السياسة لابن سينا

ابن سينا

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ حسبي الْحَمد لله الَّذِي نهج لِعِبَادِهِ بِمَا دلهم عَلَيْهِ من حَمده وسبيل شكره وأشرع لَهُم بِمَا هيأهم لَهُ من شكره أَبْوَاب مزيدة وَمن عَلَيْهِم بِالْعقلِ الَّذِي جعله لدينهم عصمَة ولدنياهم عمادا وقائمة وحباهم بالنطق الَّذِي جعله فرقا بَينهم وَبَين الْبَهَائِم الْعَجم والأنعام الْبكم فَالْحَمْد لله حمدا كثيرا على مَا عَم من حسن تَدْبيره وَشَمل من لطف تَقْدِيره حَتَّى حَاز كل صنف من أَصْنَاف خلقه حَظه من الْمصلحَة وَاسْتوْفى كل نوع سَهْمه من الْمرْفق وَالْمَنْفَعَة فَلم يفت جميل صنعه صَغِيرا وَلَا كَبِيرا بل أَفَاضَ عَلَيْهِم جَمِيعًا من سوابغ نعمه وشوامل مواهبه مَا صلحت بِهِ أَحْوَالهم وَتمّ بمكانه نقصهم وَقَوي من أَجله عجزهم ثمَّ خص بني آدم بخصائص من نعمه فَضلهمْ بهَا على كثير من خلقه فجعلهم أحسن الْخلق وطبائعهم أكمل الطبائع وتركيبهم أعدل التَّرْكِيب ومعيشتهم أنعم المعاش وسعيهم فِي منقلبهم أرد السَّعْي إِلَى الْعُقُول الرضية الَّتِي أمدهم بهَا والأحلام الراجحة الَّتِي أَيّدهُم بفضلها والآداب الْحَسَنَة الَّتِي ألبسهم جمَالهَا والأخلاق الْكَرِيمَة الَّتِي زينهم بِشَرَفِهَا مَعَ التَّمْيِيز الَّذِي أَرَاهُم بِهِ فرق مَا بَين الْخَيْر وَالشَّر وَخلاف مَا بَين الغي والرشد وَفضل مَا بَين الصَّانِع والمصنوع وَالْمَالِك والمملوك والسائس والمسوس حَتَّى صَار ذَلِك طَرِيقا لَهُم إِلَى الْمعرفَة مَا بَين الْخَالِق والمخلوق وسبيلا وَاضحا إِلَى تثبيت الصَّانِع الْقَدِيم إِلَّا جحود عناد أَو مُكَابَرَة عيان

اختلاف أقدار الناس وتفاوت أحوالهم سبب بقائهم

اخْتِلَاف أقدار النَّاس وتفاوت أَحْوَالهم سَبَب بقائهم ثمَّ من عَلَيْهِم بِفضل رأفته منا مستأنفا بِأَن جعلهم فِي عُقُولهمْ وآرائهم متفاضلين كَمَا جعلهم فِي أملاكهم ومنازلهم ورتبهم متفاوتين لما فِي اسْتِوَاء أَحْوَالهم وتقارب أقدارهم من الْفساد الدَّاعِي إِلَى فنائهم لما يلقِي بَينهم من التنافس والتحاسد ويثير من التباغي والتظالم فقد علم ذَوُو الْعُقُول أَن النَّاس لَو كَانُوا جمعيا ملوكا لتفانوا عَن آخِرهم وَلَو كَانُوا كلهم سوقة لهلكوا عيَانًا بأسرهم كَمَا أَنهم لَو اسْتَووا فِي الْغنى لما مهن أحد لأحد وَلَا رفد حميم حميما وَلَو اسْتَووا فِي الْفقر لماتوا ضرا وهلكوا بؤسا فَلَمَّا كَانَ التحاسد من أطباعهم والتباهي من سوسهم وَفِي أصل جوهرهم كَانَ اخْتِلَاف أقدارهم وتفاوت أَحْوَالهم سَبَب بقائهم وَعلة لقناعتهم فذو المَال الغفل من الْعقل العطل من الْأَدَب الْمدْرك حَظه من الدُّنْيَا بِأَهْوَن سعي إِذا تَأمل حَال الْعَاقِل المحروم وأكدار الْحول الْقلب ظن بل أَيقَن أَن المَال الَّذِي وجده مغير من الْعقل الَّذِي عَدمه وَذُو الْأَدَب المعدم إِذا تفقد حَال المثري الْجَاهِل لم يشك فِي أَنه فضل عَلَيْهِ وَقدم دونه وَذُو الصِّنَاعَة الَّتِي تعود عَلَيْهِ بِمَا يمسك رمقه لَا يغبط ذَا السُّلْطَان العريض وَلَا ذَا الْملك المديد وكل ذَلِك من دَلَائِل الْحِكْمَة وشواهد لطف التَّدْبِير وأمارات الرَّحْمَة والرأفة

وجوب السياسة

وجوب السياسة وأحق النَّاس وأولاهم بأمل مَا يجْرِي عَلَيْهِ تَدْبِير الْعَالم من الْحِكْمَة وَحسن واتقان السياسة وَأَحْكَام التَّدْبِير الْمُلُوك الَّذين جعل الله تَعَالَى ذكره بِأَيْدِيهِم أزمة الْعباد وملكهم تَدْبِير الْبِلَاد واسترعاهم أَمر الْبَريَّة وفوض إِلَيْهِم سياسة الرّعية ثمَّ الأمثل فالأمثل من الْوُلَاة الَّذين أعْطوا قياد الْأُمَم واستكفوا تَدْبِير الْأَمْصَار والكور ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ من أَرْبَاب النعم وسواس البطانة والخدم ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ من أَرْبَاب الْمنَازل ورواض الْأَهْل والولدان فَإِن كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ رَاع لما يجوزه كنفه ويضمه رَحْله ويصرفه أمره وَنَهْيه وَمن تَحت يَده رَعيته وَيحْتَاج أَصْغَرهم شَأْنًا وأخفهم ظهرا وأرقهم حَالا وأضيقهم عطنا وَأَقلهمْ عددا من حسن السياسة وَالتَّدْبِير وَمن كَثْرَة التفكير وَالتَّقْدِير وَمن قلَّة الإغفال والإهمال وَمن الْإِنْكَار والتأنيب والتعنيف والتأديب وَالتَّعْدِيل والتقويم إِلَى جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْملك الْأَعْظَم بل لَو قَالَ قَائِل الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ هَذَا من التيقظ والتنبيه وَمن التعرف والتجسس والبحث والتنقير والفحص والكشيف أَو من استشعار الْخَوْف والوجل ومجانبة الركون والطمأنينة والإشقاق من انفتاق

الحاجة إلى السياسة

الربق واختلال السد أَكثر لأصاب مقَالا لِأَن الْفَذ الَّذِي لَا ظهير لَهُ والفرد الَّذِي لَا معاضد لَهُ أحْوج إِلَى حسن الْعِنَايَة وأحق بِشدَّة الِاحْتِرَاز من المستظهر بكفاية الكفاة ورفد الوزراء والأعوان وَلِأَن المعدم الَّذِي لَا مَال لَهُ يحْتَاج من ترقح الْعَيْش وَمَرَمَّة الْحَال إِلَى أَكثر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْغَنِيّ الْمُوسر وَلَعَلَّ مُنكر يُنكر تمثيلنا أَحْوَال السوقة بأحوال الْمُلُوك أَو عائبا يعيب موازنتنا بَين الْحَالين أَو قادحا يقْدَح فِي مساواتنا بَين الْأَمريْنِ فَليعلم الْمُتَكَلف فِي النّظر فِي ذَلِك أَن تكلمنا فِي تقَارب النَّاس فِي الْأَخْلَاق والخلق وَفِي حاجات الْأَنْفس وَفِي دواعي الأجساد والمنازل دون الْمَرَاتِب والأحظار والأقدار الْحَاجة إِلَى السياسة ثمَّ ليعلم إِن كل إِنْسَان ملك وسوقة يحْتَاج إِلَى وَقت تقوم بِهِ حَيَاته وَيبقى شخصه ثمَّ يحْتَاج إِلَى إعداد فضل قوته لما يسْتَأْنف من وَقت حَاجته وَأَنه لَيْسَ سَبِيل الْإِنْسَان فِي اقتناء الأقوات سَبِيل سَائِر الْحَيَوَان الَّذِي ينبعث فِي طلب الرَّعْي وَالْمَاء عِنْد هيجان الْجُوع وحدوث الْعَطش وينصرف عَنْهُمَا بعد الشِّبَع والري غير معبئ بِمَا أفضله وَلَا حَافظ لما احتازه وَلَا عَالم بِعُود حَاجته إِلَيْهِمَا بل يحْتَاج الْإِنْسَان إِلَى مَكَان يخزن فِيهِ مَا يقتنيه

ويحرسه لوقت حَاجته فَكَانَ هَذَا سَبَب الْحَاجة إِلَى اتِّخَاذ المساكن والمنازل فَلَمَّا اتخذ الْمنزل واحرز الْقنية احْتَاجَ إِلَى حفظهَا فِيهِ مِمَّن يريدها ومنعها عَمَّن يرومها فَلَو أَنه أَقَامَ على الْقنية حَافِظًا لَهَا راصدا لطلابها إِذن أفناها قبل أَن يزِيد فِيهَا فَإِذا أفتنى ثَانِيَة عَادَتْ حَاجته إِلَى حفظهَا فَلَا يزَال ذَلِك دأبه حَتَّى يصير فِي مثل حيّز الْبَهِيمَة الَّتِي تسْعَى إِلَى مرعاها مَعَ حُدُوث حاجاتها فَاحْتَاجَ عِنْد ذَلِك إِلَى اسْتِخْلَاف غَيره على حفظ قنيته فَلم يصلح لخلافته فِي ذَلِك أَلا من تسكن نَفسه إِلَيْهِ وَلم تسكن نَفسه إِلَّا إِلَى الزَّوْج الَّتِي جعلهَا الله تَعَالَى ذكره للرجل سكنا وَكَانَ ذَلِك سَبَب اتِّخَاذ الْأَهْل وَلما يغشى الْأَهْل بِالْأَمر الَّذِي جعله الله سَببا لحدوث الذُّرِّيَّة وَعلة الْبَقَاء والنسل حدث الْوَلَد وَكثر الْعدَد وزادت الْحَاجة إِلَى الأقوات وإعداد فضلاتها لأوقات الْحَاجة احْتَاجَ عِنْد ذَلِك إِلَى الأعوان والقوام وَإِلَى الكفاة والخدام فَإِذا بِهِ صَار رَاعيا وَصَارَ من تَحت يَده لَهُ رعية فَهَذِهِ أُمُور قد اسْتَوَى فِي الْحَاجة إِلَيْهَا الْملك والسوقة والراعي والمرعي والسائس والمسوس وَالْخَادِم والمخدوم لِأَن كل إِنْسَان مُحْتَاج فِي دُنْيَاهُ إِلَى قوت يمسك روحه وَيُقِيم جسده وَإِلَى منزل يحرز فِيهِ ذَات يَده ويأوى إِلَيْهِ إِذا انْصَرف عَن سَعْيه وَإِلَى زوج تحفظ عَلَيْهِ منزلَة وتحرز لَهُ كَسبه وَإِلَى ولد يسْعَى لَهُ عِنْد عَجزه ويمونه فِي حَال كبره ويصل نَسْله وَيحيى ذكره من بعده وَإِلَى قوام وكفاة يعينونه ويحملون ثقله وَإِذا اجْتمع هَؤُلَاءِ كَانَ رَاعيا ومسيما وَكَانَ لَهُ رعايا وسواما وكما إِن المسيم يلْزمه أَن يرتاد

مصَالح سائمته من الْكلأ وَالْمَاء نَهَارا وَمن الحظائر والزراب لَيْلًا وَإِن يذكي عيونه فِي كلائها ويبث كلابه فِي أقطارها ليحرسها من السبَاع العادية وَمن الْآفَات الطارقة وَمن السرق والغارة والنهب وَإِن يخْتَار لَهَا المشتى الدفئ والمصيف الرّيح ويرود لَهَا فِي طلب الْكلأ والنطف الْعَذَاب وَإِن يتحين وَقت عَملهَا وَإِن يترقب حيت نتاجها وَيلْزمهُ بعد ذَلِك أَن يَسُوقهَا إِلَى مصالحها ويصرفها عَن متالفها بنعيقه وصفيره وبزجره ووعيده فَإِن كَفاهُ ذَلِك فِي حسن انقيادها واستقامة ضلعها وَإِلَّا أقدم عَلَيْهَا بعصاه كَذَلِك يلْزم ذَا الْأَهْل وَالْولد والخدم والتبع مِمَّا يحِق عَلَيْهِ من حفظهم وحياطتهم وَمن تحمل مؤنهم وإدرار أَرْزَاقهم وإحسان سياستهم وتقويمهم بالترغيب والترهيب وبالوعد الْوَعيد وبالتقريب والتبعيد وبالإعطاء والحرمان حَتَّى تستقيم لَهُ قناتهم فهذة أقاويل مجملة فِي وجوب السياسة وَالْحَاجة إِلَيْهَا وسنتبعها بأمثلة مفسرة فِي أَبْوَاب مفصلة بعد أَن نقدم قبلهَا بَابا فِي سياسة الرجل نَفسه فَإِن ذَلِك أحسن فِي النّظم وأبلغ فِي النَّفْع إِن شَاءَ الله تَعَالَى

العقل أساس الإصلاح

بَاب فِي سياسة الرجل نَفسه إِن أول مَا يَنْبَغِي أَن يبْدَأ بِهِ الْإِنْسَان من أَصْنَاف السياسة سياسة نَفسه إِذْ كَانَت نَفسه أقرب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ وَأَكْرمهَا عَلَيْهِ وأولاها بعنايته وَلِأَنَّهُ مَتى أحسن سياسة نَفسه لم يعي بِمَا فَوْقهَا من سياسة الْمصر الْعقل أساس الْإِصْلَاح وَمن أَوَائِل مَا يلْزم من رام سياسة نَفسه أَن يعلم إِن لَهُ عقلا هُوَ السائس ونفسا أَمارَة بالسوء كَثِيرَة المعايب جمة المساوئ فِي طبعها وأصل خلقهَا هِيَ المسوسة معرفَة أوجه الْفساد وعلاجها وَإِن يعلم إِن كل رام إصْلَاح فَاسد لزمَه أَن يعرف جَمِيع فَسَاد ذَلِك الْفساد معرفَة مستقصاه حَتَّى لَا يُغَادر مِنْهُ شَيْئا ثمَّ يَأْخُذ فِي إِصْلَاحه وَإِلَّا كَانَ مَا يصلحه غير حريز وَلَا وثيق كَذَلِك من رام سياسة نَفسه ورياضتها وَإِصْلَاح فاسدها لم يحز لَهُ أَن يَبْتَدِئ فِي ذَلِك حَتَّى يعرف جَمِيع مساوئ نَفسه معرفَة مُحِيطَة فَإِنَّهُ إِن أغفل بعض تِلْكَ المساوئ وَهُوَ يرى أَنه قد عَمها بالإصلاح كَانَ كمن يدمل ظَاهر الْكَلم وباطنه مُشْتَمل على الدَّاء وكما أَن الدَّاء إِذا قوى على الإهمال وَطول

ضرورة الصديق لكشف عيوب النفس

التّرْك نقض الِانْدِمَال وَقذف الْجلد حَتَّى يَبْدُو لعين النَّاظر كَذَلِك الْعَيْب من معايب النَّفس إِذا أغفل عَنهُ كامنا حَتَّى إِذا لَاحَ لَهُ وَجه ظُهُور طلع مكتمنه آمن مَا كَانَ الْإِنْسَان لَهُ ضَرُورَة الصّديق لكشف عُيُوب النَّفس وَلما كَانَت معرفَة الْإِنْسَان نَفسه غير موثوق بهَا لما فِي طباع الْإِنْسَان من الغباوة عَن مساوئه وَكَثْرَة مسامحته نَفسه عِنْد محاسبتها وَلِأَن عقله غير سَلام عَن ممازجة الْهوى إِيَّاه عِنْد نظره فِي أَحْوَال نَفسه كَانَ غير مستغن فِي الْبَحْث عَن أَحْوَاله والفحص عَن مساوئه ومحاسنه من مَعُونَة الْأَخ اللبيب الواد الَّذِي يكون مِنْهُ بِمَنْزِلَة الْمرْآة فيريه حسن أَحْوَاله حسنا وسيئها سَيِّئًا ضَرُورَة من يكْشف للرؤساء عيوبهم وأحق النَّاس بذلك وأحوجهم إِلَيْهِ الرؤساء فَإِن هَؤُلَاءِ لما خَرجُوا عَن سُلْطَان التثبت وَعَن ملكة التصنع تركُوا الاكتراث للسقطات وَتعقب الهفوات بالندمات فاستمرت عَادَتهم على كَثْرَة الاسترسال وَقلة الاحتشام إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم برعت عُقُولهمْ ورجحت أحلامهم ونفذت فِي ضبط أنفسهم بصائرهم فحسنت سيرتهم واستقامت طريقتهم وَمِمَّا زَاد فِي عظم بلائهم باكتتام عيوبهم أَنهم هيبوا عَن التَّعْبِير بالمعايب مُوَاجهَة وَعَن النَّقْص والذم مشافهة وخيفوا فِي إعلان الثلب والعضب والشنع

قرناء السوء وأثرهم

والجذب والهمز واللمز بِظهْر الْعَيْب فَلَمَّا انْقَطع علم ذَلِك عَنْهُم ظنُّوا أَن المعايب تخطتهم والمثالب جاوزتهم فَلم تعرج بخططهم وَلم تعرس بأفنيتهم وَلَيْسَ كَذَلِك حَال من دونهم من الرعاع والسوقة فَإِن أحدهم لَو رام أَن يخفى عَنهُ عيوبه يبدهه محبَّة بهَا ويتدارك عَلَيْهِ بأقبحها مَا اسْتَطَاعَ ذَلِك فَإِنَّهُ يخالط النَّاس ويلابسهم ضَرُورَة والمخالطة تحدث المجادلة والمدافعة وَذَلِكَ من أَسبَاب الْمُخَاصمَة والمخاصمة تُؤدِّي إِلَى التعايب بالمثالب والترامي بالعار وَعند ذَلِك يكَاد كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ لَا يرضى بِذكر حقائق عُيُوب صَاحبه بل يتهمه بِالْبَاطِلِ ويفتعل عَلَيْهِ الزُّور فَهَؤُلَاءِ قد كفوا استرشاد جلسائهم وَبث الجواسيس فِي تعرف عيوبهم من قبل أعدائهم فَإِنَّهَا قد جلبت إِلَيْهِم من غير هَذَا الطَّرِيق فَأَما من يسالم من السوقة النَّاس فَلَا يساورهم ويواتيهم وَلَا يلاحيهم فَإِنَّهُ لَا يعْدم من ينبهه على عَيبه وينصحه فِي نَفسه من حميم وَقَرِيب وخليط وجليس وأكيل قرناء السوء وأثرهم وَمِمَّا زَاد فِي فَسَاد حَال الْمُلُوك والرؤساء مِمَّا أتيح لَهُم من قرناء السوء وقيض لَهُم من جلساء الشَّرّ الَّذين لما خاسوا بعهدهم وراغوا فِي صحبتهم وغشوهم فِي عشرتهم بتركهم صدقهم عَن أنفسهم وتنبيههم عَن عَوْرَاتهمْ لم

أساس الصحبة

يغشوهم بالثناء الْكَاذِب وَلم يغروهم بالتقريظ الْبَاطِل وَلم يستدروجهم باستصابة خطأهم لكانوا أخف ذنوبا وَإِن كَانُوا غير خَارِجين على لؤم الْعشْرَة ودناءة الصُّحْبَة وَلَعَلَّ أحدهم إِذا تنوع فِي إِقَامَة عذره وتنطع فِي تَخْفيف حُرْمَة قَالَ إِنَّمَا نَدع نصحهمْ فِي أنفسهم وصرفهم عَن أَحْوَالهم اشفاقا من حميتهم وحذرا من أنفتهم وخوفا من استثقالهم النَّصِيحَة فَإِن للنصح لدعا كلذع النَّار وحرا كحر السنان فَنحْن نَخَاف إِن فعلنَا ذَلِك بهم أَن لَا نربح إِلَّا استيحاشهم لنا ونفارهم منا وأزورارهم عَنَّا وَعَن عشرتنا فلَان نظفر بهم مَعَ زللهم خير لنا وَلَهُم من أَن نخرق عَلَيْهِم فَلَا هم يبقون لنا وَلَا نَحن نبقى لَهُم هَذَا إِذا كَانَ الصاحب رَفِيقًا متثبتا فإمَّا إِذا كَانَ أخرق متهورا فَإِنَّهُ يَقُول لَا نَأْمَن من سُقُوط منزلتنا وَانْقِطَاع خلظتنا مَعَ سُورَة غَضَبه وبادرة سطوته أساس الصُّحْبَة فَيُقَال لَهُ إِنَّك إِذا بنيت أَمرك فِي صُحْبَة من تصْحَب على الدّين والمروءة لم يلزمك أَن تراعي غَيرهمَا فِيمَا يَأْتِي وَتَذَر وَإِذا اقتديت بهما وعشوت إِلَى نورهما لم تضل فِي طَرِيق صُحْبَة من صَحِبت وَقد قضيت فِيك بِأَن صَاحبك أحد رجلَيْنِ إِمَّا حَازِم رَفِيق متثبت وَإِمَّا أخرق متهور

موقف الرؤساء من النصح

موقف الرؤساء من النصح فالرفيق المتثبت لأحوز عَلَيْهِ فضل مَا يسديه نصحك وَإِن هُوَ ارتاع ووجم وَحمى أَنفه وثنى عطفه فِي أول مَا يرد عَلَيْهِ مِنْك فَإِذا تثبت وفكر وَقدر عرف الْخَيْر الَّذِي قصدته وَالصَّلَاح الَّذِي أممته فَرجع إِلَيْك أحسن الرُّجُوع وَأما الأخرق المتهور فَأَنت غر آمن من خرقه فِي أَي حَال شايعته أَو خالفته وَلَيْسَ من الرَّأْي لَك أَن تصْحَب من هَذِه صفته فتحتاج إِلَى هدايته لكَي تَأتي الشورة ثمارها وَاعْلَم أَنه لَيْسَ لَك وَإِن كَانَ طَرِيق إرشاد الْعَاقِل عَن رعنة أَن تركبه هائما وتسلكه خابطا وَلَكِن يَنْبَغِي لَك أَن تمس الْعَاقِل بالمشورة عَلَيْهِ مسك الشَّوْكَة الشائكة بجسدك والقرحة الدامية من بدنك على الين مَا تمس وأرفق القَوْل وأخفض الصَّوْت وَفِي أخلى المواطن واستر الْأَحْوَال والتعريض فِيهَا أبلغ من التَّصْرِيح وَضرب الْأَمْثَال أحسن من التكشيف فَإِن رَأَيْت صَاحبك يشرئب لِقَوْلِك إِذا بدر مِنْك ويهش لَهُ ويصغى إِلَيْهِ فأسبغ القَوْل فِي غير إفراط وَلَا إسهاب وَلَا إملال وَلَا تزد على الْوَجْه الْوَاحِد من الرَّأْي ودعه يختمر فِي قلبه ويتردد فِي جوانحه فَيعلم بتخلي مغبته وَإِن رَأَيْت صَاحبك لَا يكترث لكلامك إِذا ورد عَلَيْهِ فاقطعه وَأحل مَعْنَاهُ إِلَى غير مَا أردته وأخره إِلَى وَقت نشاطه وفراغ باله

أخلاق الرئيس من أخلاق الناس

أَخْلَاق الرئيس من أَخْلَاق النَّاس وَيَنْبَغِي لمن عَنى بتعرف مناقبه ومثاله أَن يفحص عَن أَخْلَاق النَّاس ويتفقد شيمهم وخلائقهم ويتبصر مناقبهم ومثالبهم فيقيسها بِمَا عِنْده مِنْهَا وَيعلم أَنه مثلهم وَأَنَّهُمْ أَمْثَاله فَإِن النَّاس أشباه بل هم سَوَاء كأسنان الْمشْط فَإِذا رأى المنقبة الْحَسَنَة فَليعلم أَن فِيهِ مثلهَا إِمَّا ظَاهِرَة وَإِمَّا مغمورة فَإِن كَانَت ظَاهِرَة فليراعها وليواظب عَلَيْهَا حَتَّى لَا تبيد وَلَا تضمحل وَإِن كَانَت مغمورة فليثرها وليحيها وليحافظ على استدعائها فَإِنَّهَا تجيب بِأَهْوَن سعي وأسرع وَقت وَإِذا رأى المثلبة وَالْعَادَة السَّيئَة والخلق اللَّئِيم فَليعلم أَن ميلها رَاهن لَدَيْهِ إِمَّا باد وَإِمَّا كامن فَإِن كَانَ باديا فليقمعه وليقهره وليمته بقلة اسْتِعْمَاله وَشدَّة نسيانه وَإِن كَانَ كامنا فليحرمه لِئَلَّا يظْهر الثَّوَاب وَالْعِقَاب للنَّفس وَيَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يعد لنَفسِهِ ثَوابًا وعقابا يسهوسها بِهِ فَإِذا أَحْسَنت طاعتها وسلس انقيادها لما يسومها من قبُول الْفَضَائِل وَترك الرذائل إِذا أَنْت بِخلق كريم أَو منقبة شريفة أثابها بأكثار حمدها وجلب السرُور لَهَا وتمكينها من بعض لذاتها وَإِذا ساءت طاعتها وَامْتنع انقيادها وجمحت فَلم يسلس عنانها وآثرت الرذائل على الْفَضَائِل وَأَنت بِخلق لئيم أَو فعل ذميم عاقبها بأكثار ذمها ولومها وجلب عَلَيْهَا شدَّة الندامة ومنعها لذتها حَتَّى تلين لَهُ

الحاجة إلى الأقوات

بَاب فِي سياسة الرجل دخله وخرجه الْحَاجة إِلَى الأقوات إِن حَاجَة النَّاس إِلَى الأقوات دعت كل وَاحِد مِنْهُم إِلَى السَّعْي فِي اقتناء قوته من الْوَجْه الَّذِي ألهمه الله قَصده وَسبب رزقه من وُجُوه للطَّالِب وسبل المكاسب أَصْنَاف النَّاس فِي الْكسْب وَلما كَانَ النَّاس فِي بَاب الْمَعيشَة صنفين صنفا مكفيا سَعْيه برزق مهنأ سَبَب لَهُ من وراثة أَو جناه وَصِنْفًا محوجا فِيهِ إِلَى الْكسْب ألهم هَذَا الصِّنْف التَّسَبُّب إِلَى الأقوات بالتجارات والصناعات وَكَانَت الصناعات أوثق وَأبقى من التِّجَارَات لِأَن التِّجَارَة تكون بِالْمَالِ وَالْمَال وشيك الفناء وعتيد الْآفَات كثير الجوائح أَنْوَاع صناعات ذَوي الْمُرُوءَة وصناعات ذَوي الْمُرُوءَة ثَلَاثَة أَنْوَاع نوع من خير الْعقل وَهُوَ صِحَة الرَّأْي وصواب المشورة وَحسن التَّدْبِير وَهُوَ صناعَة الوزراء والمدبرين وأرباب السياسة والملوك وَنَوع من حيّز الْأَدَب وَهُوَ الْكِتَابَة والبلاغة وَعلم النُّجُوم وَعلم الطِّبّ وَهُوَ صناعَة الأدباء

وَنَوع من حيّز الْأَبَد والشجاعة وَهُوَ صناعَة الفرسان والأساورة فَمن رام إِحْدَى هَذِه الصناعات فليفز بأحكامها والتقدم فِيهَا حَتَّى يكون من أَصْحَابهَا مَوْصُوفا بالفصاحة غير مرذول وَلَا مُؤخر وليعلم أَنه لَيْسَ شَيْء أزين بِالرجلِ من رزق وَاسع وَافق مِنْهُ استحقاقا ثمَّ ليطلب معيشته بصناعة على أعف الْوُجُوه وأرفقها وأعفاها وأبعدها من الشره والحرص وأناها من الطمع الْفَاحِش والمأكل الْخَبيث وليعلم أَن كل فضل نيل بالمغالبة والمكابرة وبالاستكراه والمجاهدة وكل ربح حيّز بالإثم والعار وَمَعَ سوء القالة وقبح الأحدوثة أَو يبْذل الْوَجْه ونزف الْحيَاء أَو بثلم الْمُرُوءَة وتدنيس الْعرض زهيد وَأَن عظم قدره نزر وَإِن غزرت مادته وبيل وَإِن ظَهرت هناءته وخيم وَإِن كَانَ فِي مرْآة الْعين مريا وَإِن الصفو الَّذِي لَا كدر فِيهِ وَالْعَفو الَّذِي

السيرة العادلة

لَا كدح مَعَه وَأَن قل مِقْدَاره وخف وَزنه أطيب مذاقا وأسلس مساغا وأنمى بركَة وأزكى ريعا السِّيرَة العادلة فَإِذا حَاز الْإِنْسَان مَا اكْتَسبهُ فَإِن من السِّيرَة العادلة فِي ذَلِك أَن يكون بعضه مصروفا فِي الصَّدقَات والزكوات وأرباب الْمَعْرُوف وَبَعضه مستبقي مدخرا لنوائب الدَّهْر وأحداث الزَّمَان الزكوات فَأَما الزكوات وَالصَّدقَات فَيَنْبَغِي أَن يكون إخْرَاجهَا بِطيب النَّفس وَحسن النِّيَّة وإنشراح الصَّدْر والثقة بِأَنَّهَا الْعدة ليَوْم الْفَاقَة وَأَن يوضع معظمها فِي أهل الْخلَّة مِمَّن يساتر النَّاس بفقره وَلَا يهتك ستر الله تَعَالَى عَن حَاله ويتوخى بباقيها من تلْحقهُ الرقة مِمَّن ظَهرت عيلته وبدت مسكنته وَإِن يَجْعَل ذَلِك خَاصّا لوجه الله ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام فَلَا يستثمر لَهُ شكرا وَلَا يترصد لَهُ جَزَاء شُرُوط الْمَعْرُوف وللمعروف شَرَائِط أَحدهمَا تَعْجِيله فَإِن تَعْجِيله أهنأ لَهُ وَالثَّانيَِة كِتْمَانه فَإِن كِتْمَانه أظهر لَهُ وَالثَّالِثَة تصغيره فَإِن تصغيره أكبر لَهُ وَالرَّابِعَة ربه ومواصلته فَإِن قطعه ينسى أَوله ويمحو أَثَره

النفقات

وَالْخَامِسَة اخْتِيَار مَوْضِعه فَإِن الصنيعة إِذا لم تُوضَع عِنْد من يحسن احتمالها وَيُؤَدِّي شكرها وينشر محاسنها ويقابلها بالود والمولاة كَانَت كالبذر الْوَاقِع فِي الأَرْض السبخة الَّتِي لَا تحفظ الْحبّ وَلَا تنْبت الزَّرْع النَّفَقَات فَأَما النَّفَقَات فَإِن سدادها وَإِصْلَاح أمرهَا بَين السَّرف وَالشح ومتردد بَين التصنيع وَالتَّقْدِير خلا إِن بِإِزَاءِ ذَلِك أمرا يُوجب حسن التثبت وَهُوَ أَنه مَتى استوفى الْإِنْسَان حُقُوق التَّقْدِير كلهَا واستعرف شَرَائِط الاقتصاد أجمع لم يسلم فِي ذَلِك على غميرة الغامز وَذَلِكَ النصفة وَعُمُوم الْجوَار فِي العضيهة وشمول الْبغضَاء الموكلة بِكُل مُرُوءَة تَامَّة والحسد المغرى بِكُل مجد باذخ وَشرف شامخ فَلهَذَا يَنْبَغِي للعاقل أَن ببنى بعض أمره فِي الإتفان على عقول عوام النَّاس وَإِن يسْتَعْمل كثير من التَّجَوُّز والأغضاء فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يخْشَى فِيهَا شبه السَّرف وعار التصنيع فَإِن من يمدح السَّرف من الْعَوام أَكثر مِمَّن يمدح الاقتصاد ويؤثر التَّقْدِير كَمَا أَن من يمدح الاقتصاد ويؤثر التَّقْدِير أخص وَأتم عقلا وأحزم رَأيا الادخار فَأَما الذَّخِيرَة فَلَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يغفلها مَتى أمكنته فَإِن الْإِنْسَان مَتى

بدهه صرف الزَّمَان بحاجة لم يكن مستظهر الْحَال فَوق حَاله واضطر إِلَى الِاسْتِعَانَة بِالْحَال الْحَاضِرَة فيفصمها عُرْوَة عُرْوَة حَتَّى يبْقى معدما وَالله ولي الْكِفَايَة وَحسن الدفاع

المرأة الصالحة وصفاتها

بَاب فِي سياسة الرجل أَهله الْمَرْأَة الصَّالِحَة وصفاتها إِن الْمَرْأَة الصَّالِحَة شريكة الرجل فِي ملكه وَقِيمَته فِي مَاله وخليفته فِي رَحْله وَخير النِّسَاء الْعَاقِلَة الدينة الحيية الفطنة الْوَدُود الْوَلُود القصيرة اللِّسَان المطاوعة الْعَنَان الناصحة الجيب الأمينة الْغَيْب الرزان فِي مجْلِس الوقور فِي هيبتها المهيبة فِي قامتها الْخَفِيفَة المبتذلة فِي خدمتها لزَوجهَا تحسن تدبيرها وتكثر قَلِيله بتقديرها وتجلو أحزانه بجميل أخلاقها وتسلى همومه بلطيف مداراتها أسس سياسة الرجل لأَهله وجماع سياسة الرجل أَهله بحسم وسط ثَلَاثَة أُمُور لَا تَدعه وَهِي الهيبة الشَّدِيدَة والكرامة التَّامَّة وشغل خاطرها بالمهم الهيبة أما الهيبة فَهِيَ إِذا لم تهب زَوجهَا هان عَلَيْهَا وَإِذا هان عَلَيْهَا لم تسمع

الكرامة التامة

لأَمره وَلم تضع لنَهْيه ثمَّ لم تقنع بذلك حَتَّى تقهره على طاعتها فتعود آمرة وَيعود مَأْمُورا وَتصير ناهية وَيصير مَنْهِيّا وَترجع مُدبرَة وَيرجع مُدبرا وَذَلِكَ الانتكاس والانقلاب والوبل حِينَئِذٍ للرجل مَاذَا يجلب لَهُ تمردها وطغيانها ويجنيه عَلَيْهِ قصر رأيها سوء تدبيرها ويسوق إِلَيْهِ غيها وركوبها هَواهَا من الْعَار والشنار والهلاك والدمار فالهيبة رَأس سياسة الرجل أَهله وعمادها وَهِي الْأَمر الَّذِي ينسد بِهِ كل خلة وَيتم تَمَامه كل نقص وَيَتُوب عَن كل غَائِب ويغنى عَن كل فَائت وَلَا يَتُوب عَنهُ شَيْء وَلَا يتم دونه أَمر فِيمَا بَين الرجل وَأَهله وَلَيْسَت هَيْبَة الْمَرْأَة بَعْلهَا شَيْئا غير إكرام الرجل نَفسه وصيانة دينه ومرؤته وتصديقه وعده ووعيده الْكَرَامَة التَّامَّة وَأما كَرَامَة الرجل أَهله فَمن مَنَافِعهَا أَن الْحرَّة الْكَرِيمَة إِذا استجلت كَرَامَة زَوجهَا دَعَاهَا حسن استدامتها لَهَا ومحاماتها عَلَيْهَا واشفاقها من زَوَالهَا إِلَى أُمُور كَثِيرَة جميلَة لم يكد الرجل يقدر على إصارتها إِلَيْهِ من غير هَذَا الْبَاب بالتكلف الشَّديد والموؤنة الثَّقِيلَة

شغل الخاطر بالمهم

على أَن الْمَرْأَة كلما كَانَت أعظم شَأْنًا وأفخم أمرا كَانَ ذَلِك أدل على نبل زَوجهَا وشرفه وعَلى جلالته وَعظم خطره وكرامة الرجل أَهله على ثَلَاثَة أَشْيَاء فِي تَحْسِين شارتها وَشدَّة حجابها وَترك إغارتها شغل الخاطر بالمهم وَأما شغل الخاطر بالمهم فَهُوَ أَن يتَّصل شغل الْمَرْأَة بسياسة أَوْلَادهَا وتدبير خدمها وتفقد مَا يضمه خدرها من أَعمالهَا فَإِن الْمَرْأَة إِذا كَانَت سَاقِطَة الشّغل خَالِيَة البال لم يكن لَهَا لَهُم إِلَّا التصدي للرِّجَال بزينتها والتبرج بهيأتها وَلم يكن لَهَا تفكير إِلَّا فِي استزادتها فيدعوها ذَلِك إِلَى استصغار كرامته واستقصار زمَان زِيَادَته وتسخط جملَة إحسانه

حق الولد على والديه

بَاب فِي سياسة الرجل وَلَده حق الْوَلَد على وَالِديهِ إِن من حق الْوَلَد على وَالِديهِ إِحْسَان تَسْمِيَته ثمَّ اخْتِيَار ظئره كي لَا تكون حمقا وَلَا ورهاء وَلَا ذَات عاهة فَإِن اللَّبن بعدِي كَمَا قيل بداية تربية الطِّفْل بعد الفطم فَإِذا فطم الصَّبِي عَن الرَّضَاع بُدِئَ بتأديبه ورياضة أخلاقه قبل أَن تهجم عَلَيْهِ الْأَخْلَاق اللئيمة وتفاجئه الشيم الذميمة فَإِن الصَّبِي تتبادر إِلَيْهِ مساوئ الْأَخْلَاق وتنثال عَلَيْهِ الضرائب الخبيثة فَمَا تمكن مِنْهُ من ذَلِك غلب عَلَيْهِ فَلم يسْتَطع لَهُ مُفَارقَة وَلَا عَنهُ نزوعا فَيَنْبَغِي لغنم الصَّبِي أَن يجنبه مقابح الْأَخْلَاق وينكب عَنهُ معايب الْعَادَات بالترهيب وَالتَّرْغِيب والإيناس والإيحاش وبالإعراض والإقبال وبالحمد مرّة وبالتوبيخ أُخْرَى مَا كَانَ كَافِيا فَإِن احْتَاجَ إِلَى الِاسْتِعَانَة بِالْيَدِ لم يحجم عَنهُ وَليكن أول الضَّرْب قَلِيلا موجعا كَمَا أَشَارَ بِهِ الْحُكَمَاء قبل بعد الإرهاب الشَّديد وَبعد إعداد الشفعاء فَإِن الضَّرْبَة الأولى إِذا كَانَت موجعة سَاءَ ظن الصَّبِي بِمَا بعْدهَا وَاشْتَدَّ مِنْهَا خَوفه وَإِذا كَانَت الأولى خَفِيفَة غير مؤلمة حسن ظَنّه بِالْبَاقِي فَلم يحفل بِهِ

في دور التمييز

فِي دور التَّمْيِيز فَإِذا اشتدت مفاصل الصَّبِي واستوى لِسَانه وتهيأ التَّلْقِين ووعى سَمعه أَخذ فِي تعلم الْقُرْآن وصور لَهُ حُرُوف الهجاء ولقن معالم الدّين وَيَنْبَغِي أَن يروي الصَّبِي الرجز ثمَّ القصيدة فَإِن رِوَايَة الرجز أسهل وَحفظه أمكن لِأَن بيوته اقصر ووزنه أخف وَيبدأ من الشّعْر بِمَا قيل فِي فضل الْأَدَب ومدح الْعلم وذم الْجَهْل وعيب السخف وَمَا حث فِيهِ على بر الْوَالِدين واصطناع الْمَعْرُوف وقرى الضَّيْف وَغير ذَلِك من مَكَارِم الْأَخْلَاق مؤدب الصَّبِي وَيَنْبَغِي أَن يكون مؤدب الصَّبِي عَاقِلا ذَا دين بَصيرًا برياضة الْأَخْلَاق حاذقا بتخريج الصّبيان وقورا رزينا بَعيدا من الخفة والسخف قَلِيل التبذل والاسترسال بِحَضْرَة الصَّبِي غير كز وَلَا جامد بل حلوا لبيبا ذَا مروؤة ونظافة ونزاهة قد خدم سراة النَّاس وَعرف مَا يتباهون بِهِ من

رفيق الصبي

أَخْلَاق الْمُلُوك ويتعايرون بِهِ من أَخْلَاق السفلة وَعرف آدَاب المجالسة وآداب المؤاكلة والمحادثة والمعاشرة رَفِيق الصَّبِي وَيَنْبَغِي أَن يكون مَعَ الصَّبِي فِي مكتبه صبية من أَوْلَاد الجلة حَسَنَة أدابهم مرضية عاداتهم فَإِن الصَّبِي عَن الصَّبِي ألقن وَهُوَ عَنهُ آخذ وَبِه آنس وَانْفَرَدَ الصَّبِي الْوَاحِد بالمؤدب أجلب الْأَشْيَاء لضجرهما فَإِذا راوح الْمُؤَدب بَين الصَّبِي وَالصَّبِيّ كَانَ ذَلِك أنفى للسآمة وَأبقى للنشاط وأحرص للصَّبِيّ على التَّعَلُّم والتخرج فَإِنَّهُ يباهي الصّبيان مرّة ويغبطهم مرّة ويأنف من الْقُصُور عَن شأوهم مرّة ثمَّ يحادث الصّبيان والمحادثة تفِيد انْشِرَاح الْعقل وَتحل مُنْعَقد الْفَهم لِأَن كل وَاحِد من أُولَئِكَ إِنَّمَا يتحدث بأعذب مَا رأى وَأغْرب مَا سمع فَتكون غرابة الحَدِيث سَببا للتعجب مِنْهُ والتعجب مِنْهُ سَببا لحفظه وداعيا إِلَى التحدث بِهِ ثمَّ أَنهم يترافقون ويتعارضون الزِّيَارَة ويتكارمون ويتعاوضون الْحُقُوق وكل ذَلِك من أَسبَاب المباراة والمباهاة والمساجلة والمحاكاة

إعداد الصبي للمهنة وفقا لطبعه

وَفِي ذَلِك تَهْذِيب لأخلاقهم وتحريك لهممهم وتمرين لعاداتهم إعداد الصَّبِي للمهنة وفقا لطبعه وَإِذا فرغ الصَّبِي من تعلم الْقُرْآن وَحفظ أصُول اللُّغَة نظر عِنْد ذَلِك إِلَى مَا يُرَاد أَن تكون صناعته فَوجه لطريقه فَإِن أَرَادَ بِهِ الْكِتَابَة أضَاف إِلَى دراسة اللُّغَة دراسة الرسائل والخطب ومناقلات النَّاس ومحاوراتهم وَمَا أشبه ذَلِك وطورح الْحساب وَدخل بِهِ الدِّيوَان وعنى بِخَطِّهِ وَإِن أُرِيد أُخْرَى أَخذ بِهِ فِيهَا بعد أَن يعلم مُدبر الصَّبِي أَن لَيْسَ كل صناعَة يرومها الصَّبِي مُمكنَة لَهُ مؤاتية لَكِن مَا شاكل طبعه وناسبه وَأَنه لَو كَانَت الْآدَاب والصناعات تجيب وتنقاد بِالطَّلَبِ والمرام دون المشاكلة والملاءمة إِذن مَا كَانَ أحد غفلا من الْأَدَب وعاريا من صناعَة وَإِذن لأجمع النَّاس كلهم على اخْتِيَار أشرف الْآدَاب وَأَرْفَع الصناعات وَمن الدَّلِيل على مَا قُلْنَا سهولة بعض الْأَدَب على قوم وصعوبته على آخَرين وَلذَلِك نرى وَاحِدًا من النَّاس تؤاتيه البلاغة وَأخر يؤاتيه النَّحْو وَآخر يؤاتيه الشّعْر وَآخر يؤاتيه الْخطب وَآخر يؤاتيه النّسَب وَلِهَذَا يُقَال بلاغة الْقَلَم وبلاغة الشّعْر فَإِذا خرجت عَن هَذِه الطَّبَقَة إِلَى طبقَة أُخْرَى وجدت وَاحِدًا يخْتَار علم الْحساب وَآخر يخْتَار علم الهندسة وَآخر يخْتَار علم الطِّبّ وَهَكَذَا تَجِد سَائِر الطَّبَقَات إِذا افتليتها طبقَة طبقَة حَتَّى تَدور عَلَيْهَا جَمِيعًا ولهذه الاختيارات وَهَذِه المناسبات والمشاكلات أَسبَاب غامضة

مراعاة ميل الصبي للصناعة

وَعلل خُفْيَة تدق عَن أفهام للبشر وتلطف عَن الْقيَاس وَالنَّظَر لَا يعلمهَا إِلَّا الله جلّ ذكره مُرَاعَاة ميل الصَّبِي للصناعة وَرُبمَا نافر طباع إِنْسَان جَمِيع الْآدَاب والصنائع فَلم يعلق مِنْهَا بِشَيْء وَمن الدَّلِيل على ذَلِك أَن أُنَاسًا من أهل الْعقل راموا تَأْدِيب أَوْلَادهم واجتهدوا فِي ذَلِك وأنفقوا فِيهِ الْأَمْوَال فَلم يدركوا من ذَلِك مَا حاولوا فَلذَلِك يَنْبَغِي لمدير الصَّبِي إِذا رام اخْتِيَار الصِّنَاعَة أَن يزن أَولا طبع الصَّبِي ويسير قريحته ويخبر ذكاءه فيختار لَهُ الصناعات بِحَسب ذَلِك فَإِذا اخْتَار لَهُ إِحْدَى الصناعات تعرف قدر ميله إِلَيْهَا ورغبته فِيهَا وَنظر هَل جرت مِنْهُ على عرفان أم لَا وَهل أدواته وآلاته مساعدة لَهُ عَلَيْهَا أم خاذلة ثمَّ يبت الْعَزْم فَإِن ذَلِك احزم فِي التَّدْبِير وَأبْعد من أَن تذْهب أَيَّام الصَّبِي فِيمَا لَا يؤاتيه ضيَاعًا كسب الصَّبِي من الصِّنَاعَة وفوائده فَإِذا وغل الصَّبِي فِي صناعته بعض الوغول فَمن التَّدْبِير أَن يعرض للكسب وَيحمل على التعيش مِنْهَا فَإِنَّهُ يحصل فِي ذَلِك لَهُ منفعتان إِحْدَاهمَا إِذا ذاق حلاوة الْكسْب بصناعته وَعرف غناها وجداها عظيمين لم يضجع فِي إحكامها وبلوغ أقصاها

وَالثَّانيَِة أَنه يعْتَاد طلب الْمَعيشَة قبل أَن يستوطئ حَال الْكِفَايَة فَإنَّا قل مَا رَأينَا من أَبنَاء المياسير من سلم من الركون إِلَى مَال أَبِيه وَمَا أعد لَهُ من الْكِفَايَة فَلَمَّا عول ذَلِك قطعه عَن طلب الْمَعيشَة بالصناعة وَعَن التحلي بلباس الْأَدَب فَإِذا كسب الصَّبِي بصناعته فَمن التَّدْبِير أَن يُزَوّج ويفرد رَحْله

الحاجة إلى الخدم

بَاب فِي سياسة الرجل خدمه الْحَاجة إِلَى الخدم إِن سَبِيل سياسة الخدم والقوام من الْإِنْسَان سَبِيل الْجَوَارِح من الْجَسَد وكما أَن قوما قَالُوا حَاجِب الرجل وَجهه وكاتبه قلمه وَرَسُوله لِسَانه كَذَلِك نقُول إِن حفدة الرجل يَده وَرجله لِأَن من كَفاك التعاطي بِيَدِك فقد قَامَ عنْدك مقَامهَا وَمن كَفاك السَّعْي برجلك فقد نَاب عَنْك منابها وَمن حفظ لَك مَا تحفظه عَيْنك فقد كَفاك كفايتها فغناء الخدم عَنْك أَيهَا الْإِنْسَان كثير ونفع القوام إياك جزيل ولولاهم لأرتج دُونك بَاب من الرَّاحَة كَبِير ولأنسد عَنْك طَرِيق من النِّعْمَة مهيع ولاضطررت إِلَى مُوَاصلَة الْقيام وَالْقعُود وَإِلَى مواترة الأقبال والأدبار وَفِي ذَلِك اتعاب الْجَسَد وَهُوَ يعد من إمارات الخفة وَدَلَائِل النزق وسبل المهانة والضعة وَفِيه سُقُوط الهيبه وَذَهَاب الرزانة والركانة وَبطلَان الأبهة وَطرح السمت وَالْوَقار وبثبات هَذِه الْخِصَال

واجب السيد نحو الخدم

يباين المخدوم وَالْخَادِم والرئيس والمرؤوس وَاجِب السَّيِّد نَحْو الخدم فَيَنْبَغِي لَك أَن تحمد الله عز وَجل على مَا سخر لَك مِنْهُم وَمَا كَفاك وَأَن تحوطهم وَلَا تقصيهم وتتفقدهم وَلَا تهملهم وترفق بهم وَلَا تحرجهم فَإِنَّهُم بشر يمسهم من الكلال واللغوب وَمن السَّآمَة والفتور مَا يمس الْبشر وَتَدْعُوهُمْ دواعي حاجاتهم وإرادات أجسامهم إِلَى مَا فِي طباع الْبشر إِرَادَته وَالْحَاجة إِلَيْهِ طَرِيق اتِّخَاذ الخدم وَطَرِيق اتِّخَاذ الخدم أَن لَا يتَّخذ الْإِنْسَان خَادِمًا إِلَّا بعد الْمعرفَة والاختبار لَهُ وَإِلَّا بعد سبره وامتحانه فَإِن لم تستطع ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تعْمل فِيهِ التَّقْدِير والفراسة والحدس والتوسم وَأَن تضرب عَن الصُّور المتفاوتة والخلق المضطربة فَإِن الْأَخْلَاق تَابِعَة لِلْخلقِ وَمن أَمْثَال الْفرس أحسن مَا فِي الذميم وَجهه وَإِن تجانب ذَوي العاهات كالعوران والعرجان والبرصان وَنَحْوهم وَأَن لَا تثق مِنْهُم بِذِي الْكيس الْكثير والدهاء الْبَين فَإِنَّهُ لَا يعرى من الخب وَلَا يسلم من الْمَكْر ويؤثر الْيَسِير من الْعقل وَالْحيَاء على كثير من الشهامة والخفة

اختيار ما يصلح الخادم

اخْتِيَار مَا يصلح الْخَادِم فَإِذا فرغ من ذَلِك فَلْينْظر لأي أَمر يصلح الْخَادِم الَّذِي يَتَّخِذهُ وَأي صناعَة ينتحل وَمَا الَّذِي يظْهر رجحانه فِيهِ من الْأَعْمَال فليسنده إِلَيْهِ وليستكفه إِيَّاه وَلَا ينقلن الْخَادِم من عمل إِلَى عمل وَلَا يحولنه من صناعَة إِلَى صناعَة فَإِن ذَلِك من أمتن أَسبَاب الدمار وَأقوى دواعي الْفساد وَمَا يشبه من يفعل ذَلِك إِلَّا بِمن يُكَلف الْخَيل الكراب وَالْبَقر الأحضار لِأَن لكل إِنْسَان بَابا من المعارف وفنا من الصناعات قد سمح لَهُ بِهِ طباعه وإفادته إِيَّاه غريزته فَصَارَ لَدَيْهِ كالسجية الَّتِي لَا حِيلَة فِي تَركهَا والضريبة الَّتِي لَا سَبِيل إِلَى مفارقتها فَمَتَى نقل الْإِنْسَان الْخَادِم مِمَّا قد أحْسنه وأتقنه ومارسه ولابسة وألفة واعتاده إِلَى مَا يختاره لَهُ بِرَأْيهِ وينتخبه لَهُ بإرادته مِمَّا ينافر طباعه ويضاد جوهره أفسد عَلَيْهِ نظام خدمته وجبره فِي طَرِيق مهنته فَعَاد كالريض ثمَّ لَا يفِيدهُ مِمَّا نَقله إِلَيْهِ بَابا إِلَّا بنسيان أَبْوَاب مِمَّا نَقله عَنهُ وَمَتى عَاد بِهِ إِلَى الْأَمر الأول وجده فِيهِ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ فِيمَا نَقله إِلَيْهِ الْخَادِم شريك سَيّده فِي النِّعْمَة وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون نَكِير الْإِنْسَان على الْخَادِم إِذا أَرَادَ الْإِنْكَار عَلَيْهِ صرفه عَنهُ فَإِن ذَلِك من دَلَائِل ضيق الصَّدْر وَقلة الصَّبْر وخفة الْحلم وَلِأَنَّهُ إِذا

صرفه احْتَاجَ إِلَى غَيره بَدَلا مِنْهُ وخلفا عَنهُ وَغَيره مثله أَو قريب مِنْهُ وَإِذا استمرت بِهِ هَذِه الْعَادة أوشك أَن يبْقى بِلَا خَادِم بل يَنْبَغِي لَهُ أَن يُقرر فِي قُلُوب خدمه أَن أحدا مِنْهُم لَا يجد إِلَى مُفَارقَة رَحْله وَالْخُرُوج عَن دَاره وكنفه سَبِيلا فَإِن ذَلِك أتم للمرؤة وأدل عل الْوَفَاء وَالْكَرم وَبعد فَإِن الْخَادِم لَا يتوالى وَلَا يناصح وَلَا يشفق وَلَا ينظر وَلَا يحْتَاط وَلَا يحامي وَلَا يذب حَتَّى يتَحَقَّق عِنْده وَيصِح لَدَيْهِ أَنه شريك صَاحبه فِي نعْمَته وقسيمه فِي ملكه وجدته حَتَّى يَأْمَن الْعَزْل وَلَا يحذر الصّرْف وَمَتى ظن الْخَادِم أَن أساس حرمته غير واطدة ووشائج ذمامه غير راسخة وَإِن مَكَانَهُ نَاب بِهِ عِنْد الذَّنب يُوَافقهُ والحزم يُفَارِقهُ كَانَ مقَامه على صَاحبه كعابر سَبِيل فَلَا يَعْنِي بِمَا عناه وَلَا يهتم بِمَا عراه وَلم يكن همته إِلَّا ذخيرة يعدها ليَوْم جفوة صَاحبه وظهره يرجع إِلَيْهَا عِنْد نبوته وأزورار جَانِبه وَليكن عِنْد الصاحب لخدمه دون صرفهم وإخراجهم وَسوى نبذهم وإطراحهم منَازِل من الاستصلاح والتقويم فَمن استقام لَهُ بالتأديب عوجه واعتدل بالثقاف أوده فليشدده يدا ويوسعه عِنْد الزلة عفوا وَمن رَاجع الذَّنب بعد التَّوْبَة وَنقض الْعَهْد بعد الْإِنَابَة فليذقه طرفا من الْعقُوبَة وليمسه بِبَعْض السطوة وَلَا ييأسن من رشده مَا لم تنْحَل عقدَة حَيَاته ويكاشف بإصراره وَمن عَصَاهُ مَعْصِيّة صلعاء يلتف دونهَا أَو جنى

جِنَايَة شنعاء لَا بقيا مَعهَا وَلَا فِي شَرطه السياسة اغتفارها فَالرَّأْي للصاحب البدار إِلَى الْخَلَاص وَإِلَّا أفسد عَلَيْهِ سَائِر الخدم وَانْقَضَت الْأَبْوَاب الَّتِي مثلنَا فِيهَا مَا يحِق على الرجل فعله فِي تَدْبِير نَفسه وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ منزلَة وَإِنَّمَا ذكرنَا الْقَلِيل من الْكثير والجمل دون التَّفْسِير وَلَو شرحنا كل بَاب بِمَا يشاكله من أَخْبَار النَّاس وأشعارهم لَكَانَ الْكتاب أحسن وأكمل إِلَّا أَنه يكون أكبر وأطول فآثرنا التَّخْفِيف على الْقَارئ والتسهيل على النَّاظر ولرب قَلِيل أَربع من كثير وصغير أتم من كَبِير وَالله ولي التَّوْفِيق والتيسير نجزت رِسَالَة السياسة وَالْحَمْد لله كثيرا دَائِما كفاء منته

§1/1