا على الرسول حيّوه بتحية الجاهلية، وضربت لهم قبة بالمسجد النبوي ليكون ذلك أدعى إلى دخولهم في الإسلام، والتأدب بادابه. وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يسعى بينهم وبين الرسول، وهو الذي كتب لهم كتابهم، وكان فيما اشترطوا على رسول الله أن يدع لهم الطاغية «1» ثلاث سنين فأبى، فسألوه سنة فأبى، فسألوه شهرا بعد مقدمهم ليتألّفوا سفهاءهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا ما. وهكذا الأنبياء لا يفرطون في التوحيد قيد شعرة. وسألوه أيضا ألايصلّوا، ولا يكسروا أصنامهم بأيدهم فقال: «أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم من ذلك، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه» . واشترطوا على رسول الله مع ذلك ألايحشروا، ولا يعشروا ولا يجبوا «2» ، ولا يستعمل عليهم غيرهم، فأعطاهم ذلك رواه أحمد، ثم قال: «سيتصدقون، ويجاهدون إذا أسلموا» ، يعني أنهم سيقبلون الجهاد، ويخرجون الزكاة إذا انشرحت صدورهم للإسلام، وهذا ما كان، ثم سألوه عن الزنا، والربا، والخمر فحرم عليهم كل ذلك «3» .

_ (1) صنم ثقيف وهي اللات. (2) ألايحشروا: لا يندبوا إلى المغازي، ولا تضرب عليهم البعوث، ولا يعشروا ولا يجبوا أي لا تؤخذ منهم صدقاتهم. (3) البداية والنهاية، ج 5 ص 29- 34.

فلما أسلموا صاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من شهر رمضان، وكان رسول الله يأتيهم كل ليلة، فيعظهم ويفقههم وهو قائم، فأبطأ عليهم ذات ليلة فسألوه، فقال: «طرأ عليّ حزبي فكرهت أن أجيء حتى أتمه» فسألوا الصحابة كيف تحزّبون القران، فقالوا: «ثلاث وخمس وسبع وتسع، وإحدى عشرة سورة، وحزب المفصّل واحده» «1» . ثم أمرّ عليهم بمشورة الصدّيق عثمان بن أبي العاص، لحرصه على القران والنفقة في الإسلام، وكان مما أوصاه به أنه قال: «من أمّ قوما فليخفف، فإن فيهم الضعيف والكبير، وذا الحاجة، فإذا صلّى واحده فليصلّ كيف شاء» «2» . وفي سنن ابن ماجه أن النبي بيّن له أن يقرأ بسورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وأشباهها من القران، وكانت تلك حكمة بالغة من الرسول؛ فإن قوما رغبوا أن يتحللوا من الصلاة ينبغي أن يخفف عنهم في الصلاة حتى لا يسأموا، ولعل في هذا بلاغا للذين ينفّرون الناس أو بعضهم بإطالة الصلاة. فلما رجعوا إلى بلادهم بعث معهم رسول الله أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم (اللات) ، فتولى المغيرة هدمها حتى جاء على أساسها بعد أن أشفق عليه قومه أن يصاب كما هي عقائدهم الخرافية، فأيقنوا- وقد فرغ من هدمها وهو معافى- أنها حجارة لا تضر ولا تنفع، وهكذا طهر الله أرض ثقيف من الأصنام، ووفقهم إلى عبادة الله واحده. وذكر موسى بن عقبة في مغازيه أن وفد ثقيف لم يجرؤوا أن يصارحوا قومهم بإسلامهم وما عاهدوا الرسول عليه، وقالوا: إنه يريد أن يحرم علينا الربا والزنا والخمر، فنفروا وقالوا: لا نطيع له أبدا، وتأهبوا للقتال، ومكثوا على ذلك يوما أو يومين، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فرجعوا وقالوا: ارجعوا إليه فشارطوه على ذلك وصالحوه، فقالوا لهم: فإنا قد فعلنا ذلك ووجدناه أتقى الناس، وأوفاهم، وأرحمهم، وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في سيرنا، وفيما

_ (1) رواه أبو داود. (2) رواه أحمد ومسلم.

كتاب رسول الله لهم

قاضيناه، فاقبلوا القضية، واقبلوا عافية الله، وقالوا: فلم كتمتمونا؟ قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلموا وحسن إسلامهم. ولما هدم المغيرة الطاغية وأخذ مالها وحليها دفع منها بأمر رسول الله دية عروة بن مسعود، وأخيه الأسود بن مسعود والد الصحابي قارب بن الأسود، وكان الأسود قد مات مشركا، ولكن رسول الله رأى ذلك تأليفا وإكراما لولده قارب. كتاب رسول الله لهم «بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إن عضاه (وجّ) وصيده لا يعضد «1» ، من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، وإن تعدّ ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا، وإن هذا أمر النبي محمد» وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعدّه أحد يظلم نفسه فيما أمره به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال وزاد فيه شهادة علي وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم. وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله قال: «إن صيد وجّ وعضاهه حرم محرم لله» وكذا رواه أبو داود، وذلك قبل نزول الطائف وحصاره ثقيفا، وقد اختلف الأئمة في هذا الحديث، فمنهم من ضعّفه كأحمد والبخاري وغيرهما، ومنهم من صححه كالشافعي وقال بمقتضاه «2» .

_ (1) العضاه ككتاب: شجر ذو شوك، وج: أرض الطائف، يعضد: يقطع. قال السهيلي حرم عضاهه وشجره على غير أهله كتحريم المدينة ومكة. (2) البداية والنهاية، ج 5 ص 34.

بعض من مات في هذا العام

بعض من مات في هذا العام موت النجاشي وفي رجب من هذا العام مات أصحمة بن أبجر النجاشي ملك الحبشة، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يهاجر إليه، وقد أحسن إلى المسلمين الذين هاجروا غاية الإحسان، ولما مات نعاه النبي إلى أصحابه في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى وكبر عليه أربع تكبيرات «1» ، وهذا هو الأصل في مشروعية صلاة الجنازة على الغائب. موت السيدة أم كلثوم بنت سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاتها في شعبان من هذا العام، وكان سيدنا عثمان تزوجها سنة ثلاث بعد موت أختها رقية، ولم تنجب له أولادا، وقد اشتركت في تغسيلها أم عطية والسيدة صفية بنت عبد المطلب، وأسماء بنت عميس، وصلّى عليها رسول الله والمسلمون، ولما ذهبوا لدفنها وقف النبي على قبرها وعيناه تذرفان بالدموع، فقال: «هل فيكم أحد لم يقارف الليلة» ؟ فقال أبو طلحة: أنا، فقال: «انزل في قبرها» فنزل ونزل معه علي، والفضل، وأسامة بن زيد. وبموتها لم يبق من بنات النبي إلا السيدة فاطمة رضي الله عنهن. موت عبد الله بن أبيّ وفي شوال من هذا العام مرض عبد الله بن أبي المنافق ومات في ذي القعدة، وكان النبي يعوده في مرضه، وفي اليوم الذي مات فيه دخل عليه

_ (1) رواه البخاري وغيره.

وهو يجود بنفسه فقال له: «قد نهيتك عن حب يهود» فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه، قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل مع ثقة رجاله. وكان قد عهد ابن أبيّ إلى ابنه بذلك «1» ، فلما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتصلّي عليه وقد نهاك «2» ربك أن تصلي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خيّرني الله فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق، فصلّى رسول الله عليه فأنزل الله: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ الاية «3» . وفي رواية أخرى له عن عمر نفسه أن النبي لما قام ليصلي عليه قام عمر فقال: يا رسول الله أتصلّي عليه وقد قال كذا وكذا يعدد مساوئه، فتبسم الرسول وقال: «أخّر عني يا عمر» فلما أكثرت عليه قال: «إني خيّرت فاخترت، لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» ثم صلّى عليه فلم يلبث إلا قليلا حتى نزلت الاية «4» . وإنما صلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إجراء له على حكم الظاهر وهو الإسلام، ولما فيه من إكرام ولده عبد الله- وكان من خيار الصحابة وفضلائهم- وهو الذي عرض على النبي أن يقتل أباه لما قال مقالته يوم غزوة بني المصطلق كما ذكرنا، ولما فيه من مصلحة شرعية، وهو استئلاف قومه ومتابعيه، فقد كان يدين له بالولاء فئة كبيرة من المنافقين، فعسى أن يرعووا عن نفاقهم ويعتبروا ويخلصوا

_ (1) فتح الباري، ج 8 ص 268. (2) ليس في القران نهي عن الصلاة على المنافقين قبل نزول اية وَلا تُصَلِّ. والظاهر أن عمر فهم ذلك من قوله سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ الاية. أو من قوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الاية. (3) رواه البخاري عن ابن عمر. (4) صحيح البخاري- سورة التوبة- باب ولا تصل ... الخ.

لله ولرسوله، ولو لم يجب صلى الله عليه وسلم ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة وعارا على ابنه وقومه، فالرسول الكريم اتبع أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نهي فانتهى. وهو لم يفعل ذلك لاعتقاده أنه يغفر له، وليس أدل على ذلك مما رواه أبو الشيخ عن قتادة: أنهم ذكروا القميص بعد نزول الاية فقال عليه الصلاة والسلام: «وما يغني عنه قميصي، إني لأرجوا أن يسلم به أكثر من ألف من بني الخزرج» أي يتخلصوا من نفاقهم، وينقادوا ظاهرا وباطنا لله ولرسوله، وأما إعطاؤه القميص فلأن الضن به يخل بالكرم، وقد كان من خلق رسول الله ألايرد طالب حاجة قط، على أنه كان مكافأة له على إعطائه العباس عم الرسول قميصه لما جيء به أسيرا يوم بدر «1» ، وكان من خلق رسول الله وال بيته رد الجميل بخير منه. وقد استشكل بعض العلماء حديث عمر وابنه، واستبعدوا أن يفهم النبي من الاية التخيير لأن الظاهر أن «أو» للتسوية في عدم النفع، وأن يفهم من ذكر السبعين التحديد لأن ظاهر السياق أنها للتكثير، فقال بعضهم: إنه خبر احاد لا يعوّل عليه، وأنكر بعضهم صحته «2» ، وكل هذا وذاك غير سديد، فالحديث صحيح رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وكفى بهم أئمة. والذي ظهر لي- والله أعلم- بعد النظر والتأمل في الاية والأحاديث وما قاله الأئمة: أن الاية تحتمل التسوية، وهو الأظهر، وأن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد وهو الأظهر أيضا، وفي رواية عمر السابقة ما يدل على أن النبي كان يرى ذلك فقد قال: «لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له، لزدت» وتحتمل أيضا التخيير في «أو» ، وتحتمل التحديد في لفظ السبعين وهما مرجوحان قطعا.

_ (1) تفسير الالوسي، ج 10 ص 154. (2) فتح الباري، ج 8 ص 272- 273.

والرسول صلى الله عليه وسلم- وهو أفصح العرب، وأعرفهم بأساليب البيان- ما كان يخفى عليه ذلك، ولكنه رجّح أحد الاحتمالين وإن كان مرجوحا للحكم السياسية، والأغراض التي ذكرناها انفا، وقد أطلت النفس في هذا، وعرضت لما يعرض له المؤرخون غالبا، لأن دراستنا للسيرة من جوانبها التحليلية من القران والسنة، وهذا هو السر في عنايتي بالتشريعات وتواريخها، وحكم التشريع فيها، وإعطائي للقارىء صورة واضحة لكل تشريع، وعنايتي بتفسير الايات القرانية في كل موضوع، وهو المهيع الذي سلكه إمام أهل المغازي محمد بن إسحاق، وابن هشام، والدراسات على هذا المنهج هي أجدى الدراسات وأنفعها، والحمد لله الذي هدانا لهذا.

حج الصديق أبي بكر بالناس

حج الصديق أبي بكر بالناس لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك تواردت عليه الوفود، ودخل الناس في دين الله من كل فج، فلما حلّ موسم الحج أراد الحج ولكنه قال: «إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك» . فأرسل الصدّيق أميرا على الحج سنة تسع، وبعث معه بضعا وثلاثين اية من صدر سورة براءة ليقرأها على أهل الموسم «1» . فلما خرج دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه وراءه، وقال له: «اخرج بهذه الايات من صدر سورة براءة، فأذّن- أعلم- بها في الناس إذا اجتمعوا» فخرج علي على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم «العضباء» حتى أدرك الصديق أبا بكر بذي الحليفة، فلما راه الصدّيق قال له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم سارا، فأقام أبو بكر للناس الحج على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة لا في شهر ذي القعدة كما قيل. وقد خطب الصدّيق قبل يوم التروية معلّما الناس مناسكهم، ثم خطب يوم عرفة، ويوم النحر، وكان كلما خطب أمير الحج «الصدّيق» قام أبو الحسن «علي» فقرأ على الناس صدر سورة براءة، ثم ينادي في الناس بهذه الأمور الأربعة.

_ (1) هذا ما عليه الأكثر، وقيل إنها نزلت بعد خروج الصدّيق فأرسل عليا وراءه للحكمة التي سنذكرها.

روى الترمذي في جامعه عن زيد بن يثيع، قال: سألت عليا بأي شيء بعثت في الحج؟ قال: (بعثت بأربع: ألايطوف بالبيت عريان. ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة «1» أشهر. ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة. ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا) . قال الترمذي: «حديث حسن صحيح» وخرّجه النسائي أيضا، وفيه قال علي: (فكنت أنادي حتى صحل «2» صوتي) . وقد أمر الصدّيق أبا هريرة في رهط اخرين أن يؤذّنوا في الناس يوم النحر بهذه الأمور مساعدين لعلي حتى يصل البلاغ إلى الناس جميعا، فلم يكن ثم افتيات عليه، وإنما هي معاونة على الخير. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة قال: (بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) فكان حميد بن عبد الرحمن بن عوف يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة. وبيان ذلك: أن هذا الحديث مع الاية القرانية وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ... يدلان على أن يوم النحر «3» هو يوم الحج الأكبر. وقد ذكر ابن إسحاق أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده ألايطوف

_ (1) يعني من يوم التبليغ على الصحيح تنتهي في عشر من ربيع الاخر. (2) صحل صوته كفرح فهو أصحل. وصحل: بحّ. (3) ومن السلف غيرهم من يرى أن يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة. وسمي الحج الأكبر احترازا عن العمرة لأنها تسمى الحج الأصغر.

أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم، فإن لم يجد طاف عريانا، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ، ثم لم ينتفع بها، فلما جاء الإسلام هدم ذلك كله فيما هدم من العقائد والخرافات، وقال العلامة ابن كثير: كانت العرب ما عدا قريشا لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش- وهم الحمس- «1» يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوبا طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه، ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا أعاره أحمسي ثوبا طاف عريانا، وربما كانت امرأة، فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر، وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كلّه ... وما بدا منه فلا أحلّه وأكثر ما كان الناس يطوفون عراة بالليل، وكان هذا ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه أهواءهم، ويعتقدون أن فعل ابائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر الله عليهم ذلك فقال: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ «2» . وقد كان المشركون يجتمعون مع المسلمين في الحج، فأراد الله ألايكون ذلك، فقد دالت دولة الشرك والأوثان، وأصبحت كلمة الله هي العليا، وقد امتثل المشركون فلم يأت مشرك عام حجة الوداع، وانفرد المسلمون بالبيت لا يشاركهم فيه أحد، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ

_ (1) الحمس: جمع أحمس كأحمر، سميت قريش بذلك، لتحمسها أي تشددها على أنفسها في عبادتها ودينها، وقيل: سموا حمسا بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد. (2) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 3 ص 464. والاية هي 28 من سورة الأعراف.

شبهة والجواب عليها

الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1» . والمراد من نجاسة المشركين النجاسة المعنوية، وهي نجاسة المعتقدات، أو المراد أنهم لا يتنزهون عن النجاسات غالبا، ولا يغتسلون من الجنابات، وجمهور العلماء على عدم تمكينهم من دخول الحرم كله، وبعضهم حملها على المسجد الحرام خاصة دون الحرم وبقية المساجد، وبعضهم قال: المراد عدم تمكينهم من أداء الحج والعمرة استنادا إلى سبب النزول، والحق ما ذهب إليه الجمهور. شبهة والجواب عليها وهنا شبهة نرى لزاما أن نعرض لها ونبين الحق فيها، وهي: لم عدل النبي عن تبليغ أبي بكر صدر سورة براءة ووكل ذلك إلى عليّ؟ والجواب: أن صدر سورة براءة تضمن نقض العهود المطلقة غير المقيدة بوقت، أو التي مدتها فوق أربعة أشهر فيما زاد عن أربعة أشهر، وكان العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العهود ونقضها ألايتولّى ذلك إلا سيد القبيلة أو رجل من رهطه، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يكون المبلّغ عن النبي رجلا من أهله حتى يقطع ألسنة العرب بالاحتجاج على أمر هو من تقاليدهم، ولا سيما أنه ليس فيه منافاة للإسلام، فلذلك تدارك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر. روى الترمذي- وحسّنه- وأحمد من حديث أنس قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم براءة مع أبي بكر، ثم دعا عليا فأعطاه إياها وقال: «لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلا رجل من أهل بيتي» ) . وفي رواية الطبراني أن جبريل عليه السلام هو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك» .

_ (1) سورة التوبة: الاية 28.

فهذا هو السبب لا ما زعمته الرافضة من أن ذلك للإشارة إلى أن عليا أحق بالخلافة من أبي بكر، ولا أدري كيف غفلوا عن قول الصديق له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، وكيف يكون المأمور أحق بالخلافة من الأمير. وقد كانت هذه الحجة بمثابة التوطئة للحجة الكبرى وهي حجة الوداع.

عام الوفود

عام الوفود لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأسلمت هوازن، وعاد من تبوك وقد أظهر هيبة الإسلام، وجاءت ثقيف إليه مسلمة- تواردت عليه الوفود من كل ناحية، وفي حديث عمرو بن سلمة في قصة الفتح عند البخاري قال: «كانت العرب تلوّم- تنتظر- بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم ... » . واتفقوا على أن توارد الوفود كان سنة تسع. قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة قال: كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود «1» . وقد ذكر هذه الوفود ابن إسحاق وابن هشام في السيرة، والواقدي في مغازيه، وكاتبه محمد بن سعد في طبقاته «2» ، وهو أوفى ما جمع في ذلك، والبخاري في صحيحه «3» ، وتابعهم معظم الكاتبين في السيرة. قال الحافظ في الفتح: ومجموع ما ذكروه يزيد على الستين. ومما ينبغي أن يتنبه إليه أن الذين تعرضوا لذكر الوفود لم يقتصروا على الوفود سنة تسع، بل استطردوا إلى ذكر بعض الوفود قبلها وبعدها، فقد ذكر ابن إسحاق وفد ضمام بن ثعلبة مع أنه كان في رجب سنة خمس «4» ، وابن سعد

_ (1) سيرة ابن هشام، ج 2 ص 560. (2) الطبقات، ج 1 من ص 291- 295. (3) فتح الباري، ج 8 من ص 68- 84. (4) كنت قد ذكرت هذا في الطبعة الأولى بناء على ما ذكر ابن كثير نقلا عن الواقدي، وقد قال ذلك أيضا غيره. ثم ظهر لي أن قدوم ضمام كان سنة تسع، وهو الذي صححه-

وفد بني تميم

وفد مزينة مع أنه قال إنه كان في رجب سنة خمس. وذكر البخاري في الوفود وفد عبد القيس مع أنه كانت وفادتهم سنة خمس أو قبلها، ولم يتعرض لوفادتهم الثانية وهي المرادة هنا. وكذلك ذكر ابن سعد وفد محارب مع أنه قال: إن قدومه كان سنة عشر في حجة الوداع؛ وقد نبه إلى هذا الحافظ المؤرخ ابن كثير في بدايته «1» ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري «2» ، وقد تابع بعض الكتاب المتأخرين في السيرة السابقين فيما ذكروا من غير تحرّ وتحقيق. وقد رأيت أن أذكر أهم هذه الوفود لما في أخبارها من فقه وعلم، وخلق وأدب، وحسن سياسة النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية كياسته في معاملة هذه الوفود، وإجاباته لهم ومحاوراته معهم. وفد بني تميم وكان السبب في قدومهم- كما ذكر الواقدي- أنهم أغاروا على قوم من خزاعة، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري في خمسين رجلا ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري، فأسر منهم أحد عشر رجلا، وإحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبيا، فقدم رؤساؤهم وأشرافهم بسبب أسراهم في وفد عظيم منهم: عطارد بن حاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، وقيس بن عاصم، فدخلوا المسجد، وقد أذن بلال الظهر والناس ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج إليهم، فتعجل هؤلاء، فصاروا ينادون من وراء حجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج يا محمد فإنّ مدحنا زين، وذمنا شين. وأكثروا من هذا النداء الجافي العاري عن الأدب في مخاطبة الرسول. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا وقال: «ذاك الله عز وجل» . فأنزل الله بسببهم هذا التأديب الإلهي، موبخا لهم على ما فعلوا فقال عز شأنه:

_ - الحافظ ابن حجر (الفتح، ج 1 ص 144) ، ويكون الحق مع ابن إسحاق في ذكره عام الوفود. (1) ج 5 ص 40- 61. (2) ج 8 ص 69.

إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . ولما خرج إليهم قالوا: يا محمد جئناك نفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا، فقال: «قد أذنت لخطيبكم فليقل» . فقام عطارد بن حاجب فخطب خطبته ثم جلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس وكان يعرف بخطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم فأجب الرجل في خطبته» فقام ثابت فقال أحسن مما قال عطارد، ثم قام الزبرقان بن بدر شاعرهم فقال قصيدته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: «قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال» فقال حسان قصيدة مطلعها: إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم ... قد بينوا سنة للناس تتّبع يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك فيهم غير محدثة ... إنّ الخلائق- فاعلم- شرّها البدع «2» فلما فرغ حسان من قصيدته قال الأقرع بن حابس: وأبي إن هذا لمؤتى له- أي مؤيد مستهل له- لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا. فأسلموا وجوّزهم «3» رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن جوائزهم، وقال قيس بن عاصم- وكان يبغض عمرو بن الأهتم-:

_ (1) سورة الحجرات: الاية 4- 5. (2) السيرة، ج 2 ص 2. (3) جوّزهم: أي أعطاهم جوائزهم وهي العطايا والمنح.

وفد بني عبد القيس

يا رسول الله، إنه كان رجل منا في رحالنا وهو غلام حدث، وأزرى به، ولكن رسول الله أعطاه مثل ما أعطى القوم. ومما يستطرف ما رواه البيهقي أنهم لما قدموا سأل رسول الله عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر فقال: مطاع في أدنيه، شديد العارضة «1» ، مانع لما وراء ظهره، فقال الزبرقان: لقد علم مني أكثر مما قال، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد، فقال عمرو: أنا أحسدك؟ فو الله إنك للئيم الخال، حديث المال، أحمق الوالد، مضيّع في العشيرة، ولقد صدقت فيما قلت أولا، وما كذبت فيما قلت اخرا، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت، فقال رسول الله: «إن من البيان لسحرا» «2» . وفد بني عبد القيس وكانت لهم وفادتان: الأولى قبل الفتح وهي التي قالوا فيها: بيننا وبينك كفار مضر (قريش) ، وكان ذلك قديما سنة خمس أو قبلها، وكانوا ثلاثة عشر رجلا وفيهم الأشج «3» الذي قال له النبي: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم «4» ، والأناة» ، وفيها سألوا عن الإيمان والأشربة، وعلى هذه اقتصر الإمام البخاري عن ابن عباس قال: أول جمعة جمعت- بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- في مسجد عبد القيس بجواثى- قرية بالبحرين- وهذا يدل على تقدّم إسلامهم. الثانية: كانت في سنة الوفود، وكانوا أربعين رجلا، وهي التي اقتصر عليها ابن إسحاق، وهي المرادة هنا. قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو في وفد عبد القيس، وكان نصرانيا، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليه الإسلام ورغّبه فيه، فقال: إني كنت على دين، وإني

_ (1) العارضة: القدرة على الكلام. (2) يعني كالسحر في قوة التأثير والاستيلاء على الألباب. (3) اسمه المنذر بن عائد بالذال المعجمة العصرى، وقيل غير ذلك. (4) العقل.

وفد بني حنيفة

تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني؟ فقال رسول الله: «نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه» فأسلم وأسلم أصحابه. فخرج الجارود راجعا إلى قومه، وكان حسن الإسلام صلبا في دينه، وقد أدرك الردّة، فلما رجع من قومه من رجع منهم قام الجارود فتشهّد ودعا إلى الإسلام فقال: (أيها الناس، إني أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأكفّر من لم يشهد) . وإنها لمكرمة له. ويؤيد تعدد وفادتهم ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «ما لي أرى ألوانكم تغيّرت» ؟ ففيه إشعار بأنه كان راهم قبل هذا «1» . وفد بني حنيفة وقدم وفد بني حنيفة وفيهم مسيلمة الكذاب، فنزلوا في دار رملة بنت الحارث وكانت معدة للوفود، فجعل يقول: (إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته) فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال له: «لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنّك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني» ، ثم انصرف عنه. قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك أرى الذي أريت فيه ما رأيت) فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم رأيت في يديّ سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إليّ في المنام أن انفخهما، فنفختهما فذهبا، فأوّلتهما كذابين يخرجان» «2» . والكذابان: أحدهما الأسود العنسي الذي ادعى النبوة بصنعاء وقد قتل قبل وفاة النبي بيوم وليلة، وجاء الخبر بذلك صبيحة دفن النبي. والاخر مسيلمة: ادّعى النبوة في بني حنيفة حتى قتل في خلافة الصديق.

_ (1) فتح الباري ج 8 ص 61. (2) رواه البخاري.

وفد أهل نجران

وفي رواية أخرى للبخاري أن مسيلمة قال للنبي: (إن شئت خلّينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك) فأجابه النبي بما أجاب به. وسياق هذه القصة في الصحيح يخالف ما ذكره ابن إسحاق وهو أن مسيلمة وفد مع قومه، وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم، وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا منه جائزته، وأنه قال لهم: «إنه ليس بشركم» وأن مسيلمة لما ادّعى أنه أشرك في النبوة مع رسول الله احتجّ بهذه المقالة؛ وهذا مع شذوذه ضعيف السند لانقطاعه، وأمر مسيلمة كان عند قومه أكثر من ذلك، فقد كان يقال له: رحمان اليمامة لعظم قدره فيهم، فالمعول عليه ما في صحيح البخاري «1» . وفد أهل نجران «2» وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتابا يدعوهم فيه إلى عبادة الله واحده ونبذ عبادة العباد، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالحرب. والظاهر أن هذا الكتاب كان سنة تسع «3» بعد نزول قوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «4» . فكان أنهم لما جاءهم كتاب رسول الله خرجوا إليه في أربعة عشر من أشرافهم، وقيل في ستين راكبا، منهم ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم: العاقب، وهو أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه، والسيد وهو صاحب رحلتهم، وأبو الحارث أسقفهم، وحبرهم وصاحب مدراسهم. فقدموا على

_ (1) فتح الباري ج 8 ص 73. (2) نجران بفتح النون: بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن، حوله قرى كثيرة. (3) فتح الباري ج 8 ص 76. (4) سورة التوبة: الاية 29.

النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة، وأردية مكفوفة بالحرير، وفي أيديهم خواتيم الذهب، فقاموا يصلّون في المسجد نحو المشرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوهم» ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنهم ولم يكلمهم، فقال لهم عثمان: من أجل زيّكم هذا، فانصرفوا يومهم هذا، ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلّموا عليه، فردّ عليهم ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا وقالوا: كنا مسلمين قبلكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يمنعكم من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم لحم الخنزير، وزعمكم أن لله ولدا» . وكثر الجدال والحجاج بينه وبينهم، والنبي يتلو عليهم القران ويقرع باطلهم بالحجة، وكان مما قالوه لرسول الله: ما لك تشتم صاحبنا وتقول إنه عبد الله، فقال: «أجل، إنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول» فغضبوا، وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب فإن كنت صادقا فأرنا مثله؟ فأنزل الله في الرد عليهم قوله سبحانه: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ «1» فكانت حجة دامغة شبه فيها الغريب بما هو أغرب منه. فلما لم تجد معهم المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة دعاهم إلى المباهلة «2» امتثالا لقول الله عزّ شأنه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ «3» . وخرج النبي ومعه علي، والحسن، والحسين، وفاطمة وقال: «وإذا أنا دعوت فأمّنوا» فائتمروا فيما بينهم، فخافوا الهلاك لعلمهم أنه نبي حقا، وأنه

_ (1) سورة ال عمران: الايتان 59- 60. (2) الدعاء باللعنة، ثم شاعت في مطلق الدعاء؛ والمباهلة مشروعة حيث يتعذر عن طريق الجدال والمناظرة الوصول إلى الحق، ويأبى الخصم- كما هنا- الخضوع للحجة والبرهان. فلم يبق إلا اللجوء إلى استنزال غضب الله ولعنته وهلاكه على القوم الكاذبين. (3) سورة ال عمران: الاية 61.

ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا، فأبوا أن يلاعنوه وقالوا: احكم علينا بما أحببت، فصالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر، وعلى عارية ثلاثين درعا، وثلاثين رمحا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد، واشترط عليهم ألايتعاملوا بالربا، وأمّنهم على أنفسهم ودينهم وأموالهم وكتب لهم كتابا جاء فيه: «ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهداهم وبيعهم، لا يغير أسقف على سقيف، ولا راهب عن رهبانيته، ولا واقف عن وقفانيته» وأشهد على ذلك بعض المسلمين، ثم رجعوا إلى بلادهم فلم يلبث العاقب والسيد إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري وأقام أهل نجران على ذلك حتى توفّى الله نبيّه. وتولى الصدّيق الخلافة فأحسن معاملتهم وأوصى بهم عند وفاته، وفي عهد الفاروق عمر تعاملوا بالربا، فأخرجهم من أرضهم وكتب لهم: (هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران من سار منهم أنه امن بأمان الله، لا يضرهم أحد من المسلمين، وفاء لهم بما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، أما بعد: فمن وقعوا به من أمراء الشام، وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الأرض فاعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة، وعقبة لهم بمكان أرضهم لا سبيل عليهم فيه لأحد، ولا مغرم. أما بعد: فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم فإنهم أقوام لهم الذمة، وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن تقدموا، ولا يكلفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ولا معنوف عليهم) وأشهد على ذلك عثمان بن عفان واخر، فوقع أناس منهم بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة، وذهب بعضهم إلى الشام «1» . وما حدث من النبي وخليفته هو غاية العدل والإحسان والتسامح مع النصارى، ولولا أنهم تعاملوا بالربا، وأصبحوا يكونون خطرا اجتماعيا

_ (1) الطبقات الكبرى ج 1 ص 358.

بعث أبي عبيدة معهم

واقتصاديا في بلاد اليمن لما أجلاهم الفاروق، ولكنهم هم الذين أساؤوا لأنفسهم بنقض العهد الذي عاهداهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعث أبي عبيدة معهم ولما عزموا على الرجوع إلى بلادهم قالوا للنبي: ابعث معنا رجلا أمينا ليقبض منهم مال الصلح، فقال لهم: «لأبعثنّ معكم رجلا أمينا حق أمين» فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قم يا أبا عبيدة بن الجراح» فلما قام قال: «هذا أمين هذه الأمة» . وفد طيّىء وعدي بن حاتم قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منّ على سفّانة أخت عدي لما جيء بها في سبايا طيّىء، وأن عديا كان هرب بأهله وولده لما سمع بخيل المسلمين، فذهبت أخته إليه بالشام، وأشارت عليه أن يقدم على رسول الله فيسلم. فذهب إلى المدينة حتى جاء المسجد النبوي فسلم عليه فقال: «من الرجل» ؟ فقلت: عدي بن حاتم فقال لي: «يا عدي أسلم تسلم» ثلاثا، فقلت: إني على دين قال: «أنا أعلم بدينك منك!! ألست ركوسيا، وأنت تأكل مرباع قومك «1» » ؟ قلت: بلى، قال: «هذا لا يحل لك في دينك» قلت: نعم، وكان رأى من تواضع النبي مع الناس ومعه ما جعله يعتقد أنه نبي مرسل، يعلم ما يجهل، وليس بملك. ثم قال النبي: «لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فو الله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخولك فيه ما ترى من كثرة عدوّهم وقلة عددهم، فو الله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، ولعلك إنما يمنعك من دخولك فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكنّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم» .

_ (1) الركوسية: دين بين النصارى والصابئة كما في النهاية، والمرباع ربع الغنيمة.

وفد زيد الخيل

فأسلم وحسن إسلامه، وشارك في فتح بلاد فارس، ورأى المرأة تخرج من أقاصي البلاد إلى الكعبة وهي امنة، وكان يقول: وايم الله ولتكونن الثالثة. وفد زيد الخيل وقدم وفد من طيّىء على رسول الله وفيهم زيد الخيل «1» وهو سيدهم، فلما انتهوا إليه كلموه، فعرض عليهم الإسلام، فأسلموا وحسن إسلامهم، وقد أجاز رسول الله كل رجل خمس أواق فضة، وأجاز زيدا اثنتي عشرة أوقية ونشّا وقال: «ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ الذي فيه» . ثم سمّاه زيد الخير، وقطع له قيد «2» ، وأرضين، وكتب له بذلك كتابا، ثم رجع مع قومه، فلما كان بالطريق مات، فعمدت امرأته إلى كل ما كان معه من الكتب فحرقتها ومنها كتاب رسول الله بما أقدمه إياه!!. وفد بني عامر وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر وفيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، فلما انتهوا إلى رسول الله قال عامر: يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت؟ فقال: «لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم» قال عامر: أتجعل لي الأمر- إن أسلمت- من بعدك؟ فقال رسول الله: «ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكن لك أعنّة الخيل» قال: أنا الان في أعنّة خيل نجد، اجعل لي الوبر ولك المدر، فقال رسول الله: «لا» قال: أما والله لأملأنّها عليك خيلا ورجالا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اكفني عامر بن الطفيل» . وكان هو وأربد قد تواطا على اغتيال النبي فعصمه الله منهما، فلما خرجا راجعين إلى بلادهم نزل عامر في بيت امرأة من بني سلول، فأصيب بغدّة «3» في

_ (1) قيل: سمي زيد الخيل لخمسة أفراس كانت لها أسماء أعلام. (2) قيد: بفتح القاف وسكون الياء: اسم قرية. (3) داء يصيب البعير وهو شبيه بالذبحة التي تصيب ابن ادم.

قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله

عنقه، فصار يقول: أغدة كغدة الإبل، وموت في بيت سلولية، فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وصار يعدو بفرسه حتى سقط عنه ميتا!!. وأما أربد فقد وصل إلى أرض بني عامر فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ قال: لا شيء، والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الان فأرميه بالنبل حتى أقتله. فخرج بعد ذلك بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه، فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما، وفي شأن عامر وأربد أنزل الله سبحانه قوله: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ... إلى قوله تعالى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ «1» . قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله وفي شهر رمضان سنة تسع مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وفد عليه مالك بن مرارة الرهاوي رسول ملوك حمير بكتابهم وإسلامهم، فأمر بلالا أن ينزله ويكرمه، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن عبد كلال، وإلى نعيم بن عبد كلال، وإلى النعمان قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كلال..: أما بعد ذلكم: فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا الله، فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلّغ ما أرسلتم به، وخبّرنا ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه أن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة، واتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه ... » . ثم ذكر زكاة الزرع والإبل والبقر والغنم، وكذلك أرسل إلى زرعة ذي يزن يوصيه برسله وعماله إليهم خيرا «2» .

_ (1) سورة الرعد: الايات 8- 13. (2) البداية والنهاية ج 5 ص 75.

وفد أهل اليمن

وفد أهل اليمن وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وفد اليمن، وقد جاؤوا فوجدوا وفد بني تميم عند النبي، ولكنهم كانوا أفقه منهم وأرق، روى البخاري في صحيحه أنه لما جاء بنو تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبشروا بني تميم» فقالوا: أما إذ بشرتنا فأعطنا، فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ناس من أهل اليمن فقال النبي: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم» قالوا: قد قبلنا يا رسول الله جئناك لنتفقّه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر «1» ما كان؟ قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله- وفي رواية غيره- وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء» «2» . وفي شأن هذا الوفد روى البخاري في صحيحه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وألين قلوبا. الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم» . وقد ترجم البخاري في باب الوفود «باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن» وليس معنى هذا أن قدوم الأشعريين كان سنة تسع، فالثابت في الصحيح والسير أن قدومهم كان سنة سبع عقب خيبر، وهذا يشهد لما ذكرته في صدر فصل الوفود من عدم التقيد بالوفود التي وفدت عام تسع. وفود أخرى وفد وائل بن حجر وقدم وائل بن حجر بن ربيعة أحد ملوك اليمن، وقد بشّر النبي به أصحابه فقال: «يأتيكم بقية أبناء الملوك» ، فلما دخل رحّب به، وأدناه من نفسه، وبسط له رداءه وقال: «اللهم بارك في وائل وولده، وولد ولده» واستعمله على الأقيال من حضرموت.

_ (1) يعني بدء الخلق. (2) فتح الباري ج 8 ص 9، ج 6 ص 230.

وفد الأزد

وفد الأزد وقد وفد الأزد من اليمن، فأعجب الرسول ما رأى من زيهم وسمتهم، ثم سألهم «ما أنتم» ؟ فقالوا: مؤمنون، فسألهم عن حقيقة قولهم وإيمانهم، فذكروا خمس عشرة خصلة: خمس أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها» ؟ قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، قال: «وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها» ؟ قلنا: أمرتنا أن نقول: لا إله إلا الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا، فقال: «وما الخمس التي تخلّقتم بها في الجاهلية؟» قالوا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضا بمرّ القضاء، والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالأعداء. فقال لهم الرسول: «حكماء علماء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء» «1» . وقدم الأشعث بن قيس في ثمانين راكبا من أشراف كندة وكان من ملوكهم، وقد رجّلوا جممهم «2» ، وتكحّلوا، عليهم جبب الحبرة قد كفّفوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده قال لهم: «ألم تسلموا؟» قالوا: بلى، قال: «فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟» فشقّوه منها فألقوه، وأسلموا. ثم ارتدّ الأشعث فيمن ارتد من الكنديين بعد وفاة النبي، ثم أسر وجيء به إلى الصدّيق، فندم، ورجع إلى الإسلام، وزوّجه الصدّيق أخته أم فروة، وقد حسن حاله وشارك في الفتوحات الإسلامية، وقد اتفق الذين كتبوا في تاريخ الصحابة على عده من الصحابة.

_ (1) البداية ج 5 ص 94. (2) الجمة: الشعر يبلغ المنكبين، ورجلوا: سرحوا.

وفد الداريين

وفد الداريّين وقدم وفد الداريين «1» على رسول الله منصرفه من تبوك، وهم عشرة نفر فيهم تميم الداري وأخوه نعيم، وكانوا نصارى فأسلموا، وأقاموا بالمدينة حتى توفي رسول الله، وكان النبي أقطع تميما أرضا بالشام، فلما تولّى الخلافة الصدّيق أعطاه ذلك. وفد تغلب وقدم وفد تغلب ستة عشر رجلا مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث- وكانت معدّة للوفود- فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم النصارى منهم على أن يقرهم على دينهم، على ألايصبغوا أولادهم في النصرانية «2» ، وأجاز المسلمين منهم بجوائزهم. وبذلك أظهر الله دينه على الأديان كلّها، ودانت الجزيرة من بلاد الشام إلى بلاد حضرموت لله ولرسوله، إلا بعض بطون من قبائل العرب لم تلبث أن أسلمت وأذعنت سنة عشر.

_ (1) نسبة إلى الدار بطن من لخم. (2) أي ألايعمدوهم في ماء المعمودية.

السنة العاشرة من الهجرة

السّنة العاشرة من الهجرة سرية خالد بن الوليد في ربيع الاخر أو جمادى الأولى من سنة عشر أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن استجابوا فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم، فخرج خالد حتى قدم إليهم ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتاب الله، وسنة نبيه، ثم أرسل إلى رسول الله كتابا يخبره خبرهم، فكتب إليه أن يبشرهم وينذرهم وأن يقبل، ويقبل معه وفدهم. فأقبل خالد ومعه وفدهم، منهم قيس بن الحصين، فكلّمهم وسألهم: «بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية» ؟ قالوا: إنا كنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحدا بظلم، قال «صدقتم» ، ثم أمّر عليهم قيس بن الحصين وعادوا إلى قومهم في شوال أو صدر ذي القعدة. بعث عمرو بن حزم ثم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ولّى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب له كتابا عهد إليه فيه عهده، وأمره بأوامره، وبين له المنهج الذي يتبعه معهم في الحكم، والتربية، والتعليم، والتأديب، ثم ختمه بما يأخذه من المغانم وهو الخمس، وبيّن له أنصبة الزكاة في الزروع وفي الإبل والبقر والغنم. وقد ذكر الكتاب بطوله الإمام محمد بن إسحاق «1» في سيرته، والنسائي في سننه، والبيهقي في السنن.

_ (1) سيرة ابن هشام، ج 3 ص 594.

سرية علي بن أبي طالب

سرية علي بن أبي طالب وفي رمضان أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا في جمع إلى بني مذحج، وهي قبيلة يمانية، وعمّمه بيده، وقال: «سر حتى تنزل بساحتهم، فادعهم إلى قول: لا إله إلا الله، فإن قالوا: نعم فمرهم بالصلاة، ولا تبغ غير ذلك، ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس، ولا تقاتلهم حتى يقاتلوك» . فلما انتهى إليهم لقي جموعهم، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا المسلمين بالنبل، فصفّ عليّ أصحابه وأمرهم بالقتال، فقاتلوا حتى هزموا عدوّهم، فكفّ عن طلبهم قليلا، ثم لحقهم ودعاهم إلى الإسلام، فأجابوا وبايعه رؤساؤهم، وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا، فخذ منها حق الله ففعل. وفد بجيلة «1» وقدم جرير بن عبد الله البجلي في رمضان سنة عشر على النبي ومعه من قومه مائة وخمسون رجلا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك» ، فطلع جرير على راحلته ومعه قومه، فأسلموا وبايعوا. وروي أن رسول الله بسط عليه كساء ثم التفت إلى أصحابه وقال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» وفي الصحيحين عن جرير قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم» . وفد أحمس وقدم قيس بن عزرة الأحمسي في مائتين وخمسين رجلا من أحمس- أخوة بجيلة- فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنتم» ؟ فقالوا: نحن أحمس الله، وكان يقال لهم ذاك في الجاهلية، فقال لهم: «وأنتم اليوم لله» ، وقال لبلال: «أعط ركب بجيلة وابدأ بالأحمسيين» ففعل.

_ (1) بجيلة على وزن حنيفة قبيلة باليمن.

ولما أسلم جرير قال له رسول الله: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟» «1» ، فانطلق في مائة وخمسين من أحمس وكانوا أصحاب خيل، فاشتكى إلى رسول الله أنه لا يثبت على الخيل، فضرب في صدره ودعا له قائلا: «اللهم ثبّته، واجعله هاديا مهديا» ، فلم يسقط بعد عن فرس، ثم ذهب ومن معه حتى جاء إليها فخرّبها وحرّقها، وأرسل إلى رسول الله من يبشر بذلك، فبارك رسول الله على خيل أحمس ورجالها (خمس مرات) «2» .

_ (1) ذو الخلصة: بيت باليمن لخثعم كانوا بنوه يضاهئون به الكعبة وبه نصب تعبد. (2) رواه البخاري ومسلم.

بعث العمال والقضاة والأمراء إلى اليمن

بعث العمال والقضاة والأمراء إلى اليمن بعث معاذ بن جبل إلى اليمن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي الإمام المقدّم في علم الحلال والحرام إلى اليمن قاضيا ومفقّها، وأميرا، ومصدّقا «1» ، وجعله على أحد مخلافيها «2» وهو الأعلى، وفي طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن لما بعث معاذا: «إني بعثت لكم خير أهلي» . ولما خرج معاذ متوجها إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعه ويوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله يمشي تحت راحلته، فأوصاه بوصايا كثيرة، منها: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» «3» . وقال له- وقد وضع رجله في الغرز «4» -: «حسّن خلقك للناس» «5» رواه مالك في الموطأ، وقال له أيضا: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا ألاإله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة، فإن هم

_ (1) المصدّق بتشديد الدال: اخذ الزكاة. (2) المخلاف بكسر الميم بلغة أهل اليمن: الإقليم والكورة والرستاق، وكانت إمارة معاذ على المخلاف الأعلى، واليمن مخلافان. (3) رواه أحمد والترمذي. (4) الغرز: هو للإبل كالسرج للفرس، وهو ما يركب عليه. (5) رواه مالك في الموطأ.

بعث أبي موسى الأشعري

أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» «1» . وما أجلّه من منهج يجب أن يسلكه المربون والمعلمون، والهداة والمصلحون. وكذلك أراد النبي أن يعرف علمه بالقضاء حين بعثه فقال له: «كيف تصنع إن عرض لك قضاء» ؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: «فإن لم يكن في كتاب الله» ؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فإن لم يكن في سنة رسول الله» ؟ قال: أجتهد- وإني لا الو- أي لا أقصر، قال: فضرب رسول الله صدره ثم قال: «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» «2» . وهذا يدلّ على فقه معاذ، وعلمه بأصول القضاء. فلما فرغ رسول الله من وصاياه قال له: «يا معاذ، إنك عسى ألاتلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري» فبكى معاذ خشعا لفراق الرسول. وكذلك وقع الأمر كما أشار الرسول، فقد أقام معاذ باليمن، ولم يقدم إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. بعث أبي موسى الأشعري وكذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري اليمني إلى مخلاف اليمن الاخر وهو الأسفل، قاضيا ومفقها وأميرا ومصدّقا، وأوصاه ومعاذا فقال: «يسّرا ولا تعسرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا» «3» . وقد عملا بوصية النبي، وانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وصارا يتزاوران ويتحابان في الله، وقد سأل أبو موسى رسول الله فقال: يا نبي الله،

_ (1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. (2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. (3) رواه البخاري.

بعث علي بن أبي طالب

إن أرضنا بها شراب من الشعير- المزر- وشراب من العسل- البتع- فقال: «كل مسكر حرام» . وقد دلّ بعث النبي لأبي موسى على أنه كان عالما فطنا حاذقا، ولولا ذلك لم يولّه النبي صلى الله عليه وسلم الإمارة والقضاء، ولو كان فوّض الحكم لغيره لم يحتج إلى توصيته بما وصاه به، ولذلك اعتمد عليه عمر، ثم عثمان، ثم علي. وأما الخوارج والروافض فطعنوا فيه ونسبوه إلى الغافلة وعدم الفطنة لما صدر منه في التحكيم بصفين، قال ابن العربي وغيره: والحق أنه لم يصدر منه ما يقتضي وصفه بذلك، وغاية ما وقع منه أن اجتهاده أداه إلى أن يجعل الأمر شورى بين من بقي من أكابر الصحابة من أهل بدر ونحوهم، لما شاهد من الاختلاف الشديد بين الطائفتين بصفّين، وال الأمر إلى ما ال إليه «1» . بعث علي بن أبي طالب وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب إلى اليمن ليقبض خمس الغنائم التي غنمها خالد بن الوليد، وهو يجاهد في اليمن وليخلفه في الجهاد، فذهب واستلمه واصطفى منه جارية لنفسه، فأثار ذلك نفس أحد الصحابة عليه وهو بريدة الأسلمي، وكان في نفسه من علي شيء، فلما قدم على النبي ذكر ذلك له فقال: «يا بريدة أتبغض عليا؟» ، قال: نعم. قال: «لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك» «2» . قال بريدة: فما كان أحد من الناس أحبّ إلي من علي. وفي صحيح البخاري أن عليا بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس بذهيبة لم تخلص من تبرها من الخمس، فقسمها النبي بين أربعة: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة العامري، وكذلك بعثه مصدّقا كما رواه البيهقي «3» .

_ (1) فتح الباري، ج 7 ص 50. (2) رواه البخاري. (3) البداية والنهاية، ج 5 ص 105.

أمراء وعمال اخرون

وقد وكل إليه القضاء أيضا. روى أحمد وأبو داود والترمذي عن علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسنّ مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء؟ فوضع يده على صدري وقال: «اللهم ثبت لسانه، واهد قلبه» ، وقال: «يا علي، إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الاخر، فإنك إن فعلت ذلك تبيّن لك» . قال علي: فما أشكل علي قضاء بعد «1» . ثم رجع علي رضي الله عنه إلى رسول الله فوافاه بمكة في حجة الوداع. أمراء وعمال اخرون قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات (الزكاة) إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان. فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه الأسود العنسي وهو بها. وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى حضرموت وعلى صدقاتها. وبعث عديّ بن حاتم على طيىء وصدقاتها، وعلى بني أسد. وبعث مالك بن نويرة اليربوعي على صدقات بني حنظلة. وفرّق صدقة بني سعد على رجلين منهم: فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها، وقيس بن عاصم على ناحية. وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين. وفي صحيح البخاري أن النبي استعمل ابن اللّتبيّة- وقد سماه ابن سعد وغيره عبد الله- على صدقات بني سليم، وممن استعملهم النبي يزيد بن أبي سفيان على صدقات بني فراس وكانوا أخواله «2» .

_ (1) فتح الباري، 8 ص 53. (2) الإصابة، ج 3 ص 656.

جملة المغازي، والسرايا، والبعوث

جملة المغازي، والسرايا، والبعوث ها نحن قد انتهينا- ولله الحمد والمنة- من غزوة تبوك، وهي اخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلنذكر جملة المغازي والسرايا والبعوث، فأقول وبالله التوفيق: روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما «1» عن أبي إسحاق السّبيعي قال: كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقلت له: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة؟. قال: تسع عشرة، فقلت: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قلت: فأيهن كانت أول؟ قال: العشير، أو العسيرة «2» ، فذكرت لقتادة قال: العشيرة «3» . وروى مسلم في صحيحه بسنده عن بريدة قال: (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، قاتل في ثمان منهن) ، وعلى هذا يتفق ما رواه زيد بن أرقم، وما رواه بريدة في العدة، ويكون مرادهما الغزوات التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سواء قاتل أولم يقاتل، وأما قوله: (قاتل في ثمان منهن) ، فلعله لم يعدّ الفتح- كما قال الإمام النووي- ويكون مذهبه أنها فتحت صلحا، كما قال

_ (1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة العشيرة، وباب «كم غزا النبي» ، وصحيح مسلم- كتاب الجهاد والسير- باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم. (2) الأولى بالشين المعجمة بلا هاء. والثانية بالسين المهملة وبالهاء على صيغة المصغّر فيهما. (3) يعني بالشين المعجمة، وبالهاء على صيغة المصغّر، وهي التي اتفق عليها أهل السير وإن كان الكل صحيحا.

الشافعي وموافقوه، أو لعله اعتبر الخندق وبني قريظة غزوة واحدة، وبقول بريدة رضي الله عنه- قال موسى بن عقبة وهو من أئمة أهل المغازي «1» . ولا يعكّر على هذا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، قال جابر: لم أشهد بدرا ولا أحدا؛ منعني أبي- وذلك ليكون مع أخواته البنات- فلما قتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط) ، ومقتضى هذا أن عدد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرون. وذلك لأن زيدا فاته ذكر اثنتين منها وهما: الأبواء، وبواط، فقد كانتا قبل العشيرة قطعا؛ وكأن ذلك خفي عليه لصغره، ولعلهما خفيتا أيضا على بريدة أو نسيهما، على أن ذكر الأقل لا ينفي ذكر الأكثر، والعبارة في الروايتين غير حاصرة. والذي ذكره ابن إسحاق في سيرته أنها سبع وعشرون غزوة، قال: (وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة، منها: غزوة ودّان، وهي غزوة الأبواء، ثم غزوة بواط من ناحية رضوى؛ ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع، ثم غزوة بدر الأولى بطلب كرز بن جابر، ثم غزوة بدر الكبرى، التي قتل فيها صناديد قريش، ثم غزوة بني سليم حتى بلغ الكدر ثم غزوة بحران- معدن بالحجاز- ثم غزوة أحد، ثم غزوة حمراء الأسد، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل، ثم غزوة بدر الاخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة الخندق، ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحيان من هذيل، ثم غزوة الحديبية، لا يريد قتالا، فصده المشركون، ثم غزوة تبوك. قاتل منها في تسع غزوات: بدر، وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، والفتح، وحنين، والطائف «2» .

_ (1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 12 ص 195؛ فتح الباري، ج 7 ص 224، 225. (2) سيرة ابن هشام، ج 2 ص 608، 609.

أقول: ولم يذكر ابن إسحاق «غزوة بني قينقاع» مع أنها أولى بتسميتها غزوة من عمرة القضاء، وهذا يدل على أن المسألة اعتبارية، وهي مما تختلف فيها الأنظار، ولا أدري السبب في عدم ذكر غزوة بني قينقاع إلا أن يكون سهوا، والكمال لله والعصمة لرسوله، كذلك خالفت ابن إسحاق في ترتيبه للغزوات بناء على الدليل والبرهان، وقد بينت ذلك ثم قال ابن إسحاق: وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثماني وثلاثين من بين بعث وسرية. ثم شرع- رحمه الله- في تفصيل ذلك. وقال موسى بن عقبة في مغازيه: (قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان: بدر، ثم أحد، ثم الأحزاب، ثم المصطلق، ثم خيبر، ثم مكة، ثم حنين، ثم الطائف) ، فأهمل غزوة قريظة لأنه اعتبرها والأحزاب غزوة واحدة، بينما أفردها ابن إسحاق، وعلى هذا لا تنافي بين ما ذكره موسى بن عقبة، وما ذكره ابن إسحاق. وكذلك عدّ ابن سعد في «الطبقات» المغازي سبعا وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي، وهو موافق لما ذكره ابن إسحاق كما قدمنا. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر، أشار إلى ذلك السهيلي، وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل، وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيّب قال: (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين غزوة) وأخرجه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق، فزاد فيه: أن سعيدا قال أولا ثماني عشرة، ثم قال أربعا وعشرين. قال الزهري فلا أدري أوهم- غلط- أو كان شيئا سمعه بعد؟ قلت- أي الحافظ-: وحمله على ما ذكرته يدفع الوهم ويجمع الأقوال، والله أعلم. وأما البعوث والسرايا فقد عدها ابن إسحاق ثماني وثلاثين، وعدّها الواقدي ثماني وأربعين، وعدها ابن سعد ستا وخمسين، وحكى ذلك

ابن الجوزي في «التلقيح» ، وعدها المسعودي ستين، وبلغها الحافظ العراقي في نظم السيرة زيادة على السبعين، ووقع عند الحاكم في «الإكليل» أنها تزيد على مائة؛ فلعله أراد ضم المغازي إليها، كما قال الحافظ في الفتح. فلا يهولنّك- أيها القارىء الفطن- ما ترى من اختلاف في العدة، فالعبارات ليست حاصرة، والعدد كما يقول بعض الأصوليين لا مفهوم له؛ فذكر الأقل لا ينفي ذكر الأكثر، والمسألة كما قلت لك اعتبارية، فمن ثمّ اختلفت العبارات في العدة لاختلاف الاعتبارات؛ وكلّ أخبر بما علم، وقد يكون عند الواحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عند الاخر، وقد يشهد الواحد منهم ما لا يشهد الاخر. وهذا هو اللائق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول من المسلمين، الذين نشروا الإسلام وضحوا في سبيله بالنفس والنفيس، والأهل والولد، وكان الواحد منهم لأن يخر من أعلا جبل، أهون عليه من أن يكذب على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، أو يصفه بما ليس فيه، أو ينسب إليه ما لم يصدر عنه. وكانوا من العدالة، ومن الصدق، والضبط بالمحل الأرفع، وكيف لا وقد أثنى الله عليهم بالثناء المستطاب في القران الكريم، وضرب بهم الأمثال في التوراة والإنجيل، وأثنى عليهم الرسول الكريم غاية الثناء؟ ولا تعجب- يا قارئي الحصيف- إذا كنت أعنى بالتوفيق بين الايات القرانية، والأحاديث والمرويات، لأن هذا من جلّ مقاصدي في هذا الكتاب أن أبين أن ايات الله يصدّق بعضها بعضا، وتتعارف ولا تتناكر، وتتالف ولا تتخالف، وأن الأحاديث الصحيحة الثابتة لا يرد بعضها بعضا، ولا يناقض بعضها البعض الاخر، وأن لهذه وتلك مخارج صحيحة لمن أعمل الذهن، وقدح الفكر، وتناولها بالقلب المؤمن، والعقل المتئد البصير، رزقني الله وإياك إيمانا ثابتا لا يتزعزع، وقلبا بصيرا تقيا، من الشكوك نقيا، وعلما نافعا، ولسانا ذاكرا،

وبالحق قوالا، وعن الإسلام ورجالاته منافحا، وأتم عليّ وعليك نعمة الإسلام. ولسان حالي يقول: أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم

حجة الوداع

حجّة الوداع ها هي الوفود قد جاءت تترى من كل ناحية، وأضحت الجزيرة العربية مؤمنة موحّدة، وها هي دعائم الإسلام وشرائعه قد استقرت وبيّنها النبي بقوله وعمله، ولم يبق من أصول الإسلام ما هو في حاجة إلى البيان القولي والعملي من النبي صلى الله عليه وسلم إلا الحج، وها هو الصديق قد مهّد بالحج سنة تسع للنبي أن يحج بالناس ليوقفهم على مناسكه كما شرعه الله من لدن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولينفي عن الحج ما شابه من بدع ومستحدثات، وإنا لنلمس هذا المعنى جليا في قوله صلى الله عليه وسلم: «كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم» «1» . وقوله في هذه الحجة وهو يرمي جمرة العقبة: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم. وتسمى هذه الحجة حجة الوداع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودّع المسلمين بهذا القول، وحجة الإسلام لأنه لم يحج بعد الهجرة غيرها، وأما قبل الهجرة فقد حجّ مرارا قبل النبوة وبعدها، وحجة البلاغ لأن النبي بلّغ الناس شرع الله في الحج قولا وعملا، وذكّرهم بالمهم من شرائع الإسلام، وحقوق الإنسان، وأشهد الله والناس على ذلك. الأذان بالحج ولم يكد يحل شهر ذي القعدة من هذا العام حتى أخذ رسول الله في التجهز للحج، وأذّن في الناس بذلك، وأمرهم بالتجهز، فصادفت الدعوة هوى في

_ (1) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

الخروج للحج

النفوس، فجاء الناس من كل فج وصوب، من القرى والبوادي، والسهل والجبل، والوديان والصحاري، مشاة وركبانا، تحدوهم الرغبة الصادقة في حج بيت الله مهوى القلوب، ومثابة للناس، والحرص على أن يحظوا بالشرف الرفيع شرف مصاحبة الرسول، والنظر إليه، والسماع منه، وضرب حول المدينة الخيام لمائة ألف أو يزيدون، وحّد بينهم الإسلام، وربط قلوبهم على المحبة والإخاء، بعد أن كانوا أوزاعا متفرقين، وأعداء متنابذين. الخروج للحج وفي يوم السبت الخامس والعشرين من ذي القعدة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الألوف المؤلفة بعد أن صلى الظهر بالمدينة أربعا، وقد استخلف عليها أبا دجانة، وقيل: سباع بن عرفطة، حتى وصل إلى ذي الحليفة «1» ، فصلّى العصر بها ركعتين ثم بات بها، فلما أصبح اغتسل للإحرام، وتطيّب ولبّد «2» رأسه، وصلى ركعتين. وكان رسول الله قد ساق معه الهدي، قيل مائة، وقيل دون ذلك، فأشعر واحدة منها وقلّدها نعلين، وتولى إشعار الباقي وتقليده غيره، ثم ركب ناقته (القصواء) وأهلّ بالحج قائلا: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك» ، ولما أشرفت ناقته على البيداء أدخل العمرة على الحج قائلا: «لبيك بعمرة وحجة» ، وأما المسلمون فمنهم من أحرم بحج، ومنهم من أحرم بعمرة، ومنهم من أحرم بعمرة وحج معا، كما روي في الصحيحين. وسار الرسول والمسلمون وهم يلبون ويكبرون ويهللون، لا ينفكون عن ذلك كلما علوا شرفا- مكانا عاليا- أو هبطوا واديا، وتجاوبت الأصداء بالتوحيد والتهليل، وشهدت الصحراء هذا المشهد الفريد الذي لم تشهد له مثيلا من قبل، ولن تشهد له مثالا من بعد.

_ (1) هو موضع على ستة أميال من المدينة وهو ميقات أهلها، ويقال له الان: أبيار علي. (2) التلبيد: دهن الرأس بشيء لزج كصمغ مثلا، حتى لا يتشعث ولا يتولّد به هوام.

بم أحرم النبي؟

بم أحرم النبي؟ وقد اختلفت الروايات في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث والسير في صفة إحرامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع اختلافا كثيرا، واختلف تبعا لذلك أئمة العلم والفقه والحديث: أكان رسول الله مفردا، أم قارنا، أم متمتعا «1» ؟. وليس من شأني هنا أن أعرض لذلك بالتفصيل، فذلك يحتاج إلى رسالة، ولكني أقول: إن الذي عليه المحققون من العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلّ بالحج، ثم أدخل عليه الإحرام بالعمرة فصار قارنا، واستمر على ذلك لم يتحلل من عمرته حتى قضى النسكين، لأنه كان ساق معه الهدي كما ذكرنا. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر من أحرم بالحج ولم يسق الهدي أن يجعله عمرة ويتحلل منها، ثم يهل بالحج يوم التروية، فمن ثمّ حصل هذا الاختلاف، فمن روى أو رأى أنه أهل بالحج فقط أراد ما أهل به أولا، ومن قال: إنه كان قارنا أراد اخر أحواله، ومن قال إنه كان متمتعا أراد التمتاع اللغوي وهو الانتفاع بالجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، أو أنه فهم من أمره بالاقتصار على العمرة والتحلل منها ثم الإحرام بالحج بعد أنه كان متمتعا «2» . وأحب أن يضع القارىء الفطن في اعتباره أنه من المستبعد أن تتفق عشرات الألوف هذه كلها على رواية أو رأي، إذ لم يسمع الكل من النبي أو يروا ما صنعه في وقت واحد، وبذلك لا يهوله هذا الاختلاف، ويستبعد من تفكيره أن يكون مبعثه التناقض، أو الهوى والتزيد. وفي سرف- مكان قريب من مكة- أمر رسول الله من أحرم بالحج

_ (1) المفرد: المحرم بالحج فقط. القارن: أن يحرم بالحج والعمرة معا. أو يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة، أو بالعكس. المتمتاع: أن يعتمر أولا في أشهر الحج، حتى إذا فرغ منها أحرم بالحج. (2) راجع صحيح مسلم بشرح النووي، ج 8 ص 135؛ وفتح الباري، ج 3 ص 335؛ والبداية والنهاية، ج 5 ص 140.

في مكة

ولم يسق الهدي أن يجعل حجه عمرة، وفي (ذي طوى) على مشارف مكة بات الرسول وأصحابه حتى صلّى بهم الصبح، ثم اغتسل لدخول مكة. في مكة ودخلت هذه الجموع الحاشدة مكة من الثنية العليا نهارا جهارا، وكان ذلك في يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، فلما عاين الرسول البيت قال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيّنا- ربنا- بالسلام. اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما، وتكريما ومهابة وبرا، وزد من حجّه أو اعتمره تكريما وتشريفا، وتعظيما وبرا» «1» . الطواف بالبيت وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب ناقته، يستلم الحجر الأسود بمحجن في يده، لأجل أن يراه الناس فيقتدوا به ويسألوه، ولأجل ألايصرف عنه الناس فقد غشوه من كل جانب، وطاف بطوافه المسلمون، وأمرهم أن يضطبعوا ويرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى «2» ، ويمشوا على هيئتهم في الأربعة الباقية، حتى إذا فرغ من طوافة أتى مقام إبراهيم وهو يتلو قول الله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ «3» إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فصلى وراءه ركعتين، ثم استلم الحجر مرة أخرى. إلى الصفا والمروة ثم خرج من باب بني مخزوم إلى الصفا وهو يقرأ قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الاية، وقال: «أبدأ بما بدأ الله به» فصعد عليه حتى عاين البيت فاستقبله قائلا: «لا إله إلا الله واحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله، أنجز وعده، وصدق عبده، وهزم

_ (1) رواه الشافعي والبيهقي. (2) الرمل: هو الهرولة، وقد بينت معنى ذلك وحكمته في ص 377 وما بعدها من كتابنا هذا. (3) هو الحجر الذي قام عليه سيدنا إبراهيم الخليل وهو يا بني الكعبة، ولا يزال موجودا إلى يومنا هذا تجاه باب الكعبة، أما المحجن: فهو عصا معقوفة في اخرها.

إلى الأبطح

الأحزاب واحده» ثم نزل إلى المروة، ثم رجع إلى الصفا وهكذا حتى أتم سبعة أشواط. فلما فرغ من السعي بينهما أمر أصحابه بأن من لم يكن معه هدي فليجعل حجه عمرة وليتحلل منها، فتباطأ بعض الصحابة في ذلك تأسفا على عدم الاقتداء به، فطيب خاطرهم، وبين لهم السبب في عدم تحلله فقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة» فحلّ الناس كلهم وقصّروا، ولم يبق محرما إلا النبي ومن ساق معه الهدي. إلى الأبطح ثم سار رسول الله والناس معه حتى نزلوا بالأبطح- مكان فسيح شرقي مكة- وأقام هناك إلى يوم الأربعاء يصلّي بأصحابه، ولم يعد إلى الكعبة في تلك الأيام كلها. قدوم علي وقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن، فوافى النبي بهذا المكان، ووجد زوجته السيدة فاطمة قد أحلّت كما حلّ أزواج النبي، ولبست ثيابا مصبوغة، فقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي، فأخبر الرسول بذلك فقال: «صدقت، صدقت» ثم قال له: «بم أهللت؟» قال: (بإهلال كإهلال النبي) وكان معه هدي ساقه معه، فقال له النبي: «امكث على إحرامك» ، وقدم أبو موسى الأشعري أيضا، ولم يكن ساق الهدي فأمره الرسول أن يفسخ حجه إلى العمرة ويتحلل منها «1» . الخروج إلى منى وفي يوم الخميس الثامن من ذي الحجة، ويقال له يوم التروية، خرج النبي وأصحابه إلى منى بعد أن أحرم بالحج الذين كانوا قد تحلّلوا من عمرتهم من الأبطح، وساروا حتى جاؤوا منى، فصلّى بهم النبي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.

_ (1) رواهما الشيخان.

إلى عرفات

إلى عرفات وبعد شروق الشمس خرج النبي قاصدا عرفات، وأمر أن تضرب له قبة (بنمرة) «1» ، فسار رسول الله ولا تشك قريش إلا أنه سيقف بالمشعر الحرام «2» كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، ولكن النبي أخلف ظنهم، وسار حتى أتى عرفات ائتمارا بأمر الله في قوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، فوجد القبة قد ضربت، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس ركب ناقته (القصواء) حتى أتى بطن الوادي (وادي عرنة) ، وهنالك خطب خطبته المشهورة الجامعة. خطبة عرفة قال صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «أيها الناس: اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا، أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة، فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع «3» ، وربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب. وإنّ دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم ابن «4» ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وإنّ ماثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية «5» . والعمد قود «6» ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.

_ (1) نمرة: بفتح النون وكسر الميم: موضع بجانب عرفات. (2) جبل بالمزدلفة يسمى قزح. (3) أي باطل. (4) اسمه إياس، وقيل حارثة، والأول أصح، وهو ابن ابن عم النبي. (5) السدانة خدمة الكعبة، والسقاية سقاية الحج. (6) قود: قصاص.

أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. أيها الناس: إنّ النسيء «1» زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإنّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد. أيها الناس: إن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا، لكم عليهن ألايوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تعظوهن، وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرّح «2» ، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان «3» عندكم لا يملكن لأنفسهم شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله «4» ، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد. أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرىء مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد، فلا ترجعنّ بعدي كفارا يضرب

_ (1) كانت العرب تدين بالأشهر الحرم التي يحرمون فيها القتال وربما كانوا يستطيلون ثلاثة شهور متوالية لحاجتهم إلى الحرب والقتال، فيؤخرون حرمة المحرم إلى صفر ويجعلون صفر مكانه حتى صار التحريم لعدد الأشهر لا لذواتها، وقد عاب عليهم القران هذا لاتباعهم الهوى في التحليل والتحريم. (2) غير شديد ولا مؤلم. (3) جمع عانية وهي الأسيرة أي كالأسيرات في ضعفهن. (4) عقد النكاح.

بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: كتاب الله، وسنة نبيه. أيها الناس: إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لادم، وادم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد. أيها الناس: إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، وإنه لا وصية لوارث، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث. والولد للفراش، وللعاهر الحجر «1» ، ومن ادّعى إلى غير أبيه، أو تولّى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا «2» . وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بأصبعه السبّابة يرفعها إلى السماء ويقلبها على الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، والسلام عليكم ورحمة الله» «3» . وكان جرير بن عبد الله البجلي يستنصت الناس، وكان ربيعة بن أمية بن خلف يبلّغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد أن فرغ رسول الله من هذه الخطبة الجامعة أذّن بلال ثم أقام فصلى النبي بالناس الظهر، ثم أقام فصلّى بهم العصر، جامعا بينهما جمع تقديم، ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب ناقته حتى جاء الصخرات التي في أسفل جبل الرحمة فوقف عندها مستقبلا القبلة، حتى غربت الشمس، وقال: «وقفت ههنا وعرفات كلها موقف» .

_ (1) العاهر: الزاني. الحجر: الرجم. والمراد أنه لا ينسب إليه الطفل لأن الولد للفراش. (2) الصرف: التوبة. العدل: الفدية. (3) السيرة لابن هشام، ج 2 ص 306؛ صحيح مسلم بشرح النووي، ج 8 ص 182- 184؛ والبداية والنهاية، ج 5 ص 170- 171.

ما نزل في يوم عرفة

وأكثر من الدعاء لأمته في هذا اليوم العظيم يوم عرفة، وكان يوم الجمعة، هذا اليوم الذي تسكب فيه العبرات، وتستجاب الدعوات، ويتجلى الله فيه على عباده فيباهي بهم الملائكة، ويقول: «يا ملائكتي هؤلاء عبادي جاؤوني شعثا غبرا «1» ، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل لغفرتها لهم، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم فيه» «2» . وقد روي: «أن النبي لما أكثر من الدعاء لأمته بالمغفرة أوحى الله إليه أنه غفر كل شيء إلا ظلم بعضهم بعضا» «3» . ما نزل في يوم عرفة وفي هذا اليوم المشهور نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. ولما نزلت هذه الاية بكى بعض الصحابة- ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه- وكأنهم فهموا منها الإشارة إلى قرب أجل الرسول، ولما قيل لسيدنا عمر: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان. خطأ مشهور وهو ما يزعمه البعض من أن هذه الاية اخر ما نزل من القران، وهو غلط لم يقل به أحد من العلماء، والحق أن اخر اية نزلت هي قوله تعالى في سورة البقرة: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. والمراد بإكمال الدين: إما إتمام حجهم على حسب ما شرع الله، وإذلال الشرك وأهله بحيث لم يشاركهم فيه أحد من المشركين، وهو تمام النعمة

_ (1) بضم الشين، والغين: جمع أشعث وأغبر. (2) رواه عبد الرزاق في مصنفه، وأصله في صحيح مسلم كتاب الحج من باب فضل يوم عرفة، وروى نحوه الإمام أحمد في مسنده. (3) رواه البيهقي.

إلى المزدلفة

عليهم، وإما إكمال الحلال والحرام، وهذا لا ينافي نزول شيء بعدها لا يتعلق بالحلال والحرام «1» . إلى المزدلفة ثم ركب النبي ناقته بعد الغروب، وشد زمامها حتى لتكاد رأسها تمس مقدمة الرحل، وأردف وراءه أسامة بن زيد وهو يشير إلى الناس قائلا: «السكينة، السكينة، ليس البر بالإيضاع» «2» حتى أتى إلى «المزدلفة» «3» ، فصلّى بها المغرب والعشاء جامعا بينهما جمع تأخير بأذان وإقامتين ولم يتنفل بينهما، ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم حتى صلّى الفجر، ثم ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، ودعا الله وأكثر من الدعاء وهلّل، وكبّر، وما زال واقفا حتى أسفر الصبح جدا. وقد روي: «أن النبي عاود الدعاء لأمته في المزدلفة، فأكثر من الدعاء، فأوحى الله إليه: إني قد غفرت لهم إلا ظلم بعضهم بعضا، فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب المظلوم خيرا من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم، فلم يجبه هذه العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأوحى الله إليه أنه غفر لهم كل شيء، فجعل إبليس يدعو على نفسه بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه» «4» . إلى منى ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى قبل أن تطلع الشمس، مردفا وراءه الفضل بن العباس، حتى أتى وادي محسّر «5» فأسرع بدابته، ثم قصد إلى الجمرة الكبرى «جمرة العقبة» فرماها بسبع حصيات صغار يكبر عند كل حصاة منها، حتى إذا

_ (1) المدخل لدراسة القران الكريم للمؤلف، ص 125. (2) الإيضاع: الإسراع. (3) مكان معروف سميت بهذا لأن الناس يزدلفون أي يقتربون فيها إلى الله بالدعاء. (4) رواه أبو داود الطيالسي، وروى نحوه البيهقي وابن ماجه. (5) محسر: بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة.

إلى الكعبة

فرغ من الرمي انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده، وقال: «نحرت ههنا ومنى كلها منحر» ونحر سيدنا علي الباقي وهي تمام المائة، ثم أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة «1» ، فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها. ثم حلق صلى الله عليه وسلم شعره والصحابة مطيفون به، ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد واحد منهم، وبذلك أحلّ صلى الله عليه وسلم ولبس ثيابه وتطيب قبل أن يطوف بالبيت، والمسلمون جميعا يقتدون به في كل ما يصنع من المناسك، ثم أمر عليا أن يتصدق بلحوم البدن وجلودها وجلالها، ففعل. إلى الكعبة ثم ركب صلى الله عليه وسلم حتى جاء البيت ليطوف طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج بالإجماع، فطاف وصلّى بمكة الظهر، ولم يسع بين الصفا والمروة، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون الناس على بئر زمزم وقال: «انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم» فناولوه دلوا فشرب منه حتى تضلّع، وأتى السقاية «2» التي يقوم بها العباس فقال: «اسقوني» فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها فإن هذا يجعل الناس أيديهم فيه، فقال النبي: «لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب الناس» . وهكذا أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتميز على أمته حتى في الشراب، وهذا غاية العدل والمساواة، وهكذا فليكن الملوك والأمراء، والقادة والرؤساء. ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى بعد الظهر، فنزل حيث المسجد الموجود اليوم فيما يقال، وأنزل المهاجرين عن يمينه، والأنصار عن يساره، والناس حولهم من بعدهم.

_ (1) بضعة بفتح الباء: أي قطعة. (2) كانوا ينقعون التمر والزبيب في الماء ويسقون الناس، وهو من ماثر الجاهلية التي أقرها الإسلام.

خطبة يوم النحر

خطبة يوم النحر وفي يوم النحر خطب النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على ناقته خطبة أخرى، أكد فيها بعض ما ذكره في يوم عرفات من حقوق الإنسان في الإسلام، والوصاة بالأخوة والواحدة. روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: «أتدرون أي يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: «أليس ذو الحجة» قلنا: بلى، قال: «أي بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليست بالبلدة الحرام» ؟ قلنا: بلى، قال: «فإن دماءكم، وأموالكم- وفي رواية أعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلّغت؟» قالوا: نعم قال: «اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» «1» . وكان سيدنا علي يبلّغ عن النبي هذه الخطبة، ثم سأله بعض الصحابة عن تقديم بعض المناسك على بعض، وتأخير بعضها عن مكانه نسيانا وسهوا، فما سألوه عن شيء من ذلك إلا وقال: «لا حرج، لا حرج» . المقام بمنى وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة «2» ، يرمي الجمرات «3» في كل يوم إذا زاغت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ويقف بعد كل من الجمرتين الأوليين مستقبلا القبلة، ورافعا يديه يدعو ويطيل الوقوف، فإذا رمى الثالثة انصرف ولا يقف بعدها، وأقام النبي تلك المدة بمنى يصلّي بأصحابه ويقصر الرباعية، ولم يرخص إلا لعمّه العباس وأعوانه بالمبيت بمكة لأجل السقاية.

_ (1) صحيح البخاري- كتاب الحج- باب خطبة أيام منى. (2) هي الثلاثة التي تلي يوم النحر. سميت بذلك لأنهم كانوا يشققون فيها اللحم ويجففونه. (3) هي ثلاث: الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف بمنى، والجمرة الوسطى وجمرة العقبة.

خطبة أوسط أيام التشريق

خطبة أوسط أيام التشريق وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى خطبة أخرى أوسط أيام التشريق وهو يوم النفر الأول، روى الحافظان البزار والبيهقي بسندهما عن ابن عمر قال: نزلت هذه السورة: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ في أوسط أيام التشريق، فعرف رسول الله أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحّلت، ثم ذكر خطبته في هذا اليوم، وهي تأكيد لبعض ما جاء في خطبتي عرفة، ويوم النحر «1» . وفي الحق أن تكرار الخطب في حجة الوداع كان أمرا لابد منه، فهي الحجة الوحيدة التي حجّها الرسول، وقد عزّ فيها الإسلام والمسلمون، وأصبحت كلمتهم هي النافذة في الجزيرة العربية، كما كانت الوداع الأخير، فما أشد حاجة المسلمين في هذا المشهد العظيم الفذ إلى التذكير والنصح والتوصية، وإلى تكرار القول والتأكيد عليه حتى يعوه ويحفظوه ولا ينسوه، وإلى تقريرهم بإبلاغ الرسالة، وأداء الأمانة، وإشهاد الله عليهم، حتى تقوم عليهم الحجة، وتنقطع المعذرة، وقد روي أيضا أن النبي خطبهم أيضا بمكة في اليوم السابع، والظاهر أنها كانت لتعليمهم المناسك والمشاعر. فائدة كان يقال لليوم السابع من ذي الحجة يوم الزينة، لأنه يزين فيه البدن التي تهدى بالجلال وغيرها. واليوم الثامن يقال له: يوم التروية لأنهم كانوا يروون فيه إبلهم من الماء، ويحملون منه ما يحتاجون إليه حال الوقوف وما بعده، لأن هذه الأماكن لم يكن فيها يومئذ ابار ولا عيون، أما الان ففيها الماء الكثير والحمد لله. واليوم التاسع: يوم عرفة للوقوف فيه بها. واليوم العاشر: يوم النحر ويوم الأضحى ويوم الحج الأكبر. واليوم الحادي عشر: يوم القر لأنهم يقرون فيه، ويقال له: يوم الرؤوس لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي، وهو أول أيام التشريق. وثاني أيام التشريق يقال له: يوم النّفر الأول لجواز

_ (1) البداية والنهاية ج 5 ص 201، 202.

إلى الأبطح بمكة

الخروج فيه إلى مكة لمن يريد التعجل. وثالث أيام التشريق يقال له: يوم النّفر الثاني. قال عزّ شأنه: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ «1» . إلى الأبطح بمكة وفي اليوم الثالث من أيام التشريق، وكان يوم ثلاثاء ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فنفر بهم من منى حتى نزل بالأبطح، وهو (المحصّب) . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل به في الفتح وفي حجة الوداع، وهو الخيف: خيف بني كنانة، وقد قدمت السبب في نزوله به: فصلّى بهم في الأبطح الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وهجع هجعة استراح فيها من العناء. وكان رسول الله بعث عائشة مع أخيها عبد الرحمن لتعتمر من التنعيم، لأنها لم تتمكن عند القدوم من أداء العمرة بسبب حيضتها، فلما قضت عمرتها ورجعت، أذّن النبي في المسلمين بالرحيل، فارتحل وطاف بالبيت طواف الزيارة، وصلّى بهم الصبح عند الكعبة، ثم خرجوا من البلد الحرام من (كدي) راجعين إلى البلد الطيب (المدينة) وهم يكبّرون ويهلّلون ويقولون: ايبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب واحده. في غدير خمّ وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة خطب بمكان يسمى (غدير خم) «2» مبينا فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبراءة عرضه مما تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنّها

_ (1) سورة البقرة: الاية 203. (2) بضم الخاء وتشديد الميم: موضع قريب من الجحفة.

بعضهم جورا وتضييقا عليهم وبخلا، والصواب كان معه في هذا لأنها أموال صدقات وخمس، وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه. وكان مما قاله له النبي في هذه الخطبة ما رواه النسائي بسنده عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم قال: «كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي: أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال: الله مولاي وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» قال الإمام أبو عبد الله الذهبي: هذا حديث صحيح، وقد استوفى الكلام على هذا الحديث الإمام الحافظ المؤرخ ابن كثير في بدايته مبينا الروايات الصحيحة من الحسنة من الضعيفة والموضوعة فليرجع إليه من يشاء «1» .

_ (1) البداية والنهاية ج 5 ص 208- 214.

أحداث في هذا العام

أحداث في هذا العام وفاة إبراهيم ابن النبي وفي شهر ربيع الأول من هذا العام، وقيل: في رمضان، وقيل، في ذي الحجة مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية وهو ابن ستة عشر شهرا، وقيل: أكثر من ذلك، وقد كان النبي بمقتضى الفطرة البشرية قد فرح بمولده فرحا عظيما كما قدمنا، فلا عجب أن كان حزنه عليه شديدا، وقد دخل عليه وهو يجود بنفسه، فصارت عيناه تذرفان بالدموع، فقال عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! فقال: «يا ابن عوف، إنها رحمة» وقال: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» «1» . وقال أيضا: «لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وإن اخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا» ثم غسل وكفّن، وصلّى عليه النبي وأصحابه، ودفن بالبقيع «2» بجوار السلف الصالح: عثمان بن مظعون. وقد وافق يوم مات إبراهيم أن كسفت الشمس، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما ايتان من ايات الله، فإذا رأيتموهما فقوموا وصلّوا وادعوا الله» «3» .

_ (1) رواه البخاري. (2) البقيع: مقبرة أهل المدينة. (3) رواه البخاري.

تنبؤ مسيلمة

وإن المنصف ليقف خاشعا أمام هذا القول الحكيم الذي يدل على أن سيدنا محمدا نبي حقا، فلو لم يكن نبيا، وكان طالب ملك أو زعامة، أو شرف وجاه، أو مدعيا نبوة لاستغلّ اعتقاد الناس هذا، أو على الأقل يسكت. ولم يزل الدجالون وأدعياء النبوة والمشعوذون، من لدن مسيلمة إلى يومنا هذا يستغلون سذاجة الناس وجهلهم في مثل هذا، بل ويحاولون ما استطاعوا التمويه على الناس والتلبيس عليهم، ولكنه النبي الذي لا ينطق عن الهوى!! وأي عظمة نفسية أعظم من ألاينسى الرسول رسالته في أشد المواقف التي تملأ النفس غما وحزنا وربما تذهل الشخص عما هو حق، لذلك لا تعجب إذا كان المستشرقون الذين كتبوا في سيرة النبي، وتناولوا هذه القصة وقفوا منها موقف الإجلال والإعظام، ولم يستطيعوا كتم إعجابهم وإكبارهم للنبي، وإعلان عرفانهم بصدق إنسان لم يرض في أدق المواقف إلا الصدق وإعلان الحق. تنبؤ مسيلمة قدمنا ما كان من قدوم مسيلمة الكذاب مع وفد بني حنيفة، وأنه عرض على النبي أن يشركه في الأمر أو يجعله له من بعده، فأبى عليه، وفي اخر سنة عشر، أرسل إلى النبي هذا الكتاب: (من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك. أما بعد: فإني قد أشركت في الأمر معك، فإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها، ولكن قريشا قوم يعتدون) . وقدم بالكتاب رسولان، فقال لهما النبي: «وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟» قالا: نعم، فقال: «أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» ثم كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» . وقد استغلّ مسيلمة تعصب بني حنيفة له، وصار يمخرق ويموه ويكذب،

تنبؤ الأسود العنسي

ويأتي بكلام يضحك الثكلى، يزعم أنه قران نزل عليه، حتى قضي على فتنته وقتل في عهد الصدّيق رضي الله عنه. تنبؤ الأسود العنسي وقد ظهر بصنعاء، وادّعى النبوة، واستعان على ذلك بالسحر والشعوذة، وكان «باذان» أميرا على صنعاء من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات باذان تزوج امرأته، وطرد من صنعاء المهاجر بن أبي أمية المخزومي عامل النبي على الصدقات، فكتب النبي إلى امرأته وعماله أن يحيطوا به ويقتلوه، وقد نجحوا في قتله بمساعدة (المرزبانة) زوجة باذان، فقد سقته الخمر حتى سكر، فدخل عليه فيروز واحتزّ رأسه، وجاء الخبر بذلك في أول خلافة الصدّيق، صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم «1» .

_ (1) فتح الباري ج 8 ص 76.

السنة الحادية عشرة

السّنة الحادية عشرة استهلت هذه السنة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد أن عاد من حجة الوداع موفور الكرامة، مطمئن القلب، منشرح الصدر، أن بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأكمل الله الدين، وأتمّ النعمة، وظهر الإسلام على الأديان كلها. وما كان النبي لينسى ما صنع الروم بالمسلمين في مؤتة، وقتل الأبطال: زيد وجعفر وابن رواحة وغيرهم، وما هموا به من غزو المدينة حتى كانت غزوة تبوك، وإيثار الروم الانسحاب على القتال، فعزم على إرسال جيش للاقتصاص منهم، فكان بعث أسامة بن زيد. بعث أسامة بن زيد في اخر صفر من هذا العام ندب النبي الناس لغزو الروم، فانتدب لذلك ثلاثة الاف من خيار المسلمين فيهم كبار المهاجرين والأنصار، منهم: أبو بكر، وعمر «1» ، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وسلمة بن أسلم. ودعا النبي أسامة بن زيد وقال له: «سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، وأغر صباحا عليهم، وأسرع السير تسبق الخير، فإن ظفّرك الله بهم فأقلّ اللبث فيهم» . وكان أسامة شابا لم يبلغ العشرين من عمره، مما دعا بعض الصحابة إلى التكلم في إمارته، فلما نميت المقالة إلى رسول الله قال: «إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وايم

_ (1) الصحيح أن أبا بكر وعمر لم يكونا في بعث أسامة، بدليل أنهما كانا في المدينة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين كان جيش أسامة خارجها. (الناشر) .

الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنّ هذا لمن أحب الناس إلي بعده» «1» . وعقد له اللواء بيده، وخرج أسامة وعسكر «بالجرف» خارج المدينة استعدادا للمسير، وإنهم لعلى ذلك بلغهم اشتداد المرض بالرسول، فلم يكن بدّ من التريث والانتظار، فقد كان بالجيش كبار المهاجرين والأنصار ممن تحتم الأحوال أن يكونوا بالمدينة في هذا الظرف العصيب. وقد كان تأمير أسامة لحكمة بالغة من الرسول؛ إذ فيه حث له على التضحية في سبيل الله، والحرص على الاقتصاص من قاتلي أبيه، كما كان فيه قضاء على العنجهية العربية، والتفاخر بالأحساب والأنساب، وتقرير عملي لمبدأ المساواة في الإسلام، وأيضا فقد كان من التوجيهات النبوية الحكيمة إلى تهيئة الفرص للشباب الصالح، وإثارة عزائمهم، وهممهم إلى معالي الأمور، وتعويدهم الاضطلاع بالتبعات الجسام، والمهام العظام.

_ (1) رواه البخاري.

مرض النبي عليه السلام ووفاته

مرض النّبيّ عليه السّلام ووفاته النذر بقرب أجل النبي إن الأرواح الشفافة الصافية القوية لتدرك بعض ما يكون مخبوا وراء حجب الغيب، والقلوب الطاهرة المطمئنة لتحدّث صاحبها بما عسى أن يحدث له فيما يستقبل من الزمان، والعقول الذكية المستنيرة بنور الإيمان لتدرك ما وراء الألفاظ والأحداث من إشارات وتلميحات، ولنبينا محمد من هذه الصفات الحظ الأوفر، وهو منها بالمحل الأرفع الذي لا يسامى ولا يطاول. فلا تعجب إذا كان قد فهم من معارضة جبريل له بالقران مرتين في رمضان عام عشرة قرب انقضاء أجله، كما فهم ذلك من نزول سورة النصر، حتى روي أنه قال لجبريل: «لقد نعيت إليّ نفسي» «1» فقال جبريل: (وللاخرة خير لك من الأولى) ولعلك على ذكر لمعاذ حين أرسله إلى اليمن، وما قاله في حجة الوداع مودعا للناس، ولا تعجب أيضا إذا كان بعض الصحابة فهم ذلك عند ما نزل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ كما ذكرنا انفا، ومن سورة النصر أيضا، وقد روي ذلك في صحيح البخاري عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما «2» . ابتداء المرض وكان ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر شهر صفر أو أول شهر

_ (1) اشتهر على الألسنة: «لقد نعيت إلي نفسي» بفتح التاء خطابا لجبريل. والصحيح ما ذكرناه بسكون التاء للتأنيث. (2) صحيح البخاري- كتاب التفسير- باب إذا جاء نصر الله.

اشتداد المرض

ربيع الأول، فقد أمر أن يستغفر لأهل البقيع، فانطلق ومعه مولاه أبو مويهبة فقال: «السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنىء لكم ما أنتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع اخرها أولها» ثم أقبل على أبي مويهبة قائلا: «إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلود فيها ثم الجنة، فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة» فقال أبو مويهبة: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، قال: «لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة» ، ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف. وقد بدأ به وجعه فدخل على عائشة فوجدها تشتكي صداعا وتقول: وا رأساه. فقال: «بل أنا- والله- يا عائشة وا رأساه» ، ثم قال مداعبا لها: «وما عليك لو متّ قبلي، فقمت عليك، وكفّنتك، وصليت عليك، ودفنتك؟» وأثارت الكلمة الغيرة في نفسها، فقالت: والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه بإحدى نسائك، فسكت الرسول واعتبرها مداعبة بمداعبة. اشتداد المرض وكان رسول الله يطوف على نسائه، كما هو شأنه في تعهدهنّ، ورعاية غاية العدل بينهن، فاشتدّ به المرض وهو في بيت السيدة ميمونة، فدعا نساءه واستأذنهنّ أن يمرّض في بيت السيدة عائشة فأذنّ له، فخرج بين عمه العباس وابن عمه علي تخط رجلاه الأرض، حتى أتى بيتها. وكان يعوده أهله وأزواجه، وهو ببيت عائشة، وفي ذات يوم زارته ابنته فاطمة فرحب بها وأجلسها بجانبه، ثم أسر إليها شيئا فبكت، ثم سارّها ثانيا فضحكت، فسألتها عائشة عن السر، فأجابت بأنه سر، ثم أخبرت فيما بعد أن النبي أعلمها بقرب انتهاء أجله، وأمرها بالتقوى والصبر فبكت. ثم أخبرها أنها أول أهله لحوقا به، وأنها سيدة نساء أهل الجنة فضحكت «1» .

_ (1) صحيح البخاري- باب علامات النبوة- وباب مرض النبي ووفاته.

صلاة أبي بكر بالناس

وقابل العباس عليا فقال له: إني لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من مرضه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت. ثم أشار عليه أن يذهبا إلى رسول الله يسألونه: فيمن هذا الأمر؟ يعني الخلافة. إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا أوصى بنا. فقال له علي: لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» . وقد كان رسول الله يستشفي من ألم الحمى بالماء البارد، كما كانت ترقيه السيدة عائشة بالمعوذتين وقل هو الله أحد. وفي ذات مرة وقد غشي عليه لدّوه «2» ، فلما أفاق أمر أن يصنع بكل من في البيت، مثل ما صنعوا به إلا عمه العباس. صلاة أبي بكر بالناس ولما اشتد برسول الله وجعه قال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» فقالت عائشة: إن أبا بكر رجل أسيف «3» ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد النبي فأعادت، وما حملها على قولها إلا خشية أن يتشاءم الناس بأبيها، فقال: «إنكن صواحب «4» يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس» . فخرج أحد الصحابة ليخبر بذلك فلم يجد أبا بكر، ووجد عمر، فقال: قم يا عمر فصلّ بالناس، فلما كبّر سمع النبي صوته فقال: «يأبى الله ذلك والمؤمنون» وكررها، فلم يصلّ أحد بعد هذا إلا أبو بكر، فلام عمر الرجل على ما فعل، فقال: والله ما أمرني رسول الله، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر الصلاة «5» .

_ (1) رواه البخاري. (2) اللد: أن يسقى المريض الدواء كرها. وقد كان الدواء مرضا اخر غير مرضه، فمن ثم كرهه. وإلا فالسنة مستفيضة بالحث على التداوي والاستشفاء. (3) أسيف: رقيق القلب يغلبه البكاء عند قراءة القران. (4) صواحب: جمع صاحبة والمراد به هنا واحدة، وهي امرأة العزيز حيث استدعت النساء مظهرة الضيافة. وقصدها أن يرين حسنه فيعذرنها في محبته ومراودتها عن نفسه. (5) البداية والنهاية، ج 5 ص 332.

يوم الخميس

يوم الخميس وفي يوم الخميس الذي قبيل وفاة الرسول خشي أن يموت قبل أن يعهد للناس في شأن الخلافة، فقال- وحوله رجال من أهل بيته وأصحابه-: «ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فقال بعضهم- إشفاقا-: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وعندكم القران حسبنا كتاب الله. واختلفوا: فمن قائل بإحضار الكتاب، ومن مانع، فلما كثر الاختلاف قال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه» وأوصاهم بثلاث: قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» وأما الثالثة فقيل الوصية بالقران وقيل: تجهيز جيش أسامة «1» . وفي الصحيح أيضا أن رسول الله قال: «لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون» وفي رواية الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر» . تنبيه في بعض روايات الصحيح «أهجر؟» استفهموه. والهمزة للإنكار والنفي، والهجر ما يقع من المريض من غير وعي، والمراد إنكار ونفي أن يحصل منه ذلك، أو أن يظن به ذلك، فحاشاه أن يكون منه ذلك، وفي بعضها «هجر» بغير الهمزة، وهي محمولة على الإنكار والنفي أيضا، والعرب في أساليبها قد تحذف حرف الاستفهام ويكون المعنى عليه «2» . خروج النبي إلى المسجد وفي هذا اليوم عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج إلى الناس كي يوصيهم ويخطبهم، فقال: «أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلّ أوكيتهنّ «3» ، لعلي أعهد

_ (1) رواه البخاري. (2) فتح الباري، ج 8 ص 158. (3) الوكاء: ما يربط به فم القربة.

للناس» قالت عائشة: فأجلسناه في مخضب «1» لحفصة، ثم طفقنا نصب عليه الماء حتى طفق يشير إلينا بيده «أن فعلتن» . فوجد من نفسه خفة، فخرج على الناس، وهم يصلون الظهر وهو يهادى بين رجلين، فلما راه أبو بكر أراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن مكانك، ثم جلس إلى جنب الصدّيق، فجعل أبو بكر يصلّي بالناس قائما، والرسول يصلّي وهو قاعد، فمن قائل أن رسول الله صلّى مأموما وراء أبي بكر، ومن قائل: إن رسول الله تولّى الإمامة، وصلّى أبو بكر بصلاة النبي، وصلى الناس بصلاة أبي بكر، ولعل الأول أرجح لأنه أدلّ على منزلة الصديق وأحقيته للخلافة «2» . وكانت هذه اخر صلاة صلاها رسول الله مع المسلمين، ثم صعد المنبر، فكان أول ما ذكر- بعد حمد الله والثناء عليه- أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا ثم قال: «يا معشر المهاجرين، إنكم أصبحتم تزيدون، والأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي «3» التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» ثم قال: «أيها الناس: إن عبدا خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله» ففهمها أبو بكر من دون الناس فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا، فعجب الناس لبكائه، فكان المخيّر هو رسول الله، وكان أبو بكر أعلمهم بذلك فقال له رسول الله: «على رسلك يا أبا بكر» «4» ثم قال: «إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر. ولو كنت متخذا من أمتي خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن خلة الإسلام ومودته «5» . لا يبقى في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر» . ثم قال: «وإن قوما ممن قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد،

_ (1) مخضب: طست. (2) البداية والنهاية، ج 5 ص 234. (3) عيبتي: خاصتي وموضع سري. (4) تمهل في البكاء حتى لا يسترسل الناس في البكاء. (5) صداقة الإسلام ومحبته.

إن للموت لسكرات

فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» ثم قال: «أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقا لها» . وكان مما قاله: «ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد «1» . ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه. ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد. ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له عليّ، أو حلّلني فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة» «2» . ألا فلتشهد الدنيا إلى أي حد وصل عدل الحاكم مع المحكومين، وإلى أي حد بلغت المساواة، وبلغ الاعتراف بالجميل لذويه، والإقرار بالفضل لأهله، وهل بعد هذا يدع مدع، أو يزعم زاعم أن أحدا أحق بالخلافة من أبي بكر. إن للموت لسكرات ثم اشتدت الحمى بعد برسول الله حتى قال له أبو سعيد الخدري: والله لا أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك، فيجيبه: «إنا معاشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء، كما يضاعف لنا الأجر» . وفي هذه الشدة كان يقول: «اللهم أعنّي على سكرات الموت» وكان كلما أفاق من غشيته قال: «اللهم الرفيق الأعلى» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم قبل ذلك أن النبي لا يموت حتى يخيّر بين الدنيا والاخرة، قالت عائشة: (فلما سمعته يقول ذلك، وقد أدركته بحة علمت أنه اختار الاخرة على الدنيا) «3» .

_ (1) فليستقد: فليقتص. (2) البداية والنهاية ج 5 ص 230- 231. (3) رواه البخاري.

صحوة الموت

صحوة الموت وفي صبيحة الاثنين والصدّيق أبو بكر يصلّي بالناس الفجر كشف النبي ستر الحجرة، فنظر إليهم وهو قائم على حال حسنة، ثم تبسّم لما رأى من اجتماعهم على رجل واحد، وألفتهم وتاخيهم، فنكص أبو بكر على عقبيه ظنا أن رسول الله يريد أن يخرج للصلاة، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله، فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر فكان هذا اخر عهده بالمسلمين. وفرح الصحابة غاية الفرح، ظنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلّ من مرضه، وما علموا أنها الصحوة التي تسبق الموت، وانصرف بعضهم إلى عمله، ودخل أبو بكر على ابنته عائشة وقال: ما أرى رسول الله إلا قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة- إحدى زوجتيه- وكانت تسكن بالسّنح «1» ، فركب على فرسه، وذهب إلى منزله. في الرفيق الأعلى واشتدت سكرات الموت بالنبي، ودخل عليه أسامة بن زيد وقد صمت فلا يقدر على الكلام، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة، فعرف أنه يدعو له، وأخذت السيدة عائشة رسول الله وأوسدته إلى صدرها بين سحرها «2» ونحرها، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده سواك، فجعل رسول الله ينظر إليه، فقالت عائشة: اخذه لك، فأشار برأسه أن نعم، فأخذته من أخيها ثم مضغته ولينته وناولته إياه، فاستاك به كأحسن ما يكون الاستياك، وكل ذلك وهو لا ينفك عن قوله: «في الرفيق الأعلى» «3» .

_ (1) السنح بضم السين: مكان خارج المدينة كان للصديق مال فيه وبيت. (2) السحر: الرئة. والنحر: الثغرة التي في أسفل العنق. (3) الرفيق الأعلى: هم الذين ذكرهم الله في قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ. وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. وقيل هم الملائكة، وقيل هو الله جل جلاله، وهو من أسماء الله الحسنى وصفاته، يعني في كنفه ورحمته.

هول الفاجعة

وكان اخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم «لا يبقى بجزيرة العرب دينان» وقوله: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» حتى جعل يغرغر بها صدره، وما يفصح بها لسانه. فلما اشتد الضحى، فاضت أطهر روح في الدنيا من جسدها، وصعدت إلى بارئها راضية مرضية، وخرج أكرم إنسان على الله في هذا الوجود من الدنيا كما جاء إليها، ولم يترك مالا ولا دينارا ولا درهما، ولا ولدا إلا فاطمة رضي الله عنها، وإنما ترك هداية وإيمانا، وشريعة عامة خالدة، وميراثا روحيا عظيما، وأمة هي خير الأمم وأوسطها. وكان ذلك يوم الاثنين لهلال ربيع الأول، وقيل لليوم الثاني منه، وقيل لليوم الثاني عشر منه من العام الحادي عشر للهجرة. والأول هو الأرجح، ويليه الثاني، وأما الثالث فعليه مأخذ وإن اختاره ابن إسحاق والواقدي وابن سعد «1» . هول الفاجعة وشاع الخبر في المدينة، فإذا لهم ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج بالإحرام، وأذهل النبأ سيدنا عمر فصار يتوعد وينذر من يزعم أن النبي مات، ويقول: ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم، والله ليرجعنّ رسول الله كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه مات. خطبة الصديق وأقبل أبو بكر من السّنح على فرس له لما بلغه الخبر، فوجد عمر يكلم الناس، وينذر ويتوعد، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجّى في البيت ببرد حبرة «2» ، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه يقبله، ويقول: (ما أطيبك حيا وميتا) ، وخرج أبو بكر وعمر يتكلم فقال: اجلس

_ (1) فتح الباري، ج 8 ص 106؛ والروض الأنف، ج 2 ص 372. (2) نوع من ثياب اليمن.

في سقيفة بني ساعدة

يا عمر، وهو ماض في كلامه، وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيبا فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أما بعد: فإن من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الاية: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) . قال عمر: فو الله ما إن سمعت أبا بكر تلاها فهويت إلى الأرض، ما تحملني قدماي، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات «1» . وكذلك استفاق الناس من غشيتهم لما سمعوا أبا بكر يتلوها. في سقيفة «2» بني ساعدة في هذه الغمرة من الأسى والحزن، كاد أن يضطرب أمر المسلمين في مسألة الخلافة، فالأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع علي والزبير وطلحة في بيت فاطمة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، وانضم إليه أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقا حتى أتيا السقيفة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين أيديهم رجل مزمّل، فإذا هو سعد بن عبادة به وجع، فلما جلسوا قام خطيب الأنصار فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: (أما بعد: فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفّت منكم دافّة، تريدون أن تخزلونا من أصلنا، وتحصنونا من الأمر) . فلما سكت أراد أن يتكلم عمر وكان قد زوّر «3» في نفسه مقالة أعجبته، ولكن الصدّيق منعه لما يعلم فيه من حدّة قد لا تفيد في هذا الموقف، وقال له: على رسلك يا عمر، ثم قام فتكلم، قال الفاروق: فو الله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل. قال:

_ (1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته. (2) مكان عليه ظلة. (3) أعد وهيأ.

بيعة الصديق

(يا أيها الناس، نحن المهاجرين أول الناس إسلاما، وأكرمهم أحسابا، وأوسطهم دارا، وأحسنهم وجوها، وأكثرهم ولادة في العرب، وأمسهم رحما برسول الله، أسلمنا قبلكم، وقدّمنا في القران عليكم، فقال تبارك وتعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ فنحن المهاجرون وأنتم الأنصار إخواننا في الدين، وشركاؤنا في الفيء، وأنصارنا على العدو، أما ما ذكر فيكم من خير فأنتم له أهل، فأما العرب فلن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، فمنا الأمراء ومنكم الوزراء) . فقام أحد الأنصار فقال: أنا جذيلها المحكك «1» ، وعذيقها المرجب «2» ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات. بيعة الصديق وفي هذا الموقف العاصف قام الفاروق- وكان جهوري الصوت- فقال: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه. وقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، ثم قام المهاجرون فبايعوا، ثم قام الأنصار فبايعوا، وهكذا وقى الله المسلمين شر الفرقة، وجمعهم على أفضلهم أبي بكر. البيعة العامة وفي اليوم الثاني غدا الصديق ومعه عمر والصحابة إلى المسجد النبوي ليبايع الناس المبايعة العامة، فصعد أبو بكر المنبر، وقام عمر خطيبا بين يديه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أيها الناس، كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت ولا وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عهدها إليّ رسول الله، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يدبرنا- يكون اخرنا- فإن يك محمد قد مات فإن الله جعل بين أظهركم نورا تهتدون به، فاعتصموا به

_ (1) الجذيل: تصغير جذل، وهو عود يكون في وسط مبرك الإبل تحتك به وتستريح إليه. يضرب به المثل في الرجل يستشفى برأيه وتوجد عنده الراحة. (2) عذيق تصغير عذق، وهي النخلة. المرجب الذي تبنى إلى جانبه دعامة تسنده لكثرة حمله ونفاسته على أهله. يضرب به المثل للرجل الشريف المعظم في قومه، والذي يكثر خيره.

خطبة الصديق

تهتدوا، وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين إذ هما في الغار، فإنه أولى المسلمين بأموركم، فقوموا إليه فبايعوه) ، فقام الناس كلهم فبايعوه البيعة العامة «1» . ونظر الصديق في وجوه القوم فلم ير الزبير، فدعا به فلما جاء قال له: ابن عمة رسول الله وحواريّه أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فقام فبايعه. ثم نظر فلم يجد عليا فدعا به فجاء فقال له: ابن عم رسول الله وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فقام فبايعه. وهذا هو الحق في مبايعة علي للصديق، وأنه بايع في اليوم الثاني، وأما ما يقال: إن بيعته كانت بعد ستة أشهر، فإنما كان تجديدا للبيعة وتوثيقا لها «2» ، وهذا هو الظن بأبي الحسن والحسين، وفتى الإسلام علي رضي الله عنه. خطبة الصديق وخطب الصديق خطبة تعتبر من ايات الحكمة وفصل الخطاب، أوجز فيها أصول الحكم في الإسلام، قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أيها الناس: فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني؛ الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى اخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل. ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم البلاء. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله) .

_ (1) صحيح البخاري- كتاب الأحكام- باب الاستخلاف. (2) البداية والنهاية، ج 5 ص 25.

تجهيز رسول الله

تجهيز رسول الله وبعد هذه البيعة العامة انصرف المسلمون إلى تجهيز رسول الله، مقتدين في كل ما أشكل عليهم بالصدّيق رضي الله عنه في تغسيله، وتكفينه، ودفنه. وقد حضر غسله من ال البيت: العباس، وعلي، والفضل وقثم ابنا العباس، وأسامة بن زيد، وصالح مولى الرسول. ودخل معهم بعد الاستئذان أوس بن خولي الأنصاري، وقد أسند علي النبي إلى صدره وعليه قميصه، وتولى غسله يعاونه العباس وابناه، وكان أسامة وصالح يصبان الماء. ولم ير علي من النبي ما يرى من الميت، فصار يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا!! وكان يغسل بالماء والسّدر «1» ، فلما فرغوا من تغسيله كفّنوه في ثلاثة أثواب بيض يمانية من قطن، ولم يجعلوا في كفنه بردة حبرة كما زعم بعض كتاب السيرة المحدثين «2» ، بل أبوا ذلك كما رواه مسلم وأبو داود «3» . وبعد أن كفّنوه وضعوه على سريره في الحجرة، ودخل الناس عليه أرسالا يصلون فرادى، لا يجتمعون على إمام، فلما فرع الرجال صلّى النساء ثم الصبيان. وبعد أن فرغوا من الصلاة اختلفوا في أي مكان يدفن؟ أيدفن في مسجده، أم يدفن بالبقيع مع أصحابه، أم يدفن في بيته، وحسم الصدّيق

_ (1) السدر: نبت طيب الرائحة يغسل به الميت كالصابون. (2) حياة محمد، ص 494. (3) البداية والنهاية، ج 5 ص 263.

الخلاف بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما قبض نبي إلا ودفن حيث قبض» ، فقرّ رأيهم على أن يدفن في حجرة السيدة عائشة حيث مات. وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح «1» لأهل مكة، وكان أبو طلحة الأنصاري- وهو الذي كان يحفر لأهل المدينة- يلحد «2» . فأرسل إليهما العباس رسولين، فأما رسول أبي عبيدة فلم يجده، وأما الثاني فقد وجد أبا طلحة، فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأهل المدينة، ونزل في الحفرة العباس، وعلي، وقثم، والفضل، وشقران، ومعهم أوس بن خولي أيضا، وأخذ شقران مولى رسول الله قطيفة كان يلبسها ففرشها للنبي في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك. وبين الأسى والحزن والدموع، وتفطر القلب على الحبيب المغيب في اللحد، أهالوا التراب على القبر الشريف، ثم رشّوا عليه الماء، وكان ذلك في ليلة الأربعاء بعد يومين من وفاته صلى الله عليه وسلم، فلما توفي الصدّيق دفن بجانب صاحبه، وكان هناك موضع قبر كانت عائشة تدّخره لنفسها، فلما طعن الفاروق أوصاهم أن يستأذنوا عائشة في أن يدفن بجانب صاحبيه، فلما قبض استأذنوها، فأذنت واثرته على نفسها، وتحققت رؤياها، فقد كانت رأت أن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتها، فكان الثلاثة هم الثلاثة أقمار الذين ملأوا الدنيا إيمانا وهدى، وعدلا ورحمة، ونورا وضياء، ووضعوا الأساس الصالح للحضارة الإسلامية الفذة التي أرسى قواعدها هؤلاء السادة الأخيار، وعزت عن أن يكون لها مثيل. ولم تكن القبور الثلاثة داخل المسجد حتى كان عهد الوليد بن عبد الملك، فأمر نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز أن يوسع في المسجد من جميع جوانبه، فاضطروا إلى إدخال الحجر في المسجد ومنها حجرة عائشة، ومع هذا احتاطوا غاية الاحتياط، فأحاطوا القبور بحائط مرتفع كيلا تظهر في المسجد فيصلي إليها

_ (1) في القاموس: ضرحه كمنعه. وضرح الميت حفر له ضريحا، والضريح البعيد، والقبر أو الشق وسطه أو بلا لحد. فالمعنى يشق وسط القبر. (2) في القاموس: ولحد القبر كمنع وألحده عمل له لحدا: وهو الشق بجانب القبر ثم يوضع فيه الميت.

إنفاذ جيش أسامة

العوام، ثم بنوا جدارين من ركني الحجرة الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على هيئة رأس مثلث من الشمال، حتى لا يتمكن المصلي من استقبال القبور في الصلاة، عملا بتحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في مرض موته وأكثر من القول: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه الشيخان، وفي رواية لمسلم: «اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» «1» . إنفاذ جيش أسامة ولم يكد المسلمون يفرغون من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أول ما أمر به الصدّيق خليفة رسول الله إنفاذ جيش أسامة تنفيذا لوصية النبي، ورفض الصدّيق أن يستمع إلى قول الذين رأوا ألايخرج الجيش في هذا الوقت العصيب، والذين أشاروا بتعيين قائد أسن منه، بل ولا إلى أسامة حينما رغب أن يكون بجانب الخليفة، وتم تجهيز الجيش عند الجرف، وأسامة على رأسه، وخرج الصدّيق مع الجيش يودعه وهو ماش وأسامة راكب، فقال: يا خليفة رسول الله لتركبنّ أو لأنزلنّ، فقال: لا نزلت ولا أركب!! وما عليّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله!!. ثم قال له وهو راجع: إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل؟ فأذن له. فلما رأى المتألمون من تأمير أسامة ما فعل الخليفة سكتوا، وطابت نفوسهم. وسار أسامة حتى وصل إلى البلقاء وحدود الشام، فأغار عليهم وانتقم للمسلمين ولأبيه الذي قتل، ثم عاد إلى المدينة بجيشه مظفرا منصورا، بعد أن أرضى ربه، وأرضى نبيه، وأرضى خليفته.

_ (1) شرح المختار من صحيح مسلم للمؤلف، ج 2 ص 65.

المثل الكامل

المثل الكامل ها أنذا قد فرغت- ولله الحمد والمنة- من السيرة العطرة، ولم يبق إلا أن أكتب فصولا موجزة في صفاته صلى الله عليه وسلم الخلقية، والخلقية، ليتجلّى للقارىء أنه كان مثلا في كل شيء، وأن الله سبحانه سوّاه على أحسن صورة، وجمّله ظاهرا وباطنا، وتعهده بالعناية والتربية قبل النبوة وبعدها، ثم توالت عليه فيوضات الوحي وإشراقات النبوة حتى صار مثلا أعلى في كل شيء، واستأهل ثناء الله عليه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. ونحن لا ننكر أن في تاريخ البشرية- ولا سيما الصفوة من الخلق، وهم الأنبياء والمرسلون- أناسا فضلاء ذوي أخلاق ودين، وهداة ومصلحين، وعلماء وحكماء، ومشرعين وفقهاء، وملوكا وخلفاء، ملأوا الدنيا عدلا، بعد أن ملئت جورا ... ورجالا أوفياء أمناء لا يغدرون ولا يخونون؛ وسادة قادة، وساسة عباقرة، وقوادا شجعانا، وأبطالا لا يرهبون الموت، وأن البشرية لا تخلو في أي عصر من أمثال هؤلاء. ولكن الذي نلاحظه أنه لا يوجد رجل اجتمعت فيه كل هذه الصفات والمميزات مثل ما اجتمعت في نبينا محمد، ولا نكاد نعرف أحدا كمّله الله بكل فضيلة، ونزهه عن كل رذيلة، مثل ما عرفنا ذلك لرسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه. وليس العجب من اجتماع هذه الصفات فيه، وإنما العجب حقا أنها فيه على سواء، فلا صفة تطغى على أخرى حتى تكاد تطمسها، ولا خلق يربو على

الفضيلة الإنسانية في ذروة كمالها في نبينا محمد

اخر حتى يكاد يخفي معالمه، وإنما هي صفات وزنت بميزان عادل لا يعول، وأخلاق حسبت بحسبان دقيق لا يضل، هداية في حكمة، وعلم في فقه، ورحمة في غير ضعف، وعدل في غير عنف، وحزم في حلم، وصرامة في رحمة، وغضب لله في غير جور ولا بطش، وكرم في غير إسراف، ودقة في غير فسولة؛ ورأفة في غير تفريط، وعقل كبير في سعة قلب، وجد في غير هزل، ومزح في غير باطل، وفصاحة في بلاغة، وكلم جوامع في حكم نوابغ، ورجولة في مروءة، وفحولة في عفة. وهكذا لا يمكن لمنصف أن يجد في أخلاقه مغمزا، أو في سلوكه مطعنا، وهذا المعنى لا نجده في بشر أيا كان، وهذا هو سر الإعجاز في أخلاق هذا النبي العظيم، وهذا البشر العظيم!! الفضيلة الإنسانية في ذروة كمالها في نبينا محمد يقول الحكماء: إن الفضيلة وسط بين رذيلتين: فالشجاعة وسط بين الجبن وبين التهور. والقصد في الإنفاق وسط بين التقتير والإسراف. والعدل وسط بين البغي والظلم، وبين هضم الحق والتفريط فيه. والعفة وسط بين انتهاك حرمات الغير وبين حرمان النفس من متعتها المشروعة. والحكمة وسط بين الإسراف في استعمال العقل وتعدي أموره وبين البلادة والغافلة، وهكذا. والفضيلة من الأمور التي تواطأت عليها العقول السليمة، ولا تختلف باختلاف الأشخاص والعصور. فالفضيلة لا يمكن أن تكون رذيلة، ولا تكون فضيلة عند إنسان ورذيلة عند اخر، وهذا أمر لا أعلم أحدا خالف فيه، إلا ما كان من السوفسطائيين «1» ومن على شاكلتهم كالوجوديين اليوم، فإنهم يخضعون الحق والفضيلة لأهوائهم، وشهوات أنفسهم.

_ (1) السوفسطائيون: قوم وجدوا في بلاد اليونان قديما، لا يؤمنون بأن حقائق الأشياء ثابتة، فالحق في نظرهم ما يراه الواحد حقا، ولو كان في الواقع باطلا، والباطل ما يراه باطلا ولو كان في الواقع حقا. وقريب من هؤلاء الوجوديون اليوم فليس للفضيلة والحق معيار.

والناس يتفاضلون ويتمايزون بقدر ما يكون عندهم من الفضائل والأخلاق الكريمة، والفضيلة لا تختص بأناس دون أناس، ولا بجنس دون جنس، وإنما هي أمر مشاع بين البشر، يأخذ كل واحد منها بحسب فطرته واستعداده، وتربيته ونشأته، إلا أن هذه الفضيلة الإنسانية توجد أوفى ما تكون وأكمل ما تكون في أنبياء الله ورسله، فقد فطرهم الله سبحانه على أكمل الصفات، وخير الخلال، إلا أن بعض هذه الفضائل قد تكون عند نبي أوفى منها عند اخر، ومن ثم صارت هذه الصفات البالغة الكمال، عند بعض الأنبياء بمنزلة الخصائص، فالحلم والتسامح عند الخليل إبراهيم وعيسى أكثر منهما عند نوح وموسى، والشدة والأخذ بالعقوبة، عند نوح وموسى، أعظم منهما عند إبراهيم وعيسى عليهم جميعا الصلاة والسلام. وكذلك فضلاء البشر كصحابة الأنبياء وحواريّيهم، ولا سيما صحابة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، تقوى بعض الفضائل عند بعضهم حتى تصير كأنها خصوصية، فمنهم الذي يغلب عليه الحلم والرحمة والشفقة كالصدّيق رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه الشدة والصرامة في الحق، حتى مع أحب الناس إليه، كالفاروق عمر رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه الحياء كالسيّد الحييّ عثمان بن عفان رضي الله عنه فيفرط في حق نفسه، ومنهم من تغلب عليه الشجاعة والمصارحة بالحق وعدم المداهنة، حتى ولو كان في ذلك تثبيت أمر الخلافة كسيدنا علي رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه جانب الدهاء والسياسة، ومعرفة كيف تسترق النفوس كسيدنا معاوية رضي الله عنه. وليس معنى هذا أن ما عدا هذه الصفات التي برزوا فيها ليس لهم فيما عداها حظ، كلا وحاشا، وليس أدل على هذا من الصدّيق الأكبر رضي الله عنه، فقد كانت سمته الغالبة في قصة أسارى بدر وغيرها الرحمة والشفقة، ومع هذا فلما جاور الرسول الرفيق الأعلى، وارتد بعض العرب كان أشجع من الشجاعة، وأشد من الشدة في محاربتهم، وحتى قال للفاروق وقد ناقشه في قتال مانعي الزكاة: أجبّار في الجاهلية خوّار في الإسلام؟!! والفاروق عمر- وهو الشديد القوي في الحق- ما انتقم لنفسه، وكانت

تقابله المرأة فتعظه، وتذكره، وتنصحه بتقوى الله في الخلق، فإذا به يتطامن لها ويبكي حتى تخضل لحيته!! وذلك كقصته مع السيدة خولة بنت ثعلبة بن حكيم، والمرأة الأعرابية التي كانت تعلل أولادها، وهم يتضاغون من الجوع حتى ناموا ... والناس طبائع، ومعادن، وفطرتهم ليست واحدة، ومرد ذلك كله إلى الله جل جلاله- فسبحانه، سبحانه، تقدست أسماؤه، وتباركت صفاته ووسع علمه كل شيء، وجلّت حكمته، وعجزت العقول، مهما بلغت عن إدراك كنهه وأسراره، فله المثل الأعلى، وله الحكمة البالغة. وقد أوحى إلى نفسي بما كتبت هذه المقارنة البديعة الصادقة التي صدع بها المثل الكامل صلى الله عليه وسلم عقب استشارة أصحابه في أسارى غزوة بدر، فأدلى الصديق برأيه وهو أخذ الفداء وتركهم عسى أن يهداهم أو يخرج الله من أصلابهم من يرضي الله وينصر دينه، وكان رأي الفاروق أن يقتلوا ولا يؤخذ منهم فداء، فقال النبي: «إن الله ليلينّ قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة. وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» . وكمثل عيسى قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «2» . وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً «3» . وكمثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ «4» . أنتم اليوم عالة، فلا يفلتنّ

_ (1) سورة إبراهيم: الاية 36. (2) سورة المائدة: الاية 118. (3) سورة نوح: الاية 26. (4) سورة يونس: الاية 88.

أحد إلا بفداء أو ضربة عنق» وكان هذا اختيارا لما رأى الصديق رضي الله عنه. وقد بلغت الفضيلة الإنسانية ذروة كمالها في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويدعوني المقام أن أقارن بين قولتي سيدنا نوح وسيدنا موسى الانفتين، وبين موقف حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من ثقيف بعد أن عرض عليهم الدعوة الإسلامية فأبوا، فرجاهم أن يكتموا أمره ولا يبلّغوا قريشا، ولكن القوم كانوا لئاما، فما إن همّ بمغادرتهم حتى أغروا به الصبيان والسفهاء يقذفونه بالحجارة، وصاحبه ومولاه زيد بن حارثة يدرأ عنه ويدفع، ولكن ماذا يغني زيد في هذا السيل المنهمر من الحجارة، فأصيب جسمه صلى الله عليه وسلم ودميت عقباه، وسال الدم الزكي على أرض الطائف ليكون شاهدا على لون من ألوان الكفاح في سبيل العقيدة، حتى ألجؤوه إلى بستان لابني ربيعة وبعد أن استراح قليلا، دعا الله بدعائه المشهور الذي ختمه بقوله: «إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي» . نعم، فالجراح والالام والمصاعب، كلها تهون ما دام في ذلك رضى الله، والنجاة من غضبه. عاد وهو جريح الجسم، مكلوم الفؤاد، حزين النفس، فتبدى له عند «قرن الثعالب» ملك الجبال، وقال له: «إني رسول من الله إليك، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «1» فعلت؟!» ولقد كانت فرصة مواتية للنيل من هؤلاء الذين اذوه، وأسالوا دمه، وليذهبوا مع الهالكين الغابرين، وإن ذهبوا ففي الباقين من ينصر الدعوة ويقيم الإسلام. ولكن لو جاز هذا في حق بشر اخر مهما بلغ من الكمال العقلي والخلقي؛ فلن يجوز في عقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا في أخلاق نبينا محمد، ولا في منطقه صلى الله عليه وسلم!! وهو الذي بلغت فيه الفضيلة ذروة كمالها. وانتظر الملك الجواب، ولم يفكر النبي طويلا، لأن الأمر بالنسبة له لا يحتاج إلى تفكير، لأنه يتفق هو وفطرته التي فطره الله عليها، وأخلاقه التي

_ (1) الأخشبان: جبلان بمكة.

جبل عليها، وجعلته سيد ولد ادم على الإطلاق، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله واحده ولا يشرك به شيئا» !! ودهش ملك الجبال لما سمع وقال: أنت- كما سمّاك ربك- رؤوف رحيم!! نعم- والله- لقد صدق من سماه الرؤوف الرحيم، ومن خاطبه هذا الخطاب الشريف الفذ: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ!! وهذا هو سيدنا موسى عليه السلام يدخل مدينة من المدن المصرية، فوجد فيها رجلين يقتتلان ويتضاربان، أحدهما إسرائيلي من شيعته، والاخر قبطي من عدوه، فاستنصر به الإسرائيلي على القبطي، فضربه بجمع يده، فقضى عليه فمات، وما كان موسى عليه السلام يقصد قتله، وإنما قصد دفعه، وكثيرا ما يقصد الإنسان قصدا ويحصل خلافه، فلذلك ندم من فعلته وتاب إلى الله توبة نصوحا، وعزم على عدم العودة لمثل ذلك، وعاهد الله على ألايكون معينا لمجرم قط «1» . ورأس الإجرام هو الكفر، ويليه المعاصي، وهذا الوكز وإن أفضى إلى الموت ليس بذنب، وإنما هو خلاف الأولى، وكان عليه أن يتثبت قبل الوكز أو يفصلهما عن بعضهما من غير وكز، وإنما عدّه موسى ذنبا واستغفر الله منه لمقام موسى وعلو منزلته على أن يحصل منه ذلك، وقد قيل: إن ذلك كان قبل نبوته فهو من الصغائر التي يجوز مثلها على الأنبياء، وهو الظاهر من قول موسى كما حكاه الله سبحانه في قوله: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ «2» . ومهما يكن من شيء فهذا وأمثاله مما جاء به القران وجاءت به الأحاديث الصحيحة يدل على أن الأنبياء بشر، وأن الكمال المطلق إنما هو لله واحده، وعلى أنهم لشدة معرفتهم بالله وقربهم منه يستعظمون في حق أنفسهم ما ليس عظيما،

_ (1) اقرأ الايات من سورة القصص: الايات 15- 17. (2) سورة الشعراء: الاية 21.

ويعتبرونه ذنبا يستغفرون الله تعالى منه، وإن لم يكن ذنبا في الحقيقة ونفس الأمر. وأما نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله فقد استأذنه سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه- أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو- أحد أسرى بدر- حتى يدلع لسانه فلا يقوم خطيبا بعد ذلك ضد النبي ودعوته، فماذا كان جواب الرؤوف الرحيم؟: «لا أمثل فيمثل الله بي ولو كنت نبيا» !! يالسمو الرحمة، ويا لعظمة البشرية!! ثم يغري النبي سيدنا عمر بالعفو عنه، وعدم النيل منه فيقول: «وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه» وقد كان، وصدقت نبوءة الرسول الكريم فقد وقف بعد الردّة موقفا كريما حمده الناس له، وحفظه له التاريخ «1» . ومثل اخر أسوقه لبيان كمال الفضيلة الإنسانية في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لقد كان عمر رضي الله عنه مشهورا بالزهد وبلغ فيه مبلغا، صار مضرب الأمثال. عمر هذا الزاهد، الذي كان يداوم لبس المرقّع، وكان ينام على الحصى والتراب، والذي كان يضرب اللبن «2» بنفسه، ويهنأ إبل الصدقة بالقار بيديه «3» والذي كان يعيش الكفاف، ويأتدم الزيت بالعيش الجاف، عمر الذي حرم على نفسه أكل السمن عام الرمادة حتى يخصب الناس، وحتى صارت تكركر بطنه وتغير لونه، وهو لا يهتم بذلك. عمر الزاهد هذا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه بسبب تظاهر بعضهن عليه، وكان في مشربة له «4» يرقى إليها بدرج، وعلى الباب غلام اسمه رباح، فقال: يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأت رباح بجواب،

_ (1) انظر: ص 159 من هذا الكتاب. (2) اللبن: الطوب النّيء. (3) يهنأ: يغسل جسدها، ويطليه بالقار ليداويها. (4) المشربة: غرفة صغيرة.

فرفع رأسه وقال استأذن لي على رسول الله، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة، والله لئن أمرني رسول الله بضرب عنقها لأضربنّ عنقها!! فأشار إليه الغلام: أن أذن لك، فدخل على رسول الله، وما زال يلاطفه حتى تبسم، ثم نظر عمر في المشربة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير قد أثر في جنبيه، وتحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف، وفيها قرظ مجموع وأهب «1» معلقة وفرق من شعير، فبكى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا عمر» ؟! فذكر عمر كسرى وقيصر وما هما فيه من ألوان النعيم وما رأى في المشربة، أي- والله- عمر الزاهد يبكي لما رأى النبي في هذه الحالة، ولو أن البكاء كان من غير عمر لجاز، أما وهو من عمر فهذا موضع العبرة والعجب!!. ترى أيها القارىء ماذا سيكون جواب الرسول؟! وماذا سيكون حال الرسول؟ أيبكي، كما بكى عمر الزاهد، أم يسكت على مضض وضجر؟! لو أن النبي فعل هذا وشارك عمر في بكائه أو سكت وتحسر، لكان قصارى أمره أنه عبقري، أو أنه رجل مصلح، ولكنه فوق ذلك: فوق العبقري وفوق المصلح، إنه النبي بكل ما في «أل» من كمال النبوة الذي بلغت به الذروة في الفضيلة الإنسانية، وإليك جواب النبوة الكاملة: «يا عمر، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الاخرة؟! أولئك قوم عجّلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا» !!. ويقف الزاهد المتقشف مدهوشا أمام هذا الجواب فيزداد يقينا إلى يقين أنه النبي حقا، بعد أن أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم درسا في زهد البطولة، أو إن شئت فقل بطولة الزاهد.

_ (1) القرظ: ما يدبغ به الجلد، أهب بضم الهمزة والهاء وبفتحها جمع إهاب: وهو الجلد.

صفاته الخلقية

صفاته الخلقية وها هي صفاته صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأحاديث الصحيحة والحسنة والاثار المشهورة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، يزيد بعضهم عن بعض فيها، ومن مجموعها نستخلص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أزهر اللون «1» ، أدعج «2» ، أنجل «3» ، أشكل «4» ، أهدب الأشفار «5» ، أبلج «6» ، أزجّ «7» ، أقنى «8» ، أفلج «9» ، مدوّر الوجه، واسع الجبين، ضخم الرأس، كث اللحية «10» تملأ صدره. سواء البطن والصدر، واسع الصدر، عظيم المنكبين «11» ، ضخم العظام. عبل «12» العضدين والذراعين والأسافل، رحب «13» الكفين والقدمين، سائل «14»

_ (1) أبيض اللون مشربا بحمرة. (2) شديد سواد الحدقة مع سعة فيها. (3) واسع العين مع حسن. (4) في بياض عينيه حمرة. (5) غزير شعر الأهداب مع طول. (6) مضيء الوجه مشرقه. (7) دقيق الحاجبين مع طول وتقوس. (8) مرتفع قصبة الأنف مع احديداب يسير فيها. (9) منفرج ما بين الثنايا. (10) غزير شعرها. (11) المنكب مجمع العضد والكتف. (12) ضخم. (13) واسع. (14) طويلها طولا معتدلا.

الأطراف، أنور المتجرد «1» ، دقيق المسربة «2» ، ربعة القد، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد، ومع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم، رجل الشعر «3» . إذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البرق، وعن مثل حب الغمام، إذا تكلم رئي كالنور يخرج من ثناياه، أحسن الناس عنقا، ليس بمطهم «4» ، ولا مكلثم «5» ، متماسك البدن، ضرب اللحم «6» ، إذا مشى تكفّأ كأنما ينحط من صبب «7» ، وإذا التفت التفت معا. قال البراء: ما رأيت من ذي لمّة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجدر. وقال جابر بن سمرة- وقال له رجل: أكان وجهه مثل السيف- فقال: لا، بل مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا. وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به: أجمل الناس من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، وفي حديث ابن أبي هالة: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر!! وقال علي رضي الله عنه في اخر وصفه له: من راه بديهه هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله، ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم «8» .

_ (1) نير العضو المتجرد من الشعر. (2) الشعر الممتد من الصدر إلى السرة. (3) وسط بين التجعد والسبوطة. (4) بادن كثير اللحم. (5) مجتمع لحم الخدين. (6) ليس فيه استرخاء. (7) تكفأ: مشى إلى الأمام بقوة. صبب: مكان عال. (8) الشمائل المحمدية للترمذي، ص 8- 32؛ وصحيح البخاري- كتاب أحاديث الأنبياء- باب صفة النبي، وصحيح مسلم- كتاب الفضائل- صفة شعره صلى الله عليه وسلم.

نظافة جسمه وطيب ريحه

وهذه الأوصاف تنم عن الذكاء والفطنة وكبر العقل، والقوة والبطولة والهيبة والجلال، والرزانة والوقار، وقد أملاها عليهم واقع الحال، لا مجرد الحب والخيال. ومن ثم نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحظى بالكمال الجسماني، وسمات البطولة الجسدية الحقة، ولو أنك اطلعت على ما يشترط اليوم من الصفات لتحقيق «كمال الأجسام» لوجدتها لا تزيد عما ذكر في صفات النبي الخلقية، وهذا أمر كان لازما، فإن نبينا بعث بخاتم الأديان والشرائع، لأمم الأرض كلها، وشرع الله له الجهاد في سبيل حماية العقيدة، ونشر هذا الدين، لابدّ أن يكون متهيئا غاية التهيؤ للجهاد، وأن يكون له من بسطة الجسم ما يهيّئه للجهاد والقيادة، والشجاعة والإقدام. وهكذا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الله سبحانه له البطولة الجسمانية، إلى البطولة النفسية. نظافة جسمه وطيب ريحه هذا إلى نظافة جسمه، وطيب ريحه وعرقه، ونزاهته عن الأقذار، والروائح الكريهة، وقد خصه الله بذلك، ثم تممها وزادها بنظافة الشرع، وخصال الفطرة، والمداومة على التطيب والتطهر، ومجانبة الأطعمة الكريهة الرائحة. عن أنس رضي الله عنه قال: (ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط ديباجا، ولا حريرا ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) «1» . وعن جابر بن سمرة: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح خده، قال: فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها من جونة «2» عطار) . وكانت تلك رائحته سواء مس طيبا أولم يمس، وكان يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان

_ (1) رواه مسلم وغيره. (2) الجؤنة: بضم الجيم وهمزة على الواو وبدونها: الوعاء الذي يضع فيه متاعه.

كمال عقله

بريحها، وكان إذا مرّ في طريق يعرف أنه سلكه مما يخلفه فيه من طيبه. وثبت في صحيح مسلم أنه نام في دار أنس فعرق، فجاءت أمه بقارورة فجمعت فيها عرقه، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالت: نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب. وفي رواية أخرى لمسلم: (فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا) . قال: «أصبت» . كمال عقله وأما كمال عقله، وأصالة تفكيره، وبعد نظره فيتجلّى في كثير من تصرفاته ومواهبه السياسية قبل النبوة وبعدها، وذلك كما حدث حينما حكّموه في قصة وضع الحجر الأسود، وفي إعداد الجيوش، ومباغتته للأعداء قبل أن يبغتوه في بلده، وموقفه في القضاء على الفتنة التي كادت تقع بين الأوس والخزرج بسبب تأليب اليهود، وبين المهاجرين والأنصار أثناء غزوة بني المصطلق، ومواهبه الفائقة في عقد المعاهدات والصلح، وفي معاملة الأصدقاء والأعداء، حتى كان سببا في دخول الكثيرين منهم الإسلام، وفي ترضية الأنصار بعد قسمة غنائم حنين، إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد. وقد عرضنا لذلك بالتفصيل في هذه السيرة العطرة. فصاحة لسانه وكان صلى الله عليه وسلم فصيح اللسان، قوي العارضة، يفصّل الكلام تفصيلا، مع سلاسة طبع ونصاعة لفظ، وقلة تكلف، وجزالة معنى. وليس هذا بعجيب ممن كان في الذؤابة من قريش، واسترضع في بني سعد، ونشأ بمكة، وأنزل عليه القران بلسان عربي بلغ أعلى درجات الفصاحة والبلاغة. وكان مما اتاه الله العلم بلغات العرب ولهجاتها، فكان يخاطب كل قوم بلغتهم مما كان يدهشهم ويدهش الحاضرين من الصحابة، حتى قالوا له: ما رأينا الذي هو أفصح منك!! فقال: «وما يمنعني وإنما أنزل القران بلسان

عربي مبين» وقال مرة أخرى: «أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد» «1» . فجمع الله له بذلك قوة عارضة البادية وجزالتها، ورقّة ألفاظ الحاضرة ورونقها، إلى المدد الإلهي بالوحي المتتابع، ولا سيما وحي القران الذي لا يحيط بعلمه وأسراره إنسي ولا جني، فلا عجب إذا قال: «أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارا» رواه النسائي في سننه وأبو يعلى، ورويت الفقرة الأولى من حديث للبخاري ومسلم. وإليك ما قاله في وصف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أديب من أكبر أدباء العربية غير منازع وهو الجاحظ قال: (وأنا ذاكر بعد هذا فنا اخر من كلامه صلى الله عليه وسلم، وهو الكلام الذي قلّ عدد حروفه وكثر عدد معانيه! وجلّ عن الصنعة، ونزّه عن التكلف، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: قُلْ- يا محمد- وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ «2» فكيف وقد عاب التشديق، وجانب أصحاب التقعيب «3» ، واستعمل المبسوط في موضع البسط والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حفّ بالعصمة، وشيّد بالتأييد، ويسر بالتوفيق. وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشّاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام، وقلة عدد الكلام، مع استغنائه عن إعادته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلّت به قدم،

_ (1) ذكره القاضي عياض في الشفاء، وأصحاب الغريب في كتبهم، وروى نحوه الطبراني مرفوعا، وابن سعد مرسلا، وأما: (أنا أفصح من نطق بالضاد) فلا أصل له. (2) سورة ص: 86، والاية بتمامها: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. (3) التقعيب: هو التقعير، وهو أن يتكلم بأقصى قعر فمه، وهو لون من التكلف في الكلام.

ولا بادت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذّ الخطب الطوال بالكلم القصار، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق ولا يطلب الفلج «1» إلا بالحق، ولا يستعين بالخلابة «2» ، ولا يستعمل المواربة «3» ، ولا يهمز، ولا يلمز «4» ، ولا يبطىء ولا يعجّل، ولا يسهب ولا يحصر «5» ، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا، ولا أقصد لفظا، ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى «6» من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيرا ... ثم قال: قال محمد: قال يونس بن حبيب: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جمعت لك في هذا الكتاب جملا التقطناها من أفواه أصحاب الأخبار، ولعل بعض من لم يتسع في العلم، ولم يعرف مقادير الكلم، يظن أنّا قد تكلفنا له في الامتداح والتشريف ومن التزيين والتجويد ما ليس عنده، ولا يبلغه قدره، كلا، والذي جرّم «7» التزيد عند العلماء وقبح التكلف عند الحكماء، وبهرج الكذابين عند الفقهاء، لا يظن هذا إلا من ضلّ سعيه. فمن كلامه صلى الله عليه وسلم حين ذكر الأنصار: «أما والله ما علمتم إلا لتقلّون عند الطمع، وتكثرون عند الفزع» وقال: «الناس سواسية كأسنان المشط» «8» ...

_ (1) الفلج- بفتح الفاء وفتح اللام وسكونها- الفوز والغلب. (2) الخداع. (3) المداهنة. (4) الهمز: العيب بالجوارح. واللمز: العيب باللسان، وقيل هما بمعنى. (5) حصر يحصر حصرا من باب «تعب» عيّ في الكلام. (6) الفحوى: المعنى. (7) جرّم: جعله جرما وإثما. (8) رواه الديلمي.

وقال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم» «1» فتفهّم- رحمك الله- قلة حروفه، وكثرة معانيه. وقال عليه الصلاة والسلام: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول» «2» ... وقال: «خير المال سكة مأبورة، وفرس مأمورة» «3» ... «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» «4» ... وقال: «الناس كالإبل المائة لا تجد فيها راحلة» «المستشار مؤتمن» «5» «رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم» «6» وقال: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبله جميعا ولا تفرّقوا، وأن تناصحوا من ولّاه الله أمركم، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» «7» . وقال: «يقول ابن ادم: مالي مالي، وإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» «8» وقال: «لو كان لابن ادم واديان من ذهب لابتغى ثالثا، ولا يملأ عين ابن ادم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» «9» . وقال: «إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون، ويؤلفون. وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني

_ (1) رواه أحمد وأبو داود. (2) رواه الشيخان. (3) السكة: السطر المصطفى من النخل. المأبورة: الملقحة أي كثيرة النتاج والنسل. (4) رواه الشيخان. (5) رواه مسلم. (6) رواه أحمد وأصحاب السنن. (7) رواه الديلمي والعسكري. (8) رواه مسلم. (9) رواه مسلم.

مجالس يوم القيامة الثرثارون المتشدّقون، المتفيهقون» «1» إلى غير ذلك مما ذكره «2» هذا العالم الأديب الأريب. وقد ذكر هذا الإمام الخبير بكلام البلغاء جملة صالحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن منها ما ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك مثل قوله: «الناس بأزمانهم أشبه منهم بابائهم» فالصحيح أنه من كلام علي، وقيل من كلام عمر، ومنها ما هو موضوع كما نصّ على ذلك أئمة النقد في الإسلام وهو «إن الأحاديث ستكثر عني كما كثرت عن الأنبياء من قبلي، فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فهو عني، قلته أولم أقله» وهو كلام باطل لا يصدر مثله عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتاب «البيان والتبيين» ونحوه من كتب الأدب، لا يعوّل عليها في معرفة الأحاديث ما ثبت منها، وما لم يثبت، ولذلك حرصت على تخريج الأحاديث التي ذكرها الجاحظ في الهامش. ومما ذكره الجاحظ من كتبه صلى الله عليه وسلم التي تدل على مخاطبته كل قوم بلسانهم ولغتهم ما رواه سعيد بن عفير عن ابن لهيعة عن أشياخه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى وائل بن حجر الحضرمي ولقومه: «من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت، امركم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، على التيعة «3» شاة والتيمة لصاحبها «4» ، وفي السبوب الخمس «5» ، لا خلاط، ولا وراط «6» ، ولا شناق،

_ (1) رواه البخاري، ورواه الترمذي وقال: حديث حسن. فالثرثارون: هم الذين يكثرون من الكلام من غير داع. والمتشدقون: الذين يملأون فمهم بالكلام تشدقا وتكلفا. والمتفيهقون: الذين يملأون فمهم بالكلام تكبرا وتعظما. (2) البيان والتبيين للجاحظ ج 1 ص 16- 30. (3) التيعة بكسر التاء: الأربعون من الغنم. (4) التيمة: الشاة الزائدة على الأربعين. (5) السبوب: جمع سبب: وهو المال المدفون في الجاهلية. (6) الخلاط: أن يخلط رجل إبله بإبل غيره أو بقره، أو غنمه ليمنع حق الله فيها، والوراط: الغش.

ولا شغار «1» ، فمن أجبني فقد أربى «2» » وهي خصيصة عجيبة لرسول الله. وأزيد على ما ذكره الجاحظ فأقول: ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم قوله: «إن المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع» رواه البخاري ومسلم، وقوله: «اتقوا النار ولو بشقّ تمرة» رواه البخاري، وقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» رواه الشيخان، وقوله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» متفق عليه، «ما ملأ ابن ادم وعاء شرا من بطنه، فإن كان ولابدّ، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وقوله: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى» متفق عليه، وقوله: «وهل يكبّ الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم» رواه الترمذي، وقوله: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» رواه الإمام مسلم في صحيحه، وقوله: «المسلمون عند شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا» رواه أحمد، وأبو داود، والدارقطني، وقوله: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ» رواه البخاري، وقوله: «ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» رواه البخاري. وقوله: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» رواه البخاري، وقوله: «الحياء من الإيمان» رواه الشيخان، وقوله: «إنّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما تشاء» رواه البخاري، وقوله: «من يحفظ لي ما بين لحييه، وما بين رجليه «3» ، أضمن له الجنة» متفق عليه، وقوله: «الرحم

_ (1) الشناق ما بين الفريضتين من الإبل والغنم وهو: الوقص، والشغار: أن يزوج الرجل أخته مثلا على أن يزوجه الاخر أخته من غير مهر، وهو ما أبطله الإسلام. (2) الإجباء: بيع الزرع قبل بدو صلاحه، والإرباء من الربا. (3) ما بين لحييه أي فكيه وهو لسانه، وما بين رجليه: فرجه.

شرف نسبه وكرم محتده

شجنة «1» من الرحمن» رواه البخاري، وقوله: «في كل ذات كبد رطبة أجر» متفق عليه، وقوله: «من لا يرحم لا يرحم «2» » رواه البخاري، وقوله: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم. إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي فاضت بها كتب الأحاديث والسنن. ومن هذه الأحاديث التي هي من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ما اعتبر من المبتكرات التي لم يسبق إليها النبي صلى الله عليه وسلم، وسارت مسار الأمثال في شيوعها وذيوعها، وذلك مثل حديث «لا يلدغ ... » السابق، وقوله: «الحرب خدعة» وقوله: «الان حمي الوطيس» وقوله: «إنّ من البيان لسحرا» «وإن من الشعر لحكما» أي لحكمة. وقوله في فرس أبي طلحة: «وجدناه بحرا «3» » وقوله: «كما تدين تدان» ولا يفوتني أن أوصي الشباب والطلاب- ولا سيما المتأدّبين منهم- أن يكثروا من قراءة كتاب الله، وأحاديث رسول الله، وسيكتسبون بذلك إيمانا وعلما وعملا، وفصاحة وبلاغة، وجزالة ألفاظ، وقوة أسلوب، وإشراق بيان. شرف نسبه وكرم محتده وهذا أمر معروف غير منكور، أقرّ به المخالف والموافق، وليس من شك في أنه نخبة بني هاشم، وسلالة قريش، وخلاصة مضر، وإليه انتهى شرفها، ومصاص البشرية كلها، وقد أفصح صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «إن الله اصطفى من ولد ابراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» رواه مسلم

_ (1) أي صلة قريبة منه. (2) الأولى بفتح الياء والحاء، والثانية بضم الياء وفتح الحاء. (3) أي واسع الجري، طويل النفس في العدو، وكان في أول أمره ليس كذلك فصار ببركة ركوب النبي عليه بحرا لا يجارى.

والترمذي «1» ، وقال: «بعثت من خير قرون بني ادم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه» رواه البخاري، وقال: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إلا أن الله عزّ وجل خلق خلقه، فجعلني من خير خلقه، ثم فرّقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني من خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا، وخيركم نفسا» رواه أحمد واللفظ له والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وليس من شك في أن النسب الزكي إذا انضم إليه الخلق الرضي كان خيرا وأزكى، و «الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» رواه البخاري «2» .

_ (1) من حديث في الخصائص النبوية، رواه الشيخان وقد زاد الترمذي الفقرة الأولى، واتفقا على ما بعدها. (2) انظر الجزء الأول من هذا الكتاب من ص 182- 185.

النبي الزوج

النبي الزوج لقد خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباح الله له من الزوجات ما لم يبح لغيره، فقد تزوج إحدى عشرة ودخل بهن، منهن اثنتان ماتتا في حياته وهما السيدتان: خديجة، وزينب أم المساكين، وتوفي عن تسع، وهن: عائشة بنت الصدّيق، وسودة بنت زمعة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وصفية بنت حيي النضيرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية. وتسرى جاريتين: مارية القبطية، وريحانة بنت زيد اليهودية، وقد ماتت في حياته. وإذا كان الإسلام جعل للمرأة حقوقا لم تكن تحلم بها، ورفع من شأنها، فقد حظي بالنصيب الأوفى من ذلك نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولمّا أنكر الفاروق عمر على زوجته أن تراجعه في أمر قالت له: عجبا لك يا ابن الخطاب، أما تحب أن تراجع في شيء، إن بنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان. فذهب إلى ابنته يسألها، فإذا هي تؤكد له ذلك. وكان كثيرا ما يوصي بالنساء خيرا ويقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» «1» ، وفي حجة الوداع أوصى بهن خيرا كما أسلفنا. وإن الإنسان ليعجب كيف وفّق النبي صلى الله عليه وسلم بين هؤلاء التسع وهنّ مختلفات في السن، والطبائع، والأخلاق والمشارب؟! ولكن النبي بسعة عقله، ورحابة صدره، وكرم أخلاقه أمكنه أن يحسن عشرتهنّ ويعدل بينهن، وأن يوفق

_ (1) رواه ابن ماجه.

بين رغباتهن، وأن يعشن عيشة الأخوات لا عيشة الضرائر، وإنها لبطولة حقا أن يكون عنده هذا العدد من الزوجات، ويقوم بأعباء الرسالة، وتكوين خير أمة، وأول دولة في الإسلام على خير ما يكون!!. والواحد منا تكون عنده الزوجة الواحدة، والعدد القليل من الأولاد، ومع هذا يكون في شغل شاغل، وفي حيرة من التوفيق بين حقوق زوجته وولده، والقيام بواجبات عمله على وجه مرضي، ولكنه النبي الذي وسع الناس جميعا بعقله وصدره وبره. وهن خيار نساء هذه الأمة، الحريصات على رضاء الله ورسوله. ومع كونهن بهذه المنزلة فلم تخل معاشرتهن للنبي صلى الله عليه وسلم من بعض مضايقات ومؤامرات، بسبب ما ركز في فطرة المرأة من الغيرة، وحب الاستئثار بالزوج. فمن ذلك أنهن اجتمعن على النبي ورغبن إليه أن يوسّع عليهن، وأن يكون لهن ما لنساء الملوك وأصحاب الثراء، وكان النبي قد أخذ نفسه وأهله وولده بالتقشف والتقلل من طيبات الحياة وزخارفها، وفرض على نفسه وعليهن لونا من ألوان المعيشة لا يتميز عن معيشة عامة الأمة، إن لم يقلّ، وهو صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين جميعا فليكن نساؤه كذلك قدوة لنساء الأمة، لذلك تألم النبي لمطالبهن، فاعتزلهن شهرا. ولما اعتزل النبي نساءه شاع ذلك، وعظم الأمر على الصحابة، فذهب الصدّيق أبو بكر إلى المشربة التي اعتزل فيها رسول الله، فإذا الناس جلوس محزونون، فاستأذن على رسول الله، فأذن له، ثم جاء الفاروق فاستأذن له، فوجدا النبي واجما ساكتا وحوله نساؤه، فقال أبو بكر: لأقولنّ شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة- زوجته- سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت «1» عنقها! فضحك رسول الله وقال: «هنّ حولي كما ترى يسألنني النفقة» .

_ (1) طعنتها في عنقها طعنا مؤلما.

فقام أبو بكر وعمر إلى ابنتيهما يزجرانهما ويقولان: لا تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، فتعهدتا بذلك، وبعد مضي مدة الاعتزال أنزل الله ايتي التخيير، قال عز شأنه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً «1» . فبدأ رسول الله بعائشة وقال: «يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألاتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك» قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الايتين. قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الاخرة، وأسألك ألاتخيّر امرأة من نسائك بالذي قلت، فأبى وقال: «لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها. إن الله لم يبعثني متعنتا، ولكن بعثني معلّما ميسرا» !! «2» ، ثم خيّرهنّ فكلهن اخترن الله ورسوله، رضي الله عنهن. وحادثة أخرى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى العصر دار على نسائه يلاطفهن ويؤانسهن بالمحادثة، وربما يطيل المكث عند بعضهن، فتأخذ الغيرة بنفوس بعضهن. فدخل ذات يوم على السيدة زينب بنت جحش، فمكث عندها وشرب عسلا، فتواطأت عائشة وحفصة أن أيتنا دخل عليها رسول الله فلتقل له: إني أجد منك ريح مغافير «3» - وكان النبي يكره الرائحة الخبيثة- فدخل على حفصة فقالت له ذلك، فقال: «بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، فلن أعود إليه، وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا» «4» .

_ (1) سورة الأحزاب: الايتان 28- 29. (2) فتح الباري ج 8 ص 422- 424، صحيح مسلم- كتاب الطلاق- باب أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية. (3) مغافير: جمع مغفور بضم الميم وهو صبغ له رائحة كريهة، وينضحه شجر يسمى: العرفط، بضم العين والفاء. (4) رواه البخاري ومسلم.

ولكنها لم تعمل بما أوصاها به وأخبرت بذلك عائشة، وفي رواية عند مسلم أن التي شرب عندها العسل حفصة، وأن اللاتي تظاهرن عائشة، وسودة، وصفية، وأنه لما أخبرهن بشرب العسل عند حفصة قالت كل واحدة منهن: جرست نحله «1» العرفط، وأنه لما عرضت عليه حفصة أن تسقيه عسلا مرة أخرى امتنع وقال: «لا حاجة لي به» والأول هو الأصح «2» ، وهو الأليق بسياق الاية. وفي الصحيحين عن عمر: أن المتظاهرتين هما عائشة وحفصة، وقد كانت هذه المؤامرة سببا في اعتزال النبي نساءه شهرا. وفي الصحيحين أن عمر لما أخبره جاره الأنصاري أن رسول الله اعتزل نساءه قال: رغم أنف حفصة وعائشة، وذهب إلى عائشة فذكّرها وحذّرها؛ ثم ذهب إلى ابنته فوبّخها وعنّفها، وقال لها: والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك، فبكت أشد البكاء. ثم قصد إلى رسول الله في مشربة له يرقى إليها بدرج وعلى الباب غلام اسمه رباح، فقال: يا رباح استأذن لي على رسول الله، فلم يأت رباح بجواب، فرفع صوته وقال: استأذن لي على رسول الله فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنّ أني جئت من أجل حفصة، والله لئن أمرني رسول الله بضرب عنقها لأضربن عنقها!! فأشار إليه الغلام: أن أذن لك، فدخل على رسول الله وما زال يلاطفه حتى تبسم. ثم نظر عمر في المشربة فوجد رسول الله على حصير قد أثر في جنبه، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وفيها قرظ مجموع، وأهب «3» معلّقة، وفرق من شعير، فبكى فقال رسول الله: «ما يبكيك يا عمر؟» فذكر كسرى

_ (1) جرست: أكلت. (2) صحيح مسلم بشرح النووي ج 1 ص 73- 93، صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة التحريم. (3) القرظ: يدبغ به الجلد. أهب بضم الهمزة والهاء وبفتحها جمع إهاب: وهو الجلد.

وقيصر وما هما فيه، وما رأى في المشربة فقال له: «يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الاخرة، أولئك قوم قد عجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا» «1» . فلما انقضى الشهر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه- معاتبا نبيه، ومخوفا ومحذرا نساءه- قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً «2» . فكفّر رسول الله عن يمينه. وتاب نساؤه إلى الله ورسوله. وكان عمر رضي الله عنه لما دخل على رسول الله فوجده مغضبا قال له: يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقال لنسائه: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) فنزلت الاية على ذلك، وعدّ هذا من موافقات عمر رضي الله عنه. وذكر النسائي وابن جرير وابن مردويه وغيرهم أن نزول صدر سورة التحريم كان بسبب تحريم مارية القبطية، ذلك أن حفصة كانت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أبيها فأذن لها، فأرسل إلى جاريته مارية وباشرها في يوم حفصة وعلى فراشها، فلما عادت وعلمت بما كان صارت تبكي وتقول: أما رأيت

_ (1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 10 ص 83؛ وفتح الباري، ج 10 ص 534. (2) سورة التحريم: الايات 1- 5. سائحات: أي صائمات.

لي حرمة؟ ما كنت لتصنع هذا بامرأة من نسائك!! فقال رسول الله: «أليست هي جاريتي أحلّها الله لي» ؟ ثم ترضّاها فأخبرها بأنها حرام عليه، وبأن الصدّيق وأباها سيتوليان الخلافة بعده وقال: «لا تخبري بذلك أحدا» . فلما خرج رسول الله قالت حفصة لعائشة: ألا أبشرك؟ إن رسول الله قد حرم أمته عليه، وقد أراحنا منها، وأخبرتها بما سيكون من شأن الخلافة، فلما علم رسول الله بما أفشته من سر غضب. واعتزل نساءه شهرا، ثم أنزل الله قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... الايات. والراجح ما في الصحيح، وأن ذلك كان بسبب تحريم العسل، وإن كان سياق الايات أليق بمسألة تحريم مارية، ويمكن أن تكون الايات قد نزلت بسبب تحريم العسل وتحريم مارية «1» ، فقد يكون سبب النزول حادثتين أو أكثر كما هو مقرر في أسباب النزول. هذه هي أهم الأحداث التي عكرت صفو حياة النبي الزوجية، وقد كانت أسبابا لتشريعات حكيمة في قران يتلى إلى يوم الدين، وفيما عدا هذه فقد كنّ مؤمنات، قانتات، تائبات، عابدات، صوّامات، وكن خير معينات له على طاعة ربه وتأدية رسالته، كما كنّ مصابيح إشعاع وهداية وعلم في حياة النبي وبعد وفاته، فرضي الله عنهن. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاطفهن ولا ينفك عن مؤانستهن والتبسّط معهن. ومن رفقه بهن أنه أتى عليهن وسواق يسوق بهن يسمى أنجشة، وكان يحدو للإبل فتنشط وتسرع بالسير، فربما يؤلمهن ويتعبهن، فقال له: «ويحك يا أنجشة، رويدك، سوقك بالقوارير» «2» .

_ (1) فتح الباري، ج 10 ص 533. (2) رواه الشيخان.

وروي أن من اخر ما نطق به قبل اللحوق بالرفيق الأعلى الوصية بالنساء. وقال: «حبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة» «1» . وحب الزوجة حب فطري، لأن فيه سكن النفس، وغذاء العاطفة، ورضا القلب، ومبعث هذا الحب الرحمة والشفقة، والرفق بالضعيف، لا مبعثه إرضاء الغريزة الجنسية، وإشباع الشهوة؛ وإلا فقد قضى شبابه مع زوجة واحدة مسنة تكبره بخمسة عشر عاما. وسئلت عائشة عما كان يصنع النبي في بيته قالت: (كان يكون في مهنة «2» أهله) يعني خدمتهم «3» . فكان يساعدهم ويعاون خدمه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويذهب إلى السوق ويحضر لهم طعامهم، ولا يرى في ذلك منقصة، ولا ما يغضّ من شرفه وقدره، ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرب امرأة، أو عبدا، أو خادما، أو شق عليه في شيء.

_ (1) رواه النسائي. وقد اشتهر هذا الحديث بلفظ: «حبب إليّ من دنياكم ثلاث ... » وزيادة ثلاث غير ثابتة، ومتن الحديث يردها لأن «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ليس من أمور الدنيا. (2) مهنة: بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيها: الخدمة، وقيل الحذق فيها. (3) رواه البخاري.

النبي الأب

النبي الأب وكما كان رسول الله الزوج المثالي المتسامح المتغاضي عن الهفوات، كان الأب الحاني العطوف الشفيق، وقد قدّمنا طرفا من حبه لبناته، وأبنائه، وحزنه لفقدهن، وبكائه عليهن بكاء الرحمة والشفقة، وتعهده لابنه إبراهيم، وذهابه إليه خارج المدينة كل يوم فيحمله ويشمه ويقبله. وكذلك كان يقبّل ولدي ابنته فاطمة ويشمهما ويقول: «هما ريحانتاي من الدنيا» «1» . ولما راه الأقرع بن حابس وهو يقبل الحسن قال: إن لي عشرة أبناء ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من لا يرحم لا يرحم» وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم أحد الأعراب فوجد النبي والصحابة يقبلون الأولاد فقال: أتقبلون أولادكم؟ فقالوا: نعم، فقال: والله ما نقبلهم، فقال الرؤوف الرحيم: «أو أملك لك أن الله نزع الرحمة من قلبك» !!. (وقد كان يصلي بأمامة بنت بنته زينب- رضي الله عنهما- يحملها على عاتقه، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) «2» . فأي مثل أروع من هذا في بيئة كانت تحب الذكور، وتبغض الإناث بل وتئدهن؟!. وكان النبي يخطب ذات يوم على المنبر فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويتعثران، فنزل النبي فحملهما ووضعهما بين يديه.

_ (1) كالشيء الطيب الريح الذي يشم، ويحب، ويقبل. والأولاد يشمون ويحبون ويقبلون، وهو من الكلام الموجز البديع الذي لم يسبق إليه صلى الله عليه وسلم فيما أعلم. (2) صحيح البخاري- كتاب الأدب- باب رحمة الولد، وتقبيله، ومعانقته.

وروي عن عبد الله بن الزبير أنه رأى الحسن بن علي يجيء والنبي ساجد فيركب رقبته، أو قال ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الاخر. وروي أن رسول الله كان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم: «أن دعوهما» «1» كما كان يلاعبهما إذا فرغ لهما. فهل رأيت في باب العطف والشفقة على الأبناء، وإشباع رغباتهم في اللهو واللعب أفضل وأسمح من هذا؟!. وكان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة يقوم لها ويقبلها ويقول لها: «مرحبا بابنتي» «2» ويجلسها على يمينه. وربما بسط لها ثوبه. فأي إكرام واحترام للأولاد يداني هذا؟! وكان يقول: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني» «3» فأي تأكيد لأواصر الحب والقربى فوق هذا؟!.

_ (1) الإصابة، ج 1 ص 329. (2) رواهما البخاري، و «بضعة» بفتح الباء أي قطعة. (3) رواهما البخاري، و «بضعة» بفتح الباء أي قطعة.

النبي الإنسان

النبي الإنسان لقد اتسمت حياته صلى الله عليه وسلم بالإنسانية، وقد قدمنا الكثير من المثل لإنسانيته الفائقة حتى مع الكفار والأعداء، وذلك في معرض الحديث عن العبر في غزوة بدر، وفي غزوة خيبر غنم المسلمون فيما غنموا صحائف من التوراة، فطلبها اليهود، فأمر بإعطائها إياهم وهو يعلم ما بها من تحريف وتبديل. وهذا غاية الإنسانية في احترام الشعور الديني للأعداء. وروى البخاري في صحيحه أنه مرّ عليه بجنازة فقام لها، فقالوا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي!! فقال: «أليست نفسا منفوسة» «1» ؟! فأي تكريم لبني ادم يسامي هذا؟!. وفي إحدى الغزوات وجد امرأة مقتولة فغضب وقال: «ما كانت هذه لتقاتل» ! ونهى عن قتل النساء والصبيان. وكان إذا بعث بعثا أو جيشا أوصاهم قائلا: «لا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا» «2» . وكان له خادم يهودي فكان إذا مرض عاده، فعاده مرة فعرض عليه الإسلام وأبوه حاضر فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم فقال: «الحمد لله الذي أنقذه من النار» «3» إلى غير ذلك مما تجده في ثنايا كتب الأحاديث والسيرة.

_ (1) رواه البخاري ومسلم. (2) رواه مسلم. والغلول: الخيانة في الغنيمة. الغدر: نقض العهد وعدم الوفاء به. ولا تمثلوا: المثلة: التمثيل بالعدو، وقطع الأطراف ونحوها. الوليد: الطفل. (3) رواه البخاري.

النبي المربي المعلم

النبي المربّي المعلّم وقد ذكرنا انفا قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثني متعنتا، وإنما بعثني معلّما ميسّرا» وقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال» «1» . وقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم حياة تربية وتعليم، وتأديب وتهذيب، وبحسبنا شاهدا على هذا أنه بعث إلى قوم يعبدون الأصنام، ويسفكون الدماء، ويعتدون على الأعراض والأموال، ويتظلمون، ويتعاملون بالربا، ويشربون الخمر، ويغشون الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويتفاخرون بالأحساب والأنساب، فلم يزل بهم يربيهم ويتعهداهم حتى صيّر منهم مواحدين أتقياء، وحكماء علماء، وحلماء رحماء، وإخوانا متحابين أصفياء، وكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس في عقيدتها وعبادتها، وعلمها وعملها، وأخلاقها وسلوكها. من كان يظن أن معاقل الوثنية في الجزيرة العربية تصبح منارات للتوحيد الخالص؟ ومن كان يظن أن العرب- وهم أشد الناس اعتزازا وتفاخرا بالأحساب والأنساب- يصبحون أكثر الأمم اعترافا بالمساواة وتطبيقا لها؟ حتى لقد تسنّى لبلال الحبشي العبد الأسود أن يكون أول مؤذن في الإسلام!! وحتى قال عمر بن الخطاب العدوي القرشي في الصدّيق ومولاه بلال: (هو سيدنا، وأعتق سيدنا) «2» ، وحتى عقل بلال خالد بن الوليد المخزومي القرشي بعمامته، تنفيذا لأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، واستسلم خالد له!! فلما أجاب عما

_ (1) رواه مالك وأحمد. (2) رواه البخاري.

طلبه سيدنا عمر أطلقه وأعاد إليه قلنسوته، ثم عمّمه بيده وقال: (نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخم ونخدم موالينا) «1» أي ساداتنا. بل من كان يظن أن المرأة تخرج من اليمن إلى الكعبة فلا يعرض لها أحد بسوء؟ وأن الخمر التي كانت ممتزجة بلحوم العرب ودمائهم «2» يتركونها أبدا بعد التحريم؟ وأن الربا الذي كان شائعا بين العرب يقضى عليه هذا القضاء؟!! إنّ هذا سر من أسرار إعجاز الرسالة المحمدية. لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأمة وسائل من أهمها القدوة، فقد كان أسوة حسنة في نفسه، وفي أهله وفي بيته، وفي كل تصرفاته، فمن ثمّ أثمرات تربيته أيما إثمار. وكان رسول الله يربّيهم تارة بالقول، وتارة بالعمل، وتارة بهما معا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» «3» ، وقال: «خذوا عني مناسككم ... » «4» ، وقال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبّك بين أصابعه تبيينا للقول بالفعل. ولم تكن هذه التربية قصرا على الرجال، فقد رغب إليه النساء أن يجعل لهن يوما خاصا يعظهن ويعلمهن فيه، ففعل، وقد تخرج في مدرسة النبوة نساء بلغن الغاية في العلم، والعمل، والحكمة. وكذلك لم تكن قصرا على الكبار، بل استفاد منها ونشأ عليها الصبيان والفتيان والفتيات، وكان في تربيته يتدرج معهم، ويتخولهم بالموعظة والتعليم أياما دون أيام، كراهية السامة منهم والمشقة عليهم، روى ذلك البخاري في الصحيح «5» .

_ (1) أشهر مشاهير الإسلام، ج 2 ص 451. (2) لقد بلغ من حبهم الخمر أن قال قائلهم: إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا مامت ألاأذوقها (3) رواه البخاري. (4) رواه مسلم. (5) صحيح البخاري- كتاب العلم.

وكان من أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقي عليهم بعض الأسئلة التي تحتاج الإجابة عنها إلى علم وذكاء وفطنة، شحذا لأذهانهم على التفكير، واختبارا لذكائهم، وتنشيطا لهم، وذلك مثل قوله: «إنّ من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، ولا ينقطع نفعها، وإنها مثل المسلم، حدّثوني ما هي؟» قال ابن عمر: (فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة) ولكنه استحيى أن يجيب احتراما لكبار الصحابة، ولما أخبر أباه بهذا بعد قال له: لأن كنت قلتها أحب إليّ من أن يكون لي حمر النّعم. وقد استرعى انتباه الكاتبين من فلاسفة الغرب في تاريخ الحضارات وارتقاء الشعوب، أن الأمة الإسلامية طفرت طفرة واحدة في زمن وجيز على خلاف العادة والمعروف، وعجبوا لهذا، ولو أنهم وضعوا في حسبانهم أن المربّي هو النبي المؤيد بالايات، والمثل الأعلى للمربين، والهداة والمرشدين، وأن عماد هذه التربية هو القران معجزة المعجزات- لزال العجب، ولعلموا أن هذا من إعجاز القران الاجتماعي والأخلاقي، إلى جانب إعجازه العلمي والبياني، وإلا فلن يستطيعوا أن يعلّلوا ذلك بمقتضى النظر المادي. لقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم من شأن العلم والعلماء حينما قال كما قال الله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وقال: «العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» «1» . ورفع من شأن المربين والمصلحين حينما قال لعلي رضي الله عنه: «فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» «2» . وبحسب العلماء والمربين والمعلمين هذا التقدير من إمام العلماء وقدوة المربين.

_ (1) رواه أبو داود والترمذي. (2) رواه الشيخان.

النبي مع ربه

النبي مع ربه وكان صلى الله عليه وسلم أعرف الناس بربه، وأعلمهم بجلاله وكماله وصفاته، فمن ثمّ كان أشدهم تقوى، وأكثرهم عبادة، وقياما لليل. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطّر قدماه، فقلت: يا رسول الله لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ؟! فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا» «1» ؟! وقالت: (كان عمل رسول الله ديمة «2» ، وأيكم يستطيع) وقالت: (كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم) «3» . وكان الله سبحانه أمره في مبدأ أمره أن يقوم الليل إلا قليلا، قال تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «4» . فكان قيام الليل واجبا محتوما، قيل عليه، وقيل: عليه وعلى أمته، ثم خفّف عنه، فنسخ الوجوب وصار مندوبا. ولم يحدد للقيام وقت محدود، بل ترك ذلك إلى القدرة والاستطاعة، قال عز شأنه:

_ (1) رواه البخاري. (2) المراد المواظبة على الطاعة، والعبادة في جميع أوقات العام، لا أنه يواصل الليل بالنهار بدليل الحديث الذي بعده وغيره. وديمة: بكسر الدال. (3) رواهما البخاري. (4) سورة المزمل: الايات 1- 4.

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ الاية «1» . وقال: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «2» . ومع هذا كان دائم العبادة والتهجد، وكان دائم التذكر لله، والتفكر في خلق الله والائه، لا يغيب قلبه عن الله، فإن حصل من ذلك شيء بسبب شواغل الدنيا وهمومها استغفر الله تعالى، وهذا هو المراد بقوله: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» رواه مسلم، وفي رواية البخاري: «أكثر من سبعين مرة» . ومع عبادته وتقواه كان أبعد الناس عن التشدد والمغالاة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخّص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه، وتنزّهوا عنه فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال: «ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخّصت فيه فكرهوه، وتنزّهوا عنه، فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية» «3» ، وفي حديث اخر له قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا، وهم المتشددون في غير موضع التشديد. وكان دائم الدعاء لله ولا سيما إذا اشتد الكرب، وتأزمت الأمور، وقد قدمنا لك دعاءه في بدر وأحد والأحزاب وغيرها، كما كان دائم الشكر لله، لا يطغيه النصر، ولا تبطره النعمة. وما كانت تشغله عبادته عن دنياه، ولا دنياه عن عبادته، وهكذا راعى رسول الله الفضيلة والوسطية في العبادة، وكان الأنموذج الكامل للمسلم السمح

_ (1) سورة المزمل: الاية 20. (2) سورة الإسراء: الاية 79. (3) رواه مسلم.

الكريم، وليس أدل على هذا من هذه القصة: روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما- واللفظ للبخاري- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها «1» ، فقالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا «2» !! وقال اخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر!! وقال اخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا!! فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي «3» فليس مني» ) . وفي رواية مسلم: (فقال بعضهم: لا اكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش) ، وفي الصحيحين أيضا عن سعد بن أبي وقاص قال: (ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل «4» ، ولو أجاز له لاختصينا) «5» . وهذا هو المنهج الوسط، الذي جاءت به الشريعة الوسط؛ للأمة الوسط التي هي خير أمة أخرجت للناس. والإسلام ليس دين رهبانية، فالرهبانية لا تليق بعمارة الكون، وليست من سنن الأنبياء، والذين اتبعوا الرهبانية من اليهود والنصارى ابتدعوها من عند أنفسهم، قال تعالى:

_ (1) تقالّوها: بتشديد اللام المضمومة: أي استقلوها. (2) هو قيد لليل لا لأصلي. (3) السنة: الطريقة المشروعة، وليس المراد السنة التي تقابل الفرض. (4) التبتل: ترك النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة. (5) الاختصاء: نزع الأنثيين حتى يفقد القدرة الجنسية.

وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها «1» . فهم مع ابتداعهم لها قصدوا ابتغاء رضوانه بالمبالغة في العبادة، فلم يقوموا بحقها ولم يلتزموا بما ألزموا به أنفسهم. والإسلام- وهو الدين العام الخالد الصالح لكل زمان ومكان، ولإصلاح الدنيا والاخرة- لا يتفق والرهبانية، وهي نوع من التنطّع في الدين، وقد نبههم رسول الله كما سمعت، وفي رواية الطبراني أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه لمّا قال للنبي: ائذن في الخصاء، قال له: «إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة» وفي رواية أخرى أرشده إلى علاج ما يعاني من مشقة العزوبة فقال له: «لا، ولكن عليك بالصوم» وصدق الله في وصف الأمة المحمدية حيث قال: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «2» .

_ (1) سورة الحديد: الاية 27. (2) سورة البقرة: الاية 143.

النبي مع أصحابه

النبي مع أصحابه وكان صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما بهم، يتعهد حاضرهم، ويسأل عمن غاب منهم، ويسلّم عليهم، ويشمّت عاطسهم، ويواسي فقيرهم، ويعين ضعيفهم، ويشاركهم في السراء والضراء، ويعود مريضهم، ويشيّع ميتهم، ويكسو عاريهم، ويشبع جائعهم، ويرعى أراملهم، وأيتامهم، ويجالس فقراءهم والأعبد منهم، ويحنّك أطفالهم، ويبارك عليهم، ويداعب صبيانهم ليدخل السرور على نفوسهم. ما رؤي مادّا رجليه بينهم، ولا عابسا في وجه أحد منهم، ولا استأثر عليهم بشيء لنفسه ولا لأهله، ولما عرض عليه صاحباه في ركوب البعير في غزوة بدر أن يعفياه من نوبته في المشي أبى، وقال: «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما» . وكان مع أصحابه في سفر، فذبحوا شاة، فقال واحد منهم: عليّ ذبحها، وقال الاخر: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال رسول الله: «وعليّ جمع الحطب» فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك العمل، فقال: «علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم، وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه» ، وفي حجة الوداع ذهب ليشرب من السقاية، فأراد عمه العباس أن يميزه بشراب خاص من البيت، فأبى وقال: «لا أشرب إلا مما يشرب منه الناس» . وكان كذلك لا يميز أهله بشيء، ففي قصة المخزومية التي سرقت، وأرادوا أن يشفعوا في عدم إقامة الحد عليها قال: «وايم الله: لو أن فاطمة بنت

محمد سرقت لقطع محمد يدها» «1» ، ولما جاءت ابنته فاطمة تطلب منه خادما من السبي وقد مجلت «2» يداها من الرحى والعمل، أبى وعلّمها وزوجها دعوات يدعوان بها عند النوم وقال: «لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم» «3» . وروى أصل القصة البخاري «4» . وكان يستعين بالخاصة على العامة ويقول: «أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغي، فإنه من أبلغ حاجة من لا يستطيع إبلاغها امنه الله يوم الفزع الأكبر» وكان لا يأخذ أحدا بذنب أحد، ولا يصدّق أحدا على أحد، وروي عنه أنه قال: «لا يبلّغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» . فهل رأيت في باب الحرص على الوقوف على أحوال الأمة، وإزالة شكاواها، وقطع باب السعاية والوشاية بالرعية أبلغ من هذا؟!! فلا عجب وهذا بعض ما كان يعامل به أصحابه أن أحبوه أكثر من حبهم أنفسهم، وأن فدوه بابائهم وأمهاتهم وأنفسهم، حتى شهد بذلك الأصدقاء والأعداء.

_ (1) رواه الشيخان. (2) السبي: ما يؤخذ في الحرب من رجال ونساء. مجلت: امتلأت بثورا من إدارة الرحى وكثرة العمل. (3) رواه أحمد. (4) صحيح البخاري- كتاب النكاح- باب عمل المرأة في بيت زوجها.

النبي الرؤوف الرحيم

النبي الرؤوف الرحيم وأما رحمته وشفقته على جميع الخلق فحدّث عنها ولا حرج، وبحسبه شرفا أن الله وصفه باسمين من أسمائه فقال: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، وقد اذاه قومه وعشيرته أشد الإيذاء، فوضعوا الشوك في طريقه، والقذر على بابه، وحاولوا خنقه وقتله، ووطئوا رأسه وهو يصلي، ووضعوا سلا الجزور على ظهره، ومع ذلك كان يقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» . ولما ذهب إلى ثقيف داعيا إلى الإسلام، فأبوا وأغروا به الصبيان والسفهاء حتى أدموا عقبه، أرصد الله له في الطريق وهو راجع ملكا من ملائكته، وعرض عليه أن يهلكهم، فأبى وقال: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا» «1» ، وفي رواية: فقال له جبريل: «صدق من سمّاك الرؤوف الرحيم» . ومن المثل الرائعة في هذا ما رواه البزار بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه في شيء- قال عكرمة أراه قال في دم يعني دية- فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم قال: «أحسنت إليك؟» قال الأعرابي: لا، ولا أجملت!! فغضب بعض المسلمين، وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن كفّوا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، وزاده شيئا، وقال: «أأحسنت إليك؟» فقال الأعرابي:

_ (1) رواه الشيخان.

نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك قلت ما قلت وفي نفسي أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك» قال: نعم، فلما كان الغد أو العشية جاء، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك» قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا!! فقال صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتّبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها: خلّوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه إليها وأخذ لها من قمام الأرض ودعاها، حتى جاءت واستناخت، وشدّ عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه دخل النار «1» » وسند القصة وإن كان فيه راو ضعيف إلا أنه يؤخذ به في باب الفضائل. وفي الحق أن هذا الحديث فيه نور من نور النبوة، وروعة في التمثيل لا يقدر عليها، ولن يكون مصدرها إلا النبي صلوات الله وسلامه عليه، ومع كون المثل ليس بالأمر الغريب عن البيئة العربية، إلا أن النبي الفصيح البليغ ألبسه ثوبا قشيبا حتى بدا غاية في الروعة وغاية في التأثير، هذا إلى ما بين الممثّل به، والممثّل له من التطابق البديع، والتوافق العجيب!!. ومن رحمته بأمته تخفيفه وتسهيله عليهم وكراهته المواظبة على بعض السنن كالتراويح مخافة أن تفرض عليهم، وكراهته كثرة سؤالهم حتى لا يكون سببا في تحريم ما سكت الله عنه رحمة بهم، وقد شملت رحمته المؤمن والكافر، والصديق والعدو، والإنسان والحيوان والطير، ولما قالوا له: إنّ لنا في البهائم لأجرا؟ قال: «في كل كبد رطبة أجر» ونهى، بل (لعن من اتخذ الحيوان غرضا) «2» ، وكان من رحمته أنه يميل الإناء للهرة لتشرب منه، ومرض ديك له فقام على تمريضه،

_ (1) الشفاء، ج 1 ص 96، تفسير ابن كثير والبغوي ج 4 ص 276 ط المنار. (2) رواهما الشيخان.

وقال: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» «1» ، وكذلك شملت رحمته الإنس والجن وصدق الله حيث يقول: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. ومن كل ذلك- وغيره أكثر منه- يتبيّن لنا شفقته صلى الله عليه وسلم على الأمة، وحرصه البالغ على حياتهم، وإرشادهم إلى الصراط المستقيم، وإلى تحصيل السعادتين الدينية والدنيوية، وإنا لنلمس هذا المعنى الجليل في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل أمتي، كمثل رجل استوقد نارا، فجعل الفراش والدواب يقعن فيها، وجعل يحجزهن، ويغلبنه، ويتقحّمن فيها، فهذا مثلي ومثلكم، فأنا اخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحّمون فيها» «2» وإنها لروعة في التمثيل مع البساطة لا ينقضي منها العجب!!.

_ (1) رواه الشيخان. وخشاش الأرض بفتح الخاء: دوابها وهوامها. (2) رواه الشيخان.

النبي البطل الشجاع

النبي البطل الشجاع وأما الشجاعة والنجدة، والقوة والثبات في وجه الموت، فقد كان صلى الله عليه وسلم منها بالمكان الذي لا يجهل، والمنزلة التي لا تدفع، وقد بلغ من قوته أنه صارع ركانة ابن يزيد فصرعه، وما صرعه أحد قط، فكان هذا سبب إسلامه. وقد حضر المواقف المشهورة، وفرّ الكماة والأبطال عنه غير مرة وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، وما من شجاع إلا وقد أحصيت له فرّة، وحفظت عنه جولة «1» سواه. ولعلك على ذكر مما ذكرناه عن ثباته في أحد، وحنين، ووقوفه في فم الموت في بدر وغيرها. عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت، فاستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت على فرس لأبي طلحة في عنقه السيف وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» ) «2» . وقال علي رضي الله عنه: (إنا كنا إذا حمي البأس، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس بأسا) «3» وأعظم بها من شهادة من مثل علي!!.

_ (1) في القاموس: وجال القوم جولة: انكشفوا ثم كروا، فالمعنى تقهقر وانكشاف. (2) رواه الشيخان. (3) رواه أحمد.

وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شجاعته وبطولته الجسمانية الشجاعة النفسية والبطولة الروحية، وإنا لنلمس هذا في قوله لعمه أبي طالب وقد قال له: (يا ابن أخي أبق علي وعلى نفسك) فظنّ أن عمه خاذله، فقال قولته المشهورة: «والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته» وأخذت هذه العظمة النفسية بنفس أبي طالب وبهرته، فما كان منه إلا أن قال له: (اذهب فقل ما أحببت، فو الله لن أسلمك لشيء أبدا!!) وفيما قدمناه في كتابنا من شجاعة النبي وبطولته الشيء الكثير. ومع هذه الشجاعة الفائقة قد كان رؤوفا رفيقا بالناس رحيما بهم، رقيق القلب، تجري دموعه رقة ورحمة، فقد كان إذا رأى سيدنا مصعب بن عمير، وهو يلبس خلق الثياب، مع أنه ترعرع في أحضان النعيم، ولكن اثر الشقاء مع الإيمان، على النعيم في الكفر- بكى!!. ولما أذن الله في زيارة قبر أمه، «بالأبواء» بكى وأبكى من حوله، ولما مات ولده إبراهيم بكى وقال: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ، ولما قال له عبد الرحمن بن عوف، وقد راه يبكي: (وأنت يا رسول الله؟!) قال: «يا ابن عوف، إنها رحمة» !! ولما ذهب النبي وأصحابه إلى سعد بن عبادة يعوده في مرضه، وقد غشي عليه، فبكى، وبكى معه أصحابه، وقال: «إن الله لا يؤاخذ بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يؤاخذ بهذا» وأشار إلى لسانه، وقال في موقف اخر: «إنها- الدمعة- رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» «1» .

_ (1) صحيح البخاري- كتاب الجنائز- باب البكاء عند المريض، وباب يعذب الميت ببكاء أهله عليه.

النبي الوفي بالعهد

النبي الوفي بالعهد وكان صلى الله عليه وسلم أوفى الناس بالوعد، وأرعاهم للعهد، وأوصلهم للرحم قبل النبوة وبعدها، وقد عاهد اليهود والمشركين فما نقض العهد، ولا عرف منه الغدر، ولما توفيت السيدة الجليلة خديجة كان دائم الذكر لها، والثناء عليها حتى كانت عائشة تغار من ذلك، وكان يحب حبيباتها ويبرّهنّ، فكان يذبح الشاة، ويقطعها، ويقول: «أرسلوا إلى صديقات خديجة» «1» . وكانت تستأذن عليه هالة بنت خويلد أخت خديجة فيهش لها، وترتاح نفسه، لأن صوتها يذكره بصوت الحبيبة الغائبة خديجة، وجاءته ذات يوم امرأة عجوز من صويحبات خديجة، فصار يسألها عن أحوالها، وما صارت إليه، ولما خرجت قالت له عائشة: تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: «إنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» «2» . وكان يوصي بالوفاء ورعاية العهد حتى للحيوان، وقد قدمنا لك قصة المرأة التي ركبت ناقة فنذرت إن نجاها الله عليها لتذبحنها، فلما أخبرته قال: «بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها، ثم تنحرينها» !! فهل رأيت مثيلا لهذا في تاريخ البشرية؟!.

_ (1) رواه البخاري. (2) رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.

وكما وفى للأحبّاء والأصدقاء، وفى للأعداء، فقد عاهد اليهود ووفى لهم، ولكنهم هم الذين نقضوا العهد، ولا سيما لما تحزّب الأحزاب، وعاهد المشركين في الحديبية ووفى لهم، ولقد جاءه أبو جندل وأبو بصير مسلمين، فردّهما تنفيذا لشروط العهد على كره منهما ومن المسلمين، حتى جعل الله لهما فرجا ومخرجا. ولما دخل مكة عام عمرة القضاء، وقضى بها ثلاثة أيام ليس معهم إلا السيوف في الأغماد، جاء المشركون إليه كي يخرج، فأبى بعض المسلمين عليهم، ورغب إليهم الرسول أن يدعوه حتى يعرس بالسيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية، فيأكل المسلمون ويأكلون معهم، فأبوا، فأمر رسول الله أصحابه بالانصراف وفاء بالعهد، ودخل بها «بسرف» «1» . بل بلغ به وفاؤه أن أمر بدفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام، والد جابر، شهيدي أحد في قبر واحد، لأنهما كانا متصادقين في حياتهما الدنيا. وقد كان هذا الوفاء الذي وثّقه الإسلام وزاده امتدادا لوفائه في الجاهلية، لقد عاهد رجلا أن يلقاه في مكان كذا، فمكث ثلاثة أيام يذهب إلى هذا المكان ثم قال: «لقد شققت علي يا رجل، أنا أنتظرك هنا منذ ثلاث» . وكان صلى الله عليه وسلم أوصل الناس لرحمه وذوي قرابته، ولكن ما كان يؤثرهم على من هم أولى منهم، وكان يقول: «إنّ ال أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله، وصالح المؤمنين، غير أن لهم رحما سأبلّها ببلالها» «2» .

_ (1) سرف: مكان قريب من مكة. (2) أي سأصلها بحقها علي، وقد شبه النبي القطيعة بالحرارة التي تجفف ما بين الناس من صلات، والصلة بالماء التي يبردها، ويطفئها، ويرطب ما جف من علاقات. وهو من المجازات النبوية البديعة التي لم يسبق إليها فيما أعلم. والحديث رواه الشيخان.

النبي العفو الحليم

النبي العفو الحليم وأما الحلم والاحتمال، والصبر على ما يكره، والعفو والصفح والإغضاء، فكل ذلك مما أدّب الله نبيه صلى الله عليه وسلم به، قال له: خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وقد فسرها جبريل عن رب العالمين فقال: «إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك» . وقال سبحانه: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ «1» . وقال عز شأنه: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «2» . فلا عجب أن كان كالبحر العذب الذي لا يعكره ما يلقى فيه من أحجار، ولا تنزفه الدلاء، وما من حليم صبور إلا وقد عرفت عنه زلة، وحفظت عنه هفوة ما عداه صلى الله عليه وسلم، لا يزيده كثرة الأذى إلا صبرا، ولا إسراف الجاهل إلا حلما، «وما انتقم لنفسه قط، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله عز وجل، فينتقم لله» «3» . وقد قدمنا في فصل رحمته طرفا من عفوه، كما قدمنا في السيرة عفوه عن غورث بن الحارث حتى كان سببا في إسلامه، وعفوه عن أهل مكة الذي صار

_ (1) سورة الشورى: اية 40. (2) سورة الشورى: اية 43. (3) رواه مسلم.

مثلا فريدا في الأولين والاخرين، وإبائه على من عرض عليه قتل ابن أبيّ رأس النفاق أن يقتله قائلا: «كيف يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» ، بل وإبائه على ابنه عبد الله أن يقتل أباه قائلا له: «بل نحسن صحبته ما دام بيننا» . ومن القصص الرائعة في هذا ما روي أن زيد بن سعنة جاءه قبل إسلامه يتقاضاه دينا عليه لم يحن أجل أدائه، فجبذ ثوبه عن منكبه، وأغلظ له في القول ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل «1» فانتهره سيدنا عمر وشدّد له القول، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، ثم قال: «أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر، تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي» ، ثم قال: «لقد بقي من أجله ثلاث» ، ثم أمر عمر أن يقضيه ما له ويزيده عشرين صاعا لما روّعه. وقد أثر هذا الموقف الفريد، وهذا الحلم الفائق في نفس زيد فكان سبب إسلامه، وكان يقول: ما بقي من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في محمد إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله «2» ، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما، فاختبرته بهذا فوجدته كما وصف!!. وهذا شيء فوق العدل، لأن العدل أن يقتص منه، وأن يفعل بزيد مثل ما فعل بالرسول الكريم، والعدل- أيضا- أن يقضيه حقه فحسب، لا أن يزيده عشرين صاعا، وليس ترويع الفاروق عمر رضي الله عنه زيدا بأعظم من ترويع زيد النبي صلوات الله وسلامه عليه، على الفرق الشاسع ما بين مقام النبي ومقام زيد، ولكنه النبي الحليم الذي يسبق حلمه غضبه، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما!!.

_ (1) مطل: بضم الميم وسكون الطاء: جمع أمطل، والمطل بفتح الميم: التسويف في الدين والعدة. (2) يعني غضبه، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يجهل، فمقابلته السيئة بالسيئة ليس جهلا.

وجاءه أعرابي ذات يوم فجبذه جبذة شديدة حتى أثّرت حاشية «1» الثوب في صفحة عاتقه. ثم قال: يا محمد، احمل لي على بعيريّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا من مال أبيك!! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: «المال مال الله وأنا عبده» !! ثم قال: «ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي» قال: لا، قال: «لم» ؟ قال: لأنك لا تكافىء السيئة بالسيئة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وسرّ من جوابه، وأمر أن يحمل له على بعير شعير، وعلى الاخر تمر.

_ (1) طرفه وجانبه من عند عنقه.

النبي الكريم الجواد

النبي الكريم الجواد وأما الجود والكرم والسخاء والسماحة فكان صلى الله عليه وسلم لا يوازى في هذه الصفات ولا يبارى، عن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس. وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القران، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) «1» . وما سئل شيئا قط فقال: لا. وكان جوده عن كرم في الطبع، وسماحة في النفس، وثقة في سعة خزائن الله، روى الإمام مسلم عن أنس (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه إياها، فأتى قومه فقال: أي قوم أسلموا، فو الله إن محمدا ليعطي عطاء من لا يخشى فاقة الفقر) . وكان رسول الله يعلم أن بعض الناس عبيد إحسان، فكان يعطيهم يتألفهم بذلك، ثم لم يلبثوا أن يصيروا من خيار المسلمين. روي عن أنس قال: (إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها) ، ويوم حنين تألف بعض حديثي العهد بالإسلام حتى أضحوا من المخلصين. وقد روي أنه (أعطى صفوان بن أمية وهو مشرك، وما زال يعطيه حتى صار رسول الله أحب الناس إليه) «2» . ويوم حنين أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري، وأبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية كل واحد مائة من الإبل، ومالك بن عوف مائة، وأعطى اخرين، وأعطى العباس بن مرداس دون المائة

_ (1) رواه الشيخان. (2) رواهما مسلم.

فأنشأ يقول في ذلك شعرا ذكرناه فيما سبق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقطعوا عني لسانه» فأكملوا له المائة. وما كان هذا- علم الله- إسرافا، ولكنها سياسة شرعية قصد بها النبي تأليف هؤلاء الذين لم يلبثوا أن صاروا من أخلص الخلصاء للإسلام، وكان لهم في نشره جهاد مشكور، وقد أراد النبي صلوات الله وسلامه عليه أن يبين لهم أن المال أهون شيء عليه، فهو ليس بطالب مال، وإنما طالب إيمان، ومقيم دين، وصانع رجال، وأنه لا أرب له في اكتناز الأموال، ولو كان عنده مال بعدد رمال الصحراء لما بخل به عليهم، لأنه ليس من خلقه الشح، عسى أن يعتبروا، ويستعفوا عن مال المسلمين. ومن قبل أعطى حكيم بن حزام فاستزاد فأعطاه، فاستزاد ثم قال له: «يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع..) وقد أثر الدرس في نفس حكيم، فالى ألايأخذ من أحد شيئا بعد الرسول حتى توفاه الله، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يعرضان عليه عطاءه، فيأبى أخذه. وجاءه عليه الصلاة والسلام رجل فسأله فقال: «ما عندي شيء، ولكن ابتع علي «1» فإذا جاءنا شيء قضيناه» فقال له عمر: ما كلّفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي ذلك، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «بهذا أمرت» «2» . وكذلك كان شأنه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، مما يدل على أن خلق الكرم والسخاء متأصل فيه، ففي حديث عائشة في بدء الوحي أن خديجة رضي الله عنها قالت له: (ما كان الله ليفعل بك، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر) «3» والأخبار عن جوده أكثر من أن تحصى.

_ (1) ابتع علي أي اشتر واجعل الثمن دينا علي. (2) رواه الترمذي في الشمائل. (3) رواه الشيخان.

النبي الزاهد

النبي الزاهد حقيقة الزهد في الدنيا إنما هو في الترفع عن زخارفها، وعصمة النفس من التوسع فيها مع القدرة على ذلك، لا عن تعنت وتحريم لما أحل الله من الطيبات، ولكن عن تنزه أن يكون الإنسان عبد أهوائه وأسير شهواته وملذاته، وهذا هو زهد الأنبياء والمرسلين، والصدّيقين والصالحين. أما عدم التمتاع والتوسع فيها عن عجز وفاقة فلا يسمى زهدا. وقد كان زهد رسول الله في الدنيا زهد القادر المستطيع، فقد أوتي مفاتيح خزائن الأرض، وأحلّت له الغنائم ولم تحل لأحد من الأنبياء قبله، وفتح عليه في حياته بلاد الحجاز واليمن، وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق، وجلب إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يحصى، وهاداه جماعة من الملوك، والأمراء، فما استأثر بشيء منه، ولا خرج عن طبيعته من التقشف والتقلّل في المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، إلى غير ذلك مما لا يعتبر التوسع فيه فضيلة. روي عن عائشة: (أنه ربما يمر بهم الهلال والهلالان ولا يوقد لهم نار في بيت، وليس لهم طعام إلا الأسودان: الماء، والتمر) «1» . (وخرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وما أكل خبزا مرقّقا حتى مات) «2» .

_ (1) رواه الشيخان. (2) رواه البخاري.

ومع هذا فقد كان يأكل اللحم، ويؤتى له بالشاة المصلية- المشوية- فيجتز منها بالسكين، ويحب الحلواء والعسل، ويذهب إلى بئر عذبة لأبي طلحة فيشرب منها، بل كان يستعذب له الماء من بيوت السّقيا على أميال من المدينة، وكان يلبس الغليظ والخشن من الثياب، ومع هذا يلبس البرود اليمنية، والجبب الشامية، وكانت له حلّة حسنة يستقبل بها الوفود ويحضر بها الأعياد والجمع. وكل ذلك من غير سرف ولا مخيلة، فقد كان الغالب من أحواله التقلل والقصد، وهذه هي الفضيلة حقا، والنفوس الكبيرة هي التي تفرض سلطانها وإراداتها على الحياة، وتأبى أن يكون لشيء في الدنيا سلطان عليها، والتي تجد غناها من أنفسها لا من شيء خارج عنها، وفي القمة من هؤلاء أولو العزم من الرسل ولا سيما خاتمهم عليه وعليهم الصلاة والسلام. ومع كثرة ما جلب إليه من الفتوح والنصر لم يتحول عن خلقه، ولم يحتجز لنفسه ولا لأهله إلا ما يقوم بالضرورة، ولم يتأثّل مالا، بل صرفه في مصارفه، وأغنى به غيره، وقوّى به المسلمين، وكان يقول: «ما يسرني أن لي أحدا ذهبا يبيت عندي منه دينار، إلا دينارا أرصده لديني» «1» ، وأتته دنانير مرة فقسمها، وبقيت منها ستة فدفعها لبعض نسائه فلم يأخذه نوم حتى قام وقسمها، وقال: «الان استرحت» ، فلا تعجب إذا كان «مات ودرعه مرهونة عند يهودي نظير ثلاثين صاعا من شعير» «2» . وهكذا زهد في التوسع في الماكل والمشارب، ليشبع الناس، ولبس الخشن والغليظ ليكتسي الناس، وسكن في حجر من الطين واللبن ليجد الناس المسكن الذي يؤويهم، ويقيهم الحر والبرد، ولو أراد أن يكون له إيوان كإيوان كسرى، أو قصور كقصور الروم بالشام، أو التبابعة باليمن لفعل ولكن كيف؟! وهو المثل

_ (1) رواه البخاري ومسلم. (2) رواه البخاري.

الأعلى لكل من يأتي بعده من الخلفاء والملوك والأمراء، والقدوة الحسنة لكل من يقصد العدل والفضيلة في الحكم، والرخاء للأمم والشعوب. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة- مات على ما سمعت، وها هم ملوك المسلمين ورؤساؤهم وحكامهم يعيشون عيشة البذخ والإسراف، فما بالك لو أن رسول الله توسّع ولو بعض التوسع، وترك ولو بعض المال؟! لو كان لكان الحال أدهى وأعظم، والأمر أطمّ وأمرّ.

النبي الحيي

النبي الحييّ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها «1» ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه) ، وقالت عائشة رضي الله عنها: (لم يكن رسول الله فاحشا ولا متفحّشا، ولا سخابا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح) . وكان لا يواجه أحدا بما يكره حياء وكرم نفس، عن أنس قال: (دخل عليه رجل به أثر صفرة، قال: وكان رسول الله لا يكاد يواجه أحدا بشيء يكرهه، فلما قام قال للقوم: «لو قلتم له يدع هذه الصفرة» ) . «2» وكان إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال فلان قال كذا أو فعل كذا ولكن يقول: «ما بال أقوام يقولون كذا أو يفعلون كذا» وهذا لعمر الحق أسلوب جليل في التربية واستماع النصيحة، وكان يقول: «الحياء من الإيمان» و «الحياء لا يأتي إلا بخير» «3» . ومع هذا فقد كان يغضب ويواجه بالحق إذا انتهكت حرمات الشرع، وينتصر لدين الله، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه

_ (1) العذراء: البنت البكر. الخدر: ما تستتر فيه المرأة من بيت ونحوه. (2) رواه الترمذي في الشمائل. (3) رواهما الشيخان.

شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى) «1» وعنها قالت: (ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى) وهذا يدل على أن حياءه عن المواجهة فيما عدا ذلك مما تركه أفضل وأورع، أو فيما كان من حق نفسه تسامحا وتغاضيا، وأما حق الله وحق العباد فلا.

_ (1) رواه مسلم.

النبي المتواضع

النبي المتواضع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعا وأبعدهم عن الكبر والخيلاء، وحسبك في هذا أنه خيّر بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار الثاني، وخرج على أصحابه ذات يوم فقاموا له، فقال لهم: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا» ، وقال: «إنما أنا عبد، اكل كما يأكل العبيد، وأجلس كما يجلس العبيد» «1» ، ويقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله» «2» . وكان يأكل مع العبد والخادم ويحمل حاجته من السوق، ولما أراد أبو هريرة أن يحمل عنه شيئا اشتراه قال له: «صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله» وكانت تقابله المرأة في سكك المدينة فتستوقفه فيقف حتى يقضي لها حاجتها. وعن أنس قال: (إن كانت الأمة- الجارية- من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حتى يقضي حاجتها) «3» . وكان يركب البعير، والحمار، ويردف وراءه غيره، ولا يقبل أن يسير أحد وراءه وهو راكب، وحجّ على رحل رثّ، وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، وقال: «اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة» «4» . ودخل عليه رجل فأصابته

_ (1) رواه أبو داود. (2) رواه الترمذي في الشمائل. (3) رواه البخاري. (4) رواه الترمذي في الشمائل.

من هيبته رعدة فقال له: «هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» أي اللحم المشقّق المجفف. وقد فتحت عليه الدنيا ودانت له الجزيرة كلها فما أخرجه ذلك عن تواضعه وخلقه، ولما دخل مكة فاتحا منتصرا طأطأ رأسه حتى لتكاد تمس مقدمة الرّحل تواضعا لله تعالى، إلى غير ذلك من الأخبار الصحاح والحسان، التي زخرت بها كتب الحديث، والسير، والشمائل المحمدية. وشيء اخر لا نكاد نجد له مثيلا في تاريخ الدنيا، وهو أدبه صلى الله عليه وسلم مع إخوانه الأنبياء والمرسلين، فقد بلغ به التواضع، وهضم النفس، والإقرار بالفضل لذويه أن يظهر بعضهم بمنزلة فوق منزلته، مع أنه أفضلهم جميعا بشهادة القران والحديث، والتاريخ الصادق، والواقع الذي لا ينكر، ففي الكتاب الكريم يقول الله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ «1» . فقد كاد يجمع المفسرون على أن المراد بقوله: «ورفع بعضهم درجات» هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال الزمخشري في تفسيره: (أي ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة، والظاهر أنه أراد محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المفضّل عليهم، حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الايات المتكاثرة المرتقية إلى الألف اية، أو أكثر، ولو لم يؤت إلا القران واحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتي الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر، دون سائر المعجزات، وفي هذا

_ (1) سورة البقرة: الاية 253.

الإبهام من تفخيم فضله، وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس) «1» . وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: «أنا سيد ولد ادم يوم القيامة ... » ورواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه بزيادة: «ولا فخر» وإذا كان سيدا في الاخرة فهو سيد في الدنيا من باب أولى. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم تعليقا على قول سيدنا يوسف عليه السلام لرسول الملك: قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ «2» . قال: «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» «3» ، وقوله لما أوذي من بعض المنافقين، وضعفاء الإيمان: «رحم الله أخي موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» «4» ، وفيه ما فيه من الإشادة بصبر سيدنا موسى وتحمله للأذى من سفهاء قومه، ما لم يتحمله غيره. وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يحاول ما استطاع تبرئة ساحة بعض الأنبياء مما يحتمل أن ينسب إليهم مما لا يليق بحالهم، كقوله في الدفاع عن جدّه «إبراهيم» عليه الصلاة والسلام: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» ، يعني في قوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي «5» .

_ (1) انظر تفسير الكشاف وغيره عند هذه الاية. (2) سورة يوسف: الاية 50. (3) رواه الشيخان. (4) رواه الشيخان وأحمد وأبو داود. (5) سورة البقرة: الاية 260.

يريد نفي ما عسى أن يدل عليه السؤال من احتمال الشك، يعني أنه لم يكن شاكا قط، لأني وأنتم لسنا شاكين في قدرة الله على البعث، ولو جوّزناه على الخليل لجاز عليّ وعليكم، ونفي الشك عني وعنكم أمر مسلم، ففيه نفي للشك عن إبراهيم بطريق برهاني. وكقوله في حق أخيه «لوط» عليه السلام لما قال: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ «1» يريد عشيرة قوية تحميه: «رحم الله أخي لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد» «2» يريد الله تبارك وتعالى. فأين من هذه المثل الفذة الفريدة ما يفعله الملوك، والرؤساء، والأمراء، ودهاقنة السياسة، والزعماء وأمثالهم- قديما وحديثا- من محاولة كل واحد منهم تنقيص من قبله، والنيل منه، والارتفاع على أنقاضه، وإظهار نفسه بمظهر البطولة التي تعز عن النظير، وأنه المتفرد في كل شيء؟!! ثم أليس هذا من أقوى الأدلة، وأظهر البراهين على أنه النبي حقا، وأنه العلم الفرد في سمو أخلاقه، وكبر قلبه، وعظم نفسه، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يبارى، ولا يسامى؟!!.

_ (1) سورة هود: الاية 80. (2) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة يوسف، وكتاب أحاديث الأنبياء؛ وصحيح مسلم كتاب الفضائل- باب فضائل الخليل إبراهيم عليه السلام.

النبي العادل

النبي العادل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، وأبعدهم عن الظلم، ما ظلم أحدا في، دم، أو عرض، أو مال، ولا جار في حكم. وكان من أخلاقه العدل في الرضا والغضب، وكان مثالا للعدل مع نفسه وأهله، وولده، وصحابته، ولقد بلغ من عدله أنه كان ينصف الناس من نفسه. وقد قدمنا لك في بدر ما كان من قصته مع سواد بن غزية، ورضائه أن يقتص منه طعنة طعنه إياها، وهو يعدّل الصفوف. وما ذكره في اخر خطبة خطبها في مرض موته: «من جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ... » ولما قال له أحد المنافقين بعد قسمة غنائم حنين: (هذه قسمة ما أريد بها وجه الله) قال له: «ويحك فمن يعدل إن لم أعدل؟! خبت وخسرت إن لم أعدل» وقد سمعت انفا قوله: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وامتناعه أن يعطيها خادما مع شدة حاجتها، وإيثار مصلحة أهل الصفّة على مصلحتها، وعدله البالغ مع زوجاته في القسم بينهن مع أن الله سبحانه وتعالى فوض إليه ذلك وخيّره فيه بقوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ «1» .

_ (1) سورة الأحزاب: الاية 51.

ولم يقف الأمر في العدل عند ما هو من حق المرأة في النفقة، والكسوة والبيتوتة، بل شمل ذلك العدل في المباسطة والمؤانسة والتعهد، وكان يفعل ذلك بعد صلاة العصر غالبا، وقد يكون بعد صلاة الصبح كما في الصحيح، أما العدل والمساواة في الحب والميل القلبي فهذا لم يكلّف به النبي، ولم تكلّف به الأمة، لأنه أمر لا يدخل تحت الاختيار، ولا تحت الوسع، قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وهذا هو المراد من قوله سبحانه: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ، فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وكان النبي يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» .

النبي الصادق الأمين العفيف

النبي الصادق الأمين العفيف وكذلك كان صلى الله عليه وسلم مثالا كاملا للأمانة وأداء الحقوق لأربابها، والصدق في الحديث، لم تحص عنه خيانة ولا كذبة قط، ولقد اشتهر بأمانته منذ صغره حتى لقب بالأمين، ولما بلغ هرقل ملك الروم كتاب النبي داعيا له إلى الإسلام طلب ناسا من قومه يسألهم عنه، فجيء له برهط فيهم أبو سفيان بن حرب فكان مما قال له: (هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟) قال: لا، قال هرقل: (ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله!!) ولما هاجر إلى المدينة ترك عليا بمكة ليرد الودائع التي كانت عنده إلى أصحابها. وأما عفته فكان أطهر الناس ذيلا، وأعفهم عن الحرم، ما مسّت يده قط يد امرأة لا يملك عصمتها، ولا امتدت عينه إلى محاسن امرأة قط، وقد عاش في مجتمع كانت تتوفر فيه مسارح الهوى واللهو، فما عرفت عنه صبوة، ولا أحصيت عليه هفوة، على ما كان يتمتاع به من قوة وشباب، وفتوة وجمال، ومن شرف الأسرة.

ادابه الاجتماعية

ادابه الاجتماعية وأما ادابه الاجتماعية فقد أوفى فيها على الغاية، وكان ادب الناس وأحسنهم عشرة، وألينهم عريكة، وأرعاهم لشعور الناس وكراماتهم، فقد كان دائم البشر، لا يطوي عن أحد من أصحابه بشره، ولا تبسمه، ويعطي كل جليس من جلسائه نصيبه من الترحاب والرعاية، حتى لا يظن أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه. وكان أحسن الناس إجابة، ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال: لبيك، وإذا حدّثه أحد مال إليه بأذنه، ولا ينحّي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحّي رأسه، وكان يبدأ من لقيه ولو صبيا بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، وما صافح أحدا فيرسل يده حتى يرسلها الرجل الاخر، ويكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها ويكنّي أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يفرغ منه وكان لا يجلس إليه أحد يصلّي إلا خفف صلاته، وسأل عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته. وكان يخدم ضيفه، ويكرم الوافد عليه، ولما قدم وفد النجاشي قام يخدمهم، فقال له أصحابه: إنا نكفيك هذا، فأبى وقال: «إنهم كانوا لإخواننا مكرمين» ، وكان يقبل الهدية، ويكافىء عليها، وما صنع معه أو مع أهله

أحد معروفا إلا كافأه عليه، ومن قوله في هذا: «من أسدى إليكم معروفا فكافئوه عليه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له» «1» . وكان من أدبه في الطعام أن يغسل يديه، ويسمي الله في أوله، ويحمده في اخره ويأكل بيمينه، ويأكل من جانب القصعة، وينهى عن الأكل من وسطها أو تتبع أطيب ما فيها، وعن النفخ في الطعام، وما عاب طعاما قط: إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. وكان من أدبه في الشراب أن يشرب على دفعات، ويبين فمه من الإناء عند التنفس، وكان ينهى عن التنفس في الإناء، والنفخ في الشراب، ويسمّي في أول الشرب، ويحمد الله في اخره، ويشرب بعدما يشرب ضيوفه، وكان يقول: «ساقي القوم اخرهم شربا» . وكان من أدبه في الطعام والشراب تقديم أهل اليمين على أهل اليسار، وذلك لأنه كان يحب التيامن في كل شيء، وتقديم الكبار على الصغار، لأنه الأمر الفطري الطبعي، وكان يقول: «ليس منا من لم يوقّر كبيرنا، ويرحم صغارنا» ، وكل ذلك ثابت بالأحاديث الصحاح والحسان، فهل رأيت في باب الاداب الاجتماعية أفضل وأجمل من هذا؟!.

_ (1) رواه أبو داود والنسائي.

عظمة الشخصية المحمدية وأثرها في الدعوة

عظمة الشخصية المحمدية وأثرها في الدعوة إنّ الناظر في التاريخ، وسير الرسل، والأنبياء، والملوك، والأمراء، وأصحاب المذاهب والدعوات الإصلاحية يجد أنهم يتمتعون بشخصيات قوية تفرض اراءهم على من حولهم، وتجعل كلامهم مسموعا، وأمرهم مطاعا. وقد يكون من أسباب هذه الشخصية القوية التجبر، والتكبر، والبطش بمن يخالفهم، أو يحاول أن يخالفهم في الاراء، أو يساميهم في المركز والسلطان، وقد يكون من أسبابها ما يكون عليه الإنسان من بسطة في الجسم، وما يمتاز به من قوة وشجاعة وبطولة، ولا سيما في مواطن الحروب وعند لقاء الأبطال. وقد يكون مبعثها ما أسبغ الله على صاحبها من هيبة ووقار، وما يمتاز به من عظمة الخلق، وما يتحلّى به من الفضائل التي تفرض احترامه على الناس، وما يتمتعون به من عدل ورحمة، وبر وإحسان. وقد يكون مبعثها أنه من بيت عريق، يتوارثون المجد صاغرا عن كابر إلى غير ذلك من الأسباب والبواعث. ورسل الله- ولا سيما أولو العزم منهم- قد أضفى الله عليهم من الهيبة والوقار والكمال الخلقي، واختارهم من أوساط الناس وأشرافهم، ما جعل لهم شخصيات عظيمة مهيبة. وفي الذروة من كمال الشخصية وعظمتها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد حاز صلى الله عليه وسلم من الشرف، وكرم النسب وزكاء الأصل، والكمال الجسماني، والكمال الخلقي، ما لم يحزه أحد قط.

لقد كانت له شخصية فذة فريدة على ما كان عليه من رقة القلب، ولين الجانب، وسماحة النفس، والحياء الفائق حتى كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وعلى ما كان عليه من بغض العجب، والتكبر، والتجبر على الناس، والتنكيل بهم، وهذا مما لا يقضي منه العجب!! ولا يسعنا إلا أن نقول: إنه فضل من الله يؤتيه من يشاء. لقد كان الصحابة- رضوان الله عليهم- لا يحدّون النظر إليه، ويغضون أبصارهم حياء منه، ورضي الله عن أبي الحسن علي رضي الله عنه حيث قال: (من راه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم) . وقد كان لهذه العظمة الشخصية، وهذه الهالة التي تحيط به، والمهابة التي تعلوه اثارها في ردّ بعض المشركين خاسئا وهو حسير حينما يريد به شرا، بل كان في بعض الأحيان يأمر أعدى أعدائه بالشيء فلا يكون منه إلا الإذعان والخضوع، وكانوا كثيرا ما يتواعدون على النيل منه فيواجههم، فإذا بهم يخورون، وتنهار قواهم، وتضعف معنوياتهم، وكان يأتيه الرجل وبيده السيف، أو تحت ثيابه الخنجر يبغي به شرا فإذا به يضطرب، ويسقط سلاحه من يده، ثم يكون التسليم والإسلام وسأذكر مثلا من ذلك: 1- روى ابن إسحاق في سيرته قال: قدم رجل من إراش «1» بإبل له إلى مكة، فابتاعها- أي اشتراها- منه أبو جهل، فمطله بأثمانها، فأقبل الإراشي حتى وقف على نادي قريش، ورسول الله جالس في ناحية من المسجد، فقال يا معشر قريش من رجل يعديني «2» على أبي الحكم بن هشام؟ فإني غريب، وابن سبيل، وقد غلبني على حقي.

_ (1) إراش: بكسر الهمزة، والشين المعجمة: موضع كما قال ياقوت. (2) يعديني: ينصرني ويأخذ لي حقي منه.

فقال أهل المجلس: ترى هذا؟ وأشاروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة، اذهب إليه فهو يعديك عليه، يريدون الاستهزاء والسخرية منه صلى الله عليه وسلم، فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقام معه، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ما يصنع؟!. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال: «محمد، فاخرج» فخرج إليه وما في وجهه قطرة دم، وقد انتقع لونه! فقال: «أعط هذا الرجل حقه» . قال: لا تبرح حتى أعطيه الذي له، فخرج إليه بحقه، فدفعه له!! ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للإراشي: «الحق لشأنك» فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرا، فقد أخذت الذي لي!!. ولما جاء الرجل الذي أرسلوه ليرى ما يصنع أبو جهل، قالوا له: ويحك ماذا رأيت؟! قال: عجبا من العجب!! والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه، فخرج وما معه روحه!! فقال له: «أعط هذا الرجل حقه» فأعطاه!!. ثم لم يلبث أن جاء أبو جهل فلاموه، وقالوا- ساخرين منه-: فو الله ما رأينا مثل الذي فعلت؟!! فقال أبو جهل: ويحكم، والله ما هو إلا أن ضرب على بابي، وسمعت صوتا فملئت رعبا!! وإن فوق رأسه فحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته «1» ولا أنيابه لفحل قط!! فو الله لو أبيت لأكلني!!. 2- وإليك مثلا اخر: اجتمع أشراف قريش في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل صبرنا على هذا الرجل قط: سفّه أحلامنا، وشتم اباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب الهتنا، وصرنا منه على أمر عظيم!!.

_ (1) قصرته: عنقه. أي مثله في ضخامة الجسم وطول العنق.

فبينما هم في ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرف ذلك في وجهه فمضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها!! ثم مر بهم الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فأقبل عليهم قائلا: «أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح» فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع «1» حتى إن أشدهم فيه وصاة بإيذائه ليرفؤه «2» ، ويلاطفه، ويقول له: انصرف أبا القاسم راشدا، فما كنت بجهول «3» . وهكذا كان الواحد منهم يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا الشر، أو أن ينال منه بالسب، أو يغمزه ويلمزه، فإذا واجهه النبي اضطرب وتلعثم وخارت قواه وتملكه الخوف. 3- لما وقعت غزوة بدر الكبرى كان النصر فيها للفئة القليلة المؤمنة، على الفئة الكثيرة الكافرة، فقد قتل فيها الكثير من المشركين، وأسر من أسر، وكان من الأسرى وهب بن عمير بن وهب الجمحي، وكان أبوه شيطانا من شياطين قريش وسفهائهم، كما كان شديد الإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة، جلس يوما بعد الموقعة مع صفوان بن أمية يتذاكران مصابهم في بدر، وما نزل بهم من الهزيمة الساحقة الماحقة، فقال عمير: والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهم الضّيعة بعدي لركبت إلى محمد فأقتله، فإن ابني أسير عنده، فاغتنمها صفوان بن أمية، فقال له: عليّ دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير: فاكتم علي، قال: سأفعل. ثم أمر عمير بن وهب بسيفه فشحذ له، وسمّ، ثم انطلق حتى وصل

_ (1) يعني أخذهم الخوف فسكنوا واطمأنوا ونكسوا رؤوسهم. (2) ليهدئه ويسكنه كالمعتذر له. (3) السيرة لابن هشام، ج 1 ص 289؛ والبداية والنهاية لابن كثير، ج 3 ص 45، 46.

المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، وما أكرمهم الله به- إذ نظر إلى عمير بن وهب، وقد أناخ بعيره على باب المسجد متوشحا سيفه. فقال: هذا عدو الله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر «1» ، وهو الذي حرّش بيننا، وحزرنا «2» للقوم يوم بدر، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال له النبي: «أدخله علي» فأقبل إليه عمر فأخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلبّبه بها «3» ، وقال لمن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما راه رسول الله، وعمر اخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: «أرسله يا عمر، ادن يا عمير» ، فدنا فقال له: «فما جاء بك يا عمير» ؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: «اصدقني ما الذي جئت له؟» قال: ما جئت إلا لذلك، فقال النبي: «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك» . فإذا عمير تنهار قوته، ويضعف أمام نظرات النبي الثاقبة، وتذهله المفاجأة، فما كان منه إلا أن أقر، وأذعن وقال: أشهد أنك رسول الله!! قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق،

_ (1) هذا من عبقريات عمر، وإلهاماته الصائبة، فما ظنه هو ما ظهر بعد. (2) حزرنا: أي قدرنا. ذلك أنه لما تصافّ الجيشان للقتال يوم بدر قال له المشركون: احزر لنا أصحاب محمد، فاستجال بفرسه حول المعسكر، ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا، وهذا هو الواقع فقد كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وهذا يدل على حصافة العرب وحسن تقديرهم ودقة نظرهم. (3) الحمالة: السير الذي يشبه الغمد، لببه أي لفّه على عنقه وشده منه.

خيبة أمل صفوان

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقّهوا أخاكم في دينه، وعلّموه القران، وأطلقوا له أسيره» ففعلوا. ثم قال: يا رسول الله: إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ورسوله، وإلى الإسلام، لعل الله يهداهم، وإلا اذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم، فأذن له رسول الله فلحق بمكة. خيبة أمل صفوان وكان صفوان حين خرج عمير يمني نفسه الأماني، ويقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الان في أيام تنسيكم وقعة بدر، وكان يخرج، فيتلقّى الركبان يسألهم عن عمير ليتأكد من نجاح المؤامرة، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه!! فسقط في يده، وحلف ألايكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع أبدا!!. أما عمير فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الله، وإلى الإسلام، ويؤذي من خالفه أذى شديدا، فأسلم على يديه ناس كثير، وهكذا نجده خرج كافرا جاهدا على قتل النبي، فإذا هو يعود مؤمنا صادق الإيمان!!. 4- وفي غزوة من الغزوات ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظل شجرة ليستريح، ولم يكن معه أحد، فتسلل إليه وهو نائم رجل من شجعان المشركين، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا الرجل واقف على رأسه رافعا سيفه، فما رعب ولا خاف، وإنما نظر إليه نظرات المؤمن بربه، الواثق من حمايته، فيقول الرجل: من يمنعك مني يا محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله» !! فإذا الرجل يضطرب، ويرعب، ويسقط السيف من يده!!. ويأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم السيف، ويعلو الرجل به قائلا: «من يمنعك مني؟» قال: عفوك، فعفا عنه!!.

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخذ من عظمة شخصيته، وما كان يعلوه من المهابة والهالة وسيلة إلى تخويف الناس، أو ترويعهم أو الحط من كرامتهم، وإنما كان على العكس من ذلك يهوّن على الناس، ويخفف من رعبهم، لقد دخل عليه ذات يوم رجل فأصابته من هيبته رعدة، وخاف واضطرب، وإذا بالمتواضع الرؤوف الرحيم يقول له: «هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» «1» !!. نعم- والله- ليس بملك، ولكنه أعظم وأهيب من الملوك، وليس متجبرا ولا طاغيا، وإنما هو الرحمة المهداة للخلق أجمعين. صلوات الله وسلامه عليك- يا سيدي يا رسول الله- يوم ولدت، ويوم بعثت، ويوم هاجرت، ويوم يقوم الناس لرب العالمين.

_ (1) القديد: اللحم المشقّق المجفّف.

عالم في فرد

عالم في فرد هذه صور موجزة تحدد- إلى جانب ما درسنا من سيرة تحليلية- بعض معالم الشخصية المحمدية، ولا أقول كل المعالم، فإن ذلك مما لا يدركه جنان، ولا يستطيعه بيان، فهو صلى الله عليه وسلم كالوجود، وستنتهي هذه الحياة ولا يزال ثمّ أشياء من أسرار هذا الوجود، لا يحوم حولها عقل إنسان، ولا يفصح عنها لسان. وصدق القائل: وعلى تفنّن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف ومن البدهي أن في الخلق صفوة، وصفوة هؤلاء الصفوة أنبياء الله ورسله، وفي الذروة منهم أولو العزم من الرسل، وذروة الذرى هو نبينا محمد خلاصة البشر وسلالة ولد ادم، وقد يوجد الكثير من هذه الصفات والاداب أو بعضها عند الصفوة من نبي، أو رسول، أو صدّيق، ولكن لم نعلم أحدا جمع الله له كل ما ذكرنا من الفضائل والخصائص مثل ما عرفنا ذلك لنبينا محمد، وهو بهذا المعنى نسيج واحده، وفريد في البشرية كلها، ولا غرو فقد كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث هو إلى الناس عامة، فكان من الطبعيّ أن يجمع الله له ما تفرق من خلق المصطفين الأخيار. وقصارى القول وحماداه أنه صلى الله عليه وسلم كان «عالما» في فرد، أو إن شئت فقل: «فردا» في عالم، بنفسي وأهلي وولدي، وأبي وأمي، هو صلى الله عليه وسلم. وبعد فهذا هو سيدنا محمد رسول الله صاحب أطهر سيرة عرفتها الدنيا، وناشر اخر رسالة اتسمت بالعموم والخلود، ومربّي أفضل جيل في تاريخ البشرية، ومنشىء خير أمة أخرجت للناس، ومحقق أول دولة في تاريخ الإسلام. وكان الفراغ من تأليف هذه السيرة العطرة في ليلة الجمعة المباركة، لخمس خلون من صفر لعام 1386 هـ، قربى إلى الله ورسوله. والحمد لله في النهاية كما حمدناه في البداية، وصلى الله تبارك وتعالى وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحابته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. انتهى الجزء الثاني، وبه ينتهي الكتاب والحمد لله أولا واخرا

ثبت بأهم مراجع الكتاب

ثبت بأهم مراجع الكتاب (1) القران الكريم. (2) تفاسير: ابن جرير الطبري، والزمخشري، والبغوي، وابن كثير، والقرطبي، والألوسي، وأسباب النزول للسيوطي. (3) الصحيحان: صحيح البخاري، وصحيح مسلم. (4) سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ومسند أحمد، والموطأ. (5) المستدرك للحاكم، السنن للبيهقي، سنن الدارقطني. (6) السيرة النبوية لابن إسحاق وابن هشام، ط الحلبي. (7) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ ابن حجر طبعة البهية. (8) الشفا في التعريف بحقوق المصطفى، للإمام القاضي عياض، ط استانبول. (9) الطبقات الكبرى، للإمام ابن سعد، ط بيروت. (10) الإصابة في تاريخ الصحابة، للإمام ابن حجر، ط الأولى. (11) الاستيعاب في تاريخ الأصحاب، ابن عبد البر على هامش الإصابة. (12) شرح المواهب اللدنية، للإمام الزرقاني، ط بولاق. (13) زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، ط أنصار السنة. (14) البداية والنهاية، للإمام الحافظ ابن كثير، ط الاستقامة. (15) الروض الأنف شرح السيرة لابن هشام، للإمام السهيلي، ط الجمالية 1332 هـ 1914 م. (16) السيرة الحلبية، للشيخ العلامة علي بن برهان الدين الحلبي. (17) نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، للعلامة الشيخ محمد الخضري. (18) حياة محمد، للدكتور محمد حسين هيكل، ط الأولى. (19) حياة محمد، لدرمنغم ترجمة الأستاذ عادل زعيتر. (20) حياة محمد ورسالته، لمولانا محمد علي.

(21) الدين، للدكتور الشيخ محمد عبد الله دراز. (22) التاريخ الإسلامي والحضارة العربية، للدكتور أحمد شلبي. (23) جزيرة العرب في القرن العشرين، للشيخ حافظ وهبة. (24) دائرة معارف القرن العشرين، للأستاذ محمد فريد وجدي. (25) مكة والمدينة في عصر الجاهلية، للأستاذ أحمد الشريف. (26) معجم البلدان، للشيخ العلامة ياقوت الحموي. (27) الأصنام، لابن الكلبي. (28) أدلة اليقين في الرد على مطاعن المبشرين، للعلامة الشيخ عبد الرحمن الجزيري. (29) الرد على المنطقيين، للإمام أحمد بن تيمية الحراني. (30) مدخل لدراسة القران الكريم، للدكتور الشيخ محمد أبو شهبة. (31) الإسراء والمعراج، للدكتور الشيخ محمد أبو شهبة. (32) تفسير سورة الفاتحة وملحقاتها، للإمام الشيخ محمد عبده. (33) زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، لأستاذنا الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، ط الحلبي. (34) البيان والتبيين، للإمام أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، ط ثالثة. (35) عبقرية محمد، للأستاذ العقاد، ط الهلال. (36) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، للأستاذ العقاد، ط الهلال. (37) أم النبي صلى الله عليه وسلم، للدكتورة عائشة عبد الرحمن، ط الهلال. (38) الملل والنحل، للإمام الشيخ محمد الخضر حسين، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. (39) الملل والنحل، للأستاذ حامد عبد القادر، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. (40) التاريخ الإسلامي، للدكتور محمد مصطفى زيادة، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. (41) التاريخ الإسلامي، للأستاذ محمد حبيب أحمد، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما. (42) كتب العهد القديم، والعهد الجديد أو التوراة والأناجيل، ط جمعية التوراة الأميركانية. (43) كتب اللغة: القاموس المحيط، والمصباح المنير.

فهارس الجزء الثاني

فهارس الجزء الثاني صنع فهارسه العلمية عبد الستّار الشيخ 1- فهرس الايات القرانية. 2- فهرس الأحاديث النبوية. 3- فهرس الأعلام. 4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات. 5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع. 6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام. 7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك. 8- فهرس الشعر. 9- فهرس الموضوعات.

1 - فهرس الايات القرانية

1- فهرس الايات القرانية * الاية رقمها الصفحة [سورة البقرة] وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ ... (58) 327 وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ... (89) 46، 393 وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ... (101) 393 ... وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ... (125) 570 سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ ... (142) 104، 106 وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ... (143) 104، 105، 106، 518، 636 قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ... (144) 103، 105 الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ... (146) 46 وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ ... (149) 105 وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ ... (150) 105 إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ... (158) 570 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ... (183) 107 أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ... (184) 107، 108 شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... (185) 107 أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ... (187) 108 وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ... (190) 75، 88، 95 وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ... (191) 88

_ * الايات مرتبة في سورها حسب تسلسل أرقامها.

الاية رقمها الصفحة فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) 88 ... وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ... (194) 375 ... وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ... (195) 83 وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ... (196) 317 ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ... (199) 572 وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ، فَمَنْ تَعَجَّلَ ... (203) 580 كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ... (216) 85 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ... (217) 120 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا ... (218) 121 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ... (219) 353 مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ... (245) 391 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ... (253) 657 لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... (256) 92، 96 وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ... (260) 658 وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... (281) 575 لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ... (286) 661 [سورة ال عمران] قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ ... (12) 394 قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا ... (13) 136، 172، 394 ... وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) 22 إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ... (59) 547 الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) 547 فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ ... (61) 547 قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ... (64) 14، 358، 361، 363 إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ... (96) 35 فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ... (97) 35، 317 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... (100) 390 وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ ... (101) 390 وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ... (103) 42، 390 كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ... (110) 518

الاية رقمها الصفحة وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ ... (121) 191 إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما ... (122) 190 وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ... (123) 143 إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ ... (124) 144 وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ... (126) 145، 173، 472 ... أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) 144 لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ... (128) 200 قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ... (137) 221 وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) 221 إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ... (140) 220، 221 وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ... (141) 220 أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا ... (142) 221 وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ ... (143) 221 وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... (144) 159، 222، 595 وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا ... (145) 222 وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا ... (146) 222 ... وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) 222، 223 وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ... (152) 219 إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ... (153) 223 وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ... (154) 223، 224 إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ ... (155) 196 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ ... (156) 224 وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ ... (157) 225 وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ... (158) 225 فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا ... (159) 134، 174 أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا ... (165) 225 وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ ... (166) 189 وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا ... (167) 189 وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً ... (169) 86، 87، 213 216، 225 فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ ... (170) 86، 225

الاية رقمها الصفحة يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ... (171) 225 الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ ... (172) 229، 244 الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ... (173) 229، 243، 244 فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ... (174) 229، 244 لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ... (181) 391 الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى ... (183) 392 [سورة النساء] وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ... (24) 474 ... وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) 433 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ... (43) 353 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ... (51) 276 أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) 276 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ... (58) 447 فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ... (69) 593 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ... (94) 374 لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ... (95) 85 إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ... (97) 39 إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ... (98) 39 فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ... (99) 39 وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ ... (102) 322 وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... (129) 661 [سورة المائدة] ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ... (3) 575، 587 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... (11) 184 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ... (51) 396 فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ ... (52) 396 ... أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ... (54) 348 إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... (55) 396 يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... (67) 76 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ... (90) 354

الاية رقمها الصفحة إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ ... (91) 354 لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ ... (93) 354 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ... (118) 157، 604 [سورة الأنعام] ... وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... (19) 14، 76 وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ ... (91) 392 ... وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ... (141) 111 [سورة الأعراف] وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا ... (28) 538 ... اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ ... (138) 468 قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ... (158) 14، 357 خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ... (199) 646 [سورة الأنفال] يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ... (1) 151 وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ ... (7) 129 لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ... (8) 129 إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ ... (9) 141، 144 وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ... (10) 143، 144، 145، 174، 472 إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ... (11) 133 إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ ... (12) 142، 145، 146 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ... (15) 80 وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ... (16) 80، 81 وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ... (17) 143 وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ... (39) 92 وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ... (41) 152 إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً ... (43) 136 وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا ... (44) 136 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ... (45) 80

الاية رقمها الصفحة وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً ... (47) 127 وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ ... (48) 127 وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ... (58) 89، 395 وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ... (60) 472 وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ... (63) 53 الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ... (66) 81 ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... (67) 166، 177 لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ ... (68) 166 فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ ... (69) 166 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ... (70) 165 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ... (72) 51 وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ... (75) 51 [سورة التوبة] وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ... (3) 537 قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ... (14) 146 وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ... (15) 146 ... وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) 146 لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ... (25) 471 ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ... (26) 471 ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ ... (27) 471 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ... (28) 538، 539 قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (29) 546 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ... (33) 5، 518 ... وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ... (36) 89، 92 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا ... (38) 82، 519 إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ... (39) 82، 519 إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (40) 519 انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ... (41) 82، 83، 520 لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ ... (42) 498، 520 عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ ... (43) 498، 521

الاية رقمها الصفحة لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (44) 521 إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (45) 498، 521 وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ ... (46) 521 لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا ... (47) 521 لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ... (48) 521 وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ... (49) 521 إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا ... (50) 521، 522 قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا ... (51) 522 قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ... (52) 85، 242، 522 قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ... (53) 522 إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ... (60) 113 ... وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ... (72) 349 ... وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ... (74) 506 وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ... (75) 507 اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... (80) 533 فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ ... (81) 498، 522 فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً ... (82) 522 فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ ... (83) 522 وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ... (84) 522، 533 وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ... (90) 522، 523 لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ... (91) 84، 496، 520 523 وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ... (92) 496، 497، 523 إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ ... (93) 523 يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا ... (94) 511، 523 سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ... (95) 524 يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ ... (96) 524 الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا ... (97) 524 وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ... (98) 511، 524 وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (99) 524، 525 وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ... (100) 525، 596

الاية رقمها الصفحة وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ... (101) 511، 525 وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ... (102) 408، 511، 525 خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... (103) 511، 525، 526 أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ... (104) 526 وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ... (105) 512، 526 وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ... (106) 512، 526 وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً ... (107) 508 لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى ... (108) 19، 508 إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ... (111) 75، 84 ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... (113) 533 لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ... (117) 516، 526، 527 وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ ... (118) 516، 527 ... وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) 516 ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ ... (120) 527 وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً ... (121) 527 وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ... (122) 80، 84، 520 ... بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) 639 [سورة يونس] ... رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ... (88) 157، 604 ... أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ... (99) 96 [سورة هود] ... أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) 659 [سورة يوسف] ... فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) 262، 267 ... وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ... (26) 273 ... قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ ... (50) 658 [سورة الرعد] اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ... (8) 551 ... وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) 551

الاية رقمها الصفحة سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) 216 وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً ... (38) 302 [سورة إبراهيم] ... فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ... (36) 157، 604 [سورة النحل] وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ... (126) 208 وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ... (127) 73، 208 إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) 208 [سورة الإسراء] وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ ... (4) 45 فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا ... (5) 45 ... فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ... (7) 46 عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا ... (8) 46 وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ ... (79) 634 ... جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ... (81) 446 [سورة الكهف] ... كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (5) 102 وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) 348 إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ... (24) 348 ... فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ... (29) 96، 97 [سورة مريم] ... إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ... (30) 273 [سورة طه] ... وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) 632 [سورة الأنبياء] وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ ... (105) 90 وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) 15، 357، 641

الاية رقمها الصفحة [سورة الحج] هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ... (19) 139 أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ... (39) 74، 76، 77 الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا ... (40) 74، 78 الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ ... (41) 74، 79 [سورة النور] إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... (11) 262، 268 لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ... (12) 268 لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا ... (13) 269 وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ... (14) 269 إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ... (15) 269، 270 وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا ... (16) 270 يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) 270 وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) 270 إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ... (19) 270 وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ... (20) 262، 271 وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا ... (22) 262 إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا ... (23) 271، 272 يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ... (24) 271، 272 يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ ... (25) 271، 272 الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ ... (26) 272 وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ... (31) 313 وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... (55) 12 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ ... (62) 279 لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ... (63) 279 [سورة الشعراء] فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً ... (21) 606 [سورة القصص] وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ... (5) 90

الاية رقمها الصفحة قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ ... (26) 266 [سورة السجدة] فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ... (17) 226 [سورة الأحزاب] ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... (4) 296 ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ... (5) 296 ... وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ... (6) 51 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... (9) 282، 289 إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ... (10) 282، 289، 290 هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) 282، 290 وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... (12) 282، 290 وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ ... (13) 290 وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ ... (14) 290، 291 وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ ... (15) 291 قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ... (16) 291 قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً ... (17) 291 قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ ... (18) 291 أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ ... (19) 291، 292 يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ ... (20) 292 لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... (21) 292 وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... (22) 292 مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... (23) 197، 292 لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ ... (24) 293 وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً ... (25) 293 وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ ... (26) 410 وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً ... (27) 410 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا ... (28) 622 وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ... (29) 622 يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ... (32) 305، 311 وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ... (33) 305، 311

الاية رقمها الصفحة وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ... (34) 305 وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً ... (36) 295 وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ... (37) 295، 297، 298 ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ... (38) 296 الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ... (39) 296 ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ ... (40) 296 تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ... (51) 660 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ ... (53) 310 لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ ... (55) 311 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ ... (59) 314 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى ... (69) 273 [سورة سبأ] وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ... (28) 357 ... جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49) 446 [سورة يس] ... اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) 528 [سورة الصافات] سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ... (130) 528 [سورة ص] قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) 613 [سورة الزمر] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ... (30) 159 [سورة الشورى] وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) 77 وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ ... (40) 77، 646 وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) 77 إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ ... (42) 77 وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) 73، 646

الاية رقمها الصفحة [سورة الأحقاف] فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ... (35) 74 [سورة محمد] وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ... (30) 525 ... وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) 113 إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) 113 ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... (38) 113 [سورة الفتح] إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) 338، 343 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ... (2) 343 وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) 343 هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ... (4) 343 لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... (5) 343 وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ ... (6) 343، 344 وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... (7) 344 إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ... (8) 344 لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ... (9) 344 إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ... (10) 344 سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا ... (11) 344 بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ ... (12) 345 وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13) 345 وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ... (14) 345 سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ ... (15) 345، 415 قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ ... (16) 345 لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ... (17) 345 لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ... (18) 331، 346 وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) 346 وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ ... (20) 346 وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها ... (21) 346 وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ... (22) 346

الاية رقمها الصفحة سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ ... (23) 346 وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ... (24) 332، 346 هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... (25) 347 إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ... (26) 347 لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ... (27) 348، 378 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ... (28) 348 مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ... (29) 348، 349 [سورة الحجرات] إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) 543 وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ... (5) 543 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... (6) 492 يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ ... (13) 448 [سورة ق] ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) 22 [سورة الذاريات] وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) 114 [سورة القمر] سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) 143 بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46) 143 [سورة الرحمن] مُدْهامَّتانِ (64) 442 [سورة الحديد] ... لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ ... (10) 457 ... وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ... (27) 636 [سورة المجادلة] كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) 220 لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ... (22) 148

الاية رقمها الصفحة [سورة الحشر] سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ... (1) 402 هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ... (2) 402 وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا ... (3) 402 ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... (4) 402 ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها ... (5) 402 وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ... (6) 402، 403 ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ... (7) 403 لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ ... (8) 403 وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ ... (9) 55، 403 وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ... (10) 404 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (11) 400، 404 لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ... (12) 400 لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ ... (13) 400، 404 لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ ... (14) 404 كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ... (15) 404 كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ ... (16) 127، 400، 404 فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها ... (17) 127، 401 لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً ... (21) 405 هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ... (22) 405 ... يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) 405 [سورة الممتحنة] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ... (1) 438 لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ... (8) 95 إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ ... (9) 95 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ... (10) 349، 350، 351 وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ ... (11) 351 [سورة الصف] إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ... (4) 135 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ... (9)

الاية رقمها الصفحة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ ... (10) 85 تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... (11) 85 [سورة المنافقون] هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ... (7) 256 يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ... (8) 256 [سورة الطلاق] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) 22 [سورة التحريم] يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... (1) 624، 625 قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ ... (2) 624 وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ... (3) 624 إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ... (4) 624 عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ ... (5) 624 ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ... (10) 265 [سورة الملك] ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ... (4) 525 [سورة القلم] وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) 267، 300، 601، 606 [سورة المعارج] وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) 114 لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ... (25) 114 [سورة نوح] ... رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) 157، 604 [سورة الجن] وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) 17

الاية رقمها الصفحة [سورة المزمل] يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) 633 قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) 633 نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) 633 أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) 633 وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) 74 إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ ... (20) 634 [سورة المدثر] ... وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ... (31) 173 [سورة العلق] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) 165، 530 خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) 165 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) 165 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) 165 عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) 165 [سورة الكافرون] قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) 353 [سورة النصر] إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) 456، 579 وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) 456 فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) 456 [انتهى فهرس الايات القرانية الكريمة]

2 - فهرس الأحاديث النبوية

2- فهرس الأحاديث النبوية * الحديث الصفحة [همزة الوصل] «ائتني ببني جعفر ... » 430 «ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا ... » 590 «ابسط رجلك» 413 «اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» 600 «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة» 558 «اتق الله وأمسك عليك زوجك» 297 «اتقوا النار ولو بشق تمرة» 617 «اجتنبوا السبع الموبقات» 80 «اخرج بهذه الايات من صدر سورة براءة ... » 536 «اخرج في اثار القوم وانظر ماذا يصنعون ... » 209 «اخرج في طلب القوم حتى ألحقك ... » 368 «اخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب ... » 324 «اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا ... » 441 «اذهب فاذكرها عليّ» 308 الحديث الصفحة «اذهب وائتني بخبر القوم» 290 «اذهبوا فأنتم الطلقاء» 448 «إرفعوا طعامكم» 309 «ارم فداك أبي وأمي» 201 «استغفر الله» 449 «استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر ... » 124 «استقد يا سواد» 139 «استقم يا سواد» 139 «استوصوا بهم خيرا» 153 «استووا حتى أثني على ربي عز وجل» 210 «اسقوني» 577 «اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله ... » 199 «اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله» 199 «اصبروا فإني لم أومر بقتال» 74 «اصدقني ما أنت وما أقدمك؟ ... » 324 «اصدقني ما الذي جئت له؟» 163، 669 «اضرب به» 178

_ * الأحاديث مرتبة ترتيبا ألف بائيا، وتشمل القولية والفعلية والتقريرية.

«اضرب عنقه، واللهم أغن المقداد من فضلك ... » 155 «اعرضها علي» 431 «اغزوا باسم الله، قاتلوا عدو الله وعدوكم ... » 426 «اغسلنها وترا: ثلاثا أو خمسا ... » 490 «إقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم ... » 556 «اقطعوا عني لسانه» 482، 650 «اكتب باسمك اللهم» 335 «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» 335 «إلحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون» 181 «الحق خالدا فقل له: لا يقتلن وليدا ... » 472 «الحق لشأنك» 667 «القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها» 212 «امكث على إحرامك» 571 «انثرها لأبي طلحة» 201 «انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس ... » 577 «انزل في قبرها» 532 «انزلوا» 327 «انضحوا بالنبل عنا، لا نؤتينّ من قبلكم ... » 190 «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ... » 508 «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ... » 437 «انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا ... » 281 «انفذ إليهم ثم ادعهم إلى الإسلام ... » 416 «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» 319 «اهتف لي بالأنصار» 459 [همزة القطع] «اية الإيمان حب الأنصار ... » 55 «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد ... » 457 «أبدأ بما بدأ الله به ... » 570 «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟» 254 «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» 515، 518 «أبشر يا أبا بكر فقد أتاك نصر الله ... » 140 «أبشروا بفتح الله ونصره» 282 «أبشروا بني تميم» 552 «أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة» 361 «أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغي ... » 638 «أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة ... » 552 «أتحببني؟» 25 «أتدرون أي يوم هذا؟» 578 «أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد ... » 155 «أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده ... » 668 «أتعجبون من هذا؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل....» 504 «أتعجبون من هذه؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل ... » 504 «أتعجبون من هذه، لمناديل سعد بن معاذ ... » 319 «أجل» 130 «أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها ... » 547 «أجيبوه ... » 209 «أأحسنت إليك؟» 639 «أحسنت إليك؟» 639 «أحلت لي ساعة من نهار» 460 «أخبراني عن قريش» 132 «أخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من ... » 114

«أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت ... » 480 «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر ... » 429 «أخر عني يا عمر ... » 533 «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ... » 590 «أدخله علي» 163، 669 «أدنيا لي أخاكما» 505 «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» 556 «إذا أخبرتنا أخبرناك» 131 «إذا أنت قدمت على صاحبك فتطاوعا ... » 432 «إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم ... » 132 «إذا نظرت كتابي فامض حتى تنزل نخلة ... » 119 «أذن يا إبراهيم وعلي البلاغ ... » 317 «أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة ... » 505 «أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ ... » 383 «أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد ... » 478 «أرسله يا عمر، ادن يا عمير ... » 163، 669 «أرسلوا إلى صديقات خديجة» 644 «أرواحهم في جوف طيور خضر لها قناديل ... » 87 «أريتك في المنام مرتين، إذا رجل ... » 61 «أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا» 309 «أسلم» 449 «أشبهت خلقي وخلقي» 379 «أشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله ... » 499 «أشهد أنك شهيد ... » 139 «أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله قبل البيت ... » 106 «أشيروا علي أيها الناس ... » 130، 173 «أصبت» 612 «أصبت، أحسنت» 465 «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ... » 226 «أعط ركب بجيلة وابدأ بالأحمسيين» 556 «أعط هذا الرجل حقه» 667 «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ... » 15 «أعلم به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي» 181 «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» 110 «أفأخبرتك أنك تأتيه هذا العام؟» 335 «أفرأيتم إن أسلم؟» 28 «أفضالة» 449 «أفلا أكون عبدا شكورا؟» 633 «أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن ... » 484 «أفلحت الوجوه» 413 «أقضي عنك كتابتك وأتزوجك» 254 «أكثر من سبعين مرة» 634 «ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ... » 213 «ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ ... » 572 «ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟» 483 «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ... » 497 «ألا تريحني من ذي الخلصة؟» 557 «ألا رجل لهؤلاء؟» 201 «ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني ... » 384 «ألا، لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» 406 «ألا هل بلغت اللهم فاشهد» 573 «ألا يرضيكم أن يحكم فيهم رجل منكم؟» 408

«إلا سهيل بن بيضاء» 157 «ألقها على بلال فإنه أندى صوتا منك» 63 «ألم تسلموا؟» 553 «أليس ذو الحجة؟» 578 «أليس من أهل بدر؟ لعل الله ... » 169 «أليست نفسا منفوسة؟» 629 «أليست هي جاريتي أحلها الله لي؟» 625 «إليّ عباد الله» 223 «إلي عباد الله، إلي عباد الله» 198 «أما إنه قد صدقكم» 438 «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا ... » 452 «أما والذي نفس محمد بيده ما علمت ... » 488 «أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت ... » 583 «أما والله ما علمتم إلا لتقلون عند الطمع ... » 614 «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ... » 89 «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ... » 98، 112 «أمرنا رسول الله بصدقة الفطر قبل أن ... » 111 «أمسك عليك بعض مالك فهو خير ... » 515 «أمسك عليك زوجك واتق الله ... » 298 «أمّا أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك» 213 «أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله» 551 «أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء ... » 479 «أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا ... » 261 «أما ظاهرك فكان علينا، والله أعلم بإسلامك ... » 160 «أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم ... » 529 «أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله ... » 247 «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ... » 479 «أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما ... » 430 «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» 513 «إمّا لا فاصبروا حتى تلقوني ... » 54 «أن تشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله ... » 324 «أن تضرب به العدو حتى ينحني» 191 «أن دعوهما» 628 «أن فعلتن» 591 «إن أحببت فعندي محببة مكرمة ... » 480 «إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب ... » 526 «إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه ... » 585 «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا ... » 162 «إن شئتم أن تردوا عليها قلادتها ... » 488 «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ... » 55 «إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد ... » 656 «إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي» 605 «إن يكن في أحد من القوم خير فعند ... » 135 «أنا» 324 «أنا أخوك ... » 52 «أنا أعلم بدينك منك، ألست ركوسيا ... » 549 «أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش ... » 613 «أنا أفصح من نطق بالضاد» 613 «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» 469 «أنا سيد ولد ادم يوم القيامة» 658 «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» 215 «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ... » 334 «أنا على جناح سفر، ولكن إذا رجعنا ... » 508 «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إلا أن الله ... » 619

«أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر ... » 647 «أنت أخونا ومولانا» 379 «أنت أخي في دين الله وكتابه ... » 61 «أنت رجل واحد، وماذا عسى أن تفعل؟ ولكن ... » 285 «أنت مني وأنا منك ... » 379 «أنتم أخوالي وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم» 72 «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله ... » 635 «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ... » 392 «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين ... » 110 «أن النبي صلى الله عليه وسلم عاود الدعاء لأمته في المزدلفة ... » 576 «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى ... » 363 «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أكثر من الدعاء لأمته بالمغفرة ... » 575 «أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه ... » 649 «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخى بينه وبين سعد ... » 54 «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ... » 249 «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من العريش يوم بدر ... » 143 «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فنزل في علو المدينة ... » 31 «إنّ ال أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما ... » 645 «إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» 169 «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة ... » 615 «إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم ... » 241 «إن الأحاديث ستكثر عني كما كثرت على الأنبياء ... » 616 «إن الإسلام يجبّ ما كان قبله، والهجرة تجبّ ... » 425 «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ... » 582 «إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ... » 582 «إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ... » 618 «إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة ... » 636 «إن الله لا يؤاخذ بدمع العين ولا بحزن القلب ... » 643 «إن الله لم يبعثني متعنتا وإنما بعثني ... » 630 «إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ... » 157، 604 «إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم ... » 462 «إن الله يأمرك أن تصل من قطعك ... » 646 «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا ... » 615 «إن المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة ... » 617 «إن المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها ... » 312 «إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ... » 591 «إن المدينة أقواما ما قطعتم واديا ... » 523 «إن رسول الله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية ... » 381 «إن زوج المرأة منها لبمكان» 212 «إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا ... » 213 «إن صيد وجّ وعضاهه حرم محرم لله» 531 «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله ... » 544

«إن لكل بني حواريا، وحواري الزبير» 192 «إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال ... » 158 «إن له لأجر شهرين» 411 «إن مثله في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه» 528 «إن مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا ... » 641 «إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل له ناقة ... » 640 «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ... » 617 «إن من البيان لسحرا ... » 544، 618 «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ... » 632 «إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه ... » 640 «إن هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل ... » 324 «إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم ... » 418 «إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدى ... » 328 «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ... » 17 «إنا كنا إذا حمى البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله ... » 642 «إنا لم نقض الكتاب بعد» 336 «إنا معاشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء ... » 592 «إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا ... » 558 «إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك ... » 640 «إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر ... » 589 «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى» 617 «إنما أنا عبد، اكل كما يأكل العبد ... » 656 «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ... » 630 «إنما خيرني الله فقال: استغفر لهم ... » 533 «إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة ... » 458 «إنما نزل من القران أول ما نزل منه ... » 16 «أنه ربما يمر بهم الهلال والهلالان ... » 651 «أنه مات قبل أن تحول- يعني القبلة- رجال ... » 106 «إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله ... » 438 «إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» 452 «إنه ليس بشرّكم» 546 «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر ... » 634 «إنه من أهل النار ... » 205 «إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ... » 334 «إنه من لا يرحم لا يرحم» 627 «إنه يحضر البيت عراة مشركون ... » 536 «إنها ابنة أخي من الرضاعة» 379 «إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» 643 «إنا كانت تأتينا زمان خديجة، وإن ... » 644 «إنها لرؤيا حق ... » 63، 65 «إنها لرؤيا حق إن شاء الله، قم مع بلال ... » 64 «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل ... » 191 «أنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة ... » 382 «أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين ... » 125 «إنهم قاتلوك» 126، 528 «إنهم كانوا لإخواننا مكرمين» 663 «إني أحرم ما بين لابتي المدينة ... » 41 «إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ... » 502 «إني أخشى عليهم أهل نجد» 239

«إني أعطي قوما أخاف هلعهم وجزعهم ... » 483 «إني أنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك» 23 «إني بعثت لكم خير أهلي» 558 «إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد ... » 216 «إني خيرات فاخترت، لو أعلم أني لو زدت ... » 533 «إني رأيت كأني أهديت لي قعبة مملوءة ... » 477 «إني رسول من الله إليك، إن شئت أن ... » 605 «إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلود ... » 588 «إني قد رأيت والله خيرا، رأيت بقرا تذبح ... » 188 «إني قد عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم ... » 147 «إني قد نكحت منكم امرأة، فما يضركم ... » 378 «إني لا أدخل عليهم السلاح» 376 «إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ... » 160 «إني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد ... » 500 «أهريقوا علي من سبع قرب لم تحل أوكيتهن ... » 590 «أو أملك لك أن الله نزع الرحمة من قلبك؟» 627 «أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار ... » 484 «أوحشي أنت؟» 211 «أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الأخيار» 24 «أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟» 255 «أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام ... » 613 «أوجب طلحة» 198 «أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي ... » 56 «أولم ولو بشاة» 54 «أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟» 260 «أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك ... » 489 «أي والذي نفسي بيده إنه لفتح» 338 «أيّ بلد هذا؟» 578 «أي دور أهلنا أقرب؟» 23 «أين البعيران اللذان غيبتهما في شعب كذا؟» 53 «أين خالد؟» 424 «أين عثمان بن طلحة؟» 446 «أين علي بن أبي طالب؟» 416 «أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري ... » 572 «أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري ... » 592 «أيها الناس إن الشيطان قد يئس ... » 573 «أيها الناس إن الله قد بعثني رحمة ... » 358 «أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث ... » 574 «أيها الناس إن الله وعدني إحدى الطائفتين ... » 129 «أيها الناس إن النسيء زيادة في الكفر ... » 573 «أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ... » 572 «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ... » 574 «أيها الناس إن عبدا خيره الله بين الدنيا ... » 591 «أيها الناس إن لكم على نسائكم حقا ... » 573 «أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل ... » 573

«أيها الناس والله ما لي من فيئكم ولا هذه ... » 481 «أيهم أكثر أخذا للقران؟» 215 [المعرف بالألف واللام] «الان استرحت» 652 «الان حمي الوطيس» 470، 618 «الإسلام يحبّ ما كان قبله» 425 «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، و ... » 55 «الله» 184، 670 «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين ... » 282 «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد ... » 64 «الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا ... » 415 «الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده ... » 468 «الله مولاي، وأنا مولى كل مؤمن ... » 581 «اللهم اجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا ... » 247 «اللهم ابسط علينا من بركاتك ... » 210 «اللهم إجعله حجّا لا رياء فيه ولا سمعة» 656 «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحرسني ... » 385 «اللهم أخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله ... » 430 «اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار ... » 484 «اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض ... » 496 «اللهم الرفيق الأعلى» 592 «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ... » 574 «اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب ... » 578 «اللهم أعني على سكرات الموت» 592 «اللهم اكفني عامرا» 240 «اللهم اكفني عامر بن الطفيل» 550 «اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ... » 41 «اللهم أنت السلام ومنك السلام ... » 570 «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك ... » 140 «اللهم أنزل نصرك، اللهم إنك إن تشأ ... » 469 «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» 464 «اللهم إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا ... » 318 «اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ... » 210 «اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه ... » 505 «اللهم اهد ثقيفا واكفنا مؤنتهم» 477 «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» 639 «اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم» 287 «اللهم بارك في وائل وولده، وولد ولده» 552 «اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين ... » 210 «اللهم ثبت لسانه واهد قلبه» 561 «اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا» 557 «اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ... » 210 «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة ... » 37 «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها ... » 437 «اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ... » 570 «اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب ... » 210 «اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ... » 210 «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، غضب الله ... » 33 «اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت ... » 210

«اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... » 278 «اللهم مزّق ملكه» 361 «اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ... » 287 «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني ... » 661 «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها ... » 135 [الباء] «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة و ... » 556 «بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ... » 369، 644 «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين ... » 531 «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله لأهل جرباء ... » 503 «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى ... » 360 «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة ... » 583 «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المقوقس ... » 361 «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ... » 363 «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي إلى الحارث ... » 551 «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل ... » 358 «بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي الأمي ... » 57 «بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي ... » 503 «بعثت من خير قرون بني ادم قرنا فقرنا ... » 619 «بعدي يا أسامة؟» 374 «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من ... » 639 «بل أربعة أشهر» 101 «بل أنا والله يا عائشة وارأساه» 588 «بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ... » 622 «بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا ... » 284 «بل عارية مضمونة» 468 «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر ... » 163، 669 «بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا» 257 «بل نحسن صحبته ما دام بيننا» 647 «بل هم الكرار» 81 «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» 134 «بلى» 334، 477 «بم أهللت؟» 571 «بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟» 555 «بهذا أمرت» 650 «بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب ... » 545 [التاء] «تبكيه أو لا تبكيه، لم تزل الملائكة تظله ... » 213 «ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ... » 459 «تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا ... » 86 «تعال» 513

«تعال، الحمد لله الذي قد هداك، كنت أرى ... » 425 [الثاء] و [الجيم] [الحاء] «حتى توافوني بالصفا» 459 «حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت ... » 626 «حبب إلي من دنياكم ثلاث ... » 626 «حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» 162 «حسبنا الله ونعم الوكيل» 229 «حسّن خلقك للناس» 558 «حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء» 553 [المعرف بالألف واللام] «الحرب خدعة» 618 «الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره ... » 21 «الحمد لله الذي أنقذه من النار» 629 «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» 559 «الحياء لا يأتي إلا بخير» 654 «الحياء من الإيمان» 617، 654 [الخاء] «خذ جارية من السبي غيرها» 383 «خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطوني ابن جعفر ... » 430 «خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله ... » 22 «خذوا عني مناسككم» 631 «خذوا في أوعيتكم» 499 «خذوه فإنه خبيث خبيث الدية، نحن ... » 284 «خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها ... » 447 «خذي من ماله ما يكفيك وبنيك بالمعروف» 458 «خل سبيلها» 212 «خلوا سبيلها فإنها مأمورة» 23 «خير المال سكة مأبورة، وفرس مأمورة ... » 615 «خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل ... » 24 «خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا ... » 368 «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» 620 [المعرف بالألف واللام] «الخالة بمنزلة الأم» 378 «الخيل معقود في نواحيها الخير إلى يوم القيامة ... » 615 [الدال] «دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت ... » 641 «دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم ... » 54 «دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من ... » 358 «دعه عنك فإنه جاء تائبا مسلما» 486 «دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه» 590 «دعوه» 199 «دعوه فإن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم ... » 501 «دعوه فهذا الأعمى، أعمى القلب أعمى البصر» 44 «دعوهم» 547

[الذال] «ذاك الله عز وجل» 542 «ذهب أهل الهجرة بما فيها» 457 [الراء] «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ... » 86 «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ... » 86 «رحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد» 659 «رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» 658 «رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة» 377 «رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم» 615 «رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر ... » 483 «رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ... » 635 «ردوا علي ردائي أيها الناس، فو الذي ... » 481 [المعرف بالألف واللام] «الرحم شجنة من الرحمن» 617 [الزاي] «زعم أنه إذا رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز ... » 255 [السين] «ساقي القوم اخرهم شربا» 664 «سبحان الله العظيم، سبحان مقلب القلوب ... » 298 «سبقت رحمتي غضبي ... » 157 «سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم ... » 585 «سر حتى تنزل بساحتهم فادعهم إلى ... » 556 «سلمان منا أهل البيت» 277 «سمعت أنين عمي العباس في وثاقه ... » 160 «سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا» 529 «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني ... » 130 [المعرف بالألف واللام] «السكينة السكينة ليس البر بالإيضاع ... » 576 «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله ... » 309 «السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنىء لكم ... » 588 [الشين] «شاهت الوجوه» 142 «شدوا» 142 [المعرف بالألف واللام] «الشرك بالله وقتل النفس ... » 80 [الصاد] «صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله» 656 «صدق» 101 «صدق من سماك الرؤوف الرحيم ... » 639 «صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة» 145 «صدقت، صدقت» 571 «صدقتم» 555 «صلاة في مسجد قباء كعمرة» 20 «صلاة في مسجدي هذا خير من ... » 34 «صلوا كما رأيتموني أصلي ... » 631 [المعرف بالألف واللام] «الصلاة جامعة» 63، 64 «الصلاة خير من النوم» 65 «الصلاة في مسجد قباء ركعتين أحب إلي ... » 20 «الصلاة وما ملكت أيمانكم» 594

[الضاد] ..... [الطاء] «طرأ علي حزبي فكرهت أن أجيء حتى أتمه» 530 [الظاء] ..... [العين] «عبد الله بن أبي» 255 «عكاشة بن محصن» 177 «على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم» 421 «على رسلك يا أبا بكر» 591 «علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز ... » 637 «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله ... » 86 [المعرف بالألف واللام] «العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ... » 632 «العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والاخرة؟ ... » 430 «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ... » 643 [الغين] «غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، قاتل في ... » 562 «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم ... » 205 «غمسه يده في العدو حاسرا ... » 142 «غيروا من شعره، ولا تقربوه سوادا ... » 449 [الفاء] «فأجزه لي» 337 «فاحث في أفواههن التراب» 431 «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني ... » 628 «فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت ... » 22 «فأما البقر فأناس من أصحابي يقتلون ... » 188 «فإن لم يكن في سنة رسول الله؟» 559 «فإن لم يكن في كتاب الله؟» 559 «فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك ... » 559 «فأنت وذاك» 284 «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة ... » 578 «فإن ذلك أفضل» 34 «فإنك اتيه ومطوف به» 335 «فإنك من أهلها» 141 «فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» 28 «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل؟» 160 «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا ... » 109 «فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القران، وأطلقوا ... » 163، 670 «فكيف لك بلا إله إلا الله؟» 373 «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟» 255 «فلله الحمد» 64 «فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم ... » 87 «فما بال السيف في عنقك؟» 163 «فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟» 553 «فما جاء بك يا عمير؟» 163، 669

«فمن منهم من أشراف قريش؟» 132 «فهل لك في خير من ذلك؟» 254 «فهلا شققت عن قلبه فنظرت إليه؟» 373 «فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك ... » 632 «في الرفيق الأعلى» 593 «في كل ذات كبد رطبة أجر» 618 «في كل كبد رطبة أجر» 640 [المعرف بالألف واللام] «الفار من الله ورسوله؟» 493 «الفزع، الفزع» 368 [القاف] «قاتل بهذا يا عكاشة» 177 «قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط» 446 «قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء» 445، 460 «قد أذنت لخطيبكم فليقل» 543 «قد أمنتك، فاذهب حيث شئت ... » 324 «قد رأى هذا ذعرا» 341 «قد زوجتكها، فابعث إليها بها ... » 179 «قد سبقك بذلك الوحي» 65 «قد علمت الذي قلتم ... » 449 «قد عفوت عنك، وقد أحسن الله إليك ... » 453 «قد مات اليوم عظيم من عظاماء المنافقين» 44 «قد نهيتك عن حب يهود» 533 «قل» 397 «قل: نعم هو بيننا وبينك موعد» 209 «قم فأجب الرجل في خطبته» 543 «قم يا أبا عبيدة بن الجراح» 549 «قم يا بلال فناد بالصلاة» 63 «قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال ... » 543 «قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي» 138 «قم يا فلان فأت خالدا فقل له يرفع» 445 «قولوا: الله أعلى وأجل» 209 «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» 209 «قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه ... » 327 «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» 141، 173 «قوموا فانحروا ثم احلقوا» 337 [المعرف بالألف واللام] «القوم ما بين التسعمائة والألف» 132 [الكاف] «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان ... » 552 «كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون ... » 63 «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار ... » 205 «كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ... » 633 «كان ذلك في الرجال لا في النساء» 349 «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ... » 649 «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أشجع الناس ... » 642 «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع ... » 258 «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ... » 654 «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحدا ... » 96 «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما ... » 64

«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، كان ... » 66 «كان عمل رسول الله ديمة ... » 633 «كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى ... » 633 «كان يكون في مهنة أهله» 626 «كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم ... » 581 «كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه ... » 443 «كذبت لا يدخلها، إنه شهد بدرا والحديبية ... » 170 «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» 617 «كل مسكر حرام» 560 «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» 355 «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» 355 «كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم ... » 462 «كم القوم؟» 132 «كم ينحرون كل يوم؟» 132 «كما أنت يا طلحة» 201 «كما تدين تدان» 618 «كن أبا خيثمة» 501 «كن أبا ذر» 501 «كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث ... » 567 «كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم ... » 257 «كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟» 559 «كيف تيكم؟» 259، 260 «كيف يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟» 647 «كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم؟» 200 [اللام] «لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين» 549 «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ... » 416 «لأنهم لم يشكوا» 337 «لا» 54، 477، 550 «لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول ... » 161 «لا أشرب إلا مما يشرب منه الناس» 637 «لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم ... » 638 «لا، أكره أن تتحدث العرب أن محمدا ... » 505 «لا إله إلا الله واحده لا شريك له، صدق وعده ... » 447 «لا إله إلا الله واحده لا شريك له، له الملك ... » 570 «لا أمثل فيمثل الله بي وإن كنت نبيا» 159، 175 «لا أمثل فيمثل الله بي ولو كنت نبيا» 607 «لا، أولئك عتقاء الله» 476 «لا، بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من ... » 606 «لا، بل نحسن صحبته ما دام بيننا» 44 «لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك ... » 560 «لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي ... » 430 «لا تحملوا حتى امركم، وإن اكتنفكم القوم ... » 140 «لا تخبري بذلك أحدا» 625 «لا تختلفا» 432 «لا تخرجوا معي إلا رغبة في الجهاد، أما ... » 414 «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ... » 502

«لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله ... » 622 «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... » 34 «لا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك ... » 493 «لا تغافلوا عن ال جعفر أن تصنعوا لهم طعاما ... » 430 «لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا ... » 629 «لا تفتحه إلا بعد يومين، فإذا فتحته فامض ... » 119 «لا تقولوا الراهب، بل قولوا: الفاسق ... » 507 «لا تقولوا الراهب ولكن قولوا: الفاسق ... » 417 «لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا» 656 «لا حاجة لنا فيهم، إنا لا نستعين بكافر ... » 189 «لا حاجة لي به» 623 «لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فبالغ في ... » 439 «لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب الناس» 577 «لا حرج، لا حرج» 578 «لا نبرح حتى نناجز القوم» 331 «لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا ... » 121 «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية ... » 40، 82، 457 «لا والله لا تذرون له درهما» 161 «لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ... » 458 «لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة» 588 «لا، ولكن عليك بالصوم» 636 «لا، ولكن عليك بالصوم» 636 «لا، ولكن لا يقربك» 515 «لا ولكنني أكرهه، فإني أناجي من لا تناجي» 26 «لا يبقى بجزيرة العرب دينان» 421، 594 «لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا ... » 638 «لا يخرجنّ معنا إلا من حضر معنا القتال» 228 «لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع ... » 247 «لا يقاتلن أحد حتى امره بالقتال» 190 «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» 161 «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» 617، 618 «لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهل بيتي ... » 539 «لا ينبغي لهم أن يعلونا» 198 «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ... » 317، 376، 568 «لبيك بعمرة وحجة» 568 «لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي ... » 567 «لتزخرفنها- أي المساجد- كما زخرفت ... » 34 «لذلك غسلته الملائكة» 214 «لعلك جئت تخطب فاطمة؟» 179 «لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول ... » 549 «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور ... » 600 «لعن صلى الله عليه وسلم من اتخذ الحيوان غرضا» 640 «لقد أشرت بالرأي» 134 «لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى ... » 279

«لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب ... » 338 «لقد بقي من أجله ثلاث» 647 «لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله ... » 319، 409 «لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله ... » 143 «لقد سهل لكم من أمركم» 332 «لقد شققت علي يا رجل، أنا أنتظرك هنا ... » 645 «لقد عذت بعظيم، إلحقي بأهلك» 488 «لقد قتلت قتيلين لأدينهما» 240، 399 «لقد نعيت إلي نفسي» 587 «لقد نعيت إلي نفسي» 587 «لقد هممت أن أرسل إلى أبي وابنه فأعهد» 590 «لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم ... » 550 «للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ... » 166 «لم؟» 648 «لم تراعوا، لم تراعوا» 642 «لم يكن رسول الله فاحشا ولا متفحشا ... » 654 «لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله ... » 278 «لما نزلت هذه الاية وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ كان ... » 107 «لن أصاب بمثلك أبدا، وما وقفت قط موقفا ... » 207 «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما ... » 571 «لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له ... » 534 «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» 660 «لو أنا هبطنا عسفان لرأت قريش ... » 322 «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه» 156، 175 «لو جاءني لاستغفرت له، وإذ قد فعل هذا ... » 407 «لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن ... » 545 «لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد ... » 364 «لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة ... » 201 «لو قلتم له يدع هذه الصفرة» 654 «لو كان لابن ادم واديان من ذهب لابتغى ثالثا ... » 615 «لو كان لي يا عثمان عشرة لزوجتك ... » 231 «لو كنت أمرت بالسير لما استشرت» 504 «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» 658 «لو لم يبرز إليه أحد لبرزت أنا إليه» 192 «لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وإن اخرنا ... » 582 «لولا الهجرة لكنت امرا من الأنصار ... » 55 «لولا ذكرت الأنصار بخير فإنهم لذلك أهل» 487 «ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة ... » 372 «ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكن لك ... » 550 «ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغارنا» 664 «ليس منكم ولكنه منا للحلف ... » 177 «ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله» 429 «ليشربن أناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها» 355 [الميم] «ما أدري بأيهما أنا أسر: بفتح خيبر ... » 371

«ما أسكر الفرق منه، فملء الكف منه حرام» 355 «ما التفت يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها ... » 203 «ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها؟» 553 «ما أمرت أن اخذ من أموالكم شيئا» 511 «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» 120 «ما أنتم؟» 553 «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما» 124، 637 «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» 18 «ما بال أقوام يقولون كذا، أو يفعلون كذا ... » 654 «ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه ... » 634 «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» 34 «ما بين قبري ... » 34 «ما ترى يا ابن الخطاب؟» 156 «ما جاء بك، ألك حاجة؟» 179 «ما حديث بلغني عنكم؟» 483 «ما حملك على الامتناع من النزول أولا؟» 384 «ما حملك على ما صنعت؟» 391 «ما حملك على هذا؟» 418 «ما خلأت القصواء، وما هو بخلق لها» 327 «ما خلّفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرا؟» 513 «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار ... » 655 «ماذا كنت تحدث به نفسك؟» 449 «ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني ... » 550 «ما رأيك في المقام عليهم؟ ... » 477 «ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى قطعت أبهري» 418 «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ... » 654 «ما عدتهم؟» 132 «ما على عثمان ما عمل بعد اليوم» 496 «ما علمت عليه إلا خيرا» 264 «ما عليكم ألاتمنعوه، لعل الله ... » 213 «ما عندي شيء، ولكن ابتع علي، فإذا ... » 650 «ما فعل كعب؟» 513 «ما فعلت درع سلحتكها؟» 179 «ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه حتى ... » 208 «ما قبض نبي إلا ودفن حيث قبض» 599 «ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم» 480 «ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» 617 «ما كانت هذه لتقاتل» 472، 629 «مالك يا أبا أيوب؟» 385 «ما لي أرى ألوانكم تغيرت؟» 545 «ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا؟ ... » 108 «ما لي أراك مهتما؟» 213 «ما ملأ ابن ادم وعاء شرا من بطنه، فإن ... » 617 «ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم؟» 19 «ما يبكيك يا عمر؟» 608، 623 «ما يحملك على قول: بخ بخ؟» 141 «ما يسرني أن لي أحدا ذهبا يبيت عندي ... » 652 «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها» 189 «مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ... » 652 «متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك ... » 148

«مثله جهل الإسلام؟ ولو جعل نكايته ... » 424 «محمد، فاخرج» 667 «مخيريق خير يهود» 47 «مرحبا بابنتي» 628 «مرحبا بمن جاءنا مسلما مهاجرا» 453 «مروا أبا بكر فليصل بالناس» 589 «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ... » 483 «من أحب أن ينظر إلى شيطان فلينظر إلى هذا» 43 «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» 617 «من أسدى إليكم معروفا فكافئوه عليه» 27، 664 «من أفضل المسلمين» 170 «من الرجل؟» 549 «من أم قوما فليخفف فإن فيهم الضعيف» 530 «من أنتم؟» 556 «من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة» 33 «من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى ... » 20 «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة ... » 384 «من جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه» 660 «من جهز جيش العسرة فله الجنة» 495 «من دخل دار أبي سفيان فهو امن ... » 442، 460 «من دخل دار أبي سفيان فهو امن، ومن ألقى ... » 460 «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم ... » 327 «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ... » 287 «من رجل ينظر لى سعد بن الربيع ... » 212 «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة» 270 «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ... » 618 «من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك ... » 312 «من كان ظهره حاضرا فليركب معنا» 123 «من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه ... » 581 «من لا يرحم لا يرحم» 618 «من لكعب بن الأشرف فإنه اذى الله ورسوله؟» 397 «من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة ... » 616 «من مس دمي دمه لم تصبه النار» 200 «من هؤلاء؟» 511 «من يأخذ هذا السيف بحقه؟» 191 «من يحفظ لي ما بين لحييه وما بين رجليه ... » 617 «من يمنعك مني؟» 184، 670 «منا خير فارس في العرب» 177 «منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة ... » 444 [المعرف بالألف واللام] «المال مال الله وأنا عبده» 648 «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ... » 617، 631 «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» 41 «المرء مع رحله» 23 «المستشار مؤتمن» 615 «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله» 82 «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ... » 617

«المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى ويرد عليهم ... » 615 «المسلمون عند شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين ... » 617 [النون] «نحرت ههنا ومنى كلها منحر» 577 «نحن أولى بموسى منكم» 107 «نحن من ماء» 131 «نزلت هذه السورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ ... في أوسط ... » 579 «نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ ... » 479 «نصرت يا عمرو بن سالم ... » 436 «نعم ... » 131، 141، 155، 160، 406، 452، 486، 499 «نعم أصيبوا هذا اليوم» 430 «نعم، اللهم استر عوراتنا وامن روعاتنا» 287 «نعم، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ... » 545 «نعم، حبسهم العذر» 523 «نعيت إلي نفسي» 456 «نقركم على ذلك ما شئنا» 417 «نقركم ما شئنا» 421 «نهى النبي عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» 381 «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة عام خيبر ... » 382 «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع ... » 381 [المعرف بالألف واللام] «النار» 155 «الناس بأزمانهم أشبه منهم بابائهم» 616 «الناس سواسية كأسنان المشط» 614 «الناس كالإبل المائة لا تجد فيها راحلة» 615 «الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم ... » 619 [الهاء] «هؤلاء المنافقون يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟» 505 «هذا ابن أبي قحافة» 329 «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» 330 «هذا الذي أوفى الله بأذنه» 256 «هذا أمين هذه الأمة» 549 «هذا رجل غادر» 328 «هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا» 240 «هذا كتاب من محمد النبي الأمي ... » 57 «هذا لا يحل لك في دينك» 549 «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو» 335 «هذا مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء» 446 «هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل ... » 123 «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» 132 «هل أبقيت لأهلك شيئا؟» 496 «هل عرفتم القوم؟» 505 «هل منكم أحد لم يقارف الليلة؟» 532 «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا اتيه» 448 «هلك المتنطعون» 634 «هما ريحانتاي من الدنيا» 245، 627 «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة» 621 «هو مسجدكم هذا» 19 «هو هذا» 19 «هوّن عليك فإني لست بملك، إنما أنا ... » 657، 671

«هي خير بناتي، أصيبت فيّ» 490 [الواو] «واخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر ... » 52 «واتقوا الله في عاجل أمركم واجله، في السر ... » 22 «وإذا أنا دعوت فأمّنوا» 547 «واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان ... » 573 «والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ... » 572 «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله ... » 215 «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم ... » 141 «والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله ... » 86 «والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ... » 86 «والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل ... » 327 «والله إني لرسول الله حقا وإن كذبتموني ... » 335 «والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله ... » 336 «والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم ... » 484 «والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير ... » 5، 12 «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني ... » 643 «والمقصرين» 337 «والولد للفراش وللعاهر الحجر، ومن ادعى ... » 574 «وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا ... » 58 «وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين ... » 59 «وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به ... » 138 «وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم ... » 57 «وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم ... » 572 «وإن قوما من قبلكم اتخذوا قبور ... » 591 «وإن ماثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية ... » 572 «وإن من الشعر لحكما» 618 «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم ... » 511 «وأنا لا أرى ذلك» 477 «وأنا والّله أحبكم» 25 «وأنت امن» 324 «وأنتم اليوم لله» 556 «وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟» 574 «وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟» 583 «وإنك لهند بنت عتبة؟» 458 «وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ... » 58 «وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة ... » 58 «وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث ... » 59 «وأنه من تبعنا من يهود فإن له ... » 58 «وأوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به ... » 22 «وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ... » 637 «وبعثت إلى الخلق كافة» 15 «وبعثت إلى كل أحمر وأسود» 15 «وجدناه بحرا» 618 «وخرج الناس حين قدما المدينة ... » 25

«وخرج صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ... » 651 «وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه» 607 «وعلي جمع الحطب» 637 «وقفت ههنا وعرفات كلها موقف» 574 «ولا يسلمه» 82 «ولئن أظهرني الله على قريش في موطن ... » 207 «ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم» 490 «ولقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم ... » 429 «ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي ... » 548 «وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟» 553 «وما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية؟» 553 «وما انتقم لنفسه قط إلا أن ينتهك شيء ... » 646 «وما حملك على هذا يا سواد؟» 139 «وما عليك لو متّ قبلي، فقمت عليك ... » 588 «وما يغني عنه قميصي، إني لأرجو أن ... » 534 «وما يمنعني وإنما أنزل القران بلسان ... » 612 «ومن وافدك؟» 493 «وهذه لعثمان» 331 «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟» 444 «وهل عندك من شيء تستحلها به؟» 179 «وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ... » 617 «ويجير على المسلمين أدناهم» 437 «ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ ... » 441 «ويحك أو هبلت، أو جنة واحدة هي؟» 169 «ويحك غيب وجهك عني فلا أرينك ... » 211 «ويحك فمن يعدل إن لم أعدل؟! ... » 660 «ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم ... » 441 «ويحك يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير» 625 «ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي» 648 «ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد» 341 «ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟! لقد ... » 483 «يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلق به عدونا ... » 468 «يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم عهدا ... » 340 «يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل ... » 337 «يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟» 150 «يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟» 147 «يا ابن سلام اخرج عليهم» 28 «يا ابن عوف إنها رحمة» 582، 643 «يا أسامة فكيف لك بلا إله إلا الله؟» 373 «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض ... » 313 «يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا سفر» 463 «يا أيها الناس إن الله قد حرم مكة يوم خلق ... » 455 «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ... » 317 «يا بريدة أتبغض عليا؟» 560 «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» 32 «يا جد هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟» 498 «يا حاطب ما هذا؟» 438 «يا حذيفة، اذهب فادخل القوم فانظر ... » 287 «يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن ... » 481، 650

«يا رب إنك قادر على أن تثيب المظلوم ... » 576 «يا زيد تعلّم لي كتاب يهود، فإني والله ... » 249 «يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟» 263 «يا سلمة ملكت فأسجح، إنهم الان ... » 368 «يا سودة أعلى الله ورسوله تحرضين؟ ... » 154 «يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك» 262 «يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا ... » 622 «يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ... » 267 «يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند ... » 442 «يا عدي أسلم تسلم» 549 «يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم ... » 465 «يا علي إذا جلس إليك الخصمان ... » 561 «يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ... » 608، 624 «يا عمر تراني رضيت وتأبى؟» 342 «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» 433 «يا معاذ إنك عسى ألاتلقاني بعد عامي هذا ... » 559 «يا معشر الأنصار ألم اتكم ضلالا فهداكم الله ... » 483 «يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ... » 390 «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل ... » 260 «يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون ... » 591 «يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله، فو الله ... » 28 «يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ... » 455 «يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة ... » 447 «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟» 448 «يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ... » 270 «يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش ... » 394 «يا ملائكتي هؤلاء عبادي جاؤوني شعثا ... » 575 «يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو ... » 326 «يأبى الله ذلك والمؤمنون» 589 «يأبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر» 590 «يأتي زمان على أمتي يتباهون بالمساجد ... » 34 «يأتيكم بقية أبناء الملوك» 552 «يجزيك الثلث» 408 «يرحم الله أبا ذر، يمشي واحده ويموت واحده ... » 501 «يرحم الله المحلقين» 337 «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا ... » 559 «يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ... » 556 «يقول ابن ادم: مالي مالي، وإنما لك ... » 615 «يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ... » 40 «يمنعكم من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب ... » 547 [المعرف بالألف واللام] «اليد العليا خير من اليد السفلى ... » 615 [انتهى فهرس الأحاديث]

3 - فهرس الأعلام

3- فهرس الأعلام * (أ) ادم عليه السلام: 294، 447، 574. الالوسي: 312. امنة بنت وهب: 187. أبان بن سعيد بن العاصي: 331. أبرام- إبراهيم عليه السلام. إبراهيم عليه السلام: 35، 103، 157، 176، 301، 317، 318، 446، 466، 490، 567، 570، 603، 604، 618، 658، 659. إبراهيم بن محمد رسول الله: 181، 362، 490، 491، 582، 627، 643. إبليس: 127، 133. ابن أبيّ- عبد الله بن أبي. أبيّ بن خلف: 199. أبي بن كعب: 50، 187. ابن الأثير- محمد بن محمد بن عبد الكريم. أحمد بن الحسين- البيهقي: 179، 201، 213، 217، 252، 377، 423، 505، 544، 555، 560، 579. أحمد بن حنبل: 25، 34، 50، 87، 108، 111، 143، 164، 247، 249، 308، 338، 354، 430، 459، 489، 502، 506، 529، 531، 539، 561، 590، 617، 619، 658. أحمد بن عبد الحليم- ابن تيمية: 50. أحمد بن عبد الله- أبو نعيم: 18. أحمد بن علي بن حجر- ابن حجر العسقلاني: 25، 50، 52، 65، 111، 248، 264، 297، 298، 352، 367، 451، 453، 469، 496، 507، 533، 541، 542، 564، 565. أحمد بن علي بن شعيب- النسائي: 27، 111، 338، 534، 537، 555، 581، 613، 624. أحمد بن علي بن المثنى- أبو يعلى: 613. أحمد بن عمرو- البزار: 312، 342، 579، 639. أحمد بن محمد- الثعلبي: 298. أحمد بن موسى- ابن مردويه: 624. أحمد بن يحيى- البلاذري: 98. الأحمق المطاع- عيينة بن حصن.

_ * أسقطت في هذا الفهرس: أبو، أم، ابن، ابن أبي، ابن أم، أخت، بنت.

الأخنس بن شريق- أبو ثعلبة: 128. أربد بن قيس: 550، 551. أسامة بن زيد: 36، 190، 260، 373، 374، 444، 470، 532، 576، 585، 586، 590، 592، 593، 598، 600. أبو الأسباط- يعقوب عليه السلام. ابن إسحاق- محمد بن إسحاق. إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام: 392. أبو إسحاق السبيعي: 562. أسد بن سعنة: 281. أسد قريش- نوفل بن خويلد. أسد الله- حمزة بن عبد المطلب. إسرائيل ولفنسون: 276. أسعد بن زرارة- أبو أمامة: 21، 23، 30، 71. أسماء بنت أبي بكر- ذات النطاقين: 36، 61، 71، 313. أسماء بنت عميس: 371، 378، 379، 387، 430، 431، 532. إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام: 317، 392، 446، 618. إسماعيل بن عمر بن كثير- ابن كثير: 65، 68، 152، 169، 216، 298، 315، 321، 367، 487، 538، 541، 542، 581. الأسود بن عبد الأسد المخزومي: 138. الأسود بن عبد يغوث: 130. الأسود العنسي: 545، 561، 584. الأسود بن مسعود الثقفي: 531. الأسود بن المطلب بن أسد: 158. أسيد (والد عتاب) : 449. أسيد بن حضير: 189، 197، 255، 261، 324، 468، 499، 595. أبو أسيد الساعدي: 24. أسيد بن سعنة: 281. أسيد بن ظهير: 20. الأشج- المنذر بن عائذ. الأشعث بن قيس: 553. أصحمة بن أبجر (وانظر النجاشي) : 532. أفلح (مولى أبي أيوب الأنصاري) : 27. الأقرع بن حابس: 480، 482، 542، 543، 560، 627، 649. أكيدر دومة: 503، 504. إلياس: 528. أبو أمامة- أسعد بن زرارة. أمامة بنت أبي العاص بن الربيع: 490، 627. امرأة العزيز: 589. امرأة لوط: 265. امرأة نوح: 265. امرأة هلال بن أمية: 515. أمير بصرى- حاكم بصرى. إميل در منغم- در منغم. أميمة بنت عبد المطلب: 212، 294، 297. ابنة أبي أمية- هند بنت أبي أمية. أمية بن خلف: 117، 126، 132، 149، 150. أنجشة: 625. أنس بن فضالة: 187. أنس بن مالك: 24، 25، 28، 31، 32، 34، 54، 55، 66، 160، 168، 169، 196، 201، 204، 205، 212، 239، 297، 308، 309، 310، 312، 338، 363، 381، 523، 539، 611، 612، 635، 642، 649، 654، 656. أنس بن النضر: 196، 197، 212. أنسة (مولى النبي) - أبو مسروح: 124. ابن أم أنمار- سباع بن عبد العزى. أوس بن خولي الأنصاري: 598، 599.

أوس بن قيظي: 44، 290. إياس بن ربيعة بن الحارث- حارثة: 572. أم أيمن- بركة الحبشية. أيمن بن أم أيمن- أيمن بن عبيد. أيمن بن أم عبيد (- ابن أم أيمن) : 470، 473. أبو أيوب الأنصاري- خالد بن زيد. أم أيوب (زوج أبي أيوب الأنصاري) : 26، 269. (ب) باذان: 361، 584. بجير بن زهير بن أبي سلمى: 486. البخاري- محمد بن إسماعيل. أبو البختري- العاص بن هشام. بختنصر البابلي: 45. بديل بن ورقاء الخزاعي: 328، 435، 436، 440، 441، 442. أبو براء- عامر بن مالك. البراء بن عازب: 105، 124، 125، 190، 278، 338، 610. أبو بردة بن قيس الأشعري (أخو أبي موسى) : 371. أبو بردة بن أبي موسى الأشعري: 304. أبو برزة الأسلمي: 452. بركة بنت ثعلبة بن حصن- بركة الحبشية أم أيمن: 36، 473. بركة الحبشية- بركة بنت ثعلبة. برة بنت عبد المطلب: 245. بريدة بن الحصيب الأسلمي: 560، 562، 563. بريرة: 260. البزار- أحمد بن عمرو. بشر بن البراء بن معرور: 418. أم بشر بن البراء بن معرور: 104. بشر بن سفيان الكعبي: 326. بشير بن سعد الأنصاري: 373، 375، 376. أبو بصير- عروة بن أسيد. البغوي- الحسين بن مسعود. أبو بكر الصديق- عبد الله بن عثمان. بكر بن العلاء القشيري: 297. أبو بكرة- نفيع بن مسروح. البلاذري- أحمد بن يحيى. بلال الحبشي: 36، 37، 49، 52، 63، 64، 65، 110، 149، 446، 449، 542، 551، 556، 574، 630. البيهقي- أحمد بن الحسين. (ت) التّرمذي- محمد بن عيسى. تميم: 566. تميم الداري: 554. توماس كارليل- كارليل: 91، 92. ابن تيمية- أحمد بن عبد الحليم. (ث) ثابت بن أقرم: 428. ثابت بن قيس بن شماس- خطيب رسول الله: 253، 543، 545. ثعلب: 285. أبو ثعلبة- الأخنس بن شريق. ثعلبة بن حاطب (منافق) - ثعلبة بن أبي حاطب: 507. ثعلبة بن حاطب الأنصاري: 507. ثعلبة بن سعنة: 281. الثعلبي- أحمد بن محمد. ثمامة بن أثال: 99، 100، 321. ثويبة الأسلمية (جارية أبي لهب) : 245.

(ج) أبو جابر- عبد الله بن عمرو بن حرام. جابر بن سمرة: 610، 611. جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام: 170، 189، 201، 213، 217، 228، 418، 563، 645. الجاحظ- عمرو بن بحر. أبو الجارود- زياد بن المنذر. الجارود بن عمرو: 544، 545. جبار بن صخر: 419. جبريل عليه السلام: 20، 61، 103، 104، 141، 146، 170، 279، 295، 322، 406، 477، 508، 539، 587، 624، 639، 646، 649. جبلة بن الأيهم: 364. جبير بن مطعم: 187، 194. جحدر (من جذيمة) : 464. الجد بن قيس: 44، 331، 498، 521، 522. جدامة- الشيماء بنت الحارث. جدعون (أحد الأنبياء عند اليهود) : 301. جروة بن مازن: 196. ابن جريج: 65. جرير بن عبد الله البجلي: 556، 557، 574. ابن جعفر- عبد الله بن جعفر. جعفر بن أبي طالب: 50، 371، 378، 379، 386، 387، 418، 423، 426، 427، 429، 430، 431، 585. جلاس بن سويد بن الصامت: 43. جميع بن عمير: 52. جميلة بنت عبد الله بن أبي: 214. جندب بن جنادة- أبوذر الغفاري: 252، 370، 501. أبو جندل بن سهيل بن عمرو: 336، 337، 341، 350، 645. جهجاه بن مسعود الغفاري: 254. أبو جهل- عمرو بن هشام. أبو جهم بن حذافة: 350. ابن الجوزي- عبد الرحمن بن علي. جويرية بنت الحارث (أم المؤمنين) : 253، 254، 303، 307، 620. جيفر بن الجلندى: 364. (ح) حابس (والد الأقرع) : 482. ابن أبي حاتم- عبد الرحمن بن محمد. أبو الحارث (أسقف أهل نجران) : 546. الحارث بن أوس الأنصاري: 397. الحارث بن حاطب: 152. الحارث بن زمعة بن الأسود: 158. الحارث بن أبي شمر الغساني: 364. الحارث بن الصمّة: 125، 152، 197، 199، 239، 401. الحارث بن أبي ضرار: 252، 253. الحارث بن طلاطل: 451. الحارث بن عبد العزى السعدي- أبو ذؤيب- أبو كبشة: 360. الحارث بن عبد كلال الحميري: 364، 551. الحارث بن عمير الأزدي: 364، 426. الحارث بن عوف المري: 276، 284. الحارث بن كلدة: 475، 482. الحارث بن هشام: 445، 449، 481. حارثة بن ربيعة- إياس بن ربيعة بن الحارث. حارثة بن سراقة النجاري: 169. حاطب بن أمية بن رافع: 44. حاطب بن أبي بلتعة: 49، 169، 170، 361، 362، 437، 438. الحاكم- محمد بن عبد الله.

حاكم بصرى: 358، 426. حامد عبد القادر: 45. الحباب بن المنذر الخزرجي: 134، 174، 187، 189، 197، 468، 499. حبيب بن زيد بن عاصم: 203. حبيب بن مري- صاحب ياسين: 528. أم حبيبة- رملة بنت أبي سفيان. حبيبة بنت أم حبيبة بن أبي سفيان: 315. ابن حجر- أحمد بن علي بن حجر. حذامة- الشيماء بنت الحارث. أبو حذيفة بنت عتبة بن ربيعة: 49، 119، 137، 147، 148، 150، 173. حذيفة بن المغيرة بن عبد الله- زاد الراكب- سهيل: 247. حذيفة بن اليمان: 50، 196، 287، 288، 289، 505، 525. حرام بن ملحان: 239. حسان (أخو أكيدر دومة) : 504. حسان بن ثابت: 263، 264، 268، 269، 362، 543. الحسن البصري: 36. الحسن بن علي بن أبي طالب: 179، 232، 245، 436، 531، 547، 597، 627 628. الحسن بن يوسف- ابن المطهر الرافضي: 50. حسيل بن جابر- اليمان: 196. الحسين بن علي بن أبي طالب: 179، 232، 245، 248، 531، 547، 597، 627، 628. أبو الحسين بن عيدوس: 469. الحسين بن مسعود- البغوي: 55، 197. حصن (والد عيينة) : 482. حفصة بنت عمر (أم المؤمنين) : 231، 306، 384، 591، 608، 620، 622، 623، 624، 625. أبو الحكم- عمرو بن هشام. الحكم بن كيسان: 121. أم حكيم بنت الحارث: 453. حكيم بن حزام: 137، 440، 441، 442، 481، 650. الحليس بن زبّان (أو ابن علقمة) : 207، 328، 329. الحليس بن علقمة- الحليس بن زبان. حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية: 467. حماس بن قيس: 444، 445. حمد بن محمد الخطابي: 382. حمزة بن عبد المطلب: 49، 50، 67، 117، 118، 124، 138، 139، 148، 152، 156، 187، 188، 193، 194، 207، 208، 211، 212، 215، 216، 378، 379، 386، 387، 453، 454. حمنة بنت جحش: 212، 263، 264، 268، 269. أبو حميد الساعدي: 24. حميد الطويل: 168. حميد بن عبد الرحمن بن عوف: 537. أبو حنظلة- صخر بن حرب. حنظلة بن أبي سفيان: 149، 159. حنظلة بن أبي عامر- حنظلة الغسيل: 43، 196، 213، 214. حنظلة الغسيل- حنظلة بن أبي عامر. ابن الحنظلية- عمرو بن هشام. أبو حنيفة- النعمان بن ثابت. الحويرث بن نقيد: 451، 452. حويطب بن عبد العزى: 336، 378، 386. حيدره- علي بن أبي طالب.

الحيسمان بن عبد الله الخزاعي: 157. حيي بن أخطب: 47، 48، 275، 281، 383، 400، 401، 406، 409. (خ) بنت خارجة (زوج الصديق) : 593، 621. خارجة بن زيد بن ثابت: 249. خارجة بن زيد بن أبي زهير: 49. خالد بن البكير: 119. خالد بن زيد- أبو أيوب الأنصاري: 23، 26، 27، 28، 30، 32، 49، 83، 269، 385، 520، 548. خالد بن سعيد بن العاص: 315، 371، 529، 531. خالد بن الوليد: 81، 161، 191، 195، 198، 322، 326، 347، 387، 423، 424، 425، 428، 429، 443، 444، 445، 460، 461، 464، 465، 470، 472، 491، 503، 504، 555، 560، 630. خالدة بنت الحارث: 29. خبيب بن عدي: 235، 236، 241. خديجة بنت خويلد (أم المؤمنين) : 36، 162، 176، 301، 306، 488، 620، 644، 650. خذام بن خالد: 507. خذامة- الشيماء بنت الحارث. خراش بن أمية الخزاعي: 330. خزاعي بن أسود: 412. خزيمة بن كعب- المصطلق: 252. الخطاب (والد عمر) : 441. الخطابي- حمد بن محمد. ابن خطل- عبد الله بن خطل. خطيب رسول الله- ثابت بن قيس. خلاد بن سويد: 411. خليل الرحمن- إبراهيم عليه السلام. خنيس بن حذافة السهمي: 231. خولة بنت ثعلبة بن حكيم: 604. خوّات بن جبير: 152، 281. أبو خيثمة: 500، 501. خيرة (أم الحسن البصري) : 36. (د) الدارقطني- علي بن عمر. داود عليه السلام: 296، 301، 487. أبو داود- سليمان بن الأشعث. أبو دجانة- سماك بن خرشة. دحية بن خليفة الكلبي: 358، 360، 364، 383. در منغم: 91، 92، 299. دريد بن الصمة: 467، 470. أبو دسمة- وحشي بن حرب. دعثور: 184. الدمياطي- عبد المؤمن بن خلف. (ذ) ذات النطاقين- أسماء بنت أبي بكر. أبو ذر الغفاري- جندب بن جنادة. الذهبي- محمد بن أحمد بن عثمان. ذو البجادين- عبد الله ذو البجادين. ذو الجناحين- جعفر بن أبي طالب. ذو الخويصرة: 483. ذو رعين (النعمان) : 551. ذو النورين- عثمان بن عفان. أبو ذؤيب- الحارث بن عبد العزى. ابنة أبي ذؤيب- حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية.

(ر) أبو راشد: 84. رافدة الأسلمية: 319. أبو رابع (مولى خزاعة) : 435. أبو رافع (مولى النبي) : 36، 378، 490. أبو رافع الأعور- سلام بن أبي الحقيق. رافع بن حرملة: 44. رافع بن خديج: 190. رافع بن وديعة: 44. الراهب- أبو عامر الراهب. رباح: 607، 623. الربيع بن أبي الحقيق: 412. الربيع بن الربيع بن أبي الحقيق: 47. الربيع بنت النضر: 169. ابنا ربيعة- شيبة وعتبة. ربيعة بن أمية بن خلف: 574. ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: 470. ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب- إياس. ربيعة بن عامر بن مالك: 240. الرحمن- مسيلمة الكذاب. رحمن اليمامة- مسيلمة الكذاب. رفاعة بن زيد بن التابوت: 44. رقية بنت محمد رسول الله: 36، 124، 125، 151، 153، 181، 231، 245، 490، 532. رقية بنت أبي سلمة: 247. ركانة بن يزيد: 642. رملة بنت الحارث: 545، 554. رملة بنت أبي سفيان- أم حبيبة (أم المؤمنين) : 307، 315، 371، 423، 436، 620. أبو رهم الغفاري- كلثوم بن حصين. أبو رهم بن عبد العزى: 386. أبو رهم بن قيس الأشعري: 371. أبو رهم بن المطلب بن عبد مناف: 259. أم رومان (زوج الصديق) : 36. أبو رويحة- عبد الله بن عبد الرحمن. ريحانة القرظية- ريحانة بنت زيد بن عمرو: 303، 410، 620. (ز) زاد الراكب- حذيفة بن المغيرة بن عبد الله. الزبرقان بن بدر: 542، 543، 544، 561. الزبير بن بكار: 212، 490. الزبير بن العوام: 36، 49، 52، 110، 124، 131، 192، 194، 195، 197، 211، 212، 283، 417، 437، 442، 443، 499، 595، 597. زرعة ذو يزن: 551. زفر: 382. الزمخشري- محمود بن عمر. زمعة بن الأسود بن المطلب: 158. زمعة بن قيس (والد سودة) : 154. الزهري- محمد بن مسلم. زهير بن أبي أمية المخزومي: 445. زهير بن صرد: 479. زياد بن السكن: 202. زياد بن لبيد الأنصاري: 561. زياد بن المنذر (أبو الجارود) : 65. ابن زيد- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. زيد بن أرقم: 254، 255، 562، 563، 581. زيد بن أسلم: 96. زيد بن ثابت: 190، 249. زيد بن حارثة: 36، 49، 50، 118، 124، 150، 185، 280، 282، 294، 295، 297، 298، 299، 300، 308، 378، 379، 426، 427، 429، 431، 585،

605. زيد بن الدثنة: 236، 237، 241. زيد الخير- زيد الخيل: 550، 560. زيد بن رفاعة: 268. زيد بن زمعة بن الأسود: 473. زيد بن سعنة: 647. زيد بن سهل- أبو طلحة الأنصاري: 49، 83، 194، 201، 217، 532، 618، 642، 652. زيد بن عاصم: 203. زيد بن عمرو: 44. زيد بن اللصيت: 44. زيد بن محمد- زيد بن حارثة. زيد بن نصيب- زيد بن لصيب (وانظر زيد بن اللصيت) : 500. زيد بن يثيع: 537. زين العابدين- علي بن الحسين. زينب بنت جحش (أم المؤمنين) : 263، 294، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 307، 308، 309، 384، 475، 620، 622. زينب بنت الحارث اليهودية: 417. زينب بنت خزيمة (أم المؤمنين) - أم المساكين: 246، 306، 620. زينب بنت محمد رسول الله: 36، 162، 176، 350، 452، 488، 489، 490، 627. زينب بنت أبي سلمة: 247. زينب بنت علي بن أبي طالب: 179. زينب بنت عمرو بن أمية: 485. زينب اليهودية- زينب بنت الحارث. (س) سارة (مولاة بني عبد المطلب) : 437، 451. سباع بن عبد العزى: 193. سباع بن عرفطة الغفاري: 251، 414، 497، 568. السدي: 297. سراقة بن الحارث النجاري: 169. سراقة بن الحباب الأنصاري: 473. سراقة بن مالك بن جعشم: 126، 127. سعاد (زوج كعب بن زهير) : 486. ابن سعد- محمد بن سعد. سعد بن حنيف (يهودي منافق) : 44. سعد بن خولة: 40. سعد بن خيثمة: 71، 181. سعد بن الربيع: 49، 54، 212، 215. أم سعد بن الربيع: 202. سعد بن زيد: 368. سعد بن زيد الأشهلي: 44، 466. سعد بن سلامة بن وقش- سلكان بن سلامة بن وقش. أبو سعد بن أبي طلحة: 193. سعد بن عبادة: 24، 117، 198، 252، 261، 280، 281، 282، 284، 378، 442، 443، 595، 643. سعد بن مالك- أبو سعيد الخدري: 19، 200، 216، 287، 592، 654. سعد بن معاذ: 50، 117، 124، 126، 130، 134، 135، 140، 173، 174، 197، 261، 281، 282، 284، 319، 408، 409، 410، 504. سعد بن النعمان: 159، 160. سعد بن أبي وقاص: 41، 68، 117، 119، 120، 121، 131، 181، 194، 197، 199، 201، 216، 336، 585، 635. السعدان- سعد بن عبادة وسعد بن معاذ.

سعيد بن جبير: 382. سعيد بن حريث: 452. أبو سعيد الخدري- سعد بن مالك. سعيد بن عفير: 616. سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: 50، 123، 152، 410، 585. سعيد بن المسيب: 63، 83، 84، 520، 564. سفانة بنت حاتم الطائي: 493، 549. أبو سفيان- صخر بن حرب. أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: 439، 440، 469. سفيان بن خالد بن نبيح: 234، 235. سفيان الضمري: 131. أبو سفيان بن محصن- وهب بن محصن. سلافة بنت سعد: 237. سلكان بن سلامة بن وقش (أبو نائلة) : 397، 398. سلام بن أبي الحقيق (- أبو رافع، عبد الله بن أبي الحقيق) : 47، 275، 401، 412، 413. سلام بن مشكم: 47، 383، 416، 417. سلمى: 318. سلمى (مولاة النبي) : 490. سلمى بنت عمرو النجارية: 161. سلمى بنت عميس: 378، 387. سلمان الفارسي: 277، 279، 476. أبو سلمة- عبد الله بن عبد الأسد. أم سلمة- هند بنت أبي أمية. سلمة بن أسلم: 585. سلمة بن أسلم بن حريش: 324. سلمة بن الأكوع- سلمة بن عمرو بن الأكوع. سلمة بن حريش: 178. سلمة بن خويلد الأسدي: 233. سلمة بن أبي سلمة: 247، 248. سلمة بن سلامة بن وقش: 49. سلمة بن شبيب: 564. سلمة بن عمرو بن الأكوع: 107، 367، 368. سلمة بن هشام بن المغيرة: 430. أم سليط: 204. سليط بن عمرو العامري: 364. سليم- أبو كبشة (مولى النبي) . أم سليم (أم أنس) : 204، 205، 384. سليمان عليه السلام: 296، 302. سليمان بن أحمد- الطبراني: 19، 338، 539، 636. سليمان بن الأشعث- أبو داود: 19، 27، 34، 65، 108، 164، 271، 313، 338، 355، 489، 531، 561، 598، 617. سماك بن خرشة- أبو دجانة: 191، 193، 197، 202، 217، 401، 568. سمرة بن جندب: 190، 208. أبو سنان بن محصن: 411. سنان بن وبر الجهني: 254. سهل بن حنيف: 20، 197، 341، 348، 401. سهل بن عمرو (صاحب المربد) : 30. سهيل بن بيضاء: 119، 157. سهيل بن عمرو (صاحب المربد) : 30. سهيل بن عمرو بن عبد شمس- أبو يزيد: 132، 154، 159، 174، 332، 335، 337، 378، 444، 445، 468، 471، 482، 607. سهيل بن المغيرة- حذيفة بن المغيرة. السهيلي- عبد الرحمن بن عبد الله. سواد بن غزية: 139، 140، 660.

سودة بنت زمعة: 36، 154، 306، 620، 623. سويلم اليهودي: 498. السيد: 546، 548. سير موير- وليم موير. أم سيف (زوج قين بالمدينة) : 491. سيف الله المسلول- خالد بن الوليد. (ش) شاس بن قيس: 47، 389. شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي: 364. شداد بن الأسود- ابن شعوب: 213. شرحبيل بن عمرو الغساني: 364. ابن شعوب- شداد بن الأسود. شعيب عليه السلام: 266. شقران (مولى النبي) : 599. الشمّاء- الشيماء بنت الحارث. شيبة- شيبة الحمد- عبد المطلب بن هاشم. شيبة بن ربيعة: 132، 138، 139، 149، 605. شيبة بن عثمان بن أبي طلحة: 447. أبو الشيخ: 534. شيرويه بن كسرى: 361. الشيماء بنت الحارث السعدية (- جدامة، حذامة، خذامة، الشماء) : 480. (ص) صاحب إلياس- اليسع. صاحب أيلة- يحنة بن رؤبة. صاحب ياسين- حبيب بن مري. صالح (مولى النبي) : 598. صخر بن حرب- أبو سفيان: 68، 118، 123، 125، 128، 132، 133، 159، 160، 171، 185، 186، 191، 207، 209، 213، 228، 229، 237، 243، 244، 276، 277، 284، 286، 287، 288، 289، 315، 323، 324، 331، 359، 360، 436، 437، 440، 441، 442، 443، 449، 453، 458، 459، 460، 471، 477، 481، 530، 649، 662. صخر بن عامر: 259. الصديقة بنت الصديق- عائشة بنت أبي بكر. صرمة بن قيس: 108. صفوان بن أمية: 100، 101، 163، 164، 178، 185، 187، 191، 236، 237، 244، 424، 444، 445، 468، 471، 482، 649، 668، 669، 670. صفوان بن المعطل السلمي: 259، 264، 266، 268. صفية بنت حيي النضرية: 47، 303، 307، 383، 384، 385، 412، 620، 623. صفية بنت أبي العاص بن أمية: 315. صفية بنت عبد المطلب: 211، 532. صلاح الدين الأيوبي: 93، 167. (ض) ضرار بن الأزور: 177. ضرار بن الخطاب بن مرداس: 283. ضمام بن ثعلبة: 541. ضمضم بن عمرو الغفاري: 125. (ط) ابن طاب: 178. طارق بن بياضة: 192. طالب بن أبي طالب: 128. أبو طالب (عم الرسول) - عبد مناف بن عبد المطلب.

طالوت: 125. الطاهرة- خديجة بنت خويلد. الطبراني- سليمان بن أحمد. الطبري- محمد بن جرير. طعيمة بن عدي: 187، 194. الطفيل بن الحارث بن المطلب: 246. أبو طلحة- زيد بن سهل. طلحة بن أبي طلحة العبدري: 192. طلحة بن عبيد الله: 49، 52، 123، 152، 194، 197، 198، 199، 200، 201، 217، 496، 498، 515، 518، 595، 599. طلحة بن عثمان العبدري: 191. طليحة بن خويلد الأسدي: 177، 233، 276، 287. طيطوس الروماني: 45. (ظ) ..... (ع) عاتكة بنت خالد الخزاعية- أم معبد: 610. أبو العاص بن الربيع: 36، 162، 350، 452، 453، 488، 489، 490. العاص بن هشام بن الحارث- أبو البختري: 147، 149. العاص بن هشام بن المغيرة: 126، 148، 149، 173. عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح: 156، 197، 235، 237، 238، 322. عاصم بن عدي: 124، 152، 496، 508. عاصم بن عمر بن قتادة: 205، 217. العاقب: 546، 548. أبو العالية: 75. أبو عامر الأشعري- عبيد بن سليم. عامر بن الجراح (أبو عبيدة) - عامر بن عبد الله بن الجراح. عامر بن الحضرمي: 137، 138. أبو عامر الراهب- الفاسق: 43، 186، 192، 199، 214، 507. عامر بن ربيعة: 119. عامر بن الطفيل: 239، 240، 242، 550، 551. عامر بن عبد الله بن الجراح- أبو عبيدة: 49، 50، 52، 148، 149، 173، 197، 199، 200، 432، 444، 549، 585، 599. عامر بن فهيرة: 36، 37، 239. عامر بن مالك (- أبو براء، ملاعب الأسنة) : 239، 240، 242. عائشة بنت أبي بكر (أم المؤمنين) : 15، 33، 36، 37، 61، 62، 107، 204، 231، 254، 258، 261، 262، 263، 264، 265، 266، 267، 268، 269، 270، 271، 272، 273، 304، 306، 309، 310، 313، 384، 431، 458، 488، 580، 588، 589، 591، 592، 593، 599، 620، 622، 623، 625، 626، 633، 634، 644، 650، 651، 654. عباد بن بشر: 49، 368، 397. عباد بن حنيف: 43. عبادة بن الصامت: 395، 396. العباس بن عبد المطلب: 55، 147، 160، 161، 164، 165، 176، 178، 187، 307، 386، 387، 439، 440، 441، 442، 443، 452، 469، 470، 496، 497، 534، 572، 577، 578، 588، 589، 598، 599، 637.

العباس بن مرداس: 433، 480، 482، 649. ابن أم عبد- عبد الله بن مسعود. ابن عبد البر- يوسف بن عبد الله. عبد بن الجلندى: 364. عبد رب الكعبة: عبد الله بن عثمان (أبو بكر) . عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: 148، 173، 580، 593. عبد الرحمن بن حسان بن ثابت: 362. عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: 298. عبد الرحمن بن صخر- أبو هريرة: 112، 216، 280، 322، 372، 459، 537، 545، 610، 639، 656. عبد الرحمن بن عبد الله- السهيلي: 65، 192، 375، 528، 531، 564. عبد الرحمن بن علي- ابن الجوزي: 565. عبد الرحمن بن عمرو- الأوزاعي: 98. عبد الرحمن بن عوف: 49، 52، 54، 124، 149، 197، 217، 336، 353، 367، 464، 496، 582، 643. عبد الرحمن بن عيينة بن حصن: 367، 368. عبد الرحمن بن محمد- ابن أبي حاتم: 297، 298. عبد الرحيم بن الحسين- العراقي: 25، 565. عبد الرزاق الصنعاني: 75، 564. أبو عبد شمس- الوليد بن المغيرة. عبد العزى بن خطل- عبد الله بن خطل. عبد العزى بن عبد المطلب- أبو لهب (أبو عتبة، أبو عتيبة) : 126، 157، 171، 245. عبد الكعبة- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) . أم عبد الله- عائشة بنت أبي بكر. عبد الله بن أبيّ بن سلول: 43، 44، 188، 189، 228، 229، 254، 255، 256، 257، 259، 261، 263، 264، 268، 269، 290، 291، 395، 396، 400، 409، 497، 521، 522، 532، 533، 647. عبد الله بن أحمد- النسفي المفسر: 298. عبد الله بن الأريقط: 36. عبد الله بن أبي أمية: 439. عبد الله بن أنيس: 234، 235، 412. عبد الله بن أبي بكر: 36. عبد الله بن جبير بن النعمان: 190، 195، 214. عبد الله بن جحش: 119، 212، 215، 246، 294. عبد الله بن الجراح (والد أبي عبيدة) : 148، 149. عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: 427، 430. عبد الله بن حذافة السهمي: 360، 465. عبد الله بن أبي الحقيق- سلام بن أبي الحقيق. عبد الله بن خطل- عبد العزى بن خطل: 451. عبد الله ذو البجادين: 505. عبد الله بن رواحة: 32، 138، 150، 156، 157، 278، 281، 376، 418، 426، 427، 429، 431، 585. عبد الله بن الزبير: 36، 61، 71، 628. عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه: 63، 64. عبد الله بن زيد بن عاصم: 203، 211. عبد الله بن سعد بن أبي سرح: 451، 452. عبد الله بن سلام: 28، 47. عبد الله بن سهيل بن عمرو: 336.

عبد الله بن شهاب الزهري: 199. عبد الله بن طارق: 236. عبد الله بن عباس: 19، 27، 55، 75، 84، 104، 108، 110، 143، 145، 160، 164، 265، 273، 350، 381، 382، 386، 391، 489، 544، 545، 587، 649. عبد الله بن عبد الأسد- أبو سلمة: 118، 217، 233، 245، 247، 248، 306، 307. عبد الله بن عبد الرحمن- أبو رويحة الخثعمي: 49، 52. عبد الله بن عبد الله بن أبيّ: 243، 256، 533، 647. عبد الله بن عتيك: 412، 413. عبد الله بن عثمان- أبو بكر الصديق: 24، 25، 30، 31، 32، 36، 49، 52، 55، 61، 83، 112، 114، 124، 130، 131، 135، 140، 144، 148، 156، 157، 159، 166، 170، 173، 175، 176، 197، 200، 203، 209، 216، 231، 239، 249، 252، 258، 259، 262، 263، 306، 329، 334، 335، 336، 338، 391، 399، 421، 424، 425، 431، 432، 436، 437، 448، 449، 470، 477، 482، 485، 496، 499، 500، 505، 519، 520، 529، 530، 536، 537، 539، 540، 545، 548، 553، 554، 567، 584، 585، 589، 590، 591، 592، 593، 594، 595، 596، 597، 598، 599، 600، 603، 604، 605، 621، 622، 624، 625، 630، 650. عبد الله بن عثمان بن عفان: 245. عبد الله بن عمر بن الخطاب: 52، 63، 109، 124، 160، 190، 216، 354، 381، 421، 427، 464، 502، 579، 632. عبد الله بن عمرو بن حرام (والد جابر) : 189، 196، 213، 215، 217، 563، 645. عبد الله بن قيس- أبو موسى الأشعري: 11، 62، 304، 371، 473، 559، 560، 571. عبد الله بن اللتبية: 561. عبد الله بن لهيعة: 616. عبد الله بن مسعود: 49، 87، 136، 149، 157، 312، 382، 501. عبد الله بن أم مكتوم- عمرو بن أم مكتوم: 124، 189، 280، 322، 400. عبد المطلب بن هاشم- شيبة- شيبة الحمد: 23، 161، 469. أم عبد المطلب بن هاشم- سلمى بنت عمرو النجارية. عبد الملك بن هشام: 57، 65، 156، 376، 476، 487، 535، 541. عبد مناف بن عبد المطلب- أبو طالب: 139، 430، 643. عبد المؤمن بن خلف الدمياطي: 352. عبد ياليل بن عمرو الثقفي: 528. أبو عبيد- القاسم بن سلام. عبيد بن سليم الأشعري- أبو عامر: 473. عبيد بن عمير (أخو مصعب) : 148. أبو عبيد بن مسعود الثقفي: 178. عبيد الله بن جحش: 307، 315. أبو عبيدة (شيخ ابن هشام) : 541. عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب: 138. عبيدة بن الحارث بن المطلب: 68، 138،

139، 153، 181، 246. عتاب بن أسيد: 449، 468، 485. عتبان بن مالك: 49. أبو عتبة- عبد العزى بن عبد المطلب (أبو لهب) . عتبة بن ربيعة: 132، 135، 137، 138، 139، 149، 150، 173، 605. عتبة بن عمرو الفهري: 160. عتبة بن غزوان: 68، 119، 120، 121. عتبة بن أبي وقاص: 199. أبو عتيبة- عبد العزى بن عبد المطلب (أبو لهب) . العتيق- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) . عثمان بن أوفى: 44. عثمان بن طلحة بن أبي طلحة: 276، 347، 423، 424، 425، 446، 447. عثمان بن أبي العاص الثقفي: 528، 530. عثمان بن عبد الله بن المغيرة: 121. عثمان بن عفان: 32، 33، 36، 52، 124، 125، 151، 153، 184، 216، 231، 245، 249، 330، 331، 370، 452، 461، 495، 496، 497، 501، 525، 532، 547، 548، 560، 603. عثمان بن مظعون: 181، 582، 635، 636. عدي بن حاتم الطائي: 493، 494، 549، 561. عرابة بن أوس: 190. العراقي- عبد الرحيم بن الحسين. ابن العربي- محمد بن عبد الله. عروة بن أسيد الثقفي- أبو بصير: 340، 341، 350، 645. عروة بن مسعود الثقفي: 329، 330، 528، 531. أبو عزة الشاعر- عمرو بن عبد الله بن عثمان. ابو عزيز بن عمير (أخو مصعب) : 153، 154. ابن عساكر- علي بن الحسن بن هبة الله. عطارد بن حاجب بن زرارة: 542، 543. أم عطية الأنصارية: 205، 532. عظيم البحرين: 360. عفراء بنت عبيد النجارية (أم معاذ ومعود) : 142، 149. عقبة بن الحارث: 237. عقبة بن عمرو البدري (أبو مسعود) : 373. عقبة بن أبي معيط: 126، 154، 155. عقيل بن الأسود بن المطلب: 158. عقيل بن أبي طالب: 156، 160، 444. عقيلة بنت أبي الحقيق: 397. عكاشة بن محصن: 119، 120، 177، 331، 368. عكرمة: 639. عكرمة بن أبي جهل: 187، 191، 283، 286، 424، 444، 445، 451، 453، 471. العلاء بن الحضرمي: 100، 363، 561. علقمة بن علاثة العامري: 560. علي بن الحسن- ابن عساكر: 432. علي بن الحسين بن علي: 297، 298. علي بن الحسين بن علي- المسعودي: 565. علي بن أبي طالب: 27، 31، 49، 50، 52، 83، 118، 124، 131، 132، 138، 139، 143، 144، 148، 152، 155، 156، 170، 179، 193، 194، 197، 199، 200، 202، 209، 210، 228، 260، 283، 335، 336، 378، 379، 382، 399، 406، 416، 417، 431، 436، 437، 443، 445، 446، 452، 460، 465، 468، 470، 490،

493، 497، 499، 510، 531، 532، 536، 537، 539، 540، 547، 556، 560، 561، 571، 577، 578، 580، 581، 588، 589، 595، 597، 598، 599، 603، 610، 616، 632، 642، 662، 666. علي بن أبي العاص بن الربيع: 490. علي بن عمر- الدارقطني: 217، 617. علي بن محمد الماوردي: 264، 461. عمار بن ياسر: 50، 376، 505، 506. أبو عمارة- حمزة بن عبد المطلب. أم عمارة- نسيبة بنت كعب. عمارة بن عقبة بن أبي معيط: 349. عمارة بن يزيد بن السكن: 202. عمر بن الخطاب: 11، 32، 49، 52، 63، 64، 65، 83، 108، 112، 113، 114، 124، 130، 143، 147، 148، 156، 157، 159، 160، 163، 166، 169، 170، 173، 174، 175، 176، 197، 198، 203، 204، 209، 216، 231، 238، 247، 252، 254، 255، 257، 264، 306، 309، 310، 318، 330، 334، 335، 336، 337، 342، 346، 348، 350، 353، 354، 355، 371، 372، 384، 399، 416، 421، 422، 425، 432، 436، 438، 441، 452، 461، 470، 477، 482، 483، 485، 496، 499، 504، 505، 533، 534، 548، 549، 560، 575، 585، 587، 589، 594، 595، 596، 599، 600، 603، 604، 607، 608، 616، 620، 621، 622، 623، 624، 630، 631، 647، 650، 669. عمر بن أبي سلمة: 247. عمر بن شيبة: 422. عمر بن عبد العزيز: 33، 115، 217، 218، 599. عمرة بنت علقمة الحارثية: 194. عمرو بن أمية الضمري: 240، 315، 324، 363، 371، 399، 423. عمرو بن الأهتم: 542، 543، 544. عمرو بن بحر- الجاحظ: 613، 616، 617. عمرو بن جحّاش: 47، 399. عمرو بن الجموح: 213، 215، 217، 645. عمرو بن حزم: 555. عمرو بن الحضرمي: 120، 126، 137، 138. عمرو بن سالم الخزاعي: 435، 436. عمرو بن سعدى القرظي: 281. عمرو بن سعيد بن العاص: 371. عمرو بن أبي سفيان بن حرب: 159، 160. عمرو بن سلمة: 541. عمرو بن العاص: 187، 315، 347، 423، 424، 425، 432، 433، 466. أم عمرو بن العاص: 432. عمرو بن عبد الله بن عثمان- أبو عزة الشاعر: 161، 164، 186. عمرو بن عبدودّ: 283. أبو عمرو بن العلاء: 523. عمرو بن قيس: 44. عمرو بن أم مكتوم- عبد الله بن أم مكتوم. عمرو بن هشام (- أبو جهل، أبو الحكم) : 67، 126، 128، 132، 137، 149، 666، 667. عمير بن الحمام: 141، 173، 181. عمير بن أبي وقاص: 181. عمير بن وهب الجمحي: 100، 101، 137،

163، 164، 178، 501، 668، 669، 670. عوف بن الحارث بن رفاعة- عوف بن عفراء: 138، 142، 154، 181. عوف بن عفراء- عوف بن الحارث بن رفاعة. عويف بن الأضبط: 375. عويم بن ساعدة: 19، 49. عياض بن موسى (القاضي عياض) : 298، 613. عيسى عليه السلام: 91، 92، 93، 157، 176، 358، 362، 363، 365، 603، 604، 656. عيينة بن حصن- الأحمق المطاع: 252، 276، 284، 289، 433، 480، 482، 542، 560، 649. (غ) غالب بن عبد الله الكلبي: 373. غسيل الملائكة- حنظلة بن أبي عامر. غورث بن الحارث: 184، 646. غورو: 93. غوستاف لوبون: 168. (ف) الفاروق- عمر بن الخطاب. الفاسق- أبو عامر الراهب. فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب: 378، 379. فاطمة بنت صفوان: 331. فاطمة بنت الضحاك الكلابية (زوج النبي) : 488. فاطمة بنت محمد رسول الله: 36، 155، 179، 200، 216، 232، 245، 378، 436، 437، 452، 490، 532، 547، 571، 588، 594، 595، 627، 628، 637، 638، 660. الفاكه بن المغيرة: 464. الفاكهي- محمد بن إسحاق الفاكهي. فرات بن حيان: 185. فرتنى (قينة ابن خطل) : 451. فرعون: 227. أم فروة (أخت الصديق) : 553. فروة بن نفاثة: 469. فضالة بن عمير: 449. أم الفضل (زوج العباس) - لبابة بنت الحارث. الفضل بن العباس بن عبد المطلب: 160، 470، 532، 576، 577، 598، 599. فنحاص بن عازوراء: 391. فندر (قسيس) : 299. فيروز: 584. (ق) القارىء- مصعب بن عمير. قارب بن الأسود: 531. قارون: 429. القاسم بن سلام- أبو عبيد: 151، 531. قتادة: 298، 534، 562. أبو قتادة الأنصاري: 326، 368، 412، 470، 514. قتادة بن النعمان الأنصاري: 196، 217. قتيلة بنت الحارث: 156، 175. قثم بن العباس بن عبد المطلب: 160، 470، 598، 599. أبو قحافة: 448، 449. ابن أبي قحافة- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) . القرطبي المفسر- محمد بن أحمد. قريبة (قينة ابن خطل) : 451. قزمان: 205. أبو القصم- علي بن أبي طالب.

ابن قمئة: 196، 199، 202، 212. قيس: 566. قيس بن أبي حازم: 201. قيس بن الحصين: 555. قيس بن سعد بن عبادة: 111، 443. قيس بن عاصم التميمي: 542، 543، 561. قيس بن عزرة الأحمسي: 556. قيس بن عمرو: 44. قيس بن عيلان: 124. قيصر الروم: 251، 282، 290، 330، 358، 360، 363، 364، 441، 608، 624. ابن القيم- محمد بن أبي بكر. (ك) كارليل- توماس كارليل. أبو كبشة- الحارث بن عبد العزى. أبو كبشة (مولى النبي) - سليم: 124. ابن كثير- إسماعيل بن عمر بن كثير. كرز بن جابر الفهري: 118، 323، 563. كسرى: 282، 290، 330، 358، 360، 361، 363، 414، 441، 608، 623، 652. كسرى بن برويز بن هرمز: 360. كعب بن أسد: 47، 281، 407. كعب بن الأشرف: 47، 397، 398، 412. كعب بن زهير بن أبي سلمى: 451، 454، 486. كعب بن زيد: 240. كعب بن عجرة: 373. كعب بن مالك: 50، 196، 198، 512، 513، 514، 515، 516، 517، 518. ابن الكلبي- هشام بن محمد بن السائب. كلثوم بن حصين الغفاري- أبو رهم: 375، 439. أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب: 179، 204. أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط: 349. أم كلثوم بنت محمد رسول الله: 36، 231، 452، 490، 532. كلثوم بن الهدم: 71. كلدة بن الحنبل: 471. كناز بن حصن- كناز بن حصين (أبو مرثد الغنوي) : 67، 124. كنانة بن أبي الحقيق: (انظر كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق) . كنانة بن الربيع (أخو أبي العاص) : 453. كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق: 47، 275، 383، 401، 412. كنانة بن عدي بن ربيعة: 453. الكندي (والد أكيدر) : 504. (ل) كيسان (مولى عتاب بن أسيد) : 485. لامنس: 299. لاوي بن يعقوب: 383. لبابة بنت الحارث الهلالية- لبابة الصغرى (أم خالد) : 387. لبابة بنت الحارث الهلالية- لبابة الكبرى (أم الفضل) : 160، 178، 307، 386، 387. لبابة الصغرى- لبابة بنت الحارث (أم خالد) . أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري: 124، 125، 152، 407، 408، 510، 511، 512، 525، 526، 527. لبابة الكبرى- لبابة بنت الحارث الهلالية (أم الفضل) . ابن اللبتية- عبد الله بن اللبتية. أبو لهب- عبد العزى بن عبد المطلب.

ابن لهيعة- عبد الله بن لهيعة. اللورد اللنبي: 93. لوط عليه السلام: 265، 659. لؤي بن غالب: 263. (م) مابور: 362. مارية القبطية: 303، 362، 490، 491، 582، 620، 624، 625. مالك بن أنس (الإمام) : 35، 98، 217، 459، 558. مالك بن الدخشم: 508. مالك بن سنان (والد أبي سعيد) : 200. مالك بن صيف: 47، 392. مالك بن عوف النصري: 467، 469، 473، 475، 480، 649. مالك بن مرارة الرهاوي: 551. مالك بن نويرة: 561. الماوردي- علي بن محمد. المثنى بن حارثة: 178. مجاشع بن مسعود: 457. مجالد بن مسعود: 457. مجاهد: 523. المجدع في الله- عبد الله بن جحش. مجدي بن عمرو الجهني: 67، 132. مجمّع بن جارية: 508. مجمع بن حارثة: 338. أبو محجن الثقفي: 352. محرز بن نضلة: 368. محسن بن علي بن أبي طالب: 179. محمد: 614. محمد بن إبراهيم بن المنذر- ابن المنذر: 75. محمد بن أحمد- القرطبي المفسر: 312. محمد بن أحمد بن عثمان- الذهبي: 248، 581. محمد بن إدريس الشافعي: 317، 459، 460، 531، 563. محمد بن إسحاق بن خزيمة: 65، 111. محمد بن إسحاق الفاكهي- الفاكهي: 382. محمد بن إسحاق بن يسار: 43، 47، 50، 64، 68، 74، 145، 151، 152، 160، 177، 197، 202، 205، 208، 216، 217، 235، 252، 264، 322، 323، 326، 331، 352، 377، 391، 397، 412، 421، 423، 429، 430، 432، 443، 453، 473، 489، 500، 502، 507، 523، 535، 537، 541، 542، 544، 546، 555، 561، 563، 564، 594، 666. محمد بن إسماعيل البخاري: 12، 15، 16، 18، 20، 25، 28، 31، 32، 34، 37، 40، 41، 54، 56، 61، 63، 66، 80، 82، 86، 105، 106، 107، 108، 110، 112، 124، 130، 143، 152، 155، 160، 162، 168، 169، 170، 179، 201، 204، 216، 231، 235، 241، 249، 258، 278، 297، 309، 310، 321، 323، 335، 337، 338، 354، 367، 370، 371، 381، 382، 418، 431، 444، 497، 502، 512، 531، 534، 537، 541، 542، 544، 546، 552، 560، 561، 578، 587، 613، 617، 618، 619، 629، 631، 634، 635، 638. محمد بن أبي بكر- ابن القيم: 25، 264. محمد بن أبي بكر الصديق: 431. محمد بن جرير الطبري: 22، 71، 75، 84، 125، 152، 252، 297، 298، 350، 624.

محمد بن جعفر بن أبي طالب: 430. محمد حسين هيكل: 69، 70، 197، 299، 326، 395. محمد الخضري: 138، 181، 246، 333، 377، 386، 425. محمد بن سعد- ابن سعد: 50، 63، 64، 125، 197، 383، 386، 398، 413، 432، 469، 541، 542، 558، 561، 564، 594. محمد بن عبد الله- الحاكم: 52، 75، 104، 108، 111، 160، 252، 264، 289، 338، 451، 461، 565. محمد بن عبد الله- ابن العربي: 297، 560. محمد بن عمر- الواقدي: 68، 178، 179، 197، 203، 216، 244، 383، 398، 475، 541، 542، 564، 594. محمد بن عيسى- الترمذي: 19، 20، 65، 86، 312، 338، 381، 384، 489، 537، 539، 561، 617، 619، 658. محمد بن محمد بن عبد الكريم- ابن الأثير: 432. محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب- الزهري: 75، 84، 96، 297، 339، 564. محمد بن مسلمة الأنصاري: 198، 251، 321، 332، 375، 376، 383، 397، 398، 399، 417، 497، 510. محمد بن يزيد- ابن ماجه: 19، 20، 65، 111، 489، 530، 534، 658. محمود بن عمر- الزمخشري: 272، 298، 657. محمود بن مسلمة: 336، 383، 417. مخرمة بن نوفل: 128. مخشي بن عمرو الضمري: 117. مخيريق: 47. مذكور: 251. مرارة بن الربيع العمري: 512، 513. أبو مرثد الغنوي- كناز بن حصن. مرثد بن أبي مرثد الغنوي: 124، 235. مرحب اليهودي: 416، 417. مرداس (والد العباس) : 482. مرداس بن نهيك: 373. ابن مردويه- أحمد بن موسى. المرزبانة (زوجة باذان) : 584. مريم (أم المسيح عليه السلام) : 275، 273، 547. أم المساكين- زينب بنت خزيمة. أبو مسروح- أنسة (مولى النبي) . مسروق بن الأجدع: 62، 304. أم مسطح: 259. مسطح بن أثاثة: 259، 262، 263، 264، 268. أبو مسعود البدري- عقبة بن عمرو. مسعود بن سنان الأسلمي: 412. مسعود بن عمرو الغفاري: 472. المسعودي- علي بن الحسين. مسلم بن الحجاج: 15، 19، 20، 25، 31، 34، 40، 41، 50، 66، 80، 82، 86، 87، 97، 98، 105، 107، 112، 145، 155، 169، 170، 204، 205، 216، 258، 270، 278، 308، 309، 355، 363، 381، 459، 461، 469، 497، 512، 534، 537، 562، 563، 567، 598، 600، 612، 613، 617، 618، 623، 634، 635، 649، 658. مسلمة بن أسلم: 282. المسيح- عيسى عليه السلام. مسيلمة الكذاب: 100، 203، 211، 545، 546، 583.

مصعب بن عمير: 49، 124، 148، 153، 154، 155، 173، 189، 196، 202، 212، 215، 643. المصطلق- خزيمة بن كعب. المطلب بن حنطب المخزومي: 164. المطلب بن أبي وداعة السهمي: 158. ابن المطهر الرافضي- الحسن بن يوسف. معاذ بن الحارث بن رفاعة- معاذ بن عفراء: 149. معاذ بن جبل: 49، 50، 108، 114، 485، 513، 558، 559، 587. معاذ بن عفراء- معاذ بن الحارث. معاذ بن عمرو بن الجموح: 149. معاوية بن أبي سفيان: 83، 217، 265، 350، 385، 481، 603. أم معبد- عاتكة بنت خالد. معبد بن أبي معبد الخزاعي: 228. معتب بن قشير: 483، 507. أبو معشر: 252، 451. معن بن عدي بن الجد بن عجلان: 508. معوذ بن الحارث بن رفاعة- معوذ بن عفراء: 138، 149، 154، 181. معوذ بن عفراء- معوذ بن الحارث. المغيرة بن شعبة: 329، 330، 477، 529، 530، 531. المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: 27. المغيرة بن نوفل بن الحارث: 490. المقداد بن عمرو: 68، 83، 84، 124، 130، 155، 173، 198، 368، 374، 437، 520. المقرىء- مصعب بن عمير. المقوقس: 358، 361، 362، 469، 490. مقيس بن صبابة: 257، 451، 452. ابن أم مكتوم- عبد الله بن أم مكتوم. مكحول (غلام الشيماء) : 480. مكرز بن حفص: 159، 328، 332، 336، 376. ملاعب الأسنة- عامر بن مالك. ملك أيلة- يحنة بن رؤبة. ملك بني الأصفر- قيصر. ملك غسان: 514، 517. المنبعث: 476. ابن المنذر- محمد بن إبراهيم بن المنذر. المنذر بن ساوى: 363. المنذر بن عائذ- الأشج: 544. المنذر بن عمرو: 239، 240. منذر بن محمد بن عقبة: 240. المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة: 561، 584. موسى عليه السلام: 106، 107، 130، 131، 157، 175، 176، 227، 266، 273، 327، 349، 384، 392، 468، 483، 497، 594، 603، 604، 605، 606، 658. أبو موسى الأشعري- عبد الله بن قيس. موسى بن عقبة: 30، 252، 377، 530، 563، 564. مؤمن ال فرعون: 144. مؤنس بن فضالة: 187. أبو مويهبة (مولى النبي) : 588. موير- وليم موير. ميكائيل: 624. ميمونة بنت الحارث الهلالية: 307، 378، 386، 387، 444، 588، 620، 645. (ن) أبو نائلة- سلكان بن سلامة بن وقش. نبتل بن الحارث: 43، 508. النجاشي (وانظر أصحمة) : 109، 110، 315،

316، 330، 358، 363، 371، 423، 663. النسائي- أحمد بن علي. نسطاس: 237. النسفي المفسر- عبد الله بن أحمد. نسيبة بنت كعب- أم عمارة: 202، 205، 217. النضر بن الحارث: 154، 155، 156، 175. النعمان (قيل ذي رعين) - ذو رعين. نعمان بن أوفى: 44. النعمان بن بشير: 71. النعمان بن ثابت- أبو حنيفة: 459. أبو نعيم- أحمد بن عبد الله. نعيم الداري (أخو تميم) : 554. نعيم بن عبد كلال: 551. نعيم بن مسعود الأشجعي: 185، 243، 285، 286. نفيس- نبش بن إسماعيل. نفيع بن الحارث- نفيع بن مسروح. نفيع بن مسروح (- أبو بكرة، نفيع بن الحارث) : 475، 578. نميلة بن عبد الله الليثي: 326، 452. نوح عليه السلام: 157، 176، 265، 603، 604، 605. نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: 160. نوفل بن خويلد بن العدوية- أسد قريش: 149. نوفل بن عبد الله بن المغيرة: 283. نوفل بن معاوية الدئلي: 477. النووي- يحيى بن شرف. (هـ) هارون عليه السلام: 383، 384، 497. ابن أبي هالة- هند بن أبي هالة. هالة بنت خويلد: 644. أم هانىء بنت أبي طالب: 445، 460. هبار بن الأسود: 451، 452، 453، 488. هبيرة بن أبي وهب المخزومي: 445. هرقل (وانظر قيصر) : 98، 358، 359، 364، 414، 426، 427، 507، 662. أبو هريرة- عبد الرحمن بن صخر. ابن هشام- عبد الملك بن هشام. هشام بن صبابة: 253، 257. هشام بن عروة بن الزبير: 304. هشام بن محمد بن السائب- ابن الكلبي: 45، 507. هشام بن الوليد بن المغيرة: 161. هلال بن أمية الواقفي: 512، 513، 515. هلال بن عامر بن صعصعة: 246. أبو هند (حالق إبراهيم ابن النبي) : 491. هند بنت أبي أمية- أم سلمة (أم المؤمنين) : 36، 216، 245، 246، 247، 304، 306، 307، 337، 414، 430، 439، 444، 475، 620. هند بنت أبي سفيان- رملة بنت أبي سفيان. هند بنت طارق بن بياضة: 192. هند بنت عتبة: 187، 191، 192، 194، 195، 207، 451، 453، 458. هند بن أبي هالة: 610. هوذة بن علي (ملك اليمامة) : 364. هيكل- محمد حسين هيكل. (و) واشنطن إرفنج: 299. واقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمي: 119، 120. الواقدي- محمد بن عمر. وائل بن حجر بن ربيعة: 552، 616. وحشي بن حرب- أبو رسمة: 187، 194،

203، 207، 211، 451، 453، 454. وحيد قريش- الوليد بن المغيرة. أبو وداعة بن ضبيرة السهمي: 158. وردان: 476. أبو الوليد- عتبة بن ربيعة. الوليد بن عبد الملك: 33، 599. الوليد بن عتبة بن ربيعة: 138، 139، 149. الوليد بن عقبة بن أبي معيط: 349، 491. الوليد بن الوليد بن المغيرة: 161، 424. وليم موير: 299. وهب بن محصن- أبو سفيان بن محصن (أخو عكاشة) : 331. وهب بن عمير بن وهب الجمحي: 163، 668. وهب بن يهوذا: 47. (ي) أبو ياسر بن أخطب (أخو حيي) : 47. ياسر اليهودي (أخو مرحب) : 417. ياسين- إلياس. يامين بن عمرو: 497. يحنس: 476. يحنة بن رؤبة (- صاحب أيلة، ملك أيلة) : 469، 502، 503. يحيى بن شرف النووي: 460، 562. يحيى بن المغيرة بن نوفل: 490. أبو يزيد- سهيل بن عمرو. يزيد بن حاطب بن أمية: 44. يزيد بن أبي سفيان: 481، 561. يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: 83، 248. يسار بن مالك الثقفي: 475. اليسع: 528. يسوع- عيسى عليه السلام. يعقوب عليه السلام: 262، 267. يعقوب: 523. يعقوب بن سفيان: 564. أبو يعلى- أحمد بن علي. أبو اليقطان- عمار بن ياسر. اليمان (والد حذيفة) - حسيل بن جابر. يوسف عليه السلام: 273، 589، 658. أبو يوسف (قين بالمدينة) : 491. يوسف بن عبد الله- ابن عبد البر: 52، 103، 203، 246، 387، 453، 488، 507. يونس بن حبيب: 614. [انتهى فهرس الأعلام]

4 - فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات *

4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات* (أ) ادم (بنو) : 267، 270، 273، 438، 606، 619، 629، 658، 672. ال أبي بكر: 36، 267. ال البيت (- ال بيت النبي، ال رسول الله) : 188، 260، 264، 268، 272، 277، 305، 309، 470، 499، 534، 539، 581، 590، 598. ال جعفر: 430، 431. ال سعود: 34. ال عفراء: 154. ال فرعون: 144. ال يسار بن مالك: 475. إبراهيم عليه السلام (بنو) : 618. الأبناء (من فارس) : 361. الأخوات المؤمنات: 387. أخوال عبد المطلب: 23. الأحابيش: 88، 186، 207، 328، 329، 330. أحبار اليهود- الأحبار: 28، 29. الأحزاب: 276، 277، 284، 286، 287، 289، 290، 293، 410، 412، 447، 571، 580، 645. أحمس (إخوة بجيلة) : 556، 557. إرم: 41، 393. الإريسيّون: 358. الأزد: 553. أسد (بنو) : 276، 561. إسرائيل (بنو) : 48، 130، 131، 175، 227، 265، 327، 391. أسلم (قبيلة) : 327، 515. إسماعيل عليه السلام (بنو، أولاد) : 618. أشجع (بنو) : 276، 433. الأشعريون: 371، 552. أصحاب أحد: 591. أصحاب (أهل) الإفلك: 259، 260، 263، 272. أصحاب بئر معونة: 239. أصحاب بيعة الرضوان: 345، 346. أصحاب سرية الرجيع: 282، 322.

_ * أسقطت في هذا الفهرس: بنو، قبيلة، دولة، مملكة، حضارة، قوم، ووضعتها على اليسار بين قوسين () لتسهيل الكشف عن المراد.

أصحاب سورة البقرة: 470. أصحاب الشجرة: 470. أصحاب القليب: 163، 669. أصحاب مؤتة: 429. الأصفر (بنو) - الروم. الأقيال: 552، 616. الأكاسرة: 35. أمهات المؤمنين (- زوجات النبي، نساء النبي) : 248، 249، 266، 271، 296، 303، 304، 309، 310، 311، 312، 316، 384، 488، 620، 635. أمية بن زيد (بنو) : 507. أنباط أهل الشام: 514. الأنصار- أنصار الله: 13، 23، 24، 25، 27، 30، 32، 39، 40، 41، 42، 46، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 59، 71، 74، 89، 96، 106، 108، 117، 124، 130، 138، 143، 145، 147، 149، 153، 160، 161، 163، 164، 175، 176، 181، 188، 192، 197، 200، 201، 202، 205، 211، 212، 230، 252، 253، 254، 255، 261، 277، 280، 285، 326، 373، 401، 403، 404، 412، 426، 439، 442، 452، 459، 462، 470، 480، 483، 484، 485، 486، 487، 491، 496، 577، 585، 586، 591، 595، 596، 612، 614، 650، 669. أهل بدر: 166، 168، 169، 170، 232، 507، 560. أهل التثليث- النصارى. أهل (أعراب) تهامة: 186. أهل السفينة: 372، 418. أهل الصفة: 18، 239، 638، 660. أهل النفاق (وانظر: المنافقون) : 189، 400. الأوس: 41، 44، 46، 60، 89، 117، 189، 192، 261، 281، 319، 389، 390، 393، 398، 407، 408، 409، 412، 468، 499، 612. إياد (قبيلة) : 192. (ب) البابوات: 93. بجيلة (قبيلة) : 323، 556. البروتستانت: 167. البكاؤون: 496، 510، 523. بكر (بنو، قبيلة) : 187، 333، 435، 444. بكر بن عبد مناة (بنو) : 126. بكر بن كلاب (بنو) : 321. بكر بن وائل (بنو) : 185. بليّ: 426، 432. بهراء (قبيلة) : 426. (ت) التابعة: 652. التتار: 101. تغلب (قبيلة) : 554. تميم (بنو، قبيلة) : 483، 542، 552. تيم الرباب: 323. (ث) ثعلبة (بنو) : 184، 370. ثقيف (قبيلة) : 88، 467، 469، 470، 473، 475، 476، 477، 480، 505، 528، 529، 530، 531، 541، 605، 639. ثمود (قبيلة، قوم) : 502.

(ج) الجارودية (فرقة) : 65. جذام (قبيلة) : 81، 426. جذيمة (بنو) : 464، 465. جشم (بنو) : 57، 467. جهينة (قبيلة) : 117، 123، 486. (ح) الحارث بن الخزرج (بنو) : 24، 164. الحارث بن عبد مناف بن كنانة (بنو) : 329. الحارث بن عمرو (بنو) : 236. الحارث بن فهر (بنو) : 160. الحارث بن كعب (بنو) : 160. الحارث بن كعب (بنو) : 555. حارثة (بنو) : 104، 106، 189، 290، 291. الحجاج (بنو) : 132. الحجبة (حجبة الكعبة) - الشيبيون. الحقيق (بنو أبي) : 383. الحلفاء: 93. الحمس- قريش. حمير: 551. حنظلة (بنو) : 561. حنيفة (بنو، قبيلة) : 99، 321، 345، 545، 583. الحواريون: 358. (خ) خثعم: 557. خزاعة (بنو) : 187، 228، 234، 252، 328، 329، 333، 435، 436، 440، 455، 466، 542. الخزرج: 41، 44، 46، 60، 71، 89، 117، 189، 256، 261، 281، 389، 390، 393، 408، 412، 468، 499، 534، 612. الخوارج: 83، 560. (د) الدار (بطن من لخم) : 554. الداريون: 554. دينار (بنو) : 204. (ذ) ذبيان (بنو) : 433. ذكوان بن ثعلبة (بطن من شكيم) : 239، 241، 264. (ر) الرافضة- الروافض: 540، 560. رعل (من سليم) : 239، 241. الركوسية: 549. الروم (- الرومان، بنو الأصفر) : 81، 90، 93، 98، 345، 358، 360، 361، 419، 426، 427، 428، 469، 495، 497، 498، 502، 503، 507، 585، 652، 662. الروم (دولة) : 12، 90، 357. (ز) الزنادقة: 299. زوجات النبي- أمهات المؤمنين. زهرة (بنو) : 128. (س) ساعدة (بنو) : 24، 57، 595. سالم بن عوف (بنو) : 21، 23، 96. سعد (بنو) : 276. سعد بن بكر (بنو) : 467، 612، 613. سعد بن زيد (بنو) : 561. سعنة (بنو) : 281. سلمة (بنو) : 104، 189، 290، 291، 513.

سلول (بنو) : 240، 550. سليم بن منصور (بنو) : 88، 183، 185، 239، 242، 264، 276، 433، 439، 561. السوفسطائيون: 602. السويق (جيش) : 243. (ش) شيبة (بنو) : 447. الشيبيون- الحجبة: 447. الشيعة: 382. الشيوعية: 115. (س) الصابئة: 549. الصليبيون: 101. (ض) ضمرة (بنو) : 117، 118. (ط) طيء: 397، 493، 549، 550، 561. (ظ) ..... (ع) عاد (قبائل، قوم) : 41، 393. العاص بن سعيد (بنو) : 132. عامر (بنو) (قوم أبي براء) : 239، 240، 242، 399، 550، 551. عامر (بنو) : 88. عامر بن لؤي (بنو) : 40. عبد الأشهل (بنو) : 24، 50، 178، 595. عبد الدار (بنو) : 191، 194. عبد شمس (بنو) : 177، 468. عبد القيس (بنو، قبيلة) : 229، 542، 544. عبد المطلب (بنو) : 437، 451، 479، 480، 577، 589، 647. عبد مناف بن قصي (بنو) : 441. عبس (بنو) : 433. عدي بن كعب (بنو) : 126، 128، 330، 441. عدي بن النجار (بنو) : 169. عرينة: 323. عصية: 239، 241. عضل (بطن) : 235، 282. عكل: 323. عمرو بن عوف (بنو) : 18، 31، 47، 57، 71، 152، 407. عوف (بنو) : 57. عوف بن الخزرج (بنو) : 254. (غ) غطفان (بنو، قبيلة) : 88، 183، 184، 185، 276، 280، 281، 284، 285، 286، 288، 289، 367، 368، 370، 409، 439. غفار (بنو) : 187، 254، 367، 442، 523. غيرة (بنو) : 473. (ف) فارس (دولة) : 12، 90، 357. فراس (بنو) : 561. الفرس- فارس: 178، 192، 299، 345، 360، 361. فرعون (قوم) : 227. فزارة (بنو) : 276، 433. فهر: 543. (ق) القارة (قبيلة) : 235، 282. القبط: 361، 362. القراء: 239، 241، 242.

قريش (قبيلة) : 40، 52، 57، 58، 59، 67، 68، 69، 70، 88، 100، 117، 118، 119، 120، 121، 123، 125، 126، 128، 129، 131، 132، 133، 135، 137، 144، 146، 148، 149، 155، 157، 158، 162، 163، 170، 174، 175، 183، 185، 186، 187، 191، 194، 195، 207، 228، 229، 233، 235، 237، 243، 252، 275، 276، 280، 281، 283، 285، 286، 288، 289، 300، 319، 321، 322، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 332، 333، 336، 340، 341، 349، 357، 376، 379، 394، 409، 414، 415، 435، 436، 437، 438، 439، 440، 442، 443، 444، 447، 448، 453، 456، 459، 460، 461، 465، 467، 468، 471، 483، 487، 488، 507، 512، 537، 538، 544، 563، 572، 583، 596، 605، 612، 613، 618، 657، 666، 667، 668، 669، 671. قريظة (بنو) : 45، 281، 282، 283، 285، 286، 288، 289، 319، 321، 393، 406، 408، 409، 410، 411، 414. قضاعة: 432. القياصرة: 35. قيلة (بنو) : 390. القين (قبيلة) : 426. قينقاع (بنو) : 45، 275، 285، 393، 394، 400، 404، 408، 410. (ك) الكاثوليك: 167. كعب (بنو) (من هوازن) : 467. كلاب (بنو) (من هوازن) : 467. كلب (قبيلة) : 466. كنانة (أعراب) : 186. كنانة (بنو، قبائل) : 127، 186، 207، 437، 465، 580، 618. كندة (بنو، قبيلة) - الكنديون: 553. الكنديون- كندة. (ل) لحيان (بنو) : 234، 235، 322. لخم (قبيلة) : 81، 426، 554. (م) مالك بن النجار (بنو) : 24. المبشرون: 9، 91، 92، 93، 101، 102، 167، 168، 299، 301، 308، 508. المجوس: 361. محارب (بنو) : 184، 370، 542. مخزوم (بنو) : 570. مذحج (قبيلة) : 556. المرتدون: 100، 222، 345. مرة (بنو) : 276، 373، 433. مزينة: 439، 542. المستشرقون: 9، 69، 70، 91، 92، 93، 101، 102، 167، 168، 241، 299، 301، 308، 583. المسيحية: 91، 92، 93، 94، 167. المسيحية (الدول) : 168. المسيحيون: 93، 167. المصطلق (بنو) : 252، 253، 254، 307، 329، 491. مضر (قبائل) : 240، 465، 544، 618. المطلب (بنو) : 138، 175.

معافر: 551. المنافقون: 16، 42، 43، 44، 105، 119، 120، 151، 159، 171، 188، 220، 223، 224، 227، 228، 256، 257، 261، 265، 268، 269، 278، 282، 283، 289، 290، 292، 343، 404، 409، 483، 497، 498، 499، 500، 505، 507، 508، 510، 511، 521، 522، 523، 524، 525، 533، 658، 660. مهاجرو الحبشة: 315، 363، 371. المهاجرون: 27، 30، 32، 39، 40، 42، 49، 50، 52، 53، 54، 55، 57، 59، 67، 68، 69، 70، 71، 89، 117، 119، 124، 143، 145، 153، 175، 181، 188، 197، 198، 200، 211، 252، 254، 277، 280، 326، 379، 390، 401، 403، 404، 426، 432، 438، 439، 442، 468، 470، 480، 485، 499، 515، 577، 585، 586، 591، 595، 596، 612. موسى (قوم) : 468. (ن) نبهان (بنو) : 397. البنيت (بنو) : 57. النجار (بنو) : 23، 24، 25، 31، 32، 57، 71، 72، 139، 161، 249. نجد (قبائل) : 88. نساء النبي- أمهات المؤمنين. النصارى: 33، 34، 63، 64، 74، 96، 98، 363، 419، 548، 549، 554، 600، 635، 656. نصر (قبيلة) : 467. النصرانية: 554. النضير (بنو) : 45، 275، 285، 383، 393، 397، 399، 400، 401، 402، 403، 404، 406، 408، 410، 414. (هـ) هاشم (بنو) : 128، 138، 147، 159، 175، 379، 444، 618. هجر: 485. هذيل: 234، 235، 236، 237، 455، 466، 563. هلال (بنو) : 387، 467. همدان: 551. هوازن (بنو، قبيلة) : 467، 469، 470، 471، 473، 479، 480، 481، 507، 541. الهون بن خزيمة (بنو) : 235، 329. (و) وائل (قبيلة) : 275. الوثنية: 275، 276، 317، 630. الوجوديون: 602. وفد أحمس: 556. وفد الأزد: 553. وفد أهل نجران: 546. وفد أهل اليمن: 552. وفد بجيلة: 556. وفد بني تميم: 542، 552. وفد بني حنيفة: 545، 583. وفد بني عامر: 550. وفد تغلب: 554. وفد ثقيف: 530. وفد الداريين: 554. وفد رسول ملوك حمير: 551. وفد زيد الخيل: 550.

وفد ضمام بن ثعلبة: 541. وفد طيّىء: 549. وفد عبد القيس: 542، 544. وفد محارب: 542. وفد مزينة: 542. وفد النجاشي: 663. وفد هوازن: 479، 480. وفد وائل بن حجر: 552. (ي) اليمن (ملوك) : 552. اليهود: 16، 24، 28، 29، 33، 34، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 57، 58، 59، 60، 63، 64، 71، 74، 75، 89، 98، 103، 104، 105، 106، 119، 120، 131، 151، 171، 189، 227، 249، 265، 273، 275، 276، 283، 285، 290، 299، 301، 302، 321، 327، 346، 369، 383، 384، 385، 389، 390، 391، 393، 394، 395، 398، 399، 400، 402، 404، 405، 406، 409، 414، 416، 417، 419، 420، 533، 600، 612، 629، 635، 644، 645. يهود بني الأوس: 58. يهود بني ثعلبة: 58. يهود بني جشم: 58. يهود بني الحارث: 58. يهود بني ساعدة: 58. يهود بني الشطيبة: 58. يهود بني عوف: 58. يهود بني النجار: 58. يهود تيماء: 420. يهود جفنة: 58. يهود خيبر: 383، 415، 419، 421. يهود فدك: 420. يهود المدينة: 117. يهود وادي القرى: 420. [انتهى فهرس القبائل]

5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع* (أ) الأبواء (غزوة) - ودان: 117، 563. أحد (غزوة) : 43، 44، 47، 83، 89، 161، 171، 186، 194، 197، 200، 201، 203، 204، 205، 207، 211، 212، 213، 215، 216، 217، 219، 220، 225، 227، 228، 229، 231، 233، 237، 244، 245، 246، 252، 276، 283، 291، 293، 294، 306، 378، 453، 454، 507، 521، 563، 564، 634، 642، 645. الأحزاب (غزوة) - الخندق. أرمينية (غزوة) : 264. أسامة (بعث، جيش) : 585، 590، 592، 600. الإسلام (حجة) - الوداع. الإفك (حادثة، قصة) : 254، 258، 265، 268، 273، 309. أوطاس (سرية) : 473. (ب) بحران (غزوة) : 563. بدر الاخرة (غزوة) : 243، 244، 275، 563. بدر الأولى (غزوة) : 88، 118، 563. بدر الكبرى (غزوة، يوم) : 12، 36، 69، 70، 71، 100، 109، 123، 124، 125، 128، 136، 142، 143، 144، 145، 146، 148، 149، 151، 152، 153، 154، 156، 160، 162، 163، 164، 167، 168، 169، 170، 171، 172، 173، 176، 177، 178، 179، 181، 186، 187، 188، 191، 194، 207، 209، 217، 220، 221، 225، 231، 236، 241، 245، 246، 260، 283، 293، 343، 394، 397، 438، 452، 488، 490، 512، 534، 563، 564، 604، 607، 629، 634، 637، 642، 660، 668، 669، 670. بشير بن سعد (سرية) : 373. بعاث (وقعة، يوم) : 41، 390. البلاغ (حجة) : الوداع. بواط (غزوة) : 117، 563. بئر معونة (سرية، يوم) - القراء (سرية) : 88، 121، 239، 241، 399.

_ * أسقطت هنا: غزوة، يوم، صلح، بيعة، ووضعتها كذلك على اليسار بين قوسين () .

(ت) تبوك (غزوة) : 25، 44، 343، 469، 495، 498، 499، 500، 502، 505، 508، 510، 512، 518، 519، 520، 522، 523، 527، 528، 536، 541، 551، 554، 562، 563، 585. (ث) الثورة الفرنسية: 167. (ج) جسر أبي عبيد (يوم) : 178. الجعرانة (همرة) : 484. أبي جندل (يوم) - الحديبية (صلح) . (ح) الحديبية (بيعة) - الرضوان. الحديبية (صلح، عام، غزوة) : 90، 162، 170، 321، 325، 331، 333، 335، 336، 338، 339، 340، 341، 343، 344، 345، 347، 348، 352، 357، 358، 359، 367، 375، 414، 415، 418، 423، 435، 444، 563، 645. الحديبية (عمرة) : 375. حمراء الأسد (غزوة) : 227، 228، 233، 244، 563. حمزة بن عبد المطلب (سرية) : 67. حنين (غزوة، يوم) : 169، 205، 467، 469، 471، 472، 473، 475، 482، 483، 485، 507، 563، 564، 612، 642، 649، 660. خالد بن الوليد (سرية) : 555. الخندق (غزوة) - الأحزاب: 89، 190، 240، 264، 275، 277، 278، 283، 287، 189، 291، 315، 319، 385، 389، 406، 408، 414، 423، 563، 564، 634. الخندمة (يوم) : 445. خيبر (عام، فتح، يوم) : 50، 307، 316، 321، 322، 323، 331، 345، 346، 348، 363، 367، 369، 370، 371، 372، 381، 382، 412، 414، 415، 418، 552، 564، 629. (د) دومة الجندل (غزوة) : 251، 563. (ذ) ذات الرقاع (غزوة) : 323، 370، 563. ذات السلاسل (غزوة) : 432، 433. ذو أمر (غزوة) - غطفان: 184. ذو قرد (غزوة) : 367. (ر) الرجال (بيعة- في فتح مكة) : 457، 458. الرجيع (سرية) : 235، 241، 282، 322. الردة (حروب) : 177، 203، 204، 211، 545، 607. الرضوان (بيعة) : 203، 331، 338، 345، 346. الرمادة (عام) : 607. الروم (فتوح) : 346. (ز) زيد بن حارثة (سرية) - القردة: 185. (س) سان بارتلمي (مجزرة) : 167. سعد بن أبي وقاص (سرية) : 68. أبو سلمة بن عبد الأسد (سرية) : 233. بنو سليم (غزوة) : 563.

السويق (غزوة) : 171. (ش) الشام (فتوح) : 159. (ص) الصديق (حجة) : 520. صفين (يوم) : 376، 560. الصليبية (الحروب) : 93. (ض) .... (ط) الطائف (حصار، غزوة) : 475، 476، 477، 485، 486، 563، 564. طيء (سرية) : 493. (ظ) .... (ع) العالميتان (الحربان) : 448. العالمية الأولى (الحرب) : 93، 168. العالمية الثانية (الحرب) : 168. عبد الله بن أنيس (سرية) : 234. عبد الله بن جحش (سرية) : 119. عبيدة بن الحارث (سرية) : 68. علي بن أبي طالب (سرية) : 556. عمرو بن أمية الضمري (سرية) : 323. العسيرة (غزوة) - العشيرة. العشير (غزوة) - العشيرة. العسيرة (غزوة) - (العسيرة، العشير) : 118، 123، 562، 563. العقبة الأولى (بيعة) : 41. العقبة الثانية (بيعة، ليلة) : 21، 23، 41، 70، 71، 130، 147. (غ) غالب بن عبد الله الكلبي (سرية) : 373. غطفان (غزوة) - ذو أمر. (ف) فارس (فتوح) : 346. الفتح- فتح مكة (عام، غزوة، ليلة) : 12، 39، 40، 82، 90، 100، 169، 257، 288، 324، 338، 339، 346، 347، 364، 382، 435، 439، 445، 447، 448، 449، 451، 453، 455، 456، 457، 459، 461، 462، 467، 485، 488، 541، 562، 563، 564، 580. فتح الفتوح- الفتح (غزوة) . الفتنة (بين علي ومعاوية) : 83. الفرقان (يوم) - بدر (غزوة) . الفيل (حادثة، قصة) : 11، 537. (ق) القادسية (معركة) : 101. القراء (سرية) - بئر معونة. القردة (سرية) - زيد بن حارثة (سرية) . بنو قريظة (غزوة، يوم) : 48، 406، 411، 563، 564. القصاص (عمرة) - القضاء. القضاء (عمرة) - (القصاص، القضية) : 162، 307، 375، 424، 564، 645. القضية (عمرة) - القضاء. بنو قينقاع (غزوة) : 395، 564. (ك) الكبرى الأولى (الحرب) - العالمية الأولى. الكدر (غزوة) : 183. كرز بن جابر الفهري (سرية) : 323.

(ل) بنو لحيان (غزوة) : 322، 563. (م) محمد بن مسلمة (سرية) : 321. المريسيع (غزوة) - بنو المصطلق. بنو المصطلق (سرية) : 491. بنو المصطلق (غزوة) - المريسيع: 252، 253، 264، 533، 563، 564، 612. مؤتة (غزوة، يوم) : 81، 419، 426، 429، 432، 435، 585. (ن) النساء (بيعة- في فتح مكة) : 458. بنو النضير (غزوة) : 55، 352، 399، 402، 563. (هـ) الهجرتان (وانظر الهجرة للحبشة وللمدينة) : 181، 372. الهجرة: 11، 25، 36، 39، 40، 41، 42، 49، 53، 61، 63، 65، 67، 71، 73، 74، 75، 88، 94، 95، 126، 162، 183، 197، 233، 251، 301، 304، 309، 321، 347، 361، 371، 372، 396، 423، 425، 448، 457، 477، 484، 493، 555، 567، 594. هجرة الحبشة الأولى: 94. هجرة الحبشة الثانية: 94، 306. (و) وادي القرى (غزوة) : 564. الوداع حجة- (حجة الإسلام، حجة البلاغ) : 40، 41، 377، 411، 456، 537، 538، 540، 542، 561، 567، 569، 579، 580، 581، 585، 587، 620، 637. ودان (غزوة) - الأبواء. وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: 90، 159، 545، 559، 590. (ي) اليرموك (واقعة، يوم) : 98، 101. اليمامة (معركة، يوم) : 148، 203. [انتهى فهرس الأيام والغزوات]

6 - فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام

6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام * (أ) اسيا: 252. الأبطح- المحصب: 571، 580. الأبواء: 117، 187، 643. أبيار علي- ذو الحليفة. الأخشبان: 605. أذرح: 502، 503. أذرعات: 396، 401. إراش: 666. أرض بابل: 549. أرض بني عامر: 551. أرض جذام: 432. أرض الروم: 551. الإسكندرية: 362. إفريقيا: 102، 252، 509. أميركا: 93، 102. إنجلترا: 93. الأندلس: 167، 419. أندونيسيا: 102. أنصاب الحرم: 376. أوروبا: 93، 102، 167. أورشليم: 45، 419. أوطاس: 473. إيطاليا: 93. أيلة: 502، 503. إيوان كسرى: 652. (ب) باب أبي بكر: 591. باب بني مخزوم: 570. باريس: 167. البحر الأحمر: 123. بحران: 120. البحرين: 54، 360، 363، 544، 561. بدر: 118، 128، 129، 131، 132، 133، 150، 209، 243، 244، 277. برك الغماد: 130. بصرى: 358، 364، 426. البصرة: 27، 273. بطن يأجج: 376. البقيع: 309، 582، 588، 598. بكة (انظر: مكة) : 35.

_ * في هذا الفهرس لم أسقط شيئا تسهيلا للبحث.

بلاد بليّ: 432. بلاد الحجر- (حجر ثمود، ديار ثمود) : 500، 502. بلاد الروم: 265، 279. بلاد الشام- الشام. بلاد عذرة: 432. بلاد غطفان: 367، 368. بلاد فارس: 550. بلاد المغرب- المغرب. بلاد هذيل: 235، 239. بلاد اليمامة- اليمامة. بلاد اليمن- اليمن. بلاد اليونان: 602. البلقاء: 420، 426، 427، 502، 600. البنية- الكعبة. البيت الحرام- البيت العتيق (انظر الكعبة) : 106، 139، 317، 324، 326، 327، 328، 330، 331، 333، 335، 340، 348، 375، 377، 447، 449، 536، 537، 538، 549، 553، 568، 570، 577، 580، 668. بيت سويلم اليهودي: 498. بيت المقدس- المسجد الأقصى. بئر أبي طلحة: 652. بئر معونة: 239. البيضاء (بغلة رسول الله) : 440، 441، 469، 503. بيوت السقيا (خارج المدينة) : 124. (ت) تبوك: 495، 499، 501، 502، 504، 508، 513. التنعيم: 199، 236، 580. تهامة: 186. تيماء: 45، 420. (ث) الثنية العليا (بمكة) : 570. ثنية المرار: 327. ثنية الوداع: 25، 497، 510. (ج) جبل أحد: 43، 185، 187، 189، 190، 197، 198، 201، 217، 227، 280، 652. جبل بواط: 117. جبل الحبشي: 329. جبل الرحمة: 574. جبل سلع: 280، 283، 515. الجحفة: 37، 68، 338، 439، 580. جرباء: 502، 503. الجرف: 59، 586، 600. جزيرة العرب- شبه الجزيرة: 12، 14، 48، 77، 89، 90، 304، 325، 340، 369، 389، 393، 402، 415، 416، 421، 456، 495، 505، 518، 554، 567، 579، 590، 594، 630، 651، 657. جسر أبي عبيد: 178. الجعرانة: 453، 472، 479، 480، 484. الجمرة الأولى: 578. جمرة العقية- الجمرة الكبرى. الجمرة الكبرى: 576، 578. الجمرة الوسطى: 578. جواثى: 544. (ح) الحبشة: 50، 94، 245، 306، 307، 315، 363، 371، 372، 418، 423، 532. الحجاز: 45، 47، 123، 125، 251، 361،

412، 420، 422، 502، 563، 651. الحجر- حجر الكعبة: 163، 667، 669. حجر أزواج النبي: 33، 35، 36، 309، 542، 599، 635. الحجر الأسود- الركن الأسود: 103، 318، 377، 446، 570، 612، 668. حجر ثمود- بلاد الحجر. حجر الكعبة- الحجر. حجرة عائشة: 33، 309، 598، 599، 600. الحجون: 444. الحديبية: 325، 327، 338، 347، 348. حرتا المدينة- لابتا المدينة: 41، 279. الحرم: 120، 151، 347، 435، 539. الحرة (بالمدينة) : 323، 390. حصن أبي: 416. حصن البريء: 416. حصن بني أبي الحقيق- حصن القموص. حصن السلالم: 416. حصن الشق: 416. حصن الصعب: 416. حصن القموص- حصن بني أبي الحقيق: 383، 416. حصن الكتيبة: 416. حصن ناعم: 416، 417. حصن النطاة: 416. حصن الوطيح: 416. حصون خيبر: 415، 416. حضر موت: 5، 12، 130، 552، 554، 561، 616. الحطيم- الحجر. حمراء الأسد: 228، 229. حمص: 84، 98، 211، 360. الحوراء: 123. حيزوم (فرس أحد الملائكة) : 145. (خ) خراب المدينة: 25. الخرار: 68. خليج العقبة: 502. الخندق: 277، 278، 280، 283، 284، 410. الخندمة: 376، 445. خيبر: 30، 45، 372، 383، 393، 401، 402، 412، 413، 414، 415، 418، 420، 421، 515. الخيف- خيف بني كنانة. خيف بني كنانة: 444، 580. خيمة رافدة (في المسجد النبوي) : 319، 408، 409. (د) دار أبي أيوب الأنصاري: 23، 26، 27، 28، 30، 548. دار أبي سفيان: 442، 443، 460. دار أنس: 612. دار بديل بن ورقاء: 435. دار بني الحارث بن عامر: 236. دار بني ظفر: 205. دار بني مالك بن النجار: 24. دار حكيم بن حزام: 442. دار رملة بنت الحارث: 545، 554. دار قصي بن كلاب- دار الندوة. دار الندوة- دار قصي: 186. دار الهجرة- المدينة المنورة. دلدل (بغلة النبي) : 362، 469. دمشق: 93، 251، 364، 495، 504. دور الأنصار: 23، 24.

دور المدينة: 23. دومة- دومة الجندل. دومة الجندل: 251، 504. ديار ثمود- بلاد الحجر. ديار هوازن: 473. (ذ) ذات أنواط: 468. ذات الصلح: 426. ذفران- وادي ذفران. ذو أمر (ماء) : 184. ذو الحليفة- أبيار علي: 341، 536، 568. ذو الخلصة: 557. ذو طوى: 326، 443، 570. ذو قرد (ماء) : 368. (ر) رابغ: 37، 68، 439. الربذة: 501. الرجيع: 235. رضوى: 563. الركن الأسود- الحجر الأسود. الركن اليماني: 103، 377. الروحاء: 124، 125، 129، 152، 153، 228. روضة خاخ: 437. الروضة الشريفة: 33، 34. رومانيا: 93. (ز) زمزم: 165، 377، 577. (س) ساحل البحر (الأحمر) : 67، 133، 183، 341، 466. سرف: 199، 378، 386، 569، 645. سفوان- وادي سفوان. سقيفة بني ساعدة: 595. السلسل (ماء) : 432. السنح: 593، 594. سواد العراق: 514. سواري المسجد (النبوي) : 510، 511. سواع (الصنم) : 466. سوق بني قينقاع: 394. سوق عكاظ: 229. سوق المدينة: 514. (ش) الشام- بلاد الشام: 25، 37، 41، 43، 45، 49، 67، 69، 101، 117، 118، 123، 183، 185، 211، 251، 322، 341، 359، 362، 364، 396، 401، 402، 414، 420، 421، 426، 433، 469، 488، 494، 502، 503، 504، 505، 514، 548، 549، 554، 600، 651، 652. شامة (جبل) : 37. شبه جزيرة العرب- جزيرة العرب. الشعب (بأحد) : 190، 198. شعب بني هاشم: 147، 444. شمال أفريقيا: 101. الشوط: 189. (ص) الصفا: 317، 377، 457، 459، 462، 570، 571، 577. الصفراء (قرية) : 153، 154. صنعاء: 5، 12، 545، 561، 584. الصفة: 18، 31.

الصهباء: 384. الصين: 12، 102. (ض) ضجنان: 338. (ط) طابة (انظر المدينة) : 290. الطاغية- اللات (الصنم) . الطائف: 90، 119، 211، 467، 473، 475، 476، 477، 479، 480، 528، 531، 605. طفيل (جبل) : 37. طيبة (وانظر المدينة) : 290. (ظ) ظفار: 258. الظهران: 236. (ع) العالية: 124، 150، 152، 490. عدوة بدر الدنيا: 133. عدوة بدر القصوى: 128، 132، 133. العراق: 101، 131، 183، 501، 548، 651. عرفات- عرفة: 234، 440، 467، 572، 574. عرق الظبية: 155. عرنة- وادي عرنة. العريش (عريش النبي في بدر) : 134، 135، 140، 143، 144، 174. العزى (الصنم) : 209، 465. عسفان: 235، 239، 243، 322، 326، 423. العشيرة: 118. العضباء (ناقة النبي) : 368، 536. عفير- يعفور. علو المدينة: 31. عمان: 203، 364، 502. العون (سيف عكاشة) : 177. العيص: 68، 341. العين (في أحد) : 217. (غ) الغابة: 367. غار ثور: 31. غار حراء: 143. غدير خم: 580، 581. غطفان- بلاد غطفان. (ف) فارس- بلاد فارس. فدك: 373، 420. فرنسا: 93، 167. فضة (بغلة النبي) : 469. الفلس (صنم طيء) : 493. فلسطين: 167، 422. (ق) القادسية: 549. قباء: 21، 31، 47، 71، 104، 124، 150، 152. القبر الشريف (قبر النبي) : 33، 559، 599. قديد: 466. القردة (ماء) : 185. قرقرة الكدر (ماء) : 183. قرن الثعالب: 477، 605. قزح (جبل) : 572. القسطنطينية: 83. القصواء (ناقة النبي) : 23، 24، 30، 327،

376، 568، 570، 572، 574، 576، 578، 579. القصور البيض: 549. القصور الحمر: 279. قصور الحيرة: 279. قصور الروم: 652. قصور صنعاء: 279. قليب بدر: 150، 163، 669. قيد: 550. (ك) كدى: 443، 444. كداء: 444. الكدر: 563. كدي: 580. الكديد: 439. كراع الغميم: 322، 326، 338. كربلاء: 179. الكعبة المشرفة (انظر: البيت الحرام) : 103، 104، 105، 126، 155، 257، 317، 318، 325، 392، 442، 443، 446، 447، 449، 451، 462، 466، 538، 550، 557، 570، 571، 572، 577، 580، 631. الكوفة: 501، 548. (ل) لابتا المدينة- حرتا المدينة. اللات (الصنم) : 529، 530، 531. (م) ماب: 426. ماء (بالعراق) : 131. مجنة: 37، 243. المحصب- الأبطح. مخلاف اليمن الأسفل: 559. مخلاف اليمن الأعلى: 558. المدائن (مدائن كسرى) : 279. المدارس: 391. مدرج عثمان- عسفان. المدينة المنورة: 11، 13، 15، 16، 21، 23، 24، 25، 27، 28، 30، 31، 36، 37، 39، 40، 41، 42، 43، 45، 48، 49، 50، 52، 59، 60، 63، 64، 67، 69، 70، 71، 74، 76، 81، 88، 89، 94، 95، 96، 103، 104، 105، 106، 111، 117، 118، 119، 120، 121، 123، 124، 128، 130، 133، 150، 151، 152، 153، 154، 156، 158، 162، 163، 164، 170، 171، 175، 178، 181، 183، 184، 185، 187، 188، 189، 196، 203، 204، 209، 210، 211، 212، 215، 217، 227، 228، 229، 233، 234، 240، 243، 245، 249، 251، 252، 254، 255، 257، 258، 259، 275، 277، 279، 280، 282، 283، 284، 285، 288، 290، 291، 307، 315، 316، 321، 322، 323، 324، 326، 337، 340، 346، 349، 354، 363، 368، 370، 371، 372، 373، 375، 378، 383، 389، 393، 394، 395، 397، 399، 400، 402، 403، 406، 407، 409، 414، 420، 422، 424، 430، 432، 433، 435، 436، 439، 485، 486، 489، 491، 493، 495، 497، 501، 504، 507، 508، 510، 514، 523، 525، 527، 528، 531، 549، 551،

554، 568، 580، 582، 585، 586، 593، 594، 599، 600، 627، 642، 652، 656، 662، 669. مر الظهران: 376، 439، 440، 460. 2 لمروة: 317، 377، 570، 571، 577. المريسيع (ماء) : 252. المزدلفة: 572، 576. المسجد- المسجد الحرام. المسجد الأقصى- بيت المقدس: 20، 34، 93، 103، 104، 106، 392. مسجد بني حارثة: 104. مسجد بني سلمة- المسجد ذو القبلتين: 104. مسجد بيت المقدس- المسجد الأقصى. مسجد الجمعة: 21. المسجد الحرام- (المسجد، مسجد الكعبة) : 19، 34، 35، 69، 121، 155، 325، 335، 346، 377، 442، 443، 447، 462، 539، 666. مسجد الخيف: 578. مسجد دمشق: 33. المسجد ذو القبلتين- مسجد بني سلمة. مسجد الضرار: 19، 43، 507، 508، 509، 527. مسجد الطائف: 475. مسجد عبد القيس: 544. مسجد قباء: 17، 18، 19، 20، 527. مسجد الكعبة- المسجد الحرام. مسجد المدينة- المسجد النبوي. المسجد النبوي- (مسجد الرسول، مسجد المدينة) : 17، 18، 19، 20، 23، 27، 30، 31، 32، 33، 34، 35، 36، 71، 75، 104، 188، 341، 407، 408، 409، 515، 529، 542، 544، 547، 549، 553، 559، 590، 591، 596، 598، 599، 669. مشارف: 427. مشربة إبراهيم: 490. مشربة رسول الله: 607، 608، 621، 623، 624. المشعر الحرام: 572، 576. المشلل: 466. مصر: 37، 361، 490. معان: 426، 469. المغرب: 12، 103. مقام إبراهيم: 106، 155، 377، 570. مكة المكرمة: 12، 13، 14، 16، 21، 25، 35، 36، 37، 39، 40، 41، 42، 52، 63، 69، 70، 73، 88، 90، 96، 100، 103، 111، 118، 119، 121، 125، 126، 128، 130، 143، 157، 158، 159، 161، 162، 163، 164، 165، 167، 169، 171، 183، 185، 186، 199، 210، 211، 228، 235، 236، 239، 243، 245، 257، 289، 315، 317، 322، 324، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 344، 347، 348، 350، 375، 376، 377، 378، 386، 397، 424، 436، 437، 439، 440، 443، 444، 445، 448، 451، 452، 455، 456، 457، 459، 460، 461، 463، 466، 467، 468، 469، 471، 473، 475، 479، 480، 484، 485، 487، 488، 489، 495، 531، 542، 546، 561، 569، 570، 571، 577، 578، 579، 580، 599، 605، 612، 645، 646، 657، 662، 666،

668، 670. منى: 571، 576، 577، 578، 579، 580. المناصع: 259. مناة (صنم كلب وخزاعة) : 466. منبر النبي- المنبر: 33، 56، 216، 260، 261، 429، 591، 627. منزل سعد بن خيثمة: 71. مؤتة: 364، 426، 427. الميفعة: 373. (ن) الناقة (ناقة صالح عليه السلام) : 502. نجد: 90، 183، 239، 280، 321، 370، 373، 410، 550. نجران: 546، 548، 555. النجرانية: 548. نخل: 370، 563. نمرة: 572. نهر الفرات: 178. نيق العقاب: 439. (هـ) هبل (الصنم) : 209. الهند: 32. الهيكل: 45. هذيل- بلاد هذيل. (و) وادي بدر: 128. وادي حنين: 467، 468، 469. وادي ذفران: 129، 131. وادي رانوناء: 21. وادي سفوان: 118. وادي الصفراء: 129. وادي الظهران: 440. وادي عرنة: 234، 572. وادي العقيق: 253. وادي فاطمة- مر الظهران: 440. وادي القرى: 45، 432. وادي محسّر: 576. وادي نخلة: 119، 120، 465، 473. الوتير (ماء) : 435، 436. وجّ: 531. ودان: 117. الولايات المتحدة: 354. (ي) يثرب (انظر المدينة) : 45، 57، 59، 133، 137، 187، 290، 377، 436. يعفور- عفير (حمار النبي) : 362. اليمامة: 100، 203، 364. اليمن: 114، 130، 196، 211، 258، 361، 364، 371، 453، 503، 546، 548، 549، 552، 553، 556، 557، 558، 559، 560، 561، 571، 580، 587، 594، 631، 651، 652. ينبع: 117، 118، 563. [انتهى فهرس الأماكن]

7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك الحدث التاريخ الصفحة نزوح اليهود إلى الحجاز 586 قبل الميلاد 45 هجرة اليهود إلى بلاد الحجاز 70 ميلادية 45 قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ربيع الأول- 1 هـ 106 المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة ب (5 أو 9) أشهر 49 سرية حمزة بن عبد المطلب رمضان- 1 هـ 67 بناء النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة أم المؤمنين شوال- 1 هـ 61 سرية عبيدة بن الحارث شوال- 1 هـ 68 سرية سعد بن أبي وقاص اخر شوال- 1 هـ 68 ابتداء مشروعية الجهاد أوائل سنة- 2 هـ 69، 75 غزة الأبواء (ودان) صفر- 2 هـ 117 غزوة بواط ربيع الأول- 2 هـ 117 غزوة العشيرة جمادى الأولى أو الاخرة- 2 هـ 118 غزوة بدر الأولى بعد بضع ليال من العشيرة- 2 هـ 118 سرية عبد الله بن جحش رجب- 2 هـ 119 تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة منتصف رجب- 2 هـ 104، 106 تشريع فريضة الصيام شعبان- 2 هـ 106 تشريع زكاة الفطر رمضان- 2 هـ 109 خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة بدر الكبرى لثلاث ليال (أو ثمان) خلون من رمضان- 2 هـ 124 نصر الله في يوم بدر الجمعة 17 رمضان- 2 هـ 143 صلاة العيد (أول صلاة يصليها النبي صلى الله عليه وسلم) 2 هـ 109

الحدث التاريخ الصفحة تشريع الزكاة بعد رمضان- 2 هـ 111 إجلاء يهود بني قينقاع عن المدينة أوائل سنة 3 هـ[وقيل: في شوال 2 هـ] 396 غزوة ذي أمر (غزوة غطفان) ربيع الأول- 3 هـ 184 قتل كعب بن الأشرف ربيع الأول- 3 هـ 398 سرية زيد بن حارثة (سرية القردة) مستهل جمادى الأولى- 3 هـ 185 غزوة أحد السبت 15 شوال- 3 هـ 190، 228 خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد الأحد 16 شوال- 3 هـ 228 غزوة الكدر 3 هـ 183 تزوج النبي بالسيدة حفصة بنت عمر (أم المؤمنين) 3 هـ 231 سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المحرم- 4 هـ 233 سرية عبد الله بن أنيس المحرم- 4 هـ 234 سرية الرجيع صفر- 4 هـ 235 سرية القراء صفر- 4 هـ 239 غزوة بني النضير ربيع الأول- 4 هـ 400 غزوة بدر الاخرة شعبان- 4 هـ 243 تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة (أم المساكين) رمضان- 4 هـ 246 تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة شوال- 4 هـ 246 غزوة ذات الرقاع سنة 4 هـ ابن إسحاق ويرى البخاري أنها بعد خيبر 323 تحريم الخمر سنة 4 هـ عند ابن إسحاق، و 6 هـ عند الدمياطي و 8 هـ عند ابن حجر 352 غزوة دومة الجندل ربيع الأول- 5 هـ 251 قدوم وفد مزينة رجب- 5 هـ 542 قدوم وفد ضمام بن ثعلبة رجب- 5 هـ (أو سنة 9 هـ) 541 غزوة بني المصطلق (المريسيع) شعبان- 5 هـ (أو في شعبان 6 هـ على رأي ابن إسحاق والطبري) 252 غزوة الخندق (الأحزاب) شوال- 5 هـ 277 تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش 5 هـ 294 تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان 5 هـ (وقيل 6 هـ أو 7 هـ) 315 تشريع فريضة الحج 5 هـ (أو قيل 6 هـ، وقيل 9 هـ) 317 قدوم وفد عبد القيس (الوفادة الأولى) 5 هـ (أو قبلها) 542، 544 سرية محمد بن مسلمة قبل نجد المحرم- 6 هـ (ويرى ابن كثير أنها بعد خيبر) 321

الحدث التاريخ الصفحة غزوة بني لحيان جمادى الأولى- 6 هـ 322 تشريع صلاة الخوف في غزوة بني لحيان 6 هـ (وقيل سنة 4 هـ في ذات الرقاع) 323، 352 قتل سلام بن أبي الحقيق رمضان 6 هـ (وقيل في ذي الحجة 5 هـ) 413 سرية كرز بن جابر الفهري شوال 6 هـ 323 غزوة ذي قرد 6 هـ قبل الحديبية (وجزم البخاري أنها قبل خيبر بثلاث ليال) 367 عمرة الحديبية ذو القعدة- 6 هـ 325 غزوة الحديبية 6 هـ 325 تحريم النساء المسلمات على أزواجهن المشركين، وتحريم المشركات على أزواجهن المسلمين 6 هـ 352 بدء إرسال الكتب إلى الملوك والأمراء أواخر 6 هـ (أو أوائل 7 هـ) 358 تحريم المسلمات على المشركين 6 هـ 489 خروج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة خيبر مطلع 7 هـ 415 غزوة خيبر 7 هـ 369 تحريم لحوم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير في غزوة خيبر 7 هـ 381 تحريم نكاح المتعة في خيبر أيضا 7 هـ 381 قدوم مهاجري الحبشة إلى المدينة بعد فتح خيبر 7 هـ 315، 371 دخوله صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان بعد خيبر 7 هـ 307، 315، 316 قدوم الأشعريين عقب خيبر 7 هـ 552 غزوة ذات الرقاع 7 هـ بعد خيبر عند البخاري (وأصحاب السير قالوا هي قبل خيبر سنة 4 هـ أو 5 هـ أو 370 أوائل 6 هـ) سرية غالب بن عبد الله الكلبي رمضان- 7 هـ 373 سرية بشير بن سعد 7 هـ 373 عمرة القضاء (القضية، القصاص) ذو القعدة- 7 هـ 375 تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث ذو القعدة- 7 هـ 386 إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة أول صفر- 8 هـ 423، 425 غزوة مؤتة جمادى الأولى- 8 هـ 426 غزوة ذات السلاسل جمادى الاخرة- 8 هـ 432 خروجه صلى الله عليه وسلم لغزوة الفتح 10 رمضان- 8 هـ 439

الحدث التاريخ الصفحة فتح مكة 20 رمضان- 8 هـ 445 هدم العزى لخمس بقين من رمضان- 8 هـ 465 خروج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة حنين 5 أو 6 شوال- 8 هـ 467 مسير النبي صلى الله عليه وسلم لغزو الطائف شوال- 8 هـ 475 تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بفاطمة بنت الضحاك الكلابية ذو القعدة- 8 هـ 488 عمرة الجعرانة في أواخر ذي القعدة- 8 هـ 484 تحريم المتعة تحريما باتا 8 هـ 488 إسلام أبي العاص بن الربيع 8 هـ 489 سرية علي إلى طيء لهدم صنمها (الفلس) ربيع الأول- 9 هـ 493 غزوة تبوك رجب- 9 هـ 495 قدوم ثقيف مسلمين رمضان- 9 هـ 478، 528 قدوم وفد رسول ملوك حمير رمضان- 9 هـ 551 بعث الصديق أميرا على الحج ذو الحجة- 9 هـ 520، 536 توارد الوفود (عام الوفود) 9 هـ 541 قدوم وفد عبد القيس (الوفادة الثانية) 9 هـ 544 كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران 9 هـ 546 قدوم وفد أهل اليمن 9 هـ 552 سرية خالد إلى بني الحارث بن كعب بنجران ربيع الاخر (أو جمادى الأولى) - 10 هـ 555 سرية علي إلى بني مذحج رمضان- 10 هـ 556 قدوم وفد بجيلة رمضان- 10 هـ 556 خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لحجة الوداع السبت 25 ذو القعدة- 10 هـ 568 دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة لحجة الوداع الأحد 4 ذو الحجة- 10 هـ 570 قدوم وفد محارب في حجة الوداع- 10 هـ 542 كتاب مسيلمة الكذاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ورد النبي عليه اخر سنة 10 هـ بعث أسامة لغزو الروم اخر صفر- 11 هـ 585 ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أواخر صفر (أو أول ربيع الأول) - 11 هـ 587 وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإثنين 1 ربيع الأول (أو 2 أو 12 منه) - 11 هـ 594 [انتهى الفهرس التأريخي]

8- فهرس الشعر صدر البيت قافيته الشاعر الصفحة (أ) فإن أبي وقاء حسان بن ثابت 264 (ب) أنا الذي مجرّب مرحب اليهودي 417 أطعن تحرّب مرحب اليهودي 417 يا حبذا شرابها جعفر بن أبي طالب 427 والروم أنسابها جعفر بن أبي طالب 427 (ت) يا نفس صليت عبد الله بن رواحة 428 وما تمنيت هديت عبد الله بن رواحة 428 (د) لا يستوي وقاعدا علي بن أبي طالب 31 ركضا المعاد عمير بن الحمام الأنصاري 141 والصبر النفاد عمير بن الحمام الأنصاري 141 أنا ابن الردّ عاصم بن عمر بن قتادة 218 فعادت خدّ عاصم بن عمر بن قتادة 218 نحن الذين أبدا أهل الخندق 278 يا رب الأتلدا عمرو بن سالم الخزاعي 435 فانصر مددا عمرو بن سالم الخزاعي 435 في فيلق الموعدا عمرو بن سالم الخزاعي 435

صدر البيت قافيته الشاعر الصفحة وزعموا عددا عمرو بن سالم الخزاعي 436 هم وسجّدا عمرو بن سالم الخزاعي 436 (ر) نحن جار جواري بني النجار 25 هذي وأطهر- 30 اللهم والمهاجره- 30 اللهم والمهاجره- 32 رأيت النظير- 190 ويها الأدبار هند بنت عتبة في نساء من قريش 191 اللهم والمهاجره- 277 أمر الجدارا- 318 وما حبّ الديارا- 318 أنا الذي المنظره علي بن أبي طالب 417 فاليت أغبرا أسماء بنت عميس 431 فلله وأصبرا أسماء بنت عميس 431 من سره الأنصار كعب بن زهير بن أبي سلمى 487 ورثوا الأخيار كعب بن زهير بن أبي سلمى 487 والبائعين وكرار كعب بن زهير بن أبي سلمى 487 (ع) طلع البدر الوداع الأنصار 25 وجب راع الأنصار 25 أيها المطاع الأنصار 25 ولست مصرعي خبيب بن عدي 237 وذلك ممزع خبيب بن عدي 237 خذها الرضع سلمة بن الأكوع 367 أتجعل والأقرع العباس بن مرداس 482 فما كان مجمع العباس بن مرداس 482 وما كنت لا يرفع العباس بن مرداس 482 إن الذوائب تتبّع حسان بن ثابت 543 يرضى شرعوا حسان بن ثابت 543 قوم نفعوا حسان بن ثابت 543

صدر البيت قافيته الشاعر الصفحة سجية البدع حسان بن ثابت 543 (ف) وعلى تفنن يوصف- 672 (ق) قد وجدت فوقه عامر بن فهيرة 37 كل امرىء بروقه عامر بن فهيرة 37 أمحمد معرق قتيلة بنت الحارث 156 ما كان المحنق قتيلة بنت الحارث 156 والنضر يعتق قتيلة بنت الحارث 156 نحن النمارق نساء من قريش 192 مشي المفارق نساء من قريش 192 إن تقبلوا النمارق نساء من قريش 192 أو تدبروا وامق نساء من قريش 192 إذا مت عروقها أبو محجن الثقفي 352، 631 ولا تدفني أذوقها أبو محجن الثقفي 353، 631 (ك) يا عزّ أهانك خالد بن الوليد 465 (ل) لئن المضلّل- 31 كل نعله أبو بكر الصديق 36 ألا ليت وجليل بلال بن رباح الحبشي 37 وهل وطفيل بلال بن رباح الحبشي 37 ونسلمه والحلائل أبو طالب بن عبد المطلب 139 كدبتم ونناضل أبو طالب بن عبد المطلب 139 أنا الذي النخيل أبو دجانة 193 ألاأقوم والرسول أبو دجانة 193 تلك أبوالا عمر بن عبد العزيز (متمثلا) 218 حصان الغوافل حسان بن ثابت 263 عقيلة زائل حسان بن ثابت 263 مهذبة وباطل حسان بن ثابت 263 حليلة الفواضل حسان بن ثابت 264

صدر البيت قافيته الشاعر الصفحة رأيتك الغوائل حسان بن ثابت 264 خلوا رسوله عبد الله بن رواحة 376 يا رب قبوله عبد الله بن رواحة 376 نحن تنزيله عبد الله بن رواحة 376 ضربا خليله عبد الله بن رواحة 376 بانت مكبول كعب بن زهير بن أبي سلمى 486 وما سعاد مكحول كعب بن زهير بن أبي سلمى 486 إن الرسول مسلول كعب بن زهير بن أبي سلمى 486 في عصبة زولوا كعب بن زهير بن أبي سلمى 487 شمّ سرابيل كعب بن زهير بن أبي سلمى 487 اليوم أحلّه- 538 (م) إنك عكرمة حماس بن قيس 445 وأبو يزيد المسلمة حماس بن قيس 445 يقطعن غمغمه حماس بن قيس 445 لهم كلمه حماس بن قيس 445 قالت والاسلام فضالة بن عمير 449 لو ما رأيت الأصنام فضالة بن عمير 449 لرأيت الإظلام فضالة بن عمير 450 أبي أو تميم- 566 (ن) إذا ما راية باليمين- 190 اللهم ولا صلينا عبد الله بن رواحة 278 فأنزلن لاقينا عبد الله بن رواحة 278 إن الألى أبينا عبد الله بن رواحة 278 أقسمت لتكرهنّه عبد الله بن رواحة 427 إن أجلب الجنة عبد الله بن رواحة 428 قد طال شنّه عبد الله بن رواحة 428 (ي) وعين المساويا- 242 [تمت الفهارس] [والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات]

فهرس الموضوعات - الجزء الثاني

فهرس الموضوعات- الجزء الثاني مقدمة الطبعة الثانية 9 مقدمة الطبعة الأولى 11 بين عهدين: العهد المكي والعهد المدني 13 منزلة المساجد في الإسلام 17، بناء مسجد قباء 18. وصول النبي إلى المدينة وبناؤه المسجد 21، إلى المدينة 21، توسل الأنصار إلى الرسول لينزل عندهم 23، اليوم المشهود 24، في دار أبي أيوب الأنصاري 26، جميل بجميل 27، إسلام عبد الله بن سلام وبعض أهله 28، بناء المسجد النبوي 30، الأطوار التي مر بها بناء المسجد النبوي 31، فضل المسجد النبوي 34، بناء حجر أمهات المؤمنين 35، حمّى المدينة 36. حالة المدينة السياسية والاجتماعية بعد الهجرة 39، المهاجرين 39، الأنصار 41، المنافقين 42، اليهود 45، الإخاء بين المهاجرين والأنصار 49، المؤاخاة بين المسلمين بمكة 52، ماثر الأنصار الخالدة 53، موادعة النبي اليهود 57، بناء النبي بعائشة 61، مشروعية الأذان 63. السنة الأولى من الهجرة 67، السرايا في السنة الأولى 67، سرية حمزة بن عبد المطلب 67، سرية عبيدة بن الحارث 68، سرية سعد بن أبي وقاص 68، رأينا في هذه السرايا 69، مزاعم المستشرقين في هذه السرايا 69، أحداث هذا العام 71، مواليد 71، وفيات 71. السنة الثانية من الهجرة 73 تشريع الجهاد في الإسلام 73، أول ما نزل في القتال 74، متى شرع الجهاد 75، لم شرع الجهاد في الإسلام 76، حكم الجهاد في الإسلام 79، من يرى أن الجهاد فرض عين 82، مثل عليا للحرص على الجهاد 83، الترغيب في

الجهاد والاستشهاد 84، الاستشهاد في سبيل الله 86، الأطوار التي مر بها الجهاد 87، رد الضربة الكبرى 90. أحداث وتشريعات 103، تحويل القبلة إلى الكعبة 103، تشريع فريضة الصيام 106، زكاة الفطر 109، صلاة العيد 109، الصوم والفطر والعيد من روافد العدالة الاجتماعية في الإسلام 110، تشريع الزكاة في الإسلام 111، الزكاة أساس العدالة الاجتماعية في الإسلام 114. الغزوات والسرايا في السنة الثانية 117، غزوة الأبواء أو ودّان 117، غزوة بواط 117، غزوة العشيرة 118، غزوة بدر الأولى 118، سرية عبد الله بن جحش 119، وقفة عند ما نزل من القران 121. غزوة بدر الكبرى 123، ترقب وانتظار 123، الخروج إلى العبر 123، أبو سفيان واستنفار قريش 125، تخوف قريش من بني بكر 126، فرار أبي سفيان بالعير واختلاف المشركين في الخروج 128، مسير المسلمين إلى بدر 128، استشارة النبي أصحابه في القتال 129، تسنط أخبار قريش 131، تعرف أخبار العير 132، جيش المسلمين في بدر 133، اية من السماء 133، مشورات حكيمة 134، تصاف المسلمين 135، رؤيا الرسول 135، تخاذل في صفوف المشركين 137، فشل المساعي لعدم الحرب 137، ابتداء الحرب بالمبارزة 138، تعديل الرسول صفوف الجيش 139، وصاة النبي للمسلمين 140، إشفاق ودعاء 140، التحريض على القتال 141، القوى الروحية تفوق القوى المادية 142، الصدّيق والقتال 144، إمداد الله المسلمين بالملائكة يوم بدر 144، وصاة النبي ببعض القرشيين 147، مثل عليا للإيمان 148، قتلى المشركين 149، موقف إنساني للرسول 150، البشرى بالنصر 150، الاختلاف على غنائم بدر وقسمتها 151، الأوبة إلى المدينة 153، وصاة النبي بالأسرى 153، قتل أسيرين 154، أسارى بدر 156، وصول النذير بالهزيمة إلى قريش 157، افتداء الأسرى 158، قيمة الفداء 164، وعد الله الأسارى بالخير إن أسلموا 165، العتاب في الفداء 166، طنين المستشرقين 167، فضائل أهل بدر 168، نتائج غزوة بدر 170، مواطن العبرة في بدر 172. أحداث في السنة الثانية 179، زواج علي بفاطمة 179، وفيات 181. السنة الثالثة للهجرة 183، تمهيد 183، غزوة الكدر 183، غزوة غطفان أو ذي أمر

184، سرية زيد بن حارثة أو القردة 185. غزوة أحد 185، تجهز قريش لأحد 185، وصول الخبر إلى الرسول 187، مشاورة النبي أصحابه 187، استعراض الجيش ورد بعض الصبيان 190، نزول المسلمين بالشعب في أحد والتعبئة للقتال 190، الرسول يحمس أصحابه 191، جيش قريش 191، محاولة فاشلة 192، بدء القتال بالمبارزة 192، التحام الجيشين 193، مخالفة الرماة أمر الرسول 195، شائعة قتل الرسول 196، الذين ثبتوا مع الرسول 197، ثبات الرسول 198، ما نزل بالرسول من جراح 199، علي وفاطمة يضمدان جراح النبي 200، مثل في البطولات في الدفاع عن الرسول 200، بطولة امرأة 202، مثل اخر من إيمان النساء 204، ومن جهاد النساء في أحد 204، المقاتلون حمية 205، المشركات يمثلن بشهداء أحد 207، حزن الرسول على عمه 207، أمر الله بالعدل في القصاص 208، بعد الموقعة 209، صلاة النبي بالمسلمين قاعدا 210، دعاء وابتهال 210، من استشهد في أحد 211، دفن شهداء أحد 215، منزلة شهداء أحد 216، من أصيب بالجراح يوم أحد 217، معجزة نبوية 217، سبب الهزيمة في أحد 219، عبرة وعظة 219، ما نزل من القران في أحد 220، اثار غزوة أحد 227. غزوة حمراء الأسد 228 حوادث هذا العام 231، تزوج عثمان بأم كلثوم 231، تزوج النبي بحفصة 231 السنة الرابعة للهجرة 233، سرية أبي سلمة بن عبد الأسد 233، سرية عبد الله بن أنيس 234، سرية الرجيع 235، أصحاب بئر معونة أو سرية القراء 239، وقفة عند سرية الرجيع وبئر معونة 241، غزوة بدر الاخرة 243. حوادث في هذا العام 245، وفاة أبي سلمة 245، وفاة عبد الله بن عثمان 245، مولد الحسين 245، تزوج رسول الله بزينب بنت خزيمة 246، تزوج النبي بأم سلمة 246، الحكمة في زواجها 248، تعلم زيد بن ثابت كتابة اليهود ولغتهم 249. السنة الخامسة للهجرة 251، غزوة دومة الجندل 251، مصالحة عيينة بن حصن 252. غزوة بني المصطلق أو المريسيع 252، تصرف نبوي حكيم 253، حدثان عظيمان

في هذه الغزوة 254، الحدث الأول 254، اعتذار ابن أبيّ 255، سير النبي بالجيش ليشغلهم عن الفتنة 255، نزول سورة المنافقون 256، مثل أعلى للإيمان 256، اثار هذه السياسة النبوية الحكيمة 257، احتيال وغدر 257. حادثة الإفك 258، إقامة الحد على من قذف عائشة 264، صفوان بن المعطل السلمي 264، وقفات عند قصة الإفك 265، تفسير ايات الإفك 268. غزوة الخندق أو الأحزاب 275، تأليب اليهود على النبي 275، تفضيل اليهود الوثنية على الإسلام 275، استمرار اليهود في تأليب القبائل 276، خروج الأحزاب 276، استشارة الرسول أصحابه 277، حفر الخندق 277، تخاذل المنافقين 278، نبوات صادقة 279، جيش المسلمين 280، دهشة المشركين من الخندق 280، نقض بني قريظة العهد 281، استجلاء الرسول الخبر 281، اشتداد البلاء والخوف 282، اقتحام بعض المشركين الخندق 283، قتل عمرو بن عبد ودّ 283، محاولة لتفريق الأحزاب 284، الحرب خدعة 285، نجاح التدبير 286، دعاء وابتهال 287، هزيمة الأحزاب 287، تعرف أخبار القوم 287، الأوبة إلى المدينة 288، ما نزل من الايات في غزوة الأحزاب 289. زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش 294، الروايات الصحيحة تؤيد ما ذكرناه 297، روايات واهية مدسوسة 298، أباطيل المبشرين والمستشرقين 299، تهافت كلامهم 299، تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء 301، الحكمة في تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام 303، الحكم العامة 303، الحكم الخاصة 306، خطبة النبي لزينب وفضلها 308، نزول اية الحجاب صبيحة عرسها 309، تشريع الحجاب في الإسلام 311. تزوج النبي بأم حبيبة بنت أبي سفيان 315 فرض الحج 317 وفاة سعد بن معاذ 319 السنة السادسة للهجرة 321، سرية محمد بن مسلمة قبل نجد 321، غزوة بني لحيان 322، سرية كرز بن جابر الفهري 323، سرية عمرو بن أمية الضمري 323. غزوة الحديبية 325، خروج النبي معتمرا 325، وصول النبأ إلى قريش 326،

رسل قريش 327، بديل بن ورقاء 328، مكرز بن حفص 328، حليس بن علقمة 328، عروة بن مسعود الثقفي 329، مثل أعلى للحب وللإيمان 329، رسل رسول الله 330، سفارة عثمان بن عفان 330، بيعة الرضوان 331، مناوشات قريش 332، بشائر الصلح 332، شروط صلح الحديبية 333، رأي المسلمين في الشروط 334، رؤيا رسول الله 335، كتابة «كتاب الصلح» 335، وقفة عند هذا الصلح 336، أبو جندل بن سهيل بن عمرو 336، نحر النبي هديه 337، الأوبة إلى المدينة ونزول سورة الفتح 337، صلح الحديبية فتح مبين 338، مكاسب المسلمين من صلح الحديبية 340، تفسير سورة الفتح 343، المهاجرات المؤمنات 349، تفسير الايتين الواردتين في هذه الحادثة 350. أحداث وتشريعات في هذا العام 352، تحريم الخمر 352، ما هي الخمر 354، حكمة تحريم الخمر 355. تبليغ الإسلام في العالم 357، مكاتبة الملوك والأمراء 357، كتاب رسول الله إلى القيصر (هرقل) 358، موقف هرقل من الكتاب 359، كتاب كسرى 360، كتاب المقوقس عظيم مصر 361، كتاب النجاشي 363، بقية الكتب 363، كتاب المنذر بن ساوى 363، كتاب أمير بصرى 364، كتاب أمير دمشق 364، كتاب ملك اليمامة 364، كتب أخرى 364. السنة السابعة للهجرة 367، غزوة ذي قرد 367، لا نذر في معصية 368، الوفاء حتى للحيوان 369، غزوة خيبر 369، غزوة ذات الرقاع 370، قدوم مهاجري الحبشة 371، سرية بشير بن سعد 373، سرية غالب بن عبد الله 373. عمرة القضاء والقضية والقصاص 375، إقامة النبي بمكة 377، حادثة وقضية 378. تشريعات وحوادث في هذا العام 381، تحريم لحوم الحمر الأهلية وغيرها 381، تحريم نكاح المتعة 381، زواج النبي بصفية بنت حيي النضرية 383، حكمة زواجه بها 385، حراسة أبي أيوب للنبي 385، زواج النبي بميمونة بنت الحارث 386، الحكمة في زواجها 387. موقف النبي من اليهود وموقفهم منه 389، محاولتهم الوقيعة بين الأوس والخزرج

389، الجدل بين اليهود والمسلمين 391، من مخازي بني إسرائيل وأكاذيبهم 391، اليهود بالجزيرة العربية 393. يهود بني قينقاع 394، غزوة بني قينقاع 395، قتل كعب بن الأشرف 397. غزوة بني النضير 399، حصار بني النضير 400، ما نزل في غزوة بني النضير 402. غزوة بني قريظة 406، استشارتهم أبا لبابة 407، توبة أبي لبابة 407، نزول بني قريظة على حكم رسول الله 408، دم بني قريظة في عنق حيي 409، قسمة أموال قريظة 410، ريحانة 410، من استشهد 411، قتل سلام بن أبي الحقيق 412. غزوة خيبر 414، الخروج إلى خيبر 415، ضخامة القوتين 415، قصة الشاة المسمومة 417، تقسيم غنائم خيبر 418، مثل أعلى للتسامح 419، يهود فدك وتيماء ووادي القرى 420، إجلاء الفاروق عمر لهم عن جزيرة العرب 421. السنة الثامنة من الهجرة 423، إسلام خالد وعمرو وعثمان بن طلحة 423. غزوة مؤتة 426، التقاء الجيشين 427، بلاء المسلمين 428، نعي رسول الله الأمراء 429، لقاء الجيش 429، مثل أعلى للاستحياء 429، إكرام النبي لال جعفر 430، نهي ال جعفر عن النياحة 431، رثاء أسماء بنت عميس زوجها 431. غزوة ذات السلاسل 432 فتح الفتوح في الإسلام (فتح مكة) 435، تمهيد 435، سفارة أبي سفيان بن حرب 436، تجهز النبي للخروج 437، كتاب حاطب إلى قريش 437، العظيم من يرحم الضعفاء 438، مسيرة الجيش إلى مكة 439، إسلام العباس وبعض القرشيين 439، تخوف العباس على قريش 440، أبو سفيان يستطلع الأخبار لقريش 440، إسلام أبي سفيان 441، حبس أبي سفيان بمضيق الوادي 442، الكتيبة الخضراء 442، رجوع أبي سفيان إلى مكة 443، دخول مكة 443، إجارة أم هانىء رجلين 445، إلى الكعبة 446، في جوف الكعبة 446، أذان بلال في الكعبة 446، اليوم يوم بر ووفاء 446، خطبة يوم الفتح 447، العفو عند المقدرة 448، إسلام أبي قحافة 448، إسلام الحارث وعتاب 449، إسلام فضالة بن عمير 449، إهدار النبي بعض الدماء 451، خطبة النبي غداة الفتح وإسلام أهل مكة 455،

إسلام قريش رجالا ونساء 456، بيعة الرجال 457، بيعة النساء 458، أكان فتح مكة عنوة أم صلحا 459، مخاوف الأنصار وتبديدها 462، مدة إقامة النبي بمكة 463، بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وهدم بعض الأصنام 464، تعويض النبي بني جذيمة عن الدماء والأموال 465، هدم العزى 465، هدم سواع 466، هدم مناة 466. غزوة حنين 467، خروج رسول الله 467، استعارة دروع صفوان 468، مسيرة الجيش 468، التقاء الجيشين 469، ثبات الرسول 469، استجابة المسلمين 470، الان حمي الوطيس 470، تشفي بعض الأعراب وضعفاء الإيمان 471، موقف إنساني للرسول 472، حنين درس في التربية النفسية 472، غنائم حنين 472، من استشهد من المسلمين 473. سرية أوطاس 473، سبايا أوطاس 473. غزوة الطائف 475، إسلام بعض العبيد 475، الرمي بالمنجنيق واستعمال الدبابات 476، تقطيع الأعناب والزروع 476، مشورة نوفل بن معاوية الدئلي 477، وفد هوازن واسترداد السبايا 479، قسمة الغنائم 481، اعتراض بعض المنافقين 483، معتبة الأنصار 483، عمرة الجعرانة 484، عتاب بن أسيد 485، الحج هذا العام 485، إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى 486. تشريعات وأحداث في هذا العام 488، إسلام أبي العاص بن الربيع 488، وفاة السيدة زينب 490، مولد إبراهيم ابن النبي 490، سرية بني المصطلق 491. السنة التاسعة من الهجرة 493، سرية طيء 493. غزوة تبوك 495، الحث على تجهيز الجيش 495، البكاؤون 496، خروج الجيش 497، تخلف المنافقين وتخذيلهم عن الرسول 497، تحريق بيت سويلم 498، المتخلفون من غير نفاق 499، مسيرة الجيش إلى تبوك 499، كن أبا خيثمة 500، كن أباذر 501، النزول بالحجر 502، انسحاب الروم 502، وفود صاحب أيلة وأهل جرباء وأذرح 502، كتاب رسول الله ليحنة 503، كتاب أهل جرباء وأذرح 503، بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر 503، الأوبة إلى المدينة 504، موت ذي البجادين 505، مكيدة بعض المنافقين 505، هدم مسجد الضرار وتحريقه 507، الوصول إلى المدينة واعتذار من تخلف عن الخروج إلى رسول الله 510، طوائف المتخلفين 510، المنافقون 510،

أبو لبابة وأصحابه 511، الثلاثة الذين خلفوا 512، وقفات عند هذه القصة 516، تفسير ما نزل من الايات في تبوك 519. قدوم ثقيف على رسول الله 528، كتاب رسول الله لهم 531. بعض من مات في هذا العام 532 حج الصديق أبي بكر بالناس 536، شبهة والجواب عنها 539. عام الوفود 541، وفد بني تميم 542، وفد بني القيس 544، وفد بني حنيفة 545، وفد أهل نجران 546، بعث أبي عبيدة معهم 549، وفد طيّىء وعدي بن حاتم 549، وفد زيد الخيل 550، وفد بني عامر 550، قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله 551، وفد أهل اليمن 552، وفود أخرى 552، وفد وائل بن حجر 552، وفد الأزد 553، وفد الدارين 554، وفد تغلب 554. السنة العاشرة من الهجرة 555، سرية خالد بن الوليد 555، بعث عمرو بن حزم 555، سرية علي بن أبي طالب 556، وفد بجيلة 556، وفد أحمس 556. بعث العمال والقضاة والأمراء إلى اليمن 558، بعث معاذ بن جبل إلى اليمن 558، بعث العمال والقضاة والأمراء إلى اليمن 558، بعث معاذ بن جبل إلى اليمن 558، بعث أبي موسى الأشعري 559، بعث علي بن أبي طالب 560، أمراء وعمال اخرون 561. جملة المغازي والسرايا والبعوث 562 حجة الوداع 567، الأذان بالحج 567، الخروج للحج 568، بم أحرم النبي 569، في مكة 570، الطواف بالبيت 570، إلى الصفا والمروة 570، إلى الأبطح 571، قدوم علي 571، الخروج إلى منى 571، إلى عرفات 572، خطبة عرفة 572، ما نزل في يوم عرفة 575، خطأ مشهور 575، إلى المزدلفة 576، إلى منى 576، إلى الكعبة 577، خطبة يوم النحر 578، المقام بمنى 578، خطبة أوسط أيام التشريق 579، فائدة 579، إلى الأبطح بمكة 580، في غدير خم 580. أحداث في هذا العام 582، وفاة إبراهيم ابن النبي 582، تنبؤ مسيلمة 583، تنبؤ الأسود العنسي 584. السنة الحادية عشرة 585، بعث أسامة بن زيد 585. مرض النبي ووفاته 587، النذر بقرب أجل النبي 587، ابتداء المرض 587، اشتداد المرض 588، صلاة أبي بكر بالناس 589، يوم الخميس 590، تنبيه

الفهارس العامة

590، خروج النبي إلى المسجد 590، إن للموت لسكرات 592، صحوة الموت 593، في الرفيق الأعلى 593، هول الفاجعة 594، خطبة الصديق 594، في سقيفة بني ساعدة 595، بيعة الصديق 596، البيعة العامة 596، خطبة الصديق 597، تجهيز رسول الله 598، إنفاذ جيش أسامة 600. المثل الكامل 601، الفضيلة الإنسانية في ذروة كمالها في نبينا محمد 602. صفاته الخلقية 609، نظافة جسمه وطيب ريحه 611، كمال عقله 612، فصاحة لسانه 612، شرف نسبه وكرم محتده 618. النبي الزوج 620، النبي الأب 627، النبي الإنسان 629، النبي المربي المعلم 630، النبي مع ربه 633، النبي مع أصحابه 637، النبي الرؤوف الرحيم 639، النبي البطل الشجاع 642، النبي الوفي بالعهد 644، النبي العفو الحليم 646، النبي الكريم الجواد 649، النبي الزاهد 651، النبي الحييّ 654، النبي المتواضع 656، النبي العادل 660، النبي الصادق الأمين العفيف 662، ادابه الاجتماعية 663، عظمة الشخصية المحمدية وأثرها في الدعوة 665، عالم في فرد 672. مراجع الكتاب 673 الفهارس العامة 1- فهرس الايات القرانية 677 2- فهرس الأحاديث النبوية 695 3- فهرس الأعلام 717 4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات 739 5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع 747 6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام 751 7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك 759 8- فهرس الشعر 763 9- فهرس الموضوعات 767

§1/1