السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي

مصطفى السباعي

السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي

الإِهْدَاءُ: إلى: من حباني من حنانه ما نعمت به وأنا وليد. ومن إرشاده ما قومني وأنا غصن رطيب ومن عونه على تحصيل العلم ما مكنني من أن أجدَّ في طلب المعرفة وأنا تلميذ ومن تأييده لدعوة الإصلاح ما هَوَّنَ عَلَيَّ تحمل الأذى في سبيل الله ومن صبره على الشدائد ما حَبَّبَ إِلَيَّ التضحية وأنا مُشَرَّدٌ، أو مُوَثَّقٌ بأغلال السجون والمعتقلات. ومن خفقات قلبه الرحيم ما خففت عني الآلام، وأنا طريح العلل والأمراض. إلى: من كان كل أمله أن أكون حلقة في سلسلة بيتنا العلمي منذ مئات السنين، وكل طلبته من ربه: أن يجعلني من حسناته يوم الدين. إلى أبي الشيخ الجليل حسني السباعي أهدي أول مؤلفاتي العلمية، اعترافاً بفضله وحسن توجيهه، راجياً من الله جل [ج]

شأنه أن يبارك في لي حياته، ويجزل له من مثوبته، ويتقبل دعاء ولد بارّ لأب كريم، استجابة لأمره تعالى: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (¬2) مصطفى [د] ¬

_ (¬2) [سورة الإسراء، الآية: 24].

مقدمة الطبعة الثانية بقلم الدكتور محمد أديب الصالح بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي له ما في السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير. والصلاة والسلام على معلم الناس الخير محمد بن عبد الله الذي أوتي القرآن ومثله معه، وجعل الله طاعته من طاعته هو سبحانه، فكانت سُنَّتُهُ صلوات الله عليه وسلامه بيان الكتاب الكريم، والمصدر الثاني من مصادر شريعة الإسلام. وكان من قبِل عن رسول الله فعن الله قبِل. أما بعد، فالبحث في سُنَّةِ النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أمر على غاية الأهمية في بنية الإسلام الفكرية، ومصادر التشريع فيه، خصوصاً إذا وضعنا في الحسبان ما ينصب لأمتنا من أحابيل ومكائد، وما يراد لها من إعراض عن هدي النبوة، وتشكك فيما يصل الأجيال بنبيها - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. ومن خلال ذلك ينظر إلى الفراغ الذي ملأه في هذا الميدان كتاب " السُنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للأستاذ الدكتور مصطفى السباعي - رَحِمَهُ اللهُ -، الذي كان الميدان العلمي واحداً من الميادين التي خاضها دفاعاً عن دعوة الإسلام وشريعة الإسلام. [هـ]

وعلى بركة الله تصدر الطبعة الثانية لهذا الكتاب القيم والحمد لله. وإذا توافر للمؤلف القدرة على البحث العلمي وتتبع الأمور في مظانها، بجانب الغيرة الصادقة على دين الله. إن هذا الكتاب صورة حية لهاتين المكرمتين، فأنت واجد أن المضمون منطبق تمام الانطباق على العنوان، مع رد المفتريات والشبه، واقتحام معاقل العادين على السُنَّة من حيث المتن أو السند. وإذا كان قد تناول بعض المباحث برفق وإيجاز، فإنما كان ذلك لأنها ليست من صلب الموضوع، فأعطاها بقدر ما لها من علاقة فحسب. وكم أحسن - رَحِمَهُ اللهُ - صنعا في ذلك التتبع التاريخي للأدوار التي مرت بها السُنَّة، ووضع الأصبع على مكمن الداء في الماضي والحاضر، ومواقف العلماء التي ردت الأمور إلى نصابها. وبطريقة منهجية جامعة فنّد آراء المخالفين قديما وحديثا، وعرض لمواقف بعض المستشرقين والمستغربين، وكشف بالروح العلمية المنصفة مواقعهم وما وراء اتجاهاتهم من جهل وتزوير. فكان موقفه في ذلك كله موقف العالم الداعية المجاهد، الذي يقدم لك الفكرة، مؤيدا ما يجنح إليه بالحجة من مظانها .. وتلمس من وراء بحثه - كما أسلفنا - الغيرة الصادقة على السُنّة أن يعدى عليها باسم العلم وتحت عناوين المعرفة. ولعل من الإنصاف أن أشير إلى أن الأستاذ - رَحِمَهُ اللهُ - قد ألف الكتاب في ظروف قاسية شهدها الذين يسكنون معه في القاهرة من إخوانه، حين اضطرته تلك الظروف وهو يجمع المادة العلمية للموضوع أن يغادر الشقة إلى مكان آخر حيث لا يجد المراجع إلا بصعوبة، ويتصل ببعض أساتذته بصعوبة أشد، لا يحجز الأذى عنه ومخاطر الاتصال إلا عناية الله .. ولم يطبع الكتاب طباعة رسمية، وإنما خرج رسالة للأستاذية يومذاك - الدكتوراه - في الأزهر على الآلة الطابعة. [و]

وشغلت مؤلفنا شؤون الدعوة والقضايا العامة، ومهمات الجامعة والتدريس في كليتي الشريعة والحقوق، مع إدارة كلية الشريعة عن البدء بطبع الكتاب. ويشاء الله أن يفاجئه المرض العضال .. وصدرت الطبعة الأولى وهو على حال صحية غاية في الإرهاق، وإن كان الرضى عن الله، والطمأنينة لنعمة الابتلاء، مِمَّا كان يزين حياته في تلك الفترة - رَحِمَهُ اللهُ -. وكان الإقبال على الكتاب شديدا خصوصا من أولئك الذين يقدرون هذه الموضوعات حق قدرها وشرع - على قسوة المرض - في تنقيحه وزيادة ما يراه من التعليقات تمهيدا لدفعه إلى المطبعة ... حتى وافته المنية - غفر الله له - وأصول الكتاب هي شغله الشاغل، ويرى القارئ ملحقين في هذه الطبعة الثانية، وقد وعد بملحق ثالث حالت وفاته دُونَ إنجازه. وختاما: إن كتاب " السُنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " بما يشتمل عليه من حقائق علمية تضع السُنَّة موضعها من شريعة الإسلام، وما يقع عليه القارئ من نفس طويل في تحليل المواقف مِنَ السُنَّةِ في القديم وفي العصر الحاضر، وما يلمسه من تلك الجولات الموفقة مع أهل الانحراف من مستشرقين وغيرهم من دعاة التغريب. إن ذلك كله يجعل الكتاب جديراً - إن شاء الله - بأن يؤدي الغرض من خدمة الرسالة التي كان يحملها المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ - .. وأن يحظى بالكثير من اهتمام الباحثين في وقت نجد فيه ليالي الإسلام مثقلات بألوان من مؤامرات الدس في أصولنا ومصادرنا وخصوصاً السُنَّة المُطَهَّرَة .. مِمَّا تشم منه رائحة التضليل في بناء الجيل لإبعاده عن مقومات الوجود الحقيقي لأمَّته في كتاب ربها وسُنَّة نبيها - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. [ز]

رحم الله الأستاذ السباعي وأجزل مثوبته في الآخرين، ونفع بآثاره الطيبة التي ضربت في كل ميدان من ميادين الدعوة، وكان من عيونها هذا الكتاب في طبعته الثانية - التي يخرجها المكتب الإسلامي استجابة طبيعية للقراء والباحثين الذين طال انتظارهم له - خاصة - ونرجو أن يكون ذلك كله في كفة حسناته حيث يوزن مداد العلماء بدم الشهداء فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء ... {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} (*)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ح] ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) هذه الجملة نص قرآني: [سورة الحديد، الآية: 12].

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي شرع الأحكام لعباده بكتاب مبين، وأناط تفصيل أحكامه بخاتم النبيين والمرسلين، سيدنا محمد بن عبد الله - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ -، نقلة الوحي، والأمناء على الحق، والدعاة إلى الله على هدى وصراط مستقيم، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فنحن في عصر اضطربت فيه النظم العالمية المتعددة، وعجزت عن إيجاد السلام والرخاء لشعوب العالم، ومهما يكن في قادة الأمم المسيطرة من عيوب أدت إلى هذا الاضطراب، فإن الذي لا ريب فيه عندنا أن الأسباب المباشرة لشقاء العالم هي تلك النظم التي لم تثبت حتى الآن صلاحها لحل مشاكل الإنسانية على وجه يريحها من الحروب والمنازعات، ويبعدها عن جو القلق الذي تعيش به في أعقاب الحروب العالمية الدامية، بعد أن كانت تعيش خلال الحروب في جو قاتم من الدماء والدمار والخراب. وعقيدتنا، نحن المُسْلِمِينَ، أن لا مناص لهذا العالم - إن أراد لنفسه السعادة والسلام - من الرجوع إلى تعاليم الله الصافية الخالصة من التحريف والتلاعب والتبديل والتغيير، والتي جاءت رسالة الإسلام مُتَمِّمَةً لها وَمُعَبِّرَةً عن رسالتها أوفى [ط]

تعبير وَأَدَقِّهِ وَأَوْسَعِهِ، وأكثره مراناً ومسايرة للعصور، وتحقيقاً لحاجة بني الإنسان على اختلاف ديارهم وأزمانهم. وشريعة الإسلام - في مصادرها الأولى - وفي بحوث فقهائها وأئمتها - رحبة الفناء، واسعة النهج، تتسع لكل حادثة، وتحل كل مشكلة، وتقيم موازين القسط بين الأفراد والجماعات والحكومات، وتحقق للشعب الطائع اليقظ الراقي المتحفز، وللدنيا في مختلف أقطارها، الدولة العادلة المسالمة التي تجنح لِلْسِلْمِ حين يجنح له غيرها، وتذود عن كرامة العقيدة والأخلاق والحرية الصادقة، حين يميل إلى العدوان عليها معتد أثيم أو باغ ماكر. ومصادر التشريع الإسلامي معروفة لدى المُسْلِمِينَ موثوقة محفوظة، ولا شك في أن السُنَّةَ المُطَهَّرَةَ، وهي ثانية هذه المصادر، أوسعها فروعا، وأحفلها نظماً، وأرحبها صدراً، إذ كان كتاب الله الكريم متضمناً للقواعد العامة في التشريع وللأحكام الكلية في الغالب، مِمَّا جعله خالداً خلود الحق، بَيْدَ أَنَّ السُنَّةَ الكريمة عنيت بشرح هذه القواعد، وتثبيت تلك النظم، وتفريع الجزئيات على الكليات، مِمَّا يعرفه كل من درس السُنَّةَ دراسة وافية، ومن ثم لم يكن لِلْمُتَشَرِّعِينَ من علماء الإسلام مندوحة من الاعتماد على السُنَّةِ، واللجوء إليها والعناية بها والاسترشاد بأحكامها المنصوصة على أحكام الحوادث الطارئة. ولقد تعرضت السُنَّةُ في القديم لهجمات بعض الفرق الإسلامية الخارجة على سُنَنِ الحق لشبهات طارئة لم تجد في نفوس أتباعها ما يدفعها، كما تعرضت في العصر الحاضر لهجمات بعض المُسْتَشْرِقِينَ المُتَعَصِّبِينَ من دُعاة التَبْشِيرِ وَالاِسْتِعْمَارِ، ابتغاء الفتنة وابتغاء هدم هذا الركن المتين من أركان التشريع الإسلامي الوارف الظلال وتابعهم على ذلك بعض المؤلفين من أبناء أُمَّتِنَا، اغتراراً بما يضفيه أولئك المُسْتَشْرِقُونَ على بحوثهم من زخارف علمية لا تثبت أمام النقد العلمي النزيه أو اندفاعا وراء [ي]

ميول نفسية وشبهات فكرية لم يحاولوا تخصيصها على ضوء ما بين أيديهم من تراث السلف وبحوث العلماء الراسخين، فصادف رأي المُسْتَشْرِقِينَ في السُنَّةِ هَوًى كامناً في نفوس هؤلاء، فضربوا على الوتر، وغنوا بذلك الحداء. أَتَانِي هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الهَوَى ... فَصَادَفَ قَلْباً خَالِياً فَتَمَكَّنَا وقد سبق لي في عام 1358 هـ أن عانيت مع بعضهم بعض الشيء في دفع أوهامهم والرد على ما علق بأذهانهم من تَخَرُّصَاتِ المُسْتَشْرِقِينَ. لذلك رأيت أن أبحث في هذه الرسالة عن السُنَّةِ ومكانتها في التشريع الإسلامي، مُبَيِّنًا الأدوار التاريخية التي اجتازتها، وجهود علماء الإسلام في صيانتها وتمحيصها، مناقشًا ما أورد المتحاملون عليها في القديم والحديث بروح علمية هادئة، يستبين بها وجه الحق، وتتضح بها طلعة السُنَّةِ المُطَهَّرَةِ بيضاء مشرقة. وقد ختمتها بشذرات من تاريخ أشهر علماء الإسلام من مُجْتَهِدِينَ وَمُحَدِّثِينَ مِمَّنْ لهم دور بارز في حفظ السُنَّةِ وتدوينها، أو في الرجوع إليها في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها. وقد قَسَّمْتُ الرسالة إلى ثلاثة أبواب وخاتمة: الباب الأول: في معنى السُنَّةِ ونقلها وتدوينها، وفيه فصول: الفصل الأول: في معنى السُنَّةِ، وتعريفها، وموقف الصحابة مِنَ السُنَّةِ. الفصل الثاني: كيف نشأ الوضع فيها؟ ومتى؟ وأين؟ الفصل الثالث: في جهود العلماء لتنقيتها وتصحيحها. [ك]

الفصل الرابع: في ثمار جهود العلماء ونتائجها بالنسبة لِلْسُنَّةِ. الباب الثاني: فيما تعرضت له السُنَّةُ من شُبَهٍ وخصومة وفيه سبعة فصول: الفصل الأول: السُنَّةُ مع الشِيعَة والخوارج. الفصل الثاني: السُنَّةُ مع المعتزلة والمُتَكَلِّمِينَ. الفصل الثالث: السُنَّةُ مع من ينكر حُجِيَّتِهَا قَدِيمًا. الفصل الرابع: السُنَّةُ مع من ينجر حُجِيَّتِهَا حَدِيثًا. الفصل الخامس: السُنَّةُ مع من ينكر حُجِيَّة خبر الآحاد. الفصل السادس: السُنَّةُ مع المُسْتَشْرِقِينَ. الفصل السابع: السُنَّةُ مع بعض الكَاتِبِينَ حَدِيثًا. الباب الثالث: في مرتبة السُنَّةِ من التشريع الإسلامي، وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: في مرتبتها بالنسبة إلى الكتاب. الفصل الثاني: كيف اشتمل القرآن على السُنَّة. الفصل الثالث: نَسْخُ السُنَّة بالقرآن، أو القرآن بِالسُنَّةِ. الخاتمة: في تراجم بعض كبار علماء الإسلام من مُجْتَهِدِينَ وَمُحَدِّثِينَ وهم عشرة: 1 - الإمام أبو حنيفة. 2 - الإمام مالك. 3 - الإمام الشافعي. 4 - الإمام أحمد. 5 - البخاري. 6 - مسلم. 7 - النسائي. 8 - أبو داود. 9 - الترمذي. [ل]

10 - ابن ماجه. والله أسأل أن يجنبني العثار ويلهمني الرشد، ويفتح لي خزائن رحمته، ويجعلنا مِمَّنْ يستمعون القول فيتبعون أحسنه. والحمد لله رب العالمين. القاهرة: 6 رجب 1368 هـ / 4 أيار (مايو) 1949 م. مصطفى حسني السباعي [م]

تمهيد:

تَمْهِيدٌ: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وحملة سُنّته والمدافعين عنها إلى يوم الدين، وبعد فهذا الكتاب الذي أقدمه اليوم للطبع، هو الرسالة التي تقدمت بها لنيل الشهادة «العالمية من درجة أستاذ» في الفقه والأصول وتاريخ التشريع الإسلامي من كلية الشريعة في الجامع الأزهر عام 1368 هـ - 1949 م، وقد رغبت عن نشره منذ ذلك الحين حتى الآن لعوامل كثيرة، من أهمها أني ألفت هذا الكتاب في ظروف صعبة كانت تضطرني إلى الإيجاز في كثير من الأبحاث، وكنت أرى من تمام الفائدة التوسع فيها والإكثار من الشواهد لتتضح معالمها، وإضافة أبحاث أخرى متعلقة بالموضوع، ولم يتح لي الوقت الكافي لتحقيق ما كنت أرجو من ذلك. ثم إن بعض أبحاث هذا الكتاب كانت قد نشرت بصورة موجزة في بعض المجلات الإسلامية في القاهرة ودمشق وغيرهما (¬1)، وكانت تردني الرغبة من كثير من القارئين بطبع هذه الأبحاث، ولكنني كنت أرجئ ذلك إلى وقت أتفرغ فيه لتحقيق ما كنت آمل من التوسع والإفاضة، حتى ظهر كتاب " أضواء على السُنَّةِ المحمدية " لمحمود أَبُو رَيَّةَ، وفيه ما فيه من تحقيق «غير علمي» حول السُنَّةِ وَرُوَّاتِهَا، فَأَلَحَّ عَلَيَّ أولئك الأصدقاء الكرام بطبع الكتاب لشدة الحاجة ¬

_ (¬1) في القاهرة مجلة " الفتح " للأستاذ الكبير محب الدين الخطيب، وفي دمشق مجلة " المُسْلِمُونَ ".

إلى أبحاثه، وها أنا أقدمه كما كتبته من قبل، إلا ما أضفته على البحث المتعلق بأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من تعليق موجز على ما جاء به كتاب «أَبِي رَيَّةَ» بحق أبي هريرة وإني لأرجو - حين تتيح لي حالتي الصحية - أن أتمكن من تحقيق ما كنت آمل إن شاء الله تعالى. ملاحظات حول كتاب أَبِي رَيَّةَ: ----------------------------- وهنا أجد أنه لا بُدَّ لي من إثبات الملاحظات الآتية حول كتاب «أَبِي رَيَّةَ». - 1 - لا تخفى مكانة السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ «الحديث» في التشريع الإسلامي وأثرها في الفقه الإسلامي منذ عصر النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة حتى عصور أئمة الاجتهاد واستقرار المذاهب الاجتهادية، مِمَّا جعل الفقه الإسلامي ثروة تشريعية لا مثيل لها في الثروات التشريعية لدى الأمم جميعها في الماضي والحاضر، ومن يطلع على القرآن وَالسُنَّةُِ يجد أَنَّ لِلْسُنَّةِ الأثر الأكبر في اتباع دائرة التشريع الإسلامي وعظمته وخلوده، مِمَّا لا ينكره كل عالم بالفقه ومذاهبه. هذا التشريع العظيم الذي بهر أنظار علماء القانون والفقه في جميع أنحاء العالم، وسيزيد إعجابهم به حين اطلاعهم عليه كله مُبَسَّطًا مَعْرُوضًا بأسلوب يألفه أبناء هذا الجيل - و" موسوعة الفقه الإسلامي " في كلية الشريعة بجامعة دمشق دائبة على تحقيق هذا الغرض - هو ما حمل ويحمل أعداء الإسلام في الماضي والحاضر على مهاجمة السُنّةِ والتشكيك في حُجِيَّتِهَا وصدق جَامِعِيهَا وَرُوَّاتِهَا من أعلام الصحابة والتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وعلى هذا الغرض التقى أعداء الإسلام اليوم من المُسْتَشْرِقِينَ ومن لَفَّ لَفَّهُمْ في الحضارة الغربية الحاضرة. إنها سلسلة متتابعة من الجهود، لم تنقطع منذ أربعة عشر قرناً. وستظل قائمة ما دام للإسلام والحق أعداء يغيظهم ويغشي أبصارهم ضوء الإسلام الباهر،

فيندفعون بعصبية عمياء حمقاء لتهديم كل ما يتصل به من قُرْآنٍ وَسُنَّةٍ وَاجْتِهَادٍ، ولتشويه كل من حمل لواءه من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحابته، إلى حملته من أعلام السُنَّةِ والتشريع، ولإفساد الحقائق المتصلة به من حضارة وتاريخ. ونحن لا نشك في أن هذه المعارك المتصلة بين الإسلام وخصومه، ستنتهي معركة اليوم منها - كما انتهت معارك الأمس - إلى هزيمتهم وكشف مقاصدهم الخبيئة الخبيثة، وبقاء الإسلام كالطود الشامخ تَرْتَدُّ على سفوحه الرمال والأعاصير لأن المعركة بين الإسلام وخصومه، معركة بين الحق والهوى، وبين العلم والجهل، وبين السماحة والحقد، وبين النور والظلمة، ومن سُنَّةِ اللهِ في الحياة أن ينتصر في هذه المعارك، الحق والعلم والسماحة والنور دائماً وأبداً {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (¬1). - 2 - ومن المؤسف أن يسير وراء أعداء الإسلام في الحاضر، فئة مِمَّنْ لا نشك في صدق إسلامهم من العُلَمَاءِ وَالكُتَّابِ، ولكنهم منخدعون بمظهر التحقيق العلمي «الكاذب» الذي يلبسه هؤلاء الأعداء من المُسْتَشْرِقِينَ والمُؤَرِّخِينَ وَالغَرْبِيِّينَ عن حقيقة أهدافهم ومقاصدهم، فإذا هم - وهم مسلمون - ينتهون إلى الغاية التي يسعى إليها أولئك - وَهُمْ يَهُودٌ أَوْ مَسِيحِيُّونَ أَوْ اسْتِعْمَارِيُّونَ - من إشاعة الشك والريبة في الإسلام وَحَمَلَتِهِ من حيث يدرون أو لا يدرون، فالتقى أعداء الإسلام وبعض أبنائه على صعيد واحد لا يُشَرِّفُ هؤلاء ولا أولئك، لا في ميدان العلم، ولا في سِجِلِّ التاريخ. ومن الملاحظ أن هؤلاء الذين ينخدعون من المُسْلِمِينَ بِالمُسْتَشْرِقِينَ والمُؤَرِّخِينَ وَالكَاتِبِينَ من أعداء الإسلام الغَرْبِيِّينَ، لا يوقعهم في الفخ الذي نصبه لهم هؤلاء إلا أحد أربعة أمور غالباً: 1 - إما جهلهم بحقائق التراث الإسلامي وعدم اطلاعهم عليه من ينابيعه الصافية. ¬

_ (¬1) [سورة الأنبياء، الآية: 18].

2 - وإما انخداعهم بالأسلوب العلمي «المزعوم» الذي يَدَّعِيهِ أولئك الخصوم. 3 - وإما رغبتهم في الشهرة والتظاهر بالتحرر الفكري من ربقة التقليد كما يَدَّعُونَ. 4 - وإما وقوعهم تحت تأثير «أهواء» و «انحرافات» فكرية، لا يجدون مجالاً للتعبير عنها إلا بالتستر وراء أولئك المُسْتَشْرِقِينَ الكَاذِبِينَ. - 3 - في هذا الجو النفسي الذي ذكرناه، أخرج «أَبُو رَيَّةَ» - على ما يبدو - كتابه " أضواء على السُنَّةِ المحمدية "، وقد تصفحت كتابه عند العزم على طبع هذا الكتاب، فرأيت مصادره الأصلية في كل ما خرج به على رأي جمهور المُحَقِّقِينَ من علماء السلف والخلف، لا تتعدى المصادر التالية: 1 - آراء أئمة الاعتزال التي نقلت عنهم في الكتب. 2 - آراء غُلاَةِ الشِيعَةِ التي جهروا بها في مؤلفاتهم. 3 - آراء المُسْتَشْرِقِينَ التي بثوها في كتبهم و" دائرة معارفهم ". 4 - «حكايات» تذكر في بعض كتب الأدب التي كان مؤلفوها موضع الشبهة في صدقهم وتحريهم للحقائق. 5 - «أهواء» دفينة للمؤلف ظلت تحوك في صدره سنين طويلة. أما ما ذكره خلال كتابه من نقول عن مصادر محترمة في الأوساط العلمية الإسلامية، فإنها لا تعدو أن تكون وردت في تلك المصادر في مورد غير الذي أورده المؤلف فوضعها في غير مواضعها، أو أن تكون هي في حد ذاتها حقائق مُسَلَّمَةٍ لدى المُحَقِّقِينَ ولكنهم لا يقصدون منها ما قصده المؤلف، فيذكرها إِيهَامًا للقارئ بأن أصحابها يلتقون معه في فكرته وأهوائه، أو تكون نصوصا «مبتورة» انتزع منها ما يَرُدُّ على المؤلف، ولم يذكر منها إلا ما يريد أن يثبته في البحث الذي يتناوله - وسنرى نموذجا لذلك في بحث أبي هريرة - أو أن تكون من أقوال بعض

العلماء نقلاً عن المعتزلة، فينسبها إلى هؤلاء العلماء أنفسهم، كما فعل فيما نقل عن ابن قتيبة، وبالجملة فإن أصحاب هذه المؤلفات والنصوص التي نسبها إليهم لا يلتقون معه في آرائه ونزعاته. وأخطر من ذلك أنك بينما تراه ينسب إلى عمر الغفلة مع كعب الأحبار حين أخذ يخبره عن قُرب مقتله، يستدل بما نسب إلى عمر من يقظته حول أحاديث أبي هريرة لِيُشَكِّكَ فيها، وبينما تراه يتظاهر باحترام الأئمة والعلماء وَالمُحَقِّقِينَ، ينسب إليهم الغفلة والتقصير في التحقيق في السُنَّةِ على الأسلوب الذي يدعو إليه. وأكثر من تَسَتَّرَ بأسمائهم وتظاهر بالنقل عنهم - تأييدًا منهم في زعمه لفكرته التي يدور حولها، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ طاهر الجزائري والإمام محمد عبده، والسيد رشيد رضا - رَحِمَهُمْ اللهُ جَمِيعاً - لم يقل واحد منهم بما انتهى إليه، بل إنهم ليبرؤون جميعاً مِمَّا قاله، وخاصة من الكلام «البذيء» في حق أبي هريرة، ومن النتائج الخطيرة التي انتهى إليها بحثه. ومن الملاحظ أنه أكثر من «ثبت» المصادر التي رجع إليها في بحثه، لِيُوهِمَ قُرَّاءَهُ بأهمية كتابه، ومنها كتب في التفسير والحديث والفقه، وعلوم القرآن وَالسُنَّةِ، ليس فيها كلمة واحدة من نتائج بحثه الذي انتهى إليه، وكلها تكذّبه في دعاويه، ومنها مصادر تاريخية ليست من المصادر التي يعتبرها العلماء مرجعا للتحقيق في تدوين السُنّة وَرُوَّاتِهَا وعلمائها، ومن المصادر التاريخية مصادر لا يوثق بها أبداً لدى جمهور المُحَقِّقِينَ، ومنها كتب في الأدب واللغة والنحو والشعر لا رابطة بينها وبين هذا الموضوع الخطير. بقي أن نذكر المصادر الجديرة بالاهتمام عنده، وهي التي تدلنا على صحة «تحقيقه العلمي» ومصادر وحيه في هذا التحقيق - {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} (¬1) وإليك هي: 1 - " تاريخ التمدن الإسلامي " لجرجي زيدان. 2 - " العرب قبل الإسلام " لجُرجي زيدان. 3 - " دائرة المعارف الإسلامية " للمستشرقين. ¬

_ (¬1) [سورة الأنعام، الآية: 121].

4 - " الحضارة الإسلامية " لكريمر. 5 - " السيادة العربية " لفلوتن. 6 - " حضارة الإسلام في دار السلام " لإبراهيم اليازجي. 7 - " تاريخ العرب المطول " لفليب حتي، وإدوار جرجس، وجبرائيل جبور. 8 - " تاريخ الشعوب الإسلامية " لكارل بروكلمان. 9 - " المسيحية في الإسلام " للقس إبراهيم لوقا. 10 - " وجهة الإسلام " لجماعة من المُسْتَشْرِقِينَ. 11 - " العقيدة والشريعة في الإسلام " لجولدتسيهر. ومع ذلك فهو يَدَّعِي في آخر كتابه أنه أيد بحوثه بأقوم البراهين وأقوى الأسانيد (ص 354) وأنه رجع إلى مصادر ثابتة لا يرقى الشك إليها ولا يدنو الريب منها! (ص 197). ننتقل بعد ذلك إلى إلقاء نظرة على مصادره الرئيسية الخمسة التي ذكرناها آنفا. -4 - أما آراء أئمة الاعتزال - وقد سماهم بأرباب العقول الصريحة - فقد حققنا في بحث موقف المعتزلة مِنَ السُنَّةِ - في هذا الكتاب - أنهم ما بين مُنْكِرٍ لِلْسُنَّةِ كلها، وما بين مشترط في قبولها شروطاً لا يمكن أن تقع، وَرَجَّحْنَا أن رؤساء الاعتزال - وخاصة الذين طعنوا منهم في الصحابة - كانوا من الرقة في الدين بحيث يصف أحدهم - ثمامة بن أشرس - جمهور المسارعين إلى الصلاة بأنهم «حَمِيرٌ»! وكانوا من الشعوبية وَالكُرْهِ للعرب بحيث يقول ثمامة نفسه: «انْظُرْ إِلَى هَذَا العَرَبِيِّ، يَعْنِي (مُحَمَّدًا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مَاذَا فَعَلَ بِالنَّاسِ؟» (*) فماذا ننتظر من هذا الشعوبي الماجن أن يقول عن صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وما ننتظر أن يكون رأيه في السُنّةِ التي حَقَّقَهَا أئمة الحديث وَمُحَقِّقُوهُمْ؟ ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [قارن بما ورد في صفحة 141 من هذا الكتاب].

والمعتزلة قوم فتنتهم الفلسفة اليونانية والمنطق اليوناني، وما نقل من الفلسفة الهندية والأدب الفارسي. وقد كانوا كلهم أو جمهورهم مِمَّنْ يَمُتُّونَ إلى أصل فارسي فَأَوَّلُوا القرآن لينسجم مع الفلسفة اليونانية، وَكَذَّبُوا الأحاديث التي لا تتفق مع هذه العقلية اليونانية الوثنية، واعتبروا فلاسفة اليونان أنبياء العقل الذي لا خطأ معه، هؤلاء هم الذين قامت المعركة الفكرية بينهم وبين جمهور علماء المُسْلِمِينَ. وَهُمْ الذين يُسَمِّيهِمْ «أَبُو رَيَّةَ» بالعلماء وأصحاب العقول الصريحة، في مقابلة أئمة الحديث وفقهاء الإسلام كمالك والشافعي والبخاري ومسلم وابن المُسَيَّبِ وغيرهم! ومن المعلوم أن أصحاب العقول الراجحة عند «أَبِي رَيَّةَ» الذين اسْتَغَلُّوا سلطة الدولة وحملوا الخلفاء على التنكيل بأئمة المُسْلِمِينَ وتعذيبهم وسجنهم بضعة عشر عَامًا، واستقاء «أَبِي رَيَّةَ» من آراء هؤلاء واضح في كل ما نقله عن ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " ومن يرجع إلى ما كتبه ابن قتيبة في كتابه هذا، يجد أن ما نقله أَبُو رَيَّةَ عن ابن قتيبة إنما هو كلام أئمة الاعتزال ضد الصحابة وَالمُحَدِّثِينَ، نقله ابن قتيبة عنهم ثم رَدَّ عليهم بما هو موضوع كتابه كله!! ولكن «أَبَا رَيَّةَ» نسب أقوالهم إلى ابن قتيبة، وهكذا يكون «التحقيق العلمي» و «الأمانة العلمية»!. - 5 - وأما اعتماده على مصادر الشِيعَةِ، فأحب أن أمهد لذلك بكلمة صريحة قبل مؤاخذته على الاعتماد على مصادرهم، نحن نقرأ بالألم الممزوج بالحسرة ما كان من الفتن الدموية بين عَلِيٍّ ومعاوية حول الخلافة، ثم ما جرت وراءها من ذيول لا نزال نلمس آثارها حتى اليوم، وأنا لا أشك في أن أعداء الله واليهود، وكثيرا من الأعاجم الذين استولى الإسلام على بلادهم، كان لهم أثر كبير في إيقاد نار تلك الفتن، ثم في توسيع شقة الخلاف بين المُسْلِمِينَ بالكيد والدسائس واختلاق الأكاذيب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحاديث ينسبونها إليه، وأعتقد أن جمهور المُسْلِمِينَ - وَهُمْ أَهْلُ السُنَّةِ - كانوا أكثر إنصافاً وتأدباً مع صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم الذين أثنى الله عليهم في كتابه ورضي عنهم

وَنَوََّهَ بفضلهم في الهجرة والنصر، فليس من الجائز ولا المعقول ولا اللائق بكرامة دين الله ورسوله أن ينقلب هؤلاء الأصحاب بعد وفاة الرسول إلى الحالة التي تُصَوِّرُهُمْ بها مصادر الشِيعَةِ، ولو أنك قرأت وسمعت ما يكتبونه ويقولونه في مجالسهم في حق هؤلاء الأصحاب، لقلت: إنهم أشبه ما يكونون بعصابة من اللصوص وَقُطَّاعِ الطُرُقِ، لا دين لديهم ولا ضمائر عندهم تَرْدَعُهُمْ عن الكذب والتآمر والتهالك على الدنيا وحيازة أموالها ولذائذها: (لشدَّ ما تحلَّبا شطريها) (¬1)، مع أن الثابت الصحيح من تاريخهم أنهم كانوا أتقى للهِ وأكرم في السيرة من كل جيل عرفته الإنسانية في القديم والحديث، ومع أن الإسلام لم ينتشر في العالم إلا على أيديهم وبجهادهم ومفارقتهم الأهل والبلد في سبيل الله والحق الذي آمنوا به. ومن الواضح أن السبب الذي بدأت به الفرقة، وهو النزاع حول الأحق بالخلافة ورئاسة الدولة، لم يعد موجوداً في عصرنا هذا، بل منذ عصور كثيرة، فقد أصبحنا جميعاً تحت سلطة المستعمرين، فلم يبق لنا ملك نتقاتل عليه، ولا خلافة نختلف من أجلها، وذلك مِمَّا يقتضي جمع الشمل وتقريب وجهات النظر، وتوحيد كلمة المُسْلِمِينَ على أمر سواء، وإعادة النظر في كل ما خلفته تلك المعارك من أحاديث مكذوبة على صحابة رسول الله وأصفيائه، وَحَمَلَةِ عرشه وحاملي لوائه. وقد بدأ علماء الفريقين في الحاضر يستجيبون إلى رغبة جماهير المُسْلِمِينَ في التقارب، ودعوة مُفَكِّرِيهِمْ إلى التصافي، وأخذ علماء السُنّةِ بالتقارب عَمَلِيًّا، فاتجهوا إلى دراسة فقه الشِيعَةِ ومقارنته بالمذاهب المعتبرة عند الجمهور، وقد أدخلت هذه الدراسة المقارنة في مناهج الدراسة في الكليات وفي كتب المؤلفين في الفقه الإسلامي، وإنني شخصياً - منذ بدأت التدريس في الجامعة - أسير على هذا النهج في دروسي ومؤلفاتي. ¬

_ (¬1) كلمة نسبها صاحب " نهج البلاغة " إلى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في حق أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.

ولكن الواقع أن أكثر علماء الشِيعَةِ لم يفعلوا شيئاً عملياً حتى الآن، وكل ما فعلوه جملة من المجاملة في الندوات والمجالس، مع استمرار كثير منهم في سَبِّ الصَحَابَةِ وإساءة الظن بهم، واعتقاد كل ما يروى في كتب أسلافهم من تلك الروايات والأخبار، بل إن بعضهم يفعل خلاف ما يقول في موضوع التقريب، فبينما هو يتحمس في موضوع التقريب بين السُنَّةِ وَالشِيعَةِ، إذا هو يصدر الكتب المليئة بالطعن في حق الصحابة أو بعضهم مِمَّنْ هم موضع الحب والتقدير من جمهور أَهْلِ السُنَّةِ. في عام 1953 زرت عَبْدَ الحُسَيْنَ شَرَفَ الدِّينِ في بيته بمدينة «صور» في جبل عامل، وكان عنده بعض علماء الشِيعَةِ، فَتَحَدَّثْنَا عن ضرورة جمع الكلمة وإشاعة الوئام بين فريقي الشِيعَةِ وَأَهْلِ السُنَّةِ، وأن من أكبر العوامل في ذلك أن يزور علماء الفريقين بعضهم بعضاً، وإصدار الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى هذا التقارب. وكان عَبْدُ الحُسَيْن - رَحِمَهُ اللهُ - مُتَحَمِّسًا لهذا الغرض، وخرجت من عنده وأنا فرح بما حصلت عليه من نتيجة، ثم زُرْتُ في بيروت بَعْضَ وجوه الشِيعَةِ من سياسيين وَتُجَّارَ وأدباء لهذا الغرض، ولكن الظروف حالت بيني وبين العمل لتحقيق هذه الفكرة، ثم ما هي إلا فترة من الزمن حتى فوجئت بأن عَبْدَ الحُسَيْنِ أصدر كتاباً في أبي هريرة (*) مليئاً بالسباب والشتائم!! ولم يتح لي حتى الآن قراءة هذا الكتاب الذي ما أزال أسعى للحصول على نسخة منه، ولكني علمت بما فيه مِمَّا جاء في كتاب أَبِي رَيَّةَ من نقل بعض محتوياته ومن ثناء الأستاذ عليه، لأنه يتفق مع أَبِي رَيَّةَ في هذا الصحابي الجليل (¬1) ¬

_ (¬1) ذكرت هنا في هذه المقدمة التمهيدية للطبعة الأولى أني لم أكن حين كتابتها أملك نسخة من كتاب " أبي هريرة " للشيخ عبد الحُسَيْن شرف الدين. ولكني بعد ذلك استطعت شراء نسخة من الكتاب المذكور في طبعته الثانية التي تمت في حياة المؤلف، وبعد أن قرأته كله تأكد لي ما كنت أظنه. فقد انتهى مؤلفه إلى القول «بأن أبا هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان منافقاً كافراً وأن الرسول قد أخبر عنه بأنه من أهل النار!.» ولما كان أَبُو رَيَّةَ قد أثنى على هذا الكتاب ومؤلفه، فإنه يكون موافقاً لمؤلفه في تلك النهاية التي انتهى إليها رأيه في أبي هريرة .. ونعوذ بالله من الخذلان وسوء المصير! .. ----------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [طبع كتاب " أبو هريرة " لعبد الحسن شرف الدين الموسوي، الطبعة الثانية: 1375 هـ - 1956 م في 296 صفحة، منشورات الطبعة الحيدرية في النجف].

لقد عجبت من موقف عَبْدِ الحُسَيْن في كلامه وفي كتابه معاً، ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي، وأرى الآن نفس الموقف من فريق دُعَاةِ التقريب من علماء الشِيعَةِ، إذ هم بينما يقيمون لهذه الدعوة الدُّورَ، وينشئون المجلات في القاهرة، ويستكتبون فريقاً من علماء الأزهر لهذه الغاية، لم نر أثراً لهم في الدعوة لهذا التقارب بين علماء الشِيعَةِ في العراق وإيران وغيرهما، فلا يزال القوم مُصِرِّينَ على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف، كَأَنَّ المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أَهْلِ السُنَّة إلى مذهب الشِيعَةِ، لا تقريب المذهبين كل منهما إلى الآخر. ومن الأمور الجديرة بالاعتبار أن كل بحث علمي في تاريخ السُنَّةِ أو المذاهب الإسلامية مِمَّا لا يتفق مع وجهة نظر الشِيعَة، يقيم بعض علمائهم النكير على من يبحث في ذلك، ويتسترون وراء التقريب، ويتهمون صاحب هذا البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في التقريب، ولكن كتاباً ككتاب المرحوم الشيخ «عبد الحُسَيْن شرف الدين» في الطعن بأكبر صحابي موثوق في روايته للأحاديث في نظر جمهور أهل السُنَّة، لا يراه أولئك العاتبون أو الغاضبون عملاً مُعرقِلاً لجهود الساعين إلى التقريب! .. ولست أحصر المثال بكتاب " أبي هريرة " وفيها من التشنيع على عائشة أم المؤمنين وعلى جمهور الصحابة ما لا يحتمل سماعه إنسان ذو وجدان وضمير، مِمَّا يُذَكِّّرُ الناسَ بآثار الماضي، ويؤجج نيران التفرقة من جديد، وكتاب «أَبِي رَيَّةَ» هو من هذه الكتب التي إن رضي الشِيعَةُ عما جاء فيه بحق الصحابي الجليل أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فإنه - بلا شك - سبب لفتح أبواب العداوة من جديد، أو على الأقل سبب للأخذ والرد وتذكر موقف الشِيعَةِ من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإذا كنا نأخذ عليه اعتماده على مصادر الشِيعَةِ في كتابه المذكور، وإذا كنا نتحدث عن موقف الشِيعَةِ من الحديث فإنما نبحث ذلك، أَوَلاًً: في حدود النطاق

العلمي التاريخي، وحقائق التاريخ لا مجاملة في الحديث عنها حين يكون المجال مجال علم ودراسة وتحقيق، وثَانِياً: لتصحيح الأخطاء التاريخية التي استمدها من كتب الشِيعَةِ. ولقد كنت كتبت بَحْثَ موقف الشِيعَةِ مِنَ السُنَّةِ في هذا الكتاب - وهو أطروحة علمية تقدم إلى علماء في معهد علمي لنيل شهادة علمية - ومع ذلك فلقد كنت أُرْجِئ نشر هذا الكتاب - المقدم للطبع الآن - لأسباب عديدة: منها أنني أريد أن أقدم لبحثي ذاك بتمهيد أوضح فيه رأيي بضرورة التقارب بين السُنَّةِ وَالشِيعَةِ في هذا العصر الذي نعيش فيه، وأنني لم أقصد ببحثي الإساءة إلى شعور الشِيعَةِ أو استثارة عداوتهم، لا لشيء إلا لأني كنت وما أزال من دُعَاةِ التقارب الصحيح وتصفية آثار الماضي. ولما أخذت إحدى المجلات العلمية مني النسخة الوحيدة التي عندي من كتابي هذا رغبة في نشر بعض أبحاثه، لَفَتَ نظر المسؤول عنها إلى أن فيه بعض الأبحاث التي أريد التمهيد لها ببعض الإيضاح، ولكنني فوجئت وأنا في بيروت للاستشفاء أن هذه المجلة نشرت البحث المتعلق بموقف الشِيعَةش وَالسُنَّةِ، وأن ذلك ترك أثراً غير مستحب في الأوساط الشِيعِيَّةِ، وَعَلَّقَتْ عليه بعض مجلاتهم، أخبرني بذلك الشاعر الكبير الأستاذ «أحمد الصافي النجفي» الذي أقدر فضله وأدبه، فأوضحت له موقفي من هذا الموضوع وأنه نشر بغير علمي. وهكذا أريد أن ألفت النظر الآن مرة أخرى إلى أن كل ما جاء في هذا الكتاب إنما هو عرض تاريخي لاَ بُدَّ منه لكل من يُؤَرِّخُ لِلْسُنَّةِ ويتحدث عن مراحل جمعها وتدوينها. ولا يستطيع أن يغفل ذلك عالم يحترم نفسه ويريد من العلماء أن يحترموا كتابه، ولم أكتب فيه إلا ما أعتقد أن البحث العلمي يؤيده ويثبته. ومع هذا فليس فيما كتبته ما يسيء إلى أية شخصية يحترمها الشِيعَةُ ويُجِلُّونَهَا كما يفعلون هم بالنسبة إلى جمهور الصحابة، ذلك أنا نُحِبُّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ونُجلُّهُ ونعرف مكانته من الإسلام والعلم والفضل، كما نُحِبُّ أئمة أهل البيت من

ذرية عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ونحترم علمهم وفضلهم، وحبذا لو يفعل الشِيعَةُ كما نفعل، فنلتقي على كلمة سواء!. وأعود فأكرر دعوتي للمخلصين من علماء الشِيعَةِ، وفيهم الوَاعُونَ الراغبون في جمع كملة المُسْلِمِينَ، أن نواجه جميعاً المشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي اليوم، من انتشار الدعوات الهدامة التي تجتث جذور العقيدة في قلوب شباب السُنَّةِ وشباب الشِيعَةِ على السواء، بل هي أقوى على ذلك بالنسبة لقلوب شباب الشِيعَةِ، ولعل في الحوادث الجارية الآن (¬1) في بعض بلادنا العربية ما يؤكد ما أقول به، وأكرر دعوتي بوضع أسس التقارب الصحيح العملي لا القولي. وفي مقدمة ذلك الاتفاق على تقدير صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذين على أيديهم انتقل هذا الدين إلينا، وبواسطتهم أخرجنا اللهُ من الظلمات إلى النور. - 6 - أما المُسْتَشْرِقُونَ الذين اتَّخَذَ منهم أَبُو رَيَّةَ تكأة لآرائه، فقد كتبت عنهم كلمة موجزة في كتابي هذا، قبل أن أزور أكثر جامعات أوروبا عام 1956 وأختلط بهم وأتحدث إليهم وأناقشهم. فلما تم لي ذلك ازددت إيمانا بما كتبته عنهم واقتناعاً بخطرهم على تراثنا الإسلامي كله سواء كان تشريعياً أم حضارياً. لما يملأ نفوسهم من عصبية تأكل قلوبهم حقداً ضد الإسلام والعرب والمُسْلِمِينَ. كان أول من اجتمعت بهم هو البروفسور «أَنْدِرْسُونْ» رئيس قسم قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في العالم الإسلامي - في معهد الدراسات الشرقية في جامعة لندن - وهو متخرج من كلية اللاهوت في جامعة كمبردج، وكان من أركان حرب الجيش البريطاني في مصر خلال الحرب العالمية الثانية - كما حدثني هو بذلك عن نفسه - تعلم اللغة العربية من دروس اللغة العربية التي كان يلقيها بعض علماء الأزهر في الجامعة الأمريكية في القاهرة ساعة كل أسبوع لِمُدَّةِ سَنَةٍ ¬

_ (¬1) أي في سَنَةِ 1960 عند ظهور الطبعة الأولى للكتاب.

واحدة. كما تَعَلَّمَ العَامِيَّةَ المِصْرِيَّةَ من اختلاطه بالشعب المصري حين توليه عمله العسكري الآنف الذكر. وَتَخَصَّصَ في دراسة الإسلام من المحاضرات العامة التي كان يلقيها المرحوم «أحمد أمين» والدكتور «طه حسين» والمرحوم الشيخ «أحمد إبراهيم» .... وبهذه الدراسات العميقة! في اللغة والإسلام استحق لقب «بروفسور» وانتقل من الخدمة العسكرية بعد الحرب إلى رئاسة قسم قوانين الأحوال الشخصية في جامعة «لندن» كما ذكرنا. لا أريد أن أذكر أمثلة عن تعصبه ضد الإسلام - وقد حدثني كثيراً عن ذلك المرحوم الدكتور «حمود غرابة» مدير المركز الثقافي الإسلامي في لندن - حينذاك - ولكني أكتفي بأن أذكر ما حدثني به البروفسور «أَنْدِرْسُونْ» نفسه من أنه أسقط أحد المتخرجين من الأزهر الذين أرادوا نوال شهادة الدكتوراه في التشريع الإسلامي من جامعة لندن لسبب واحد هو أنه قدم أطروحته عن حقوق المرأة في الإسلام وقد برهن فيها على أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها الكاملة، فعجبت من ذلك وسألت هذا المستشرق: «وَكَيْفَ أَسْقَطْتَهُ وَمَنَعْتَهُ مِنْ نَوَالِ الدُّكْتُورَاهْ لِهَذَا السَّبَبِ، وَأَنْتُمْ تَدَّعُوْنَ حُرِيَّةِ الفِكْرِ فِي جَامِعَاتِكُمْ؟» قَالَ: «لأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " الإِسْلاَمِ يُمْنَحُ المَرْأَةَ كَذَا، وَالإِسْلاَمُ قَرَّرَ لِلْمَرْأَةِ كَذَا "، فَهَلْ هُوَ نَاطِقٌ رَسْمِيٌّ بِاسْمِ الإِسْلاَمِ؟ هَلْ هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْ الشَّافِعِيَّ حَتَّىَ يَقُولَ هَذَا الكَلاَمَ وَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِ الإِسْلاَمِ؟ إِنَّ آراءَهُ فِي حُقُوقِ المَرْأَةِ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا فُقَهَاءُ الإِسْلاَمِ الأَقْدَمُونَ، فَهَذَا رَجُلٌ مَغْرُورٌ بِنَفْسِهِ حِينَ ادَّعَى أَنَّهُ يَفْهَمُ الإِسْلاَمِ أَكْثَرَ مِمَّا فَهِمَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ». هذا هو كلام هذا المستشرق الذي لا يزال حَيًّا يرزق، ولا أدري إن كان لا يزال في عمله في جامعة لندن أم أحيل إلى التقاعد (المعاش). وَزُرْتُ جامعة أدنبرة «أسكتلندا» فكان المستشرق الذي يرأس الدراسات الإسلامية فيها قِسِّيسًا بلباس مدني وقد وضع لقبه الديني مع اسمه على باب بيته، وإني لأشهد أنه كان دمث الأخلاق لطيف الحديث. وفي جامعة «جلاسكو» (أسكتلندا أيضاًً) كان رئيس الدراسات العربية فيه قِسِّيسًا عاش رئيساً للإرسالية التبشيرية في القدس قرابة عشرين سَنَةً حتى

أصبح يتكلم العربية كأهلها، وقد حدثني بذلك عن نفسه في هذه الزيارة وكنت قد اجتمعت به قبل ذلك في المؤتمر الإسلامي المسيحي الذين انعقد في «بَحَمْدُونْ» (لبنان) عام 1954. وفي جامعة أكسفورد وجدنا رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية فيها يَهُودِيًّا يتكلم العربية ببطء وصعوبة وكان أيضاً يعمل في دائرة الاستخبارات البريطانية في ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهناك تعلم العربية العامية، وتلك هي مؤهلاته التي بَوَّأَتْهُ هذا القسم، ومن العجيب أني رأيت في منهاج دراساته التي يلقيها على طلاب الاستشراق: تفسير آيات من القرآن الكريم من " الكَشَّافِ " للزمخشري (إي والله وهو لا يحسن فهم عبارة بسيطة من جريدة عادية) ودراسة أحاديث من " البخاري " و" مسلم "، وأبواب من الفقه في أمهات كتب الحَنَفِيَّةِ والحنابلة، وسألته عن مراجع هذه الدراسات، فأخبرني أنها من كتب المُسْتَشْرِقِينَ أمثال: جولدتسيهر، ومرجليوث، وشَاخْتْ، وحسبك بهؤلاء عنواناً على الدراسات المدخولة المدسوسة المُوَجَّهَةِ ضد الإسلام والمُسْلِمِينَ. أما جامعة كمبردج فكانت رئاسة قسم الدراسات العربية والإسلامية فيها للمستشرق المعروف «آربري» واختصاصه في اللغة العربية فحسب. وقد قال لي - خلال أحاديثي معه -: «إِنَّنَا - نَحْنُ المُسْتَشْرِقِينَ - نَقْعَ فِيْ أَخْطَاءٍ كَثِيْرَةٍ فِيْ بُحُوثِنَا عَنْ الإِسْلاَمِ، وَمِنَ الوَاجِبِ أَنْ لاَ نَخُوضَ فِي هَذَا المَيْدَانِ لأَنَّكُمْ - أَنْتُمْ المُسْلِمِينَ العَرَبَ - أَقْدَرُ مِنَّا عَلَىَ الخَوْضِ فِي هَذِهِ الأَبْحَاثِ». وفي مانشستر (إنكلترا) اجتمعت بالبروفسور «رُوبْسُونْ» وكان يقابل " سنن أبي داود " على نسخة مخطوطة، وله كتابات في تاريخ الحديث، يتفق فيها غالباً مع آراء المُسْتَشْرِقِينَ المُتَحَامِلِينَ، وقد حرصت على أن أُبَيِّنَ له أن الدراسات الاستشراقية السابقة فيها تَحَامُلٌ وَبُعْدٌ عَنْ الحَقِيقَةِ، وتعرضت لآراء جولدتسيهر وَأَثْبَتُُّّ له أخطاءه التاريخية والعلمية، فكان مِمَّا أجاب به عنه: «لاَ شَكَّ أَنَّ المُسْتَشْرِقِينَ فِي هَذَا العَصْرِ أَكْثَرَ إِطِّلاَعًا عَلَى المَصَادِرِ الإِسْلاَمِيَّةِ مِنْ جُوَلْدْتْسِيهِرْ نَظَرًا لِمَا طُبِعَ وَنُشِرَ وَعُرِفَ مِنْ مُؤَلَّفَاتٍ إِسْلامِيَّةٍ كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ فِي عَصْرِ جُوَلْدْتْسِيهِرْ»، فَقُلْتُ لَهُ:

«أرجو أن تكون أبحاثكم - المُسْتَشْرِقِينَ - في هذا العصر أقرب إلى الحق والإنصاف من جولدتسيهر، ومرجليوث، وأمثالهما، فقال: أرجو ذلك». وفي جامعة «ليدن» بهولندا اجتمعتُ بالمستشرق اليهودي «شَاخْتْ» وهو الذي يحمل في عصرنا هذا رسالة «جولدتسيهر» في الدَسِّ على الإسلام والكيد له وتشويه حقائقه، وباحثته طويلا في أخطاء «جولدتسيهر» وتعمُّدِهِ تحريف النصوص التي ينقلها عن كتبنا، فأنكر ذلك أول الأمر، فضربت له مثلاً واحداً مِمَّا كتبه جولدتسيهر في تاريخ «السُنّة» - وهو ما نقلناه عنه في هذا الكتاب - وكيف حرَّفَ قول الزُّهْرِي: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ «الأَحَادِيثَ» إلى لفظ «عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» فاستغرب ذلك، ثم راجع كتاب جولدتسيهر - وكنا نجلس في مكتبته الخاصة - فقال: معك الحق أن جولدتسيهر أخطأ هنا، قلت له: هل هو مجرد خطأ؟ فاحتدَّ وقال: لماذا تسيئون به الظن؟ فانتقلت إلى بحث تحليله لموقف الزُّهْرِي من عبد الملك بن مروان، وذكرت له من الحقائق التاريخية ما ينفي ما زعمه جولدتسيهر - وقد ذكرت ذلك في هذا الكتاب - وبعد مناقشة في هذا الموضوع قال: وهذا خطأ أيضاً من جولدتسيهر، ألاَ يخطئ العلماء؟ قلتُ له: إن جولدتسيهر هو مؤسس المدرسة الاستشراقية التي تبني حُكمها في التشريع الإسلامي على وقائع التاريخ نفسه، فلماذا لم يستعمل مبدأه هنا حين تكلم عن الزُّهْرِي؟ وكيف جاز له أن يحكم على الزُّهْرِي بأنه وضع حديث فضل المسجد الأقصى إرضاء لعبد الملك ضد ابن الزبير، مع أن الزُّهْرِي لم يلق عبد الملك إلا بعد سبع سنوات من مقتل ابن الزبير؟ وهنا اصفرَّ وجه «شَاخْتْ» وأخذ يفرك يداً بيد. وبدا عليه الغيظ والاضطراب، فأنهيت الحديث معه بأن قلت له: لقد كانت مثل هذه «الأخطاء» كما تسميها أنت، تشتهر في القرن الماضي، ويتناقلها مستشرق منكم عن آخر على أنها حقائق علمية، قبل أن نقرأ - نحن المُسْلِمِينَ - تلك المؤلفات إلا بعد موت مؤلفيها، أما الآن فأرجو أن تسمعوا منا ملاحظاتنا على «أخطائكم» لتصحِّحُوها في حياتكم قبل أن تتقرر كحقائق علمية عندكم. ومن الملاحظ أن هذا المستشرق كان يدرِّسُ في جامعة القاهرة - فؤاد سابقا -

وله مؤلف في تاريخ التشريع الإسلامي، وكله دَسٌّ وتحريف على أسلوب أستاذه جولدتسيهر. وفي جامعة «أبسلا» (السويد) التقيت بالشيخ المستشرق «نيبرج» وهو الذي كان قد أشرف على طبع كتاب " الاستبصار " لابن الخياط - على ما أظن - وطبعته قَدِيمًا «لجنة التأليف والترجمة في القاهرة» وجرى بيني وبينه حديث طويل كان أكثره حول أبحاث المُسْتَشْرِقِينَ ومؤلفاتهم عن الإسلام وتاريخه، وجعلت «جولدتسيهر» محور الحديث عن المُسْتَشْرِقِينَ، وذكرت له أمثلة من أخطائه وتحريفه للحقائق، فكان مِمَّا قاله بعد ذلك: إن جولدتسيهر كان في القرن الماضي ذا شهرة علمية ومرجعاً للمستشرقين، أما في هذا العصر - بعد انتشار الكتب المطبوعة في بلادكم عن العلوم الإسلامية - فلم يعد جولدتسيهر مرجعاً كما كان في القرن الماضي .. لقد مضى عهد جولدتسيهر في رأينا! .. وقد أتيح لي خلال تلك الرحلة أن أواصل زيارة الجامعات عدا ما ذكرته منها في عواصم كل من «بلجيكا» و «الدانمارك» و «النرويج» و «فنلندا» و «ألمانيا» و «سويسرا» و «باريس» واجتمعت بمن كان موجوداً حينئذ من المُسْتَشْرِقِينَ فيها. ومِمَّا ذكرته آنفاً وما دوَّنتُه في مذكّراتي عن المُسْتَشْرِقِينَ الذين لقيتهم خلال تلك الرحلة، اتضحت لي الحقائق التالية: أَوَلاً - إن المُسْتَشْرِقِينَ - في جمهورهم - لا يخلو أحدهم من أن يكون قسيساً أو استعمارياً أو يهودياً، وقد يشذ عن ذلك أفراد. ثَانِياً - إن الاستشراق في الدول الغربية غير الاستعمارية - كالدول السكندنافية - أضعف منه عند الدول الاستعمارية. ثَالِثاً - إن المُسْتَشْرِقِينَ المعاصرين في الدول غير الاستعمارية يتخلون عن جولدتسيهر وآرائه بعد أن انكشفت أهدافه الخبيثة. رَابِعاً - إن الاستشراق بصورة عامة ينبعث من الكنيسة، وفي الدول الاستعمارية يسير مع الكنيسة ووزارة الخارجية جنباً إلى جنب، يلقى منهما كل تأييد.

خَامِساً - إن الدول الاستعمارية كبريطانيا وفرنسا ما تزال حريصة على توجيه الاستشراق وجهته التقليدية من كونه أداة هدم للإسلام وتشويه لسمعة المُسْلِمِينَ. ففي فرنسا لا يزال «بْلاَشِيرْ» (*) وَ «مَاسِينْيُونْ» (**) (¬1) وهما شَيْخَا المُسْتَشْرِقِينَ الفِرَنْسِيِّينَ في وقتنا الحاضر يعملان في وزارة الخارجية الفرنسية كخبيرين في شؤون العرب والمُسْلِمِينَ. وفي إنجلترا رأينا - كما ذكرت - أن الاستشراق له مكان محترم في جامعات لندن وأكسفورد وكمبردج وأدنبره وجلاسكو وغيرها، ويشرف عليه يهود وإنجليز استعماريون وَمُبَشِّرُونَ، وهم يحرصون على أن تظل مؤلفات جولدتسيهر ومرجليوث ثم شَاخْتْ من بعدهما، هي المراجع الأصلية لطلاب الاستشراق من الغَرْبِيِّينَ، وللراغبين في حمل شهادة الدكتوراه عندهم من العرب والمُسْلِمِينَ وهم لا يوافقون أبداً على رسالة لطلب الدكتوراه يكون موضوعها إنصاف الإسلام وكشف دسائس أولئك المُسْتَشْرِقِينَ. وقد حدَّثنا الدكتور محمد أمين المصري - وهو خِرِّيج كلية أصول الدين في الأزهر وكلية الآداب ومعهد التربية في جامعة القاهرة - عما لقيه من عناء في سبيل موضوع رسالته التي أراد أن يتقدم بها لأخذ شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعات إنجلترا. لقد ذهب إليها (في عام 1958 م) لدراسة الفلسفة وأخذ شهادة الدكتوراه بها، وما كاد يطلع على برامج الدراسة - وخاصة دراسة العلوم الإسلامية فيها - حتى هاله ما رآه من تحامل ودَسٍّ في كتب المُسْتَشْرِقِينَ، وخاصة «شَاخْتْ» فقرر أن يكون موضوع رسالته هو نقد كتاب شَاخْتْ. تقدم إلى البروفسور «أَنْدِرْسُونْ» ليكون مشرفاً على تحضير هذه الرسالة ¬

_ (¬1) كان هذا وقت الطبعة الأولى التي كتب المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ - هذه المقدمة لها، أما الآن فماسينيون في عداد الأموات منذ سنوات. ----------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ريجيس بلاشير ( Régis Blachère) م (1318 - 1393 هـ=1900 - 1973 م) من أشهر مستشرقي فرنسا في القرن العشرين ومن أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق. ولد في مونروج Mont rouge ( من ضواحي باريس). تعلم العربية في الدار البيضاء (بالمغرب الأقصى) وتخرج في كلية الآداب في الجزائر (1922م). عُيِّنَ أستاذاً في معهد الدراسات المغربية العليا في الرباط (1924 - 1935م) وانتقل إلى باريس محاضرا في السوربون (1938م)، فمديراً لمدرسة الدراسات العليا العلمية (1942م) وأشرف على مجلة "المعرفة" الباريسية، بالعربية والفرنسية. وألف بالفرنسية كتبا كثيرة ترجم بعضها إلى العربية، ونجح في فرض تدريسها في بعض المعاهد الثانوية الفرنسية. من كتبه: 1 - ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية في ثلاثة أجزاء، أولها مقدمة القرآن الكريم. ثم نشر الترجمة وحدها في عام 1957م ثم أعيد طبعها عام 1966م. 2 - تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية د. إبراهيم الكيلاني. 3 - قواعد العربية الفصحى. 4 - أبو الطيب المتنبي، نقله إلى العربية د. أحمد أحمد بدوي. 5 - معجم عربي فرنسي إنكليزي.

وموافقاً على موضوعها، فأبى عليه هذا المستشرق أن يكون موضوع رسالته نقد كتاب «شَاخْتْ»، وعبثاً حاول أن يوافق على ذلك، فلما يئس من جامعة لندن، ذهب إلى جامعة كمبردج وانتسب إليها وتقدم إلى المشرفين على الدراسات الإسلامية فيها برغبته في أن يكون موضوع رسالته للدكتوراه هو ما ذكرناه، فلم يبدوا رضاهم عن ذلك، وظن أن من الممكن موافقتهم أخيراً، ولكنهم قالوا له بصريح العبارة: إذا أردت أن تنجح في الدكتوراه فتجنب انتقاد شَاخْتْ، فإن الجامعة لن تسمح لك بذلك، وعندئذ حَوَّلَ موضوع رسالته إلى " معايير نقد الحديث عند المُحَدِّثِين "، فوافقوا، ونجح في نوال - الدكتوراه - وهو الآن مُدَرِّسٌ في كلية الشريعة بجامعة دمشق. هذه كلمة موجزة عما تحققته بنفسي عن المُسْتَشْرِقِينَ، وخاصة كتب جولدتسيهر وآرائه، وقد أفردت لمناقشته فصلاً خَاصًّاً في هذا الكتاب بينت فيه تحامل هذا المستشرق اليهودي، وتشويهه للحقائق، وتحريفه للنصوص، وتأويله للوقائع التاريخية وفق هدفه الذي سعى إليه، واعتماده على مصادر لا قيمة لها في نظر العلم، وتكذيبه للمصادر العلمية المعترف بها عند أئمتنا وعلمائنا المُحَقِّقِينَ. ومن المؤلم أن طلاب العالم الإسلامي الذين يدرسون باللغة الإنجليزية في بلادهم لا يزالون مضطرين إلى دخول الجامعات الإنجليزية، فلا يجد طلاب الدراسات الإسلامية أمامهم مراجع لدراساتهم التي ينالون بها الدكتوراه غير تلك المراجع المسمومة، وهم لا يعرفون اللغة العربية، فيتقرر عندهم أن تلك الدسائس حقيقية مأخوذة من كتب الفقهاء والعلماء المُسْلِمِينَ أنفسهم. إن هذا مِمَّا يدعو جامعاتنا العربية للتفكير في إنشاء أقسام لفروع شهادة الدكتوراه باللغة الإنجليزية. وأعتقد أن ذلك من شأنه أن يُحَوِّلَ أنظار كثيرين من طلاب العالم الإسلامي عن جامعات الغرب إلى بلادنا العربية. فنصون هؤلاء من التأثر بدسائس المُسْتَشْرِقِينَ المُتَعَصِّبِينَ الاِسْتِعَمَارِيِّينَ. ومن جهة أخرى فقد خدع ببحوث المُسْتَشْرِقِينَ وخاصة المستشرق اليهودي

جولدتسيهر - عدد من كتابنا الفضلاء، أمثال الدكتور «أحمد أمين» - رَحِمَهُ اللهُ -، والدكتور «علي حسن عبد القادر». أما الأستاذ «أحمد أمين» فقد أَفْرَدْتُ له بحثاً خَاصًّاً في هذا الكتاب، وَبَيَّنْتُ أخطاءه التي وقع فيها نتيجة ثقته بـ (جولدتسيهر) وتأثره بآرائه. وأما الدكتور «علي حسن عبد القادر» (مدير المركز الثقافي الإسلامي بلندن - في عام 1961 - على ما بلغني) فإني - قبل أن أروي قصتي معه - أحب أن أعترف بفضله ودماثة خُلُقِهِ واعترافه بالحق حين يظهر له. لما كنا طلابا في السَنَةِ الثانية والثالثة في قسم تخصص المادة في الفقه والأصول وتاريخ التشريع «العالمية من درجة أستاذ» في كلية الشريعة، وكان ذلك عام 1939 عَيَّنَتْ مشيخة الأزهر في عهد الشيخ المراغي - رَحِمَهُ اللهُ -، الدكتور علي حسن عبد القادر أستاذاً لنا يُدَرِّسُ تاريخ التشريع الإسلامي، وكان قد أنهى دراسته في ألمانيا حَدِيثًا - وهو مُجَازٌ من كلية أصول الدين في قسم التاريخ، ومكث في ألمانيا أربع سنوات حتى أخذ شهادة الدكتوراه في قسم الفلسفة على ما أذكر. كان أول درس تلقيناه عنه أن بدأه بمثل هذا الكلام: «إِنِّيَ سَأُدَرِّسُ لَكُمْ تَارِيخَ التَّشْرِيعِ الإِسْلاَمِيَّ، وَلَكِنَْ عَلَى طَرِيقَةٍ عِلْمِيَّةٍ لاَ عَهْدَ لِلأَزْهَرِ بِهَا، وَإِنِّيَ أَعْتَرِفُ لَكُمْ بِأَنِّي تَعَلَّمْتُ فِي الأَزْهَرِ قُرَابَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا فَلَمْ أَفْهَمِ الإِسْلاَمِ، وَلَكِنِّي فَهِمْتُ الإِسْلاَمَ حِينَ دِرَاسَتِيِ فِي أَلْمَانْيَا»، فعجبنا - نحن الطلاب - من مثل هذا القول وقلنا فيما بيننا: لنستمع إلى أستاذنا لعله حقاً قد علم شيئاً جديراً بأن نعلمه عن الإسلام مِمَّا لا عهد للأزهر به، وابتدأ درسه عن تاريخ السُنَّة النَّبَوِيَّةِ ترجمة حرفية عن كتاب ضخم بين يديه، علمنا فيما بعد أنه كتاب جولدتسيهر " دراسات إسلامية " وكان أستاذنا ينقل عبارته ويتبناها على أنها حقيقة علمية، واستمر في دروسه نناقشه فيما يبدو لنا - نحن الطلاب - أنه غير صحيح، فكان يأبى أن يخالف جولدتسيهر بشيء مِمَّا ورد في هذا الكتاب، حتى إذا وصل في دروسه إلى الحديث عن الزُّهْرِيِّ، واتهامه بوضع الأحاديث للأمويين، ناقشته في ذلك - بحسب معلوماتي المجملة عن الزُّهْرِيِّ من أنه إمام في السُنَّةِ، وموضع ثقة

العلماء جميعاً - فلم يرجع عن رأيه، مِمَّا حملني على أن أطلب منه ترجمة ما قاله جولدتسيهر عن الزُّهْرِيِّ تماماً، فترجمه لي في ورقتين بخط يده، وبدأت أرجع إلى المكتبات العامة للتحقيق في سيرة الزُّهْرِيِّ وفي حقيقة ما اتهمه به هذا المستشرق. ولم أترك كتاباً مخطوطاً في مكتبة الأزهر وفي دار الكتب المصرية من كتب التراجم إلا رجعت إليها ونقلت منها ما يتعلق بِالزُّهْرِيِّ، واستغرق ذلك ثلاثة أشهر كنت أشتغل فيها منذ مغادرتي كلية الشريعة بعد الدروس حتى أواخر الليل، فلما تجمعت لدي المعلومات الصحيحة، قلت لأستاذنا الدكتور عبد القادر: «لَقَدْ تَبَيَّنَ لِي أَنَّ جُولْدْتْسِيهِرْ قَدْ حَرَّفَ نُصُوصَ الأَقْدَمِينَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزُّهْرِيِّ»، فأجابني بقوله: «لاَ يُمْكِنُ هَذَا، لأَنَّ المُسْتَشْرِقِينَ - وَخَاصَّةً جُولْدْتْسِيهِرْ - قَوْمٌ عُلَمَاءٌ مُنْصِفُونَ لاَ يُحَرِّفُونَ النُّصُوصَ وَلاَ الحَقَائِقَ!» .. عندئذ أزمعت على إلقاء محاضرة في الموضوع في دار جمعية الهداية الإسلامية - قرب سراي عابدين قَدِيمًا - وأرسلت إدارة الجمعية بطاقات الدعوة لهذه المحاضرة إلى علماء الأزهر وطلابه، فاجتمع يومئذ عدد كبير منهم ما بين أساتذة وطلاب، ومن بينهم أستاذنا الدكتور عبد القادر - الذي رجوته حضور هذه المحاضرة، وإبداء رأيه فيما أقول، فتفضل مشكوراً بالحضور، وأصغى إلى المحاضرة كلها التي كانت تدور حول ما كتبه جولدتسيهر عن الإمام الزُّهْرِيِّ، وختمتها بقولي: هذا هو ما أراه في هذا الموضوع، وهذا هو رأي علمائنا في الزُّهْرِيِّ، فإن كان لأستاذنا الدكتور عبد القادر مناقشة حول الموضوع إن لم يقتنع بما ذكرته، فأرجو أن يتفضل بالكلام، فنهض الدكتور - حَفِظَهُ اللهُ -، وقال بصوت سمعه الحاضرون جميعاً: «إِنِّي أَعْتَرِفُ بِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ مَنْ هُوَ الزُّهْرِيُّ حَتَّى عَرَفْتُهُ الآنَ، وَلَيْسَ لِي اعْتِرَاضٌ عَلَى كُلِّ مَا ذَكَرْتَهُ»، وَانْفَضَّ الاجتماع، ثم دخلنا غرفة الأستاذ السيد مُحَمَّدٍ الخَضِرْ حُسَيْن - رَحِمَهُ اللهُ - رئيس الجمعية الأستاذ الأكبر للجامع الأزهر فيما بعد - فكان مِمَّا قاله أستاذنا الدكتور - حَفِظَهُ اللهُ -، - وكان ذلك بحضور السيد الخضر حسين - رَحِمَهُ اللهُ -: «إِنَّ بَحْثَكَ هَذَا فَتْحٌ جِدِيدٌ فِي بُحُوثِ المُسْتَشْرِقِينَ، وَأَرْجُو أَنْ تُعْطِينِي نُسْخَةً مِنْ هَذِهِ المُحَاضَرَةِ لأُبْعَثَ بِهَا إِلَى المَجَلاَّتِ العِلْمِيَّةِ التِي تُعْنَى بِبُحُوثِ المُسْتَشْرِقِينَ فِي أَلْمَانْيَا، وَإِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّهَا

سَتُحْدِثُ دَوِيًّا فِي أَوْسَاطِ المُسْتَشْرِقِينَ»، فشكرته على ذلك واعتبرته تشجيع أستاذ لتلميذه. وبعد أيام دعاني لزيارته في البيت، فكان مِمَّا اتفقنا عليه أَنْ نَتَفَرَّغَ معاً في الصيف لترجمة كتاب جولدتسيهر وَالرَدِّ عَلَيْهِ، ولكني اعتقلت بعد ذلك من قبل السلطات العسكرية الإنجليزية في القاهرة في بدء قيام الحرب العالمية الثانية وأقصيت عنها سبع سنوات، وفي خلال هذه الفترة أصدر الدكتور عبد القادر كتابه " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي " ولم يتح لي الاطلاع عليه إلا بعد ثلاث سنوات حين أفرج عني في أواسط الحرب الأخيرة. هذه قصتي مع الدكتور علي حسن عبد القادر وهي التي كانت سبباً في تأليف هذا الكتاب. لم أجد مانعاً من ذكرها لما فيها من العبرة، وأظن أن الدكتور عدل عن رأيه السابق في المُسْتَشْرِقِينَ وخاصة جولدتسيهر، وَبَدَّلَ رأيه في أمانته وإخلاصه للحق وعدم تحريفه للنصوص. و «أَبُو رَيَّةَ» هو ثالث من رأيتهم من الباحثين في تاريخ السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، المتأثرين بجولدتسيهر و" دائرة المعارف الإسلامية " وغيرها، وإني لأرجو أن يقرأ ما كتبته الآن، وما أوردته في ثنايا الكتاب من مناقشة له وللمستشرقين وللأستاذ أحمد أمين، قراءة من يريد أن يصل إلى الحق. فلعله يرجع عن كثير من آرائه التي أنشأ من أجلها كتابه " أَضْوَاءٌ عَلَى السُنَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ " ولعله فاعل ذلك إن شاء الله. وكلمة أخيرة أقولها بصدد الحديث عن المُسْتَشْرِقِينَ: منذ أن انتهت الحروب الصليبية بالفشل من الناحية العسكرية والسياسية، لم ينقطع تفكير الغرب في الانتقام من الإسلام وأهله بطرق أخرى، فكانت الطريقة الأولى هي دراسة الإسلام ونقده، وفي جَوِّ هذا التفكير الذي ساد البيئة المسيحية في الغرب خلال القرون الوسطى نشأت فكرة الاستيلاء على البلاد الإسلامية عن طريق القوة والغلبة حين بدأ العالم الإسلامي يتدهور سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً، وأخذ الغرب يسطو مرة بعد مرة على بلد بعد بلد في العالم الإسلامي،

وما كاد ينتهي للغرب استيلاؤه على أكثر أقطار العالم الإسلامي حتى بدأت الدراسات الغربية عن الإسلام وتاريخه تنمو وتتكاثر بقصد تبرير سياستهم الاستعمارية نحو هذه الشعوب، وقد تم لهم في القرن الماضي دراسة التراث الإسلامي من جميع نواحيه الدينية والتاريخية والحضارية، ومن الطبيعي أن تكون الدراسة محجوبة عن إصابة الحق فيها بحاجبين: (الأول): التعصب الديني الذي استمر لدى ساسة أوروبا وقادتها العسكريين حتى إذا دخلت جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى بيت المقدس، قال اللورد «اللَّنْبِي» ( Lord Allenby] (*) كلمته المشهورة: «الآنَ انْتَهَتْ الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ» أي من الناحية العسكرية. أما التعصب الديني فما يزال أثره باقياً في كثير مِمَّا يكتب الغَرْبِيُّونَ عن الإسلام وحضارته، وأكثر ما نجد إنصاف الإسلام ورسوله عند العلماء والأدباء الغَرْبِيِّينَ الذين تَحَلَّلُوا من سلطة ديانتهم، ونضرب لذلك مثلا بكتاب " حضارة العرب " لمؤلفه «غوستاف لوبون» فإنه أعظم كتاب ألفه الغَرْبِيُّونَ في إنصاف الإسلام وحضارته. هذا، لأن «غوستاف لوبون» فيلسوف مادي لا يؤمن بالأديان قطعاً، من أجل هذا ومن أجل إنصافه للحضارة الإسلامية، لا ينظر إليه الغَرْبِيُّونَ في أوساطهم العلمية نظر التقدير الذي يستحقه علمه. فهو - بلا شك - من أعظم علماء الاجتماع والتاريخ في القرن التاسع عشر، ومع هذا فقد تحامل عليه الغَرْبِيُّونَ - وخاصة الفِرَنْسِيِّينَ - لما ذكرناه. (الثاني): أن القوة المادية والعلمية التي وصل إليها الغَرْبِيُّونَ في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أدخلت في نفوس علمائهم ومؤرخيهم وَكُتَّابِهِمْ قدراً كبيراً من الغرور حتى اعتقدوا أن الغَرْبِيِّينَ أصل جميع الحضارات في التاريخ - ما عدا المصرية - وأن العقلية الغربية هي العقلية الدقيقة التأمل التي تستطيع أن تفكر تفكيراً منطقياً سليماً، أما غيرهم من الشعوب - وخاصة الإسلامية - فإن عقليتهم بسيطة ساذجة، أو بالأصح «ذرية» كما عبر بذلك المستشرق «جب» في ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [إدموند هنري هاينمان ألنبي (بالإنجليزية: Edmund Henry Hynman Allenby) ، الفايكونت الأول اللنبي (23 ابريل 1861 - 14 مايو 1936) ضابط وإداري بريطاني، اشتهر بدوره في الحرب العالمية الأولى حيث قاد قوة التجريدة المصرية في الاستيلاء على فلسطين وسوريا عامي 1917 و1918].

كتابه " وجهة الإسلام " ويقصد بذلك أن العقلية الإسلامية تدرك الأمور بواسطة الجزئيات ولا تدركها إدراكاً كلياً. وهم لم يحكموا بذلك إلا على ضوء ما رأوه بأعينهم من ضعف الشعوب التي استعمروها وما سادها من جهل وما شملها من تأخر في كل نواحي الحياة. فلما بدأ اتصالنا بالحضارة الغربية في أوائل هذا القرن، وانتشرت الثقافة بيننا، لم يجد المثقفون - من غير علماء الشريعة - أمامهم طريقا مُمَهَّدًا للحديث عن تراثنا المبعثر في كتب قديمة غير منظمة تنظيماً يتفق وتنظيم الكتب العلمية عند الغَرْبِيِّينَ، إلا كُتُبَ المُسْتَشْرِقِينَ الذين أفنوا أعمارهم في دراسة ثقافتنا وتتبع مصادرها في خزائن الكتب العامة عندهم، حتى ليظل أحدهم عِشْرِينَ عَامًا في تأليف كتاب من ناحية من نواحي ثقافتنا، يرجع فيه إلى كل ما وصلت إليه يده من مصادر قديمة من كتب علمائنا الأولين. وبهذا الدأب المتواصل عند علمائهم، والتفرغ الكامل له، والرغبة الاستعمارية والدينية التي ألمحت إليها، استطاعوا أن ينظموا الحديث عن ثقافتنا تنظيما بهر أبصار «مُثَقَّفِينَا» واستولى على ألبابهم، وخاصة عندما قارنوا بين أسلوبهم وبين أسلوب كتبنا العلمية القديمة، فاندفعوا إلى الاقتباس من كُتُبِ المُسْتَشْرِقِينَ معجبين بعلمهم وسعة اطلاعهم، ظانين أنهم لا يقولون إلا الحق، وأنهم - فيما خالفوا فيه الحقائق المقررة عندنا - أصح حُكْمًا، وأصوب رأياً، لأنهم يسيرون وفق منهج علمي دقيق لا يحيدون عنه. ومن هنا نشأت الثقة ببحوث هؤلاء الغَرْبِيِّينَ والاعتماد على آرائهم. ولم يتح لهؤلاء المثقفين أن يرجعوا إلى المصادر الإسلامية التي استقى منها المُسْتَشْرِقُونَ وغيرهم من الباحثين الغَرْبِيِّينَ، إما لصعوبة الرجوع إلى مصادرنا، أو للرغبة في سرعة الإنتاج العلمي، أو لشهوة الإتيان بحقائق مخالفة لما هو سائد في أوساطنا العلمية والدينية وغيرها. وكانت فترة من الزمان طغى علينا هذا الشعور بالنقص والضعف وعدم الثقة بأنفسنا إزاء الباحثين الغَرْبِيِّينَ، وإعظامهم وإكبارهم وعدم سوء الظن بهم، حتى

إذا بدأت حركات الوعي السياسي وبدأ استقلالنا السياسي عن سيطرة الغَرْبِيِّينَ، ابتدأ عندنا الشعور بوجوب الاستقلال الفكري، الشعور بشخصيتنا وقيمة حضارتنا وتراثنا، الشعور بالخجل لموقفنا السابق من اتكالنا على المُسْتَشْرِقِينَ في معرفة ما عندنا من تراث وعقيدة وتشريع، وانتشر هذا الوعي في أوساطنا المثقفة من دينية وغيرها، فبدأنا نكتشف الحقيقة، حقيقة هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ في أبحاثهم وأهدافهم الدينية والاستعمارية من ورائها. وما زلنا نسير في هذا الاتجاه الذي لم يستكمل قوته واستقلاله الذاتي بعد، لأنها سُنَّةُ اللهِ في الأشياء. ولكنا واصلون إلى هذه المرحلة بإذن الله، حتى يأتي يوم يستغرب فيه أبناؤنا وأحفادنا كيف كنا بسطاء مخدوعين بهؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ إلى هذا الحد. سيأتي يوم ننقلب فيه نحن إلى دراسة تُرَاثِ الغَرْبِيِّينَ وَنَقْدِ ما عندهم من دين وعلوم وحضارة، وسيأتي اليوم الذي يستعمل فيه أبناؤنا وأحفادنا مقاييس النقد التي وضعها هؤلاء الغَرْبِيُّونَ، في نقد ما عند هؤلاء الغَرْبِيِّينَ أنفسهم من عقيدة وعلوم، فإذا هي أشد تهافتاً. وأكثر ضعفاً مِمَّا يلصقونه اليوم بعقيدتنا وعلومنا. تُرَى لو استعمل المُسْلِمُونَ معايير النقد العلمي التي استعملها المُسْتَشْرِقُونَ في نقد القرآن وَالسُنَّةُ، في نقد كتبهم المقدسة وعلومهم الموروثة، ماذا كان يبقى لهذه الكتب المقدسة والعلوم التاريخية عندهم من قوة؟ وماذا يكون فيها من «ثبوت»؟ تُرَى لو استعمل المُسْلِمُونَ في المستقبل معايير النقد العلمي التي يزعم المُسْتَشْرِقُونَ أنهم يأخذون بها عند نقد تاريخنا وأئمتنا، في نقد تاريخ الحضارة الأوروبية ومقدساتها وفاتحيها ورؤسائها وعلمائها، أَلاَ يخرجون بنتيجة من الشك وسوء الظن أكبر بكثير مِمَّا يخرج به المُسْتَشْرِقُونَ بالنسبة إلى حضارتنا وعظمائنا؟ ألاَ تبدو هذه الحضارة مُهَلْهَلَةً رَثَّةَ الثِّيَابِ؟ وألاَ يبدو رجال هذه الحضارة من علماء وسياسيين وأدباء بصورة باهتة اللون لا أثر فيها لكرامة ولا خلق ولا ضمير؟ كثيرا ما أتمنى أن يتفرغ منا رجال للكتابة عن هذه الحضارة وتاريخ علمائها بنفس الأسلوب الذي يكتب به المُسْتَشْرِقُونَ من تتبع الأخبار الساقطة، وفهم

النصوص على غير حقيقتها، وقلب المحاسن إلى سيئات، والتشكيك في كل خير يصدر عن هؤلاء الغَرْبِيِّينَ، ولو حصل هذا لخرجت منه صورة لهذه الحضارة ولرجالها مضحكة مخزية ينكرها المُسْتَشْرِقُونَ قبل غيرهم!! أتُرَى أحداً ينهض منا لهذا العِبْءِ، عِبْءَ استعمال المقاييس النقدية عند الغَرْبِيِّينَ بالأسلوب الذي ذكرناه لإعطاء صورة عنهم وعن عقائدهم وعن حضارتهم ليقرأها المُسْتَشْرِقُونَ بأنفسهم، فَيَرَوْا كيف عادت هذه الطريقة التي زعموا أنهم يستخدمونها لمعرفة «الحقيقة» في تاريخنا وديننا، وَبَالاً عليهم، لعلهم يخجلون - بَعْدَئِذٍ -، استمرارهم في التحريف والتضليل والهدم!. وبعد فإني أعتقد أنه قد انقضى ذلك العهد الذي كنا فيه نعتمد في مصادر معرفتنا بعلومنا وتاريخنا على هؤلاء الغَرْبِيِّينَ، مع أنهم ليست لهم مصادر إلا كتبنا ومُدوَّناتنا، ولئن كُنَّا بها جاهلين من قبل، فلقد آن الأوان أن نرفع عن جباهنا خزي الجهالة بمصادرنا، وعار الاتكال في فهمها على فهم الغرباء عن لغتنا، ونزيل وصمة الاعتقاد بديننا وعلمائنا ما يريد منا هؤلاء المُسْتَشْرِقُونَ المتعصبون أن نعتقده في ذلك من شك وسوء ظن، ولقد آن الأوان أن نفعل ذلك بما نفضنا عنه الغبار ونثرناه عن كنوزنا العلمية الدفينة، وبما ملأ نفوسنا من وعي كريم وشعور باستقلال الشخصية. ولئن بقي بعد الآن من يحسن الظن بفهمهم أو رأيهم في علومنا، فليقرأ - إن شاء الله - هذا الكتاب وغيره من الكتب التي تكشف عن دسائس هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ، فينكشفون على حقيقتهم كما هم في الواقع، وكما أرادوا لأنفسهم أن يكونوا. وإذا كنا نشتد هذه الشدة في حق المُحَرِّفِينَ وَالمُضَلِّلِينَ أمثال جولدتسيهر، فإننا لا نغمط غيرهم من المُنْصِفِينَ حَقَّهُمْ في نشر نفائس كُتُبِنَا القديمة، ودأبهم في البحث عن الحقيقة، فليس العلم محتكرا لأُمَّةٍ دُونَ أُمَّةٍ. والإسلام - وهو دين الله للعالم كله - لا يمكن أن يستأثر بفهمه قَوْمٌ دُونَ قَوْمٍ،

فليفهم منه من شاء ما شاء، بشرط أن يَتَحَلَّى بصفة العلماء، وهي الإنصاف والإخلاص للحق، والبعد عن العصبية والهوى. وأرى أخيراً أن أختم هذه الكلمة عن المستشرق بكلمة للعلاَّمة غوستاف لوبون، يحلل فيها سِرَّ تحامل العلماء الغَرْبِيِّينَ على تراثنا، وإنكارهم لفضل حضارتنا. قال العلامة «غوستاف لوبون» في كتابه " حضارة العرب " بعد أن أقام الأدلة على تأثير الحضارة العربية الإسلامية في الغرب، وأثرها في نشوء الحضارة الغربية الحديثة: «وَقَدْ يَسْأَلُ القَارِئُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ: لِمَاذَا يُنْكِرُ تَأْثِيرَ العَرَبِ عُلَمَاءُ الوَقْتِ الحَاضِرِ الذِينَ يَضَعُونَ مَبْدَأَ حُرِيَّة الفِكْرِ فَوْقَ كُلِّ اعْتِبَارٍ دِينِيٍّ كَمَا يَلُوحُ؟ لاَ أَرَىَ غَيْرَ جَوَابٍ وَاحِدٍ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ الذِي أَسْأَلُ نَفْسِي بِهِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ اسْتِقْلاَلَنَا الفِكْرِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِ الظَّوَاهِرِ بِالحَقِيقَةِ، وَإِنَّنَا لَسْنَا أَحْرَارَ الفِكْرِ فِي بَعْضِ المَوْضُوعَاتِ كَمَا نُرِيدُ. فَالَمَرْءُ عِنْدَنَا ذُو شَخْصِيَّتَيْنِ: (الشَّخْصِيَّةُ العَصْرِيَّةِ) التِي كَوَّنَتْهَا الدِّرَاسَاتُ الخَاصَّةُ وَالبِيئَةُ الخُلُقِيَُّةُ والثَّقَافِيَّةُ، وَ (الشَّخْصِيَّةُ القَدِيْمَةُ) غَيْرَ الشَّاعِرَةِ التِي جَمَدَتْ وَتَحَجَّرَتْ بِفِعْلِ الأَجْدَادِ فَكَانَتْ خُلاَصَةً لِمَاضٍ طَوِيلٍ. فَالشَّخْصِيَّةُ غَيْرِ الشَّاعِرَةِ وَحْدَهَا، وَوَحْدَهَا فَقَطْ، هِيَ التِي تَتَكَلَّمُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ وَتُمْسِكُ فِيهِمْ المُعْتَقَدَاتُ نَفْسَهَا مُسَمَّاةً بِأَسْمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَتُمْلِي عَلَيْهِمْ آرَاءَهُمْ، فَيَلُوحُ مَا تُمْلِيهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الآرَاءِ حُرًّا فِي الظَّاهِرِ فَيُحْتَرَمَ. فَالحَقُّ أَنَّ أَتْبَاعَ مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَلُّوا أَشَدَّ مَنْ عَرَفَتْهُ أُورُوبَا مِنَ الأَعْدَاءِ إِرْهَابًا، عِدَّةَ قُرُونٍ، فَهُمْ عِنْدَمَا كَانُوا لاَ يُرْعِدُونَنَا بِأَسْلِحَتِهِمْ كَمَا فِي زَمَنِ شَارْلْ مَارْتَلْ وَالحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ، أَوْ يُهَدِّدُونَ بَعْدَ فَتْحِ القُسْطَنْطِينِيَّةِ، كَانُوا يُذِلُّونَنَا بِأَفْضَلِيَّةِ حَضَارَتِهِمْ السَّاحِقَةِ، فَلَمْ نَتَحَرَّرْ مِنْ نُفُوذِهِمْ إِلاَّ بِالأَمْسِ. لَقَدْ تَرَاكَمَتْ أَوْهَامُنَا المَوْرُوثَةُ ضِدَّ الإِسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ فِي قُرُونٍ كَثِيرَةٍ، فَصَارَتْ جُزْءًا مِنْ مِزَاجِنَا، فَأَضْحَتْ طَبِيعَةً مُتَأَصِّلَةً فِينَا تَأَصُّلَ حِقْدِ اليَهُودِ عَلَى النَّصَارَى، الخَفِيُّ أَحْيَانًا، وَالعَمِيقُ دَوْمًا. فَإِذَا أَضَفْنَا إِلَى أَوْهَامِنَا المَوْرُوثَةَ ضِدَّ المُسْلِمِينَ، وَهَمَّنَا المَوْرُوثَ الذِي زَادَ مَعَ القُرُونِ بِفِعْلِ ثَقَافَتِنَا المَدْرَسِيَّةِ البَغِيضَةِ القَائِلَةِ: " إِنَّ اليُونَانَ وَاللاَتِينَ وَحْدَهُمْ مَنْبَعُ العُلُومِ وَالآدَابِ فِي الزَّمَنِ المَاضِي "، أَدْرَكْنَا - بِسُهُولَةٍ - سِرَّ جُحُودِنَا العَامِّ لِتَأْثِيرِ العَرَبِ العَظِيمِ فِي تَارِيْخِ حَضَارَةِ أُورُوبَا.

وَيَتَرَاءَىَ لِبَعْضِ الفُضَلاَءِ أَنَّ مِنَ العَارِ أَنْ يُفَكِّرُ فِي أُورُوبَا الْنَّصْرَانِيَّةِ مَدِيْنَةُ فِيْ خُرُوْجِهَا مِنْ دُوْرِ الْتَوَحُّشِ لِأُوْلَئِكَ الْكَافِرِيْنَ (أُيِّ المُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْغَرْبِيُّونَ يُلَقِبُّونَهُمْ) فَعَارٌ ظَاهِرٌ كَهَذَا، لاَ يُقْبَلُ إِلاَّ بِصُعُوَبَةٍ». ثم ذكر في هامش هذا الكلام مثلاً لالتقاء الأوهام الموروثة مع الثقافة في العالم الفاضل فيضطرب في حكمه على الأشياء، بالخطبة التي ألقاها مسيو «رِينَانْ» في «السوربون» عن الإسلام (¬1). فقد اضطرب فيها بين الاعتراف بفضل العرب في تقدم العلوم ستمائة سَنَةٍ، وبين زعمه بأن الإسلام اضطهد العلم والفلسفة وقضى على الروح في البلاد التي دانت له، وأمثلة من هذه المتناقضات في خطابه الذي ختمه «رينان» بقوله: «إِنَّنِي لَمْ أَدْخُلْ مَسْجِدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ اهْتَزَّ خَاشِعًا أَوْ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنَ الحَسْرَةِ عَلَى أَنَّنِي لَسْتُ مُسْلِمًا» (¬2). وأما «الحكايات» التي نقلها أَبُو رَيَّةَ من بعض كتب الأدب، فهي أغرب ما رأيناه في دعوى «التحقيق العلمي». إن «أَبَا رَيَّةَ» يرفض كل ما رواه أئمة الحديث المُتَثَبِّتُونَ وأئمة الفقه المجتهدون، من حقائق لا تعجبه، ثم يأتي إلى كتب لم تؤلف لتاريخ الرجال، ولم تصنف للتحقيق في سيرتهم وأحوالهم، وإنما ألفت لجمع النوادر والحكايات التي يتفكه بها الناس في مجالسهم، ويتزيدون بما شاءت لهم أهواؤهم وخيالاتهم. يأتي إلى هذه الكتب فيستخرج من «حكاياتها» الأدلة والشواهد لدعوى خطيرة تذهب بكيان السُنّةِ كلها إن صحت. فهل هذا هو سبيل التحقيق العلمي إلا أن يكون على سُنَّةِ جولدتسيهر الذي يُكَذِّبُ ما جاء في " موطأ مالك "، ويؤيد ما جاء في " حياة الحيوان " للدميري؟!. ¬

_ (¬1) وهي التي رَدَّ عليها في وقتها الإمام «محمد عبده» - رَحِمَهُ اللهُ -، رَدَّهُ المشهور. (¬2) " حضارة العرب "، ترجمة الأديب الكبير الأستاذ «عادل زعيتر» - رَحِمَهُ اللهُ -. ص 688 - 690 من الطبعة الثانية.

إن من المُسَلَّمِ به عند علمائنا «غَيْرَ المُحَقِّقِينَ» تحقيق «أَبِي رَيَّةَ» أن علم الحديث لا يؤخذ من كتب الفقه، وعلم التفسير لا يؤخذ من كتب اللغة، لأن كل علم له مصادره التي يعرف منها حقائقه وقضاياه. ومن المُسَلَّمِ به في علم التاريخ الحديث أن حقائقه لا تؤخذ إلا من مصادر التاريخ الثابتة الموثوقة، فمن استمد وقائعه من مصادر غير موثوقة، لم يكن لبحثه أية قيمة علمية، ولا لمن يفعل ذلك مكان بين العلماء المحترمين. فماذا نقول عن «أَبِي رَيَّةَ» الذي أخذ يخوض في موضوع خطير جد الخطورة ويهدم رجلاً له في تاريخ السُنّةِ خلال أربعة عشر قرناً، وعند مئات ألوف الملايين منذ عصر الصحابة حتى عصرنا هذا، مكانة مرموقة هي عنوان التقدير والثقة والاحترام!! ثم يعتمد «أَبُو رَيَّةَ» في بحثه الخطير هذا وفي هجومه الكبير كُتُباً، ككتاب " ثمار القلوب " للثعالبي و" مقامات " بديع الزمان الهمذاني وأسانيد تالفة في كتاب " الحِلْيَةِ " لأبي نعيم، وهو الكتاب الذي ألفه لرجال التصوف والزهد من رجال الإسلام، وفي سنده ما هو غير صحيح، وَلَمْ يَدَّعِ - رَحِمَهُ اللهُ - أنه ألفه ليكون مرجعاً في تاريخ الرجال، ومن قرأه وتتبع أسانيده، علم صحة ما نقول. ماذا نقول عن صنيع «أَبِي رَيَّةَ» هذا؟ إن كان يعلم أن هذا صنيع غير المُحَقِّقِينَ، فقد وضع نفسه بينهم، وإن كان لا يعلم، فقد حكم بنفسه على قيمة تحقيقه «العلمي» الذي لم يقم به أحد من المُسْلِمِينَ منذ ألف سَنَةٍ!؟ تلك هي حقيقة المصادر التي خرج منها «أَبُو رَيَّةَ» برأيه الذي يخالف آراء جمهور العلماء وَالمُحَدِّثِينَ. وما عدا ذلك من المصادر الموثوقة التي ذكرناها في «ثبت» مراجعه فقد بَيَنَّا فيما سبق طريقته في تحريف النصوص وإيرادها في غير مواردها وتحميلها ما لم يرده قائلوها، وتلك براعة لا يحسد عليها، وخصلة لا يمدح فاعلها، وأقل ما يقال فيه: إنه «دَلَّسَ» عَلَى القُرَّاءِ. مَنْ دَلَّسَ ولو مرة واحدة لا يُقبل قوله كما زعم في نقله عن الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -.

أما رأيي في نتائج البحث الذي تضمنه كتابه، فإنها تتلخص فيما يلي: (أَوَلاً) - إنه يذهب إلى أن السُنَّةَ لَمْ تُدَوَّنْ في عهد النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنه يرى كما يرى جمهور العلماء، من أن سبب ذلك هو نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا ما يتفق مع جمهور الباحثين قَدِيمًا وَحَدِيثًا. (ثَانِياً) - أنه يرى أن عدم تدوين السُنَّةِ في عهد النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَّى إلى وجود الخلاف بين فِرَقِ المُسْلِمِينَ، كما أدى إلى الوضع والكذب في الحديث مِمَّا كان له أكبر الضرر في ضياع السُنَّةِ الحقيقية. ويؤدي هذا إلى أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو سبب هذه الأضرار في رأيه. ويلزم من هذا أن النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لو كانت له مثل هذه الفطنة التي وصل إليها «أَبُو رَيَّةَ» في تحقيقه «العلمي» لما نشأت هذه الأضرار!! ولا أدري إن كان «أَبُو رَيَّةَ» يرضى بهذه النتيجة الفجة! ولا أظن مسلماً يؤمن بالله واليوم الآخر وبرسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذهب به الغرور إلى هذا الحد. ونحن نعتذر له بأن «لازم المذهب ليس بمذهب» كما قال علماؤنا - رَحِمَهُمْ اللهُ -، وأنه لا يمكن أن تعتقد ما يلزم رأيه من تلك النتيجة القبيحة. (ثَالِثاً) - إِنَّ السُنَّةَ الصحيحة - ولو كانت صحيحة بحسب مقياسه فحسب - ليست ديناً عَامًّا يُلْزَمُ المُسْلِمُونَ بِاتِّبَاعِهِ، وأن الدين العام هو ما جاء في القرآن، لأنه متواتر، وفي السُنَّةِ العَمَلِيَّةِ، لأنها من حيث العمل بها أصبحت متواترة. وما عدا ذلك - وَهِيَ السُنَّةُ القَوْلِيَّةُ - فليس يلزم العمل بها، بل لكل إنسان أن يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء، ذلك لأن تركها ليس بكفر، وما كان كذلك فكل مسلم في سَعَةٍ من العمل به أو هجره!! وعدا ما في هذا الرأي الخطير من مخالفة صريحة لكتاب الله، ومن قضاء على التراث التشريعي الإسلامي كله، فإنه دعوة إلى فوضى في العقيدة والتشريع لا يقول بها رجل يحترم نفسه، ويحترم شريعته، ويحترم كيان أُمَّتِهِ الاجتماعي.

أما ما استند إليه في ذلك من كلام الإمام محمد عبده، وتلميذه السيد رشيد رضا - رَحِمَهُمَا اللهُ -، فلنا رأي لاَ نُلْزِمُ به أحداً، ولا ينتقص من قدرهما وجهادهما في شيء. أما الشيخ محمد عبده - رَحِمَهُ اللهُ - فلا شك أنه كان من أكبر رُوَّادِ الإصلاح في عصرنا الحديث، وأنه كان في عصره فيلسوف الإسلام ولسانه الناطق وعقله المفكر وسلاحه الذائد عن حماه كل عدو وكل مُفتَرٍ مِنَ الغَرْبِيِّينَ وخاصة المُسْتَعْمِرِينَ منهم، ونوره المشرق تجاه الجمود الذي ران على العالم الإسلامي من مئات السنين. ولكنه - مع هذا - كان قليل البضاعة من الحديث، وكان يرى في الاعتماد على المنطق والبرهان العَقْلِيَيْنِ خير سلاح للدفاع عن الإسلام، ومن هذين العاملين، وقعت له آراء في السُنَّةِ وَرُوَّاتِهَا وفي العمل بالحديث والاعتداد به، ما صح أن يتخذه مثل «أَبِي رَيَّةَ» تكأة يتكئ عليها، ليخرج على المُسْلِمِينَ بمثل الآراء التي خرج بها. أما السيد رشيد رضا - رَحِمَهُ اللهُ - فيظهر أنه كان أول أمره متأثراً بوجهة أستاذه الشيخ محمد عبده - رَحِمَهُ اللهُ -، وكان مثله في أول الأمر قليل البضاعة من الحديث قليل المعرفة بعلومه، ولكنه منذ استلم لواء الإصلاح بعد وفاة الإمام محمد عبده، وأخذ يخوض غمار الميادين الفقهية والحديثية وغيرهما وأصبح مرجع المُسْلِمِينَ في أنحاء العالم في كل ما يعرض لهم من مشكلات، كثرت بضاعته من الحديث وخبرته بعلومه حتى غدا آخر الآمر حَامِلَ لِوَاءِ السُنَّةِ، وأبرز أعلامها في مصر خاصة، نظراً لما كان عليه علماء الأزهر من إهمال لِكُتُبِ السُنّةِ وعلومها، وتبحرهم في المذاهب الفقهية والكلامية واللغوية وغيرها. لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ - رَحِمَهُ اللهُ - في آخر حياته، وكنت أتردد على بيته، فأستفيد من علمه وفهمه للشريعة ودفاعه عن السُنَّةِ ما أجد من حق تاريخه عَلَيَّ أن أشهد بأنه كان من أشد العلماء أَخْذًا بِالسُنَّةِ (القَوْلِيَّةِ) وإنكاراً لما يخالفها في المذاهب الفقهية. وإني على ثقة بأنه لو كان حَيًّا حين أصدر «أَبُو رَيَّةَ» كتابه، لكان أول من يَرُدُّ عليه في أكثر من موضع في ذلك الكتاب.

(رَابِعاً) - إن الذين عنوا بالتشريع من أئمة الإسلام وفقهائه، لم يكونوا أهلاً لتمحيص السُنّةِ وبيان صحيحها من موضوعها، وإن الأدباء وعلماء الكلام من المعتزلة، هم أهل لذلك، وحسبنا أن نَحْكِي عنه رأيه هذا، التدليل على حقيقة غيرته عَلَى السُنَّةِ، وورعه في دين الله - عَزَّ وَجَلَّ -. (خَامِساً) - إن الصحابة والتَّابِعِينَ وفقهاء الإسلام وأئمة الحديث ثلاثة عشر قرناً كاملةً قد خدعوا بأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ولم يفطنوا إلى «تفاهة أمره» و «حقارة منبته» وجرأته في الكذب إرضاء للأمويِّين! إنهم لم يفطنوا لما فطن إليه «أَبُو رَيَّةَ» فيا لسوء حظ المُسْلِمِينَ الذين حرموا من رأي «أَبِي رَيَّةَ» الصائب وبصيرته النافذة خلال هذه القرون كلها! ويا لسوء حظ الإسلام، إذ رزق خلال هذه العصور أئمة وعلماء بُلْهاً مُغَفَّلِينَ يعتمدون في كتبهم وفقههم واجتهادهم على رجل «حقير، أكول، كَذَّابٍ، كل همه جمع المال وأكل الطعام! ... » كما يصفه اليوم أَبُو رَيَّةَ. (سَادِساً) - إِنَّ السُنَّةَ بما دخلها من الوضع، وبما أدرجه رُواة السُنّة الموثوقون من كلامهم في فن الحديث، وما لحق الحديث من «شذوذ» و «اضطراب» و «رواية بالمعنى» وغير ذلك جَعَلَ السُنَّةَ كلها في موضع الشك والريبة فيها وفي مُدَوَّنَاتِهَا الصحيحة، بحيث لم تعد محلاً للثقة والاعتماد. هذه من النتائج التي يخرج بها قارئ كتابه مِمَّنْ لا علم له بِالسُنَّةِ وعلومها، وهذا هو ما سعى ويسعى إليه المُسْتَشْرِقُونَ المُتَعَصِّبُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، ثم يزعم مع ذلك «أَبُو رَيَّةَ» أنه إنما أَلَّفَ كتابه «للدفاع عَنْ السُنَّةِ القولية وحياطتها مِمَّا يشوبها» لا يبتغي إلا وجه الله وابتغاء مرضاته!! ولم أكن أدري من قبل، أن دعم الشيء يكون بالتشكيك فيه، وخدمة الشريعة بالالتقاء مع أعدائها والساعين إلى هدمها! وفوق كل ذي علم عليم، وإنا لله وإنا إليه راجعون ... (سَابِعاً) - أنه شكك في كل الأحاديث والآثار الصحيحة التي تَحَدَّثَتْ عن أشياء موجودة في الكتب بين أيدينا لليهود والنصارى، وأن ذلك دليل على اليد اليهودية أو المسيحية في الدَسِّ على الحديث. أما ما جاء في الآثار والأحاديث من نقول عن التوراة، لا نجدها الآن في

التوراة، فذلك دليل على كذب تلك الأحاديث! وهذا - لعمري - موقف متناقض لا يصير إليه عالم «محقق». إن الله تعالى نص على حقيقتين وَاضِحتَيْنِ بالنسبة إلى التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الأنبياء السابقين: الأولى - أن الله أنزلها على الأنبياء، ومبادؤها واحدة في جميع الديانات. الثانية - أن أتباع هذه الديانات بَدَّلُوهَا وَحَرَّفُوهَا {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (¬1). فسبيل المؤمن العالم إذا رُوِيَ له حديث صح سنده أن يعرضه على كتاب الله فإن توافق معه اطمأن قلبه إليه واعتقده، وإن خالفه - وهذا ما لا وجود له في الأحاديث الصحيحة قطعاً - جاز له رَدُّهُ مهما كانت الثقة برجاله. وعلى هذا الهَدْيِ سار علماؤنا - رَحِمَهُمْ اللهُ - منذ الصحابة حتى من بعدهم من قول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقواعد الدين، وَرَدُّوا كل ما يخالف ذلك. ولكن «أَبَا رَيَّةَ» اتخذ مبدءاً آخر، وهو أن كل حديث عن التوراة والإنجيل هو مدسوس على الإسلام من قبل اليهود أو النصارى. وعلى هذا كَذَّبَ ما رواه أبو هريرة وغيره عن كعب من أن التوراة نَصَّتْ على اسم الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واتهم في ذلك مسلمي اليهود من أسلم منهم في عصر الرسول، ومن أسلم بعده. ولا أدري كيف ساغ له مثل هذا القول وهو العالم «المُحَقِّقُ»! مع أن القرآن الكريم نص على هذا في أكثر من آية. {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (¬2). {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (¬3). {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ ¬

_ (¬1) [سورة المائدة، الآية: 13]. (¬2) [سورة الأعراف، الآية: 157]. (¬3) [سورة الصف، الآية: 6].

بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (¬1). فهذه آيات من كتاب الله صريحة في الدلالة على أن اسم الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد جاء ذكره صراحة في التوراة والإنجيل، وجاء ذكره وذكر صحابته عن طريق التشبيه والتمثيل في التوراة والإنجيل أيضاً. فأية غرابة وأية مناقضة، وأي شيء فيه يستنكره عقل المسلم إذا روى أهل الكتاب مِمَّنْ أسلموا أن اسم النَّبِيِّ أو وصف صحابته أو بعضهم مكتوب في التوراة؟ وإذا كان ما روي عنهم لا نجده الآن في التوراة والإنجيل المعترف بهما لدى اليهود والنصارى في عصرنا هذا، فهل يكون ذلك دليلاً على كذب تلك الأخبار، أم يكون نَاشِئًا مِمَّا أخبر الله عنهم أنهم حَرَّفُوا هذه الكتب وَبَدَّلُوهَا؟ وَأَيًّا كان فـ «أَبُو رَيَّةَ» بين أمرين: إما أن يعترف بِصِحَّتِِهِمَا فَيُكَذِّبَ كل ما جاء من الأخبار مِمَّا لا يجده اليوم فيهما، وإما أن يعترف بتبديلهما فيعترف بما صح من تلك الأخبار ولو لم نجدها فيهما. أما أن يقول: إن ما جاء في تلك الأخبار متفقاً مع ما في التوراة والإنجيل فذلك دليل على أن واضعيها يهوداً أو نصارى، وما جاء في تلك الأخبار مِمَّا لا وجود له فيهما فذلك دليل على كذب تلك الأخبار لأنا لا نجدها فيهما، فهذا هو التناقض، والتحكم بالهوى، والمجازفة لا «التحقيق». (ثَامِناً) - إنه - بعد كل ما انتقده على السلف في تقصيرهم في تمحيص الحديث، وضع لنا قاعدة لتلافي ذلك التقصير أو تلك «الغفلة» وهي عرض الحديث على «العقل الصريح» فما وافقه قَبِلَهُ، وإلا فلا. وحكاية عرض الحديث على «العقل» حكاية قديمة نادى بها المعتزلة وَطَبَّقَهَا فِعْلاً، فرفض كل حديث لا يرتضيه «عقله». ونادى المُسْتَشْرِقُونَ حَدِيثًا، وتابعهم فيها الأستاذ أحمد أمين - رَحِمَهُ اللهُ -. وضرب لذلك أمثلة من الأحاديث الصحيحة وهي في رأيه - «غير مقبولة للعقل». ¬

_ (¬1) [سورة الفتح، الآية: 29].

وناقشناه في هذه الدعوى وفي الأمثلة التي ذكرها وأفردنا لمناقشته فصلاً خَاصًّاً في هذا الكتاب. وينادي بها اليوم الأستاذ «أَبُو رَيَّةَ» ويجعلها هي الأساس فيما ينبغي أَنْ يُقْبَلَ أَوْ يُرَدَّ من الأحاديث، ويقول: «إن علماءنا الأقدمين لو علموا بها لَنَقَّوْا السُنّةَ من كثير مِمَّا علق بها». وهذه الدعوة تبدو مقبولة لدى كثير من «المُثَقَّفِينَ» الذين يهتم بهم كثيراً «أَبُو رَيَّةَ» ولكنها - عند التدقيق - لا تعني شيئاً ولا تنتج شيئاً في علوم الشريعة، بل لا تنتج إلا الفوضى في قبول الأحاديث ورفضها. ما هو العقل الصريح الذي يريده «أَبُو رَيَّةَ»؟ وما حدوده، وما مدى الاتفاق عليه؟ لئن كان يريد من العقل الصريح ما يقبله العقل من بدهيات الأمور، فهذا أمر واقع في تاريخ السُنّةِ، فقد وضع أئمة النقد من علماء الحديث علامات لمعرفة الحديث الموضوع، منها: «أن يكون متنه مخالفاً لبداهة العقول وللمقطوع به من الدين أو التاريخ أو الطب أو غير ذلك» وعلى هذا نفوا آلافاً من الأحاديث وحكموا عليها بالوضع. ولئن كان يريد غير هذا مِمَّا يستغربه «العقل»، فإن «استغراب» العقل شيئاً أمر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مِمَّا لا يضبطه ضابط ولا يحدده مقياس. وكثيراً ما يكون الشيء مستغرباً عند إنسان، طبيعياً عند إنسان آخر ولا يزال الذين سمعوا بالسيارة في بلادنا، واستغربوها قبل أن يروها، لأنها تسير من غير خيول تقودها، في حين كانت عند الغَرْبِيِّينَ أمراً مألوفاً عادياً. والبدوي في الصحراء كان «يستغرب» ما يقولونه عن المذياع «الراديو» في المدن، وَيَعُدُّهُ كذبة من أكاذيب الحَضَرِيِّينَ. فلما سمع الراديو لأول مرة ظن أن «الشيطان» هو الذي يتكلم فيه، كما يظن الطفل أن الذي يتكلم إنسان ثَاوٍ فيه. ومن المقرر في الإسلام أنه ليس فيه «ما يرفضه» العقل ويحكم باستحالته، ولكن فيه - كما في كل دين سماوي - أمور قد «يستغربها» العقل ولا يستطيع أن يتصورها، كأمور النُبُوَّاتِ وَالحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ. وشأن المسلم إذا

سمع خبراً ما، أن يرفض ما يرفضه العقل، ويتأنى فيما «يستغربه» حتى يتيقن من صدقه أو كذبه. وطريق التيقن (أو العلم) في الإسلام أحد أمور ثلاثة: 1 - إما الخبر الصادق الذي يتيقن السامع من صِدْقِ مُخْبِرِهِ، كأخبار الله في كتبه وأخبار الأنبياء. 2 - وإما التجربة والمشاهدة بعد التأكد من سلامة التجربة فيما يقع تحت التجربة والاختبار. 3 - وإما حكم العقل فيما ليس فيه خبر صحيح ولا تجربة مشاهدة. ومن إعجاز القرآن أنه وضع هذه القواعد الثلاثة لتحقق «العلم» أو اليقين، في هذه الآية الكريمة: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (¬1). ومن تمام الإعجاز في هذه الآية أنها جاءت مرتبة هكذا: الخبر الصادق (السمع) ثم التجربة (البصر) ثم المحاكمة العقلية (الفؤاد) على أنها هي (العناصر) الثلاثة التي ينشأ عنها كل علم، ولن تجد في الحياة «علماً» لا ينشأ من عنصر هذه العناصر. والقرآن يعتبر أن ما يقوم على غير هذه العناصر، لا يسمى «علماً» بل هو إما الظن «غلبة احتمال الشيء»، وإما الوهم والخيال. ونصوص الشريعة، ما كان منها من أصول العقيدة فلا بد فيها من العلم وهو «التَيَقُّنُ الجَازِمُ المُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ عَنْ دَلِيلٍ» كالإيمان بالله وصفاته، والنبوات والأنبياء، والملائكة، والجنة والنار. وما كان منها، من فروع الشريعة (الأحكام العملية) فيكفي فيها الظن، لأن اشتراط العلم فيها غير متحقق في كثير منها، وهذا مُسَلَّمٌ به لدى الدارسين للشريعة وعلومها. والأحاديث التي صَحَّحَهَا علماؤنا - رَحِمَهُمْ اللهُ - ليس فيها ما يرفضه العقل أو يحيله لأنها إما أن تتعلق بأمور العقيدة، وهذه يجب أن تتفق مع القرآن، وقد قلنا بأننا نقطع أن ليس في القرآن شيء يحكم العقل بفساده أو بطلانه أو استحالته، ¬

_ (¬1) [سورة الإسراء، الآية: 36].

وإما أن تتعلق بالأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات وآداب وغيرها، وليس في حديث من هذه الأحاديث التي صَحَّحَهَا علماؤنا ما يرفضه العقل أو يحكم باستحالته، وإما أن تكون أخباراً عن الأمم الماضية أو أخباراً عن عالم الغيب مِمَّا لا يقع تحت النظر كشؤون السماوات والحشر والجنة والنار، وهذه ليس فيها ما يحكم العقل ببطلانه، وقد يكون فيها ما لا يدركه العقل فيستغربه. فإذا جاءت عن طريق ثابت يفيد القطع فيجب اعتقادها، وإن جاءت عن طريق يفيد غلبة الظن فليس من شأن المسلم أن يبادر إلى تكذيبها. وبهذا نرى أن فريقاً كبيراً من الناس لا يفرقون بين ما يرفضه العقل، وبين ما يستغربه، فَيُسَاوُونَ بينهما في سرعة الإنكار والتكذيب، مع أن حكم العقل فيما يرفضه، ناشئ من استحالته، وحكم العقل فيما يستغربه، ناشئ من «عَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى تَصَوُّرِهِ» وفرق كبير بين ما يستحيل وبين ما لا يدرك. على أننا نرى من الاستقراء التاريخي، وتتبع التطور العلمي والفكري، أن كثيراً مِمَّا كان غامضا على العقول أصبح مفهوماً واضحاً، بل إن كثيراً مِمَّا كان يعتبر حقيقة من الحقائق أصبح خرافة من الخرافات، وما كان مستحيلاً بالأمس أصبح اليوم واقعاً. ولا تحوجنا الأمثلة لذلك، فنحن نعيش في عصر استطاع فيه الإنسان أن يكتشف القمر بصواريخه. وهو الآن يستعد للنزول فيه (¬1) وفي غيره من الكواكب، ولو أن إنساناً فكر في مثل هذا في القرون الوسطى أو منذ مائة سَنَةٍ لَعُدَّ من المجانين. والذين ينادون بتحكيم العقل في صحة الحديث أو كذبه، لا نراهم يُفَرِّقُونَ بين المُسْتَحِيلِ، وبين «المُسْتَغْرَبِ» فيبادرون إلى تكذيب كل ما يبدو غريباً في عقولهم. وهذا تهور طائش ناتج من اغترارهم بعقولهم من جهة، ومن اغترارهم بسلطان العقل، ومدى صحة حكمه فيما لا يقع تحت سلطانه من جهة أخرى. ونحن نرى أن أكثر ما يستندون إليه في تكذيب ما صَحَّحَهُ الجمهور، إنما هي أحاديث تتعلق، إما بأخبار الأمم الماضية، وإما بالأمور الغيبية. ¬

_ (¬1) وقد تحقق ذلك بعد وفاة المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ -.

وخذ لذلك مثلا مِمَّا ذكره «أَبُو رَيَّةَ»، نموذجاً لبعض ما رواه أبو هريرة ليؤكد دعواه كذب أبي هريرة في الحديث، ونسبته ما أخذه من الإسرائيليات إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أخرج " مسلم " عن أبي هريرة، عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ». هذا ما استغربه، بل مِمَّا ادَّعَى «ضمناً» كذبه، لأنه من رواية أبي هريرة عن الرسول، وقد كان أبو هريرة - في زعمه - ينسب ما سمعه من كعب إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولك أن تسأل أَبَا رَيَّةَ: ما وجه الغرابة في هذا الحديث؟ ألأنه ذكر أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سَنَةٍ؟ أليست الجنة من أمور الغيب؟ هل استطاع أن يعرف ما فيها، إلا مِمَّا عَرَّفَنَا اللهُ وَرَسُولُه ُإِيَّاهُ؟ أليس في عالم الشهادة ما استطاع العلم أن يكشف من عظمته، واتساعه ما لا يكاد يتصوره العقل؟ ألاَ يُحَدِّثُنَا علماء الفلك الآن عن كبر حجم الشمس بالنسبة إلى أرضنا أكثر من مليون مَرَّةٍ، والشمس إحدى ملايين الشموس التي تكبر شمسنا هذه بملايين المرات؟ ألاَ يُحَدِّثُنَا هؤلاء العلماء عن شموس في هذا الفضاء الرحيب، لم يصل إلى الأرض نورها حتى الآن منذ مليون أو أكثر من السنوات الضوئية؟ أَيُصَدِّقُ العقل مثل هذه الأمور العلمية التي يكشف عنها العلماء في هذا العصر، لولا أنها مِمَّا يذيعه أولئك العلماء؟ فيا عجباً كيف يُصَدِّقُ «أَبُو رَيَّةَ» أن يعرف العلماء سَعَةَ هذا الكون العجيب إلى حد لا يصل إليه خيال أكبر عقل إنساني على وجه الأرض؟ ثم هو لا يُصَدِّقُ أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتصل بوحي السماء، المُسْتَمِدُّ عِلْمَهُ مِنْ عِلْمِ اللهِ خالق هذا الكون العجيب - يقول: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ»؟. وما هي هذه السنون المائة بجانب هذه الملايين من السنين الضوئية؟! ليست المشكلة مع «أَبِي رَيَّةَ» وأضرابه مشكلة استعمال العقل أو تركه، ولا هي مشكلة تأليه العقل المخلوق، أو عبوديته للخالق؟ إن هؤلاء «الأحرار»، «العباقرة» في الشريعة يريدون أن «يُؤَلِّهُوا» عقولهم معها، وَيَتَخَلَّوْا عن عقولهم مع غيرها؟

وخذ لذلك مثلاً آخر مِمَّا أنكره على أبي هريرة، وقد رواه " البخاري "، و" مسلم ": «تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ» (¬1). ونحن لا ندري ما وجه الاستنكار لهذا الحديث؟ إن كان وجه الإنكار، هو أن الله يضع «رِجْلَهُ» ففي القرآن جاء إثبات اليد، والوجه، والعين، والمجيء وغير ذلك للهِ تعالى، ومذاهب العلماء معروفة في مثل هذه الألفاظ، فالسلف يقولون بها من غير تأويل مع تنزيه اللهِ عن مشابهته للبشر في شيء ما، والخلف يذهبون إلى تأويل اليد بالقدرة مثلا، تمشياً مع مبدأ تنزيه الله عن مشابهة البشر، وهو المبدأ الذي يُسَلِّمُ به الجميع. فما يقال في القرآن يقال مثله في الحديث. وإن كان الاستنكار لِتَكَلُّمِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فقد جاء في القرآن أن الله قال للسماوات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬2). وإن كان وجه الإنكار، أو «الاستغراب» أن يأتي اللهُ إلى النار، فإن القرآن أثبت المجيء، يوم القيامة بقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (¬3). وفي القرآن الكريم أيضاً: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (¬4). وبالجملة، فإن تحكيم العقل في مسألة الألوهية، وصفاتها من سخافة العقل نفسه، ولا تُؤَدِّي عند هؤلاء المغترين بعقولهم، إلا إلى الإلحاد غالباً، فَخَيْرٌ للعقل أن يُفَكِّرَ فيما يستطيع التفكير فيه، وإذا كان العقل لا يزال عاجزاً عن معرفة سِرِّ ¬

_ (¬1) أخرجه " البخاري ": 8/ 122 بشرح ابن حجر، و" مسلم ": 17/ 180 بشرح النووي. (¬2) [سورة فصلت، الآية: 11]. (¬3) [سورة الفجر، الآية: 22]. (¬4) [سورة ق، الآية: 30].

الحياة في الإنسان نفسه، وعن الإحاطة بجزء كحبة الرمل من صحراء هذا الكون العجيب، فكيف يستطيع أن يعلم حقيقة خالق هذا الكون كله؟ أترى تستطيع النملة التي تدب في سفح جبال هملايا أن تحيط بارتفاع هذه الجبال وسعتها وقطرها؟ رضي الله عن الشاعر أحمد الصافي النجفي، حين يقول فيما سمعته منه: يَعْتَرِضُ العَقْلُ عَلَى خَاِلٍق * ... * ... * مِنْ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ العَقْلُ وللنظر إلى المسألة من ناحية أخرى: لنفرض أن تحكيم العقل في الأحاديث هو الصواب، فنحن نسأل: أي عقل هذا الذي تريدون أن تُحَكِّمُوهُ؟ أعقل الفلاسفة؟ إنهم مختلفون، وما من متأخر منهم إلا وهو ينقض قول من سبقه. أعقل الأدباء؟ إنه ليس من شأنهم، فإن عنايتهم - عَفَا اللهُ عَنْهُمْ - بالنوادر والحكايات. أعقل علماء الطب، أو الهندسة، أو الرياضيات؟ ما لهم ولهذا؟ أعقل المُحَدِّثِينَ؟ إنه لم يعجبكم، بل إنكم تتهمونهم بالغباوة والبساطة. أعقل الفقهاء؟؟ إنهم مذاهب متعددة، وعقليتهم - في رأيكم - كعقلية المُحَدِّثِينَ. أعقل المُلْحِدِينَ؟ إنهم يريدون أَنَّ إيمانكم بوجود الله، جهل منكم وخرافة. أعقل المؤمنين بوجود الله؟ تعالوا نَرَ طوائفهم: إن منهم: من يرى أن الله يحل في إنسان فيصبح إلهاً! ومنهم: من يرى أن روح الله تتقمص في جسد، فيكون إلهاً! ومنهم: من يرى أن الله ومخلوقاته في وحدة كاملة! ومنهم: من يرى أن الله ذو ثلاثة أقانيم في ذات واحدة! ومنهم: من يرى البقر والفأر والقرد يجب أن يتوجه إليها بالعبادة! ستقولون: إننا نريد تحكيم عقل المؤمنين بإله واحد في دين الإسلام. فنحن نسألكم: عقل أي مذهب من مذاهبهم ترتضون؟

أعقل أهل السُنَّة والجماعة؟ هذا لا يُرْضِي الشِيعَةَ، ولا المعتزلة. أم عقل الشِيعَةِ؟ هذا لا يرضي أَهْلَ السُنَّةِ، ولا الخوارج. أم عقل المعتزلة؟ إنه لا يرضى جمهور طوائف المُسْلِمِينَ! فأي عقل ترتضون؟ سيقول أَبُو رَيَّةَ: «إنني أرتضي عقل المعتزلة، لأنهم أصحاب العقول الصريحة» ونحن سنعرض على أَبِي رَيَّةَ مثالاً لما رفضه عقل المعتزلة من حديث: يحكي ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث " أن مِمَّا رَدَّهُ المعتزلة حديث «إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِأَصْوَاعَ مِنْ شَعِيرٍ» فقد قالوا فيه بأنه حديث يُكَذِّبُهُ النظر (¬1) (أي النظر العقلي) ثم شرح ابن قتيبة رأيهم هذا بما تستطيع الرد عليه بأيسر الرد وأقربه إلى العقل والنظر ... فما رأي «أَبِي رَيَّةَ» وأضرابه في إنكار عقل المعتزلة لمثل هذا الحديث؟ على أن ابن قتيبة تتبع كل ما أنكرته عقولهم من الأحاديث، وأجاب عنها بأجوبة حَالَفَهُ التوفيق في أكثرها. وللأحاديث التي نرى أنه لم يوفق في الإجابة عنها أجوبة للعلماء مقبولة معقولة، وإني سأضرب للقارئ مثلاً عن هذا النقاش الذي دار بين عقل ابن قتيبة «المُحَدِّثِ» وبين عقل فلان «المُعْتَزِلِي». قال ابن قتيبة: قالوا (أي المعتزلة): حديث يفسد أوله آخره، رويتم عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إَذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثًلاًثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» قالوا: وهذا الحديث جائز لولا قوله: «فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وما مِنَّا مِنْ أحد إلا وقد درى أن يده باتت حيث بات بدنه وحيث باتت رجله وأذنه وأنفه وسائر أعضائه، وأشد الأمور أن يكون مَسَّ بها فرجه في نومه، ولو أن رجلا مَسَّ فرجه في يقظته، لَمَا نقض ذلك من ¬

_ (¬1) ص 176.

طهارته، فكيف بأن يمسه وهو لا يعلم. والله لا يؤاخذ الناس بما لا يعلمون، فإن النائم قد يهجر (أَيْ يَهْذِي) في نومه فَيُطَلِّقُ وَيَكْفُرُ وَيَفْتَرِي، ثم لا يكون بشيء من ذلك مُؤَاخَذًا في أحكام الدنيا ولا في أحكام الآخرة. فأجاب ابن قتيبة بقوله: «ونحن نقول: إن هذا النظار علم شيئاً وغابت عنه أشياء، أما علم أن كثيراً من أهل الفقه قد ذهبوا إلى أن الوضوء يجب من مس الفرج في المنام وفي اليقظة بهذا الحديث وبالحديث الآخر " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ " وإن كنا نحن لا نذهب إلى ذلك، ونرى أن الوضوء الذي أُمِرَ به من مَسَّ فرجه، غسل اليد، لأن الفروج مخارج الحدث والنجاسات. إلى أن يقول: فإذا كان الوضوء من مَسَّ الفرج هو غسل اليدين تبين أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستيقظ من منامه أن يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء لأنه لا يدري أين باتت يده، يقول: لعله في منامه مَسَّ بها فرجه أو دبره .. وليس يؤمن أن يصيب يده شيء من النجاسات .. وخص النائم بهذا، لأن النائم قد تقع يده على هذه المواضع وهو لا يشعر، فأما اليقظان فإنه إذا لمس شيئاً من هذه المواضع فأصاب يده منه أذى علم به ولم يذهب عليه فيغسلها قبل أن يدخلها في الإناء أو يأكل أو يصافح». اهـ. (¬1). هذا مثل العقل المعتزلي «الصريح» وعقل المُحَدِّثِ «الضعيف». وأزيد على ذلك أن مبادئ الصحة العامة تجعل عقل الطبيب في هذه المسألة يُؤَيِّدُ عقل المُحَدِّثِ، لا عقل المعتزلي. وقصارى القول أن أئمة الحديث وفقهاء المُسْلِمِينَ لم يلغوا عقولهم عند تصحيح الأحاديث، وإنما أوقفوها عند الحد الذي يجب أن تقف عنده بحكم الشرع، وبحكم العقلاء غير «المغرورين» بعقولهم. ¬

_ (¬1) ص 160 - 162 باختصار بسيط. ويلحظ أيضاً أن كلام المعتزلة في هذا الحديث يفيد أنهم فهموا أنه يوجب اعتبار يد النائم نجسة، وهذا سوء فهم منهم، فالأمر النبوي بغسلها ليس لنجاستها، بل للنظافة احتياطا ضد القذارة التي يحتمل أن تلحق النائم بلمسها أو حَكِّهَا بعض أماكن قذرة من بدنه، ولا يحتمل مثل ذلك في بقية أعضاء بدنه كالأذن والأنف والعين مِمَّا ليس أداة للمس والحك كاليد. فليتأمل في هذه (العقول الصريحة) التي لا تميز بين اليد والأنف والعين في هذا الشأن!!.

وأخيراً أذكر رأيي في المؤلف نفسه (أَبِي رَيَّةَ)، والله يعلم أني لا أريد أن أغمطه حقه. أَوَلاً: إنني أحاول أن أصدق المؤلف فيما ادعاه في مقدمة كتابه وفي آخره من أنه عُنِيَ بهذه الأبحاث دفاعاً عن سُنَّةِ الرسول وعن سمعة الدين من تشويه الكَذَّابِينَ وغيرهم. إذ لا يجوز لي أن أتحكم في نيته وغرضه وأن أكذبه فيما ادَّعَى من حسن النية، ولكنه في رأيي كانت له مع هذه النية «رغبات نفسية» فأخذ في البحث على هُدَى هذه الرغبات، ولو تخلى عنها وَتَجَرَّدَ منها، لأداه بحثه المجرد إلى غير ما انتهى إليه. ثَانِياً: إنه ذكر ما عاناه في سبيل بحثه من تتبع للكتب وتنقيب عن الأخبار خلال سنين طويلة، ولا شك أن جهد العالم في البحث والتنقيب يستحق الشكر والأجر، ولكنه بجانب هذا أنكر جهود جميع علماء السُنَّةِ من صحابة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى عصرنا هذا، أنكره من حيث نعى عليهم تقصيرهم في تمحيص الأحاديث، وغفلتهم عن تحكيم «العقل» في النقد، ومن حيث اعتبر جهودهم في معرفة المُدْرَجِ فِي الحَدِيثِ، وَالمُضْطَرِبِ، وَالشَاذِّ، وَالمُعَلَّلِ، وغير ذلك مِمَّا هو من مفاخر اليقظة العلمية في ميادين العلم، لقد اعتبر ذلك كله مَدْعَاةً للشك في الحديث بدل أن يكون مَدْعَاةً للثقة به، وإن في إنكاره لجهود هؤلاء العلماء خلال ثلاثة عشر قرناً أو تزيد - وهي الجهود التي لا مثيل له ولا لِعُشْرِ معشارها لدى أُمَّةٍ من الأمم - مَدْعَاةً للعبرة والعظة، فإذا كان جهد أَبِي رَيَّةَ في بعض سنوات، وهو في بلده يقلب صحائف الكتب، ثم تعبه في «تبويب كتيبه الصغير» إذا كان هذا جهد مِمَّا يستحق أن يَمُنَّ به على العلم وَالمُثَقَّفِينَ وَالمُعْتَنِينَ بالدراسات الدينية. أن يرجو من الله أجره وثوابه، فهل يعد هذا شيئا بجانب جهود أولئك العلماء الذين كان أحدهم يمشي آلاف الأميال على قدميه، ويطوف بأقطار العالم الإسلامي عشرات السنين، ويسهر الليالي على ضوء الشمعة والقنديل؟ هذا مع أنهم لَمْ يَمُنُّوا بجهودهم تلك على المُسْلِمِينَ وإنما كانوا يرجون رضى الله وحده، أفيكون من عرفان جميلهم أن يأتي مثل أَبِي رَيَّةَ فَيَتَّهِمَهُمْ بالتقصير لأنهم كان يجب عليهم أن يُؤَلِّفُوا مثل كتابه منذ ألف سَنَةٍ؟ .. إن كان قَارِئٌ لكتابه يستطيع أن يجيب على هذا السؤال.

ثَالِثاً: إنه أطرى كتابه بقوله: «وهذه الدراسة الجامعة التي قامت على قواعد التحقيق العلمي، هي الأولى في موضوعها. لم ينسج أحد من قبل على منوالها .. » وقوله: «وبخاصة لأن هذا المُصَنَّفَ لم يكن له من قبل مثال نحتذيه، ولا طريق عَبَّدَهُ لنا أحد مِمَّنْ سبقنا فنتبعه ونسير عليه». وقد كان يجب أن يؤلف مثله منذ ألف سَنَةٍ. ونحن نعلم أن من أبرز صفات العالم تواضعه، ومن أبغض صفاته عند الله وعند الناس تفاخره بعلمه وجهوده، ومن قواعد شريعتنا أن تفاخر الإنسان بعمله يحبط أجره، ومن أخلاق علمائنا أن يعترفوا في مقدمة كتبهم باحتمال الخطأ والزلل، وأن يطلبوا مِمَّنْ يَطَّلِعُ على خطأ في كتبهم أن يصلحها ويستغفر لمؤلفها، ولا أريد أن أتحدث عن مغزى إطراء المؤلف لكتابه من الناحية النفسية. فهو - على ما يظهر - عليم بالتحليل النفسي أيضاً،! ولكني أذكر هنا كلمة لابن عطاء الله السكندري - رَحِمَهُ اللهُ -: «لأَنْ تَصْحَبَ جَاهِلاً لاَ يَرْضَىَ عَنْ نَفْسِهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ عَالِمًا يَرْضَىَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَيُّ عِلْمٍ لِعَالِمٍ يَرْضَىَ عَنِ نَفْسِهِ؟ وَأَيُّ جَهْلٍ لِجَاهِلٍ لاَ يَرْضَىَ عَنِ نَفْسِهِ؟». رَابِعاً: إنه كان قاسياً مع من يظن أنهم سَيَتَوَلَّوْنَ الرَدَّ عليه، فقال في حقّهم: «وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته مِمَّنْ تعفَّنت أفكارهم وتحجرت عقولهم» وقال في آخر كتابه بعد أن تفاخر بجهوده في هذا الكتاب: «وأن تضيق به صدور الحشوية وشيوخ الجهل من زوامل الأسفار، الذين يخشون على علمهم المُزَوَّرِ من سطوة الحق، ويخافون على كساد بضاعتهم العفنة التي يستأكلون بها أموال الناس أن يكشفهم نور العلم الصحيح، ويهتك سترهم ضوء الحُجَّةِ البالغة، فهذا لا يهمنا، إذ ليس لمثل هؤلاء خطر عندنا ولا وزن في حسابنا». وسيمر بك في تَعَقُّبِنَا إياه على ما كتبه عن الصحابي الجليل أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أنه وصفه بألفاظ نابية بذيئة يترفع عنها السوقة، ولم يقل في حقه مثلها المُسْتَشْرِقُونَ من اليهود والنصارى!! ولا أدري إن كان من قواعد التحقيق العلمي التي لم ينسج أحد من قبل على منوالها أن يكون مُدَّعِي العلم قليل الأدب بذيء الكلام، شنيع التهجم على

من يتصدى لتاريخهم أو على من قد يتصدون للرد عليه في المستقبل؟ ولكن الذي أدريه أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الحَيَاءُ مِنْ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَالبَذَاءُ مِنْ الجَفَاءِ وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ» ولا أدري إن كان «أَبُو رَيَّةَ» يطعن في هذا الحديث لأنه مِمَّا رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فإليه حَدِيثًا آخر يرويه زيد بن طلحة بن ركانة عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلامِ الحَيَاءُ» وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أما بعد، فهذا تعليق إجمالي على كتاب «أَبِي رَيَّةَ»، وكنت أَوَدُّ لو أتمكن من التعليق التفصيلي على هذا الكتاب، ولكن حالتي الصحية التي اشتدت - خاصة - عند كتابة هذه المقدمة، جعلتني أعدل عن ذلك، اكتفاءًا بما ذكرته من الحقائق الثابتة عند أهل العلم، في تاريخ السُنَّةِ وتدوينها وهي رَدٌّ واضح على ما جاء في كتاب أَبِي رَيَّةَ من الأباطيل، واكتفاء بما صدر من رد بعض العلماء الأفاضل على هذا الكتاب (¬1). والله أسأل أن يهدينا للحق ويثبتنا عليه، وأن يجنبنا الزلل والخطأ، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً. مصطفى حسني السباعي رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق وأستاذ الأحوال الشخصية في كليتي الشريعة والحقوق دمشق: 15 من شعبان 1379 هـ / 12 من شباط 1960 م ¬

_ (¬1) صدر في الرد عليه كتابان أحدهما " ظُلُمُاتُ أَبِي رَيَّةَ أَمَامَ أَضْوَاء عَلَى السُنَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ " لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، وهو كتاب قَيِّمٌ وإنْ كُنْتُ أتمنى أن لو أنه خَلاَ من الألفاظ القاسية، و (الثاني) - " الأَنْوَارُ الكَاشِفَةُ لِمَا فِي كِتَابِ أَضْوَاء عَلَى السُنَّةِ، مِنَ الزَّلَلِ وَالتَضْلِيلِ وَالمُجَازَفَةِ " للعالم المُحَقِّقِ الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المُعَلَّمِي اليماني. وقد اطلعت عليهما منذ شهور تقريباً فجزاهما خيراً.

الباب الأول:

البَابُ الأَوَّلُ: وَفِيهِ فُصُولٌ أَرْبَعَةٌ الفصل الأول: معنى السُنّة وتعريفها. الفصل الثاني: في الوضع في الحديث وفيه مباحث. الفصل الثالث: في جهود العلماء لمقاومة حركة الوضع. الفصل الرابع: في ثمار هذه الجهود.

الفصل الأول: معنى السنة وتعريفها:

الفَصْلُ الأَوَّلُ: مَعْنَى السُنَّةِ وَتَعْرِيفُهَا: السُنَّةُ في اللغة: الطريقة محمودةً كانت أو مذمومةً، ومنه قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» (¬1) ومن حديث: «لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» (¬2). وهي في اصطلاح المُحَدِّثِينَ: ما أُثِرَ عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقِيَّة أو خُلُقِيَّة أو سيرة، سواء كان قبل البعثة أو بعدها (¬3)، وهي بهذا ترادف الحديث عند بعضهم. وفي اصطلاح الأصوليين: ما نقل عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قول أو فعل أو تقرير. فمثال القول: ما تَحَدَّثَ به النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مختلف المناسبات مِمَّا يتعلق بتشريع الأحكام كقوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (¬4). وقوله: «البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (¬5). ومثال الفعل: ما نقله الصحابة من أفعال النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شؤون العبادة وغيرها، كأداء الصلوات، ومناسك الحج، وآداب الصيام، وقضائه بالشاهد واليمين. ¬

_ (¬1) أخرجه " مسلم " عن جرير بن عبد الله البَجَلي. (¬2) أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن أبي سعيد الخدري. (¬3) " قواعد التحديث ": ص 35 - 38 و" توجيه النظر ": ص 2. (¬4) أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن عمر. (¬5) أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن ابن عمر.

ومثال التقرير: ما أَقَرَّهُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضى، أو بإظهار استحسان وتأييد. فمن الأول، إقراره - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لاجتهاد الصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة حين قال لهم: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدَكُمْ العَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» (¬1) فقد فهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فَأَخَّرَهَا إلى ما بعد المغرب، وفهمه بعضهم على أن المقصود حث الصحابة على الإسراع فصلاها في وقتها، وبلغ النَّبِيَّ ما فعل الفريقان فَأَقَرَّهُمَا ولم ينكر عليهما. ومن الثاني: ما روي أن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَكَلَ ضَبًّا قُدِّمَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَنْ يَأْكُلَهُ، فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: أَوَ يَحْرُمُ أَكْلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «لاَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» (¬2). وقد تطلق السُنَّةُ عندهم على ما دَلَّ عليه دليل شرعي، سواء كان ذلك في الكتاب العزيز، أو عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو اجتهد فيه الصحابة، كجمع المصحف وحمل الناس على القراءة بحرف واحد، وتدوين الدواوين، ويقابل ذلك «البدعة» ومنه قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» (¬3). وفي اصطلاح الفقهاء: ما ثبت عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير افتراض ولا وجوب، وتقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة، وقد تطلق عندهم على ما يقابل البدعة، ومنه قولهم: «طَلاَقُ السُنَّةِ كَذَا، وَطَلاَقُ البِدْعَةِ كَذَا» (¬4). وَمَرَدُّ هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلافهم في الأغراض التي يعني بها كل فئة من أهل العلم. ¬

_ (¬1) أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن ابن عمر. (¬2) " البخاري " و" مسلم " عن ابن عباس. (¬3) " الموافقات " للشاطبي: 4/ 6، والحديث أخرجه " أبو داود " و" الترمذي "، عن العرباض بن سارية، وقال: حسن صحيح. (¬4) " إرشاد الفحول " للشوكاني: ص 31.

وجوب طاعة الرسول في حياته:

فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإمام الهادي الذي أخبر اللهُ عنه أنه أُسْوَةٌ لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وَخُلُقٍ وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال، سواء أَثْبَتَ ذلك حُكْمًا شَرْعِيَّا أم لا. وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول اللهِ المُشَرِّعِ الذي يضع القواعد لِلْمُجْتَهِدِينَ من بعده: وَيُبَيِّنُ للناس دستور الحياة، فعنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها. وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي لا تخرج أفعاله عن الدلالة على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوبا أو حرمة أو إباحة أو غير ذلك. ونحن هنا نريد بِالسُنَّةِ ما عناه الأصوليون، لأنها - بتعريفهم - هي التي يبحث عن حُجِيَّتِهَا ومكانتها في التشريع، وإن كنا تعرضنا لإثبات السُنَّةِ تَارِيخِيًّا بالمعنى الأعم الذي عناه المُحَدِّثُونَ. وُجُوبُ طَاعَةِ الرَّسُولِ فِي حَيَاتِهِ: كان الصحابة في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستفيدون أحكام الشرع من القرآن الكريم الذي يتلقونه عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكثيرًا ما كانت تنزل آيات القرآن مجملة غير مُفَصَّلَةٍ، أَوْ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ، كالأمر بالصلاة، جاء مُجْمَلاً لم يُبَيِّنْ في القرآن عدد ركعاتها ولا هيئتها ولا أوقاتها، وكالأمر بالصلاة، جاء مُطْلَقًا لم يُقَيَّدْ بالحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة، ولم تُبَيِّنْ مقاديرها، ولا شروطها، وكذلك كثيرًا من الأحكام التي لا يمكن تنفيذها دُونَ الوقوف على شرح ما يتصل بها من شروط وأركان ومفسدات، فكان لاَ بُدَّ لهم من الرجوع إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعرفة الأحكام معرفة تفصيلية واضحة. وكذلك كانت تقع لهم كثير من الحوادث التي لم ينص عليها القرآن، فَلاَ بُدَّ من بيان حكمها عن طريقه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وهو مُبَلِّغٌ عن ربه، وأدرى الخلق بمقاصد شريعة الله وحدودها ونهجها ومراميها.

وقد أخبر الله في كتابه الكريم عن مهمة الرسول بالنسبة للقرآن أنه مُبَيِّنٌ له وَمُوَضّحٌ لمراميه وآياته، حيث يقول الله تعالى في كتابه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1)، كما بيّن أن مهمته إيضاح الحق حين يختلف فيه الناس: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬2). وأوجب النزول على حكمه في كل خلاف: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬3). وأخبر أنه أوتي القرآن والحكمة ليعلم الناس أحكام دينهم فقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} (¬4). وقد ذهب جمهور العلماء وَالمُحَقِّقِينَ إلى أن الحكمة شيء آخر غير القرآن، وهي ما أطلعه الله عليه من أسرار دينه وأحكام شريعته، ويعبر العلماء عنها بِالسُنَّةِ، قال الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -: «فَذَكَرَ اللهُ الكِتَابَ وَهُوَ القُرْآنُ، وَذَكَرَ الحِكْمَةَ فَسَمِعْتُ مَنْ أُرْضَى مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِالقُرْآنِ يَقُولُ: " الحِكْمَةُ سُنََّةُ رَسُولِ اللهِ "، وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَ وَاللهُ أَعْلَمُ، لأَنََّ القُرْآنَ ذُكِرَ وَأُتْبِعَتْهُ الحِكْمَةَ، وَذَكَرَ اللهُ مَنَّهُ عَلَىَ خَلْقِهِ بِتَعْلِيمِهِمْ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ، فَلَمْ يَجُزْ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُقَالَ الحِكْمَةُ هُنَا إِلاَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ مَعَ الكِتَابِ، وَأَنَّ اللهَ افْتَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ، وَحَتَّمَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِقَوْلٍ، فُرِضَ إِلاَّ لِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ لِمَا وَصَفْنَاهُ مِنْ أَنََّ اللهَ جَعَلَ الإِيمَانَ مَقْرُونًا بِالإِيمَانِ بِهِ» (¬5) ¬

_ (¬1) [سورة النحل، الآية: 44]. (¬2) [سورة النحل، الآية: 64]. (¬3) [سورة النساء، الآية: 65]. (¬4) [سورة آل عمران، الآية: 164]. (¬5) " الرسالة " للشافعي: ص 78.

وواضح مِمَّا ذكره الشافعي هنا - رَحِمَهُ اللهُ - أنه يجزم بأن الحكمة هي السُنَّةُ، لأن الله عطفها على الكتاب، وذلك يقتضي المغايرة، ولا يصح أن تكون شيئاً غير السُنَّةِ، لأنها في معرض المِنَّةِ من الله علينا بتعليمنا إياها، ولا يمن إلا بما هو حق وصواب، فتكون الحكمة واجبة الاتباع كالقرآن، ولم يوجب علينا إلا اتباع القرآن والرسول، فتعين أن تكون الحكمة هي ما صدر عن الرسول من أحكام وأقوال في معرض التشريع. وإذا كان كذلك، كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أوتي القرآن وشيئاً آخر معه يجب اتِّبَاعَهُ فيه. وقد جاء ذلك مصرحاً في قوله تعالى في وصف الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (¬1) وما دام اللفظ عَامًّا فهو شامل لما يحله ويحرمه مِمَّا مصدره القرآن، أو مصدره وحي يوحيه الله إليه، وقد روى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قوله: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». ويدل على ذلك أن الله أوجب على المُسْلِمِينَ اتباع الرسول فيما يأمر وينهى فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2) وقرن طاعة الرسول بطاعته في آيات كثيرة من القرآن فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬3)، وحث على الاستجابة لما يدعو، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (¬4)، واعتبر طاعته طاعة لله واتباعه حُبًّا لله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (¬5). وقال أيضاً: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ¬

_ (¬1) [سورة الأعراف، الآية: 157]. (¬2) [سورة الحشر، الآية: 7]. (¬3) [سورة آل عمران، الآية: 132]. (¬4) [سورة الأنفال، الآية: 24]. (¬5) [سورة النساء، الآية: 80].

فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (¬1). وحذر من مخالفة أمره: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2). بل أشار إلى أن مخالفته كفر: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (¬3). ولم يبح للمؤمنين مطلقا أن يخالفوا حكمه أو أوامره {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} (¬4). واعتبر من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الخلاف: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬5). بل جعل من لوازم الإيمان ألاَّ يذهبوا حين يكونون مع رسول الله دُونَ أن يستأذنوا منه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬6). قال ابن القيم: «فَإِذَا جُعِلَ مِنْ لَوَازِمِ الإِيمَانِ أَنَّهُمْ لاَ يَذْهَبُونَ مَذْهَبًا إذَا كَانُوا مَعَهُ إلاَّ بِاسْتِئْذَانِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ لَوَازِمِهِ أَنْ لاَ ¬

_ (¬1) [سورة آل عمران، الآية: 31]. (¬2) [سورة النور، الآية: 63]. (¬3) [سورة آل عمران، الآية: 32]. (¬4) [سورة الأحزاب، الآية: 36]. (¬5) [سورة النور، الآيات: 47 - 51]. (¬6) [سورة النور، الآية: 62].

يَذْهَبُوا إلَى قَوْلٍ وَلاَ مَذْهَبٍ عِلْمِيٍّ إلاَّ بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِ، وَإِذْنُهُ يُعْرَفُ بِدَلاَلَةِ مَا جَاءَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أُذِنَ فِيهِ» (¬1). من هذا كله كان لاَ بُدَّ للصحابة من الرجوع إلى الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُفَسِّرُ لهم أحكام القرآن وَيُبَيِّنُ لهم مشكلاته، ويحكم بينهم في المنازعات ويحل بينهم الخصومات، وكان الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - يلتزمون حدود أمره ونهيه، وَيَتَّبِعُونَهُ في أعماله وعباداته ومعاملاته - إلا ما علموا منه أنه خاص به - فكانوا يأخذون منه أحكام الصلاة وأركانها وهيئاتها نزولاً عند أمره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬2) ويأخذون عنه مناسك الحج وشعائره امتثالاً لأمره أيضاً «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» (¬3) وقد يغضب إذا علم أن بعض صحابته لَمْ يَتَأَسَّ به فيما يفعله، كما روى مالك في " الموطأ " عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنِ رَجُلا مِنَ الصََّحَابَةِ أَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حُكْمِ تَقْبِيْلِ الصَّائِمِ لِزَوْجَتِهِ، فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ»، فَرَجَعَتْ إِلَىَ زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: " لَسْتُ مِثْلَ رَسُولِ اللهِ، يُحِلُّ اللهُ لِرَسُولِهِ مَا يَشَاءُ "، فَبَلَغَ قَولُهُ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَضِبَ وَقَالَ: «إِنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» (¬4) وكما غضب حين أمر الصحابة بالحلق والإحلال من الإحرام في صلح الحديبية فلم يفعلوا، إذ شق ذلك عليهم حتى بادر بنفسه فتحلل فابتدروا يقتدون به. وقد بلغ من اقتدائهم به أَنْ كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك، دُونَ أن يعلموا لذلك سبباً أو يسألوه عن عِلَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ، فقد أخرج " البخاري " عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قال: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، ¬

_ (¬1) " إعلام الموقعين ": 1/ 58 (¬2) أخرجه " البخاري " عن مالك بن الحويرث. (¬3) أخرجه " مسلم " عن جابر. (¬4) أخرجه " مسلم " عن عمر بن أبي سلمة وأخرجه الشافعي أيضاً في " الرسالة ": ص 404 مرسلا عن عطاء.

فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ نَبَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا»، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. وروى القاضي عياض في كتابه " الشِّفَا " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَىَ القَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَىَ صَلاَتَهُ قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟» قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ، فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا» وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ فِي " الطَّبَقَاتِ "، أَنَّهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فِي مَسْجِدِهِ بِالمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى المَسْجِدِ الحَرَامِ فَاسْتَدَارَ إِلَيْهِ وَدَارَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ (¬1). بل بلغ من امتثالهم أمر النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن فعلوا ذلك حتى في شؤون الدنيا، فقد أخرج " أبو داود " وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " عَنِ ابْنِ مَسْعُودِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ يَخْطُبُ فَسَمِعَهُ يَقُولُ: «اجْلِسُوا» فَجَلَسَ بِبَابِ المَسْجِدِ - أَيْ حَيْثُ سَمِعَ النَّبِِيَّ يَقُولُ ذَلِكَ -، فرآه النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فَقَالَ لَهُ: «تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ». وهكذا كان الصحابة مع الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في حياته، يعتبرون قوله وفعله وتقريره حُكْمًا شَرْعِيًّا لا يختلف في ذلك واحد منهم، ولا يجيز أحدهم لنفسه أن يخالف أمر القرآن، وما كان الصحابة يراجعون رسول الله في أمر إلاَّ إذا كان فِعْلُهُ أَوْ قَوْلُهُ اجْتِهَادًا منه في أمر دنيوي، كما في غزوة بدر حين راجعه الحباب بن المنذر في مكان النزول، أو إذا كان اجْتِهَادًا منه في بحث ديني قبل تقرير اللهِ له أو نهيه عنه، كما راجعه عمر في أسرى بدر وصلح الحديبية، أو إذا كان غريباً عن عقولهم فيناقشونه لمعرفة الحكمة فقط، أو كانوا يظنون فعله خَاصًّاً به فلا يلزمون أنفسهم اتِّبَاعَهُُ، أو إذا أمرهم بأمر فظنوا أنه للإباحة وأن غير المأمور به أولى. أما ما عدا ذلك فكان منهم التسليم المطلق والاتباع التام والالتزام الكامل. ¬

_ (¬1) " الطبقات الكبرى " لابن سعد: 2/ 7.

وجوب طاعته بعد وفاته:

وُجُوبُ طَاعَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ: وكما وجب على الصحابة بأمر الله في القرآن اتِّبَاعَ الرسول وطاعته في حياته، وجب عليهم وعلى من بعدهم من المُسْلِمِينَ اتِّبَاعَ سُنَّتِهِ بعد وفاته، لأن النصوص التي أوجبت طاعته عامة لم تقيد ذلك بزمن حياته، ولا بصحابته دُونَ غيرهم، ولأن العلة جامعة بينهم وبين من بعدهم، وهي أنهم أَتْبَاعٌ لرسول أمر اللهُ بِاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ، ولأن العلة أيضاً جامعة بين حياته ووفاته، إذ كان قوله وَحُكْمُهُ وفعله ناشئاً عن مُشَرِّعٍ معصوم أمر الله بامتثال أمره، فلا يختلف الحال بين أن يكون حَيًّا أو بعد وفاته، وقد أرشد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى وجوب اتباع سُنَّتِهِ حيث يغيب المسلم عنه حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن. فقال له: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ؟» قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِيِ وَلاَ آلُو، فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَىَ صَدْرِهِ، وَقَالَ: «الحَمْدُ للهِ الذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ» وأخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والدارمي، والبيهقي في " المدخل "، وابن سعد في " الطبقات "، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله "». كما حَثَّ على وجوب العمل بِسُنَّتِهِ بعد وفاته في أحاديث كثيرة جِدًّا بلغت حد التواتر المعنوي، منها ما رواه الحاكم وابن عبد البر عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي» (¬1) وأخرجه أيضاً البيهقي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى» قالوا ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 2/ 24.

كيف كان الصحابة يتلقون سنة الرسول؟:

يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» وأخرج أبو عبد الله الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في خطبة الوداع: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ، وَلَكِنْ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تَحْقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَاحْذَرُوا، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ». وأخرج ابن عبد البر عن عرباض بن سارية قال: صلَّى بنا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقيل: يا رسول الله كأنها موعظة مُوَدِّع فأوصنا، قال: «عَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» (¬1). من أجل هذا عني الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - بتبليغ السُنَّةِ لأنها أمانة الرسول عندهم إلى الأجيال المتلاحقة من بعدهم، وقد رغب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تبليغ العلم عنه إلى من بعده بقوله: «رَحِمَ اللَّهُ امْرُءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» (¬2). كَيْفَ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَلَقَّوْنَ سُنَّةَ الرَّسُولِ؟: كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعيش بين أصحابه دُونَ أن يكون بينه وبينهم حجاب، فقد كان يخالطهم في المسجد والسوق والبيت والسفر والحضر، وكانت أفعاله وأقواله محل عناية منهم وتقدير، حيث كان - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محور حياتهم الدينية والدنيوية، منذ أن هداهم الله به وأنقذهم من الضلالة والظلام إلى الهداية والنور، ولقد بلغ من حرصهم على تتبعهم لأقواله وأعماله أن كان ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 2/ 182 وأخرجه الترمذي أيضاً وأبو داود والإمام أحمد وابن ماجه، وقال الحافظ أبو نعيم: «هو حديث جيد، من صحيح حديث الشاميين». (¬2) " جامع بيان العلم ": 1/ 39 وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " وأبو داود والترمذي وحسَّنه، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي بتقديم وتأخير وزيادة عند بعضهم دُونَ بعض.

بعضهم يتناوبون ملازمة مجلسه يَوْماً بعد يوم، فهذا عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يُحَدِّثُنَا عنه " البخاري " بسنده المتصل إليه، يقول: «كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ (¬1) فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ - وَهِيَ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ - وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» وليس هذا إلا دليلاً على نظر الصحابة إلى رسول اللهِ نظرة اتِّبَاعٍ واسترشاد برأيه وعمله، لما ثبت عندهم من وجوب اتباعه والنزول عند أمره ونهيه، ولهذا كانت القبائل النائية عن المدينة ترسل إليه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعض أفرادها ليتعلموا أحكام الإسلام من رسول الله ثم يرجعون إليهم معلمين ومرشدين. بل كان الصحابي يقطع المسافات الواسعة ليسأل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن حكم شرعي، ثم يرجع لا يلوي على شيء، أخرج البخاري في " صحيحه " عن عقبة بن الحارث أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجه فركب من فوره - وكان بمكة - قاصداً المدينة حتى بلغ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما، فقال له النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟» ففارق زوجته لوقته فَتَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ. وكان من عادتهم أن يسألوا زوجات النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يتعلق بشؤون الرجل مع زوجته لعلمهن بأحوال رسول الله العائلية الخاصة، كما قَدَّمْنَا من قصة الصحابي الذي أرسل امرأته تسأل عن تقبيل الصائم لزوجته فأخبرتها أم سلمة «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ» (¬2). كما كانت النساء تذهب إلى زوجات النَّبِيِّ فأحياناً يسألن رسول الله ما يشأن السؤال عنه من أُمُورِهِنَّ، فإذا كان هنالك ما يمنع النَّبِيَّ من التصريح للمرأة بِالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَمَرَ إحدى زوجاته أن تفهمها إياه، كما جاء أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ تَتَطَهَّرُ مِنَ الحَيْضِ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي بِهَا» فَقَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا؟ " فَأَعَادَ كَلاَمَهُ ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (¬1) [هو أَوْس بن خولى بن عبد الله بن الْحَارِث الْأنْصَارِي، انظر: " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " للعيني، 20/ 181، الطبعة بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان. و" تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي " للمباركفوري (ت 1353 هـ): 9/ 159، نشر دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان]. (¬2) [انظر ص 53 من هذا الكتاب].

لماذا لم تدون السنة في عهد الرسول؟ وهل كتب عنها شيء في حياته؟

السَّابِقَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَفْهَمْ، فَأَشَارَ إِلَى عَائِشَةَ أَنْ تُفْهِمَهَا مَا يُرِيدُ، فَأَفْهَمَتْهَا المُرَادَ، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ قِطْعَةَ قُطْنٍ نَظِيفَةٍ فَتَمْسَحَ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ» (¬1). غير أن الصحابة لم يكونوا جميعاً على مبلغ واحد من العلم بأحوال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأقواله، فقد كان منهم الحضري والبدوي، ومنهم التاجر والصانع، والمنقطع للعبادة الذي لا يجد عملاً، ومنهم المقيم في المدينة، ومنهم المكثر من الغياب عنها، ولم يكن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلس للتعليم مجلساً عَامًّا يجتمع إليه فيه الصحابة كلهم إلا أحياناً نادرة، وإلاَّ أيام الجمعة والعيدين وفي الوقت بعد الوقت. أخرج " البخاري " عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا»، ومن هنا يقول مَسْرُوقٌ: «جَالَسْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَجَدْتُهُمْ كَالإِخَاذِ (الغَدِيرُ)، فَالإِخَاذُ يَرْوِي الرَّجُلَ، وَالإِخَاذُ يَرْوِي الرَّجُلَيْنِ، وَالإِخَاذُ يَرْوِي الْعَشَرَةَ، وَالإِخَاذُ يَرْوِي المِائَةَ، وَالإِخَاذُ لَوْ نَزَلَ بِهِ أَهْلُ الأَرْضِ لأَصْدَرَهُمْ»، وطبيعي أن يكون أكثر الصحابة علماً بِسُنَّةِ الرسول الذين كانوا أسبقهم إسلاماً كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن مسعود، أو أكثرهم ملازمة له وكتابة عنه كأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم. لِمَاذَا لَمْ تُدَوَّنْ السُنّةُ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ؟ وَهَلْ كُتِبَ عَنْهَا شَيْءٌ فِي حَيَاتِهِ؟ لا يختلف اثنان من كُتَّابِ السيرة وعلماء السُنَّةِ وجماهير المُسْلِمِينَ في أن القرآن الكريم قد لقي من عناية الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة ما جعله محفوظًا في الصدور ومكتوباً في الرقاع والسعف والحجارة وغيرها، حتى إذا توفي رسول الله كان القرآن محفوظاً مرتباً لا ينقصه إلا جمعه في مصحف واحد. أما السُنَّةُ فلم يكن شأنها كذلك، رغم أنها مصدر هام من مصادر التشريع ¬

_ (¬1) أخرجه " البخاري "، و" مسلم "، و" النسائي " عن عائشة، وقال المطرّزي في " المغرب ": 2/ 20 في تفسير «فَتَوَضَّئِي بِهَا» أَيْ: امْسَحِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ.

في عهد الرسول، ولا يختلف أحد في أنها لم تُدَوَّنْ تَدْوِينًا رَسْمِيًّا كما دُوِّنَ القرآن، ولعل مرجع ذلك إلى أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاش بين الصحابة ثلاثاً وعشرين سَنَةً، فكان تدوين كلماته وأعماله ومعاملاته تدويناً محفوظاً في الصحف والرقاع من العُسْرِ بمكان، لما يحتاج إلى تفرغ أناس كثيرين من الصحابة لهذا العمل الشاق، ومن المعلوم أن الكاتبين كانوا من القلة في حياة الرسول بحيث يعدون بالأصابع، وما دام القرآن هو المصدر الأساسي الأول للتشريع، والمعجزة الخالدة لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فليتوفر هؤلاء الكُتَّابِ على كتابته دُونَ غيره مِنَ السُنَّةِ، حتى يُؤَدُّوهُ لمن بعدهم مُحُرَّرًا مضبوطاً تاماً لم ينقص منه حرف واحد. وشيء آخر أن العرب لأميتهم كانوا يعتمدون على ذاكرتهم وحدها فيما يَوَدُّونَ حفظه واستظهاره، فالتوفر على حفظ القرآن مع نزوله مُنَجَّمًا على آيات وسور صغيرة، ميسور لهم وداعية إلى استذكاره والاحتفاظ به في صدورهم، فلو دُوِّنَتْ السُنَّةُ كما دُوِّنَ القرآن وهي واسعة كثيرة النواحي شاملة لأعمال الرسول التشريعية وأقواله منذ بدء رسالته إلى أن لحق بربه، للزم إنكبابهم على حفظ السُنَّةِ مع حفظ القرآن، وفيه من الحرج ما فيه، عدا خوف اختلاط بعض أقوال النَّبِيِّ الموجزة الحكيمة بالقرآن سَهْوًا من غير عمد، وذلك خطر على كتاب اللهِ يفتح باب الشك فيه لأعداء الإسلام، مِمَّا يتخذونه ثغرة ينفذون منها إلى المُسْلِمِينَ لحملهم على التَحَلُّلِ من أحكامه والتفلت من سلطانه، كل ذلك وغيره - مِمَّا توسع العلماء في بيانه - من أسرار عدم تدوين السُنَّةِ في عهد الرسول، وبهذا نفهم سِرَّ النهي عن كتابتها الوارد في " صحيح مسلم " عن أبي سعيد الخُدري عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ». وهذا لا يمنع أن يكون قد كتب في عصر الرسول شيء مِنَ السُنَّةِ لا على سبيل التدوين الرسمي كما كان يُدَوِّنُ القرآن، وهناك آثار صحيحة تدل على أنه وقع كتابة شيء مِنَ السُنَّةِ في العصر النبوي. فقد أخرج البخاري في " صحيحه " في كتاب العلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ - عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ - بِقَتِيلٍ

مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ القَتْلَ، أَوْ الفِيلَ» - شَكٌّ مِنَ البُخَارِيِّ - وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ القَتِيلِ» (¬1) فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ: " اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ "، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ» (¬2). كما ثبت أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى مُلُوكِ عَصْرِهِ وَأُمَرَاءِ جَزِيرَةِ العَرَبِ كُتُبًا يَدْعُوهُمْ فِيهَا إِلَى الإِسْلاَمِ (¬3) وكان ينفذ مع بعض أمراء سراياه كُتُباً ويأمرهم أن لا يقرؤها إلا بعد أن يجاوزوا موضعاً معيناً. كما ثَبَتَ أن بعض الصحابة كانت لهم صُحُفٌ يُدَوِّنُونَ فيها بعض ما سمعوه من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص التي كان يسميها بـ " الصادقة "، فقد أخرج أحمد والبيهقي في " المدخل " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قال: «مَا كَانَ أَحَد أَعْلَم بِحَدِيثِ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنِّي إِلاَّ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو، فَقَدْ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ» وكتابة عبد الله بن عمرو استرعت أنظار بعض الصحابة الذين قالوا: إنك تكتب عن رسول الله كُلَّ مَا يَقُولُ، وَرَسُولُ اللهِ قَدْ يَغْضَبُ فَيَقُولُ مَا لاَ يُتَّخَذُ شَرْعًا عَامًّا، فرجع ابن عمرو إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له: «اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلاَّ [حَقٌّ]» (¬4). وثبت أنه كان عند علي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - صحيفة فيها أحكام الدية على العاقلة ¬

_ (¬1) أي يقاد لهم من القاتل كما في " فتح الباري ": 12/ 175 (¬2) أخرجه البخاري، والدارمي، والترمذي، والإمام أحمد. (¬3) انظر " طبقات ابن سعد ": 2/ 22 - 56 (¬4) أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله ": 1/ 76 عن ابن عمرو.

وغيرها (¬1)، كما ثبت " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِبَعْضِ عُمَّالِهِ كُتُبًا حُدِّدَتْ فِيهَا مَقَادِيرُ الزَّكَاةِ فِي الإِبِلِ وَالغَنَمِ " (¬2). وقد اختلف العلماء في التوفيق بين أحاديث النهي عن الكتابة وبين هذه الآثار التي تدل على الإذن بها، فالأكثرون على أن النهي منسوخ بالإذن، ومن قائل بأن النهي خاص بمن لا يُؤمَنُ عليه الغلط والخلط بين القرآن وَالسُنَّةِ، أما الإذن فهو خاص بمن أُمِنَ عليه ذلك، وأعتقد أنه ليس هنالك تعارض حقيقي بين أحاديث النهي وأحاديث الإذن، إذا فهمنا النهي على أنه نهي عن التدوين الرسمي كما كان يُدَوِّنُ القرآن، وأما الإذن فهو سماح بتدوين نصوص مِنَ السُنَّةِ لظروف وملابسات خاصة أو سماح لبعض الصحابة الذين كانوا يكتبون السُنَّةَ لأنفسهم (¬3) والتأمل في نص حديث النهي قد يؤيد هذا الفهم، إذ جاء عَامًّا مخاطبًا فيه الصحابة جميعا. لا يقال: إن ذلك يقتضي أن يكون الحكم باقيا على الحرمة ما دام السماح لظروف خاصة ولأشخاص معينين، لأننا نقول: إن سماح الرسول لعبد الله بن عمرو بكتابة صحيفته واستمراره في الكتابة حتى وفاة الرسول، دليل على أن الكتابة مسموح بها في نظر الرسول إذا لم يكن تدويناً عَامًّا كالقرآن، ويؤكد الإذن بالكتابة، ما جاء في " البخاري " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعُهُ قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» وَلَكِنَّ عُمَرَ حَالَ دُونَ ذَلِكَ بِحُجَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ غَلَبَهُ الوَجَعُ، وهذا مِمَّا يؤيد الرأي القائل بأن آخر الأمرين كان هو الإذن، لا كما ذهب إليه المرحوم رشيد رضا من أن الإذن وقع أَوَلاً ثم نُسِخ بالنهي (¬4). ¬

_ (¬1) المصدر السابق والرقم السابق. (¬2) المصدر والرقم السابقان. (¬3) ويؤكده ما أخرجه الخطيب في " تقييد العلم ": ص 47 عن الضحاك من قوله: «لاَ تَتَّخِذُوا لِلْحَدِيثِ كَرَارِيسَ كَكَرَارِيسِ المَصَاحِفِ». (¬4) " مجلة المنار "، مجلد 10، ج 10.

موقف الصحابة من الحديث بعد وفاة الرسول:

مَوْقِفُ الصَّحَابَةِ مِنَ الحَدِيثِ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ: قدمنا لك (¬1) ما رواه أبو داود والترمذي عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية زَيْدٍ بْنَ ثَابِتٍ «نَضَّرَ اللَّهُ امْرُءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ». وفي حديث آخر «أَلاَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الغَائِبَ» (¬2)، وهكذا أوصى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صحابته بتبليغ السُنَّةِ إلى من وراءهم مع التثبت فيما يَرْوُونَ «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ» (¬3) فلم يكن بُدٌّ من أن يصدع الصحابة بالأمر ويبلغوا أمانة الرسول إلى المُسْلِمِينَ، وخصوصاً وقد تفرقوا في الأمصار وأصبحوا محل عناية التَّابِعِينَ والرحلة إليهم، فكان التابعون يتتبعون أخبارهم ومواطنهم فيرحل إليهم من يرحل على بُعْد الشقة وعناء الأسفار. هذا كله كان عاملاً في انتشار الحديث وانتقاله إلى جمهور المُسْلِمِينَ. بَيْدَ أَنَّ الصحابة كانوا متفاوتين في التحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قِلَّةً وكثرة، فمن المُقِلِّين: الزبير، وزيد بن أرقم، وعمران بن حصين. رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لأَبِيهِ: إِنِّي لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬4). وَيَرْوِي ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَانَ يُقَالُ لَهُ: حَدِّثْنَا، فَيَقُولُ: «كَبِرْنَا وَنَسِيَنَا، وَالحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ شَدِيدٌ». وَيَقُولُ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدٍ: «صَحِبْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ (¬5) مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) ص 56 (¬2) أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " عن أبي بكرة 1/ 41 (¬3) أخرجه " مسلم " عن أبي هريرة. (¬4) أخرجه البخاري في " صحيحه "، في كتاب العلم. (¬5) هو أبو سعيد الخدري.

وَسَلَّمَ - حَدِيثًا وَاحِداً»، وكان أنس بن مالك يُتْبِعُ الحديث عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «أَوْ كَمَا قَالَ» حَذَرًا مِنَ الوُقُوعِ فِي الكَذِبِ عَلَيْهِ. فما صنعه الزبير وزيد بن أرقم وأمثالهما من المُقِلِّينَ، إنما كان خَوْفًا من الوقوع في خطأ لم يقصدوه، ويظهر أن ذاكرتهم لم تكن من شأنها أن تسعفهم بإيراد الحديث على لفظه أو وجهه الذي سمعوه من النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان من الاحتياط في دين الله عندهم أن لا يكونوا من المُكْثِرِينَ. ولقد أضيف إلى هذا رغبة عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ألاَّ يكثروا من التحديث عن الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كي لا ينشغل الناس بالحديث عن القرآن، والقرآن غَضٌّ طَرِيٌّ. فما أحوج المُسْلِمِينَ إلى حفظه وتناقله، والتثبت فيه، والوقوف على دراسته!! رَوَىَ الشَّعْبِيُّ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «خَرَجْنَا نُرِيدُ العِرَاقَ فَمَشَى مَعَنَا عُمَرُ إِلَى «صِرَارٍ» فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرُونَ لِمَ مَشَيْتُ مَعَكُمْ؟ " قَالُوْا: " نَعَمْ نَحْنُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشَيْتَ مَعَنَا "، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ تَأْتُونَ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَهُمْ دَوِيٌّ بِالقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فَلاَ تَصُدُّوهُمْ بِالحَدِيثِ فَتَشْغَلُوهُمْ، جَوِّدُوا القُرْآنَ وَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْضُوا وَأَنَا شَرِيكُكُمْ "، فَلَمَّا قَدِمَ قَرَظَةُ قَالُوا: " حَدِّثْنَا "، قَالَ: " نَهَانَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ "» (¬1). ومن الصحابة من كان يكثر الحديث عن الرسول ويستكثر منه أيضاً، فأبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان من أوعية الحديث التي فاضت على المُسْلِمِينَ فملأت بأخبار رسول اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحاديثه صدورهم ومجالسهم، وعبد الله بن عباس كان يطلب الحديث عند كبار الصحابة ويتحمل في سبيل ذلك عناء مشقة، أخرج ابن عبد البر عن ابن شهاب أن ابن عباس قال: «كَانَ [يَبْلُغُنِي] الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ حَتَّى [يَجِيئَ] فَيُحَدِّثَنِي فَعَلْتُ وَلَكِنِّي كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَأَقِيلُ عَلَى بَابِهِ حَتَّى ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 2/ 120.

هل حبس عمر أحدا من الصحابة لإكثاره الحديث؟:

يَخْرُجَ إِلَيَّ فَيُحَدِّثَنِي» (¬1). وهكذا لقي في سبيل الحديث من العناء ما لقي إلى أن استوعب ما عند من لقيهم من الصحابة من حديث، فأخذ يبثه غير متزمت ولا مُقلٍ، ويظهر أنه أَقَلَّ من التحديث بعد ذلك حين بدأ الوضع في الحديث، فقد أخرج مسلم في " مقدمة صحيحه " أن بُشَيْرَ بْنَ كَعْبٍ جَاءَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا»، فَعَادَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: «مَا أَدْرِي أَعَرَفْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ، وَأَنْكَرْتَ هَذَا؟ أَمْ أَنْكَرْتَ حَدِيثِي كُلَّهُ، وَعَرَفْتَ هَذَا؟» فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّا كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، تَرَكْنَا الحَدِيثَ عَنْهُ». ومهما يكن من إكثار بعض الصحابة التحديث عن رسول الله، فقد كان ذلك قليلا في عصر الشيخين أبي بكر وعمر، إذ كانت خِطَّتُهُمَا حَمْلَ المُسْلِمِينَ على التثبت في الحديث من جهة، وَحَمْلَ المُسْلِمِينَ على العناية بالقرآن أَوَّلاًً من جهة أخرى. قِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَكُنْتَ تُحَدِّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ أُحَدِّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ مِثْلَ مَا أُحَدِّثُكُمْ لَضَرَبَنِي بِالدِّرَّةِ» (¬2). وهنا لا بد من التعرض لبحثين يتعلقان بموقف عمر من الحديث وموقف غيره كذلك. الأول: هل حبس عمر أحداً من الصحابة لإكثاره من الحديث؟ الثاني: هل كان الصحابة يشترطون شروطاً لقبول خبر الصحابي؟ هَلْ حَبَسَ عُمَرُ أَحَداً مِنَ الصَّحَابَةِ لإِكْثَارِهِ الحَدِيثَ؟: المشهور المتردد على بعض الأَلْسِنَةِ أن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حبس ثلاثة من كبار الصحابة لإكثارهم الحديث، وَهُمْ ابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو ذر، وقد حَاوَلْتُ أن أعثر على هذه الرواية في كتاب معتبر فلم أجدها، ودلائل الوضع عليها ظاهرة، فابن مسعود كان من كبار الصحابة وأقدمهم إسلاماً، وله مقام كبير في ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 1/ 94. (¬2) المصدر السابق: 2/ 120.

نفس عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، حتى إنه حين أرسله إلى العراق امْتَنَّ عليهم بإرساله إذ قال لهم: «وَلَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِعَبْدِ اللهِ عَلَى نَفْسِي» وكان مقامه خلال خلافة عمر في العراق، وإنما أرسله إليها أهلها الدين والأحكام، ومن الأحكام ما يؤخذ من القرآن، وأكثرها أخذ مِنَ السُنَّةِ، فكيف يحبسه عمر لتحديثه وهو إنما أرسله لهذا الغرض؟ أما أبو ذر وأبو الدرداء فلا يعلم عنهما كثير حديث. نعم كان أبو الدرداء معلم المُسْلِمِينَ بالشام، كما كان ابن مسعود في العراق، والغرابة في حبس عمر لابن مسعود تأتي أيضاً في أبي الدرداء، فكيف يحبسه وهو معلمهم ومُفَقِّهُهُم في دينهم؟ وهل كان عمر يريد منه ومن ابن مسعود أن يكتُما بعض الحديث فيكتُما بعض أحكام الدين عن المُسْلِمِينَ؟. وأما أبو ذر فمهما نقل عنه من حديث فهو لم يبلغ جزءاً مِمَّا بلَّغه أبو هريرة، فلماذا يحبسه ولا يحبس أبا هريرة؟ ولئن قيل: إن أبا هريرة لم يكن يكثر الحديث في عهد عمر خوفاً منه، قلنا: لماذا لم يَخَفْهُ أبو ذر كما خَافَهُ أبو هريرة؟ والحاصل أن الذين عرفوا بكثرة الحديث من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وعائشة وجابر بن عبد الله. وابن مسعود معهم، لم يرْو عن أنه تعرض لهم بشيء بل روي أنه قال لأبي هريرة حين بدأ يكثر من الحديث: «أَكُنْتَ مَعَنَا حِينَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَانِ كَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَّا إِذَا ذَكَرْتَ ذَلِكَ فَاذْهَبْ فَحَدِّثْ». فكيف يعقل أن يترك أبا هريرة وهو أكثر الصحابة حَدِيثًا على الإطلاق، ثم يحبس مثل ابن مسعود وهو أقل من أبي هريرة حَدِيثًا، أو مثل أبي الدرداء وأبي ذر، وهما لم يُعْرَفَا بين الصحابة بكثرة الحديث مطلقاً. لقد لبثت كثيراً أشك في هذه الرواية وأقلِّبُها على جميع وجوه النظر، حتى قرأت في كتاب " الإحكام " لابن حزم ما يلي: «وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ حَبَسَ ابْنَ مَسْعُودٍ مِنْ أَجْلِ الحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا الدَّرْدَاءَ وَأَبَا ذَرٍّ».

هل كان الصحابة يشترطون لقبول الحديث شيئا؟:

وطعن ابن حزم في هذه الرواية بالانقطاع، «لأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَاوِيهِ عَنْ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَدْ وَافَقَهُ البَيْهَقِيُّ عَلَىَ هَذَا، وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَثْبَتُوا سَمَاعَهُ مِنَ عُمَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ 99 أَوْ 95 وَعُمْرُهُ (75 سَنَةً) فَيَكُونُ قَدْ وُلِدَ سَنَةَ 20 مِنَ الهِجْرَةِ فِي أَوَاخِرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ. فَلاَ يُتَصَوَّرُ سَمَاعُهُ مِنْهُ فِيْ مِثْلِ تِلْكَ السِنِّ، وَعَلَىَ ذَلِكَ فَلاَ تَكُونُ الرِّوَايَةُ حُجَّةً وَلاَ يُؤْخَذُ بِهَا .. » ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: «إِنَّ الخَبَرَ فِي نَفْسِهِ ظَاهِرُ الكَذِبِ وَالتَّوْلِيدِ، لأَنَّهُ يَخْلُو عَنْ أَنْ يَكُونَ اتَّهَمَ الصَّحَابَةَ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ، أَوْ يَكُونَ نَهَى عَنْ نَفْسِ الحَدِيثِ وَعَنْ تَبْلِيغِ السُنَّةِ، وَأَلْزَمَهُمْ كِتْمَانَهَا وَجَحَدَهَا، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنِ الإِسْلامِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللهُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ أَصْلاً، وَلَئِنْ كَانَ حَبَسَهُمْ وَهُمْ غَيْرُ مُتَّهَمِينَ، قَدْ ظَلَمَهُمُ فَلْيَخْتَرْ المُحْتَجُّ لِمَذْهَبِهِ الفَاسِدِ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ المَلْعُونَةِ أَيُّ الطَّرِيقَيْنِ الخَبِيثَيْنِ شَاءَ». اهـ. (¬1). هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ يَشْتَرِطُونَ لِقَبُولِ الحَدِيثِ شَيْئًا؟: 1 - قال الحافظ الذهبي في " تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ " في ترجمة أبي بكر الصديق: «كَانَ أَوَّلُ مَنْ احْتَاطَ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ». ثم روى الذهبي من طريق ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث. قال: «مَا أَجِدُ لَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ الْلَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَكِ شَيْئًا»، ثُمَّ سَأَلَ النَّاسَ فَقَامَ المُغيرَةُ فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهَا السُّدُسَ». فَقَالَ لَهُ: «هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟» فَشَهِدَ مُحَمَّدٌ بْن مَسْلَمَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -». 2 - وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الجَرِيرِي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا مُوسَى سَلَّمَ عَلَى عُمَرَ مِنْ وَرَاءِ البَابِ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَأرْسَلَ عُمَرُ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: " لِمَ رَجَعْتَ؟ " قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُجَبْ فَلْيَرْجِعْ». قَالَ: " لتَأْتِينِيِ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَو لأَفْعَلَنَّ بِك ¬

_ (¬1) " الإحكام ": 2/ 193.

فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى مَمْتَقِعًا لَوْنُهُ وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقُلْنَا: " مَا شَأْنُكَ؟ " فَأخْبرََنَا وَقَالَ: " فَهَلْ سَمِع أَحَدٌ مِنْكُمْ؟ " فَقُلْنَا: " نَعَمْ كُلَّنَا سَمِعَهُ " فَأَرْسَلُوا مَعَهُ رَجُلاً مِنْهُم حَتَّى أَتَى عُمَرَ فَأخْبرهُ» (¬1). 3 - وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الْزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاَصِ المَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ (¬2) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «إِنْ كُنْتَ صَادِقًَا فَائْتِ وَاحِدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ». قَالَ: «فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَىَ بِهِ». 4 - وَرَوَى أَيْضًا بِسَنَدِهِ إِلَى أَسْمَاءَ بْنِ الحَكَمِ الْفَزَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: كنت إذا سمعت من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا، نفعني الله بما شاء أن ينفعني [مِنْهُ]. وَكَانَ إِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٌ، - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٌ - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ لَهُ» (¬3). فهم بعض الباحثين من هذه الآثار أن خِطَّةَ أبي بكر وعمر في الحديث ألاَّ يقبلا حَدِيثًا إلا ما رواه اثنان فأكثر، وأن خِطَّةَ عَلِيٍّ على تحليف الراوي، وانتقل هذا الفهم إلى كثير مِمَّنْ كتب في تاريخ التشريع الإسلامي وتاريخ السُنَّةِ في العصر الحديث، فأصبح عندهم قَضِيَّةً مُسَلَّمَةً لا يذكرون غيرها، وَمِمَّنْ ذهب إلى هذا أَسَاتِذَتُنَا الأَجِلاَّءُ مُؤَلِّفُو " مذكرة تاريخ التشريع الإسلامي " في كلية الشريعة بالأزهر، فقد ذكروا في " باب شروط الأئمة للعمل بالحديث " أن هذا كان شرط أبي بكر، وعمر، وَعَلِيٍّ، للعمل بالحديث. والواقع أن بناء هذه القاعدة أو النظرية على تلك الآثار خطأ علمي تَرُدُّهُ الآثار الأخرى التي تشهد بأن عمر أخذ بأحاديث لم يروها له إلا رَاوٍ واحد، وأن عَلِيًّا ¬

_ (¬1) والحديث في " الصحيحين " عن أبي سعيد الخدري. (¬2) الغُرَّة: هي دية الجنين: عبد أو أمة. (¬3) " تذكرة الحفاظ ": 1/ 2 و6 و7 و10 وهذه الآثار ذكرها أيضاً الحاكم في " المدخل إلى أصول الحديث " ص 34.

قَبِلَ حديث بعض الصحابة دُونَ أن يستحلفه، وأن أبا بكر رُوِيَ عنه مثل ذلك. وإليكم هذه الآثار: 1 - أخرج " البخاري " و" مسلم " مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ - أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا جَاءَ بِـ «سَرْغَ» بَلَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ - فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ [رَسُولَ اللَّهِ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ [فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ] وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» فَرَجَعَ عُمَرُ مِنْ «سَرْغَ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَأَخْبَرَنَا سَالِمٌ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ بِالنَّاسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ». 2 - وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: «الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ»، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (¬1). 3 - وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: " أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَءًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجَنِينِ شَيْئًا "، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ: «كُنْتُ بَيْنَ جَارَتَيْنِ لِي، يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِمِسْطَحٍ (¬2) فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ» (وهي العبد أو الأَمَةُ)، فَقَالَ عُمَرُ: " لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ [هَذَا] " (¬3). 4 - وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: «مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: [أَشْهَدُ] لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» (¬4). ¬

_ (¬1) " الرسالة " للشافعي: ص 426 من الطبعة الحديثة وأخرجه أحمد، وأبو داود والترمذي. وقال: «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، وابن ماجه ومالك. (¬2) آلة يسطح بها الخبز أي: يبسط. (¬3) " الرسالة " للشافعي: ص 427. [قارن بما ورد في صفحة 179 من هذا الكتاب]. (¬4) " الرسالة " للشافعي: ص 430.

5 - وَأَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ ثَقِيفٍ أَتَى عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَسَأَلَهُ عَنِ امْرَأَةٍ حَاضَتْ، وَقَدْ كَانَتْ زَارَتِ الْبَيْتَ [يَوْمَ النَّحْرِ]، أَلَهَا أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ؟ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «لاَ»، فَقَالَ لَهُ الثَّقَفِيُّ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْتَانِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَا أَفْتَيْتَ»، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يضْرِبُهُ بِالدِّرَّةِ وَيَقُولُ: «لِمَ تَسْتَفْتُونِي فِي شَيْءٍ قَدْ أَفْتَى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» (¬1). 6 - وَرُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي الإِبْهَامِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِعَشْرٍ، وَفِي الْوُسْطَى بِعَشْرٍ، وَفِي الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرَ بِتِسْعٍ، وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ»، فلما روي له كتاب عمرو بن حزم الذي ذكر فيه أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ» رجع عن قوله وصار إليه. هكذا جاء في بعض كتب الأصول ومثله في " فتح الملهم شرح صحيح مسلم " لشيخ الإسلام شَبير أحمد العثماني الهندي (¬2)، ولكن الذي يفهم من " الرسالة " للشافعي أن الصحابة اطَّلَعُوا على هذا الكتاب عند آل عمرو بن حزم بعد وفاة عمر فعملوا به وتركوا قول عمر. 7 - وعمل عمر أيضاً بخبر سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين (¬3). 8 - وأراد عمر رجم مجنونة حتى أُعْلِمَ بقول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ» فأمر ألاَّ تُرْجَمَ (¬4). هذه الآثار مستفيضة صحيحة رواها الأئمة الأثبات. وفيها ما يدل دلالةً لا تقبل الجدال أن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أخذ بحديث رواه صحابي واحد دُونَ توقف أو تشكك، وهي في العدد أكثر من تلك التي روت أنه طلب راوياً آخر ولا تقل في الصحة والثبوت عنها، ولما كان عمل الصحابة جميعاً على الاكتفاء بخبر صحابي واحد، كان لا بد من تأويل ما روي عن عمر مُخَالِفاً لعمله في الروايات الأخرى، ¬

_ (¬1) " مفتاح الجنة " للسيوطي: ص 31. (¬2) " فتح الملهم ": 1/ 7 وذكر ذلك ابن حزم أيضاً في " الإحكام ": 2/ 13. (¬3) " فتح الملهم ": 1/ 7. (¬4) " الإحكام " لابن حزم: 2/ 13.

ولعمل الصحابة الآخرين، وبالرجوع إلى تلك الروايات نجد أن رواية المغيرة بن شعبة في الإملاص قد رويت من طريق حمل بن مالك أيضاً، وأن عمر قبل خبره من غير تَرَدُّدٍ، ولم يبق إلا رواية استئذان أبي موسى، والاستئذان أمر يَتَكَرَّرُ فالمعهود أن تعرف أحكامه وتشيع، فلما أخبره أبو موسى بما لا يعرفه أراد أن يتثبت، فلا بد من حملها على ما عرف عن عمر من التثبت في رواية الأخبار وحمل الصحابة على ذلك، فيكون عمر في قضية أبي موسى وفي قضية المغيرة لو سلمنا أنه لا معارض لروايته، أراد أن يُعْطِي الصحابة وبخاصة صغارهم درساً في التثبت في قبول الأخبار وروايتها، فإذا كان مثل أبي موسى والمغيرة - وهما من هما في جلالة قدرهما بين الصحابة - يطلب منهما عمر أن يأتياه براوٍ آخر، كان مَنْ دُونَ أبي موسى والمغيرة من الصحابة وغيرهم من التَّابِعِينَ أحق بالتثبت وأجدر بِالتَرَوِّي في نقل الأخبار وروايتها. هذا هو المحمل الصحيح لما صنع عمر، ويدل عليه قوله لأبي موسى: «أَمَا إِنِّي لَمْ أتَّهِمْكَ وَلَكِنَّهُ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وفي رواية أخرى أن أُبَيّاً عاتبه فقال له: «إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ» وهذا هو ما رآه الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - في " الرسالة " في صنيع عمر حين طلب راوياً آخر بعد أن ذكر الروايات الثابتة عنه أنه كان يَقْبَل حديث صحابي واحدٍ. قال - رَحِمَهُ اللهُ -: " أَمَّا خَبَرُ أَبِي مُوسَى فَإِلَى الاحْتِيَاطِ، لأَنَّ أَبَا مُوسَى ثِقَةٌ أَمِينٌ عِنْدَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَىَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: قَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ بْنِ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لأَبِي مُوسَى: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» " (¬1). هذا ما يتعلق بعمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. أما موقف أبي بكر فلم يرو عنه أنه طلب راوياً آخر إلا في تلك الحادثة (¬2) وهذا لا يُبَرِّرُ القول بأن مذهبه أن لا يقبل خبراً إلا إذا رواه اثنان. ولقد عُرِضَتْ ¬

_ (¬1) " الرسالة " للشافعي: ص 434 ويرى ابن حزم أن عمر كان يرى ذلك أول الأمر فلما عاتبه أُبَيْ رجع عن ذلك وأصبح يقبل خبر صحابي واحد. انظر " الإحكام ": 2/ 140. (¬2) وقد أعلَّهَا ابن حزم في " الإحكام ": 2/ 141 بأنها منقطعة فلا تصح.

على أبي بكر حوادث كثيرة رجع فيها إلى سُنّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس فيها أنه طلب مِمَّنْ أخبره عن رسول الله راوياً آخر يشهد له إلا هذه الحادثة، بل ذكر الرازي في " المحصول " أن أبا بكر قضى بقضية بين اثنين فأخبره بلال أنه - عَلَيْهِ السَلاَمُ - قضى فيها بخلاف قضائه فرجع (¬1) فإن صحت هذه الرواية كان ذلك مؤكداً لما ذهبنا إليه، وقد ذكر ابن القيم عن أبي بكر خطته في القضاء فقال: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ حُكْمٌ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِي بِهِ قَضَى بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَظَرَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا مَا يَقْضِي بِهِ قَضَى بِهِ، فَإِنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ سَأَلَ النَّاسَ: هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِقَضَاءٍ؟ فَرُبَّمَا قَامَ إلَيْهِ الْقَوْمُ فَيَقُولُونَ: قَضَى فِيهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سُنَّةً سَنّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ رُؤَسَاءَ النَّاسِ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ قَضَى بِهِ» (¬2). والحاصل أنا لا نجد في نص من النصوص أن أبا بكر طلب مِمَّنْ حدَّثه بحديث عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راوياً آخر إلا نص الجدة، وهذا يحتمل أن يكون من أبي بكر زيادة في الاحتياط والتثبت فقط، خصوصاً وأن توريث الجدة إثبات حكم لم يرد في القرآن فكان تشريعاً لا بد فيه من الاحتياط والتوقي، لا سيما أن أكثر أحكام المواريث شرعت بنصوص من القرآن لا أن ذلك خطة دائبة له وطريقة درج عليها أن لا يقبل حَدِيثًا إلا إذا رواه اثنان. قال الغزالي في " المستصفى ": «أَمَّا تَوَقُّفُ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ فَلَعَلَّهُ كَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ اقْتَضَى التَّوَقُّفَ، وَرُبَّمَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، أَوْ لِيَنْظُرَ أَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَقِرٌّ أَوْ مَنْسُوخٌ أَوْ لِيَعْلَمَ هَلْ عِنْدَ غَيْرِهِ مِثْلُ مَا عِنْدَهُ. لِيَكُونَ الْحُكْمُ أَوْكَدَ أَوْ خِلاَفَهُ فَيَنْدَفِعَ، أَوْ تَوَقَّفَ فِي انْتِظَارِ اسْتِظْهَارٍ بِزِيَادَةٍ، كَمَا يَسْتَظْهِرُ الْحَاكِمُ بَعْدَ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى جَزْمِ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يُصَادِفْ الزِّيَادَةَ، لاَ عَلَى عَزْمِ الرَّدِّ أَوْ أَظْهَرَ التَّوَقُّفَ لِئَلاَّ يَكْثُرَ الإِقْدَامُ عَلَى الرِّوَايَةِ ¬

_ (¬1) " المحصول " للرازي (مخطوط). [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: [انظر " المحصول " للرازي. دراسة وتحقيق الدكتور طه جابر فياض العلواني، 4/ 369، الطبعة الثالثة: 1418 هـ - 1997 م، نشر مؤسسة الرسالة]. (¬2) " إعلام الموقعين ": 1/ 51.

رحلة الصحابة طلبا للحديث إلى الأمصار:

عَنْ تَسَاهُلٍ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ ثَبَتَ مِنْهُ قَطْعًا قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ» (¬1). أما خِطَّةُ عَلِيٍّ، فإن صح ما روي عنه من أنه كان يستحلف الراوي (¬2) فلا كلام لنا فيه. وإلا فهو في ذلك كبقية الصحابة، بل لقد نقل عنه صاحب " المحصول " أنه قَبِلَ رواية المقداد بن الأسود في حكم المَذْيِ (¬3) أي من غير تحليف، على أنه في النص الذي روي عنه لم يستحلف أبا بكر بل قال ... «وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٌ»، فلا تكون قاعدته عامة. والخلاصة أن الثابت الصحيح من عمل أبي بكر وعمر وَعَلِيٍّ عملهم بخبر الراوي الواحد فقط وأنه في الحالات التي اقتضت طلب رَاوٍ آخر أو استحلافه لا يستلزم ذلك أن يكون مذهباً عَامًّا وخطة مقررة، وبهذا التوجيه والتحقيق يلتقي عمل هؤلاء الصحابة الثلاثة الكبار مع عمل الصحابة الآخرين من حيث اكتفاؤهم بِرَاوٍ وَاحِدٍ. وسيأتي نقل الشافعي لذلك في موضعه عند الكلام على حُجِيَّةِ خبر الآحاد. رِحْلَةُ الصَّحَابَةِ طَلَبًا لِلْحَدِيثِ إِلَى الأَمْصَارِ: انقضى عصر الشيخين وَالسُنَّةُ محفوظة في صدور الصحابة غير شائعة الانتشار كثيراً، لا في الأقطار، لأن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - منع أكثر الصحابة من مغادرة المدينة إلا لأفراد اقتضت المصلحة خروجهم، ولا في المدينة نفسها لأن سياسته كما رَأَيْتَ كانت تقوم على توفر العناية بالقرآن وتقليل الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، منعاً لِلْتَزَيُّدِ فيه واحتراساً من الخطأ والوهم في روايته، فلما كان عهد عثمان سمح للصحابة أن يتفرقوا في الأمصار، واحتاج الناس إلى الصحابة وخاصة ¬

_ (¬1) " المستصفى ": 1/ 154. (¬2) كان في الطبعة الأولى بعد هذه العبارة «وَأَنَا أَسْتَغْرِبُ ذَلِكَ» ثم تبين أن هذا القول المنسوب إلى عَلِيٍّ صحيح أخرجه عنه أبو داود والترمذي وابن ماجه. ولذلك ذكره صاحب " ذخائر المواريث " (*) 3/ 146 في مرويات أبي بكر الواردة في الكتب الستة. (¬3) " المحصول " للرازي (مخطوط). [انظر " المحصول " للرازي. دراسة وتحقيق الدكتور طه جابر فياض العلواني، 4/ 373 و6/ 72. الطبعة الثالثة: 1418 هـ - 1997 م، نشر مؤسسة الرسالة]. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [هو الشيخ عبد الغني النابلسي، الحنفي، الدمشقي، المُتَوَفَّى سَنَة 1143 هـ، وكتابه " ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث "، طبع على نفقة «جمعية النشر والتأليف الأزهرية بمصر»، الطبعة الأولى: سَنَة 1352 هـ - 1934 م، ونشرته دار الحديث بالقاهرة، 4 أجزاء في مجلدين. جمع فيه أطراف " الكتب السُنَّة " و" الموطأ "، على طريقة ترتيب " تحفة الأشراف " لِلْمِزِّي، وكأنه مختصر منه، لكنه امتاز بالتفنن في التصنيف حيث لاحظ التنوع في تراجم أسماء الصحابة، فقسم الكتاب بحسب ذلك إلى سبعة أبواب]. كما صدر في 3 مجلدات عن دار الكتب العلمية. وكنت قد بدأت في إعداده للمكتبة الشاملة.

صغارهم، بعد أن أخذ الكبار يتناقصون يَوْماً بعد يوم، فاجتهد صغار الصحابة بجمع الحديث من كبارهم فكانوا يأخذونه عنهم، كما كان يرحل بعضهم إلى بعض من أجل طلب الحديث. فقد أخرج البخاري في " الأدب المفرد " وأحمد والطبراني والبيهقي واللفظ له عن جابر بن عبد الله قال: «بَلَغَنِيَ حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، فَابْتَعْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي، ثُمَّ سِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: " حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَظَالِمِ لَمْ أَسْمَعْهُ فَخَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ "، فَقَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " يُحُشَرُ النَّاسُ غُرْلاً بُهْمًا " (¬1)، قُلْنَا: " وَمَا بُهْمٍ؟ " قَالَ: " لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، فَيُنَادِيْهِمْ نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الدَّيَّانُ لاَ يَنْبَغِيِ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى أَقُصَّهَا مِنْهُ، وَلاَ يَنْبَغِيْ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ "، قُلْنَا: " كَيْفَ؟ وَإِنَّمَا نَأْتِيَ اللهَ عُرَاةً غُرْلاً بُهْمَا؟ " قَالَ: " بِالحَسَنَاتِ وَالسَيِِّئَاتِ». وأخرج البيهقي وابن عبد البر عن عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ رَحَلَ إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَتَى مَنْزِلَ مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ الأَنْصَارِيِّ - وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ - فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَعَانَقَهُ، ثُمَّ قَالَ: " مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ " فَقَالَ: " حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَتْرِ المُؤْمِنِ "، قَالَ: " نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا عَلَى كُرْبَتِهِ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَا أَدْرَكَتْهُ جَائِزَةُ مَسْلَمَةَ إِلاَّ بَعَرِيشِ مِصْرَ (¬2). ¬

_ (¬1) «غُرْلاً» بضم الغين وسكون الراء جمع «أغرل» وهو الذي لم يُختن، و «بُهْماً» أي ليس معهم شيء كما جاء تفسيرها في الحديث نفسه. انظر " الأدب المفرد " ص 252. (¬2) " جامع بيان العلم ": 1/ 93.

وبذلك ابتدأت رواية الحديث تأخذ في السعة والانتشار، وبدأت الأنظار تتجه بعناية شديدة أكثر من قبل إلى صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يحرص التابعون على لقياهم ونقل ما في صدورهم من علم، قبل أن ينتقلوا إلى الرفيق الأعلى، ولقد كانت زيارة الصحابي لمدينة من المدن الإسلامية كافية لأن تجمع أهل المدينة كلها حوله ويشتد الزحام ساعة وصوله وتشير الأصابع أن هذا صاحب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد اشتهر عدد من الصحابة بأنهم أكثر الصحابة رواية عن الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إما لقدم صحبتهم له كعبد الله بن مسعود، أو لملازمتهم خدمته كأنس بن مالك، أو لإحاطتهم بأحواله الداخلية كعائشة، أو لعنايتهم بحديثه كعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي هريرة رغم صغر الأوَلَيْنِ وتأخر إسلام الثالث. والناس في كل هذا يأخذون عن الصحابة لا يشكون ولا يترددون، والصحابة يأخذ بعضهم عن بعض لاَ يُكَذِّبُ بعضهم بعضاً وَلاَ يَتَحَرَّجُونَ، ولم يكن قد دُسَّ على حديث الرسول أو وُجِدَ الكَذَّابُونَ حتى وقعت الفتنة، فكانت مبدأ تحول في حياة المُسْلِمِينَ الدينية كما كانت بَدْءَ تَحَوُّلٍ في حياتهم السياسية.

الفصل الثاني: في الوضع في الحديث وفيه مباحث:

الفَصْلُ الثَّانِي: فِي الوَضْعِ فِي الحَدِيثِ وَفِيهِ مَبَاحِثُ: مَتَى بَدَأَ الوَضْعُ؟: كانت سَنَة أربعين من الهجرة هي الحد الفاصل بين صفاء السُنّةِ وخلوصها من الكذب والوضع، وبين التزيد فيها واتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والانقسامات الداخلية، بعد أن اتخذ الخلاف بين عَلِيٍّ ومعاوية شكلاً حربياً سالت به دماء وأزهقت منه أرواح، بعد أن انقسم المُسْلِمُونَ إلى طوائف متعددة: فالجمهور مع عَلِيًّ في خلافه مع معاوية، والخوارج ينقمون على عَلِيًّ ومعاوية معاً بعد أن كانوا من شِيعَةِ عليٍّ المتحمسين له، وآل البيت وفريق منهم أخذوا بعد قتل عَلِيًّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وخلافة معاوية يطالبون بحقهم في الخلافة، ويشقون عصا الطاعة على الدولة الأموية، وهكذا كانت الأحداث السياسية سبباً في انقسام المُسْلِمِينَ إلى شيع وأحزاب، ومع الأسف أن هذا الانقسام اتخذ شكلاً دينياً كان له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام، فلقد حاول كل حزب أن يؤيد موقفه بالقرآن وَبِالسُنَّةِ، وطبيعي ألاََّّ يكونا مع كل حزب يؤيدانه في كل ما يدعى، فعمل بعض الأحزاب على أن يتأولوا القرآن على غير حقيقته، وأن يُحًمِّلُوا نصوص السُنَّةِ ما لا تَتَحَمَّلُهُ، وأن يضع بعضهم على لسان الرسول أحاديث تؤيد دعواهم، بعد أن عَزَّ عليهم مثل ذلك في القرآن لحفظه وتوفر المُسْلِمِينَ على روايته وتلاوته، ومن هنا كان وضع الحديث واختلاط الصحيح منه بالموضوع. وأول معنى طرقه الوُضَّاعُ في الحديث هو فضائل الأشخاص، فقد وضعوا الأحاديث الكثيرة في فضل أئمتهم ورؤساء أحزابهم، ويقال: إن أول من فعل ذلك الشِيعَةُ على اختلاف طوائفهم، كما قال ابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة ":

في أي جيل نشأ الوضع؟:

«اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الكَذِبَ فِي أَحَادِيثِ الفَضَائِلِ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الشِّيعَةِ ... الخ (¬1) وَقَدْ قَابَلَهُمْ جَهَلَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالوَضْعِ أَيْضًا». فِي أَيِّ جِيلٍ نَشَأَ الوَضْعُ؟: ليس من السهل علينا أن نتصور صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين فَدَوْا الرسول بأرواحهم وأموالهم وهجروا في سبيل الإسلام أوطانهم وأقرباءهم، وامتزج حب الله وخوفه بدمائهم ولحومهم: أن نتصور هؤلاء الأصحاب يقدمون على الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت الدواعي إلى ذلك بعد أن استفاض عندهم قول حبيبهم ومنقذهم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬2) ولقد دلَّنَا تاريخ الصحابة في حياة الرسول وبعده أنهم كانوا على خشية من الله وَتُقًى يمنعهم من الافتراء على الله ورسوله أنهم كانوا على حرص شديد على الشريعة وأحكامها وَالذَبِّ عنها وإبلاغها إلى الناس، كما تَلَقَّوْهَا عن رسوله، يتحملون في سبيل ذلك كل تضحية، ويخاصمون كل أمير أو خليفة أو أَيَّ رجل يرون فيه انحرافاً عن دين الله، لا يخشون لوماً، ولا موتاً، ولا أذى، ولا اضطهاداً. هَذّا عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ فَيَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تُغَالُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُمَةً عِنْدَ اللهِ لَكَانَ أَوْلاَكُمْ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ... الخ، فَتَقُومُ إِِلَيْهِ امْرَأَةٌ فَتَقُولُ لَهُ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمِيعًا: مَهْلاً يَا عُمَرُ! يُعْطِينَا اللهُ وَتَحْرِمُنَا أَنْتَ؟ أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ... } (¬3) فَيَقُولُ عُمَرُ: (امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ) (¬4). وها هو يجادل أبا بكر ¬

_ (¬1) " شرح نهج البلاغة ": 2/ 134. [انظر في قول ابن أبي الحديد، صفحتي 203 و254]. (¬2) حديث مشهور ادعى بعض العلماء أنه متواتر رواه سبعون صحابياً، وادَّعى غيرهم أكثر وقد خَرَّجَتْهُ كتبُ السُنّة كلها. (¬3) [سورة النساء، الآية: 20]. (¬4) أخرج خبر خطبة عمر الإمام أحمد في " مسنده "، وأصحاب السنن من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء السلمي. أما خبر رد المرأة عليه فقد أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "، وفيه راو ضعيف، وله طرق أخرى منقطعة.

حين صمم على قتال أهل الردة ومانعي الزكاة، فلا يرى عمر قتالهم أخذاً بقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» (¬1)، فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٌ: " أَلَيْسَ يَقُولُ الرَّسُولُ: «إِلاَّ بِحَقِّهَا»؟ وَمِنْ حَقِّهَا الزَّكَاةُ "، هذا مع أن عمر كان أول من بادر إلى مبايعة أبي بكر يوم السقيفة معترفاً له بالفضل والأولوية، ومع ذلك فلم يمنعه حبه وتقديره له من أن يجادله في أمر يرى أنه الحق ويرى أبو بكر خلافة. وهذا عَلِيٌّ يخالف عمر في أمره برجم الزانية الحُبْلَى وينكر عليه بقوله: «لَئِنْ جَعَلَ اللهُ لَكَ عَلَيْهَا سَبِيلاً فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلاً» فيرجع عمر ويقول: «لَوْلاَ عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ». وهذا أبو سعيد ينكر على مروان والي المدينة تقديم الخطبة على صلاة العيد، مُبَيِّنًا أنه خالف السُنَّةَ، وعمل غير ما كان يعمله رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وها هو ابن عمر - كما يروي لنا الذهبي في " تذكرة الحفاظ ": يَقُومُ - وَالحَجَّاجُ يَخْطُبُ - فَيَقُولُ (أَيْ ابْنُ عُمَرَ مُتَكَلِّمًا عَنْ الحَجَّاجِ): «عَدُوُّ اللهِ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللهُ وَخَرَّبَ بَيْتَ اللهَ وَقَتَلَ أَوْلِيَاءَ اللهِ»، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الحَجَّاجَ خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَدَّلَ كَلاَمَ اللهِ»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَذَبْتَ لَمْ يَكُنِ ابْنُ الزُّبَيْر يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبَدِّلَ كَلاَمَ اللهِ وَلاَ أَنْتَ». قَالَ الحَجَّاجُ: «أَنْتَ شَيْخٌ خَرِفٌ»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ عُدْتَ لَعُدْتُ». مثل هذه الأخبار ومئات أمثالها قد استفاضت بها كتب التاريخ، وهي تدل دلالة قاطعة على أن هؤلاء الصحابة كانوا من الجُرْأَةِ في الحق والتفاني في الدفاع عما يعتقدون أنه حق، ومن تغليبهم الحق على كل صديق وصاحب وقريب، بحيث يستحيل عليهم أن يكذبوا على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، اتباعاً لهوى أو رغبة في دنيا، إذ لا يكذب إلا الجبان، كما يستحيل عليهم أن يسكتوا عمن يكذب ¬

_ (¬1) أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن أبي هريرة.

البواعث التي أدت إلى الوضع والبيئات التي نشأ فيها:

على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم الذين لا يسكتون عن اجتهاد خاطئ يذهب إليه بعضهم بعد فكر وإمعان نظر. واسمع ما يقوله الصحابة أنفسهم في هذا الموضوع: أخرج البيهقي عن البراء: «لَيْسَ كُلُّنَا كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ النَّبِيِِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَتْ لَنَا ضَيْعَةٌ وَأَشْغَالٌ، وَلَكِنَْ كَانَ النَّاسُ لَمْ يَكُونُوْا يَكْذِبُونَ فَيُحَدِّثُ الشَّاهِدُ الغَائِبَ». وأخرج عن قتادة: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: «أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟»، قَالَ: «نَعَمْ، أَوْ حَدَّثَنِي مَنْ لَمْ يَكْذِبْ، وَاللهِ مَا كُنَّا نَكْذِبُ وَلاَ كُنَّا نَدْرِي مَا الكَذِبُ» (¬1). لا يبقى بعد هذا شك في أن الكذب لم يكن على عهد رسول الله من الصحابة ولا وقع منهم بعده، وأنهم كانوا محل الثقة فيما بينهم لا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وكل ما كان بينهم من خلاف فقهي لا يتعدى اختلاف وجهات النظر في أمر ديني وكل منهم يطلب الحق وينشده. أما عصر التَّابِعِينَ فلا شك أن الكذب كان في عهد كبارهم أقل منه في عهد صغارهم، إذ كان احترام مقام رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعامل التقوى والتدين أقوى في ذلك العصر منه في العصر الثاني، وأيضاً فقد كان الخلاف السياسي الأول في عهده، فكانت البواعث على الوضع في الحديث ضَيِّقَةً بالنسبة للعصور التالية، ويضاف إلى ذلك أن وجود الصحابة وكبار التَّابِعِينَ المشهورين بالعلم والدين والعدالة واليقظة، من شأنه أن يقضي على الكَذَّابِينَ ويفضح نواياهم ومؤامراتهم، أو أن يَحُدَّ نشاطهم في الكذب. البَوَاعِثُ التِي أَدَّتْ إِلَى الوَضْعِ وَالبِيئَاتِ التِي نَشَأَ فِيهَا: قدمنا أن الخلافات السياسية التي ذَرَّ قرنها بين المُسْلِمِينَ في أواخر خلافة ¬

_ (¬1) " مفتاح الجنة " للسيوطي: ص 25.

أولا: الخلافات السياسية:

عثمان، وفي خلافة عَلِيٍّ، كانت سبباً مباشراً في وضع الحديث، وقدمنا قول من قال: إن أول من تَجَرَّأَ على ذلك، هم الشِيعَةُ، فيكون العراق أول بيئة نشأ فيها الوضع، وقد أشار إلى هذا أئمة الحديث حيث كان الزُّهْرِيُّ يقول: «يَخْرُجُ الحَدِيْثُ مِنْ عِنْدِنَا شِبْرًا فَيَرْجِعُ إِلَيْنَا مِنَ العِرَاقِ ذِرَاعًا» (¬1) وكان «مالك» يُسَمِّي العراق (دَارَ الضَّرْبِ) أي تضرب فيها الأحاديث وتخرج إلى الناس، كما تضرب الدراهم وتخرج للتعامل، وإذا كان السبب المباشر في وضع الحديث الخلافات السياسية، فلا شك أنه حدث بعد ذلك أسباب أخرى كان لها أثر في اتساع دائرة الأحاديث الموضوعة، ونستطيع أن نُجْمِلَ فيما يلي جميع الأسباب التي أدت إلى الوضع في الحديث موجزين بذلك ما استطعنا: أَوَّلاً: الخِلاَفَاتُ السِّيَاسِيَّةُ: فقد انغمست الفِرَقُ السياسية في حمأة الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثرة وقلة، فالرَّافِضَة أكثر هذه الفرق كذباً، سئل مالك عن الرَّافِضَة فقال: «لاَ تُكَلِّمْهُمْ وَلاَ تَرْوِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ» (¬2) ويقول شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وقد كان معروفاً بالتشيع مع الاعتدال فيه: «أَحْمِلُ [العِلْمَ] عَنْ كُلِّ مَنْ لَقِيتُ إِلاَّ الرَّافِضَةَ، فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَ الحَدِيثَ، وَيَتَّخِذُونَهُ دِينًا» (¬3) وَقَالَ حَمَّادٌ بْنِ سَلَمَةَ: «حَدَّثَنِي شَيْخٌ لَهُمْ - يَعْنِي الرَّافِضَةَ - قَالَ: كُنَّا إِذَا اجْتَمَعْنَا فَاسْتَحَسَنَّا شَيْئًا جَعَلْنَاهُ حَدِيثًا» (¬4) وقال الشافعي: «مَا رَأَيْتُ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ قَوْمًا أَشْهَدُ بِالزُّورِ مِنَ الرَّافِضَةَ» (¬5). ويستشهد أَهْلُ السُنَّةِ لما وضعته الرَّافِضَةُ من الأحاديث بِحَدِيثِ «الوَصِيَّةِ فِي غَدِيرِ خُمْ» وخلاصته أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في رجوعه من حَجَّةِ الوداع جمع الصحابة في مكان يقال له «غَدِيرُ خُمْ» وأخذ بيد عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ووقف ¬

_ (¬1) ابن عساكر (مخطوط). (¬2) " منهاج السُنَّةِ ": 1/ 13. (¬3) " منهاج السُنَّةِ " أيضاً. (¬4) " منهاج السُنَّةِ " أيضاً. (¬5) " اختصار علوم الحديث " لابن كثير: ص 109.

به على الصحابة جميعاً وهم يشهدون وقال: «هَذَا وَصِيِّي وَأَخِي وَالخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوْا». قال أَهْلُ السُنَّةِ: إنه حديث مكذوب بلا شك، وضعته الرَّافِضَةُ وسيأتي بيان كذبه، ومن ذلك: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى آدَمَ فِي عِلْمِهِ وَإِلَىَ نُوحٍ فِي تَقْوَاهُ، وَإِلَى إِبْرَاهِيمَ فِي حِلْمِهِ وَإِلَى مُوسَى فِي هَيْبَتِهِ وَإِلَى عِيسَى فِي عِبَادَتِهِ فَلْيَنْظُرْ إِلَىَ عَلِيٍّ» وَ «أَنَا مِيزَانُ العِلْمِ، وَعَلِيٌّ كَفَّتَاهُ، وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ خُيُوطُهُ، وَفَاطِمَةُ عَلاَقَتَهُ، وَالأَئِمَّةُ مِنَّا عَمُودٌ تُوزَنُ فِيهِ أَعْمَالُ المُحِبِّينَ لَنَا وَالمُبْغِضِينَ لَنَا». وَ «حُبُّ عَلَيٍّ حَسَنَةً لاَ يَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ، وَبُغْضُهُ سَيِّئَةٌ لاَ يَنْفَعُ مَعَهَا حَسَنَةٌ» وَمِثْلِ مَا وَضَعُوا فِي حَقِّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبيِّ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِسَفَرْجَلَةٍ مِنَ الجَنَّةِ فَأَكَلَهَا، فَعَلِقَتْ السَيِّدَةُ خَدِيجَةَ بِفَاطِمَةَ، فَكَانَ إِذَا اشْتَاقَ إِلَى رَائِحَةِ الجَنَّةِ شَمَّ فَاطِمَةَ». وأمارات الوضع ظاهرة على هذا الخبر، فإن فاطمة ولدت قبل الإسراء، كما أن خديجة ماتت قبل أن تُفْرَضَ الصلاة، وقد كان فَرْضُهَا ليلة الإسراء بالإجماع. وكما وضعوا الأحاديث في فضل عَلِيٍّ وآل البيت، وضعوا الأحاديث في ذم الصحابة وخاصة الشيخين وكبار الصحابة، حتى قال ابن أبي الحديد: «فَأَمَّا الأُمُوْرُ المُسْتَبْشَعَةُ التِي تَذْكُرُهَا الشِّيعَةُ مِنْ إِرْسَالِ قُنْفُذٍ إِلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ وَأَنَّهُ ضَرَبَهَا بِالسَّوْطِ فَصَارَ فِي عَضُدِهَا كَالَدُّمْلَجِ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَغَطَهَا بَيْنَ البَابِ وَالجِدَارِ، فَصَاحَتْ: " يَا أَبَتَاهُ " وَجَعَلَ فِي عُنُقِ عَلِيٍّ حَبْلاً يُقَادُ بِهِ، وَفَاطِمَةَ خَلْفَهُ تَصْرُخُ، وَابْنَاهُ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَبْكِيَانِ»، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنَ المَثَالِبِ، ثُمَّ قَالَ: «فَكُلُّ ذَلِكَ لاَ أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَلاَ يُثْبِتُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلاَ رَوَاهُ أَهْلُ الحَدِيثِ وَلاَ يَعْرِفُونَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَنْفَرِدُ الشِّيعَةُ بِنَقْلِهِ (¬1) وَكَذَلِكَ وَضَعُوا الأَحَادِيثَ فِي ذَمِّ مُعَاوِيَةَ " إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ " وَفِي ذَمِّ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ العَاصِ " اللَّهُمَّ أَرْكِسْهُمَا فِي الْفَتْنَةِ وَدُعَّهُمَا فِي النَّارِ دَعًّا "». وهكذا أسرفت الرَّافِضَةُ في وضع الأحاديث بما يتفق مع أهوائها، وبلغت من ¬

_ (¬1) " شرح نهج البلاغة ": 1/ 135 هذا مع العلم بأن ابن أبي الحديد شيعي معتزلي.

هل كان الخوارج يكذبون في الحديث؟:

الكثرة حداً مزعجاً. حتى قال الخليلي في " الإرشاد ": «وَضَعَتْ الرَّافِضَةُ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ نَحْوِ ثَلاَثِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ» ومع ما في قوله من المبالغة فإنه دليل على كثرة ما وضعوا من الأحاديث. ويكاد المسلم يقف مَذْهُولاً من هذه الجرأة البالغة على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لولا أن يعلم هؤلاء الرَّافِضَةِ أكثرهم من الفرس الذين تَسَتَّرُوا بالتشيع لينقضوا عُرَى الإسلام، أو مِمَّنْ أسلموا ولم يستطيعوا أن يَتَخَلَّوْا عن كل آثار ديانتهم القديمة، فانتقلوا إلى الإسلام بعقلية وثنية لا يَهُمُّهَا أن تكذب على صاحب الرسالة، لِتُؤَيِّدَ حُباً ثَاوِيًا في أعماق أفئدتها، وهكذا يصنع الجُهًّالُ والأطفال حين يحبون وحين يكرهون. وقد ضارعهم الجهلة من أَهْلِ السُنَّةِ، فقابلوا - مع الأسف - الكذب بكذب مثله وإن كان أقل منه دائرة وأضيق نطاقاً، ومن ذلك «مَا فِي الجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلاَّ مَكْتُوبٌ عَلَى وَرَقَةٍ مِنْهَا لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ أَبُو بَكْرٌ عُمَرُ الفَارُوقِ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ». وكذلك قابلهم المُتَعَصِّبُونَ لمعاوية وَالأُمَوِيِّينَ فوضعوا أحاديث مثل قولهم: «الأُمَنَاءُ ثَلاَثَةٌ، أَنَا وَجِبْرِيلُ، وَمُعَاوِيَةَ» «أَنْتَ مِنِّي يَا مُعَاوِيَةُ وَأَنَا مِنْكَ» «لاَ أَفْتَقِدُ فَيِ الجَنَّةِ إِلاَّ مُعَاوِيَةُ فَيَأْتِي آَنِفًا بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ، فَأَقُولُ: مِنْ أَيْنَ يَا مُعَاوِيَةُ؟ فَيَقُولُ: مِنْ عِنْدِ رَبِّي يُنَاجِيِنِيٍ وَأُنَاجِيَهِ، فَيَقُولُ: هَذَا بِمَا نِيلَ مِنْ عِرْضِكَ فِي الدُّنْيَا». وكذلك فعل المؤيدون للعباسيين فوضعوا إزاء حديث وصاية عَلِيٍّ المكذوب وصاية العباس ونسبوا إلى النَّبِيِّ قوله: «العَبَّاسُ وَصِيِّي وَوَارِثِي» ولعل ما يبين مدى الكذب لدى هذه الفئة الحديث المكذوب التالي أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: «إِذَا كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيَنَ وَمِائَةٍ فَهِيَ لَكَ وَلِوَلَدِكَ، السَفَّاحُ وَالمَنْصُورُ وَالمَهْدِيُّ». هَلْ كَانَ الخَوَارِجُ يَكْذِبُونَ فِي الحَدِيثِ؟: وقد ذكر العلماء هنا بأن أقل الفرق الإسلامية كذباً هي فرقة الخوارج الذين خرجوا على عَلِيٍّ بعد قبوله التحكيم، ويرجع قلة كذبهم إلى أنهم يرون كُفْرَ مرتكب

الكبيرة على ما هو المشهور عنهم، أو مرتكبي الذنوب مطلقاً كما حكاه الكعبي (¬1) فما كانوا يستحلون الكذب ولا الفسق، وقد كانوا من التقوى على جانب عظيم، ومع ذلك فلم يسلم بعض رؤسائهم من الكذب على الرسول، فقد روي عن شيخ لهم أنه قال: «إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ دِينٌ فَانظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ فَإِنَّا كُنَّا إِذَا هَوَيْنَا أَمْرًا صَيَّرْنَاهُ حَدِيثًا» (¬2) ويقول عبد الرحمن بن مهدي: «إِنَّ الخَوَارِجَ وَالزَّنَادِقَةَ قَدْ وَضَعُوا هَذَا الحَدِيثَ " إِذَا أَتَاكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَأَعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ فَإِنْ وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَأَنَا قُلْتُهُ "» الخ ... هكذا قال الكاتبون في هذا الموضوع من القُدَامَى وَالمُحْدَثِينَ، ولكني لم أعثر على حديث وضعه خارجي. وبحثت كثيراً في كتب الموضوعات، فلم أعثر على خارجي عُدَّ من الكَذَّابِينَ والوَضَّاعِينَ. أما النص السابق الذي يذكرونه عن شيخ للخوارج. فلا أدري من هو هذا الشيخ؟ وقد سبق مثل هذا التصريح يرويه حماد بن سلمة عن شيخ رافضي، فلماذا لا تكون نسبته إلى شيخ خارجي خطأ؟ خصوصاً ولم نعثر على حديث واحد موضوع. أما قول عبد الرحمن بن مهدي عن حديث «إِذَا أَتَاكُمْ ... الخ». أنه وضعته الزنادقة والخوارج، فلا أدري مدى صحته بالنسبة لابن مهدي؟ بل هو قول لا دليل عليه. إذ لم يذكر لنا من هو واضعه. ومتى تم هذا الوضع؟ ومما يُؤَكِّدُ شَكَّنَا في هذه النسبة أنه أضاف هذا الحديث أيضاًً للزنادقة، فكيف اتفق الخوارج والزنادقة على وضعه؟ هل وضعوه في وقت واحد؟ أم سبق الخوارج إلى ذلك أم الزنادقة؟ على أن المنقول عن غير ابن مهدي لفظ «الزَّنَادِقَةِ» فقط، قال شمس الحق العظيم آبادي: «فَأَمَّا مَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا جَاءَكُمْ الحَدِيثُ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ فَإِنْ وَافَقَ فَخُذُوهُ " فَإِنَّهُ حَدِيثٌ لاَ أَصْلَ لَهُ» (¬3). وَقَدْ حَكَىَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ عَنْ يَحْيَىَ بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ وَضَعَتْهُ الزَّنَادِقَةُ» ونقل الفُتَّنِي (¬4) عن الخَطَّابِي أنه قال أيضاًً: «وَضَعَتْهُ الزَّنَادِقَةُ» وليس في هذين ¬

_ (¬1) " الفرق بين الفرق ": ص 45. (¬2) السيوطي في " اللآلئ المصنوعة ": 2/ 486 نقلا عن ابن الجوزي في مقدمة كتابه " الموضوعات ". (¬3) " عون المعبود شرح سنن أبي داود ": 4/ 329. (¬4) " تذكرة الموضوعات ": ص 28.

ثانيا - الزندقة:

النصين ذكر الخوارج بحال. على أنه سيأتي معك أن بعضهم حكم على هذا الحديث بالضعف فقط. وسنرى هناك تمام البحث فيه. لقد حاولت أن أعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع إلى الخوارج، ولكني رأيت الأدلة العلمية على العكس، تنفي عنهم هذه التهمة، فقد كان الخوارج كما ذكرنا يُكَفِّرُونَ مرتكب الكبيرة أو مرتكب الذنوب مطلقاً، والكذب كبيرة فكيف إذا كان على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ يقول المبرد: (¬1) «وَالخَوَارِجُ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِهَا تَبَرَّأُ مِنَ الكَاذِبِ وَمِنْ ذَوِي المَعْصِيَةِ الظَّاهِرَةِ» وكانوا في جمهرتهم عُرَبًا أَقْحَاحًا فلم يكن وسطهم بالوسط الذي يقبل الدسائس من الزنادقة وَالشُعُوبِيِّينَ كما وقع ذلك للرافضة، وكانوا في العبادة على حظ عظيم شجعاناً صرحاءَ لا يجاملون ولا يلجؤون إلى التقية كما يفعل الشِّيعَةُ. وقوم هذه صفاتهم يبعد جِدًّا أن يقع منهم الكذب، ولو كانوا يَسْتَحِلَُونَ الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاستحلوا الكذب على من دونه من الخلفاء والأمراء والطغاة كَزِيَادٍ وَالحَجَّاجَ، وكل ما بين أيدينا من النصوص التاريخية يدل دلالة قاطعة على أنهم واجهوا الحكام والخلفاء والأمراء بمنتهى الصراحة والصدق فلماذا يكذبون بعد ذلك؟ على أني أعود فأقول: إن المهم عندنا أن نلمس دليلاً محسوساً يدل على أنهم مِمَّنْ وضعوا الحديث، وهذا ما لم أعثر عليه حتى الآن، كيف وقد قال أبو داود: «لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصَحَّ حَدِيثًا مِنَ الخَوَارِجِ» ويقول ابن تيمية: «لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصْدَقَ وَلاَ أَعْدَلَ مِنَ الخَوَارِجِ» ويقول عنهم أيضاًً: «لَيْسُوا مِمَّنْ يَتَعَمَّدُونَ الكَذِبَ بَلْ هُمْ مَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ حَتَّىَ يُقَالَ: إِنَّ حَدِيثَهُمْ مِنْ أَصَحِّ الحَدِيثِ» (¬2). ثَانِياً - الزَّنْدَقَةُ: ونعني بها هنا كراهية الإسلام ديناً ودولة، فقد اكتسحت دولة الإسلام ¬

_ (¬1) " الكامل في الأدب ": 2/ 106. (¬2) " منهاج السُنَّةِ ": 3/ 31.

عروشاً وإمارات وزعامات كانت قائمة على تضليل الشعوب في عقائدها، وإذلالها في كرامتها، وتسخيرها للأهواء والمغانم الخسيسة، وقذفها في أتون الحرب التي كانت تثيرها رغبات الفتح والتوسع في نفوس الملوك والقواد، ورأى الناس في ظلال الإسلام كرامة للفرد، واحتراماً للعقيدة، وتحريراً للعقل، وقضاء على الأوهام والأضاليل والشعوذة والتدجيل، فأقبلوا عليه يدخلون فيه أفواجاً أفواجاً. لقد كانت قوة الإسلام السياسية والعسكرية غالبة قاضية لم تُبق لدى أولئك الزعماء والأمراء والقواد أملاً ما في استعادة سلطانهم الزائل ومجدهم المنهار، فلم يجدوا أمامهم مجالاً للانتقام من الإسلام إلا إفساد عقائده، وتشويه محاسنه، وتفريق صفوف أتباعه وجنوده. وكان التزيد في السُنَّةِ أوسع ميادين الدَسِّ والإفساد لديهم، فجالوا فيه وصالوا، متسترين بالتشيع أحياناً، وبالزهد والتصوف أحياناً، وبالفلسفة والحكمة أحياناً، وفي كل ذلك إنما يتوخون إدخال الخلل في بناء ذلك الصرح الشامخ الذي أقامه محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقضى الله أن يظل أبد الدهر قائماً سليماً، يعارك الحوادث وترتد معاول الهدامين في أساسه إلى نحورهم خزايا نادمين. ومن أمثلة ما وضعوه ليفسدوا به الدين، ويشوهوا كرامته لدى العقلاء وَالمُثَقَّفِينَ، ولينحدروا بعقيدة العامة إلى درجة من السخف تثير سخرية الملحدين، مثل هذه الأحاديث المكذوبة الآتية: «يَنْزِلُ رَبُّنَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقٍ يُصَافِحُ الرُّكْبَانَ وَيُعَانِقُ المُشَاةَ»، «خَلَقَ اللهُ المَلاَئِكَةَ مِنْ شَعْرِ ذِرَاعَيْهِ وَصَدْرِهِ»، «رَأَيْتُ رَبِّي لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حِجَابٌ فَرَأَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّىَ رَأَيْتُ تَاجًا مُخَوَّصًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ»، «إِنَّ اللهَ اشْتَكَتْ عَيْنَاهُ فَعَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ»، «إِنَّ اللهَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ خَلَقَ الخَيْلَ وَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ فَخَلَقَ نَفْسَهُ مِنْهَا»، «إِنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ الحُرُوفَ سَجَدَُْ البَاءُ وَوَقَفَتْ الأَلِفُ»، «النَّظَرُ إِلَى الوَجْهِ الجَمِيلِ عِبَادَةٌ»، «الْبَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ». وهكذا دَسَّ هؤلاء الزنادقة آلاَفاً من الأحاديث في العقائد والأخلاق والطب والحلال والحرام، وقد أقر زنديق أمام «المهدي» بأنه وضع مائة حديث تجول

ثالثا - العصبية للجنس والقبيلة واللغة والبلد والإمام:

في أيدي الناس، ولما قُدِّمَ عبد الكريم بن أبي العوجاء للقتل اعترف بأنه وضع أربعة آلاف حديث يُحَرِّمُ فيها الحلال وَيُحَلِّلُ فيها الحرام، وقد لمس بعض خلفاء بني العباس ما وراء حركة الزنادقة من خطر على كيان الإسلام السياسي. فتعقبوهم قتلاً وتشتيتاً. وأشهر من أعمل في رقابهم سيف التأديب الخليفة المهدي الذي أنشأ ديواناً خَاصًّاً للزندقة، تتبع فيه أوكارهم ورؤساءهم من شعراء وأدباء وعلماء ومن أشهر هؤلاء الزنادقة الوَضَّاعِينَ: عبد الكريم بن أبي العوجاء، قتله محمد بن سليمان بن علي أمير البصرة، وبيان بن سمعان المهدي قتله خالد بن عبد الله القسري، ومحمد بن سعيد المصلوب قتله أبو جعفر المنصور. ثَالِثاً - العَصَبِيَّةُ لِلْجِنْسِ وَالقَبِيلَةِ وَاللُّغَةِ وَالبَلَدِ وَالإِمَامِ: كما وضع الشُعُوبِيُّونَ حديث «إِنَّ اللهَ إِذَا غَضِبَ أَنْزَلَ الوَحْيَ بِالعَرَبِيَّةِ وَإِذَا رَضِيَ أَنْزَلَ الوَحْيَ بِالفَارِسِيَّةِ» فقابلهم جَهَلَةُ العرب بالمثل فقالوا: «إِنَّ اللهَ إِذَا غَضِبَ أَنْزَلَ الوَحْيَ بِالفَارِسِيَّةِ وَإِذَا رَضِيَ أَنْزَلَ الوَحْيَ بِالعَرَبِيَّةِ» وكما وضع المُتَعَصِّبُونَ لأبي حَنِيفَةَ حديثَ «سَيَكُونُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَالُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ هُوَ سِرَاجُ أُمَّتِي» وَضَعَ المُتَعَصِّبُونَ عَلَى الشَّافِعِيِّ: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ إِدْرِيسَ هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ» ومِثلُ هذا يقال في الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض البلدان والقبائل والأزمنة، وقد بيَّنَهَا العُلَمَاءُ وَمَيَّزُوهَا من الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع. رَابِعاً - القِصَصُ وَالوَعْظُ: فقد تولى مهمة الوعظ قُصَّاصٌ أكثرهم لا يخافون الله. ولا يَهُمُّهُمْ سوى أن يبكي النَّاسُ في مجالسهم، وأن يتواجدوا وأن يعجبوا بما يقولون. فكانوا يضعون القصص المكذوبة وينسبونها إلى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال ابن قتيبة وهو يتكلم على الوجوه التي دخل منها الفساد على الحديث: «وَالْوَجْهُ الثَّانِي: القُصَّاصُ [عَلَى قَدِيمِ الأَيَّامِ]، فَإِنَّهُمْ يُمِيلُونَ وُجُوهَ الْعَوَامِّ إِلَيْهِمْ [وَيَسْتَدِرُّونَ] مَا عِنْدَهُمْ بِالمَنَاكِيرِ، [وَالْغَرِيبِ]، وَالأَكَاذِيبِ مِنَ الأَحَادِيثِ، وَمِنْ شَأْنِ العَوَامِّ، القُعُودُ عِنْدَ القَاصِّ، مَا كَانَ حَدِيثُهُ عَجِيبًا، خَارِجًا عَنْ [فِطَرِ] العُقُولِ، أَوْ كَانَ رَقِيقًا يُحْزِنُ [الْقُلُوبَ]، [وَيَسْتَغْزِرُ الْعُيُونَ]، فَإِذَا ذَكَرَ الْجَنَّةَ، قَالَ فِيهَا الْحَوْرَاءُ مِنْ

مِسْكٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ، وَعَجِيزَتُهَا مِيلٌ فِي مِيلٍ. وَيُبَوِّئُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِيَّهُ قَصْرًا مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ، [فِيهِ] سَبْعُونَ أَلِفَ مَقْصُورَةٍ، فِي كُلِّ مَقْصُورَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ قُبَّةٍ ... فَلاَ يَزَالُ فِي [سَبْعِينَ] أَلْفَ كَذَا ... » (¬1). ومن أمثلة هذا القسم «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ طَيْرًا مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَرِيشُهُ مِنْ مَرْجَانَ» ومن عجيب أمر هؤلاء القُصَّاصِ جرأتهم على الكذب ووقاحتهم فيه، فَقَدْ صَلَّى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ. فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَاصٌّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ [عَنْ مَعْمَرٍ] عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله ... وَسَاقَ الحَديثَ السَّابِقَ. وَاسْتَمَرَّ يَذْكُرُ فِيهِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ وَرَقَةً. فَجَعَلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَنْظُرُ إِلَى يَحْيَى، وَيحيى ينظر إِلَى أَحْمد. فَقَالَ: «أَنْتَ حَدَّثْتَهُ بِهَذَا؟» فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِهَذَا إِلاَّ السَّاعَةَ». فَلَمَّا انْتَهَى أَشَارَ لَهُ يَحْيَى فَجَاءَ مُتَوَهِّمًا [لِنَوَالٍ يُجِيزُهُ]، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: «مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا [الحَدِيثِ]؟» فَقَالَ: «أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ». فَقَالَ: «أَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهَذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. مَا [سَمِعْنَا] بِهَذَا قَطُّ فِي حَدِيث رَسُول الله. فَإِن كَانَ لَا بُد وَالْكَذِبُ فَعَلى غَيْرِنَا». [فَقَالَ لَهُ]: «أَنْتَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ؟» قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: «لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ أَحْمَقٌ مَا تَحَقَّقْتُهُ إِلاَّ السَّاعَةَ». فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: «كَيْفَ [عَلِمْتَ أَنِّي أَحْمَقٌ؟]» قَالَ: «كَأَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ ابْن حَنْبَلٍ غَيْرُكُمَا. قَدْ كَتَبْتُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ!» (¬2). ومن المؤسف أن هؤلاء القُصَّاصِ - على جهلهم وجرأتهم في الكذب على الله ورسوله - قد لقوا من العامة آذاناً صاغية ولقي العلماء منهم عَنَتًا كَبِيرًا حتى ليروي السيوطي في " تحذير الخواص من أكاذيب القُُصَّاصِ ": أن أحد هؤلاء القصاص جلس ببغداد، فروى تفسير قوله تعالى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (¬3) وزعم أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلس مع الله على عرشه فبلغ ذلك محمد بن جرير الطبري فغضب من ذلك، وبالغ في إنكاره، وكتب ¬

_ (¬1) " تأويل مختلف الحديث ": ص 357. [قارن بـ " تأويل مختلف الحديث " لابن قتيبة، تحقيق محمد محيى الدين الأصفر، ص 404 و405، الطبعة الثانية - مزيده ومنقحة 1419هـ - 1999م، نشر المكتب الاسلامي. بيروت - مؤسسة الإشراق. الدوحة]. (¬2) " تحذير الخواص من أكاذيب القصاص " للسيوطي. (¬3) [سورة الإسراء، الآية: 79].

خامسا - الخلافات الفقهية والكلامية:

على باب داره «سُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَنِيسٌ. وَلاَ لَهُ عَلَى عَرْشِهِ جَلِيسٌ» فثارت عليه عَوَامُّ بغداد ورجموا بيته بالحجارة حتى استد بابه بالحجارة وعلت عليه (¬1) خَامِسًا - الخِلاَفَاتُ الفِقْهِيَّةُ وَالكَلاَمِيَّةُ: فقد نزع الجهال والفسقة من أتباع المذاهب الفقهية والكلامية إلى تأييد مذهبهم بأحاديث مكذوبة. من ذلك «مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ»، «المَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ لِلْجُنُبِ ثَلاَثًا فَرِيضَةً»، «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الكَعْبَةِ فَجَهَرَ بِـ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ»، «مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ»، «كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَخْلُوقٌ غَيْرُ اللهِ وَالقُرْآنِ. وَسيَجِيءُ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يَقُولُونَ: القُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ العَظِيمِ وَطُلِّقَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ مِنْ سَاعَتِهَا». سَادِسًا - الجَهْلُ بِالدِّينِ مَعَ الرَّغْبَةِ فِي الخَيْرِ: وهو صنيع كثير من الزهاد وَالعُبَّادِ والصالحين، فقد كانوا يحتسبون وضعهم للأحاديث في الترغيب والترهيب، ظناً منهم أنهم يتقربون إلى الله ويخدمون دين الإسلام، ويحببون الناس في العبادات والطاعات، ولما أنكر العلماء عليهم ذلك وَذَكَّرُوهُمْ بقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» قالوا: نحن نكذب له - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا عليه، وهذا كله من الجهل بالدين وغلبة الهوى والغفلة، ومن أمثلة ما وضعوه في هذا السبيل. حديث فضائل القرآن سورة سورة، فقد اعترف بوضعه نوح بن أبي مريم، واعتذر لذلك بأنه رأى الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق، ومن هؤلاء الوَضَّاعِينَ غُلاَم خَلِيلْ، وقد كان زاهداً متخلياً عن الدنيا وشهواتها، منقطعاً إلى العبادة والتقوى، محبوباً من العامة، حتى إن بغداد أغلقت أسواقها يوم وفاته حزناً عليه، ومع ذلك فقد زَيَّنَ له الشيطان وضع أحاديث في فضائل الأذكار والأوراد حتى قيل له: هذه الأحاديث التي تَحَدَّثَ بها من الرقائق؟ فقال: «وَضَعْنَاهَا لِنُرَقِّقَ بِهَا قُلُوبَ العَامَّةِ». ¬

_ (¬1) " الإسلام والحضارة ": 2/ 559.

سابعا - التقرب للملوك والأمراء بما يوافق أهواءهم:

سَابِعًا - التَقَرُّبُ لِلْمُلُوكِ وَالأُمَرَاءِ بِمَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ: ومن أمثلة ذلك ما فعله غياث بن إبراهيم، إذ دخل على المهدي وهو يلعب بالحَمَامِ فروى له الحديث المشهور «لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» (¬1) وزاد فيه «أَوْ جَنَاحٍ» إرضاءً للمهدي، فمنحه المهدي عشرة آلاف درهم، ثم قال بعد أن وَلَّى: «أَشْهَدُ أَنَّ قَفَاكَ قَفَا كَذَّابٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَأَمَرَ بِذَبْحِ الحَمَامِ. وهنالك أسباب أخرى للوضع كالرغبة في الإتيان بغريب الحديث من متن وإسناد، والانتصار للفتيا، والانتقام من فئة معينة، والترويج لنوع من المآكل أو الطيب أو الثياب، وقد توسع العلماء في ذكرها وضربوا لها الأمثال. ونتيجة لما ذكرناه من بواعث الوضع، نذكر فيما يلي أشهر أصناف الوَضَّاعِينَ وَهُمْ: 1 - الزنادقة. 2 - أرباب الأهواء والبدع. 3 - الشُعُوبِيُّونَ. 4 - المُتَعَصِّبُونَ لجنس أو بلد أو إمام. 5 - المُتَعَصِّبُونَ للمذاهب الفقهية مع جهل وقلة دين. 6 - القُصَّاص. 7 - الزهاد والمغفلون من الصالحين. 8 - المتملقون للملوك، والطالبون الزلفى إليهم. 9 - المُتَطَفِّلُونَ على الحديث مِمَّنْ يُفَاخِرُونُ بِعُلوِّ الإسناد وغريب الحديث. ولا بد لي في ختام هذا البحث من إبداء ملاحظة، كثيراً ما تَرَدَّدَتْ على الخاطر، ثم قويت أثناء كتابة هذا الفصل، وهي ما كان لتساهل الخلفاء والأمراء مع الوَضَّاعِينَ من أثر سَيِّءٍ جَرَّ على الدين كثيراً من البلاء، ولو وقفوا منهم موقف الجد وقضوا على رؤسائهم، كما هو حكم الله في مثل هذه الحالة، لما انتشرت هذا الانتشار، بل رأينا مع الأسف أن خليفة كالمهدي رغماً عن اعترافه بكذب غياث بن إبراهيم وزيادته في الحديث تقرباً إلى هواه، كافأه بعشرة آلاف درهم ... وما تقوله الرواية من أنه أمر بذبح الحَمَامِ لأنه كان سبباً في هذه الكذبة، فهو مدعاة ¬

_ (¬1) أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة، ورواه الشافعي والحاكم وَصَحَّحَهُ.

للعجب ... إذ كان خيراً للمهدي أَنْ يُؤَدِّبَ هذا الكاذب الفاجر، ويترك الحمام من غير ذبح، بدلاً من أن يذبح الحمام ويترك من يستحق الموت حراً طليقاً ينعم بمال المُسْلِمِينَ، بل نحن نرى للمهدي تساهلاً آخر مع كذاب آخر، وهو «مقاتل بن سليمان البلخي» فقد قال له مقاتل: «إِنْ شِئْتََ وَضَعْتُ لَكَ أَحَادِيثَ فِي العَبَّاسِ وَبَنِيهِ» فقال له المهدي: «لاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا ... » ثم لم يفعل معه شيئاً. بل نجد أنهم ذكروا عن الرشيد وقد روى له أبو البختري الكَذَّابُ حَدِيثًا مكذوباً، «أن النَّبِيَّ كَانَ يُطَيِّرُ الحَمَامَ!» لا يزيد في تأنيب أبي البختري - وقد أدرك كذبه - على أن يقول له: «أُخْرُجْ عَنِّي، لَوْلاَ أَنَّكَ مِنْ قُرَيْشٍ لَعَزَلْتُكَ» وقد كان هذا الكذاب قاضياً للرشيد ... إن هذه المواقف مِمَّا يحاسب الله عليها هؤلاء الخلفاء إِنْ صَحَّتْ عنهم تلك الروايات، وإذا كنا نذكر لهم فضل تَعَقُّبِهِمْ للزنادقة الذين أفسدوا دين الإسلام، فإننا لا ننكر أن من الدوافع التي حملتهم على تَعَقُّبِهِمْ بالقتل هو أنهم كانوا خارجين على حكمهم بدليل أننا لم نرهم فعلوا بِالكَذَّابِينَ وَالوَضَّاعِينَ الذين تقربوا إليهم بالكذب على رسول الله إِرْضَاءً لأهوائهم، عُشْرَ ما فعلوه مع الخارجين على حكمهم، ولقد كان القُصَّاصُ يملأون المساجد بأكاذيبهم على مسمع من الأمراء والملوك، وكان الكَذَّابُونَ مِنَ الزُهَّادِ وغيرهم يسرحون ويمرحون دُونَ أن يجدوا من يضرب على أيديهم ويوقفهم عند حَدِّهِمْ، ولولا أن هَيَّأَ الله لدينه من العلماء الأثبات والأئمة الحفاظ في كل مصر وعصر، يَذُبُّونَ عن شريعة الله تحريف المُحَرِّفِينَ، وَيُجَرِّدُونَ سُنَّةَ رسول الله من كل ما خالطها من دَسٍّ وتحريف، لكانت المصيبة شاملة، ولكانت معالم الحق في دين الله مدروسة مطموسة، لا نستطيع أن نهتدي إليها إلا بشق الأنفس، وهيهات أن نصل إلى لُبَابِ الحق لولا نهضة السلف الجبارة التي قَاوَمُوا بها الوضع وَالوَضَّاعِينَ، وحفظوا بها حديث رسول الله من الكذب وَالكَذَّابِينَ إلى يوم الدين.

الفصل الثالث: في جهود العلماء لمقاومة حركة الوضع:

الفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي جُهُودِ العُلَمَاءِ لِمُقَاوَمَةِ حَرَكَةِ الوَضْعِ: لا يستطيع من يدرس موقف العلماء - منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السُنَّةِ - من الوضع وَالوَضَّاعِينَ وجهودهم في سبيل السُنّةِ وتمييز صحيحها من فاسدها، إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه، وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا - رَحِمَهُمْ اللهُ -، هم أول من وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. وإليك بيان الخطوات التي ساروها في سبيل النقد حتى أنقذوا السُنَّةَ مِمَّا دُبِّرَ لها من كيد، ونظفوها مِمَّا علق بها من أوحال. أَوَلاً - إسناد الحديث: لم يكن صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد وفاته يشك بعضهم في بعض كما رأيت، ولم يكن التابعون يتوقفون عن قبول أي حديث يرويه صحابي عن رسول الله، حتى وقعت الفتنة وقام اليهودي الخاسر عبد الله بن سبأ بدعوته الآثمة التي بناها على فكرة التشيع الغالي القائل بألوهية عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأخذ الدَسُّ عَلَى السُنَّةِ يربو عصراً بعد عصر، عندئذ بدأ العلماء من الصحابة والتَّابِعِينَ يتحرون في نقل الأحاديث ولا يقبلون منها إلا ما عرفوا طريقها وَرُوَّاتِهَا، واطمأنوا إلى ثقتهم وعدالتهم. يقول ابن سيرين فيما يرويه عنه الإمام مسلم في " مقدمة صحيحه ": «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ. فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنظَرُ إِلَى أَهْلِ البِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ» وقد ابتدأ هذا التثبت منذ عهد صغار الصحابة

الذين تأخرت وفاتهم عن زمن الفتنة، فقد روى مسلم في " مقدمة صحيحه " عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ بُشَيْرًا العَدَوِيَّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا، فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لا يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ، ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَالِي لا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي؟ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ولا تَسْمَعُ»، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: «إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنْ النَّاسِ إلاَّ مَا نَعْرِفُ». ثم أخذ التابعون في المطالبة بالإسناد حين فشا الكذب يقول أبو العالية: «كُنَّا نَسْمَعُ الحَدِيثَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلاَ نَرْضَى حَتَّى نَرْكَبَ إِلَيْهِمْ فَنَسْمَعَهُ مِنْهُمْ» ويقول ابن المبارك: «الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ». ويقول ابن المبارك أيضاًً: «بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ» يعني الإسناد (¬1). ثَانِياً - التوثق من الأحاديث وذلك بالرجوع إلى الصحابة والتَّابِعِينَ وأئمة هذا الفن، فلقد كان من عناية الله بِسُنَّةِ نبيه أن مَدَّ في أعمار عدد من أقطاب الصحابة وفقهائهم ليكونوا مَرْجِعًا يهتدي الناس بهديهم، فلما وقع الكذب لجأ الناس إلى هؤلاء الصحابة يسألونهم ما عندهم أَوَلاً، ويستفتونهم فيما يسمعونه من أحاديث وآثار. روى مسلم في " مقدمة صحيحه " عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابًا، وَيُخْفِي عَنِّي، فَقَالَ: «وَلَدٌ نَاصِحٌ أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الأُمُورَ اخْتِيَارًا، وَأُخْفِي عَنْهُ»، [قَالَ]: فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ، فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ، وَيَمُرُّ [بِهِ] الشَّيْءُ، فَيَقُولُ: «وَاللهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ضَلَّ» ولهذا الغرض أنه كثرت رحلات التَّابِعِينَ بل بعض الصحابة أيضاًً من مصر إلى مصر ليسمعوا الأحاديث الثابتة من الرُوَّاةِ الثقات، وقد تقدم لك سفر جابر بن عبد الله إلى الشام، وأبي أيوب إلى مصر لسماع الحديث. ويقول سعيد بن المسيب: «إِنِّي كُنْتُ لأَسِيرُ ¬

_ (¬1) " مقدمة صحيح مسلم ": 1/ 10.

اللَّيَالِي وَالأَيَّامَ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ الوَاحِدِ» (¬1) وَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ مَرَّةً بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لِمَنْ حَدَّثَهُ بِهِ: «خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى المَدِينَةِ» (¬2) وَيَقُولُ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الحَضْرَمِيِّ (*) قَالَ: «إِنْ كُنْتُ لأَرْكَبُ إِلَى المِصْرِ مِنَ الأَمْصَارِ فِي الحَدِيثِ الْوَاحِدِ لأَسْمَعَهُ» (¬3). ثَالِثاً - نقد الرُوَاة. وبيان حالهم من صدق أو كذب. وهذا باب عظيم وصل منه العلماء إلى تمييز الصحيح من المكذوب والقوي من الضعيف. وقد أبلوا فيه بلاء حسناً. واتبعوا الرُوَّاةَ ودرسوا حياتهم وتاريخهم وسيرتهم وما خفي من أمرهم وما ظهر. ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا منعهم عن تجريح الرُوَّاةَ والتشهير بهم ورع ولا حرج، قيل ليحيى بن سعيد القطان: «أَمَا تَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ الذِينَ تَرَكْتَ حَدِيثَهُمْ خُصَمَاءَكَ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟» فَقَالَ: «لأَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ خَصْمِي أَحَبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمِي رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكَذِبَ عَنْ حَدِيثِي؟». وقد وضعوا لذلك قواعد ساروا عليها فيمن يؤخذ منه ومن لا يؤخذ، ومن يُكتَبُ عنه ومن لا يُكتَبُ عنه. ومن أهم أصناف المتروكين الذين لا يؤخذ حديثهم. 1 - الكَاذِبُونَ على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يؤخذ حديث من كذب على النَّبِيِّ، كما أجمعوا على أنه من أكبر الكبائر، واختلفوا في كفره: فقال به جماعة، وقال آخرون بوجوب قتله واختلفوا في توبته هل تقبل أم لا؟ فرأى أحمد بن حنبل وأبو بكر الحُمَيْدِي شيخ البخاري أنه لا تقبل توبته أَبَداً، واختار النووي القطع بصحة توبته وقبول كشهادته، وحاله كحال الكافر إذا أسلم. وذهب أبو المظفر السمعاني إلى أن من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من أحاديثه. ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 1/ 94. (¬2) نفس المصدر: 1/ 92. (¬3) المصدر السابق: 1/ 95. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [ورد في المطبوع (بشر بن عبد الله الحضرمي) وهو خطأ والصحيح ما أثبته (بُسْرٌ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الحَضْرَمِيِّ)].

2 - الكَاذِبُونَ في أحاديثهم العامة: ولو لم يكذبوا على الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد اتفقوا على أن من عُرِفَ عنه الكذب ولو مرة واحدة ترك حديثه، قال مالك - رَحِمَهُ اللهُ -: «لاَ يُؤْخَذُ العِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ: رَجُلٌ مُعْلِنٌ بِالسَّفَهِ وَإِنْ كَانَ أَرْوَى النَّاسِ، وَرَجُلٌ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتُ لَا أَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَاحِبُ هَوَىً يَدْعُو النَّاسَ إِلَىَ هَوَاهُ، وَشَيْخٌ لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ» (*). وأما من تاب من كذبه وعرفت عدالته بعد ذلك، فالجمهور على قبول توبته وخبره، وخالف أبو بكر الصيرفي فقال: «كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خَبَرَهُ مِنْ أَهْلَ النَّقْلِ بِكَذِبٍ وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ نَعُدْ لِقَبُولِهِ بِتَوْبَةٍ تَظْهَرُ». 3 - أصحاب البدع والأهواء: وكذلك اتفقوا على أنه لا يقبل حديث صاحب البدعة إذا كفر ببدعته، وكذا إذا استحل الكذب وإن لم يكفر ببدعته، أما إذا لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يُفرِّق بين كونه داعية أو غير داعية؟ قال الحافظ ابن كثير: «فِيْ ذَلِكَ نِزَاعٌ بَيْنَ قَدِيمٍ وَحَدِيثٍ، وَالذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُونَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِهِ (¬1). وَقَدْ حُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَى ابْنُ حِبَّانَ عَلَيْهِ الاتِّفَاقَ فَقَالَ: " لاَ يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً، لاَ أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلاَفًا ". وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعِ اتِّفَاقٍ كَمَا ادَّعَى ابْنُ حِبَّانَ، فَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ لِعِمْرَانَ بْنِ حَطَّانَ الخَارِجِيَِّ مَادِحَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَكْبَرِ الدُّعَاةِ إِلَى رَأْيِ الْخَوَارِجِ، وَأَيِضَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ إِلاَّ الخَطَّابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ، لأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ "» (¬2). وقد نقل الإمام عبد القادر البغدادي في كتابه " الفرق بين الفرق " أن الشافعي عدل أخيراً عن رأيه في قبول شهادة أهل الأهواء وزاد في الاستثناء المعتزلة (¬3) والذي يظهر لي أنهم يرفضون رواية المبتدع إذا روى ما يوافق بدعته، أو كان من طائفة عرفت بإباحة ¬

_ (¬1) فالداعية إلى بدعته لا تقبل روايته، وغير الداعية تقبل. (¬2) اختصار علوم الحديث: ص 107. (¬3) " الفرق بين الفرق ": ص 103. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [قارن بما ورد في كتاب " أبو هريرة راوية الإسلام " للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 45، نقلاً عن " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ": ص 79: أ - ب. و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: ص 32، جـ 1. قال الإمام مالك: «لاَ يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ سِوَى ذَلِكَ: لاَ يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلاَ مِنْ سَفِيهٍ مُعْلِنٌ بِالسَّفَهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ فَضْلٌ وَصَلاَحٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ»]. وانظر أيضًا " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للرامهرمزي، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، ص 403، الطبعة الثالثة: 1404 هـ، نشر دار الفكر - بيروت].

الكذب ووضع الحديث في سبيل أهوائها، ولهذا رفضوا رواية الرَّافِضَة (¬1) وقبلوا رواية بعض الشِيعَة الذين عرفوا بالصدق والأمانة، كما قبلوا رواية المبتدع إذا كان هو أو جماعته لا يستحلُون الكذب كـ «عِمْرَانِ بْنِ حِطَّانْ». 4 - الزَّنَادِقَةُ، وَالفُسَّاقُ، وَالمُغَفَّلُونَ الذين لا يفهمون ما يُحَدِّثُونَ، وكل من لا تتوفر فيهم صفات الضبط والعدالة والفهم، قال الحافظ ابن كثير: «المَقْبُولُ الثِّقَةُ الضَّابِطُ لِمَا يَرْوِيهِ، وَهُوَ المُسْلِمُ العَاقِلُ البَالِغُ سَالِمًا مِنْ أَسْبَابِ الفِسْقِ وَخَوَارِمِ المُرُوءَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مُتَيَقِّظًا غَيْرَ مُغَفَّلٍ، حَافِظًا إِنْ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ، فَاهِمًا إِنْ حَدَّثَ عَنْ المَعْنَى، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَا رُدَّتْ رِوَايَتُهُ» (¬2). والرُّوَاةُ الذين يتوقف في قبول روايتهم أصناف، من أهمهم: 1 - مَنْ اخْتُلِفَ في تجريحه وتعديله. 2 - مَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ وخالف الأئمة الثقات في مروياتهم. 3 - مَنْ كَثُرَ نسيانه. 4 - من اختلط آخر عمره. 5 - من ساء حفظه. 6 - من كان يأخذ عن الثقات والضعفاء ولا يتحرى. رَابِعاً - وضع قواعد عامة لتقسيم الحديث وتمييزه: وذلك أنهم قسموا الحديث إلى ثلاثة أقسام: صحيح، وحسن وضعيف. حَدُّ الصَّحِيحِ: أما الصحيح فهو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله حتى ينتهي إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو إلى منتهاه من صحابي أو من دونه، ولا يكون شاذاً ولا مردوداً ولا مُعَلَّلاً بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ (¬3) واحترزوا باتصال السند عن انقطاع سلسلته فإن سقط منه الصحابي كان مُرْسَلاً، وهو عند جمهور المُحَدِّثِينَ غير محتج به، وَنَازِلٌ عن مرتبة الصحيح وفيه خلاف بين الفقهاء. ¬

_ (¬1) يقول يزيد بن هارون: «نَكْتُبُ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إِلاَّ الرَّافِضَةَ فَإِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ». " مِنْهَاجُ السُنَّة النَّبَوِيَّةِ ": 1/ 13. (¬2) " اختصار علوم الحديث ": ص 98. (¬3) " اختصار علوم الحديث ": ص 6.

الحَسَنُ: واختلفوا في حد الحسن لأنه كما قال الشيخ ابن الصلاح: لما كان وسطاً بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر لا في نفس الأمر، عسر التعبير عنه وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة، وذلك لأنه أمر نِسْبِيٌّ، شيء ينقدح عند الحافظ ربما تقصر عنه عبارته، ثم اختار التعبير عنه بقوله: «الحَدِيثُ الحَسَنُ قِسْمَانِ: (أَحَدُهُمَا) الحَدِيثُ الذِي لاَ يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُغَفَّلاً كَثِيرَ الخَطَأِ، وَلاَ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالكَذِبِ، وَيَكُونُ مَتْنُ الحَدِيثِ قَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آَخَرَ، (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ مِنَ المَشْهُورِينَ بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ رِجَالِ الصَّحِيحِ فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ وَلاَ يُعَدُّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ مُنْكَرًا وَلاَ يَكُونُ المَتْنُ شَاذًّا ولا مُعَلَّلاً» (¬1). هذا ولم يكن قدماء المُحَدِّثِينَ في القرن الأول والثاني قد اصطلحوا على تسمية قسم من الأحاديث بهذا الاسم (الحسن) وإنما حدث بعد ذلك في عصر أحمد والبخاري، ثم اشتهر بعد ذلك. الضَّعِيفُ: وهو القسم الثالث من أنواع الحديث عندهم، وهو ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح ولا صفات الحسن، وقد سموه باعتبار منشأ الضعيف فيه إما في سنده، أو في متنه. فمن أنواعه (المُرْسَلُ) وهو ما رفعه التابعي إلى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير ذكر الصحابي. وفي حُجِيَّتِهِ خلاف بين الفقهاء، أما المُحَدِّثُونَ فقد اتفقت آراؤهم على ألاَّ يعمل به، قال الإمام مسلم في " مقدمة صحيحه ": «وَالْمُرْسَلُ [مِنَ الرِّوَايَاتِ] فِي أَصْلِ قَوْلِنَا، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ» وقال الشيخ الحافظ أبو عمرو بن الصلاح: «وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الاحْتِجَاجِ بِالمُرْسَلِ وَالحُكْمِ بِضَعْفِهِ، هُوَ الذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ آرَاءُ جَمَاعَةِ حُفَّاظِ الحَدِيثِ وَنُقَّادِ الأَثَرِ وَتَدَاوَلُوُهُ فِي تَصَانِيفِهِمْ» وَلاَ شَكَّ أَنَّ هذا مبلغ الاحتياط في دين اللهِ وحفظ سُنَّةِ رَسُولِهِ، فإنهم مع اتِّفَاقِهِمْ ¬

_ (¬1) " اختصار علوم الحديث ": ص 28.

على عدالة الصحابة اتفقوا على ضعف المرسل، مع أنه لم يسقط منه إلا الصحابي، واحتمال أن يكون الصحابي قد رواه عن تابعي احتمال ضعيف جِدًّا لم يقع، ولو وقع لَبَيَّنَهُ الصحابي (¬1) فإذا كان التابعي الثقة أسقط الصحابي وهم كلهم عدول، فما الذي يضير الحديث؟ ولكنه الضبط والاحتياط اللذان عرف بها علماء هذه الأُمَّةِ. ومن أنواع الضعيف (المُنْقَطِعُ) وهو أن يسقط من الإسناد رجل (غير الصحابي) أو يذكر فيه رجل مُبْهَمٌ. ومنه (المُعْضَلُ) وهو ما سقط من سنده اثنان فصاعداً، ومنه ما يرسله تابع التابعي عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومنه (الشَاذُّ) وقد عَرَّفَهُ الشافعي بأن يروي الثِّقَةُ حَدِيثًا يخالف ما روى الناس فهذا يتوقف فيه، وَعَرَّفَهُ حُفَّاظُ الحَدِيثِ: بأنه ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غير ثقة، فيتوقف فيما شذ به الثقة ولا يحتج به، ويرد ما شذ به غير الثقة. ولكن تعريف الشافعي أولى لأنه يلزم على التعريف الثاني التوقف في أحاديث كثيرة لا يرويها إلا رَاوٍ واحد من الثقات، كيف وقد قال مسلم: «لِلْزُّهْرِيِّ تِسْعُونَ حَرْفًا لاَ يَرْوِيهَا غَيْرُهُ»؟ ومنه (المُنْكَرُ) وهو ما شَذَّ به الراوي الذي ليس بعدل ولا ضابط فإنه يُرَدُّ وَلاَ يُقْبَلُ. ومنه (المُضَطَرِبُ) وهو أن تختلف روايات الحديث في متنه أو سنده، ولا يمكن ترجيح إحداهما على الباقية لاستوائها جَمِيعًا في الصحة ورواية الثقات، وهو ضعيف إلا أنه كان الاختلاف في اسم أبيه أو نسبته مثلاً ويكون الراوي ثقة، فعندئذ يحكم للحديث بالصحة. ¬

_ (¬1) بَقِيَ احْتِمَالٌ أَنْ يَكُونَ التَّابِعَيُّ قَدْ رَوَاهُ عَنْ تَابِعِيٍّ مِثْلَهُ أَسْنَدَهُ إِلَى الرَّسُولِ، وَهَذَا الاِحْتِمَالُ - عَلَى قِلَّتِهِ - لاَ يُؤَثِّرُ، لأَنَّ التَّابِعِيَّ الثِّقَةَ لاَ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللهِ حَدِيثًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ صَحَابِيٍّ.

الموضوع وعلاماته:

المَوْضُوعُ وَعَلاَمَاتُهُ: وكما وضع العلماء القواعد لمعرفة الصحيح والحسن والضعيف من أقسام الحديث، وضعوا قواعد لمعرفة الموضوع وذكروا له علامات يعرف بها، وقد ذكرنا من قبل أصناف الوَضَّاعِينَ والأسباب الحاملة على ذلك، ونذكر الآن العلامات التي تدل على الوضع وَنُقَسِّمُهَا إلى قسمين: علامات في السند وعلامات في المتن. عَلاَمَاتُ الوَضْعِ فِي السَّنَدِ: وهي كثيرة أهمها: 1 - أن يكون راويه كَذَّابًا معروفًا بالكذب، ولا يرويه ثقة غيره، وقد عنوا بمعرفة الكَذَّابِينَ وتواريخهم وتتبعوا ما كذبوا فيه بحيث لم يفلت منهم أحد. 2 - أن يعترف وَاضِعُهُ بالوضع، كما اعترف أبو عصمة نوح بن أبي مريم بوضعه أحاديث فضائل السور، وَكَمَا اعْتَرَفَ عَبْدُ الكَرِيمِ بْنُ أَبِي العَوْجَاءِ بِوَضْعِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ حَدِيثٍ، يُحَرِّمُ فِيهَا الحَلاَلَ، وَيُحَلِّلُ فِيهَا الحَرَامَ (¬1). 3 - أن يروي الراوي عن شيخ لم يثبت لقياه له أو ولد بعد وفاته، أو لم يدخل المكان الذي ادَّعَى سماعه فيه، كَمَا ادَّعَى مَأْمُونُ بْنُ أَحْمَدَ الهَرَوِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ هِشَامٍ بْنِ عَمَّارٍ، فَسَأَلَهُ الحَافِظُ ابْنُ حِبَّانَ: «مَتَى دَخَلْتَ الشَّامَ؟» قَالَ: «سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ»، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: «فَإِنَّ هِشَامًا الذِي تَرْوِي عَنْهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ» (¬2)، وكما حَدَّثَ عبد الله بن إسحاق الكرماني عن محمد بن أبي يعقوب، فقيل له: «مَاتَ مُحَمَّدٌ قَبْلَ أَنْ تُولَدَ بِتِسْعِ سِنِينَ» (¬3)، وكما حَدَّثَ محمد بن حاتم الكشي عن عبد بن حميد فقال الحاكم أبو عبد الله: «هَذَا الشَّيْخُ سَمِعَ مِنْ عَبْدٍ بْنُ حُمَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً»، وفي " مقدمة مسلم ": «أَنَّ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ»، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ - يَعْنِي الفَضْلَ بْنَ دُكَيْنِ حَاكِيهِ عَنْ المُعَلَّى -: «أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟» وذلك لأن ابن مسعود تُوُفِّيَ سَنَةَ اثنتين أو ثلاثة وثلاثين قبل انقضاء خلافة عثمان بثلاثة سنين، ولا شك أن العمدة في ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (¬1) [انظر في نوح بن أبي مريم ص 87 وفي عبد الكريم بن أبي العوجاء ص 85 من هذا الكتاب]. (¬2) [انظر " لسان الميزان " لابن حجر العسقلاني، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، 6/ 447، الطبعة الأولى، 2002 م، نشر دار البشائر الإسلامية]. (¬3) [انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور محمود الطحان، 1/ 132، نشر مكتبة المعارف - الرياض. المملكة العربية السعودية].

علامات الوضع في المتن:

مثل هذه الحالة على التاريخ، تاريخ مواليد الرُّوَاة وإقامتهم ورحلاتهم وشيوخهم ووفاتهم. ولذلك كان علم الطبقات علماً قائماً بذاته لا يستغني عنه نُقَّادُ الحديث، قال حفص بن غياث القاضي: «إِذَا اتَّهَمْتُمْ الشَّيْخَ فَحَاسِبُوهُ بِالسِّنِينَ»، يعني سِنُّهُ وسِنُّ من كتب عنه، وقال سفيان الثوري: «لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُمْ التَّوَارِيخَ». 4 - وقد يستفاد الوضع من حال الراوي وبواعثه النفسية، مثل ما أخرجه الحاكم عن سَيْفِ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ قَالَ [كُنْتُ] عِنْدَ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ فَجَاءَ ابْنُهُ مِنَ الكُتَّابِ فَقَالَ: " مَالَكَ؟ " قَالَ: " ضَرَبَنِي الْمُعَلِّمُ " فَقَالَ: " لأُخْزِيَنَّهُمُ اليَوْمَ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ، أَقَلُّهُمْ رَحْمَةً لِلْيَتِيمِ وَأَغْلَظُهُمْ عَلَى المِسْكِينِ» ومثل حديث «الهَرِيسَةُ تَشُدُّ الظَهْرَ» فإن واضعه محمد بن الحجاج النخعي، كان يبيع الهريسة. عَلاَمَاتُ الوَضْعِ فِي المَتْنِ: أما علامات الوضع في المتن فهي كثيرة أهمها: 1 - ركاكة اللفظ: بحيث يدرك العليم بأسرار البيان العربي أن مثل هذا اللفظ ركيك لا يصدر عن فصيح ولا بليغ فكيف بسيد الفصحاء - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال الحافظ ابن حجر: «وَمَحَلُّ هَذَا إِنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: «وَكَثِيرًا مَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ - أَيْ بِالْوَضْعِ - بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ تَرْجِعُ إِلَى الْمَرْوِيِّ [وَأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ]، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُمْ - لِكَثْرَةِ مُحَاوَلَةِ أَلْفَاظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْئَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَمَلَكَةٌ قَوِيَّةٌ يَعْرِفُونَ بِهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ» (¬1). قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: «وَشَاهِدُ هَذَا أَنَّ إِنْسَانًا لَوْ خَدَمَ إِنْسَانًا سِنِينَ، وَعَرَفَ مَا يُحِبُّ، وَمَا يَكْرَهُ، فَادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ شَيْئًا، يَعْلَمُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُحِبُّهُ، فَبِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ يُبَادِرُ إِلَى تَكْذِيبِهِ» (¬2). 2 - فساد المعنى: بأن يكون الحديث مخالفاً لبدهيات العقول من غير أن يمكن تأويله مثل: «إِنَّ سَفِينَةَ نُوحٍ طَافَتْ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّتْ عِنْدَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ» أو أن يكون مخالفاً للقواعد العامة في الحكم والأخلاق مثل «جَوْرُ التُّرْكِ وَلاَ عَدْلَ العَرَبِ» أو داعياً إلى الشهوة والمفسدة مثل «النَّظَرُ إِلَى الوَجْهِ الحَسَنِ يُجْلِي البَصَرَ» ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (¬1) [انظر: " فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي " للسخاوي، تحقيق علي حسين علي: 1/ 332، الطبعة الأولى: 1424 هـ - 2003 م، نشر مكتبة السُنَّةِ مصر]. (¬2) [انظر: " تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي " للإمام السيوطي، تحقيق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف: 1/ 276، الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1979 م، نشر دار إحياء السُنَّةِ النبوية].

أو مخالفاً لِلْحِسِّ والمشاهدة مثل «لا يُولَدُ بَعْدَ الْمِائَةِ مَوْلُودٌ لِلَّهِ فِيهِ حَاجَةٌ» أو مخالفاً لقواعد الطب المتفق عليها مثل «البَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» أو مخالفاً لما يوجبه العقل لله من تنزيه وكمال، نحو «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الفَرَسَ فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ، فَخَلَقَ نَفَسَهُ مِنْهَا» أو يكون مخالفاً لقطعيات التاريخ أو سُنَّةِ الله في الكون والإنسان، مثل حديث: عوج بن عنق وأن طوله ثلاثة آلاف ذراع. وأن نوحاً لما خوفه الغرق، قال: احملني في قصعتك هذه، يعني (السفينة) وَأَنَّ الطُوفَانَ لَمْ يَصِلْ إِلَى كَعْبِهِ وأنه كان يدخل يده في البحر فيلتقط السمكة من قاعه ويشويها قرب الشمس. ومن ذلك حديث رتن الهندي وأنه عاش ستمائة سَنَةً وأدرك النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أو يكون مشتملاً على سخافات وسماجات يصان عنها العقلاء مثل «الدِّيكُ الأَبْيَضُ حَبِيبِي وَحَبِيبُ حَبِيبِي جِبْرِيلُ» ومثل «اتَّخِذُوا الحَمَامَ المَقَاصِيصَ فَإِنَّهَا تُلْهِي الجِنَّةَ عَنْ صِبْيَانِكُمْ» وهكذا كل ما يَرُدُّهُ العقل بداهة فهو باطل مردود. قال ابن الجوزي: «مَا أَحْسَنَ قَوْلَ القَائِلِ: كُلُّ حَدِيثٍ رَأَيْتَهُ تُخَالِفُهُ العُقُولُ وَتُنَاقِضُهُ الأُُصُولُ وَتُبَايِنُهُ النُقُولُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ». وقال الرازي في " المحصول ": «كُلُّ خَبَرٍ أَوْهَمَ بَاطِلاً، وَلَمْ يَقْبَلِ التَّأْوِيلَ، فَمَكْذُوبٌ، أَوْ نَقَصَ مِنْهُ مَا يُزِيلُ الوَهْمَ». 3 - مخالفته لصريح القرآن: بحيث لا يقبل التأويل، مثل «وَلَدُ الزِّنَا لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَى سَبْعَةِ أَبْنَاءَ» فإنه مخالف لقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1) بل هذا الحديث الموضوع مأخوذ من التوراة، فإنه من أحكامها. ومثل ذلك أن يكون مخالفاً لصريح السُنَّةِ المُتَوَاتِرَةِ: مِثْلَ «إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُوَافِقُ الحَقَّ فَخُذُوا بِهِ حَدَّثْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أَحَدِّثْ» فإنه مخالف للحديث المتواتر «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» أو يكون مخالفاً للقواعد العامة المأخوذة من القرآن وَالسُنَّةِ، مثل في «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا كَانَ هُوَ وَمَوْلُودُهُ فِي الجَنَّةِ» ومثل في «آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلاَّ أُدْخِلَ النَّارَ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ أَحْمَدٌ» فإن هذا مخالف للمعلوم المقطوع به من أحكام القرآن وَالسُنَّةُِ من أن النجاة بالأعمال الصالحة لا بالأسماء والألقاب. أو أن يكون مخالفاً للإجماع، مثل في «مَنْ قَضَى صَلَوَاتٍ مِنِ الفَرَائِضِ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ ذَلِكَ جَابِرًا لِكُلِّ صَلاَةٍ فَاتَتْهُ مِنْ عُمْرِهِ إِلَى ¬

_ (¬1) [سورة الأنعام، الآية: 164].

سَبْعِينَ سَنَةً». فإن هذا مخالف لما أجمع عليه من أن الفائتة لا يقوم مقامها شيء من العبادات. 4 - مخالفته لحقائق التاريخ المعروفة في عصر النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مثل حديث «أن النَّبِيَّ وَضَعَ الجِزْيَةِ عَلَىَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَرَفَعَ عَنْهُمْ الْكُلْفَةَ (¬1) وَالْسُّخْرَةَ بِشَهَادَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَكِتَابَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ»، مع أن الثابت في التاريخ أن الجزية لم تكن معروفة ولا مشروعة في عام خيبر، وإنما نزلت آية الجزية بعد عام تبوك، وأن سعد بن معاذ تُوُفِّيَ قبل ذلك في غزوة الخندق، وأن معاوية إنما أسلم زَمَنَ الفتح. فحقائق التاريخ ترد هذا الحديث وتحكم عليه بالوضع. ومن أمثلة ذلك حديث أنس في «دَخَلْتُ الحَمَّامَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ جَالِسًا وَعَلَيْهِ مِئْزَرٌ، فَهَمَمْتُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فَقَالَ: " يَا أَنَسُ إِنَّمَا حَرَّمْتُ دُخُولَ الحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا "» مع أن الثابت تاريخياً أن الرسول لم يدخل حمَّاماً قَطُّ، إذ لم تكن الحَمَّامَاتُ موجودة في الحجاز في عصره. 5 - موافقة الحديث لمذهب الراوي: وهو متعصب مُغَالٍ في تعصبه، كأن يروي رافضي حَدِيثًا في فضائل أهل البيت، أو مرجئٌ حَدِيثًا في الإرجاء، مثل ما رواه حَبَّةُ بْنُ جُوَيْنٍ قال: «سَمِعْتُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «عَبَدْتُ اللهَ مَعَ رَسُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَمْسَ سِنِينَ أَوْ سَبْعَ سِنِينَ»، قال ابن حبان: «كَانَ حَبَّةُ غَالِيًا فِي التَشَيُّعِ، وَاهِيًا فِي الحَدِيثِ». 6 - أن يتضمن الحديث أمراً من شأنه أن تتوفر الدواعي على نقله: لأنه وقع بمشهد عظيم ثم لا يشتهر ولا يرويه إلا واحد، وبهذا حَكَمَ أَهْلُ السُنَّةِ على حديث «غَدِيرِ خُمْ» بالوضع والكذب، قال العلماء: إن من أمارات الوضع في هذا الحديث أن يُصَرِّحَ بوقوعه على مشهد من الصحابة جميعاً ثم يقع بعد ذلك أن يَتَّفِقُوا ¬

_ (¬1) هي المشقة والشدة تقول: كلفه أي: أمره بما يشق عليه.

جميعاً على كتمانه حين استخلاف أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ومثل هذا بعيد ومستحيل في العادة والواقع، فانفراد الرَّافِضَة بنقل هذا الحديث دُونَ جماهير المُسْلِمِينَ دليل على كذبهم فيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَمِنْ هَذَا الْبَابِ نَقْلُ النَّصِّ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ هَذَا النَّصَّ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، وَلاَ نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَهُ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ مَعَ تَنَازُعِ النَّاسِ فِي الخِلاَفَةِ، وَتَشَاوُرِهِمْ فِيهَا يَوْمَ السَّقِيفَةِ، وَحِينَ مَوْتِ عُمَرَ، وَحِينَ جُعِلَ الأَمْرُ شُورَى بَيْنَهُمْ فِي سِتَّةٍ، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ، فَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّصِّ لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ نَصًّا جَلِيًّا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ عَلِمَهُ المُسْلِمُونَ، لَكَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَنْقُلَهُ النَّاسُ نَقْلَ مِثْلِهِ، وَأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، بَلْ أَكْثَرِهِمْ، فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الهِمَمُ عَلَى ذِكْرِهِ فِيهَا غَايَةَ التَّوَفُّرِ، فَانْتِفَاءُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لاَزِمٌ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَلْزُومٌ» (¬1). وقال ابن حزم: «وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ رِوَايَةً عَنْ أَحَدٍ فِي هَذَا النَّصِّ المُدَّعَى إِلاَّ رِوَايَةً وَاهِيَةً عَنْ مَجْهُولٍ إِلَى مَجْهُولٍ يُكَنَّى أَبَا الْحَمْرَاءِ لاَ نَعْرِفُ مَنْ هُوَ فِي الْخَلْقِ». قال ابن أبي الحديد (¬2): «وَاعْلَمْ أَنَّ الآثَارَ وَالأَخْبَارَ فِي هَذَا البَابِ كَثِيْرَةٌ جِدًّا، وَمَنْ تَأَمَّلَهَا وَأَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَصٌّ صَرِيحٌ وُمَقْطُوعٌ بِهِ لاَ تَخْتَلِجُهُ الشُّكُوكُ وَلاَ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الاحْتِمَالاَتُ كَمَا تَزْعُمُ الإِمَامِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - نَصًّا صَرِيحًا جَلَيًّا لَيْسَ بِنَصِّ يَوْمِ الغَدِيرِ وَلاَ خَبَرَ المَنْزِلَةِ وَلاَ مَا شَابَهَهُمَا مِنَ الأَخْبَارِ الوَارِدَةِ مِنْ طُرُقِهِ العَامَّةِ وَغَيْرِهَا، بَلْ نَصَّ عَلَيْهِ بِالخِلاَفَةِ وَبِإِمْرَةِ المُؤْمِنِينَ، وَأَمَرَ المُسْلِمِينَ أَنْ يُسَلِّمُوْا عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِهَا، وَصَرَّحَ لَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَقَامَاتِ بِأَنَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ، وَلاَ رَيْبَ بِأَنَّ المُنْصِفُ إِذَا سَمِعَ ¬

_ (¬1) " منهاج السُنّة ": 4/ 118. (¬2) " شرح نهج البلاغة ": 1/ 135.

مَا جَرَى لَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا النَصَّ» اهـ. 7 - اشتمال الحديث على إفراط في الثواب العظيم: على الفعل الصغير، والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير، وقد أكثر القصاص من مثل هذا النوع ترقيقاً لقلوب الناس وإثارة لتعجبهم، مثل «مَنْ صَلَّىَ الضُّحَى كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً أُعْطِيَ ثَوَابَ سَبْعِينَ نَبِيًّا» ومثل «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى لَهُ طَائِرًا لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ». هذه أهم القواعد التي وضعها العلماء لنقد الحديث ومعرفة صحيحه من موضوعه، ومنه ترى أنهم لم يقتصروا في جهدهم على نقد السند فقط أو يوجهوا جل عنايتهم إليه دُونَ المتن، كما سيأتي في زعم بعض المُسْتَشْرِقِينَ ومشايعيهم، بل كان نقدهم مُنْصَبًّا على السند والمتن على السواء، ولقد رأيت كيف جعلوا لأمارات الوضع أربعاً منها في السند، وسبعاً منها في المتن، ولم يكتفوا بهذا، بل جعلوا للذوق الفني مجالاً في نقد الأحاديث وردها أو قبولها، فكثيراً مَا رَدُّوا أحاديث لمجرد سماعهم لها، لأن مَلَكَتَهُمْ الفنية لم تستسغها ولم تقبلها، ومن هذا كثيراً ما يقولون: «هَذَا الحَدِيثُ عَلَيْهِ ظُلْمَةٌ، أَوْ مَتْنُهُ مُظْلِمٌ، أَوْ يُنْكِرُهُ القَلْبُ، أَوْ لاَ تَطْمَئِنُّ لَهُ النَّفْسُ» وليس ذلك بعجيب فقد قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: «إِنَّ مِنَ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ضَوْءٌ [كَضَوْءِ النَّهَارِ] نَعْرِفُهُ بِهِ، وَإِنَّ مِنَ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ظُلْمَةٌ كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ نَعْرِفُهُ بِهَا» (¬1) ويقول ابن الجوزي: «الحَدِيثُ المُنْكَرُ يَقْشَعِرُّ لَهُ جَلْدُ الطَّالِبِ لِلْعِلْمِ، وَيَنْفِرُ مِنْهُ قَلْبُهُ فِي الْغَالِبِ». وسيأتي معنا مزيد بيان لهذا البحث عند التعرض لِشُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ وأشياعهم. ¬

_ (¬1) الحاكم في " معرفة علوم الحديث ": ص 26.

الفصل الرابع: في ثمار هذه الجهود:

الفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي ثِمَارِ هَذِهِ الجُهُودِ: بتلك الجهود المُوَفَّقَةِ التي سردناها عليك بإيجاز استقام أمر الشريعة بتوطيد دعائم السُنَّةِ التي هي ثاني مصادرها التشريعية، واطمأن المُسْلِمُونَ إلى حديث نبيهم فأقصي عنه كل دخيل، وَمُيِّزَ بين الصحيح والحسن والضعيف، وصان الله شرعه من عبث المفسدين وَدَسِّ الدَسَّاسِينَ وتآمر الزنادقة وَالشُعُوبِيِّينَ، وقطف المُسْلِمُونَ ثمار هذه النهضة الجبارة المباركة التي كان من أبرزها ما يلي: أَوَّلاً - تَدْوِينُ السُنَّةِ: قَدَّمْنَا أَنَّ السُنَّةَ لَمْ تُدَوَّنْ رَسْمِيًّا في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما دُوِّنَ القرآن، إنما كانت محفوظة في الصدور نقلها صحابة الرسول إلى من بعدهم من التَّابِعِينَ مشافهة وتلقيناً، وإن كان عصر النَّبِيِّ لم يخل من كتابة بعض الحديث، كما قَدَّمْنَاهُ لك في بحث كتابة السُنَّةَ، ولقد انقضى عصر الصحابة ولم تُدَوَّنْ فيه السُنَّةُ إلا قليلاً، إنما كانت تتناقلها الألسن. نعم لقد فكر عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بتدوين السُنَّةِ ولكنه عدل عن ذلك، فقد أخرج البيهقي في "المدخل " عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ، فَاسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَهَا، فَطَفِقَ عُمَرُ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهَا شَهْرًا، ثُمَّ أَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ عَزَمَ اللَّهُ لَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُبًا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنِّي - وَاللَّهِ - لاَ أُلْبِسُ كِتَابَ اللَّهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا» (¬1). ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 1/ 76.

وعذره الذي أوضحه يتفق مع الظرف الذي كان فيه المُسْلِمُونَ، إذ كان القرآن غضاً طرياً، والأمم تدخل في دين الله أفواجاً، فلا بد من توفرهم على كتاب الله حفظاً ودراسةً وتلاوةً حتى يكون الأساس لعقيدتهم والحامي لها من كل لُبْسٍ وَتَغْيِيرٍ، واستمر الأمر كذلك إلى أن وقعت الفتنة، وانتشر الكذب في الحديث ونهض أجلاء التَّابِعِينَ فمن بعدهم لمقاومة حركة الوضع، وقاموا بتلك الجهود الجليلة التي تحدثنا عنها، وقد كان من أول ثمار هذه الجهود أن دَوَّنُوا السُنَّةَ خوفاً عليها من الضياع، وصيانة لها من التَّزَيُّدِ والنقصان. وتكاد تجمع الروايات أن أول من فكر بالجمع والتدوين من التَّابِعِينَ عمر بن عبد العزيز، إذ أرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة «انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ، وَذَهَابَ العُلَمَاءِ» وطلب منه أن يكتب له ما عند عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَحْمَنِ الأَنْصَارِيَّةَ (98 هـ) والقاسم بن محمد بن أبي بكر (106 هـ) والذي يظهر أنه لم يخص ابن حزم بهذا العمل الجليل، بل أرسل إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذا، فقد أخرج أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " أَنَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الآفَاقِ: «انْظُرُوا إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ فَاجْمَعُوهُ» (¬1) وبذلك نَفَّذَ عمر رغبة جَدِّهِ عمر بن الخطاب التي جاشت في نفسه مُدَّةً ثم عدل عنها خوفاً من أن تلتبس بالقرآن أو يصرف الناس إليها، والذي يظهر أن أبا بكر بن حزم كتب لعمر شيئاً مِنَ السُنَّةِ فقد أنفذ إليه ما عند عَمْرَةَ والقاسم، ولكنه لم يُدَوِّنُ كل ما في المدينة من سُنَّةٍ وَأَثَرٍ، وإنما فعل هذا الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزُّهْرِيِّ (124 هـ) الذي كان عَلَماً خفَّاقاً من أعلام السُنَّةِ في عصره والذي كان عمر بن عبد العزيز يأمر جلساءه أن يذهبوا إليه لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم بِالسُنَّةِ منه، والذي ذكر " مسلم " أن له تسعين حَدِيثًا لا يرويها غيره، وذكر كثيراً من أئمة العلم في عصره أنه لولا الزُّهْرِيِّ لضاعت كثير من السُنَنِ هذا مع وجود الحسن البصري في عصر ¬

_ (¬1) وفي رواية الخطيب في "تقييد العلم " أنه كتب بذلك إلى أهل المدينة.

الزُّهْرِيِّ والذي يظهر أيضاًً أن تدوين الزُّهْرِي للسُنَّةِ لم يكن كالتدوين الذي تم على يد البخاري ومسلم أو أحمد وغيره من رجال المسانيد، وإنما كان عبارة عن تدوين كل ما سمعه من أحاديث الصحابة غير مُبَوَّبٍ على أبواب العلم، وربما كان مختلطاً بأقوال الصحابة وفتاوى التَّابِعِينَ، وهذا ما تقتضيه طبيعة البداءة في كل أمر جديد، وقد نستأنس لهذا بما روي عنه من أنه كان يخرج لطلابه أجزاء مكتوبة يدفعها إليهم لِيَرْوُوهَا عَنْهُ، وبذلك كان الزُّهْرِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أول من وضع حجر الأساس في تدوين السُنَّةِ في كتب خاصة، بعد أن كان عدد من علماء التَّابِعِينَ يكرهون كتابة العلم خشية من ضعف الذاكرة، بل كان الزُّهْرِيُّ نفسه في بدء شهرته العلمية يكره كتابة العلم ويمتنع عنه، حتى رغب إليه بذلك عمر بن عبد العزيز، وسيأتي معنا مزيد بيان لهذا البحث عند الكلام عن الزُّهْرِيِّ. ثم شاع التدوين في الجيل الذي يلي جيل الزُّهْرِيَّ. وكان أول من جمعه بمكة ابن جُرَيْجٍ (- 150 هـ) وابن إسحاق (- 151 هـ) وبالمدينة سعيد بن أبي عروبة (- 156 هـ) والربيع بن صُبيح (- 160 هـ) والإمام مالك (- 179 هـ) وبالبصرة حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ (- 167 هـ) وبالكوفة سفيان الثوري (- 161 هـ) وبالشام أبو عمرو الأوزاعي (- 157 هـ) وبواسط هُشَيْمٌ (- 173 هـ) وبخراسان عبد الله بن المبارك (- 181 هـ) وباليمن مَعْمَرٌ (- 154 هـ) وبالريِّ جرير بن عبد الحميد (- 188 هـ) وكذلك فعل سفيان بن عيينة (-198 هـ) والليث بن سعد (- 175 هـ) وَشُعْبَةُ بْنِ الحَجَّاجِ (- 160 هـ). وهؤلاء جميعاً كانوا في عصر واحد وَلاَ يُدْرَى أيهم سبق إلى ذلك، وكان صنيعهم في التدوين أن يجمعوا حديث رسول الله مختلطاً بأقوال الصحابة وفتاوى التَّابِعِينَ مع ضم الأبواب بعضها إلى بعض في كتاب واحد، قال الحافظ ابن حجر: «[وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى] الجَمْعِ بِالأَبْوَابِ، أَمَّا جَمْعُ حَدِيثٍ إِلَى مِثْلِهِ فِي بَابٍ وَاحِدٍ فَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهِ الشَّعْبِيُّ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " هَذَا بَابٌ مِنَ الطَّلاَقِ جَسِيمٌ» (¬1). ثم جاء القرن الثالث فكان أزهى عصور السُنّة وأسعدها بأئمة الحديث ¬

_ (¬1) " توجيه النظر ": ص 8.

وتآليفهم العظيمة الخالدة. فقد ابتدأ التأليف في هذا القرن على طريقة المسانيد: وهي جمع ما يروى عن الصحابي في باب واحد رغم تَعَدُّدِ الموضوع، وأول من فعل ذلك عبد الله بن موسى العبسي الكوفي، وَمُسَدِّدْ البَصْرِيِّ، وأسد بن موسى، ونُعيم بن حماد الخزاعي، ثم اقتفى أثرهم الحُفَّاظُ فصنف الإمام أحمد " مسنده " المشهور وكذلك فعل إسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة وغيره، وكانت طريقة هؤلاء في التأليف أن يفردوا حديث النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتأليف دُونَ أقوال الصحابة وفتاوى التَّابِعِينَ، ولكنهم كانوا يمزجون فيها الصحيح بغيره، وفي ذلك من العناء ما فيه على طالب التحديث، فإنه لا يستطيع أن يتعرف على الصحيح منها إلا أن يكون من أئمة الشأن، فإن لم يكن له وقوف على ذلك اضطر إلى أن يسأل أئمة الحديث فإن لم يتيسر له بقي الحديث مجهول الحال عنده. وهذا هو ما حدا بإمام المُحَدِّثِينَ وَدُرَّةَ السُنَّةِ في عصره محمد بن إسماعيل البخاري (- 256 هـ) أن ينحو في التأليف مَنْحًى جديداً بأن يقتصر على الحديث الصحيح فقط دُونَ ما عداه، فألَّفَ كتابه " الجامع الصحيح " المشهور، وتبعه في طريقته معاصره وتلميذه الإمام مُسْلِمٌ بْنُ الحَجَّاجِ القُشَيْرِيُّ (- 261 هـ) فألَّفَ " صحيحه " المشهور، وكان لهما فضل تمهيد الطريق أمام طالب الحديث ليصل إلى الصحيح من غير بحث وسؤال، وتبعهما بعد ذلك كثيرون، فأُلِّفَتْ بعدهما كتب كثيرة من أهمها: " سُنن أبي داود " (- 275 هـ) و" النسائي " (- 303 هـ) و" جامع الترمذي " (- 279 هـ) و" سُنن ابن ماجه " (- 273 هـ) وقد جمع هؤلاء الأئمة في مُصَنَّفَاتِهِمْ كُلَّ مُصَنَّفَاتِ الأئمة السابقين، إذ كانوا يروونها كما هي عادة المُحَدِّثِينَ، ثم جاء القرن الرابع فلم يزد رجاله على رجال القرن الثالث شيئاً جديداً إلا قليلاً مِمَّا استدركوه عليهم، وكل صنيعهم جمع ما جمعه من سبقهم. والاعتماد على نقدهم، والإكثار من طرق الحديث، ومن أشهر الأئمة في هذا العصر الإمام سليمان بن أحمد الطبراني (- 360 هـ) ألَّفَ معاجمه الثلاثة: 1 - " الكبير " وذكر فيه الأحاديث بجمع ما رواه كل صحابي على حدة، وَرَتَّبَ فيه الصحابة على الحروف وهو مشتمل على خمسمائة

ثانيا - علم مصطلح الحديث:

وخمسة وعشرين ألف حديث. 2 - و" الأوسط ". 3 - و" الأصغر "، ذكر فيهما الأحاديث بجمع ما رواه كل شيخ من شيوخه على حدة، وَرَتَّبَ فيهما شيوخه على الحروف أيضاً. ومنهم الدَّارَقُطْنِيُّ (- 385 هـ) ألّف " سُنَنَهُ " المشهورة، وَابْنُ حِبَّانَ البُسْتِيِّ (- 354 هـ) وَابْنُ خُزَيْمَةَ (311 - هـ) وَالطَّحَاوِي (- 321 هـ). بهذا تم تدوين السُنَّةِ وجمعها وتمييز صحيحها من غيرها، ولم يكن لعلماء القرون التالية إلا بعض استدراكات على كتب الصحاح، كـ " مستدرك " أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (- 405 هـ) الذي استدرك فيه على البخاري ومسلم أحاديث يرى أنها من الصحاح متفقة مع شرطيهما مع أنهما لم يخرجاها في " صحيحيهما "، وقد سَلَّمَ له العلماء - ومن أشهرهم الذهبي - قسماً منها وخالفوه في قسم آخر. ثَانِياً - عِلْمُ مُصْطَلَحِ الحَدِيثِ: ومن ثمار هذه الحركة المباركة أن دُوِّنَتْ القواعد التي وضعها العلماء أثناء حركتهم لمقاومة الوضع، والتي قسموا فيها الحديث إلى ما ذكرناه من أقسام ثلاثة وما يتعلق بها، وبذلك كان عندنا علم مصطلح الحديث الذي يضع القواعد العلمية لتصحيح الأخبار، وهي أصح ما عرف في التاريخ من قواعد علمية للرواية والأخبار بل كان علماؤنا - رَحِمَهُمْ اللهُ - هم أول من وضعوا هذه القواعد على أساس علمي لا مجال بعده للحيطة والتثبت. وقد نهج على نهج علماء الحديث، علماء السلف في الميادين العلمية الأخرى، كالتاريخ والفقه والتفسير واللغة والأدب وغيرها، فكانت المؤلفات العلمية في العصور الأولى مسندة بالسند المتصل إلى قائلها في كل مسألة وفي كل بحث، حتى إن كتب العلماء ذاتها تناقلها تلامذتهم منهم بالسند المتصل جيلاً بعد جيلٍ، فنحن لا نشك في أنَّ " صحيح البخاري " مثلا المتداول الآن بين المُسْلِمِينَ، ألَّفَهُ الإمام البخاري لأنه رُوِيَ عنه بالسند المتصل جيلاً بعد جيل، وهذه ميزة لا توجد في مؤلفات العلماء من الأمم الأخرى، حتى ولا في كتبهم المُقَدَّسَةِ. وقد أَلَّفَ أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية

التاريخية (¬1) اعتمد فيه على قواعد مصطلح الحديث، واعترف بأنها أصح طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات. وقد قال في الباب السادس (العدالة والضبط) بعد أن ذكر وجوب التحقّق من عدالة الراوي، والأمانة في خبره: «وَمِمَّا يُذْكَرُ مَعَ فَرِيدِ الإِعْجَابِ وَالتَّقْدِيرِ مَا تَوَصَّلَ إِلَيْهِ عُلَمَاءُ الحَدِيثِ مُنْذُ مِئَاتِ السِّنِينِ فِي هَذَا البَابِ. وَإِلَيْكَ بَعْضَ مَا جَاءَ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ نُورِدُهُ بِحُرُوفِهِ وَحَذَافيرِهِ تَنْوِيهًا بِتَدْقِيقَِهِمْ العِلْمِيِّ، وَاعْتِرَافًا بِفَضْلِهِمْ عَلَى التَّارِيخِ .. » ثم أخذ في نقل نصوص عن الإمام مالك، والإمام مسلم صاحب " الصحيح " والغزالي، والقاضي عياض وأبي عمرو بن الصلاح. وعلم مصطلح الحديث يبحث عن تقسيم الخبر إلى صحيح وحسن وضعيف، وتقسيم كل من هذه الثلاثة إلى أنواع، وبيان الشروط المطلوبة في الراوي والمروي وما يدخل الأخبار من علل واضطراب وشذوذ، وما ترد به الأخبار وما يتوقف فيها إلى أن تعضد بمقويات أخرى، وبيان كيفية سماع الحديث وتحمّله وضبطه، وآداب المحدّث وطالب الحديث، وغير ذلك مِمَّا كان في الأصل بحوثاً متفرقة وقواعد قائمة في نفوس العلماء في القرون الثلاثة الأولى إلى أن أفرد بالتأليف والجمع والترتيب، شأن العلوم الإسلامية الأخرى في تطورها وتدرجها. وقد كان أول من ألَّف في بعض بحوثه علي بن المديني شيخ البخاري، كما تكلم البخاري ومسلم والترمذي في بعض أبحاثه في رسائل مجردة لم يضم بعضها إلى بعض، ولكن أول من صنف في هذا الفن تصنيفا علمياً بحيث جمع كل أبوابه وبحوثه في مصنّف واحد هو القاضي أبو محمد الرامهرمزي (- 360 هـ) في كتابه " المُحَدِّثُ الفَاصِلُ بَيْنَ الرَّاوِي وَالسَّامِعِ " ولكنه لم يستوعب فيه كل بحوث هذا العلم، ثم جاء الحاكم أبو عبد الله النيسابوري المُتَوَفَّى (- 405 هـ) فَأَلَّفَ فيه كتابه " معرفة علوم الحديث " لكنه لَمْ يُهَذِّبْ وَلَمْ يُرَتِّبْ، ثم تلاه أبو نعيم الأصفهاني ¬

_ (¬1) هو كتاب " مصطلح التاريخ " تأليف أسد رستم أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت سابقا وهو مسيحي تَفَرَّغَ أخيراً لأخبار الكنيسة الأرثوذكسية، ولينظر كتابه: ص 67 - 83 الطبعة الثانية، نشر المكتبة العصرية في صيدا.

ثالثا - علم الجرح والتعديل:

(- 430 هـ) فعمل على كتاب الحاكم مستخرجاً، وأبقى أشياء لمن تتبع هذا البحث ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي (- 463 هـ) فصنّف في قوانين الرواية كتاباً سَمَّاهُ " الكفاية " وفي آدابها كتاباً سَمَّاهُ " الجامع لآداب الشيخ والسامع " وقد أفرد لكل من فنون الحديث مصنّفاً خَاصًّاً، ثم جاء من بعده القاضي عياض (- 544 هـ) فألّف كتابه " الإلماع " مستمداً بحوثه من كتب الخطيب .. ثم جاء الشيخ الحافظ تقي الدين أبو عمرو بن الصلاح الشَهْرَزُورِيِّ الدِّمِشْقِيُّ (- 643 هـ) فألَّفَ كتابه المشهور بـ " مقدمة ابن الصلاح " أملاه على تلاميذه بالمدرسة الأشرفية في دمشق من غير ترتيب محكم، إلا أنه كتاب شامل لكل ما تفرق في غيره من كتب المُتَقَدِّمِينَ، ولهذا عكف الناس عليه، وَأَكَبُّوا على شرحه بين ناظم وناثر كـ " ألفية " العراقي و" شرحها " للسخاوي، و" التقريب " للنووي، وشرحه " التدريب " للسيوطي، وغير ذلك من الكتب المعروفة، كما اختصر أيضاًً الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي (- 774 هـ) في كتابه " اختصار علوم الحديث " (¬1) ثم تتابعت التآليف في هذا الشأن. ومن أشهرها " ألفية " الحافظ العراقي (- 806 هـ) و" نُخْبَةُ الفكر في مصطلح الأثر " للحافظ ابن حجر ومن آخرها " توجيه النظر " للعلامة الشيخ طاهر الجزائري و" قواعد التحديث " للقاسمي الدمشقي. ثَالِثًا - عِلْمُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: ومن ثمار هذه الجهود المباركة علم الجرح والتعديل أو علم ميزان الرجال، وهو علم يبحث فيه عن أحوال الرُّوَاةِ وأمانتهم وثقتهم وعدالتهم وضبطهم أو عكس ذلك من كذب أو غفلة أو نسيان، وهو علم جليل من أَجَلِّ العلوم التي نشأت عن تلك الحركة المباركة لا نعرف له مثيلاً أيضاًً في تاريخ الأمم الأخرى، وقد أَدَّى إلى نشأة هذا العلم حِرْصُ العلماء على الوقوف على أحوال الرُّوَاةِ، حتى يميزوا بين الصحيح من غيره، فكانوا يختبرون بأنفسهم من يعاصرونهم من الرُّوَاةِ ¬

_ (¬1) طبع هذا الكتاب طبعاً مُتقناً مع تعليق للأستاذ أحمد محمد شاكر سماه " الباعث الحثيث ".

إذ كان ذلك ذَبًّا عن دين الله وَسُنَّةِ رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قِيلَ لِلْبُخَارِيِّ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ التَّارِيخَ يَقُولُونَ: فِيهِ اغْتِيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: «إِنَّمَا رُوِّينَا ذَلِكَ رِوَايَةً وَلَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ». وقد ابتدأ الكلام عن الرُّوَاة توثيقاً وتوهيناً منذ عصر صغار الصحابة كابن عباس (- 68 هـ) وعُبادة بن الصامت (- 34 هـ) وأنس بن مالك (- 93 هـ) ثم من التَّابِعِينَ: سعيد بن المسيّب (- 93 هـ) والشعبي (- 104 هـ) وابن سيرين (- 110 هـ) والأعمش (- 148 هـ) ثم تتالى الأمر، فنظر في الرجال شُعْبَةُ (- 160 هـ) وكان مُتَثَبِّتًا لا يروي إلا عن ثقة، والإمام مالك (-179 هـ). ومن أشهر علماء الجرح والتعديل في هذا القرن الثاني مَعْمَرُ (- 154 هـ) وهشام الدستوائي (- 154 هـ) والأوزاعي (- 157 هـ) والثوري (- 161 هـ) وحماد بن سلمة (- 167 هـ) والليث بن سعد (- 175 هـ) ونشأ بعد هؤلاء طبقة أخرى كعبد الله بن المبارك (- 181 هـ) والفَزَاري (- 185 هـ) وابن عُيينة (- 198 هـ) وَوَكِيعٌ بْنُ الجَرَّاحِ (- 197 هـ) ومن أشهر علماء هذه الطبقة يحيى بن سعيد القطان (- 198 هـ) وعبد الرحمن بن مهدي (- 198 هـ) وكانا حُجَّتَيْنِ مَوْثُوقَيْنِ لدى الجمهور فمن وَثَّقَاهُ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ، ومن جَرَّحَاهُ رُدَّتْ، وإن اختلف فيه رجع الناس إلى ما تَرَجَّحَ عندهم (¬1). ثم تلاهم طبقة أخرى من أئمة هذا الشأن منهم يزيد بن هارون (- 206 هـ) وأبو داود الطيالسي (- 204 هـ) وعبد الرزاق بن هَمَّاٍم (211 هـ) وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ الضَحَّاكُ بْنُ مَخْلَدْ (- 212 هـ). ثم ابتدأ تصنيف الكُتُبِ في الجرح والتعديل، ومن أوائل الذين ألَّفُوا وتكلموا في هذه الطبقة يحيى بن معين (- 233 هـ) وأحمد بن حنبل (- 241 هـ) ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وصاحب " الطبقات " (- 230 هـ) وعلي بن المديني (- 234 هـ) ثم تلاهم بعد ذلك البخاري، ومسلم، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرَّازِيَانِ، وأبو داود ¬

_ (¬1) " توجيه النظر ": ص 114.

السجستاني. وتتابع العلماء بعد ذلك حتى أواخر القرن التاسع الهجري، طبقة بعد طبقة، تؤلف وتبحث في الرجال، وتتحرى أمر الرُّوَاة حتى لا يعسر عليك أن تجد في مؤلفاتهم تاريخ أي رجل يمر بك اسمه في كتب الحديث. وكتب الجرح والتعديل، منها ما أفرد لذكر الثقات فقط، ككتاب " الثقات " لابن حبان البُستي، و" الثقات " لابن قطلوبغا (- 881 هـ) في أربع مجلدات، و" الثقات " لخليل بن شاهين (- 873 هـ). ومنها ما أفرد للضعفاء فقط، وَمِمَّنْ ألّف فيهم البخاري وَالنَسَائي وابن حبان والدراقطني والعقيلي وابن الجوزي وَابْنُ عَدِيٍّ، وكتابه " الكامل في الضعفاء " أوفى الكتب في ذلك وقد ذكر فيه كل من تكلم فيه وإن كان من رجال " الصَحِيحَيْنِ "، كما ذكر فيه بعض الأئمة المتبوعين، لأن بعض خصومهم في حياتهم تكلموا عنهم. وقد أََلَّفَ الذهبي كتابه " ميزان الاعتدال " من كتاب ابن عدي هذا. ومنها ما جمع فيها بين الثقات والضعفاء وهي كثيرة جِدًّا من أشهرها تواريخ البخاري: "الكبير "، وهو مرتب على حروف المعجم، و"الأوسط "، و"الصغير " وهما مرتبان على السنين، وكتاب "الجرح والتعديل " لابن حبان، و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم الرازي، و"الطبقات الكبرى " لابن سعد، ومن أجود الكتب في ذلك، " التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل " للحافظ ابن كثير، جمع فيه بين "تهذيب " المِزِّي، و" ميزان " الذهبي مع زيادات وتحرير في العبارات وهو أنفع شيء لِلْمُحَدِّثِ وَالفَقِيهِ التالي لأثره (¬1). ولم يكن الأئمة الذين عنوا بهذا الفن على استواء واحد في مقاييس النقد الذي يوجهونه لِلْرُّوَاةِ، بل كان منهم المُتَشَدِّدُ ومنهم المتساهل ومنهم المتوسط المعتدل، فمن المُتَشَدِّدِينَ، ابن معين ويحيى بن سعيد القطان وابن حبان (¬2) وأبو حاتم ¬

_ (¬1) " توجيه النظر ": ص 118. (¬2) بعضهم يذكره في المتساهلين وهو الأظهر.

الرازي، ومن المتساهلين، الترمذي والحاكم وابن مهدي، ومن المعتدلين أحمد، والبخاري ومُسلم وبذلك تباينت الآراء في بعض الرُّوَاةِ، فمنهم من يوثقه ومنهم من يضعفه، وما ذلك إلا لاختلاف الأنظار والمقاييس التي وضعها كل إمام في نقده، بل قد يُنْقَلُ عن العالم الواحد رأيان مختلفان في رَاوٍ واحد، فقد يراه اليوم ثقة، ثم يرى منه بعد ذلك ما يضطره للعدول عن حكمه، وقد يكون الأمر عكس ذلك. ومن الأسباب الاختلاف في التجريح والتعديل اختلاف منازع الفقهاء في الاجتهاد، فالنزاع بين أهل الحديث وأهل الرأي مشهور معروف أَدَّى إلى أن يطعن بعض أهل الحديث في بعض أئمة أهل الرأي وأن يَعُدَّهُمْ من الضعفاء لا لشيء إلا لنزعتهم الاجتهادية التي لا تتفق مع نزعة أهل الحديث، وحسبك دَلِيلاً على هذا أن إماماً جليلاً من كبار أئمة التشريع في تاريخ الإسلام وهو أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - تحامل عليه كثير من المُحَدِّثِينَ وَجَرَّحَهُ بعض علماء الجرح والتعديل مع زهده وورعه وتقواه وجلالة قدره، ونجد ذلك واضحاً مِمَّا نقله أبو بكر الخطيب في " تاريخ بغداد " في ترجمة أبي حنيفة (13/ 323 - 423) وما ذلك إلا لِدِقَّةِ مسلكه الفقهي الذي خفي على كثير من المُحَدِّثِينَ بل على كثير من أئمتهم. وقد أدى تعصب العامة من أهل الحديث إلى أن يَتَّهِمُوا أبا حنيفة بما يقطع التاريخ بكذبه. ولعل هذا الاختلاف في ميول الناقدين وأنظارهم وتفاوتهم بين الشدة والتساهل في النقد، هو الذي أكثر العلماء أخيراً إلى أن لا يقبلوا جرحاً إلا مفسراً خشية أن يكون منشأ الجرح خطأ في تقدير الناقد أو عصبية لا حقيقة لها وواقعاً، قال الحافظ ابن كثير: «بِخِلاَفِ الجَرْحِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَلُ إِلاَّ مُفَسَّرًا لاخْتِلاَفِ النَّاسِ فِي الأَسْبَابِ المُفَسِّقَةِ فَقَدْ يَعْتَمِدُ الجَارِحُ شَيْئًا مَفَسِّقًا فَيُضَعِّفَهُ، وَلاَ يِكُوُنَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، فَلِهَذَا اشْتُرِطَ بَيَانُ السَّبَبِ فِي الجَرْحِ» (¬1). ومن طريف ما يذكر في هذا الموضوع ما نقل عن بعضهم أنه قيل له: «لِمَ تَرَكْتَ حَدِيثَ فُلاَنٍ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَرْكُضُ عَلَىَ بِرْذَوْنٍ فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ! .. وسئل ¬

_ (¬1) " اختصار علوم الحديث ": ص 101.

رابعا - علوم الحديث:

بعضهم عن حديث لصالح المُرِّي فقال: «مَا يُصْنَعُ بِصَالِحِ؟ ذَكَرُوهُ يَوْمًا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَامْتَخَطَ حَمََّادُ» (¬1) فانظر كيف كان بعض الناس يُجَرِّحُونَ الرجال لأسباب واهية لا علاقة لها بالعدالة والثقة والضبط، ولكن الحق أن هذا صنيع الجاهلين أو المتطفلين على هذا العلم، أما الأئمة المنتصبون لهذا الشأن العريقون في مداخله ومخارجه، فلا يقعون في مثل ذلك الحكم الجائز والنقد المضحك. رَابِعًا - عُلُومُ الحَدِيثِ: وثمة علوم أخرى استلزمتها دراسة السُنَّةِ وروايتها والدفاع عنها وتحقيق أصولها ومصادرها، وقد أوصلها أبو عبد الله الحاكم في كتابه " معرفة علوم الحديث " إلى اثنين وخمسين علماً، وأوصلها النووي في " التقريب " إلى خمس وستين علماً، نذكر أهمها فيما يلي، ليتبين مقدار دقة علماء السُنَّةِ في نقدها وتحقيقهم في ضبطها ودأبهم على صيانتها. (الأول) - معرفة صدق المُحَدِّثِ وإتقانه وَتَثَبُّتِهِ وصحة أصوله وما يحتمله سِنُّهُ ورحلته من الأسانيد، وغير ذلك من غفلته وتهاونه بنفسه وعلمه وأصوله. ومن ذلك ما قاله الحاكم: «وَمِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ طَالِبُ الحَدِيثِ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِ المُحَدِّثِ أَوَّلاً هَلْ يَعْتَقِدُ الشَّرِيعَةَ فِي التَّوْحِيدِ وَهَلْ يُلْزِمُ نَفْسَهُ طَاعَة الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ وَوَضَعُوا مِنَ الشَّرْع ثمَّ يَتَأَمَّل هَلْ هُوَ صَاحِبُ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ فََإِنَّ الدَّاعِي إِلَى البِدْعَةِ لاَ يُكْتَبُ عَنهُ وَلاَ كَرَامَة لإِجْمَاعِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ يَتَعَرَّفُ سِنَّهُ هَلْ يَحْتَمِلُ سَمَاعَهُ عَنْ شُيُوخِهِ الذِينَ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ فَقَدْ رَأَيْنَا مِنَ المَشَايِِخِ جَمَاعَةً أَخْبَرُونَا بِسِنٍّ يَقْصُرُ عَنْ لُقْيِ شُيُوخٍ حَدَّثُوا عَنْهُمْ ثُمَّ يتَأَمَّلُ أُصُولَهُ أعَتِيقَةٌ هِيَ أَمْ جَدِيدَةٌ فَقَدْ نَبَغَ فِي عَصْرِنَا هَذَا جَمَاعَةٌ يَشْتَرُونَ الكُتُبَ فَيُحَدِّثُونَ بِهَا وَجَمَاعَةٌ يَكْتُبُونَ سَمَاعَاتِهِمْ بِخُطُوطِهِمْ فِي كُتُبٍ عَتِيقَةٍ فِي الوَقْتِ فَيُحَدِّثُونَ بِهَا فَمَنْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّنْعَةِ فَمَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ فَأَمَّا أَهْلُ الصَّنْعَةِ إِذَا سَمِعُوا مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلاَءِ بَعْدَ الخِبْرَةِ ¬

_ (¬1) " اختصار علوم الحديث ": ص 101.

فَفِيهِ جَرْحُهُمْ وَإِسْقَاطُهُمْ إِلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الجَاهِلَ بِالصَّنْعَةِ لاَ يُعْذَرُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ عَمَّا لاَ يَعْرِفُهُ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ -». (الثاني) - معرفة المسانيد من الأحاديث: قال الحاكم: «وَهَذَا عِلْمٌ كَبِيرٌ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ، لاخْتِلَافِ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ فِيْ الِاحْتِجَاجِ بِغَيْرِ الْمُسْنَدُ، وَالْمُسْنَدُ مِّنَ الْحَدِيْثِ أَنَّ يَرْوِيْهِ الْمُحَدِّثُ عَنْ شَيْخٍ يُظْهِرُ سَمَاعَهُ مِنْهُ لِمَنْ يَحْتَمِلُهُ وَكَذَلِكَ سَمَاعُ شَيْخِهِ إِلَىَ أَنْ يَصِلَ الْإِسْنَادِ إِلَىَ صَحَابِيٍّ مَشْهُوْرٌ إِلَىَ رَسُوْلِ الْلَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». (الثالث) - معرفة الموقوفات من الآثار: وذلك مثل ما أخرجه الحاكم عن المغيرة بن شعبة قال: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُونَ بَابَهُ بِالأَظَافِيرِ». قال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ يَتَوَهَّمُهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ مُسْنَدًا، لِذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَلَيْسَ بِمُسْنَدٍ، فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى صَحَابِيٍّ، حَكَى عَنْ أَقْرَانِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِعْلاً، وَلَيْسَ يُسْنِدُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ». (الرابع) - معرفة الصحابة على مراتبهم: فإنهم - على ما ذكر الحاكم - اثنتا عشرة طبقة، أولها من أسلم بمكة، وآخرها صبيان وأطفال رأوا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح وفي حَجَّةِ الوداع وعدادهم في الصحابة. (الخامس) - معرفة المراسيل المختلف في الاحتجاج بها: وهذا نوع من علم الحديث صعب، قلَّمَا يهتدي إليه إلا المُتَبَحِّرُ في هذا العلم. (السادس) - معرفة المنقطع من الحديث: وهو غير المرسل، وقلما يوجد في الحُفَّاظِ من يُمَيِّزُ بينهما، ثم ذكر أنه ثلاثة أنواع وضرب لكل نوع مثلا. الأول: أن يكون في السند رجلان مجهولان لم يُسَمَّيَا ولم يعرفا.

الثاني: أن يكون في إسناده رجل غير مسمى ولكنه عرف من طريق آخر. الثالث: أن يكون في الإسناد راوية لم يسمع من الذي يروي عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي الذي هو موضع الإرسال. ولا يقال لهذا النوع: مرسل إنما يقال له: منقطع. (السابع) - معرفة المسلسل من الأسانيد: فإنه نوع من السماع الظاهر الذي لا غبار عليه، وهو أنواع: فقد يكون التسلسل بلفظ مُعَيَّنٍ عند التحديث في جميع رجال السند، كأن يقولوا جميعاً «حَدَّثَنَا» أو «سمعته يقول» أو «شهدت على فلان أنه قال» وقد يكون التسلسل بفعل معين يفعله كل شيخ مع تلميذه، كالحديث المسلسل بالمصافحة وهكذا. (الثامن) - معرفة الأحاديث المعنعنة: وليس فيها تدليس، وهي متصلة بإجماع أئمة النقل على تورع رواتها عن أنواع التدليس، ثم ذكر الحاكم - مثلا له - حَدِيثًا عن جابر بن عبد الله، ثم قال: «هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ مِصْرِيُّوْنَ ثُمَّ مَدَنِيُّونَ وَمَكِيُّونَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ التَّدْلِيسُ، فَسَوَاءٌ - عِنْدَنَا - ذَكَرُوا سَمَاعَهُمْ أَوْ لَمْ يَذْكُرُوهُ». (التاسع) - معرفة المعضل من الروايات: وهو أن يكون بين المرسل إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من رجل وأنه غير المرسل، فإن المراسيل للتابعين دُونَ غيرهم. (العاشر) - معرفة المُدْرَجِ في حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كلام الصحابة وتخليص كلام غيره من كلامه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَثَّلَ لذلك بما أخرجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بيده فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاَةِ وَقَالَ: «قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ» فَذَكَرَ التَشَهُّدَ، قَالَ: فَإِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاَتَكَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ». قال الحاكم: وقوله: «إِذَا قُلْتَ هَذَا، إلخ ... » مدرج في

الحديث من كلام عبد الله بن مسعود واستشهد لذلك بما أخرجه من طريق آخر قال فيه راويه عن عبد الله بن مسعود بعد أن ذكر تعليم النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن مسعود «التَشَهُّدَ» قال عبد الله بن مسعود: «إِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاَتَكَ. إلخ ... » (¬1). (الحادي عشر) - معرفة التَّابِعِينَ: وهذا نوع يشتمل على علوم كثيرة فإنهم على طبقات في الترتيب، ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يُفَرِّقْ بين الصحابة والتَّابِعِينَ، ثم لم يُفَرِّقْ أيضاًً بين التَّابِعِينَ وأتباع التَّابِعِينَ، ثم ذكر الحاكم طبقاتهم (وهم خمس عشرة طبقة) أولهم، من لحق العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة، كسعيد بن المسيب وقيس بن أبي حازم، وآخرهم من لَقِيَ أنس بن مالك من أهل البصرة، وعبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة، والسائب بن يزيد من أهل المدينة، وعبد الله بن الحارث بن جُزْءٍ من أهل مصر، وأبا أمامة الباهلي من أهل الشام. (الثاني عشر) - معرفة أَولاد الصحابة: فإن من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات، وأول ما يلزم الحَدِيثِيَّ معرفته من ذلك أَوْلاَدَ سيد البشر - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن صَحَّتْ الرواية عنه منهم، ثم بعد هذا معرفة أولاد كبار الصحابة وغيرهم، ثم معرفة أولاد التَّابِعِينَ وأتباع التَّابِعِينَ وغيرهم من أئمة المُسْلِمِينَ، فإن هذا علم كبير ونوع بذاته من أنواع علم الحديث. (الثالث عشر) - معرفة علم الجرح والتعديل: وهما في الأصل نوعان، كل نوع منهما علم برأسه، وهو ثمرة هذا العلم، والمرقاة الكبيرة منه، وقد تكلم عنه الحاكم كما تكلم عن أصح الأسانيد وأوهاها. (الرابع عشر) - معرفة الصحيح والسقيم: وهو غير الجرح والتعديل، فَرُبَّ إسناد يسلم من المجروحين غير مخرج في الصحيح، وضرب لذلك مثلا بما أخرجه بسنده المتصل إلى ابن عمر عَنْ النَّبِيِّ ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (¬1) [انظر " السنن الكبرى " للبيهقي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، 2/ 249، الطبعة الثالثة 1424 هـ - 2003 م، نشر دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان].

- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَالوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» قال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ إِلاَّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، وَذِكْرُ النَّهَارِ فِيهِ وَهْمٌ»، وضرب لذلك مثلاً آخر حَدِيثًا أخرجه بسنده إلى مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: «مَا عَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلاَّ تَرَكَهُ» قال الحاكم: «هَذَا إِسْنَادٌ تَدَاوَلَهُ الأَئِمَّةُ وَالثِّقَاتُ وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا بِهَذَا الإِسْنَادِ «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً قَطُّ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا». وَلَقَدْ جَهِدْتُ جَهْدِي أَنْ أَقِفَ عَلَى الْوَاهِمِ فِيهِ مَنْ هُوَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنَّ أَكْبَرَ الظَّنِّ عَلَى ابْنِ حَيَّانَ الْبَصْرِيِّ عَلَى أَنَّهُ صَدُوقٌ مَقْبُولٌ» ثم قال الحاكم: «إِنَّ الصَّحِيحَ لاَ يُعْرَفُ بِرِوَايَتِهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالفَهْمِ وَالحِفْظِ وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ، وَلَيْسَ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ العِلْمِ عَوْنٌ أَكْثَرَ مِنْ مُذَاكَرَةِ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالمَعْرِفَةِ لِيَظْهَرَ مَا يَخْفَى مِنْ عِلَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِذَا وُجِدَ مِثْلُ هَذِهِ الأَحَادِيثِ بِالأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ غَيْرِ مُخَرَّجَةٍ فِي كِتَابَيْ الإِمَامَيْنِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَزِمَ صَاحِبَ الحَدِيثِ التَّنْقِيرُ، عَنْ عِلَّتِهِ، وَمُذَاكَرَةِ أَهْلِ المَعْرِفَةِ بِهِ لِتَظْهَرَ عِلَّتُهُ». (الخامس عشر) - معرفة فقه الحديث: إذ هو ثمرة هذه العلوم وبه قوام الشريعة، ثم ذكر أسماء عدة من أئمة الحديث أضافوا إلى رواية الحديث الفقه بها، كابن شهاب الزُّهْرِي، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل وكثيرين. (السادس عشر) - معرفة ناسخ الحديث من منسوخه: وقد ذكر أمثلة كثيرة لأحاديث منسوخة وأخرى ناسخة. (السابع عشر) - معرفة المشهور من الأحاديث المروية عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال الحاكم: «وَ (المَشْهُورُ) مِنَ الحَدِيثِ غَيْرِ (الصَّحِيحِ)، فَرُبَّ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ»، وضرب لذلك أمثلة.

(الثامن عشر) - معرفة الغريب من الحديث: وهو أنواع: فنوع منه غرائب الصحيح وهو ما يتفرد به راو ثقة، ومنه غرائب الشيوخ وذكر الشيوخ وذكر لذلك مثلا حديث «لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» فقال: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَهُوَ إِمَامٌ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ إِمَامٌ مُقَدَّمٌ، لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ غَيْرُ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ». (التاسع عشر) - معرفة الأفراد من الأحاديث: وهو على ثلاثة أنواع: النوع الأول: معرفة سنن رسول الله التي يتفرد بها أهل مدينة واحدة عن الصحابي كأن يرويه كوفيون من أول السند إلى آخره، أو مدنيون وهكذا. النوع الثاني: أحاديث يتفرد بروايتها رجل واحد عن إمام من الأئمة. النوع الثالث: أحاديث لأهل المدينة تفرد بها عنهم رَاوٍ من أهل مكة مثلاً. (العشرون) - معرفة المُدَلِّسِينَ الذين لا يميز من كتب عنهم بين ما سمعوه وما لم يسمعوه. قال الحاكم: «وَفِي التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ إِلَى عَصْرِنَا هَذَا جَمَاعَةٌ» (*)، ثم ذكر أنواع التدليس وهي ستة، وذكر لكل نوع أمثلة. (الحادي والعشرون) - معرفة علل الحديث: وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم وغير الجرح والتعديل. قال الحاكم: «وَإِنَّمَا يُعَلَّلُ الحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ لَيْسَ لِلْجَرْحِ فِيهَا مَدْخَلٌ، فَإِنَّ حَدِيثَ المَجْرُوحِ سَاقِطٌ وَاهٍ، وَعِلَّةٌ الحَدِيثِ، يَكْثُرُ فِي أَحَادِيثِ الثِّقَاتِ أَنْ يُحَدِّثُوا بِحَدِيثٍ لَهُ عِلَّةٌ، فَيَخْفَى عَلَيْهِمْ عِلْمُهُ، فَيَصِيرُ الحَدِيثُ مَعْلُولاً، وَالحُجَّةُ فِيهِ عِنْدَنَا الحِفْظُ، وَالفَهْمُ، وَالمَعْرِفَةُ لاَ غَيْرَ»، ثم ذكر له عشرة أنواع وَمَثَّلَ لكل نوع، ولم يذكر لها قواعد وإنما كان يذكر ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [قول الحاكم ورد كما يلي: «فَفِي هَذِهِ الأَئِمَّةِ المَذْكُورِينَ بِالتَّدْلِيسِ مِنَ التَّابِعِينَ جَمَاعَةٌ وَأَتْبَاعُهُمْ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْهُمْ». " معرفة علوم الحديث " للحاكم، تحقيق: السيد معظم حسين، 104، الطبعة الثانية 1397هـ - 1977م، نشر دار الكتب العلمية - بيروت. لبنان].

لكل نوع مثالاً، ثم يذكر علته، وجميع العلل تدور حول دخول حديث في حديث، أو وهم لحق الراوي، أو وصل حديث وهو في الواقع مرسل وهكذا. (¬1) (الثاني والعشرون) - معرفة السنن المتعارضة: فيحتج بعض المذاهب بإحداها ويحتج غيرهم بالأخرى، وقد ذكر لذلك أمثلة من أحاديث صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةٍ مُفْرِداً وأحاديث أخرى صحيحة أنه كَانَ مُتَمَتِّعًا، وأحاديث أخرى أنه كان قَارِنًا، فاختار أحمد وابن خزيمة التمتع، واختار الشافعي الإفراد، واختار أبو حنيفة القِرَانَ. (الثالث والعشرون) - معرفة الأخبار التي لا معارض لها بوجه من الوجوه: وذكر لذلك أمثلة كثيرة. (الرابع والعشرون) - معرفة زيادات ألفاظ فقهية في أحاديث ينفرد بالزيادة فيها رَاوٍ واحد: وهذا مِمَّا يعز وجوده ويقل في أهل الصنعة من يحفظه، وذكر لذلك أمثلة، منها حديث ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، وَكَذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ الوَقْتِ فِيهِ غَيْرُ بُنْدَارِ بْنِ بَشَّارٍ، وَالحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ، وَهُمَا ثِقَتَانِ فَقِيهَانِ». (الخامس والعشرون) - معرفة مذاهب المُحَدِّثِين: وقد ذكر الحاكم نصوصاً كثيرة عن أئمة الحديث يذكرون فيها الطرق التي ينتمي إليها بعض الرُّوَاة لتحذير الناس منهم. ¬

_ (¬1) لابن أبي حاتم الرازي (- 327 هـ) كتاب في علل الحديث، طبع في مصر في جزئين، هو من أروع الأمثلة على يقظة أئمة الحديث وعظيم جهودهم في تنقية السُنّة مِمَّا يشوبها أو يتطرق من زيف إلى أحاديثها.

خامسا - كتب الموضوعات والوضاعين:

(السادس والعشرون) - معرفة التصحيفات في المتون: فقد زلق فيه جماعة من أئمة الحديث وذكر لذلك أمثلة. (السابع والعشرون) - معرفة التصحيفات في الأسانيد: وقد ذكر لذلك أمثلة كثيرة. ثم ذكر أنواعاً كثيرة أخرى من علوم الحديث، يرجع أكثرها إلى ضبط أسماء الرُّوَاةِ وأنسابهم وأعمارهم وقبائلهم وأقرانهم وَكُنَاُهْم وصناعاتهم وغير ذلك مِمَّا يدل على بالغ العناية ووافر الضبط والإتقان. خَامِسًا - كُتُبُ المَوْضُوعَاتِ وَالوَضَّاعِينَ: كان من عادة السلف حين وقع الكذب في الحديث وتتبعوا الكَذَّابِينَ وعرفوهم، أن يجهروا بأسمائهم في المجالس فيقولوا: فلان كذَّاب لا تأخذوا عنه، فلان زنديق، فلان قَدَرِيٌّ. وهكذا. وقد عرف بالكذب واشتهر بين المُحَدِّثِين أناس منهم: أبان بن جعفر النميري: وضع على أبي حنيفة ثلاثمائة حديث لم يُحَدِّث أبو حنيفة بواحد منها. إبراهيم بن زيد الأسلمي: روى عن مالك أحاديث لا أصل لها. أحمد بن عبد الله الجويباري: وضع ألوفاً من الأحاديث لِلْكَرَّامِيَّةِ. جابر بن يزيد الجُعَفِي: قال فيه سفيان: «سُمِعَتْ جَابِرًا يُحَدِّثُ بِنَحْوِ ثَلاَثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ مَا أَسْتَحِلُّ أَنْ أَذْكُرَ مِنْهَا شَيْئًا وَأَنَّ لِيَ كَذَا وَكَذَا». محمد بن شجاع الثلجي: وضع أحاديث التشبيه ونسبها إلى أهل الحديث. نوح بن أبي مريم: وضع أحاديث فضائل القرآن، سورة فسورة (¬1). ¬

_ (¬1) هكذا ذكر ابن عدي في " الكامل ". وقد انفرد بذكر محمد بن شجاع في الكَذَّابِينَ كما انفرد بذكر هذه الرواية عنه كما يقول الكوثري في " الإمتاع في سيرة الحسن بن زياد ومحمد بن شجاع» ص 60 - 70.

الحارث بن عبد الله الأعور، مقاتل بن سليمان، محمد بن سعيد المصلوب، محمد بن عمر الواقدي، إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، وهب بن وهب القاضي، محمد بن السائب الكلبي، أبو داود النخعي، إسحاق بن نجيح الملطي، عباس بن إبراهيم النخعي، مأمون بن أبي أحمد الهروي، محمد بن عكاشة الكرماني، محمد بن القاسم الطايكاني، محمد بن زياد اليشكري، محمد بن تميم الفريابي. ثم تتبع العلماء الأحاديث الموضوعة فأفردوها بالجمع والتأليف تنبيهاً للعامة حَتَّى لاَ يَغْتَرُّوا بِهَا. ومن أشهر هذه الكتب: 1 - "الموضوعات " للحافظ أبي الفرج ابن الجوزي المُتَوَفَّى (597) وقد ذكر فيه كل ما اعتقد بوضعه من الأحاديث ولو في كتب الصحاح، فذكر حديثين في " صحيح مسلم "، وحَدِيثًا في "البخاري "، وثمانية وثلاثين في " مُسْنَدُ أَحْمَدَ "، وتسعة في " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ "، وثلاثين في " جامع الترمذي "، وعشرة في " سُنَنِ النَسَائِي "، وثلاثين في " سُنَنِ ابن ماجه "، وستين في " مُسْتَدْرَك الحَاكِمْ "، وأحاديث أخرى في كتب السُنَّةِ الأخرى. وقد تعقَّبَهُ العلماء - كالعراقي وابن حجر بخصوص أحاديث " مُسْنَدُ أَحْمَدَ "، والسيوطي بصورة عامة في كتابه " التعقبات على الموضوعات " وفي اختصاره لكتاب ابن الجوزي في " اللآلئ المصنوعة " -، فأقروا أكثر ما ذكر في كتابه، وخالفوه في قليل منها، وخاصة ما يتعلق بأحاديث " البخاري " و" مسلم "، وأحاديث الإمام أحمد. 2 - " المغني عن الحفظ والكتاب "، لأبي حفص عمر بن بدر الموصلي المُتَوَفَّى (- 622 هـ) اكتفى فيه بذكر الأبواب التي لم يصح فيها شيء من الحديث، مثل قوله: «باب في زيادة الإيمان ونقصانه وأنه قول وعمل». ثم يقول: «لاَ يَصِحُّ فِي البَابِ شَيْءٌ»، وقد تَعَقَّبَهُ العلماء أيضاًً. 3 - " الدر الملتقط في تبيين الغلط "، للعلامة الصنعاني رضي الدين أبي الفضل حسن بن محمد بن حسين المُتَوَفَّى (- 650 هـ) وقد تَعَقَّبَهُ العلماء أيضاًً. 4 - " تذكرة الموضوعات "، لابن طاهر المقدسي (- 507 هـ) وقد ذكر فيه الأحاديث التي رواها الكذبة والمجروحون والضعفاء والمتروكون.

سادسا - كتب في الأحاديث المشتهرة على الألسنة:

5، 6 - " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " و" الذيل ايضاً "، تأليف الحافظ السيوطي، اختصر في الأول كتاب " الموضوعات " لابن الجوزي، وَتَعَقَّبَهُ فيه على بعض الأحاديث التي حكم ابن الجوزي بوضعها، وزاد في الكتاب الثاني ما فات ابن الجوزي في "الموضوعات "، ثم ألف " التعقبات على الموضوعات ". 7 - " تذكرة الموضوعات "، لمحمد بن طاهر بن علي الفُتَّنِي (986) وقد ألحق به رسالة في الوَضَّاعِينَ والضعفاء مرتبة على حروف المعجم. 8 - " الموضوعات " للشيخ علي القاري الحنفي (1014). 9 - " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني المُتَوَفَّى (- 1250 هـ). 10 - " رسالة " للإمام الصنعاني. ذكر فيها أكثر الأحاديث التي تدور على أَلْسِنَةِ القُصَّاصِ وَالوُعَّاظِ في عصره، وذكر في آخرها أشهر أسماء الضعفاء والمتروكين. 11 - " اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع " للشيخ محمد بن أبي المحاسن القاوقجي الحسني المشيشي الأزهري. ولد بطرابلس، وتوفي في مصر أواخر عام 1305، وقد طبعت والرسالة السابقة في كتاب واحد. سَادِسًا - كُتُبٌ فِي الأَحَادِيثِ المُشْتَهَرَةِ عَلَى الأَلْسِنَةِ: وبيان ما فيها من صحيح أو ضعيف أو موضوع، ومن هذه الكتب: 1 - " اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة "، للزركشي (- 794 هـ) وقد اختصره السيوطي في " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ". 2 - " المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الأَلْسِنَةِ "، للسخاوي (- 902 هـ). 3 - " كشف الخفاء والإلباس فيما يدور من الأحاديث على أَلْسِنَةِ الناس "، للعجلوني (- 1162 هـ) وقد أخذ كتاب السخاوي، وزاد عليه. 4 - " تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على أَلْسِنَةِ الناس من الحديث "، لابن الديبع الشيباني الأثري المُتَوَفَّى (- 944 هـ).

5 - " أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب "، للشيخ محمد الحوت البيروتي، أخذ كتاب " تمييز الطيب " وزاد عليه (¬1). وبهذا ينتهي ما أردته من عرض موجز للأدوار التي مرت بها السُنَّةُ، وما تعرضت له من دَسٍّ وَتَحْرِيفٍ، وما قام به العلماء من جهود جبارة لتنقية السُنَّةِ مِمَّا أصابها من فساد، وإنها لجهود لا يسع المنصف إلا أن ينحني إجلالاً ويعترف بأنها تكاد تكون فوق مستوى البشر، فجزاهم اللهُ خيراً. ¬

_ (¬1) للشيخ محمد الحوت كتاب آخر طبع باسم " حسن الأثر فيما فيه ضعف واختلاف من حديث وخبر وأثر ". وهذا في الواقع مختصر كتاب " تخريج أحاديث كتاب الرافعي " في الفقه الشافعي، وأصله للعلامة ابْنِ المُلَقَّنْ. وليس للأحاديث المشتهرة ولا هو مقتصر على الضعاف بل فيه أحاديث صحيحة وحسنة. وهذه التسمية الخاطئة ليست من الشيخ الحوت بل مِمَّنْ أشرف على نشره!

تمهيد:

تَمْهِيدٌ: كان طبيعياً وقد خاضت السُنَّةُ غمار تلك المعركة العنيفة التي خرجت منها ظافرة منصورة أن يعلق بها آثار جراح خفيفة لا بد منها، لكنها لم تؤثر على كيانها وحيويتها وقوتها، فلقد تعرضت السُنَّةُ في مختلف العصور لخصومات من بعض الطوائف المسلمة، وَشُبُهَاتٍ أثارها أصحابها في وجه الاعتداد بها كمصدر من مصادر التشريع، وسنبسط ذلك واضحاً في الفصول التالية إن شاء الله.

الباب الثاني: في الشبه الواردة على السنة في مختلف العصور:

البَابُ الثَّانِي: فِي الشُّبَهِ الوَارِدَةِ عَلَى السُنَّةِ فِي مُخْتَلَفِ العُصُورِ: الفصل الأول: السُنَّةُ مع الشِيعَة والخوارج. الفصل الثاني: السُنَّةُ مع المعتزلة والمتكلّمين. الفصل الثالث: السُنَّةُ مع منكري حُجِيَّتِهَا قَدِيمًا. الفصل الرابع: السُنَّةُ مع منكري حُجِيَّتِهَا حَدِيثًا. الفصل الخامس: السُنَّةُ مع من ينكر حُجِيَّة خبر الآحاد. الفصل السادس: السُنَّةُ مع المُسْتَشْرِقِينَ. الفصل السابع: السُنَّةُ مع بعض الكاتبين حَدِيثًا.

الفصل الأول: السنة مع الشيعة والخوارج:

الفَصْلُ الأَوَّلُ: السُنَّةُ مَعَ الشِّيعَةِ وَالخَوَارِجِ: لم يكن الصحابة في عهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخالجهم أدنى شك في أن أمر الرسول واجب الاتباع وأنه مرسل إلى الناس كافة، وأن عليهم أن يُبَلِّغُوا رسالته إلى الناس جميعاً وإلى الأجيال المتلاحقة من بعدهم، ولقد أنبأنا التاريخ الثابت أنهم في حياة الرسول لم يكن بعضهم ينظر إلى بعض نظر الريبة أو العداء، بل كانوا إخوة متحابين، تجمعهم عقيدة واحدة وأهداف واحدة، ويربط بين قلوبهم جميعاً حُبُّ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وكتاب واحد وشرع واحد، ولقد أخبر اللهُ عنهم بما يدل على تمكن الأُخُوَّةِ فيما بينهم بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (¬1) وقال تعالى في الأنصار خاصة: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (¬2). وقد كانوا فيما بينهم مضرب الأمثال في الحب والتعاون والإيثار، لا يختلفون إلا في حق، وإذا اختلفوا فسرعان ما يفيئون إلى الحق حين يَتَبَيَّنُ لهم، ثم هم في خلافهم أكمل الناس أخلاقاً، وأوفرهم آداباً، وأكثرهم صيانة لِلْحُرُمَاتِ، هكذا كانوا: لاَ يُكَذِّبُ بعضُهُم بَعْضًا، ولا يتهم بعضهم بعضاً، يعرفون لِلْمُتَقَدِّمِ منهم في إسلامه فضله، ويشكرون للمكثر منهم إتفاقه على الدعوة وبذله، ولا يحسد ¬

_ (¬1) [سورة الفتح، الآية: 29]. (¬2) [سورة الحشر، الآية: 9].

بعضهم بعضاً على ما آتاهم الله من خير وبركة، فحسبهم من الخير المشترك بينهم جميعاً، أنهم أصحاب رسول كريم، ودعاة شرع قويم، أنقذهم الله من الضلالة إلى الهدى فكانوا أسعد الناس وأحسنهم حالاً. ولما توفي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أول خلاف وقع بين الصحابة اختلافهم فيمن يتولى الخلافة عنه، ومع أنه كان خلافاً في أمر من أشد شؤون الجماعات والأمم خطراً، وهو الرئاسة العليا للدولة، فقد كان حديثهم وتبادلهم للآراء ودفاع كل منهم عن رأيه، وانتهاؤهم إلى الرأي الذي وافقوا عليه جميعا، لقد كان كل ذلك عجباً من العجب، في ضبط النفس، وحُسن الأداء، وحرمة الصحبة، ونشدان الحق، لا تعرف له مثيلا في تاريخ المجالس النيابية في العصر الحاضر، فكيف بتلك العصور التي لم تعرف فيها الأمم مبدأ الشورى، ولا كان للشعوب حق في اختيار وُلاَّتِهَا وأمرائها، إنك لتقرأ في مصادر التاريخ الصحيحة أخبار سقيفة بني ساعدة، كيف اجتمع فيها الأنصار عقب وفاة الرسول ليختاروا من بينهم أمير المُسْلِمِينَ وخليفته من بعده، وكيف سارع شيوخ المهاجرين وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وأبو عُبيدة، إلى إخوانهم الأنصار، وكيف استمعوا إلى حُجَجِهِمْ بأدب واحترام، وكيف أدلى أبو بكر برأيه ورأي المهاجرين، فوفَّى الأنصار حقهم من فضل النصرة للإسلام والذود عن رسول الله وإيواء المهاجرين والترحيب بهم، ثم ذكر فضل المهاجرين بلا تَبَجُّحٍ ولا غرور، وذكر أن العرب لا يدينون إلا لهذا الحي من قريش، وأنه إن كان الأمير من الأوس نفست عليهم الخزرج، وإن كان من الخزرج نفّست عليهم الأوس، ثم كيف عدل الأنصار عن رأيهم في الانفراد بالخلافة إلى أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير، وكيف أجابهم المهاجرون بأن هذا أول الوهن والضعف، وكيف اقترح أبو بكر على الحاضرين أن يبايعوا عمر أو أبا عُبيدة، فإذا عمر يقول لأبي بكر: «أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي»، فيقول أبو بكر لعمر: «وَلَكِنَّكَ أَقْوَى مِنِّي»، فيقول عمر: «إِنَّ قُوَّتِي مَعَ فَضْلِكَ»، ثم يسرع فيبايع أبا بكر فيبايعه المهاجرون، فيتسابق الأنصار إلى مبايعته حتى إنهم ليكادون يطؤون زعيمهم «سعد بن عُبادة»، وهو الذي كان مُرَشَّحًا منهم للخلافة، فينتهي الأمر بإجماع من في

السقيفة على مبايعة أبي بكر فَيُبَايِعُهُ الجمهور بعد ذلك، إلا عَلِيًّا وَنَفَرًا معه تَرَيَّثُوا قليلاً ثم بايعوا. وبذلك تمت الخلافة له وانتهى هذا المشكل الخطير دُونَ أن تراق قطرة دم أو تشتبك الأحزاب فيما بينها، أو توغر الصدور بالتهم الباطلة والتحامل المثير، إنك لتقرأ هذا وأمثاله، فإذا هو يعطيك صورة واضحة لأدب القوم وَسُمَوِّ نفوسهم وتماسك مجتمعهم، وقوة صِلاَتِ التعاون والإخاء فيما بينهم، واستمر الأمر على ذلك طيلة خلافة أبي بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان، يتعاونون على الخير في أوسع معنى التعاون، ويتناصحون بالمعروف في أروع صور التناصح، ويختلفون في التشريع في أدق معاني الاختلاف، ثم لا يصرفهم عن الجهر بالحق صداقة ولا مجاملة ولا رئاسة ولا فضل، صرحاء صراحة العربي الذي لا يعرف نفاقاً ولا خداعاً، أدباء أدب الحضري الذي لا يعرف قسوة ولا فظاظة، متعاونون تعاون الإخوة لا يعرفون عُلُوًّا ولا استكباراً، مطيعون طاعة الجندي لا يعرفون تمرداً ولا اختلافاً، بَنَّاؤُونَ في كيان الدولة الجديدة والشرع الجديد وَالأُمَّةِ الجديدة، كَأَتَمِّ ما يكون البَنَّاؤُونَ دقة نظر، وسعة علم، وبذل جُهْدٍ، واستقصاء وسيلة، حتى إذا كانت الفتنة أواخر خلافة عثمان، واندس بينهم أعداء الله من يهود وأعاجم تظاهروا بالإسلام، وكان ما قضى اللهُ به من مقتل الخليفة الثالث ثم الخليفة الرابع، ثم استتب الأمر لمعاوية، هناك رأينا ألْسِنَةَ السُّوءِ تتطاول على هؤلاء الأصحاب، وَتَتَسَتَّرُ بِحُبِّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، لتروي غيظها مِمَّنْ أقاموا قواعد الدين الجديد بسواعدهم ودمائهم وأرواحهم، وكما تطاول المتظاهرون بِالتَشَيُّعِ لِعَلِيٍّ تطاول الخوارج أيضاًً بعد التحكيم، وكَفَّرُوا جمهور الصحابة الموجودين يومئذ، لأنهم خالفوا أمر الله في زعمهم ومن خالف أمر الله كفر، بينما وقف الجمهور من اختلافات الصحابة موقف المعتدل، فهم يرون أن الخلفاء الثلاثة أحق من عَلِيٍّ بالخلافة، ويرونه أحق من معاوية بها، ولكنهم مع تأييدهم للخلفاء قبل عَلِيٍّ ثم لِعَلِيٍّ مع معاوية، يلتزمون جانب الأدب مع جميع هؤلاء الصحاب، فيعتذرون لِلْمُخْطِئِ منهم بأنهم مجتهدون فيما قاموا به، ولا إثم على المجتهد فيما يخطئ ما دام الحق رائده، وهؤلاء الأصحاب لهم من بلائهم في الإسلام، وخدمتهم في نشر لوائه، وتفانيهم

دُونَ رسول الله وشريعته، وصحبتهم له وتأدبهم بأدبه، ولهم من تاريخهم الأول قبل الفتنة وأدبهم وأخلاقهم وَسُمُوِّ نفوسهم، ما يجعلنا نعتقد فيهم الخير جميعاً، ونذهب إلى أنهم كانوا جميعاً مُجْتَهِدِينَ يريدون الحق، فَلِلْمُصِيبِ منهم أجران وللمخطئ أجر، كما أخبر بذلك رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث مشهور حول اجتهاد الحاكم (¬1). ولو كان الخلاف محصوراً ضمن دائرة هؤلاء الصحابة الكبار ومن شايعهم من جمهور الصحابة والتَّابِعِينَ، لبقي مطبوعاً بطابعهم الذي عرفوا به، من حسن الأدب واحترام الصحبة، مع الجهر بالحق والصراحة به، ولكن دسائس خصوم الإسلام ودخول غمار الشعوب المسلمة في هذه المعارك الخلافية، أضاف إلى تاريخ هؤلاء الصحابة كلاماً لم يقله بَعْضُهُمْ في حق بعض، ولم يعرف عنهم قط أنهم ينزلقون إلى منحدره، ومع الأسف فقد وجدت هذه النقول المكذوبة آذانًا صَاغِيَةً عند جمهور الشِّيعَةِ بل إن أول من تطاول على الصحابة وملأ المجالس بالأحاديث المكذوبة عليهم وفي حق عَلِيٍّ وفضله، هم الشِّيعَةُ باعتراف المُحَقِّقِينَ كما سبق لنا نقله عن ابن أبي الحديد (¬2). رَأْيُ الخَوَارِجِ: -------------- وَأَيًّا ما كان، فقد أدى هذا الخلاف بين الصحابة إلى أن يكون لكل من الخوارج وَالشِّيعَةِ رأي في الصحابة غير رأي الجمهور من المُسْلِمِينَ، فالخوارج على اختلاف فرقهم يُعَدِّلُونَ الصحابة جميعاً قبل الفتنة ثم يُكفِّرُون عَلِيًّا وعثمان وأصحاب الجمل وَالحَكَمَيْنِ ومن رضي بالتحكيم وَصَوَّبَ الحَكَمَيْنِ أو أحدهما (¬3) وبذلك رَدُّوا أحاديث جمهور الصحابة بعد الفتنة، لرضاهم بالتحكيم واتباعهم أئمة الجور على زعمهم فلم يكونوا أهلاً لثقتهم. رَأْيُ الشِّيعَةِ: ------------- وجمهور طوائف الشِّيعَةِ - ونعني بهم من ظلوا في دائرة الإسلام ¬

_ (¬1) أخرجه " البخاري " و" مسلم " وذكره الشافعي في " الأم ": 7/ 252 ونص الحديث: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ». (¬2) انظر الصفحة 76 من هذا الكتاب. (¬3) " الفرق بين الفرق ": 45.

- يُجَرِّحُونَ أبا بكر وعمر وعثمان ومن شايعهم من جمهور الصحابة، وَيُجَرِّحُونَ عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ومن انغمس معهم في اغتصاب الخلافة من عَلِيٍّ، وبالأحرى أنهم يُجَرِّحُونَ جمهور الصحابة إلا نفراً مِمَّنْ عرفوا بولائهم لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وقد ذكر بعضهم أنهم خمسة عشر صحابياً فقط وأقاموا على ذلك مذهبهم من رَدِّ أحاديث جمهور الصحابة، إلا ما رواه أشياع عَلِيٍّ منهم، على أن تكون رواية أحاديثهم من طرق أئمتهم لاعتقادهم بعصمتهم، أو مِمَّنْ هو على نحلتهم، والقاعدة العامة عندهم أن من لم يوال عَلِيًّا فقد خان وَصِيَّةَ الرسول، ونازع أئمة الحق، فليس أهلاً للثقة والاعتماد، وقد خالف جمهور الشِّيعَةِ في هذا الرأي فريق منهم، وهم الزيدية القائلون بتفضيل عَلِيٍّ على أبي بكر وعمر، مع الاعتقاد بصحة خلافتهما والإشادة بفضلهما، وهؤلاء يعدون أكثر طوائف الشِّيعَةِ اعتدالاً، وفقههم قريب من فقه أَهْلِ السُنَّةِ. رَأْيُ الجُمْهُورِ: -------------- أما جمهور المُسْلِمِينَ فقد حكموا بعدالة الصحابة جميعاً، سواء منهم من كان قبل الفتنة أو بعدها، وسواء منهم من انغمس فيها أو جَانَبَهَا، ويقبلون رواية العدول الثقات عنهم، إلا ما جاء عن طريق أصحاب عَلِيٍّ فإنهم لا يقبلون منها إلا ما كان من رواية أصحاب عبد الله بن مسعود، لأنهم ثقات مأمونون لم يستجيزوا الكذب على عَلِيٍّ كما فعل أشياعه من الرَّافِضَةِ. كان من آثار هذا الاختلاف في النظر إلى الصحابة أن هُوجِمَتْ السُنَّةُ التي جمعها الجمهور وَحَقَّقَهَا أئمتهم وَنُقَّادُهُمْ، منذ عصر الصحابة حتى عصر الجمع والتدوين، من قبل الشِّيعَةِ التي وصمت أحاديث الجمهور بالكذب والوضع، وخاصة ما كان منها في فضائل الصحابة الذين يخاصمهم جمهور الشِّيعَةِ، ولم يقبلوا من أحاديث أَهْلِ السُنَّةِ إلا ما وافق أحاديثهم التي يروونها عن أئمتهم المعصومين في نظرهم، وبذلك حكموا على أحاديث بالوضع هي عند الجمهور من أرقى طبقات الصحيح، وخذ لذلك مثلاً الحديث الذي أخرجه البخاري من «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِسَدِّ كُلَّ خَوْخَةٍ تُطِلُّ عَلَى المَسْجِدِ مِنْ بُيُوتِ الأَصْحَابِ، إِلاَّ خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ»، فهذا الحديث الذي استكمل شرائط الصحة عند الجمهور وارتفع عن مستوى الضعف أو الشك في نظر النقد العِلْمِيِّ الصحيح، هو عند الشِّيعَةِ مكذوب

موضوع لمقابلة حديث زعموا صحته وهو أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ أَنْ تُسَدَّ الأَبْوَابَ كُلَّهَا إِلاَّ بَابَ عَلِيٍّ، وخذ لذلك مثلاً آخر يَدُلُّكَ على العكس، وهو حديث «غَدِيرِ خُمْ» (¬1)، فهذا الحديث يكاد يكون عُمْدَةُ المَذَاهِبِ الشِّيعِيَّةِ كلها ودعامتها الأولى، والأساس الذي أقاموا عليه نظرتهم إلى الصحابة وخصومتهم للخلفاء الثلاثة وأشياعهم من جمهور الصحابة، هو عند أَهْلِ السُنَّةِ حديث مكذوب لا أساس له، لَفَّقَهُ غُلاَةُ الشِّيعَةِ لِيُبَرِّرُوا به هجومهم وَتَجَنِّيهِمْ على صحابة رسول الله، وقد قدمنا لك كيف قضت القواعد التي وضعها أئمة الجمهور لنقد الحديث بكذب هذه الرواية، وأعتقد أنه لا يسع المنصف المحايد من موافقة الجمهور على ذلك، إذ أن العقل يحكم باستحالة كتمان جمهور الصحابة أمر الوصية التي زعم الشِّيعَةُ أنها كانت علانية على ملأ منهم، كما يحكم باستحالة اتفاقهم على غمط عَلِيٍّ، وكتمانهم أمر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم الذين بلغ حرصهم على نشر دين الله وتأدية أحكامه كاملة غير منقوصة، أن يجهروا بالحق مع وُلاَّتِهِمْ دُونَ أن يخافوا حساباً أو عقاباً، هذا في أمور بسيطة كَمُهُورِ النِّسَاءِ أو القعود في خطبة الجمعة، فكيف بوصية أوصى بها رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صحابته جميعاً وَعَيَّنَ من يكون الخليفة من بعده؟! .. ومعلوم أن مخالفة الرسول عن عمد عصيان وفسق إلا إذا كان مع استحلال فيكون كفراً، ليت شعري إذا كذب صحابة الرسول جميعاً على رسول الله وكتموا أمره بالوصاية لِعَلِيٍّ حتى أصبحوا جميعاً فُسَّاقًا أو كفاراً، كيف نطمئن إلى هذه الشريعة التي لم تُرْوَ إلا عن طريقهم؟ وهل يليق برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يكون صحابته كَذَّابِينَ مُخَادِعِينَ اجتمعوا كافتهم على كتمان الحق ومناصبة صاحبه العداء؟ وكما وقف الشِّيعَةُ من حديث الجمهور ذلك الموقف، كذلك وقف الخوارج موقفاً شبيهاً به، وهم وإن لم ينغمسوا في رذيلة الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما فعل أَغْمَارُ الشِّيعَةِ، نظراً لصراحتهم وتقواهم وبداوة طباعهم وَبُعْدِهِمْ عن الأخذ بمذهب التَّقِيَّةِ الذي يؤمن به الشِّيعَةُ، لكنهم خالفوا الجمهور في مواقف ¬

_ (¬1) سيأتي مزيد من الكلام على هذين الحديثين في الفصل الخاص بمناقشة أحمد أمين فيما كتبه في " فجر الإسلام ".

تشريعية كثيرة فرويت عنهم أحكام غريبة، مِثْلَ إِبَاحَتِهِمْ الجَمْعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وإنكارهم حكم الرجم الوارد في السُنَّةِ، ولم يكن سبب ذلك كما زعم بعض الكاتبين جهلهم بالدين وجرأتهم على الله واستحلالهم لما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ، بل كان سببه ما ذهبوا إليه من رَدِّ الأحاديث التي خرجت بعد الفتنة أو التي اشترك رُوَّاتُهَا بالفتنة. وإنه لبلاء عظيم أن تسقط عدالة جمهور الصحابة الذين اشتركوا في النزاع مع عَلِيٍّ ومعاوية، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم، وهم في هذا الرأي لاَ يَقِلُّونَ عن الشِّيعَةِ خَطَرًا وَفَسَادَ رَأْيٍ وَسُوءَ نَتِيجَةٍ، وإذا كان مدار الاعتماد على الرواية هي صدق الصحابي وأمانته، فيما نقل - وقد كان ذلك موفوراً عندهم - وكان الكذب أبعد شيء عن طبيعتهم ودينهم وتربيتهم، فما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم؟ أليس ذلك كمن يُسْقِطُ زعيماً وطنياً أبلى في القضية الوطنية أحسن البلاء وناضل الاستعمار بقلمه وماله ونفسه، من عداد الزعماء وَيُجَرَّدُ مِنْ صِفَةِ الوَطَنِيَّةِ، وينكر فضائله كلها، ويرد أخباره كلها، لأنه كان زعيم حزب تولى الحكم فأخطأ، أو لأنه حارب زعيماً وطنياً آخر وناصبه العداء، إذا كان هذا لا يجوز في حكم التاريخ والإنصاف والحق، فأولى أَلاَّ يجوز حكم الشِّيعَةِ وَالخَوَارِجِ على الصحابة الذين لم يوافقوا عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في بعض المواقف السياسية، بإسقاط عدالتهم، وتجريحهم في مروياتهم، ووصمهم بأوصاف لا تليق بعامة الناس، فكيف بأصحاب رسول الله الذين كان لهم في خدمة الإسلام والرسول قدم صدق، لولاها لَكُنَّا نتيه في ظلمات ولا نعرف كيف نهتدي سبيلاً؟ خلاصة القول: أن السُنَّةَ الصحيحة لقيت من عنت الشِّيعَة والخوارج عناء كبيراً، وكان لآرائهم الجامحة في الصحابة أثر كبير في اختلاف الآراء والأحكام في الفقه الإسلامي، وفيما أثير حول السُنَّةِ من شبه، سَتَطَّلِع عليها عند الكلام عن شُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ وأشياعهم.

الفصل الثاني: السنة مع المعتزلة والمتكلمين:

الفَصْلُ الثَّانِي: السُنَّةُ مَعَ المُعْتَزِلَةِ وَالمُتُكُلِّمِينَ: اختلفت نُقُولُ العلماء عن موقف المعتزلة مِنَ السُنَّةِ: هل هم مع الجمهور في القول بِحُجِّيَتِهَا بقسميها المتواتر والآحاد؟ أم ينكرون حُجِيَّتِهَا بقسميها؟ أم يقولون بِحُجِيَّةِ المتواتر وينكرون حُجِيَّةَ خبر الآحاد؟ فالآمدي ينقل لنا عن أَبِي الحُسَيْنِ البَصْرِي من المعتزلة أنه من القائلين بوجوب وقوع التعبد بخبر الواحد عقلاً (¬1) ويروي لنا عن الجُبَّائِي وجماعة من المُتَكَلِّمِينَ أنه لا يجوز التعبد بخبر الواحد عقلاً (¬2) وينقل السيوطي في " التدريب " (¬3) عن أَبِي عَلِيًّ الجُبَّائِي أنه لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انظم إليه خبر عدل آخر، أو عضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخر، أو يكون منتشراً بين الصحابة أو عمل به بعضهم، حكاه أبو الحُسَيْنِ البَصْرِي في " المعتمد " وأطلق الأستاذ أبو نصر التميمي عن أَبِي عَلِيًّ أنه لا يقبل إلا إذا رواه أربعة. وحكى ابن حزم: «أَنََّّ جَمِيعَ أَهْلِ الإِسْلامِ كَانُوا عَلَىَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ عَنْ النَّبِيِِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْرِي عَلَىَ ذَلِكَ كُلَّ فِرْقَةٍ فِي عِلْمِهَا كَأَهْلِ السُنَّةِ وَالخَوَارِجِ وَالشِّيْعَةِ وَالقَدَرِيَّةِ حَتَّى حَدَثَ مُتَكَلِّمُو المُعْتَزِلَةِ بَعْدَ المِائَةِ مِنَ التَّارِيِخِ فَخَالَفُوا الإِجْمَاعَ بِذَلِكَ، وَلَقَدْ كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَتَدَيَّنُ بِمَا يَرْوِي عَنْ الحَسَنِ وَيُفْتِي بِهِ، هَذَا أَمْرٌ لاَ يَجْهَلُهُ مَنْ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِذَلِكَ» (¬4) وهو في موطن آخر يطلق القول بأن المعتزلة ينكرون حُجِيَّةَ خبر الآحاد فيقول: «وَقَالَ جَمِيعُ المُعْتَزِلَةِ ¬

_ (¬1) " الأحكام ": 2/ 75. (¬2) " الأحكام ": 2/ 68. (¬3) ص 17. (¬4) " الإحكام " لابن حزم: 1/ 114.

وَالْخَوَارِجُ: إِنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ لاَ يُوَجِبُ العِلْمَ. وَقَالُوا: مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا أَوْ خَطَأً فَلاَ يَحِلُّ الحُكْمُ بِهِ فِي دِينِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلاَ أَنْ يُضَافَ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَلاَ إِلَى الرَّسُولِ» (¬1)، وَيَنْسِبُ ابْنُ القَيِّمِ فِي "إِعْلاَمِ المُوَقِّعِينَ " إِلَى المُعْتَزِلَةِ «أَنَّهُمْ رَدُّوا النُّصُوْصَ الصَرِيَحَةَ المُحْكَمَةٌ الوَارِدَةِ فِي ثُبُوتِ الشَّفَاعَةُ لِلْعُصَاةِ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ بِالمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [سورة المدثر، الآية: 48]» (¬2). وهذه النُّقُولُ - كما ترى - متضاربة لا تعطينا حُكْمًا صحيحاً في المسألة، وقد رأيت أن أرجع إلى كُتُبِ الكَلاَمِ فأقف على ما يذكره علماء الملل والنحل عن المعتزلة من رأيهم في هذه المسألة، فرأيت الإمام أبا منصور البغدادي وصاحب " المواقف " وَالرَّازِي ينقلون عن النَظَّامِيَّةِ (وهم فرقة من المعتزلة) إنكار حُجِيَّةَ المتواتر وإفادته العلم، وتجويز وقوع التواتر كذباً واجتماع الأُمَّةِ على الخطأ كما نسب الرَّازِي إلى النَظَّامِيَّةِ إنكار حُجِيَّةَ خبر الآحاد. ولما كانت النَظَّامِيَّةُ فرقة من اثنين وعشرين فرقة للمعتزلة (¬3) وكان موقفهم مِنَ السُنَّةِ يتوقف على موقفهم من الصحابة، فقد رأيت أن أنقل إليك ما ذكره الإمام أبو منصور البغدادي المُتَوَفَّى سَنَةَ (- 429 هـ) في كتابه " الفَرْقُ بَيْنَ الفِرَق " عن هذه الفرق وموقفها من الصحابة وموقف زعمائها من الحديث. قال - بعد أن ذكر ما تجتمع فيه فرق المعتزلة من عقائد ثم أخذ يذكر ما يختلفون فيه فبدأ بذكر الوَاصِلِيَّةِ: واصل بن عطاء توفي سَنَةَ (131) قال - أثناء كلامه عن فرقة الوَاصِلِيَّةِ أتباع واصل بن عطاء -: «ثُمَّ إِنَّ وَاصِلاً فَارَقَ السَّلَفَ بِبِدْعَةٍ ثَالِثَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ أَهْلَ عَصْرِهِ مُخْتَلِفِينَ فِي عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، وَفِي طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ وَسَائِرَ أَصْحَابِ الجَمَلِ، فَزَعَمَتْ الخَوَارِجُ أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ وَأَتْبَاعِهِمْ يَوْمَ الجَمَلِ كَفَرُوا بِقِتَالِهِمْ عَلِيًّا، وَأَنَّ عَلِيًّا كَانَ عَلَى الحَقِّ فِي قِتَالِ ¬

_ (¬1) " الإحكام ": 1/ 119. (¬2) " إعلام الموقعين ": 2/ 221. (¬3) " الفرق بين الفرق ": ص 67.

أَصْحَابَ الجَمَلِ، وَفِي قِتَالِ أَصْحَابَ مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ إِلَى وَقْتِ التَّحْكِيمِ، ثُمَّ كَفَرَ بِالتَّحْكِيمِ، وَكَانَ أَهْلُ السُنَّةِ وَالجَمَاعَةِ يَقُولُونَ بِصِحَّةِ إِسْلاَمِ الفَرِيقَيْنِ فِي حَرْبِ الجَمَلِ وَقَالُوا: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ عَلَىَ الحَقِّ فِي قِتَالِهِمْ، وَأَصْحَابُ الجَمَلِ كَانُوا عُصَاةً مُخْطِئِينَ فِي قِتَالِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَكُنْ خَطَؤُهُمْ كُفْرًا وَلاَ فِسْقًا يُسْقِطُ شَهَادَتُهُمْ، وَأَجَازُوا الحُكْمَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْ الفَرِيقَيْنِ، وَخَرَجَ وَاصَلٌ عَنْ قَوْلِ الفَرِيقَيْنِ، وَزَعَمَ أَنَّ فِرْقَةً مِنَ الفَرِيقَيْنِ فَسَقَةٌ لاَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَأَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ الفَسَقَةُ مِنْهُمَا، وَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ الفَسَقَةُ مِنَ الفَرِيقَيْنِ عَلِيًّا وَأَتْبَاعَهُ كَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ وَسَائِرَ مَنْ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ الجَمَلِ، وَأَجَازَ كَوْنِ الفَسَقَةِ مِنَ الفَرِيقَيْنِ عَائِشَةُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الجَمَلِ، ثُمَّ قَالَ وَاصِلٌ فِي تَحَقُّقِ شَكِّهِ فِي الفَرِيقَيْنِ: لَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَلَيٌّ وَطَلْحَةُ أَوْ عَلَيٌّ وَالزُّبَيْرُ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الجَمَلِ عِنْدِي عَلَىَ بَاقَةِ بَقْلٍ لَمْ أَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمَا، لِعِلْمِي بِأَنَّ أَحَدُهُمَا فَاسِقٌ لاَ بِعَيْنِهِ، كَمَا لاَ أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ المُتَلاَعِنَيْنِ لِعِلْمِي بِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَاسِقٌ لاَ بِعَيْنِهِ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلاَنِ مِنْ أَحَدِ الفَرِيقَيْنِ أَيُّهُمَا كَانَ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا» (¬1). عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: ثم قال عن العَمْرَوِيَّةِ، هم أتباع عمرو بن عبيد: «وَزَادَ عَمْرُو عَلَى وَاصَلَ فِي هَذِهِ البِدْعَةِ، فَقَالَ بِفِسْقٍ كِلْتَا الفِرْقَتَيْنِ المُتَقَاتِلَتَيْنِ يَوْمَ الجَمَلِ، فَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنَ الفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ افْتَرَقَتْ القَدَرِيَّةُ (المُعْتَزِلَةُ) بَعْدَ وَاصِلَ وَعَمْرَو فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ النَظَّامُ وَمَعْمَرٌ وَالجَاحِظُ فِي فَرِيقَيْ يَوْمَ الجَمَلِ بِقَوْلِ وَاصِلٍ، وَقَالَ حَوْشَبٌ وَهَاشِمٌ وَالأَوْقَصُ: نَجَتْ القَادَةُ وَهَلَكَتْ الأَتْبَاعُ» (¬2). أَبُو الهُذَيْلِ: ثم قال عن الهُذيلية: «إِنَّهُمْ أَتْبَاعُ أَبِي الهُذَيْلِ مُحَمَّدٍ بْنِ الهُذَيْلِ المَعْرُوْفِ بِالعَلاَّفِ (227 - أَوْ 235 هـ) وَفَضَائِحُهُ تَتْرَى تُكَفِّرُهُ فِيهَا سَائِرُ فِرَقِ الأُمَّةِ مِنْ أَصْحَابِهِ ¬

_ (¬1) " الفرق بين الفرق ": ص 71 - 72. (¬2) المصدر السابق: ص 72.

فِي الاعْتِزَالِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ المَعْرُوفُ بِالمِرْدَادِ وَالجُبَّائِيُّ وَجَعْفَرُ بْنُ حَرْبٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الاعْتِزَالِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كِتَابًا فِيْ تَكْفِيرِهِ وَذَكَرَ فَضَائِحَهُ»، ثم أخذ الإمام عبد القادر يذكر بعض فضائحه فقال: «وَالفَضِيحَةُ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ: إِنَّ الحُجَّةَ مِنْ طَرِيقِ الأَخْبَارِ فَمَا غَابَ عَنْ الحَوَاسِّ مِنْ آيَاتِ الأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلاَمُ - وَفِيمَا سِوَاهَا لاَ تَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا فِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَمْ يُوْجِبْ بِأَخْبَارِ الكَفَرَةِ وَالفَسَقَةِ حُجَّةً وَإِنْ بَلَغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ الذِينَ لاَ يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الكَذِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ خَبَرَ مَا دُونَ الأََرْبَعَةِ لاَ يُوجِبُ حُكْمًا، وَمِنْ فَوْقِ الأَرْبَعَةِ إِلَى العِشْرِينَ قَدْ يَصِحُّ بِوُقُوعِ العِلْمِ بِخَبَرِهِمْ، وَقَدْ لاَ يَقَعُ بِخَبَرِهِمْ، وَخَبَرُ العِشْرِينَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يَجِبُ وُقُوعُ العِلْمِ مِنْهُ لاَ مَحَالَةَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ العِشْرِينَ حُجَّةٌ بِقَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (¬1). وقال: «لَمْ يُبِحْ قِتَالَهُمْ إِلاَّ وَهُمْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ». ثم قال صاحب " الفرق "، قال عبد القادر: «مَا أَرَادَ أَبُو الهُذَيْلِ بِاعْتِبَارِ عِشْرِينَ فِيْ الحُجَّةِ مِنْ جُمْلَةِ الخَبَرَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ إِلاَّ تَعْطِيلَ الأَخْبَارِ الوَارِدَةِ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ فَوَائِدِهَا، لأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. وَاحِدٌ يَكُونُ عَلَىَ بِدْعَتِهِ فِي الاعْتِزَالِ وَالقَدَرِ وَفِي فِنَاءِ مَقْدُورَاتِ اللهِ تَعَالَى، لأَنَّ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ لاَ يَكُونُ عِنْدَهُ مُؤْمِنًا وَلاَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ قَبْلَ أَبِي الهُذَيْلِ أَحَدٌ بِبِدْعَةِ أَبِي الهُذَيْلِ حَتَّى تَكُونَ رِوَايَتُهُ فِي جُمْلَةِ العِشْرِينَ». (¬2) النَظَّامُ: وتحدث عن فرقة النَظَّامِيَّةِ الذين يتبعون أبا إسحاق إبراهيم بن سَيَّارْ المعروف بِالنَظَّامِ، وذكر كيف دخل الفساد على عقيدة النَظَّامِ مِمَّنْ خالطهم من الزنادقة والفلاسفة وغيرهم، وقد أنكر النَظَّامُ ما روي في معجزات نَبِيِّنَا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

_ (¬1) [سورة الأنفال، الآية: 65]. [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: [في المطبوع ورد ترقيم الآية خطأ (الآية 265) ولم يقع تصحيحها كذلك في طبعة الوراق (انظر: صفحة 158 / السطر 18)]. (¬2) ص 77.

من انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده، ونبع الماء من بين أصابعه، ليتوصل من ذلك إلى إنكار نبوته ثم أنه استثقل أحكام شريعة الإسلام في فروعها ولم يجسر على إظهار رفعها، فأبطل الطرق الدالة عليها، فأنكر لأجل ذلك حُجِيَّةَ الإجماع وحُجِيَّةَ القياس في الفروع الشرعية، وأنكر الحُجَّةَ في الأخبار التي لا توجب العلم الضروري، ثم إنه علم إجماع الصحابة على الاجتهاد في الفروع فذكرهم بما يقرؤه غداً في صحيفة مخازيه، وطعن في فتاوى أعلام الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وجميع فِرَقِ الأُمَّةِ مِنْ فَرِيقَيْ الرَّأْيِ وَالحَدِيثِ مَعَ الخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَالنَجَّارِيَّةِ (¬1). ثم ذكر الإمام البغدادي أن أكثر المعتزلة متفقون على تكفير النَظَّامِ، ولم يتبعه في ضلالته إلا نفر قليل، كالأسواري وابن حايط وفضل الحدثي والجاحظ مع مخالفتهم له في بعض ضلالاته، وقد قال بتكفيره أكثر شيوخ المعتزلة، منهم: أبو الهذيل والجُبَّائِي والإسكافي وجعفر بن حرب في كتب خاصة ألفوها للرد على ضلالاته. ثم أخذ يسرد بعض فضائحه فقال في الفضيحة السادسة عشرة قوله: «بأن الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيها يجوز أن يقع كذباً، هذا مع قوله بأن من أخبار الآحاد ما يوجب العلم الضروري، وقد كَفَّرَهُ أصحابنا مع موافقيه في الاعتزال في هذا المذهب الذي صار إليه». ثم قال في الفضيحة السابعة عشرة: «تجويزه إجماع الأُمَّةِ في كل عصر وفي جميع الأعصار على الخطأ من جهة الرأي والاستدلال، ويلزمه على هذا الأصل ألاَّ يثق بشيء مِمَّا اجتمعت الأُمَّةُ عليه لجواز خطئهم فيه عنده، وإذا كانت أحكام الشريعة منها ما أخذه المُسْلِمُونَ عن خبر متواتر ومنها ما أخذوه عن أخبار الآحاد، ومنها ما أجمعوا عليه وأخذوه عن اجتهاد وقياس، وكان النظام دافعاً لحُجةالتواتر ولحُجة الإجماع، وقد أبطل القياس وخبر الواحد إذا لم يوجد العلم الضروري، فكأنه أراد إبطال فروع الشريعة لإبطاله طرقها». ¬

_ (¬1) هم أتباع الحُسَيْن بْنِ مُحَمَّدٍ النَجَّارْ كان من أصحاب بِشْرٍ المَرِيسِيِّ نَاظَرَ النَظَّامَ فلم يفلح فمات متأثراً حوالي سَنَةَ 230. وقد وافقوا أصحابنا في أصول، ووافقوا القَدَرِيَّةَ في أصول وانفردوا بأصول لهم. اهـ من " الفرق " ص 126.

ثم قال في الفضيحة الحادية والعشرين: «ثم إن النظام مع ضلالاته التي حكيناها عنه، طعن في أخبار الصحابة والتَّابِعِينَ من أجل فتاويهم في الاجتهاد، فذكر الجاحظ عنه في كتاب " المعارف " وفي كتابه المعروف بالفتيا أنه عاب أصحاب الحديث وروايتهم أحاديث أبي هريرة، وزعم أن أبا هريرة كان أكذب الناس (¬1) وطعن في الفاروق عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وزعم أنه شك يوم الحديبية في دينه وشك يوم وفاة النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه كان فيمن نفر بالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَلاَمُ - ليلة العقبة، وأنه ضرب فاطمة ومنع ميراث الضرة، وأنكر عليه تغريب نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة، وزعم أنه ابتدع صلاة التراويح، ونهى عن متعة الحج، وحرم نكاح الموالي للعربيات، وعاب عثمان بإيوائه الحكم بن العاص إلى المدينة، واستعماله الوليد بن عقبة على الكوفة، حتى صلى بالناس وهو سكران، وعابه بأن أعان سعيد بن العاص بأربعين ألف درهم على نكاح عقده وزعم أنه استأثر بالحمى، ثم ذكر عليّاً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وزعم أنه سئل عن بقرة قتلت حماراً فقال: أقول فيها برأيي، ثم قال النظام عن عَلِيٍّ: " ومن هو حتى يقضي برأيه؟ " وعاب ابن مسعود في قوله حديث بروع بنت واشق: " أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي ". وَكَذَّبَهُ في روايته عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» وكذَّبَهُ أيضاًً في روايته انشقاق القمر، وفي رؤيته الجن ليلة الجن، ثم إنه قال في كتابه: «إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأي في الفتيا عليهم، وأنهم أرادوا أن يذكروا بالخلاف وأن يكونوا رؤساء المذاهب، فاختاروا لذلك القول بالرأي فنسبهم إلى إيثار الهوى على الدين» (¬2). وقد ذكر الإمام البغدادي بعد ذلك (¬3): «أن نسبة النَظَّامِ الصحابة إلى الجهل والنفاق يترتب عليه خلود أعلام الصحابة في النار على رأي النظام، لأن الجاهل بأحكام الدين عنده ¬

_ (¬1) سَيَمُرُّ بِكَ الرَدُّ عَلَى هَذَا فِي فَصْلِ الرَدِّ عَلَى الأُسْتَاذِ «أَحْمَد أَمِينْ» الذِي سَرَقَ رَأْيَهُ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَظَّامِ قَدِيمًا وَالمُسْتَشْرِقِينَ حَدِيثًا. (¬2) " الفرق بين الفرق ": ص 89 - 90. (¬3) ص 192.

كافر والمتعم للخلاف بلا حُجَّةٍ عنده منافق كافر أو فاسق فاجر، وكلاهما من أهل النار على الخلود». هذا ما ذكره الإمام أبو منصور البغدادي ووافقه على أكثر ما فيه الشهرستاني صاحب "الملل والنحل " المُتَوَفَّى سَنَةَ (- 548 هـ). ومنه نرى أن المعتزلة ما بين شاك بعدالة الصحابة منذ عهد الفتنة كـ «واصل»، وما بين مُوقِنٍ بفسقهم كـ «عمرو بن عبيد» وما بين طاعن في أعلامهم، مُتَّهِمٍ لهم بالكذب والجهل والنفاق كَالنَظَّامِ، وذلك يوجب رَدَّهُمْ للأحاديث التي جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة بناء على رأي واصل وعمرو ومن تبعهما، وأن أخبار الآحاد لا تثبت عند أبي الهذيل حُكْمًا إلا إذا رواها عشرون، بينهم واحد من أهل الجنة، وأن النَظَّامَ يُنْكِرُ حُجِيَّةَ الإجماع والقياس وقطعية التواتر. وقد كان لموقف المعتزلة مِنَ السُنَّةِ هذا الموقف المتطرف المباين لعقيدة جمهور المُسْلِمِينَ أثر كبير في الجفاء بين علماء السُنَّةِ ورؤوس المعتزلة، تراشق على أثره الفريقان التُّهَمَ، فالمعتزلة يرمون المُحَدِّثِينَ بروايتهم الأكاذيب والأباطيل، وبأنهم زوامل للأخبار لا يفهمون ما يَرْوُونَ. ويذكرون لهم من الطرائف في ذلك ما صح بعضها عن عوام أهل الحديث لا عن رؤسائهم (¬1)، بينما يَتَّهِمُ المُحَدِّثُونَ أئمة الاعتزال بالفسق والفجور والابتداع في الدين والقول بآراء ما نَزَّلَ اللهُ بها من سلطان، فقد نقل ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث "، وكذلك البغدادي في " الفرق بين الفرق " عن النظام أنه كان يقول بأن الطلاق لا يقع بشيء من ألفاظ الكناية، وأن من ظَاهَرَ امرأته بذكر البطن أو الفرج لم يكن مُظَاهِرًا، وأن النوم لا ينقض الطهارة إذا لم يكن معه حدث، وأن من ترك صلاة مفروضة عمداً لم يصح قضاؤه لها، ولم يجب عليه قضاؤها، كما ذكر ابن قتيبة عنه أنه كان سِكِّيرًا مَاجِنًا يغدو على سكر، ويروح على سكر وأنه قال عن الخمر: مَا زِلْتُ آخُذُ رُوحُ الزِقِّ فِي لُطْفٍ * ... * ... * وَأْسْتَبِيحُ دَمًا مِنْ غَيْرِ مَذْبُوحٍ ¬

_ (¬1) سترى نموذجاً من هذا عند الكلام عن أبي حنيفة.

حَتَّى انْتَشَيْتُ وَلِي رُوحَانِ فِي بَدَنٍ ... وَالزِقُّ مُطَّرَحٌ جِسْمٌ بِلاَ رُوحٍ (¬1) ويذكر لنا عن ثمامة بن أشرس الذي قاد حركة القول بخلق القرآن في عهد المأمون، أنه رأى الناس يوم الجمعة يتعادون إلى المسجد الجامع لخوفهم فوت الصلاة، فقال لرفيق له: «انْظُرْ إِلَى هَؤُلاَءِ الحَمِيرِ وَالبَقَرِ ... » ثم قال: «مَاذَا صَنَعَ ذَاكَ العَرَبِيُّ بِالنَّاسِ؟» (¬2) يَعْنِي رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ويظهر أن ما ذكره ابن قتيبة والبغدادي عن رؤساء الاعتزال - وإن كان كلام خصم في خصومه - صحيح بالجملة من حيث اتصاف أولئك الرؤساء بِقِلَّةِ التَدَيُّنِ وعدم التورع عن ارتكاب بعض المُحَرَّمَاتِ، فقد روى الجاحظ وهو من أئمة الاعتزال - في " كتاب المضاحك ": إِنَّ المَأْمُونَ رَكِبَ يَوْمًا فَرَأَىَ ثُمَامَةَ سَكْرَانَ قَدْ وَقَعَ فِي الطِّينِ فَقَالَ لَهُ: «ثُمَامَةُ؟» قَالَ: «أَيْ واللهِ». قَالَ: «أَلاَ تَسْتَحْيِ؟» قَالَ: «لاَ وَاللهِ». قَالَ: «عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ. قَالَ: «تَتْرَى ثُمَّ تَتْرَى». وَرَوَى أَيْضًا أَنَّ غُلاَمَ ثُمَامَةَ قَالَ لِثُمَامَةَ يَوْمًا: «قُمْ صَلِّ». فَتَغَافَلَ ثُمَامَةُ، فَقَالَ لَهُ غُلاَمُهُ: «قَدْ ضَاقَ الوَقْتُ، فَقُمْ وَصَلِّ وَاسْتَرِحْ»، فَقَالَ: «أَنَا مُسْتَرِيحٌ إِنَّ تَرَكْتَنِي» (¬3). وَأَيًّا مَا كان فقد تطور الجفاء بين الفريقين إلى أن وقعت فتنة خلق القرآن التي حمل المأمون لواءها سَنَةَ 218 وجعل الدولة رسمياً تجبر الناس على ما لا يعتقدون وكان لِلْمُحَدِّثِينَ موقف مُشَرِّفٌ في الدفاع عن الحق، إذ صمدوا للإغراء والتهديد والوعيد، بل وللسجن والقتل، وما لقيه إمام السُنَّةِ أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللهُ - في ذلك من سجن وضرب مدى ثلاثة عشر يَوْماًً أبلغ دليل على ما نال علماء السُنَّةِ من اضطهاد وأذى، حتى وَلِيَ المتوكل الخلافة سَنَةَ 232 فأعلن ميله إلى أهل السُنَّةِ، وأزال عن الناس تلك المحنة، ورفع من أقدار المُحَدِّثِينَ، وتضاءل المعتزلة بعد ذلك حتى لم تقم لهم من بعدها قائمة، وقد أدى - مع الأسف - هذا الصراع إلى نتيجتين خطيرتين فيما يتعلق بِِالسُنَّةِ: ¬

_ (¬1) " تأويل مختلف الحديث ": ص 21. (¬2) المصدر السابق: ص 60. [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: [قارن بما ورد في صفحة 6 من كتاب " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي "]. (¬3) " الفرق بين الفرق ": ص 104.

أَوَّلَهُمَا - ما فتحه رؤساء المعتزلة من ثغرات في مكانة الصحابة استطاع منها أن يلج المُتَعَصِّبُونَ من المُسْتَشْرِقِينَ حمى أولئك الذادة الميامين من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يجرؤوا على رميهم بالكذب والتلاعب في دين الله، مستندين إلى ما افتراه النَظَّامُ وأمثاله عليهم، وما استطال بلسانه على مقامهم، وقد تبع المُسْتَشْرِقِينَ في هذا بعض الكُتَّابِ المُسْلِمِينَ، كما ستطلع عليه من صنع الأستاذ أحمد أمين وبعض أدعياء العلم المغرورين. ثَانِيهِمَا - أن جمهور المعتزلة كانوا في الفقه على مذهب أبي حنيفة وأصحابه، حتى إن بشراً المريسي الذي كان من أبرز رؤوس المعتزلة في عصره، قالوا: إنه كان في الفقه على رأي أبي يوسف القاضي، غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف (¬1) فلما أشرعت الخصومة بين أهل الحديث وأهل الاعتزال جَرَّحَ المُحَدِّثُونَ كُلَّ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَجَرَّ ذلك بعض المُغَالِينَ منهم إلى أَنْ يُجَرِّحَ كثيرًا من أصحاب أبي حنيفة بِحُجَّةِ أنهم يقولون بالرأي. ولا ذنب لهم إلا أن مذهب أبي حنيفة كان مذهب خصومهم المعتزلة، حتى إن أبا حنيفة نفسه لم يسلم من أذى الذين جاؤوا بعده من أولئك المُحَدِّثِينَ، فلقد نسبوا إليه القول بِخَلْقِ القُرْآنِ (¬2) مع أن الثابت عنه بنقل الثقات غير ذلك ومع أن محمد بن الحسن كان يقول: «مَنْ صَلَّى خَلْفَ المُعْتَزِلِيَّ يُعِيدُ صَلاَتَهُ». وسُئِلَ أبو يوسف عن المعتزلة فقال: «هُمْ الزَّنَادِقَةُ» (¬3). وهكذا أصابت شظايا هذه المعركة فريقاً من أئمة المُسْلِمِينَ بغير أن يسهموا فيها، وكان من الممكن ألاََّّ تصل إلى ما وصلت إليه لولا تَدَخُّلِ ثلاثة من خلفاء بني العباس في إيقاد جذوتها. والأمر لله من قبل ومن بعد. ¬

_ (¬1) " الفرق بين الفرق ": ص 124. (¬2) " تأنيب الخطيب " للكوثري: ص 52. (¬3) هكذا نقل صاحب " الفرق بين الفرق ": ص 103.

الفصل الثالث: السنة مع منكري حجيتها قديما:

الفَصْلُ الثَّالِثُ: السُنَّةُ مَعَ مُنْكِرِي حُجِيَّتِهَا قَدِيمًا: لم يكد يُطِلُّ القرن الثاني الهجري حتى امتحنت السُنَّةُ بمن ينكر حُجِيَّتَهَا كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي، وبمن ينكر حُجِيَّةَ غير المتواتر منها، مِمَّا يأتي عن طريق الآحاد، وبمن يكر حُجِيَّةَ السُنَّةِ التي لا تُرَدُّ بياناً لما في القرآن أو مُؤَكِّدَةً له، بل تأتي بحكم مستقل. وأول من تعرض لهذه المذاهب - فيما نعلم - الإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -، فقد جاء في كتاب "جماع العلم " من كتاب " الأُم " فصل خاص، ذكر فيه الشافعي مناظرة بينه وبين من يُنْسَبُ إلى العلم بمذهب أصحابه مِمَّنْ يرون رَدَّ الأخبار كلها، كما عقد - رَحِمَهُ اللهُ - فصلاً طويلاً في " الرسالة " لحُجِيَّةِ خَبَرِ الآحَادِ، وإليك ما ذكره في كتاب " الأم " (¬1). قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «قَالَ: لِي قَائِلٌ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِهِ: أَنْتَ عَرَبِيٌّ وَالقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ، وَأَنْتَ أَدْرَى بِحِفْظِهِ، وَفِيهِ لِلَّهِ فَرَائِضُ أَنْزَلَهَا لَوْ شَكَّ شَاكٌّ قَدْ تَلَبَّسَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِحَرْفٍ مِنْهَا اسْتَتَبْته، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْته وَقَدْ قَالَ: - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الْقُرْآنِ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (¬2) فَكَيْفَ جَازَ عِنْدَ نَفْسِك أَوْ لأَحَدٍ فِي شَيْءٍ فَرَضَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً: الفَرْضُ فِيهِ عَامٌّ، وَمَرَّةً: الفَرْضُ فِيهِ خَاصٌّ، وَمَرَّةً: الأَمْرُ فِيهِ فَرْضٌ، وَمَرَّةً: الأَمْرُ فِيهِ دَلاَلَةٌ؟ وَإِنْ شَاءَ ذُو إبَاحَةٍ وَأَكْثَرُ مَا فَرَّقْت بَيْنَهُ مِنْ هَذَا عِنْدَك حَدِيثٌ تَرْوِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ آخَرَ أَوْ حَدِيثَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ حَتَّى [يَبْلُغَ] بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ وَجَدْتُك وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَك ¬

_ (¬1) " جماع العلم " المطبوع مع " الأم ": 7/ 250 في باب حكاية قول الطائفة التي ردّت الأخبار كلها. (¬2) [سورة النحل، الآية: 89].

لاَ تُبَرِّئُونَ أَحَدًا لَقِيتُمُوهُ وَقَدَّمْتُمُوهُ فِي الصِّدْقِ وَالْحِفْظِ، وَلاَ أَحَدًا لَقِيت مِمَّنْ لَقِيتُمْ مِنْ أَنْ يَغْلَطَ وَيَنْسَى وَيُخْطِئَ فِي حَدِيثِهِ، بَلْ وَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَخْطَأَ فُلاَنٌ فِي حَدِيثِ كَذَا، وَفُلاَنٌ فِي حَدِيثِ كَذَا، وَوَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِحَدِيثٍ [أَحْلَلْتُمْ] بِهِ وَحَرَّمْتُمْ مِنْ عِلْمِ الخَاصَّةِ: لَمْ يَقُلْ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَخْطَأْتُمْ، أَوْ مَنْ حَدَّثَكُمْ وَكَذَبْتُمْ أَوْ مَنْ حَدَّثَكُمْ، لَمْ تَسْتَتِيبُوهُ، وَلَمْ تَزِيدُوهُ عَلَى أَنْ تَقُولُوا لَهُ: بِئْسَمَا قُلْت، أَفَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ القُرْآنِ وَظَاهِرُهُ وَاحِدٌ عِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ بِخَبَرِ مَنْ هُوَ كَمَا وَصَفْتُمْ [فِيهِ]، وَتُقِيمُونَ أَخْبَارَهُمْ مَقَامَ كِتَابِ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُعْطُونَ بِهَا وَتَمْنَعُونَ بِهَا؟ قال الشافعي: «فقلت: إنَّمَا نُعْطِي مِنْ وَجْهِ الإِحَاطَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ وَجِهَةِ الْقِيَاسِ وَأَسْبَابُهَا عِنْدَنَا مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا كُلِّهَا فَبَعْضُهَا أَثْبَتُ مِنْ بَعْضٍ قَالَ: وَمِثْلُ مَاذَا؟ قُلْت: إعْطَائِي مِنَ الرَّجُلِ بِإِقْرَارِهِ وَبِالبَيِّنَةِ وَإِبَائِهِ الْيَمِينَ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ وَالإِقْرَارُ أَقْوَى مِنْ البَيِّنَةِ وَالبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ إبَاءِ الْيَمِينِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ وَنَحْنُ وَإِنْ أَعْطَيْنَا [بِهَا] عَطَاءً وَاحِدًا فَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ». قال (الخصم): «وَإِذَا قُمْتُمْ عَلَى أَنْ تَقْبَلُوا أَخْبَارَهُمْ، وَفِيهِمْ مَا ذَكَرْت مِنْ أَمْرِكُمْ بِقَبُولِ أَخْبَارِهِمْ، وَمَا حُجَّتُكُمْ فِيهِ عَلَى مَنْ رَدَّهَا؟» قال (الخصم): «لاَ أَقْبَلُ مِنْهَا شَيْئًا، إذَا كَانَ يُمْكِنُ فِيهِمْ الْوَهْمُ وَلاَ أَقْبَلُ إِلاَّ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى اللَّهِ كَمَا أَشْهَدُ بِكِتَابِهِ الَّذِي لاَ يَسَعُ أَحَدًا الشَّكُّ فِي حَرْفٍ مِنْهُ، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ شَيْءٌ مَقَامَ الإِحَاطَةِ وَلَيْسَ بِهَا؟». قال الشافعي:» ثم أخذ الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - في التدليل على ذلك فقال: قال الله - عَزَّ وَجَلَّ - {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ} (¬1). قال (الخصم): «فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الكِتَابَ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا الحِكْمَةُ؟». ¬

_ (¬1) [سورة الجمعة، الآية: 2].

قُلْتُ: «سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». قَالَ (الخَصْمُ): قَالَ: «أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ، يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ جُمْلَةً، وَالْحِكْمَةَ خَاصَّةً وَهِيَ أَحْكَامُهُ؟» قُلْتُ: «تَعْنِي بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ عَنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِثْلَ مَا بَيَّنَ لَهُمْ فِي جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ مِنْ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ أَحْكَمَ فَرَائِضَ مِنْ فَرَائِضِهِ بِكِتَابِهِ، وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟». قَالَ (الخَصْمُ): «إنَّهُ لَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ!». قُلْتُ: «فَإِنْ ذَهَبْتَ هَذَا الْمَذْهَبَ فَهِيَ [فِي] مَعْنَى الأَوَّلِ قَبْلَهُ، الَّذِي لاَ تَصِلُ إلَيْهِ إلاَّ بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». قَالَ (الخَصْمُ): «فَإِنْ ذَهَبْت مَذْهَبَ تَكْرِيرِ الْكَلاَمِ؟». قُلْتُ: «وَأَيُّهُمْ أَوْلَى بِهِ، إذَا ذَكَرَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ أَنْ يَكُونَا شَيْئَيْنِ أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا». قَالَ: «يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا كَمَا وَصَفْت، كِتَابًا وَسُنَّةً، فَيَكُونَا شَيْئَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا شَيْئًا وَاحِدًا؟». قُلْتُ: «فَأَظْهَرُهُمَا أُولاَهُمَا، وَفِي القُرْآنِ دَلاَلَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا، وَخِلاَفُ مَا ذَهَبْتَ إلَيْهِ». قَالَ: «وَأَيْنَ [هِيَ]؟». قُلْتُ: «قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (¬1) فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُتْلَى فِي بُيُوتِهِنَّ شَيْئَانِ». قَالَ (الخَصْمُ): «فَهَذَا الْقُرْآنُ يُتْلَى فَكَيْفَ تُتْلَى الْحِكْمَةُ؟». قُلْتُ: «إنَّمَا مَعْنَى التِّلاَوَةِ أَنْ يَنْطِقَ بِالقُرْآنِ وَالسُنَّةِ، كَمَا يَنْطِقُ بِهَا» (¬2). قَالَ (الخَصْمُ): «فَهَذِهِ أَبْيَنُ فِي أَنَّ الْحِكْمَةَ غَيْرُ القُرْآنِ مِنْ الأُولَى». وَقُلْتٌ: «افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». ¬

_ (¬1) [سورة الأحزاب، الآية: 34]. (¬2) هكذا العبارة في جماع العلم المطبوع مع " الأم ": 7/ 250 ولعل صوبها: «أَنْ يَنْطِقَ بِالسُنَّةِ كَمَا يَنْطِقُ بِالقُرْآنِ».

قَالَ (الخَصْمُ): «وأين [هِيَ]؟ قُلْتُ: «قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬1) وَقَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (¬2) وَقَالَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3). قَالَ (الخَصْمُ): «مَا مِنْ شَيْءٍ أَوْلَى بِنَا أَنْ نَقُولَهُ فِي الْحِكْمَةِ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: " إنَّ اللَّهَ [أَمَرَ] بِالتَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِكْمَتِهِ إنَّمَا هُوَ [مِمَّا] أَنْزَلَهُ " لَكَانَ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى التَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قُلْتُ: «لَقَدْ فَرَضَ اللهُ - جَلَّ وَعَزَّ -[عَلَيْنَا] اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَقَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬4). قال (الخصم): «إنَّهُ لَبَيِّنٌ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ عَلَيْنَا فَرْضًا أَنْ نَأْخُذَ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ وَنَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». قال (الشافعي) قُلْتُ: «وَالفَرْضُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ هُوَ قَبْلَنَا وَمَنْ بَعْدَنَا وَاحِدٌ؟». قَالَ (الخَصْمُ): «نَعَمْ». فَقُلْتُ: «فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْنَا فَرْضًا فِي اتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنُحِيطُ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ [اللَّهُ] عَلَيْنَا شَيْئًا فَقَدْ دَلَّنَا عَلَى الأَمْرِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ فَرْضُهُ؟» قَالَ: «نَعَمْ!». قُلْتُ: «فَهَلْ تَجِدُ السَّبِيلَ إلَى تَأْدِيَةِ فَرْضِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي اتِّبَاعِ أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدٍ قَبْلَك أَوْ بَعْدَك مِمَّنْ لَمْ يُشَاهِدْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاَّ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». ¬

_ (¬1) [سورة النساء، الآية: 65]. (¬2) [سورة النساء، الآية: 80]. (¬3) [سورة النور، الآية: 63]. (¬4) [سورة الحشر، الآية: 7].

وهنا ذكر الشافعي له أيضاًً: كيف ينسخ القرآن بعضه بعضاً ولا سبيل إلى ذلك إلا بالخبر عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ قَالَ (الخَصْمُ): «وَالحُجَّةُ لَك ثَابِتَةٌ بِأَنَّ عَلَيْنَا قَبُولَ الخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صِرْت إلَى أَنَّ قَبُولَ الخَبَرِ لاَزِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْت وَمَا فِي مِثْلِ مَعَانِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ». ثم أعلن الخَصْمُ الرجوع عما كان يعتقده إلى ما تبين له أنه الحق. ثم سأل الخَصْمُ الشَّافِعِيَّ عن العام كيف يكون في القرآن مَرَّةً عَامًّا ومَرَّةً خَاصًّا! فَبَيَّنَ له الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - أن لسان العرب واسع وقد تنطق بالشيء عَامًّا وتريد به خَاصًّا، وأن القول بخصوصية العام لا تكون إلا بِحُجَّةٍ من قرآن أو سُنَّةٍ، ثم ذكر له على ذلك أمثلة من عموم القرآن خُصَّتْ بأخبار السُنَّةِ كعموم الصلاة على المُكَلَّفِينَ خصت منها ذوات الحيض، والزكاة على الأموال عَامَّةً وخُصَّ منها بعض الأموال، والوصية للوالدين نسخت بالفرائض، والمواريث للآباء والأمهات والولد على العموم وخُصَّ منها الكافر لا يرث من المسلم، والعبد من الحر والقاتل من المقتول وكل ذلك بِِالسُنَّةِ، فاعترف الخصم بأنه لا سبيل لعلم ذلك إلا بِالسُنَّةِ. ثُمَّ قَالَ (الخَصْمُ): «[نَعَمْ] وَمَا زِلْت أَقُولُ بِخِلاَفِ هَذَا حَتَّى بَانَ لِي خَطَأُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَلَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ أُنَاسٌ مَذْهَبَيْنِ: أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ لاَ يَقْبَلُ خَبَرًا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ البَيَانُ». قُلْتُ: «فَمَا لَزِمَهُ؟». قَالَ: «أَفْضَى بِهِ عَظِيمٌ إلَى عَظِيمٍ مِنْ الأَمْرِ، فَقَالَ مَنْ جَاءَ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَلاَةٍ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ زَكَاةٍ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ لاَ وَقْتَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ قَالَ فِي كُلِّ أَيَّامٍ». وَقَالَ: «مَا لَمْ يَكُنْ [فِيهِ] كِتَابُ اللَّهِ فَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِيهِ فَرْضٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا كَانَ فِيهِ قُرْآنٌ يُقْبَلُ فِيهِ الْخَبَرُ، فَقَالَ بِقَرِيبٍ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ قُرْآنٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَى الأَوَّلِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ صَارَ إلَى قَبُولِ الْخَبَرِ بَعْدَ رَدِّهِ، وَصَارَ إلَى أَنْ لاَ يَعْرِفَ نَاسِخًا وَلاَ مَنْسُوخًا وَلاَ خَاصًّا وَلاَ عَامًّا، وَالْخَطَأَ». [قَالَ]: «وَمَذْهَبُ الضَّلاَلِ فِي هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ وَاضِحٌ لَسْتُ أَقُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَكِنْ هَلْ مِنْ حُجَّةٍ فِي أَنْ تُبِيحَ المُحَرَّمَ بِإِحَاطَةٍ بِغَيْرِ إحَاطَةٍ؟» (أَيْ تُبِيحُ المُحَرَّمَ قَطْعًا بِالظَنِّ).

قُلْتُ: «نَعَمْ». قَالَ: «مَا هُوَ؟». قُلْتُ: «مَا تَقُولُ فِي هَذَا [لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ] أَمُحَرَّمُ الدَّمِ وَالْمَالِ؟». قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: «فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً وَأَخَذَ مَالَهُ فَهُوَ هَذَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ؟» قَالَ: «أَقْتُلُهُ قَوَدًا وَأَدْفَعُ مَالَهُ الذِي فِي يَدَيْهِ إلَى وَرَثَةِ المَشْهُودِ لَهُ». قُلْتُ: «أَوَيُمْكِنُ فِي الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا بِالْكَذِبِ وَالْغَلَطِ؟». قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: «فَكَيْفَ أَبَحْتَ الدَّمَ وَالمَالَ المُحَرَّمَيْنِ بِإِحَاطَةٍ، بِشَاهِدَيْنِ وَلَيْسَا بِإِحَاطَةٍ؟» قَالَ: «أُمِرْت بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ». قُلْتُ: «أَفَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَصًّا أَنْ تَقْبَلَ الشَّهَادَةَ عَلَى القَتْل؟». قَالَ: «لاَ. وَلَكِنْ اسْتِدْلاَلاً أَنِّي لاَ أُؤْمَرُ بِهَا إلاَّ بِمَعْنًى». ثم قال الشافعي له: «فَإِنْ كُنْت أُمِرْت بِذَلِكَ عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الظَّاهِرِ فَقَبِلْتَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ وَلاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ، وَإِنَّا لَنَطْلُبُ فِي الْمُحَدِّثِ أَكْثَرَ مِمَّا نَطْلُبُ فِي الشَّاهِدِ فَنُجِيزُ شَهَادَةَ البَشَرِ لاَ نَقْبَلُ حَدِيثَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَنَجِدُ الدَّلاَلَةَ عَلَى صِدْقِ الْمُحَدِّثِ وَغَلَطِهِ مِمَّنْ شَرِكَهُ مِنْ الحُفَّاظِ، وَبِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَفِي هَذَا دَلاَلاَتٌ وَلاَ يُمْكِنُ هَذَا فِي الشَّهَادَاتِ». وأخيراً يعلن الخصم اقتناعه بأن قبول خبر الرسول قبول عن اللهِ. اهـ. باختصار بسيط جِدًّا، ولا بد من إبداء الملاحظات الآتية: أَوَلاً - لم يُبَيِّنْ لنا الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - من هي هذه الطائفة التي رَدَّتْ الأخبار كلها، ولا من هو الشخص الذي ناظره في ذلك، وقد استظهر الشيخ الخضري - رَحِمَهُ اللهُ - أنه يعني بذلك المعتزلة حيث قال في كتابه " تاريخ التشريع الإسلامي ": «وَلَمْ يُظْهِرِ لَنَا الشَّافِعِيُّ شَخْصِيَّةَ مَنْ كَانَ يَرَىَ هَذَا الرَّأْيَ وَلاَ أَبَانَهُ لَنَا التَّارِيخُ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي مُنَاظَرَتِهِ لأَصْحَابِ الرَّأْيِ الآتِي (الذِينَ يَرُدُّوْنَ خَبَرَ الخَاصَّةِ) قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا المَذْهَبِ (مَنْ يَرُدُّ الأَخْبَارَ كُلَّهَا) مَنْسُوبٌ إِلَى البَصْرَةِ، وَكَانَتْ البَصْرَةُ مَرْكَزًا لِحَرَكَةٍ عَمَلِيَّةٍ كَلاَمِيَّةٍ، وَمِنْهَا نَبَعَتْ مَذَاهِبُ المُعْتَزِلَةِ، فَقَدْ نَشَأَ بِهَا كِبَارُهُمْ وَكُتَّابُهُمْ، وَكَانُوا مَعْرُوفِيْنَ بِمُخَاصَمَتِهِمْ لأَهْلِ الحَدِيثِ، فَلَعَلَّ صَاحِبَ

هَذَا القَوْلِ مِنْهُم) وَقَد تَأَيَّدَ عِنْدِي هَذَا الظَّنُّ بِمَا رَأَيْتُهُ فِي الكِتَابِ المَوْسُوْمِ بـ " تَأْوِيْلِ مُخْتَلَفِ الحَدِيثِ " لأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْن مُسْلِمٍ بْنِ قُتَيْبَةَ (276) فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ مَوْقِفَ شُيُوخِ المُعْتَزِلَةِ مِنَ السُّنَّةِ وَتَطَاوَلَهُمْ عَلَى الصََّحَابَةِ وَكِبَارِ المُفْتِينَ مِنْهُمْ». واستنتج «الخضري» من ذلك أن غارة شعواء شُنَّتْ في عصر الشافعي أو قبله بقليل من المُتَكَلِّمِينَ على أَهْلِ السُنَّةِ، وأكثر المُتَكَلِّمِينَ كان بالبصرة، فمن المُؤَكَّدِ أن يكون الذي ناظر الشافعي من هؤلاء (¬1) وهذا الذي استظهره الشيخ «الخضري» قوي في النظر. ثَانِياً - لاَ يُخَالِجَنَّكَ ذَرَّةٌ من الشك في أن المراد بإنكار حُجِيَّةِ السُنَّةِ إنكار ذلك من حيث الشك في طريقها، وما يلحق رُوَّاتَهَا من خطأ أو وهم، وما يندس بينهم من وَضَّاعِينَ وكذّابين، ومن هنا قال من قال بوجوب الاقتصار على القرآن وعدم الاعتماد عَلَى السُنَّةِ، لا أنهم أنكروها من حيث أقوال النَّبِيِّ وأفعال وتقريرات، فإن مسلماً لا يقول بذلك، ولم ينقل عن طائفة من طوائف المُسْلِمِينَ أنها قالت بأن اتباع أمر رسول الله ليس بواجب، وأن أقواله وأفعاله ليست من مصادر التشريع، ولا شك أن في القول بذلك رَدًّا لأحكام القرآن وما أجمع عليه الصحابة وَالمُسْلِمُونَ، نعم نسب القول إلى طائفة من غُلاَةِ الرَّوَافِضِ التي تنكر نُبُوَّةَ محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا لا كلام لنا فيه، فالبحث إنما هو في آراء الطوائف الإسلامية، لاَ المُرْتَدِّينَ وَالمَلاَحِدَةَ وأشباههم، وإليك من نصوص العلماء ما يؤكد هذا الذي قلناه. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - في صدر كتاب "جماع العلم» من كتاب " الأم " الجزء السابع ص 250: «لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا نَسَبَهُ النَّاسُ أَوْ نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ، يُخَالِفُ فِي أَنْ فَرَضَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - اتِّبَاعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمْ يَجْعَلْ لأَحَدٍ بَعْدَهُ إلاَّ اتِّبَاعَهُ، وَأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ قَوْلٌ بِكُلِّ حَالٍ إلاَّ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ مَا سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا، وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا [وَقَبْلَنَا] فِي قَبُولِ الخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الفَرْضَ وَالوَاجِبَ قَبُولُ الخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] إلاَّ فِرْقَةٌ سَأَصِفُ قَوْلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وهذه الفرقة هي التي ذكر آراءها وناقشها آنفاً)». ¬

_ (¬1) " تاريخ التشريع الإسلامي " للشيخ محمد الخضري بك: ص 197.

وَلاَ شك أنك لمحت من النقاش أن مدار الإنكار هو الظن في ثبوتها بحيث لا تقف أمام القرآن المقطوع ونسبته إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ -. وقال ابن حزم (¬1): «لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ القُرْآنَ هُو الأَصْلُ المَرْجُوعِ إِلَيْهِ فِي الشَّرَائِعِ نَظَرْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَا فِيهِ إِيجَابَ طَاعَةِ مَا أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَجَدْنَاهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ فِيهِ وَاصِفًا لِرَسُولِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (¬2) فَصَحَّ لَنَا بِذَلِكَ أَنَّ الوَحْيَ يَنْقَسِمُ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى رَسُولِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَحْيٌ مَتْلُوٌّ مُؤَلَّفٌ تَأْلِيفاً مُعْجَزَ النِّظَامِ وَهُوُ القُرْآنُ، وَالثَّانِي: وَحْيٌ مَرْوِيٌّ مَنْقُولٌ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ وَلاَ مُعْجَزَ النِّظَامِ وَلاَ مَتْلُوٌّ لَكِنَّهُ مَقْرُوءٌ، وَهُوَ الخَبَرُ الوَارِدُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ المُبَيِّنُ عَنْ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مُرَادُهُ مِنَّا، قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬3) وَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ طَاعَةَ هَذَا القِسْمَ الثَّانِي كَمَا أَوْجَبَ طَاعَةَ القِسْمِ الأَوَّلِ الذِي هُوَ القُرْآنُ وَلاَ فَرْقَ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (¬4) فَكَانَتْ الأَخْبَارُ التِي ذَكَرْنَا أَحَدَ الأُصُولِ الثَّلاَثَةِ التِي أَلْزَمَنَا طَاعَتَهَا فِي الآيَةِ الجَامِعَةِ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ أَوَّلُهَا عَنْ آخِرِهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} (¬5) فَهَذَا أَصْلٌ وَهُوَ القُرْآنُ {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (5) فَهَذَا ثَاٍن وَهُوَ الخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} (5) فَهَذَا ثَالِثٌ وَهُوَ الإِجْمَاعُ المَنْقُولُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمُهُ». ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قَلِيلٍ: «فَلَمْ يَسَعْ مُسْلِمًا يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ أَنْ يَرْجِعَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلَى غَيْرِ القُرْآنِ وَالخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلاَ يَأْبَى عَمَّا وُجِدَ فِيهِمَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلاًّ لِلْخُرُوجِ عَنِ ¬

_ (¬1) " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم الأندلسي: 1/ 96. (¬2) [سورة النجم، الآيتان: 3، 4]. (¬3) [سورة النحل، الآية: 44]. (¬4) [سورة المائدة، الآية: 92] و [سورة التغابن، الآية: 12]. (¬5) [سورة النساء، الآية: 59].

أَمْرِهِمَا وَمُوجِبًا لِطَاعَةِ أَحَدٍ دُونَهُمَا فَهُوَ كَافِرٌ لاَ شَكَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ». وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (¬1): «وَلَوْ أَنَّ امْرُءًا قَالَ: لاَ نَأْخُذُ إِلاَّ مَا وَجَدْنَا فِي القُرْآنِ لَكَانَ كَافِرًا بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَلَكَانَ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ رَكْعَةً وَاحِدَةً مَا بَيْنَ دُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَأُخْرَى عِنْدَ الفَجْرِ، لأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَلاَةٍ، وَلاَ حَدَّ لِلأَكْثَرِ فِي ذَلِكَ، وَقَائِلٌ هَذَا كَافِرٌ مُشْرِكٌ حَلاَلُ الدَّمِ وَالمَالِ، وَإِنِّمَا ذَهَبَ إِلَىَ هَذَا غَالِيَةٌ الرَّافِضَةِ مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى كُفْرِهِمْ». وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ: «إِنَّ مِنْ غَالِيَةٌ الرَّافِضَةِ مَنْ ذَهَبُوا إِلَى إِنْكَارِ الاحْتِجَاجِ بِالسُنَّةِ وَالاقْتِصَارِ بِالقُرْآنِ لأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ النُّبُوَّةَ لِعَلِيٍّ وَأَنَّ جِبْرِيلَ أَخْطَأَ فِي نُزُولِهِ إِلَى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬2). ثَالِثاً - تتلخص حُجَّةُ من يَرُدُّ الأخبار كلها كما حكاه الشافعي في قولهم: إن القرآن جاء تِبْيَانًا لكل شيء فإن جاءت الأخبار بأحكام جديدة لَمْ تَرِدْ في القرآن، كان ذلك معارضة من ظَنِيِّ الثبوت، وهي الأخبار لِقَطْعِيِّهِ - وهو القرآن - والظَّنِيِّ لا يقوى على معارضة القَطْعِيِّ، وإن جاءت مُؤَكِّدَةً لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا لِلْسُنَّةِ، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن، كان ذلك تِبْيَانًا لِلْقَطْعِيِّ الذي يَكْفُرُ مُنْكِرُ حَرْفٍ مِنْهُ بِظَنِّيٍّ لاَ يَكْفُرُ مَنْ أَنْكَرَ ثُبُوتَهُ، وهذا غير جائز. وربما يتبادر إلى الذهن أنهم على هذا يقبلون المتواتر من الأخبار لأنها قطعية الثبوت فكيف عَمَّمَ الشافعي بقوله: «رَدَّ الأْخْبَارَ كُلَّهَا»؟ والذي يظهر أنهم لا يعتبرون المتواتر قَطْعِيًّا أَيْضًا بل هو عندهم ظني، لأنه جاء من طرقٍ آحادها ظنية، فاحتمال الكذب في رُوَّاتِهِ لا يزال قائماً، ولو كانوا جمعاً عظيماً، وإذا صَحَّ ما ذهب إليه «الخضري» من أن قائل هذا القول معتزلي، وَصَحَّ ما نسب إلى النَظَّامِ مِمَّا يأتي معنا بَعْدُ من إنكاره إفادة المتواتر القطع، تأكد لك ما نقوله ويؤكده اعتراف الخصم بأن من لا يقبل الخبر يلزمه بأن من جاء بما يقع عليه اسم صلاة فقد أدى ما عليه، ومعنى ذلك أنه يلزمهم عدم القول بعدد الركعات في الصلاة وهي من المتواتر المُجْمَعِ عَلَيْهَا. ¬

_ (¬1) " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم الأندلسي: 2/ 80. (¬2) " مفتاح الجنة ": ص 3.

أما قوله: «لاَ أَقْبَلُ مِنْهَا شَيْئًا إِذَا كَانَ يُمْكِنُ فِيهِ الوَهْمُ وَلاَ أَقْبَلُ إِلاَّ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى اللهِ ... الخ. فَهَذَا لاَ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ المُتَوَاتِرَ لأَنَّهُ عِنْدَهُ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ الوَهْمُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عَلَى الله ِ». رَابِعاًً - يتلخص جواب الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - بما يلي: 1 - أن الله أوجب علينا اتباع رسوله، وهذا عام لمن كان في زمنه وكل من يأتي بعده. ولا سبيل إلى ذلك لمن لم يشاهد الرسول إلا عن طريق الأخبار فيكون الله قد أمرنا باتباع الأخبار وقبولها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. 2 - أنه لا بد من قبول الأخبار لمعرفة أحكام القرآن نفسه، فإن الناسخ فيه والمنسوخ لا يعرفان إلا بالرجوع إلى السُنَّةِ. 3 - أن هنالك أحكاماً متفقاً عليها من الجميع حتى الذين يَرُدُّونَ الأخبار، ولم يكن من سبيل لمعرفتها إلا عن طريق الأخبار. 4 - أن الشرع قد جاء بتخصيص القطعي بِظَنِّيٍّ، كما في الشهادة على القتل والمال باثنين، مع أن حرمة المال والدم مقطوع بهما. وقد قبلت فيهما شهادة الاثنين وهي ظنية بلا جدال. 5 - أن الاخبار وإن كان فيها احتمال الخطأ والوهم والكذب، ولكن هذا الاحتمال - بعد التثبت والتأكد من عدالة الراوي، ومقابلة روايته بروايات أقرانه من المُحَدِّثِينَ - أصبح أقل من الاحتمال الوارد في الشهادات. خصوصاً إذا عضد الراوية نص من كتاب أو سُنَّةٌ، فإن الاحتمال يكاد يكون معدوماً. خَامِساً - أن الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - لم يَتَعَرَّضْ في الجواب لقول الخصم: إن الله أنزل الكتاب تبياناً لكل شيء، إلا أن يكون نص القرآن على اتباع الرسول متضمناً إقراره وتشريعه لكل ما جاء عن الرسول، وهذا أحد وجوه خمسة للعلماء سنذكرها في الباب الثالث إن شاء الله تعالى.

الفصل الرابع: السنة مع منكري حجيتها حديثا:

الفَصْلُ الرَّابِعُ: السُنَّةُ مَعَ مُنْكِرِي حُجِيَّتِهَا حَدِيثًا: وفي عصورنا هذه تَصَدَّى بعض الذين لا إلمام لهم بهذا الفن إلى إنكار حُجِيَّةِ السُنَّةِ، وقد نشرت مجلة " المنار " للمرحوم «السيد رشيد رضا» في العددين /7/ 12 مِنَ السَنَةِ التاسعة مقالين للدكتور «توفيق صدقي» يعلن فيهما هذا الرأي تحت عنوان «الإسلام هو القرآن وحده» وتتلخص شُبَهُهُ فيما يلي: أَوَلاًً - قول الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬1) وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (¬2) يدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء آخر كَالسُنَّةِ، وإلا كان الكتاب مفرطاً فيه، ولما كان تبياناً لكل شيء، فيلزم الخلف في خبره تعالى وهو محال. ثَانِياً - قول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬3) يدل على أن الله تَكَفَّلَ بحفظ القرآن دُونَ السُنَّةِ، ولو كانت دليلاً وَحُجَّةً كالقرآن لَتَكَفَّلَ بحفظها. ثَالِثاًً - لَوْ كَانَتْ السُنَّةُ حُجَّةً لأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِتَابَتِهَا، وَلَعَمِلَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدُ عَلَى جَمْعِهَا وَتَدْوِينِهَا، لما في ذلك من صيانتها من العبث والتبديل والخطأ والنسيان، وفي صيانتها من ذلك وصولها للمسلمين مقطوعاً بصحتها فإن ظَنِّيَّ الثبوت لا يصح الاحتجاج به، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬4) وقال: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} (¬5) ولا ¬

_ (¬1) [سورة الأنعام، الآية: 38]. (¬2) [سورة النحل، الآية: 89]. (¬3) [سورة الحجر، الآية: 9]. (¬4) [سورة الإسراء، الآية: 36]. (¬5) [سورة الأنعام، الآية: 148].

يحصل القطع بثبوتها إلا بكتابتها كما هو الشأن في القرآن، ولكن الثابت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن كتابتها وأمر بِمَحْوِ ما كتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون، فقد أخرج الحاكم (¬1) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَحْرَقَ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ كَتَبَهَا، وَقَالَ: «خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ فَيَكُونُ فِيهَا أَحَادِيثَ عَنْ رَجُلٍ أَئْتَمَنْتُهُ وَوَثِقْتُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ كَمَا حَدَّثَنِي فَأَكُونَ قَدْ نَقَلْتُ ذَلِكَ» وكذلك فعل «زيد بن ثابت» إذ دخل على معاوية فسأله معاوية عن حديث فأخبره به، فأمر معاوية إنسانا بكتبه، فقال له «زيد»: إن رسول الله أمرنا ألاَّ نكتب شيئأ من حديثه فمحاه، ولقد عزم «عمر» مَرَّةً أن يكتب السنن، ثم عدل عن ذلك وقال: «إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُبًا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللهِ، وَإِنِّي - وَاللهِ - لاَ أَشُوبُ كِتَابَ اللهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا»، وكذلك طلب عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مِمَّنْ كتب شيئاً من الحديث أن يمحوه، وقد محا ابن مسعود صحيفة من الحديث كتبت عنه، وكره كتابة الحديث من التَّابِعِينَ «علقمة» و «عبيدة» و «القاسم بن محمد» و «الشعبي» و «النخعي» و «منصور» و «مغيرة» و «الأعمش» والآثار عنهم مشهورة في كتب العلم، ولم يكتفوا بذلك، بل أثر عن بعضهم النَّهْيَ عن التحديث أو التقليل منه، ولم تُدَوَّنْ السُنَّةُ إلا في عصور متأخرة بعد أن طرأ عليها الخطأ والنسيان، ودخل فيها التحريف والتغيير، وذلك مِمَّا يوجب الشك بها وعدم الاعتماد عليها في أخذ الأحكام. رَابِعًا - قد وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما يدل على عَدَمِ حُجِيَّةِ السُنَّةِ من ذلك «إِنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي، فَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي، وَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ مِنِّي» فإذا كان ما روي مِنَ السُنَّةِ قد أثبت حُكْمًا شَرْعِيًّا جَدِيدًا كان ذلك غير موافق للقرآن، وإن لم يثبت حُكْمًا جَدِيدًا كانت لمحض التأكيد وَالحُجَّةُ هو القرآن فقط. ومن ذلك: «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تَعْرِفُونَهُ، وَلاَ تُنْكِرُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنِّي أَقُولُ مَا يُعْرَفُ، وَلاَ يُنْكَرُ، وَإِذَا ¬

_ (¬1) ذكر ذلك الذهبي في " تذكرة الحفاظ ": 1/ 5 وأورده بسند الحاكم ثم عَقَّبَ على ذلك بفوله: «فَهَذَا لاَ يَصِحُّ».

الجواب على الشبهة الأولى:

حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تُنْكِرُونَهُ وَلاَ تَعْرِفُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَلاَ تُصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنِّي لاَ أَقُولُ مَا يُنْكَرُ، وَلاَ يُعْرَفُ». أفاد هذا الحديث وجوب عرض ما ينسب إلى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المعروف عند المُسْلِمِينَ من حكم الكتاب الكريم فلا تكون السُنَّةُ حُجَّةً. ومن ذلك: «إِنِّي لاَ أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» وفي رواية «لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَىَّ بِشَىْءٍ (*)، فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ». تلك هي خلاصة ما أورده «الدكتور صدقي»، من الشُبَهِ على حُجِّيَّةِ السُنَّةِ، ولا يتردد طالب العلم عن الجزم بتهافتها وضعفها، ولكنا سنورد ما يتبين به ذلك إن شاء الله تعالى. الجَوَابُ عَلَى الشُبْهَةِ الأُولَى: إن القرآن الكريم قد حوى أصول الدين وقواعد الأحكام العامة، ونص على بعضها بصراحة، وترك بيان بعضها الآخر لرسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما دام الله قد أرسل رسوله لِيُبَيِّنَ للناس أحكام دينهم، وأوجب عليهم اتباعه، كان بيانه للأحكام بياناً للقرآن، ومن هنا كانت أحكام الشريعة من كتاب وَسُنَّةٍ وما يلحق بهما ويتفرع عنهما من إجماع وقياس أحكاماً من كتاب الله تعالى، إما نصاً وإما دلالةً، فلا منافاة بين حُجِّيَّةِ السُنَّةِ وبين أن القرآن جاء تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ قال الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «فَلَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ دِينِ اللهِ نَازِلَةٌ إِلاَّ وَفِي كِتَابِ اللهِ الدَّلِيلُ عَلَى سَبِيِلِ الهُدَى فِيهَا قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (¬1) وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬2) وقال: {وَنَزَّلْنَا ¬

_ (*) [قارن بما ورد في ص 164 من هذا الكتاب]. (¬1) [سورة إبراهيم، الآية: 1]. (¬2) [سورة النحل، الآية: 44].

الجواب عن الشبهة الثانية:

عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (¬1) والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول مُتَشَعِّبَةَ الفُرُوعِ، فَجِمََاعُ ما أبان الله لخلقه في كتابه مِمَّا تعبدهم به لما مضى من حكمه - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - من وجوه. 1 - فمنها ما أبانه لخلقه نصاً مثل جمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وَصَومًا وَحَجًّا، وأنه حَرَّمَ الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وَنَصِّ الزنا والخمر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وَبَيَّنَ لهم كيف فرض الوضوء مع غير ذلك مِمَّا تبين نَصًّا. 2 - ومنها ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي أنزل من كتابه. 3 - ومنها ما سَنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا ليس لله فيه نص حكم، وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والانتهاء إلى حكمه، فمن قبل عن رسول الله، فبفرض الله قبل. 4 - ومنها ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد كما ابتلى طاعتهم في غيره مِمَّا فرض عليهم (¬2). ثم قال: فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله سننه بفرض الله طاعة رسوله على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه، ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبل، لما افترض الله من طاعته، فيجمع القبول لما في كتاب الله ولسُنَّة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن اللَه، وإن تفرقت فروع الأسباب التي قبلت بها عنهما» (¬3). الجَوَابُ عَنْ الشُبْهَةِ الثَّانِيَةِ: إن ما وعد الله من حفظ الذكر لا يقتصر على القرآن وحده، بل المراد به شرع الله ودينه الذي بعث به رسوله، وهو أعم من أن يكون قرآناً أو سُنَّةً، ويدل ¬

_ (¬1) [سورة النحل، الآية: 89]. (¬2) " الرسالة " للشافعي: ص 20 - 22. (¬3) " الرسالة " للشافعي: ص 33.

على ذلك قول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (¬1). أي أهل العلم بدين الله وشريعته، ولا شك أن الله كما حفظ كتابه حفظ سُنَّتَهُ، بما هَيَّأَ لها من أئمة العلم يحفظونها ويتناقلونها ويتدارسونها ويميزون صحيحها من دخيلها، وقد أفنوا في ذلك أعمارهم وبذلوا من الجهود ما قدمنا الحديث عنه في الفصل الثالث من الباب الأول، وبذلك أصبحت سُنَّةُ الرسول مدرسة محفوظة مُدَوَّنَةً في مصادرها لم يذهب منها شيء. وقد نص العلماء، وفي مقدمتهم الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -، على أن السُنَنَ موجودة عند عامة أهل العلم، وإن كان بعضهم أجمع من بعض، ولكن إذا جمع علمهم أتى عليها كلها، وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودًا عند غيره (¬2)، ولا شك أننا نقطع بهذه النتيجة فنحن لا نشك في أنه لم يضع من سُنَّةِ رسول الله في الصلاة والزكاة والحج والصيام والمعاملات والفرائض شيء قطعًا، وأن كل ما كان عليه رسول الله أو قاله مجموع مُدَوَّنٌ وإن اختلفت طرقه وتباينت مراتبه، قال ابن حزم: «وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالشَّرِيِعَةِ فِي أَنَّ كُلَّ وَحْيٍ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَهُوَ ذِكْرٌ مُنَزَّلٌ، فَالوَحْيُ كُلُّهُ مَحْفُوظٌ بِحِفْظِ اللهِ تَعَالَى لَهُ بِيَقِينٍ، وَكُلُّ مَا تَكَفَّلَ اللهُ بِحِفْظِهِ فَمَضْمُونٌ أَنْ لاَ يُضِيعَ مِنْهُ وَأَلاَّ يُحَرَّفَ مِنْهُ شَيْءٌ أَبَدًا تَحْرِيفًا لاَ يَأْتِي البَيَانُ بِبُطْلاَنِهِ» ثم رد ابن حزم على من زعم أن المراد بالذكر في الآية القرآن وحده، فقال: «هَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ مُجَرَّدَةٌ عَنْ البُرْهَانِ وَتَخْصِيصٌ لِلْذِّكْرِ بِلاَ دَلِيلٍ ... وَالذِّكُرُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَىَ كُلِّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ وَحْيٌ يُبَيِّنُ بِهَا القُرْآنَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬3) فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مَأْمُورٌ بِبَيَانِ القُرْآنَ لِلْنَّاسِ، وَفِي القُرْآنِ مُجْمَلٌ كَثِيرٌ كَالَصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالحَجِّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ نَعْلَمُ مَا أَلْزَمَنَا اللهُ تَعَالَى فِيهِ بِلَفْظِهِ، ¬

_ (¬1) [سورة النحل، الآية: 43]. (¬2) " الرسالة ": ص 43. (¬3) [سورة النحل، الآية: 44].

الجواب عن الشبهة الثالثة:

لَكِنْ بِبَيَانِ النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا كَانَ بَيَانُهُ - عَلَيْهِ السَلاَمُ - لِذَلِكَ المُجْمَلِ غَيْرَ مَحْفُوظٍ وَلاَ مَضْمُونٌ سَلاَمَتُهُ مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ، فَقَدْ بَطَلَ الاِنْتِفَاعِ بِنَصِّ القُرْآنِ، فَبَطَلَتْ أَكْثَرُ الشَّرَائِعِ المُفْتَرَضَةِ عَلَيْنَا فِيهِ، فَإِذَا لَمْ نَدْرِ صَحِيْحَ مُرَادِ اللهِ تَعَالَى مِنْهَا» (¬1). الجَوَابُ عَنْ الشُبْهَةِ الثَّالِثَةِ: إن عدم أمر النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكتابتها ونهيه عن ذلك كما ورد في بعض الأحاديث الصحيحة، لا يدل على عدم حُجِيَّتِهَا، بل لما قدمناه - عند البحث على كتابة السُنَّةِ - من أن المصلحة حينئذ كانت تقتضي بتضافر كُتَّابِ الصحابة - نَظَرًا لِقِلَّتِهِمْ - على كتابة القرآن وتدوينه، وبتضافر المُسْلِمِينَ على حِفْظِ كتاب الله خشية من الضياع واختلاط شيء به، وقد حققنا أن ما ورد من النهي إنما كان عن كتابة الحديث وتدوينه رسمياً كالقرآن، أما أن يكتب الكاتب لنفسه فقد ثبت وقوعه في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وليست الحُجِّيَّةُ مقصورة على الكتابة حتى يُقَالَ: لو كانت حُجِّيَّةُ السُنَّةِ مقصودة للنبي لأمر بكتابتها، فإن الحُجِّيَّةَ تثبت بأشياء كثيرة: منها التواتر، ومنها نقل العُدُول الثقات، ومنها الكتابة، والقرآن نفسه لم يكن جَمْعُهُ في عهد أبي بكر بِنَاءً على الرقاع المكتوبة فحسب، بل لم يكتفوا بالكتابة حتى تواتر حفظ الصحابة لكل آية منه، وليس النقل عن طريق الحفظ بأقل صحة وضبطاً من الكتابة، خصوصاً من قوم كالعرب عرفوا بقوة الحافظة، وأتوا من ذلك بالعجائب، فقد كان الرجل منهم يحفظ القصيدة كلها من مَرَّةٍ واحدة، كما ثبت عن ابن عباس أنه حفظ قصيدة لعمر بن أبي ربيعة في جلسة واحدة (¬2) ومنهم من يحفظ ما يُلْقَى من الحديث في المجلس الواحد لا يخرم منه حَرْفًا، وقد حكى ابن عساكر عن الزُّهْرِيِّ أَنَّ عبد الله أرسل كتاباً إلى أهل المدينة يلُومُهُم فيه على موقفهم من فتنة ابن ¬

_ (¬1) " الإحكام ": 1/ 121. (¬2) " جامع بيان العلم ": 1/ 69.

الزبير، وكان في طومارين (الطومار: الصحيفة) فتلي على الناس في المسجد. فأراد سعيد أن يعلم ما فيه، فسأل تلاميذه عن ذلك فأجابوه بما لا يشفي غليله، حتى قال له الزُّهْرِي: «أَتُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ كُلَّ مَا فِيهِ؟» قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: «فَقَرَأَهُ حَتَّى جَاءَ عَلَيْهِ كُلِّهِ لَمْ يَخْرِمْ مِنْهُ حَرْفًا» (¬1)، ومثل ذلك يؤثر عن الشافعي وغيره، فاعتمادهم على ذاكرتهم كان أساساً لما ينقلونه من حديث رسول اللهِ ويتدارسونه، ونحن نعلم أن الاعتماد على الذاكرة يسعف الطالب أكثر من الاعتماد على الكتاب، ومن هنا كره من ذكرهم صاحب الشبهة كتابة العلم حتى لا تضعف فيهم هذه المَلَكَةِ العجيبة ولاَ يَتَّكِلَ على الكتاب، قال الحافط ابن عبد البر بعد أن ذكر رأي بعض الصحابة والتَّابِعِينَ في كراهية كتابة العلم: «مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي هَذَا البَابِ فَإِنَّمَا ذَهَبَ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ العَرَبِ؛ لأَنَّهُمْ كَانُوا مُطْبُوعِينَ عَلَى الحِفْظِ مَخْصُوصِينَ، بِذَلِكَ وَالَّذِينَ كَرِهُوا الْكِتَابَ كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُمْ وَجُبِلَ جِبِلَّتَهُمْ، كَانُوا قَدْ طُبِعُوا عَلَى الحِفْظِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَجْتَزِئُ بِالسَّمْعَةِ، أَلاَ تَرَى مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " إِنِّي لأَمُرُّ بِالبَقِيعِ فَأَسُدُّ [آذَانِي] مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الخَنَا، فَوَاللَّهِ مَا دَخَلَ أُذُنِي شَيْءٌ قَطُّ فَنَسِيتُهُ "، وَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ، وَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ عَرَبٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " نَحْنُ أُمَّةٌ أُمَيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسِبُ " وَهَذَا مَشْهُورٌ أَنَّ العَرَبَ قَدْ خُصَّتْ بِالْحِفْظِ» (¬2) وإذا أضيف إلى ما سبق عامل الورع من أن يكون أحدهم قد دَوَّنَ في كتابه من الحديث ما قد يجوز فيه الوهم والخطأ، أدركت ما ذكر عن أبي بكر من أنه أحرق صحيفة الأحاديث، هذا إن صحت عنه تلك الحادثة، وإلا فقد قال عنها الذَّهَبِيُّ: «إِنَّهَا لاَ تَصِحُّ» (¬3)، وهو الحق الذي تطمنن إليه النفس. وأما تحرز بعضهم من التحديث، فذلك من شدة الاحتياط في الدين أن يذكروا ¬

_ (¬1) " تاريخ ابن عساكر " في ترجمة الزُّهْرِي [مخطوط]. (¬2) " جامع بيان العلم ": 1/ 65. (¬3) " تذكرة الحفاظ ": 1/ 5.

عن رسوله ما قد يخطئون فيه كما صرح بذلك الزبير، أما من كان قَوِيَّ الذاكرة فقد حَدَّثَ بلا حرج كابن عباس وابن مسعود وأبي هريرة، ألاَ ترى زيد بن ثابت وهو الذي لم يرض أنْ يكتب عنه الحديث يقول تعليلاً لذلك: «أَتَدْرُونَ لَعَلَّ كُلَّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ لَيْسَ كَمَا حَدَّثْتُكُمْ» (¬1)، فامتناع بعضهم عن الكتابة أو الرواية ليس إلاَّ من قبيل الاحتياط والتوقّي في الدين، على أنَّ الأخبار عن كتابة الصحابة والتَّابِعِينَ للحديث متواترة تواتراً معنوياً لا مجال لطالب الحق أن ينكرها أو يَتَشَكَّكَ فيها، وإذا أردت مزيد الاطلاع على الآثار في ذلك فارجع إلى ما كتبه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (¬2). وارجع إلى ما كتبه الخطيب في كتابه " تقييد العلم ". أما القول بأن السُنَّةَ قد تأخر تدوينها فزالت الثقة بضبطها وأصبحت مجالاً للظن والظن لا يجوز في دين الله. فهذا قول من لم يقف على جهود العلماء في مكافحة التحريف والوضع، وإذا كانت السُنَّةُ قد نُقِلَتْ بالضبط والحفظ غالباً والكتابة أحياناً، من عصر الصحابة إلى نهاية القرن الأول حيث دَوَّنَ الزُّهْرِيُّ السُنَّةَ بأمر عمر بن عبد العزيز، كانت سلسلة الحفظ والصيانة متصلة لَمْ يَتَطَرَّقْ إليها الانقطاع فلا يصح أن يتطرق إليها الشك، أما ما دُسَّ عَلَى السُنَّةِ مِنْ كَذِبٍ فقد تَصَدَّى له العلماء وَبَيَّنُوهُ بما لا يترك مجالاً للشك، حتى إنَّ النفس لَتَطْمَئِنُّ إلى السُنَّةِ إِلَى حَدٍّ يكاد يصل إلى درجة اليقين، ومع هذا فنحن لا نقول: إن أحاديث الآحاد التي هي أكثر أحاديث السُنَّةِ أحاديث مقطوع بها تفيد العلم - مع أن بعض العلماء قد قاله - بل نقول: إنها تفيد الظن، ولا ينازع في إفادتها الظن إلا مكابر، وحسبنا هذا لتكون حُجَّةً يعتمد عليها. وأما الدعوى بأن الظن في أحكام الدين غير جائز، فذلك فيما يتعلق بأصول الدين التي يكفر من جحدها أو شك فيها، كوحدانية الله وصدق رسوله ونسبة القرآن إلى رب العالمين، وكذلك في أركان الإسلام كالصلاة والزكاة وغيرهما مِمَّا ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ". [انظر " جامع بيان العلم وفضله " تحقيق أبي الأشبال الزهيري: 1/ 278، حديث رقم 349، الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م، نشر دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية]. (¬2) " جامع بيان العلم ": 1/ 70 - 77.

الجواب عن الشبهة الرابعة:

علم من الدين بالضرورة، وليس كذلك بالنسبة إلى الفروع، إذ لا مانع أن تثبت عن طريق الظن، بل لا يستطيع هذا المخالف أن يَدَّعِي أنَّ أحكام الدين كلها تثبت عن طريق مقطوع به، فالأحكام التي أخذت من القرآن نفسه وهي مقطوع بها، قليلة بالنسبة لما أخدْت عن طريق الاجتهاد من نصوص القرآن، فإن في القرآن: العَامُّ وَالخَاصُّ، وَالمُطْلَقُ وَالمُقَيَّدُ، وَالمُجْمَلُ وَالمُبَيَّنُ، وكل ذلك يجعل القطع في فهم نصوصها بعيد المنال، وهذا أمر مُسَلَّمٌ به في علم الأصول، ويحسن أن نذكرك بما ألزم به الشافعي مُنكِرَ حُجِيَّةَ السُنَّةِ في عصره من العمل بالشهادة، وهي طريق ظَنِّيٌّ في ثبوت الحكم، لاحتمال كذب الشاهد: وخطئه، فهل يبقى بعد ذلك مجال للقول بِأنَّ الظَنَّ لا يصلح طريقاً لإثبات الأحكام؟ الجَوَابُ عَنْ الشُبْهَةِ الرَّابِعَةِ: وهي ما ذكره من الأحاديث فإليك الجواب تفصيلياً: أما الحديث الأول: «إنَّ الحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي ... الخ» فقد قال فيه البيهقي: «رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخَالِدُ مَجْهُولٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ فَالحَدِيْثُ مُنْقَطِعٌ» (¬1)، وقال الشافعي «مَا رَوَى هَذَا أحدٌ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ فِي شَيْءٍ [صَغُرَ وَلاَ كَبُرَ، فيُقَالَ لَنَا: قدْ ثَبَّتُّمْ حَدِيثَ مَنْ رَوَى هَذَا فِي شَيْءٍ]، وَهَذِهِ أَيْضًا رِوايةٌ مُنْقَطِعةٌ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، وَنَحْنُ لاَ نَقْبَلُ مِثْلَ هَذِهِ الرِّوايَةِ فِي شَيْءٍ» (¬2) وقال ابن حزم في الحُسين بن عبد الله أحد رُوَاةِ هذا الحديث من بعض الطرق: «الحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سَاقِطٌ مُتَّهَمٌ بِالزَّنْدَقَةِ» (¬3). وقال البيهقي أيضاًً: «وَالحَدِيثُ الذِي رُوِيَ فِي عَرْضِ الحَدِيثِ عَلَى القُرْآنِ بَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ، وَهُوَ يَنْعَكِسُ عَلَى نَفْسِهِ بِالبُطْلاَنِ فَلَيْسَ فِي القُرْآنِ دَلاَلَةً عَلَى عَرْضِ الحَدِيثِ عَلَى القُرْآنِ» (¬4). ¬

_ (¬1) " مفتاح الجنة ": ص15. (¬2) " الرسالة ": ص 225. (¬3) " الإحكام " لابن حزم: 2/ 76. (¬4) " مفتاح الجنة ": ص 6.

هذا ما قاله أهل العلم في الحديث، ولي هُنَا وقفة قصيرة، لئن كان رَدُّ الحديث من جهة السند كما ذكر أهل العلم بالحديث فلا كلام لنا فيه، ويجب أنْ نُسَلِّمَ لهم مَا قَالُوهُ، مع ملاحظة أنهم لم يَتَّفِقُوا على وضعه بل بعضهم يصفه بالضعف فقط كما رأيت من الشافعي والبيهقي، ولئن كان رَدُّهُ من جهة المتن فهذا الحديث قد رُوِيَ بألفاظ مختلفة، ففي أكثر الروايات «فَمَا وَافَقَ فَاقْبلُوهُ وَمَا خَالَفَ أَوْ لَمْ يُوَافِقْ فرُدُّوهُ» وهذا النص ليس فيه ما يقتضي الحكم بالضعف فضلاً عن أَنْ يقول فيه عبد الرحمن بن مهدي: «إِنَّهُ مِنْ وَضْعِ الخَوَارِجِ وَالزَّنَادِقَةِ» ذلك أن من المتفق عليه بين العلماء - وقد ذكرنا ذلك من قبل - أن من علائم وضع الحديث أن يكون مخالفاً للكتاب وَالسُنَّةُ القطعية .. فإذا جاءنا حديث بحكم «يخالف أو لا يوافق» ما في كتاب الله من أحكام ولا مجال للتأويل، حكمنا بوضعه باتفاق. وهل قال الحديث الذي نحن بصدده أكثر من هذا؟ ... نعم، لو كان نص الحديث كما في بعض الروايات «فَمَا وَجَدْتُمُوهُ فُِي كِتَابِ اللهِ فَاقْبَلُوهُ وَمَا لَمْ تَجِدُوهُ فُِي كِتَابِ اللهِ فرُدًّوهُ» لزم القول ببطلانه، لأنَّ من الأحاديث مَا أَثْبَتَتْ أَحْكَاماً ليست في كتاب الله باتفاق أهل العلم وهي صحيحة مقبولة معمول بها. وقصارى القول أَنَّ أهل العلم مُجْمِعُونَ على أنَّ السُنَّةَ الصحيحة لا تخالف كتاب الله، فما جاء في بعض الأحاديث من أحكام تخالفه فهي مردودة باتفاق، قال ابن حزم: «لَيْسَ فِي الحَدِيثِ الذِي صَحَّ شَيْءٌ يُخَالِفُ القُرْآنَ». وقال مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسَرَّةَ: «الحَدِيثُ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: فَحَدِيثٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي القُرْآنِ فَالأَخْذُ بِهِ فَرْضٌ، وَحَدِيثٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فَي القُرْآنِ فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى مَا فِي القُرْآنِ وَالأَخْذُ بِهِ فَرْضٌ، وَحَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي القُرْآنِ فَهُوَ مُطَّرَحٌ». قال علي بن أحمد (يعني ابن حزم نفسه): «لاَ سَبِيلَ إِلَى وُجُودِ خَبَرٍ صَحِيحٍ مُخَالِفٍ لِمَا فِي القُرْآنِ أَصْلاً، وَكُلُّ خَبَرٍ شَرِيعَة فَهُوَ إِمَّا مُضَافٌ إِلَى مَا فِي القُرْآنِ وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَمُفَسِّرٌ لِجُمْلَتِهِ، وَإِمَّا مُسْتَثْنَى مِنْهُ مُبَيِّنٌ لِجُمْلَتِهِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ» (¬1)، وَإذا كان كذلك فلا وجه ¬

_ (¬1) " الإحكام " لابن حزم: 2/ 80 - 82.

- فيما يظهر لي - للحكم على المتن بالوضع إذا كان لفظه «فَمَا لَمْ يُوَافِقْ أَوْ مَا خَالَفَ فَمَرْدُودٌ» وقد تأَيَّدَ لي هذا بما رأيته للشاطبي - رَحِمَهُ اللهُ - بعد كتابة ما تقدَّمَ حيث قال عند الكلام عن هذا الحديث ما خلاصته: «فَإِنَّ الْحَدِيثَ [إِمَّا] وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ [صِرْفٌ، وَإِمَّا اجْتِهَادٌ مِنَ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- مُعْتَبَرٌ بِوَحْيٍ صَحِيحٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَعَلَى كِلاَ التَّقْدِيرَيْنِ] لاَ يُمْكِنُ فِيهِ التَّنَاقُضُ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ ... نَعَمْ، يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ السُّنَّةُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَلاَ مُوَافَقَةٌ، بَلْ بِمَا يَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي القُرْآنِ؛ إِلاَّ إِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى خِلاَفِ هَذَا الْجَائِزِ، [وَهُوَ الَّذِي تَرْجَمَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ]؛ فَحِينَئِذٍ لاَ بُدَّ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الحَدِيثُ الْمَذْكُورُ؛ فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ صَحَّ سَنَدُهُ أَوْ لاَ». (¬1) (*) فتَدَبَّرْ .. وبذلك لا يكون في الحديث حُجَّةٌ لصاحب الشُبهة أصلاً حتى ولو صَحَّ سَنَدُهُ، لأننا نقول به. وأما الحديث الثاني: «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تَعْرِفُونَهُ، وَلاَ تُنْكِرُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَصَدِّقُوا بِهِ ... الخ» فرواياته ضعيفة، قال فيه أبو محمد بن حزم: «هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَالأَصْبَغُ مَجْهُولٌ»، وَفِيهِ أَيْضًا مَا نَقْطَعُ بِكَذِبِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: " فصَدِّقُوا بِهِ، قُلتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ "، فحاشا لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسمح بالكذب عليه وهو الذي تواتر عنه قوله «مَن كَذَب عَلَيّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِن النّارِ» ثم قال ابن حزم: «و [عبد الله بن سعيد] (* *) - أحد رُوَّاةُ الحديث - كَذَّابٌ مَشْهُورٌ، وهذا هو نسبة الكذب إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه حكى عنه أنه قال: «لم أَقُلْهُ فأنا قُلتُهُ» فكيف يقول ما لم يَقُلْ؟ هل يستجِيزُ هذا إلا كَذَّابٌ زنديق كافر أحمق؟» (¬2) وقال البيهقي: قال ابن خزيمة في صِحَّةِ هذا الحديث مَقالٌ لأنَّا لم نَرَ في شرق الأرض ولا غربها أحداً يعرف خبر ابن أبي ذئب من غير يحيى بن آدم، ولا رأيتُ أحداً من علماء الحديث يُثْبِتُ هذا عن أبي هريرة. قال البيهقي: وهو مُختلَفٌ على يحيى بن آدم في إسناده ومَتْنِهِ اختلافاً كبيراً يوجب الاضطراب، منهم من يذكرُ أبا هريرة، ومنهم من لا يذكرُهُ ويُرْسِلُ الحديثَ (¬3). ¬

_ (¬1) " الموافقات ": 4/ 21. [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [انظر " الموافقات " للشاطبي، تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان: 4/ 335، الطبعة الأولى: 1417 هـ - 1997 م، نشر دار ابن عفان]. (* *) [هو (عَبد اللَّهِ بن سَعِيد بن أَبي سَعِيد، واسمه كيسان، المقبري، أَبُو عباد الليثي، مولاهم، المدني) وليس عبيد الله بن سعيد، قال ابن حجر: « ... وفي سند الثاني منهما عبد اللَّه بن سعيد كذّاب مشهور، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال الدار الدّارقطنيّ: ذاهب، وقال الفلّاس: منكر الحديث. قال ابن حزم: «وقد ذكر قوم لا يتّقون اللَّه عز وجلّ أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام، وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وإباحة الكذب عليه ثم سرد تلك الأحاديث، وفيها هذان الحديثان، وأبطلهما ما ذكرناه، ثم قال ردّا على من أباح أن ينسب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما لم يقله: «حسبنا أنهم مقرّون على أنفسهم بأنّهم كاذبون، وقد صحّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «من حدّث عنّي بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» " الإصابة " لابن حجر: تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، 1/ 71، الطبعة الأولى - 1415 هـ، نشر دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان. وانظر أيضًا " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " للمزي، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، 15/ 31، الطبعة الأولى: 1400 هـ - 1980 م، نشر مؤسسة الرسالة - بيروت. لبنان]. (¬2) " الإحكام " لابن حزم: 2/ 78. (¬3) " مفتاح الجنة ": ص 19.

نعم روي هذا الحديث من طرق مقبولة ليس فيها «قُلتُهُ أَوْ َلْم أَقُلْهُ» وليس فيه دلالة على ما يريد المخالف، فكل ما يدل عليه أنَّ من أدلة صدق الحديث أن يكون وِفْقَ ما جاءت به الشريعة من المحاسن، فإن جاء على غير ذلك كان دليلاً على كذبه، ونحن نقول به، ولكن أين فيه الدلالة على عدم حُجِيَّةِ السُنَّةِ؟. وأما الحديث الثالث: «إنِّى لاَ أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ» فقد قال السيوطي: أخرجه الشافعي والبيهقي من طريق طاووس. فال الشافعي: وهذا منقطع. وكذلك صنع - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبذلك أمر وافترض عليه أن يتبع ما أوحي إليه، ونشهد أن قد اتبعه، فإنما قبل بفرض الله تعالى. قال البيهقي: «وَقَوْلُهُ " فِي كِتَابِهِ ": إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ فَإِنَّمَا أَرَادَ فِيمَا أَوْحَىَ اللهُ: ثُمَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا وَحْيٌ يُتْلَى، وَالآخَرُ وَحْيٌ لاَ يُتْلَى» (¬1)، وأنت ترى أنَّ االبيهقي فَسَّرَ الكتاب بما هو أعم من القراَن. وقد أطلق بهذا المعنى في حديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث قال لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْغَنَمُ وَالخَادمُ رَدٌّ عَلَيْكَ وَأَنَّ امْرَأَتَهُ تُرْجَمُ إِذَا اعْتَرَفَتْ» ولا مانع من إجراء الكتاب على المتبادر منه وهو القراَن، فإنَّ ما يحرمه أو يحله الرسول حلال أوحرام في كتاب الله الذي أمر بطاعته ونهى عن مخالفته. أَمَّا رِوَايَةُ «لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَىْءٍ» فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنها من رواية طَاوُوسَ وهو حديث منقطع، ولو ثبت فمعناه أنه ليس للناس أن يقولوا كيف يُحَرِّمُ رَسُولُ اللهِ وَيُحِلُّ مَا لَيْسَ فِي القُرْآنِ؟ فَإِنَّ الرَّسُولَ مُشَرِّعٌ، وَهُوَ لاَ يُحِلُّ إلاَّ مَا كَانَ حَلاَلاً فِي شَرْعِ اللهِ، وَلاَ يُحَرِّمُ إلاَّ مَا كَانَ حَرَامًا. بهذا يتين لك أنَّ هذه الأحاديث التي استند إليها صاحب الشُبْهَةِ، منها ما لم يثبت لدى أهل العلم، ومنها ما ثبت ولكنه ليس فيه دليل على دعواه، كيف وقد ثبت في السُنَّةِ الصحيحة مَا يَرُدُّ على صاحب الشُبْهَةِ وأمثاله، فقد روى الشافعي ¬

_ (¬1) " مفتاح الجنة ": ص 19.

عن سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر أنه سمع [عُبَيْدَ] اللهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ يُحَدِّثُ عن أبيه أنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال .. «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَةٍ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِى مَا وَجَدْنَا فِى كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ» (¬1) ورواه أبو داود وا بن ماجه والترمذي وأحمد وأخرج الحاكم بسنده إلى المقدام بن معد يكرب قال: «حَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْيَاءَ يَوْمَ خَيْبَرَ، مِنْهَا الحِمَارَ الأَهْلِيَّ وَغَيْرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدِّث بِحَدِيثِى فَيَقُولُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ "» قال الشافعي: «فَقَدْ ضَيَّقَ رَسُولُ اللهِ عَلَى النَّاسِِ أَنْ يَرُدُّوا أَمْرَهُ، بِفَرْضِ اللهِ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ». وقصارى القول أَنَّ إنكار حُجِيَّة السُنَّة والادعاء بأن الإسلام هو القرآن وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله وأحكام شريعته تمام المعرفة، وهو يصادم الواقع، فإنَّ أحكام الشريعة إنما ثبت أكثرها بِالسُنَّةِ، وما في القرآن من أحكام إنما هي مجملة وقواعد كلية في الغالب، وإلاَّ فأين نجد في القرآن أَنَّ الصلوات خمسة، وأين نجد ركعات الصلاة، ومقادير الزكاة، وتفاصيل شعائر الحج وسائر أحكام المعاملات والعبادات؟ قال ابن حزم - رَحِمَهُ اللهُ -: «وَنَسْأَلُ قَائِلَ هَذَا القَوْلِ الفَاسِدِ: فِي أَيِّ قُرْآنٍ وَجَدَ أَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَنَّ المَغْرِبَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ، وَأَنَّ الرُّكُوعَ عَلَىَ صِفَةِ كَذَا، وَالسُّجُودَ عَلَىَ صِفَةِ كَذَا، وَصِفَةِ القِرَاءَةِ وَالسَّلاَمِ، وَبَيَانِ مَا يُجْتَنَبُ فِي الصَّوْمِ، وَبَيَانِ كَيْفِيَّةِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَالغَنَمِ وَالإِبِلِ وَالبَقَرِ، وَمِقْدَارُ الأَعْدَادِ الْمَأْخُوْذَةِ مِنْهَا الزَّكَاةُ، وَمِقْدَارُ الزَّكَاةِ المَأْخُوذَةَ، وَبَيَانِ أَعْمَالِ الحَجِّ مِنْ وَقْتِ الوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَصِفَةَ الصَّلاَةِ بِهَا وَبِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمِيَ الجِمَارِ، وَصِفَةَ الإِحْرَامِ، وَمَا يُجْتَنِبُ فِيهِ، وَقَطْعِ السَّارِقِ، وَصِفَةَ الرَّضَاعِ المُحَرَّمِ، وَمَا يَحْرُمُ مِنَ المَأْكَلِ وَصِفَتَا الذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا، وَأَحْكَامَ الحُدُودِ، وَصِفَةَ وُقُوعِ الطَلاَقِ، وَأَحْكَامَ البُيُوعِ، وَبَيَانِ ¬

_ (¬1) " الرسالة ": ص 403.

الربا، والأقضية والتداعي، والأيمان والأحباس، والعمرى، والصدقات، وسائر أنواع الفقه، وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم ندر كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك، النقل عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة، فلا بُدَّ من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أَنَّ امْرُءاً قال: لا نأخذ إلاَّ ما وجدنا في القرآن، لكان كافراً بإجماع الأمر، ولكان لا يلزمه إلاَّ ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر، لأنَّ ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غَالِيَةِ الرَّافِضَة مِمَّنْ قد اجتمعت الأُمَّةُ على كفرهم، ولو أنَّ امْرُءاً لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأُمَّةُ فقط، ويترك كل ما اختلفوا فيه مِمَّا قد جاءت فيه النصوص، لكان فاسقاً بإجماع الأُمَّةِ، فهاتان المُقَدَّمَتَانِ توجب بالضرورة (¬1) الأخذ بالنقل. ¬

_ (¬1) " الإحكام " لابن حزم: 2/ 79 - 80.

الفصل الخامس: السنة مع من ينكر حجية خبر الآحاد:

الفَصَْلُ الخَامِسُ: السُنَّةُ مَعَ مَنْ يُنْكِرُ حُجِيَّةَ خَبَرِ الآحَادِ: يقسم علماء الحديث الأخبار إلى قسمين: متواترة، وهي ما يرويها جمع من العدول الثقات عن جمع من العدول الثقات وهكذا حتى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وآحاد، وهي ما يرويه الواحد أو الاثنان عن الواحد أو الاثنين حتى يصل إلى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو ما يرويه عَدَدٌ دُونَ المتواتر. وللحنفية قسم ثالث يسمى «المَشْهُورُ» وهو ما كان آحاد الأصل متواتراً في القرن الثاني والثالث (¬1) كحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». واتفق العلماء على أنَّ المتواتر يفيد العلم والعمل معاً، وهو عندهم حُجَّةٌ لا نزاع فيها إِلاَّ ما قدمناه عَمَّنْ ينكر حُجِيَّةَ السُنَّةِ وإِلاَّ ما يذكر عن النَّظَّامِ ومن شابهه. أما خبر الآحاد فالجمهور على أنها حُجَّةٌ يجب العمل بها وإن أفادت الظن، وَادَّعَى الرازي في " المحصول " إجماع الصحابة على ذلك (¬2) وذهب قوم، منهم الإمام أحمد، والحارث بن أسد المحاسبي، والحُسَيْن بن علي الكرابيسي، وأبو سليمان الخطابي وروي عن مالك (¬3) أَنَّهُ قَطْعِيٌّ. موجب للعلم والعمل معاً. ولكل من الفريقين أدلة بسطت في كتب الأصول، والمهم أنهم جميعاً متفقون على حُجِيَّةِ أخبار الآحاد ووجوب العمل بها، ونقل عن الرَّافِضَةِ والقاساني وابن داود إنكار ¬

_ (¬1) " التحرير وشرحه ": 2/ 235. (¬2) " المحصول " للرازي: (مخطوط). (¬3) " الإحكام " لابن حزم: 1/ 108.

شبه منكري الحجية:

حُجِّيَّتَهُ (¬1)، وأسند هذا القول في " التحرير وشرحه " إلى الرَّافِضَةِ وابن داود (¬2) ويفهم من كلام ابن حزم (¬3) في أَنَّ المعتزلة يقولون بذلك، ولم يُبَيِّنْ لنا الشافعي في " الرسالة " وفي "الأم " من هو منكر الحُجِيَّة، وإن كان يستفاد من كلامه في " الأم " أنه من البصرة، وذلك يحتمل أن يكون من المعتزلة كما يحتمل أن يكون من الرَّافِضَةِ، فقد كانت البصرة في عصر الشافعي مركز حركة فكرية وعلمية يجتمع فيها رجال أشهر الفرق والمذاهب الإسلامية في ذلك العصر، ونقل شارح " المسلَّم " (¬4) شارح " المختصر " (¬5) أنَّ القائلين بذلك هم الروافض، وأهل الظاهر. وهذا النقل عن أهل الظاهر غريب، فإن كتب ابن حزم وَنُقُولَ العلماء عنهم تَدُلُّ على أنهم مع الجمهور في هذه المسألة. شُبَهُ مُنْكِرِي الحُجِيَّةَ: أَوَلاًً - قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬6) وقال: {وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (¬7) وطريق الآحَادِ طريق ظَنِّيُّ لاحتمال الخطأ والنسيان على الراوي، وما كان كذلك فليس بقطعي فلا يفيد في الاستدلال. ثَانِياًً - لو جاز العمل بخبر الواحد في الفروع لجاز في الأصول والعقائد، والإجماع بيننا وبينكم أنَّ أخبار الآحاد لا تقبل في هذه، فكذا في الأولى. ثَالِثاًً - صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي خَبَرِ ذِي اليَدَيْنِ حِينَ سَلَّمَ النَّبِيُّ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي إِحْدَى صَلاَتَيْ العِشَاءِ، وذلك قوله: «أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ؟» ولم يقبل خبره حتى أخبره أبو بكر وعمر ومن كان ¬

_ (¬1) " الأحكام " للآمدي: 1/ 169. (¬2) 2/ 272 وجاءت في الأصل «وأبي داود» والصواب ابن داود. (¬3) " الإحكام " لابن حزم: 1/ 133. (¬4) 2/ 131. (¬5) 2/ 59. (¬6) [سورة الإسراء، الآية: 36]. (¬7) [سورة النجم، الآية: 28].

الجواب عن هذه الشبه:

في الصف بصدقه فأتم وسجد للسهو، ولو كان خبر الواحد حُجَّةً لأَتَمَّ رَسُولُ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلاَتَهُ من غير تَوَقُّفٍ وَلاَ سُؤَالٍ. رَابِعاًً - قد روي عن عدد من الصحابة عدم العمل بخبر الآحاد. فقد رَدَّ أبو بكر خبر المغيرة في ميراث الجَدَّةِ حتى انضم إليه خبر محمد بن مسلمة، وَرَدَّ عمر خبر أبي موسى في الاستئذان حتى انضم إليه أبو سعيد، وَرَدَّ أبو بكر وعمر خبر عثمان في إذن رسول الله صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رَدِّ الحَكَمِ بن أبي العاص، وَرَدَّ عَلِيٌّ خبر أبي سنان الأشجعي في المفوضة، وكان عَلِيٌّ لا يقبل خبر أحد حتى يحلفه سوى أبي بكر، وَرَدَّتْ عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله (¬1). الجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُبَهِ: وقد أجاب العلماء عن هذه الشُبَهِ بما نوجزه فيما يلي: أما الجواب عن الشُبْهَةِ الأولى: فهي أن ذلك في أصول الدين وقواعده العامة كما ذكرنا، أما في فروع الدين وجزئياته فالعمل بالظن واجب ولا سبيل إليها إلاَّ بالظن غالباً، ألاَ ترى أنَّ الأفهام تختلف في نصوص القرآن، والمجتهدون يذهبون فيها مذاهب متعددة، وليس أحد منهم يقطع بصحة اجتهاده، ومع ذلك فالإجماع قائم على وجوب العمل بما أدى إليه اجتهاده، وليس لذلك سبيل إلاَّ الظن. وأيضاًً فإن حُجِيَّة خبر الآحاد ليست ظنية بل هي مقطوع بها لانعقاد الإجماع على ذلك بين العلماء منذ عصر الصحابة فمن بعدهم - ولا يضر دعوى الإجماع مخالفة هؤلاء فإنه خلاف لا يعتد به - فلايكون العمل بها دليلاً ظنياً بل بدليل مقطوع به مفيد للعلم بذلك وهو الإجماع (¬2). وأما الجواب عن الشُبْهَةِ الثانية: فهو أن الإجماع منعقد على، أن أصول ¬

_ (¬1) " الأحكام " للآمدي: 1/ 94 و1/ 175 - 176 و" التقرير ": 2/ 272 - 273. (¬2) " الأحكام " للآمدي: 1/ 169، و" الإحكام " لابن حزم: 1/ 114.

الدين والعقائد لا يجوز أخذها من طريق ظَنِّيٍّ قَطْعاً، وليس الأمركذلك في الفروع. وقال الآمدي: «[مِنَ الْمَعْقُولِ] أَنَّهَا مُنْتَقِضَةٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ، كَيْفَ وَالْفَرْقُ حَاصِلٌ. (أي بين الفروع والأصول) وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرَطَ فِي إِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ وَالأُصُولِ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ، فَلَمْ يَكُنِ الدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ مُعْتَبَرًا فِيهَا، بِخِلَافِ الْفُرُوعِ» (¬1) والحق أنَّ قياس الفروع على الأصول في وجوب القطع تحكم ومحال، إذ لا سبيل إلى ذلك في الفروع والأمر على العكس في الأصول، ولا يجادل في هذا إلا مكابر. وأما الجواب عن الشُبْهَة الثالثة: فهو أنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إِنَّمَا تَوَقَّفَ فِي خَبَرِ ذِي اليَدَيْنِ لِتَوَهُّمِهِ غَلَطَهُ، لبعد انفراده بمعرفته ذلك دُونَ من حضره من الجمع الكثير، ومع ظهور أمارة الوهم في خبر الواحد يجب التوقف فيه، فحيث وافقه الباقون على ذلك ارتفع حكم الأمارة الدالة على وَهْمِ ذي اليدين، وعمل بموجب خبره، كيف وَأَنَّ عمل النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخبر أبي بكر وعمر وغيرهما مع خبر ذي اليدين عمل بخبر لم ينته إلى حد التواتر، وهو موضع النزاع، في تسليمه تسليم المطلوب. وأما الجواب عن الشُبْهَةِ الرابعة: فالثابت الذي لا شك فيه أنَّ الصحابة عملوا بخبر الآحاد، وتواتر عنهم ذلك، وسنسرد بعض الأدلة والوقائع التي عملوا فيها بخبر الواحد، فإذا روي عنهم التوقف في بعض خبر الآحاد، لم يكن ذلك دَلِيلاً على عدم عملهم به، بل لريبة أو وَهْمٍ أو رغبة في التَثَبُّتِ، وخذ لذلك مثلاً ما استدل به المخالفون من رَدِّ أبي بكر خبر المغيرة في ميراث الجدة، فالواقع أَنَّ أبا بكر لَمْ يَرُدَّ خبر المغيرة لأنه لا يقبل خبر الآحاد، بل تَوَقَّفَ إِلَى أَنْ يأتي ما يؤيده ويزيده اعتقاداً بوجود هذا التشريع في الإسلام وهو إعطاء الجَدَّةَ السُدُسَ، ولما كان هذا تشريعاً لم ينص عليه القراَن كان لاَ بُدَّ للعمل به وإقراره من زيادة في التثبت والاحتياط، فلما شهد محمد بن مسلمة أنه سمع هذا من النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَتَرَدَّدْ أبو بكر في العمل بخبر المغيرة. ومثل ذلك يقال في رَدِّ عمر خبر أبي موسى ¬

_ (¬1) " الإحكام " للآمدي: 1/ 177.

أدلة حجية خبر الآحاد:

فهو في الحقيقة - كما قَدَّمْنَا - درس بليغ للصحابة ومَنْ بعدهم مِمَّنْ نشأ حَدِيثًا في الإسلام أو دخل فيه بوجوب الاحتياط في حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولذلك قال عُمَرُ لأبي موسى: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك وَلَكِنِّهُ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، ومثل ذلك يقال في كل ما ورد من هذا القبيل، ليس وَارِداً مورد عدم الاحتجاج بخبر الآحاد، وإلا لما كان انضمام صحابي آخر إلى الصحابي الأول مُوجِبًا للعمل به، إذ هو لم يخرج عن حَيِّزِ الآحاد، ولو انضم إليه اثنان أو ثلاثة، وسيأتي معنا ما يبين لك أن الصحابة كان يسأل بعضهم بعضاً، ويرد بعضهم على بعض، وَيُخَطِّىءُ بعضهم بعضاً، اجْتِهَادًا في دين الله، وَتَحَرِّيًا لنقل أحاديث الرسول خالية من كل غلطة أو وَهْمٍ، قال الآمدي: «وَمَا رَدُّوهُ مِنَ الأَخْبَارِ أَوْ تَوَقَّفُوا فِيهِ إِنَّمَا كَانَ لأُمُورٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ مِنْ وُجُودِ مُعَارِضٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، لاَ لِعَدَمِ الاحْتِجَاجِ بِهَا فِي جِنْسِهَا، مَعَ كَوْنِهِمْ مُتَّفِقِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حُجَّةٌ، وَإِنْ جَازَ تَرْكُهَا وَالتَّوَقُّفُ فِيهَا لأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا» (¬1). وبعد فهذه هي شُبَهُ المُنْكِرِينَ لِحُجِيَّةِ خبر الآحاد كما ذكرها العلماء، بقي أن نذكر ما تقوم به الحُجَّةُ على أن خبر الآحاد واجبٌ العملُ به، لا يجوز لمسلم أن يخالفه إذا صح عنده، وقد ذكر علماء الأصول أدلة كثيرة في بعضها مَقَالٌ وَأَخْذٌ وَرَدٌّ (¬2) فرأيت أن أذكر لك من كتاب " الرسالة " للإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - كلامه في هذا الشأن على طوله، لأنه - على ما أعلم - أول من تَكَلَّمَ في هذا من كبار الأئمة، وخير من أفاض في هذه المسألة، وجميع من كتب بعده فيها عيال عليه، فأحببت أَنْ نشرب من المورد العذب الصافي بأسلوب عربي فصيح وبيان جزل بليغ. أَدِلَّةُ حُجِّيَّةَ خَبَرَ الآحَادِ: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - في " الرسالة " (¬3) تحت عنوان «الحُجَّةُ فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ ¬

_ (¬1) " الإحكام ": 1/ 177. (¬2) انظر كتاب " الإحكام " للآمدي: 2/ 275 فما بعدها وانظر " التقرير شرح التحرير ": 2/ 272 وانظر بهامشه " شرح الإسنوي على المنهاج ": 2/ 294. (¬3) " الرسالة ": ص 401.

الوَاِحِد»: فإنْ قال قائل: اذكر الحُجَّة في تثبيت خبر الواحد بنص خبر أو دلالة فيه أو إجماع، فقلت له: 1 - أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أنَّ النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» فلما ندب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرءاًْ يؤديها - والأمر واحد - دَلَّ على أنه لا يؤمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحُجَّةُ على من أدى إليه، لأنه إنما يؤدى عنه حلال يؤتى، وحرام يجتنب، وَحَدٌّ يُقَامُ، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا، وَدَلَّ على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه، يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً، وأمر رسول الله بلزوم جماعة المُسْلِمِينَ مِمَّا يحتج به في أن إجماع المُسْلِمِينَ - إنْ شاء الله - لازم. 2 - أخبرنا سفيان، قال: أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عن أبيه قال: قال النَّبِيُّ: «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، مِمَّا نَهَيْتُ عَنْهُ أو أَمَرْتُ بِهِ فَيَقُولُ: لاَ نَدْرِي! مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللهِ اتَّبَعْنَاهُ» قال ابن عيينة: «وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ عَنْ النَّبِيِّ بِمِثْلِهِ مُرْسَلاً». وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله وإعلامهم أنه لازم لهم وإن لم يجدوا له نص حكم في كتاب الله، وهو موضوع في غير هذا الموضع. 3 - مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلاً قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا، فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَرَجَعَتْ المَرْأَةُ إِلَى زَوْجَهَا فَأَخْبَرَتْهُ، فَزَادَهُ ذّلِكَ شَرًّا، وَقَالَ: لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللهِ

- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِلُّ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ، فَرَجَعَتِ المَرْأَةُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَوَجَدَتْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَالُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؟» فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ: «أَلاَ أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ؟» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «قَدْ أَخْبَرْتُهَا، فَذَهَبَتْ إِلَى زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَزَادَهُ شَرًّا، وَقَالَ: لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللهِ، يُحِلُّ اللهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ». فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «وَاللهِ إِنِّي لأَتْقَاكُمْ للهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ». وقد سمعت من يصل هذا الحديث ولا يحضرني ذكر من وصله (¬1). قال الشافعي في ذكر قول النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلاَ أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ؟»، دلالة على أنَّ خبر أم سلمة عنه مِمَّا يجوز قبوله، لأنه لا يأمرها بأنْ تخبر عَنْ النَّبِيِّ إلاَّ وفي خبرها ما تكون الحُجَّةُ لمن أخبرته. وهكذا خبر امرأته إِنْ كانت من أهل الصدق عنده. 4 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابن بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، إِذْ أَتَاهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ [اللَّيْلَةَ] قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ [الْكَعْبَةَ]، فَاسْتَقْبَلُوهَا» وَكَانَتْ وُجُوهُ [النَّاسِ] إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. وأهل قباء أهل سابقة من الأنصار وَفِقْهٍ، وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم استقبالها، ولم يكن لهم أَنْ يَدَعُوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحُجَّةُ ولم يلقوا رسول الله، ولم يسمعوا ما أنزل اللْه عليه في تحويل القبلة، فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسُنَّة نبيه سماعاً من رسول الله، ولا بخبر عامة، وانتقلوا بخبر واحد - إذ كان عندهم من أهل الصدق - عن فرض كان عليهم فتركوه إلى ما أخبرهم عَنْ النَّبِيِّأنه أحدث عليهم من تحويل القِبْلَةِ، ولم يكونوا ليفعلوه - إنْ شاء الله - بخبر إلاَّ عن علم بأنَّ الحُجَّة تثبت بمثله، إذا كان من أهل الصدق، ولا ليحدثوا أيضاًً مثل هذا العظيم في دينهم إِلاَّ عن عِلْمٍ بَانَ لَهُمْ إِحْدَاثُهُ، ولا يدعون أنْ يخبروا رسول الله بما صنعوا منه، ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن رسول ¬

_ (¬1) ذكر الأستاذ «أحمد شاكر» مُصَحِّحُ " الرسالة " نقلا عن " شرح الزُرقاني الموطأ ": 2/ 92 أن عبد الرزاق وصله بإسناد صحيح عن عطاء عن رجل من الأنصار.

الله في تحويل القبلة - وهو فرض - مِمَّا يجوز لهم (¬1) لقال لهم رسول الله: قد كنتم على قبلة، ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم عليكم به حُجَّةٌ من سماعكم مني أو خبر عامة أو أكثر من خبر واحد عني. 5 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: «كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٌ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: " يَا أَنَسُ، قُمْ إِلَى هَذِهِ الجِرَارِ فَاكْسِرْهَا "، فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ». وهؤلاء في العلم والمكان من النَّبِيِّ وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم، وقد كان الشراب عندهم حلالاً يشربونه، فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمر، فأمر أبو طلحة - وهو مالك الجرار - بكسر الجرار، وَلَمْ يَقُلْ هُوَ وَلاَ هُمْ وَلاَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: نحن على تحليلها حتى نلقى رَسُولَ اللهِ مع قربه منا، أو يأتينا خبر عامة، وذلك أنهم لا يهرقون حلالاً، إهراقه سرف وليسوا من أهله والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله ما فعلوا، ولا يدع لو كان ما قبلوا من خبر الواحد ليس لهم أن ينهاهم عن قبوله. 6 - وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُو عَلَىَ امْرَأَةِ رَجُلٍ ذُكِرَ أَنَّهَا زَنَتْ «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا، وَأَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 7 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ ابْنِ الهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ بِـ «مِنًى» إِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَى جَمَلٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ أَيَّامُ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَلاَ يَصُومَنَّ ¬

_ (¬1) قال الأستاذ «أحمد شاكر»: «إِنَّ مَعْنَى العِبَارَةِ. أَنَّ قَبُولَ خَبَرِ الوَاحِدِ فَرْضٌ لاَ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُهُ، فَلَوْ كَانَ قَبُولُهُمْ خَبَرَ الوَاحِدِ عِنْدَهُمْ جَائِزًا فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُتْرَكُوا الفَرْضَ المُتَيَقَّنَ فِي القِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ وَيَتَحَوَّلُوا إِلَى قِبْلَةٍ أُخْرَى بِخَبَرٍ غَيْرَ مُتَيَقَّنَ الثُّبُوتِ يَجُوزُ لَهُمْ الأَخْذُ بِهِ وَتَرْكِهِ إِذْ اليَقِينُ لاَ يَزُولُ إِلاَّ بِيَقِينٍ مِثْلِهِ» ...

أَحَدٌ، فَاتَّبَعَ النَّاسَ وَهُوَ عَلَى جَمَلِهِ يَصْرُخُ فِيهِمْ بِذَلِكَ». ورسول الله لا يبعث بنهيه واحداً صادقاً إلا لزم خبره عَنْ النَّبِيِّ بصدقه عند المنهيين عما أخبرهم أن النَّبِيَّ نهى عنه، ومع رسول الله الحَاجُّ، وقد كان قادراً على أن يبعث إليهم فيشافههم، أو يبعث إليهم عدداً فبعث واحداً يعرفونه بالصدق، وهو لا يبعث بأمره إلا وَالحُجَّةُ للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبر عن رسول الله، فإذا كان هكذا مع ما وصفت من مقدرة النَّبِيِّ على بعثه جماعة إليهم، كان ذلك فيمن بعده مِمَّنْ لا يمكنه ما أمكنهم وأمكن فيهم أولى أن يثبت به خبر الصادق. 8 - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ خَالٍ لَهُ، يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ شَيْبَانَ قَالَ: كُنَّا فِي مَوْقِفٍ لَنَا بِعَرَفَةَ يُبَاعِدُهُ عَمْرٌو مِنْ مَوْقِفِ الإِمَامِ جِدًّا، فَأَتَانَا ابْنُ مِرْبَعٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ لَنَا: «إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَقِفُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ». 9 - وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرَ وَالِيًا عَلَى الحَجِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ، وحضره الحاج من أهل بلدان مختلفة وشعوب متفرقة، فأقام لهم مناسكهم وأخبرهم عن رسول الله بما لهم وما عليهم. 10 - وَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي تِلْكَ السَنَةِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ فِي مَجْمَعِهِمْ يَوْمَ النَّحْرِ آيَاتٍ مِنْ (سُورَةِ بَرَاءَةَ) ونبذ إلى قوم على سواء، وجعل لهم مُدَداً، ونهاهم عن أمور، فَكَانَ أَبُو بَكْرٌ وَعَلِيٌّ مَعْرُوفَيْنِ عند أهل مكة بالفضل وَالدِّينِ وَالصِّدْقِ، وكان من جهلهما - أو أحدهما - من الحاج، وجد من يخبره عن صدقهما وفضلهما، ولم يكن رسول الله ليبعث إلا وَاحِدًا الحُجَّةُ قائمة بخبره على من بعثه إليه إن شاء الله. 11 - وقد فرق النَّبِيُّ عُمَّالاً على نواحي، عرفنا أسماءهم والمواضع التي فرقهم عليها، فبعث قيس بن عاصم، والزبرقان بن بدر وابن نُوَيْرَةَ إلى عشائرهم لعلمهم بصدقهم عندهم، وقدم عليهم (¬1) وفد البحرين فعرفوا من معه، فبعث ¬

_ (¬1) أي على النَّبِيِّ واصحابه بالمدينة.

معهم ابن سعيد بن العاص، وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وأمره أن يقاتل من أطاعه من عصاه (¬1)، ويعلمهم ما فرض الله عليهم، ويأخذ منهم ما وجب عليهم لمعرفتهم بـ «معاذ» ومكانه منهم وَصِدْقِهِ، وكل من وَلَّى فقد أمره بأخذ ما أوجب الله على من وَلاَّهُ عليه، ولم يكن لأحد عندنا في أحد مِمَّنْ قدم عليهم من أهل الصدق، أن يقول: أنت واحد، وليس لك أن تأخذ منا ما لم نسمع رسول الله يذكر أنه علينا، ولا أحسبه بعثهم مشهورين في النواحي التي بعثهم إليها بالصدق إلا لما وصفت، من أن تقوم بمثلهم الحُجَّةُ على من بعثه إليه. 12 - وفي شبيه بهذا المعنى أمراء سرايا رسول الله، فقد بَعَثَ بَعْثَ مُؤْتَةَ فَوَلاَّهُ زيد بن حارثة، وقال: «فَإِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ فَابْنُ رَوَاحَةَ»، وبعث ابن أنيس سرية وحده، وبعث أمراء سراياه وكلهم حاكم فيما بعثه فيه، لأن عليهم أن يدعوا من لم تبلغه الدعوة، ويقاتلوا من حَلَّ قتاله، وكذلك كل والٍ بعثه أو صاحب سرية، ولم يزل يمكنه أن يبعث واليين وثلاثة وأربعة وأكثر. 13 - وبعث في دهر واحد اثني عشر رسولاً إلى اثني عشر مَلَكًا، يدعوهم إلى الإسلام، ولم يبعثهم إلا إلى من قد بلغته الدعوة، وقامت عليه الحُجَّةُ فيها، وألاَّ يكتب فيها دلالات لمن بعثهم إليه على أنها كتبه، وقد تَحَرَّى فيهم ما تَحَرَّى في أمرائه من أن يكونوا معروفين، فبعث دحية إلى الناحية التي هو فيها معروف، ولو أن المبعوث إليه جهل الرسول كان عليه طلب علم أن النَّبِيَّ بعثه ليستبرىء شكه في خبر الرسول، وكان على الرسول الوقوف حتى يستبرئه المبعوث إليه. 14 - ولم تزل كتب رسول الله تنفذ إلى وُلاَّتِهِ بالأمر والنهي، ولم يكن لأحد من وُلاَّتِهِ ترك إنفاذ أمره، ولم يكن ليبعث رسولاً إلا صادقاً عند من بعثه إليه وإذا طلب المبعوث إليه علم صدقه وجده حيث هو، ولو شك في كتابه بتغيير في الكتاب، أو حال تدل على تهمة، من غفلة رسولٍ حمل الكتاب، كان عليه أن يطلب علم ما شك فيه حتى ينفذ ما يثبت عنده من أمر رسول الله. ¬

_ (¬1) أَيْ أَنْ يُقَاتِلَ المُطِيعُونَ لَهُ مَنْ عَصَاهُ مِنْهُمْ ...

15 - وهكذا كانت كُتُبُ خلفائه بعده وَعُمَّالِهِمْ، وما أجمع المُسْلِمُونَ عليه من أن يكون الخليفة واحداً، والقاضي واحداً، والأمير واحداً، والإمام واحداً، فاستخلفوا أبا بكر، ثم استخلف أَبُو بَكْرٌ عُمَرَ، ثُمَّ عُمَرُ أَهْلَ الشُّورَى ليختاروا واحداً فاختار عَبْدُ الرَّحْمَنُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ. 16 - قال: والولاة من القضاة وغيرهم يقضون فَتُنَفَّذَ أَحْكَامُهُمْ، ويقيمون الحدود، وَيُنَفِّذُ مَنْ بَعْدَهُمْ أَحْكَامُهُمْ، وأحكامهم إخبار عنهم. ففيما وصفت من سُنَّةِ رسول الله ثم ما أجمع عليه المُسْلِمُونَ منه دلالة على فرق بين الشهادة والخبر والحكم، أَلاَ ترى أن قضاء القاضي على الرجل للرجل، إنما هو خبر يخبر به عن بينة تثبت عنده، أو إقرار من خصم به أقر عنده، وأنفذ الحُكْمَ فيه، فلما كان يلزمه بخبره أن ينفذه بعلمه كان في معنى المُخْبِرِ بحلال وحرام، قد لزمه أن يُحِلَّهُ ويُحَرِّمَهُ بما شهد منه، ولو كان القاضي المخبر عن شهود شهدوا عنده على رجل لم يحاكم إليه، أو إقرار من خصم، لا يلزمه أن يحكم به لمعنى أن لم يخاصم إليه، أو أنه مِمَّنْ يخاصم إلى غيره، فحكم بينه وبين خصمه ما يلزم شاهداً يشهد على رجل أن يأخذ منه ما شهد به عليه لمن شهد له به، كان في معنى شاهد عند غيره فلم يقبل - قاضياً كان أو غيره - إلا بشاهد معه، كما لو شهد عند غيره لم يقبله إلا بشاهد وطلب معه غيره، ولم يكن لغيره إذا كان شاهداً أن ينفذ شهادته وحده. 17 - أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة وفي التي تليها بعشر، وفي الوسطى بعشر، وفي التي تلي الخنصر بتسع، وفي الخنصر بست. قال الشافعي: «لما كان معروفاً - والله أعلم - عند عمر " أَنَّ النَّبِيَّ قَضَى فِي اليَدِ بِخَمْسِينَ "، وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع، نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف، فهذا قياس على الخبر، فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله قال: «وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ» صاروا إليه، ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله.

وفي الحديث دلالتان: إحداهما قبول الخبر، والأخرى أن يقبل الخبر في الوقت الذي يثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا، ودلالة على أنه لو مَضَى أيضاًً عمل من أحد من الأئمة، ثم وجد خبراً عَنْ النَّبِيِّ يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله، ودلالة على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده، ولم يقل المُسْلِمُونَ: قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار، ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله وترك كل عمل خالفهم، ولو بلغ عمر هذا صار إليه، إن شاء الله، كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله، بتقواه لله وتأدية الواجب عليه في اتباع أمر رسول الله، وعلمه، وبأن ليس لأحد مع رسول الله أمر، وأن طاعة الله في اتباع أمر رسول الله. فإن قال قائل: «فَدُلَّنِي عَلَى أَنَّ عُمَرَ عَمَلَ شَيْئًا ثم صار إلى غيره بخبر عن رسول الله؟». قلت: «فإن أوجدتكه؟». قال: «ففي إيجادك إياي ذلك دليل على أمرين، أحدهما: أنه قد يقول من جهة الرأي إذا لم توجد سُنَّةٌ، والآخر: أَنَّ السُنَّةَ إذا وجب عليه ترك عمل نفسه، ووجب على الناس ترك كل عمل وجدت السُنَّةُ بخلافه، وإبطال أن السُنَّةَ لا تثبت إلا بخبر بعدها، وعلم أنه لا يوهنها شيء إن خالفها». 18 - قُلْتُ: «أخبرنا سفيان عن الزُّهْرِيِّ عن سعيد بن المسيب، أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: «الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ»، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقد فسرت هذا الحديث قبل هذا الموضع (يشير إلى كلامه قبل) (¬1). ¬

_ (¬1) " الأم ": 6/ 77.

19 - سفيان عن عمرو بن دينار وابن طاووس عن طاووس أن عمر قال: «أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَءًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجَنِينِ شَيْئًا؟، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ: " كُنْتُ بَيْنَ جَارَتَيْنِ لِي - يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ -، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِمِسْطَحٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ "، فَقَالَ عُمَرُ: " لَوْ لَمْ [نَسْمَعْ] هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ [هَذَا] " (*)». وقال غيره: «إِنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِي فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا» فقد رجع عمر عما كان يقضي به لحديث الضحاك إلى أن خالف حكم نفسه، وأخبر في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لقضى فيه بغيره، وقال: «إِنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِي فِي مِثْلِ هَذَا بِرَأْيِنَا» قال الشافعي: «يخبر - والله أعلم - أن السُنَّة إذا كانت موجودة بأن في النفس مائة من الإبل فلا يعدو الجنين أن يكون حَيًّا فيكون فيه مائة من الإبل، أو ميتاً فلا شيء فيه، فلما أُخْبِرَ بقضاء رسول الله فيه سَلَّمَ له، لم يجعل لنفسه إلا اتباعه فيما مضى بخلافه، وفيما كان رأياً منه لم يبلغه عن رسول الله فيه شيء، فلما بلغه خلاف فعله صار إلى حكم رسول الله، وترك حكم نفسه وكذلك كان في كل أمره، وكذلك يلزم الناس أن يكونوا. 20 - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ إِنَّمَا رَجَعَ بِالنَّاسِ عَنْ خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ». قال الشافعي: «يَعْنِي حِينَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَبَلَغَهُ وُقُوعَ الطَّاعُونِ بِهَا». 21 - مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ [بْنَ الْخَطَّابِ] ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: «مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟» فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» (¬1). سُفْيَانُ عن عَمْرِو «أنه سمع بَجَالَةَ يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ [مِنَ الْمَجُوسِ] حَتَّى أَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ». ثم ذكر الشافعي أن ما يذكره من الأحاديث منقطعًا فقد سمعه مُتَّصِلاً أَو ْ مَشْهُورًا عمن روى عنه بنقل عامة من أهل العلم يعرفون عن عامة، ولكنه غابت بعض كتبه وتحقق بما يعرفه أهل العلم مِمَّا حفظ. ¬

_ (*) [قارن بما ورد في صفحة 68 من هذا الكتاب]. (¬1) رواه مالك في " الموطأ " منقطعاً، ورواه ابن المنذر والدارقطني منقطعاً أيضاً ولكن رجاله في الجميع ثقات وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء الحضرمي عند "الطبراني " بلفظ: «سُنُّوا بِالمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ» ورواه أبو عبيد في " الأموال ". اهـ. هامش " الرسالة ": ص 430.

ثم عاد إلى ذكر خبر عبد الرحمن بن عوف فقال: «فقبل عمر خبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس، فأخذ منهم وهو يتلو القراَن» {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (¬1) ويقرأ القرآَن بقتال الكافرين حتى يسلموا، وهو لا يعرف فيهم عَنْ النَّبِيِّ شيئاً وهم عنده من الكافرين غير أهل الكتاب، فقبل خبر عبد الرحمن في المجوس عَنْ النَّبِيِّ فاتبعه، وحديث بَجَالَةَ موصول قد أدرك عمر بن الخطاب رجلاً، وكان كاتباً لبعض ولاته. وهنا ذكر الشافعي ما يعترض به من أن عمر طلب في بعض الحالات خبراً آخر مع رجل أخبره بخبر - يشير إلى قصة أبي موسى - وأجاب بأن ذلك على ثلاثة معان: 1 - الحيطة وزيادة التأكد. 2 - عدم معرفة المخبر. 3 - عدم عدالة المخبر. وذكر أن موقفه مع أبي موسى من المعنى الأول وهو الحيطة، فإن أبا موسى ثقة أمين، واستدل لذلك قوله لأبي موسى: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ثم أكد ذلك بأن عمر قد رويت عنه أخبار بقبوله خبر الراوي الواحد فلا يجوز أن يقبل مَرَّةً خبر الواحد، ولا يقبله مَرَّةً أخرى، ثم أخذ في إتمام سرد الأدلة على قبول خبر الواحد فقال: 22 - وفي كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفت: قال الله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} (¬2) ثم ذكر الآيات التي تخبر عن إرسال إبراهيم وإسماعيل وهود وصالح وشعيب ولوط ومحمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أقوامهم وَأُمَمِهِمْ مِمَّا يدل على أن الحُجَّةَ تقوم بالواحد. وذكر آية {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} (¬3) الخ الآيات، فظاهر الحُجَج عليهم باثنين ثم بثالث، وكذا أقام الحُجَّةَ على الأمم بواحد، وليس الزيادة في التأكيد مانعة أن تقوم الحُجَّةُ بالواحد، إذ أعطاه الله ما يباين به الخلق غير النَّبِيِّينَ. ¬

_ (¬1) [سورة التوبة، الآية: 29]. (¬2) [سورة نوح، الآية: 1]. (¬3) [سورة يس، الآية: 13].

23 - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ [بْنِ عُجْرَةَ]، أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ [وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]، أَخْبَرَتْهَا: أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى [رَسُولِ اللَّهِ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ القَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ، [قَالَتْ]: " فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي [مَسْكَنٍ] يَمْلِكُهُ، وَلاَ نَفَقَةٍ "، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ»، [قَالَتْ]: فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِي [فَنُودِيتُ لَهُ] فَقَالَ: «كَيْفَ قُلْتِ؟» فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ التِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، فَقَالَ: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»، قَالَتْ: " فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا "، قَالَتْ: " فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ " (¬1). وعثمان في إمامته وعلمه يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار. 24 - أخبرنا مسلم (هو ابن خالد الزنجي فقيه أهل مكة) عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بْن مُسْلِم عَنْ طَاوُوسَ قَالَ: «كُنْت مَعَ اِبْن عَبَّاس إِذْ قَالَ لَهُ زَيْد بْن ثَابِت: " تُفْتِي أَنْ تُصْدِر الْحَائِض قَبْل أَنْ يَكُون آخِر عَهْدهَا بِالْبَيْتِ؟ " فَقَالَ اِبْن عَبَّاس: " أَمَّا لاَ [فَسَلْ] فُلاَنَة الأَنْصَارِيَّة: هَلْ أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " قَالَ: فَرَجَعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَضْحَكُ وَيَقُولُ: " مَا أَرَاك إِلاَّ قَدْ صَدَقْت " (¬2). قال الشافعي: سمع زيد النهي أنْ يصدُر أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت، وكانت الحائض عنده من الحاج الداخلين في ذلك النهي، فلما أفتاها ابن عباس بالصدر إذا كانت قد زارت بعد النحر، أنكر عليه زيد، فلما أخبره عن المرأة - أنَّ رسول الله أمرها بذلك فسألها فأخبرته - فصدق المرأة، ورأى عليه حقاً أنْ يرجع عن خلاف ابن عباس، وما لابن عباس حُجَّة غير المرأة. 25 - سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إِنَّ نَوْفًا ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. كلهم من طريق مالك حتى شيخه الزُّهْرِي رواه عنه وتابع مالكاً عليه كثيرون. اهـ. ص 439 الهامش. (¬2) وأخرجهما أحمد في " المسند " والبيهقي أيضاً، وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس «أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ إِلاَّ أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ المَرْأَةِ الحَائِضِ». اهـ. هامش 441.

البَكَالِيَّ (¬1) يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَاس: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ مُوسَى وَالخَضِرَ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الخَضِر» (¬2) فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أٌبَيْ عن رسول الله حتى يكذب به امرءاً من المُسْلِمِينَ، إذ حدثه أبَيْ بن كعب عن رسول الله بما فيه دلالة على أن موسى بني إسرائيل صاحب الخضر. 26 - أخبرنا مسلم وعبد المجيد (*) عن ابن جريج أن طاووساً أخبره: «أنه سأل ابن عباس عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما، قال طاوُوس: فقلت له: ما أدعهما، فقال له ابن عباس: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} (¬3) فرأى ابن عباس الحُجَّةَ قائمة على طاوُوس بخبره عَنْ النَّبِيِّ، وَدَلَّهُ بتلاوة كتاب الله فرضاً عليه ألاَّ تكون الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمراً، وطاوُوس حينئذ إنما يعلم قضاء رسول الله بخبر ابن عباس وحده، ولم يدفعه طاووس بأن يقول: هذا خبرك وحدك فلا أثبته عَنْ النَّبِيِّلأنه يمكن أن تنسى». فإنْ قال قائل: «كره أنْ يقول هذا لابن عباس، فإنَّ ابن عباس أفضل من أنْ يَتَوَقَّى أحد أنْ يقول حقاً رآه، وقد نهاه عن الركعتين بعد العصر فأخبره أنه لا يَدَعَهُمَا قبل أنْ يُعْلِمَهُ أَنَّ النَبِيَّ نَهَى عَنْهُمَا. 27 - سفيان عن عمرو عن ابن عمر قال: «كُنَّا نُخَابِرُ وَلاَ نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى زَعَمَ رَافِعُ (هُوَ ابْنُ خَدِيجٍ) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فَتَرَكْنَاهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (¬4). ¬

_ (¬1) كانت أمه امرأة كعب الأحبار ويروي القصص وهو من التَّابِعِينَ من بني بكال. وهم بطن من حِمْيَرْ مات بين سَنَةِ 90 وَسَنَةِ 100. هامش " الرسالة ": ص 442. (¬2) وأخرجه البخاري ومسلم. (¬3) [سورة الأحزاب، الآية: 36]، أخرجه البيهقي بتوسع وتفصيل، وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي باختصار. اهـ. الهامش: ص 444. (¬4) وقد ورد النهي عن المخابرة في " مسند أحمد ". ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) هُوَ عَبد الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي رُوَّادٍ.

فابن عمر قد كان ينتفع بالمخابرة ويراها حلالاً، ولم يتوسع إذ أخبره واحد لا يتَّهمه عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا أن يخابر بعد خبره، ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله ولا يقول: «ما عاب هذا علينا أحد ونحن نعمل به إلى اليوم» وفي هذا ما يبين أن العمل بالشيء بعد النَّبِيّإذا لم يكن بخبر عَنْ النَّبِيِّ لم يوهن الخبر عَنْ النَّبِيِّ- عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. 28 - أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنَّ معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو وَرِق بأكثر من وزنها. فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هذَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «مَا أَرَى بِهذَا بَأْساً»، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ؟ أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ وَيُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ. لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ» (¬1)، فرأى أبو الدرداء الحُجَّة تقوم على معاوية بخبره ولما لم يَرَ ذلك معاوية، فارق أبو الدرداء الأرض التي هو بها، إعظاماً لأنه تَركَ خَبَرَ ثقة عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 29 - وأ خبرنا أنَّ أبا سعيد الخُدري لقي رجلاً فأخبره عن رسول الله شيئاً، فذكر الرجل خبراً يخالفه، فقال أبو سعيد: «وَاللهِ لاَ آوَانِي وَإِيَّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ أَبَداً». قال الشافعي: يرى أن ضيِّقاً على المخبَر ألاَّ يقبل خبره، وقد ذكر خبراً يخالف خبر أبي سعيد عَنْ النَّبِيِّ، ولكن في خبره وجهان «أحدهما: يحتمل به خلاف خبر أبي سعيد، والآخر: لا يحتمله». 30 - أخبرنا من لا أتّهم عن ابن أبي ذئب عن مَخْلد بن خفاف قال: «ابتعت غلاماً فاستغللته، ثم ظهرت منه على عيب فخاصمت فيه إلى عمر بن عبد العريز فقضى لي بِرَدِّهِ، وقضى عليَّ بِرَدِّ غلته» فأتيت عُروة فأخبرته، فقال: «أروح إليه العشية فأُخبره أنَّ عائشة أخبرتي أن رسول الله قضى في مثل ¬

_ (¬1) تفرَّدَ الشافعي بهذه الرواية. وقد قال ابن عبد البر: إنها محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، ولكن إسنادها صحيح، فتكون من الأفراد الصحيحة. اهـ. هامش " الرسالة ": ص 446.

، هذا أن الخراج بالضمان، فعجلت إلى عمر فأخبرته ما أخبرني عروة عن عائشة عَنْ النَّبِيِّ، فقال عمر: فما أيسر عَلَي من قضاء قضيته - اللهُ يعلم - أني لم أُرِدْ فيه إلاَّ الحَقَّ، فبلغتني فيه سُنَّة عن رسول الله فَأَرُدُّ قضاء عمر وأُنفذُ سُنَّة رسول الله، فراح إليه عروة فقضى لي أن آخذ الخراج من الذي قضى به عليَّ له (¬1). 31 - أخبرني من لا أتهم من أهل المدينة عن ابن أبي ذئب قال: «قضى سعد بن إبراهيم على رجل بقضية برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن فأخبرته عَنْ النَّبِيِّ بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة: " هذا ابن أبي ذئب وهو عندي ثِقة يخبرني عَنْ النَّبِيِّ بخلاف ما قضيت به ". فقال له ربيعة: " قد اجتهدتَ ومضى حكمك "، فقال سعد: " واعجباً! أُنَفِّذُ قضاء سعد بن أم سعد وَأَرُدُّ قضاء رسول الله؟ بل أرُدُّ قضاء سعد بن أم سعد، وأُنَفِِّذُ قضاء رسول الله "، فدعا سعد بكتاب القضية فَشَقَّهُ وَقَضَى لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ. 32 - قال الشافعي أخبرني أبو حنيفة بن سِمَاك بن الفضل الشهابي، قال: حَدَّثنِي ابن أبي ذئب عن المقبُري عن أبي شُريح اَلكعبي أن النَّبِيّقال عام الفتح: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إنْ أَحَبَّ أَخَذَ العَقْلَ وإنْ أحَبَّ فَلَهُ القَوَد»، قال أبو حنيفة فقلت لابن أبي ذئب: " أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ " فضرب صدري وصاح عَلَيَّ صياحاً كثيراً ونال مني وقال: أُحَدِّثُك عن رسول الله وتقول: تأخذ به؟ نعم آخذ به، وذلك الفرض عَلَيَّ وعلى من سمعه، إن الله اختار محمداً من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخِرِين (أي صاغرين) لا مخرج لمسلم من ذلك ". قال: " وما سكت، حتى تمنيت أن يسكت " قال: «وفي تثبيت الخبر الواحد أحاديث مكفي بعض هذا منها». 33 - ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل، وكذلك حُكِيَ لنا عمن حُكِيَ لنا عنه من أهل العلم بالبلدان. قال الشافعي: «وجدنا سعيداً بالمدينة يقول: أخبرني أبو سعيد الخُدري عَنْ النَّبِيِّ فِي الصَّرْفِ ¬

_ (¬1) في هذا الحديث كلام طويل ذكره الأستاذ أحمد شاكر في هامش " الرسالة ": ص 449.

فيثبت حديثَه سُنَّةً، ويقول: حدثني أبو هريرة عَنْ النَّبِيِّ، فيثبت حديثَه سُنَّةً، ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سُنَّة ً، ووجدنا عُرْوَةَ يَقُولُ: «حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَضَى أَنَّ الخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» فيثبته سُنَّة ويروي عنها عَنْ النَّبِيِّ شيئاً كثيراً فيثبتها سنناً يحلّ بها ويحرّم، وكذلك وجدناه يقول: «حدثني أسامة بن زيد عَنْ النَّبِيِّ، ويقول: «حدثني عبد الله بن عمر عَنْ النَّبِيِّ وغيرهما، فيثبت خبر كل واحد منهما على الانفراد سُنَّةً، ثم وجدناه أيضاً يصير إلى أنْ يقول: حدثني عبد الرحمن بن عبدٍ القارِيّ عن عمر، ويقول: «حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن عمر، ويثبت كل واحد من هذا خبراً عن عمر، ووجدنا القاسم بن محمد يقول: «حدثتني عائشة عَنْ النَّبِيِّ، ويقول في حديثٍ غيره: حدثني ابن عمر عَنْ النَّبِيِّ» ويثبت خبر كل واحد منهما على الانفراد سُنَّةً، ويقول: حدثني عبد الرحمن ومُجَمَّعٌ ابنا يزيد بن جارية، عن خنساء بنت خِدام عَنْ النَّبِيِّ فيثبت خبرها سُنَّةً وهو خبر امرأة واحدة. ووجدنا علي بن حُسين يقول: «أخبرنا عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أنَّ النَّبِيّ قال: «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» فيثبتها سُنَّةً، ويثبتها الناس بخبره سُنَّةً. ووجدنا كذلك محمد بن علي بن حُسين عن جابر عَنْ النَّبِيِّ وعن عُبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عَنْ النَّبِيِّ، فيثبت كل ذلك سُنَّة. ووجدنا محمد بن جُبير بن مُطعِم ونافع بن جُبير بن مطعم ويزيد بن طلحة بن رُكانة، ومحمد بن طلحة بن رُكانة، ونافع بن عُجير بن عبد يزيد، وأبا سلَمة بن عبد الرحمن وحُمْيد بن عبد الرحمن، وطلحة بن عبد الله بن عوف، ومُصعَبْ بن سعد بن أبي وقاص، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبد الرحمن بن كعب بن مالك، وعبد الله بن أبي قتادة، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، وغيرهم من مُحَدِّثِي أهل المدينة، كلهم يقول: حَدَّثَنِي فلان، لرجل من أصحاب النَّبِيّ عَنْ النَّبِيِّ، أو من التَّابِعِينَ عن رجل من أصحاب النَّبِيّ عَنْ النَّبِيِّ فنثبت ذلك سُنَّةً. ووجدنا عطاء وَطَاوُوساً ومجاهداً وابن أبي مُليكة وعكرمة بن خالد وعبيد الله بن أبي يزيد وعبد الله بن باباه، وابن أبي عمار وَمُحَدِّثِي المَكِيِّينَ، ووجدنا وهب بن منبه باليمن هكذا، ومكحولاً بالشام، وعبد الرحمن بن غنم،

والحسن وابن سيرين بالبصرة، والأسود وعلقمة والشعبي بالكوفة، وَمُحَدِّثِي الناس وأعلامهم بالأمصار كلهم، يحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله والانتهاء إليه والإفتاء به، ويقبله كل واحد منهم عَمَّنْ فوقه، ويقبله عنه من تحته. 34 - ولو جاز لأحد من الناس أنْ يقول في علم الخاصة: «أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى تَثْبِيتِ خَبَرِ الوَاحِدِ وَالانْتِهَاءِ إِلَيْهِ، بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ فُقَهَاءِ المُسْلِمِيْنَ أَحَدٌ إلاَّ وَقَدْ ثَبَّتْهُ، جَازَ لِي، وَلَكِنْ أَقُولُ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ فُقَهَاءِ المُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوَا فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ الوَاحِدِ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ عَلَىَ كُلِّهِمْ». ثم ذكر الشافعي مما يقال من أنَّ بعض العلماء يتركون العمل بأحاديث تروى لهم، وأجاب بأنه لا بُدَّ له من عذر، إما بأنْ يكون عنده حديث يخالفه، أو يكون من حدثه ليس بحافظ، أو مُتَّهَماً عنده، أو يكون الحديث مُحْتَمِلاً معنين، ولا يصح أنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أنَّ فقيهاً عاقلاً يثبت سُنَّةً، ثم يدعها من غير تأويل ولا عذر، فإنْ سَلَكَ أحد مَسْلَكَ الرد للحديث بلا عذر، فقد أخطأ خطأً لا عذر فيه عندنا. والله أعلم. وهكذا أثبت الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - ببيان قوي وَأَدِلَّةٍ ناهضة من الكتاب وَالسُنَّةِ وعمل الصحابة والتَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعِينَ وفقهاء المُسْلِمِينَ، وجوب العمل بخبر الواحد والأخذ به.

الفصل السادس: السنة مع المستشرقين:

الفَصْلُ السَّادِسُ: السُنَّةُ مَعَ المُسْتَشْرِقِينَ: عرض تاريخي لأغراض المُسْتَشْرِقِينَ: لما هاجمت الجيوش الصليبية بلاد الإسلام، كانت مدفوعة إلى ذلك بدافعين: الأول - دافع الدين والعصبية العمياء التي أثارها رجال الكنيسة في شعوب أوربا، مفترين على المُسْلِمِينَ أبشع الافتراءات: مُحَرِّضِينَ النَّصَارَى أشد تحريض على تخليص مهد المسيح من أيدي الكفار (أي المُسْلِمِينَ) فكان جمهرة المقاتلين من جيوش الصليبيين من هؤلاء الذين أخرجتهم العصبية الدينية من ديارهم عن حسن نية، وَقُوَّةِ العقيدة، إلى حيث يلاقون الموت والقتل والتشريد، حملة بعد حملة، جيشاً بعد جيش. الثاني - دافع سياسي استعماري، فلقد سمع ملوك أوربا بما تَتَمَتَّعُ به بلاد الإسلام وخاصة بلاد الشام وما حولها من طمأنينة وَمَدَنِيَّةٍ وحضارة لا عهد لهم بمثلها، كما سمعوا الشيء الكثير عن ثرواتها ومصانعها وأراضيها الخصبة الجميلة، فجاؤوا يقودون جيوشهم باسم المسيح، وما في نفوسهم في الحق إلاَّ الرغبة في الاستعمار والفتح والاستئثار بخيرات المُسْلِمِينَ وثرواتهم، وشاء اللهُ أن تَرْتَدَّ الحملات الصليبية كلها مدحورة مهزومة، بعد حروب دامت مائتي سَنَةً كاملة، وأنْ يقضى على الإمارات التي استولوا عليها، وأنْ ترجع هذه الحملات إلى ديارها، تحمل في قلوبها الحسد. وفي جباهها الهزيمة، ولكنها في الواقع كانت تحمل في عقولها شيئاً من نور الإسلام، وفي أيديها ثمار الحضارة التي كانت بلادهم محرومة منها، وإذا كانت الشعوب الأوربية قد رضيت من الغنيمة بالإياب، فإنَّ ملوكها وأمراءها رجعوا مُصَمِّمِينَ على الاستيلاء على هذه البلاد مهما طال الزمن وكثرت التكاليف،

ورأوا - بعد الإخفاق في الاستيلاء عليها عسكرياً - أَنْ يَتَّجِهُوا إلى دراسة شؤونها وعقائدها، تمهيداً لغزوها ثقافياً وفكرياً، ومن هنا كانت النواة الأولى لجمعيات المُسْتَشْرِقِينَ التي مازالت تواصل عملها حتى اليوم، والتي كانت حتى عهد قريب تتألف من رجال الدين المسيحي أو اليهودي الذين هم - ولا شك أشد الناس كُرْهًا للإسلام وَتَعَصُّبًا عليه، ولإن كان فريق من العلماء المُنْصِفِينَ قد غزا هذا الوسط (التَبْشِيرِيُّ المُتَعَصِّبُ) فعني بالدراسات العربية والإسلامية في جَوٍّ يَتَّسِمُ أكثره بالإنصاف، إلا أنه لا يزال - حتى اليوم - أكثر الذين يشتغلون منهم بهذه الدراسات من رجال الدين الذين يعنون بتحريف الإسلام وتشويه جماله، أو من رجال الاستعمار الذين يعنون ببلبلة بلاد الإسلام في ثقافتها، وتشويه حضارتها في أذهان المُسْلِمِينَ، وَتَتَّسِمُ بحوث هؤلاء بالظواهر الآتية: 1 - سوء الظن والفهم لكل ما يتصل بالإسلام في أهدافه ومقاصده. 2 - سوء الظن برجال المُسْلِمِينَ وعلمائهم وعظمائهم. 3 - تصوير المجتمع الإسلامي في مختلف العصور، وخاصة في العصر الأول، في مجتمع متفكك تقتل الأنانية رجاله وعظماءه. 4 - تصوير الحضارة الإسلامية تصويراً دُونَ الواقع بكثير، تهويناً لشأنها واحتقاراً لآثارها. 5 - الجهل بطبيعة المجتمع الإسلامي على حقيقته، والحكم عليه من خلال ما يعرفه هؤلاء المُسْتَشْرِقُونَ من أخلاق شعوبهم وعادات بلادهم. 6 - إخضاع النصوص للفكرة، التي يفرضونها حسب أهوائهم، والتحكم فيما يرفضونه ويقبلونه من النصوص. 7 - تحريفهم للنصوص في كثير من الأحيان، تحريفاً مقصوداً. وإساءتهم فهم العبارات حين لا يجدون مجالاً للتحريف. 8 - تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث، ومن كتاب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ

خلاصة قول جولدتسيهر في السنة وتشكيكه بها:

الفقه، وَيُصَحِّحُونَ ما ينقله «الدميري» في كتاب " الحيوان " (*) وَيُكَذِّبُونَ ما يرويه «مالك» في " الموطأ " كل ذلك انسياقاً مع الهوى، وانحرافاً عن الحق. بهذه الروح التي أوضحنا خصائصها بحثوا في كل ما يتصل بالإسلام وَالمُسْلِمِينَ من تاريخ وفقه وتفسير وحديث وأدب وحضارة، وقد أتاح لهم تشجيع حكوماتهم، ووفرة المصادر بين أيديهم، وتفرغهم للدراسة، واختصاص كل واحد منهم بفن أو ناحية من نواحي ذلك الفن، يفرغ له جهده في حياتها كلها، ساعدهم ذلك كله على أن يصبغوا بحوثهم بصبغة علمية، وأن يحيطوا بثروة من الكتب والنصوص ما لم يحط به كثير من علمائنا اليوم الذين يعيشون في مجتمع مضطرب في سياسته وثروته وأوضاعه، فلا يجدون مُتَّسَعًا للتفرغ لما يتفرغ له أولئك المُسْتَشْرِقُونَ، وكان من أثر ذلك أن أصبحت كتبهم وبحوثهم مرجعا للمتثقفين منا ثقافة غربية وَالمُلِمِّينَ بلغات أجنبية، وقد خدع أكثر هؤلاء المُثَقَّفِينَ ببحوثهم، واعتقدوا بمقدرتهم العلمية وإخلاصهم للحق .. وجروا وراء آرائهم ينقلونها كما هي، ومنهم من يفاخر بأخذها عنهم، ومنهم من يلبسها ثَوْبًا إِسْلاَمِيًّا جَدِيدًا. ولا أريد أن أضرب لك الأمثال، فقد رأيت من صنيع الأستاذ «أحمد أمين» في " فجر الإسلام " (¬1) مَثَلاً لتلامذة مدرسة المُسْتَشْرِقِينَ من المُسْلِمِينَ. خُلاَصَةُ قَوْلِ جُولْدْتْسِيهِرْ فِي السُنَّةِ وَتَشْكِيكِهِ بِهَا: ننتقل من هذه المقدمة الضرورية، إلى بيان موقف المُسْتَشْرِقِينَ مِنَ السُنَّةِ، وَشُبَهِهِمْ التي أثاروها حولها، والتي تأثر بها كثير من الكُتَّابِ المُسْلِمِينَ كما رأيت، ولعل أشد المُسْتَشْرِقِينَ خطراً، وأوسعهم باعاً، وأكثرهم خبثاً وإفساداً في هذا الميدان، هو المستشرق اليهودي المجري «جولدتسيهر» فقد كان واسع الاطِّلاَعِ على المراجع العربية - على ما يظهر- حَتَّى عُدَّ شيخ المُسْتَشْرِقِينَ في الجيل الماضي، ولا تزال كتبه وبحوثه مرجعا خصباً وهاماً للمستشرقين في هذا العصر، وقد نقل لنا الأستاذ «أحمد أمين» بصورة غير رسمية كثيراً من آرائه عن تاريخ الحديث في " فجر الإسلام " و" ضُحَاهُ "، كما نقل لنا بصورة رسمية سافرة بعض اَرائه التي صرح ¬

_ (*) [للدميري كتاب " حياة الحيوان " وإنما ذكرت هذا التعليق للتمييز بين هذا الكتاب وكتاب " الحيوان " للجاحظ]. (¬1) ومن صنيع أَبِي رَيَّةَ في كتابه " أَضْوَاءٌ عَلَى السُنَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ ".

بعزوها إليه، كما نقل لنا الدكتور علي حسن عبد القادر في كتابه " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي " مُلَخَّصَ شُبَهِ هذا المستشرق في تاريخ الحديث، كما نجد بحث هذا الموضوع وخلاصة رأيه واضحاً في كتابه " العقيدة واالشريعة في الإسلام "، الذي ترجمه الأساتذة «محمد يوسف موسى» و «عبد العزيز عبد الحق» و «علي حسن عبد القادر». - وسأحاول هنا نقد خلاصة آرائه في هذا الصدد - غير متتبع لكل فقرة من فقراته، فذلك يقتضي كتاباً مستقلاً على حِدَةٍ، فإن بحوثه في هذا الشأن يضيق نطاق هذه الرسالة عن إثبات الرد عليها جملة جملة، وحسبي أن أشير إلى الاتجاهات العامة والخطوط الرئيسية في بحوثه، وأترك بقية الرد التفصيلي لفرصة أخرى، وأرجو اللهَ أن يفسح في الأجل للقيام بهذا الواجب. قال الدكتور «علي حسن عبد القادر» في " نظرة عامة في تاريخ الفقه " ص 126: وهناك مسألة جد خطيرة، نجد من الخير أنْ نعرض لها ببعض التفصيل وهي «وضع الحديث» في هذا العصر، ولقد ساد إلى وقت قريب في أوساط المُسْتَشْرِقِينَ الرأي القائل «بأن القسم الأكبر من الحديث ليس صحيحاً ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود المُسْلِمِينَ في عصر النضوج» وأشار الدكتور عبد القادر إلى أنَّ هذا الرأي هو لجولدتسيهر في كتاب " دراسات إسلامية " وقد شرحوا هذا الرأي «بأنه في هذا العصر الأول الذي اشتدت فيه الخصومة بين الأُمَوِيِّينَ والعلماء الأتقياء، أخذ هؤلاء يشتغلون بجمع الحديث وَالسُنَّةِ، ونظراً لأن ما وقع في أيديهم من ذلك لم يكن ليسعفهم في تحقيق أغراضهم، أخذوا يخترعون من عندهم أحاديث رأوها مرغوباً فيها ولا تتنافى والروح الإسلامية، وَبَرَّرُوا ذلك أمام ضمائرهم بأنهم انما يفعلون هذا في سبيل محاربة الطغيان والإلحاد وَالبُعْدِ عن سنن الدين، ونظرا لأنهم كانوا يؤملون في أعداء البيت الأموي وهم العَلَوِيُّونَ، فقد كان محيط اختراعهم من أول الأمر مُوَجَّهًا إلى مدح أهل البيت، فيكون هذا سبيلاً غير مباشر إلى ثَلْبِ الأُمَوِيِّينَ ومهاجمتهم، وهكذا سار الحديث في القرن الأول سيرة المعارضة الساكنة بشكل مؤلم ضد هؤلاء المخالفين لِلْسُنَنِ الفقهية والقانونية.

ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، فإن الحكومة نفسها لم تقف ساكتة إزاء ذلك، فإذا ما أرادت أَنْ تُعَمِّمَ رَأْيًا أو تسكت هؤلاء الأتقياء، تذرعت أيضاًً بالحديث الموافق لوجهات نظرها، فكانت تعمل ما يعمله خصومها، فتضع الحديث، أو تدعو إلى وضعه، وإذا ما أردنا أن نتعرف إلى ذلك كله، فإنه لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلا ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي، فالوضع في الحديث ونشر بعضه أو اضطهاد بعضه بدأ في وقت مبكر، فالأُمَوِيُّونَ كانت طريقتهم كما قال معاوية للمغيرة بن شعبة (¬1): «لاَ تُهْمِلْ فِي أَنْ تَسُبَّ عَلِيًّا وأنْ تطلب الرحمة لعثمان، وأنْ تَسُبَّ أصحاب عَلِيٍّ وتضطهد من أحاديثهم وعلى الضد من هذا، أنْ تمدح عثمان وأهله وأنْ تقربهم وتسمع إليهم» على هذا الأساس قامت أحاديث الأُمَوِيِّينَ ضد عَلِيٍّ، ولم يكن الأُمَوِيُّونَ وأتباعهم لِيَهُمَّهُمْ الكَذِبَ في الحديث الموافق لوجهات نظرهم، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم. وقد استغل هؤلاء الأُمَوِيُّونَ أمثال الإمام الزُّهْرِي بدهائهم في سبيل وضع الحديث - وهنا اختصر الدكتور اتهام المستشرق جولدتسيهر للامام الزُّهْرِي - ومن الواجب أنْ أثبته هنا كما نقلناه عنه في الدرس، ولا تزال مسودته بخط يده عندي حيث قال: إن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير. وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلاً من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزُّهْرِي وهو ذائع الصيت في الأُمَّة الاسلامية مستعداً لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث، منما حديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى» ومنها حديث: «الصَلاَةُ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى تَعْدِلُ أَلْفَ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وأمثال هذين الحديثين، والدليل على أن الزُّهْرِي هو واضع هذه الأحاديث، أنه كان صديقاً لعبد الملك وكان يتردد عليه، وأنَّ الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق الزُّهْرِي فقط. أما كيف وجه الأُمَوِيُّونَ هِمَّتَهُمْ إلى أنْ يَنْشُرُوا أحاديث توافق رغبتهم وكيف استغلُّوا لذلك أناساً من نوع (الزُّهْرِي) الرجل الصالح، استغلالاً ليس من نوع ¬

_ (¬1) [قارن بالصفحة 205 من هذا الكتاب].

الاستغلال المادي، بل من نوع الدهاء، فإنَّ ذلك يظهر لنا من بعض الأخبار التي لا تزال محفوظة عند الخطيب البغدادي، ويمكن استخدامها هنا فنجد فيه أخباراً من طرق مختلفة عن عبد الرزاق بن هَمَّامٍ (- 211 هـ) عن معمر بن راشد (- 154 هـ) الذي كان مِمَّنْ يسمع من الزُّهْرِي، وهو أنَّ الوليد بن إبراهيم الأموي جاء إلى الزُّهْرِي بصحيفة وضعها أمامه وطلب إليه أنْ يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها منه، فأجازه الزُّهْرِي على ذلك من غير تَرَدُّدٍ كثير وقال له: من يستطيع أن يخبرك بها غيري؟ وهكذا استطاع الأموي أنْ يروي ما كتب في الصحيفة على أنها مروية عن الزُّهْرِي، وهذا يتفق مع ما ذكر سابقاً من أمثلة عن استعداد الزُّهْرِي لإجابة رغبة البيت المالك بالوسائل الدينية، وقد كانت تقواه تجعله يشك أحياناً لكنه لا يتسطيع دائماً أنْ يتحاشى الدوائر الحكومية، وقد حدثنا معمر عن الزُّهْرِي بكلمة مُهِمَّةٍ وهي قوله: «أَكْرَهَنَا هَؤُلاَءِ الأَمَرَاءِ عَلَى أَنْ نَكْتُبَ " أَحَادِيثَ "». فهذا الخبر يفهم استعداد الزُّهْرِي لأنْ يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند الأمَّة الإسلامية، ولم يكن الزُّهْرِي من أولئك الذين لا يمكن الاتفاق معهم، ولكنه كان مِمَّنْ يرى العمل مع الحكومة، فلم يكن يتجنب الذهاب إلى القصر، بل كان كثيراً مِمَّا يتحرك في حاشية السلطان، بل إننا نجده في حاشية الحَجَّاجِ في حَجِّهِ، وهو ذلك الرجل المبغَض، وقد جعله هشام مُرَبِّياًً لولي عهده، وفي عهد يزيد الثاني قبل منصب القضاء، وتحت تأثير هذه الحالات كان يغمض عينيه، ولم يكن من أولئك الذين وقفوا أزاء خلفاء الجور والظلم، كما يسمي الأتقياء هذا البيت، ثم ذكر المستشرق ما في زيارة أهل الظلم وأتباع السلطان من فتنه، وأنهم كانوا يعدون من قََبِِل منصب القضاء غير ثقة، وأنَّ الشعبي كان يلبس الألوان ويلعب مع الشباب حتى لا يتخذ للقضاء، وأنه حارب الحَجَّاجَ مع ابن الأشعث، وأنَّ من المُقَرَّرِ عند العلماء أنَّ من تولى القضاء فقد ذُبح بغير سِكِّينٍ. ثم قال المستشرق بعد أنْ فرغ من اتِّهَامِ الزُّهْرِي: «ولم يقتصر الأمر على وضع أحاديث سياسية أو لصالح البيت الأموي بل تَعَدَّى ذلك إلى الناحية الدينية في أمور العبادات التي لا تتفق مع ما يراه أهل المدينة، مثل ما هو معروف من أنَّ خطبة الجمعة كانت خطبتين، وكان يخطب الخلفاء وُقُوفًا وأنَّ خطبة العيد كانت تتبع الصلاة فغيَّرَ الأُمَوِيُّونَ ذلك، فكان يخطُب الخليفة خُطْبَةَ الصلاة، وَاسْتَدَلُّوا

بذلك بما رواه رجاء بن حيوه من أنَّ الرسول والخلفاء كانوا يخطُبون جلوساً، في حين قال جابر بن سَمُرَة: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَطَبَ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ» (*). ومثل ذلك ما حصل من زيادة معاوية في درجات المنبر وما كان من جعله المقصورة التي أزالها العباسيون بعد ذلك. كما لم يقتصر الأمر على نشر أحاديث ذات ميول، بل تعداه إلى اضطهاده أحاديث لا تمثل وجهات النظر، والعمل على إخفائها وتوهينها، فَمِمَّا لا شك فيه أنه كانت هناك أحاديث في مصلحة الأُمَوِيِّينَ اختفت عند مجيء العباسيين: وقد استدل في سبيل تأييد قوله بأدلة من قدح بعض العلماء في بعض مِمَّا يخرجونه مخرج الجرح والتعديل، ما ورد كثير منه عن السلف القدماء يقول: فمن ذلك قول المُحَدِّثِ عاصم بن نبيل (هو الحافظ الثقة الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل من أصحاب زفر وليس عاصم بن النبيل) - توفي سَنَةَ 212 وعمره 90 سَنَةً» (¬1) - «مَا رَأَيْتُ الصَّالِحَ يَكْذِبُ فِي شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِيثِ». ويقول مثل ذلك يحيى بن سعيد القطان (192 هـ) ويقول وكيع عن زياد بن عبد الله البكَّائي: «إِنَّهُ مَعَ شَرَفِهِ فِي الحَدِيثِ كَانِ كَذُوباً» ولكن ابن حجر يقول في " التقريب " «ولم يثبت بأنَّ وكيعاً كذَّبهُ»، ويقول يزيد بن هارون: إنَّ أهل الكوفة في عصره ما عدا واحداً كانوا مُدَلّسِينَ، حتى السفيانان ذُكِرَا بين المُدَلِّسِينَ. وقد شعر المُسْلِمُونَ في القرن الثاني بأنَّ الاعتراف بِصِحَّةِ الأحاديث يجب أنْ يرجع إلى الشكل فقط، وأنه يوجد بين الأحاديث الجَيِّدَةِ الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة»، وساعدهم على هذا ما ورد من الحديث: «سَيَكْثُرُ التَحْدِيثُ عَنِّي فَمَنْ حَدَّثَكُمْ بِحَدِيثٍ فَطَبِّقُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ فَمَا وَافَقَهُ فَهُوَ ِمنِّي، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ». هذا هو المبدأ الذي حدث بعد قليل عند انتشار الوضع، ويمكن أن نتبين شيئا من ذلك في الأحاديث الموثوق بها، فمن ذلك ما رواه مسلم من " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلاَبِ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ " فأخبر ابن عمر أنَّ أبا هريرة يزيد «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ» فقال ابن عمر: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ لَهُ أَرْضٌ يَزْرَعُهَا». فملاحظة ابن عمر تشير إلى ما يفعله المُحَدِّثُ لغرض في نفسه. ¬

_ (¬1) انظر: " تذكرة الحفاظ ": 1/ 333. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [قارن بما في صفحتي 226 و228 من هذا الكتاب].

وفي سبيل إثبات القواعد الفقهية طرقوا باباً آخر غير الروايات الشفوية وذلك بإظهار صحف مكتوبة تُبَيِّنُ إرادة الرسول، وقد وجد هذا النوع تصديقاً في هذا العصر. وإذا ما دار الأمر حول نسخة من هذه الصحف فإنهم لا يسألون عن أصلها المنسوخة عنه. ولا يبحثون عن صِحَّتِهَا، ونستطيع أنْ نَتَبَيَّنَ جُرْأَةَ الوَاضِعِينَ من هذا الخبر. ذلك أنهم في عصر الأُمَوِيِّينَ حاول بعض الناس التوفيق بين عرب الشمال وعرب الجنوب، فأظهروا حِلْفاً كان في عصر تُبَّع بن معد يكرب بين اليمنية وربيعة، وقد وجدوا هذا محفوظاً عند بعض أحفاد هذا الأمير الحِمْيَرِيِّ. فهؤلاء الذين يقبلون مثل هذا لا يكون من الصعب عليهم أنْ يعترفوا بمثله مِمَّا هو أقرب عهداً. ونعني بهذا مسألة «تعريف الصدقة» عن صغار البقر وكبارها، فقد وردت في ذلك أحاديث مختلفة، ولكن لم يصح منها شيء ليأخذ منه جامعو الحديث نصوصاً تحتوي على نظام للدفع مفصل، فرجع الناس إلى وصايا مكتوبة عن الزكاة ما وصى به الرَّسُولُ رُسُلَهُ إلى البلاد العربية، مثل وَصِيَّتِهِ إلى معاذ بن جبل، وكتابه إلى عمرو بن حزم وغيرهما، ما روي لنا محتوياتها رَاوُو الحديث، ولم يكتف الناس بهذه النسخ المنقولة عن أصول. بل أظهروا أيضاًَ بعض هذه الأصول القديمة فهناك وثيقة كانت عند ابن عمر، أمر عمر بن عبد العزيز بنقل نسخة منها، وقد روى أبو داود تصحيح الزُّهْرِيِّ لها. وهناك وثيقة أخرى بختم الرسول، ذكرها أبو داود أيضاًً، وقد أظهرها حماد بن أسامة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس. وكان أبو بكر قد وَجَّهَهَا لأنس بن مالك عندما ذهب لجمع الصدقات» اهـ. قال الدكتور بعد ذلك «هذا هو الرأي الذي ساد أوساط المُسْتَشْرِقِينَ في القرن الماضي. ثم ذكر أنه سادت في أوساطهم في العصر الحديث نظرية تخالف هذه النظرية وتتفق في نتيجتها مع وجهات النظر الإسلامية، واكتفى المؤلف بذكرالنظرية الجديدة دُونَ أن يُعَقِّبَ على هذه أو تلك، وكفى الله المؤمنين القتال! ..

الجواب: إذا أمعنت النظر فيما قدمته في هذه الرسالة من حرص الصحابة على حفظ حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونقله وحرص التَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعِينَ فمن بعدهم، على نقل هذا الحديث وجمعه وتنقيته من شوائب التحريف والتزيد، وما قام به علماء السُنَّةِ من جهود جبارة في تتبع الكَذَّابِينَ والوَضَّاعِينَ، وفضح نواياهم ودخائلهم، وبيان ما زادوه في السُنَّةِ من أحاديث مكذوبة، حتى جمعت السُنَّة في كتب صحيحة، وأشبعها النُقَّاد بحثاً وتمحيصاً، ثم خرجوا من ذلك إلى الاعتراف بصحتها والتسليم بها، إذا أمعنت النظر في ذلك كله، أيقنت أنَّ هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ يخبطون في أودية الأوهام، ويتأثرون بأهوائهم وتعصبهم في الحُكْمِ على حقائق يعتبر العبث بها في نظر المُحَقِّقِ المنصف إسفافاً وتلاعباً بالعلم، وإخضاعاً لحقائق التاريخ إلى نظريات الهوى والعصبية. هده كلمة مجملة لا نريد بها رداً على هؤلاء، ولكنا نريد أنْ نلفت نظر القارىء المنصف إلى ما بين يديه من حقائق، حتى لا تغيب عنه حين نريد أنْ نُنَاقِشَ دعوى هؤلاء المُتَعَصِّبِينَ، وسنحرص فيما يلي على مناقشة هذه الدعوى مناقشة موجزة في بعضها اكتفاء بما سبق لنا بيانه تحقيقاً لما لم نتعرض له من قبل .. هل كان الحديت نتيجة لتطور المُسْلِمِينَ؟ يقول جولدتسيهر: «إنَّ القسم الأكبر من الحديث ليس إلاَّ نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للاسلام في القرنين الأول والثاني». ولا ندري كيف يجرؤ على مثل هذه الدعوى، مع أنَّ النقول الثابتة تُكَذِّبُهُ ومع أنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلاَّ وقد وضع الأسس الكاملة لبنيان الإسلام الشامخ، بما أنزل الله عليه في كتابه، وبما سَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من

سُنَنٍ وشرائع وقوانين شاملة وافية، حتى قال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبيل وفاته: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ , وَسُنَّتِي» وقال: «لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الحَنِيفِيَّةِ السَمْحَةِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا». ومن المعلوم أنَّ من أواخر ما نزل على النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كتاب الله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (¬1) وذلك يعني: كمال الإسلام وتمامه. فما توفي رسول الله إلاَّ وقد كان الإسلام ناضجاً تاماً لا طفلاً يافعاً كما يَدَّعِي هذا المستشرق، نعم لقد كان من آثار الفتوحات الإسلامية أنْ واجه المُتَشَرِّعِينَ المُسْلِمِينَ جزئيات وحوادث لم يَنُصُّ على بعضها في القرآن وَالسُنَّةِ، فأعملوا آراءهم فيها قياساً واستنباطاً حتى وضعوا لها الأحكام، وهم في ذلك لم يخرجوا عن دائرة الإسلام وتعاليمه، وحسبك أنْْ تعلم مدى نضوج الإسلام في عصره الأول، أنَّ عُمَرَ سيطر على مملكتي كسرى وقيصر وهما ما هما في الحضارة وَالمَدَنِيَّةِ، فاستطاع أنْ يسوس أمورهما، ويحكم شعوبهما، بأكمل وأعدل مِمَّا كان كسرى وقيصر يسوسان بها مملكتيهما، أترى لو كان الإسلام طفلاً، كيف كان يستطيع عُمَرُ أنْ ينهض بهذا العِبْءِ ويسوس ذلك الملك الواسع، ويجعل له من النظم ما جعله ينعم بالأمن والسعادة، ما لم ينعم بهما في عهد مَلِكَيْهِمَا السَّابِقَيْنِ؟ على أَنَّ الباحث المنصف يجد أنَّ المُسْلِمِينَ في مختلف بقاع الأرض التي وصلوا إليها كانوا يَتَعَبَّدُونَ عبادة واحدة، ويتعاملون بأحكام واحدة، ويقيمون أسس أسرهم وبيوتهم على أساس واحد. وهكذا كانوا مُتَّحِدِينَ في العبادات والمعاملات والعقيدة والعادات غالباً، ولا يمكن أنْ يكون ذلك لو لم يكن لهم قبل مغادرتهم جزيرة العرب نظام تام ناضج، وضع لهم أسس حياتهم في مختلف نواحيها، ولو كان الحديث أو القسم الأكبر منه نتيجةً للتطور الديني في القرنين الأولين للزم حتماً ألاَّ تَتَّحِدَ عبادة المسلم في شمال إفريقيا مع عبادة المسلم في جنوب الصين، إذ أنَّ البِيئَةَ في كل منهما مختلفة عن الأخرى تمام الاختلاف، فيكف اتَّحَدَا في العبادة والتشريع والآداب، وَبَيْنَهُمَا مِنَ البُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا؟ ¬

_ (¬1) [سورة المائدة، الآية: 3].

1 - موقف الأمويين من الدين:

أما قيام المذاهب بعد القرن الأول وَتَعَدُّدِهَا، فذلك بلا شك أثر للكتاب وَالسُنَّةِ، ولمدارس الصحابة في فهم كتاب اللهِ وَالسُنَّةِ، أما الكتاب فقد كان محفوظاً متواتراً بينهم، وأما السُنَّةُ فلا ترى قولاً لإمام من أئمة المذاهب في القرنين الثاني والثالث، إلاَّ وقد سبقه إليه صحابي أو تابعي، وذلك قبل أنْ يَتَطَوَّرَ الدِّينُ - كما زعم هذا المستشرق - تَطَوُّرًا بالغ الأثر، وفي هذا ما يقضي على الشُبْهَةِ من أساسها. أما ما استند إليه بعد ذلك على وجهة نظره فسنرى أنها كبناء قام على أساس من جُرْفٍ هَارٍ، وستنهار أمام نظرك واحدة بعد أخرى بفضل الله. 1 - مَوْقِفُ الأُمَوِيِّينَ مِنَ الدِّينِ: يقيم المستشرق جولدتسيهر أساس نظريته على مدى الخلاف الذي زعم أنه كان قائماً بين الأُمَوِيِّينَ (والعلماء الأتقياء)، وقد حرص على أنْ يُصَوِّرَ لنا الأُمَوِيِّينَ جماعة دُنْيَوِيِّينَ ليس لهم هَمٌّ إِلاَّ الفتح والاستعمار، وأنهم كانوا في حياتهم العادية جاهلين لا يمتون إلى تعاليم الإسلام وآدابه بِِصِِلَةٍ، وهذا افتراء على الواقع والتاريخ، ومن المُسَلَّمِ به أنَّ ما بين أيدينا من نصوص التاريخ التي تمثل لنا العصر الأموي، إنما وضعت في العصر العباسي وقد كان عصراً مُشْبَعاً بالعداوة لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَتَزَيَّدَ فيه الرُّوَاةُ الإخباريون ما شاؤوا، ولعبت الشائعات التي أثارها صنائع العباسيِّين عن الأُمَوِيِّينَ وخلفائهم دوراً خطيراً في التاريخ، إذ احتلت مكانتها في الكتب، وغدت حقائق في نظر كثير من الناس، وهي لا تعدو أنْ تكون أخباراً تناقلتها الأَلْسِنَّة دُونَ تحقيق، وهي من وضع صنائع العباسيِّين وغُلاَةُ الشِّيعَةِ والروافض، فلا يصح الاعتماد بدون تمحيص على كتب الأخبار والتاريخ فيما يتعلق بِالأُمَوِيِّينَ. هذا شيء، وشيء آخر أنه حتى في هذه الحالة فإنا نجد نصوصاً كثيرة تُكذِّبُ ما رَمَى به هذا المستشرق خلفاء بني أميَّة من انحراف عن الإسلام وَتَحَدٍّ لأحكامه، فابن سعد يروي لنا في " طبقاته " عن نُسُكِ عبد الملك وتقواه قبل الخلافة ما جعل الناس يُلَقِّبُونَهُ بحمامة المسجد، حتى لقد سئل ابن عمر: أرأيت إذا تفانى أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نسأل؟ فأجابهم: «سَلُوا هَذَا الفَتَى».

وأشار إلى عبد الملك، وسترى في بحث الزُّهْرِي أنَّ عبد الملك كان حريصاً على إرشاد العلماء وطلب العلم إلى تَتَبُّعِ السُنَنِ والآثار، حتى لقد كان للزُهري وهو يومئذ حَدَثٌ شَابٌّ: «اِئْتِ الأَنْصَارَ فَإِنَّكَ تَجِدُ عِنْدَهُمْ عِلْمًا كَثِيرًا»، ولما جاء الناس لمبايعته بالخلافة كان يتلو كتاب الله على مصباح ضئيل، وَقَلَّ مثل ذلك في الوليد بن عبد الملك، فلقد أنشأت في عهده أكثر المساجد المعروفة اليوم، حتى كان عصره للمسلمين عصراً عمرانياً، وَقُلْ مثل ذلك في بقية الخلفاء ما عدا يزيد بن معاوية، فلقد كان على ما يظهر مُنْحَرِفاً بعض الانحراف عن خُلُقِ الشريعة في مسلكه الشخصي، ومع ذلك فقد نحله صنائع العباسيِّين وَرُوَاةُ الشِّيعَة كثير من الحوادث التي لم تثبت لدى النقد، ومثل ذلك يقال في الوليد الذي افْتَرَوْا عليه أنه رمى كتاب الله وَمَزَّقَهُ، فَإِنَّ مثل هذه الأخبار لا يشك من يطالعها بروح الإنصاف أنها مدسوسة مكذوبة. والتاريخ ليذكر بكثير من الإعجاب فتوحات الأُمَوِيِّينَ، حتى إنَّ رُقْعَةَ الإسلام في العصر العباسي لم تزد كثيراً عما كانت عليه في العصر الأموي، والفضل في ذلك للأمويِّين حيث كان أبناء خلفائهم على رأس الجيوش الفاتحة الغازية في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر شريعته، فلماذا يعاديهم العلماء؟ ولماذا يَتَّهِمُونَ هؤلاء بأنهم لم يكونوا يفهمون الإسلام؟ ولم يكونوا على شيء من حبه والتفاني فيه؟ فما أقامه المستشرق من نظرية الوضع في الحديث، بناء على اشتداد العداء بين الأُمَوِيِّينَ والعلماء الأتقياء لا أساس له من الصِحَّةِ، نعم! لقد كان العِدَاءُ بينهم وبين زعماء الخوراج والعَلَوِيِّينَ قوياً مُسْتَحُكْمًا، ولكن هؤلاء هُمْ غير العلماء الذين نهضوا لجمع الحديث وتدوينه وروايته ونقده، كسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وَعُبَيْدَ اللهِ بن عبد الله بن عُتبة، وسالم مولى عبد الله بن عمر، ونافع مولى ابن عمر، وسُليمان بن يَسَار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، والإمام الزُّهْرِي، وعطاء، والشعبي، وعلقمة، والحسن البصري،، وأضرابهم من أئمة الحديث، فهؤلاء لم يصطدموا مع الأُمَوِيِّينَ في معارك، ولا أُثِرَ عنهم أنهم تَصَدَّوْا لخصومة الأُمَوِيِّينَ، اللهم إلاَّ ما كان من سعيد بن المسيب

2 - هل كان علماء المدينة وضاعين؟:

وجفائه لعبد الملك، فقد كان سبب ذلك معلوماً وهو ما أراده عبد الملك من أخذ البيعة لابنه الوليد، ثم لسليمان من بعده، فأبى سعيد وقال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ» فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فهذا هو سبب الجفاء، ولا نعلم قبل هذه الحادثة جفاء بين سعيد وخلفاء بَنِي أُمَيَّةَ، ووقع شيء من الجفاء بين الحَجَّاجِ وبعض علماء عصره، سببه اشتداد الحَجَّاجِ في مقاومة خصوم الدولة الأموية، لا إمعانه في الفسق والضلال، حتى يثور عليه العلماء الأتقياء. كيف وللحجَّاج فضل في إعجام حروف القرآن وشكل كلماته، وهذا يدل على مبلغ عنايته بكتاب الله وذلك لا يكون إلاَّ في نفس عميقة التدين. وَقُصَارَى القول: أنَّ هذا المستشرق إنْ عنى بالعلماء الذين وقعت الخصومة بينهم وبين الأُمَوِيِّينَ أنهم هم زُعَمَاءُ الخَوَارِجِ وَالعَلَوِيِّينَ، فَنَعَمْ. ولكن هذا لا علاقة له بالعلماء الذين دأبوا على نشر السُنَّةِ وحفظها وتنقيتها، وإنْ أراد بهم أمثال عطاء ونافع وسعيد والحسن والزُّهْرِي ومكحول وقتادة، فكَذِبٌ وافتراءٌ يَرُدُّهُ التاريخ ويأباه عليه كل الإباء. 2 - هَلْ كَانَ عُلَمَاءُ المَدِينَةِ وَضَّاعِينَ؟: والأغرب من هذا أنه يُصَوِّرُ لنا هذا العداء في كتابيه " دراسات إسلامية " و" العقيدة والشريعة في الإسلام " أنه كان بين الأُمَوِيِّينَ وعلماء المدينة، وأنَّ علماء المدينة هم الذين بَدَؤُوا بحركة الوضع ليقاوموا الأُمَوِيِّينَ، ولكن الكذوب يجب أن يكون ذكوراً، فإذا كان علماء المدينة فعلوا ذلك كما يزعم، فهل كانوا هُمْ كُلَّ علماء الإسلام في ذلك العصر؟ أَلَمْ يكن في مكة ودمشق والكوفة والبصرة ومصر وأمصار الإسلام الأخرى صحابة وعلماء أيضاًْ؟ لقد كان في مكة في ذلك العصر - عدا من تأخر وفاته من الصحابة - أمثال عطاء وطاوُوس ومُجاهد وعمرو بن دينار وابنُ جُريج وابن عُيَيْنة، وكان في البصرة أمثال الحسن وابن سيرين ومسلم بن يسار وأبو الشعثاء وأيوب السَّخْتَيَانِي وَمُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّيرِ، وكان في الكوفة أمثال علقمة والأسود وعمرو بن شرحبيل ومسروق بن الأجدع وعُبيدة السلماني وسويد بن غفلة وعبد الله بن عُتبة بن مسعود وعمرو بن ميمون وإبراهيم

النَّخَعِي وعامر الشعبي وسعيد بن جُبير والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. وكان في الشام أبو إدريس الخولاني وقُبيصة بن ذؤيب وسليمان بن حبيب وخالد بن معدان وعبد الرحمن بن غنم الأشعري وعبد الرحمن بن جُبير ومكحول. وكان في مصر يزيد بن أبي حبيب وبُكير بن عبد الله الأشج وعمرو بن الحارث (¬1) والليث بن سعد وعبيد الله بن أبي جعفر، وكان في اليمن مُطَرِّفٌ وغيره. هؤلاء أعلام الإسلام في العصر الأموي فهل شاركوا علماء المدينة في الوضع؟ وكيف تَمَّ ذلك؟ وأين هذا المؤتمر الذي ضَمَّهُمْ، حَتَّى اتَّخَذُوا فيه قرارالوضع؟ وإذا كانوا لم يشاركوا علماء المدينة في ذلك، فكيف سكتوا عنهم وكيف نقلوا حديثهم؟ وأين هو في التاريخ إنكارهم على هؤلاء العلماء. بل إنا لنجد على عكس ذلك أنَّ علماء الأمصار جميعاً يعترفون بأنَّ حديث الحجاز أصح حديث وأقواه، بل إنَّ عبد الملك يعترف لعلماء المدينة بِصِحَّةِ الحديث حين أشار على الزُّهْرِي أنْ يأتي إلى دُورِ الأنصار (*) فيتعلم منهم - كما سيأتي معنا في الحديث عن الزُّهْرِي - فكيف اعترفوا بذلك لو كانت المدينة دار ضرب الحديث وابتكاره ووضعه للناس؟ إنها دعوى متهافتة لا تثبت أمام النقد لحظات ولكن الهَوَى يُعْمِي. ومِمَّا يزيد في تهافت هذه الدعوى أنَّ هذا المستشرق يتخذ مِنْ عِدَاءِ ابن المسيب لعبد الملك ذريعة لرمي علماء المدينة كلهم بالكذب والوضع، ولكنه لا يذكر لنا دور سعيد في هذه الحركة، لقد كان من حقه أنْ يكون على رأسها، ولكنه لم يذكر له دوراً في هذه الحركة. فلماذا؟ هل هو يَتَّهِمُهُ في الحقيقة بالوضع كما اتَّهَمَ الزُّهْرِي. ولكنه لم يجرؤ على ذلك إذ لم يجد بين يديه ولو رواية مُفْتَعَلَةً يُؤَيِّدُ بها دعواه كما فعل مع الزُّهْرِي؟ أم أنه يُبَرِّئُهُ من تهمة الوضع؟ فكيف كان ذلك وهو على رأس العلماء الأتقياء الذين انحرفوا عن بني أميَّة واضطروا إلى القيام بتلك الحركة كما زعم؟ هكذا يتهافت الكذوب ويضطرب في دعواه .. ¬

_ (¬1) انظر: " إعلام الموقعين ": 1/ 17 وما بعدها. (*) [قارن بصفحتي 198 و218 من هذ الكتاب].

3 - هل استجاز علماؤنا الكذب دفاعا عن الدين؟:

لقد تتبع عُلَمَاؤُنا الوَضَّاعِينَ في الحديث، وَرَمَوْهُمْ بالزندقة وَالفُسُوقِ، فلم يعجب المستشرق هذا الوصف، بل أطلق عليهم لقب «العلماء الأتقياء» ثم زاد على ذلك أنَّ مَقَرَّهُمْ كان في المدينة، وما كان في المدينة حقاً إلاَّ كل عالم وتقي، ولكن بالمعنى الذي يفهمه المُسْلِمُونَ: من العلم والتقوى، وهو الاجتهاد في دين الله والصدق في شريعته، ومحاربة الكَذَّابِينَ وَالوَضَّاعِينَ، لا بالمعنى الذي يفهمه هذا المستشرق: وهو الدَسُّ في حديث رسول الله والافتراء عليه دِفَاعاً عن دينه. 3 - هَلْ اسْتَجَازَ عُلَمَاؤُنَا الكَذِبَ دِفَاعًا عَنْ الدِّينِ؟: ثم يقول هذا المستشرق اليَهُودِي: «ونظراً لأنَّ ما وقع في أيديهم - أي العلماء - من ذلك لم يكن ليسعفهم في تحقيق أغراضهم، أخذوا يخترعون من عندهم أحاديث رأوها مرغوباً فيها ولا تنافي الروح الإسلامية، وَبَرَّرُوا ذلك أمام ضمائرهم بأنهم إنما يفعلون هذا في سبيل محاربة الطغيان والإلحاد وَالبُعْدِ عن سُنَنِ الدين». هكذا يُبَرِّرُ جولدتسيهر وضع علمائنا للحديث .. وهو قول من لم يصل ولن يصل إلى مدى السُمُوِّ الذِي يَتَّصِفُ به علماؤنا الأثبات، ولا المَدَى الذي وصلوا إليه في الترفع عن الكذب حتى في حياتهم العادية، ولا مبلغ الخوف الذي استقر في نفوسهم بجنب الله خِشْيَةً وَرَهْبَةً، ولا مَدَى استنكارهم لجريمة الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى قال منهم من قال بكفر من يفعل ذلك وقتله وعدم قبول توبته، إنَّ هذا المستشرق معذور إذا لم يفهم عن علمائنا هذه الخصائص، لأنه لا يجد لها ظلاً في نفسه ولا فيما حوله، ومن اعتاد الكذب ظَنَّ في الناس أنهم أكذب منه، وَاللِّصُّ يظن جميع الناس لُصُوصًا مثله ... وإلاَّ فمن الذي يقول: إنَّ مثل سعيد بن المسيب الذي تَعَرَّضَ للضرب والإهانة والتنكيل، حتى لا يبايع بيعتين في وقت واحد فيخالف بذلك سُنَّةََ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستبيح بعد ذلك لنفسه أنْ يكذب ليدافع عن سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ومن الذي يرضى لنفسه أنْ يَتَّهِمَ قوماً جاهروا بالإنكار على بعض وُلاَّتِهِمْ لأنهم خالفوا بعض أحكام السُنَّةِ، بأنهم استجازوا لأنفسهم بعد ذلك أنْ يضيفوا إلى السُنَّةِ أحكاماً لَمْ يَقُلْهَا

4 - كيف بدأ الكذب في الحديث؟:

رَسُولُ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أيها الناس أليست لكم عقول تحكمون بها؟ أم أنتم تتكلَّمون لقوم لا عقول لهم؟ 4 - كَيْفَ بَدَأَ الكَذِبُ فِي الحَدِيثِ؟: ثم قال بعد ذلك: «ونظراً لأنهم كانوا - أي العلماء الأتقياء - يؤملون في أعداء البيت الأموي وهم العَلَوِيُّونَ، فقد كان محيط اختراعهم من أول الأمر مُوَجَّهًا إلى مدح أهل البيت، فيكون هذا سبيلاً غير مباشر في ثلب الأُمَوِيِّينَ، ومهاجمتهم! وهكذا سار الحديث في القرن الأول سيرة المعارضة الساكنة بشكل مؤلم ضد هؤلاء المخالفين لِلَسُنَنِ الفقهية والقانونية!». وهكذا انقلب الأمر من رغبة في وضع الحديث دفاعاً عن الدين، إلى وضع للحديث هجوماً على الأُمَوِيِّينَ .. وهكذا يزعم هذا المستشرق أنَّ علماءنا الأتقياء هم الذين وضعوا الأحاديث في مدح أهل البيت، وَغَيْرَ خَافٍ عَلَى المُشْتَغِلِينَ بِعُلُومِ السُنَّةِ، أنَّ الله مدح بعض الصحابة في الكتاب الكريم، وَ" أَنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَدَحَ عَلِيًّا، كَمَا مَدَحَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأَمْثَالَهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ "، فهنالك بلا شك قسط من الحديث صحيح في مدح كبار بعض الصحابة ومنهم آل البيت، ولكن الشِّيعَةَ تَزَيَّدُوا في ذلك، وَبَدَأُوا في وضع الأحاديث في فضائل آل البيت نِكَايَةً بالأُمَوِيِّينَ وأشياعهم، فقاوموا عُلَمَاءَ السُنَّةِ، وَبَيَّنُوا ما وضعوه في هذا السبيل من أحاديث كاذبة، فليس الذي وضع الأحاديث إذاً في أهل البيت هُمْ العلماء الأتقياء من أهل المدينة بل إنَّ هؤلاء العلماء الأتقياء هم الذين قاوموا الوضع، ووقفوا دُونَ هذه الحركة، حتى ليقول ابن سيرين - كما نقلنا ذلك من قبل -: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ. فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُنّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنظَرُ إِلَى أَهْلِ البِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ». وإذا أراد «جولدتسيهر» أنْ يعرف مَنْ هُمْ أهل البدع في نظر أَهْلِ السُنَّةِ، فليرجع إلى المصادر العربية التي نقل منها وَحَرَّفَ فِيهَا، ليعلم أنهم هم الشِّيعَةُ وَالخَوَارِجُ ومن سار على طريق هؤلاء .. فكيف يقاوم علماؤنا الطوائف التي

5 - هل تدخلت الدولة الأموية في وضع الأحاديث؟:

تَزَيَّدَتْ ووضعت الأحاديث في فضل أهل البيت، ثم يفعلون هم مثل ذلك الفعل فيضعون الأحاديث لهذا الغرض نفسه؟ ولقد كان الأَوْلَى، إذا كانوا على استعداد لوضع الأحاديث في ذلك ألاَّ يقاوموا حركة الشِّيعَةِ، وأنْ يسيروا معهم في طريق واحد، فلماذا لم يفعلوا؟ ومن الغريب أنهم في الوقت الذي يعترف فيه عالم شِيعِيٌّ كابن أبي الحديد، بِأَنَّ الشِّيعَةَ هم أول من كذبوا في الحديث وزادوا في فضائل أهل البيت (¬1)، يأتي جولدتسيهر فيلصق بِأَهْلِ السُنَّةِ أو (العلماء الأتقياء من علماء المدينة على رأيه) بأنهم هم أول من فعل ذلك، أليس هذا إمعاناً في تحريف حقائق التاريخ إلى حَدٍّ لا يصل إليه إلاَّ باغ أثيم؟. 5 - هَلْ تَدَخَّلتْ الدَّوْلَةُ الأُمَوِيَّةُ فِي وَضْعِ الأَحَادِيثِ؟: ثم قال: «ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، فإنَّ الحكومة نفسها لم تقف ساكنة إزاء ذلك، فإذا أرادت أَنْ تُعَمِّمَ رَأْياً، أو تمسك هؤلاء الأتقياء، تَذَرَّعَتْ أيضاًً بالحديث المُوَافِقِ لِوِجْهَاتِ نظرها، فكانت تعمل ما يعمله خصومها، فتضع الحديث أو تدعو إلى وضعه». وهذه دعوى جديدة لا وجود لها إلاَّ في خيال كاتبها، فما روى لنا التاريخ أنَّ (الحكومة الأموية) وضعت الأحاديث لِتُعَمِّمَ بها رأياً من آرائها، ونحن نسأله أين هي تلك الأحاديث التي وضعتها الحكومة؟ إنَّ علماءنا اعتادوا ألاَّ ينقلوا حَدِيثًا إلاَّ بسنده، وها هي أسانيد الأحاديث الصحيحة محفوظة في كُتُبِ السُنَّة، ولا نجد في حديث واحد من آلاَفِهَا الكثيرة، في سَنَدِهِ عبد الملك أو يزيد أو الوليد أو أحد عُمَّالِهِمْ كَالحَجَّاجِ وخالد بن عبد الله القسري وأمثالهم، فأين ضاع ذلك في زوايا التاريخ لو كان له وجود؟ وإذا كانت الحكومة الأُمَوِيَّةُ لم تضع، بل دعت إلى الوضع، فما الدليل على ذلك؟. 6 - أَسْبَابُ الاِخْتِلاَفِ فِي الحَدِيثِ: يقول جولدتسيهر: «إنه لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلاَّ وَلَهَا اعتماد على جُمْلَةٍ من الأحاديث ذات الإسناد القوي»! ¬

_ (¬1) [انظر في قول ابن أبي الحديد، صفحتي 76 و254].

7 - هل تدخل معاوية في الوضع؟:

أهذا هو الدليل على أنَّ الحكومة الأموية هي التي دعت إلى الوضع؟ لماذا لا يكون وضع هذه الأحاديث في المسائل الخلافية من وضع المذاهب المخلتفة نفسها؟ ولماذا لا يكون لهذه الأحاديث المختلفة سَبَبٌ إلاَّ الوضع، لقد ذكر العلماء وجوهاً كثيرة لأسباب اختلاف الحديث: منها تَعَدُّدُ وقوع الفعل الذي حكاه الصحابي مَرَّتَيْنِ فِي ظَرْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فيحكي هذا ما شاهده في ذلك الظرف، ويحكي الثاني ما شاهده في ظرف آخر كَحَدِيثََيْ (الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَكَرِ) و (هَلْ هُوَ إِلاَّ بِضْعَةٌ مِنْكَ؟). ومنها أنْ يفعل النَّبِيُّ الفعل على وجهين إشارة إلى الجواز، فيروي صحابي ما شاهده في الحالة الأولى، ويروي الثاني ما شاهده في الحالة الثانية، كـ «أَحَادِيثِ صَلاَةِ الوِتْرِ أَنَّهَا سَبْعٌ أَوْ تِسْعٌ أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ». ومنها اختلافهم في حكاية حال شاهدوها من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل اختلافهم في حَجَّة الرَسُولِ، هل كان فيها قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، وكل ذلك حالات يجوز أنْ يفهمها الصحابة من النَّبِيِّ، لأن في القِرَانِ أَوْ التَمَتُّعِ أَوْ الإفراد مِمَّا لا يَطَّلِعُ عليه الناس. ومنها اختلاف الصحابة في فَهْمِ المُرَادِ من حديث النَّبِيِّ، فهذا يفهم الوجوب، وذلك يفهم الاستحباب. ومنها أنْ يسمع الصحابي حُكْمًا جديدًا ناسخًا للأول، ولا يكون الثاني قد سمعه، فيظل يروي الحُكْمَ الأول على ما سمع. وَقُصَارَى القول أنَّ علماءنا بَيَّنُوا أسباب اختلاف الحديث، فما كان مرجعه إلى الوضع بَيَّنُوهُ، وما كان مرجعه إلى غير ذلك بَيَّنُوهُ أيضًا، وَقَدْ صَنَّفُوا فِيهِ كُتُبًا قَيِّمَةً من أشهر من ألَّفَ فيه الإمام الشافعي، وابن قُتيبة، والطحاوي وغيرهم، فَالزَّعْمُ بأنَّ ذلك دليل على وضع الأحاديث المخلتفة كُلُّهَا زَعْمٌ بَاطِلٌ، وأشد منه بُطْلاَناً أنْ يَتَّخِذّ ذلك دليلاً على تَدَخُّلِ الحكومة الأمويَّة في الوضع ودعوتها إليه. 7 - هَلْ تَدَخَّلَ مُعَاوِيَةُ فِي الوَضْعِ؟: ولا ينسى جولدتسيهر أنْ يأتي لنا بدليل آخر، فيروي عن معاوية أنه قال

8 - هل استغل الأمويون الزهري لوضع الأحاديث؟:

للمُغيرة بن شُعبة: (*) «ولا تهمل أنْ تَسُبَّ عَلِيّاً، وأنْ تطلب الرحمة لعثمان، وَأنْ تَسُبَّ أصحاب عَلِيٍّ، وَتَضْطَهِدَ من أحاديثهم، وعلى الضد مِنْ هذا أنْ تمدح عثمان وأهله وأنْ تُقََرِّبَهُمْ وتسمع إليهم». ثم يقول جولدتسيهر: «على هذا الأساس قامت أحاديث الأُمَوِيِّينَ على عَلِيٍّ». انظر إلى هذا الدليل! معاوية يقول لأحد أتباعه أو أمرائه: اضطهد أصحاب عَلِيٍّ وقرِّبْ إليك أصحاب عثمان، فأي شيء في هذا يدل على وضع الأحاديث؟ أليس هذا ما يقع دائماً في كل حكومة مع أنصارها وَخُصُومِهَا في الرأي؟ فما علاقة ذلك بوضع الحديث؟ وأين تجد معاوية يقول للمُغيرة: لا تهمل في أنْ تضع الأحاديث على عَلِيٍّ، وأنْ تضع الأحاديث في عثمان؟ لو قال ذلك معاوية لكان دليلاً على ما يزعم، ولكن أين قال ذلك؟ وكيف نعلم ذلك من النص الذي نقله؟. أما قول معاوية: «وَأنْ تَسُبَّ أصحاب عَلِيٍّ وَتَضْطَهِدَ من أحاديثهم» واستدلال المستشرق على أنَّ بعض الحديث قد اضطهد فَهَا هُنَا مجال العِبْرَةِ لمن يحسن الظن بعلم المُسْتَشْرِقِينَ وأمانتهم، إنَّ أصل العبارة كما رواها الطبري (¬1): «لاَ تَحْجِمْ عَنْ شَتْمِ عَلَيٍّ وَذُرِّيَّتَهُ، وَالتَّرَحُّمَ عَلَىَ عُثْمَانَ وَالاسْتِغْفَارِ لَهُ، وَالعَيْبَ عَلَىَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَالإِقْصَاءِ لَهُمْ، وَتَرْكُ الاسْتِمَاعِ مِنْهُمْ، وَإِطْرَاءُ شِيعَةِ عُثْمَانَ، وَالإِدْنَاءِ إِلَيْهِمْ وَالاسْتِمَاعِ مِنْهُمْ» فانظر كيف حَرَّفَ هذا المستشرق لفظ «والإِقْصَاءَ لَهُمْ» بلفظ «وَتَضْطَهِدَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ» فإن كلمة أحاديثهم لا وجود لها في أصل النص، أفرأيت كيف تكون أمانة العلماء؟ ولو فرضنا أنها واردة فلا معنى لأحاديثهم هنا إلاَّ كلامهم ومحاورتهم في مجالسهم، لا الأحاديث بمعنى الأقوال المنسوبة إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. هذه هي أدلته التي يَبْنِي عليها حُكْمًا خطيراً بأسلوب قاطع، بأنَّ الحكومة الأموية وضعت الأحاديث وَدَعَتْ إلى وضعها. 8 - هَلْ اِسْتَغَلَّ الأُمَوِيُّونَ الزُّهْرِيَّ لِوَضْعِ الأَحَادِيثَ؟: ثم يقول بعد ذلك: «ولم يكن الأُمَوِيُّونَ وأتباعهم لِيَهُمَّهُمْ الكَذِبَ في الحديث ¬

_ (*) [قارن بالصفحة 191 من هذا الكتاب]. (¬1) 6/ 41.

الإمام الزهري ومكانته في التاريخ:

المُوَافِقُ لِوِجْهَاتِ نظرهم، فالمسألة كانت في إيجاد هؤلاء الذين تنسب إليهم، وقد استغل هؤلاء الأُمَوِيُّونَ أمثال الإمام الزُّهْرِيِّ بدهائهم في سبيل وضع الأحاديث ... إلخ». وهنا نجد من حقنا وواجبنا أنْ نزيح الستار عن مؤامرة هذا اليهودي المستشرق على أكبر إمام مِنْ أَئِمَّةِ السُنَّةِ في عصره، بل على أول مَنْ دَوَّنَ السُنَّةَ من التَّابِعِينَ، لنرى ما فيها من خُبْثٍ وَلُؤْمٍ وَدَسٍّ وَتَحْرِيفٍ، وإنها لَخِطَّةٌ مُبَيَّتَةٍ من هذا المستشرق أنْ يهاجم أركان السُنَّةِ واحداً بعد آخر، فلقد هاجم أكبر صحابي روى الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وسترى كيف ناقشنا هذه الاتِّهَامَاتِ التي أوردها الأستاذ أحمد أمين في " فجر الإسلام "، وتابع فيها المستشرقَ احتساباً لغير وجه الله تعالى، حتى إذا فرغ من تهديم أبي هريرة على زعمه، جاء هنا ليهدم ركن السُنَّةِ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ، حتى إذا تَمَّ له انهارت السُنَّةُ بعد أنْ وَجَّهَ إليها المعاول من ناحيتين، ناحية رُوَّاتِهَا وَأَئِمَّتِهَا، وناحية الشك بها جملة، كما ترى صنيعه هنا، ولكن الله غالب على أمره، وَلاَ بُدَّ للحق من هزيمة الباطل مهما أوى الباطل إلى ظل ظليل وَرُكْنٍ مَتِينٍ. الإِمَامُ الزُّهْرِيُّ وَمَكَانَتُهُ فِي التَّارِيخِ: (¬1) وقبل أنْ أبدأ بِدَرْءِ الاِتِّهَامَاتِ التِي وَجَّهَهَا هذا المستشرق إلى الإمام الزُّهْرِي أفعل كما فعلتُ في موقف أبي هريرة إذ أعرض صفحته التي عرف بها في تاريخنا. وآراء علمائنا فيه، ومكانته الحقيقية في التاريخ، لتكون عند المقايسة فَيْصَلاً حَاسِماً فيما يسوقه هذا المستشرق إليه مِنْ تُهَمٍ وَافْتِرَاءَاتٍ. اسْمُهُ وَوِلاَدَتُهُ وَتَارِيخُ حَيَاتِهِ: هو أبو بكر محمد بن مُسْلِمٍ بن عُبيد الله بن عبد الله بن شِهَابٍ بن عبد الله ¬

_ (¬1) أخذنا تاريخ الزُّهْرِيَّ من مصادر مختلفة أكثرها مخطوط في خزائن الكتب العامة من أشهرها: " تاريخ ابن عساكر " و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم، و" تاريخ الإسلام " للذهبي، و" طبقات المُحَدِّثِين " للسيوطي، هذا عدا عن " تذكرة الحفاظ " للذهبي، و" التهذيب " لابن حجر، و" تهذيب الأسماء واللغات " للنووي وغيرها.

أبرز أخلاقه وصفاته:

ابن الحارث بن زُهْرَةَ القُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ، ولد سَنَةَ إحدى وخمسين على الأرجح، كان أبوه مسلم بن عبيد الله مِمَّنْ اشترك مع عبد الله بن الزبير في حروبه ضد الأُمَوِيِّينَ، ولما توفي أبوه ترك الزُّهْرِيَّ شاباً حدثاً لا مال له ولا متاع، فنشأ يتيماً فقيراً لا مُرَبِّي له يُعْنَى بشأنه غير أخ أكبر منه لم يرو التاريخ عنه شيئاً يذكر. توجهت عنايته قبل كل شيء إلى حفظ القرآن، فَأَتَمَّهُ في ثمانين ليلة كما يقول ابن أخيه محمد بن عبد الله بن مسلم، ثم أخذ يَتَرَدَّدُ على عبد الله بن ثعلبة يتعلم منه أنساب قومه، ثم رأى بعد ذلك أنْ يتحول إلى معرفة الحلال والحرام ورواية الحديث، فطاف على من استطاع لقاءه من الصحابة، وهم عشرة: منهم أنس وابن عمر وجابر وسهل بن سعد، على خلاف في بعضهم ثم جلس إلى كبار التَّابِعِينَ في عصره، كسعيد بن المسيب، وعُروة بن الزبير، وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وأكثر من صحب من هؤلاء هو الإمام الجليل سعيد بن المسيب، جلس إليه ثماني سنين متواصلة، وكان كثير الترداد على الشام، وفد إليها لأول مَرَّةٍ في زمن مروان وهو محتلم، ثم اتصل بعبد الملك بعد مقتل عبد الله بن الزبير، واتصل بالخلفاء من بعده: الوليد وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد الثاني وهشام بن عبد الملك، وكان يتردد إلى العراق ومصر، حتى وافته المَنِيَّةُ بضيعته في (أدامي) آخر عمل الحجاز، وأول عمل فلسطين، سَنَةَ أربع وعشرين ومائة على الأرجح، وعمره اثنان وسبعون سَنَةً، وأوصى أنْ يدفن على قارعة الطريق حتى يَمُرَّ به مَارٌّ فيدعو له - رَحِمَهُ اللهُ ورَضِيَ عَنْهُ -. أَبْرَزُ أَخْلاَقِهِ وَصَفَاتِهِ: كان قصيراً قليل اللحية، خفيف العارضين، يصبغ رأسه ولحيته بِالحِنَّاءِ، أُعيمش، فصيح اللسان، وكان يقال: «فُصَحَاءُ أَهْلُ زَمَانِهِمْ ثَلاَثَةٌ: الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرَ بِنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ» ومن أشهر أخلاقه الكرم والسخاء فقد كان في ذلك آيةً عجباً، قال الليث بن سعد: «كَانَ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ أَسْخَى مَنْ رَأَيْتُ، يُعْطِي كُلَّ مَنْ جَاءَ يَسْأَلُهُ، حَتَّىَ إِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَسْتَلِفُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُعْطُونَهُ، حَتَّىَ إِذَا لَمْ يَبْقَ مَعَهُ شَيْءٌ اسْتَلَفَ مِنْ عَبِيدِهِ، وَرُبَّمَا جَاءَهُ السَّائِلُ فَلاَ يَجِدُ مَا يُعْطِيهِ فَيَتَغَيَّرُ عِنْدََ

ذَلِكَ وَجْهُهُ وَيَقُولُ لَهُ: أَبْشِرْ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِخَيْرٍ، فَيُقَيِّضُ اللهُ لابْنِ شِهَابٍ عَلَىَ قَدْرِ صَبْرِهِ وَاحْتِمَالِهِ، إِمَّا رَجُلاً يُهْدِي لَهُمْ مَا يَسَعُهُمْ وَإِمَّا رَجُلاً يَبِيعَهُ ويُنظِرُهُ». وكان يمد للناس على الطريق موائد الثريد والعسل، نزل مَرَّةً بماء من المياه فشكا إليه أهل الماء أَنَّ لهم ثمانية عشر عجوزاً ليس لهن خادم ولم يكن معه شيء، فاستلف ثمانية عشر ألفاً، وأخدم كل واحدة منهن جارية، وكان إذا أبى أحد من أصحاب الحديث أنْ يأكل معه طعامه حَلَفَ ألاََّّ يُحَدِّثَهُ عشرة أيام، وله رحلات تعليمية إلى الأعراب يُعَلِّمُهُمْ وَيُفَقِّهُهُمْ، فإذا كان في الشتاء أطعمهم عسلاً وزبداً وإذا كان الصيف أطعمهم عسلاً وسمناً، وبمثل هذا الكرم العجيب كانت تركبه الديون مَرَّةً بعد مَرَّةٍ، فيقضيها عنه خلفاء بني أميَّة تارة، وأصدقاؤه تارة أخرى. ومن أبرز صفاته التي مَكَّنَتْ له في العلم وأكسبته شُهْرَةً فِي الآفَاقِ وَتَفَوُّقًا على الأقران اثنتان: الأولى: عَنَاؤُهُ في طلب العلم، فقد كان شديد الحرص على لُقْيَا العلماء، وتدوين ما يسمع منهم، يسهر الليالي الطويلة على ما سمع، يحفظه وَيُتْقِنُهُ، وإليك ما يُحَدِّثُنَا به أقرانه في الطلب: قال ابو الزناد: «كُنَّا نَكْتُبُ الحَلاَلَ وَالحَرامَ، وَكَانَ ابنُ شِهَابٍ يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ، فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَعْلَمَ النَّاسِ». وقال إبراهيم بن سعد: «قُلْتُ لأَبِي: بِمَ فَاتَكُمْ ابْنِ شِهَابٍ؟ قَالَ: كَانَ يَأْتِي المَجَالِسِ مِنْ صُدُورِهَا، وَلاَ يَلْقَى فِي المَجْلِسِ كَهْلاً وَلاَ شَابًّا إِلاَّ سَأَلَهُ، حَتَّى يُجَادِلَ رَبَّاتَ الحِجَالِ». وبلغ من حرص الزُّهْرِيِّ على العلم أنه كان يخدم عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ليأخذ عنه، حتى كان يستقي له الماء ثم يقف بالباب، فيقول عُبَيْدُ اللهِ لجاريته: «مَنْ بِالبَابِ؟»، فتقول له: «غُلاَمَكَ الأَعْمَشُ» (تعني الزُّهْرِي وكان به عمش) وهي تظنه غلامه لكثرة ما ترى من خدمته له ووقوفه ببابه، ويحدثون عنه أنه كان إذا خلا في بيته وضع كتبه واشتغل بها عن كل أمر من أمور الدنيا إلى أنََََََْ

ضاقت به امرأته ذرعاً، فقالت له ذات ليلة: «وَاللَّهِ لَهَذِهِ الْكُتُبُ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ ثَلاَثَ ضَرَائِرَ»، وكان من عادته أنه إذا سمع من بعض الشيوخ وعاد إلى بيته أيقظ جاريته وقال لها: «اسْمَعِي حَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا، وَحَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا»، فَتَقُولُ لَهُ: «مَا لِي وَلِهَذَا الحَدِيثِ؟» فَيَقُولُ لَهَا: «قَدْ عَلِمتُ أَنَّكِ لاَ تَنْتَفِعِينَ بِهِ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ الآنَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْتَذكِرَهُ». الثانية: حِفْظُهُ وَقُوَّةِ ذَاكِرَتِهِ، فقد كان آية عجباً في ذلك، وَقَدْ سَمِعْتَ ابن أخيه من قبل، يُحَدِّثُ عنه أنه حفظ القرآن في ثمانين ليلة، ويروي الليث عن الزُّهْرِي أنه قال: «مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبَي عِلْمًا فَنَسِيتُهُ»، وروى عنه عبد الرحمن بن إسحاق: «مَا اسْتَعَدْتُ حَدِيثًا قَطُّ، وَمَا شَكَكْتُ فِي حَدِيثٍ إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِداً، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي، فَإِذَا هُوَ كَمَا حَفِظْتُ». ومن نوادره في الحفظ ما أخرجه مُؤَرِّخ الشَّامِ ابن عساكر في " تاريخه " بسنده إلى عبد العزيز بن عمران: أَنَّ عَبْدَ المَلِكَ كَتَبَ إِلَى أَهَل المَدِينَةِ يُعَاتِبُهُمْ فَوَصَلَ كِتَابُهُمْ فِي طُومَارَيْنِ (صَحِيفَتَيْنِ) فَقُرِئَ الكِتَابُ عَلَى النَّاسِ عَنْدَ المِنْبَرِ، فَلَمَا فَرَغُوا وَافْتَرَقَ النَّاسُ اجْتَمَعَ إِلَى سَعِيدٍ بْنِ المُسَيِّبِ جُلَسَاؤُهُ، فَقَالََ لَهُمْ سَعِيدٌ: «مَا كَانَ فِي كِتَابِهِ؟ لَيْت أَنَّا وَجَدْنَا مَنْ يَعْرِفُ لَنَا مَا فِيهِ؟» فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْ جُلَسَائِهِ يَقُولُ: فِيهِ كَذَا، وَيَقُولُ الآخَرُ: فِيهِ كَذَا، قَالَ: فَكَأَنَّ سَعِيداً لَمْ يَشْتَفِ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ بِخَبَرِهِمْ، فَبَانَ ذَلِكَ لابْنِ شِهَابٍ فَقَالَ: «أَتُحِبُّ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أََنْ تَسْمَعَ كُلَّ مَا فِيهِ؟»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأَهُ حَتَّى جَاءَ عَلَيْهِ كُلَّهُ كَأَنَّمَا كَانَ يَقْرَؤُهُ مِنْ كِتَابٍ بِيَدِهِ. ولقد بلغ الزُّهْرِيُّ في الحفظ أنْ أراد هشام بن عبد الملك أنْ يمتحنه بنفسه، فسأله أنْ يُمْلِي على بعض ولده، فدعا بكاتب فأملى عليه أربعمائة حديث، ثم إنَّ هشاماً قال له بعد شهر أو نحوه: «يَا أَبَا بَكْرٍ إنَّ ذَلِكَ الكِتَابَ ضَاعَ»، فدعا بكاتب فأملاها عليه، ثم قابله هشام بالكتاب الأول فما غادر حرفاً. ومما يطرف ذكره هنا ما يَرْوُونَهُ عن الزُّهْرِي، أنه كان يشرب العسل كثيراً ويقول: «إِنَّهُ يُذَكِّرُ»، ويكره أكل التفاح الحامض والخل ويقول: «إِنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يُنْسِي»، وَيَرْوُونَ عنه أنه قال: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْفَظَ الحَدِيثَ، فَلْيَأْكُلِ الزَّبِيبَ ... »

اشتهاره بالعلم وإقبال الناس عليه:

اِشْتِهَارُهُ بِالعِلْمِ وَإِقْبَالُ النَّاسِ عَلَيْهِ: لم يكن غريباً بعد أنْ عانى الزُّهْرِي في صباه ما عانى من السَهَرِ والسفر وخدمته لشيوخه، وبعد أنْ عرف الناس قوة حفظه، وَشِدَّةَ إتقانه وأمانته وصدقه في العلم أنْ ينتشر صِيتُهُ في الآفاق، وَيُقْبِلَ عليه الناس من كل فَجٍّ يكتبون حديثه. وقال الإمام مالك: «كَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا دَخَلَ المَدِينَةَ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا، وَأَدْرَكْتُ مَشَايِخَ أَبْنَاءَ سَبْعِينَ وَثَمَانِينَ لاَ يُؤَخَذُ مِنْهُمْ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ شِهَابٍ وَهُوَ دُونَهُمْ فِي السِنِّ فَيُزْدَحَمُ عَلَيْهِ». ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ بِسَعَةِ العِلْمِ: أخرج الذهبي في " تذكرته "، والحافظ ابن عساكر في " تاريخه "، أنَّ الليث بن سعد قال: «مَا رَأَيْتُ عَالِمًا قَطُّ أَجَمْعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، يُحَدِّثُ فِي التَّرْغِيبِ، فَتَقُولُ: لاَ يُحسِنُ إلاَّ هَذَا، وَإِنْ حَدَّثَ عَنِ القُرْآنِ وَالسُنَّةُ كَانَ حَدِيثُهُ جَامِعًا». وَرَوَى الإِمَامُ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ قَدِمَ المَدِينَةِ، فَأَخَذَ بَيَدِ رَبِيعَةَ وَدَخَلاَ إِلَى بَيْتِ الدِّيوَانِ، فَلَمَا قَرُبَ وَقْتُ العَصْرِ خَرَجَ ابْنُ شِهَابٍ وَهُوَ يَقُولُ: «مَا ظَنَنْتُ بالمَدِينَة مِثْلَ رَبِيعَةَ، وخَرَجَ رَبِيعَةُ يَقُولُ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً بَلَغَ مِنَ العِلْمِ مَا بَلَغَ ابْنُ شِهَابٍ». وقال عَمَرٍو بَن دِينَارٍ بَعْدَ أَنْ اجْتَمَعَ بِالزُّهْرِيِّ طَوِيلاً: «وَاللَّهِ مِثْلَ هَذَا القُرَشِيِّ مَا رَأَيْتُ قَطُّ». مَكَانَتُهُ فِي السُنَّةِ: أخرج ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، والحافظ ابن عساكر وغيرهما، أن عمر بن عبد العزيز قال لجلسائه يَوْماًً: «هَلْ تَأْتُونَ ابْنَ شِهَابٍ؟» قَالُوا: إِنَّا لَنَفْعَلُ، قَالَ: «فَأْتُوهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَم بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنْهُ»، قَالَ مَعْمَرُ: «وَإِنَّ الحَسَنَ وَضُرَبَاءَهُ لأَحْيَاءٌ يَوْمَئِذٍ». قال علي بن المديني: «دَارَ عِلْمُ الثِّقَاتِ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَعَمْرِوُ بْنِ دِيْنَارٍ بِالحِجَازِ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَىَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِالبَصْرَةِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ وَالأَعْمَشِ فِي الكُوفَةِ - يَعْنِي أَنََّ غَالِبَ الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ لاَ تَخْرُجُ عَنْ هَؤُلاءِ السِتَّةِ». وقال عمرو بن دينار: «مَا رَأَيْتُ أَنَصَّ وَأَبْصَرَ بِالحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ».

آثاره في علم السنة:

وقال أيوب لسفيان بن عُيينة: «مَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْزُّهْرِيِّ أَعْلَمُ بِعِلْمِ أَهْلَ الحِجَازِ مِنْ يَحْيَىَ بْنُ بُكَيْرٍ». فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: «لَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِالسُنَّةِ مِنْ الزُّهْرِيِّ». وَقَالَ مَكْحُولٌ: «مَا بَقِيَ عَلَىَ ظَهْرِهَا أَعْلَمُ بِسُنَّةِ مَاضِيَةٍ مِنْ الزُّهْرِيِّ». وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: «مَا بَقِيَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ العِلْمِ مَا بَقِيَ عِنْدَ ابْنِ شِهَابٍ». وهكذا تتضافر نصوص العلماء على أنه كان أعلم الناس بِالسُنَّةِ في عصره، ولعل ذلك راجع إلى ما ذكره الزُّهْرِيُّ نفسه فيما رواه ابن عساكر: «مَكَثْتُ خَمْسًا وَثَلاَثِينَ أَوْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ سَنَةً أَنْقُلُ أَحَادِيثَ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى الحِجَازِ، وَأَحَادِيثَ أَهْلِ الحِجَازِ إِلَى الشَّامِ، فَمَا أَجِدُ أَحَدًا يُطْرِفُنِي بِحَدِيثٍ لَمْ أَسْمَعْهُ». آثَارُهُ فِي عِلْمِ السُنَّةِ: لِلْزُّهْرِيِّ في تاريخ السُنَّةِ مآثر جلى أهمها ثلاثة: الأولى - تدوينه السُنَّةَ بتكليف من عمر بن عبد العزيز. وقد قدمنا في بحث (ثمار جهود العلماء في مقاومة الوضع) ما يتضح منه أَنَّ الزُّهْرِيَّ كان أول من دَوَّنَ السُنَّةَ في عصره بعد أن أمر عمر بن عبد العزيز بذلك، حين كتب إلى عامله بالمدينة أبي بكر بن حزم، وإلى وُلاَّتِهِ بالأمصار أن يجمعوا سُنَّةَ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، واستظهرنا هناك أن أبا بكر لم يجمع إلا جزءاً يسيراً، وأما الذي ثابر على الجمع وعرف عنه ذلك فهو الزُّهْرِيُّ. قال الحافظ ابن حجر في " الفتح ": «وَأَوَّل مَنْ دَوَّنَ [الحَدِيثَ] اِبْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ عَلَى رَأْس المِائَة بِأَمْرِ عُمَر بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ»، كما رواه أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن عن مالك، قال: «أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ ابْنُ شِهَابٍ». أقول: وكذلك رأيت في " تاريخ ابن عساكر " نسبة تدوين السُنَّةِ إِلَى الزُّهْرِيِّ، وأخرج ابن عبد البر بسنده إلى عبد العزيز بن محمد [الدَّرَاوُرْدِي] قال: «أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ وَكَتَبَهُ ابْنُ شِهَابٍ» (¬1)، وبهذا يجمع بين الروايات، ويكون لِلْزُّهْرِيِّ فخر السبق إلى تدوين السُنَّةِ وجمعها، ثم تتابع العلماء من بعده بالجمع والترتيب. الثانية - تَفَرُّدُهُ بحفظ أشياء من السنن لولاه لضاعت، فقد أخرج ابن عساكر عن الليث بن سعد، أن سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جميل الجُمَحِي، قال ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 1/ 73.

آراء علماء الجرح والتعديل فيه:

له: «يَا أَبَا الحَارِثِ لَوْلاَ ابْنَ شِهَابٍ لَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السُنَّةِ». وأخرج مسلم في " صحيحه " من كتاب الأيمان والنذور 3/ 1268: «وَلِلزُّهْرِيِّ نَحْوٌ مِنْ تِسْعِينَ حَدِيثًا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاَ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ». الثالثة - أنه كان أول من نَبَّهَ الناس إلى العناية بالأسانيد، وقد كانوا من قبل لا يهتمون بذلك، قال مالك: «أَوَّلُ مَنْ أَسْنَدَ الحَدِيثَ ابْنُ شِهَابٍ». ولعله قصد بذلك في بلاد الشام حيث أخرج ابن عساكر عن الوليد بن مسلم: أن الزُّهْرِي قال: «يَا أَهْلَ الشَّامِ مَالِي أَرَىَ أَحَادِيثَكُمْ لَيْسَ لَهَا أَزِمََّةُ وَلاَ خَطْمِ؟» وتمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذ. آرَاءُ عُلَمَاءِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِيهِ: قال ابن سعد صاحب "الطبقات ": «كَانَ الزُّهْرِيُّ ثِقَةً كَثِيرُ العِلْمِ وَالحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ، فَقِيهًا جَامِعًا». وقال النسائي: «أَحْسَنُ أَسَانِيدَ تُرْْوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةٌ: الزُّهْرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ الحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَالزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ»، وذكر الطريقين الآخرين. وقال الإمام أحمد: «الزُّهْرِيُّ أَحْسَنُ النَّاسِ حَدِيثًا وَأَجْوَدُهُمْ إِسْنَادًا». وقال ابن أبي حاتم: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ: أَيُّ الإِسْنَادِ أَصَحُّ، فَقَالَ: «أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهَا، الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ». وقال ابن حبان في كتاب " الثقات ": «مُحَمَّدٌ بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ القُرَشِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ، رَأَى عَشْرَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ أَحْفَظِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَحْسَنُهُمْ سِيَاقًَا لِمُتُونِ الأَخْبَارِ، وَكَانَ فَقِيهًا فَاضِلاً رَوَىَ عَنْهُ النَّاسُ». وقال صالح بن أحمد: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: «الزُّهْرِيُّ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ». وقد ذكر مسلم في " مقدمة صحيحه " فقال: «فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلاَلَتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الحُفَّاظِ المُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ ... الخ». وقال الذهبي في " تذكرة الحفاظ ": «وَهُوَ عَلَمُ الحُفَّاظِ الإِمَامُ الحَافِظُ الحُجَّةُ».

من روى عنه وخرج له:

وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب ": «هُوَ الفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الحَافِظُ المَدَنِيُّ أَحَدُ الأَئِمَّةِ وَالأَعْلاَمِ، وَعَالِمُ الحِجَازِ وَالشَّامِ». وقال ابن حجر أيضاًً في " التقريب ": «الفَقِيهُ الحَافِظُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَلاَلَتِهِ وَإِتْقَانِهِ». وهكذا تضافرت روايات الأئمة وَالحُفَّاظِ وعلماء الجرح والتعديل على توثيقه وأمانته وجلالة قدره ونبله في أعين المُحَدِّثِينَ. مَنْ رَوَى عَنْهُ وَخَرَّجَ لَهُ: روى عنه خلق كثير من أشهرهم: مالك وأبو حنيفة (¬1) وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز وابن عُيينة والليث بن سعد والأوزاعي وَابْنُ جُرَيْجٍ، وخَرَّجَ له الشيخان البخاري ومسلم، وكُتُبُ " السنن الأربعة "، ومالك في " مُوَطَّئِهِ " والشافعي وأحمد في "مُسْنَدَيْهِمَا "، ولا يخلو مُسْنِدَ مُحَدِّثٍ ولا حافظ من تخريج أحاديث له، بل لا يكاد يخلو باب من أبواب الحديث إلا للزهري فيه حديث أو أثر أو رأي. رَدُّ الشُبَهِ الوَارِدَةِ عَلَى الزُّهْرِيِّ: تلك هي مكانة الزُّهْرِي في العلم، وآراء علماء المُسْلِمِينَ فيه، لَمْ يَتَّهِمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الزُّهْرِيَّ بما لم يقع منه، ولا أُثِرَ عن أحد منهم أي تشكيك في أمانته وثقته ودينه، ولا نعلم في الدنيا أحداً اتَّهَمَ الزُّهْرِيَّ بأمانته وصدقه في الحديث قبل هذا المستشرق اليهودي المتعصب جولدتسيهر، وقد رأيت ما أورده مِنْ شُبَهٍ عليه وها نحن أُولاَءِ نبطلها بفضل الله واحدة بعد أخرى. صِلَةُ الزُّهْرِيِّ بِالأُمَوِيِّينَ: يزعم جولدتسيهر أَنَّ صِلَةَ الزُّهْرِيِّ بالأُمَوِيِّينَ هي التي مكنت لهم أن يستغلوه في وضع الأحاديث الموافقه لأهوائهم. ولا ندري كيف تكون الصلة بين رجل كالزُّهْرِيِّ صادق ثبت حُجَّةٌ، وبين خلفاء بني أمية علامة على استغلالهم له، وقديماً كان العلماء يتصلون بالخلفاء والملوك، دُونَ أن يمس هذا أمانتهم في شيء، وعالم مثل الزُّهْرِي، إذا اتصل بهؤلاء الخلفاء أو اتصلوا به، لا سبيل إلى أن يؤثر ذلك ¬

_ (¬1) كما في " طبقات المُحَدِّثِين " للسيوطي (مخطوط).

في دينه وأمانته وَوَرَعِهِ، والمستفيد منه على كل حال هم المُسْلِمُونَ الذين يغدو شيخهم ويروح من حلقات العلم إلى مجالس الخلفاء يروي حَدِيثًا، أو يبث فكرة، أو يُبَيِّنُ حُكْمًا، أو يؤدب لهم وَلَدًا أَوْ يُذَكِّرَهُمْ بما لِلأُمَّةِ عليهم من حقوق وما للهِ عليهم من واجبات. جاء في " العقد الفريد " (¬1): «دخل الزُّهْرِيُّ على الوليد بن عبد الملك فقال له: " ما حديث يُحَدِّثُنَا به أهل الشام؟ " قال: " وما هو يا أمير المؤمنين؟ " قال: " يُحَدِّثُونَنَا أَنَّ اللهَ إِذَا اسْتَرْعَى عَبْدًا رَعِيَّتَهُ كَتَبَ لَهُ الحَسَنَاتِ وَلَمْ يَكْتُبَ لَهُ السَّيِّئَاتِ! ". قال الزُّهْرِي: " باطل يا أمير المؤمنين! أنبِيٌّ خليفة أكرم على الله؟ أو خليفة غير نبيّ؟ " قال: " بل نَبِيٌّ خليفة "، قال: " فإن الله تعالى يقول لِنَبِيِّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَلاَمُ - {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (¬2) فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لِنَبِيٍّ خليفة فما ظنك بخليفة غير نبيّ؟ " قال الوليد: " إن الناس ليغووننا عن ديننا "» اهـ. فانظر إلى مدى ما تنتجه هذه الصلة من فائدة لِلأُمَّةِ بين رجل كالزُّهْرِي وبين خليفة كالوليد؟ ثم انظر ترى موقف الزُّهْرِي موقف عالم يخضع لتأثير البيت المالك ولا يخرج عن هواهم، ويستجيب إلى رغباتهم في وضع الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أم هو موقف العالم الناصح ينصح لدين اللهِ والمُسْلِمِينَ وَيَذُبُّ عن سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكاذيب الوَضَّاعِينَ؟ ويدفع عن خليفة المُسْلِمِينَ وقوعه تحت تأثير الرُّوَاةِ الكَذَّابِينَ، فلا يستمر في ظلم ولا يتمادى في باطل! وانظر بعد ذلك فيما رواه ابن عساكر بسنده إلى الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - أن هشام بن عبد الملك سأل سليمان بن يسار عن تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬3) فقال هشام: «مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ فِيهِ؟» قال سليمان: «هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَِيٍّ بْنِ سَلُولٍ». فقال هشام: «كَذَبْتَ: إِنَّمَا هُوَ عَلِيٌّ بْنُ ¬

_ (¬1) الجزء الأول: ص 60 (الطبعة الجديدة). (¬2) [سورة ص، الآية: 26]. (¬3) [سورة النور، الآية: 11].

طَالِبٍ» - ويظهر أن هشاماً لم يكن جَادًّا فيما يقول، ولكنه يريد أن يَخْتَبِرَ شِدَّتَهُمْ فِي الحَقِّ - فقال سليمان بن يسار: «أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ»، ثم وصل ابن شهاب، فقال له هشام: «مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ؟»، فقال الزُّهْرِيُّ: «هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ»، فقال له هشام: «كَذَبْتَ إِنَّمَا هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ». قال الزُّهْرِيُ وقد امتلأ غضباً: «أَنَا أَكْذِبُ؟ لاَ أَبًا لَكَ! فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ ... حَدَّثَنِي فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ أَنَّ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ»، قال الشافعي: فما زالوا يغرون به هشاماً حتى قال له: «ارْحَلْ فَوَاللهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحْمِلَ عَنْ مِثْلِكَ»، قال ابن شهاب: «وَلِمَ ذَاكَ؟ أَنَا اغْتَصَبْتُكَ عَلَى نَفْسِي أَوْ أَنْتَ اغْتَصَبْتَنِي عَلَى نفسي؟ فَخَلِّ عَنِّي ». قَالَ لَهُ: «لاَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَدَنْتَ أَلْفَيْ أَلْفٍ»، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «قَدْ عَلِمتَ وَأَبُوكَ قَبْلَكَ أَنِّي مَا اسْتَدَنْتُ هَذَا المَالَ عَلَيْكَ وَلاَ عَلَى أَبِيكَ» ثُمَّ خَرَجَ مُغْضَبًا. فقال هشام: «إِنَّا نُهِيِّجَ الشَّيْخَ»، ثُمَّ أَمَرَ فَقَضَى عَنْهُ مِنْ دَيْنِهِ أَلْفَ أَلْفٍ. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَذَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ». ذلك ما أثبته ابن عساكر في " تاريخه " منذ ثمانية قرون نقلاً عن الشافعي وهو إمام من أئمة الصدق والحق من قبل أن يظهر إلى عالم الوجود رجل يرمي الزُّهْرِي بالكذب وَيَتَّهِمَهُ في دينه لاتصاله بالخلفاء!. ألاَ ترى في هذه الحادثة ما يَدُلُّكَ على مبلغ أمانة الزُّهْرِي، وعلى أَنَّ الصلة بينه وبين الخلفاء كانت أدنى وأضعف من أن تصل إلى دينه وأمانته؟ رجل يقول لخليفة المُسْلِمِينَ: لا أبا لك!. وهي كلمة لا يقولها رجل عادي لآخر مثله يحترمه، دليل على أن صلته بالخليفة ليست صلة ضعيف بقوي، ولا مخدوع بخادع، بل صلة واثق بدينه، معتز بعلمه يغضب إِنْ كُذِبَ، وَيَثُورُ إِذَا حُرِّفَتْ حقيقة من حقائق التاريخ المتصل بصحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورجل يَزْأَرُ في وجه الخليفة زئير الآساد لأنه كَذَّبَهُ في تفسير آية من كتاب الله خلاف ما يعلم أهل العلم من قبله، هل من المعقول أن يستخذي لأهواء الخليفة، فيضع له أحاديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا أصل لها! ألاَ ترى إلى قول الزُّهْرِي: «أَنَا أَكْذِبُ؟ لاَ أَبًا لَكَ! فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ» إِنَّ الزُّهْرِي كان من ذلك الطراز الممتاز في تاريخ

الإنسانية الذين رَبَّاهُمْ مُحَمَّدٌ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأخرجهم للدنيا آيات باهرات في صدق اللهجة، وسمو النفس، والترفع عن الكذب حتى ولو كان مباحاً. ثم ماذا يبتغي الزُّهْرِي من مسايرته لأهواء الأُمَوِيِّينَ؟ أهو يبتغي المال؟ لقد اعترف معنا هذا المستشرق بأن الزُّهْرِي لم يكن من طراز أولئك الرجال الذين يستعبدهم المال، حيث نقل لنا عن عمرو بن دينار قوله في الزُّهْرِي: «مَا رَأَيْتُ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ عِنْدَ أَحَدٍ أَهْوَنَ مِنْهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، كَأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ البَعْرِ» أم هو يبتغي الجاه؟ إن المستشرق يعترف معنا بأن الزُّهْرِي كان ذائع الصيت عند الأُمَّةِ الإسلامية، فأي جاه يطلب بعد هذا؟ وإذا لم يكن الزُّهْرِي طالب جاه ولا طالب مال، وهو في دينه وجرأته، كما رأيت، فهل يبلغ به الحمق والغباوة أن يبيع دينه للأمويين، ويخسر سمعته بين المُسْلِمِينَ وهو لا يطمع في جاه ولا مال ولا منصب؟. ثم إن المستشرق يُصَوِّرُ لنا عصر بني أمية عصر ظُلْمٍ وَجَوْرٍ، وأن الأتقياء من علماء المدينة كانوا يحاربونهم وَيُزَوِّرُونَ عنهم، ونحن نعلم أن الزُّهْرِي نشأ بالمدينة وأخذ عن شيوخها، جلس إلى سعيد بن المسيب حتى مات سعيد، وأخذ عنه مالك في كل مَرَّةٍ يأتي بها إلى المدينة، وظل يتردد بين المدينة والشام - كما قال الزُّهْرِي - خمساً وثلاثين سَنَةٍ، فلماذا لم يبغضه علماؤها؟ لماذا لم يُكَذِّبُوهُ لو صح أنه كَذَبَ للأمويين؟ لماذا لم يتبرأ منه شيخه سعيد وهو الذي لم يبال بعبد الملك في سطوته وجبروته؟ ما الذي دعاهم إلى السكوت عنه؟ أهو الخوف؟ لم يكونوا يعرفون خوفاً في نقد الرجال، من الخليفة إلى أقل رجل في المجتمع، وَهَبْ أَنَّهُمْ خَافُوهُ، فلماذا لم ينقده العلماء في دولة بني العباس؟ لماذا لم يهاجمه أنصار بني العباس، كما هاجموا خلفاء بني أمية وأمراءهم وأعوانهم؟ لماذا سكت عنه علماء الجرح والتعديل: من أحمد بن حنبل ويحيى بين معين والبخاري ومسلم وابن أبي حاتم وأضرابهم مِمَّنْ كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فكيف إذا كان النقد لرجل من أكبر رجال الدولة الأموية وأعظمهم شهرة؟ أليس في سكوت علماء المدينة وشيوخها وفي مقدمتهم شيخه سعيد، ثم في أخذهم عنه وأخذ العلماء عنه من كل فج، وفي توثيق علماء الجرح والتعديل له في العصر العباسي - رغماً عن صلته بالخلفاء الأُمَوِيِّينَ. أكبر دليل على أَنَّ الرجل كان فوق متناول الشُبَهِ

قصة الصخرة وحديث «لا تشد الرحال ... »:

، وأرفع من أَنْ تعلق به أَلْسِنَةُ السُّوءِ، وأكرم من أَنْ يُوصَفَ بِكَذِبٍ، أو وضع، أو ممالاة لأهل الظلم والباطل؟. قِصَّةُ الصَّخْرَةِ وَحَدِيثُ «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ ... »: يزعم هذا المستشرق أَنَّ عبد الملك بنى قُبَّةَ الصَّخْرَةِ لِيَحُولَ بين أهل الشام والعراق وبين الحج إلى الكعبة، وأنه أراد أن يلبس عمله هذا ثوباً دينياً، فوضع له صديقه الزُّهْرِي حديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ ... إلخ» فهذا لعمري عجب من أعاجيب الافتراء والتحريف والتلاعب بحقائق التاريخ: أَوَلاً - إن المُؤَرِّخِينَ الثقات لم يختلفوا في أن الذي بنى القبة (قُبَّةَ الصَّخْرَةِ) هو الوليد بن عبد الملك، هكذا ذكر ابن عساكر والطبري وابن الأثير وابن خلدون وابن كثير وغيرهم، ولم نجدهم ذكروا ولو رواية واحدة نسبة بنائها إلى عبد الملك ولا شك أن بناءها - كما يزعم جولدتسيهر - لتكون بمثابة الكعبة يحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، حادث من أكبر الحوادث وأهمها في تاريخ الإسلام وَالمُسْلِمِينَ فلا يعقل أن يمر عليه هؤلاء المُؤَرِّخُونَ مَرَّ الكرام، وقد جرت عاداتهم أَنْ يُدَوِّنُوا ما هو أقل من ذلك خطراً أو أهمية، كتدوينهم وفاة العلماء وتولي القضاء وغير ذلك، فلو كان عبد الملك هو الذي بناها لذكروها، ولكنا نراهم ذكروا بناءها في تاريخ الوليد، وهؤلاء مُؤَرِّخُونَ أثبات في كتابة التاريخ، نعم جاء في كتاب " [حياة] الحيوان " للدميري نقلاً عن ابن خلكان: أن عبد الملك هو الذي بَنَى القُبَّة وعبارته هكذا: «بَنَاهَا عَبْدُ المَلِكِ وَكَانَ النَّاسُ يَقِفُونَ عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ» ورغماً عما في نسبة بنائها لعبد الملك من ضعف، ومن مخالفته لما ذكره أئمة التاريخ، فإن هذا النص لا غبار عليه، وليس فيه ما يدل على أنه بناها ليفعل الناس ذلك، بل ظاهره أنهم كانوا يفعلون من تلقاء أنفسهم، وليس فيه ذكر الحج عند القُبَّةِ بَدَلاً من الكعبة، بل فيه الوقوف عندها يوم عرفة، وهذه العادة كانت شائعة في كثير من أمصار الإسلام نص الفقهاء على كراهتها، وفرق كبير بين الحج إليها بَدَلاً من الكعبة، وبين الوقوف عندها تَشَبُّهاً بوقوف الحج في عرفة، ليشارك من لم يستطع الحج الحُجَّاجَ في شيء من الأجر والثواب، ولم يكن ذلك مقصوراً على قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، بل كان كل مصر إسلامي يخرج أهله يوم عرفة إلى ظاهر البلد فيقفون كما يقف الحُجَّاجُ.

ثَانِياًً - إن نص الحادثة كما ساقها جولدتسيهر بَيِّنُ البطلان، لأن بناء شيء ليحج الناس إليه كُفْرٌ صَرِيحٌ، فكيف يقدم عبد الملك عليه، وهو الذي كان يلقب بـ «حَمَامَةِ المَسْجِدِ» لكثرة عبادته؟ على أن خصومه طعنوا فيه بأشياء كثيرة ولم نجدهم اتهموه بالكفر» وَلاَ شَنَّعُوا عليه ببناء القبة، ولو كان الأمر ثابتاً لجعلوها في أول مَا يُشَهِّرُونَهُ بِهِ. ثَالِثاً - أن الزُّهْرِي وُلِدَ - كما قدمنا - سَنَةَ إحدى وخمسين أو ثمان، ومقتل عبد الله بن الزبير كان سَنَةَ ثلاث وسبعين، فيكون عُمْرُ الزُّهْرِي حينذاك على الرواية الأولي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ عَامًا، وعلى الثانية خَمْسَةَ عَشَرَ، فهل من المعقول أن يكون الزُّهْرِيُّ في تلك السن ذائع الصيت عند الأُمَّةِ الإسلامية بحيث تتلقى منه بالقبول حَدِيثًا موضوعاً يدعوها فيه للحج إلى القبة بدلاً عن الكعبة؟ رَابِِعاًً - إن نصوص التاريخ قاطعة بأن الزُّهْرِي في عهد ابن الزبير لم يكن يعرف عبد الملك ولا رآه بعد، فالذهبي يذكر لنا أن الزُّهْرِي وَفَدَ لأَوَّلِ مَرَّةٍ على عبد الملك في حدود سَنَةِ ثمانين، وابن عساكر روى أن ذلك كان سَنَةَ اثنتين وثمانين، فمعرفة الزُّهْرِي لعبد الملك لأَوَّلِ مَرَّةٍ إنما كانت بعد قتل ابن الزبير ببضع سنوات، وقد كان يومئذ شاباً بحيث امتحنه عبد الملك، ثم نصحه أن يطلب العلم من دور الأنصار، فكيف يَصِحُّ الزعم بأن الزُّهْرِي أجاب رغبة صديقه عبد الملك فوضع له حديث بيت المقدس ليحج الناس إلى القُبة في عهد ابن الزبير؟. خامساً: إن حديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ ... الخ» روته كُتُبُ السُنَّةِ كلها، وهو مروي من طرق مختلفة عن طريق الزُّهْرِي، فقد أخرجه " البخاري " عن أبي سعيد الخُدري من غير طريق الزُّهْرِي، ورواه " مسلم " من ثلاث طرق إحداهما من طريق الزُّهْرِي وثانيتهما من طريق جرير عن ابن عمير عن قزعة عن أبي سعيد، وثالثتهما من طريق ابن وهب عن عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس عن سلمان الأغر عن أبي هريرة. فالزُّهْرِي لم ينفرد برواية هذا الحديث، كما يزعم جولدتسيهر، بل شاركه فيه غيره كما سمعت، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللهُ - عن حكم زيارة بيت المقدس والصلاة فيه - وهو مِمَّنْ ينكر السفر لأجل

زيارة القبور (¬1) فقال: ثبت في " الصَحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ ... الخ» وهو في " الصَحِيحَيْنِ " من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وقد رُوِيَ من طرق أخرى، وهو حديث مستفيض متلقى بالقبول، أجمع أهل العلم عَلَى صحته وتلقيه بالقبول والتصديق، واتفق علماء المُسْلِمِينَ على استحباب السفر إلي بيت المقدس للعبادة المشروعة فيه، وكان ابن عمر يأتي إليه فيصلي» اهـ. سَادِساًً: إن هذا الحديث رواه الزُّهْرِي عن شيخه سعيد بن المسيب، ومن المعلوم أن سعيداً ما كان ليسكت عن الزُّهْرِي لو أنه وضع هذا الحديث على لسانه إرضاء لأهواء الأُمَوِيِّينَ، وهو الذي أُوذِيَ من قِبَلِهِمْ وضُرِبَ، وقد توفي سعيد (سَنَةَ 93) من الهجرة أي بعد مقتل ابن الزبير بِعِشْرِينَ سَنَةٍ، فكيف سكت سعيد عن هذا كل هذه المدة، وقد كان جبلاً شامخاً من جبال القوة في الحق لا يبالي في الله لومة لائم؟. سَابِعاًً: لو فرضنا أَنَّ الزُّهْرِي وضع هذا الحديث إرضاء لعبد الملك، فلِمِ لَمْ يُصَرِّحْ فيه بفضيلة قبة الصخرة وقد أراد عبد الملك أن يحج الناس إليها؟ كل ما في هذا الحديث وما صَحَّحُوهُ من أحاديث بيت المقدس فضل الصلاة فيه وفضل زيارته غير مقيدة بوقت معين، وهذا شيء أثبته القرآن جملة، فأين هذا مِمَّا يريده عبد الملك من الحج إلى القبة بدلاً من الكعبة في أيام الحج. ثَامِناًً: إن حديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ» الذي صَحَّحَهُ العلماء لا يربط بما ورد في فضائل بيت المقدس والصخرة أو غيرها من أحاديث مكذوبة ليس للزهري رواية فيها، وقد نقدها العلماء جميعاً، حتى قالوا: كل حديث في الصخرة فهو كذب. وقالوا: لَمْ يَصِحَّ في فضل بيت المقدس إلا ثلاثة أحاديث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ» وحديث: «سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ، قَالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ فَقَالَ: المَسْجِدُ الأَقْصَى». وحديث: «إِنَّ الصَلاَةَ فِيهِ تَعْدِلُ سَبْعَمِائَةِ صَلاَةٍ فِي غَيْرِهِ». ¬

_ (¬1) كان هنا في الطبعة الأولى: (وَهُوَ مِمَّنْ يُنْكِرُ زِيَارَةَ القُبُورِ) ثم عدلت، لأنه هكذا حقيقة رأيه، كما يظهر من كتبه ومنها: "الجواب الباهر " وغيره.

قصة إبراهيم بن الوليد الأموي:

قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الوَلِيدِ الأُمَوِيِّ: زعم جولدتسيهر أن إبراهيم بن الوليد الأموي جاء إلى الزُّهْرِيِّ بصحيفة، وطلب منه أن يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها منه، فأجازه الزُّهْرِي مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، وقال له: «من يستطيع أن يجيزك بها؟» وهكذا استطاع الأموي أن يروي ما كتب في الصحيفة على أنها مروية عن الزُّهْرِي، وهنا أخطاء ومُغالطات: أَوَلاًً - إن ابن عساكر صَرَّحَ بسماع إبراهيم من الزُّهْرِيِّ فيكون إبراهيم قد عرض على شيخه صحيفة سمعها منه، وهذا يُسَمَّى في اصطلاح المُحَدِّثِينَ (عَرْضَ المُنَاوَلَةِ) قال الشيخ ابن الصلاح في " مقدمته ": «القسم الرابع من أنواع تحمل الحديث (المُنَاوَلَةُ) فإن كان معها إجازة مثل أن يناول الشيخ الطالب كتاباً من سماعه ويقول: إروِ هذا عني، أو يأتيه الطالب بكتاب قد سمعه من الشيخ فيتأمله الشيخ، ثم يقول له: إروِ عني هذا، ويسمى هذا (عَرْضَ المُنَاوَلَةِ) وقد قال الحاكم: إن هذا سماع عند كثير من المُتَقَدِّمِينَ، وحكوه عن مالك والزُّهْرِي وربيعة ويحيى بن سعيد ومجاهد وسفيان ... إلخ» (¬1). وقال أيوب: «كُنَّا نَعْرِضُ العِلْمَ عَلَى الزُّهْرِيِّ»، وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: «أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ بِكِتَابٍ فَتَأَمَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَجْزِيكَ بِهِ»، ومثله أخبر به كثير من تلاميذ الزُّهْرِيِّ كانوا يعرضون عليه أحاديثه التي سمعوها منه فيتأملها ويجيزهم بها، وما صنع إبراهيم بن الوليد - إن صحت الرواية - إنما هو من هذا القبيل حتماً، يؤكده تصريحه بالعرض كما في رواية ابن عساكر والعرض - كما رأيت - إعطاء الشيخ الكتاب ليتأمله، ثم يجيزه. أما أن يكون إبراهيم دَوَّنَ أحاديث من عنده، ثم طلب من الزُّهْرِي أن يسمح له بروايتها عنه ووافقه الزُّهْرِيُّ على ذلك، فهذا ما يستحيل صدوره من رجل كَالزُّهْرِيِّ كان ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية، وما ذاع صيته إلا بأمانته وصدقه وضبطه. ثَانِياًً - إن قول الزُّهْرِي: «مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُجِيزَكَ بِهَا؟» أصله كما نقل ابن عساكر: «وَمَنْ يُجِيزُكَ بِهَا غَيْرِي؟» وليس في هذا شيء، فَغَيْرُ الزُّهْرِيِّ لا يستطيع أن يجيز تلاميذ الزُّهْرِيِّ كإبراهيم بأحاديث لم يسمعوها إلا من شيخهم على أنه ¬

_ (¬1) " مقدمة ابن الصلاح ": ص 79 و" اختصار علوم الحديث ": ص 141.

قول الزهري: أكرهونا على كتابة أحاديث:

كان أعلم أهل زمانه بِالسُنَّةِ، وقد نقلنا قول غير واحد من أئمة الحديث أنه لولاه لضاعت أشياء كثيرة مِنَ السُنَّةِ، واعترف مُسْلِمٌ له بأنه يروي تسعين حَدِيثًا لا يرويها غيره، فيكون معنى قوله لإبراهيم، هو: ومن يعلم بهذه الأحاديث غيري حتى يجيزك بها؟ وليس معناه أنه لا يجرؤ أحد من المُسْلِمِينَ أن يبيح له وضع الأحاديث غيري .. ثَالِثاًً - إن إبراهيم هذا لم ترو له كُتُبُ السُنَّة عندنا شيئاً، ولم تذكره كتب الجرح والتعديل، لا في الثقات ولا في الضعفاء والمتروكين، فأين هذه الأحاديث التي نشرها على الناس بإذن من الزُّهْرِيِّ؟ وأين موضعها من كُتُبِ السُنَّة؟ ومن رواها عنه؟ وكيف اختفت هذه الصحيفة فلم يبق لها مكان في كتاب التاريخ؟. قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ: ثم زعم جولدتسيهر أَنَّ الزُّهْرِيَّ اعترف اعترافاً خطيراً في قوله الذي رواه عنه معمر: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» وأن ذلك يفهم استعداد الزُّهْرِيِّ لأَنْ يَكْسُو رَغَبَاتِ الحكومة باسمه المعترف به عند الأمة الإسلامية. قدمنا لك عند الحديث عن صدق الزُّهْرِي وجرأته، أنه أبعد الناس عن الرضوخ لأهواء الحاكمين، وذكرنا لك من الوقائع التاريخية بينه وبين خلفاء بني أمية ما تجزم معه بأنه ليس ذلك الرجل المستعد لأن يَكْسُو رَغَبَاتِ الحكومة باسمه المعترف به عند المُسْلِمِينَ. أما هذا النص الذي نقله ففيه تحريف مُتَعَمَّدٌ يقلب المعنى رأساً على عقب، وأصله كما في ابن عساكر وابن سعد: أن الزُّهْرِي كان يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس - ويظهر أنه كان يفعل ذلك ليعتمدوا على ذاكرتهم، وَلاَ يَتَّكِلُوا على الكتب كما ذكرنا من قبل - فلما طلب منه هشام وَأَصَرَّ عَلَيْهِ أَنْ يُمْلِي على ولده ليمتحن حفظه كما تقدم، وأملى عليه أربعمائة حديث، خرج من عند هشام وقال بأعلى صوته: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا كُنَّا مَنَعْنَاكُمْ أَمْرًا قَدْ بَذَلْنَاهُ الآنَ لِهَؤُلاَءِ، وَإِنَّ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءِ أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ (الأَحَادِيثِ) فَتَعَالَوْا حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ بِهَا فَحَدَّثَهُمْ بِالأَرْبَعِمِائَةَ الحَدِيث». هذا هو النص التاريخي لقول الزُّهْرِي، وقد رواه الخطيب بلفظ آخر

ذهابه للقصر وتحركه في حاشية السلطان:

وهو: «كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ العِلْمِ - أَيْ كِتَابَتَهُ - حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلاَءِ الأُمَرَاءُ فَرَأَيْنَا أَنْ لاَ نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ». اهـ (¬1). فانظر كم الفرق بين أن يكون قول الزُّهْرِيِّ كما روى جولدتسيهر: «أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ» وبين أن يكون قوله كَمَا رَوَاهُ المُؤَرِّخُونَ: «أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ الأَحَادِيثِ» أو كما رواه الخطيب «عَلَى كِتَابَةِ العِلْمِ» ثم انظر إلي هذه الأمانة العلمية حذف «الـ» من «الأحاديث» فقلبت الفضيلة رذيلة .. حيث كان النص الأصلي يدل على أمانة الزُّهْرِي وإخلاصه في نشر العلم، فلم يرض أن يبذل للأمراء ما منعه عن عامة الناس إلا أن يبذله للناس جميعاً، فإذا أمانة هذا المستشرق تجعله ينسب للزهري أنه وضع للأمراء أحاديث أكرهوه عليها، فأين هذا من ذاك؟؟. ذَهَابُهُ لِلْقَصْرِ وَتَحَرُّكُهُ فِي حَاشِيَةِ السُّلْطَانِ: ثم يقول جولدتسيهر: «ولم يكن الزُّهْرِي من أولئك الذين لا يمكن الاتفاق معهم ولكنه كان مِمَّنْ يرى العمل مع الحكومة، فلم يكن يَتَجَنَّبُ الذهاب إلى القصر، بل كان يتحرك كثيراً في حاشية السلطان». قدمنا لك أن تردد العلماء على مجالس الخلفاء لا يطعن في أمانتهم ودينهم، ولا يجعلهم صرعى أهواء الخلفاء ونفوذهم، وقدمنا لك أدلة على سمو الصلة التي كانت بين الزُّهْرِيِّ وخلفاء بني أمية، وأنها صلة العالم المعتز بعلمه ودينه ومكانته، العالم الذي لا يتردد عن مجابهة الخليفة في أية لحظة بالحق حين يجد من واجب الحق أن يقف هذا الموقف، وقديماً تردد الصحابة على معاوية، وتردد التابعون على الأُمَوِيِّينَ، وتردد أبو حنيفة على المنصور، وكان أبو يوسف من أشد الناس ملازمة لهارون الرشيد ومع ذلك فلم يطعن فيهم أحد، ولم ينزلهم عن مرتبة العدالة لأنهم خالطوا السلاطين أو جالسوهم. حَجُّهُ مَعَ الحَجَّاِجِ: وهذا الذي زعمه «جولدتسيهر» ليزيد في التنفير من الزُّهْرِي والتدليل على ¬

_ (¬1) " تقييد العلم ": ص 107.

تربيته لأولاد هشام:

قلة دينه هو زعم باطل، فَالزُّهْرِيُّ لم يكن مع الحَجَّاِج في حاشيته حين حج، وإنما كان مع عبد الله بن عمر، حين اجتمع مع الحَجَّاِج، وإليك النص على حقيقته كما ورد في " تهذيب التهذيب " لابن حجر: «أَخْرَجَ عَبْدُ الرَزَّاقِ فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ المَلِكِ إِلَى الحَجَّاِجِ أَنْ اقْتَدِ بابْنِ عُمَر فِي المَنَاسِكِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الحَجَّاِجُ يَوْمَ عَرَفَةَ: " إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَرُوحَ فآذِنَّا "، فَرَاحَ هُوَ وَسَالِمٌ وَأَنَا مَعَهُمَا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " وَكُنْتُ صَائِمًا فَلَقِيتُ مِنَ الحَرِّ شِدَّةً "» فالزُّهْرِيُّ، إنما كان مع عبد الله بن عمر حين اجتمعا بالحَجَّاِج في الحج لا في معية الحَجَّاِج. تَرْبِيَتُهُ لأَوْلاَدِ هِشَامٍ: وقد زعم «جولدتسيهر» أنه مِمَّا يطعن به على الزُّهْرِيِّ أن هشاماً جعله مُرَبِّياً لِوَلِيِّ عَهْدِهِ، وهذا عدا ما فيه من الخطأ التاريخي، فإن وَلِيَّ عهد هشام هو ابن أخيه الوليد بن يزيد، تنفيذاً لوصية أخيه يزيد بن عبد الملك، وقد كان الوليد هذا مَاجِنًا مُسْتَهْتِرًا بينه وبين الزُّهْرِيِّ من العداوة والجفاء ما بين الأخيار والأشرار، وانما كان الزُّهْرِيُّ مُرَبِّياً لأَوْلاَدِ هِشَامٍ حين حَجَّ معه سَنَةَ ست ومائة وعدا هذا الخطأ التاريخي، فإنا لا ندري أي ريب يلحق بِالزُّهْرِيِّ إذا رَبَّى أَوْلاَدَ هِشَامٍ؟ أليس ذلك - خيراً من أن يتولى تهذيبهم الخلعاء والماجنون وأعداء الله وأعداء رسوله؟ على أن التاريخ يُحَدِّثُنَا أن أولاد هشام كانت لهم غزوات موفقة في بلاد الروم، ولهم أَيَادٍ بيضاء في نشر الإسلام في أصقاع كثيرة، أفليس من الإنصاف أن نُرْجِع شيئاً من الفضل في ذلك إلى شيخهم الزُّهْرِي، لا سيما وَالمُؤَرِّخُونَ يذكرون عنه أنه كان «جُنْدِيًّا جَلِيلاً» وأنه قدم الشام مَرَّةً يريد الغزو، وأنه كان يلبس زِيَّ الجنود. تَوَلِّيهِ القَضَاءَ: وأخيراً يعيب «جولدتسيهر» على الزُّهْرِيِّ أنه تولى القضاء ليزيد الثاني، وقد كان عليه - لو كان تَقِيًّا - أن يهرب كما هرب الشعبي والصالحون، فهل هذا النقد حق؟ أما منصب القضاء فما نعلم أحداً عَدَّهُ مُوجِباً للجرح والاتهام في العدالة، وقد وَلَّى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القضاء عَلِيَّ بن أبي طالب ومُعاذَ بن جبل ومعقل بن يسار وغيرهم، وتولى كثيرون من التَّابِعِينَ القضاء لبني أمية وغيرهم».

وهذا شُرَيْحٌ، وأبو إدريس الخولاني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وكثير غيرهم تولوا القضاء في عهد بني أمية، ومنهم من تولى القضاء لِلْحَجَّاج نفسه، وما نعلم أن أحداً جَرَّحَ هؤلاء العلماء لتوليهم القضاء، أما أن الشعبي كان يهرب من القضاء، وأنه حارب الحَجَّاجَ مع ابن الأشعث، فها هنا مغالطة منكرة، إذ الواقع أن الشعبي بعد أن حارب الحَجَّاجَ تولى القضاء في عهد الحَجَّاجِ ليزيد بن عبد الملك بعد خمود فتنة ابن الأشعث، فلماذا تجاهل آخر الأمر الذي كان عليه الشعبي وهو الأولى بالاحتجاج؟ أما زعمه بأن الأتقياء كانوا يتحرزون من القضاء ويعدون توليه مُسْقِطاً للثقة بالقاضي، واحتجاجه بحديث: «مَنْ وَلِيَ القَضَاءَ أَوْ جُعِلَ قَاضِياً فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» (¬1) فهذا نقل عن أئمتنا لا يتفق مع الواقع، فقد نصوا على أن القضاء تعتريه الأحكام الخمسة، وأن تولي القضاء لِلْظلَمَةِ جائز بلا نزاع، وأن المراد بقوله: «مَنْ تَوَلَّى القَضَاءَ ... الخ» حث القاضي على أن يتوقى الحُكْمَ ويعدل فيه. قال شيخ الإسلام المرغيناني في " الهداية ": «[ثُمَّ] يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنَ السُّلْطَانِ الجَائِرِ كَمَا يَجُوزُ مِنَ العَادِلِ، لأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -[تقلَّدُوهُ] مِنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَالحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ فِي نَوْبَتِهِ، وَالتَّابِعُونَ تَقَلَّدُوا مِنَ الحَجَّاجِ وَكَانَ جَائِرًا، إِلاَّ إِذَا كَانَ لاَ يُمَكِّنُهُ مِنَ القَضَاءِ بِحَقٍّ» (¬2) اهـ. وقال ابن العربي من علماء المالكية عند شرحه لكتاب القضاء في " الترمذي ": «وَالوِلاَيَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عَلَى الأَعْيَانِ وَإِنِّمَا هُوَ عَلَى الكِفَايَةِ، فَلَوْ دَعَا الإِمَامُ إِلَى العَوْنِ جَمِيع النَّاسِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا لأَثِمُوا، وَإِذَا قَبِلَ بَعْضُهُمْ أُجِرُوا وَسَقَطَ الفَرْضُ عَنْ البَاقِينَ» اهـ. وقال ابن فَرْحُون في " تبصرة الحكام ": «وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنْ الأَحَادِيثِ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة وقال: حسن غريب (6/ 66 - " سنن الترمذي بشرح ابن العربي "). (¬2) " فتح القدير ": 6/ 364.

التِي فِيهَا تَخْوِيْفٌ وَوَعَيدٌ فَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ قُضَاةِ الجَوْرِ الْعُلَمَاء أَوْ الجُهَّالِ الذِينَ يُدْخِلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي هَذَا المَنْصِبِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَفِي هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ جَاءَ الوَعِيدُ» (¬1). وبهذا يتبين لنا أن القضاء ليس كما أراد أن يصوره لنا جولدتسيهر مُسْقِطًا للعدالة، بل هو شرف عظيم، ولو لم يكن فيه إلا النيابة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحُكْمِ بين الناس بما أنزل اللهُ لكفاه شرفاً وفضلاً. نَعَمْ، فَرَّ كَثِيرُونَ من العلماء من القضاء، وَتَحَمَّلَ بعضهم في سبيل ذلك بعض الأذى ولكنهم لم يفعلوا هذا لأنه مسقط للعدالة وداعية إلي الجرح، بل فعلوه بداعي الورع والزهد وتحرزهم من أن يلقوا الله وعليهم تبعات من أمور الناس، قال ابن العربي تعليلاً لامتناع بعض الصحابة عن تولي القضاء: «إِنَّ المَرْءَ فِيمَا يَعْمَلُ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجَلٍ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي شُرُوطِهَا، وَعَلَىَ تَقِيَّةٍ مِنْ عَدَمِ القَبُولِ لَهَا مِمَّا دَخَلَ فِيهَا بِمَا لاَ يُحْصِيهِ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ مِنَ الطَّاعَةِ يَخْتَصُّ بِهِ لاَ يَتَعَدَّاهُ، فَكَيْفَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ العِبَادِ التِي نِيْطَتْ بِهِ وَأَلْزَمَتْ طَوْقَ عُنُقِهِ، فَالوَجَلُ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ وَالتَّقِيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ تُتَّخَذَ أَعْظَمَ». وبعد فهذا بحث مستفيض حول الإمام الزُّهْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وما حاول أن يلصقه به المستشرق «جولدتسيهر» من تهم وأباطيل، إن صحت أذهبت الثقة بهذا الإمام وبحديثه ومروياته، وإذا ذهبت الثقة به فقد ذهبت الثقة بكُتُبِ السُنَّةِ كلها، لما ذكرناه لك من عظيم مقام الزُّهْرِيِّ فِي عِلْمِ السُنَّةِ، ولأنه أول مَنْ دَوَّنَهَا، ولكننا - بحمد الله - كشفنا الستار عن تلك الأباطيل، وَبَيَنََّا ما فيها من تَحَامُلٍ على هذا الإمام العظيم الذي كان كما قال شيخ الإسلام «ابن تيمية» خادم الإسلام سبعين سَنَةٍ. إن إماماً كالزُّهْرِي كان يقول: «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلُ مِنَ العِلْمِ، إِنَّ هَذَا العِلْمَ أَدَبُ اللهِ الذِي أَدَّبَ بِهِ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -، وَهُوَ أَمَانَةٌ اللهِ إِلَى رَسُولِهِ لِيُؤَدِّيهِ عَلَى مَا أَدَّى إِلَيْهِ، فَمَنْ سَمِعَ عِلْمًا فَلْيَجْعَلََهُ أَمَامَهُ حُجَّةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ ¬

_ (¬1) 1/ 9 - 10 على هامش " فتح العلى المالك ".

9 - تغيير الأمويين الحياة الدينية:

وَجَلَّ» وكان يقول: «إِنَّ لِلْتَّعْلِيمِ غَوَائِلَ، فَمِنْ غَوَائِلِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ العَالِمُ حَتَّى يَذْهَبَ عِلْمُهُ، وَمِنْ غَوَائِلِهِ النِّسْيَانُ، أَمَّا وَمِنْ غَوَائِلِهِ الكَذِبُ فِيْهِ وَهُوَ أَشَدُّ غَوَائِلِهِ» إن إماماً كهذا الإمام العظيم، كان في حياته عَلَمًا من أعلام الهُدَى، وسيظل كذلك إلى ما شاء الله، رغم أنف الجاحدين والمتعصبين والمبطلين، والحمد لله رب العالمين. عودة إلى مناقشة شُبَهِ المُسْتَشْرِقِينَ: 9 - تَغْيِيرُ الأُمَوِيِّينَ الحَيَاةَ الدِّينِيَّةَ: ثم يقول المستشرق «جولدتسيهر» بعد أن فرغ من الكذب على الزُّهْرِي: «ولم يقتصر الأمر على وضع أحاديث سياسية أو لصالح البيت الأموي، بل تَعَدَّى ذلك إلى الناحية الدينية في أمور العبادات التي لا تتفق مع ما يراه أهل المدينة، مثل ما هو معروف من أنَّ خطبة الجمعة كانت خُطبتين، وكان يخطب الخلفاء وقوفاً، وأنَّ خطبة العيد كانت تَتْبَعُ الصلاة فَغَيَّرَ الأُمَوِيُّونَ من ذلك، فكان يخطب الخليفة خطبة الجمعة الثانية جالساً، وجعلوا خطبة العيد قبل الصلاة، واستدلوا لذلك بما رواه رجاء بن حَيْوَةَ من أنَّ الرسول والخلفاء كانوا يخطبون جلوساً في حين قال جابر بن سَمُرَةَ: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَطَبَ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ». ومثل ذلك ما حصل من زيادة معاوية في درجات المنبر، وما كان من جعله المقصورة التي أزالها العباسيون بعد ذلك، كما لم يقتصر الأمر على نشر أحاديث ذَاتَ مُيُولٍ، بل تعداه إلى اضطهاد أحاديث لا تمثل وجهات النظر الرسمية والعمل على إخفائها وَتَوْهِينِهَا، فَمِمَّا لا شك فيه أنه كانت أحاديث في مصلحة الأُمَوِيِّينَ اختفت عند مجيء العباسيين». إن هذا الرجل يتكلم بعقلية غريبة عنا - نَحْنُ المُسْلِمِينَ - بل بعقلية غريبة عن المحيط العلمي وذلك أن الناس ما زالوا منذ قديم الزمان حتى اليوم، يرون من بعض الملوك الحاكمين إجراءات تتعلق بالمحافظة على حياتهم أحياناً، أو تتعلق بزيادة مظاهر العظمة والنفوذ، أو يقومون بإصلاحات تتعلق ببلادهم وأماكن العبادة فيها، وقد يكون لهؤلاء الملوك مخالفون كما يكون لهم مؤيدون، ومع ذلك فلا يخطر في بال أحد أن مثل هذه المظاهر تدل على تلاعب بالدين، أو استخدام للعلماء

في سبيل هذا التلاعب بالدين، يقع هذا بين سمعنا وبصرنا، ووقع لمن قبلنا وما زال الخلفاء والملوك منذ عصر الصحابة حتى اليوم يفعلون مثل هذا، فها هو أبو بكر يجمع ألقرآن في مصحف، وعمر يجمع الناس على التراويح وعثمان يُحَدِّث الأذان الأول يوم الجمعة خارج المسجد وعمر بن عبد العزيز يزيد في مسجد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وها هُمْ الملوك والرؤساء يُجَدِّدُونَ المساجد ويزيدون فيها وينقصون، ويتخذون من الحيطة لأنفسهم عند الذهاب إلى الصلاة ما يدفع عنهم خطراً متوهماً أو متوقعاً، فلماذا لا يعتبر عمل هؤلاء تَزَيُّداً في الدين يدل على انحراف عنه؟ ونعتبر مثل زيادة معاوية في درجات المنبر، واتخاذه المقصورة دليلاً على تغيير الحُكَّامِ الأُمَوِيِّينَ للحياة الدينية؟ إن المنبر غُيِّرَ على عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حياته، فبعد أن كان رسول الله يقف بجانب جذع النخل، اتَّخَذَ مِنْبَرًا مِنْ ثَلاَثِ دَرَجَاتٍ، حين تزايد الناس في المسجد، واحتاج الأمر إلى مكان عال ليسمع البعيد كما يسمع القريب، فما الذي يمنع من زيادة الدرجات على هذا إذا اتسع المسجد أكثر من ذلك؟ وزاد الناس فيه عما كانوا عليه في حياة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ لا شيء يمنع من هذا لا ديناً ولا شرعاً ولا تُقىً ولا وَرَعاً، وهذا هو ما فعله معاوية حين زاد درجات المنبر، أما اتخاذه المقصورة، فليس لتغيير الحياة الدينية، بل حيطة لنفسه من الاغتيال بعد أن تآمر الخوارج عليه وعلى عَلِيٍّ وعمرو بن العاص. فلما قُتِلَ عَلِيٌّ ونجا هو وعمرو، رأى من الحيطة أن لا يصلي مختلطاً بالناس بل في مقصورة تمنع عنه الأذى، وقد ذكر ذلك ابن خلدون في صريح العبارة (¬1). أما الجلوس في الخطبة الثانية، فنحن نعترف بأنه تغيير من شكل العبادة بدأ به معاوية، ولكن لا تَعَمُّداً لهذا التغيير، بل اضطراراً حين كثر شحمه ولحمه، فلم يعد يستطيع الوقوف كثيراً، قال الشعبي: «أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ النَّاسَ قَاعِدًا مُعَاوِيَةُ، وَذَلِكَ حِينَ كَثُرَ شَحْمُهُ وَعَظُمَ بَطْنُهُ» (¬2) ومع ذلك فقد لقي من إنكار العلماء يومئذ ¬

_ (¬1) " المقدمة ": ص 299. (¬2) " تاريخ الخلفاء " للسيوطي: ص 143. نقلاً عن ابن قتيبة.

ما يعطيك الدليل القاطع على أن علماءنا لم يكونوا يجاملون في حقٍ أو يتساهلون في إنكار منكر يعتقدونه. أخرج البيهقي عن كعب بن عجرة: أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن الحكم (¬1)، يخطب قاعداً فقال انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً والله تعالى يقول لرسوله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬2) ومع ذلك فلم يحتج ابن الحكم بحديث، ولم يَدَّعِ في ذلك سُنَّةً عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أما ما ادَّعَاهُ «جولدتسيهر» من أن رجاء بن حيوه روى لهم أن رسول الله والخلفاء كانوا يخطبون جلوساً، فهذا كذب على رجاء، وافتراء على إمام ثقة من أئمة المُسْلِمِينَ، ويستحيل أن يقول رجاء هذا في عصر لا يزال فيه كثير من الصحابة يدافعون عن سُنَّةِ رسول الله دفاع المُسْتَمِيتِ، ولم نجد لنسبة هذا الحديث إلى رجاء أثراً في أي كتاب من كُتُبِ السُنَّةِ المعتمدة، ولعله رآه في كتاب ككتاب " ألف ليلة وليلة "، الذي كثيراً ما اعتمد عليه في النقل أثناء بحوثه العلمية، أو في كتاب " حياة الحيوان " للدميري الذي ينقل عنه كثيراً، ورجاء بن حيوه عند أئمة الحديث ثقة حافظ قال الذهبي (¬3): قال ابن سعد: «كان رجاء فاضلاً ثقة كثير العلم، وقال ابن عون: لم أر مثل رجاء بالشام ولا مثل ابن سيرين بالعراق ولا مثل القاسم بالحجاز»، قال الذهبي: قلت: هو الذي اشار على سليمان باستخلاف عمر بن عبد العزيز، فذنب هذا الإمام الثقة في نظر جولدتسيهر أنه كان بالشام وكان متصلاً بخلفاء الأُمَوِيِّينَ كذنب الزُّهْرِي تماماً. وأما قول جابر بن سَمُرَة: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَطَبَ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ»، فليس فيه رَدٌّ على حديث وضع بالفعل، بل يحتمل أن يكون رَداً لما يطرأ في أذهانهم من جواز ذلك، فقطع لهم بأنه مخالف لِسُنَّةِ رسول الله قطعاً. ¬

_ (¬1) البيهقي: 3/ 166 ورواه مسلم في " صحيحه ": (حديث 864) إلا أنه قال فيه (عبد الرحمن بن أم الحكم). [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: [انظر " صحيح مسلم " بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي: 2/ 591، حديث 39 (864)]. (¬2) [سورة الجمعة، الآية: 11]. (¬3) " تذكرة الحفاظ ": 1/ 111.

وأما تقديم الخطبة على الصلاة في العيد، فقد اعتذر مروان عن ذلك بأنه فعله مضطراً لأن الناس لم يعودوا يستمعون إلى خطبهم بعد انتهاء الصلاة، ولم يرد عنه أنه احتج لذلك بحديث أو أنه دفع بعض أتباعه إلى وضع حديث يؤيد ذلك، ومع هذا فقد أنكر عليه الصحابة والتابعون. أخرج البخاري في " صحيحه " عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه أنكر على مروان والي المدينة من قِبَلِ معاوية تقديم الخطبة على صلاة العيد وجذبه من ثوبه. فجذبه مروان فارتفع فخطب، فقال أبو سعيد فقلت له: غيَّرْتُمْ والله، فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مِمَّا لا أعلم، فقال مروان: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة. وأخرج مسلم بهذا المعني ما يؤيده. فأين ترى استدلال مروان بالحديث؟ وأين ترى استدلال معاوية على الخطبة جالساً وعلى اتخاذه المقصورة وزيادة درجات المنبر بالحديث؟ نحن لا ننازع في وقوع هذه الحوادث، ولكن الذي ننازع فيه اتخاذ هذه الحوادث التي وقعت من أصحابها اجْتِهَادًا ولظروف خاصة اقتضتها، دليلاً على أنهم أرادوا تغيير ألحياة الدينية ووضعوا أحاديث لذلك، وهذا ما لم يقع، بل الواقع أن هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ يخبطون فيه على غير هدى، ويتوهمون الأمر فيحكمون فيه بحكم قاطع، ثم لا يستطيعون أن يجدوا لما يتخيلوا دليلاً. وأما زعم المستشرق بأنه مِمَّا لا شك فيه أنه كانت هناك أحاديث في مصلحة الأُمَوِيِّينَ قد اختفت عند مجيء العباسيين، فهذا الذي لا يشك فيه المستشرق هو عندنا كل الشك، إذ نحن نسأله: أين هي هذه الأحاديث؟ وكيف اختفت؟ وكيف عمل العباسيون على إخفائها نهائياً؟ هل منعوا علماء الحديث من ذكرها في أسانيدهم؟ نعم لئن كان اختفى بعض الحديث في عصر دُونَ عصر فذلك اختفاء الكذب حين يفتضح، والباطل حين ينهزم، وانما يختفي من ميادين الكتب الصحيحة والمسانيد الموثوقة، أما أن تختفي من الوجود هي وأصحابها وَرُوَّاتِهَا ومُدَوِّنُوها، فهذا ما لم نعلم له مثيلاً في تاريخنا، وَنَتَحَدَّاهُمْ أن يأتونا بمثال واحد عليه.

10 - كذب الصالحين وتدليس المحدثين:

10 - كَذِبُ الصَّالِحِينَ وَتَدْلِيسُ المُحَدِّثِينَ: ثم استدل المستشرق لتأييد قوله بما قدح به بعض العلماء «فمن ذلك: قول المُحَدِّثِ أبي عاصم النبيل: «مَا رَأَيْتُ الصَّالِحَ يَكْذِبُ فِي شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِيثِ»، ويقول مثل ذلك يحيى بن سعيد القطان، ويقول وكيع عن زياد بن عبد الله البَكَّائي: «إِنَّهُ - مَعَ شَرَفِهِ فِي الحَدِيثِ - كَانِ كَذُوباً» (وقد سبق إنكار ابن حجر ورود هذه الكلمة فيه). ويقول يزيد بن هارون: «إن أهل الحديث بالكوفة في عصره ما عدا واحداً كانوا مدلِّسين حتى السفيانان ذُكرا في المُدَلِّسِينَ». قدَّمنا لك في أوائل هذه الرسالة جهود العلماء لمقاومة الوضع والوَضَّاعِينَ وأنه كان من مظاهر هذه الجهود نقد الرُواة نقداً دقيقاً وتصنيفهم إلى من يقبل حديثه، ومن يُرَدُّ ومن يتوقف فيه، وأنهم حصروا الوَضَّاعِينَ في فئات، منهم الزاهدون والجَهَلة الذين حملهم جهلُهُم على وضع الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احتساباً وحُسْن نية ... وقد كشف العلماء أمرهم، وبيَّنوا حقيقتهم، حتى لا يخدع الناس بمظاهر صلاحهم عن غفلة قلوبهم، ومن ذلك ما ذكره هذا المستشرق من قول أبي عاصم: «مَا رَأَيْتُ الصَّالِحَ يَكْذِبُ فِي شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنَ الْحَدِيثِ». فإنه واضح أنه ليس المراد منه الصلاح الحقيقي الذي يتمثل في صلاح العلماء وأئمة الدين وحُفاظ الحديث، بل هو ذلك الصلاح الذي تحدثنا عنه، وإلا لكان يجب أن يكون سعيد بن المسيب وعروة والشافعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة والحسن والزُّهْرِي من أكذب الناس في الحديث، ومن يقول هذا؟ ويدلك على ذلك قول يحيى بن سعيد القطان الذي قال بمثل ما قال أبو عاصم قد ذكره مسلم في " مقدمة صحيحه " وهو يتحدث عن وجوب الاحتياط في قبول الأخبار وعدم الأخذ مِمَّنْ كثر غلطه وساءت عقيدته وعرفت غفلته، كهؤلاء الصالحين، ثم قال مسلم بعد ما ذكر قول يحيى بن سعيد القطان: أي يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدونه. فهل ترى مسلماً يريد بالصالحين هنا أئمة الحديث الثقات المُتَثَبِّتِينَ فيكونوا كَذَّابِينَ؟ أم يُخرج هؤلاء المُحَدِّثِين الثقات عن حظيرة الصلاح فيكون البخاري وأحمد والأوزاعي ومسلم نفسه غير صالحين؟ واسمع تفسيراً آخر للصالحين غير ما ذكرناه من قبل. قال الشعراني في " العهود الكبرى ": وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا - رَحِمَهُ اللهُ - يقول: «إنما قال

بعض المُحَدِّثِين: «أكذب الناس الصالحون» لغلبة سلامة بواطنهم، فيظنون بالناس الخير، وأنهم لا يكذبون على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمُرادُهم بالصالحين المُتَعَبِّدُونَ الذين لا غوص لهم في علم البلاغة فلا يفرقون بين كلام النبوة وغيره، بخلاف العارفين، فإنهم لا يخفى عليهم ذلك (¬1). أما ما نقله «جولدتسيهر» من قول وكيع عن زياد بن عبد الله البكَائي «مِنْ أَنَّهُ كَانَ - مَعَ شَرَفِهِ فِي الحَدِيثِ - كَذُوباً». فهذه إحدى تحريفات هذا المستشرق الخبيث، فأصل العبارة كما وردت في " التاريخ الكبير " للإمام البخاري: وقال ابن عقبة السَدُوسي عن وكيع: «هُوَ (أَيْ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ». اهـ من القسم الأول - الجزء الثاني ص 329. فأنت ترى أن وكيعاً ينفي عن زياد بن عبد الله الكذب مطلقاً لا في الحديث فحسب، وأنه أشرف من أن يكذب، فحَرَّفَها هذا المستشرق اليهودي إلى «أَنَّهُ كَانَ - مَعَ شَرَفِهِ فِي الحَدِيثِ - كَذُوباً». وهكذا تكون أمانة هذا المستشرق! وأما أمر التدليس فليس هو كما يتبادر من لفظه اللغوي أنه الغش والتزوير الذي يعتبر صاحبه كذاباً، بل هو اصطلاح خاص بِالمُحَدِّثِينَ وهو عندهم قسمان. وإليك عبارة الشيخ ابن الصلاح - رَحِمَهُ اللهُ -: «التدليس قسمان: أحدهما: تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، مُوهِمًا أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه مُوهِمًا أنه قد لقيه وسمعه منه، ... والثاني: تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حَدِيثًا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف ... أما القسم الأول: فمكروه جِدًّا ذَمَّهُ أكثر العلماء» وبعد أن ذكر اختلافهم في قبول رواية المدلس. قال: «وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُدَلِّسُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ وَالاتِّصَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ وَأَنْوَاعِهِ، وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُبَيِّنٍ لِلاتِّصَالِ نَحْوَ (سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا) وَأَشْبَاهِهَا فَهُوَ مَقْبُولٌ مُحْتَجٌّ بِهِ». وفي " الصَحِيحَيْنِ " وغيرهما من الكتب ¬

_ (¬1) " قواعد التحديث للقاسمي ": ص 147.

11 - الاعتراف بصحة الحديث (شكلي):

المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جِدًّا، كقتادة والأعمش والسفيانين وهُشيم بن بشير وغيرهم، وهذا لأن التدليس ليس كذباً وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل» ثم قال: «وأما القسم الثاني: فأمره أخف ... » إلخ. ومنه يتبين أن السفيانان وغيرهما مِمَّنْ لم يكن تدليسهم جارحاً وأن روايتهم في كتب الصحاح مقبولة ثابتة، فلا معنى للتهويش باصطلاح خاص في دعوى خطيرة كوضع (العلماء الأتقياء للحديث) على أن ما ذكره إنما هو علماء بلد واحد من بلاد الإسلام وهي الكوفة، فكيف ينطبق على سائر البلاد الإسلامية الأخرى، وقد قال الحاكم في كتابه " معرفة علوم الحديث ": «أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَالْحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ وَالْعَوَالِي، لَيْسَ التَّدْلِيسُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ خُرَاسَانَ، وَالْجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ، وَبِلاَدُ فَارِسَ، وَخَوْزِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهَرِ لاَ يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ دَلَّسَ، وَأَكْثَرُ المُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ». على أن علماء الحديث اعتذروا للسفيانين بأعذار مقبولة. فأما سفيان بن عُيينة فقد قالوا: كان يدلس على الثقات فيقبل تدليسه لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما، وهذا ما رجحه ابن حبان، وقال: هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة (¬1). وأما سفيان الثوري، فقالوا: كان تدليسه من قبيل إبدال الاسم بالكنى أو العكس، وهذا تزيين وليس بتدليس، حكاه البيهقي في " المدخل " عن أبي عامر. 11 - الاِعْتِرَافُ بِصِحَّةِ الحَدِيثِ (شَكْلِيٌّ): ثم قال جولدتسيهر: «وقد شعر المُسْلِمُونَ في القرن الثاني بأن الاعتراف بصحة الأحاديث يجب أن يرجع إلى (الشكلي) فقط، وأنه يوجد بين الأحاديث الجيدة الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة، وساعدهم على هذا ما ورد من الحديث " سَيَكْثُرُ التَحْدِيثُ عَنِّي، فَمَنْ حَدَّثَكُمْ بِحَدِيثٍ فَطَبِّقُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ فَمَا ¬

_ (¬1) " شرح ألفية العراقي ": 1/ 84 وتمامه: «فإنه كان لا يدلس إلا عن ثقة ... »

12 - نقد ابن عمر لأبي هريرة:

وَافَقَهُ فَهُوَ ِمنِّي، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ "، هذا هو المبدأ الذي حدث بعد قليل عند انتشارالوضع». افترى المستشرق هنا على علماء الإسلام في موضعين: الأول: زعمه بأن الاعتراف بصحة الحديث شكلي فقط، وأنه يوجد بين الأحاديث الجيدة الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة، وهذا افتراء منه عليهم وَهُمْ لم يقولوا بذلك قطعاً، وكيف يعترفون بأن هنالك كثيراً من الأحاديث الموضوعة هي جيدة الإسناد؟ وإنما الذي قاله العلماء حين بحثوا مسالة العمل بخبر الواحد: هل يفيد القطع أو الظن؟ فذهب بعضهم إلى أنه يفيد القطع وذهب الجمهور إلى أنه يفيد الظن لأنه وإن كان صحيحاً بحسب الشروط والقواعد العامة، إلا أنه يحتمل ألاَّ يكون صحيحاً (في الواقع) وهذا منهم مجرد احتمال عقلي دعاهم إليه الاحتياط في دين الله والتثبت في الأحكام، فأين هذا مِمَّا ينقله عنهم هذا المستشرق .... الثاني: زعمه أن المبدأ الذي حدث بعد قليل هو حديث «سَيَكْثُرُ التَحْدِيثُ عَنِّي ... الخ» وهذا افتراء محض، إذ أن هذا الحديث نقده الأئمة وحكموا بوضعه، وقد قدمنا شيئاً من ذلك عند الكلام على حُجِيَّةِ الأخبار، وقدمنا ما قاله الشافعي. [الثالث]: زعمه أن المبدأ الذي حدث بعد قليل هو حديث «سَيَكْثُرُ التَحْدِيثُ ... » الذي حكموا بوضعه هو القاعدة التي ساروا عليها والمبدأ الذي قالوا به؟ ... 12 - نَقْدُ ابْنِ عُمَرَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: واستدل لما ذكره «جولدتسيهر» عن العلماء سابقاً بما روي من نقد ابن عمر لأبي هريرة في حديث [«أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ»] وقد أشبعنا هذا الحديث بحثاً عند نقاشنا للأستاذ «أحمد أمين» الذي اهتدى بملاحظة المستشرق، فأثارها هنا على أنها ملاحظه منه، ومرحى مرحى للعلم والعلماء!. 13 - الصُّحُفُ المَكْتُوبَةَ: وختم المستشرق بحثه بأن العلماء لم يكتفوا بالروايات الشفهية لإثبات قواعدهم الفقهية، بل اخترعوا الصحف المكتوبة التي زعموا أنها تُبَيِّنُ إرادة الرسول وعنى بذلك مسألة، «تعريف الصدقة» وتعرض للروايات التي تنص على وجود

صحف متعددة تحتوي على نظام مفصل للدفع، ثم مثل لسهولة قبول الناس بهذا النوع من الوثائق، بالحلف المكتوب الذي أعلن حين النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب، ويرجع تاريخه إلى عصر تُبَّعْ بْنِ مَعْدِ يَكْرَبْ، فصدقه الناس رغم قدمه فكيف لا يصدقون ما هو أحدث منه .. ؟ هذا ولا شك تهجم آخر على المُسْلِمِينَ وعلمائهم لا سند له من التاريخ، فإن هذه النصوص المكتوبة التي ظهرت في القرن الأول أو الثاني لم يتقبلها العلماء كما زعم «جولدتسيهر» من غير أن يبحثوا عن صحتها، بل نقدوها وَأَجْرَوْهَا على قواعدهم الدقيقة التي ذكرناها من قبل، ولذلك حكموا بالوضع على مثل نسخ ابن هدبة ودينار وأبي الدنيا الأشج وغيرهم. أما الكتب التي تفصل شؤون الزكاة وأنصبتها في الإبل والبقر والغنم، فقد كان لها من عنايتهم ونقدهم النصيب الأوفى، وقد أجمع العلماء على صحة كتاب أبي بكر إلى أنس وَخَرَّجَهُ البخاري والنسائي وأبو داود والدارقطني والشافعي والحاكم والبيهقي، واختلفوا في غيره من الكتب بين تصحيح وتحسين ومنها ما جاء مُرْسَلاً، ومنها ما جاء منقطعاً، وأيا ما كان فإن بحوثهم - لمن أراد أن يرجع إليها في مظانها - تدل دلالة قاطعة على أنهم لم يتلقوها بالقبول بدون نقد، وعلى أنهم لم يعتمدوا فقط على مجرد النص المكتوب، بل رَوَوْا محتوياته، بالطرق المعتادة، مشافهة راوياً عن رَاوٍ وهكذا، فكان اعتمادهم عليها من ناحيتين، النص المكتوب والرواية الشفوية المتصلة، وأياً ما كان فما علاقة هذا بالوضع في الحديث؟ وهل يتخذ من وجود نص قديم مكتوب منذ عهد الرسول دليلاً على أنهم كانوا يخترعون الكتب حين تعوزهم الروايات! وهل يعجز الذين وضعوا الحديث في مختلف نواحيه أن يضعوا بضعة أحاديث تفصل مقدار الزكاة دُونَ أن يلجؤوا إلى اختراع نص مكتوب؟ ومتى كان الاختلاف في صحة نص في مسألة وردت فيها عدة نصوص، دليلاً على أن كل ما ورد موضوع لا أساس له؟؟ أما قضية النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب، وتصديقهم نصاً مكتوباً

من عصر تُبَّعٍ، فهذا من أغرب الأمور في هذا الموطن، إن الناس يتساهلون في كل شيء وقد يصدقون كل شيء، إلا أن يكون متصلاً برسول الله منسوبًا إليه، فهنا تنفتح العيون، وهنا يقوم البحث والاستقصاء، لأن هذا دين، وما كان لأحد أن يقبل دين الله بالوهم والظن والهوى، ثم إن الذين قبلوا النص المكتوب في النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب لم يكونوا من علماء الحديث، فما صلة هذا الموضوع؟ الحق أن هذا المستشرق من أقل الناس حياءً في مجال العلم، فهو كما رأيت يخترع الأكذوبة ويتخيَّلها، ويركب لها في نفسه هيكلاً، ثم يلتقط من هنا وهناك ما يوهم أنه يؤيده فيما ادَّعَى ولا يبالي أن يكذب في النصوص أو يغالط في الفهم، أو يستدل بما ليس بدليل وَيُعْرِضُ عما يكون دليلاً قاطعًا، ولكن ضد فكرته، وليس أدل على تَحَيُّزِهِ وَبُعْدِهِ عن الإنصاف، وتعصبه لآرائه من أن يرفض نصوصًا قاطعة أجمع على صحتها أهل العلم، بنصوص ملفقة من كتاب كـ " [حياة] الحيوان " للدميري، أو كتاب " ألف ليلة وليلة " أو " العقد الفريد "، أو " الأغاني " أو غيرها من كتب الأدب التي تجمع ما هَبَّ وَدَبَّ، وما صح وما لم يصح، فهذا شأن قوم يزعمون التجرد للعلم؟ وهل هؤلاء هم الذين اتخذهم أمثال أحمد أمين أئمة يهتدون بهديهم في تكذيب الصحابة وتجريح التابعين والتهجم على علمائنا في مجال النقد والتمحيص؟ سبحانك تهدي من تشاء وتضل من تشاء {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (¬1). ¬

_ (¬1) [سورة الأنعام، الآية: 125].

الفصل السابع: السنة مع بعض الكاتبين حديثا:

الفَصْلُ السَّابِعُ: السُنَّةُ مَعَ بَعْضِ الكَاتِبِينَ حَدِيثًا: قدمنا لك شُبْهَةَ بعض الطوائف الإسلامية عَلَى السُنَّةِ وَشُبْهَةِ أحد المعاصرين عَلَى السُنَّةِ وإنكاره لحجيتها، وهذا لون آخر من ألوان الهجوم عَلَى السُنَّةِ يقوم به فريق من المُسْلِمِينَ الذين تتلمذوا على المُسْتَشْرِقِينَ، وهو هجوم لا يبدو واضحاً سافراً، كما بدت آراء المُسْتَشْرِقِينَ من قبل، بل مُقَنَّعاً بستار العلم والبحث، مُتَجَنِّباً المصارحة، مفضلا المواربة والمخاتمة، حتى لا يثير صاحبه عليه ثائرة الجمهور وسترى أن هذا اللون أخبث أثراً، وأسوأ نتيجة وأقوى سلاحا والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل. من أبرز الكُتَّابِ المُعَاصِرِينَ الذين سلكوا هذا السبيل (المرِحوم) أحمد أمين خِرِّيجُ القضاء الشرعي وعميد كلية الآداب سابقاً مؤلف كتاب " فجر الإسلام " و" ضُحَاهُ "، و" ظُهْرُهُ " وقد تحدث في: " فجر الإسلام " عن «الحديث» فَمَزج السُمَّ بالدسم، وخلط الحق بالباطل، وها أنا أذكر هنا خلاصة ما رأيت فيه تحريفاً للحقائق الإسلامية، انحرافاً عن جادة الصواب وتحاملاً على فريق من كبار الصحابة والتَّابِعِينَ. خُلاَصَةُ فَصْلِ «الحَدِيثِ» فِي " فَجْرُ الإِسْلاَمِ ": أفرد الأستاذ أحمد أمين في كتابه " فجر الإسلام " فصلاً خَاصًّاً بالحديث استغرق نحواً من عشرين صحيفة، حاول فيه أن يؤَرِّخَ السُنَّةَ وتدوينها، فَبَيَّنَ معنى السُنَّة وقيمتها في الشرع، ثم ذكر أن الحديث لم يُدَوِّنُ في عهد الرِسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل كان بعض الصحابة يكتبون لأنفسهم فقط، وأن الصحابة كانوا فريقين بعد وفاة الرسول، فمنهم من كان يكره التحديث عنه بكثرة، وكان يطلب من الراوي دليلاً على صحة ما يروي، ومنهم من كان يكثر في الرواية، ونشأ عن

عدم تدوين الحديث في كتاب خاص، واكتفائهم بالاعتماد على الذاكرة، كثرة الوضع والكذب على الرسول، واستظهر أن الكذب عليه بدأ في عهده قبل وفاته، وأشار إلى أن دخول الشعوب في الإسلام كان له أثر كبير في الوضع الذي بلغ من الكثرة أن اختار الإمام البخاري " صحيحه " من ستمائة ألف حديث كانت شائعة في عصره، ثم ذكر أهم الأمور الي حملت على الوضع - وقد تعرضنا لها في بحوثنا السابقة - وذكر منها تغالي الناس في إعراضهم عن العلم إلا ما اتصل بالكتاب وَالسُنَّةُ اتصالاً وثيقاً، وانتهى من ذلك إلى بيان جهود العلماء في مكافحة الوضع، وذكر ما يؤخذ عليهم من أنهم لم يعنوا بنقد المتن عُشْرَ ما عنوا بنقد السند، ثم تكلم عن أكثر الصحابة حَدِيثًا فذكر أبا هريرة، وقال عنه: إنه لم يكن يكتب، بل كان يُحَدِّث من ذاكرته، وأنه كان يُحَدِّث بما لم يسمعه هو مباشرة من النَّبِيّ- عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وإن بعض الصحابة شَكُّوا في حديثه وبالغوا في نقده، ثم ختم هذا الفصل بالأدوار التاريخية الي مَرَّ بها تدوين السُنَّة حتى عصر البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب " الكتب الستة ". تلك هي خلاصة فصل الحديث من صحيفة 255 إلى 274 وأريد أن أُنَبِّهَ قبل الانتقال إلى نقده تفصيلياً إلى أن رأي المرحوم الأستاذ أحمد أمين في السُنَّة معروف، فقد نشر أحد الملاحدة المُسْلِمِينَ في مصر (إسماعيل أدهم) رسالة في عام 1353 هـ عن تاريخ السُنَّة، أعلن فيها أن هذه الثروة الغالية من الحديث الموجودة بين أيدينا، والتي تضمنتها كتب الصحاح، ليست ثابتة الأصول والدعائم، بل هي مشكوك فيها ويغلب عليها صفة الوضع، وقد قوبلت هذه الرسالة بنقمة الأوساط الإسلامية. حتى اضطرت الحكومة المصرية بناء على طلب مشيخة الأزهر إلى مصادرة الرسالة من الأيدي، وقد اضطر إلى أن يدافع عن نفسه في كتاب أرسله إلى إحدى المجلات الإسلامية (¬1) زعم فيه أن ما ذهب إليه من الشك في صحة السُنَّة لم ينفرد به، بل قد وافقه عليه جماعة من كبار الأدباء والعلماء، وذكر منهم الأستاذ أحمد أمين بكتاب أرسله إليه، وانتظرنا أن يُكَذِّبَ الأستاذ هذا الزعم فلم يفعل، بل كتب في ¬

_ (¬1) " مجلة الفتح ": عدد 494، ص 12.

هل بدأ الوضع في عهد الرسول؟:

بعض المجلات الأسبوعية الأدبية (¬1) ما يفيد تَأَلُّمَهُ مِمَّا حصل لصاحبه، واعتبار ذلك محاربة لحرية الرأي وحجر عثرة في سبيل البحوث العِلْمِيَّةِ. ولما ثار النقاش في الأزهر حول الإمام الزُّهْرِي عام 1360 هـ قال الأستاذ أحمدأمين للدكتور علي حسن عبد القادر وهو الذي أثيرت الضجة حوله: «إِنَّ الأزهر لاَ يقبل الأراء العِلْمِيَّةَ الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبًا من أقوال المُسْتَشْرِقِينَ ألاَّ تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريِّين على أنها بحث منك، وألبسها ثوبًا رقيقًا لا يزعجهم مسها، كما فعلتُ أنا في " فجر الإسلام " و" ضُحَاهُ " هذا ما سمعته من الدكتور علي حسن يؤمئذٍ نقلاً عن الأستاذ أحمد أمين، فإذا نقدنا آراءه وَبَيَنَّا ما فيها من تشكيك بِالسُنَّةِ وتحريف للحقائق الإسلامية، فلن نكون مِمَّنْ يَتَصَيَّدُونَ التُّهَمَ لإيقاع بريء في شباك الجريمة، بل مِمَّنْ يجمعون الأدلة للتحقيق مع مُتَّهَمٍ أحيط بالشبهات، ونسبت إليه أقوال في التهمة المنسوبة إليه .. على ضوء هذه الحقيقة سيكون نقدي لما جاء في " فجر الإسلام " عَنْ السُنَّةِ وتاريخها، وقد كنتُ نشرت في هذا العنى أبحاثًا مستفيضة في حياة الأستاذ أحمد أمين، واطلع عليها واعترف بأنها أول نقد علمي لكتابه " فجر الإسلام " (¬2). هَلْ بَدَأَ الوَضْعُ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ؟: قال صاحب " فجر الإسلام " ص 258 متكلمًا عن نشأة الوضع: «ويظهر أََنَّ هذا الوضع حدث في عهد الرسول، فحديث: «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» يغلب على الظن أنه إنما قيل لحادثة زُوِّرَ فيها على الرسول» وهذا الذي استظهره لا سَنَدَ له في التاريخ الثابت، ولا في سبب الحديث المذكور كما جاء في الكتب المعتمدة. أما التاريخ، فقاطع بأنه لم يقع في حياة الرسول أَنَّ أحدًَا مِمَّنْ أسلم وَصَحِبَهُ زَوَّرَ عليه كلاماً ورواه على أنه حديثه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ولو وقع مثل هذا ¬

_ (¬1) هي " مجلة الرسالة ". (¬2) أخبرنى بذلك العالم الباحث الدكتور علي عبد الواحد وافي في إحدى مجالسنا بدار مجلة " الفتح " للأستاذ الكبير محب الدين الخطيب.

لتوافر الصحابة على نقله لشناعته وفضاعته، كيف وقد كان حرصهم شديداً على أن ينقلوا لنا كل ما يتصل به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى مشيه وقعوده، ونومه، ولباسه، وعدد الشعرات البيض في رأسه الشريف؟. وأما الحديث المذكور فقد اتفقت كُتُبُ السُنَّة الصحيحة المعتمدة على أن الرسول إنما قاله حين أمرهم بتبليغ حديثه إلى من بعدهم، فقد أخرج " البخاري " في باب ما ذكر عن بني إسرائيل من طريق عبد الله بن عمرو أن النَّبِيّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ (¬1)، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وروى مسلم من طريق أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وروى الترمذي عن ابن عباس عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوسَى الْغَافِقِيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَسَتَرْجِعُونَ إِلَى قَوْمٍ يُحِبُّونَ الْحَدِيثَ عَنِّي، فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ حِفْظَ عَنِّي شَيْئًا [فَلْيُحَدِّثْهُ]» (¬2) ورواه غيرهم أيضاًً بهذا المعنى. وظاهر من هذه الروايات أن النَّبِيَّ وقد علم أن الإسلام سينتشر وسيدخل فيه أقوام من أجناس مختلفة، نَبَّهَ بصورة قاطعة على وجوب التَحَرِّي في الحديث عنه، وَتَجَنُّبِ الكذب عليه بما لم يقله، ووجه الخطاب في ذلك إلى صحابته، لأنهم هم المثبَلِّغُونَ إلى أُمَّتِهِ من بعده، وهم شهداء نبوته ورسالته: وليس في هذه الروايات إشارة قط إلى أن هذا الحديث إنما قيل لوقوع تزوير على النَّبِيّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهنالك روايتان تذكران للحديث سبباً غير ما ذكرته الروايات السابقة: ¬

_ (¬1) أي في أخبار الأمم السابقة مِمَّا لا يعارض ما جاء في الكتاب وَالسُنَّةِ الصحيحة. (¬2) ورواه الطحاوي في " مشكل الآثار ": 1/ 171 بقريب من هذه الألفاظ، وفيه يذكر أبو موسى الغافقي أن الرسول - عَلَيْهِ السَلاَمُ - قال ذلك في حَجَّةِ الوَدَاعِ.

(الأولى) ما أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار " عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى قَوْمٍ فِي جَانِبِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أَحْكُمَ بِرَأْيِي فِيكُمْ فِي كَذَا، وَفِي كَذَا وَقَدْ كَانَ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ فَذَهَبَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَبَعَثَ الْقَوْمُ إلَى النَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ: «كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ» ثُمَّ أَرْسَلَ رَجُلاً فَقَالَ: «إنْ أَنْتَ وَجَدْتَهُ حَيًّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَمَا أُرَاكَ تَجِدُهُ حَيًّا، وَإِنْ وَجَدْتَهُ مَيِّتًا فَحَرِّقْهُ» [فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ] فَوَجَدَهُ قَدْ لُدِغَ فَمَاتَ فَحَرَّقَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ ... إلخ» (¬1). (الثانية) ما أخرج الطبراني في " الأوسط " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ، أَنَّ رَجُلاً لَبِسَ حُلَّةً مِثْلَ حُلَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَتَى أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَيَّ أَهْلِ بَيْتٍ شِئْتُ اسْتَطْلَعْتُ، [فَقَالُوا: عَهْدُنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَوَاحِشِ قَالَ:] فَأَعَدُّوا لَهُ بَيْتًا، وَأَرْسَلُوا رَسُولاً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «انْطَلِقَا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتُمَاهُ حَيًّا فَاقْتُلاَهُ، ثُمَّ حَرِّقَاهُ بِالنَّارِ، وَإِنْ وَجَدْتُمَاهُ قَدْ كُفِيتُمَاهُ فَحَرِّقَاهُ، وَلاَ أَرَاكُمَا إِلاَّ وَقَدْ كُفِيتُمَاهُ»، فَأَتَيَاهُ فَوَجَدَاهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ يَبُولُ، فَلَدَغَتْهُ حَيَّةٌ أَفْعَى، فَمَاتَ، فَحَرَّقَاهُ بِالنَّارِ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ ... » الحديث. والكلام على هاتين الروايتن من وجوه: أَوَلاًً - أن مَتْنَهُمَا مُنْكَرٌ، عليه أمارات الوضع واضحة، فلسنا نعلم من سيرة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يأمر بإحراق الموتى، ولم تنقل لنا كُتُب السُنَّةِ المعتمدة أنه فعل ذلك ولو مَرَّةً واحدة. ثَانِياً - أن سندهما ضعيف وفي رُوَاتِهِمَا من لا يقبل حديثه، ولذلك حكم السخاوي على هذه القصة بالوضع فقال: (لا تصح). ثَالِثاًً - على فرض الصحة فإنهما صريحتان في أن سبب الحديث تزوير في حادث دنيوي خاص بِالمُزَوِّرِ، وأين هذا من التزوير في حدث ديني، عام يروى ¬

_ (¬1) " مشكل الآثار ": 1/ 164.

للمسلمين على أنه حديث رسولهم، وكيف يكون التزوير في حادث دنيوي وهو حادث واحد لا يروي الرُوَاة غيره، دليلاً على أن الوضع في الحديث النبوي قد بدأ في حياة الرسول ذاته؟. رَابِعاًً - من الواضح في هاتين الروايين أن الذي فعل هذا الحادث مجهول، وقد جاء قوما خارج المدينة، ويغلب على الظن انه لم يلق النَّبِيّ - عَلَيْهِ السَلاَمُ - بل ربما لم يكن أسلم فهو ليس من الصحابة، فلا مستند فيه لمن يريد التشكيك في صدق الصحابة. بهذا تعلم أنه سواء كان سبب الحديث ما ذكرته كُتُبُ السُنَّة المعتمدة، أو ما جاء في تلك الروايتين اللتين حكم عليهما بعض النُقَّادِ بعدم الصحة، فليس فيه ما يدل على حصول الوضع في عهد الرسول، فاستظهار ذلك خطأ قائم على غير أساس فلا يصح الذهاب إليه، لا سيما وأن مِنْ أَوَّلِ نتائجه نسبة الكذب إلى أصحاب الرسول - عَلَيْهِ السَلاَمُ -، وهو مناف للحق والواقع، والمعروف من تاريخ هؤلاء الأصحاب، ومخالف لما ذهب إليه جمهور المُسْلِمِينَ من عدالتهم على الإطلاق لم يشذ في ذلك إلا الشِيعَةُ وطوائف الخوارج والمعتزلة، - كما سبق - فإن كان، الأستاذ يريد بما استظهره الإشارة إلى هذا الرأي المنبوذ، والتمهيد لما سيذكره عن أبي هريرة، ونقد الصحابة، بعضهم لبعض، ليضع بذلك أول (لُغْمٍ) في بناء السُنَّةِ فقد أخطأ الطريق وجانب الحق وبنى أمراً خطيراً على ظنون لا يؤيدها تاريخ صحيح ولا حدت ثابت. ومن الإنصاف للأستاذ أن نقول بعدئذ: إن هذا الاستظهار لم يكن وليد بحثه وتفكيره، بل هو يكاد يكون بنص عبارته ماخوذاً من خطبة منسوبة إلى الإمام عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في " نهج البلاغة " (¬1)، وقد نقل الأستاذ بعد كلامه هذا بصحيفتين كلاماً عن ابن أبي الحديد في شرح الخطبة المذكورة مِمَّا يدل على أنه مطلع عليها بيقين، ولكن إن كان لِغُلاَةِ الشِيعَةِ هَوًى في تجريح الصحابة ورميهم بالكذب، ليخلصوا إلى إمامة عَلِيٍّ وعصمة الأئمة من بعده، فما هو هَوَى الأستاذ في هذا إلا أن يكون غرضه التشكيك بهم وَهُمْ نَقَلَةُ السُنَّةِ إلينا وعنهم أخذناها؟ ¬

_ (¬1) " شرح ابن ابي الحديد ": 3/ 13.

أحاديث التفسير:

أَحَادِيثُ التَّفْسِيرِ: وقال في ص 529: «وحسبك دليلاً على مقدار الوضع أن أحاديث التفسير التي ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: «لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ»، قد جمع فيها آلاف الأحاديث، وأن البخاري وكتابه يشتمل على سبعة آلاف حديث منها نحو ثلاثة آلاف مُكَرَّرَةٌ، قالوا: إنه اختارها وَصَحَّتْ عنده من ستمائة ألف حديث كانت متداولة في عصره». كثرة الوضع في الحديث مِمَّا لا ينكره أحد، ولكنه أراد أن يستدل على مقدار الوضع فاستشهد بشيئين: أحاديث التفسير، وأحاديث البخاري. وظاهر عبارته في أحاديث التفسير أنه يُشكِّكُ فيها كلها إذ ينقل عن الإمام أحمد أنه قال: «لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ» (¬1). مع أنهم قد جمعوا فيها مئات الأحاديث، والإمام أحمد لا تخفى مكانته في السُنَّةِ، فإذا قال في أحاديث التفسير: لم يصح منها شيء كان كل ما روي فيها شُكُوكاً بصحته إن لم يحكم عليه بالوضع، أليست هذه نتيجة منطقية لكلام الأستاذ؟ والكلام معه في مقامين. الأول: في أحاديث التفسير. والثاني: فيما نقله عن الإمام أحمد. أما أحاديث التفسير، فلا يخفى على كل من طالع كُتُبَ السُنَّةِ أنها أثبتت شيئاً كثيراً منها بطرق صحيحة لا غبار عليها، وما من كتاب في السُنَّةِ إلا وقد أفرد فيه مؤلفه باباً خَاصًّاً لما ورد في التفسيرعن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو الصحابة أو التَّابِعِينَ، وقد اشترط علماء التفسير على من يُفَسِّرُ كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ - أن يعتمد فيه على ما نقل عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك. قال الإمام أبو جعفر الطبري في " تفسيره ": «إِنَّ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ، عَلَى نَبِيِّهِ ¬

_ (¬1) وقد سبق له أن نقل هذا القول عن أحمد في بحثه السابق عن القرآن في كتابه " فجر الإسلام ".

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا لاَ يُوصَلُ إِلَى عِلْمِ تَأْوِيلِهِ، إِلاَّ بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ تَأْوِيلُ جَمِيعِ مَا فِيهِ، مِنْ وجُوهِ أَمْرِهِ: وَوَاجِبِهِ، وَنَدْبِهِ، وَإِرْشَادِهِ». إلى آخره (¬1). وقال أبوحيان الأندلسي المُفَسِّرُ صاحب " البحر المحيط " في صدد ما يحتاج إليه المُفَسِّرُ: (الوجه الرابع) تعيين مبهم، وتبين مجمل، وسبب نزول، ونسخ. ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذلك من علم الحديث، وقد تضمنت الكتب والأمهات التي سمعناها ورويناها ذلك كالصحيحين، والجامع للترمذي، وسنن أبي داود ... وأخذ يعدد كتب السُنَّة. وفي " الاتقان " للسيوطي (¬2) قال ابن تيمية: «يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لأَصْحَابِهِ مَعَانِي الْقُرْآنِ، كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ، فقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬3) يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا. هذاو قد قسَّم الزركشي القرآن إلى قسمين: قسم ورد تفسيره بالنقل، وهو إما عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو الصحابة والتَّابِعِينَ، وقسم لم يرد. فأنت ترى أنهم جعلوا التفسير بين منقول وغير منقول، وأوجبوا على المُفَسِّرِ أن يرجع إلى الأول ويعرفه، ولو لم يصح فيه شيء بل لو لم يصح منه شيء كثير لما فعلوا ذلك، وهنالك من العلماء من ذهب إلى أنه لا يجوز التفسير إلا بما ورد عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال السيوطي في " الإتقان " (¬4): «اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ هَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ الْخَوْضُ فِيهِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: لاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَتَعَاطَى تَفْسِيرَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدِيبًا مُتَّسِعًا فِي مَعْرِفَةِ الأَدِلَّةِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالأَخْبَارِ وَالآثَارِ وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ ... إلخ». وهذا وإن كان خلاف المعتمد إلا أنه يدل على أن هنالك آثاراً في التفسير لا يصح تجاهلها ولا يسوغ لأي عالم إنكارها، كيف وقد ذكر الشافعي في " مختصر ¬

_ (¬1) 1/ 25 من الطبعة الأميرية. (¬2) 2/ 176 طبع مصطفى البابي - الطبعة الثانية. (¬3) [سورة النحل، الآية: 44]. (¬4) 2/ 180.

البُوَيْطِي " أنه لا يحل تفسير المتشابه إلا بِسُنَّةٍ عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو خبر عن أحد من أصحابه: أو إجماع العلماء، نعم إن الذي نقل عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تفسيره، أقل مِمَّا لم ينقل، وأن ما صح عنه أقل مِمَّا لم يصح، ولكن هذا لايجوز تشكيك الناس في جملته. وأما ما نقله عن الإمام أحمد في أحاديث التفسير، فهو يشير إلى ما روي عنه من قوله: «ثَلاَثَةُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ: التَفْسِيرُ، وَالمَلاَحِمُ وَالمَغَازِي»، وفي رواية: «[ثَلاَثَةُ] كُتُبٍ لاَ أَصْلَ لَهَا: المَغَازِي وَالمَلاَحِمُ وَالتَفْسِيرُ» والكلام عن هذه العبارة من وجوه: أَوَلاًً - أن في النفس من صحتها شَيْئًا، فإن الإمام أحمد نفسه قد ذكر في " مسنده " أحاديث كثيرة في التفسير. فكيف يعقل أن يُخْرِجَ هذه الأحاديث ويثبتها عن شيوخه في " مسنده "، ثم يحكم بأنه لم يصح في التفسير شيء؟ وأيضاًً فمقتضى هذه العبارة أن يكون كل ما روي عن أخبار العرب ومغازي المُسْلِمِينَ مكذوباً من أصله، ومن يقول بهذا؟ ثَانِياًً - إِنَّ نفي الصحة لا يستلزم الوضع أو الضعف، وقد عرف عن الإمام أحمد خاصة نفي الصحة عن أحاديث وهي مقبولة، وقالوا في تأويل ذلك: إن هذا اصطلاح خاص به، قال اللَّكْنَوِي في " الرفع والتكميل " (¬1) «كَثِيراً مَا يَقُولُونَ " لاَ يَصِحُّ "، وَ " لاَ يَثْبُتُ " هَذَا الحَدِيثُ، وَيُظَنُّ مِنْهُ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، أَوْ ضَعِيفٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَهْلِهِ بِمُصْطَلَحَاتِهِمْ وَعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى مُصَرَّحَاتِهِمْ»، فقد قال علي القاري في " تذكرة الوضوعات ": «لاَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ وُجُودُ الوَضْعِ». وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار المسمى بـ " نتائج الأفكار ": ثبت عن أحمد ابن حنبل أنه قال: «لا أعلم في التسمية (أي التسمية بالوضوء) حَدِيثًا ثابتاً»، قلت: (أي ابن حجر): «لاَ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ العِلْمِ ثُبُوتُ العَدَمِ، وَعَلَى التَنَزُّلِ: لاَ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الثُّبُوتِ ثُبُوتُ الضَّعْفِ، لاِحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بَالثُّبُوتِ الصِحَّةَ، فَلاَ يَنْتَفِي الحُسْنُ» اهـ. ¬

_ (¬1) ص 86 من طبعة حلب.

هل استوعب البخاري كل الصحيح في " جامعه "؟:

ثَالِثاًً - الإمام أحمد لم يقل: إنه لم يصح في التفسير شيء، وإنما قال: «ثَلاَثَةُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ»، والظاهر أن مراده نفي كتب خاصة بهذه العلوم الثلاثة، بدليل ما جاء في الرواية الثانية مُصَرِّحاً به «ثَلاَثَةُ كُتُبٍ». وهذا المعنى هو ما فهمه الخطيب البغدادي، حيث قال: «وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كُتُبٍ مَخْصُوصَةٍ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ [غَيْرِ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهَا لِعَدَمِ عَدَالَةِ نَاقِلِيهَا وَزِيَادَاتِ الْقُصَّاصِ فِيهَا فَأَمَّا كُتُبُ الْمَلاَحِمِ فَجَمِيعُهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلْيَسَ يَصِحُّ فِي ذِكْرِ الْمَلاَحِمِ الْمُرْتَقَبَةِ وَالفِتَنِ الْمُنْتَظَرَةِ غَيْرُ أَحَادِيثَ يَسِيرَةٍ، وَأَمَّا كُتُبُ التَّفْسِيرِ] فَمِنْ أَشْهَرَهَا كِتَابَا الْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي " تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ ": " مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ كَذِبٌ [قِيلَ لَهُ: فَيَحِلُّ النَّظَرُ فِيهِ؟] قَالَ: لاَ "». رَابِعاًً - يحتمل أن يكون مُرَادُ الإمام أحمد في عبارته المذكورة أن ما صح من التفسير قليل بالنسبة لما لم يصح، وعلى هذا المعنى حملها كثير من أهل العلم. ففي " الإتقان " (¬1)، قال ابن تيمية: «وَأَمَّا القِسْمُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ فَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَإِنْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: " ثَلاَثَةٌ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ: التَّفْسِيرُ وَالْمَلاَحِمُ وَالْمَغَازِي" وَذَلِكَ لأَنَّ الغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ». وقال الزركشي في " البرهان " (¬2): «لِلْنَّاظِرِ فِي القُرْآنِِ لِطَالِبِ التَّفْسِيرِِ مَآخِذُ كَثِيرَةٌ أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ: الأَوَّلُ: النَّقْلُ عَنْ [رَسُولِ اللَّهِ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الطِّرَازُ [الأَوَّلُ] (*) لَكِنْ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنَ الضَّعِيفِ [فِيهِ] وَالْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ، [وَإِنَّ سَوَادَ الأَوْرَاقِ سَوَادٌ فِي الْقَلْبِ قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سمعت أحمد بن حنبل يقول]: " ثلاثة كُتُبٍ لَيْسَ لَهَا أُصُولٌ الْمَغَازِي وَالمَلاَحِمُ وَالتَّفْسِيرُ " قَالَ المُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: وَمُرَادُهُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَسَانِيدُ صِحَاحٌ مُتَّصِلَةٌ وَإِلاَّ فَقَدَ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ». اهـ. وقصارى القول أن الاستشهاد بعبارة الإمام أحمد للتشكيك في أحاديث التفسير كلها غير صحيح، يبطله ثبوت أحاديث التفسير في أمهات الكتب الصحيحة كـ " البخاري " و" مسلم " و" الموطأ " و" الترمذي "، بل في " مسند الإمام أحمد " نفسه. هَلْ اسْتَوْعَبَ البُخَارِيُّ كُلَّ الصَّحِيحِ فِي " جَامِعِهِ "؟: وقد زعم الأستاذ، أن البخاري قد انتقى أحاديث " صحيحه " من ستمائة ألف حديث والكلام هنا في موضعين: ¬

_ (¬1) 2/ 178 الطبعة السابقة. (¬2) كذا نقله السيوطي عنه في " الإتقان ": 2/ 178 الطبعة السابقة. --------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [ورد في المطبوع من كتاب " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " (المعلم) وإنما هي (الأَوَّلُ)، انظر " البرهان " للزركشي: 1/ 156، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثالثة: 1404 هـ - 1984 م، مكتبة التراث - القاهرة].

الأول - عدد الأحاديث التي كانت متداولة. ولا شك أن الأحاديث التي تداولها الناس في عصر البخاري كانت كثيرة جِدًّا بلغت ستمائة ألف أو أكثر. فقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال: «صَحَّ مِنَ الْحَدِيثِ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْرٍ وَهَذَا الْفَتَى - يَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ - قَدْ حَفِظَ سَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ»، ولكن ما حقيقة هذه الكثرة الهائلة؟ هل كلها أحاديث تختلف في المواضيع، أم هي طرق متعددة للأحاديث؟ وهل كلها أحاديث تنسب إلى النَّبِيّأم تنسب أيضاًً إلى الصحابة والتَّابِعِينَ؟ للإجابة عن هذا ينبغي أن نذكر لك اختلافهم في معاني الحديت، والخبر، والأثر. فقد قال جماعة: إن الحديث هو ما أضيف إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيختص بالمرفوع عند الإطلاق ولا يراد به الوقوف إلا بقرينة، أما الخبر فإنه أعم من أن يطلق على المرفوع [و] الموقوف. فيشمل ما أضيف إلى الصحابة والتَّابِعِينَ وعليه يُسَمَّى كل حديث خبراً ولا يُسَمَّى كل خبر حَدِيثًا. وقال آخرون: الحديث هو المرفوع إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والموقوف على الصحابة والتَّابِعِينَ، فيكون مرادفاً للخبر. وأما الأثر فإنه مرادف للخبر بالمعنى السابق فيطلق على المرفوع والموقوف، وفقهاء خراسان يسمون الموقوف بالأثر والموفوع بالخبر (¬1). ذلك هو اختلافهم في تحديد المراد بالحديث والخبر والأثر، إذا كان كذلك سهل علينا أن نفهم معنى لهذه الكثرة الهائلة ستمائة ألف أو سبعمائة ألف. فهي شاملة للمنقول عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأقوال الصحابة والتَّابِعِينَ كما تشمل طرق الحديث الواحد فقد يروي المُحَدِّثُ الحديث الواقع من طرق مختلفة إذ يكون للصحابي أو التابعي رُوَاةٌ مُتَعَدِّدُونَ - وهذا هو الغالب - فَيُعْنَى المُحَدِّثُ بجمع طرق الحديث من رواته فقد تبلغ أحياناً عشرة طرق فيعدها عشرة أحاديث وهي ليست إلا ¬

_ (¬1) " توجيه النظر ": ص 3.

حَدِيثًا واحداً، وقد كان إبراهيم بن سعيد الجوهرِي يقول: «كُلُّ حَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِنْ مِائَةِ وَجْهٍ فَأَنَا فِيهَ يَتِيمٌ» (¬1). وبهذا إذا جَمَعْتَ أقوال النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله وتقريراته إلى أقوال الصحابة والتَّابِعِينَ وجمعت طرق كل حديث منسوب للنبي وللصحابة وللتابعين لاَ يُسْتَغْرَبُ أَبَدًا أن يبلغ ذلك كله مئات الألوف بهذا المعنى. قال العلامة الشيخ طاهرِ الجزأئري: «وبما ذكرِنا أن بعض المُحَدِّثِينَ قد يطلق الحديث على المرفوع والموقوف يزول الإشكال الذي يعرِض لكثير من الناس عندما يحكى لهم أن فلاناً كان يحفظ سبعمائة ألف حديث صحيح، فإنهم مع استبعادهم ذلك يقولون: أين تلك الأحاديث ولِمَ لَمْ تصل إلينا؟ وهلا نقل الحفاظ ولو مقدار عشرها؟ وكيف ساغ لهم أن يهملوا أكثر ما ثبت عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -؟ مع أن ما أشتهروا به من فرط العناية بالحديث يقتضي أَلاَّ يترِكوا مع الإمكان شيئاً منه، ولنذكرِ له شيئاً مِمَّا رُوِيَ في قدر الحفاظ: نقل عن الامام أحمد أنه قال: " صَحَّ مِنَ الْحَدِيثِ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْرٍ وَهَذَا الْفَتَى - يَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ - قَدْ حَفِظَ سَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ ". قال البيهقي: " أَرَادَ مَا صَحَّ مِنَ الأَحَادِيثِ وَأَقْوَالِ الصَحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ "، وقال أبو بكر محمد بن عمرِ الرازي الحافظ: " كَانَ أَبَو زُرْعَةَ يَحْفَظُ سَبْعَمِائَةِ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَكَانَ يَحْفَظُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفاً فِي التَفْسِيرِ. ونقل عن البخاري أنه قال: " أَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَمِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ "، ونقل عن مسلم أنه قال: " صَنَّفْتُ هَذَا الْمُسْنَدَ الصَّحِيحَ مِنْ ثَلاَثِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ مَسْمُوعَةٍ "، وَمِمَّا يرفع استغرابك لما نقل عن أبي زرعة من أنه كان يحفظ مائة وأربعين ألف حديث في التفسير، أن النعيم في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (¬2) وقد ذكرِ فيه المفسرون عشرة أقوال كان كل قول منها يُسَمَّى حَدِيثًا في عُرِِْف من جعله بالمعنى الأعم، والماعون في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (¬3) قد ذكروا فيه ستة أقوال، كل قول منها ما عدا السادس، يعد حَدِيثًا كذلك» (¬4). ¬

_ (¬1) " تأنيب الخطيب " للكوثري: ص 151. (¬2) [سورة التكاثر، الآية: 8]. (¬3) [سورة الماعون، الآيتان: 6، 7]. (¬4) " توجيه النظر ": ص 3 - 4 وانظر: " فتح الملهم شرح صحيح مسلم ": الجزء الأول ص 2.

الثاني: ما صح عند البخاري: زعم مولف " فجر الإسلام " أن ما جمعه البخاري في حديثه وهو أربعة ألاَّف عن غير المُكَرَّرِ هو كل ما صح عنده من عدد الأحاديث التي كانت متداولة في عصره وبلغت ستمائة ألف، وهذا الذي زعمه المؤلف غير معروف عند العلماء، بل المعروف عندهم، أن البخاري لم يجمع في كتابه كل ما صح عنده. قال ابن الصلاح - رَحِمَهُ اللهُ - في " مقدمته ": «لَمْ يَسْتَوْعِبَا - أي البخاري ومسلم - الصَّحِيحَ فِي " صَحِيحَيْهِمَا "، وَلاَ الْتَزَمَا ذَلِكَ. فَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " مَا أَدْخَلْتُ فِي كِتَابِي (الْجَامِعِ) إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتَرَكْتُ مِنَ الصِّحَاحِ [لِحَالِ] الطُّولِ ".، وَرُوِّينَا عَنْ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٌ وَضَعْتُهُ هَا هُنَا - يَعْنِي فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ - إِنَّمَا وَضَعْتُ هَا هُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ "» (¬1). قال الحافظ ابن كثير: «ثُمَّ إِنَّ البُخَارِي وَمُسْلَِمًا لَمْ يَلْتَزِمَا بِإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ مِنَ الأَحَادِيثِ فَإِنَّهُمَا قَدْ صَحَّحَا أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابَيْهِمَا كَمَا يَنْقُلُ التِرْمِذِي عَنِ البُخَارِيِّ تَصْحِيحَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ (أَيْ: فِي الجَامِعِ الصَّحِيحِ) بَلْ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا» (¬2). قال الحافظ الحازمي في كتابه " شروط الأئمة الخمسة ": «وأما البخاري فلم يلتزم أن يخرج كل ما صح من الحديث، ويشهد لصحة ذلك ما أخبرنا به أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد قال: أنبأنا به طلحة في كتابه عن أبي [سعد] الماليني أنبأنا عبد الله بن عدي قال: حدَّثني محمد بن أحمد قال: سمعت محمد بن حمدويه يقول: سمعت محمد بن إسماعيل «يعني البخاري» يقول: «أَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَأَحْفَظُ مِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ». وذكر أيضاًً بسنده إلى البخاري أنه قال: ¬

_ (¬1) " مقدمة علوم الحديث ": ص 10، وعبارة مسلم هذه في " صحيحه " 2/ 15 في باب التشهد في الصلاة، بصدد حديث انتقد عليه تصحيحه إياه رغم أنه لم يودعه في " صحيحه " فأجاب بذلك. (¬2) " اختصار علوم الحديث ": ص 9 - 10.

عبد الله بن المبارك وهل كان مغفلا؟:

«لَمْ أُخْرِجْ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيحًا، وَمَا تَرَكْتُ مِنَ الصَحِيحِ أَكْثَر» (¬1) اهـ. فإذا كان العلماء يقرون أن البخاري لم يستوعب الصحيح في "جامعه"، وأنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح، يكون ما نقله المولف عنهم نقلاً غير صحيح، هذا إذا عناهم بقوله: «قَالُوا» أما إذا كان يعني بهم عامة الناس والشائع على ألسنة الطلبة فذلك شيء آخر، إلا أن المقام مقام علم وتحقيق. عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ وَهَلْ كَانَ مُغَفَّلاً؟: قال المؤلف ص 260 متكلماً عن الوَضَّاعِينَ في الحديث: «وبعضهم كان سليم النية يجمع كل ما أتاه على أنه صحيح، وهو في ذاته صادق فَيُحَدِّثُ بكل ما سمع، فيأخذه الناس عنه مخدوعين بصدقه، كالذي قيل في عبد الله بن المبارك فقد قيل: إنه ثقة صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر». وأشار في هامش الكتاب إلى أن هذا القول في عبد الله بن المبارك وارد في " صحيح مسلم ". المولف يتكلم عن الوَضَّاعِينَ في الحديث، والوضاعون هم الذين كانوا يختلقون الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأغراض متباينة ذكرِناها في مواضعها من هذا الكتاب، أما سليم النية الذي جمع كل ما أتاه وهو في ذلك صادق فهذا ليس من الوَضَّاعِينَ بحال، لأنه لم يكذب لا في سند الحديث ولا في متنه، وغاية ما يقال فيه أنه «ذو غفلة» يتلقى الحديث بلا نقد ولا تمحيص، فيتوقف في قبول حديثه إلى أن يتبين ما يرِويه، فإن كان عن ثقات وشاركه الثقات فيما ينقل قُبِلَ، وإلا فلا، أما إدراجه ضمن الوَضَّاعِينَ كما فعل المولف فهو خطأ بَيِّنٌ ناتج عن عدم الدقة في التعبير والتأليف، وأيضاًً فالكلام عن عبد الله بن المبارك في صَدَدِ الحديث عن الوَضَّاعِينَ يوهم أنه منهم، هذا نقد شكلي للعبارة، أما النقد الموضوعي، فالذي يُسْتَخلَصُ مِمَّا ذكر المؤلف ثلاثة أمور: أَوَلاًً: أن عبد الله بن المبارك كان سليم النية يُحَدِّث بكل ما سمع من غيرِ نقد للرجال. ¬

_ (¬1) " شروط الأئمة الخمسة " للحازمي: ص 47 وهو المطبوع مع " شروط الأئمة الستة " للحافظ ابن طاهر المقدسي: ص 47.

ثَانِياًً: أن الناس خدعوا بصدقه فتلقوا كل أحاديثه الني سمعوها عنه على أنها صحيحة. ثالثاً: أن العبارة التي نقلها عن " صحيح مسلم " إنما هي في عبد الله بن المبارك. والأستاذ المولف مخطىء في هذه الأمور الثلاثة كل الخطأ. 1 - أما أن عبد الله بن المبارك كان سليم النية يُحَدِّث بكل ما سمع، فهذا ما لا يتفق مع الحق في شيء، فقد كان ابن المبارك من مشاهير أئمة عصره الذين عنوا بنقد الرجال نقداً شديداً، وهذا مسلم - رَحِمَهُ اللهُ - يذكرِ لنا في " مقدمة صحيحه " عدة أمثلة عن نقده للرجال، فقد ذكر بسنده إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء: «إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ»؟ قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت له، هذا من حديث شهاب بن خِراش فقال: ثقة، عمن؟ قال: قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة، قال: قلت: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف». وأخرج مسلم في " المقدمة " أيضاً بسنده إلى عَلِيَّ بْنَ شَقِيقٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهُ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ: «دَعُوا حَدِيثَ عَمْرُو بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَلَفَ». وَبِسَنَدشهِ إِلَى أَحْمَد بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يُفْصِحُ بِقَوْلِهِ " كَذَّابٌ " إِلاَّ لِعَبْدِ الْقُدُّوسِ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ: " كَذَّابٌ "». فهذه الأمثلة وكثيرة غيرها ذكرها مسلم في " مقدمة صحيحه " تدل على أن عبد الله بن المبارك كان نَقَّاداً للرجال، مَعْنِيًّا بأسانيد الأحاديث. وأصرح من ذلك ما رواه مسلم أيضاًَ بسنده إلى الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ المُبَارَكِ، يَقُولُ: «بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ» يَعْنِي الإِسْنَادَ.

وذكر الحافظ الذهبي في " تذكرته " قال المسيب بن واضح: «سَمْعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ وَسُئِلَ عَمَّنْ نَأْخُذُ؟ قَالَ: " مَنْ طَلَبَ العِلْمَ للهِ، وَكَانَ فِي إِسْنَادِهِ أَشَدَّ، قَدْ تَلْقَى الرَّجُلَ ثِقَةً وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، وَتَلْقَى الرَّجُلَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَتَلْقَى الرَّجُلَ غَيْرِ ثِقَةٍ وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ ثِقَةٍ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ثِقَةً عَنْ ثِقَةٍ». وذكر الذهبي أَنَّ الرَّشِيْدَ أَخَذَ زِنْدِيقاً لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ: «أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَضَعْتُهَا؟ فَقَالَ الرَّشِيْدُ: فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ يَتَخَلَّلاَنِهَا، فَيُخْرِجَانِهَا حَرْفاً حَرْفاً». وقيل لابن المبارك: هَذِهِ الأَحَادِيثُ المَوْضُوعَةُ [المَصْنُوعَةُ]؟ فقال: «تَعِيشُ لَهَا الجَهَابِذَةُ». وذكر الذهبي عن إبراهيم بن إسحاق قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: «: حَمَلْتُ عَنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ شَيْخٍ فَرَوَيْت عَنْ أَلْفٍ مِنْهُمْ». بهذا كله يتبين لك خطأ ما ذهب إليه صاحب " فجر الإسلام " من وصف هذا الإمام العظيم بسلامة القلب حتى إنه لَيُحَدِّثُ بكل ما سمع. 2 - وأما زعمه بأن الناس خدعوا بصدقه ... إلخ، فقد سمعت أنه كان نَقَّاداً للرجال مُتَشَِّّداً في الأسانيد، ومتى اجتمع الصدق والعدالة والتثبت في رجل فقد وجب الأخذ عنه، ولا يصح أن يقال: إن الناس خدعوا بصدقه. هذا على أن أئمة الجرح والتعديل أجمعوا على توثيق ابن المبارك وإمامته وجلالة قدره. قال ابن مهدي: «الأَئِمَّةُ أَرْبَعَةٌ: الثَّوْرِي وَمَالِكٌ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ المُبَارَكِ». وقال فيه الإمام أحمد: «لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَطْلَبُ لِلْعِلْمِ مِنْهُ، جَمَعَ أَمْرًا عَظِيمًا، مَا كَانَ أَحَدٌ أَقَلَّ قِسْطًا مِنْهُ، كَانَ رَجُلاً صَاحِبَ حَدِيثٍ، وَكَانَ يُحَدِّث مِنْ كِتَابٍ». وقال ابن معين: «كَانَ كَيِّسًا مُتَثَبِّتًا ثِقَةً، وَكَانَ عَالِماً، صَحِيحَ الحَدِيثِ». وقال ابن سعد صاحب " الطبقات ": «كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا حُجَّةً كَِثيرَ الحَدِيثِ». وقال الحاكم: «هُوَ إِمَامُ عَصْرِهِ فِي الآفَاقِ، وَأَوْلاَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمًا وَزُهْدًا وَشَجَاعَةً وَسَخَاءً». وقال النسائي: «لاَ نَعْلَمُ فِي عَصْرِ ابْنِ المُبَارَكِ أَجَلَّ مِنْ ابْنِ المُبَارَكِ، وَلاَ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَلاَ أَجْمَعَ لِكُلِّ خَصْلَةٍ مَحْمُودَةٍ مِنْهُ».

وقال النووي في "شرح مسلم " بعد أن ترجم له: «وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَلاَلَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَكِبَرِ مَحَلِّهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ» (¬1) اهـ. فرجل يجمع نُقَّادُ الحديث وأئمة الجرح والتعديل على تَثَبُّتِهِ وجودة حديثه وقلة سقطه، يكون من المحزن أن يجيء في آخر الزمان من يقول عنه: «إن الناس كانوا يأخذون عنه، مخدوعين بصدقه». وشيء آخر، وهو أن إقرارهم له بالإمامة وعلو المرتبة والمكانة في علم الحديث - كما رأيت - يُكَذِّبُ ما يلصقه به مؤلف " فجر الإسلام " من أنه كان يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ. فقد ذكر مسلم بسنده إلى الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ - قال: «اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلاَ يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ»، وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ قَوْلَهُ: «لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ» إلى ما هنالك من أقوال تدل على أن علماء هذا الشأن لا يُقِرُّونَ بالإمامة لرجل إلا إذا كان مُتَثَبِّتًا مِمَّا يحفظ، متأملاً فيما يروي، لا يُحَدِّث بكل ما سمع. 3 - وأما العبارة التي نقلها عن " صحيح مسلم " في حق عبد الله بن المبارك فها هنا لا يكاد المرء ينتهي عجباً من صنيع المؤلف. إن عبارة الإمام مسلم في "الصحيح " هكذا: «حَدَّثَنِي ابْنُ قُهْزَاذَ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبًا (*)، يَقُولُ: عَنْ سُفْيَانَ (**)، عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: «بَقِيَّةُ صَدُوقُ اللِّسَانِ، وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ» وأنت لا تشك حين تقرأ هذا أن القول هو قَوْلُ عبد الله بن المبارك في " بقية " وهو أحد المُحَدِّثِينَ في عصره، ولكن المؤلف فهم هذا النص على أنه قَوْلٌ فِي عَبْدِ اللهِ بن المبارك، وأنه هو الموصوف بهذه الأوصاف، مع أن سياق السند كان يفسد عليه هذا الفهم، فإن السند هكذا: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ، أي ابن المبارك، فهو القائل وَالمُتَحَدِّثِ لاَ المُتَحَدَّثِ عَنْهُ. ثم إن اللفظ " بقية " لا " ثقة " فابن المبارك يتكلم عن بقية بن الوليد المُحَدِّثَ ¬

_ (¬1) وقد أفرد له ابن أبي حاتم [المُتَوَفَّى 327] في تقدمة " الجرح والتعديل " ترجمة حافلة بثناء العلماء وما كان عليه - رَحِمَهُ اللهُ - من علم بالرُوَاة ونقد لهم (التقدمة: 262 - 280). ----------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) هو وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ. (**) وسفيان: هو ابن عبد الملك. انظر " إكمال المعلم شرح صحيح مسلم " - للقاضي عياض، تحقيق الدكتور يحيى إسماعيل، مقدمة صحيح مسلم / باب بيان أن الإسناد من الدين: 1/ 137، الطبعة الأولى: 1419 هـ - 1998 م، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة. مصر. و" تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف " للمزي، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، 13/ 261 ترجمة رقم 18929، الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م، نشر المكتب الإسلامي، والدار القيمة. بومباي. و" تاريخ دمشق " لابن عساكر: 10/ 342، طبعة سَنَةَ 1415 هـ - 1995 م، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

الحمصي، وهو مشهور بما وصفه به ابن المبارك ويؤكد هذا ما رواه مسلم بعد ذلك بقليل عن أبي إسحاق الفزاري: «عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ: «اكْتُبْ عَنْ " بَقِيَّةَ "، مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلاَ تَكْتُبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ»، ويؤيده أيضاًً ما نقله الذهبي عن ابن المبارك نفسه أنه كان يقول في " بقية ": «إِنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ قَوْمٍ ضُعَفَاءَ وَيَرْوِي عَمَّنْ دَبَّ وَدَرَجَ»، وهذا معنى قوله الذي رواه مسلم عنه: «عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ». فَتَبَيَّنَ لنا مِمَّا تقدم أن المؤلف أخطأ في عبارة مسلم خطأين: الأول - أن الكلام لغير ابن المبارك في عبد الله بن المبارك، مع أنه كلام عبد الله بن المبارك في غيره. الثاني - أنه نقل اللفظ «ثِقَةٌ» وهي في " صحيح مسلم " «بَقِيَّةٌ» والمؤلف بين ثلاثة أمور لا رابع لها: إما أن يكون ذكر هذا في كتابه بعد أن قرأ العبارة بنفسه في " صحيح مسلم "، ولكنه لم يفهمها فوقع في تلك الأخطاء، وإما أن يكون فهمها ولكنه تَعَمَّدَ تحريفها لغاية في نفسه، وإما أنه رآها لبعض المُسْتَشْرِقِينَ الذي نقلها نَقْلاً مَمْسُوخًا من " صحيح مسلم "، فاكتفى بنقله عن خصوم الشريعة المحمدية دُونَ أن يرجع بنفسه إلى أصل النص في " مسلم "، وأنا أُرَجِّحُ هذا الأخير، إذ من البعيد على المؤلف أَلاَّ يفهم هذا النص مع وضوحه وجلائه، ومن البعيد عليه أيضاًَ أن يَتَعَمَّدَ مثل هذا التحريف في نص كتاب مشهور لا يخلو منه بيت عالم مسلم، وقد رجعت إلى النسخ المطبوعة عن " صحيح مسلم " لَعَلِّي أجد إحدى النسخ ذكَرَتْ العبارةَ خطأ كما نقلها المؤلف، فيكون له بعض العذر وإن كان سياق الكلام يفسده كما تقدم، ولكني رأيت النُّسَخَ المطبوعة كلها ذكرت النص صحيحاً من غير تحريف، فَتَرَجَّحَ عندي أن أحد أعداء الإسلام وقع في هذا التحريف، إما عَمْدًا لتشويه سيرة إمام كبير من أئمة الحديث - كما فعل جولدتسيهر مع الزُّهْرِي - وإما خطأً بحيث اشتبه عليه الأمر بين " بقية " و" ثقة " لقرب تشابههما في الرسم. وإذا كنا نجد للمستشرقين عُذْراً في ذلك لعجمته، أو عدم وفائه للإسلام، أو فقده الذوق العربي الذي يُدْرِكُ بسياق الكلام صحة الكلمة ومعناها، فأي عذر للمؤلف في متابعته على هذا التحريف لا سيما وقد

حديث «سد الأبواب»:

بنى عليه رأياً خطيراً فاسداً في إمام جليل من أئمة النُقَّادِ في عصره؟. حَدِيثُ «سَدِّ الأَبْوَابِ»: ثم تكلم المؤلف في [ص 260] أيضاًً عن أهم الأمور التي حملت الوُضَّاعَ على الوضع، وذكر من أولها الخصومة السياسية بين عَلِيٍّ وأبي بكر، وبين عَلِيٍّ ومعاوية، وبين عبد الله بن الزبير وعبد الملك، ثم بين الأُمَوِيِّينَ والعباسيين. وهذا كلام لا غبار عليه، ثم نقل بعد ذلك كلاماً لابن أبي الحديد جاء فيه «إِنَّ أَصْلَ الكَذِبِ فِي أَحَادِيثِ الفَضَائِلِ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الشِيعَةِ (*) فَلَمَّا رَأَتْ البَكْرِيَّةُ - أَيْ مُفَضِّلُو أَبِي بَكْرٍ - مَا صَنَعَتْ الشِيعَةُ وَضَعَتْ لِصَاحِبِهَا أَحَادِيثَ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ نَحْوَ: " لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً» فَإِنَّهُمْ وَضَعُوهُ فِي مُقَابَلَةِ " حَدِيثِ الإِخَاءِ "، وَنَحْوِ " سَدِّ الأَبْوَابِ "، فَإِنَّهُ كَانَ لِعَلِيٍّ فَقَلَبَتْهُ البَكْرِيَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ... إلخ». لا شك أن ابن أبي الحديد معذور في عَدِّهِ هذين الحديثين من الموضوعات ما دام مُعْتَزِلِيًّا شِيعِيًّا يَتَعَصَّبُ لشيعيته (¬1)، ولكنا لا نرى للأستاذ عُذْرًا في عدم تَعَقَّبَهُ له - إلا أن يكون مُتَّفِقًا معه - على ما ذهب إليه في عَدِّهِمَا من الموضوعات، والحَدِيثًان صحيحان، خَرَّجَهُمَا أئمة الحديث. أما الحديث الأول، فقد أخرجه " البخاري " من طريق ابن عباس وابن الزبير ورواه " مسلم " من طريق أبي سعيد وابن مسعود. ¬

_ (*) [انظر في قول ابن أبي الحديد، صفحتي 76 و203]. (¬1) اعتبرنا «الإسكافي» و «ابن أبي الحديد» من علماء الشِيعَة، وهذا لا ينفي أنهما كانا معتزليين كما تذكره كتب التراجم، فالمعتزلة إنما تميَّزُوا عن غيرهم من جماهير المُسْلِمِينَ بمسألة العدل الإلهي. ورأيهم في أعمال الإنسان أنها مخلوقة له بقدرة من الله تعالى وبعض مسائل أخرى في العقائد. ولكنهم فيما عدا ذلك ينقسمون إلى فرق وطوائف واتجاهات علمية متباينة، فمنهم من كان يهاجم الصحابة جميعاً بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كما نقلنا ذلك عن النَظَّامِ، ومنهم من كان شيعياً كالإسكافي وابن أبي الحديد وغيرهما، ومنهم بل أكثرهم كانوا في الفقه على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ -. ومن أمثلة هذا التباين أن الشَّرِيفَ الرَضِيَّ - رَحِمَهُ اللهُ - وهو من رؤساء الطَالِبِيِّينَ في عصره كان معتزلياً في عقيدة القضاء والقدر كما لا يخفى على من طالع مؤلفاته وأبحاثه.

أحاديث الفضائل:

وأما الحديث الثاني، وهو «سَدُّ الأَبْوَابِ إِلاَّ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» فقد رواه " البخاري " من طريق أبي سعيد وابن عباس، ورواه " مسلم " من طريق أبي سعيد وجندب وأُبَيْ بن كعب، وروى الحديثين - غير البخاري ومسلم - مالك والترمذي والطبراني وأحمد وابن عساكر وابن حبان وغيرهم. أما " حَدِيثُ الإِخَاءِ " الذي زعمته الشِيعَةُ من أن النَّبِيّآخى بينه وبين عَلِيٍّ فلم يصح من طريق يوثق به، ولم يخرجه كتاب من كتب السُنّةِ المعتمدة، ولا رواه من يُوثَقُ به، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، لاَ يَرْتَابُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَوَاضِعُهُ جَاهِلٌ [كَذَبَ] كَذِبًا ظَاهِرًا مَكْشُوفًا» (¬1). وأما حديث " سَدَّ الأَبْوَابِ " الذي يرويه الشِيعَةُ ويستثنون منه باب عَلِيٍّ، فقد ذكر أكثر النُقَادِ أنه حديث موضوع، حكم بذلك ابن الجوزي والعراقي وابن تيمية وغيرهم، وعلى فرض صحته فقد أجاب عنه العلماء بما ذكره ابن حجر في " فتح الباري ": «من أن النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَرَ أَوَلاًً بِسَدِّ الأَبْوَابِ إِلاَّ بَابَ عَلِيٍّ، فَلَمَّا سَدُّوهَا أَحْدَثُوا خَوْخًا يَسْتَقْرِبُونَ الدُّخُولَ مِنْهَا إِلَى الْمَسْجِدَ، فَأَمَرَ بِسَدِّهَا إِلاَّ خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ، وحمل الباب الوارد في بعض الروايات في حق أَبِي بَكْرٍ على الخَوْخَةِ، تَمَشِّيًا مع بعض الروايات الأخرى»، ثم قال: «فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لاَ بَأْسَ بِهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَبِهَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي " مُشْكِلِ الآثَارِ " ... وَأَبُو بَكْرٍ الْكَلاَبَاذِيُّ فِي" مَعَانِي الأَخْبَارِ " وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لَهُ بَابٌ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَخَوْخَةٌ إِلَى دَاخِلِ الْمَسْجِدِ. وَبَيْتُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ إِلاَّ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ». اهـ. أَحَادِيثُ الفَضَائِلِ: وقال في [ص 261]: «وتلمح أحاديث كثيرة لا تشك - وأنت تقرؤها - أنها وضعت لتأييد الأُمَوِيِّينَ والعباسيين أو العلويين أو الحط منهم .. ويتصل بهذا النحو أحاديث وضعها الوَضَّاعُونَ في تفضيل القبائل ... فكم من الأحاديث وضعت ¬

_ (¬1) " منهاج السُنّة ": 4/ 96.

في فضل قريش والأنصار وجهينة ومزينة .. ومثل ذلك، العصبية للبلد فلا تكاد تجد بلداً كبيراً إلا وفيه حديث، بل أحاديث في فضله، فـ «مكة» و «المدينة» وجبل «أُحُد» و «الحجاز» و «اليمن» و «الشام»، و «بيت المقدس» و «مصر»، و «فارس» وغيرها كل ذلك وردت فيه الأحاديث المتعددة في فضله» ... إلخ. كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أصحاب يفتدونه بأرواحهم وأموالهم، وقد كانوا متفاوتين في الفداء والتضحية والمواهب، كما كانوا متفاوتين في السبق إلى الإسلام، فليس بغريب أن يخص رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعض أصحابه بثناء أو إعجاب، أو كشف عن موهبة أو غير ذلك مِمَّا يدل على فضلهم ومكانتهم وَقُلْ مثل ذلك في «مكة» التي كان منها بدء الدعوة، وفي «المدينة» التي كان فيها تأسيس الدولة، و «بيت المقدس» الذي أثنى الله عليه في كتابه، وغير ذلك من المدن أو القبائل التي كانت تسارع إلى الخير ويسهم أبناؤها في سبيل الله والإسلام بسهم وافر. كما أن من الجائز - بل الذي وقع فِعْلاً - أن يضع المُتَعَصِّبُونَ والجاهلون أحاديث في فضائل رؤسائهم أو بلدانهم أو قبائلهم يزيدون على ما في الحديث الصحيح من فضائل، أويضعون فضائل لم يرد بها حديث صحيح. هذان أمران لا ينازع فيهما منازع. فَوُرُودِ أحاديث صحيحة ثابتة في فضائل بعض الأشخاص والبلدان والقبائل، لا يمنع من وجود أحاديث مكذوبة في ذلك أيضاًً، وشأن العالم المنصف في مثل هذه الحالة أَلاَّ يسارع إلى تصديق هذه الأحاديث كلها، ولا إلى تكذيبها كلها، لا يحمله وجود الكذب فيها على أن يُكَذِّبَ جميعها، ولا وجود الصحيح فيها على أن يُسَلِّمَ بجميعها. وللعلماء طرق في معرفة الثابت من المكذوب، وهي نقد السند والمتن معاً، فما ثبت بعد البحث صحة سنده ومتنه، حكمنا بصحته، وما لا فلا. هذا هو الطريق المعقول في مثل هذه الحالات، وهذا هو الذي فعله أئمتنا حين واجهتهم تلك الكثرة الهائلة من الأحاديث، بما فيها أحاديث الفضائل، وقد ثبت منها بعد البحث والتمحيص طائفة كبيرة أثبتها الأئمة في مُصَنَّفَاتِهِمْ، فالإمام البخاري مثلا وكتابه أصح كتب الحديث وأدقها، وأكثرها تَشَدُّدًا - باعتراف

أحاديث أبي حنيفة:

صاحب " فجر الإسلام " - أفرد في " صحيحه " أبواباً متعددة، أثبت فيها ما صح عنده من فضائل المهاجرين والأنصار، وفضائل رجال باسمائهم من الفريقين، كأبي بكر وعمر وعثمان وَعَلِيٍّ وسعد وَأُبَيٌّ ومعاذ وكثير من أعيان الصحابة، كما أثبت أحاديث متعددة في فضائل مكة والمدينة واليمن والشام وغيرها، وأحاديث في فضائل قبائل مختلفة كقريش ومُزينة وجُهينة، ومثل ذلك صح لدى أئمة الحديث كأحمد ومسلم والترمذي وغيرهم، وفي الوقت نفسه بَيَّنُوا الأحاديث الموضوعة في ذلك، وكشفوا حال رُوَاتِهَا، ونقدوها نقداً دقيقاً، وَبَيَّنُوا الباعث على وضعها من رجال وأحوال. فما الذي دعا مؤلف " فجر الإسلام " إلى أن يتجاهل هذه الحقيقة المعلومة، ويشكك في أحاديث الفضائل كلها؟ إنها - ولا ريب - خِطَّةَ المُسْتَشْرِقِينَ الذين سَمِعْتَ رأيهم في الموضوع فاقتفى الأستاذ أثرهم. والله المستعان. أَحَادِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ: ثم قال في [ص 162] في الباعث الثاني على الوضع وهو الخلافات الكلامية والفقهية: «وكذلك في الفقه فلا تكاد تجد فَرْعًا فقهياً إلا وحديث يؤيد هذا وحديث يؤيد ذاك، حتى مذهب أبي حنيفة الذي يذكر العلماء عنه أنه لم يصح عنده إلا أحاديث قليلة - قال ابن خلدون: «إِنَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ» ملئت كتبه بالأحاديث التي لا تعد، وأحيانا بنصوص هي أشبه ما تكون بمتون الفقه ... » إلخ أما إن الخلافات الفقهية والكلامية كان لها أثر في الوضع فهذا ما لا ننكره. وقد سبق الإشارة إليه عند الكلام على حركة الوضع وأسبابها، وأما الادعاء بان أبا حنيفة لم يصح عنده إلا سبعة عشر حَدِيثًا ونسبة ذلك إلى العلماء فهذا ما أخطا فيه المؤلف جانب الحق وسلك غير سبيل العلماء. ذلك أن مذهب أبي حنيفة أوسع المذاهب الفقهية تفريعاً واستنباطاً، حتى لقد بلغت المسائل التي أثرت عنه مئات الألوف، وليس من المعقول أن يستنبط أبو حنيفة ذلك من آيات الأحكام القليلة وبضعة عشر حَدِيثًا فقط، فإن قيل: إنه استنبط هذا الفقه من القياس، قلنا: ما جمع من أحاديث أبي حنيفة في "مسانيده " التي رواها عنه

تغالي الناس في الاعتماد على السنة:

أصحابه وتلاميذه: بلغت بضعة عشر مسنداً، مِمَّا يدل على أن قدراً كبيراً من فقهه مأخوذ مِنَ السُنَّةِ، ولا يصح، أن يقال: إن ما صح عنده منها بضعة عشر حَدِيثًا فقط، إذ كيف لم تصح عنده وهو يحتج بها ويفرع عليها؟ أما قول ابن خلدون، فقد ذكره بصيغة التمريض إشارة إلى أنه غير جازم بذاك: وأيضاًً فلا نعلم لابن خلدون سَلَفاً في هذه المقالة، بل نصوص العلماء متضافرة على أنه صح عند أبي حنيفة قدر من الأحاديث كبير، وسنرى ذلك عند البحث عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - في آخر الرسالة بحثاً علمياً دقيقاً في هذا الموضوع. تَغَالِي النَّاسِ فِي الاعْتِمَاد عَلَى السُنَّةِ: يقول المؤلف في ص 263 متكلماً عن أسباب الوضع: «يخيل إِلَيَّ أن من أهم أسباب الوضع تغالي الناس إذ ذاك في أنهم لا يقبلون من العلم إلا على ما اتصل بالكتاب وَالسُنَّةُ اتصالاً وثيقاً وما عدا ذلك فليس له قيمة كبيرة، فأحكام الحلال والحرام إذا كانت مؤسسة على مجرد الاجتهاد لم يكن لها قيمة ما أسس على الحديث ولا يقرب منه، بل كثير من العلماء في ذلك العصر كان يرفضها ولا يمنحها أية قيمة، بل بعضهم كان يُشَنِّعُ على من ينحو هذا النحو، والحكمة والموعظة الحسنة إذا كانت من أصل هندي أو يوناني أو فارسي، أو من شروح " التوراة " و" الإنجيل " لم يؤبه له، فحمل ذلك كثيراً من الناس أن يصبغوا هذه الأشياء كلها صبغة دينيه حتى يقبلواعليها، فوجدوا الحديث هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه، فدخلوا منه على الناس ولم يتقوا الله فيما صنعوا، فكان من أثر ذلك أن نرى الحُكْمَ الفِقْهِيَّ المَصْنُوعَ، والحكمة الهندية والفلسفة الزردشية، والموعظة الإسرائيلية والنصرانية» اهـ. أتفق المُسْلِمُونَ سلفاً وخلفاً - إلا من لا يعتد بهم من أصحاب البدع والأهواء - على أن الكتاب وَالسُنَّةُ أصلان من أصول التشريع الإسلامي، لا يجوز لأحد أن يحكم في القضاء الإسلامي بخلاف ما جاء فيهما، ولا لمجتهد أن يجتهد في مسالة بغير الرجوع إليهما، ثم انقسموا قسمين: قسم يرى الأخذ بظواهر النصوص من غير تعليل ولا توسع في القياس وَهُمْ الظاهرية وأكثر أهل الحديث.

وقسم يرى إعمال الفكر في استنباط الأحكام من النصوص فعملوا بالقياس مع الكتاب وَالسُنَّةُ، وبحثوا عن العلة وَخَصَّصُوا العَامَّ، وَقَيَّدُوا المُطْلَقَ، وَبَيَّنُوا الناسخ من المنسوخ حين تقوم القرينة على ذلك كله، وهؤلاء هم جمهور المُجْتَهِدِينَ وَحَمَلَةِ العلم منذ عصر الصحابة حتى يومنا هذا. نعم كان هناك تفاوت بينهم في الأخذ بالقياس والتعليل، وفي الأحاطة بِالسُنَّةِ وشروط صحتها والعمل بها، ومن هنا كان الخلاف بين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، ولكنهم متفقون جميعاً على أنه لا يصح الاجتهاد في الفقه مُجَرَّدًا غير منظور به إلى الحديث، بل أوجبوا على المجتهد أن يحيط بأحاديث الأحكام كلها لا يألو في ذلك جهداً. عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ حَلاَلٌ وَلاَ حَرَامٌ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وِجْهَةُ الْعِلْمِ مَا نُصَّ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ، أَوْ فِي الإِجْمَاعِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ فَالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الأُصُولِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا» أخرج الحافظ ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم " عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ حَلاَلٌ وَلاَ حَرَامٌ إِلاَّ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وِجْهَةُ الْعِلْمِ مَا نُصَّ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ، أَوْ فِي الإِجْمَاعِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ فَالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الأُصُولِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا» (¬1). والمجمع عليه لدى الأئمة المُجْتَهِدِينَ، أن المجتهد ينظر أَوَلاً في كتاب الله، ثم في سُّنَّةِ رسوله، وفي أقوال الصحابة، ثم ينقلب إلى الاستنباط والقياس إن لم يكن هناك إجماع، وسترى عند الكلام على الأئمة الأربعة من أصول مذاهبهم في الاجتهاد ما يؤكد لك ذلك. فما ادعاه المؤلف من أن أحكام الحلال والحرام، إذا كانت مؤسسة على الاجتهاد لم يكن لها قيمة ما أسس على الحديث، يفيد أن هناك اجْتِهَادًا غير مؤسس على الحديث مع وجوده في يد المجتهد، وهذا لم يقع لإمام من الأئمة المُجْتَهِدِينَ قط، ومن قواعدهم المُسِلَّمَةِ لهم جميعاً أن الاجتهاد في مقابلة النص لا يجوز. أما الحكمة والموعظة الحسنة، فلا نعلم إماماً من الأئمة رفض الأخذ بها لمجرد أنها لم ترد في القرآن وَالسُنَّةُ، ما دامت لا تصادم نصوص الشريعة، ولا روحها، ولا ¬

_ (¬1) 2/ 26.

غايتها السامية ولا آدابها المطلوبة. ومن المأثور عندهم أن الحكمة ضالة المؤمن (¬1) يلتقطها أنى وجدها. وقد ذكرِ الله في وصف عباده المؤمنين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وقص علينا كثيراً من قصص الماضين، وحكمهم ومواعظهم، وكذلك فعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تنبيهاً على أنه لا مانع من الأخذ عن الماضين بما لا يختلف عن مقاصد الشريعة، ومن هنا جاءت القاعدة الأصولية: «شرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله أو رسوله علينا من غير نكير». وقد أخرِج البخاري في " صحيحه " عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ». قال الحافظ ابن حجر: «أَيْ لاَ ضِيقَ عَلَيْكُمْ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُمْ لأَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّجْرُ عَنِ الْأَخْذِ عَنْهُمْ وَالنَّظَرِ فِي كُتُبِهِمْ ثُمَّ حَصَلَ التَّوَسُّعُ فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الأَحْكَامِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الدِّينِيَّةِ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ ثُمَّ لَمَّا زَالَ الْمَحْذُورُ وَقَعَ الإِذْنُ فِي ذَلِكَ لِمَا فِي سَمَاعِ الأَخْبَارِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَانِهِمْ مِنْ الاعْتِبَارِ»، ثم قال ابن حجر: «وَقَالَ مَالِكٌ: المُرَادُ جَوَازُ التَحَدُّثِ عَنْهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ حَسَنٍ أَمَّا مَا عُلِمَ كَذِبُهُ، فَلاَ». اهـ. باختصار (¬2)، وقد أكثر بعض الصحابة من الأخذ عن كعب الأحبار، ووهب بن منبه حتى فاضت كتب التفسير بالإسرائيليات، كما فاضت كتب الصوفية والأخلاق بالحكم المنقولة عن الأمم الأخرى، فكيف يصح الزعم بعد ما ذكرناه كله بأن المُسْلِمِينَ رفضوا الحكمة والموعظة الحسنة، إذا كانت من أصل غير إسلامي؟ وصفوة القول أن هذا السبب الذي استظهره المؤلف وتخيله لا أساس له من الواقع، ولا دليل يسنده، وكُتُبُنَا الإسلامية حافلة بما ينقضه، ولا أدري ما الذي دعاه إلى هذا التخيل إلا أن يكون مراده الزعم بأن التَشَدُّدَ في التمسك بالكتاب وَالسُنَّةُ كان له من الضرر على الدين ما حمل الناس على الوضع والكذب. ¬

_ (¬1) هذا نص حديث أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن. (¬2) " فتح الباري ": 6/ 361.

عدالة الصحابة:

عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ: وقال في [ص 265]: «وأكثر هؤلاء النُقَّاد - أي نُقَّادِ الحديث - عَدَّلُوا الصحابة كلهم إجمالاً وتفصيلاً، فلم يتعرضوا لأحد منهم بسوء، ولم ينسبوا لأحد منهم كَذِباً، وقليل منهم أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم». إلى أن قال: في الصحيفة التالية «وعلى كل فالذي جرى عليه العمل من أكثر نُقَّادِ الحديث - وخاصة المتأخرين - على أنهم عَدَّلُوا كل صحابي، ولم يرموا أحداً منهم بكذب، ولا وضع، وإنما جَرَّحُوا من بعدهم». مِمَّا اتفق عليه التابعون، ومن بعدهم من جماهير المُسْلِمِينَ من أهل السُنّةِ وَالجَمَاعَةِ، ونُقَّادِ الحديث قاطبة تعديل الصحابة وتنزيههم عن الكذب والوضع، وَشَذَّ عن ذلك من ذكرنا من الخوارج والمعتزلة وَالشِيعَةِ، هذا هو الواقع والمعروف في المسألة. ولكن المؤلف - لغرض في نفسه سبق التنبيه إليه - يريد أن يُشَكِّكَنَا في هذه الحقيقة، فزعم أَوَلاًً أن أكثر النُقَّادِ عَدَّلُوا الصحابة، مع أن النُقَّادَ (جميعاً) عَدَّلُوهُمْ، وزعم ثَانِياًً، أن قليلاً منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم، واستشهد بعبارة الغزالي، مع أن الذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نُقَّادِ الحديث، ولكنهم من ذوي الميول المعروفة في تاريخ الإسلام بالتعصب لبعض الصحابة على البعض الآخر. قال الحافظ الذهبي: «فَأَمَّا الصَحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فَبِسَاطُهُمْ مَطْوِيٌّ وَإِنْ جَرَى مَا جَرَى ... إِذْ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَقَبُولِ مَا نَقَلُوهُ العَمَلَ، وَبِهِ نَدِينُ اللهَ تَعَالَى» (¬1). قال الحافظ ابن كثير: «وَالصَحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ عِنْدَ أَهْلِ السُنَّةِ وَالجَمَاعَةِ»، ثم قال: «وَقَوْلِ المُعْتَزِلَةِ: الصَحَابَةُ عُدُولٌ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا قَوْلٌ بَاطِلٌ [مَرْذُولٌ] وَمَرْدُودٌ». ثم قال: «وَأَمَّا طَوَائِفُ الرَوَافِضِ وَجَهْلِهِمْ، وَقِلَّةَ عَقْلِهِمْ، وَدَعَاوِيهِمْ أَنَّ الصَحَابَةَ كَفَرُوا إِلاَّ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا - وَسَمَّوْهُمْ - فَهُوَ مِنَ الهَذَيَانِ بِلاَ دَلِيلٍ» (¬2). ¬

_ (¬1) رسالته " في الرُوَاة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم ": ص 4. (¬2) " اختصار علوم الحديث ": ص 220 - 222.

هل كان الصحابة يكذب بعضهم بعضا؟:

فأنت ترى أن الذين تكلموا في الصحابة إنما هم أصحاب الفرق المعروفة بميولها السياسية لبعض الصحابة دُونَ بعض، لا من النُقَّادِ الذين وصفهم المؤلف بقوله: «جماعة من العلماء الصادقين، نهضوا لتنقية الحديث مِمَّا أَلَمَّ به، وتمييز جَيِّدِهِ مِنْ رَدِيئِهِ» وزعم المؤلف ثَالِثاًً: أن هذا التعديل كان من أكثر نُقَّادِ الحديث وخاصة المتأخرين منهم، مع أنه لم يُؤْثَرْ عن أحد من المُتَقَدِّمِينَ من أهل العلم من التَّابِعِينَ، فمن بعدهم أنه طعن في صحابي أو ترك الحديث عنه، والغريب أن المؤلف استشهد بعبارة الغزالي في هذا المقام، وعبارته صريحة في أن السلف مُجْمِعُونَ على تعديل الصحابة، وذلك هو قوله: «وَاَلَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ، وَجَمَاهِيرُ الْخَلَفِ» (*) أفلا ترى هذا رداً واضحاً على ما زعمه المؤلف من أن المتأخرين هم أكثر من المُتَقَدِّمِينَ تعديلاً للصحابة؟ هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ يكذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟: ولم يكتف المؤلف بهذا، بل زاد على ذلك زعماً آخر، تأكيداً لما رمى إليه من التهوين بشأن الصحابة، وذلك أنه قال بعد ما تقدم (¬1): «ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضاً موضع النقد، وينزلون بعضاً منزلة أسمى من بعض». إلخ، يريد بذلك أن يعترض على موقف (أكثر) النُقَّادِ من عدالة الصحابة، وَيُبَيِّنُ ألاََّّ مجال لهذا التعديل على الإطلاق، فقد كان الصحابة يشك بعضهم في صدق بعض، وَضَعَ بعضهم بعضاً موضع النقد، ودلل على ذلك بثلاثة أمور: 1 - ما نقله من نقد ابن عباس، وعائشة لأبي هريرة. 2 - ما سبق أن ذكره من أن بعض الصحابة كان إذا رُويَ له حديث طلب من المُحَدِّثِ دليلاً على صدقه. 3 - ما حصل بين عمر وفاطمة بنت قيس. وإليك ما يرد استدلاله بهذه الأدلة الثلاثة، ويجعل دعواه عرجاء لا سند لها من التاريخ. ¬

_ (¬1) ص 265. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [انظر " المستصفى " لأبي حامد الغزالي: تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي. 1/ 130، الطبعة الأولى: 1413هـ - 1993 م، نشر دار الكتب العلمية].

أما أن الصحابة كان يشك في صدق بعض فهذه دعوى لا برهان لها إلا في كتب الروافض من غُلاَةِ الشِيعَة الذين نقلوا عن عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - تكذيبه لمن خالفه من الصحابة وسبه لهم، وإطلاق لسانه فيهم، ولكن النقل الصحيح والتاريخ النزيه عن أهواء ذوي الغايات، يثبت ببيان لا غموض فيه أن الصحابة كانوا أبعد الناس عن أَنْ يَسُبَّ بعضهم بعضاً، أو يشك بعضهم في صدق بعض والأدلة على هذا متوافرة جِدًّا، فقد كان الصحابي إذا سمع من صحابي آخر حَدِيثًا صَدَّقَ به ولم يخالجه الشك في صدقه، وأسنده إلى الرسول كما لو كان سمعه بنفسه. وقدمنا لك القول عن مرسل الصحابي، وذكرنا لك قول أنس: «لَمْ يَكُنْ يُكَذِّبُ بَعْضُنَا بَعْضًا» وقول البراء: «مَا كُلُّ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يُحَدِّثُنَا أَصْحَابُهُ عَنْهُ» مِمَّا يدلك على ثقة الصحابة بعضهم ببعض، ثقة لا يشوبها شك ولا ريبة، لما يؤمنون به من تدينهم بالصدق وأنه عندهم رأس الفضائل، وبه قام الإسلام، وساد أولئك الصفوة المختارة من أهله الأولين. 1 - وأما ما نقله من رَدِّ عائشة وابن عباس على أبي هريرة فنرجىء الحديث فيه إلى الكلام عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. 2 - وأما طلب بعض الصحابة دليلاً على صدق الحديث، فهو يشير بذلك إلى ما سبق أن ذكرناه في بحث موقف الصحابة مِنَ السُنَّةِ من طلب أبي بكر من المُغيرة من يشهد معه، وطلب عمر من أبي موسى من يشهد معه، وَبَيَنَّا هنا الحكمة التي رمى إليها كل من أبي بكر وعمر في هذين الموقفين، وأثبتا أنهما قَبِلاَ أخبار بعض الصحابة دُونَ أن يطلبا شاهداً آخر، وأن ذلك كان عادتهما التي درجا عليها في قبول الأخبار، ولم يَشُذَّا عنها إلا في مواقف خاصة رميا منها إلى تعليم المُسْلِمِينَ التثبت في الحديث، وكيف يكون عمر شَاكًّا في صدق أبي موسى وهو الذي يقول له: «[أَمَا إِنِّي لَمْ أتَّهِمْكَ]، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْْ لاَ يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى الْحَدِيثِ عَلَى الْحَدِيث عَنْ رَسُول اللَّه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ثم انظر إلى ما رواه " مسلم " من أن أُبَيّاً عاتب عمر على موقفه من أبي موسى وقال له: «لاَ تَكُنْ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَلاَ ترى في هذا العتاب الشديد دليلاً على أَنَّ عمر وقف من أحد الصحابة موقفاً لم يكن مألوفاً لديهم.

3 - وأما موقف عمر من فاطمة بنت قيس فقد قال المؤلف عن ذلك (¬1): «وكالذي روي أن فاطمة بنت قيس رَوَتْ أن زوجها طَلَّقَ فَبَتَّ الطلاق فلم يجعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفقة ولا سكنى، وقال لها: «اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى»، فردها أمير الؤمنين عمر قائلاً. لا نترك كتاب ربنا وسُنَّةَ نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت، وقالت لها عائشة: أَلاَ تَتَّقِينَ اللهَ ... الخ». هذا الحديث مروي في أكثر كتب السُنّة، ومعروف عند الفقهاء، والبحث فيه من وجوه: أَوَلاًً - أن الصحابة كا نوا يتفاوتون في الفهم والدقة في الاستنباط، كما كانت لبعضهم ظروف خاصة يعامله بها الرسول فيحكيها للناس على أنها حكم عام، فيقع بينهم نقاش علمي محض، لا مدخل فيه للنقد المبني على الريبة في الصدق، ولا أثر فيه للتصديق أو التكذيب، فهذا يروي حَدِيثًا فيراه الآخر منسوخاً أو مخصوصاً أو مُقَيَّداً، وهذا يُحَدِّث بحديث فيراه الآخر خَاصًّاً بمن حكم له الرسول - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ - لظروف خاصة به، وهذا يذكر خبراً فيذكره الآخر على وجه آخر ويحكم عليه بأنه وَهِمَ فيه أو نَسِيَ، أو نقص منه أو ما أشبه ذلك، فكل ما ورد في الآثارعن الصحابة في رَدِّ بعضهم على بعض، واستدراك صحابي على آخر، مَرَدُّهُ إلى ما ذكرناه، وليس معناه تكذيباً من فريق لفريق. ثَانِياًً - إن قول عمر «لاَ نَدْرْي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» لم يرد في كتاب من كتب الحديث قاطبة، وقد بحثت في كل مصدر استطعت الوصول إليه من مصادر الحديث في مختلف دُورِ الكُتُبِ العامة فلم أعثر على من ذكره بهذا اللفظ، بل الذي فيها " حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ " ولم يرد ذلك اللفظ إلا في بعض كتب الأصول، كـ " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " مَعْزُواً إلى " صحيح مسلم "، وليس في " مسلم " إلا " حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ " وقد نَبَّهَ شارح " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " إلى هذا فقال: «وَالمَحْفُوظُ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ" " حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ "». اهـ. ¬

_ (¬1) ص 265.

وإن تعجب فعجبك من صاحب " فجر الإسلام " بعد أن نقل هذا الحديث بهذا اللفظ قال في الهامش: «انظر " شرح النووي على مسلم " وشرح " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ ". وبالرجوع إلى " شرح النووي " لم نجد فيه ذكراً لقوله «صَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» وبالرجوع إلى " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " نجده قد نص على أن هذه الزيادة التي ذكرها صاحب " المُسَلَّمِ " ليست واردة في " صحيح مسلم ". على أن المؤلف يعلم أن " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " ليس من كتب السُنَّةِ ولا يرجع إليه في معرفة حديث رسول الله، وقد تابع فيه غيره من الفقهاء والأصوليين بدون تثبت ورجوع إلى كتب الحديث، وقد كان من واجب المؤلف وهو يؤرخ تدوين الحديث أن يرجع في نصوصه إلى مصادره الأصلية، فلا ينقل نصاً إلا من هذه المصادر، كما أن من واجبه، وهو عالم أن يَتَحَلَّى بصفة العلماء وهي الأمانة في النقل والتثبت فيه، فلا ينقل نصاً إلا بعد تثبته منه واطمئنانه إلى أنه وارد وصحيح، ولكنه لم يفعل ذلك، فلا هو رجع إلى كتب الحديث ولا هو كان أميناً في الإحالة إلى كتب الحديث وكتب الأصول، بل أحال النص" المكذوب " إلى "شرح النووي" وشرح "مسلم الثبوت ". ولا ندري هل كان يظن أن قراءه يكتفون منه بادعاء وجوده في هذين المصدرين فيطمئنون؟ أم يرتابون في ذلك ويبحثون؟ ثَالِثاًً - على فرض صحة هذه العبارة - وهو ما لم يثبت حتى الآن - فكان ينبغي له حمل كلمة «كَذَبَتْ» على الخطأ، وحمل كلمة «صَدَقَتْ» على الصواب، وقد قال ابن حجر: «إِنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ يُطْلِقُونَ «الكَذِبَ» عَلَى الخَطَأِ». اهـ. رَابِعاًً - إنما رَدَّ عُمَرُ خبر فاطمة، لأنه وجده متعارضاً مع ما صَحَّ عنده من الكِتَابِ وَالسُنَّةُ، ومن المعلوم أن الخبرين إذا تعارضا يصار إلى الأقوى منهما، ومدلول الكتاب أقوى من مدلول السُنَّةِ بيقين، فلا جَرَمَ أن كان متعينا على عمر ترك خبرها والأخذ بما قام عنده من الأدلة، واعتذر عنها بأنها لعلها نسيت فأخبرت بما أخبرت، وليس في هذا تشكيك ولا طعن. خَامِساًً - إن قول عائشة: «أَلاَ تَتَّقِينَ اللهَ» إنما كان بناء على ما علمته من أن الرسول لم يحكم لها بالنفقة والسكنى لعارض لها خاصة، لا أنه حكم عام في كل مُطَلَّقَةٍ مَبْتُوتَةٍ، فلما رأتها تُحَدِّثُ الناسَ بما حكم لها الرسول على أنه حكم عام

اختلاف العلماء في التعديل والتجريح:

نَبَّهَتْهَا إلى هذه الحقيقة، وَأَفهَمَتْهَا أن الحُكْمَ خاص بها. وقد ثبت في " مسلم ": أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلاَثًا، وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، قَالَ: «فَأَمَرَهَا، فَتَحَوَّلَتْ»، وأكد هذا ما جاء في بعض روايات " البخاري " أن عائشة قالت: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا الحَدِيثِ»، «إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ [وَحْشٍ] (*)، فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1). والذي اتضح لنا بعد أن رددنا شُبَهَ المؤلف واحدة بعد أخرى، أنه لم ينفع من الصحابة شك ولا نقد قائم على التكذيب من فريق نحو فريق، وكل ما أثر عنهم - مِمَّا ذكره المؤلف وما لم يذكره - لا يخرج عن كونه نقاشاً علمياً في فهم الحديث، أو يكون تعليماً للجيل الناشئ لينشأ على ما كان عليه الصحابة من التَحَرِّي وَالتَثَبُّتِ، وكل ذلك يدل على حرصهم على الحق، وإخلاصهم للعلم، واهتمامهم بحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتأديته إلى الأُمَّةِ من بعدهم خالياً من اللُبْسِ والوهم، فرضي الله عن هذا الجيل الممتاز في تاريخ الإنسانية وجزاهم عنا أكمل الجزاء. اخْتِلاَفُ العُلَمَاءِ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ: قال المؤلف في [ص 266]: «وكان للاختلاف المذهبي أثر في التعديل والتجريح، فَأَهْلُ السُنَّةِ يُجَرِّحُون كثيراً من الشِيعَة حتى إنهم نَصُّوا على أنه لايصح أنْ يروى عن عَلِيٍّ ما رواه عنه أصحابه وشيعته، إنما يصح أنْ يُرْوَى ما رواه عنه أصحاب عبد الله بن مسعود، وكذلك كان موقف الشِيعَة من أَهْلِ السُنَّةِ، فكثير منهم لا يثق إلا بما رواه الشِيعَةُ عن أهل البيت، وهكذا. ونشأ عن هذا أنَّ من يُعدِّلُهُ قوم قد يُجَرِّحُهُ آخرون، قال الذهبي: «لَمْ يَجْتَمِعْ اثْنَانِ مِنْ عُلَمَاءِ هَذَا الشَّأْنِ عَلَى تَوْثِيقِ ضَعِيفٍ وَلاَ عَلَى تَضْعَيفِ ثِقَةٍ» ومع ما في قوله هذا من المبالغة فهو يدلنا على مقدار اختلاف الأنظار في التجريح والتعديل، ولنضرب لك مثلاً محمد بن إسحاق - أكبر مُؤَرِّخٍ في حوادث الإسلام الأولى - قال فيه ¬

_ (¬1) سيأتي معنا تأويل آخر عند حديثنا عن أمثلة للإلحاق عن طريق القياس. [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ورد في المطبوع خطأ (وَحْشِيٍّ)، وتكرر كذلك في طبعة دار الوراق، والصواب (وَحْشٍ)، مَكَانٌ وَحْشٌ - بفتح الواو وسكون الحاء - أي: خلاء لا ساكن به، موحش مقفر، انظر: البخاري " الجامع الصحيح ": (68) كتاب الطلاق (41) باب قصة فاطمة بنت قيس ... حديث رقم 5325، [فتح الباري "، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، 9/ 477، نشر دار المعرفة - بيروت، طبعة سَنَةَ 1379 هـ]. وكذلك، أبو داود، " السنن "، تحقيق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، (7) كتاب الطلاق (40) باب من أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس، حديث رقم 2291، 2/ 497، الطبعة الأولى: 1418 هـ - 1997 م، نشر دار ابن حزم. بيروت - لبنان.

قتادة: «لاَ يَزَالُ فِي النَّاسِ عِلْمٌ مَا عَاشَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ»، وقال النسائي: «لَيْسَ بِالقَوِيِّ»، وقال سفيان: «مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَتَّهِمُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، وقال الدارقطني: «لاَ يُحْتَجُّ بِهِ وَبِأَبِيهِ»، وقال مالك: «أَشْهَدُ أَنَّهُ كَذَّابٌ ... ». والكلام هنا في موضعين: الأول: - في قواعد الجرح والتعديل. والثاني: - في عبارة الذهبي، والآراء في محمد بن إسحاق. أما الموضع الأول، فقد أجمل المؤلف الكلام هنا عن قواعد الجرح والتعديل كما أجمل الكلام عن أثر االاختلاف المذهبي وأوهم ظاهر قوله: «وَنَشَأَ عَنْ هَذَا أَنَّ مَنْ يُعَدِّلُهُ ... إلخ»، أن منشأ الاختلاف في التجريح والتعديل هو الاختلاف المذهبي. وتفصيل الكلام أن الاختلاف في التجريح والتعديل، إما أن يكون فيما بين أَهْلَ السُنَّةِ بعضهم مع بعض، أو بين أهل السُنَّة وبين من خالفهم من الفرق الأخرى. أما الاختلاف فيما بين أَهْلَ السُنَّةِ، فمنشؤه تباين الأنظار في صدق الراوي وكذبه، وعدالته وفسقه، وحفظه ونسيانه. وأما الاختلاف بين أَهْلَ السُنَّةِ وغيرهم فليس ناشئاً عن تباين المذاهب بل إن أهل السُنَّة كما قدمناه - في بحث الجرح والتعديل - لا يُجَرِّحُونَ مخالفهم إلا إذا كانت بدعته تؤدي إلى كفر، أو وقوع في صحابة رسول الله، أو كان داعية إلى بدعته، أو لم يكن داعية ولكن حديثه موافق لما يدعو إليه، ويرون في ذلك كله ما يشكك في صدقه وأمانته، فالخلاف في التجريح بين أهل السُنَّة وغيرهم راجع في الحقيقة إلى الشك بصدق الراوي أو الثقة به لا إلى مجرد الخلاف المذهبي، ولهذا أخرجت كُتُبُ السُنَّة وفي مقدمتها " الصحيحان " لجماعة من المبتدعة الذين دَلَّ تاريخهم على أنهم لا يكذبون، كعِمران بن حطان الخارجي، وأبان بن تغلب الشيعي، قال الحافظ الذهبي - رَحِمَهُ اللهُ - في ترجمة أبان بن تغلب: «شِيعِيٌّ جَلِدٌ، فَلَنَا صِدْقُهُ، وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ».

أما إن أهل السُنَّة لا يقبلون رواية أصحاب عَلِيٍّ عنه فذلك لأنهم أفسدوا علمه وَدَسُّوا عليه آراء لم يذهب إليها وَقََوَّلُوهُ ما لم يقله، وقد روي عَنْ [أَبِي] إِسْحَاقَ (*)، قَالَ: «لَمَّا أَحْدَثُوا تِلْكَ الأَشْيَاءَ بَعْدَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ: قَاتَلَهُمُ اللهُ، أَيَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا؟» فلما فشا عليه الكذب بين أصحابه تركوا روايتهم احتياطاً وتثبُّتاً. وبهذا تعلم ما في عبارة المصنف من إجمال وغموض فضلاً عما فيها من إيهام أن الاختلاف في التجريح والتعديل منشؤه الاختلاف المذهبي فحسب. أما الموضع الثاني فهو قوله: «ونشأ عن هذا أن من يُعَدِّلُهُ قوم يُجَرِّحُهُ آخرون» واستشهد بعبارة الذهبي وساق دليلاً على ذلك خلافهم في محمد بن إسحاق وها هنا أخطاء متلاحقة. أَوَلاًً - إن تمثيله لأثر الاختلاف المذهبي بالاختلاف في أمر ابن إسحاق غير صحيح، فإن الاختلاف في أمره ليس ناشئاً عن اختلاف مذهبي، فإن محمد بن إسحاق من أهل السُنَّة، والذين اختلفوا فيه جميعاً من أهل السُنَّة، فلا يصح التمثيل في هذا المقام. ثَانِياًً - إنه فهم عبارة الذهبي على غير ما تؤدي إليه، وعلى غير ما أرادها الذهبي نفسه، فقد فهمها المؤلف على أنها دليل على شِدَّةِ اختلاف الأنظار، وأن معناها لم يتفق اثنان على توثيق رجل ولا على تضعيفه، بل من يوثقه هذا يُجَرِّحُهُ ذاك، والعكس بالعكس، ولكن المتأمل في عبارة الذهبي أدنى تأمل، يفهم منها خلاف ما فهمه المؤلف تماما، فالذهبي يريد أن يقول: إن علماء هذا الشأن متثبتون في نقد الرجال، فلم يقع منهم أن اختلفوا في توثيق رجل اشتهر بالضعف، ولا في تضعيف رجل عرف بالتثبت والصدق، وإنما يختلفون فيمن لم يكن مشهوراً بالضعف أو التثبت وحاصله أنهم لا يذكرون الرجل إلا بما فيه حقيقة. أَلاَ ترى ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) ورد في المطبوع خَطَأً (ابن إسحاق) والصواب (أبي إسحاق) وهو أبو إسحاق السبيعي: (1). أبو إسحاق عمرو بن عبد الله بن علي بن أحمد بن ذي يحمد بن السبيع السبيعي الهمداني الكوفي من أعيان التابعين؛ رأى عَلِيًّا وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وروى عنه الأعمش وشُعبة والثوري وغيرهم، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وكان كثير الرواية. ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وتوفي سَنَةَ تسع وعشرين، وقيل سبع وعشرين، وقيل ثمان وعشرين ومائة. وقال يحيى بن معين والمدائني: مات سَنَةَ اثنتين وثلاثين ومائة، والله أعلم، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. والسبيعي: بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها عين مهملة، هذه النسبة إلى سبيع، وهو بطن من همدان. وكان أبو إسحاق المذكور يقول: «رَفَعَنِي أَبِي حَتَّى رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، يَخْطُبُ وَهُوَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ». (1) انظر ترجمته في " طبقات ابن سعد ": 6/ 313، و" تاريخ أصبهان " 2/ 26 و" حلية الأولياء ": 4/ 338، و" ميزان الاعتدال ": 3/ 270، و" غاية النهاية ": 1/ 602 و" تهذيب التهذيب " لابن حجر: 8/ 63. نَقْلاً عن " وفيات الأعيان " لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، نشر دار صادر. بيروت - لبنان.

قواعد النقد في السند والمتن:

إلى قوله: توثيق (ضَعِيفٍ) وتضعيف (ثِقَةٍ) ولو كان مراده كما فهم المؤلف لقال: لم يجتمع اثنان على توثيق رَاوٍ ولا على تضعيفه (¬1). ثَالِثاًً - إن الخلاف في محمد بن إسحاق ليس فيه تأييد لعبارة الذهبي بل هو وارد عليها مورد الاعتراض وأصل المسالة، أن صاحب "مسلم الثبوت " بعد آن ذكر عبارة الذهبي اعترض عليه الشارح بأن هذا التعميم غير صحيح، والاستقراء ليس تاماً فقد اختلفوا مثلاً في محمد بن إسحاق وذكر أقوال العلماء فيه بين تعديل وتجريح ثم قال: «فانظر فإن كان هو ثقة فقد اجتمع أكثر من اثنين على تضعيفه. وإن كان ضعيفاً فقد اجتمع أكثر من اثنين على توثيقه» ولكن المؤلف لم يعجبه فهم الشارح ولا فهم صاحب "المُسَلَّمِ " ولا مراد الذهبي نفسه، بل ساق ما قيل في ابن إسحاق تَأْكِيدًا، لما حاول فهمه من عبارة الذهبي، فانظر هل هو في الحقيقة لم يفهم عبارة الذهبي، ولم يفهم عبارة الشارح، ولم يفهم أن ما قيل في ابن إسحاق اعتراض على ما يُسْتَفَادُ من عموم عبارة الذهبي، أو هو فهم ذلك كله، لكنه تجاهله وَحَمَّلَ عبارة الذهبي عكس ما تحتمله ليصل من ذلك كله إلى تهوين أمر علماء الجرح والتعديل، وإفهام القارىء أنهم مضطربون متناقضون، وأنهم في أحكامهم على الرُوَاةِ يصدرون عن تباينهم في النزعات والمذاهب، وأن أي رَاوٍ وَثَّقَهُ أحد أئمة الحديث، هنالك من يُضَعِّفُهُ غالباً، فلسنا ملزمين بان نقبل حَدِيثًا اعتبر البخاري - مثلاً - حال رواته ووثَّقَهُم؟ أنظر في هذا وتأمله. قَوَاعِدُ النَّقْدِ فِي السَّنَدِ وَالمَتْنِ: وقال في [ص 266] أيضاًً: «وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد ليس ¬

_ (¬1) وهناك تفسير آخر لمراد الذهبي من تلك العبارة وهو أنه لم يقع الاتفاق على توثيق رَاوٍ حقه التضعيف بل الذي يقع هو أن يوثقه بعضهم ويضعفه بعضهم كما لا يتفقون على تضعيف رَاوٍ شأنه التوثيق، بل ربما يضعفه بعضهم ويوثقه آخرون. وقوله: «لم يجتمع اثنان» أي: لم يحصل اجتماع من علماء الجرح والتعديل ولا يريد من لفظ (اثنان) التقييد بل مراده مطلق الاجتماع والاتفاق كما يقولون: «هذا أمر لا يختلف فيه اثنان» أي: لا يُحَدِّث فيه اختلاف لا من اثنين ولا من أكثر. فالمراد هنا نفي مطلق الاختلاف. والمراد في عبارة الذهبي نفي مطلق الاجتماع على توثيق ضعيف أو تضعيف ثقة.

قواعد العلماء في نقد الحديث:

هنا محل ذكرها. ولكنهم - والحق يقال - عنوا بنقد الإسناد أكثر مِمَّا عنوا بنقد المتن، فَقَلَّ أن نظفر منهم بنقد من ناحية أن ما نسب إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يتفق والظروف الي قيلت فيه، أو أن الحوادث التاريخية الثابتة تناقضه، أو أن عبارة الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في تعبير النَّبِيّ، أو أن الحديث أشبه في شروطه وقيوده بمتون الفقه وهكذا، ولم نظفر منهم في هذا الباب بِعُشْرِ مِعْشَارِ ما عنوا به من جرح الرجال وتعديلهم حتى نرى البخاري نفسه - على جليل قدره ودقيق بحثه - يثبت أحاديث دلت الحوادث الزمنية والمشاهدة التجريبية على أنها غير صحيحة، لاقتصاره على نقد الرجال، كحديث: «لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ» وحديث «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ [مِنْ عَجْوَةً] لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ». وهذا الكلام تضمن أمرين: الأول: - نقد القواعد التي وضعها العلماء لنقد الحديث. والئاني: - نقد حديثين وردا في " صحيح البخاري "، تمشياً مع القواعد الجديدة التي وضعها للنقد. أَوَلاًً: قَوَاعِدُ العُلَمَاءِ فِي نَقْدِ الحَدِيثِ: نبحث هذا الأمر لنرى هل قََصَّرَ العُلَمَاءُ في نقد المتن؟ وهل كان هناك مجال للتوسع في النقد أكثر مِمَّا فعلوه؟ إذا أخبرك رجل عن آخَرَ خَبَرًا، كان أول ما يسبق إلى خاطرك، أن تستوثق من صِدْقِ المُخْبِرِ، بالنظر في حاله وأمانته ومعاملته وغير ذلك، فإذا استوثقت منه نظرت بعد ذلك في الخبر نفسه، وعرضته على ما تعرف عن صاحبه من أقرال وأحوال، فإذا اتفق مع ما تعلمه من ذلك، لم تشك بصدق المُخْبِرِ والاطمئنان إليه، وإلا كان لك أن تتوقف في قبول الخبر لا لريبة في المُخْبِرِ - فأنت واثق من صدقه - بل لشبهة رأيتها في الخبر نفسه، ويصح أن يكون مرجعها وَهُمًا أو نسياناً من المُخْبِرِ، كما يصح أن ترجع إلى سِرٍّ في الأمر لم تتبينه، فلعل في مستقبل الزمن ما يكشف السِرَّ ويوضح لك ما غاب عنك، فإذا أنت لم تقتصر على التوقف في الخبر في هذه الحالة، بل حكمت بكذبه، كان ذلك افتئاتاً منك على من أخبرك، ونقضاً لما أبرمته، إذ كذبت المُخْبِرَ وأنت له مُصَدِّقٌ وبه واثق.

ذلك مثل لموقف العلماء مِمَّا وجدوه بين أيديهم من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد كان نقدهم لِلْسُنَّةِ على خطوتين: الأولى نقد السند، والثانية نقد المتن. أما السند فقد قدمنا لك ما اشترطوا في الراوي من العدالة والضبط والحفظ والسماع في كل رَاوٍ في السلسلة إلى أن يصل إلى الصحابي، ونعتقد أن المؤلف ومن سبقه من المُسْتَشْرِقِينَ لا يستطيعون أن يتهموا علماءنا بالتفريط في نقد حال الرُوَاة، ووضع الشروط الدقيقة لقبول أخبارهم، فهم مجمعون معنا على أن علماءنا - رَحِمَهُمْ اللهُ - بلغوا في ذلك الشوط الذي ليس بعده غاية، ولا وراءه مطمع لناقد أو متثبت. أما المتن فقد تقدم لك ما يرشدك إلى القواعد التي وضعوها لنقده وأهمها: 1 - ألاََّّ يكون ركيك اللفظ، بحيث لا يقوله بليغ أو فصيح. 2 - ألاََّّ يكون مخالفاً لبدهيات العقول، بحيث لا يمكن تأويله. 3 - ألاََّّ يخالف القواعد العامة في الحِكَمِ والأخلاق. 4 - ألاََّّ يكون مخالفًا للحس والمشاهدة. 5 - ألاََّّ يخالف البدهي في الطب والحكمة. 6 - ألاََّّ يكون داعية إلى رذيلة تتبرأ منها الشرائع. 7 - ألاََّّ يخالف العقول في أصول العقيدة من صفات الله ورسله. 8 - ألاََّّ يكون مخالفاً لسنة الله في الكون والإنسان. 9 - ألاََّّ يشتمل على سخافات يصان عنها العقلاء. 10 - ألاََّّ يخالف القرآن أو مُحْكَمَ السُنَّةِ أو المجمع عليه أو المعلوم من الدين بالضرورة، بحيث لا يحتمل التأويل. 11 - ألاََّّ يكون مخالفاً للحقائق التاريخية المعروفة عن عصر إلنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

12 - أن لا يوافق مذهب الراوي الداعية إلى مذهبه. 13 - ألاَّ يخبر عن أمر وقع بمشهد عظيم ثم ينفرد رَاوٍ وَاحِدٌ بروايته. 14 - ألاَّ يكون ناشئا عن باعث نفسي، حمل الراوي على روايته. 15 - ألاَّ يشتمل على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير، والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير. على هذه الأسس الرصينة المحكمة جَرَّدُوا أنفسهم لنقد الأحاديث، وتمييز صحيحها من سقيمها، ولا شك أنها أسس سليمة لا يستطيع المنصف أن يكابر في قوتها وعمقها وكفايتها، ولم يكتف علماؤنا بهذا، بل نقدوا المتن بعد سلامته من العلل السابقة كلها، نقدوه من ناحية اضطرابه أو شذوذه أو إعلاله، كما بحثوا فيما يمكن أن يقع فيه من قلب أو غلط أو إدراج (¬1)، ولكل ذلك أمثلة وشواهد مَحَلُّهَا كُتُبَ القوم - رَحِمَهُمْ اللهُ -. ومع ذلك التدقيق الشديد والاعتناء البالغ، فقد قالوا باحتمال أَلاَّ تكون هذه الأحاديث صحيحة في نفس الأمر إذا كانت أحاديث آحاد - وإن كان هذا الاحتمال في منتهى الضُعف والبُعد - وقالوا باحتمال وَهْمِ الراوي وَنِسْيَانِه - وإن كنا لم نطلع عليه - ولهذه الاحتمالات قال الجمهور: إن أحاديث الآحاد تفيد الظن مع وجوب العمل بها، وهذا لعمري غاية الاحتياط في دين الله - عَزَّ وَجَلَّ - وغاية الاحتياط في إثبات الحقائق العلمية. ¬

_ (¬1) الاضطراب بالحديث هو أن يجيء على أوجه مختلفة في المتن أو السند من رَاوٍ أو أكثر وتكون الروايات بحيث يمتنع الترجيح، وهو موجب لضعف الحديث. - والشذوذ هو رواية الثقة حَدِيثًا يخالف ما روى الأوثق منه أو الأكثر. - وإعلال الحديث: الاطلاع على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر سلامته منها وذلك بجمع طرقه والنظر في اختلاف رواته. - وقلب الحديث: تبديل لفظ في متنه بآخر أو إبدال رَاوٍ بِرَاوٍ آخر. - والإدراج في الحديث: حصول زيادة فيه ليست منه في السند أو المتن.

كل هذا الاحتياط وهذه الشدة في النقد لم تعجب مؤلف " فجر الإسلام " لأنها لم تعجب أساتيذه المُسْتَشْرِقِينَ فانتقدها بما ذكرناه في صدد هذا البحث، وزعم أنه كان عليهم أن يُحَقِّقُوا حين النقد في المسائل الآتية: 1 - هل يتفق ما نسب إلى النَّبِيّمع الظروف التي قيلت فيه؟ 2 - وهل الحوادث التاريخيه تؤيده؟ 3 - وهل هذا الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في تعبير النَّبِيّ؟ 4 - هل الحديت أشبه في شروطه وقيوده بمتن الفقه؟ وزاد في " ضُحى الإسلام ": (2/ 130 - 131) النواحي الآتية: 5 - هل ينطبق الحديث على الواقع أم لا؟ 6 - هل هنالك باعث سياسي للوضع؟ 7 - هل يتمشى الحديث مع البيئة التي حكي فيها أم لا؟ 8 - هل هنالك باعث نفسي يحمل الراوي على الوضع أم لا؟ هذه هي القواعد الجديدة التي وضعها مؤلف " فجر الإسلام " و" ضُحَاهُ " لنقد المتن وزعم أنها فاتت علماءنا، ولو تنبهوا لها لانْكَشَفَ لهم حال أحاديث كثيرة حكموا بصحتها، وهي في الواقع - على زعمه - موضوعة. ومَثَّلَ لِذَلِكَ في " فجر الإسلام " بحديثين في " البخاري " ومَثَّلَ في " ضُحَى الإِسْلاَمِ " بحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة: «الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ وَالْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنَّةِ وَهِيَ شِفَاءٌ مِنْ السُّمِّ» وقال: إنهم لم يتجهوا في نقد الحديث إلى امتحان الكمأة رغم زعم أبي هريرة، أنه جَرَّبَهَا فأدت إلى الشفاء. ولكن المؤلف اعترف أخيراً بأنه قد رويت لهم أشياء من النقد النفسي، مثل نقد ابن عمر لأبي هريرة في زيادة «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ» في الحديث «بِِأَنَّ لأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا». تعال بنا، ننظر زعمه من مقاييس جديدة، ولننظر في أمثلتها التي اختارها لنرى إلى أي مدى كان المؤلف مُوَفَّقاً؟

1 - أما أنهم لم يحققوا فيما نسب إلى النَّبِيّ، هل يتفق والظروف التي قيلت فيه أم لا؟. فقد رأيت عدم صحة هذا الزعم، بل إنهم جعلوا ذلك من أسس نقد المتن، وَمَثَّلْنَا ذلك فيما مضى بحديث الحَمَّامِ، حيث رَدَّهُ العلماء بأن النَّبِيّلم يدخل حَمَّاماً قط، وأن الحجاز في عصر النَّبِيّلم تكن تعرف الحَمَّامَات. 2 - وأما أن الحوادث التاريخية تُؤَيِّدُهُ أَوْ تُكَذِّبُهُ، فقد رأيت أنهم عَدُّوا ذلك من علائم الوضع أيضاًً، وَمَثَّلُوا لَهُ في رَدِّهِمْ لحديث وضع الجزية على أهل خيبر، فقد رده العلماء بأن الحوادث التاريخية ترده، ورأيت كيف استعملوا التاريخ لكشف كذب الرُوَاةِ في لُقْيَاهُمْ الشيوخ. 3 - وأما كون الحديث نوعًا من التعبير الفلسفي يخالف المألوف من كلام النَّبِيّ، فإن ذلك داخل تحت بحث «ركاكة اللفظ» وضابطه أن تقطع بأن النَّبِيّلا يقول مثل هذا الكلام، ونقلنا لك قَوْلُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: «وَكَثِيرًا مَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ - أَيْ بِالْوَضْعِ - بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ تَرْجِعُ إِلَى الْمَرْوِيِّ [وَأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُمْ - لِكَثْرَةِ مُحَاوَلَةِ أَلْفَاظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْئَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَمَلَكَةٌ قَوِيَّةٌ] يَعْرِفُونَ بِهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ» وحيث كانوا كذلك فمن السهل عليهم أن يَرُدُّوا حَدِيثًا فلسفياً لم يكن مألوفاً من النَّبِيّأن يقول مثله، ونحن نتحدى المؤلف أن ينقل لنا حَدِيثًا واحداً صَحَّحَهُ أَئِمَّتُنَا، وكان من هذا النوع. 4 - وأما أن الحديث أشبه بشروطه وقيوده بمتن الفقه، فقد رأيت كيف اشترطوا ألا يكون المروي موافقاً لمذهب الراوي المتعصب، وقد رَدُّوا أحاديث كثيرة في العقائد، لأنها تؤيد مذاهب الرُوَاةِ، وكذلك رَدُّوا أحاديث في الفقه كثيرة للسبب نفسه، مثل: «الْمَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقَ لِلْجُنُبِ ثَلاَثًا فَرِيضَةً»، ومثل: «إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ غُسِلَ الثَّوْبُ وَأُعِيدَتِ الصَّلاَةُ» وأمثال هذه الأحاديث التي حكم عليها العلماء بالوضع كثيرة. انظر " نصب الراية "، و"موضوعات ابن الجوزي " و"اللآلئ المصنوعة " للسيوطي. 5 - وأما أن الحديث هل ينطبق على الواقع أم لا؟ فقد ذكروا ذلك، كما رأيت، ومن أجله رَدُّوا أحاديث كثيرة منها «لا يُولَدُ بَعْدَ الْمِائَةِ مَوْلُودٌ لِلَّهِ فِيهِ حَاجَةٌ»، لأنه يخالف الواقع المشاهد، فإن أكثر الأئمة وأشهرهم ذكراً مِمَّنْ ولدوا

بعد القرن الأول الهجري. ومنها «الْبَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» ومنها «عَلَيْكُمْ بِالْعَدْسِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ يُرَقِّقُ الْقَلْبَ وَيُكْثِرُ الدَّمْعَةَ» قالوا: هذان حَدِيثًان باطلان لمخالفتهما للواقع المعروف في عالم الطب وتجربة الناس. 6 - أما أنه هل هناك باعث سياسي للوضع؟ فقد رأيت أنهم نصوا على رواية ذوي المذاهب والأهواء المُتَعَصِّبِينَ، وبذلك رفضوا أحاديث غُلاَةِ الشِيعَةِ فِي عَلِيٍّ. وَغُلاَةِ البكرية في أبي بكر. وَغُلاَةِ العثمانية في عثمان، والمتعصبين للأمويين في بني أمية. والمتعصبين للعباسيين في بني العباس، وقد رأيت أنهم تنبهوا إلى أن الخلافات السياسية من أهم عوامل الوضع، فتتبعوا الأحاديث في ذلك ونقدوها نقداً شديداً. وكان ما قبلوه منها - بعد النقد والتمحيص - أقل بكثير مِمَّا رفضوه. 7 - وأما أنه هل يتمشى الحديث مع البيئة التي قيل فيها أم لا؟ فقد نصوا على ذلك وَرَدُّوا من أجله أحاديث متعددة: منها «رَمَدْتُ فَشَكَوْتُ إِلَى جِبْرِيلَ، فَقَالَ لِي: أَدِمْ النَّظَرَ إِلَى المُصْحَفِ». قالوا: لأنه لم يكن على عهد النَّبِيِّ مصحف حتى ينظر فيه. 8 - وأما أنه هل هنالك باعث نْفسي يحمل على الوضع أم لا؟ فقد رأيت أنهم لم يُغفِلُوا ذلك، بل قالوا: قد يستفاد على الوضع من حال الراوي. ومثَّلُوا لذلك بحديث: «الهَرِيسَةُ تَشُدُّ الظَهْرَ» فإن راويه كان مِمَّنْ يصنع الهريسة. وحديث «مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ ... إلخ» فإن راويه سعد بن طريف، قاله حين جاء إليه ابنه يبكي وأخبره أن معلمه ضربه. فها أنت ترى أن كل ما زعم المؤلف استدراكه على علماء الحديث من قواعد في نقد المتن لم يغفلها علماؤنا بل نَصُّوا عليها وذهبوا إلى أبعد منها في وضع القواعد وبها رَدُّوا كثيراً من الأحاديث، ولو رجع المؤلف إلى كتب الموضوعات ودرس ما كتبه علماء المصطلح، وراجع معاجم الجرح والتعديل، لاعترف بأن هؤلاء العلماء كانوا أكثر منه حرصاً على مثل ما ذكره حتى لقد بلغت القواعد التي وضعوها للتعرف على وضع المتن أكثر من خمس عشرة قاعدة كما رأيت.

نَعَمْ إن العلماء - رَحِمَهُمْ اللهُ - لم يستعملوا تلك المقاييس إِلاَّ في النطاق الذي لا بد منه، فلم يَرُدُّوا حَدِيثًا إلا بعد تعذر التأويل، بحيث يتحقق فيه على وجه التأكيد فَقْدَ شَرْطٍ من شروط الصحة، ووجود علامة من علامات الوضع. وقد جعلوا عمدتهم الأولى نقد السند، وبه أزاحوا من طريق السُنَّةِ، آلافاً بل عشرات الألوف من الأحاديث المكذوبة، ثم نقدوا المتن في الحدود التي ذكرناها على نطاق ضيق، إذ كانوا متثبتين لا يلقون الكلام على عواهنه، ولا يجازفون في دين الله بالهوى والعاطفة، وبذلك سلموا مِمَّا وقع فيه المؤلف من أخطاء شنيعة حين أراد أن يستعمل تلك المقاييس بدون تثبت وحيطة، وحسن توجيه، فحكم بوضع أحاديث صحيحة لا غبار عليها كما سترى. وعذر العلماء - رَحِمَهُمْ اللهُ - واضح فيما فعلوه، ذلك أنهم إنما يبحثون في أحاديث تنسب إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وللنبي ظروف خاصة به، تجعل مقياس النقد في حديثه أدق وأصعب من مقياس النقد في أحاديث الناس، لأنه رسول يتلقى الوحي من الله، أوتي جوامع الكلم، وأعطي سلطة التشريع، وأحاط من أسرار الغيب بما لم يحط به إنسان عادي، فلا مانع يمنع عقلاً من أن يقول حَدِيثًا يعلو عن أفهام الناس في عصره، فيكون أشبه بالتعريف الفلسفي لعصور تبلغ فيه الفلسفة مداها، ولا مانع عقلاً من أن يضع للناس أحكام المعاملات بألفاظ موجزة هي أشبه ما تكون بألفاظ القوانين، فإذا قال لنا: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقََا» وإذا قال: «لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا» وإذا قال: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ». كان ذلك في حدود السلطة التي أعطيت له في جو البلاغة التي عرف بها فلا يصح أن يستبعد منه مثل تلك الأقوال القانونية بِحُجَّةِ أنها أشبه ما تكون بمتون الفقه، إذ ماذا كان ينبغي أن يقول لو لم يستعمل هذه الألفاظ العربية الفصيحة لمدلولاتها الصريحة، وإذا جاء الفقهاء بعد ذلك فأخذوها بألفاظها ووضعوها في متونهم، أيقال: إن هذه الأحاديث أشبه ما تكون بمتون الفقه، ومثل ذلك ما أخبر به من خواص بعض النباتات أوالثمار، فقد يكون ذلك من إعجاز النبوة لتعطي الناس في كل عصر دليلاً على صدقها، فإذا لم يكتشف

الناس في عصرٍ سِرَّ ما أخبر به الرسول، لا يكون ذلك دليلاً على كذب الحديث ووضعه، ومن هنا ضَيَّقَ علماؤنا دائرة نقد المتن بمقدار ما وَسَّعُوا في دائرة نقد السند، لأن الذين ينقد حالهم في السند رجال يَجْرِي عليهم من القوانين ما يَجْرِي على الناس جميعاً، أما المتن فإنه كلام ينسب إلى من هو فوق البشرية في علومه ومعارفه واستعداده. فقد يخرج كلامه مخرج المجاز لا الحقيقة - كما فعل القرآن كثيراً - فَيَتَوَهَّمُ من ينظر فيه لأول مَرَّةٍ أَنَّهُ غير صحيح، بينما المراد منه غير حقيقته اللغوية التي تتبادر إلى الذهن. وقد يخرج كلامه مخرج الإخبار عن المغيبات الي تقع في مسقبل الزمان، ولم يكن - وقت النقد - قد حان زمان تحققها، فلا يصح التسرع في الإنكار. وقد يخرج كلامه مخرج الإخبار عن حقائق علمية لم تكتشف في عصر الرسالة ولا في عصور الناقدين، وإنما تكتشف فيما بعد كحديث «وُلُوغِ الكَلْبِ فِي الإِنَاءِ»، فقد أثبت العلم الحديث صحة ما جاء فيه، في حين عَدَّهَا علماؤنا من قبل، من الأمور التَّعَبُّدِيَّةِ التي يحيط الناس بمعناها وحكمتها، وَتَسَرَّعَ بعض الباحثين حَدِيثًا فأنكر حُجَّةَ هدْا الحديث، كُلُّ هذا يجعل علماءنا - رَحِمَهُمْ اللهُ - على حق في تَثَبُّتِهِمْ وَتَأَنِّيهِمْ في رَدِّ الأحاديث إذا بدت عليها بادرة شبهة، أو تردد العقل في فهمها، ولم يجزم باستحالتها بعد تأكدهم من صحة السند، وسلامة رجاله من أن يكون فيهم كذاب أو ضعيف أو مُتَّهَمٍ. أما المُسْتَشْرِقُونَ فلم يقفوا من رسول الله هذا الموقف بل نقدوا أحاديثه على وفق ما يعرفون من أصول النقد العام لأخبار الناس العاديين، ذلك لأنهم ينظرون إلى الرسول كرجل عادي لم يتصل بوحي، ولم يطلعه الله على مغيبات، ولم يُمَيِّزْهُ عن بني الإنسان بأنواع من المعارف والكرامات، فإذا روي عَنْهُ حديث يُنْبِىءُ عن معجزة علمية لم تكن معروفة في عصره، قالوا: إن هذا موضوع لأنه لا يتفق مع علوم الناس ومعارفهم في عصره، وإذا رُوِيَ لهم حديث عليه صبغة القانون قالوا: إن هذا موضوع لأنه يمثل الفقه بعد نضوجه، ولا يمثله في سذاجته

وبساطته في عصر النَّبِيّوالصحابة، وإدا رويت لهم بشارة من الرسول أو إخبار عن أمر يقع للمسلمين في المستقبل، قالوا: إن ظروف النَّبِيّلم تكن تسمح له أن يقول هذا القول. وهكذا وقفوا من رسولنا - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - موقف المنكر لرسالته، المتشكك في صدق ما بلغ به عن الله، المُمَارِي في سمو روحه التي اتصلت بالملأ الأعلى، ففاض منها النور والحكمة والعلم والمعرفة، ولم يكتفوا بذلك بل حملوا على علمائنا لأنهم لم يقفوا منه هذا الموقف. وعلماؤنا معذورون إن لم يتجهوا مع المُسْتَشْرِقِينَ في هذا الاتجاه الخاطىء، لأنهم يؤمنون بمحمد بن عبد الله رسولاً كريماً، أرسله الله إلى الناس أجمعين بشرع محكم، وسعادة شاملة للناس في دنياهم وآخرتهم. أما أتباع المُسْتَشْرِقِينَ من المُسْلِمِينَ كمؤلف " فجر الإسلام " فمن المؤسف أنهم انساقوا في ذلك الاتجاه، ولم يفطنوا إلى خطأ تلك الطريقة وخطورتها والدس في الدعوة إليها. فأخذوا ينعون على علمائنا تقصيرهم في نقد المتن، غير مستمسكين من الحجج إلا بما أتى به المُسْتَشْرِقُونَ. وها أنا لم أعثر في كل ما كتبه «أحمد أمين» في هذا الموضوع على رأي طريف لم يأخذه عن المُسْتَشْرِقِينَ، ثم أخذ يضرب هو وأمثاله على وتيرة تحكيم العقل، في نقد الأحاديث، ولا أدري أي عقل يريدون أن يحكموه ويعطوه من السلطة أكثر مِمَّا أعطاه علماؤنا في قواعدهم الدقيقة؟ ليس عندنا عقل واحد نقيس به الأمور، بل العقول متفاوتة، والمقاييس مختلفة، والمواهب متباينة، فما لا يعقله فلان ولايفهمه، قد يراه آخر معقولاً مفهوماً. وَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلاً بِلَيْلَى * ... * ... * وَلَيْلَى لاَ تُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَا كما أن ما يخفى على الناس في بعض العصور حِكْمَتُهُ وَسِرُّ تشريعه، قد يتجلى لهم في عصر آخر معقول الحكمة واضح المعنى حين تتقدم العلوم وتنكشف أسرار الحياة، ففتح الباب في نقد المتن بناء على حكم العقل الذي لا نعرف له ضابطاً، والسير في ذلك بخطى واسعة على حسب رأي الناقد وهواه، أو اشتباهه الناشئ

نقد أحاديث في صحيح البخاري:

في الغالب عن قلة اطلاع، أو قصر نظر، أو غفلة عن حقائق أخرى، إن فتح الباب على مصراعيه لمثل هؤلاء الناقدين، يؤدي إلى فوضى لا يعلم إلا الله منتهاها، وإلى أن تكون السُنّةُ الصحيحة غير مستقرة البنيان ولا ثابتة الدعائم، ففلان ينفي هذا الحديث، وفلان يثبته، وفلان يتوقف فيه، كل ذلك لأن عقولهم كانت مختلفة في الحُكْمِ والرأي والثقافة والعمق، فكيف يجوز هذا؟. ثم أليس لنا أكبر عبرة فيما وقع فيه مؤلف " فجر الإسلام " من أخطاء بشعة حين أراد أن يسير في هذا الاتجاه، فَكذَّبَ ما لا مجال لتكذيبه، وحكم بوضع ما قامت الأدلة والشواهد على صحته! وإليك البيان. ثَانِيًا: نَقْدُ أَحَادِيثَ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ: الحَدِيثُ الأَوَّلُ: «لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ»: هذا حديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، وفهم منه المؤلف أن مراد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الإخبار بانتهاء الدنيا بعد مائة سَنَةٍ ومن هنا حكم عليه بالوضع، لمخالفته للحوادث التاريخية والحس والمشاهدة. ولكن هذا الحديث الذي ذكره، هو جزء من حديث كامل أخرجه البخاري في باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء من كتاب الصلاة، وهو أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ سَنَةٍ لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ (الْيَوْمَ) عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ». فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ [مِنْ] هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ «الْيَوْمَ» عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ، فهذا نص الحديث واضح في «أَنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ» وجاء في رواية جابر - قبل وفاته بشهر - أن من كان منهم على ظهر الأرض حَيًّا حين قال الرسول تلك المقالة لا يعمر أكثر من مِائَةِ سَنَةٍ، ولم يفطن بعض الصحابة إلى تقييد الرسول بمن هو على ظهرها - اليوم - فظنوه على إطلاقه وأن الدنيا تنتهي بعد مِائَةِ سَنَةٍ، فنبههم ابن عمر إلى القيد في لفظ الرسول وَبَيَّنَ لهم المراد منه، وكذلك فعل علي بن أبي طالب في رواية الطبراني.

وقد استقصى العلماء من كان آخر الصحابة موتاً فوجدوه أبا الطفيل عامر بن واثلة، وقد مات سَنَةَ عشر ومائة وهي رأس مائة سَنَةٍ من حديث الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (*) فيكون الحديث معجزة من معجزات الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، حيث أخبر بأمر مغيب فوقع كما أخبره. ذلك هو ما يفيده نص الحديث من الوقائع المؤيدة له وإليك أقوال الشُرَّاحِ أيضاًً. قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (¬1): «وَقَدْ بَيَّنَ اِبْن عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيث مُرَاد النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عِنْدَ اِنْقِضَاءِ مِائَة سَنَةٍ مِنْ مَقَالَتهِ تِلْكَ يَنْخَرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنُ فَلاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ تِلْكَ الْمَقَالَة، وَكَذَلِكَ وَقَعَ بِالِاسْتِقْرَاءِ. فَكَانَ آخِرَ مَنْ ضُبِطَ أَمْرُهُ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ أَبُو الطُّفَيْل عَامِر بْن وَاثِلَةَ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْل الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ كَانَ آخِرَ الصَّحَابَة مَوْتًا، وَغَايَة مَا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَةٍ، وَهِيَ رَأْس مِائَة سَنَةٍ مِنْ مَقَالَة النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وذكر الإمام مسلم هذا الحديث بطرق متعددة وفي إحدى طرقه عَنْ جَابِرٍ [عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ]: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ (الْيَوْمَ)، تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» قال النووي: «هَذِهِ الأَحَادِيثُ قَدْ فَسَّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَفِيهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى الأَرْضِ لاَ تَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ سَوَاءٌ قَلَّ أَمْرُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لاَ. وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ» (¬2). وَنَقَلَ الكَرْمَانِي عَنْ ابْنِ بَطَّالٍ قَوْلَهُ: «إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ تَخْتَرِمُ الْجِيلَ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَوَعَظَهُمْ بِقِصَرِ أَعْمَارِهِمْ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أَعْمَارَهُمْ لَيْسَتْ كَأَعْمَارِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الأُمَمِ، لِيَجْتَهِدُوا فِي الْعِبَادَةِ». ¬

_ (¬1) 2/ 32. (¬2) 9/ 526. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) تقديم وتأخير في السطر الأول والثاني في المطبوع من الكتاب من هذه الصفحة.

أما وفاة أبي الطفيل فقد قال ابن الصلاح في " مقدمته ": «آخِرُهُمْ عَلَى الإِطْلاَقِ مَوْتًا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ» (¬1). وفي " أُسد الغابة ": «تُوُفِّيَ سَنَةَ مِائَةٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ. وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ، مِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». قال ابن حجر في "الإصابة ": «وَأَمَّا الْشَّرْطُ الْثَّانِي وَهُوَ الْمُعَاصِرَةُ، فَيُعْتَبَرُ بِمُضِيِِّ مِائَةِ سَنَةٍ وَعَشْرُ سِنِينَ مِنْ هِجْرَةِ الْنَّبِيِّ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيْ آَخِرِ عُمُرِهِ لأََصْحَابِهِ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا، لاَ يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَيْهَا أَحَدٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيْثِ جَابِرٍ أَنََّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ ... وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ لَمْ تُصَدِّقْ الأَئِمَّةُ أَحَدًا ادََّعَى الصُّحَبَةَ بَعْدَ الغَايَةِ الْمَذْكُوْرَةِ، وَقَدْ ادََّعَاهَا جَمَاعَةُ فَكَذَّبُوا مِنْهُمْ رَتْنَ الْهِنْدِيََّ» (¬2) اهـ. فأنت ترى أن هذا الحديث الذي كان في الواقع معجزة من معجزات الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينقلب في منطق النقد الجديد الذي دعا إليه صاحب " فجر الإسلام " إلى أن يكون مكذوباً مُفْتَرًى!. أما كيف وقف الأستاذ هذا الموقف، وكيف حكم بكذب هذا الحديث فَهَهُنَا محل العبرة، ذكر ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " فيما ذكره من مطاعن النَظَّامِ وجماعته على أهل الحديث أنهم يَرْوُونَ أحاديث يُكَذِّبُهَا الواقع، وذكر فيها هذا الحديث، ثم تَعَقَّبَهُمْ ابن قتيبة وأجاب عن هذا الحديث بخلاصة ما ذكرنا من قبل، ولكن مؤلف " فجر الإسلام " الذي يحرص على أن يأتينا بنقد جديد ويثبت تقصير علمائنا في نقد السُنَّةِ، والذي يطمئن إلى حد كبير إلى طعون النَظَّامِ وغيره في السُنَّةِ قَدِيمًا، وطعون المُسْتَشْرِقِينَ فيها حَدِيثًا، لم يعجبه دفاع ابن قتيبة على ما يظهر، ولا ما كتبه الشُرَّاحُ حول هذا الحديث بل أغضى عن ذلك كله، وأغضى عن تفسير ابن عمر للحديث في " البخاري " نفسه، وعن رواية جابر في " صحيح ¬

_ (¬1) " مقدمة علوم الحديث ": ص 150. (¬2) " الإصابة في معرفة الصحابة ": 1/ 8.

الحديث الثاني: «من اصطبح كل يوم سبع تمرات من عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل».

مسلم " واقتصر على جزئه الذي ذكره " البخاري " في كتاب العلم أما البخاري فعذره ما جرى عليه من تقطيع الحديث في أبواب متعددة. ومؤلف " فجر الإسلام " لا عذر له في اقتصاره على نقل هذا الجزء فقط مع تنبيه الشُرَّاح هنالك على ذلك. قال ابن حجر عند ذكر البخاري لهذا الجزء من كتاب العلم «قَوْلُهُ: " لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَيِ [الآنَ] مَوْجُودًا [أَحَدٌ] إِذْ ذَاكَ وَقَدْ ثَبَتَ [هَذَا التَّقْدِيرُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ] مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّلاَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الكَلاَمِ عَلَيْهِ» (¬1) ثم نقل عبارة «ابْنَ بَطَّالٍ» و «النَّوَوِي». وقد نقلناها من قبل. وإن تعجب فعجبك من أن مؤلف " فجر الإسلام " ذكر في آخر فصله أهم مراجع بحثه، وفي مقدمتها " فتح الباري "، و" القسطلاني على البخاري " و" شرح النووي على مسلم "، وهؤلاء الشُرَّاح نَبَّهُوا على معنى الحديث، وَبَيَّنُوا تقسيم البخاري له في موضعين، وأشاروا عند الجزء المختصر إلى موضع الحديث الكامل، فإن كان الأستاذ اطلع على روايات الحديث وأقوال الشُرَّاحِ، فكيف حكم بعد ذلك بكذبه؟ وإن لم يطلع عليها فكيف عَدَّ تلك الشروح من مراجع بحثه، بل كيف استباح الخوض في هذا الموضرع على غير هدى؟. الحَدِيثُ الثَّانِي: «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ». هذا حديث أخرجه " البخاري " في " كتاب الطب " وأخرجه " مسلم " أيضاًً، وأخرجه " أحمد " عن سعد بن أبي وقاص، وللعلماء فيه مسالك: فمنهم من جعل هذا الحديث خَاصًّاً بتمر المدينة عَمَلاً برواية مسلم: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِمَّا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا» وَيُؤَكِّدُهُ حديث عائشة في " مسلم " عن رسول الله - صَلََّى ¬

_ (¬1) 1/ 188.

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ هَذِهِ عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً» قالوا: لا مانع أن يخص الله بَلَداً بميزة لا تكون في غيرها كما وجد الشفاء لبعض الأدواء في الأدوية التي تكون في بعض تلك البلاد دُونَ ذلك الجنس في غيره، لتأثير يكون في تلك الأرض أو ذلك الهواء ببركة النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وببركة يده الكريمة، فقد كانت العجوة مِمَّا غرسه النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة (¬1) ومنهم من قال: إن هذا عام في كل عجوة، لأن السموم إنما تقبل لإفراط برودتها، فإذا داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة، وأعانتها الحرارة الغريزية، فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم. والذي ارتضاه الأكثرون تخصيصه بعجوة المدينة: قال ابن القيم في " زاد المعاد ": «[وَهُوَ غِذَاءٌ] فَاضِلٌ حَافِظٌ لِلصِّحَّةِ، لاَ سِيَّمَا لِمَنِ اعْتَادَ الْغِذَاءَ بِهِ، كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الأَغْذِيَةِ فِي الْبِلاَدِ الْبَارِدَةِ وَالْحَارَّةِ الَّتِي حَرَارَتُهَا فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ ... » إلى أن قال: «وَتَمْرُ الْعَالِيَةِ مِنْ أَجْوَدِ أَصْنَافِ تَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُ [مَتِينُ] الْجِسْمِ، لَذِيذُ الطَّعْمِ، صَادِقُ الْحَلاَوَةِ، وَالتَّمْرُ يَدْخُلُ فِي الأَغْذِيَةِ وَالأَدْوِيَةِ وَالْفَاكِهَةِ، وَهُوَ يُوَافِقُ أَكْثَرَ الأَبْدَانِ، مُقَوٍّ [لِلْحَارِّ] الْغَرِيزِيِّ، وَلاَ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ مِنَ الْفَضَلاَتِ الرَّدِيئَةِ مَا يَتَوَلَّدُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الأَغْذِيَةِ وَالْفَاكِهَةِ، بَلْ يَمْنَعُ لِمَنِ اعْتَادَهُ مِنْ تَعَفُّنِ الأَخْلاَطِ وَفَسَادِهَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْخِطَابِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلأَمْكِنَةِ اخْتِصَاصًا بِنَفْعِ كَثِيرٍ مِنَ الأَدْوِيَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ دُونَ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الدَّوَاءُ الَّذِي قَدْ يَنْبُتُ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَافِعًا مِنَ الدَّاءِ، وَلاَ يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ النَّفْعُ إِذَا نَبَتَ فِي مَكَانٍ غَيْرِهِ لِتَأْثِيرِ نَفْسِ التُّرْبَةِ أَوِ الْهَوَاءِ، أَوْ هُمَا جَمِيعًا، فَإِنَّ لِلأَرْضِ خَوَاصًّا وَطَبَائِعَ يُقَارِبُ اخْتِلاَفُهَا اخْتِلاَفَ طَبَائِعِ الإِنْسَانِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّبَاتِ يَكُونُ فِي بَعْضِ البِلاَدِ غِذَاءً مَأْكُولاً، وَفِي بَعْضِهَا سُمًّا قَاتِلاً». وذكر في ¬

_ (¬1) وقد جربت ذلك بنفسي حين ذهبت إلى الحج عام 1384 فاستمررت على التصبح بسبع تمرات من تمر المدينة مُدَّةَ خمسة أشهر كاملة، وأنا مصاب بمرض «السكر» ثم حَلَّلْتُ البول والدم فلم يظهر أي أثر للسكر في البول ولم يزد السكر في الدم عما كان عليه قبل سفري إلى الحج (انظر مقالي في ذلك في مجلة "حضارة الإسلام " في العدد الثالث مِنَ السَنَةِ الخامسة).

موضع آخر: «يَقْتُلُ الدُّودَ، فَإِنَّهُ مَعَ حَرَارَتِهِ فِيهِ قُوَّةٌ تِرْيَاقِيَّةٌ، فَإِذَا أُدِيمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرِّيقِ، خَفَّفَ مَادَّةَ الدُّودِ، وَأَضْعَفَهُ وَقَلَّلَهُ، [أَوْ] قَتَلَهُ، وَهُوَ فَاكِهَةٌ وَغِذَاءٌ، [وَدَوَاءٌ] وَشَرَابٌ وَحَلْوَى». ويقول في مكان آخر: «وَنَفَعَ هَذَا الْعَدَدُ مِنْ هَذَا التَّمْرِ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ مِنْ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِعَيْنِهَا مِنَ السَّمِّ وَالسِّحْرِ، بِحَيْثُ تَمْنَعُ إِصَابَتُهُ مِنَ الْخَوَاصِّ الَّتِي لَوْ قَالَهَا أَبُقْرَاط وَجَالِينُوسْ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الأَطِبَّاءِ، لَتَلَقَّاهَا عَنْهُمُ الأَطِبَّاءُ بِالْقَبُولِ وَالإِذْعَانِ وَالانْقِيَادِ، مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ إِنَّمَا مَعَهُ الْحَدْسُ وَالتَّخْمِينُ وَالظَّنُّ، فَمَنْ كَلاَمُهُ كُلُّهُ يَقِينٌ وَقَطْعٌ وَبُرْهَانٌ، وَوَحْيٌ أَوْلَى أَنْ تُتَلَقَّى أَقْوَالُهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَتَرْكِ الاعْتِرَاضِ» (¬1).اهـ. هذا خلاصة ما ذكروه في هذا المقام، والذي أراه أن المبادرة إلى تكذيب حديث ورفضه لا يصح، إلا إذا وهن طريقه، أو حكم العقل والطب حُكْمًا قاطعاً بتكذيبه وبطلانه، وهذا الحديث قد صح عنده من غير طريق عن أئمة الحديت، ورواه ثقات عدول لا مجال لتكذيبهم، ومتنه صحيح على وجه الإجمال، وقد جَرَّبَهُ كثير من الناس، وَكُنْتُ مِمَّنْ جرّبه فظهر صدقه إذ أثبت للعجوة فائدة، وحض على أكلها، ومن المقرر حتى في الطب الحديث أن العجوة مُغَذِّيَةٌ، مُلَيِّنَةٌ للمعدة، منشطة للجسم، مبيدة للديدان المنتشرة فيه، ولا شك أن الأمراض الداخلية من تعفن الأمعاء وانتشار الديدان سموم تُودِي بحياة الإنسان إذا استفحل أمرها. وإذاً فالحديث من حيث معالجة العجوة للسموم؟ بالجملة، صادق لا غبار عليه. أما السحر فإذا ذهبنا إلى أنه مرض نفسي، وأنه يحتاج إلى علاج نفسي، وأن الإيحاء النفسي له أثر كبير في شفاء المرضى بمثل تلك الأمراض، وإذا أخذنا العجوة إلى أنها مغذية مفيدة للجسم، مقوية للبنية، قاتلة للديدان، قاضية على تعفن الفضلات، وأنها من عجوة المدينة، مدينة النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن هذا علاج وصفه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وهو الذي لا ينطق عن الهوى. لا أشك في أن ذلك يُحَدِّث أثراً طيباً في نفس المسحور، وقد أثبت الطب أثر التخيل والوهم والإيحاء النفسي في كثير من الأمراض شفاء أو إصابة، أفليس ذلك من شأنه ألا نتسرع في تكذيب الحديث ما دام من الممكن تخريجه على وجه معقول؟ ¬

_ (¬1) " زاد المعاد ": 3/ 94.

الحديث الثالث: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وفيها شفاء من السم».

وإذا كان الطب الحديث لم يوفق في اكتشاف سائر خواص العجوة حتى الآن. أفليس من الخطأ، التسرع إلى الحُكْمِ بوضعه، وهل اِدَّعَى أحد أن الطب انتهى إلى غايته، أو أنه اكتشف كل خاصة لكل من المأكولات والمشروبات والنباتات والثمار التي في الدنيا؟ إنك لا تشك معي في أن إقدام مؤلف " فجر الإسلام " على القطع بتكذيب هذا الحديث جُرْأَةٌ بالغة منه لا يمكن أن تقبل في المحيط العلمي بأي حال: ما دام سنده صحيحاً بلا نزاع، وما دام متنه صحيحاً على وجه الإجمال، ولا يضره بعد ذلك أن الطب لم يكتشف حتى الآن بقية ما دل عليه من خواص العجوة، ويقيني أنه لو كان في الحجاز معاهد طبية راقية أو لو كان تمر العالية موجوداً عند الغَرْبِيِّينَ، لاستطاع التحليل الطبي الحديث أن يكتشف فيه خواص كثيرة: ولعله يستطيع أن يكتشف هذه الخاصة العجيبة، إن لم يكن اليوم ففي المستقبل إن شاء الله. الحَدِيثُ الثَّالِثِ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ والْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنَّةِ وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنْ السُّمِّ». هذا الحديث رواه " الترمذي " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ورواه أحمد في "مسنده " عن سعيد بن زيد (¬1)، وقد قال فيه مؤلف " فجر الإسلام ": «فهل اتجهوا في نقد الحديث إلى امتحان الكمأة، وهل فيها ترياق؟ نعم إنهم رَوَوْا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَخَذْتُ ثَلاَثَةَ أَكْمُؤٍ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَعَصَرْتُهُنَّ [فَجَعَلْتُ مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَةٍ] فَكَحَلْتُ بِهِ جَارِيَةً (عَشْمَاءَ) لِي فَبَرَأَتْ» ولكن هذا لا يكفي لصحة الحديث فتجربة جزئية لا تكفي منطقياً لإثبات الشيء في ثبت الأدوية، وإنما الطريق أن تُجَرِّبَ مِرَاراً، وخير من هذا أن تحلل لتعرف عناصرها، فإذا لم يكن التحليل في ذلك العصر مُمْكِناً فلتكن التجربة مع الاستقراء، فكان مثل هذا طريقاً لمعرفة صحة الحديث أو وضعه» (¬2). اهـ. وهنا أمران: الأول - أن الحديث صحيح ثابت في " الصَحِيحَيْنِ " وغيرهما، وسنده من ناحية النقد متين ليس في روايته مُتَّهَمٌ وَلاَ مَجْرُوحٌ: الثاني - أن أبا هريرة جَرَّبَ هذا الحديث فوجده صحيحاً، وجربه كثيرون من بعده فوجدوه ¬

_ (¬1) " المسند ": 3/ 111 الطبعة الحديثة بتحقيق العَلاَّمَةُ الشيخ أحمد محمد شاكر. (¬2) " ضحى الإسلام ": 2/ 131.

صحيحاً، وها هو النووي يروي أن بعض علماء زمانه كان قد عمي وذهب بصره فاكتحل بماء الكمأة مجرداً فشفي وهو شيخ له صلاح ورواية للحديث، ومنهم من ادعى أنه إذا أضيف إليه الإثمد كان نافعاً مفيداً، وقد بحثه أطباء المُسْلِمِينَ أيضاً فاعترفوا بصحته، فابن القيم في " الهدي النبوي " (¬1) يذكر لنا اعتراف مشاهير الأطباء قَدِيمًا بأن ماء الكماة يجلو البصر. منهم، المسيحي، وابن سيناء وغيرهما، وذكروا بأن فيها جوهراً يدل على خفتها، والاكتحال به نافع لظلمة البصر والرمد الحار، وقال ابن البيطار المالقي في "مفرداته ": «مَاءُ الكَمْأَةِ أَصْلَحُ الأَدْوِيَةِ لِلْعَيْنِ إِذَا عُجِنَ بِمَاءِ الإِثْمِدِ وَاكْتُحِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الجَفْنَ، وَيَزِيدُ الرُّوحَ البَاصِرَةَ حِدَّةً وَقُوَّةً». وقال داود في " تذكرته ": «إِنَّ مَاءَهَا يَجْلُو البَيَاضَ كُحْلاً». فها أنت ترى أن العلماء لم يُقَصِّرُوا في التجربة وأن الأطباء لم يُقَصِّرُوا في البحث، ومع ذلك فلم يرض مؤلف " فجر الإسلام " إلا أن ياتي كل مسلم إلى كمية من الكماة، ثم يعصرها ويقطر عينيه بمائها، فإن أصابهم العمى جميعاً كان الحديث مكذوبا وإلا كان صحيحاً .. ونحن نسأله؟ إن أبا هريرة والنووي والأطباء قَدِيمًا جَرَّبُوا الكماة فوجدوها نافعة للعين، فهل قام هو بمثل هذه التجربة فأصابه مكروه؟ وهل استقرأ هو جميع جزئيات الكمأة على اختلاف أنواعها فوجدها تخالف الحديث؟ ولو سلمنا أنه قام بمثل هذه التجربة فلم تنجح. أليس لنا أن نسأله: هل تحققت أن الكمأة التي حللتها وقمت بتجربتها هي عين الكمأة التي تنبت في أرض الحجاز في عهد الرسول والتي أخبر الحديث عن خاصيتها؟ وهل بلغ الطب اليوم نهايته حتى إذا خالف الحديث جاز لكم أن تحكموا بكذب الحديث ووضعه؟ الحق أن الأستاذ لم يُوَفَّقْ في هذا المثال كما لم يوفق في الحديثين السابقين، ولا أدري كيف يسوغ له أن يشك في حديث لا غبار على سنده، وقد جرب متنه واتفق الأطباء على صحته، ولو أنه أثبت لنا من بحوث الطب اليوم ما لا يتفق مع ¬

_ (¬1) الجزء الثالث: ص 181. [يقصد السباعي كتاب " زاد المعاد "].

الحديث الرابع: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراطان».

ما دَلَّ الحديث لجاز له أن يقف ويتساءل ويشك ويرمي القدامى بالتقصير، ولكنه لم يفعل وهيهات أن يفعل. الحَدِيثُ الرَّابِعُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ انتََقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». روى ابن عمر عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ انتََقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يزيد في الرواية «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ» فقال ابن عمر: «إِنَّ لأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا». قال صاحب " ضُحَى الإسلام " بعد ذلك: وهذا نقد من ابن عمر لطيف في الباعث النفسي (¬1). اهـ، يريد أن ابن عمر يَتَّهِمُ أبا هريرة بزيادة «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ» في لفظ الحديث لأنه كان صاحب زرع فزادها تبريراً لاتخاذه الكلب لزرعه. حديث أبي هريرة الذي ذكر فيه اتخاذ الكلب للزرع أخرجه " البخاري " في (باب اقتناء الكلب للحرث من كتاب المزارعة) من غير تعرض لابن عمر وحديثه، وأخرج عن سفيان بن زهير ما يؤيد روايته عن أبي هريرة وكذلك أخرجه "الترمذي " في (كتاب الصيد) "، وتعرض لحديث عبد الله بن عمر وعبد الله بن مغفل وغيرهما، وأخرجه "مسلم " في (كتاب المساقاة والمزارعة) وذكر حديث ابن عمر. ثم ساق أحاديث أخرى تثبت أن بعض الرُوَاة رَوَوْا عن ابن عمر هذه الزيادة التي أثبتها أبو هريرة. وأن بعض الصحابة وافق أبا هريرة على روايته تلك الزيادة، وأنه لم ينفرد بها بل رواها غيره مِمَّنْ سمعها من النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقد تعرض الشُرَّاحُ لزيادة أبي هريرة ومن وافقه فيها، وَبَيَنُوا مُرَادَ ابن عمر من مقالته تلك في أبي هريرة. قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (¬2) بعد أن بَيَّنَ أن مُرَادَ ابن عمر تثبيت رواية أبي هريرة: «وَقَدْ وَافَقَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الزَّرْعِ سُفْيَانُ بْنُ [أَبِي] زُهَيْرٍ كَمَا تَرَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَهُوَ عِنْدَ " مُسْلِمٍ "». وقال النووي عند قول ابن عمر، «إِنَّ لأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا»: «[قَالَ الْعُلَمَاءُ]: " لَيْسَ هَذَا تَوْهِينًا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلاَ شَكًّا فِيهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ وَحَرْثٍ ¬

_ (¬1) " ضحى الإسلام ": 2/ 131 - 132. (¬2) " فتح الباري ": 5/ 6.

اعْتَنَى بِذَلِكَ وَحَفِظَهُ وَأَتْقَنَهُ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِشَئٍ يُتْقِنَهُ مَا لاَ يُتْقِنَهُ غَيْرُهُ وَيَتَعَرَّفُ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا لاَ يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ " مُسْلِمٌ " هَذِهِ الْزِّيَادَةَ وَهِىَ اتِّخَاذُهُ لِلْزَّرْعِ مِنْ رِوَايَةِ بْنِ الْمُغَفَّلِ وَمِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِيْ زُهَيْرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَهَا أَيْضا " مُسْلِمٌ " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ ابِنْ عُمَرَ لَمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَحَقَّقَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهَا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَزَادَهَا فِي حَدِيثِهِ الَّذِي كَانَ يَرْوِيهِ بِدُونِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ فِي وَقْتٍ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَاهَا وَنَسِيَهَا فِي وَقْتٍ فَتَرَكَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَلْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَتِهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوِ انْفَرَدَ بِهَا لَكَانَتْ مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً مُكَرَّمَةً» (¬1). اهـ. هذا هو الوضع الصحيح للمسالة، ومنه تعلم أنه ليس فيها تكذيب ابن عمر لأبي هريرة في تلك الزيادة، وبيان الباعث النفسي على اختلافها ونسبتها إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكيف يتصور هذا من ابن عمر وهو الذي اعترف بأن أبا هريرة كان أحفظهم لحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وسيأتي معنا مزيد بيان لمكان أبي هريرة في نفس ابن عمر ونفوس الصحابة جميعاً. أم كيف يذكر الأئمة قول ابن عمر ويخرجونه في صحاحهم لو كان تكذيباً منه لأبي هريرة؟ أمْ كيف يعمل الفقهاء برواية أبي هريرة ويبنون عليها أحكامهم لو كان مُرَادُ ابن عمر تكذيبها وإنكارها؟ الواقع أنه ليس في الأمر شيء من هذا ولكن أمانة صاحب " فجر الإسلام " أبت عليه إلا أن يرى فيما صنع ابن عمر نَقْداً لطيفاً ... لأبي هريرة ... وبياناً للباعث له على هذه الزيادة، وتأبى عليه أمانته العلمية أيضاًً إلا أن يرشدنا إلى موضوع هذا النقد من كتب الحديث فيقول في ذيل الصفحة: انظر " النووي على مسلم " وأنت سمعت كلام النووي فهل شممت فيه رائحة التكذيب من ابن عمر لأبي هريرة؟ بل ألم تره يرد على ما قد يخطر بالبال رَدًّا قوياً واضحاً؟ ولك أن تتساءل بعد هذا: أهو لم يفهم عبارة النووي؟ أم فهمها ولكنه آثر رأي ¬

_ (¬1) [" شرح النووي على مسلم "]: 6/ 555.

العمل بخبر الواحد:

المستشرق اليهودي جولدتسيهر (وسيأتي كلامه في هذا المعنى تماماً) على رأي علماء المُسْلِمِينَ وأئمة الدين؟. وبعد فهذه هي الأحاديث الي ذكرها أمثلة لما يريد من نقد عميق دقيق ولا ريب أنه قد اتضح لك فيما ذكرناه أن صاحب " فجر الإسلام " لَمْ يَأْتِ بشيء جديد في قواعد النقد لم ينتبه له علماؤنا، ولكن الجديد هو أنه كان جريئاً في تطبيق هذه المقاييس بغير اتِّزانٍ ولا تثبت، فطبقها على أحاديث كانت، قوتها وصحتها كافية لهزيمته في هذا الميدان، وكشف هزال ما اقتبسه عن المُسْتَشْرِقِينَ من علم مُحَرَّفٍ ورأي خاطىء، وأن علماءنا - رَحِمَهُمْ اللهُ - لم تخرجهم الأهواء عن جادة الهُدَى، ولم تندفع بهم عواطفهم إلى أن يركبوا الصعب من الأمور فلا يجدوا لهم مخرجاً، وأن ما وضعوه من قواعد لنقد الرجال ونقد المتن، وما وفقوا إليه من حسن استخدام هذه القواعد وتطبيقها، هو الطريق الواضح الأمين الدْي يتحتم المصير إليه، فما دام الحديث قد وصلنا عن طريق علمي صحيح، بنقل الثقة الثبت عن الثقة الثبت: هكذا إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس في متنه ما يوجب رَدَّهُ حتماً، فلا يجوز إنكاره ولا تكذيبه، لأنه إما أن يعتبر إنكاراً لقول رسول الله، وهذا لا يصير إليه مسلم، أو تكذيباً لرُوَاةِ الحديث من الصحابة والتَّابِعِينَ ومن بعدهم، وقد فرضنا أنهم ثقات أثبات بحكم التاريخ، وأن من تتبع سيرتهم، ودرس أخلاقهم لا يرى في بني الإنسان أصدق منهم ولا أتقى لله - عَزَّ وَجَلَّ -، والشك - مع هذا - فيما نقلوا يستلزم (من باب أولى) الشك في كل ما حوته بطون التاريخ من أخبار الأمم، فإن قال الأستاذ: إنا لا نقول بتكذيب هؤلاء الرُواة الثقات العدول، ولكن بِتَجَوُّزِ الوَهْمِ والخطأ عليهم، قلنا: هذا احتمال ضعيف فلا يغلب الظن القوي، على أن علماءنا احتاطوا لهذا الأمر فقالوا - إلا قليلاً منهم - بإفادة حديث الآحاد غلبة الظن، فأي حاجة لشيء بعد هذا؟ ثم نتابع نقدنا لـ " فجر الإسلام " فنقول: العَمَلُ بَخَبَرِ الوَاحِدِ: ذكر المؤلف (¬1) أن علماء الحديث قَسَّمُوهُ إلى قسمين «متواتر» ¬

_ (¬1) [" فجر الإسلام "]: ص 267.

وهو يفيد العلم ولكنه لم يوجد، وبعضهم قال بوجود حديث واحد، وبعضهم أوصل التواتر إلى سبعة، وآحاد: وهو يفيد الظن، ويجوز العمل به عند ترجيح الصدق ... إلخ». وهذا كلام ينبغي الوقوف عنده، فإن الذين اختلفوا في عدد التواتر كانت وجهات نظرهم مختلفة، كما نص على ذلك السيوطي، وإلا فَمِمَّا لا شك فيه أن أحاديث المتواتر كثيرة لا تنحصر في واحد، أو اثنين، أو سبعة. وأما حديث الآحاد فهو يحكي عن علماء الحديث «القول بجواز العمل به» ولا ندري من الذي قال هذا القول؟! وقد رأيت فيما سبق أن من أنكر حُجِيَّةَ السُنّةِ كَغُلاَةِ الرَّوَافِضِ لا يرى العمل بها أصلاً إذا كانت مروية عن غير طريق أئمتهم ومن قال بحُجِيَّتِهَا وهم جمهور المُسْلِمِينَ، يوجبون العمل بحديث الآحاد قولاً واحداً إذا صح طريقه ومنهم من قال بوجوب اعتقاده أيضاًً، أي أنه يوجب العلم والعمل معاً، فما حكاه الأستاذ من جواز العمل به، إما أن يكون عن عدم اطلاع، فيلزمه الجهل، وهذا عجيب مِمَّنْ يتصدى لتاريخ الدعوة الإسلامية وحضارتها، ونقد العلماء والرجال، ويجعل من نفسه حُكْمًا بين الطوائف والمذاهب، وإما أن يكون عن معرفة، فيلزمه التحريف، ولا ثالث بينهما. وهذا التحريف لا غاية له إلا التشكيك في السُنَّةِ كلها كما ذكرت لك من قبل، فإنه إذا كان المتواتر غير موجود، والآحاد «يجوز» العمل بها فماذا بقي مِنَ السُنَّةِ، وأين مكانها إذاً من مصادر التشريع؟ وما حاجة المُسْلِمِينَ إليها؟ فَكِّرْ في هذه النتيجة، ثم احكم بعد ذلك على هذا العالم الأمين؟؟؟ .... ***

حول أبي هريرة - رضي الله عنه -:

حَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: ننتقل بعد ذلك إلى القسم الأخير من نقدنا لفصل الحديث في " فجر الإسلام ". وهو متعلق بأبي هريرة، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأشهد أن المؤلف كان لَبِقاً جِدًّا في توجبه المطاعن نحو أبي هريرة، ومجاراة المُسْتَشْرِقِينَ وَالنَظَّامِ، في التحامل على هذا الصحابي الجليل. فقد وزع طعونه في مواضع متفرقة من بحثه، وكان حديثه عنه حديث محترس متلطف، محاذر أن يجهر بما بعتقده في حقه من سوء، ولكن أسلوب المؤلف، وتحريفه لبعض الحقائق في تاريخ أبي هريرة، وحرصه على الشكيك في صدقه، ونقل شك الصحابة في هذا الصحابي الجليل، كل ذلك قد نَمَّ عن سريرة مؤلف " فجر الإسلام "، وأزاح عن خبيئة نفسه. وقد رأيت من المناسب أن أذكر ترجمة مختصرة لأبي هريرة - قبل التعرض لمناقشة المؤلف فيما كتبه عنه - لتعرف رأي التاريخ الصادق، ورأي صحابة الرسول، وعلماء التَّابِعِينَ، وأئمة المُسْلِمِينَ في هذا الشيخ الصحابي الجليل، ثم لتقارن بعد ذلك بين هذه الصورة الرائعة المشرقة، وبين الصورة التي أظهره بها مؤلف " فجر الإسلام " تبعاً لشيوخه من المُسْتَشْرِقِينَ. اسْمُهُ وَكُنْيَِتُهُ (¬1): -------------------- اختلف في اسمه، واسم أبيه على أقوال كثيرة أبلغها القطب الحلبي إلى أربعة وأربعين قولاً أرجعها الحافظ ابن حجر إلى ثلاثة أقوال. ومن أشهرها أنه كان في الجاهلية يُسَمَّى عبد شمس بن صخر، فلما أسلم سَمَّاهُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عبد الرحمن، وهو من قبيلة دَوْسٍ إحدى قبائل اليمن، وأمه أميمة بنت صفيح بن الحارث دوسية أيضاًً. ¬

_ (¬1) أخذنا هذه االترجمة من مصادر متعددة كـ " الاستيعاب " لابن عبد البر و" الإصابة " لابن حجر و" تهذيب الأسماء واللغات " للنووي، وغيرها.

وسبب تكنيته بأبي هريرة ما حكاه " الترمذي " عنه قَالَ: «كُنْتُ أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي وَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْتُ أَضَعُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ فَإِذَا كَانَ النَّهَارُ ذَهَبْتُ بِهَا مَعِي فَلَعِبْتُ بِهَا فَكَنَّوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ». إِسْلاَمُهُ وَصُحْبَتُهُ: ----------------- المشهور أنه أسلم سَنَةَ سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر، وكان عمره حينذاك نحواً من ثلاثين سَنَةٍ (¬1)، ثم قدم المدينة مع النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين رجوعه من خيبر، وسكن «الصُفَّةَ» (¬2) ولازم الرسول ملازمة تَامَّةً، يدور معه حيثما دار، ويأكل عنده في غالب الأحيان، إلى أن تُوُفِّيَ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. أَوْصَافُهُ وَشَمَائِلُهُ: ------------------ كان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، آدم بعيد ما بين المنكبين، ذا ضفيرتين أفرق الثنيتين يُصَفِّرُ لحيته ويعفيها، ويحفي شاربه، وكان صادق اللهجة خفيف الروح، مُحَبَّباً إلى الصحابة، مُحِباً للمزاح. أخرج ابن أبي الدنيا في " كتاب المزاح " عن الزبير بن بكار أن رجلا قال لأبي هريرة: إني أصبحت صائماً، فجئت أبي فوجدت عنده خبزاً ولحماً فأكلت حتى شبعت، ونسيت أني صائم، فقال أبو هريرة: الله أطعمك، فخرجت حتى أتيت فلاناً، فوجدت عنده نعجة تحلب، فشربت من لبنها حتى رويت، قال: الله أسقاك، قال: فرجعت إلى أهلي فَقِلْتُ (من القيلولة)، فلما استيقظت دعوت بماء فشربته، فقال: يا ابن أخي، أنت لم تَعَوَّدْ على الصيام!. وروى ابن قتيبة في " المعارف " أن مروان بن الحكم استخلف أبا هريرة على المدينة، فركب حماراً قد شد عليه بردعة، وفي رأس الحمار خلية من ليف، فيسير ¬

_ (¬1) سيأتي معنا ترجيح إسلامه قبل أن يعلن إسلامه قادماً من بلاده بعد الانتهاء من غزوة خيبر. (¬2) مكان في المسجد النبوي خصصه الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لفقراء المهاجرين الذين لم يجدوا بيوتاً يَأْوُونَ إليها في المدينة. ولا يزال مكان الصُفَّةِ معروفاً في المسجد النبوي حتى الآن.

فيلقى الرجل فيقول: «الطَّرِيقَ ... قَدْ جَاءَ الأَمِيرُ»، وقد استغل الطاعنون في أبي هريرة (أمثال جولدتسيهر) (¬1) هذه الدعابة التي كانت فيه فبنوا عليها أنه كان ضعيف العقل. ويظهر أن مؤلف " فجر الإسلام " يستحسن هذا الرأي، ولذلك أشار فيما كتبه عن أبي هريرة إلى ما ذكره ابن قتيبة من نوادره، ولم ير في جميع خلاله وأخلاقه ما يستحق منه مثل هذا التنبيه، ولا ريب أن هذا تحامل على أبي هريرة وتشويه لحقيقته على غير أساس، فظهور الرجل بمظهر المتلطف المداعب المحب للمزاح لا يحط من قدره، ولا يكون مظهراً من مظاهر اضطراب عقله وخفته، وإلا لزم أن يكون كل لطيف مزوح، خفيف العقل، وكل ثقيل الظل جافي الطبع، كبير العقل وافر التفكير. زُهْدُهُ وَعِبَادَتُهُ وَوَرَعُهُ: ---------------------- تقدم أنه كان من أهل الصُفَّةِ، وأنه كان يصحب النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أكثر الأوقات، ويأكل عنده، وكثيراً ما تحمل آلام الجوع حرصا منه على أن لايفوته شيء من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أخرج البخاري عن أبي هريرة: «وَاللهِ اَلَّذِي لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْت لأَعْتَمِد عَلَى الأَرْض بِكَبِدِي مِنَ الجُوعِ، وَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي»، ويقول: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُصْرَعُ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَيُقَال: مَجْنُونٌ، وَمَا بِي جُنُونٌ، وَمَا بِي إِلاَّ الجُوعُ». ولقد افترى على الحق من زعم أن أبا هريرة كان مُصَاباً بالصرع استناداً إلى كلمته «أُصْرَعُ» الواردة في هذا الأثر، فقد فسر أبو هريرة هذا الصرع بأنه صرع جوع وَفَاقَةٍ، لا صرع جنون ومرض. وأيضاًً فالذين تكلموا في حياة أبي هريرة من المُؤَرِّخِينَ المُسْلِمِينَ لم يذكروا لنا أي شيء عن إصابته بهذا المرض، فمن أين جاء بعض المُسْتَشْرِقِينَ بهذه الفرية، وليس لهم ما يرجعون إليه في تاريخ حياته إلا ما كتبه المُؤَرِّخُونَ المُسْلِمُونَ؟!. ¬

_ (¬1) انظر ما كتبه عنه هذا المستشرق في " دائرة المعارف الإسلامية ": 1/ 408 مادة (أبي هريرة) من النسخة العربية.

أما عبادته وورعه فقد نقل ابن حجر عَنْ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الطُّفَاوَةِ، قَالَ: «نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ أُدْرِكْ مِنْ الصَحَابَةِ رَجُلاً أَشَدَّ تَشْمِيرًا، وَلاَ أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْهُ». وأخرج أحمد (*) عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، قَالَ: «تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ [يَعْتَقِبُونَ] اللَّيْلَ أَثْلاَثًا: يُصَلِّي هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا». وأخرج ابن سعد عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةً يَقُولُ: «أُسَبِّحُ بِقَدْرِ ذَنْبِي». وروى [معمر بن راشد] (* *) عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بَعَشَرَةِ آلاَفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: " اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَعَدُوَّ كِتَابِهِ "، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " لَسْتُ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلاَ عَدُوَّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا "، قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟ قَالَ: " خَيْلٌ لِي تَنَاتَجَتْ، وَغُلَّةُ رَقِيقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ عَلَيَّ " فَنَظَرُوهُ، فَوَجَدُوهُ كَمَا قَالَ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، دَعَاهُ عُمَرُ لِيَسْتَعْمِلَهُ، فَأَبَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ، فَقَالَ: " أتَكْرَهُ الْعَمَلَ وَقَدْ طَلَبَ الْعَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنْكَ يُوسُفُ؟ قَالَ: " إِنَّ يُوسُفَ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ابْنُ أُمَيْمَةَ أَخْشَى ثَلاَثًا وَاثْنَيْنِ "، قَالَ لَهُ عُمَرُ: " أَفَلاَ قُلْتَ: خَمْسًا؟ " قَالَ: " لاَ، أَخْشَى أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حُكْمٍ، وَيُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْتَزَعَ مَالِي، [وَيُشْتَمَ عِرْضِي] "». حِفْظُهُ وَقُوَّةُ ذَاكِرَتِهِ: ------------------- كان من أثر ملازمة أبي هريرة للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ملازمة تامة، أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله، ولقد كان سيء الحفظ حين أسلم، فشكا ذلك إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له: «افْتَحْ كِسَاءَكَ»، فَبَسَطَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ضُمَّهُ إِلَى صَدْرِكَ» فَضَمَّهُ، فَمَا نَسِيَ حَدِيثًا بَعْدَهُ قَطُّ. وهذه القصة - قِصَّةُ بَسْطِ الثَّوْبِ - أخرجها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد والنسائي، وأبي يعلى، وأبي نعيم. فما زعمه (جولدتسيهر) من أن هذه القصة موضوعة وضعها العامة تبريراً لكثرة حديثه، إنما هو افتراء محض، وتخيل لا يبرره العلم، وتعصب أوحى به التحامل اليهودي على أكبر صحابي روى حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا أدري ما هي أدلته العلمية في أن هذه القصة مختلقة؟ هل عثر فيما بين يديه من نصوص التاريخ على مَا يُؤَيِّدُ هذه الدعوة، حتى يكذب أئمة الحديث الذين نقلوا هذه القصة وَوَثَّقُوا رُوَاتِهَا؟!. ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) " المسند "، أحمد بن حنبل، تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط - عادل مرشد، وآخرون، الطبعة الأولى: 1421 هـ - 2001 م، حديث رقم 8633، 14/ 280، نشر مؤسسة الرسالة. (* *) ليس في " مصنف عبد الرزاق " وإنما ورد في " جامع معمر بن راشد " الذي طبع كملحق لـ " مصنف عبد الرزاق "، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي: 11/ 323 حديث رقم 20659 نشر المجلس العلمي بباكستان، وتوزيع المكتب الإسلامي ببيروت. طبعة المكتب الإسلامي.

والمُسْتَشْرِقُونَ، ومن لَفَّ لَفَّهُمْ يتظاهرون باستغراب قوة الحفظ عند أبي هريرة إلى هذا الحد، ولو نظروا إلى الأمر بعين الإنصاف، وعلى ضوء علم النفس وعلم الاجتماع، لما وجدوا فيه غرابة ولا بُعْدًا، فلكل أُمَّةٍ ميزة تمتاز بها على غيرها. والحفظ من الميزات التي امتاز بها العرب، وفي الصحابة وكبار التَّابِعِينَ ومن بعدهم، من كان آية في سرعة الحفظ وقوة الذاكرة، ومن علم أن البخاري كان يحفظ ثلاثمائة ألف حديث بأسانيدها، وأن أحمد بن حنبل كان يحفظ ستمائة ألف حديث، وأن أبا زرعة كان يحفظ سبعمائة ألف حديث، لا يستغرب على أبي هريرة أن يحفظ ما حفظ، وكل أحاديثه التي أثرت عنه كما جاء في "مسند بقي بن مخلد "، خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حَدِيثًا، وما زال علماء العربية وكبار الشعراء قَدِيمًا وَحَدِيثًا يحفظون من الشعر والنثر ما لا يُعَدُّ شَيْئًا بجانبه حفظ أبي هريرة لأحاديثه التي حَدَّثَ بها، فها هو الأصمعي كان يحفظ خمسة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب كما يذكر الرُوَاةُ. ولقد ذكر الكاتب المُحَقِّقُ الأستاذ محب الدين الخطيب ما شاهده من حفظ الشيخ الشنقيطي - رَحِمَهُ اللهُ - ما يدعو إلى الدهشة، وإليك ما قاله في ذلك: «نحن نعرف معرفة شخصية الأستاذ العَلاَّمَة الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي - رَحِمَهُ اللهُ - وكان يحفظ الشعر الجاهلي كله، ويحفظ شعر أبي العلاء المعري كله، ولو رحنا نَعُدُّ ما يحفظه لكان شيئاً عظيماً وكتابه " الوسيط في تراجم علماء وأدباء شنقيط " كتبه من أوله إلى آخره من حفظه إجابة لاقتراح شيخنا الشيخ طاهر الجزائري، وفي هذا الكتاب أنساب أهل شنقيط رجالاً ونساءً، وذكر قبائلهم وما نظموه وما يؤثر عنهم من مؤلفات وأخبار، ولم يكن لذلك مرجع يرجع إليه قبل كتاب " الوسيط " الذي ألفه الشيخ أحمد بن الأمين على ما نعرفه نحن شخصياً، فما حفظه أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من أحاديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طول صحبته لا يجيء في كميته شيئاً بجانب ما شاهدناه من محفوظ الشيخ الشنقيطي فضلاً عن غيره من رجال أُمَّتِنَا الممتازين بجودة الحفظ وقوة الذاكرة». اهـ. (¬1). ¬

_ (¬1) " مجلة الفتح ": العدد 725.

على أن الصحابة في عصره اعترفوا له بكثرة الحفظ كما ستسمع، وامتحنه مروان في دقة حفظه، فخرج من الامتحان فائزاً، وذلك كما نقله ابن حجر في " الإصابة " عن أبي الزُعَيْزِعَةِ كاتب مروان: من أن مروان أرسل إلى أبي هريرة فجعل يُحَدِّثُهُ، وأجلس أَبَا الزُعَيْزِعَةِ خلف السرير يكتب ما يُحَدِّث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إلى أبي هريرة فسأله في تلك الأحاديث، فأعادها عليه، فنظر مروان في المكتوب عنده فما غَيَّرَ حرفاً، ولعل في هذا ما يرد إفك المُسْتَشْرِقِينَ المُتَعَصِّبِينَ وأذنابهم من المُسْلِمِينَ الذين يشككون في حفظ أبي هريرة وصدقه لا لغرض منهم عند أبي هريرة نفسه، ولكنها إحدى محاولاتهم للنيل من الإسلام والتشكيك في سلامة بنيانه. ثَنَاءُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَالتَّابِعِينَ وَأَهْلِ العِلْمِ: ---------------------------------------- قال طلحة بن عبيد الله: «لاَ أَشُكُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ نَسْمَعْ». وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَبُو هُرَيْرَةَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَعْلَمُ بِمَا يُحَدِّثُ». وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ [عَنْ شَيْءٍ]، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: عَلَيْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أنا وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَفُلاَنٌ فِي الْمَسْجِدِ، ذَاتَ يَوْمٍ نَدْعُو اللهَ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا فَسَكَتْنَا فَقَالَ: «عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ» قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبَيَّ [قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ]، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِنَا، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: " اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى "، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِينَ»، [فَقُلْنَا]: " يَا رَسُولَ اللهِ وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْمًا لاَ يُنْسَى "، فَقَالَ: «سَبَقَكُمْ بِهَا الْغُلاَمُ الدَّوْسِيُّ». وقال عمر لأبي هريرة: «إِنْ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ». وَقَالَ أُبَيٌّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَرِيئًا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ أَشْيَاءَ لاَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا غَيْرُهُ». وقال الشافعي: «أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ». وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: «رَوَىَ عَنْهُ نَحْوُ الْثََّمَانِمِائَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَانَ أَحْفَظُ مِنَ رَوَىَ الْحَدِيثَ فِيْ عَصْرِهِ». وَقَالَ أَبُو صَالِح (*): «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ أَصْحَابِ رَسُوْلِ الْلَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وَقَالَ سَعِيْدٍ بْنِ أَبِي الحَسَنِ (أَخُو الحَسَنِ الْبَصْرِيِّ): «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْصََّحَابَةِ أَكْثَرُ حَدِيثًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ». وَقَالَ الْحَاكِمُ: «كَانَ مِنْ أَحْفَظِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ. ذَكْوَانُ [الوفاة: 101 - 110 هـ] مَوْلَى جُوَيْرِيَة الْغَطَفَانِيَّةِ. مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَانَ يَجْلِبُ السَّمْنَ وَالزَّيْتَ إِلَى الْكُوفَةِ، قِيلَ: إِنَّهُ شَهِدَ حِصَارَ يَوْمِ الدَّارِ، وَسَمِعَ: سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا سَعِيدٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَجَمَاعَةً، وَعَنْهُ: ابْنُهُ سُهَيْلٌ، والأَعْمَش، وَسُمَيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَبُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَخَلْقٌ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ: ثقةٌ ثِقَةٌ، مِنْ أَجَلَّ النَّاسِ وَأَوْثَقَهُمْ ... وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ: كَانَ أَبُو صَالِحٍ مُؤَذِّنًا فَأَبْطَأَ الإِمَامُ، فَأَمَّنَا، فَكَانَ لا يَكَادُ يُجِيزُهَا مِنَ الرِّقَّةِ وَالْبُكَاءِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، صَالِحُ الْحَدِيثِ، يُحتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ إِذَا رَآهُ قَالَ: مَا عَلَى هَذَا أَلا يَكُونُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُولُ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ أَلْفَ حَدِيثٍ. تُوُفِّيَ سنة إحدى ومائة،- رَحِمَهُ اللهُ -. انظر: " تاريخ الإسلام " للإمام الذهبي: 3/ 189، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الأولى: 2003 م، نشر دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان.

وَسَلَّمَ - وَأَلْزَمَهُمْ لَهُ، صَحِبَهُ عَلَىَ شِبَعِ بَطْنِهِ، فَكَانَتْ يَدُهُ مَعَ يَدِهِ، يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ إِلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ الْصََّلاةُ وَالْسَّلامُ -، وَلِذَلِكَ كَثُرَ حَدِيثُهُ». وَقَالَ أَبُوْ نُعَيْمٍ: «وَكَانَ أَحْفَظَ الْصَّحَابَةِ لأَخْبَارِ رَسُولِ الْلَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَعَا بِأَنْ يُحَبِِّبَهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَكُلُُّ مُؤْمِنٍ مُحِبُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ». وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: «أَجْمَعَ أَهْلُ الحَدِيثِ عَلَىَ أَنََّهُ أَكْثَرُ الْصَّحَابَةِ حَدِيثًا»، وَقَالَ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ قِصََّةً الثَّوْبِ -: «وَالحَدِيْثُ المَذْكُوْرُ مِنْ عَلاَمَاتِ الْنُّبُوَّةِ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ أَحْفَظُ الْنَّاسِ لِلأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فِيْ عَصْرِهِ». مَنْ رَوَى عَنْهُمْ وَمَنْ رَوَوْا عَنْهُ: ------------------------------ روى عن كثير من الصحابة، منهم: أبو بكر، وعمر، والفضل بن العباس، وأُبَيَّ بن كعب، وأسامة بن زيد، وعائشة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - وروى عنه من الصحابة كثيرون، منهم: ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وواثلة بن الأسقع. ومن التَّابِعِينَ: سعيد بن المسيب وكان زوج ابنته، وعبد الله بن ثعلبة، وعروة بن الزبير، وقُبيصة بن ذؤيب، وسلمان الأغر، وسليمان بن يسار، وعراك بن مالك، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأبو سلمة وَحُمَيْدٌ ابنا عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار وكثيرون جِدًّا بلغوا كما قال البخاري: ثمانمائة من أهل العلم والفقه. وإن في أخذ هؤلاء الثمانمائة من كبار الصحابة والتَّابِعِينَ عنه، ونقلهم لحديثه، وثقتهم به، لثمانمائة برهان على جلالة قدره وصدق لهجته، وثمانمائة تكذيب لمن أكل الحسد والعداوة والتعصب قلوبهم من المُسْتَشْرِقِينَ ومن تبعهم من المُسْلِمِينَ. مَرَضُهُ وَوَفَاتُهُ: --------------- أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الْدُّنْيَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ شَدِيْدُ الْوَجَعِ فَاحْتَضَنْتَهُ، فَقُلْتُ: «الْلَّهُمَّ اشْفِ أَبَا هُرَيْرَةَ»، فَقَالَ: «الْلَّهُمَّ لاَ تُرْجِعَهَا - قَالَهَا مَرَّتَيْنِ -» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَمُوتَ فَمُتْ، وَالْلَّهِ الَّذِيْ نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَىَ النَّاسِ زَمَانٌ يَمُرُّ الرَّجُلُ عَلَىَ قَبْرِ أَخِيهِ فَيَتَمَنَّى أَنَّهُ صَاحِبُهُ».

وروى أحمد والنسائي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت: «لاَ تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطَا وَلاَ تَتْبَعُونِي بِمِجْمَرَةٍ وَأَسْرَعُوا بِيَ». وأخرج البغوي عن أبي هريرة أنه لما حضرته الوفاة بكى فسئل فقال: «مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَشِدَّةِ المَفَازَةِ». ودخل مروان عليه في مرضه الذي مات فيه قال: «شَفَاكَ اللهُ»، فقال أبو هريرة: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءَكَ فَأَحِبَّ لِقَائِيِ». ثم خرج مروان فما بلغ وسط السوق حتى مات. وصلى عليه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بعد العصر سَنَةِ سبع أو ثمان أو تسع وخمسين. وعمره ثمان وسبعون أو تسع وسبعون سَنَةً. ولما بلغ معاوية نعيه أمر عامله بالمدينة أن يدفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم ويحسن جوارهم، لأنه كان مِمَّنْ نصر عثمان يوم الدار - رَحِمَهُ اللهُ - ورضي عنه وأجزل مثوبته. شُبَهُ مُؤَلِّفُ " فَجْرِ الإِسْلاَمِ " عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: --------------------------------------------- هذه هي الصورة الصادقة لأبي هريرة كما جاءت في التاريخ، وكما عرفها علماؤنا، فكيف أبرز مؤلف " فجر الإسلام "، هذه الصورة؟ لقد ذكر في أوائل فصل الحديث رَدَّ ابن عباس وعائشة عليه، وتكذيبهما له فيما روى من بعض الأحاديث، ثم زعم أنه يترجم له فاقتصر على ذكر نسبه وأصله وتاريخ إسلامه، وأشار إلى ما رُوِيَ من دعابته ومزاحه - وعرفت غرضه من ذلك - وكان من حق الأمانة العلمية عليه أن يذكر لنا مكانته في الصحابة والتَّابِعِينَ وأئمة الحديث، وثناءهم عليه، وإقرارهم له بالحفظ والضبط والصدق لأن هذا الجانب من ترجمة أبي هريرة أدخل في موضوعنا وأمس به من كل شيء سواه، ولكنه لم يفعل شيئاً من هذا، بل تعرض لآمور يسيء ظاهرها إلى أبي هريرة جِدَّ الإساءة، فكانت محاولة مستورة للطعن فيه، تمشياً مع (جولدتسيهر) وأمثاله من المُسْتَشْرِقِينَ. وتتلخص دسائسه عليه في الأمور التالية: أولاً - إن بعض الصحابة - كابن عباس وعائشة - رَدُّوا عليه بعض حديثه وَكَذَّبُوهُ. ثانياً - إنه لم يكن يكتب الحديث، بل كان يعتمد في روايته على ذَاكِرَتِهِ.

1 - رد بعض الصحابة على أبي هريرة:

ثالثاً - إنه لم يكن يقتصر على ما سمع من الرسول، بل كان يُحَدِّث عنه بما سمعه من غيره. رابعاً - إن بعض الصحابة أكثروا من نقده، وَشَكُّوا في صِدْقِهِ. خامساً - إن الحَنَفِيَّة يتركون حديثه إذا عارض القياس ويقولون عنه: إنه غيرفقيه. سادساً - إن الوُضَّاعَ انتهزوا فرصة إكثاره، فَزَوَّرُوا عليه أحاديث لا تُعَدُّ. وسترى ما في هذه المسائل من أخطاء وتحريفات ومغالطات، وسترى كيف يتمزق ستر هذه المؤامرة العلمية على رجل جليل كأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. 1 - رَدُّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: تعرض المؤلف لأبي هريرة عند الكلام على موقف الصحابة بعضهم من بعض، فقال (¬1): «فقد رُوِيَ أن أبا هريرة روى حديث: «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً فَلْيَتَوَضَّأْ». فلم يأخذ ابن عباس بخبره وقال: «لاَ يَلْزَمُنَا الوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ عِيدَانٍ يَابِسَةٍ»، وكذلك روي أنه حَدَّثَ بحديث جاء في " الصَحِيحَيْنِ " وهو: «مَتَى اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهَا فِي الإِنَاءِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». فلم تأخذ به عائشة وقالت: «كَيْفَ نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ؟» (وهو حجر ضخم منقور يملأ ويتوضأ منه)». وأشار في ذيل الصحيفة إلى أن هذه النقول عن شرح " مسلم الثبوت ": 2/ 178. يذكر المؤلف هاتين الواقعتين دليلاً على أن الصحابة كان يضع بعضهم بعضاً موضع النقد، وينزلون بعضهم منزلة أسمى من بعض وقد بَيَّنْتُ فيما سبق أن كل ما كان من الصحابة من رَدِّ بعضهم على بعض، إنما هو نقاش علمي محض، مبني على اختلاف أنظارهم وتفاوت مراتبهم في الاستنباط والاجتهاد، أو على ¬

_ (¬1) ص 265.

نسيان أحدهم حَدِيثًا. وتذكر الآخر له، وليس ذلك ناشئاً عن شك أو ريبة أو تكذيب واحد لآخر، وعلى هذا ينبغي أن يفهم كل ما كان من نقاش بين أبي هريرة وغيره من الصحابة، ولا يجوز حمله على غير ذلك، لما ذكرناه من تصديق بعضهم لبعض، خصوصاً أبا هريرة الذي ذكرنا سابقاً، شيئاً من ثقتهم به واعترافهم له بالحفظ والتثبت. وهذه كلمة إجمالية بشأن كل ما يَرِدُ من نقاش بين أبي هريرة والصحابة، وسننظر في خصوص ما نقله المؤلف هنا: 1 - أما الحديث الأول وهو: «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً فَلْيَتَوَضَّأْ» وردُّ ابن عباس على أبي هريرة، فالكلام عنه من وجوه: أولاً - لَمْ أَرَ لهذا الحديث بهذا النص أثراً في كتب الحديث قاطبة، ولا في كتب الفقه والخلاف، وَلَمْ أَرَ فيها ذكراً لهذه الحادثة التي رَدَّ فيها ابن عباس على أبي هريرة، ولو ثبت الحديث وثبتت الحادثة لما أغفلوا النص عليها، نعم ذكرها بعض علماء الأصول - بينهم صاحب " المَسَلَّمِ " - وهؤلاء قوم يتساهل بعضهم في ذكر الأحاديث التي ليس لها أصل، أو لها أصل من طريق ضعيف، لأن الحديث ليس من اختصاصهم، وعلى كل حال فإن كتبهم ليست مرجعاً في علم الحديث، ولا يرجع إليها فيه - متخطياً دواوينه المعتبرة - إلا حاطب ليل، أو صاحب غرض. ثانياً - إن الموجود في بعض كتب الحديث غير هذا. فقد أخرج الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: «مِنْ غُسْلِهِ الْغُسْلُ وَمِنْ حَمْلِهِ الْوُضُوءُ»، ثم قال الترمذي: وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ. قَالَ أَبُو عِيسَى: (يعني نفسه) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّذِي يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ: إِذَا غَسَّلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: «أَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلاَ أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا»، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وقَالَ أَحْمَدُ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَرْجُو أَلاَّ يَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَأَقَلُّ

مَا [قِيلَ] فِيهِ». وقَالَ إِسْحَاقُ: «لاَ بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ». وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَغْتَسِلُ وَلاَ يَتَوَضَّأُ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ». والذي يستخلص منه أن أبا هريرة لم ينفرد برواية الحديث، بل رواه عَلِيٌّ وعائشة وأنه رُوِيَ عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً، ولا أثر لرد ابن عباس عليه إذ لو ثبت لنقله كما نقل غيره، مِمَّا رَدَّ فيه بعض الصحابة على بعض، وأن أهل العلم مختلفون في ذلك اختلافاً كبيراً، وفي هذا كله ما يسقط احتجاج مؤلف " فجر الإسلام " بهذه الواقعة التي لم يثبت وقوعها، بين أبي هريرة وابن عباس، وأن أبا هريرة رَوَى حَدِيثًا في غسل الميت لم ينفرد به، بل شاركه فيه غيره على ما سمعت. ثالثاً: على فرض صحة الواقعة وثبوت رَدِّ ابن عباس، فليس معناه التكذيب ولا الطعن، بل هو خِلاَفٌ في فهم الحديث وفقهه، فأبو هريرة يوجب الوضوء من الجنازة عَمَلاً بظاهر الحديث، وابن عباس يرى الوجوب غير مُرَادِ الحديث بل هو محمول على الندب، ولذا قال: «لاَ يَلْزَمُنَا الوُضُوءُ ... »، فلكمة «لاَ يَلْزَمُنَا» نص في تحرير النزاع بين الطرفين: أبو هريرة يثبت اللزوم، وابن عباس ينفيه، وكل منهما صحابي جليل فقيه مجتهد، فلا حرج في اختلافهما في فهم الحديث واستنباط فقهه. 2 - وأما الحديث الثاني وهو: «مَتَى اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ ... إلخ». فهو صحيح أخرجه " البخاري " و" مسلم " وغيرهما من أصحاب الصحاح، وهو مروي عن ابن عمر وجابر وعائشة. أما رد عائشة عليه وقولها له: «[كَيْفَ] نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ؟» فهذا لم يصح في كتب الحديث، ولا ذكر له فيها، بل الذي صَرَّحَ به ابن العربي والحافظ الولي العراقي في " طرح التثريب شرح التقريب " نقلاً عن البيهقي: «أن الذي اعترض على أبي هريرة هو قين الأشجعي من أصحاب عبد الله بن مسعود، وتلك هي عبارة العراقي: " تقدم أنه في رواية مسلم بدل قوله في وضوئه: " فِي إِنَائِهِ " وفي رواية " فِي الإِنَاءِ " وهذا يدل على أن النهي مخصوص بالأواني دُونَ البرك والحياض التي لا يخاف فساد مائها بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها، ولذلك قال قين الأشجعيُّ

لأبي هريرة حين حَدَّثَ بهذا: فكيف إذا جئنا مهراسكم هذا فكيف نصنع به؟ فقال أبو هريرة: «أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكَ». رواه "البيهقي ". فكره أبو هريرة ضرب الأمثال للحديث، وكذلك ما رواه " الدارقطني " و" البيهقي " من حديث ابن عمر في هذا الحديث، فقال له رجل: إن كان حوضاَ؟ فكره ابن عمر ضرب الأمثال بحديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان شديد الاتباع للأثر» اهـ. فهذا صريح في أن أبا هريرة لم ينفرد برواية الحديث، بل رواه ابن عمر أيضاًً، ونقل " الترمذي " أنه روى عن عائشة أيضاًً، وأن ابن عمر قد اعترض عليه أيضاًَ حين روايته للحديث، وأن المعترض على أبي هريرة قين الأشجعي، لا ابن عباس ولا عائشة، وقين هذا تابعي من أصحاب ابن مسعود، كما تقدم، وإليك عبارة ابن حجر في «قين» ليتأكد لديك ما سبق: «قين الأشجعي: تابعي من أصحاب عبد الله بن مسعود جرت بينه وبين أبي هريرة قصة، فذكره ابن منده في " الصحابة "، وأخرج من طريق يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن قيناً الأشجعي قال: «كَيْفَ نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ؟» وهذا الحديث معروف من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ النَّوْمِ ... إلخ» فقال له قين الأشجعي: «فَإِذَا جِئْنَا مِهْرَاسَكُمْ هَذَا فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟» وروى الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، الحديث المرفوع. قال الأعمش فذكرته لإبراهيم فقال: «قَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ الْلَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ أَبُوْ هُرَيْرَةَ بِالْمِهْرَاسِ» (¬1) اهـ. وبهذا يَتَبَيَّنُ أنه لا صحة لما نقل من رَدِّ عائشة على أبي هريرة، وعلى فرض صحته تكون المسألة خلافاً في فهم الحديث، فـ «أبو هريرة» يرى وجوب غسل الأيدي، وبه قال أحمد وأبو داود والطبري، وعائشة وابن عباس لا يريان ذلك، وهو قول جمهور أهل العلم، وليس في الأمر تكذيب ولا شك. وهنا شيء ينبغي التأمل فيه والوقوف عنده، وهو أن المؤلف بعد أن ذكر ¬

_ (¬1) " الإصابة ": 3/ 285.

2 - عدم كتابة أبي هريرة للحديث:

رَدَّ عائشة على أبي هريرة أسنده إلى " شرح مسلّم الثبوت "، وبالرجوع إليه يعلم أن الذي ذكره إنما هو صاحب " المسلّم "، أما الشارح فقد نَبَّهَ إلى خطئه في هذا النقل وأنه لا صحة له عن عائشة، وتلك عبارة الشارح: قال في "التيسير ": «لَمْ يَثْبُتْ هَذَا مِنْهُمَا - أَيُّ مِنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَإِنَّمَا ثَبَتَ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ قَيْنٍ الأَشْجَعِيِِّ وَفِيْ صُحْبَتِهِ خِلاَفٌ» انتهى. وعبارة " التيسير " التي أشار إليها الشارح، منقولة عن " التقرير " لابن أمير الحاج وفيه يقول: «على أن ما ذكر عن عائشة وابن عباس قال شيخنا الحافظ: لا وجود له في شيء من كتب الحديث، وإنما الذي قال هذا لأبي هريرة رجل يقال له " قين الأشجعي "، فروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ ... إلخ» فقال له قين الأشجعيّ: كيف نصنع بمهراسكم؟ فقال له أبو هريرة: نعوذ بالله من شَرِّكَ، وقين الأشجعيّ ذكره ابن منده في " الصحابة "، فقال: له ذكر في حديث أبي سلمة عن أبي هريرة (يعني هذا) وتَعَقَّبَهُ أبو نعيم بأنه ليس فيه ما يدل على صحبته، قال شيخنا الحافظ: «» (¬1). اهـ. إِذًا تبين لك هذا، علمت أن مؤلف " فجر الإسلام " جَانَبَ الحَقَّ في هذا النقل في موضعين: 1 - نسبة ما نقله إلى شارح " المُسَلَّّم "، مع أن الذي ذكره، صاحب " المُسَلَّّم " نفسه. 2 - تغافله عن تنبيه الشارح إلى خطأ المصنف وعن تصحيحه للواقعة، فبأي شيء تفسر عمله هذا أكثر من أن يكون حرصاً منه على إثبات تكذيب الصحابة بعضهم لبعض وإثبات تكذيب الصحابة لأبي هريرة خاصة، مهما تحمل في سبيل ذلك من أخطاء ومجانبة للحق؟ فقاتل الله العصبية والهوى. 2 - عَدَمُ كِتَابَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْحَدِيثِ: أما أنه لم يكن يكتب الحديث، بل كان يُحَدِّث من ذاكرته (¬2) فهذا شيء ¬

_ (¬1) " التقرير ": 2/ 200. (¬2) ص 268.

لم ينفرد به أبو هريرة، وإنما هو صنيع كل من روى الحديت من صحابة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما عدا عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد كانت له صحيفة يكتب فيها، وذلك معروف للمطلعين على تاريخ الحديث، ويعترف به المؤلف نفسه إذ يقول (¬1): «وعلى كل حال، مضى العصر الأول ولم يكن تدوين الحديث شائعاً، إنما كانوا يَرْوُونَهُ شفاهاً وحفظاً، ومن كان يُدَوِّنُ فإنما كان يُدَوِّنُ لنفسه» انتهى. ويشير بذلك إلى من دَوَّنَ الحديث من التَّابِعِينَ في القرن الأول، أما من الصحابة فلم يكن يُدَوِّنُ الحديث لنفسه في صحيفة خاصة إلا عبد الله بن عمرو بن العاص، فَما وجه تخصيص أبي هريرة بهذا؟ وما الفائدة من ذكره وهو معلوم مشهور؟ ليس لذلك سر إلا أن المولف يريد التشكيك بأحاديث أبي هريرة، فما دام الرجل لم يكتب الحديث وما دام يروي من ذاكرته فقط، وما دامت الذاكرة قد تخطئ وتخون، فنحن في شك من صحة أحاديثه، إلى هذا يرمي مؤلف " فجر الإسلام " حتماً ولولاه لما أغفل عَمْداً ثناء الصحابة عليه في حفظه وصدقه ودينه وزهده وإقرار العلماء له بالتقدم على الصحابة جميعاً في حفظ الحديث وروايته، حتى ليبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم، كما قال البخاري. ولو أنه ذكر ذلك لما تأتى له الطعن في أبي هريرة من هذه الناحية، فالرجل الحافظ الصادق المتثبت في حفظه، المعترف له من أهل العلم بالأمانة والإتقان، لا يضره ألاَّ يُحَدِّث من كتاب، بل من العلماء من يُفَضِّلُ الأخذ عن الذي يُحَدِّثُ من حفظه إذا كان مُتَثَبِّتاً صدوقاً على الأخذ عن الذي يُحَدِّثُ من كتاب غيره، حتى لقد ذهب علماء الأصول إلى أنه إذا تعارض حَدِيثًان: أحدهما مسموع والآخر مكتوب، كان المسموع أولى وأرجح، قال الآمدي في " الإحكام " (¬2): «وَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَىَ الْمَرْوِيَِّ فَتَرْجِيحَاتٌ: الأَوَّلَ، أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ عَنْ سَمَاعِ مِنَ الْنَّبِيِِّ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْ كِتَابَةٍ، فَرِوَايَةُ السَّمَاعِ أَوْلَى، لِبُعْدِهَا عَنْ تَطَرُّقِ الْتَّصْحِيْفِ وَالْغَلَطِ». ¬

_ (¬1) [" فجر الإسلام "]: ص 272. (¬2) [" الإحكام للآمدي "]: 4/ 334.

3 - تحديثه بغير ما سمعه:

ومن هنا كره فريق من السلف الصالح من الصحابة والتَّابِعِينَ كتابة الحديث كَيْلاَ يُتَّكَلَ على الكتابة وحدها فتضعف مَلَكَةُ الحفظ، أخرج ابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (¬1) بسنده إلى إبراهيم النخعي قال: «لاَ تَكْتُبُوا فَتَتَّكِلُوا». وقال أيضاًً: «قَلَّمَا كَتَبَ رَجُلٌ كِتَابًا إِلاَّ اتَّكَلَ عَلَيْهِ». وأخرج أيضاًً عن الأوزاعي: «كَانَ هَذَا الْعِلْمُ شَيئا شَرِيفًا إِذْ كَانَ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ يَتَلاقُونَهُ (¬2) وَيَتَذَاكَرُونَهُ، فَلَمَّا صَارَ فِي الْكُتُبِ ذَهَبَ نُورُهُ وَصَارَ إِلَىَ غَيْرِ أَهْلِهِ». قال ابن عبد البر: ... وَالَّذِينَ كَرِهُوا الْكِتَابَ كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُمْ وَجُبِلَ جِبِلَّتَهُمْ كَانُوا قَدْ طُبِعُوا عَلَى الْحِفْظِ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَجْتَزِئُ بِالسَّمْعَةِ، أَلاَ تَرَى مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنِّي لأَمُرُّ بِالْبَقِيعِ فَأَسُدُّ آذَانِي مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَنَا فَوَاللَّهِ مَا دَخَلَ أُذُنِي شَيْءٌ قَطُّ فَنَسِيتُهُ». وَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ، وَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ عَرَبٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أُمَّةٌ أُمَيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسِبُ» وَهَذَا مَشْهُورٌ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ خُصَّتْ بِالْحِفْظِ، [كَانَ بَعْضُهُمْ يَحْفَظُ أَشْعَارَ بَعْضٍ] فِي سَمْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَفِظَ قَصِيدَةَ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ فِي سَمْعَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا ذَكَرُوا، والحادثة مشهورة في كتب الأدب والتاريخ. 3 - تَحْدِيثُهُ بِغَيْرِ مَا سَمِعَهُ: وأما أن أبا هريرة «لم يكن يقتصر على ما سمع من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل يُحَدِّثُ عنه بما أخبره به غيره، فقد روى أن رسول الله قال: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا، فَلاَ صَوْمَ لَهُ» فأنكرت ذلك عائشة وقالت: كان رسول الله يدركه الفجر في رمضان وهو جُنُبٌ من غير احتلام فيغتسل ويصوم، فلما ذُكِرَ ذلك لأبي هريرة قال: «إِنَّهَا أَعْلَمُ مِنِّي وَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ سَمِعْتُهُ مِنَ الفَضْلِ بْن العَبَّاسِ» (¬3). ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم وفضله ": 1/ 68. (¬2) كذا في الأصل ولعل صوابها «يَتَنَاقَلُونَهُ». (¬3) " جامع بيان العلم وفضله ": ص 269.

فالكلام في ناحيتين: الأولى - في إسناد أبي هريرة إلى الرسول ما لم يسمعه، فهذا لم ينفرد به أبو هريرة، بل شاركه فيه صغار الصحابة ومن تأخر إسلامه، فعائشة وأنس والبراء وابن عباس وابن عمر، هؤلاء وأمثالهم أسندوا إلى الرسول ما سمعوه من صحابته عنه، وذلك لما ثبت عندهم من عدالة الصحابي وصدقه، فلم يكونوا يجدون حرجاً ما في صنيعهم هذا. فقد روى ابن عباس عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» و «أَنَّ النَبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وقال في الخبر الأول لما روجع فيه: «أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ» (¬1)، وقال في الخبر الثاني: «أَخْبَرَنِي بِهِ أَخِي الفَضْلِ بْن العَبَّاسِ» (¬2)، وروى ابن عمر عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ»، وأسنده بعد ذلك إلى أبي هريرة (¬3). وقد قدمنا لك قول أنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ سَمِعْنَاهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يُكَذِّبُ بَعْضُنَا بَعْضًا» وقول البراء: «مَا كُلُّ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يُحَدِّثُنَا أَصْحَابُهُ عَنْهُ وَكَانَتْ تَشْغَلُنَا عَنْهُ رِعْيَةِ الإِبِلِ». وهذا ما يسمى عند العلماء بُِِمُرْسَلِ الصحابي، وقد أجمعوا على الاحتجاج به، وأن حكمه حكم المرفوع، ما عدا الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني فإنه قال: «يحتمل أن يكون الصحابي راوياً ذلك الحديث عن تابعي»، وهو قول مردود، ويكفي إجماع أهل الحديث والأصول على خلافه. قال الشيخ ابن الصلاح في " مقدمته ": «ثُمَّ إِنَّا لَمْ نَعُدَّ فِي أَنْوَاعِ الْمُرْسَلِ وَنَحْوِهِ مَا يُسَمَّى فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ مِثْلَمَا يَرْوِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْمَعُوهُ مِنْهُ؛ لأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ المَوْصُولِ المُسْنَدِ، لأَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَالجَهَالَةَ بِالصَّحَابِيِّ غَيْرُ قَادِحَةٍ، لأَنَّ ¬

_ (¬1) أخرجه " البخاري " في (باب بيع الدينار بالدينار نساء)، وأخرجه " مسلم " أيضاًً. (¬2) " الأحكام " للآمدي: 1/ 204 وفي كتب السُنّةِ جاء أكثرها رواية ابن عباس عن الفضل (في حديث التلبية) وفي " مسند أحمد " رواية ابن عباس عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير واسطة. (¬3) المصدر السابق. وفي كتب السُنَّة أيضاًً ذكر لهذه الحادثة.

الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ» (¬1) اهـ. وفي " شرح العلامة العراقي على المقدمة " جواباً عما اعترض به على المصنف في قوله: «مَا يُسَمَّى فِي أُصُولِ الْفِقْهِ»: «إن المُحَدِّثِين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم يختلفوا في الاحتجاج بها، وأما الأصوليون فقد اختلفوا فيها، فذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إلى أنه لا يحتج بها وخالفه عامة أهل الأصول فجزموا بالاحتجاج بها». اهـ. وقال الإمام النووي بعد أن ذكر الخلاف في حُجية المرسل: «هذا كله في غير مرسل الصحابي، أما مرسل الصحابي كإخباره عن شيء فعله النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو نحوه - مِمَّا نعلم أنه لم يحضره لصغر سِنِّهِ أو لتأخر إسلامه أو غير ذلك - فالمذهب الصحيح المشهور الذى قطع به جمهور أصحابنا وجماهير أهل العلم به حُجَّةٌ، وأطبق المُحَدِّثُونَ المشترطون للصحيح القائلون بأن المرسل ليس بِحُجَّةٍ على الاحتجاج به وإدخاله في الصحيح، وفي " صحيحي " البخاري ومسلم من هذا ما لا يحصى. وقال الأستاذ أبو إسحاق الاسفراينى من أصحابنا: لا يحتج به بل حكمه حكم مرسل غيره، إلا أن يبين أنه لا يرسل إلا ما سمعه من النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو صحابي، قال: لأنهم قد يَرْوُونَ عن غير صحابي» ثم قال النووي: «والصواب الأول وأنه يحتج به مطلقاً لأن روايتهم عن غير الصحابي نادرة، وإذا رَوَوْهَا بَيَّنُوهَا فإذا أطلقوا ذلك فالظاهر أنه عن الصحابة والصحابة كلهم عدول» (¬2). اهـ. هذه هي أقوال العلماء في إرسال الصحابة، ومنها نعلم حكم إرسال أبي هريرة الذي حاول مؤلف " فجر الإسلام " أن يتخذ منه مطعناً. الثانية: وهي الحديث الذي ساقه المؤلف شاهداً لذلك الكلام فيه من وجوه: أولاً - إن كتب الصحيح لم تذكر إنكار عائشة عليه ولكنها ذكرت المسألة على أن أبا هريرة، اسْتُفْتِيَ في صوم من أصبح جُنُباً فأفتى بأنه لا صوم له، ¬

_ (¬1) ص 26. (¬2) " المجموع شرح المهذب ": 1/ 62.

فاستفتيت عائشة وأم سلمة في المسألة نفسها فكلتاهما أفتت بصحة صومه، وقالت كان رسول الله يصبح جُنُباً ثم يصوم، فلما قيل ذلك لأبي هريرة رجع عن فتواه وقال: «هُمَا أَعْلَمُ مِنِّي»، فالواقعة واقعة فتوى، أفتى فيها كل بما علمه وصح عنده عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس فيه إنكار عائشة ولا رَدَّهَا عليه. ولِنَسُقْ لك نص " مسلم " - رَحِمَهُ اللهُ - فقد أخرج بسنده إلى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، [يَقُصُّ]، يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فَلاَ يَصُمْ»، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ (أَيْ لأَبِيهِ) فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، فَسَأَلَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَكِلْتَاهُمَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ» قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى مَرْوَانَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا ذَهَبْتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَدَدْتَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ: قَالَ: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هُمَا أَعْلَمُ، ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ. هذا نص " مسلم " وهو صريح في عدم وقوع الإنكار والرد من عائشة على أبي هريرة، وقد صرح بذلك شارح " مسلَّم الثبوت " حيث قال بعد أن صَحَّحَ نقل المصنف بما نقله من " سفر السعادة ": «وليس في هذا رَدُّ أم المؤمنين على أبي هريرة، ولا يعرف له إسناد» ثم قال: وما في الحاشية: «من أن أم المؤمنين إنما رَدَّتْ لمخالفة الكتاب، فشجرة نبتت على الأصل الموهون، فإن الرَدَّ لم يثبت وإنما روت فعله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1). اهـ. فاقرأ هذا ثم اعجب من صنيع مؤلف " فجر الإسلام " إذ لم يكتف بالتغاضي ¬

_ (¬1) " شرح مسلّم الثبوت ": 2/ 175.

عن موقف الشارح من تصحيح الحادثة، ونفي الإنكار والرد على عائشة، بل زاد على ذلك نسبة القول بالإنكار والرد إلى هذا الشارح نفسه، وقد سبق المؤلف مثل هذا في مواطن كثيرة، فهنيئاً له هذه الأمانة العلمية! ثانياً - لو سلمنا ثبوت الإنكار عنها فليس معناه تكذيب أبي هريرة فيما روى، بل معناه أنها لا تعرف هذا الحكم، وإنما نعرف خلافه، فيكون من الاستدراكات التي استدركتها عائشة أم المؤمنين على كبار الصحابة كعمر وابنه عبد الله وأبي بكر وَعَلِيٌّ وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخُدري وغيرهم (¬1)، وما زال الصحابة يستدرك بعضهم على بعض لا يرون ذلك تكذيباً، بل تصحيحاً للعلم، وأداء للأمانة على ما يعرفها الصحابي، وقد قال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» (¬2). ثالثاً - أكثر الروايات لم تذكر رفع أبي هريرة الحديث إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل ذكرت أن ذلك كان فتوى منه، وقليلها هي التي جاء فيها الحديث مرفوعاً، وكذلك ورد في بعض الطرق أن أبا هريرة نسب ذلك إلى الفضل، وفي بعضها إلى أسامة بن زيد، وفي رواية، أخبرني فيه فلان وفلان، فَدَلَّ ذلك على أنه سمعه من الفضل وأسامة، لكن بعض الرُواة اقتصر على أسامة، وكثيراً ما يقع مثل هذا للرُواة. رابعاً - قال العلامة ابن حجر: قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك، إما لرُجحان رواية أم المؤمنين في جواز ذلك صريحاً على رواية غيرهما، مع ما في رواية غيرهما من الاحتمال، إذ يكمن أن يحمل الأمر بذلك على الاستحباب في غير الفرض، وكذا النهي عن صوم ذلك اليوم، وإما لاعتقاده أن يكون خبر أم المؤمنين ناسخاً لخبر غيرها - وهذا ما عليه أكثر العلماء - وقد بقي على مقالة أبي هريرة ¬

_ (¬1) وفي هذا ألف البدر الزركشي كتابه النفيس " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة " في نحو / 300 / صفحة، وهو مطبوع بدمشق بتحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني. (¬2) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما.

4 - إنكار الصحابة عليه الحديث:

هذه بعض التَّابِعِينَ كما نقله الترمذي ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على خلافه كما جزم به النووي (¬1). اهـ. هذا وجه الحق في هذه المسألة لمن أراد الحق مجرَّداً عن كل هوى وغرض. 4 - إِنْكَارُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ الحَدِيثَ: قال: «وقد أكثر بعض الصحابة من نقده على الإكثار من الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وشَكُّوا فيه، كما يدل على ذلك ما روى مسلم في " صحيحه " أن أبا هريرة قال: «إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، إِنِّي كُنْتُ رَجُلاً مِسْكِينًا، أخدُم رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ». وفي حديث آخر في "مسلم " أيضاًً أن أبا هريرة قال: «يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ أَكْثَرَ - وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ - وَيَقُولُونَ مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّ إِخْوَانِي مِنْ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَرَضِيهِمْ، وَإِنَّ إِخْوَانِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا» (¬2) اهـ. هذه العبارة تكاد تكون عين عبارة «جولدتسيهر» إلا أن هذا كان أكثر أدباً واحتراساً من اتهام أبي هريرة بتكذيب الصحابة له حيث يقول «جولدتسيهر»: «ويظهر أن علمه الواسع بالأحاديث التي كانت تحضره دائماً قد أثار الشك في نفوس الذين أخذوا عنه مباشرة والذين لم يترددوا في التعبير عن شكوكهم بأسلوب ساخر» (يشير بذلك إلى الحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ نقلَهُما المؤلف عن "مسلم ") (¬3). فأساس الطعن مأخوذ من هنا، كما رأيت مع فارق بسيط وهو أن المستشرق ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": 4/ 118. (¬2) ص 269. (¬3) " دائرة المعارف الإسلامية ": 1/ 408 في ترجمة أبي هريرة.

نسب الشك إلى نفوس الذين أخذوا عنه مباشرة - أي التَّابِعِينَ - أما المؤلف فقد نسب الشك إلى بعض أصحابه ... وهكذا كان في طعنه الخفي أشد وأنكى من طعن جولدتسيهر - الظاهر - وهي براعة لا يحمد المؤلف عليها. ومهما يكن من أمر فليس فيما نقله المؤلف عن أبي هريرة وما دافع به أبو هريرة عن نفسه ما يؤدي إلى الطعن فيه أو التشكيك بصدقه، إذ من المعلوم أن أبا هريرة كان من المكثرين في التحديث عن رسول الله، رغم تأخُّر إسلامه لكثرة ملازمته للرسول حتى كان يدور معه حيثما دار، فلما توفي الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسأل كبار الصحابة عن حديث الرسول، كما كان يفعل صغار الصحابة، كعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأنس وغيرهم، وبذلك وبحرصه على استيعاب كل أخبار رسول الله - بأنه أكثر الصحابة حرصاً على الحديث - كان من أشد الناس حفظاً للحديث واحتفاءً به. فلما كان عهد الخلفاء الراشدين وتفرق الصحابة في الأمصار، رأى من واجب الأمانة عليه أن يُبَلِّغَ ما حفظه عَنْ النَّبِيِّ إلى أُمَّتِهِ، وخاف عاقبة الكتمان إن هو امتنع عن التحديث، بهذا صرَّحَ أبو هريرة نفسه إذ يقول في حديث أخرجه " البخاري " و" مسلم ": «لَوْلاَ آيَتَانِ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ تَلاَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}» (¬1). كان من الطبيعي أن يثير تدفق أبي هريرة في الحديث عن رسول الله هذا التدفق العجيب - مع ما عُلِمَ من تأخر إسلامه - الغرابة في نفوس بعض التَّابِعِينَ أو من كان بعيداً عن محيط المدينة من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن يقولوا: ما بال أبي هريرة يكثر الحديث، وأصحاب رسول الله لا يكثرون ¬

_ (¬1) [سورة البقرة، الآيتان: 159، 160].

مثله؟ سؤال يَرِدُ على أذهانهم فيوجهونه إلى أبي هريرة، لا شَكًّا ولا تكذيبًا ولكن رغبة ً في إزالة هذا العجب من نفوسهم، فيكشف لهم أبو هريرة عن السبب، وهم ما حَدَّثْنَاكَ به، فإذا هم ساكتون راضون مطمئنون، فأين تجد الإكثار من نقدهم له، كما زعم صاحب " فجر الإسلام " ثم أين الشك في صدقه وحفظه؟؟ إِنَّ كل ما في الحديث سؤال يدل على الاستغراب من كثرة حديثه، ومتى كان الاستغراب تكذيباً؟ قد يحدثك صديقك الذي لا تشك في صدقه، بحديث فيه شيء من الغرابة، فتظهر له العجب والدهشة لا مُكَذِّباً ولا مُستنكراً، بل طالباً منه أن يزيل عجبك ويكشف لك عن سر حديثه، وهذا ما حدث مع أبي هريرة بدليل أنهم تلقوا منه بالرضى والقبول تلك المقالة التي بيَّنَ فيها سِرَّ إكثاره من الحديث دُونَ سائر صحابة رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، أفرأيت لو أنهم كانوا مُكذِّبِينَ له، أو شَاكِّينَ في صدقه أو حفظه، أكان يكفي لحملهم على تصديقه أن يقول لهم: إني سمعت ما لم تسمعوا وحفظت وَنَسِيتُمْ؟ .. ثم أرأيت لو أنهم كانوا يشكون في حديثه، أكانوا يسمحون له بالاستمرار في التحديث عن هادي الأُمَّةِ ومُشَرِّعِهَا الأعظم؟ أم كان يكف عنه أمير المؤمنين عمر وهو من هو في شدة بأسه وصلابته في الحق؟ أم كانت تسكت عنه عائشة وهي التي أخرجها الانتصار للحق - في رأيها - من بيتها لقتال عَلِيٍّ؟ .. أم كان يسكت عنه كبار الصحابة وجمهورهم وقد كانت وفاته في عهد غير متأخر لا يزال فيه كثير من الصحابة على قيد الحياة؟. وهم الذين بلغ من حرصهم على الشريعة أن كانوا يَرُدُّونَ على من أخطأ في الحديث ولو كان عمر أمير المؤمنين، أو عائشة زوج الرسول، فكيف يسكتون على من يزيد في الحديث ويكذب؟. بقي أن يقال: من هم هؤلاء الناس الذين عناهم أبو هريرة في حديثة؟ أنا لا أرى في عبارة الحديث ما يدل على أنهم كانوا من كبار الصحابة أو فقهائهم أو البارزين فيهم، أو الذين عُرِفُوا بالسبق إلى الإسلام وطول الصحبة للرسول، بل الذي يُرَجَّحُ عندي أنهم ليسوا من الصحابة مطلقاً، ألا تراه يقول: « ... وَيَقُولُونَ مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يَتَحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟» فلو كان القائلون هم صحابة الرسول من المهاجرين والأنصار لأسند الكلام إليهم، فقال: ما بالنا لا نتحدث بمثل حديثه؟

ثم ألا تراه يقول في الرد عليهم: إن إخواني من المهاجرين، وإن إخواني من الأنصار. ولو كانوا هم الناقدين لقال لهم: «يقولون: إنكم كنتم تشتغلون بالتجارة أو الزراعة» وألا تراه يقول في آخر الحديث، كما في رواية " البخاري ": «وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ». وكان حقه لو كان الصحابة هم المعترضين أن يقول لهم: ما لا تحضرون. هذا ما تَرَجَّحَ عندي بالتأمل في الحديث، ثم لما أَمْعَنْتُ النظر في ترجمة أبي هريرة عساي أجد اسم واحد من الصحابة الذين اعترضوا على أبي هريرة بهذا الاعتراض، وجدتُ في " الإصابة " لابن حجر ما يأتي: «وأخرج ابن سعد من طريق الوليد بن رباح سمعت أبا هريرة يقول لمروان: حين أرادوا أن يدفنوا الحسن عند جده: «تَدَخَّلُ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ» - وكان الأمير يومئذ غيره - ولكنك تريد رضا الغائب، فغضب مروان وقال: «إِنَّ النَّاس يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، الحديث ... إلخ» ومروان كما لا يخفى تابعي، وقد وقعت هذه القصة في عصر متأخر. ومروان يقول ذلك عند الغضب وينسبه إلى الناس، ولو كان الصحابة هم الذين شكوا لما تركوا إبلاغ شكهم إلى أبي هريرة حتى يأتي مروان فيبلغه هذا الشك في مناسبة من المناسبات. وَأَيًّا ما كان فليس في الحديث الذي تحدث به أبو هريرة عن نفسه - ولم نجد رواية لغيره في هذا المعنى - ما يدل على أن الناقدين له كانوا من الصحابة أو من ذوي الشهرة فيهم، ولو حصل ذلك لرواة التاريخ كما روى غيره من رَدِّ بعض الصحابة على بعض، ونحن نَتَحَدَّى صاحب " فجر الإسلام " وَنَتَحَدَّى شيوخه من المُسْتَشْرِقِينَ وجميع أذنابهم في أقطار الأرض أن يأتونا بنص تاريخي صحيح يثبت أن أحداً من المعروفين في الصحابة قال هذا القول، أو أن الصحابة منعوه من التحديث أو صَرَّحُوا بكذبه، أو منعوا من الاستماع إليه، وهيهات أن يجدوا ذلك، بل نصوص التاريخ الثابتة قاطعة بإقرار الصحابة له بالحفظ واعترافهم بأنه أكثرهم اطلاعاً على الحديث، ولقد كانت عائشة وابن عمر وغيرهما أحياناً يستغربون بعض أحاديثه ثم لا يلبثون أن يَتَقَبَّلُوهَا منه مُعْتَرِفِينَ بإحاطته بما لم يحيطوا به. حَدَّثَ أبو هريرة يوماً عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «مَنْ تَبِعَ

5 - ترك الحنفية حديثه أحيانا:

جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ» فسمع ذلك ابن عمر (¬1) فقال: «أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا»، فَاَيَّدَتْ عَائِشَةَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِيمَا رَوَى، فقال ابن عمر: «لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ»، ثم أصبح يروي الحديث ويسنده إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فلما روجع فيه قال: «حَدَّثََنِي أَبُو هُرَيْرَةَ» ... ومن هنا تراه يقول له: «كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَمُنَا بِحَدِيثِهِ». وَقَعَدَ مُحَمَّدٌ بْن عُمَارَة بْن عَمْرُو بْنِ حَزْم مَجْلِس فِيهِ مَشْيَخَة مِنْ الصَّحَابَة بِضْعَة عَشَر رَجُلاً، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَة يُحَدِّثهُمْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَدِيثِ فَلاَ يَعْرِفهُ بَعْضهمْ، فَيُرَاجِعُونَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفُوهُ، ثُمَّ يُحَدِّثهُمْ بِالْحَدِيثِ كَذَلِكَ حَتَّى فَعَلَ مِرَارًا، يَقُولُ مُحَمَّدٌ: «فَعَرَفْت يَوْمَئِذٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة أَحْفَظ النَّاس»، أخرجه البخاري في " تاريخه " والبيهقي في " المدخل ". 5 - تَرْكُ الحَنَفِيَّة حَدِيثَهُ أَحْيَانًا: قال صاحب " فجر الإسلام ": «وَالحَنَفِيَّةُ يتركون حديثه أحياناً إذا عارض القياس كما فعلوا في حديث المُصَرَّاةِ (¬2)، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، مَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطَهَا رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ». قالوا: أبو هريرة غير فقيه، وهذا الحديث مخالف للأقيسة بأسرها فَإِنَّ حَلْبَ اللَّبَنِ تَعَدٍّ، وَضَمَانُ التَعَدِّي يَكُونُ بِالمِثْلِ أَوْ القِيمَةِ، والصاع من التمر ليس بواحد منها» (¬3). ها هنا أشياء زعمها المؤلف: 1 - أَنَّ الحَنَفِيَّةَ يقولون بتقديم القياس على الخبر إذا عارضه. 2 - أنهم فعلوا هذا في أحاديث أبي هريرة التي خالفت القياس وظاهره أن هذا الموقف من أبي هريرة خاصة. ¬

_ (¬1) سبق لنا من قريب التحدث عن هذا الحديث ص 306. (¬2) هي التي يترك حلبها أَيَّاماً ليجتمع اللبن في ضرعها فيتوهم المشتري أنها تَدُرُّ هذا القدر من اللبن كل يوم. (¬3) ص 269.

3 - أنهم يَعُدُّونَهُ غير فقيه. والمؤلف مخطئ في هذه الأمور الثلاثة خطأ تعلم مأتاه فيما بعد. أما أولاً - فَالحَنَفِيَّةُ لم يقولوا بتقديم القياس على الحديث، بل الإمام وصاحباه وجمهرة أتباعه على أن الخبر مُقَدَّمٌ على القياس مُطْلَقاً، فقيهاً كان الراوي أم لا، وهو مذهب الشافعي وأحمد وجمهور أهل الأصول، وذهب فخر الإسلام واختاره ابن أبان وأبو زيد وهم من الحَنَفِيَّةِ، إلى أن الراوي إذا كان فقيهاً قُدِّمَ خَبَرُهُ على القياس مُطْلَقاً. وإن كان غير فقيه قُدِّمَ خَبَرُهُ على القياس أيضاًً إلا إذا خالف جميع الأقيسة وَانْسَدَّ باب الرأي بالكلية، ومثلوا لذلك بحديث المُصَرَّاةِ وذهب الكَمَالُ بْنُ الهُمَامِ إلى ما اختاره ابن الحاجب والآمدي: من أنه إذا كان ثبوت العلة في القياس راجحاً على الخبر، وكان وجودها في الفرع كوجودها في الأصل، فالقياس مقدم، وإن تساوى ثبوت العلة في الأصل والفرع وثبوت الخبر، فالتوقف، وإلا فيقدم الخبر. هذا تفصيل أقوال العلماء في تعارض الخبر والقياس، ومنه يعلم أن جمهور الحَنَفِيَّةِ وعلى رأسهم الإمام وصاحباه يقولون بتقديم الخبر على القياس مطلقاً سواء كان الراوي فقيهاً أم لا، فما نسبه المؤلف إليهم غير صحيح قطعاً، بل قول من ذكرنا سابقاً. ولا حاجة بي إلى أن أنقل أقوال علماء الأصول فهي مبسوطة في مراجعها، وسيأتي في ترجمة أبي حنيفة ما يزيدك اطمئناناً. وأما ثانياً - فهذا الموقف من تقديم القياس على الخبر ليس خَاصًّاً بأبي هريرة عند القائلين به، بل هم يُعَمِّمُونَهُ في كل رَاوٍ غير فقيه، وإليك عبارة " مسلَّم الثبوت " و" شرحه ": «وَقَالَ فَخْرُ الإِسْلاَمِ: " إِنِ كَانَ الرَّاوِي مِنَ المُجْتَهِدِينَ كَالأَرْبَعَةِ وَالعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ قُدِّمَ الخَبَرُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الرُّوَاةِ وَعُرِفَ بِالعَدَالَةِ دُونَ الفَقَاهَةِ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ، فَلاَ يُتْرَكُ خَبَرُهُ بِمُعَارَضَةِ القِيَاسِ إِلاَّ عِنْدَ انْسِدادِ بَابِ الْرَّأْيِ كَحَدِيثِ المُصَرَّاةِ "».

وإذاً فتخصيص أبي هريرة بهذا الحكم كما يفيده ظاهر كلام المؤلف غير صحيح. وأما ثالثاً - فما نقله عن الحَنَفِيَّةِ من قولهم بعدم فقاهة أبي هريرة غير صحيح أيضاًً، إذ لم يقل بذلك منهم إلا فخر الإسلام وصاحباه، وجمهور الحَنَفِيَّةِ على خلافهم، والتشنيع على مقالتهم تلك، قال الكَمَالُ بْنُ الهُمَامِ بعد ذكر قولهم السابق نقله عن " مسلَّم الثبوت ": «وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقِيهٌ»، قال شارحه ابن أمير الحاج: «لَمْ يَعْدَمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ الاجْتِهَادِ، وَقَدْ أَفْتَى فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي زَمَنِهِمْ إلاَّ مُجْتَهِدٌ وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ مَا بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ» (¬1). نعم إن الحَنَفِيَّةَ مع كونهم يُقََدِّمُونَ الخبر على القياس إذا تعارضا، فقد تركوا خبر أبي هريرة هنا، لا لخصوص أبي هريرة، ولا خروجاً عن قاعدتهم، بل بناء على قاعدة أخرى مُسَلَّمٌ بِهَا عِنْدَهُمْ، بل عند جميع العلماء وهي أن الخبر إذا عارض الكِتَابَ وَالسُنَّةُ وَالإِجْمَاعَ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، والقاعدة في الترجيح عند تعارض الأدلة أن يصار إلى الأقوى، ولا شك أن ما دَلَّ عليه الكِتَابُ وَالسُنَّةُ بمجموعها والإجماع، أقوى مِمَّا دَلَّ عليه خبر الآحاد، وهذا الخبر قد عارض عندهم الكِتَابَ وَالسُنَّةُ وَالإِجْمَاعَ فلا يُعْمَلُ بِهِ، ثم سلكوا في الجواب عنه مسالك مختلفة أوصلها ابن حجر في " فتح الباري " إلى ستة أقوال: أقربها أنه منسوخ. وروي ذلك عن أبي حنيفة نفسه، وَأَيًّا ما كان فليس في مسلك الحَنَفِيَّةِ هنا ما يعود بالطعن على أبي هريرة، وهذا فخر الإسلام الذي قال بعدم فقاهة أبي هريرة، نَصَّ بصراحة على إجلاله وصدقه وأمانتة، ومعاذ الله أن يذهب أَحَدٌ من أهل العلم والخشية والورع إلى غير هذا. لعلك علمت الحق في هذه المسائل الثلاث التي أخطأ فيها المؤلف خطأً كبيراً، أما كيف وقف هذا الموقف ومن أين أتى بكلامه السابق، فإليك ما يستدعي عجبك من أمانة العلم ودقة الفهم وصدق البحث. ¬

_ (¬1) " التقرير ": 2/ 251، انظر كذلك " التيسير ": 3/ 53.

عقد صاحب " المُسَلَّمِ " فصلاً لبيان ما يشترط في الراوي وما لا يشترط، وذكر أن من الأمور التي لا تشترط فيه الاجتهاد قال: ولا الاجتهاد خلافاً لبعض الحَنَفِيَّة عند مخالفة القياس من كل وجه. والمراد بهم فخر الإسلام ومن وافقه، وقد بيَّن الشارح وجهة نظرهم التي حملتهم على التفرقة بين المجتهد وغيره، ثم قال: «مَثَّلُوا لِذَلِكَ (أي فخر الإسلام ومن وافقه) بِحَدِيثِ المُصَرَّاةِ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَة - وَسَاقَ الحَدِيثَ - قَالُوا: (أي فخر الإسلام ومن معه) وبعد أن قرر الشارح كلامهم كلى هذا الوجه قال: كذا أَقَرَّ شُرَّاحُ كلامه (أي فخرالإسلام) وفيه تأمل ظاهر، فإن أبا هريرة فقيه مجتهد لا شك في فقاهته، فإنه كان يفتي زمن النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبعده، وكان هو يعارض قول ابن عباس وفتواه، كما رُوِيَ في الخبر الصحيح أنه خالف ابن عباس في عِدَّةِ الحامل المُتَوَفَّى عنها زوجها حيث حكم ابن عباس بأبعد الأجلين، وحكم هو بوضع الحمل، وكان سلمان يستفتي منه، فهذا - أَيْ حَدِيثُ المُصَرَّاةِ - ليس من الباب في شيء» (¬1). هذه هي عبارة شارح " المسلَّم "، ومنه تعلم أن الضمير في قوله، «قَالُوا: ... الخ» عائد إلى فخر الإسلام ومن وافقه، ولكن مؤلف " فجر الإسلام " اقتطع منه العبارة بنصها من كلام الشارح وجعل الضمير عائداً إلى الحَنَفِيَّةِ جميعاً، ونسب إليهم القول بعدم فقاهة أبي هريرة، بعد أن نسب إليهم تقديم القياس على الخبر. وأغضى النظر عن تعقيب الشارح له في نفيهم فقاهة أبي هريرة ... والمؤلف بين أمرين: إما أن يكون غير فاهم لكلام المصنف والشارح، ولا واقف على المذاهب في هذه المسالة. فخلط بين الأقوال، وأضاف قول فخر الإسلام وموافقيه إلى الحَنَفِيَّةِ جميعاً، وفهم عبارة الشارح على أنها قول الحَنَفِيَّةِ، ولم يفهم تعقيب الشارح بعد ذلك، وهذا بعيد عن فهم طالب مبتدىء، فكيف بمن كانت له مكانة الأستاذ أحمد أمين وشهرته العلمية. وإما أن يكون فاهماً للموضوع ولكنه تَعَمَّدَ الخبط والخلط في نسبة المذاهب إلى أربابها، ليحكم نسيج المؤامرة على ¬

_ (¬1) " شرح مسلّم الثبوت ": 2/ 145 - 146.

6 - استغلال الوضاع كثرة حديثه:

أبي هريرة، ويحمل القارئ، على إساءة الظن به، وهذا ما يترجح لمن يريد أن يحسن الظن بعلم الأستاذ وفهمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 6 - اسْتِغْلاَلُ الوُضَّاعَ كَثْرَةَ حَدِيثِهِ: وأما «أن الوُضَّاعَ قد استغلوا فرصة إكثاره فَزَوَّرُوا عليه أحاديث لا تُعَدُّ» (¬1)، فهذا شيء لم يخص به أبو هريرة، بل إن عُمَرَ وَعَلِيًّا وعائشة وابن عباس وابن عمر وجابراً وأنساً كل هؤلاء وغيرهم كَذَبَ عَلَيْهِمْ الوَضَّاعُونَ، ونسبوا إليهم أحاديث كثيرة، فليس من ترجمتهم في شيء أن يقال عنهم: إن الوُضَّاعَ وضعوا عليهم أحاديث لا تعد، أجل لا يصح أن يذكر هذا في ترجمة صحابي أو تابعي فكيف ذكره في ترجمة أبي هريرة؟ ولِمَ خصَّهُ به دُونَ عائشة وعلي وعمر وغيرهم من كبار الرُواة من الصحابة؟ هنا تطل علينا " دائرة المعارف الإسلامية " لتخبرنا أن هذا هو ما انتهى إليه جولدتسيهر في بحثه عن أبي هريرة حيث يقول: «إن كثيراً من الأحاديث التي نسبها الرُواة إليه قد نُحِلَتْ عليه في عصر متأخر» يريد بذلك التشكيك في مروياته كلها، كما صرح قبل ذلك بقوله: «كل هذه الظروف تجعلنا نقف من أحاديث أبي هريرة موقف الحذر والشك» (¬2). وما دام جولدتسيهر أنهى بحثه عن أبي هريرة بهذه النتيجة، كان لزاماً على أحمد أمين أن ينهي ترجمته لأبي هريرة بتلك الخاتمة، فهل رأيت إلى أي حد يخلص صاحب " فجر الإسلام " في تتبع خطوات أعداء الإسلام؟ ثم أرأيت كيف جعل دأبه الطعن بهذه الشخصية الفَذَّةِ في كل مناسبة؟ فهو إذن تكلم عن رَدِّ بعض الصحابة على بعض، كان أول ما يمثل به رَدَّ عائشة وابن عباس على أبي هريرة، وإذا ترجم له ذكر أنه كان يُحَدِّثُ من ذاكرته. كأنه شيء انفرد به من بين الصحابة جميعاً، وإذا أراد أن يعيب على الأقدمين اقتصارهم على نقد السند دُونَ المتن مِمَّا جعلهم يحكمون بصحة أحاديث يخالفها الواقع على زعمه، لم يجد في التمثيل لذلك إلا حديث أبي هريرة، وإذا حاول أن يثبت أن نقد الرُواة في البواعث النفسية التي تحملهم على الوضع، قد ¬

_ (¬1) " فجر الإسلام ": ص 270. (¬2) " دائرة المعارف الإسلامية ": 1/ 418.

حصل منه شيء في الصدر الأول، لم يجد لذلك مثلاً إلا أبا هريرة وحديث أبي هريرة، وهكذا يحمل مؤلف " فجر الإسلام " حملات منكرة بأسلوب لطيف. على هذا الصحابي العظيم من غير تثبت ولا تحقيق أو متعمداً لذلك ليحقق فكرة خبيثة في ذهن مستشرق ومغلوب على هواه لِيُشَوِّهَ بها سيرة عظمائنا الذين نقلوا إلينا هذا الشرع وحفظوه، ولكنا نقول للأستاذ أحمد أمين ولمن سبقه من المُسْتَشْرِقِينَ ولمن يلحق بهم من المعاندين، إن صحابياً يظل يُحَدِّثُ الناس سبعاً وأربعين سَنَةً بعد وفاة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على مسمع من كبار الصحابة وأقرب الناس إليه، من زوجته وأصحابه ثم لا يلقى إلا تجلة وإعظاما، يرجع إليه في معرفة الأحاديث، ويهرع إليه التابعون من كل جانب، وَيَتَزَوَّجُ منه سيد علماء التَّابِعِينَ الإمام الجريء التقي الورع سعيد بن المسيب ابنته، ويتلقى عنه علمه وحديثه، ويبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم، لم نسمع أن أحداً من الصحابة بلغ مبلغه في الآخذين عنه، وكلهم يجمعون على جلالته والثقة به، وينطوي في تاريخ الإسلام ثلاثة عشر قَرْنًا، وهي كلها شهادات صدق في أحاديثه وأخباره. إن صحابياً بلغ في التاريخ ما بلغه أبو هريرة، يأتي إليه اليوم من يزعم أن المُسْلِمِينَ جميعاً أئمة وأصحاباً وتابعين وَمُحَدِّثِينَ لم يعرفوه على حقيقته، وأنه في الواقع كان يكذب ويفتري، إن موقفاً كهذا يقفه بعض الناس من مثل هذا الصحابي العظيم، لجدير بأن يجلب لأهله والقائلين به الاستخفاف والازدراء بعلومهم وعقولهم معاً.

مع أبي رية:

مَعَ أَبِي رَيَّةَ: نأتي بعد ذلك إلى المطاعن التي ذكرها أَبُو رَيَّةَ في كابه " أَضْوَاءٌ عَلَى السُنَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ " في حق أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ليكون الحديث عنه متصلاً مستوفياً كل ما قيل فيه. تدور مطاعن «أَبِي رَيَّةَ» في أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حول احتقاره وازدراء شخصيته واتهامه بعدم الإخلاص في إسلامه وعدم الصدق في حديثه عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحبه لبطنه وللمال وتشيعه لبني أمية إلى غير ذلك مِمَّا سنتعرض له بالتفصيل، وأشهد أن «أَبَا رَيَّةَ» كان أفحش وأسوأ أدباً من كل من تكلم في حق أبي هريرة من المعتزلة والرَّافِضَة وَالمُسْتَشْرِقِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، مِمَّا يدل على دَخَلٍ وسوء عقيدة وخبث طوية، وسيجزيه الله بما افترى وازدرى وَحَرَّفَ وَشَوَّهَ من الحقائق. وسيلقى ذلك في صحيفته يوم يُرَدُّ إلى الله ... أما تفصيل هذه التهم والافتراءات فإليك مناقثشها مع شيء من الإيجاز: أَوَّلاً - الاخْتِلاَفُ فِي اسْمِهِ: يقول أَبُو رَيَّةَ (¬1): «لم يختلف الناس في اسم أحد - في الجاهلية والإسلام - كما اختلفوا في اسم أبي هريرة، فلا يعرف أحد على التحقيق الاسم الذي سماه به أهله ليدعى بين الناس» ثم نقل عن النووي أن اسمه عبد الرحمن بن صخر على الصحيح من ثلاثين قولاً، وعن القطب الحلبي أنه قد اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولاً. يريد أَبُو رَيَّةَ أن يُهَوِّنَ من شأن أبي هريرة بأنه لم يكن معروفاً في وسط الصحابة حتى إن اسمه فيه خلاف كثير. والجواب عن هذا: 1 - إن الاختلاف في اسم الرجل لا يحط من شأنه وقيمة الرجل بعمله ¬

_ (¬1) ص 152.

لا باسمه واسم أبيه، وما جعل الله دخول الجنة وبلوغ مراتب السعادة عنده بالأسماء والكنى والألقاب. ومن زعم مثل هذا فهو جاهل بدين الله. 2 - إن كثيراً من الصحابة قد اختلف في أسمائهم اخلافاً كبيراً: ولم ينقص ذلك من أقدارهم وخدمتهم للإسلام وتقدير المُسْلِمِينَ لهم ولأعمالهم. 3 - إن سبب هذا الاختلاف في اسم أبي هريرة يعود إلى أنه منذ أسلم لم يعرف إلا باسم «أبي هريرة» ولم يكن من قريش وقبائلها حتى يعرفه الصحابة باسمه الأصلي، وإنا لنشاهد أكثر المُسْلِمِينَ اليوم لا يعرفون الاسم الحقيقي لأبي بكر الصديق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لأنهم منذ نشؤوا لم يعرفوه إلا بكنيته، فأي ضرر في هذا؟ لقد كان من قبيلة دوس، من مكان نَاءٍ عن مكة والمدينة، ومنذ أسلم ولزم النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنَادَ إلا بأبي هريرة، فهل يستغرب بعد ذلك أن ينسى اسمه الأصلي الذي سماه به أبوه وأمه؟ 4 - إن الاختلاف في اسمه واسم أبيه اٍلى ثلاثين أو أربعين قولاً، ليس على حقيقته، بل هو ناشىء من وهم الرُواة وتقديم لفظ على لفظ، والخلاف الحقيقي لا يتجاوز على التحقيق ثلاثة أقوال. قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة ": «مع أن بعضها (بعض الأسماء التي رويت له) وقع فيه تصحيف أو تحريف، مثل بَرٌ وَبَرِيرٌ وَيَزِيدٌ، والظاهر أنه تغيير من بعض الرُواة، وكذا ساكن وسكين، الظاهر أنه يرجع إلى واحد وكذا سعد وسعيد». ثم قال: «فعند التأمل لا تبلغ الأقوال عشرة خالصة، ومرجعها من جهة صحة النقل إلى ثلاثة: عُمَيْر، وعبد الله، وعبد الرحمن» (¬1). فالخلاف الحقيقي هو في ثلاثة أقوال. ونحن نجد في عشرات الصحابة من اختلف في أسمائهم إلى أربعة أقوال أو خمسة أو ستة، فلماذا التهويش في هذا الشأن؟ إلا أن تكون النية خبيثة، والقصد التشنيع والتشويش؟ ¬

_ (¬1) " الإصابة في تمييز الصحابة ": 4/ 204.

ثانيا - نشأته وأصله:

ثَانِيًا - نَشْأَتُهُ وَأَصْلُهُ: يقول أَبُو رَيَّةَ (¬1): «وإذا كانوا قد اختلفوا في اسم أبي هريرة. فإنهم كذلك لم يعرفوا شيئاً عن نشأته ولا عن تاريخه قبل إسلامه غير ما ذكره هو عن نفسه من أنه كان يلعب بِهِرَّةٍ صغيرة وأنه كان فقيراً مُعْدَمًا يخدم الناس بطعام بطنه، وكل ما يعرف عن أصله أنه من عشيرة سليم بن فهم من قبيلة أزد ثم من دوس». ما كنا نظن إنساناً يحترم نفسه وَيَدَّعِي العلم والمعرفة يَهْوِي إلى مثل هذا القرار في تجريح صحابي مشهور - لَمْ تَخْفَ شهرته على معاصريه ولا على الأجيال المتعاقبة من بعده - وبمثل هذا الكلام الذي نقلناه عنه، والجواب ما يلي: 1 - إنه من قبيلة دوس وهي قبيلة معروفة ذات شرف ومكانة في القبائل العربية. 2 - إن جمهور الصحابة إلا عدداً منهم لا يتجاوز العشرات لم يُعْرَفْ شيءٌ عنهم في جاهليتهم قبل الإسلام. فلقد كان العرب كلهم مغمورين في جاهليتهم، محصورين في جزيرتهم، لا يهتمون بشؤون العالم، ولا يهتم العالم بشؤونهم إلا ما يتصل بالتجارة التي كانت تمر قوافلها ببلادهم، فلما جاء الإسلام وشرفهم الله بحمل رسالته أصبح لكل واحد منهم تاريخ يكتب، وشؤون يتحدث عنها، وَرُوَاةٌ يتتبعون أخبارهم، وتلاميذ ينقلون عنهم العلم والهداية، فهل كان شأن أبي هريرة في هذا يختلف عن شأن جمهور الصحابة؟ ولماذا كانت جهالة تاريخه في الجاهلية تضر بمكانته وتحط من شأنه في الإسلام، وأين يجد «أَبُو رَيَّةَ» في كتاب الله أن الذي لايعرف تاريخه قبل الإسلام يجب الحط من شأنه والانتقاص من مكانتة، والشك فيما يروي من أحاديث رسول الله؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. 3 - ولو أردنا أن نسأل «أَبَا رَيَّةَ» عن تاريخ اَلاف من الصحابة الذين بلغوا في حَجَّةِ الوداع مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مائة وأربعة عشر ألفًا كما ¬

_ (¬1) ص 153.

ثالثا - أميته:

ذكر بعض المُحَقِّقِينَ، هل لهؤلاء تاريخ يعرف قبل الإسلام إلا عشرة أو عشرين، وكل تاريخهم الذي يعرف عنهم لايتجاوز سطراً أو سَطرين. أفيكون مَنْ عَدَا هؤلاء العشرين مجروحين عند أَبِي رَيَّةَ محتقرين لا قيمة لهم ولا شأن؟ أهذا هو التحقيق العلمي الذي لم ينسج أحد من قبل على منواله كما ادَّعَى أَبُو رَيَّةَ لنفسه؟. ثَالِثًا - أُمِّيَّتُهُ: ويقول أَبُو رَيَّةَ عنه (¬1): «ولقد كان أُميّاً لا يقرأ ولا يكتب». لم تكن أمية الصحابي مجالاً للطعن في صدقه في عصر من عصور الإسلام حتى جاء أَبُو رَيَّةَ، فَعَدَّ ذلك من جملة المطاعن فيه. على أن الأمية هي الصفة الغالبة على العرب الذين بُعِثَ فيهم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن المعلوم إنه لم يكن في مكة - حين بعثة الرسول - من يعرف القراءة والكتابة إلا نفراً يعدون بالأصابع وبذلك يكون جمهور الصحابة الذين بلغوا مائة وأربعة عشر ألفاً - كما أسلفنا - أُمِيِّينَ لا يقرؤون ولا يكتبون، فما سِرُّ تخصيص أبي هريرة بالإشارة إلى أميته؟ هل ذلك للتشكيك في صحة ما يرويه من الأحاديث من حفظه دُونَ كتابه؟ لقد قدمنا أن الصحابة جميعاً لم يكونوا يكتبون حديث الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فهل يريد أن يطعن أَبُو رَيَّةَ بكل ما رواه الصحابة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنهم كانوا أُمِيِّينَ لايقرؤون ولا يكتبون؟ لا أدري إن كان هذا مِمَّا يؤدي إليه التحقيق العلمي الذي لم ينسج على منواله أحد!. رَابِعًا - فَقْرُهُ: لقد حرص «أَبُو رَيَّةَ» في أكثر من موضع من بحثه عن أبي هريرة أن يظهر احتقاره لأبي هريرة وتشهيره به لأنه كان فقيراً معدماً لا يملك شيئاً، ولأنه كان يلازم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحفظ حديثه ويتعلم هدايته على أن ينال مع ذلك ما يشبع بطنه، وقد كَرَّرَ القول بأنه كان مهيناً في قبيلته، وأنه لم يكن من أشراف العرب ولا رؤسائهم المعروفين ... ومن أجل هذا كله استحق «أبو هريرة» عند «أَبِي رَيَّةَ» الهوان والاحتقار!. ¬

_ (¬1) ص 153.

لقد كنا نفهم من رجل غني صاحب جاه ونفود أن يحتقر الفقراء ويزدريهم، وكنا نفهم من أعداء الأنبياء ومحاربي دعواتهم أن يقولوا لهم ما قال قوم نوح لنوح - عَلَيْهِ السَلاَمُ - {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} (¬1). وكنا نفهم أن يكون الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر، يجعلون من نعيم الدنيا ومالها وثرواتها مقياساً للكرامة والاحترام. وكنا نفهم أن تكون البيئات الأرستقراطية الرأسمالية هي التي تستعلي على الفقراء وتزدريهم وتمتهن أقدارهم. لقد كنا نفهم كل هذا إلا من مثل «أَبِي رَيَّةَ» فبأية عقلية يتكلم عن فقر أبي هريرة وعدم وَجَاهَتِهِ أبعقلية الذين يُكَذِّبُونَ رُسُلُ اللهِ وأنبياءه؟ فإن كان هو مِمَّنْ يؤمن بالله ورسله وبما جاء في كتابه، فإن الله حكى عن نوح - عَلَيْهِ السَلاَمُ - أنه قال للذين ازدروا أتباعه المؤمنين الفقراء: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} (¬2) ثم قال لَهُم: {وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (¬3). ْوإن كان يتكلم بعقلية الأغنياء في وسط إسلامي، فإنه يعلم أن الإسلام أهدر جميع القيم المادية في التفاضل بين الناس، ولم يعترف إلا بقيمةٍ واحدةٍ هي قيمة التقوى حين قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (¬4). ¬

_ (¬1) [سورة هود، الآية: 27]. (¬2) [سورة هود، الآية: 29]. (¬3) [سورة هود، الآية: 31]. (¬4) [سورة الحجرات، الآية: 13].

خامسا - إسلامه وسبب صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم -:

إنني لم أجد مسوغاً «لأَبِي رَيَّةَ» في تلك النظرة الوقحة المخزية التي جاهر بها في نظرته إلى فقر أبي هريرة وجوعه وقلة ذات يده. لقد كان بلال مُؤَذِّنُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الذي صعد على ظهر الكعبة يوم فتح مكة فوق رؤوس سادة قريش وكبرائها ليعلن كلمة الإسلام، وكان عمر يقدم صهيباً وبلالاً وأمثالهما من الضعفاء على كبراء القوم حين يستأذنون في الدخول عليه. ومن المعلوم أن الذين آمنوا برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، في أول الأمر واستمر ذلك سنوات كان أكثرهم من الضعفاء والفقراء والأرقاء، فهل كان ذلك يضيرهم شيئاً عند رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أم هل كان ذلك يضيرهم شيئاً في تاريخ الدعوة الإسلامية وكفاحهم في سبيل الله؟. أو لم يسجل تاريخ الإسلام لهؤلاء الضعفاء الفقراء الأرقاء المهينين في نظر كفار قريش وأمثال «أَبِي رَيَّةَ» أروع صفحات الخلود والمجد والإخلاص للحق والتفاني في سبيل الله ونشر دينه؟ فأين يبلغ من مكانتهم أو قريباً من مكانتهم من كان يُسَمِّيهِمْ كفار قريش وأمثال «أَبِي رَيَّةَ» بالأغنياء والشرفاء والوجهاء؟! ثم إن هذا القياس الذي استعمله أَبُو رَيَّةَ في حق أبي هريرة ألا ينقلب على «أَبِي رَيَّةَ» نفسه، فيجوز لقائل أن يزدري به ويمتهنه ويحط من شأنه لأنه - على ما نعلم - من الفقراء وليس من الأغنياء، وليست له منبهة في قومه ولا شرف ولا مكانة!. خَامِسًا - إِسْلاَمُهُ وَسَبَبُ صُحْبَتِهِ لِلْنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدَّمْنَا أن أبا هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أسلم سَنَةَ سبع من الهجرة في غزوة خيبر ونزيد الآن أننا نُرَجِّحُ أنه أسلم قبل هذا التاريخ بزمن طويل، ولكن هجرته إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما كانت في تلك السَنَةِ، وإنما رَجَّحْنَا ذلك لدليلين: الأول - ما ذكره ابن حجر في " الإصابة " من ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسي أنه أسلم قبل الهجرة ولما عاد بعد إسلامه إلى قومه - رهط أبي هريرة - دعاهم

إلى الإسلام فلم يجبه إلا أبوه، وأبو هريرة. وهذا صريح في أن إسلام أبي هريرة قد تم قبل قدومه إلى الرسول في غزوة خيبر بسنوات. الثاني - ما رواه " البخاري " و" مسلم " وغيرهما من أمر المشادة التي جرت بين أبي هريرة وبين أبان بن سعيد بن العاص حين قسمة الغنائم بعد فتح خيبر، فقد طلب أبان من الرسول أن يُقَسِّمَ له من الغنائم، فقال أبو هريرة: لا تُقَسِّمْ له يا رسول الله فإنه قاتل ابن قوقل - وهو النعمان بن مالك بن ثعلبة ولقبه قوقل بن أصرم - وذلك في معركة «أُحُدْ» إذ كان أبان لايزال مشركاً فقتل ابن قوقل (¬1). ومن هذه القصة ندرك أن أبا هريرة حين قدم خيبر مهاجراً إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن حديث عهد بالإسلام بل كان متتبعاً لمعاركه وأحداثه بحيث يعلم أن أبان بن سعيد بن العاص هو الذي قتل (ابن قوقل) يوم أُحُدْ. وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر (¬2). وقد أساء أَبُو رَيَّةَ - كعادته - فهم هذه القصة واستنتج منها غير ما يفهمه المُنْصِفُونَ وَأَيًّا ما كان فقد كان إسلام أبي هريرة إسلاماً خالصا لوجه الله كإسلام الصحابة جميعاً، سمع بالإسلام لأول مَرَّةٍ عن طريق الطفيل بن عمرو فما لبث أن دان به وقام بشعائره، ثم مازال متشوقاً للهجرة للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى قدم عليه، وقد كان الرسول والمُسْلِمُونَ في غزوة خيبر. وأكثر الروايات على أن قدومه وافق الانتهاء من الغزوة، ولكنه حضر قسمة الغنائم، وبعض الروايات - وهي الأوثق والأصح - تثبت أن النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المُسْلِمِينَ بأن يفرضوا له منها نصيباً. ثم لازم النبيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك على أن لا يلتفت إلى شيء من الدنيا إلا أن يستمع إلى الرسول ويحمل للمسلمين من بعده هدايته وينقل إليهم ¬

_ (¬1) أورد البخاري القصة على عادته في موضع متفرقة، ولكن أوفاها ما أورده في " باب غزوة خيبر "، انظر " فتح الباري ": 7/ 395. (¬2) " فتح الباري ": 8/ 83.

حديثه، وكان طبيعياً أن يكون مكان أبي هريرة في «الصُفَّةِ» وهو مكان في المسجد كان يأوي إليه المنقطعون للعلم والجهاد مع رسول الله والذين ليس لهم مال ولا أهل في المدينة، وقد كان في «الصُفَّةِ» كرام الصحابة، وكان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكرمهم ويحث على إكرامهم. واستمر شأن أبي هريرة كذلك يلازم الرسرل أينما ذهب حتى اختار اللهُ رسوله لجواره. وبهذه الملازمة المستمرة من سَنَةِ سبع إلى عشر والحرص الشديد على تتبع حديث رسول لله من أفواه الذين سبقوا أبا هريرة إلى الإسلام، ومن أفواه زوجاته تَجَمَّعَ لأبي هريرة من الحديث ما لم يَتَجَمَّعْ لغيره من الصحابة الذين لم يفرغوا تفرغه لسماع الحديث ولم يلتزموا ما التزمه أبو هريرة من ملازمة الرسول أينما سار. تلك هي قصة إسلامه، وقد روى لنا " البخاري " وغيره كالدولابي في " الكُنَى " (المُتَوَفَّى 310 هـ) حديث هجرته من دَوْسٍ إلى الرسول في المدينة ثم خيبر، وكيف كان يتغنى في طريقه بقوله: فَيَا لَيْلَة مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا * ... * ... * عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتْ (¬1). وفي الطريق أَبِقَ غُلاَمٌ لأبي هريرة، فلما قدم على النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبايعه ظهر الغلام فقال له الرسول: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ» فَقَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ: «هُوَ [حُرٌّ] لِوَجْهِ اللَّهِ» (¬2)، أعتقه فرحاً بلقائه رسول الله ومبايعته على الإسلام! ومن هذا نرى أن في قصة إسلام أبي هريرة مثلاً من أمثلة الصدق في محبة الرسول واعتناق الإسلام، وفي الشكر على نعمة الله بلقاء رسوله ومبايعته بإعتاق عبده الذي ليس له غيره، ولعمري إنه مَثَلٌ يجد فيه المؤمنون الصادقون ما تفيض به النفس ثقةً ورضى واطمئناناً. ولكن «أَبَا رَيَّةَ» وقد امتلأت نفسه ضغناً على أبي هريرة، لم ير في قصة ¬

_ (¬1) في رواية الدولابي: «تُنَجِّينِي». (¬2) انظر " فتح الباري ": 8/ 83. و"الكُنى والأسماء ": 1/ 61.

سادسا: قصة جوعه وملازمته للرسول:

إسلامه إلا قصة من قصص التشرد التي تحمل الجائع على التنقل من بلد إلى بلد ليملأ بطنه! ولم ير في صحبته لرسول الله إلا ذلك الرجل المتسول الذي هَمُّهُ في الحياة أن يسد جوعه ويشبع نهمته! هل يرضى أَبُو رَيَّةَ هذه الصورة لنفسه؟ أم هل يرضاها لولده؟ أم هل يرضاها لأحد أصدقائه؟ فكيف ارتضاها لصحابي من صحابة رسول الله مهما كان رأي أَبِي رَيَّةَ فيه، فلا شك أن جمهور علماء الإسلام منذ عصر التَّابِعِينَ حتى اليوم يرونه المثل الكريم لحامل أمانة العلم عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. سَادِسًا: قِصَّةُ جُوعِهِ وَمُلاَزَمَتِهِ لِلْرَّسُولِ: كَرَّرَ «أَبُو رَيَّةَ» القول عن فقر أبي هريرة وأنه لفقره اتَّخَذَ سبيله إلى الصُفَّة، فكان أشهر مَنْ أَمَّهَا ثم صار عَرِيفًا لمن كانوا يسكنونها (¬1). 1 - ولعمري إن أَبَا رَيَّةَ لا يخجل من الله ولا من الناس، فلا الفقر وسكنى الصُفَّة عيباً ومهانةً عند الله ورسوله، ولا هو عيباً ومهانة عند ذوي النفوس الكريمة التي نبتت في ظلال المكرمات من الأعمال والصفات، وإنما يكون عيباً عند أَخِسَّاءِ النفوس الذين لا يرون العزة ولا الكرامة إلا في المال والوجاهة. ويكفينا في الرد على أَبِي رَيَّةَ ما تَحَدَّثَ به القراَنُ عن طبقة الأغنياء المترفين وفجورهم ومحاربتهم لدعوات الرسل وحملة الإصلاح!. 2 - ويقول: «إنه كان صريحاً صادقاً في الإبانة عن سبب صحبته للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما كان صريحاً صادقاً في الكشف عن حقيقة نشأته» (وهو أنه نشأ يتيماً كأن اليُتْمَ عيب عند أَبِي رَيَّةَ فواعجباً للذين لا يستحون) فلم يقل: إنه صَاحَبَهُ للمحبة والهداية، كما كان يصاحبه غيره من سائر المُسْلِمِينَ، وإنما قال: «إنه صاحبه على ملء بطنه»، (ونقل في الهامش عن ابن هشام أن " على " تأتي للتعليل). هذا كلام لا يقوله إلا موتور! ولا يفهم معنى كلام أبي هويرة على هذا إلا من في عقله خلل، أو في صدره دغل، وإلا فكيف يسوغ لعاقل أن يفهم أن أبا ¬

_ (¬1) ص 154.

هريرة يترك بلاده وقبيلته وأرضه التي نشأ فيها ويترك ذلك كله بعيداً ليأتي إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليأكل ويشرب فقط؟! أكان أبو هريرة لايجد في قبيلته ما يأكل ويشرب؟ أكانت أرض دَوْسٍ وهي قبيلة عظيمة ذات شرف ومكانة، أرضاً مجدبة قاحلة ضاقت بأبي هريرة حتى لم يجد فيها طعامه وشرابه؟ ولِمَ جاء أبو هريرة إلى المدينة؟ أما وجد في تجارتها وزراعتها ما يأكل به ويشرب كما يأكل ويشرب التجار والزُرَّاع فيها؟ وهل نجد إلا عند المتسولين العالميين أن يهاجروا من بلادهم إلى بلاد نائية ليأكلوا ويشربوا؟ بل إنَّا لنجد عند هؤلاء ليس مجرد الرغبة في الأكل والشرب، بل وجمع الأموال وأَبُو رَيَّةَ لا يتهم أبا هريرة بأنه صحب الرسول لجمع الأموال، أفليس أبو هريرة في رأي أَبِي رَيَّةَ أحط شأناً من المتسولين العالميين (النَّوَر أو الغجر)؟ أهكذا يصل عمى البصيرة والحقد الأسود بصاحبه إلى هذا الدرك؟ 3 - ثم إن الرواية الصحيحة الثابتة في صحبته للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست هي كما أوردها أَبُو رَيَّةَ بل هي كما رواها " البخاري " في (كتاب البيوع): «وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي» يقول ذلك في إيضاح كثرة روايته للحديث كما سبق. ورواها مسلم أيضاًً في " صحيحه " في (فضائل الصحابة) يقول: «كُنْتُ رَجُلاً مِسْكِينًا، أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي». فلا ذِكْرَ للصُحبة هنا بل الملازمة والخدمة. ولم يكن ذلك في صدد الباعث له على صحبة النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما زعم «أَبُو رَيَّةَ» بل في صدد السبب الذي من أجله كان أكثر الصحابة حَدِيثًا. لقد كان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق في التجارة، وكان الأنصار أصحاب زرع تشغلهم زراعتهم، في حين أنه هو كان يلازم النَّبِيّويخدمه أينما ذهب، فأين يأتي زعم «أَبِي رَيَّةَ» بأنه كان صريحاً صادقاً في كشف سبب صُحْبَتِهِ للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ 4 - ولم يكتف أَبُو رَيَّةَ بتحريف الكلم عن مواضعه بل زاد على ذلك أن لفظ «عَلَى مِلْءِ بَطْنِي» إنما هو للتعليل وأن ابن هشام ذكر

أن معاني «على» هو التعليل كقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي لما هداكم (¬1). وهذا افتراء اَخر ودليل اَخر على أنه لا يريد الحق وإنما يريد أن يتلمس الطريق إلى الحط من شأن أبي هريرة. إن ابن هشام - رَحِمَهُ اللهُ - ذكر أن «عَلَى» تأتي على تسعة معان، إحداها التعليل، فلماذا تَعَيَّنَ عند «أَبِي رَيَّةَ» أن تكون لمعنى واحد من هذه المعاني التسع، مع أنها في قول أبي هريرة تصلح لأكثر تلك المعاني؟ وقد فهمها العلماء الذين أنار الله بصائرهم وَطَهَّرَ قلوبهم من الحقد على صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حقيقها دُونَ ما فهمه «أَبُو رَيَّةَ». قال الإمام النووي في شرح قول أبي هريرة «" عَلَى مِلْءِ بَطْنِي " أي: ألازمه وأقنع بقوتي ولا أجمع مالاً لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على قوتي، والمُرَادُ من حيث حصول القوت من الوجوه المباحة، وليس هو من الخدمة بالأجرة» (¬2) اهـ. وقال الحافظ ابن حجر: «" عَلَى مِلْءِ بَطْنِي " أي مقتنعاً بالقوت، أي فلم تكن له غيبة عنه» (¬3). وقال العلامة العَيْنِي: «" عَلَى مِلْءِ بَطْنِي ": أي مقتنعاً بالقوت» (¬4). وخلاصة القول إن أَبَا رَيَّةَ قد انكشف انكشافاً فاضحاً حين أراد أن يَتَّخِذَ من قصة إسلام أبي هريرة وملازمته له مجالاً للتشكيك في صدق إسلامه وإخلاصه في صُحْبَةِ النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حيث كانت تلك القصة وهذه الصُحْبَةُ من مفاخر أبي هريرة ومن أقوى الدلائل على حبه لله ولرسوله حباً خالصاً لا تشوبه شائبة من حب للدنيا أو رغبة في المال أو حرص على الجاه. ¬

_ (¬1) [سورة البقرة، الآية: 185]. [" سيرة ابن هشام ": ص 154 هامش رقم 5]. (¬2) " شرح النووي على مسلم ": 16/ 53. (¬3) " فتح الباري ": 4/ 231. (¬4) " عمدة القاري ": 5/ 394.

أما الدنيا فقد خَلَّفَهَا وراءه منذ اعتزم أن لا يتاجر في المدينة ولا يزرع ولا يكون له هَمٌّ إلا ملازمة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتلقي حديثه وحمل أمانته للمسلمين من بعد. وأما المال فإن أَبَا رَيَّةَ - على سفهه وشططه في فهم النصوص - لم يجرؤ أن يفتري على أبي هريرة أنه كان في إسلامه راغباً في المال. وإنا لنجد في بعض ما ذكره ابن كثير في " تاريخه " عن أبي هريرة ما يرفع شأنه وَيُعْلِي مكانته في قلوب أهل الحق. فقد أخرج بسنده إلى سعيد بن هند عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أن النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟». قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَقُلْتُ: «أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ» (¬1)، فهل بعد هذا أروع من هذا الإخلاص للحق والعلم؟ وذكر ابن كثير أيضاًً أن ابنة أبي هريرة قالت له يوماً: «يَا أَبَتِ إِنَّ البَنَاتَ يُعَيِّرْنَنِي، وَيَقُلْنَ لِي: لِمَ لاَ يُحَلِّيكِ أَبُوكِ بِالذَّهَبِ؟»، فَقَالَ: «يَا بَنَيَّةَ: قُولِي لَهُنََّّ: إِنَّ أَبِي يَخْشَى عَلَيَّ حَرَّ اللَّهَبِ» (¬2).! وأما الجاه فإن الرجل الذي رضي في سبيل الهجرة إلى رسول الله أن يخدم قافلة مسافرة في الطريق ويرضى أن يسكن في الصُفَّةِ مأوى الذين لا بَيْتَ لهم ولا سكن، وأن يتحمل مَرَارَةَ الجوع في سبيل العلم، وحمل أمانته هو رجل أبعد ما يكون عن طلب الجاه. حتى إن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لما استعمل أبا هريرة على البحرين، ثم قدم ببعض المال فحاسبه عليه عمر، فلم يجد فى مكسبه مدخلاً لإثم، رفض أن يلي العمل مَرَّةً ثانية لعمر. وكان مِمَّا قاله: أخشى أن أقول بغير علم وأقضي بغير حلم (¬3). فهذا هو أبو هريرة في إسلامه وَصُحْبَتِهِ للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف استجاز أَبُو رَيَّةَ أن يقلب الحقائق، ويمسخ التاريخ الناصع، ويفتري على الأبرياء وهو الذي قال: «لعنة الله على الكَاذِبِينَ متعمدين كانوا أم غير متعمدين»؟! ¬

_ (¬1) و (¬2) " البداية والنهاية ": 8/ 111. (¬3) " البداية والنهاية ": 8/ 113.

5 - وزعم أَبُو رَيَّةَ أنه كان أكولاً نهماً يطعم كل يوم في بيت النَّبِيِّ أو في بيت أحد أصحابه حتى كان بعضهم ينفر منه! .. وهذا افتراء آخر على التاريخ وتشويه لوجه الحق .. أما أنه كان أكولاً، فهذا لم ترد به رواية صحيحة محترمة، وعلى فرض ورودها فإن ذلك لا يضير أبا هريرة في عدالته وصدقه ومكانتة، وما كانت كثرة الأكل في مذهب من المذاهب ولا في شريعة من الشرائع مسقطة للعدالة، داعية للجرح، وما حمل أَبَا رَيَّةَ على سلوك هذا المركب الخشن إلا حقده، وسوء أدبه مع صحابي جليل من صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأما أنه كان يطعم كل يوم في بيت النَّبِيِّ أو في بيت أحد أصحابه، فهذا هو ما ذكرناه قبلاً من أنه لزم النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ملء بطنه مقتنعاً بأكله في سبيل حفظه لحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونقله لأخباره. وَقَدْ قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ عَنْ كَثْرَةِ أَحَادِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ -: «وَاللَّهِ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا لَمْ نَسْمَعْ وَعَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ، إِنَّا كُنَّا قَوْمًا أَغْنِيَاءَ وَلَنَا بُيُوتَاتٌ وَأَهْلُونَ، وَكُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ ثُمَّ نَرْجِعُ، وَكَانَ هُوَ مِسْكِينًا لاَ مَالَ لَهُ وَلاَ أَهْلَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، فَمَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ وَسَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ» (¬1). فهذا هو الحق ولكن أَبَا رَيَّةَ أبى له تحقيقه العلمي الذي لم ينسج على منواله أحدٌ إلا أن يجعل هذه الفضيلة منقصة فيجعل أبا هريرة كالشحاذ الذي يقف على أبواب البيوت فيرده هذا ويقبله ذاك - وقاتل الله الكَذَّابِينَ متعمِّدين أو غير متعمِّدين - ثم زاد بأن النَّبِيّنصحه فقال له: «زُرْ غباً تزدَدْ حُبّاً» لئلا يكثر غشيان بيوت الناس، وهذا افتراء قبيح يرده ما ذكره أَبُو رَيَّةَ نفسه من أن النَّبِيَّ قال له ذلك بعد أن سأله أين كنت أمس، فأجابه أبوهريرة بقوله: «زرتُ أناساً من (أهلي)» فأين ما زعم أن النَّبِيَّ قال له ذلك لكثرة غشيانه بيوت الناس؟ ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": 8/ 109. وقال الحافظ ابن حجر: «رواه البخاري في " التاريخ " وأبو يعلى بإسناد حسن» (" فتح الباري ": 7/ 61).

على أن الحديث لم يصح سَنَدُهُ إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإليك ما قاله الحافظ السخاوي: قال العقيلي: هذا الحديث إنما يعرف بطلحة، وقد تابعه قوم نحوه في الضعف، وإنما يروي هذا عطاء بن عبيد بن عمير من قوله. اهـ، يشير إلى ما رواه ابن حبان في " صحيحه " عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد: " قد آن لك أن تزورنا "، فقال: " أقول لك يا أمَّه كما قال الأول: زُرْ غباً تزدد حبّاً "، فقالت: " دعونا من بطالتكم هذه " .. ثم قال السخاوي: والحديث مروي أيضاًً عن أنس وجابر وحبيب بن مسلمة وابن عباس وابن عمر وعلي ومعاوية بن حيدة وأبي الدرداء وأبي ذر وعائشة وآخرين، حتى قال ابن طاهر: إن ابن عدي أورده في أربعة عشر موضعاً من " كامله "، وعلَّلَهَا كلها، وبمجموعها يتقوى الحديث وإن قال البزار: إنه ليس فيه حديث صحيح، فهو لا ينافي ما قلناه (أي من أنه ورد من طرق ضعيفة يُقَوِّي بعضها بعضاً (¬1). فالحديث كما ترى فيه مقال: وعلى فرض ثبوته، فلم يثبت أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاله لأبي هريرة خاصة، بل رُوِيَ عن أكثر من عشرة من الصحابة لا يستطيع أَبُو رَيَّةَ أن يَدَّعِي أنهم كلهم كانوا ثقلاء يغشون بيوت الناس فنصحهم النَّبِيّبذلك وَأَدَّبَهُمْ!! .. وأما ما زعمه أَبُو رَيَّةَ من أن بعضهم كان ينفر منه فهذا هو الكذب الصريح المتعمد، ونحن نَتَحدَّاهُ أن يأتينا برواية صحيحة معتمدة تثبت هذا، بل كان أبو هريرة مَحْبُوبًا عند جميع المُسْلِمِينَ استجاب الله فيه دعاء رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما رُوِيَ ذلك في "البخاري " وغيره من كُتُبِ السُنَّةِ. 6 - ثم ذكر أَبُو رَيَّةَ أن أبا هريرة كان يستقرىء الرجل الاَية وهي معه كي ينقلب به فيطعمه، وكان يفعل ذلك مع جعفر بن أبي طالب ومن أجل ذلك جعل أبو هريرة جعفر بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر وعلي وعثمان وغيرهم من كبار الصحابة (¬2) وفي هذا عديد من الافتراء والكذب والتضليل، أما قوله: ¬

_ (¬1) " المقاصد الحسنة ": ص 232. (¬2) ص 155.

إن أبا هريرة كان يستقرئ الرجل الآية وهي معه فهذا نص ما جاء في " صحيح البخاري " وهو كلام يريد منه أبو هريرة غير ما يُفْهَمُ من ظاهره، فإنه يقول: «لأَسْتَقْرِي الرَّجُلَ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ الْقِرَى فَيَظُنُّ أَنِّي أَطْلُبُ مِنْهُ الْقِرَاءَةَ»، كذلك فسر الحافظ ابن حجر كلام أبي هريرة ثم قال: «وَوَقَعَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لأَبِي نُعَيْمٍ فِي " الحِلْيَةِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ وَجَدَ عُمَرَ فَقَالَ: " أَقْرِينِي " فَظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فَأَخَذَ يُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُطْعِمْهُ قَالَ: " وَإِنَّمَا أَرَدْتُ مِنْهُ الطَّعَامَ "» (¬1). وأما مدحه لجعفر بن أبي طالب، فذلك أنه كان إذا سأله القرى أو القراءة لا يجيبه حتى يذهب به إلى بيته، يقول أبو هريرة: «كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا العُكَّةَ (ظرف السمن) الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا» (رواه البخاري) ومن أجل ذلك يقول عنه أبو هريرة: «إِنَّهُ كَانَ خَيْرَ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ»، وهذا حق، فإن كرم جعفر وسخاءه وحبه للمساكين كان مشهوراً معلوماً للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحابته حتى كان النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكنِّيه بأبي المساكين (¬2). فهل يُلامُ أبو هريرة على مدحه لجعفر بعد أن كَنَّاهُ النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبي المساكين؟. وعلى هذا المعنى يحمل ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلاَ رَكِبَ المَطَايَا وَلاَ وَطِىءَ التُّرَابَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ». فإنه في صدد الذين يحبون الفقراء ويعطفون على المساكين، لا في صدد التفضيل بين صحابة رسول الله على الإطلاق حتى يدعي أَبُو رَيَّةَ أن أبا هريرة جعله أفضل من أبي بكر وعمر وسائر الصحابة؟ ومتى كانت لأَبِي رَيَّةَ هذه الغيرة على صحابة رسول الله وهو الذي رماهم في كتابه بما رماهم به بعضهم بالغفلة، وبعضهم بالكذب، وبعضم بالممالاة على الباطل؟!. ويؤيد ما قلناه من أن أبا هريرة لا يريد الإطلاق ما قاله الحافظ ابن حجر بعد ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": 7/ 61. (¬2) " فتح الباري ": 7/ 62.

أن ذكر قول أبي هريرة في جعفر: «إِنَّهُ كَانَ خَيْرَ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ». وهذا التقييد (للمساكين) يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة وقال: «مَا احْتَذَى النِّعَالَ» (¬1). إلخ 7 - ثم نقل أَبُو رَيَّةَ عن الثعالبي وبديع الزمان الهمذاني ما قيل في طعام يقال له: " المُضَيْرَةَ " وأن أبا هريرة كان يحبها حتى كان يُسَمَّى (شيخ المضيرة) واستشهد بعد ذلك بكلام لِعَبْدِ الحُسَيْن شَرَفَ الدِّين في أبي هريرة من أنه قال: «عَلِيٌّ أَعْلَمُ، وَمُعَاوِيَةُ أَدْسَمُ، وَالجَبَلُ أَسْلَمُ» (¬2). لم يحظر الله في كتابه ولا في سُنَّةِ رسوله، ولا في قواعد شريعته أن يحب الإنسان نوعاً معيناً من أطايب الطعام، وقد كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب الدباء، ويحب من اللحم ذراع الشاة، ويحب الثريد، وهو سيد الرسل وأكرم الزهاد، وأفضل من يُقْتَدَى به، ولم يعرف الإسلام رهبانية البطون، كما لم يعرف رهبانية الفروج، فأي طعن في أبي هريرة، وأي حرج يناله في دينه أو كرامته أو عدالته إذا أحب لوناً دسماً من أنواع الطعام؟ أما إنه كان يأكل المضيرة عند معاوية ويصلي وراء عَلِيٍّ ويقول ما قال، فذلك مِمَّا ترويه كتب الشيعة وكتب الأدب التي لا تُعْنَى بصحة الأخبار كالثعالبي والهمذاني. والثابت عندنا أنه لم يشترك في الفتنة بين عَلِيٍّ ومعاوية، وقد طَهَّرَ الله منها سيفه وصفحة تاريخه، كما طَهَّرَ منها كثيراً من الصحابة وعلمائهم وَعُبَّادِهِمْ. ولا يطعن في أبي هريرة بهذا إلا الذين اشتدوا في التعصب لمذهبهم، وَأَبُو رَيَّةَ لا يعلن عن نفسه أنه شيعي، فلماذا ينقم على أبي هريرة صنيعه ذاك - إِذَا صَحَّ - كما تنقم عليه الشيعة؟! .. ¬

_ (¬1) " فتح الباري ": 7/ 62. (¬2) ص 156 - 157.

وَأَيًّا ما كان فإن تجريح صحابي جليل كأبي هريرة بمجرد أخبار تروى للنكتة والتظرف في مجالس الأدب ليس من شأن أهل الحلم والإنصاف، إلا أن يكون ذلك من أسلوب التحقيق العلمي الذي لم ينسج أحد على منواله! 8 - ثم نقل أَبُو رَيَّةَ عن " الحلية " لأبي نعيم أن أبا هريرة كان يطوف بالبيت وهو يقول: «وَيْلٌ لِي مِنْ بَطْنِي، إِذَا أَشْبَعْتُهُ كَظَّنِي، وَإِنَّ أَجَعْتُهُ سَبَّنِي أَوْ أَضْعَفَنِي» (¬1). أبو نعيم من كبار الحفاظ في عصره بلا شك، ولكنه لم يلتزم في كتابه " حلية الأولياء " ذكر الروايات الصحيحة، وكم ذكر فيه من موضوع وتالف وضعيف نَبَّهَ العلماء على ضعفه، ومنه هذا الأثر عن أبي هريرة فإن راويه فرقد السبخي وهو لم يدرك أبا هريرة. وأيضاًً فقد كان غير ثقة. وعلى فرض صحة الأثر عن أبي هريرة فأي شيء فيه؟ ألم يقل ما هو حق في كل بطن؟ إن البطن إذا شبع بطر الإنسان، وإذا جاع ضعف وخوى ... أليس كذلك بطن أَبِي رَيَّةَ أيضاًً؟ أم يزعم أن بطنه على الحالين - في الشبع والجوع - على اطمئنان ورضى وهدوء؟ 9 - ونقل عن " الحلية " أيضاًً أن أبا هريرة كان في سَفَرٍ، فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي، فقال: إني صائم، فلما كادوا يفرغون، جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم، فقال: ما تنظرون؟ قد واللْه أخبرنا أنه صائم، فقال أبو هريرة: صدق، إني سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «صَوْمُ رَمَضَانَ، وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ وَقَدْ صُمْتُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَأَنَا مُفْطِرٌ فِي تَخْفِيفِ اللهِ، صَائِمٌ فِي تَضْعِيفِ اللهِ» (¬2). ولعمري لقد سمح أَبُو رَيَّةَ في تتبع مثالب أبي هريرة حتى لم يعد يدرك مواطن الظرف والمرح والمزاح في أحاديثه، وهل هذه الحادثة إلا دليل على ما كان يَتَحَلَّى به من روح مرحة ودعابة لطيفة جعلته مُحَبَّبًا إلى قلب كل مؤمن؟ ¬

_ (¬1) ص 157، والعبارة المذكورة هي في: 1/ 382 من "الحلية ". (¬2) ص 158 نقلاً عن "البداية والنهاية ": 8/ 112.

سابعا: مزاحه وهذره:

أي شيء يجرح دين أبي هريرة وعدالته وكرامته في هذه الحادثة؟ أي معصية ارتكبها أبو هريرة هنا حتى يشنع عليه أَبُو رَيَّةَ فيها؟ لعل كل جريمة أبي هريرة فيها أنه كان خفيف الروح حلو الدعابة مِمَّا لم ينسجم فيه مع أَبِي رَيَّةَ روحاً ودعابة! ولله في خلقه شؤون! هذا وقد أخرج الإمام أحمد في " مسنده " أن أبا ذر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قد وقعت له مثل هذه الحادثة تماماً، وأخشى أن يتحول أَبُو رَيَّةَ بعد أطلاعه على هذا فَيَشْتُمَ أبا ذر - كما شتم أبا هريرة! .. 10 - ثم نقل أَبُو رَيَّةَ عن " خاص الخاص " للثعالبي قول أبي هريرة: «ما شممت رائحة أطيب من رائحة الخبز وما رأيت فارساً أحسن من زبد على تمر» (¬1). لنفرض أن الثعالبي حُجَّةٌ فيما يروي، ولنفرض أنه روى هذا الخبر بسند صحيح، متصل إلى أبي هريرة، فاي شيء يجرح أبا هريرة في هذا؟ وأي شيء يغض من قدره عند العقلاء والفضلاء؟ إنه دعابة من دعاباته، ومرح لطيف من مرحه الذي اعتاده، ولعمري لو سمعت إنساناً - مهما بلغ في علو الشأن - يقول هذا لاستحسنته وطربت له، فيا شيخ أَبُو رَيَّةَ إذا كان الله قد أنعم على انسان بخفة الدم، وحلاوة العبارة، وجمال النكتة، لماذا لا يتضايق منه إلا الثقلاء؟!. 11 - ثم نقل عن العسجدي كلاماً في حق أبي هريرة بمناسبة الحديث المنسوب إليه «زُرْ غباً تزدَدْ حُبّاً»، ما تجد الرد عليه فيما تكلمنا عنه حول هذا الحديث ومن العسجدي وأمثاله حتى يحتج بهم على أبي هريرة وتقبل شهادتهم فيه؟! سَابِعًا: مُزَاحُهُ وَهَذَرُهُ: زعم أَبُو رَيَّةَ أن المُؤَرِّخِينَ أجمعوا على أن أبا هريرة كان رجلاً مزاحاً مهذاراً، ثم شرح معنى الهذر بأنه الكلام الكثير الرديء الساقط. أما دعواه الإجماع بأنه كان مهذاراً، فهذا افتراء على الله وعلى أبي هريرة وعلى المُؤَرِّخِينَ والتاريخ. ¬

_ (¬1) ص: 158.

إن أحداً قط لم يصف أبا هريرة بأنه مهذار، ونحن نَتَحَدَّاهُ بأن يأتينا برواية صحيحة في هذا الشأن. وما زعمه من أن عائشة وصفت أبا هريرة بذلك في قضية «المهراس» فقد قدمنا الكلام عليه في مناقشتنا لأحمد أمين (¬1) ومنه يَتَبَيَّنُ أن عائشة لم تَرُدَّ على أبي هريرة في قضية المهراس فضلاً عن أن تصفه بالمهذار، وإنما الذي - رَدَّ عليه هو قين الأشجعي من أصحاب عبد الله بن مسعود، ومع ذلك فلم يَرِدْ على لسانه بأنه مهذار!. وعلى فرض صحة هذا النقل عن عائشة - وهذا ما نَتَحَدَّى أَبَا رَيَّةَ بإثباته - فإنه شاهد واحد فكيف ادَّعَى أن المُؤَرِّخِينَ جميعاً أجمعوا على وصفه بالهذر، هل عائشة من المُؤَرِّخِينَ؟ وهل هي جميع المُؤَرِّخِينَ؟ قل يا أَبَا رَيَّةَ وأنت الذي قلتَ في كتابك: «لعنة الله على الكَاذِبِينَ متعمِّدين أو غير متعمِّدين»؟ هذا وما نزال نَتَحَدَّاكَ بأن تأتينا بصحابي أو تابعي أو مُؤَرِّخٍ موثوق وصف أبا هريرة بالهذر، وإلا فأنت من الكَاذِبِينَ الذين يستهينون بعقول الناس! وأما مزاحه فهذا مِمَّا عرف به، وهو خُلُقٌ أكرمه الله به وَحَبَّبَهُ به إلى الناس جميعاً. وما كان المزاح في دين الله مكروهاً، وإلا كانت الثقالة وغلاظة الحس والروح أمراً محبوباً في الإسلام، وحاشا لله ولرسوله أن يستحبا ذلك وقد قال الله لرسوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (¬2). وما كان المزاح خُلُقاً معيباً عند كرام الناس، وقد كان رسول الله يمازح أصحابه، وكان الصحابة يمزحون، وكان فيهم مشهورون بالمزاح البريء في حدود الشريعة والأخلاق، ومنهم أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. كان في إمارته على المدينة خلفاً لمروان يركب الحمار ويقول: «خَلُّوا الطَرِيقَ لِلأَمِيرِ»! .. فيا ما أحلاه من دعابة ومُزَاحٍ! .. ¬

_ (¬1) انظر ص 302 من هذا الكتاب. (¬2) [سورة آل عمران، الآية: 159].

وكان يحمل حزمة الحطب على كتفه ويدخل السوق ويقول: «خَلُّوا الطَرِيقَ لِلأَمِيرِ»! .. فيا لروعة العظمة في تواضعها! .. ويا لغشاوة أبصار الحاقدين الذين لم يروها! .. وكان يُدْعَى إلى الطعام فيقول: «إِنِّي صَائِمٌ»، فإذا بدأوا الأكل أكل معهم وهو يقول: «أَنَا صَائِمٌ فِي تَضْعِيفِ اللهِ، مُفْطِرٌ فِي تَخْفِيفِ اللهِ» ... يا ما أُحَيْلَى هذا المزاح، وهذه الدعابة، وهذه الشخصية السمحة الكريمة! .. ويدعو بعض الناس إلى عشائه بالليل وهو أمير، ويقول له: «دَعْ العُرَاقَ لِلأَمِيرِ» (يوهمه أنه يقدم له لحماً) فينظر الضيف، فإذا هو ثريد بالزيت! .. ويجيئه شاب فيقول له: إني أصبحت صائماً فدخلت على أبي فجاءني بخبز ولحم فاكلت ناسياً، فيجيبه أبو هريرة: «أطعمكها الله لا عليك»، فيقول الشاب متابعاً: ثم دخلت داراً لأهلي فجيء بلبن لقحةٍ فشربته ناسياً، فيقول له أبو هريرة: «لا عليك»، فيتابع الشاب: ثم نمت فاستيقظت فشربت ماءً وجامعت ناسياً .. فيقول له الشيخ المطبوع على المزاح المحبوب: «إنك يا ابن أخي لم تعتد الصيام!». أي إنسان في الدنيا يرى في هذا المزاح مهانة إلا أن يكون من الأفظاظ الثقلاء!! .. هذا هو مزاح أبي هريرة الذي أجمع عليه المُؤَرِّخُونَ، كما قال أَبُو رَيَّةَ، ولكنه فاته شيء واحد خالفهم فيه جميعاً، وهو مع أنهم أجمعوا على مزاحه، أجمعوا أيضاًً على أنه مع مزاحه هذا كان - كما قال ابن كثير، - وهو الذي روى نكاته ومزاحه - «[وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،] مِنَ الصِّدْقِ وَالْحِفْظِ وَالدِّيَانَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ» (¬1) فلماذا خالف أَبُو رَيَّةَ إجماعهم هذا بعد أن حكى إجماعم على ذاك؟! أيريد أن يدخل تحت قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (¬2)؟! وبعد فلقد أخرج البخاري في " الأدب المفرد " عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُزَنِي ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": 8/ 110. (¬2) [سورة النساء، الآية: 115].

قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَبَادَحُونَ بالبَّطِيخ (يترامون به)، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ» (¬1). ولعمري لقد كان أبو هريرة كذلك، ولو أن أَبَا رَيَّةَ رأى في بعض الروايات أن أبا هريرة تبادح بالبطيخ مع بعض الرجال والشباب. ماذا كان يقول أَبُو رَيَّةَ (الوقور) عن هذا المَزَّاحِ (المهذار)؟ ْوأخرج البخاري في " الأدب المفرد " أيضأً عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مُتَحَزِّقِينَ]، وَلاَ مُتَمَاوِتِينَ، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَيَذْكُرُونَ أَمْرَ جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَإِذَا أُرِيدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، دَارَتْ حَمَالِيقُ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ» (¬2). وأخرج البخاري أيضاًً في " الأدب المفرد " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الإِفْرِيقِيِّ قَالَ: «حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُمْ كَانُوا غُزَاةً فِي الْبَحْرِ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فَانْضَمَّ مَرْكَبُنَا إِلَى مَرْكَبِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا حَضَرَ غَدَاؤُنَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِ، فَأَتَانَا فَقَالَ: دَعَوْتُمُونِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنْ أَنْ أُجِيبَكُمْ، لأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ سِتَّ خِصَالٍ وَاجِبَةٍ، إِنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا فَقَدْ تَرَكَ حَقًّا وَاجِبًا لِأَخِيهِ عَلَيْهِ: يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ، وَيَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَحْضُرُهُ إِذَا مَاتَ، وَيَنْصَحُهُ إِذَا اسْتَنْصَحَهُ "، قَالَ: وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مَزَّاحٌ يَقُولُ لِرَجُلٍ أَصَابَ طَعَامَنَا: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَبِرًّا، فَغَضِبَ عَلَيْهِ حِينَ أَكْثَرَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِأَبِي أَيُّوبَ: مَا تَرَى فِي رَجُلٍ إِذَا قُلْتُ لَهُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَبِرًّا، غَضِبَ وَشَتَمَنِي؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: إِنَّا كُنَّا نَقُولُ: إِنَّ مَنْ لَمْ يُصْلِحْهُ الْخَيْرُ أَصْلَحْهُ الشَّرُّ، فَاقْلِبْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ حِينَ أَتَاهُ: جَزَاكَ اللَّهُ شَرًّا وَعَرًّا، فَضَحِكَ وَرَضِيَ وَقَالَ: مَا تَدَعُ مُزَاحَكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: جَزَى اللَّهُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ خَيْرًا» (¬3). ¬

_ (¬1) ص 77. (¬2) ص 146. (¬3) ص 237، 238.

ثامنا - التهكم به:

هكذا كان صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمن أنكر على أبي هريرة مزاحه فقد أنكر أمراً من الدين مباحاً، وَخُلُقًا لدى الكرام محبوباً. ثَامِنًا - التَّهَكُّمُ بِهِ: قال أَبُو رَيَّةَ (¬1): «ولقد كانوا يتهكمون برواياته وَيَتَنَدَّرُونَ عليها لما تفنن فيها وأكثر منها، فعن أبي رافع: أن رجلاً من قريش أتى أبا هريرة في حلة وهو يتبختر فيها، فقال: " يا أبا هريرة! إنك تكثر الحديث عن رسول الله فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئا؟ " فقال: " سمعت أبا القاسم يقول: " إن رجلاً من كان قبلكم بينما هو يتبختر في حلة إذ خسف الله به الأرض فهو يجلجل فيها حتى تقوم الساعة، فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك "، (وأسند أَبُو رَيَّةَ هذا الخبر إلى ابن كثير) ثم قال: (ويبدو) من سؤال هذا الرجل أنه لم يكن مستفهماً، وإنما كان متهكماً إذ لم يقل له: إنك تحفظ أحاديث رسول الله، وإنما قال: تكثر الحديث عن رسول الله، (وسياق) الحكاية يدل كذلك على أنه كان يهزأ به ويسخر منه». ها هنا أمور: أولاً - إن السائل لم يكن من الصحابة، ولا من التَّابِعِينَ الذين أخذوا الشريعة واَدابها عن صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما كان فتى من شباب قريش العابثين، ومثل هذا لا ينتظر منه أن يعلم قدر أبي هريرة أو يؤخذ عنه التقدير الصحيح لفضل أبي هريرة وعلمه. ثانياً - أنه كان فتى عابثاً مترفاً يلبس حلة غالية يتبختر فيها فشاء له ترفه وعبثه أن يقول لأبي هريرة: هل تحفظ شيئاً في حلتي هذه؟ فذكر له حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ ... إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ» ... الخ، وتقول بعض الروايات (¬2): إن الفتى العابث المغرور قال له: أهكذا ¬

_ (¬1) ص: 161. (¬2) وهي رواية الدارمي في " سُننه ": 1/ 116 طبع دمشق.

تاسعا - كثرة أحاديثه:

كان يمشي ذلك الفتى الذي خسف به؟ ثم ضرب بيده فعثر عثرة كاد يتكسر منها. فقال أبوهريرة: للمنخرين وللفم: «{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}» (¬1). فتكون هذه كرامة من الله لأبي هريرة إذ انتقم له من هذا الفتى الماجن العابث! ثالثاً - إن تهكم فتى عابث برجل من حملة العلم، أمر يقع في كل زمان، وقد وقع للعلماء والصالحين والأنبياء - كما قص الله علينا في كتابه الكريم - فمتى كان مثل هذا التهكم من السفهاء بالأنبياء دليلاً على مهانتهم وحقارتهم؟ وحاشاهم من ذاك. رابعاً - إن هذه الحادثة حادثة فردية لم يعثر «أَبُو رَيَّةَ» على مثيل لها، ولو عثر لما قَصَّرَ في إثباتها، فكيف جاز له أن يعمِّمَ فيقول: «ولقد كانوا يتهكمون ... الخ» إن لفظ «كَانُوا» يدل على الأمر الشائع التكرر في الجماعة ولا يطلق إلا على ذلك، فهل تدل هذه الحادثة التي وقعت من فتى ماجنٍ على أن الصحابة والتَّابِعِينَ وهم حملة العلم والدين في عصر أبي هريرة «كَانُوا» يتهكمون بروايات أبي هريرة؟؟ ها هنا يفتضح «أَبُو رَيَّةَ» مَرَّةً أخرى عن رجل صاحب هوى يفتش عن شبهة يعلق بها ليؤكد باطله، لا عن «بَاحِثٍ» علمي يسعى وراء الحقيقة بكل تجرد وإخلاص. إن المرء حيث يضع نفسه، وقد شاء «أَبُو رَيَّةَ»، بهذا «التحقيق العلمي الذي لم ينسج أحد من قبل على منواله!» أن يضع نفسه مع الكَذَّابِينَ وَالمُفْتَرِينَ من أهل الريب والأهواء، فليكن له ما أراد ... أما أبو هريرة فقد بَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا رماه به هذا المُحَقِّقُ العلمي الذي لم يسبقه أحد إلى هذا التحقيق! .. تَاسِعًا - كَثْرَةُ أَحَادِيثِهِ: انتقد أَبُو رَيَّةَ على أبي هريرة كثرة أحاديثه التي بلغت على ما جاء في " مسند بقي بن مخلد " 5374 - مع أن طرقها إلى أبي هريرة ليس كلها محل التسليم عند علماء الحديث - واستغرب ذلك أَبُو رَيَّةَ مع أن أبا هريرة لم يصحب النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا ثلاث سنين. ¬

_ (¬1) [سورة الحجر، الآية: 95].

وقد قدمنا فيما مضى سبب ذلك ونزيد هنا ما رواه ابن كثير أن مروان بن الحكم قال لأبي هريرة مغضباً حين نازعه في دفن الحسن مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا إِنَّك أَكْثَرْتَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الحديث (*)، " وَإِنَّمَا قَدِمْتَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَسِيرٍ "، فقال أبوهريرة: " نَعَمْ! قَدِمْتُ وَرَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ زِدْتُ عَلَى الثَّلاَثِينَ سَنَةً، سَنَوَاتٍ، وَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، أَدُورُ مَعَهُ فِي بُيُوتِ نِسَائِهِ وَأَخْدِمُهُ، وَأَنَا وَاللهِ يَوْمَئِذٍ مُقِلٌّ، وَأُصَلِّي خَلْفَهُ، وَأَحُجُّ وَأَغْزُو مَعَهُ، فَكُنْتُ وَاللَّهِ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِهِ، قَدْ وَاللَّهِ سَبَقَنِي قَوْمٌ بِصُحْبَتِهِ وَالهِجْرَةِ إِلَيْهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ لَزَوَمِي لَهُ فَيَسْأَلُونِي عَنْ حَدِيثِهِ، مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَلاَ وَاللَّهِ مَا يَخْفَىَ عَلَيَّ كُلُّ حَدِيثٍ كَانَ بِالمَدِيْنَةِ، وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، وَكُلُّ صَاحِبٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٌ صَاحِبَهُ فِي الغَارِ، وَغَيُّرُهُ قَدْ أَخْرَجَهُ رَسُولُ الْلَّهِ أَنْ يُسَاكِنَهُ (¬1) - يُعَرِّضُ بِأَبِي مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ " - ثُمَّ قَالَ أَبُوْ هُرَيْرَةَ: " لَيَسْأَلْنِيْ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ (كُنْيَةَ مَرْوَانَ) عَنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمًا جَمًّا وَمَقَالاً "، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَ مَرْوَانُ يُقَصِّرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَتَّقِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَخَافُهُ وَيَخَافُ جَوَابَهُ». وفي رواية أن أبا هريرة قال لمروان: «إِنِّي أَسْلَمْتُ وَهَاجَرْتُ اخْتِيَارًا وَطَوْعًا، وَأَحْبَبْتُ رَسُولَ اللَّهِ حُبًّا شَدِيدًا، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الدَّارِ وَمَوْضِعَ الدَّعْوَةِ، أَخْرِجْتُمْ الدَّاعِي مِنْ أَرْضِهِ، وآذَيْتُمُوهُ وَأَصْحَابَهُ، وَتَأَخَّرَ إِسْلاَمَكُمْ عَنْ إِسْلاَمِيِ فِي الوَقْتِ المَكْرُوْهِ إِلَيْكُمْ»، فَنَدِمَ مَرْوَانُ عَلَىَ كَلاَمِهِ لَهُ وَاتَّقَاهُ -. اهـ (¬2). ولا شك في أن التفرغ للشيء، المهتم به، المتتبع له، يجتمع له من أخباره والعلم به في أمد قليل، ما لا يجتمع لمن لم يكن كذلك، ونحن نعلم من أحوال بعض التلاميذ مع أساتيذهم ما يجعل بعضهم - على تأخره في التلمذة والصحبة - مصدراً موثوقاً لكل أخبار أستاذه ما دق منها وما جل، وقد يخفى من ذلك على ¬

_ (¬1) أي كراهية أن يساكنه ويكون معه في المدينة. (¬2) " البداية والنهاية ": 8/ 108. ----------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [انظر الصفحة 313 من هذا الكتاب].

كبار تلاميذه وقدمائهم ما لا يشكون معه في صدق ما يُحَدِّثُهُمْ به متأخرهم صحبة وتلمذة. فأي غرابة في هذا الوضوع؟ المُهِمُّ عندنا هو الصدق، وصدق أبي هريرة لم يكن محل شك عند إخوانه من الصحابة ولا عند معاصريه وتلاميذه من التَّابِعِينَ، هذا هو حكم التاريخ الصحيح الصادق، وكل ما يحكيه أَبُو رَيَّةَ من تكذيب بعض الصحابة أو شَكِّهِمْ فِي (صِدْقِهِ) فَكَذِبٌ مَفْضُوحٌ مُسْتَقًى من كتب يستحي طالب العلم أَنْ يَدَّعِي أنها «مصادر علمية» فكيف بمن يَدَّعِي أنها لا يرقى إليها الشك ولا يتطرق إليها الوهن؟ وإليك كشف الستار بإيجاز عن حقيقة ما زعمه في ذلك (¬1). 1 - زعم أن عمر ضربه بِالدِّرَّةِ وقال له: «أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وَأحْرِ بِكَ أن تكون كاذباً على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». ونحن نَتَحدَّاهُ أَنْ يُثْبِتَ هذا الخبر من كتاب علمي محترم إلا أن يكون من تلك الكتب الأدبية الي تروي التالف والساقط من الأخبار، أوتلك الكتب الشيعية التي عرفت ببغض أبي هريرة والافتراء عليه، وليس لهذه الكتب قيمة علمية عند من يشم رائحة العلم. على أنه كثير الإحالة إلى الكتب التي ينقل عنها - ولو كانت نقوله مُحَرَّفَةً كما يتأكد ذلك لمن يطالع كتابه - ومع ذلك فهذا الخبر لم يسنده إلى كتاب (¬2) فلماذا؟ 2 - وزعم أن عمر تَهَدَّدَهُ بالنفي إلى بلاده أو إلى أرض القردة إن استمر يُحَدِّثُ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وزعم أن ذلك منقول عن ابن عساكر وابن كثير. ¬

_ (¬1) لقد اشتدت بنا العلة أثناء كتابة هذا البحث من حيث اشتد إلحاح الناشر في إرسال هذا البحث لإتمام طبع الكتاب فلم نر بُداً من الإيجاز على أن نفرد لأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كتاباً مستقلاً نتعقب فيه ونمحص أقاويل هؤلاء الطاعنين ونبين تهافتها وتجرُّدها من القيمة العلمية إن شاء الله. (¬2) يظهر أنه منقول عن الإسكافي كما نقله ابن أبي الحديد في "شرحه لنهج البلاغة " 1/ 360 وكفى بهما حُجة عند أَبِي رَيَّةَ.

أما نَهْيُ عمر عن التحديث، فلم يكن خَاصًّاً بأبي هريرة، ولم يثبت أنه هَدَّدَهُ بالنفي إلى بلاده لأن ذلك - في ذلك العصر- غير جائز، وقد حكينا صنيع عمر ورأيه في كتابة الحديث وروايته في صدر هذا الكتاب. وأما قول عمر لأبي هريرة: «لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ». فذلك دَسٌّ من أَبِي رَيَّةَ وعبارة ابن كثير: وقال - عمر- لكعب الأحبار: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ (عَنْ الأُوَلِ) أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ» (¬1) فهو تهديد من عمر لكعب الأحبار ترك الحديث عن بني إسرائيل وأخبارهم لا تهديد لأبي هريرة بترك الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. على أن ابن كثير بعد أن ذكر نَهْيَ عمر لأبي هريرة عن التحديث قال: «وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْ عُمَرَ عَلَىَ أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ الأَحَادِيْثِ التِي قَدْ تَضَعُهَا النَّاسُ عَلَىَ غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ عَلَىَ مَا فِيهَا مِنْ أَحَادِيثِ الرُّخَصِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَكْثَرَ مِنَ الحَدِيثِ رُبَّمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِهِ بَعْضُ الغَلَطِ أَوِ الخَطَإِ فَيَحْمِلُهَا النَّاسُ عَنْهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ أَنَّ عُمَرَ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي التَّحْدِيثِ»، وذكر ابن الأثير بعد ذلك ما يؤيد هذا (¬2). فهذا هو حقيقة موقف عمر لا كما شَوَّهَهُ «المُحَقِّقُ العِلْمِيُّ» أَبُو رَيَّةَ!. 3 - وزعم أَبُو رَيَّةَ أن الصحابة اتهموا أبا هريرة بالكذب وأنكروا عليه وَمِمَّنْ أنكر عليه عائشة، وَمِمَّنْ كَذَّبَهُ أبو بكر وعمر وعثمان وعَلِيٌّ ... ثم زعم أَبُو رَيَّةَ أن قائل هذا القول هو ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " (¬3). وقد كَذَبَ أَبُو رَيَّةَ في نسبة هذا القول الفظيع إلى ابن قتيبة، وإنما يحكيه ابن قتيبة عن النظام وأمثاله ثم يَكُرُّ عليهم بالرد والتفنيد ويدافع عن أبي هريرة دفاعاً مجيداً. ومن حسن الحظ أن أَبَا رَيَّةَ ليس وحده الذي ينفرد بنسخة من كتاب " تأويل مختلف الحديث " حتى يستطيع أن يكذب على ابن قتيبة وينسب ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": 8/ 108. (¬2) ص 48. (¬3) ص 48.

إليه ما نسبه ابن قتيبة إلى النظام، ولكن الكتاب مطبوع متداول في أيدي العلماء، فهل تبلغ الجرأة بأحد مِمَّنْ ينتسب إلى العلم أن يكذب هذا الكتاب المفضوح ثم يزعم أنه جاء من التحقيق العلمي «ما لم ينسج أحد على منواله» وحقا إن أحداً لم يسبق أَبَا رَيَّةَ في مثل هذا الكذب وتحريف النصوص حتى المُسْتَشْرِقِينَ أنفسهم. فلا حول ولا قوة إلا بالله. إنا نَتَحَدَّاهُ وَنَتَحَدَّى كُلَّ مَنْ يَتَجَرَّأُ على أبي هريرة أن يثبت لنا نصاً تاريخياً موثوقاً بصحته أن أبا بكر أو عمر أو عثمان أو عَلِيّاً أو عائشة أو أحداً من الصحابة نسب إلى أبي هريرة الكذب في حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وستنقطع أعناق هؤلاء الحاقدين دُونَ العثور على نص من هذا القبيل ويأبى الله لهم ذلك. أما إن كانت النصوص من كتابٍ كـ "عيون الأخبار "، و"بدائع الزهور "، وَرُوَّاةٍ كابن أبي الحديد والاسكافي، ومتهمين كَالنَظَّامِ وأمثاله .. فهيهات أن يكون ميدان هذه الكتب وهؤلاء الرُوَاةِ وهؤلاء الطاعنين هو ميدان العلم والعلماء! .. إن عائشة كانت «تَسْتَغْرِبُ» من أبي هريرة بعض الأحاديث لأنها لم تعلم بها، فكان يجيبها أحياناً بأنها كانت تلازم البيت وتشتغل بالزينة بينما كان هو يدور مع رسول الله ويلازمه ويسمع حديثه، فلم يسعها إلا أن تعترف بذلك وتقول: «لَعَلَّهُ» وهذا أدب من أم الؤمنين واعتراف بالحق لأهله وفضيلة حُرِمَ مِنْهَا أَبُو رَيَّةَ وأمثاله. واعتراض عائشة على أبي هريرة بقضية «المهراس» حَقَّقْنَا القول في أنها ليست هي التي اعترضت، وإنما هو رجل يقال له: «قين الأشجعي» من أصحاب عبد الله بن مسعود. واعتراضها عليه في حديث صوم الجُنُبِ واعترافه بأنها أعلم بما كان من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في البيت مع نسائه فهذا هو أيضاً فضيلة لأبي هريرة حيث اعترف بالحق لأهله - وقد حُرِمَ هذه الفضيلة أَبُو رَيَّةَ - على أَنَّ أبا هريرة كان يروي حَدِيثًا فَبَيَّنَ أنه سمعه من صحابي آخر- وقد قدمنا القول في ذلك - وبقول أبي هريرة قال عدد من فقهاء التَّابِعِينَ وَالمُجْتَهِدِينَ رغم قول عائشة وَتَعَقُّبِهَا.

4 - ونقل أَبُو رَيَّةَ عن ابن كثير أن الزبير لما سمع أحاديثه قال: صدق، كذب. وأَبُو رَيَّةَ في هذا النقل صنع ما قص الله علينا من صنيع بعض أهل الكتاب الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض .. فابن [كثير] (*) نقل عن الزبير بعد قوله ذاك ما يلي: فَقَالَ عُرْوَةُ لأَبِيهِ الزُّبَيْرُ: «قُلْتُ: يَا أَبَهْ مَا قَوْلُكَ، صَدَقَ كَذَبَ؟ قال: (الزبير) «يَا بُنَيَّ! أَمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ أَشُكُّ، وَلَكِنَّ مِنْهَا مَا وَضَعَهُ عَلَى مَوَاضِعِهِ، وَمِنْهَا مَا وَضَعَهُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهِ» (¬1). فهلْ ترى الزبير هنا يُكَذِّبُ أبا هريرة كما يزعم أَبُو رَيَّةَ أم يعترف له بالصدق؟ وأما قول الزبير: «وَمِنْهَا مَا وَضَعَهُ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهِ»، أي يفهمه على غيرما ينبغي فهمه من وُجُوبٍ أَوْ إِبَاحَةٍ أَوْ نَدْبٍ، ولا حرج على أبي هريرة في هذا .. ولا مدخل منه للطعن في صدقه وأمانته لن يفهم الكلام العربي ... 5 - ونقل أَبُو رَيَّةَ أن ابن مسعود أنكر عليه قوله: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَقَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَنْجَسُوا مِنْ مَوْتَاكُمْ» .. ونقل ذلك عن ابن عبد البر في " جامع بيان العلم ". وهذا أيضاًً مِمَّا يدل على قِلَّةِ الأمانة العلمية عند هذا الرجل، وولعه بالتضليل وتغرير القارىء وقلب الحقائق له. إن ابن عبد البر في كتابه المذكور عقد فَصْلاً ذكر فيه ما خَطَّأَ فيه بعض العلماء بعضاً وما أنكر بعضهم على بعض من الفُتْيَا، وذكر في هذا الفصل رَدَّ أبي بكرعلى الصحابة حين خالفوه في قتال أهل الردة، وَرَدَّ عائشة على ابن عمر في قوله: «الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ [عَلَيْهِ]». وقالت: «وَهِمَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ»، وكذلك ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": 8/ 109. ----------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [ورد في المطبوع خَطَأً (ابن الأثير) وإنما هو (ابن كثير)]. وتكرر نفس الخطأ في طبعة دار الوراق.

رَدَّتْ عليه في عدد عُمْرَاتِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَدَّ ابن مسعود على أبي موسى وسلمان بن ربيعة في قضية من قضايا المواريث وهكذا، وفيما ذكر من ذلك، قال: وأنكر ابن مسعود على أبى هريرة قوله: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» الخ ... فأنت ترى أن أبا هريرة إنما يُفْتِى في المسالة وأن ابن مسعود يَرُدُّ عليه «قوله» لا «حديثه» فأين تكذيب ابن مسعود لأبي هريرة في الحديث؟ على أن عدداً من الفقهاء قال بقول أبي هريرة، فمنهم من أوجب، ومنهم من استحب. 6 - وقد ختم أَبُو رَيَّةَ «تحقيقه العلمي الفذّ»! .. بقوله: «ولا يستوفي ذكر انتقاد الصحابة له والشك في رواياته لأن كتابنا يضيق عن ذلك ... الخ». هذا من الكذب والبهتان .. فقد تَقَصَّى كل ما قيل عن أبي هريرة حتى من الكتب التي ليست لها قيمة علمية، فما الذي قصر به شأوه عن تتبع أبي هريرة هنا؟ على أنا نقول كلمة مجملة في موضوع رَدِّ بعض الصحابة على أبي هريرة: إن أبا هريرة كان يفتي بظاهر ما يعلمه من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير تأويل وكان بعض الصحابة يخالفونه فيما يفهم من ذلك الحديث فيردون عليه «فتواه» لا «حديثه» وهذا وقع كثيراً بين الصحابة بعضهم مع بعض، وَقَعَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وابن مسعود وابن عمر وأبي موسى وعائشة ومعاذ وغيرهم. يعلم ذلك من تتبع أخبارهم، وقد أفرد ابن عبد البر لذلك فَصْلاً في كتابه "جامع بيان العلم " كما ذكرنا وما زال أهل العلم يَرُدُّ بعضهم على بعض من غير أن يكون ذلك طَعْنًا من بعضهم في صدق بعض أو دينه أو أمانته. وقد ذكر ابن القيم في " إعلام الموقعين " وغيره كذلك أن أبا هريرة كان من المفتين من الصحابة وقد جمع بعضهم جزءاً كبيراً في فتاويه. 7 - وبعد أن افترى أَبُو رَيَّةَ ونقل المفتريات عن الصحابة في تكذيب أبي هريرة انتقل إلى رواية غير صحيحة عن أبي حنيفّة بأنه كان لا يأخذ بأحاديث أبي هريرة.

ونحن نجزم قطعاً بأن هذه الرواية عن أبي حنيفة غير صحيحة، فالفقه الحنفي المأثور عن أبي حنيفة نفسه مليء بالأحكام التي لا مستند لها من الأحاديث، إلا أحاديث أبي هريرة، وأما نقله عن فقهاء الحَنَفِيَّةِ بأنهم يعتبرون أبا هريرة غير فقيه، فهذا نقل رجل لم يَشُمَّ رائحة العلم والفقه، وقد حَقَّقْنَا القول في رَدِّنَا على أحمد أمين أن فقهاء الحَنَفِيَّةِ متفقون على فقاهته إلا مثل عيسى بن أبان ومن وافقه (¬1). 8 - وزعم أَبُو رَيَّةَ أن ما كان يفعله أبو هريرة - وكذلك كان يفعل غيره كأنس ومعاذ وعبد الله بن عمر - من روايتهم عن أكابر الصحابة ثم إسناد هذه الرواية إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن هذا تدليس من أبي هريرة ثم ساق أقوال علماء الحديث في التدليس والمُدَلِّسِينَ. وهذا لممري تدليس - بالمعنى اللغوي - قبيح من أَبِي رَيَّةَ! إن رواية الصحابي عن الصحابي وإسناده إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تسمى «تدليساً» وإنما تسمى «إِرْسَالاً» وبإجماع علماء الحديث إن مُرْسَلَ الصحابي مقبول لأن الصحابي لا يروي عن صحابي، والصحابة كلهم عدول، واحتمال أن يروي الصحابي عن تابعي غير وارد ولامعقول، ولذلك قبلوا بالإجماع ما رواه الصحابي عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو كان يرويه عن صحابي آخر. فَادِّعَاءُ أَبَي رَيَّةَ أن هذا تدليس وَنَقْلِهِ ما قاله العلماء عن التدليس وَالمُدَلِّسِينَ إنما هو التدليس بمعناه الصحيح، ولئن كان التدليس في علم الحديث بمعناه المصطلح عليه عندهم لاَ يُسْقِطُ صاحبه عن رتبة العدالة ولا الثقة، وكان من المُدَلِّسِينَ كبار أئمة الحديث، فإن تدليس أَبِي رَيَّةَ يسقطه عن رتبة «العُلَمَاءِ المُحَقِّقِينَ» وينتزع الثقة بفهمه بعد انتزاع الثقة بأمانتة .. وهكذا يتهافت المُبْطِلُ ويكثر عثاره .. وما نقله عن شُعْبَةَ نَصٌّ مُحَرَّفٌ في الطباعة ولا يمكن أن يكون أصله صحيحاً ¬

_ (¬1) لشمس الأئمة السرخسي بحث واف في هذا الموضوع يَتَبَيَّنُ منه إجلال أئمة الحَنَفِيَّةِ لأبي هريرة واعترافهم به بالعدالة والضبط والحفظ.

ولم يرد عن إمام من أئمة انحديث ويستبعد أن يقوله طالب علم مبتدئ فضلاً عن إِمَامٍ كَشُعْبَةَ. 9 - وزعم أَبُو رَيَّةَ أن أبا هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سَوَّغَ لنفسه أن يكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بانه ما دام لا يُحِلُّ حَرَاماً ولا يُحَرِّمُ حلالاً فإنه لا بأس بذلك، واستشهد لزعمه هذا بأحاديث رُوِيَتْ عن أبي هريرة مرفوعة إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل: «إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلَمْ تُحَرِّمُوا حَلاَلاً، وَأَصَبْتُمُ الْمَعْنَى فَلاَ بَأْسَ» ومثل: «مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا هُوَ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - رِضىً، فَأَنَا قُلْتُهُ. وَإِنْ لَمْ أَكُنْ قُلْتُهُ». ومثل هذه الأحاديث قد مَحَّصَهَا أئمة السُنّةِ وَبَيَّنُوا وَاضِعِيهَا والضعفاء من رُوَاتِهَا الذين نسبوها إلى أبي هريرة، ولم يصح نسبة حديث واحد منها إلى أبي هريرة، فما ذنب أبي هريرة إِذاً، وهل إذا كُذِبَ على إنسان بشيء ما يكون من التحقيق العلمي أن يسند هذا القول المكذوب إلى الذي كُذِبَ عليه! ومن الغريب أنه نسب إلى ابن حزم في كتاب " الإحكام " حَدِيثًا من هذا القبيل بَيَّنَ ابن حزم نفسه أنه موضوع وَشَنَّعَ على من وضعه وقد تحدثنا عنه في فصل سابق، فماذا نسمي صنيع أَبِي رَيَّةَ إلا أن يكون تضليلاً للقارىءغير العَالِمِ بالحديث ليغتر به ولو كان من كبار الأدباء؟! 10 - وزعم أَبُو رَيَّةَ أن أبا هريرة كان يأخذ من كعب الأحبار الحديث ثم ينسبه إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذه دعوى فاجرة لم يستطع أن يجد لها دليلاً سوى التخيل وتحريف نصوص العلماء على دأبه وعادته. فقد ذكر أن علماء الحديث ذكروا من رواية الأكابر عن الأصاغر رواية أبي هريرة والعبادلة ومعاوية وأنس وغيرهم عن كعب. وعبارته تفيد أنهم رَوَوْا عن كعب حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذا كذب مضحك لأن كعباً لم يدرك الرسول - عَلَيْهِ السَلاَمُ - فلا يعقل أَنْ يَرْوِي

صحابة الرسول أحاديثه عمن لم يدركه، وإنما يذكر ذلك في بيان أخذهم عن كعب - وغيره من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا - أخبار الأمم الماضية وتواريخها. وقد صَحَّ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ» فتُرْوَى أَخْبَارُهُمْ على جهة العِظَةِ والاعتبار لا على أنها حاكمة على ما جاء في القرآن أو مهيمنة، بل أخبار القرآن هي الحاكمة والمهيمنة .. وذكر أَبُو رَيَّةَ ثناء كعب على أبي هريرة بأنه يعلم ما في التوراة مع أنه لم يقرأها وهذا إن صح، فلا شيء فيه، لأن كثيراً من الناس يستمعون الأخبار من المجالس والندوات دُونَ أن يقرؤوا الكتب. وهكذا استمر أَبُو رَيَّةَ في عرض أدلته «العلمية» التي يحاول فيها أن يوقع في ذهن القارىء أن أبا هريرة كان يسمع من كعب، ثم ينسب ما سمعه إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وطالب العلم يعلم تفاهة ما كتب في هذا الموضوع. ومن أطرف أدلته التي أوردها في مكان آخر ما رواه " مسلم " عن بُسْرٍ (¬1) «اتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا [مِنَ] الحَدِيثِ، فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نُجَالِسُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَيُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحَدِّثُنَا عَنْ كَعْبٍ (الأحبار)، ثُمَّ يَقُومُ، فَأَسْمَعُ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَنَا يَجْعَلُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ عَنْ كَعْبٍ، وَيَجْعَلُ حَدِيْثَ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (*)، فَاتَّقُوا اللهَ، وَتَحَفَّظُوا [مِنَ] الحَدِيثِ. أي قارئ يفهم العبارة العربية يمكن أن يفهم من هذا النص طعناً في أبي هريرة أو اتهاماً له بأنه كان يُحَدِّثُ بما سمعه عن كعب وينسبه إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ¬

_ (¬1) هذا هو الصواب في اسمه وكان في الطبعة الأولى (بشير بن سعيد) فَصُحِّحَ، وهو بُسْرٌ بن سعيد مولى ابن الحضرمي المدني العابد، روى عن سعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبي هريرة وغيرهم وروى عنه أبو سلمة وزيد بن أسلم ومحمد بن إبراهيم التيمي وغيرهم، قال ابن معين: «ثقة»، وقال ابن سعد (* *): «كان من العُبَّادِ المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا والورع»، قال الواقدي: «مات سَنَةَ 100 هـ» (" الخلاصة " للخزرجي). ----------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) " التمييز " للإمام مسلم، د. محمد مصطفى الأعظمي، ص 175، الطبعة الثالثة: 1410 هـ، نشر مكتبة الكوثر - المربع - المملكة العربية السعودية. (**) هو ابن سعد وكتب في المطبوع خطأ (ابن سعيد)، وإنما هو ابن سعد صاحب " الطبقات ". انظر " خلاصة تذهيب تهذيب الكمال " للخزرجي، ص 47، طبعة سَنَة 1301 هـ، المطبعة الميرية ببولاق. مصر.

عاشرا: تشيعه لبني أمية:

إن بُسْر بن سعيد صاحب هذا الخبر يتحدث عن قوم كانوا يستمعون إلى أبي هريرة فيخلطون بين حديثه عن الرسول وحديثه عن كعب، فالذي كان ينسب حديث كعب إلى الرسول هُمْ بعض الذين كانوا يستمعون إلى أبي هريرة، لا أبو هريرة نفسه ـ ولكن شيخ التحقيق العلمي الذي لم ينسج أحد من قبل على منواله! .. ذكره دليلاً على كذب أبي هريرة فيما يرويه عن رسول الله وأنه كان يسمع من كعب ثم ينسب ذلك إلى الرسول، أترى هذا قلة فهم؟ أم قلة دين وقلة حياء من الله ومن التاريخ ومن قرائه الأذكياء؟ ومن مغالطات أَبِي رَيَّةَ في هذا الموضوع ما نقله من " صحيح مسلم " عن أبي هريرة حَدِيثًا مرفوعا إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خلق الأرض والسماوات ويقول أبو هريرة في أوله: «أَخَذَ رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بِيَدِي، ثم ينقل عن " البخاري" و" ابن كثير " أن أبا هريرة تلقى هذا الحديث عن كعب. وهنا يظن أَبُو رَيَّةَ أنه أمسك بشيء وأنه أوقع جمهور المُسْلِمِينَ، الذين يثقون بأبي هريرة في ورطة ما بعدها ورطة، ولو كان على شيء من العلم والفهم للنصوص لعلم أن البخاري وابن كثير لا يريدان الحُكْمَ على أبي هريرة بالكذب ونسبته حديث كعب إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما كانا لِيَجْرَآ على الله وحاشاهما أن تبلغ بهما قلة الدين إلى هذا المنحدر الذي وصل إليه أَبُو رَيَّةَ وقد أسمعناك فيما مضى ثناء كل منهما على أبي هريرة واعترافهما له بالصدق والورع والأمانة في العلم والدين - ولكنهما حُكْمًا على الرواية التي أوردها " مسلم " في " صحيحه " بالخطأ في نسبة رفع هذا الحديث إلى رسول الله عن أبي هريرة والخطأ ناشئ من رُوَاةِ الحديث ولا دخل لأبي هريرة فيه، وبذلك تنطق عبارة البخاري في "تاريخه " وابن كثير في " تفسيره "، وقد أفاض في هذا الموضوع العلامة المعلَّمي اليماني في كتابه " الأنوار الكاشفة " (¬1) بما يشرح صدور المُحَقِّقِينَ ولا يزيد الحانقين - كأَبِي رَيَّةَ - إلا غيظاً وكمداً. عَاشِرًا: تَشَيُّعُهُ لِبَنِي أُمَيَّةَ: جمع أَبُو رَيَّةَ في هذا الموضوع كل شتائم كتب الشيعة في أبي هريرة، وظن ¬

_ (¬1) ص 188 - 192.

أنه حصل على شيء، وزعم أنه أتى بما لم يات به الأوائل ولم ينسج على منواله ناسج .... ولذلك لم يتورع في سبيل الهوى الذي تملك قلبه وهو بُغْضُ أبي هريرة أن ينقل عنهم سَبَّ كبار الصحابة واتهام كثير منهم بالكذب على رسول الله إرضاء لمعاوية إلى ما هنالك من الأكاذيب المنتنة. ونحن في عصر لا نستسيغ فيه نبش هذه القاذورات، ونرى من يعمل على نبشها مخرباً هداماً يسعى لتفريق كلمة المُسْلِمِينَ ووحدتهم في عصر لم يبق فيه سبب للافتراق والخلاف والنزاع بين أهل السُنَّةِ وبين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية. ولكن أَبَا رَيَّةَ ترويجاً لكتابه في أوساط الشيعة تظاهر بالتشيع واتهم كل من يتهمونهم من الصحابة والتَّابِعِينَ وأبغض كل من يبغضونهم، وهو حُرٌّ في أن يكون من شيعة عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وما كان ذلك ليخرجه عندنا عن دائرة الإسلام والعلم، لو كان عالماً حقاً، وأَبُو رَيَّةَ حُرٌّ في أن يسلك لترويج كتابه كل سبيل إلا أن يزعم «أنه جاء بدراسة جامعة قامت على قواعد التحقيق العلمي بحيث تعتبر الأولى من نوعها لم ينسج أحد من قبل على منوالها!». لئن كان نبش الأكاذيب والافتراء على صحابة رسول الله واعتماد الكتب التي لم يعرف مؤلفوها بالصدق ولا بالتمحيص في الرواية، أو التي عُرِفَ مؤلفوها بالبغض القاتل لأبي هريرة، لئن كان هذا هو التحقيق العلمي الذي لم ينسج أحد على منواله فليهنأ أَبُو رَيَّةَ بعلمه وتحقيقه، وما نظن أن كرام إخواننا من عقلاء الشيعة يجدون في مثل هذا الرجل تثبيتاً لحق بين متنازعين، أو تَأْيِيدًا لهم ضد إخوانهم أَهْلِ السُنَّةِ، وإن الجاهل الأحمق المغرور لَيَجُرُّ من الأذى على نفسه وعلى أصدقائه ما يكون بَلاَءً يستعاذ بالله منه، وَشَرًّا يبتعد الأخيار عن اللصوق به، وقديما جاء

كلمة مجملة في أبي هريرة - رضي الله عنه -:

في الأثر «ذُو الوَجْهَيْنِ لاَ يَكُونُ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا» (¬1) ولن يكون عند الذين يحترمون أنفسهم وَجِيهًا .. والقعيدة التي ندين الله بها أن أبا هريرة كان مُحبًّا لآل بيت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - روى في فضائل الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ أكثر من حديث، واصطدم مع مروان بن الحكم في المدينة يوم أراد المُسْلِمُونَ دفن الحسن مع جده رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبذلك كانت بينهما وحشة استمرت إلى قرب وفاة أبي هريرة كما يعلم مِمَّا ذكرناه في هذا الكتاب وكان أبو هريرة مِمَّنْ نصر عثمان يوم الدار كما نصره عَلِيٌّ وابنه الحَسَنَ وَالحُسَيْنُ، ولكنه مع هذا كان منصرفاً إلى بث السُنَّةِ وخدمة العلم، أبى أن يخوض الفتنة التي وقعت بين عَلِيٌّ ومعاوية كما أبى أن يخوضها عدد من كبار الصحابة، ضناً منهم بأن يشاركوا في سفك دماء المُسْلِمِينَ واجْتِهَادًا منهم بأن الحياد بين الفريقين أرضى لله وأبرأ للذمة. هذا هو موقف أبي هريرة وما عدا ذلك فَدَسٌّ وَافْتِرَاءٌ وَتَعَصُّبٌ كان يمليه الهوى والشعوبية فيما مضى، فأصبح يمليه النفاق والجهل وسوء العقيدة الآن. كَلِمَةٌ مُجْمَلَةٌ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: يتضح لنا مِمَّا ذكرناه في هذا الفصل عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من النصوص الثابتة عند أئمة الحديث وثقات المُؤَرِّخِينَ الحقائق التالية: أولاً - أنه كان أكثر صحابي روى الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه منذ أسلم وصحب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِيَ بحفظ حديثه وتتبع أخباره التي كانت قبل هجرته إليه، وما زال يتتبع حديثه من أقرانه من الصحابة حتى أحاط بثروة من الحديت لم تجتمع لصحابي قط. ومع ما أثارت بعض أحاديثه من «استغراب» بعض الصحابة الذين لم يطلعوا ¬

_ (¬1) هكذا يشتهر على الألسنة، وقد ذكره السيوطي في " الجامع الصغير " بلفظ: (ذُو الوَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَهُ وَجْهَانِ مِنْ نَارٍ) ثم رمز له السيوطي بعلامة الحَسَنِ وَتَعَقَّبَهُ المناوي بأنه ضعيف.

على تلك الأحاديث، ومن استغراب بعض الناس! «كثرة»، أحاديثه أول الأمر، فقد اعترفوا له أخيراً أنه أحفظهم للحديث وَأَرْوَاهُمْ لَهُ، ولم يَشُكُّوا أبداً في صدقه وفي أحاديثه. ونذكر هنا على سبيل المثال حادثتين وقعتا له مع من استغرب بعض أحاديثه من الصحابة، وقد ذكرنا من قبل جوابه لعائشة أم المؤمنين جواباً أقنعها وأرضاها. 1 - أخرج ابن سعد في " طبقاته " (¬1) عن الوليد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حَدَّثَ عَنْ النَّبِيِّ- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديث: «مَنْ شَهِدَ جَنَازَةً ... فَلَهُ قِيرَاطٌ» فقال ابن عمر: «انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! فَإِنَّكَ تُكْثِرُ الحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَىَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَ: «أَخْبِرِيهِ كَيْفَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ». فَصَدَّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! وَالْلَّهِ مَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَرْسُ الْوَدِيِّ وَلاَ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَعْلَمُنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَسُولِ الْلَّهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ. 2 - وأخرج ابن كثير في " تاريخه " (¬2) عَنْ أَبِي اليسر بْنِ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ مَا نَدْرِي هَذَا الْيَمَانِيُّ (أَبَا هُرَيْرَةَ) أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ؟ أَمْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ مَا لَمْ يَقُلْ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: «وَاللَّهِ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَعَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ، إِنَّا كُنَّا قَوْمًا أَغْنِيَاءَ، لَنَا [بُيُوتَاتٌ] وَأَهْلُونَ، وَكُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيِ النَّهَارِ ثُمَّ نَرْجِعُ، وَكَانَ هُوَ (أَبُو هُرَيْرَةَ) مِسْكِينًا لاَ مَالَ لَهُ وَلاَ أَهْلَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ يَدُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، فَمَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ، وَسَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ»، قال ابن كثير: «وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بْنحْوِهِ». اهـ. ¬

_ (¬1) 7/ 363، طبع بيروت. (¬2) 8/ 109.

فهاتان الحادثتان المنقولتان نقلاً موثوقاً عند أهل العلم تقطع أَلْسِنَةَ الذين يلوكون ألسنتهم بِاتِّهَامِ أبي هريرة منذ عهد النَظَّامِ حتى أَبِي رَيَّةَ ... ثانياً - أنه استمر في تحديثه حتى تُوُفِّيَ سَنَةَ 58 أو 59 أو 60 على اختلاف الروايات والصحابة متوافرون، والمُسْلِمُونَ أيقاظ، والدولة الإسلامية في قُوَّتِهَا وعظمتها، وعلماء المُسْلِمِينَ يَلْتَفُّونَ حول هذا الصحابي الجليل، يحسب كل واحد منهم من الشرق أَنْ يَلْقَى أبا هريرة ويأخذ عنه، حتى من الشرف الذي نال سيد التَّابِعِينَ وعالمهم بلا منازع سعيد بن المسيب أن تزوج بنت أبي هريرة ولازمه حتى تُوُفِّيَ، وبذلك بلغ الآخذون عنه من الصحابة والتَّابِعِينَ ثمانمائة من أهل العلم كما قدمناه عن " البخاري "، وهو عدد لم يبلغ عُشْرَهُ الآخذون عن أي صحابي آخر، وفي هذا ما يقنع الذين يريدون الحق ويستجيبون لوحي ضمائرهم بأن أبا هريرة كان في المحيط الذي يعيش فيه، وبين من يعرفونه من الصحابة والتَّابِعِينَ في الذروة العليا من الصدق يعلو عن الشك والريبة ووساوس المُرْجِفِينَ. والذي يعرف ما كان عليه ذلك الجيل الممتاز من صحابة رسول الله والتَّابِعِينَ من صدق اللهجة، ونصرة الحق، وخذلان الباطل، وإنكار المنكر، والوقوف في وجه المبتدعين والمحاولين لتحريف الدين، والشدة على من انحرف، عن سُنَّةِ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قول أو عمل، يجزم بأنهم لم يكونوا ليسكتوا عن أبي هريرة لو كان عندهم أدنى شك في صدقه، كيف وهو ليس ذا سلطان، وليس ذا جاه ونفوذ، فما الذي كان يمنعهم من الإنكار عليه ومنعه من التحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو كانوا شَاكِّينَ في صدقه، وَهُمْ الذين كانوا يصدعون بالحق في وجوه الخلفاء والأمراء؟ ثالثاً - ورأيت كيف جابه مروان بن الحكم في قضية دفن الحسن مع جده المصطفى - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومروان والي المدينة، وهو أُمَوِيٌّ والدولة يومئذ للأمويين، ومع ذلك فقد غضب أبو هريرة لتدخل مروان في منع دفن الحَسَنِ عند الرسول - عَلَيْهِ السَلاَمُ -، وقال: «تَدَخَّلُ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ»! .. ولما أراد أن يتخذ مروان من إكثار أبي هريرة للحديث سبيلاً إلى إسكاته، أجابه ذلك الجواب الصريح

العنيف، فهل ترى ذلك جواب رجل يَكْذِبُ على رسول الله، مُتَّهَمٌ في دينه وإسلامه، متشيع لبني أمية كما حاول أَبُو رَيَّةَ أن يصوره؟ أم هو الرجل الواثق من دينه وإسلامه وهجرته إلى رسول الله وحديثه عن رسول الله، حتى تمنى مروان أن لم يكن قد تحرش بأبي هريرة! رابعاً - أَنَّهُ كَانَ مَعَ عِلْمِهِ وَبَثِّهِ لِسُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عابداً زاهداً، كثير الذكر والصلاة الاستغفار، فقد أخرج ابن كثير في " تاريخه " (¬1) عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ، وَامْرَأَتُهُ ثُلُثَهُ، وَابْنُهُ ثُلُثَهُ يَقُومُ هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا هَذَا». وأخرج أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: «إِنِّي أُجَزِّئُ اللَّيْلَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ: فَجُزْءٌ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَجُزْءٌ أَنَامُ فِيهِ، وَجُزْءٌ أَتَذَكَّرُ فِيهِ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: «كَانَ لأَبِي هُرَيْرَةَ مَسْجِدٌ فِي مُخْدَعِهِ، وَمَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ، وَمَسْجِدٌ فِي حُجْرَتِهِ، وَمَسْجِدٌ عَلَى بَابِ دَارِهِ، إِذَا خَرَجَ صَلَّى فِيهَا [جَمِيعِهَا]، وَإِذَا دَخَلَ صَلَّى فِيهَا [جَمِيعِهَا]». وَعَنْ عِكْرِمَةَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ، وَيَقُولُ: " أُسَبِّحُ عَلَى قَدْرِ [دِيَتِي] " وهذا لعمري منتهى العبادة والمراقبة لله - عَزَّ وَجَلَّ -. وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ: «كَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ صَيْحَتَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، أَوَّلَ النَّهَارِ يَقُولُ: " ذَهَبَ اللَّيْلُ وَجَاءَ النَّهَارُ، وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ ". وَإِذَا كَانَ الْعَشِيُّ يَقُولُ: " ذَهَبَ النَّهَارُ وَجَاءَ اللَّيْلُ، وَعُرِضَ آلُ فِرْعَوْنَ عَلَى النَّارِ ". فَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ صَوْتَهُ إِلاَّ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ». وكان يقول: «لاَ تَغْبِطَنَّ فَاجِرًا بِنِعْمَةٍ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ طَالِبًا حَثِيثًا طَلَبُهُ؛ {جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} (¬2)». وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ فِي سُجُودِهِ أَنْ يَزْنِيَ أَوْ يَسْرِقَ أَوْ يَكْفُرَ أَوْ يَعْمَلَ بِكَبِيرَةٍ. فَقِيلَ لَهُ: أَتَخَافُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «مَا يُؤَمِّنُنِي وَإِبْلِيسُ حَيٌّ، وَمُصَرِّفُ الْقُلُوبِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ؟». ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": 8/ 110 - 114. (¬2) [سورة الإسراء، الآية: 97].

وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: «قُلْتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: كَيْفَ تَصُومُ؟» قَالَ: «أَصُومُ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثَلاَثًا، فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ كَانَ لِي أَجْرُ شَهْرِي». وَكَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ زِنْجِيَّةٌ قَدْ غَمَّتْهُمْ بِعَمَلِهَا، فَرَفَعَ عَلَيْهَا يَوْمًا [السَّوْطَ]، ثُمَّ قَالَ : «لَوْلاَ القِصَاصُ يَوْمَ القِيَامَةِ لأَغْشَيْتُكِ بِهِ، وَلَكِنِّي سَأَبِيعُكِ مِمَّنْ يُوَفِّينِي ثَمَنَكِ أَحْوَجَ مَا أَكُونُ إِلَيْهِ، اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ -». وحسبك دليلاً على ما كان يتمتع به من صلاح وتقوى في نظر القوم أنه كان وابن عمر هما اللذان يُكبِّرَانِ في مِنَى أيام العيد فَيُكَبِّرُ الناس بتكبيرهما، وأنه كان هو الذي صلى على عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وفي رواية أنه صلى أيضاًً على أم سلمة أم المومنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. وَلِمَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بَكَى فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: «مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى بُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي، وَإِنِّي أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مُهْبِطٍ عَلَى جَنَّةٍ وَنَارٍ، لاَ أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا يُؤْخَذُ بِي!». أفترى هذه العبادة والصلاة والتسبيح والوعظ والبكاء وعتق الرقاب والخوف من الله وشدة مراقبته يتأتى ذلك كله من نفس تستبيح كبرى الكبائر في الإسلام وهي الكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. خامساً - وكان مع هذا كله مُقِلاًّ من الدنيا يتصدق بما يصل إلى يده من مال. قَالَ أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ كَاتِبُ مَرْوَانَ: بَعَثَ مَرْوَانُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ بَعَثَ إِلَيْهِ: إِنِّي غَلِطْتُ وَلَمْ أُرِدْكَ بِهَا، وَإِنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ غَيْرَكَ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «قَدْ أَخْرَجْتُهَا، فَإِذَا خَرَجَ عَطَائِي فَخُذْهَا مِنْهُ». وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا. وَإِنَّمَا أَرَادَ مَرْوَانُ اخْتِبَارَهُ (¬1). ودَعْكَ من قول أَبِي رَيَّةَ أنه كان له «قصر» بالعقيق، وقصر بكذا. فهذا من تحريفه الذي لا يخاف الله منه، وإنما الرواية في " ابن الأثير ": «وكانت وفاته في ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": 8/ 110 - 114.

«داره» بالعقيق (¬1) و «الدار»، لا تدل على ثراء ولا على سعة، فلقد كان لأكثر الصحابة، بل لكل صحابي دار، وما جرؤ أحد أن يقول: أنهم كانت لهم «قصور»! .. نعوذ بالله من تحريف الكلم عن مواضعه. سادساً - لم يكد يمضي عصر الصحابة وكبار التَّابِعِينَ حتى كانت أحاديث أبي هريرة محل عناية أئمة الحديث، ينقدونها، فَيُبَيِّنُونَ ما صَحَّ منها، وينفون ما لم يصح، ويذكرون ما فيه ضعف أو وَهَنٍ، واحتلت أحاديث أبي هريرة الصحيحة صدور مُدَوَّنَاتِ السُنَّةِ ومسانيدها، لم يشذ عن ذلك أحد قبل أن يأتي النَظَّامُ وَالإِسْكَافِي ومن معهما من شيوخ المعتزلة، وَالإِسْكَافِي ومن سبقه من شيوخ الشِيعَةِ. سابعاً - وكانت أحاديث أبي هريرة التي صحت عنه محل عناية الفقهاء وأئمة الاجتهاد في مختلف أمصار الإسلام، إذا صح الحديث منها لم يكن لأحد كلام معه إلا ما روي عن إبراهيم النخعي وبعض علماء الكوفة من شيوخ مدرسة الرأي الذين لهم شروط معروفة في الأخذ بأحاديث الآحاد، ولم يوافقهم على ذلك جمهور فقهاء الأمصار، حتى أبو حنيفة الذي توجت به مدرسة العراق لم يصح عنه أنه وقف من أحاديث أبي هريرة موقف إبراهيم النخعي ومن سار على رأيه، بل يعمل بها متى صحت واستوفت شرائط الصحة عنده - وهي شروط مبعثها الاجتهاد والاحتياط في أمر الرُوَاةِ غير الصحابة لا في أمر واحد من الصحابة، ومن زعم غير ذلك فهو مفترٍ كَذَّابٌ، يُكَذِّبُهُ مذهب أبي حنيفة نفسه وهو مُدَوَّنٌ مشهور. ثامناً - كان أول من أظهر الطعن بأبي هريرة بعض شيوخ المعتزلة كالنظَّام، ولهم موقف من أكثر صحابة الرسول، لا من أبي هريرة وحده، ولهم موقف مِنَ السُنَّةِ استباحوا به أن يُكَذِّبُوا بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة عند الجمهور، وإنما أتوا من سلطان الفلسفة اليونانية على عقولهم حيث قاسوا بها الدين، وكل ما ورد منه، ولولا الخوف من الجماهير لنقدوا القرآن نفسه. فإن فيه ما لا تستسيغه ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية ": 8/ 114.

عقولهم اليونانية مثل ما في الحديث، ومع هذا فقد تَأَوَّلُوا القرآن بما يتفق مع عقليتهم، لقد ظنوا أن فلسفة اليونان هي الحق الذي لا باطل معه، ويستطيع الآن أقل طالب في المدارس الثانوية أن يجيبهم على هذا التأليه المضحك للفلسفة اليونانية! .. وإن زعم أَبُو رَيَّةَ أنهم أصحاب العقول الراجحة! أي كعقله تماماً .. وأما الشِيعَةُ فإنهم لم يقفوا من أبي هريرة وحده ذلك الموقف بل وقفوا من صحابة رسول الله جميعاً إلا نَفَرًا قليلاً يعد بالأصابع، موقف العداء والبغض والذم ووصل الأمر بأكثر فرقهم إلى تكفير جمهور الصحابة بما فيهم أبو بكر وعمر وسعد وخالد وغيرهم مِمَّنْ أسعد الله الإنسانية بنقل هداية الإسلام على أيديهم .. وَهُمْ في هذا الموقف متفقون مع أصولهم التي التزموها، وهي بغض كل من لم يُسَلِّمْ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بإمارة المؤمنين بعد وفاة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولذلك لما أجمع الصحابة على تولية أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الخلافة مقتوهم جميعاً، واعتبروهم متآمرين على مخالفة وصية رسولهم - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث أوصى - في زعمهم - لِعَلِيٍّ بالخلافة من بعده، ولا نطيل في هذا القول وليس هو من بحثنا ولكنا نريد أن نقول لأَبِي رَيَّةَ: لئن اتفقت أهواؤه مع آرائهم في أبي هريرة، فإنهم لا يفردون أبا هريرة بهذه النقمة، ولكنهم يخصون أبا بكر وعمر بقسط أكبر منها ويحكون عنهما من الأقاصيص أبشع مِمَّا يحكونه عن أبي هريرة وهي التي اعتبرها أَبُو رَيَّةَ من المستندات العلمية التي يصح الاعتماد عليها، ويلزمه من ذلك أن يلتزم بكل ما جاء في كتبهم في حق الصحابة وهو معلوم معروف، وليس من المصلحة الإسلامية إثارة هذا الموضوع في هذه الظروف التي تقتضي وحدة كلمة المُسْلِمِينَ ونسيان الماضي الذي لا يَدَ لنا فيه، ولولا موقف أَبِي رَيَّةَ لما تعرضنا لهذا البحث الذي اضطررنا إليه رَدًّا لمفترياته وأضاليله التي زعم أنها هي لـ «التحقيق العلمي الذي لم يسبق إليه»!. هذه كلمة مجملة فيها حقائق لا تنقض عن حياة أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ومكانتة العلمية في نفوس الذين عاشروه من الصحابة والتَّابِعِينَ، وفي نفوس الجماهير من أئمة الحديث وعلماء الإسلام خلال أربعة عشر قرناً ..

ونرى أن نختم هذه الكلمة بكلمة للعلاَّمة المُحَقِّقُ المرحوم الشيخ أحمد محمد شاكر، قَالَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في أوائل مسند أبي هريرة من " مسند الإمام أحمد " (¬1): وقد لهج أعداء السُنّةِ، أعداء الإسلام، في عصرنا، وشغفوا بالطعن في أبي هريرة، وتشكيك الناس في صدقه وفي روايته، وما إلى ذلك أرادوا، وإنما أرادوا أن يصلوا- زعموا- إلى تشكيك الناس في الإسلام تبعاً لسادتهم المُبَشِّرِينَ، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقراَن، أو الأخذ بما صح من الحديث في رأيهم وما صح من الحديث في رأيهم إلا ما وافق أهواءهم وما يتبعون من شعائر أوروبة وشرائعها، ولن يتورع أحدهم عن تأويل القرآن، إلى ما يخرج الكلام عن معنى اللفظ في اللغة التي نزل بها القراَن ليوافق تأويلهم هواهم وما إليه يقصدون؟! وما كانوا بأول من حارب الإسلام في هذا الباب، ولهم في ذلك سلف من أهل الأهواء قَدِيمًا، والإسلام يسير في طريقه قدماً، وهم يصيحون ما شاؤوا، لا يكاد الإسلام يسمعهم، بل هو إما يتخطاهم لايشعر بهم، وإما يدمرهم تدميراً. ومن عجب أن تجد ما يقول هؤلاء المعاصرون، يكاد يرجع في أصوله ومعناه إلى ما قال أولئك الأقدمون، بفرق واحد فقط: أن أولئك الأقدمين، زائغين كانوا أم ملحدين، كانوا علماء مطلعين، أكثرهم مِمَّنْ أضله الله على علم! وأما هؤلاء المعاصرون، فليس إلا الجهل والجرأة وامتضاغ ألفاظ لا يحسنونها يقلدون في الكفر، ثم يتعالون على كل من حاول وضعهم على الطريق القويم. ولقد رأيت الحاكم أبا عبد الله، المتوفي سنة 405 هـ، حكى في كتابه " المستدرك " (3/ 513) كلام شيخ شيوخه، إمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (المُتَوَفَّى سَنَةَ 311 هـ) في الرد على من تكلم في أبي هريرة، فكأنما هو يرد على أهل عصرنا هؤلاء، وهذا نص كلامه: «وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِدَفْعِ أَخْبَارِهِ، مَنْ قَدْ أَعْمَى اللهُ قُلُوبَهُمْ، فَلاَ يَفْهَمُونَ مَعَانَي الأَخْبَارِ ¬

_ (¬1) 12/ 84، طبعة الشيخ أحمد محمد شاكر التي لم تتم.

كلمة مجملة في «أبي رية» وكتابه:

- إِمَّا مُعَطِّلٌ جَهْمِيٌّ يَسْمَعُ أَخْبَارَهُ الَّتِي يَرَوْنَهَا خِلاَفَ مَذْهَبِهِمْ - الَّذِي هُوَ كَفْرٌ - فَيَشْتُمُونَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَيَرْمُونَهُ بِمَا اللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَزَّهَهُ عَنْهُ تَمْوِيهًا عَلَى الرِّعَاءِ وَالسَّفِلِ، أَنَّ أَخْبَارَهُ لاَ تَثْبُتُ بِهَا الْحُجَّةُ؟ - وَإِمَّا خَارِجِيٌّ، يَرَى السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ يَرَى طَاعَةَ خَلِيفَةٍ، وَلاَ إِمَامٍ إِذَا سَمِعَ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَ مَذْهَبِهِمْ الَّذِي هُوَ ضَلاَلٌ، لَمْ يَجِدْ حِيلَةً فِي دَفْعِ أَخْبَارِهِ بِحُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ كَانَ مَفْزَعُهُ الْوَقِيعَةَ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ!. - أَوْ قَدَرِيٌّ اعْتَزَلَ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ وَكَفَّرَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الأَقْدَارَ المَاضِيَةَ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَضَاهَا قَبْلَ كَسْبِ الْعِبَادِ لَهَا إِذَا نَظَرَ إِلَى أَخْبَارِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي قَدْ رَوَاهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ لَمْ يَجِدْ بِحُجَّةٍ تُؤَيِّدُ صِحَّةَ مَقَالَتِهِ التِي هِيَ كُفْرٌ وَشِرْكٌ، كَانَتْ حُجَّتُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ أَنَّ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهَا!. - أَوْ جَاهِلٌ يَتَعَاطَى الْفِقْهَ وَيَطْلُبُهُ مِنْ غَيْرِ مَظَانِّهِ إِذَا سَمِعَ أَخْبَارَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ مَنْ قَدِ اجْتَبَى مَذْهَبَهُ، واخْتَارَهُ تَقْلِيدًا بِلاَ حُجَّةٍ وَلاَ بُرْهَانٍ تَكَلَّمَ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ، وَدَفَعَ أَخْبَارَهُ الَّتِي تُخَالِفُ مَذْهَبَهُ، وَيَحْتَجُّ بِأَخْبَارِهِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ إِذَا كَانَتْ أَخْبَارُهُ مُوَافِقَةً لِمَذْهَبِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ هَذِهِ الْفَرَقِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَارًا لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَا ذَاكِرٌ بَعْضُهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ... ». ثم أخذ ابن خزيمة - رَحِمَهُ اللهُ - يذكر بعض الأحاديث التي استشكلت من أحاديث أبي هريرة، ثم يجيب عنها. هذه كلمة الحق في أبي هريرة وأحاديثه، وهذا مِمَّا ذهب إليه أئمة الهدى وأعلام الدين، وكبار فقهاء الإسلام ومتشرعيه. وبيدهم الحُجَّة، وبألسنتم المنطق، ومعهم التاريخ الصحيح ووسيلتهم البحث العلمي الهادي الرصين. كَلِمَةٌ مُجْمَلَةٌ فِي «أَبِي رَيَّةَ» وَكِتَابِهِ: حين كتبت مقدمة الطبع لهذا الكتاب وتحدثت عن كتاب «أَبِي رَيَّةَ» كنت

قد ألقيت نظرة سريعة على كتابه فكتبت ما كتبت، ولكني بعد أن تدبرت ما كتبه عن أبي هريرة، وناقشت ما ساقه من نصوص و «حكايات» أستطيع أن أجزم بالحقائق التالية: أولاً - إن الرجل غير موثوق فيما ينقل، فكثيراً ما يريد في النص الذي ينقده كلمة يفسد بها المعنى، لينسجم النص مع ما يريد، دُونَ ما يريد صاحبه، وكثيراً ما ينقص كلمة، وكثيراً ما يسند القول إلى غير صاحبه تضليلاً وتمويهاً، وقد مر بنا أمثلة من ذلك خلال مناقشته لما كتبه عن أبي هريرة، ونحن نضع الآن بعض هذه الأمثلة أمام القارىء ليتأكد من «أمانة» هذا الرجل، و «تحقيقه العلمي»! 1 - يقول (¬1) عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «وكان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس " عَنْ النَّبِيِّ"» ثم نسب هذا القول إلى ابن حجر في " فتح الباري " ص 166 ج 1، وعبارته في " الفتح " ليس فيها «عَنْ النَّبِيِّ» وإنما زادها أَبُو رَيَّةَ ونسبها إلى الحافظ ابن حجر ليؤكد للقارىء الشك في أحاديث صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين كان بعضهم يستمع إلى مُسْلِمَةِ أَهْلِ الكِتَابِ يتحدثون عن أخبار الأمم الماضية، فمنهم من كان ينقلها عنهم على أنها قصص متعلقة بالماضين، ولكن أَبَا رَيَّةَ يتهمهم بأنهم كانوا " ينسبونها " إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! .. ولم يكتف بذلك البهتان حتى نسبه إلى الحافظ ابن حجر وهو لم يقله قط ولا يقوله مسلم يعرف ما كان عليه هذا الجيل الفذ في تاريخ الإنسانية من صدق اللهجة واستقامة الدين ووقوف عند حدود الله فيما أمر ونهى، وهم يعلمون أن الله لعن الكَاذِبِينَ ومقتهم، وليس أَقَرَّ لعيون أعداء الله والإسلام من أَنْ يُرْمُوا بما رماهم به «أَبُو رَيَّةَ». 2 - ونقل (¬2) عن ابن كثير في " البداية والنهاية " 8/ 206 أن عمر - رضي الله ¬

_ (¬1) ص 162 بالهامش رقم 3. (¬2) ص 115.

عنه قال لكعب الأحبار: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ (عَنْ رَسُولِ اللهِ) أَوْ لأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ القِرَدَةِ». وعبارة ابن كثير: «لَتَتْرُكَنَّ الحَدِيثَ (عَنْ الأُوَلِ) ... » وليس فيها «عَنْ رَسُولِ اللهِ» ولكن " أمانة " أَبِي رَيَّةَ أجازت له تحريف هذا النص ليثبت ما ادَّعَاهُ من أن كعبا كان يُحَدِّثُ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن الصحابة كانوا يأخذون عنه الحديث، وهذه الفرية دسها المُسْتَشْرِقُونَ اليهود أمثال «جولدتسيهر» لِيَدَّعُوا تأثير اليهودية في الدين الإسلامي! .. فتلقفها منهم «المُحَقِّقُ العِلْمِيُّ» أَبُو رَيَّةَ، وتبرع لهم بإثبات الأدلة عن طريق «التزوير»! .. 3 - ونقل (¬1) عن " البداية والنهاية " لابن كثير: 8/ 106 أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - هَدَّدَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِتَرْكِ الحَدِيثِ أَوْ لَيُلْحِقَنَّهُ بِأَرْضِ دَوْسٍ «أَوْ بِأَرْضِ القِرَدَةِ». وهذه الزيادة «أَوْ بِأَرْضِ القِرَدَةِ» من مفتريات أَبِي رَيَّةَ على عمر وابن كثير معاً .. وإنما قالها عمر لكعب كما مَرَّ يُهَدِّدُهُ فِي تَرْكِ الحَدِيثِ عَنْ «الأُوَلِ» أي الأمم الماضية - كما نقل ذلك ابن كثير. 4 - نقل أَبُو رَيَّةَ في عدة مواضع من بحثه عن أبي هريرة نصوصاً في تكذيب عمر وعثمان وَعَلِيٍّ وعائشة وغيرهم لأبي هريرة، ثم نسبها إلى ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " وترجم أَبُو رَيَّةَ لابن قتيبة في هامش كتابه بأنه كان لأهل السُنَّةِ كالجاحظ للمعتزلة في قوة البيان وَالحُجَّةِ، وقصده من ذلك تأكيد تضليل القارىء بأن رجلا كابن قتيبة له مكانته بين أهل السُنَّةِ يطعن في أبي هريرة هذا الطعن، دليل على صحة ما يذهب إليه أَبُو رَيَّةَ من تكذيب أبي هريرة فيما يرويه عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مع أن ابن قتيبة ألَّف كتابه " تأويل مختلف الحديث " للرد على من طعن في أئمة الحديث منذ الصحابة حتى عصره، وأخبر أنهم هم رؤساء الاعتزال كالنظَّام وأمثاله وآخرين. ثم ساق ابن قتيبة شتائم النظام لأبي بكر وعمر وعثمان وَعَلِيٍّ ¬

_ (¬1) ص 163.

وابن مسعود وأبي هريرة وغيرهم من كبار الصحابة، ثم كَرَّ بالرد عليه وتفنيد ما قال عن كل واحد من هؤلاء. فأخذ «أَبُو رَيَّةَ» ما قاله النظَّام في أبي هريرة ونسبه إلى ابن قتيبة وتعامى عن رَدِّ ابن قتيبة على النظَّام، وهكذا تكون «الأمانة العلمية» عند هذا «المُحَقِّقِ العِلْمِيِّ»! .. 5 - ونقل (¬1) عن المرحوم السيد رشيد رضا كلاماً عن كعب ووهب بن منبه قال فيه: «وَمَا يُدْرِينَا أَنََّ كُلِّ الرِّوَايَاتِ - أَوْ المَوْقُوْفَةِ مِنْهَا - تَرْجِعُ إِلَيْهِمَا» مع أن العبارة: «وَمَا يُدْرِينَا أَنََّ كُلِّ (تِلْكَ) الرِّوَايَاتِ ... الخ. فأسقط أَبُو رَيَّةَ كلمة «تِلْكَ»، التي أشار بها السيد رشيد - رَحِمَهُ اللهُ - إلى مرويات كعب ووهب عن أهل الكتاب، لتجيء العبارة مُوهِمَةً بأن روايات الصحابة ترجع إليهما .. فانظر إلى هذا الدَسِّ والتلاعب في نقل النصوص لتتفق مع أهوائه وأغراضه. هذه أمثلة لا مجال للمناقشة فبها تدل على تلاعبه في النصوص التي ينقلها ونسبتها إلى غير قائليها وأشهد أني لا أعلم أحداً من أشد المُسْتَشْرِقِينَ تَعَصُّبًا وَدَسًّا، بلغت جرأته في تحريف النصوص والتلاعب فيها كما بلغت جرأة أَبِي رَيَّةَ فماذا تقول في هذا «العلاَّمة المحقّق الأمين؟» ثانياً - انه يستدل لفكرته التي يخالف بها جمهور العلماء بنصوص للعلماء في موضوع غير الموضوع الذي يتكلم فيه، لِيُوهِمَ القارىء أنه مؤيد فيما يقوله من العلماء الأقدمين. ونضرب لذلك مثلاً بما زعمه من تدليس أبي هريرة، مع أن جميع العلماء متفقون على أن ما كان يصنعه أبو هريرة وغيره من الصحابة من نسبته حَدِيثًا إلى النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسمعه ولكنه سمعه من صحابي آخر يسمى إرسالا، وهو أمر متفق على جوازه وصحته ووقوعه من عدد من الصحابة في أبي هريرة. ولكن أَبَا رَيَّةَ يسمي هذا العمل تدليساً ثم يذكر ما قاله العلماء مِنْ جَرْحِ ¬

_ (¬1) ص 195.

المدلس وسقوط اعتباره. ليصل من ذلك إلى أن ابا هريرة - بحسب القواعد التي وَضَّحَهَا هؤلاء العلماء - لايعتبر حديثه ولا يحتج به. ومثلاً آخر: إنه يتهم أبا هريرة بالكذب، ثم ينقل نصوص العلماء في سقوط الاحتجاج بمن كذب ولو مَرَّةً واحدة على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأن بعضهم ذهب إلى تكفيره، ويريد أن يطبق ذلك على أبي هريرة .. أي أنه يأتي بمقدمة صغرى غير صحيحة، ومقدمة كبرى مُسَلَّمَةٍ، ثم يأتي بالنتيجة التي يهواها على أنه ألزم خصومه بما لا يسعهم رفضه. لقد قال في أول بحثه: «إن أحاديث الآحاد تفيد الظن. والظن لا يغني من الحق شيئاً»، واستنتج من ذلك أن أحاديث الآحاد لا تلزمنا بشيء .. استدل للمقدمة الصغرى بنصوص العلماء في هذا الشأن وهي صحيحة، ولكن المقدمة الكبرى غير مُسَلَّمَةٍ لأن جماهير أئمة العلم ذهبوا إلى وجوب العمل بأحاديث الآحاد، فالنتيجة التي ذكرها أَبُو رَيَّةَ غير صحيحة، ومن المعلوم أن القياس لا يكون صحيحاً مُلْزَمًا إلا إذا سلمت مقدمتاه. هكذا شأنه في كل أبحاثه، ومن هنا أكثر من الاستشهاد بنصوص من مراجع علمية محترمة في الأوساط العلمية، لكنها لا تلتقي معه في اتجاهه، بل هي في اتجاه معاكس له تماماً، وإنما حشرها بين مراجعه لِيُمَوِّهَ بها على القُرَّاءِ البُسَطَاءِ، أو الذين لا اطَّلاَعَ لهم على هذه المباحث. ثالثاً - أنه يسيء فهم النصوص عَمْدًا، ويتحكم في فهمها تَحُكْمًا يمليه الهوى لا البحث العلمى كما فعل في فهمه معنى قول أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «عَلَى مِلْءِ بَطْنِي» (¬1) وكما فعل في فهمه معنى قول بُسْر بن سعيد فيمن كان يحضر مجلس أبي هريرة فيجعل ما يرويه أبو هريرة عن كعب مَرْوِيًّا عن رسول الله، وما يرويه أبو هريرة عن رسول الله مَرْوِيًّا عن كعب، وقد سبق التنبيه إلى ذلك. وهذا الأسلوب هو أسلوب المُتَعَصِّبِينَ من المُسْتَشْرِقِينَ، وهو الذي أسقطهم من عيون المُسْتَشْرِقِينَ المُحَقِّقِينَ الذين أتوا بعدهم، وأضعف من الثقة بأبحاثهم. ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (¬1) [انظر ص 330 من هذا الكتاب].

رابعاً - إنه في سبيل تأكيد الفكرة المُسْتَوْلِيَةِ عليه يرفض نصوصاً أجمع العلماء على صحتها، من حيث يعتمد على روايات مكذوبة نص العلماء على بطلانها وعلى «حكايات» تُرْوَى في مجالس الأدب، ومن مصادر غير موثوقة في نظر العلماء وليس لها سند ولا يعرف قائلها. وبهذا ليس عنده مانع يمنع من تكذيبه لما جاء في كل كُتُبِ السُنَّةِ الصحيحة كـ "البخاري " و"مسلم " و"السنن الأربعة " وغيرها في بسط رداء أبي هريرة ودعاء الرسول له بالحفظ، ويذهب في تكذيب هذه الرواية إلى حد السخرية والاستهزاء، في حين أنه يعتمد على ما جاء في كتاب " [حياة] الحيوان " للدميري، و" شرح ابن أبي الحديد "، و" عيون الأخبار "، و" مقامات " بديع الزمان الهمذاني!! .. وهذا هو بعينه أسلوب أولئك المُتَعَصِّبِينَ من المُسْتَشْرِقِينَ كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق، فافتدى بهم، حذوك النًعل بالنعل. خامساً - اعتماده في سب أبي هريرة وتكذيبه وفي التشكيك بِالسُنَّةِ وَرُوَّاتِهَا، على ما كتبه المستشرق «جولدتسيهر» و «شبرنجر» و «فون كريمر» و" دائرة المعارف الإسلامية (البريطانية) " وتفاخره بأنه يأخذ عن هؤلاء ويتلقى عنهم دروس السب والشتيمة في جلة صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!. بل إنه كان أكثر منهم بذاءة وأطول لساناً، انظر إلى «شبرنجر» إنه يقول عن أبي هريرة: «المُتَطَرِّفُ فِي الاخْتِلاَقِ وَرَعًا». ألا ترى أن هذا الكلام على ما فيه من نسبة الكذب إلى أبي هريرة يعتبر كالتسبيح بجانب ما أضفاه أَبُو رَيَّةَ على أبي هريرة من ألفاظ السب والشتم والهجاء المقذع حين زعم أنه كان يختلق الأحاديث لِيُرْضِي بها الأُمَوِيِّينَ. ثم إن «شبرنجر» يعترف بأن كثيراً من الأحاديث التي تنسبها الروايات إليه إنما قد نحلت في عصر متأخر، فهو «شبرنجر» لا يُحَمِّلُ أبا هريرة وِزْرَهَا، ولكن أَبَا رَيَّةَ حَمَّلَ أبا هريرة وِزْرَ كل الروايات المكذوبة عليه واستنتج منها تلك النتائج البعيدة عن الحق.

وقد ذكرنا لك كيف زعم أن أبا هريرة كان يَسْتَحِلُّ الكذب على الرسول بأنه ما دام لا يحلل حراماً ولا يحرم حلالاً فلا بأس، ثم استشهد بأحاديث رويت عنه، وقد ثبت أنها كلها موضوعة عليه كما بَيَّنَ ذلك أئمة الحديث .. وهكذا يفوق التلميذ أستاذه .. لكن لا في الذكاء وعمق البحث والأدب، بل في شيء آخر غير هذا .. سادساً - أنه لم يتحل بالأدب الكريم في بحثه، فكانت له الكلمات النابية التي مكانها مجالس السوقة والرعاع، لا الكتب والمؤلفات. إنه قد ذهب في أول بحثه إلى أن الكذب هو عدم مطابقة الخبر للواقع سواء كان عمداً أو خطأً، ثم قال: «فلعنة الله على الكَاذِبِينَ متعمِّدين أو غير متعمِّدين» هذا مع العلم بأن كبار الصحابة، وكبار المُحَدِّثِينَ، وكبار الفقهاء، وكبار العلماء، قد وقع منهم الخطأ وَالوَهْمُ إما في الرواية وإما في الفتوى وإما في رواية التاريخ، فهؤلاء جميعاً في أدب «أَبِي رَيَّةَ» قد نالتهم لعنة الله! .. ومن عدالة الله أنا أمسكنا بأَبِي رَيَّةَ مُتَلَبِّسًا بجريمة الكذب العمد كما رأيت. ثم انظر إلى الألفاظ البذيئة التي قالها عن أبي هريرة، ثم عن معاوية، ثم عن الذين سيخالفونه في نتائج «بحثه العلمي الذي لم ينسج أحد من قبل على منواله» كيف كال لهم السباب المقذع ووصفهم بِأَحَطِّ الأوصاف والنعوت. لقد كنت أقرأ هذا وأنا أعجب كيف يَتَفَوَّهُ إنسان يحترم نفسه بمثل هذه الكلمات، حتى حَدَّثَنِي عنه من يعرفه شخصياً ما أزال عجبي «وَكُلُّ إِنَاءٍ بِالذِي فِيهِ يَنْضَحُ». سابعاً - إنه لم يتورع خلال بحثه - ليثبت عبقريته وأنه أتى بما لم يأته الأوائل، وأنه اكتشف حقيقة أبي هريرة التي خفيت على ثمانمائة من حَمَلَةِ العِلْمِ من الصحابة والتَّابِعِينَ - من أن يَتَّهِمَ الصحابة - وفيهم عمر- بالغفلة والسذاجة، حيث سمحوا لِمُسْلِمَةِ أَهْلِ الكِتَابِ الذين أسلموا لِيَدُسُّوا على الإسلام، أَنْ يَكْذِبُوا على الرسول، ثم نقلوا عنهم هذا الكذب، من غير أن يُؤْتُوا ذَرَّةً من الفطنة التي أوتيها أَبُو رَيَّةَ فيعلموا أن هؤلاء مَدْسُوسُونَ دَسَّاسُونَ، بَلْ خُدِعُوا بِهِمْ وَنَقَلُوا عَنْهُمْ

وتركوهم يدسون على الدين ويفسدون عقائده أحراراً يسرحون ويمرحون، بل يُعَظَّمُونَ وَيُقَدَّسُونَ! .. ثم اتهم الأجيال المتلاحقة من بعدهم - وفيهم عشرات الألوف من كبار العلماء والفقهاء وَالمُتَشَرِّعِينَ وَالمُحَدِّثِينَ بالغفلة وعدم التيقظ لما تيقظ له «مُحَقِّقُنَا العَلاَّمَةُ العَبْقَرِيُّ» وأنهم جميعاً فاتهم من معرفة الحقائق التي أودعها في كتابه مِمَّا كان ينبغي أن يُؤَلَّفَ فيها مثل كتابه منذ ألف سَنَةٍ! .. ولكنهم لم يفعلوا حتى قام هو بهذه المُهِمَّةِ التى سَتُغَيِّرُ وجه الدراسات العلمية من بعد .. هذا ما قاله بلسانه وسطره بقلمه، وتكاد تلمسه في كل صفحة من صفحات كتابه. ولا تدل هذه الدعوى والغرور والتبجح إلا على شيء واحد .. على عقل صاحبها .. وسبحان مقسم الحظوظ في العقول، كما يقسم الحظوظ في الأرزاق. ثامناً - زعم أَبُو رَيَّةَ أنه استكثر في كتابه من الأدلة التي لايرقى الشك إليها وتزيد من الشواهد التي لا ينال الضعف منها. وحسبنا أن نلمس مكان هذه الدعوى في المصادر التي استمد منها كل ما خالف رأي جماهير المُسْلِمِينَ جيلاً بعد جيل. وهي مثل هذه الكتب التي أشار إليها ونقل عنها: " حياة الحيوان ": للدميرى. " العُمْدَةُ ": لابن رشيق. " شرح نهج البلاغة ": لابن أبي الحديد. " المعارف ": لابن قتيبة. " نهاية الأرب ": للنويري. " البيان والتبيين ": للجاحظ. " الحيوان ": للجاحظ. " عيون الأخبار ": لابن قتيبة. " رحلة " ابن جُبَيْرْ. " الخُطَطْ ": للمقريزي. " الفخري ": لابن طَبَاطَبَا.

" معجم الأدباء ": لياقوت. " حلية الأولياء ": لأبي نعيم. " تاريخ بغداد ": للخطيب. تاريخ دمشق: لابن عساكر. " تاريخ " أبي الفدا. " النجوم الزاهرة ": لا بن تغري بردي. " معجم الحيوان ": لمعلوف باشا. " أبوهريرة ": لِعَبْدِ الحُسَيْن شَرَفُ الدِّينِ. " خزانة الأدب ": لعبد القادر البغدادي. " خاص الخاص ": للثعالبي. " ثمار القلوب ": للثعالبي. " الصداقة والصديق ": للتوحيدي. " نكت الهميان في نكت العميان ": للصفدي. " شرح لامية العجم ": للعلواني. " تاريخ التمدن الإسلامي ": لجرجي زيدان. " العرب قبل الإسلام ": لجرجي زيدان. " دائرة المعارف الإسلامية " (البريطانية). " الحضارة الإسلامية ": لكريمر. " السيادة العربية ": لفلوتن. " حضارة الإسلام ": لإبراهيم اليازجي. " تاريخ العرب المطول ": لفيليب حتي، وإدوارد جرجس، وجبرائيل جبور. " تاريخ الشعوب الإسلامية ": لبروكلمان. " المسيحية في الإسلام ": للقس إبراهيم لوقا. " العقيدة والشريعة في الإسلام ": لجولدتسيهر. هذا نموذج من المصادر التي أثبتها في آخر كتابه، والتي زعم أنه أتى منها

بالأدلة التي لا يرقى الشك إليها، والشواهد التي لا ينال الضعف منها!! .. (¬1) أما النصوص الواردة في " صحيحي " البخاري ومسلم و"مسند " الإمام أحمد و" المُوَطَّأ " و" النَّسَائِي " و" الترمذي " وَمُدَوَََّّنَاتِ السُنَّةِ المُعَتَبَرَةِ فقد كَذَّبَ منها ما شاء، لأنها يرقى إليها الشك وينال منها الضعف .. " البُخَارِي " يُشَكُّ في نصوصه، أما الإسكافي فَيُوثَقُ بحكاياته. " مسلم " ينال الضعف رواياته، وأما الثعالبي، فلا ريب في صدقه. " أحمد " يروي الأكاذيب: ولكن ابن أبي الحديد لا ينقل إلا الصدق. أنا لا أقول شيئاً عمن يقول هذا الكلام! ولكني أسأل الذي قَرَّظَ كتابه من كبار الأدباء (¬2) فأبدى إعجابه بكثرة مصادره، أسأله وهو الذي نادى بالمنهج العلمي في هذه البلاد. هل يصح أن يكون قائل هذا الكلام من العلماء؟ أم من طلبة العلم، أم من الذين يفهمون معنى «العلم»؟!. ¬

_ (¬1) ذكرنا في ثبت المصادر التى زعم أَبُو رَيَّةَ أنها لا يرقى إليها الشك ولا ينالها الضعف " تاريخ ابن عساكر " و" الحلية لأبي نعيم " و" تاريخ بغداد " للخطيب وغيرها، ثم أنكرنا عليه اعتبار مثل هذه المؤلفات من المصادر التي لا يرقى إليها الشك. ونزيد الأمر إِيضَاحاً بأن كُلاًّ من الخطيب وأبي نعيم وابن عساكر - وإن كانوا من كبار الحفاظ في عصرهم - لم يلتزمو افي كتبهم المذكورة إخراج ما أوردوه عن طريق صحيح، وإنما جمعوا ما وصلهم مِمَّا يتصل بموضوع الكتاب الذي يؤلفونه بقطع النظر عن حُجَّةِ السَّنَدِ أو ضعفه أو صدق الخبر المروي أو كذبه، اعتماداً منهم على ذكر السند، وبمعرفة حال رواته تعرف حال الخبر، ولهذا جاء في كتبهم المذكورة كثير من الأحاديث والأخبار المكذوبة والواهية مِمَّا نص العلماء على كثير منها. ولذلك يقول الذهبي في " رسالة الثقات ": ص 11 عند ذكره الخطيب: «وَهُوَ وَأَبُوْ نُعَيْمٍ وَكَثِيْرٌ مِنْ عُلَمَاءِ المُتَأَخِّرِيَنَ لاَ أَعْلَمُ لَهُمْ ذَنْبًا أَكْبَرُ مِنْ رِوَايَتِهِمْ الأَحَادِيثَ المَوْضُوعَةَ فِي تَآلِيفِهِمْ غَيْرَ مُحَذِّرِينَ مِنْهَا، وَهَذَا إِثْمٌ وَجِنَايَةٌ عَلَىَ السُّنَنِ فَاللَّهُ يَعْفُوَ عَنَّا وَعَنْهُمْ». (¬2) هو الدكتور طه حسين الذي كتب مقالاً عن كتاب أَبِي رَيَّةَ في بعض الصحف المصرية أبدى فيه إعجابه بكثرة المراجع التي رجع إليها في هذا الكتاب مِمَّا يدل على دأبه وبحثه: ومع ذلك فقد نقده نقداً لاذعاً فيما يتعلق بأبي هريرة. وكان من أمانة هذا المحقق أَبِي رَيَّةَ أن نشر ثناءه عليه في كثرة المصادر وحذف انتقاده اللاذع عليه.

ثَامِنًا - زعم «أَبُو رَيَّةَ» أنه ألف كتابه على قواعد التحقيق العلميِّ، فما هو المنهج الذي وضعه لكتابه، ما هي القاعدة أو القواعد التي وضعها لتصحيح الأحاديث؟ ماذا نفعل بهذه الثروة من كُتُبِ السُنَّةِ الموجودة؟ أنرميها كلها؟ أنأخذ بها كلها؟ أنأخذ بعضها ونترك بعضها؟ وما القاعدة في ذلك؟ العقل الصريح؟ عقل من؟ أمثل عقله الذي كَذَّبَ الروايات الثابتة، وَصَدَّقَ «الحكايات»، المكذوبة!! وَرَدَّ رواية " البخاري "، وقبل حكاية الإسكافي؟. ثم أبو هريرة ماذا نفعل بأحاديثه؟ أهي كذب كلها؟ أم بعضها كذب وبعضها صحيح؟ وما القاعدة في التمييز بينها؟. إن كل ما صنعه أَبُو رَيَّةَ أنه عرض علينا عبقريته في التنبه لغفلة العلماء الذين سبقوه عن وضع القواعد العلمية الصحيحة لنقد الحديث! ولم يترك طريقة للتشكيك في السُنَّةِ وَرُوَّاتِهَا من الصحابة إلى التَّابِعِينَ فمن بعدهم إلا سلكها، ثم زعم بعد ذلك أنه أراد خدمة السُنَّة!؟ أفهذا هو المنهج العلمي؟ أهذه هي الدراسة الي قامت على قواعد التحقيق العلمي، وهي الأولى من نوعها ولم ينسج أحد من قبل على منوالها؟! .. إني لأشهد أن أحداً من العقلاء الذين يحترمون أنفسهم ويحترمون عقولهم وعقول قُرَّائِهِمْ لم ينسج من قبل، على هذا المنوال! وَحَسْبُ «أَبِي رَيَّةَ» هذا الشرف! .. بَلْ حَسْبُهُ من الشرف أن ينفق على كتابه جهد ثلاثين سَنَةٍ وتزيد. {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (¬1). ¬

_ (¬1) [سورة الكهف، الآيتان: 103، 104].

وبعد فقد اتضح لنا مِمَّا سبق أن كتاب أَبِي رَيَّةَ ليست له أية قيمة علمية، لأمرين بارزين فيه: 1 - خُلُوُّ الكتاب من المنهج العلمي. 2 - وَخُلُوُّ مُؤَلِّفِهِ من الأمانة العلمية، {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (¬1)}. (¬2) ¬

_ (¬1) [سورة الأحزاب، الآية: 4]. (¬2) يلاحظ القارئ في نقدنا لأَبِي رَيَّةَ أَنَّا كَرَّرْنَا أحياناً ما ذكرناه في موضع اَخر. وسبب ذلك أن المقدمة التمهيدية (للطبعة الاولى) التي خصصناها لنقد كتاب أَبِي رَيَّةَ إجمالاً قد كتبت قبل بضعة أشهر من كتابتنا لنقد موقف أَبِي رَيَّةَ من أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وقد أرسلت تلك المقدمة إلى القاهرة! فور كتابتها وليست عندنا نسخة منها، فلما كتبت الفصل الخاص بأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - غاب عن الذاكرة بعض ما احتوته المقدمة التمهيدية، ومن هنا يتبين سر تكرار المصادر التي استند إليها أَبُو رَيَّةَ في كتابه في كل ما خرج منه عن جمهور المُسْلِمِينَ من اَرَاءٍ. وعذرنا هو ما ذكرناه.

الباب الثالث: في مرتبة السنة في التشريع الإسلامي: وفيه ثلاثة فصول:

البَابُ الثَّالِثُ: فِي مَرْتَبَةِ السُنَّةِ فِي التَشْرِيعِ الإِسْلاَمِيِّ: وَفِيهِ ثَلاَثَةُ فُصُولٍ: الفصل الأول: في مرتبة السُنّةِ مع الكتاب. الفصل الثاني: كيف اشتمل القرآن عَلَى السُنَّةِ. الفصل الثالث: في نَسْخِ السُنَّةِ بالقرآن والقرآنُ بِالسُنَّةِ.

الفصل الأول: في مرتبة السنة مع الكتاب:

الفَصْلُ الأَوَّلُ: فِي مَرْتَبَةِ السُنَّةِ مَعَ الكِتَابِ: أنزل الله القرآن على رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُدًى للمتقين ودستوراً للمسلمين، وَشِفَاءً لصدور الذين أراد الله لهم الشفاء، ونبراساً لمن أراد الله لهم الفلاح والضياء، وهو مشتمل على أنواع من الأغراض التي بعث الله من أجلها الرسل، ففيه التشريع والآداب والترغيب والترهيب والقصص والتوحيد، وهو مقطوع بصحته إجمالاً وتفصيلاً، فمن شك في آية أو كلمة أو حرف من حروفه لم يكن مسلماً، وأهم ما يعنى به العالم المتفقه في دين الله أن يتعرف إلى أحكام الله في كتابه وما شَرَّعَهُ الله لعباده من نُظُمٍ وقوانين. وقد تلقاه المُسْلِمُونَ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشافهة في عصر الصحابة نقلاً متواتراً في العصور التالية، وللرسول مُهِمَّةٌ أخرى غير تبليغ كتاب الله إلى الناس، وهي تبيين هذا الكتاب وشرح آياته، وتفصيل الجمل من أحكامه، وبيان ما أنزله الله في كتابه من قواعد عامة أو أحكام مجملة أو غير ذلك. من هنا كان المُسْلِمُونَ في حاجة إلى معرفة بيان رسول الله، مع حاجتهم إلى معرفة كتاب الله، ولا يمكن أن يفهم القراَن على حقيقته وأن يعلم مُرَادَ الله من كثير من آيات الأحكام فيه إلا بالرجوع إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي أنزل الله عليه الكتاب لِيُبَيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم من ربهم. ومن هنا اتفق المُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، إلا من شَذَّ من بعض الطوائف المنحرفة، على أن سُنَّةََ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قول أو عمل أو تقرير هي من مصادر التشريع الإسلامي الذي لا غنى لكل مُتَشَرِّعٍ عن الرجوع إليها في معرفة الحلال والحرام، وقد ذكرنا في الفصول السابقة ما يدل على هذا في كتاب

الله وقول رسوله، غير أن الذي نريد بحثه الآن، هو مكانة السُنَّةِ بالنسبة للكتاب، هل هي معه على استواء واحد أم هي متأخرة عنه في المرتبة؟. وَمِمَّا لا ريب فيه أن متن القرآن قطعي الثبوت، ثم منه ما هو قطعي الدلالة ومنه ما هو ظنيها، أما السُنَّةُ: فالمتواترة منها قطعية الثبوت، وغير المتواترة ظني الثبوت في تفصيله وإن كان قطعياً في جملته، ومرتبة ظنيِّ الثبوت في نوعيه قطعي الدلالة وظنيها، يأتي بعد مرتبة قطعي الثبوت بنوعيه، قطعي الدلالة وظنيها، ومن هنا كانت مرتبة السُنَّةِ بعد مرتبة الكتاب. وأيضاًً فإِنَّ السُنَّةَ إما أن تكون بياناً للكتاب أو زيادة عليه، فإن كانت بياناً فهي في الاعتبار بالمرتبة الثانية عن المُبَيَّنِ فإن النص الأصلي أساس والتفسير بناء عليه، وإن كانت زيادة، فهي غير معتبرة إلا بعد أن لا توجد في الكتاب وذلك دليل على - تقدم اعتبار الكتاب. هذا ما يدل عليه النظر العقلي، وقد تأيد ذلك بجملة من الأخبار والآثار، من ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود والترمذي: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟» قَالَ: بِكِتَابِ اللهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟» قال: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِيِ» (¬1). وَمِمَّا كتبه عمر إلى شُرَيْحٍ القاضي: «إِذَا أَتَاكَ أَمْرٌ فَاقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ فَإِنْ أَتَاكِ بِمَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَاقْضِ بِمَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... إلخ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ «إِذَا وَجَدَتْ شَيْئًا فِي كِتَابِ اللهِ فَاقْضِ بِهِ وَلاَ تَلْتَفِتْ إِلَىَ غَيْرِهِ» وَقَدْ بَيَّنَ المُرَادَ مِنْ هَذَا فِي رِوَايَةِ أُخْرَىَ «انْظُرْ مَا تَبَيَّنَ لَكَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا، وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكَ فِي كِتَابِ اللهِ فَاتَّبِعْ فِيهِ سُنَّةَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: «ليس إسناده عندي بمتصل»، وقد عَقَّبَ ابن العربى بقوله: «هو حديث مشهور» (" شرح ابن العربى للترمذي ": 6/ 69).

وَرُوِيَ عن ابن مسعود: «مَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْكُمْ قَضَاءٌ فَلْيَقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَهُ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ [فَلْيَقْضِ بِمَا قَضَى بِهِ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]» (*). وقدمنا لك أن سُنَّةَ الشيخين إذا عرضت لهما حادثة أن ينظرا في كتاب الله فإن لم يَجِدَا حكمها فيه، نظرا إلى سُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومثل ذلك كثير في كلام الصحابة والتا بعين والأئمة والمُجْتَهِدِينَ. وقد يعارض ما ذكرناه بما رُوِيَ عن بعض العلماء من أن السُنَّةَ قاضية على الكتاب، إذ هي تبين مُجْمَلَهُ، وتُقيِّدُ مطلقَه وتخصص عامه، فيرجع إليها ويترك ظاهر الكتاب، وقد يحتمل نص الكتاب أمرين فأكثر، فتعين السُنَّة أحدهما، فيعمل بها ويترك مقتضى الكتاب، ألا ترى أن آية السرقة قاضية بقطع كل سارق، فَخَصَّتْهَا السُنَّةُ بمن سرق نصاباً محرزاً، وهي تفيد قطع اليد، واليد تصدق من الأصابع إلى المرفقين، فخصتها السُنَّةُ بِالكُوعَيْنِ، وكذلك اَيات الزكاة شاملة لكل مال فَخَصَّتْهَا السُنَّةُ بأموال مخصوصة، وقال الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (¬1) فَخَصَّصَتْ السُنَّةُ هذا العموم بنكاح المرأة على عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا ومثل ذلك كثير. وهذا من شأنه أن نقول بتقديم السُنَّةُ على الكتاب، وإلا فبمساواتها له. ويُجاب بأن عمل السُنَّةُ في مثل هذه الحالات تَبْيِينُ مُرَادِ الله في كتابه، فهي في آية السرقة تبين أن المراد بالقطع قطعهما إلى الكوعين لا المرفقين، وأن المراد بالسارق سارق نصاب مُحرز، فهي في هذه الحالة لم تثبت حُكْمًا جديدً وإنما أوضحت وفسرت ما كان مجملاً أو محتملاً، وهذا هو المراد بقول بعضهم أن السُنَّةَ قاضيةٌ على الكتاب، أي: مبيِّنَةٌ له، لا أنها مقدمة عليه. وقد يعترض أيضاًً بأن الأثر عن معاذ فيه مقال كثير، فقد قال الترمذي عنه: «لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ» (¬2) وَعَدَّهُ الجوزجاني في " الموضوعات " وقال: «هَذَا حَدِيْثٌ بَاطِلٌ جَاءَ بِإِسْنَادٍ لاَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيِعَةِ». ¬

_ (¬1) [سورة النساء، الآية: 24]. (¬2) 6/ 70: " بشرح ابن العربي ". ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [انظر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري: 2/ 848 حديث رقم 1599.الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م. نشر دار ابن الجوزي المملكة العربية السعودية].

هل تستقل السنة بالتشريع؟:

وَيُجَابُ بأن عمل أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من أكابر الصحابة بالنقول الثابتة عنهم، وعمل من بعدهم من علماء السلف كاف عندنا للدلالة على ما نقول. ولا شك في أنَّ أحاديث الآحاد بما حَفَّ بها من ظنون في طريق ثبوتها يجعلها في المرتبة الثانية بعد القرآن من حيث الثبوت، وأما من حيث الاجتهاد وفهم النصوص فلا بد من الرجوع إلى السُنَّةِ قبل تنفيذ نصوص القرآن، لاحتمال تخصيص السُنَّةِ لها أو تقييدها، أو غير ذلك من وجوه الشرح والبيان التي ثبتت لِلْسُنَّةِ، فهي من هذه الناحية متساوية مع القرآن من حيث مقابلة نصوصها بنصوصه والتوفيق بينهما، والجمع حين يظهر شيء من التعارض، وهذا لا ينازع فيه أحد مِمَّنْ يقول بِحُجِيَّةِ السُنَّةِ. هَلْ تَسْتَقِلُّ السُنَّةُ بِالتَشْرِيعِ؟: لا نزاع بين العلماء في أنَّ نصوص السُنَّةِ على ثلاثة أقسام: أولاً: ما كان مُؤَيِّدًا لأحكام القرآن، موافقاً له من حيث الإجمال والتفصيل وذلك مثل الأحاديث التي تفيد وجوب الصلاة والزكاة والحج والصوم من غير تعرض لشرائطها وأركانها، فإنها موافقة للآيات التي وردت في ذلك، كحديث: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً». فإنه موافق لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬1) ولقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (¬2) ولقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (¬3) ¬

_ (¬1) [سورة البقرة، الآية: 83]. (¬2) [سورة البقرة، الآية: 183]. (¬3) [سورة آل عمران، الآية: 97].

ومثل قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إِلاَّ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسٍهِ»، فإنه موافق لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬1) ثانياً - ما كان مُبَيِّناً لأحكام القرآن من تقييد مُطْلَقٍ، أو تفصيل مُجْمَلٍ، أو تخصيص عام، كالأحاديث التي فَصَّلَتْ أحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج والبيوع والمعملات التي وردت مجملة في القرآن، وهذا القسم هو أغلب ما في السُنَّةِ، وأكثرها وُرُودًا. ثالثاً - ما دَلَّ على حكم سكت عنه القراَن، فلم يوجبه ولم ينفه، كالأحاديث التي أثبتت حرمة الجَمْعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وأحكام الشفعة، ورجم الزاني البكر المحصن وتغريب الزاني البكر، وإرث الجدة وغير ذلك. ولا نزاع بين العلماء في القسمين الأولين، أي في وُرُودِهِمَا وثبوت أحكامهما وكونهما الغالب على أحاديث السُنَّةِ، إنما اختلفوا في الثالث - أي الذي أثبت أحكاماً لم يثبتها القرآن ولم ينفها - بأي طريق كان ذلك؟ أعن طريق الاستقلال بإثبات أحكام جديدة؟ أم عن طريق دخولها تحت نصوص القرآن ولو بتاويل؟ ذهب صاحب " الموافقات " وآخرون إلى الثاني، وذهب الجمهور إلى الأول، وسننقل لك عبارة الشافعي أولاً، ثم ننتقل بك إلى شرح هذا الخلاف. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - (¬2): «فَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ سُنَنَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مِنْ ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ، فَاجْتَمَعُوا مِنْهَا عَلَىَ وَجْهَيْنِ، وَالوَجْهَانِ يَجْتَمِعَانِ وَيَتَفَرَّعَانَ: أَحَدُهُمَا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ نَصَّ كِتَابٍ، فَبَيَّنَ رَسُولُ الْلَّهِ مَثَلُ مَا نَصَّ الكِتَابُ. وَالآخَرُ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ جُمْلَةَ كِتَابٍ، فَبَيَّنَ عَنْ اللَّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ. ¬

_ (¬1) [سورة النساء، الآية: 29]. (¬2) " الرسالة ": ص 91.

حجج القائلين بالاستقلال:

وهذان الوجهان، اللذان لم يختلفوا فيهما. والوجه الثالث: ما سَنَّ رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب. 1 - فمنهم من قال: جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه، أن يَسُنَّ فيما ليس فيه نص كتاب. 2 - ومنهم من قال: لم يسن سُنَّةً قط إلا ولها أصل في الكتاب كما كانت سُنَّتُهُ لتبيين عدد الصلاة، وعملها على أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سَنَّ من البيوع وغيرها من الشرائع، لأن الله تعالى قال: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬1) وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬2) فما أَحَلَّ وَحَرَّمَ فإنما بَيَّنَ فيه عن الله كما بَيَّنَ الصلاة. 3 - ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سُنَّتَهُ بفرض الله. 4 - ومنهم من قال: ألقي في روعه كل ما سَنَّ، وسُنَّتَهُ الحكمة التي ألقى في روعه عن الله فكان ما ألقي في روعه سُنَّتَهُ». اهـ. وواضح أن مراده بالخلاف في القسم الثالث ليس الخلاف في وجوده بل في مخرجه، هل هو على الاستقلال بالتشريع كما قال أصحاب القول الأول والثالث والرابع؟ أم بدخوله ضمن نصوص القرآن كما قال أصحاب القول الثاني؟. حُجَجِ القَائِلِينَ بِالاسْتِقْلاَلِ: قالوا أولاً: إنه لا مانع عقلاً من وقوع استقلال السُنَّةِ بالتشريع ما دام رسول الله معصوماً عن الخطأ، ولله أن يأمر رسوله بتبليغ أحكامه على الناس من أي طريق، سواء كان بالكتاب أو بغيره، وما دام جائزاً عقلاً وقد وقع فصلاً باتفاق الجميع فلماذا لا نقول به؟. قالوا ثانياً: إنَّ النصوص الواردة في القرآن الدالة على وجوب اتباع الرسول وطاعته فيما يأمر وينهى لا تفرق بين السُنَّةِ المُبَيِّنَةِ أو المؤكدة أو المستقلة، بل ¬

_ (¬1) [سورة النساء، الآية: 29]. (¬2) [سورة البقرة، الآية: 275].

إِنَّ في بعضها ما يفيد هذا الاستقلال مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬1). وَالرَدُّ إلى الله هُوَ الرَدُّ إلى الكتاب، وَالرَدُّ إلى الرسول، هُوَ الرَدُّ إلىَ سُنَّتِهِ بعد وفاته. وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} (¬2) وسائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله فهو دال على طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مِمَّا جاء به مِمَّا ليس في القراَن، إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله. وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} (¬3) الآية. فقد اخْتَصَّ الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - بشيء يطاع فيه، وذلك السُنَّةُ التي لم تأت في القرآن. وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (¬4). وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬5). وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬6). والآية نزلت في قضاء رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬

_ (¬1) [سورة النساء، الآية: 59]. (¬2) [سورة المائدة، الآية: 92]. (¬3) [سورة النور، الآية: 63]. (¬4) [سورة النساء، الآية: 80]. (¬5) [سورة الحشر، الآية: 7]. (¬6) [سورة النساء، الآية: 65].

حجج المنكرين للاستقلال:

للزبير بِالسَقْيِِ قبل الأنصاري من شراج الحرة، وليس هذا الحكم في كتاب الله تعالى. وهكذا كل أدلة القرآن تدل على أن ما جاء به الرسول، وكل ما أمر به ونهى عنه، فهو لاحق في الحكم بما جاء في القراَن فلا بد أن يكون زائداً عليه (¬1). وقالوا ثالثاً: فقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن الشريعه تتكون من الأصلين معاً: الكتاب وَالسُنَّةُ، وأن في السُنَّةِ ما ليس في الكتاب، وأنه يجب الأخذ بما في السُنَّةِ من الأحكام كما يؤخذ بما في الكتاب، مثل قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُوشِكُ بِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولُ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ، مَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ أَحْلَلْنَاهُ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلاَ مَنْ بَلَغَهُ عَنِّي حَدِيثٌ فَكَذَّبَ بِهِ، فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِي حَدَّثَهُ» (¬2). وقد ذكرنا من قبل حديث «يُوشِكُ رَجُلُ مِنْكُمْ ... إلخ» وهذا دليل على أن في السُنَّةِ ما ليس في الكتاب (¬3). وقالوا رابعاً: لقد ثبت من قول عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، «مَاعِنْدَنَا إِلاَّ كِتَابَ اللَّهِ أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ... إلخ» وجاء في حديث معاذ «بِمَاذَا تَحْكُمُ؟ قال: بِكِتَابِ اللهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وهو واضح في أن السُنَّةَ ما ليس في القرآن، وهو نحو قول من قال من العلماء: «تَرَكَ الكِتَابُ مَوْضِعًا لِلْسُنَّةِ، وَتَرَكَتْ السُنَّةُ مَوْضِعًا لِلْقُرْآنِ» (¬4). حُجَجُ المُنْكِرِينَ لِلاسْتِقْلاَلِ: أما الآخرون فقد استدلوا لرأيهم بما عَبَّرَ عنه الشاطبي فيما يلي: ¬

_ (¬1) " الموافقات " للشاطبي: 4/ 13، 14. (¬2) رواه الطبراني في " الأوسط " عن جابر، وأورده ابن عبد البر في " جامع بيان العلم ": 2/ 189. (¬3) " الموافقات " للشاطبي: 4/ 15. (¬4) " الموافقات " للشاطبي: 4/ 16، 17.

السُنَّةُ راجعة في معناها إلى الكتاب فهي تفصيل مجمله وبيان مشكله وبسط مختصره، وذلك لأنها بيان له، وهو الذي دَلَّ عليه قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬1) فلا تجد في السُنَّةِ أمراً إلا والقرآن قد دَلَّ على معنَاه دلالة إجمالية أو تفصيلية. وأيضاًً فكل ما دَلَّ على أن القرآن هو كلي الشريعة وينبوع لها فهو دليل على ذلك، لأن الله تعالى قال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬2) وفسرت عائشة ذلك بِأَنَّ خُلُقَهُ القراَن واقتصرت في خُلُقِهِ على ذلك، فَدَلَّ على أن قوله وفعله وإقراره راجع إلى القرآن، لأن الخُلُقَ محصور في هذه الأشياء، ولأن الله جعل القراَن تِبْيَاناً لكل شيء، فيلزم من ذلك أن تكون السُنَّةُ حاصلة فيه في الجملة لأن الأمر والنهي أول ما في الكتاب، ومثله قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬3) وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (¬4) وهوَ يريد إنزال القرآن. فَالسُنَّةُ إذن في محصول الأمر بيان لما فيه، وذلك معنى كونها راجعة إليه، وأيضاًً فالاستقراء التام دَلَّ على ذلك (¬5). وأجابوا عن حجج الفريق الأول بما خلاصته: إننا نَدَّعِي أَنَّ السُنَّةَ مُبَيِّنَةٌ للكتاب، وما ذكرتموه من الآيات التي توجب طاعة الرسول مع طاعة الله يقصد منها طاعة الرسول في بيانه وشرحه، فمن عمل وفق بيان الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد أطاع الله فيما أراد بكلامه، وأطاع رسوله في مقتضى بيانه، ولو عمل على مخالفة البيان عصى الله تعالى في عمله على مخالفة البيان، إذ عمل خلاف ما أراد ¬

_ (¬1) [سورة النحل، الآية: 44]. (¬2) [سورة القلم، الآية: 4]. (¬3) [سورة الأنعام، الآية: 38]. (¬4) [سورة المائدة، الآية: 3]. (¬5) " الموافقات " للشاطبي: 4/ 12، 13.

الخلاف لفظي:

بكلامه وعصى رسوله في مقتضى البيان، فلم يلزم من إفراد الطاعنين تباين المطاع فيه بإطلاق، وإذاً فليس في الآيات دليل على أن ما في السُنَّةِ ليس في الكتاب، وما ذكروه من حُكْمِ الرسول للزبير ليس كما زعموا أنه لا وجود له في القرآن، بل هو داخل تحت أحكامه ونصوصه، كما سيأتي في بيان اشتمال القرآن عَلَى السُنَّةِ، ونحن نُسَلِّمُ بوجود الأحكام الزائدة، ولكنها ليست زائدة زيادة شيء ليست في القراَن، بل هي زيادة الشرح على المشروح، وإلا لما كان شرحاً، وهذا ليس بزيادة في الواقع، وأجابوا عن حديث المقدام «يُوشِكُ ... إلخ». بأن في سنده زيد بن الحباب وقد قال فيه الإمام أحمد: «إِنَّهُ صَدُوقٌ كَثِيرُ الخَطَأِ»، وكذلك ابن حبان، وتكلم في أحاديث له رواها عن سفان الثوري، وقد تركه الشيخان لذلك. الخِلاَفُ لَفْظِيٌّ: ويتلخص الموقف بين الفريقين في أنهما متفقان على وجود أحكام جديدة في السُنَّةِ لم ترد في القراَن نصاً ولا صراحة، فالفريق الأول يقول: إن هذا هو الاستقلال في التشريع لأنه إثبات أحكام لم ترد في الكتاب. والفريق الثاني - مع تسليمه بعدم ورودها بنصها في القراَن - يرى أنها داخلة تحت نصوصه بوجه من الوجوه التي ستذكر فيما بعد، وعلى هذا فَهُمْ يقولون: إنه لا يوجد حديث صحيح يثبت حُكْمًا غير وارد في القراَن إلا وهو داخل تحت نَصٍّ أو قاعدة من قواعده، فإن وجد حديث ليس كذلك، كان دليلاً على أنه غير صحيح، ولا يصح أن يعمل به. وأنت ترى أن الخلاف لفظي، وأن كُلاًّ منهما يعترف بوجود أحكام في السُنَّةِ لم تَثبُتْ في القراَن، ولكن أحدهما لا يُسَمِّي ذلك استقلالاً، والآخر يُسَمِّيهِ، والنتيجة واحدة.

الفصل الثاني: كيف اشتمل القرآن على السنة:

الفَصْلُ الثَّانِي: كَيْفَ اشْتَمَلَ القُرْآنُ عَلَى السُنَّةِ: إذا كانت السُنَّةُ مُبَيِّنَةً للقرآن، وإذا كان القرآن قد دَلَّ على كل ما في السُنَّةِ إجمالاً وتفصيلاً على رأي الشاطبي، ومن وافقه، أخذاً بقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (¬1) وبقوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬2) فعلى أي وجه تم ذلك، مع أننا نرى أحكاماً كثيرة لم ترد في الَقرآن؟. هنا يختلف العلماء في بيان ذلك على خمسة طرق: الطَّرِيقَةُ الأُولَى: أن القراَن دَلَّ على وجوب العمل بِالسُنَّةِ، فكل عمل بما جاءت به السُنَّةُ عمل بالقرآن، وهذه الطريقة كما ترى طريقة عامة، ومِمَّنْ أخذ بها عبد الله بن مسعود، فقد رُوِيَ أن امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ»، فَقَالَ: «وَمَا لِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ»، فَقَالَتْ المَرْأَةُ: «لَقَدْ قَرَأْتُ بَيْنَ لَوْحَيْ المُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ»، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَوَجَدْتِيهِ، قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬3) [الحشر: 7]». وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، رَأَى مُحْرِمًا عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَنَهَاهُ، فَقَالَ: «ائْتِنِي بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَنْزِعُ [بِهَا] ثِيَابِي، فَقَرَأَ عَلَيْهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية» (¬4). وَرُوِيَ أَنَّ طَاوُسًا كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: ¬

_ (¬1) [سورة النحل، الآية: 89]. (¬2) [سورة الأنعام، الآية: 38]. (¬3) " الموافقات ": 4/ 24 و" جامع بيان العلم ": 2/ 188. (¬4) " الموافقات ": 4/ 25 و" جامع بيان العلم ": 2/ 189.

الطريقة الثانية:

«اتْرُكْهُمَا». فَقَالَ: «إِنَّمَا نَهَى عَنْهُمَا أَنْ يُتَّخَذَا سُنَّةً»، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَلاَ أَدْرِي أَتُعَذَّبُ عَلَيْهِمَا أَمْ تُؤْجَرُ؟ لأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [سورة الأحزاب، الآية: 36] (¬1). الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وهي الطريقة المشهورة عند العلماء أن الكتاب مُجْمَلٌ وَالسُنَّةُ مُفَصِّلَةٌ لَهُ، كالأحاديث الواردة في بيان ما أُجْمِلَ ذكره من الأحكام، إما بحسب كيفيات العمل أو أسبابه أو شروطه، أو موانعه أو لواحقه أو ما أشبه ذلك، فبيانها للصلوات على اختلافها في مواقيتها وركوعها وسجودها وسائر أحكامها، وبيان الزكاة في مقاديرها وأوقاتها ونصب الأموال المزكاة، وبيان أحكام الصوم مِمَّا لا نص عليه في القرآن، وكذلك أحكام الحج والذبائح والأنكحة وما يتعلق بها، والبيوع وأحكامها، والجنايات من القصاص وغيره، مِمَّا وقع بياناً لما أُجْمِِلَ في القراَن، وهو الذي يظهر دخوله تحت قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬2). وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ!! أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، لاَ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ؟» ثُمَّ عَدَّدَ عَلَيْهِ الصَّلاَةَ وَالزَّكَاةَ وَنَحْوِ هَذَا. ثُمَّ قَالَ: «أَتَجِدُ هَذَا فِي كِتَابِ اللهِ مُفَسَّرًا؟ إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَبْهَمَ هَذَا وَإِنَّ السُنَّةَ تُفَسِّرُ ذَلِكَ» (¬3). وَقِيلَ لِمُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: لاَ تُحَدِّثُونَا إِلاَّ بِالْقُرْآنِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ: «وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ بِالْقُرْآنِ بَدَلاً، وَلَكِنْ نُرِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ مِنَّا» (¬4). وَمِنْ هُنَا قََالَ الأَوْزَاعِيُّ: «الْكِتَابُ أَحْوَجُ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ السُنَّةِ إِلَى الْكِتَابِ». قَالَ - ابن عبد البر - (¬5): «يُرِيدُ أَنَّهَا تَقْضِي عَلَيْهِ وَتُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ». ¬

_ (¬1) " الموافقات ": 4/ 25. (¬2) [سورة النحل، الآية: 44]. (¬3) " الموافقات ": 4/ 26، و" جامع بيان العلم ": 2/ 191. (¬4) المصدر السابق. (¬5) " جامع بيان العلم ": 2/ 191.

الطريقة الثالثة:

وَسُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَى أَنَّ السُّنَّةَ قَاضِيَةٌ عَلَى الْكِتَابِ، فَقَالَ: «مَا أَجْسُرُ عَلَى هَذَا أَنْ أَقُولَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ السُنَّةَ تُفَسِّرُ الْكِتَابَ وَتُبَيِّنُهُ» (¬1). الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: وهي النظر إلى المعاني الكلية التي يقصدها التشريع القرآني في مختلف نصوصه، وأن ما في السُنَّةِ من أحكام لا يعدو هذه المقاصد والمعاني. وتفصيل ذلك أن القرآن جاء بتحقيق السعادة للناس في حياتهم الدنيا والأخرى، وجماح السعادة في ثلاثة أشياء: 1 - الضروريات: وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل. 2 - الحاجيات: وهي كل ما يُؤَدِّي إلى التوسعة ورفع الضيق والحرج كإباحة الفطر في السفر أو المرض. 3 - التحسينيات: وهي ما يتعلق بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات. هذه الأمور الثلاثة ومكملاتها قد جاء بها القرآن الكريم أصولاً يندرج تحتها كل ما في القرآن من أحكام، وقد جاءت بها السُنَّةُ تفريعاً عن الكتاب وتفصيلاً لما ورد فيه منها (¬2). فجميع نصوص السُنَّة ترجع بالتحليل إلى هذه الأصول الثلاثة. الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: أن القرآن قد ينص على حُكْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ ويكون هنالك ما فيه شبه بكل واحد منهما، فتأتي السُنَّةُ وتلحقه بأحدهما أو تعطيه حُكْمًا خَاصًّاً يناسب الشبهين، وقد ينص القرآن على حكم بشيء لِعِلَّةٍ فيه فيلحق به الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما وجدت فيه العلة، عن طريق القياس. ¬

_ (¬1) المصدر السابق في " جامع بيان العلم "، وفي" الموافقات ": 4/ 26 نقلاً عن ابن عبد البر في "جامع بيان العلم ". (¬2) انظر تفصيل ذلك في " الموافقات ": 4/ 27 - 32.

أمثلة للحكمين المتقابلين:

أَمْثِلَةٌ لِلْحُكْمَيْنِ المُتَقَابِلَيْنِ: 1 - إن الله أحل الطيبات وحرم الخبائث، فبقيت هنالك أشياء لا يدرى. أهي من الطيبات أم من الخبائث، فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أنها ملحقة بإحداهما، فنهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، ونهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية، كَمَا أَلْحَقَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - الضَبَّ وَالحُبَارَى وَالأَرْنَبَ وَأَشْبَاهَهُمَا بِالطَيِّبَاتِ. 2 - أحل الله صيد البحر فيما أحل من الطيبات، وَحَرَّمَ الميتة فيما حَرَّمَ من الخبائث فدارت ميتة البحر بين الطرفين أشكل حكمها، فقال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (¬1) وقال: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَان، أَمَّا المَيْتَتَانِ فَالسَمَكُ والجَرَادُ، وَأَمَّا الدَمَانِ فَالكَبِدُ وَالطِّحَالُ» (¬2). 3 - حَرَّمَ الله الميتة وأباح المذكاة، فدار الجنين الخارج من بطن المذكاة ميتاً بين الطرفين فاحتملهما، فقال - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - في الحديث: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» (¬3). تَرْجِيحًا لجانب الجزئية على جانب الاستقلال. أَمْثِلَةٌ لِمَا أُعْطِيَ حُكْمًا خَاصًّا بَيْنَ شَبَهَيْنِ: 1 - أحل الله النكاح وملك اليمين، وَحَرَّمَ الزِّنَى، وسكت عن النكاح المخالف للشرع، فإنه ليس بنكاح محض ولا سفاح محض، فجاء في السُنَّةِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا» (¬4). 2 - جعل الله النفس بالنفس، وَأَقَصَّ من الأطراف بعضها من بعض، أما ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود وَالنَسَائِي والترمذي وابن ماجه. (¬2) أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقي من رواية ابن عمر. (¬3) رواه أبو داود والحاكم والترمذي وَحَسَّنَهُ، وابن ماجه وابن حبان والدارقطني. (¬4) رواه أبو داود والترمذي باختلاف يسير في بعض ألفاظه.

أمثلة للإلحاق عن طريق القياس:

في الخطأ: ففي القتل الدية، وفي الأطراف دية بَيَّنَتْهَا السُنَّةُ، فأشكل بينهما الجنين إذا أسقطته أمُّهُ بضربة من غيرها، فإنه يشبه جزء الإنسان كسائر الأطراف، ويشبه الإنسان التام لخلقته، فَبَيَّنَتْ السُنَّةُ أن ديته الغرة (¬1) وأن له حكم نفسه لعدم تمحض أحد الطرفين له. أَمْثِلَةٌ لِلإِلْحَاقِ عَنْ طَرِيقِ القِيَاسِ: 1 - حَرَّمَ اللهُ الربا، وقد كان ربا الجاهلية هو فسخ الدَيْن بِالدَيْنِ، يقول الطالب إما أن تقضي وإما أن تُرْبِي، ولما كانت العلة فيه إنما هو من أجل كونه زيادة من غير عوض، ألحقت به السُنَّةُ كل ما فيه زيادة في بذلك المعنى. ؤقال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أو ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (¬2). 2 - حَرَّمَ اللهُ الجمع بين الأختين في النكاح، وجاء في القرآن: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (¬3) فَجَاءَ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَنْ الجَمْعِ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا من باب القياس، لأن المعنى الذي لأجله ذم الجَمْعَ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ مَوْجُودٌ هُنَا، وهو ما عَبَّرَ عنه في الحديث: «فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» والتعليل يشعر بوجه القياس. 3 - حَرَّمَ الله من الرضاعة الأمهات والأخوات، فَأَلْحَقَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بهاتين - عن طريق القياس - سائر القرابات من الرضاعة اللاتي يَحْرُمْنَ من النسب، ¬

_ (¬1) الغرة عبد أو أمة والحديث أخرجه الستة. (¬2) هذا حديث مشهور روته جميع كُتُبِ السُنَّةِ بألفاظ متقاربة، وما ذكرناه هنا هو رواية " مسلم " و" أبي داود " و" أحمد " وغيرهم. (¬3) [سورة النساء، الآية: 24].

الطريقة الخامسة

كَالعَمَّةِ وَالخَالَةِ وبنت الأخ وبنت الأخت وأشباه ذلك، فقال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ» (¬1). الطَّرِيقَةُ الخَامِسَةُ: إرجاع كل ما في السُنَّّةِ من الأحكام الفصيلية إلى الأحكام التفصيلية الموجودة في القرآن، ومن أمثلته: 1 - طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ زَوْجَهُ وَهِيَ حَاِئضٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَلاَمُ - لِعُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» (¬2) يعني أمره في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬3) 2 - حديث فاطمة بنت قيس (¬4) في " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةً إِذْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا البَتَّةَ " - وشأن المبتوتة أن لها سكنى وإن لم يكن لها نفقة - لأنها بذَتْ (¬5) على أهلها بلسانها، فكان ذلك تفسيراً لقوله تعالى: {وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (¬6) (*). 3 - حديث سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ إذ وَلَدَتْ بعد وفاة زوجها بنصف شهر، فأخبرها - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أن قد حَلَّتْ (¬7) فبيَّن الحديث أن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (¬8) مخصوص في غير الحامل، وأن قوله تعالى: ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم والترمذي والنسائي والشافعي بألفاظ متقاربة. (¬2) أخرجه الستة باختلاف في بعض ألفاظه. (¬3) [سورة الطلاق، الآية: 1]. (¬4) أخرجه الستة إلا البخاري. (¬5) تقدم تعليل عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - بغير ذلك. (¬6) [سورة الطلاق، الآية: 1]. (¬7) أخرجه الستة إلا أبا داود. (¬8) [سورة البقرة، الآية: 234]. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [سورة الطلاق، الآية: 1]، [ذكرت في طبعتي (المكتب الإسلامي) و (دار الوراق)] خطأ = النساء: 19]. فآية سورة النساء وردت كالآتي: {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [سورة النساء، الآية: 19].

قصص السنة:

{وَأُولاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬1) عام في المطلقات وغيرهن. وهذا النمط في السُنَّةِ كثير، لكن نصوص القرآن لا تفي بهذا المقصود بحيث تتسع لكل أحكام السُنَّةِ مع التزام جانب الدقة، وإمكان تحمل النص ذلك حسب البيان العربي والإثارة العربية، قال الشاطبي: «وَأَوَّلُ شَاهِدٍ فِي هَذَا - أَيْ تَعَذُّرُ ذَلِكَ فِيْ كُلِّ النُّصُوصِ - الصَّلاَةِ وَالحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَاللُّقَطَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْقِسَامَاتِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ لاَ تُحْصَىَ، فَالمُلْتَزِمَ لِهَذَا لاَ يَفِي بِمَا ادَّعَاهُ إِلاَّ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي ذَلِكَ مَآخِذَ لاَ يَقْبَلُهَا كَلاَمُ العَرَبِ، وَلاَ يُوَافِقُ عَلَى مِثْلِهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ وَلاَ العُلَمَاءُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» (¬2). هذه هي أهم المسالك التي سلكها العلماء للبرهان على احتضان القرآن لِلْسُنَّةِ وانضوائها تحت رايته. ومنها كما رأيت مسالك عامة لا تدل إلا على أن القرآن دَلَّ على وجوب العمل بها. ومنها:- ما لا ينفرد وحده بسلك جميع أحكام السُنَّةِ في الطريق الذي اختاره. ومنها:- ما يتسع لذلك. والأولى أن تجعل كلها طُرُقًا يتمم بعضها بعضاً، ولا شك أن مجموعها كفيل بإرجاع جميع أحكام السُنَّةِ - حتى التي أتت بأحكام جديدة - إلى نصوص القرآن، وبذلك يتم تفسير قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬3) على أحسن وجه وأدق بيان. قِصَصُ السُنَّةِ: بقي مِنَ السُنَّةِ ما خرج مخرج القِصَصِ والأمثال والمواعظ، وهذه منها ¬

_ (¬1) [سورة الطلاق، الآية: 4]. (¬2) " الموافقات ": 4/ 52. (¬3) [سورة الأنعام، الآية: 38].

ما يكون تفسيراً لما ورد في القرآن كالأحاديث الواردة في تفسير قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (¬1) قال: «دَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ» (¬2) وفي تفسير قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} (¬3) قال: «قَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ» (¬4) وأمثال ذلك. ومنها ما لا يقع موقع التفسير، وليس فيه تكليف باعتقاد ولا عمل، فلا يلزم أن يكون له أصل في القرآن، ومع هذا فهو جَارٍ مجرى القصص القرآني في الاعتبار من حيث الترغيب والترهيب فيعود إلى القسم الأول، وذلك كقصة الأقرع والأبرص والأعمى، وحديث جُرَيْجٍ العابد، والثلاثة الذين التجأوا إلى الغار وغيرها. ¬

_ (¬1) [سورة البقرة، الآية: 58] و [سورة الأعراف، الآية: 161]. (¬2) أخرجه " البخاري " و" الترمذي ". (¬3) [سورة البقرة، الآية: 59]. (¬4) أخرجه " البخاري " وغيره.

الفصل الثالث: في نسخ السنة بالقرآن والقرآن بالسنة:

الفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي نَسْخِ السُنَّةِ بِالقُرْآنِ وَالقُرْآنُ بِالسُنَّةِ: النَّسْخُ فِي القُرْآنِ: لا خلاف بين العلماء في جواز نسخ الكتاب بالكتاب، إلا ما روي عن أبي مسلم الأصفهاني من إنكاره وجود النسخ في القرآن، ولتحقيق ذلك موضع غير هذا الكتاب. ولا خلاف بينهم أيضاًً في نسخ السُنَّةِ بِالسُنَّةِ، فإن كانت متواترة يشترط في نَسْخِها أن يكون الناسخ متواتراً، وإن كانت آحاداً تنسخ بآحاد أو متواتر، ويمثلون لذلك بأحاديث كثيرة، منها: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلاَ فَزُورُوهَا» (¬1). واختلفو افي موضعين اثنين: الأول: في نسخ السُنَّة بالكتاب. والثاني: في نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ. ونحن نوجز القول فيهما، تاركين التفصيل لمن أراد ذلك في موضعه من كتب الأصول. نَسْخُ السُنَّةِ بِالكِتَابِ: أ - قال الجمهور: اٍنَّ ذلك جائز، وقد وقع فعلاً، ومثَّلوا لذلك بأمثلة عدة: منها نسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة، فمن المعلوم أن المُسْلِمِينَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه بألفاظ متقاربة.

والنَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلُّوا - أول هجرتهم إلى المدينة - مدة بضعة عشر شهراً متجهين إلى بيت المقدس، وليس في ذلك نص من القرآن، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬1) ومن ذلك ما تم في عقد صلح الحديبية من وجوب إرجاع المُسْلِمِينَ إلى قريش من جاءهم مسلماً. ثم نسخ ذلك بالنسبة للنساء، فلم يُجِزْ إرجاع المهاجرات المؤمنات إلى كفار قريش خشية فِتْنَتَهُنَّ عن دينهن وكرامتهن، وقد كان هذا النسخ بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ. اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (¬2). ومن أمثلة هذا شيء كثير. ب - وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -: «لاَ تُنْسَخُ السُنَّةُ بِالقُرْآنِ». وَعَلَّلَ له بعضهم: بأن نسخ القرآن بِالسُنَّةِ قد يفسره أعداء الرسول بأن الله لم يرض حكم رسوله فأبدله. وهذا كلام غير وارد ولا يخطر في بال مسلم. والصحيح ما عَلَّلَ به الشافعي نفسه ذلك حيث قال في " الرسالة ": «وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ لاَ يَنْسَخُهَا إِلاَّ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ، وَلَوْ أَحْدَثَ اللهُ لِرَسُولِهِ فِيْ أَمْرٍ سَنَّ فِيهِ غَيْرَ مَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ، لَسَنَّ فِيمَا أَحْدَثَ اللهُ إِلَيْهِ حَتَّى يُبَيِّنَ لِلْنَّاسِ أَنَّ لَهُ سُنَّةً نَاسِخَةً لِلَّتِي قَبْلَهَا مِمَّا يُخَالِفُهَا، وَهَذَا مَذْكُوْرٌ فِي سُنَّتِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ثم استدل لرأيه هذا فقال: «وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ ثُمَّ نَسِخَ سُنَّتَهُ بِالْقُرْآنِ وَلاَ يُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ السُنَّةُ النَّاسِخَةُ جَازَ أَنْ يُقَالَ فِيمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مِنَ البُيُوعِ كُلِّهَا: قَدْ ¬

_ (¬1) [سورة البقرة، الآية: 144]. (¬2) [سورة الممتحنة، الآية: 10].

نسخ الكتاب بالسنة:

يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَرَّمَهَا قَبْلَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1) وَفِيمَنْ رُجِمَ مِنْ الزُّنَاةِ: قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجْمُ مَنْسُوخًا، لِقَوْلِ اللهِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬2). وَفِيْ الْمَسْحِ عَلَىَ الخُفَّيْنِ: نَسَخَتْ ايَةٌ الْوُضُوءِ الْمَسْحَ، وَجَازَ أَنْ يُقَالَ: لاَ يَدْرَأُ عَنْ سَارِقِ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَسَرِقَتُهُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، لِقَوْلِ اللهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬3) (*) لأَنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ يَلْزَمُ مَنْ سَرَقَ قَلِيْلا وَكَثِيرًا، وَمِنْ حِرْزٍ وَمِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَلَجَازَ رَدَّ كُلِّ حّدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُقَالَ: لَمْ يَقُلْهُ، إِذَا لَمْ يَجِدْهُ مِثْلَ التَّنْزِيلِ، وَجَازَ رَدَّ السُّنَنِ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَتُرِكَتْ كُلُّ سُنَّةٍَ مَعَهَا كِتَابٌ جُمْلَةً تَحْتَمِلُ سُنَّتَهُ أَنْ تُوَافِقَهُ وَهِيَ لاَ تَكُوْنَ أَبَدًا إِلاَّ مُوَافَقَةً لَهُ، إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُ اللَّفْظِ فِي التَّنْزِيلِ بِوَجْهٍ، أَوْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِيْ اللَّفْظِ عَنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي اللَّفْظِ فِيْ التَّنْزِيلِ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلاًُ أَنْ يُخَالِفَهُ مِنْ وَجْهِهِ وَكِتَابُ اللهِ وَسُنَّةَِ رَسُولِهِ تَدُلُّ عَلَىَ خِلاَفِ هَذَا الْقَوْلِ، وَمُوَافَقَةً مَا قُلْنَاهُ» (¬4) هذا وَمُحَقِّقُو علماء الشافعية مع الجمهور، وقد اعتذروا عن موقف الشافعي بإجابات مختلفة. نَسْخُ الكِتَابِ بِالسُنَّةِ: هناك رأيان بين العلماء: (أ) قال الحَنَفِيَّةُ: يجوز نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ المتواترة والمشهورة، ولا ينسخ بحديث الآحاد: وَحُجَّتُهُمْ في ذلك أن المتواتر قطعي الثبوت كالقرآن، والمشهور قد اكتسب ¬

_ (¬1) [سورة البقرة، الآية: 275]. (¬2) [سورة النور، الآية: 2]. (¬3) [سورة المائدة، الآية: 38]. (¬4) " الرسالة ": تحقيق المرحوم الشيخ أحمد محمد شاكر: 108 - 113. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [سورة المائدة، الآية: 38]. [ورد في ترقيم الآية {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} خطأ (28) في طبعة المكتب الإسلامي وطبعة الوراق أيضاً بينما رقمها الصحيح 38].

من القوة نظراً لاشتهاره في أيدي العلماء، وعمل الفقهاء به ما يلحقه بالمتواتر، وكل منهما وَحْيٌ غير مَتْلُوٍّ، فجاز نسخ الكتاب بهما. وَمَثَّلُوا لذلك بنسخ الكتاب بخبر المسح على الخفين (¬1) وهو شهور، وبنسخ وجوب الوصية الوارد في الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} (¬2) بحديث «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ». وهو حديث مشهور معمول به لَدى جماهير العلماء حتى ادعى الشافعي في " الأُمِّ " أنه متواتر، فيما نقله عنه ابن حجر في " الفتح ". (ب) وقال الجمهور: لا يجوز نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ: سواء كانت متواترة أو مشهورة أو آحاداً، وقد استدل الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - لقول الجمهور بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (¬3) وَالسُنَّةُ ليست مثل القرآن ولا خيراً منه، وبقولَه: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (¬4) فدل ذلك على أنه متبع لكل مَا يوحى إليه، ولم يكن مُبَدِّلاً لشيء منه، والنسخ تبديل. وقال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (¬5) فاخبر أنه مُبَيِّنٌ لما هو المنزل حتى يعمل الناس بالمنزل بعد ما تبين لهم ببيانه، وفي تجويز نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ رفع هذا الحكم لأن العمل حينئذ يكون بالناسخ، فإذا كان الناسخ مِنَ السُنَّةِ لا يكون العمل به عملاً بِالمُنَزَّلِ. وأيضاًً فمنع نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ أقرب إلى صيانة رسول اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن طعن الطاعنين فيه، وبالاتفاق يجب المصير في باب بيان أحكام الشرع ¬

_ (¬1) ذكره السرخسي في " أصوله ": 2/ 67 نقلاً عن الكرخي عن أبي يوسف. (¬2) [سورة البقرة، الآية: 180]. (¬3) [سورة البقرة، الآية: 106]. (¬4) [سورة يونس، الآية: 15]. (¬5) [سورة النحل، الآية: 44].

إلى طريق يكون أبعد عن الطعن فيه، وذلك أنه إذا جاز منه أن يقول ما هو مخالف لِلْمُنَزَّلِ في الظاهر على وجه النسخ له، فالطاعن يقول: هو أول قائل وأول عامل بخلاف ما يزعم أنه أنزل إليه، فكيف يعتمد قوله فيه؟ وإذا ظهر منه قول ثم قرأ ما هو مخالف لما ظهر منه من القول فالطاعن يقول: قد كذبه ربه فيما قال فكيف نصدقه؟ وإلى هذا أشار الله بقوله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} (¬1) ثم نفى عنه هذا الطعن بقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} (¬2) ففي هذا بيان أنه ليس في نسخ الكتاب بالكتاب تعريضه للطعن، وفي نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ تعريضه للطعن من الوجه الذي قاله الطاعنون، فيجب سَدُّ هذا الباب لعلمنا أنه مصون عما يوهم الطعن فيه» (¬3). ولا شك في أن رأْيَ الجمهور أقرب إلى الحق، ويظهر أنا لا نجد بالتأكيد سُنّةً نسخت قُرْآناً، وما ذكره الحَنَفِيَّةُ من المسح على الخفين والوصية للوارث ليسا من هذا القبيل، فالنزاع - في رأيي - من حيث الجواز أو عدمه، لا من حيث الوقوع، فإن ما ادعاه الحَنَفِيَّةُ من وقوع ذلك، لا يسلم لهم أنه كان من طريق السُنّةِ، وبالتأمل في الأدلة التي أوردوها لذلك، يبدو الناظر مجال للأخذ والرد الكثيرين. وبعد: فبهذا يتم - بحمد الله - ما أردناه من البحث حول السُنّةِ وجمعها وجهود العلماء لتنقيتها من الدخيل والطارئ، وأنزلنا ما لحق بها من شبه في القديم والحديث، وَبَيَنَّا مرتبتها في التشريع وعلاقتها بالقرآن الكريم. ونحن نختم ذلك بخاتمة موجزة عن موقف الأئمة الأربعة مِنَ السُنَّةِ، وبيان مكانتهم فيها، مع ذكر تراجم موجزة لأصحاب الكتب الستة، وفذلكة صغيرة عن كل كتاب. ¬

_ (¬1) [سورة النحل، الآية: 101]. (¬2) [سورة النحل، الآية: 102]. (¬3) " أصول " السرخسي: 2/ 67، 68 وانظر " الرسالة " للشافعي: 106 - 108.

الخاتمة: في الأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة:

الخَاتِمَةُ: فِي الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِ الكُتُبِ السِتَّةِ:

1 - الإمام أبو حنيفة:

1 - الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: 80 - 150 نَسَبُهُ وَعُمْرُهُ: هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى، أقدم الأئمة الأربعة مولداً، وأكثرهم بين المُسْلِمِينَ أَتْبَاعًا، ولد بالكوفة، واختلف في سَنَةِ مولده على ثلاثة أقوال، قيل: سنة 63 هـ، وقيل: سنة 70، وقيل سنة 80، والمشهور هو الثالث، وإن كان بعض الباحثين رَجَّحَ الرواية الثانية لنقول وروايات، ترجح لديه العمل بها (¬1). وتوفي ببغداد سنة 150 هـ، وقبره لا يزال هناك معروفاً يُزَارُ في حي مسمى باسمه وهو «الأعظمية» نسبة إلى الإمام الأعظم. نَشْأَتُهُ وَمَدْرَسَتُهُ: نشأ بالكوفة، وقد كانت من أكبر الأمصار الإسلامية في ذلك العصر وأحفلها بالعلماء من كل فئة، وأشهرها بأئمة اللغة من نحو وصرف وأدب وغيرها، درس علم الكلام أولاً حتى برع فيه، وبلغ فيه مبلغاً يشار إليه بالأصابع، ثم التحق بحلقة حماد شيخ فقهاء الكوفة، وتتصل حلقة حماد بعبد الله بن مسعود، إذ هو تلقى العلم عن إبراهيم النخعي الذي تلقاه عن علقمة بن قيس الذي تلقاه عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ثم مازال يداوم على حضور حلقة شيخه حماد حتى توفي (120)، فاتفق رأي تلامذته على استخلاف أبي حنيفة مكانه، فانتهت إليه رئاسة مدرسة الكوفة التي عرفت بمدرسة الرأي، وأصبح إمام فقهاء العراق غير منازع، وسارت بذكره الركبان، واجتمع مع أشهر علماء عصره، بالبصرة ومكة والمدينة، ثم ببغداد بعد أن بناها المنصور، وناقشهم واستفاد منهم واستفادوا منه، وما زالت شهرته تتسع حتى غدت حلقته مجمعاً علمياً يجتمع فيها كبار المُحَدِّثِينَ كعبد الله بن المبارك، وحفص بن غياث، مع كبار الفقهاء كأبي يوسف ¬

_ (¬1) منهم ابن حبان، واقتصر على ذلك في كتابه " الضعفاء "، وانظر " تأنيب الخطيب " ص 19 فما بعدها.

أصول مذهبه:

ومحمد وزفر والحسن بن زياد، مع كبار الزُهَّادِ وَالعُبَّادِ كالفضيل بن عياض وداود الطائي، وما زال قائماً بأمانة العلم مع الاجتهاد في العبادة والاستقامة في المعاملة والزهد في الدنيا، والنصيحة لله ولرسوله وللمسلمين حتى لحق بربه راضياً مرضياً. أُصُولُ مَذْهَبِهِ: أَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنَ الضُّرَيْسِ (*)، يَقُولُ: شَهِدْتُ الثَّوْرِيَّ وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا تَنْقِمُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؟: قَالَ: وَمَا لَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «آخُذُ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَمَا لَمْ أَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي كِتَابِ اللهِ وَلاَ سُنَّةَ رَسُولِهِ، وَلاَ سُنَّةٍ أَخَذْتُ بِقَوْلِ أَصْحَابِهِ، آخُذُ بِقَوْلِ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ، وَأَدَعُ قَوْلَ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ , وَلاَ أَخْرُجُ مِنْ قَوْلِهِمْ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ، أَمَا إِذَا انْتَهَى الأَمْرُ أَوْ جَاءَ الأَمْرُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَعَدَّدَ رِجَالاً - فَقَوْمٌ اجْتَهَدُوا , وَأَجْتَهِدُ كَمَا اجْتَهَدُوا» (¬1) (**). وفي رواية: «فَمَا لَمْ أَجِدْهُ فِيهِ أَخَذْتُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالآثار الصِّحَاحِ عَنْهُ الَّتِي فَشَتْ فِي أَيْدِي الثِّقَاتِ [عَنِ الثِّقَاتِ]» ... إلخ. أما اجتهاده فيما لم يكن فيه نص من كتاب ولا سُنَّةٍ ولا قول صحابة، فقد كان مرجعه إلى القياس، ومن أنواع القياس عنده الاستحسان الذي فسر بأنه قياس خفي في مقابلة قياس جَلِيٍّ. الضَجَّةُ الكُبْرَى حَوْلَهُ: تلك هي أصول مذهبه العامة في الفقه والاجتهاد، وهي كما ترى أصول تتفق مع أصول الأئمة، وخاصة الأئمة الثلاثة الآخرين، وكان من حق أبي حنيفة أن يمر اسمه في التاريخ عبقاً عاطراً مُجْمَعًا على جلالته وعظيم خدماته للإسلام، بما وَطَّدَ من أركان الفقه وما أخرج للدنيا من علماء أَجِلاَّءَ، ولكنا نرى هذا الإمام قد أثيرت في عصره ضجة كبرى حوله، كما استمرت هذه الضجة بعد وفاته، وانقسم الناس في أمره بين معترف بفضله، مُذْعِنٍ لعلمه، مُقِرٍّ بإمامته وهؤلاء هم جمهور ¬

_ (¬1) " مفتاح الجنة " للسيوطي: ص 34. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [ورد في كلا الطبعتين (طبعة المكتب الإسلامي وطبعة دار الوراق، ص: 438) يحيى بن خريس وهو خطأ وإنما هو يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ]. (**) [انظر أيضا " المدخل إلى السنن الكبرى " للبيهقي، تحقيق الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي: 1/ 203، حديث رقم 245، نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت].

أسباب هذه الضجة:

المُسْلِمِينَ وبين حاقد عليه يَنَفِّرُ الناس عنه وعن فقهه، ويسيئ الظن به وبأصحابه، فما هو سر ذلك يا ترى؟ ومن هم هؤلاء الطاعنون؟ أَسْبَابُ هَذِهِ الضَجَّةِ: 1 - إن أبا حنيفة كان أول من توسع في استنباط الفقه من أئمة عصره، وفي تفريع الفروع على الأصول، وافتراض الحوادث التي لم تقع، وقد كان العلماء من قبله يكرهون ذلك، ويرون فيه ضياعاً للوقت ومشغلة للناس فيما لا فائدة فيه، وَقَدْ كَانَ زَيْدٌ بْنُ ثَابِتٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لا يَقُوْلُ: «هَلْ وَقَعَتْ؟» فَإِنْ قَالُوا: لاَ، قَالَ: «ذَرُوهَا حَتَّى تَقَعَ» أما أبو حنيفة فكان يرى غير ذلك إذ وظيفة المجتهد تمهيد الفقه للناس والحوادث وإن لم تكن واقعة زمن المجتهد لكنها ستقع، وإليك ما يعبر عن وجهة نظره كما ذكر الخطيب (¬1). «عندما نزل قتادة الكوفة قام إليه أبو حنيفة، فقال له: " يَا أَبَا الخَطَّابِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ غَابَ عَنْ أَهْلِهِ أَعْوَامًا، فَظَنَّتْ امْرَأَتَهُ أَنْ زَوْجَهَا مَاتَ، فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ رَجَعَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ، مَا تَقُولُ فِيْ صَدَاقِهَا؟ " وَكَانَ أَبُوْحَنِيفَةَ قَدْ قَالَ لأَصْحَابِهِ الذِينَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ: " لَئِنْ حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ لَيَكْذِبَنَّ، وَلَئِنْ قَالَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لِيُخْطِئَنَّ ". فَقَالَ قَتَادَةُ: " وَيْحَكَ أَوْقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؟ " قَالَ:" لاَ ". قَالَ: " فَلَمْ تَسْأَلْنِيْ عَمَّا لَمْ يَقَعْ؟ " قَالَ أَبُوْ حَنِيْفَةُ: " لِنَسْتَعِدَّ لِلْبَلاَءِ قَبْلَ نُزُوْلِهِ، فَإِذَا مَا وَقَعَ، عَرَفْنَا الدُّخُولَ فِيهِ وَالخُرُوجَ مِنْهُ "». وقد عُرِفَتْ مدرسة أبي حنيفة بمدرسة (الأَرَأَيْتِيِّينَ) أي: الذين يفترضون الوقائع بقولهم: (أَرَأَيْتَ لَوْ حَصَلَ كَذَا؟ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ كَذَا؟) فقد سأل مالكاً - رَحِمَهُ اللهُ - بعض تلاميذه يوماً عن حكم مسألة فأجابه، فقال تلميذه: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ كَذَا»؟ فغضب مالك وقال: «هَلْ أَنْتَ مِنَ الأَرَأَيْتِيِّينَ، هَلْ أَنْتَ قَادِمٌ مِنَ العِرَاقِ؟». أخرج ابن عبد البر عن مالك قال: «أَدْرَكْتُ أَهْلَ هَذِهِ الْبِلاَدِ وَإِنَّهُمْ لَيَكْرَهُونَ هَذَا الإِكْثَارَ الَّذِي فِي النَّاسِ الْيَوْمَ»، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: «يُرِيدُ الْمَسَائِلَ». ¬

_ (¬1) " تاريخ بغداد ": 12/ 348.

وَقَالَ مَالِكٌ: «إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُفْتُونَ بِمَا سَمِعُوا وَعَلِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي فِي النَّاسِ الْيَوْمَ». وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ شِهَابٍ: «أَكَانَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَدَعْهُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ أَتَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِفَرَجٍ» (¬1). وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّعْبِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ فِي العِرَاقِ: «وَاللَّهِ لَقَدْ بَغَّضَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ إِلَيَّ الْمَسْجِدَ حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي» قُلْتُ: " مَنْ هُمْ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ " قَالَ: «الأَرَأَيْتُونَ» (*) (كَذَا بِالأَصْلِ وَلَعَلَّ صَوَابَهَا الأَرَأَيْتِيُّونَ)، قَالَ: «وَمِنْهُمُ الْحَكَمُ (**) وَحَمَّادٌ وَأَصْحَابُهُمْ». اهـ. وحماد شيخ أبي حنيفة. وأخرج عن الشعبي أيضاًً قوله: «مَا [كَلِمَةٌ] أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ: " أَرَأَيْتَ "» (¬2). وبهذا التوسع الذي سار عليه أبو حنيفة في التفريع والاستنباط حتى بلغت المسائل التي عرفت في فقهه حداً كبيراً جِدًّا أوصلها صاحب " العناية في شرح الهداية " إلى ألف ألف ومائتي ألف وسبعين ألفاً ونيفاً (¬3)، وهو عدد ضخم، ولو قيل: إنه على سبيل المبالغة فالقدر الثابت على أقل تقدير هو أكثر مِمَّا أثر عن أي إمام آخر. وقد عَبَّرَ بعض الناقمين على أبي حنيفة عن سخطه لكثرة تفريعه بقوله: «هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَأَجْهَلُهُمْ بِمَا قَدْ كَانَ» (¬4) ( ... ). 2 - كان أبو حنيفة يَتَشَدَّدُ في قبول الأخبار، ويشترط لذلك شروطاً صعبة، نظراً لانتشار الوضع في الحديث، وكان العراق في عصره مصدر الحركات الفكرية والثورية في العالم الإسلامي، ومن ثم كان مصدراً خصباً للوضع، ومرتعاً سهلاً للوَضَّاعِينَ، مِمَّا دعا أبا حنيفة إلى التثبت والاحتياط، فلم يقبل إلا الأحاديث المشهورة الفاشية في أيدي الثقات، وهو في ذلك يذهب إلى أوسع مِمَّا ذهب ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 2/ 143. (¬2) المصدر السابق: 2/ 146. (¬3) " النكت الطريفة " للكوثري: ص 5. (¬4) " جامع بيان العلم ": 2/ 154. [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [ورد كذلك (الآرَائِيُّونَ) [انظر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري: 2/ 1074 حديث رقم 2089.الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م. نشر دار ابن الجوزي. المملكة العربية السعودية]. (**) [هو الحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، - بالمثناة ثم بالموحدة مصغرًا - أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة، مات سَنَةَ 113 أو بعدها، وله نيف وستون /ع. " تقريب التهذيب " لابن حجر، تحقيق الشيخ محمد عوامة: ص 175 ترجمة رقم 1453. طبعة دار الرشيد سوريا - حلب، طبعة ثالثة منقحة: 1411 هـ - 1991 م، و" تهذيب التهذيب ": 1/ 466 بعناية إبراهيم الزيبق وعادل مرشد، مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، 1416 هـ - 1995 م، نشر مؤسسة الرسالة]. ( ... ) [هكذا وردت في " جامع بيان العلم وفضله ": «هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَأَجْهَلُهُمْ بِمَا قَدْ كَانَ»، 2/ 1073 حديث 2087، والناقم هنا رَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ]، بينما وردت في المطبوع في طبعتي المكتب الإسلامي وطبعة دار الوراق: «هُوَ أَجْهَلُ النَّاسِ بِمَا كَانَ وَأَعْلَمُهُمْ بِمَا لَمْ يَكُنْ».

المُحَدِّثُونَ في الاحتياط وَالتَشَدُّدِ، مِمَّا دعاه إلى تضعيف أحاديث هي عندهم صحيحة مقبولة. 3 - وكان من جهة أخرى يذهب إلى الاحتجاج بالمرسل إذا كان الذي أرسله ثقة، خلافاً لما ذهب إليه جمهور المُحَدِّثِينَ، مِمَّا جعله يستدل بأحاديث هي عندهم ضعيفة لا يُعْمَلُ بِهَا. 4 - ونتيجة لتضييق أبي حنيفة من دائرة العمل بالحديث في الحدود التي رسمها واطمأن إليها، اضطر إلى القياس وإعمال الرأي، وقد آتاه اللهُ فيه موهبة عجيبة فذة لا مثيل لها، ولا ريب أن استعماله القياس إلى مدى واسع، بَاعَدَ الشُقَّةَ بينه وبين أهل الحديث، كما باعد بينه وبين بعض الفقهاء الذين لايستعملون القياس إلا في نطاق ضيق. 5 - كان أبو حنيفة دقيق المسلك في الاستنباط دقة عجيبة بعيدة المدى قادراً على تقليب وجوه الرأي في كل مسألة لدرجة تذهل وتدهش. أخرج ابن أبي العوام بسنده إلى محمد بن الحسن قال: «كَانَ أَبُوْ حَنِيفَةَ قَدْ حُمِلَ إِلَىَ بَغْدَادَ فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ وَفِيهِمْ أَبُوْ يُوَسُفَ وَزُفَرَ وَأَسَدٌ بْنِ عَمْرِوٍ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاء المُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَحَمَلُوا مَسْأَلَةَ أَيَّدُوهَا بِالحُجَاجَ، وَّتَنَوَّقُوْا فِيْ تَقْدِيمِهَا، وَقَالُوا: نَسْأَلُ أَبَا حَنِيفَةَ أََوَّلَ مَا يَقْدِمُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ أََوَّلَ مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا تِلْكَ الْمَسْالَةِ، فَأَجَابَهُمْ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُمْ، فَصَاحُوا بِهِ مِنْ نَوَاحِي الحَلَقَةُ، يَا أَبَا حَنِيفَةَ بَلْدَتْكَ الْغُرْبَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: «رِفْقًا رِفْقًا مَاذَا تَقُولُونَ؟» قَالُوا: «لَيْسَ هَكَذَا القَوْلُ». قَالَ: «أبِحُجَّةٍ أَمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؟» قَالُوا: «بِحُجَّةٍ» قَالَ: «هَاتُوا»، فَنَاظَرَهُمْ فَغَلَبَهُمْ بِالْحِجَاجِ حَتَّى رَدَّهُمُ إِلَى قَوْلِهِ، وَأَذْعَنُوا أَنَّ الخَطَأَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «أَعَرَفْتُمْ الآنَ؟» قَالُوا: «نَعَمْ» قَالَ: «فَمَا تَقُولُونَ فِيْمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ الْصَّوَابُ .. وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ؟» فَقَالُوا: «لاَ يَكُونُ ذَاكَ. قَدْ صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ». فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمُ عَنْ ¬

_ (1) " النكت الطريفة ": ص 5. (2) " جامع بيان العلم ": 2/ 145. [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: [ملاحظة: وضع هذا الهامش بوجه الخطأ في الصفحة 405، وإنما هو هامش صفحة 404].

القَوْلِ. فَقَالُوا: «يَا أَبَا حَنِيفَةَ ظَلَمْتَنَا وَالصَّوَابُ كَانَ مَعَنَا»، قَالَ: «فَمَا تَقُولُونَ فِيْمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ، وَالأَوَّلُ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ قَوْلٌ ثَالِثٌ؟» فَقَالُوا: «هَذَا لاَ يَكُونُ»، قَالَ: «فَاسْتَمِعُوا»، وَاخْتَرَعَ قَوْلاً ثَالِثًا، وَنَاظَرَهُمُ عَلَيْهِ حَتَّى رَدَّهُمُ إِلَيْهِ فَأَذْعَنُوا، وَقَالُوا: «يَا أَبَا حَنِيْفَةَ عَلِّمْنَا»، قَالَ: «الصَّوَابُ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ الذي أَجَبْتُكُمْ بِهِ لِعِلَّةِ كَذَا وَكَذَا. وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ لاَ تَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الثَلاَثَةِ الأَنْحَاءِ وَلِكُلٍّ مِنْهَا وَجْهٌ فِي الفِقْهِ وَمَذْهَبٌ، وَهَذَا الصَّوَابُ فَخُذُوهُ وَارْفُضُوا مَا سِوَاهُ». اهـ. إن من أوتي هذه القدرة العجيبة على تنقيب وجوه الرأي في مسألة واحدة، والقدرة على الدفاع عن كل رأي فيها، هو بلا شك من أدق الناس نظراً وأعمقهم استنباطاً للنصوص، وأقواهم حُجَّةً وبياناً، حتى لا يكون مغالياً فيه مثل الإمام مالك الذي قال عنه: «هَذَا رَجُلٌ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السَّارِيَةِ مِنْ ذَهَبٍ لاسْتَطَاعَ». فلا بدع إذا كان في استنباطه ما يخالف رأي غيره من العلماء ورأي الجمهور من أهل الحديث الذين كانوا يقفون غالباً عند ظواهر النصوص، ويكرهون تعليلها وَرَدِّ بعضها إلى بعض، خصوصاً وقد كان في غمار المُحَدِّثِينَ عَوَاٌّم يَقُولُ عَنْهُمْ يَحْيَى بْنَ يَمَانٍ: «يَكْتُبُ أَحَدُهُمُ الْحَدِيثَ وَلاَ [يَتَفَهَّمُ] وَلاَ يَتَدَبَّرُ فَإِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ جَلَسَ كَأَنَّهُ مُكَاتَبٌ» (¬1) أجل لقد كان منهم أُمِيُّونَ في تفكيرهم وثقافتهم، كثيراً ما أوقعتهم أُمِيَّتُهُمْ في تصحيفات وفتاوى مضحكة، فقد صلى أحدهم الوتر بعد الاستنجاء من غير إحداث وضوء، واستدل على هذا العمل بقوله - عَلَيْهِ السَلاَمُ -: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» فهم منه صلاة الوتر، مع أن المراد منه إيتار الجمار عند الاستنقاء، وظل أحدهم لا يحلق رأسه قبل صلاة الجمعة أربعين سَنَةً على ما فهم من حديث نهي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحِلَقِ قبل الصلاة يوم الجمعة، مع أنه الحِلَق بفتح اللام، والمراد منه النهي عن عَقْدِ الحَلَقَاتِ المُؤَدِّي إِلَى مُضَايَقَةِ النَّاسِ يوم الجمعة في المسجد، وفهم آخر من حديث «نَهَى أَنْ يَسْقِيَ الرَّجُلُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» المنع من سقي بساتين الجيران، مع أن المراد وَطْءَ الحبالى من السبايا، وسئل أحدهم في مجلس تحديثه عن دجاجة وقعت في بئر فقال للسائل: ألا غطيتها ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 2/ 121.

حتى لا يقع فيها شيء، كما سئل بعضهم عن مسألة من الفرائض فكتب في الفتوى: تقسم على فرائض الله سبحانه وتعالى. لا شك أن مثل هؤلاء - وهم من عَوَامِّ المُحَدِّثِينَ - لا يستسيغون بل لا يفهمون دقة أبي حنيفة في الاستنباط، وغوصه العميق في استخراج الأحكام من النصوص، وَمِنْ ثَمَّ فَهُمْ أسرع الناس إلى إساءة الظن به. وَالصَدِّ عنه، وإشاعة قالة السوء عن تدينه، ورميه بالاستخفاف بالأحاديث. 6 - لقد كان لأبي حنيفة أقران، وفي عصره علماء، ومن طبيعة التنافس في بني الإنسان أن تضيق صدورهم بمن يمتاز عليهم بفهم، أو يزيد عنهم في شُهْرَةٍ أو يوضع له القبول عند الناس أكثر منهم، تلك طبيعة قَلَّ أن يخلو منها إنسان حتى العلماء إلا من رفع الله نفسه عن الصَغَارِ. وملأ قلبه بالحكمة وأورثه هُدَى النَبِيِّينَ وطمأنينة الصِدِّيقِينَ. وقد عقد ابن عبد البر في " جامع بيان العلم "، فَصْلاً خَاصًّا لتنافس العلماء وما ينتجه ذلك من أقوال بعضهم. ذكر في أوله قَوْلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: «اسْتَمِعُوا عِلْمَ الْعُلَمَاءِ وَلاَ تُصَدِّقُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمْ أَشَدُّ تَغَايُرًا مِنَ التِّيُوسِ فِي [زُرُوبِهَا]» (¬1). وتعرض لمُطَرِّفِ مِمَّا رَمَى بِهِ العُلَمَاءُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، من مثل قول مالك في محمد بن إسحاق، وقول يحيى بن معين في الشافعي، وقول حَمَّادٍ في أهل مكة، وقول الزُّهْرِيِّ كذلك في أهل مكة. ولقد بلغ أبو حنيفة من نباهة الشأن وعلو المرتبة وذيوع الصيت ما جعل بعض أقرانه يتحدثون عنه في المجالس بما لا يصح، وينقلون إلى الخليفة عنه ما لم يقع، حتى لقد قال أبوحنيفة في أحد هؤلاء، وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة في عصره: «إِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَيَسْتَحِلُّ مِنِّي مَا لاَ أَسْتَحِلُّهُ مِنْ حَيَوَانٍ» (¬2). ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 2/ 151. (¬2) " مناقب أبي حنيفة " للموفق المكي.

ما نقل عن مالك وغيره في أبي حنيفة:

7 - لقد كان من أثر العوامل السابقة مجتمعة، أن تناقل الناس أشياء عن أبي حنيفة، منها ما لا ظل له من الحق، ومنها ما لم يفهمه الناس على حقيقته من طرائق أبي حنيفة في الاجتهاد، ولقد وصل ذلك إلى أسماع العلماء البعيدين عن أبي حنيفة كما بلغتهم بعض فتاويه التي خالفهم فيها وهم لا يعرفون وجهاً لمخالفته إياهم مع اعتقادهم بأن ما بين أيديهم من الآثار يخالف ما أثر عنه، فتنطلق ألسنتهم أحياناً بما ينم عن سوء رأيهم فيه، ولكن سرعان ما يرجعون إلى الحق فيه حين يجتمعون به ويطلعون على وجهة نظره، ويرون من دينه ودقة فهمه ما يحملهم على الثناء عليه، انظر إلى ما ذكره صاحب " الخيرات الحسان ": مِنْ أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ كَانَ يُسِيءُ الظَنَّ بِأَبِي حَنِيْفَةَ حِينَ بَدَأَ يَشْتَهِرُ أَمْرُهُ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ اجْتَمَعَ بِهِ بَعْدُ، حَتَّى قَالَ مَرَّةً لِعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ: «مِنْ هَذَا المُبْتَدِعُ الذِي خَرَجَ بِالكُوفَةِ، وَيُكَنَّى أَبَا حَنِيفَةَ؟» فَلَمْ يُجِبْهُ ابْنُ المُبَارَكِ، بَلْ أَخَذَ يُذْكُرُ مَسَائِلَ عَوِيصَةً وَطُرُقَ فَهْمِهَا وَالفَتْوَى فِيهَا، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «مِنْ صَاحِبُ هَذِهِ الفَتَاوَى؟» فَقَالَ: «شَيْخٌ لَقِيتُهُ بِالعِرَاقِ»، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «هَذَا نَبِيلٌ مِنَ المَشَايِخِ، اذْهَبْ فَاسْتَكْثِرْ مِنْهُ»، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: «هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ» ... ثُمَّ اجْتَمَعَ الأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيْفَةَ بِمَكَّةَ، فَتَذَاكَرَا المَسْائِلَ التِي ذَكَرَهَا ابْنُ المُبَارَكِ فَكَشَفَهَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ لابْنِ المُبَارَكِ: «غُبِطْتُ الرَّجُلُ بِكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَُْفَوَرِ عَقْلِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى، لَقَدْ كُنْتُ فِيْ غَلَطٍ ظَاهِرٍ، الْزَمْ الرَّجُلَ، فَإِنَّهُ بِخِلاَفِ مَا بَلَغَنِيَ عَنْهُ» (¬1) مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي أَبِي حَنِيفَةَ: ويسوقفنا القول عن هذه الناحية إلى التعرض لما أثر عن كبار العلماء في عصر أبي حنيفة من أقوال متناقضة في أبي حنيفة. فقد رُوِيَ عن مالك، والثوري، والأوزاعي، وسفيان بن عُيينة، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم أقوال مختلفة في الحكم على أبي حنيفة، وتجد ذلك واضحاً فيما ساقه الخطيب في " تاريخه " من روايات في الثناء والذم على السواء، من أئمة ¬

_ (¬1) " الخيرات الحسان " لابن حجر الهيتمي: ص 33، 34. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: [" الخيرات الحسان " لابن حجر الهيتمي، طبع على نفقه مولوي محمد عبد الله جيتكر وشركائه في بومبي - الهند، سَنَةَ 1324 هـ. وطبع بمطبعة السعادة بجوار محافظة مصر، لصاحبها محمد إسماعيل].

بأعيانهم، ونحن وإن كنا نذهب إلى ما ذهب إليه المَلِكُ المُعَظَّمْ عِيسَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ الأَيُّوبِي (¬1) وغيره من كَذِبِ الروايات المنسوبة إلى الأئمة في الطعن بأبي حنيفة. إلا أننا لا نستغرب أن يكون قد صح عنهم شيء من هذا للسبب الذي ذكرناه آنِفاً وضربنا له مِثَالاً من موقف الأوزاعي قبل أن يجتمع بأبي حنيفة، وموقفه بعد الاجتماع به، فهذا عندي هو المَحْمَلُ الصحيح، لما قد يصح من أخبار في ذَمِّ أبي حنيفة من بعض علماء عصره، وأنا لا أشك في أن آخر الأمرين منهم كان تحسين الظن به والثناء عليه، والإشادة بفضله، بعد أن كثرت رحلاته إلى المدينة ومكة والبصرة وبغداد، حتى ذكروا أنه حَجَّ خمساً وخمسين حَجَّةً، ولا شك أنه كان في جميعها يجتمع بالعلماء ويدارسهم وَيُبْدِي لهم ما عنده ويأخذ ما عندهم، ولهذا أثره بلا شك في فهمهم لطريقة الإمام في الاجتهاد واطلاعهم على حقيقة عذره فيما ترك من أخبار وأحاديث، فليس غريباً بعد ذلك أن تتواتر شهاداتهم له بالفقه واعترافاتهم باستقامته على المَحَجَّةِ التى سار عليها أهل العلم من قبله. ومن ذلك ما أخرجه القاضي عياض في " المدارك " من أن أبا حنيفة ومالكاً اجتمعا ذات يوم في المدينة، ثم خرج مالك وهو يتصبب عرقاً، فقال له الليث بن سعد: «أَرَاكَ تَعْرَقُ؟» قال مالك: «عَرَقْتُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، إِنَّهُ لَفَقِيهٌ يَا مِصْرِيُّ». وقد صح عن مالك أنه كان يطالع كتب أبي حنيفة - أي كتب أصحابه عنه - حتى جمع عنده من مسائله نحو ستين ألف مسألة، كما نقل ذلك عنه ابن أبي العوام السعدي، وأبو عبد الله بن علي الصيمري، وَالمُوَّفَّقْ الخَوَارِزْمِيُّ وغيرهم (¬2). وقد اعترف أصحاب مالك وكبار المؤلفين في مذهبه بثناء مالك على أبي حنيفة وأجابوا عما نقل عنه من ذَمِّهِ وقدحه أجوبة مختلفة، فالإمام أبو جعفر الداودي صلحب " النامي على الموطأ " يعتذر بأن مالكاً قال ذلك في حالة غضب، وقد يقول العالم حين يضيق صدره ما يستغفر اللهَ منه بعد ذلك. ¬

_ (¬1) في كتابه " السهم المصيب في كبد الخطيب ". (¬2) " تأنيب الخطيب " للكوثري: ص 3.

نتائج هذه الضجة:

أما الحافظ ابن عبد البر، فيرى بأن روايات الطعن واردة عن طريق أصحاب الحديث من تلاميذ مالك، أما أصحاب الفقه منهم فلا يثبتون منها شيئاً. على أنه قد نفى أبو الوليد الباجي في " شرحه على الموطأ " نسبة هذه الأقوال إلى الإمام مالك وقال: «لما يتكلم مالك في الفقهاء أصلاً وإنما تكلم في بعض الرُواة من جهة الضبط» واستدل لذلك بما بلغ من إجلال مالك لعبد الله بن المبارك، وقد كان من أخص أصحاب أبي حنيفة (*). أما الإمام الشافعي، فلا نشك في كذب ما نُقِلَ عنه في ذَمِّ أبي حنيفة، لأنه لم يدركه، وقد أدرك أصحابه وخاصة محمد بن الحسن، واطلع على فقهه منه واعترف بأنه غادر بغداد، وقد حمل من علمه وَقْرَ بَعِيرٍ، فلا يعقل أن يذكر أبا حنيفة بسوء، وهو الذي قال قولته المشهورة عنه: «النَّاسُ عِيَالٌ فِي الفِقْهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ». وأما الإمام أحمد فهو أيضاًً لم يدرك أبا حنيفة، وإنما أدرك أبا يوسف، وحضر حلقته في أول طلبه للعلم حتى روي عنه قوله: «كَتَبْتُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلاَثَ قَمَاطِرَ فِي ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ» (¬1) ونظر في كتب محمد بن الحسن حتى إنه سئل من أين لك هذه الأجوبة الدقيقة؟ فقال: «مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدٍ بْنِ الحَسَنِ» (¬2). نعم أنا لا أستغرب أن يُؤْثَرَ عنه شيء في مسلك أبي حنيفة الفقهي لا في شخصه، فقد كان الرجلان متنازعي المشرب في مدى الأخذ بِالسُنَّةِ، رغم اتفاقهما في مبدأ الأخذ بها، لقد كان أحمد يقول: «ضَعِيفُ الحَدِيثِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ رَأْىِ الرِّجَالِ» (**) بينما كان أبو حنيفة يَتَشَدَّدُ في صحة الحديث ولا يقبل إلا ما فَشَا في أيدي الثقات. ومثل هذا الاختلاف لايعتبر طَعْنًا، وَلِكُلٍّ وِجْهَةً هُوَ مُوَلِّيهَا. نَتَائِجُ هَذِهِ الضَجَّةِ: تلك الحقائق التي ذكرنا لك من أسباب الضَجَّةِ الكُبْرَى حول أبي حنيفة في عصره، أحاطت مركز أبي حنيفة بالعواصف من كل جهة، ونسبت إليه آراء ما قالها، ¬

_ (¬1) " حسن التقاضي في سيرة أبي يوسف القاضي ": ص 28. (¬2) " تأنيب الخطيب " للشيخ محمد زاهد الكوثري: ص 180. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [انظر " المنتقى " لأبي الوليد الباجي: 7/ 300، الطبعة الأولى سَنَةَ 1332 هـ الناشر: مطبعة السعادة - بجوار محافظة مصر. (ثم صورتها دار الكتاب الإسلامي، القاهرة - الطبعة: الثانية، بدون تاريخ)]. (**) [انظر الصفحة 442 من هذا الكتاب].

هل كان أبو حنيفة قليل البضاعة في الحديث؟:

وعقائد لم يعتقدها، فهو مرجىء عند بعض الناس، وقَدَرِيٌّ عند بعضهم الآخر، وقائل بالتناسخ عند فريق، وَمُنْكِرٌ للحديث عند جماعة اَخرين، وقائل في دين الله بالرأي والهوى عند كثير من الناس. ولقد ذهبت كل هذه الاتهامات بعد وفاة أبي حنيفة وانتشار فقهه وتلامذته في الأقطار مع الريح، فلم يبق منها شيء. ولكن الذي بقي ولا يزال حتى اليوم باقياً مِمَّا ألصقه خصوم أبي حنيفة أمران كان للعصبية المذهبية من جهة، والجهل بطرق الأئمة في الاجتهاد من جهة أخرى، أَثَّرَ في اتهام أبي حنيفة بهما، وبقاء هذا الاتهام حتى اليوم، حتى اتخذ أعداء السُنَّةِ من أحدهما وسيلة للتشكيك بها كما رَأَيْتَ من صنيع صاحب " فجر الإسلام ". أما التهمتان فهما: قلة بضاعة أبي حنيفة من الحديث، وتقديمه الرأي والقياس على الحديث الصحيح، وسنبحث في أمر هاتين التُّهْمَتَيْنِ ومستندهما من التاريخ ونعرضهما على الحقائق الثابتة في تاريخ أبي حنيفة، والمأثور من فقهه واجتهاده. هَلْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ قَلِيلَ البِضَاعَةِ فِي الحَدِيثِ؟: يروي لنا الخطيب البغدادي نقولاً متعددة يرمي فيها أصحابُها أبا حنيفة بقلة البضاعة في الحديث وضعفه فيه، من ذلك ما نقله عن ابن المبارك: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَتِيمًا فِي الحَدِيثِ»، وعن [أَبِي] (*) قطن: «كَانَ زَمَنًا فِي الحَدِيثِ»، وعن يحيى بن سعيد القطان: «لَمْ يَكُنْ بِصَاحِبِ حَدِيثٍ»، وعن ابن معين: «اِيشْ كَانْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ الحَدِيثِ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْهُ؟»، وعن أحمد بن حنبل: «أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَأْيٌ وَلاَ حَدِيثٌ»، وعن أبي بكر بن أبي داود: «جَمِيعُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ الحَدِيثِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ حَدِثًا أَخْطَأَ فِي نِصْفِهَا»، وعن عبد الرزاق: «مَا كَتَبْتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِلاَّ لأُكْثِرَ بِهِ رِجَالِي، وَكَانَ يَرْوِي عَنْهُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ حَدِيثًا» وعن ابن المديني «أَنَّهُ رَوَى خَمْسِينَ حَدِيثًا أَخْطَأَ فِيهَا» (¬1). ¬

_ (¬1) هذه الأقوال مبثوثة في الجزء الثالث عشر من " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي: ص 444، فما بعدها. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [عمرو بن الهيثم بن قطن بن كعب الزبيدي القطعي، أبو قطن، البَصْرِيِّ]. • قال السُّلَمِيُّ: سئل الدَّارَقُطْنِيّ عن أبي قطن الذى روى عن شعبة ومالك، فقال: هو عمرو بن الهيثم بن قطن بن كعب القطعي، روى عن مالك وشعبة، وحدث شعبة، عن جده قطن بن كعب بحديث واحد، وكنية قطن، أبو الهيثم، وأكثر عنه النضر بن شميل. نقلاً عن " موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله "، تأليف: مجموعة من المؤلفين (الدكتور محمد مهدي المسلمي - أشرف منصور عبد الرحمن - عصام عبد الهادي محمود - أحمد عبد الرزاق عيد - أيمن إبراهيم الزاملي - محمود محمد خليل)، 2/ 498، ترجمة رقم 2641. الطبعة الأولى، 2001 م، نشر عالم الكتب للنشر والتوزيع - بيروت، لبنان].

ونحن لا نريد أن ننقد هذه الروايات من جهة سندها، فقد فَنَّدَهَا المُحَقِّقُون َوَبَيَّنُوا تحامل الخطيب في سردها وإيرادها (¬1)، ولكنا نريد أن ننقد الفكرة التي ما زال يُرَدِّدُهَا خُصُومُ أَبِي حَنِيفَةَ وَخُصُومُ السُنَّةِ معاً، والتي رَدَّدَهَا بعض المُؤَرِّخِينَ عن طيب قلب، كما فعل ابن خلدون في " مقدمته " إذ ذكر - بصيغة التمريض والضعف - أن مروياته بلغت - على ما يقال - سبعة عشر حَدِيثًا. ولا شك أن من الخطورة بمكان، أن نرى إماماً من كبار أئمة المُسْلِمِينَ، صاحب مذهب من أوسع المذاهب الفقهية فروعاً واستنباطاً، يدين بمذهبه عشرات الملايين من المُسْلِمِينَ في مشارق الأرض ومغاربها، ثم لا تزيد ثروته في الحديث عن بضعة عشر حَدِيثًا أو مائة وخمسين .. فهل هذا صحيح؟ .. 1 - إن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - إمام مجتهد بإجماع الموافقين والمخالفين، ومن شرائط الاجتهاد أن يحيط المجتهد بأحاديث الأحكام، وهي آلاف، وعلى أقل تقدير بضع مئات كما ذهب إليه بعض الحنابلة، فكيف جاز لأبي حنيفة أن يجتهد وهو لم يستكمل أهم شرط من شروط الاجتهاد؟ .. وكيف اعتبر الأئمة اجتهاده وعنوا بفقهه، ونقلوه في الآفاق واشتغلوا به تقريراً أو نقداً، وهو قائم على غير أساس؟. 2 - إن من يطالع مذهب الإمام يجده قد وافق الأحاديث الصحيحة في مئات من المسائل، وقد جمع شارح " القاموس " السَيِّدُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِي - رَحِمَهُ اللهُ - كتاباً جمع فيه الأحاديث من مسانيد الإمام أبي حنيفة والتي وافقه في روايتها أصحاب الكتب الستة سماه: " عقد الجواهر المنيفة في أدلة أبي حنيفة ". فكيف وافق اجتهاد الإمام مئات الأحاديث الصحيحة، وليس عنده إلا بضعة عشر حَدِيثًا، أو خمسون، أو مائة وخمسون أخطأ في نصفها؟. 3 - لقد أفرد ابن أبي شيبة في " مصنفه الكبير " باباً لما خالف فيه أبو حنيفة ما صح ¬

_ (¬1) انظر " تأنيب الخطيب على ما ساق في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب " للشيخ محمد زاهد الكوثري، فقد ناقش هذه الروايات بتكذيب نسبة هذه الأقوال إلى أصحابها.

من الأحاديث فبلغت مائة وخمسة وعشرين مسألة، فلو سلم لابن أبي شيبة جميع ما أخذه على أبي حنيفة كانت بقية المسائل التي أثرت عنه موافقة للحديث في كل مسألة ورد فيها حديث، وإذا كانت مسائل أبي حنيفة على أقل تقدير ثلاثاً وثمانين ألف مسألة - وهنالك روايات تبلغ العدد إلى ألف ألف ومائتي ألف - فهل هذا العدد الضخم الباقي من المسائل التي يعترف ابن أبي شيبة أن أبا حنيفة لم يخالف فيها السُنَّةَ، جاءت فيها سُنَّةٌ أم لا؟ فإن جاءت فيها أو في بعضها سُنَّةٌ لزم ذلك أن يكون ما عند أبي حنيفة من الحديث مئات وآلاف، وإن لم يجيء في شيء منها سُنَّةٌ، لزم أن يكون ما ورد مِنَ السُنَّةِ لا يزيد على مائة وخمسة وعشرين حَدِيثًا فقط ولا يقول هذا أحد من أئمة المُسْلِمِينَ وأهل العلم بالحديث. 4 - إن أبا حنيفة مِمَّنْ تُذْكَرُ آراؤهم في مصطلح الحديث، فكيف يكون قليل البضاعة فيه، ثم يعتبر عند علماء ذلك الفن من الأئمة الذين تُدَوَّنُ آراؤهم في قواعد الحديث ورجاله، ويعتمد مذهبه بينهم وَيُعَوَّلُ عليه رَدًّا أو قبولا؟. 5 - لقد كتب أبو حنيفة عن أربعة آلاف شيخ، حتى عَدَّهُ الذهبي في " تذكرته " التي هي ثبت الحفاظ، وَحَدَّثَ عَنْهُ يحيى بن نصر فقال: «دَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي بَيْتٍ مَمْلُوءٍ كُتُبًا، فَقُلْتُ لَهُ: " مَا هَذَا؟ "، فَقَالَ: " هَذِهِ الأَحَادِيثُ مَا حَدَّثَ مِنْهَا إِلاَّ اليَسِيرَ الذِي يُنْتَفَعُ بِهِ "». 6 - إن أبا حنيفة وإن لم يجلس للتحديث كعادة المُحَدِّثِينَ، وإن لم يُصَنِّفْ في الأخبار والآثار كما ألف مالك، إلا أن تلاميذه جمعوا أحاديثه في كتب ومسانيد بلغت بضعة عشر مسنداً. وأشهر هذه المصنفات والمسانيد كتاب " الآثار " لأبي يوسف وكتاب " الآثار المرفوعة " لمحمد، وكتاب " الآثار المرفوعة والموقوفة " له، و" مسند الحسن بن زياد اللُؤْلُؤِي "، و" مسند حمَّاد بن الإمام أبي حنيفة " ومِمَّنْ صنَّف في مسانيده: الوهبي، والحارثي البخاري، وابن المظفر، ومحمد بن جعفر العَدْل، وأبو نعيم الأصبهاني، والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وابن أبي العوام السعدي، وابن خسرو البلخي.

ثم جمع أكثر هذه المسانيد قاضي القضاة أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي، المُتَوَفَّى سَنَةَ (665 هـ) في كتاب ضخم سماه "جامع المسانيد "، رتبه على أبواب الفقه، مع حذف المُعَادِ وعدم تكرير الإسناد، قال في خطبته: «وَقَدْ سَمِعْتُ فِي الشَّامِ عَنْ بَعْضِ الجَاهِلِيَنَ بِمِقْدَارِهِ - أَيُّ بِمِقْدَارٍ أَبِي حَنِيفَةَ - مَا يُنْقِصُهُ وَيَسْتَصْغِرُهُ، وَيَنْسِبَهُ لِقِلَّةِ الحَدِيثِ، وَيْسْتَدِلُّ عَلَىَ ذَلِكَ بِـ " مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ "، وَ " مُوَطَّأِ مَالِكٍ " وَزَعَمَ أَنْ لَيْسَ لأَبِي حَنِيفَةَ مُسْنَدٌ، وَكَانَ لاَ يَرْوِي إِلاَّ عِدَّةَ أَحَادِيثَ، فَلَحِقَتْنِي حَمِيَّةٌ دِينِيَّةٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ مَسَانِيدِهِ التِي جَمَعَهَا لَهُ فُحُولِ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ.» الخ وهو كتاب مطبوع يقع في 800 صفحة. وَمِمَّنْ روى هذه المسانيد قراءة وسماعاً وكتابةً، مُحَدِّثُ الديار الشامية الحافظ شمس الدين بن طولون في " الفهرست الأوسط " وَمُحَدِّثُ البلاد المصرية الحافظ محمد بن يوسف الصالحاني، وقد قال في كتابه: " عقود الجمان ": «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ كِبَارِ حُفَّاظِ الحَدِيثِ وَأَعْيَانِهِمْ، وَلَوْلاَ كَثْرَةُ اعْتِنَائِهِ بِالحَدِيثِ مَا تَهَيَّأَ لَهُ اسْتِنْبَاطِ مَسَائِلِ الفِقْهِ. وَذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي " طَبَقَاتِ الحُفَّاظِ " وَلَقَدْ أَصَابَ وَأَجَادَ»، ثم قال في الباب الثالث والعشرين من "عقود الجمان ": «إِنَّمَا قَلَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُتَّسِعَ الحِفْظِ، لاشْتِغَالِهِ بِالاسْتِنْبَاطِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْوِ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِِّ إِلاَّ القَلِيْلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَىَ مَا سَمِعَاهُ لِلْسَّبَبِ نَفْسِهِ، كَمَا قَلَّتْ رِوَايَةِ أَمْثَالَ أَبِيْ بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ كِبَارِ الْصَّحَابَةِ - رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمْ - بِالنِّسْبَةِ إِلَىَ كَثْرَةِ اطِّلاَعِهِمْ، وَقَدْ كَثُرَتْ رِوَايَةَ مَنْ دُونَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ» ثم ساق أخباراً تدل على كثرة ما عند أبي حنيفة من الحديث، ثم أطال النفس في سرد أسانيده في رواية مسانيد أبي حنيفة السبعة عشر لجامعيها - وذكر أسماءهم - تدليلاً على كثرة حديثه، وكذلك الشمس الحافظ ابن طولون إذ ساق أسانيد تلك المسانيد السبعة عشر أيضاًً في " الفهرست الأوسط "، بل كان الخطيب حينما رحل إلى دمشق استصحب معه " مسند أبي حنيفة للدارقطني "، و" مسنده لابن شاهين "، و" مسنده للخطيب " نفسه، وهذه غير تلك المسانيد السبعة عشر. وذكر البدر العيني في " تاريخه الكبير ": أن " مسند أبي حنيفة لابن عقدة " يحتوي وحده على ما يزيد على ألف حديث، وهو أيضاًً غير تلك المسانيد.

وقد قال السيوطي في " التعقيبات ": «ابْنُ عُقْدَةَ مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ، وَثِقَةُ النَّاسِ وَمَا ضَعَّفَهُ إِلاَّ مُتَعَصِّبٌ». وَلِزُفَرْ أيضاًً كتاب " الآثار " يكثر فيه عن أبي حنيفة، ونسختا زفر في الحديث مِمَّا ذكر الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث " (¬1). هذا هو القول في بضاعة أبي حنيفة في الحديث، وكما سقطت فرية قلة بضاعته كما رأيت، تسقط الفرية الأخرى التي تدعي أنه لم يصح عنده إلا بضعة عشر حَدِيثًا، فهذا القول عدا أنه لا وُرُودَ له في كتاب معتبر ولم نره إلا لابن خلدون (¬2) وعبارته مبهمة إذ يذكر أن ذلك عدد مروياته. وهذا المعنى غير صحيح وعدا هذا فإن ما صح عن أبي حنيفة من المسانيد التي ذكرت أحاديثه وما روي عنه في فقهه من الحديث الذي عمل به يبلغ المئات كما ذكرنا مِمَّا يكذب هذا القول ويجعله فرية مكشوفة. ونحب أن ننوه هنا بخطأ وقع فيه بعض الكُتَّابِ (¬3)، وهو أنهم يعتذرون لأبي حنيفة عن قلة الحديث بأنه كان في الكوفة وأحاديثها قليلة، وهي ليست دار حديث، وهذا خطأ أوقعهم فيه عدم التَنَبُّهِ لمكانة الكوفة العلمية في عصر أبي حنيفة، وعدم التَنَبُّهِ لرحلات أبي حنيفة العلمية إلى أشهر المدن الإسلامية. أما الكوفة فقد كانت منذ بنائها سَنَةَ 17 هـ مَحَطَّ [رِحَالِ] (*) كبار الصحابة، وقد بعث عمر إلى أهل الكوفة عبد الله بن مسعود المعروف بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وهو سادس سِتَّةٍ في الإسلام - ليعلمهم القرآن ويفقههم في الدين قائلاً لهم: «وَإِنِّي ¬

_ (¬1) " تأنيب الخطيب ": ص 156. (¬2) لعل منشأ قول ابن خلدون من أن محمداً روى " المُوَطَّأ " عن مالك وزاد فيه ثلاثة عشر حَدِيثًا من روايته عن أبي حنيفة، وأربعة أحاديث من روايته عن أبي يوسف. فظن من لا علم له أن هذا كل م صح عن أبي حنيفة من أحاديث، ومع ذلك فلا بد من إدامة البحث حتى نتأكد من المصدر الذي استقى منه ابن خلدون عبارته. (¬3) ومنهم الدهلوي في كتابه "حُجَّة الله البالغة ". ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [محط (رِحَالِ) بينما كُتِبَتْ خطأ (رِجَالِ) في هذه الطبعة وكذلك طبعة دار الوراق: ص 452 السطر 15].

آثَرْتُكُمْ عَلَى نَفْسِي بِعَبْدِ اللهِ» وما ذاك إلا لكبر منزلة ابن مسعود في العلم بحيث لا يستغني عنه الخليفة في عاصمته، وقد قال - عَلَيْهِ السَلاَمُ -: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» وقال عنه عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «كَنَيفٌ مَلِيءٌ عِلْمًا» والأخبار الواردة في سَعَةِ علمه، وجليل مناقبه في غاية الكثرة، ومثل هذا الصحابي الجليل تَوَلَّى تفقيه أهل الكوفة بجد وعناية منذ بعثه عمر إلى أواخر خلافة عثمان، وتخرج عليه عدد عظيم جِدًّا من القُرَّاءِ والفقهاء في الكوفة، حتى إن عَلِيَّ بن أبي طالب أعجب غاية الإعجاب بكثرة فقهائها، فقال لابن مسعود، «مَلأْتَ هَذِهِ القَرْيَةَ عِلْمًا وَفِقْهًا» بل بلغ تلاميذه وتلاميذ تلاميذه أربعة آلاف هم سُرُجُ تلك القرية. وبعد انتقال عَلِيٍّ وَقُرَّاءَ الصحابة إلى الكوفة ازداد الاهتمام بتفقيه أهلها إلى أن أصبحت الكوفة لا مثيل لها في أمصار المُسْلِمِينَ في كثرة فقهائها وَمُحدِّثِيهَا والقائمين بعلوم القراَن وعلوم اللغة العربية فيها من حيث سكن أفصح القبائل العربية حولها، وكثرة من نزل بها من كبار الصحابة، فكبار أصحاب عَلِيٌّ وابن مسعود لو دُوِّنَتْ تراجمهم في كتاب خاص لأتى كتاباً ضخماً، وأبلغ العِجْلِي عدد الصحابة الذين سكنوا الكوفة فقط إلى ألف وخمسمائة صحابي فضلاً عن باقي بلدان العراق. قال مسروق بن الأجدع التابعي الكبير: «وَجَدْتُ عِلْمَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَهِي إِلَى سِتَّةٍ: إِلَى عَلِيٍّ وَعَبْدَ اللهِ، وَعُمَرَ، و [زيد بن ثابت] (*)، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ، ثُمَّ وَجَدْتُ عِلْمَ هَؤُلاَءِ السِتَّةِ انْتَهَى إِلَى عَلِيٍّ، وَعَبْدَ اللهِ - أَيْ ابْنَ مَسْعُودٍ -» (¬1). أما رحلات أبي حنيفة: فقد دخل البصرة عشرات المرات، وزار المدينة عشرات المرات، وأقام بمكة ست سنوات منذ 130 هـ إلى 136 كما قدمنا، وفي هذين البلدين المباركين اجتمع أبو حنيفة بأكثر علمائها وبعض مشاهير العلماء في غيرهما كالأوزاعي، وفيهما أخذ علم ابن عباس من تلاميذه في مكة، وَعِلْمَ عُمَرٍ من تلاميذه ¬

_ (¬1) " حسن التقاضي ". ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [وردت في هذه الطبعة خطأ (يزيد) وإنما هو (زيد بن ثابت)، وكذلك ورد نفس الخطأ في طبعة الوراق: ص 453].

هل كان أبو حنيفة يقدم الرأي على الحديث؟:

في المدينة، ولقد أخذ عن بعض أئمة آل البيت كَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنَ العَابِدِينَ، ومحمد الباقر، وأبي محمد بن عبد الله بن الحسن (¬1). وقد أخرج الخطيب في " تاريخه " قال: «دَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ يَوْمًا عَلَى المَنْصُورِ وَعِنْدَهُ عِيسَىْ بْنُ مُوسَى، فَقَالَ لِلْمَنْصُورِ: "هَذَا عَالِمُ الْدُنْيَا اليَوْمَ "، فَقَالَ لَهُ: " يَا نُعْمَانُ عَمَّنْ أَخَذْتَ الْعِلْمَ؟ " قَالَ: " عَنْ أَصْحَابِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ "، وَمَا كَانَ فِي وَقْتِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَعْلَمُ مِنْهُ - أَيْ وَقَدْ أَخَذَ عِلْمَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ الْمَنْصُورُ. " لَقَدْ اسْتَوْثَقْتَ لِنَفْسِكَ "» (¬2). فإمام كأبي حنيفة جمع علم أشهر الصحابة واستوعبه في صدره لا يصح أن يعتذر عنه بأنه كان في بلد قليل الحديث كالكوفة، وهي ما هي في غناها بالعلماء، وامتلائها بالصحابة. وقد أقام فيها اثنان من أكابر الصحابة، عَبْدُ اللهِ وَعَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. هَلْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقَدِّمُ الرَّأْيَ عَلَى الحَدِيثِ؟: قدمنا لك من أصول مذهبه ما يدل بأجلى بيان على أنه لا يقدم على حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذا صَحَّ وكان مِمَّا فشا في أيدي الثقات، رأياً ولا قياساً ولا استحساناً، وأخرج ابن أبي العوام بسنده إلى أبي يوسف قال: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ المَسْالَةُ قَالَ: " مَا عِنْدَكُمْ فِيهَا مِنَ الآثَارِ؟ " فَإِذَا رَوَيْنَا الآثَارَ، وَذَكَرْنَا وَذَكَرَ هُوَ مَا عِنْدَهُ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَتْ الآثَارُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَكْثَرُ، أَخَذَ بِالأَكْثَرِ، فَإِذَا تَقَارَبَتْ وَتَكَافَّأَتْ نَظَرَ فَاخْتَارَ» (¬3) وَأَخْرَجَ الْمُوَفِّقُ الْخَوَارَزْمِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَىَ أَبِي مُقَاتِلٍ حَفْصٌ بْنِ سَلَمٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي كِتَابٍ " العَالِمُ وَالمُتَعَلِّمُ " عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كُلِّ شَيْءٍ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْنَاهُ أَوْ لَمْ نَسْمَعْهُ - فَعَلَى الرَّّأْسِ وَالعَيْنِ قَدْ آمَنَّا بِهِ وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ نَبِيُّ اللهِ». ¬

_ (¬1) انظر: " مناقب أبي حنيفة " للمكي. (¬2) " تاريخ بغداد ": 14/ 334. (¬3) " تأنيب الخطيب ": ص 86.

وروى ابن عبد البر في " الانتقاء " عن أبي حنيفة قوله: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يُخَالِفُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَكْرَمَنَا اللهُ وَبِهِ اسْتَنْقَذَنَا». وأخرج البيهقي في " المدخل " عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: «سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: " إِذَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَإِذَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخْتَارُ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَإِذَا جَاءَ عَنِ التَّابِعِينَ زَاحَمْنَاهُمْ "» (¬1). وأخرج ابن عبد البر عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ الْحَسَنِ: «الْعِلْمُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ النَّاطِقِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَمَا كَانَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَأْثُورَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَمَا كَانَ فِيمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَكَذَلِكَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ [جَمِيعِهِ]، فَإِذَا وَقَعَ الاخْتِيَارُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ فَهُوَ عِلْمٌ [يُقَاسُ] عَلَيْهِ مَا أَشْبَهَهُ، وَمَا اسْتَحَسَنَهُ [عَامَّةُ فُقَهَاءِ] المُسْلِمِينَ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَكَانَ نَظَيرًا لَهُ. [قَالَ]: «وَلاَ يَخْرُجُ الْعِلْمُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الأَرْبَعَةِ» (¬2). وذكر الشعراني في " الميزان " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - «كَذَبَ وَاللهِ وَافْتَرَى عَلَيْنَا مِنَ يَقُولُ: إِنَّنَا نُقَدِّمُ القِيَاسَ عَلَى النَصِّ، وَهَلْ يَحْتَاجُ بَعْدَ النَصِّ إِلَىَ قِيَاسِ؟» وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَيْضًا «نَحْنُ لاَ نَقِيسُ إِلاَّ عِنْدَ الضََّرُورَةِ الشَّدِيدَةِ، وَذَلِكَ أَنَّنَا نَنْظُرُ فِي دَلِيلِ المَسْأَلَةِ مَنَ الكِتَابِ وَالَسُنَّةِ أَوْ أَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ فَإِنْ لَمْ نَجِدْ دَلِيلاً قِسْنَا حِينَئِذٍ مَسْكُوتًا عَنْهُ عَلَىَ مَنْطُوقٍ بِهِ» وَذُكِرَ عَنْهُ أَيْضًا: «أَنَّنَا نَأْخُذُ أَوَّلاً بِكِتَابِ اللهِ ثُمَّ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ بِأَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ وَنَعْمَلُ بِمَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَلَفُوَا قِسْنَا حُكْمًا عَلَىَ حُكْمٍ بِجَامِعِ العِلَّةِ بَيْنَ المَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يَتَّضِحَ المَعْنَى» وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا «مَاجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ بِأَبِي وَأُمِّي وَلَيْسَ لَنَا مُخَالَفَتُهُ، وَمَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ تَخَيَّرْنَا، وَمَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالُ» (¬3). ¬

_ (¬1) " مفتاح الجنة ": ص 31 ولعل هذا لأنه تابعي صح أنه رأى أربعة من الصحابة أوأكثر. (¬2) " جامع بيان العلم ": 2/ 36 وقد ذكرها السرخسي في " أصوله " وجعل الرابع: وما رآه المُسْلِمُونَ حسناً وما أشبهه: 1/ 318. (¬3) هذه النصوص عن الشعراني في " ميزانه ": 1/ 51 وما بعدها.

وقد ذكر الإمام محمد - رَحِمَهُ اللهُ - في " المبسوط " فصلاً للأخذ بخبر الآحاد، واستدل لذلك بطائفة من أخبار الرسول وعمل الصحابة، وهي التي ساقها الشافعي في " الرسالة ". هذه شذرة من النصوص الكثيرة التي تدل على أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ - ما كان يقدم على الحديث الصحيح رأياً أياً كان، بل نجد مثل ابن حزم ينقل عن فقهاء العراق إجماعهم على أن الحديث الضعيف يُرَجَّحُ على القياس. وقال ابن القيم في " إعلام الموقعين ": «وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ضَعِيفَ الحَدِيثِ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ القِيَاسِ وَالرَّأْيِ، وَعَلَى ذَلِكَ بَنَى مَذْهَبَهُ، كَمَا قَدَّمَ " حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ " مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ، وَقَدَّمَ " حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ " فِي السَّفَرِ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ، وَمَنَعَ قَطْعَ السَّارِقِ بِسَرِقَةٍ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَالْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَجَعَلَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَالحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَشَرَطَ فِي إقَامَةِ الجُمُعَةِ المِصْرَ وَالحَدِيثُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَتَرَكَ الْقِيَاسَ المَحْضَ فِي مَسَائِلِ الآبَارِ لآثَارٍ فِيهَا غَيْرُ مَرْفُوعَةٍ؛ فَتَقْدِيمُ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ قَوْلُهُ، وَقَوْلُ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ المُرَادُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي اصْطِلاَحِ السَّلَفِ هُوَ الضَّعِيفُ فِي اصْطِلاَحِ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَلْ مَا يُسَمِّيهِ المُتَأَخِّرُونَ حَسَنًا قَدْ يُسَمِّيهِ الْمُتَقَدِّمُونَ ضَعِيفًا». اهـ. قلت: ولا يلزم من أن تكون الأحاديث التي ذهب إليها أبو حنيفة ضعيفة عند المُحَدِّثِينَ ولو بالمعنى الذي أرادء السلف، أن تكون كذلك عند أبي حنيفة، بل لا بد أن تكون صحيحة عنده بناء على أصوله العامة، والأنظار في مثل هذا قد تختلف، وما يُصَحِّحُهُ إمام، قد لا يكون كذلك عند إمام آخر. وأياً ما كان فإن اعتراف مثل ابن حزم وابن القيم، وهما من أكبر من يَرُدُّ على الحَنَفِيَّةِ، بأن مذهب أبي حنيفة تقديم الخبر الضعيف على القياس مفيد فيما نحن بصدده، وأيضاًً فقد قدمنا لك أن مذهب أبي حنيفة قبول المراسيل وتقديمها على القياس عنده، بينما الشافعي لا يقبله إلا بشروط، وَالمُحَدِّثُونَ جميعاً يرفضونه، ولا شك أن مذهب أبي حنيفة في المراسيل هو مذهب من لا يلجأ إلى القياس إلا إذا

أعيته الحيلة فلم يجد أثرًا صحيحاً يعتمد عليه، فمن أين - إذاً - جاءت الفرية عليه بأنه كان يُقَدِّمُ الرأي على الحديث؟. ينقل لنا الخطيب البغدادي في "ت اريخه " عن عدد من الرُوَاةِ أنهم واجهوا أبا حنيفة بأحاديث فلم يقبلها، ويروي لنا عن يوسف بن أسباط أن أبا حنيفة رَدَّ على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعمائة حديث أو أكثر، ومع ذلك فلم يذكر من هذه الأربعمائة إلا أربعة أحاديث .. ويروي لنا عن وكيع قوله: «وَجَدْنَا أَبَا حَنِيفَةَ خَالَفَ مِائَتَيْ حَدِيثٍ». وعن حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: «أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَقْبَلَ الآثَارَ وَالسُنَنَ، فَرَدَّهَا بِرَأْيِهِ». ومهما يكن من صحة نسبة هذه الأقوال إلى أصحابها، ومنهم من عرف بصحبة الإمام وأخذه عنه، مِمَّا يكذب نسبة تلك الأقوال إليه، فإن الذي لا شك فيه أن بعض المُحَدِّثِينَ في عصره أخذوا عليه تركه لبعض الآثار التي صَحَّتْ عندهم. وقد أخذ ابن أبي شيبة على أبي حنيفة مخالفته للحديث في مائة وخمس وعشرين مسألة، أي مائة وخمسة وعشرين حَدِيثًا، فكيف جاز ذلك لأبي حنيفة؟ مع ما نقل الشافعي من إجماع أهل العلم أنه لا يجوز لمسلم مخالفة حديث صَحَّ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومع قول أبي حنيفة نفسه: «مَاجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ». والجواب من وجوه: 1 - إن الأنظار قد تختلف في تصحيح حديث أو تضعيفه من حيث الرُوَاةِ، فمن يراه أبو حنيفة - مثلاً - عدلاً ثقة قد يجد فيه غيره مغمزاً، ولا شك أن أبا حنيفة أدرى بشيوخه الذين أخذ عنهم، وهو متقدم في الزمن عمن نقد شيوخه من بعده، وكثيراً ما لا يكون بينه وبين الصحابي إلا راويان فقط وفي هذه الحالة يسهل عليه أن ينقد هذين الراويين لقرب عهده بهم ولوجود من يعرفهم فيسأل أبو حنيفة عنهم، أما غير شيوخه من رُوَاةِ الحجاز والشام مثلاً فقد يتوقف كثيراً في أمرهم، وقد يرى فيهم غير ما يراه تلاميذهم، ومن ثم ترك العمل لبعض الأحاديث التي صحت عند غيره، كما ترك العمل ببعض الحديث الذي صح عنده.

2 - إن المجتهد قد يرى في الحديث - الذي صح عنده وعند غيره - ما يخرجه عن ظاهره إلى وجه آخر لدليل قام عنده، أو ما يدعوه لترك العمل به لِعِلَّةٍ خَفِيَّةٍ أو معارضة لدليل أقوى منه عند المجتهد، أو لاعتقاده وَهْمَ الرَّاوِي أو نسخ الحديث، أو تخصيص عمومه أو تقييد مطلقه، فيترك حينئذ العمل به، فيراه المُحدِّثُ أو غيره تركاً للعمل بالحديث، وقد عد الليث بن سعد في " كتابه اٍلى مالك " سبعين حَدِيثًا صحيحاً ترك مالك العمل بها (¬1)، وهي مِمَّا أخرجها مالك في " المُوَطَّأ ". وَقَلَّ أن تجد إماماً إلا وقد ترك أحاديث صحت عنده لأدلة أخرى قامت في نفسه، فهذه المواقف لا يعرفها المُحدِّثُ ولا يقف على سِرِّهَا، ومن هنا كان الفرق بينه وبين الفقيه ما قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللهُ -: «مثل من يطلب الحديث ولا يتفقه، مثل الصيدلاني، يجمع الأدوية ولا يدري لأي داء هي، حتى يجيئ الطبيب، هكذا طالب الحديث لا يعرف وجه حديثه حتى يجيئ الفقيه» (¬2). وَاعْتَبِرْ هَذَا بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - صَاحِبُ الإِمَامِ - قَالَ: سَأَلَنِي الأَعْمَشُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَأَنَا وَهُوَ لاَ غَيْرَ، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ لِي: «مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا يَا يَعْقُوبُ؟» فَقُلْتُ: «بِالحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثْتَنِي أَنْتَ، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ»، فَقَالَ لِي: «يَا يَعْقُوبُ إِنِّي لأَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ أَبَوَاكَ مَا عَرَفْتُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الآنَ». وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ إِلَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الأَعْمَشِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يُجِبْهُ فِيهَا، وَنَظَرَ فَإِذَا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: «يَا نُعْمَانُ، قُلْ فِيهَا» قَالَ: «الْقَوْلُ فِيهَا كَذَا»، قَالَ: «مِنْ أَيْنَ؟» قَالَ: «مِنْ حَدِيثِ كَذَا، أَنْتَ حَدَّثْتَنَاهُ»، قَالَ: فَقَالَ الأَعْمَشُ، «نَحْنُ الصَّيَادِلَةُ وَأَنْتُمُ الأَطِبَّاءُ» (¬3). 3 - نحن لا ننكر أن أبا حنيفة قد يكون خَفِيَ عليه شيء مِنَ السُنَّةِ لم تصل إليه، فإن الصحابة تفرقوا في الأمصار، وفي كل مِصْرٍ حديث قد لا يكون في المِصْرِ الآخر، ولم يدع أحد في زمن الصحابة والتَّابِعِينَ ولا من بعدهم أنه أحاط بِالسُنَّةِ ¬

_ (¬1) " جامع بيان العلم ": 1/ 148. (¬2) الموفق المكي في " المناقب ": 2/ 91. (¬3) " جامع بيان العلم ": 2/ 131.

كلها، فهذا الشعبي تكلم شاب عنده يوماً فقال له الشعبي: «مَا سَمِعْنَاهُ بِهَذَا، فَقَالَ الشَابُّ: " كُلَّ العِلْمِ سَمِعْتَ؟ " قَالَ: " لاَ ". قَالَ: " فَشَطْرُهُ؟ " قَالَ: " لاَ ". قَالَ: " فَاجْعَلْ هَذَا فِي الشَطْرِ الثَّانِي الذِي لَمْ تَسْمَعْهُ "» (¬1). بل لقد خفي على عدد من جِلَّةِ الصحابة كثير من الأحاديث مع قربهم من رسول الله، فقد خفي عن عمر حَدِيثَ الجزية على المجوس، وحديث الرباء، حتى أخبره بهما عبد الرحمن بن عوف، وخفي عنه حديث الاستئذان حتى أخبره به أبو موسى، وخفي عنه وعن ابن مسعود حديث التيمم، وكان علمه عند عمار وغيره، وخفي على عائشة وابن عمر وأبي هريرة حديث المسح، وعلمه عَلِيٌّ وحذيفة، وخفي على عمر وزيد بن ثات حكم الإذن للحائض في أن تَنْفُرَ قبل أن تطوف، وعلمه ابن عباس وأم سليم، وخفي على ابن عباس تحريم المتعة حتى أخبره به الصحابة، وخفي على طلحة وابن عباس وابن عمر، حديث الصرف، وعلمه عمر وأبو سعيد وغيرهما، ومثل هذا كثير وقع من الصحابة (¬2)، فلم يعبهم بذلك أحد، ولا رماهم بأنهم جهلة بحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكثيراً ما حكموا بخلاف ما روي لهم قبل أن يبلغهم ذلك، فأبو حنيفة أحق أن يعذر في مثل هذا الموطن. 4 - إن لأبي حنيفة شروطاً دقيقة في قبول الأخبار حمله عليها فُشُوُّ الكذب في الحديث في عهده، فأراد أن يحتاط لدين الله - عَزَّ وَجَلَّ -، فَتَشَدَّدَ في قبول الأخبار، ومن شروطه في ذلك: [1] ألا يعارض خبر الآحاد الأصول المجتمعة عنده بعد اسقراء موارد الشرع، فإذا خالف تَرَكَهُ، عملاً بأقوى الدليلين، وعد الخبر شاذاً. [2] ألا يعارض عمومات الكتاب وظواهره، فإذا عارضها أخذ بظاهر الكتاب وترك الخبر، عملاً بأقوى الدليلين، أما إذا كان بياناً لمجمل، أو نصاً لحكم جديد، فيأخذ به. ¬

_ (¬1) " تدريب الراوي ": 108. (¬2) انظر ابن حزم في " الإحكام ": 2/ 127.

3 - ألا يخالف السُنَّة المشهورة، سواء أكانت قولية أو فعلية، عملاً بأقوى الدليلين. 4 - ألا يعارض خبراً مثله، فإذا تعارض رجح أحدهما بوجوه من الترجيح، كأن يكون أحد الصَحَابِيَيْنِ أفقه من الآخر، أو أحدهما فقيهاً والآخر غير فقيه، أو أحدهما شاباً والآخر هَرِمًا، ابتعاداً عن مظان الغلط. 5 - ألا يعمل الراوي بخلاف حديثه، كحديث أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً، فإنه مخالف لفتياه. 6 - ألا يكون الخبر منفرداً بزيادة، سواء كانت في المتن أو السند، إذ يعمل بالناقص منهما، احتياطاً في دين الله. 7 - ألا يكون فيما تعم به البلوى، إذ لا بد حينئذ من الشهرة أو التواتر. 8 - ألا يترك أحد المختلفين في الحكم من الصحابة الاحتجاج بالخبر الذي رواه أحدهم، إذ لو كان ثابتاً لاحتج به أحدهم. 9 - ألا يسبق طعن أحد من السلف فيه. 10 - الأخذ بالأخف فيما ورد في الحدود والعقوبات عند اختلاف الروايات. 11 - أن يستمر حفظ الراوي لمرويه منذ التحمل إلى وقت الأداء من غير تخلل نسيان. 12 - ألا يخالف العمل المتوارث بين الصحابة والتَّابِعِينَ دُونَ تخصيص ببلد. 13 - ألا يعول الراوي على خَطِّهِ ما لم يذكر مرويه. ذلك هو أهم ما اشترطه أبو حنيفة لصحة خبر الآحاد والعمل به (¬1)، ولاشك أن المُحَدِّثِينَ لا يوافقونه على أكثر هذه الشروط إن لم نقل كلها، وغيره من الأئمة ¬

_ (¬1) انظر " أصول " السرخسي: 1/ 364 و" كشف الأسرار " للبزدوي، و" التقرير وشروحه " و" مسلَّم الثبوت " و" شرحه " في بحث خبر الآحاد.

أمثلة من وجهة نظر أبي حنيفة في بعض الأحاديث:

يخالفونه في بعضها، ولسنا هنا بصدد الدفاع عن رأيه، أو الانتصار له، إنما الذي يهمنا أن نعرف عذر أبي حنيفة فيما تركه من أخبار الآحاد. إذا تبين لك هذا، عرفت أن ما يتهم به أبو حنيفة من تركه السُنَّةََ وأخذه بالرأي، إن كان ذلك عن اجتهاد، فلا حرج عليه، وقد فعله أئمة قبله وأئمة بعده، وإن كان عن هوى وعناد، فحاشا لله أن يفعل ذلك أبو حنيفة، وهو الذي ثبتت إمامته وورعه ووقوفه عند حدود الله ورسوله. أَمْثِلَةٌ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ: وإليك بعد هذا، أمثلة من اجتهاده الذي خالف فيه بعض الأحاديث، وبيان وجهة نظره. 1 - اجتمع أبو حنيفة بالأوزاعي في دار الخياطين وتباحثا في العلم، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «لِمَاذَا لاَ تَرْفَعُونَ أَيْدِيكُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ؟»، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «لأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «كَيْفَ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةََ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ "؟»، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ اقْتِتَاحِ الصَلاَةِ، وَلاَ يَعُودُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ "»، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «أُحَدِّثُكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَتَقُولُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ»، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «كَانَ حَمَّادٌ أَفْقَهَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ، وَعَلْقَمَةُ لَيْسَ بِدُونِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنْ كَانَ لابْنِ عُمَرَ صُحْبَةٌ، فَالأَسْوَدُ لَهُ فَضْلٌ كَبِيرٌ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «إِبْرَاهِيمُ أَفْقَهُ مِنْ سَالِمٍ، وَلَوْلاَ فَضْلُ الصُحْبَةِ لَقُلْتُ: إِنَّ عَلْقَمَةَ أَفْقَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ هُوَ عَبْدُ اللهِ»، فَسَكَتَ الأَوْزَاعِيُّ (¬1). 2 - واجتمع سفيان بن عيينة بأبي حنيفة فسأله: «هَلْ صَحِيحٌ أَنَّكَ تُفْتِي بِأَنَّ المُتَبَايِعَيْنِ لَيْسَ لَهُمَا الخِيَارُ إِذَا انْتَقَلاَ مِنْ حَدِيثِ البَيْعِ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ غَيْرَهُ وَلَوْ ظَلاَّ ¬

_ (¬1) " حُجَّةُ اللهِ البَالِغَةُ ": 1/ 331 و" محاسن المساعي في سيرة الأوزاعي ": ص 67، و" فتح القدير " لابن الهُمام: 1/ 219، و" عقود الجواهر المنيفة ": 1/ 61.

مُجْتَمِعَيْنِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ؟» قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ سُفْيَانُ: «كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ الحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» "؟» قَالَ أَبُوْ حَنِيفَةَ: «أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَا فِي سِجْنٍ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَا فِي سَفَرٍ؟ كَيْفَ يَفْتَرِقَانِ؟». اهـ. فأنت ترى أن أبا حنيفة لَمْ يَرُدَّ الحديث، ولكنه فهم من التفرق، تفرق الأقوال لا الأجسام، مُرَاعَاةً للمقصود من العقود، وللحكمة من هذه الرخصة تشمل كثيرين، كالمسافرين في سفينة واحدة أو في سفر واحد، أو الموجودين في سجن واحد، فهؤلاء قد يظلون معاً أياماً وشهوراً، فهل نقول: إنهما ما داما مجتمعين في مكان واحد فالبيع لم يتم، ولكل واحد منهما الخيار في فسخه متى شاء؟ وحمل التفرق الوارد على الأقوال جائز ووارد في القرآن وَالسُنَّةُِ، مثل قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (¬1) ومثل قوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - «افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ ... » إلخ. فالذي لا يلاحظ دقة نظر الإمام في هذا الاستنباط ويسمع بأن أْبا حنيفة يُفْتِي بأن المتبايعين متى أوجبا العقد لا خيار لهما ولو كانا في مجلس واحد، يحكم لأول وهلة بأن أبا حنيفة خالف الحديث، وليس الأمر كذلك. 3 - وإليك مثلاً مِمَّا أورده ابن أبي شيبة على أبي حنيفة «أخرج ابن أبي شيبة بسنده إلى محمد بن النعمان بن بشير، أن أباه النعمان نَحَلَهُ غُلاَماً، وَأَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليشهده، فقال: " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا؟ " قَالَ:" لاَ "، قَالَ: " فَارْدُدْهُ ". ثم أورد لهذا الحديث طريقين آخرين بألفاظ مختلفة، وَقَالَ في آخرها: وذكر أن أبا حنيفة قَالَ: " لاَ بَأْسَ بِهِ "». وجوابه كما في " النكت الطريفة " لِلْعَلاَّمَةِ الكَوْثَرِي: «اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثٍ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي النُّحْلِ بِحَيْثُ وَسَّعَتْ عَلَى أَئِمَّةِ الفِقْهِ نِطَاقَ الاجْتِهَادِ، فَرَأَىَ جُمْهُورُهُمْ أَنَّ الأَمْرَ بِالتَّسْوِيَةِ لِلْنَّدْبِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، فَأَجَازُوا أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ بَنِيهِ دُونَ بَعْضٍ بِالنُّحْلَةِ وَالعَطِيَّةِ عَلَىَ كَرَاهِيَةٍ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَالتَّسْوِيَةُ أَحَبُّ إِلَى جَمِيعِهِمْ، وَيَرَى بَعْضُهُمْ وُجُوبَ ¬

_ (¬1) [سورة آل عمران، الآية: 103].

التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ فِي العَطِيَّةِ لِظَاهِرِ بَعْضِ أَلْفَاظِ الرِّوَايَةِ، مِنْهُمْ ابْنُ الْمُبَارَكَ وَأَحْمَدُ وَالظَّاهِرِيَّةُ، وَكَانَ إِسْحَاقُ مَعَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَذْهَبِ الجُمْهُورِ. وَالإِجْمَاعُ عَلَىَ جَوَازِ هِبَةِ المَرْءِ لِمَالِهِ لِلْغَرِيبِ مِمَّا يُؤَيِّدُ رَأْيَ الجُمْهُوْرِ، وَلاَ نَصَّ حَيْثُ يَكُونُ احْتِمَالٌ، فَلاَ يَكُونُ مَعْنَى لِمَا يُقَالُ: لاَ قِيَاسَ فِي مَوْرِدِ الاجْتِهَادِ هُنَا. وَقَدْ أَوْرَدَ البَيْهَقِيُّ نَحْوَ عَشَرَةِ وُجُوهٍ فِي تَأْيِيدِ أَنَّ الأَمْرَ بِالتَّسْوِيَةِ هُنَا لِلْنَّدْبِ وَإِنْ نَاقَشَهُ فِيهَا بَعْضُهُمْ. وَسَبَبُ اخْتِلاَفِ الفُقَهَاءِ فِي حَمْلِ تِلْكَ الأَحَادِيثَ عَلَىَ الوُجُوبِ أَوْ عَلَىَ النَّدْبِ هُوَ اخْتِلاَفُ أَلْفَاظِهَا، فَقَوْلُهُ فِي هَذَا «فَأَرْجِعْهُ»، وَقَوْلُهُ فِي الآخَرِ «أُشْهِدُ عَلَى هَذَا غَيْرِي» وَفِي آخَرَ «أَيَسُرُّكِ أَنْ يَكُونُوا فِي البِرِّ سَوَاءٌ» تَدُلُّ عَلَىَ النَّدْبِ، وَهُنَاكَ أَلْفَاظٌ تُؤْذِنُ بِالوُجُوبِ مِثْلَ «لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ»، إِلاَّ إِذَا حُمِلَ الجَوْرُ عَلَىَ مُجَرَّدِ المَيْلِ لِقَرَائِنَ قَائِمَةً، حَتَّى قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: «وَالجَمْعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ البَابِ أَوْلَى مِنْ طَرْحِ بَعْضِهَا، وَمِنْ تَوْهِينِ الحَدِيثِ بِالاضْطِرَابِ فِي أَلْفَاظِهِ، وَوَجْهُ الجَمْعِ أَنْ تُحْمَلَ كُلُّهَا عَلَىَ النَّدْبِ» ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ حَمْلِهَا كُلِّهَا عَلَىَ النَّدْبِ فِي " شَرْحِهِ عَلَىَ صَحِيحِ مُسْلِمٍ ". وَنَحْنُ نَرَى أَنْفُسَنَا فِيْ غُنْيَةِ عَنْ التَّوَسُّعِ هُنَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا، لأَنَّ المَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ أَبُو حَنِيْفَةَ، بَلْ مَعَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الفِقْهِ. وَتَفْضِيلُ أَبِيْ بَكْرٍ لِعَائِشَةَ وَعُمَرَ لِعَاصِمٍ فِي العَطِيَّةِ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَا فَعَلَ غَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِقْدَامُهُمْ عَلَىَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلَى الأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ بِالتَّسْوِيَةِ لِلْنَّدْبِ» (¬1). هذا مثل مِمَّا أورده ابن أبي شيبة على أبي حنيفة من تركه العمل بالأحاديث في مائة وخمس وعشرين مسألة، ومن الجواب تعلم أن الإمام لم يترك العمل بها تقديماً للرأي عليها، وإنما فعل ذلك عن اجتهاد منه، ومثله يعذر، كما يعذر كل إمام فيما يؤدي إليه رأيه من اجتهاد. كما ينبغي أن نعلم أن ما ذكره ابن أبي شيبة من المسائل التي خالف فيها ¬

_ (¬1) " النكت الطريفة ": ص 21 - 22.

حلقة أبي حنيفة العلمية:

أبو حنيفة الحديث لم ينفرد وحده بما أدى إليه اجتهاده، بل أكثرها قد وافقه فيها إمام أو أكثر من أئمة الجمهور. حَلَقَةُ أَبِي حَنِيفَةَ العِلْمِيَّةَ: ومن علم طريقة أبي حنيفة مع تلاميذه في الاجتهاد، وما كانت تضمه حلقته من فحول العلماء أيقن أن مثله لا يصح أن يوجه إليه تلك المطاعن. أخرج ابن أبي العوام، قال: حدثني الطحاوي قال: «كَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ أَبِي ثَوْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نُوحٌ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ لِي المُغِيرَةُ بْنِ حَمْزَةَ: كَانَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الَذِينَ دَوَّنُوا مَعَهُ الكُتُبَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً كُبَرَاءَ الكُبَرَاءِ». اهـ. وبسنده إلى أسد بن الفرات أنه كان في العشرة المُتَقَدِّمِينَ من الأربعين: أبو يوسف. وزفر بن الهذيل، وداود الطائي، وأسد بن عمرو، ويوسف بن خالد السمتي، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو الذي كان يكتبها لهم ثلاثين سَنَةً. وَبِسَنَدِهِ إِلَى أَسَدٍ أَيَضًا قَالَ: «كَانُوا يَخْتَلِفُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَابِ المَسْأَلَةِ، فَيَأْتِي هَذَا بِجَوَابٍ وَهَذَا بِجَوَابٍ، ثُمَّ يَرْفَعُونَهُ إِلَيْهِ وَيَسْأَلُونَهُ عَنْهَا فَيَأْتِي الجَوَابُ مِنْ كَثَبٍ، أَيْ: مِنْ قُرْبٍ، وَكَانُوا يُقِيمُوْنَ فِي المَسْأَلَةِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَكْتُبُونَهَا فِي الدِّيوَانِ». وعن إسحاق بن إبراهيم، قال: كان أصحاب أبي حنيفة يخوضون معه في المسألة فإذا لم يحضر عافية بن يزيد قال أبو حنيفة: «لاَ تَرْفَعُوا المَسْأَلَةَ حَتَّىَ يَحْضُرَ عَافِيَةٌ»، فإذا حضر ووافقهم قال أبو حنيفة: «أَثْبِتُوهَا». وإن لم يوافقهم قال أبو حنيفة: «لاَ تُثْبِتُوهَا». اهـ. وَقَالَ يَحْيَىَ بْنُ مَعِينٍ فِي " مَعْرِفَةِ التَّارِيْخِ وَالعِلَلِ " عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ: سُمِعْتُ زُفَرَ يَقُولُ: كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَنِيْفَةَ وَمَعَنَا أَبُو يُوَسُفَ وَمُحَمَّدٌ بْنِ الحَسَنِ، فَكُنَّا نَكْتُبُ عَنْهُ، قَالَ زُفَرُ: فَقَالَ يَوْمَا أَبُوْ حَنِيْفَةَ لأَبِيْ يُوَسُفَ: «وَيْحَكَ يَا يَعْقُوْبُ لاَ تَكْتُبُ كُلَّ مَا تَسْمَعُ مِنِّي، فَإِنِّيَ قَدْ أَرَىَ الرَّأْيَ اليَوْمَ وَأَتْرُكُهُ غَدًا وَأَرَىَ الرَّأْيَ غَدًا وَأَتْرُكُهُ فِي غَدِهِ». اهـ. ومن هنا نعلم صدق ما يقول الموفق المكي من أن أبا حنيفة وضع مذهبه

كلمة إنصاف:

شورى ولم يستبد فيه بنفسه دونهم، اجْتِهَادًا منه في الدين ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين (¬1). وَمِنْ هُنَا أَيْضًا تَعْلَمُ طَرَافَةَ مَا أَخْرَجَهُ الخَطِيْبُ (¬2) عَنْ ابْنِ كَرَامَةَ، قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ يَوْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: " أَخْطَأَ أَبُوْ حَنِيْفَةَ "، فَقَالَ وَكِيْعُ: " كَيْفَ يَقْدِرُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُخْطِيءَ، وَمَعَهُ مِثْلُ أَبِي يُوَسُفَ وَزُفَرَ فِي قِيَاسِهِمَا، وَمِثْلُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَحَفْصَ بْنَ غَيَاثٍ وَحِبَّانَ وَمَنْدَلَ فِيْ حَفِظَهِمْ لِلْحَدِيثِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مَعْنٍ فِي مَعْرِفَتِهِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَدَاوُدَ الطَّائِيَِّ وَفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ فِيْ زَهْدِهِمَا وَوَرَعِهِمَا؟ وَمَنْ كَانَ هَؤُلاَءِ جُلَسَاؤُهُ لَمْ يَكَدْ يُخْطِىءُ لأَنَّهُ إِنْ أَخْطَأَ رَدُّوهُ». اهـ. ونحن لسنا مع وكيع في أن أبا حنيفة لا يخطيء، ولكننا نرى معه أن إماماً كأبي حنيفة اجتمع له من الأصحاب والبيئة وقرب العهد بالصحابة والفهم الثاقب والاجتهاد البالغ في دين الله لا يصح بحال أَنْ تُشَنَّ عليه تلك الحملة الظالمة التي بدأت في عصره من تنافس الأقران وجهل الرُوَاةِ وَتَزَيُّدِ المُتَخَرِّصِينَ، ثم ما زالت تمتد حتى بلغت أوْجَهَا بعد انتهاء فتنة خلق القرآن، حين حمل كثير من أهل الحديث على أبي حنيفة وأصحابه فَجرَّحَهُ بعضهم وَجَرَّحُوا كثيراً من أصحابه لا لشيء إلا انتقاماً من المعتزلة الذين أذاقوا أهل الحديث صُنُوفاً من العذاب والاضطهاد، وقد كان جمهور المعتزلة يأخذ بمذهب أبي حنيفة في الفروع، فهذا هو سِرُّ تلك الحملة المتأخرة، وذلك هو سِرُّ تلك الحملة المتقدمة، يقول الخطيب البغدادي: «مَا تَكَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلاَ أَبُو يُوَسُفَ وَلاَ زُفَرَ وَلاَ مُحَمَّدٌ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي القُرْآنِ بِشْرُ المَرِيسِيُّ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ، فَهَؤُلاَءِ شَانُوا أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ» (¬3). كَلِمَةُ إِنْصَافٍ: ويعجبني في هذا المقام قول الحافظ ابن عبد البر - رَحِمَهُ اللهُ - في " جامع بيان ¬

_ (¬1) " حسن التقاضي ": ص 12. (¬2) " تاريخ بغداد ": 14/ 47. (¬3) " تاريخ بغداد ": 13/ 337.

العلم " (¬1): «وَأَفْرَطَ أَصْحَابُ الحَدِيثِ فِي ذَمِّ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَجَاوَزُوا الحَدَّ فِي ذَلِكَ، وَالسَّبَبُ المُوجِبُ لِذَلِكَ عِنْدَهُمْ إِدْخَالُهُ الرَّأْيَ وَالْقِيَاسَ عَلَى الآثَارِ وَاعْتُبَارُهُمَا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا صَحَّ الأَثَرُ مِنْ جِهَةِ الإِسْنَادِ بَطَلَ الْقِيَاسُ وَالنَّظَرُ، وَكَانَ رَدُّهُ لِمَا [رَدَّ] (*) مِنَ الأَحَادِيثِ بِتَأْوِيلٍ مُحْتَمَلٍ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِمَّنْ قَالَ بِالرَّأْيِ، وَجُلُّ مَا يُوجَدُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِأَهْلِ بَلَدِهِ كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِلَّا أَنَّهُ أَغْرَقَ وَأَفْرَطَ فِي تَنْزِيلِ النَّوَازِلِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَالْجَوَابِ فِيهَا بِرَأْيِهِمْ وَاسْتِحْسَانِهِمْ، فَيَأْتِي مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ كَثِيرٌ لِلسَّلَفِ وَشُنَعٌ هِيَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِمْ بِدَعٌ (هذا رأي ابن عبد البر) وما أعلم أحداً من أهل العلم إلا وله تأويل في آية أو مذهب في سُنَّةٍ، رد من أجل ذلك المذهب سُنَّةً أخرى بتأويل سائغ أو ادعاء نسخ، إلا أن لأبي حنيفة من ذلك كثيراً وهو يوجد لغيره قليل». (هذا رأي ابن عبد البر) وبعد أن ذكر ما أحصاه الليث بن سعد على مالك من مخالفته لِلْسُنَّةِ، قال: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ يُثْبِتُ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَرُدُّهُ دُونَ ادِّعَاءِ نَسْخِ ذَلِكَ بِأَثَرٍ مِثْلِهِ، أَوْ بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِعَمَلٍ يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ الانْقِيَادُ إِلَيْهِ أَوْ طَعْنٍ فِي سَنَدِهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ فَضْلاً عَنْ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا وَلَزِمَهُ اسْمُ الْفِسْقِ، وَلَقَدْ عَافَاهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ ذَلِكَ، وَنَقَمُوا أَيْضًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الإِرْجَاءَ». (أقول: والتحقيق أن إرجاءه هو محض السُنَّةِ) ومن أهل العلم مِمَّنْ ينسب إلى الإرجاء كثير، لم يعن أحد بنقل قبيح ما قيل فيه، كما عنوا بذلك في أبي حنيفة لإمامته، وكان أيضاًً - مع هذا - يُحْسَدُ ويُنسب إليه ما ليس فيه ويُختلق عليه ما لا يليق، وقد أثنى عليه جماعة من العلماء وفضلوه ... » ثم قال - بعد أن ذكر ثناء جماعة من العلماء عليه -: «وَكَانَ يُقَالُ: يُسْتَدَلُّ عَلَى نَبَاهَةِ الرَّجُلِ مِنَ الْمَاضِينَ بِتَبَايُنِ النَّاسِ فِيهِ قَالُوا: أَلاَ تَرَى إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ فِيهِ [فَتَيَانِ] مُحِبٌّ [مُفْرِطٌ] وَمُبْغِضٌ [مُفَرِّطٌ]، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ " أَنَّهُ يَهْلِكُ فِيهِ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُطْرٍ وَمُبْغِضٌ مُفْتَرٍ "، وَهَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ النَّبَاهَةِ وَمَنْ بَلَغَ فِي الدِّينِ وَالْفَضْلِ الْغَايَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ». ¬

_ (¬1) 2/ 148. ----------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [في المطبوع جاءت كالتالي [وَرَدَ] وفي كتاب " جامع بيان العلم " لابن عبد البر: [رَدَّ] كما أَثْبَتُّهَا، انظر " جامع بيان العلم وفضله "، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، 2/ 1080، 2104. الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية].

2 - الإمام مالك:

2 - الإِمَامُ مَالِكٍ: (93 - 179 هـ) حَيَاتُهُ وَمَكَانَتُهُ العِلْمِيَّةُ: هو أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة وَمُحَدِّثُهَا الأشهر، ولد بالمدينة سنة 93 هـ. وذكر ابن الديبع الشيباني في مقدمة " تيسير الوصول " أن ولادته كانت سَنَةَ 95، ونشأ بها وتوفي فيها عام 179 هـ عن ستة وثمانين سَنَةٍ، تلقى العلم عن ربيعة الرأي وأخذ عن كبار الفقهاء من التَّابِعِينَ، وسمع كثيراً من الزُّهْرِي، حتى ليعتبر من أشهر تلاميذه، كما سمع من نافع مولى ابن عمر واشتهر بالرواية عنه حتى أصبحت روايته تسمى في عُرْفِ بعض المُحَدِّثِينَ بالسلسلة الذهبية، وهي (مالك عن نافع عن ابن عمر)، وما زال دائباً في طلب العلم وتحصيله حتى أصبحت له الإمامة في الحجاز، وأطلق عليه عالم المدينة وإمام دار الهجرة، [وانتشر] (*) صِيتُهُ في الآفاق، فهرع إليه أهل العلم من مختلف بقاع الأرض، وكان يعقد للحديث مجلساً في مسجد النَّبِيِِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وقار وأدب وحشمة، متطيباً لابساً أحسن ثيابه، لا يرفع صوته فيه إجلالاً للرسول. أُصُولُ مَذْهَبِهِ: عرف مالك - رَحِمَهُ اللهُ - بالفقه والحديث معاً، وقد عرف باحتجاجه بالمرسل كأبي حنيفة، وقد أخرج من المراسيل عدداً في " موطئه "، وكانت أصول مذهبه هي الأصول المعتبرة لدى الأئمة: الكتاب وَالسُنَّةُ والإجماع والقياس، وزاد عليها شيئين: عمل أهل المدينة والمصالح المرسلة، أما هذه الأخيرة فقال: «قال بها أكثر الأئمة»، وأما عمل أهل المدينة فقد اعتبره حُجَّةً دالة على ما كان عليه النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فعل أو حال، ولا يعتبر عملهم حُجَّةً إلا إذا كانوا مجمعين عليه متوارثين العمل به جيلاً بعد جيل حتى عهد الرسول الكريم، وهو يرى أنهم لا يلتزمون أمراً ويعملون به جميعاً إلا إذا كان أمراً مشروعاً عمل به الصحابة في عهد الرسول وأقرهم عليه ثم توارثه من بعدهم ودرجوا عليه. وعمل أهل المدينة عنده أقوى من حديث الاَحاد، فإذا تعارض خبر الواحد ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [خطأ ورد في المطبوع (والنشر صيته في الآفاق) وإنما هي (وانتشر صيته في الآفاق) كما أثبتها].

" الموطأ ": - مكانته - رواياته وأحاديثه - شروحه:

مع عمل أهل المدينة رجح الثاني، ومن هنا استدرك عليه الليث بن سعد سبعين سُنَّةً ترك الأخذ بها وهي في " موطئه "، ولم يوافقه بقية الأئمة والعلماء من بعده على هذا. وَمِمَّنْ ناقشه في ذلك الإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -، وتتالى العلماء من بعده يناقشونه في ذلك، ومن أشهر من رَدَّ عليه حُجِيَّةَ عمل أهل المدينة ابن حزم، فقد ناقشه في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " نقاشاً قوياً، وكذلك رَدَّ عليه في بحوث متفرقة من كتابه " المُحَلَّى " وهو شديد الوطأة في نقاشه العلمي مع كل من يخالفهم (¬1). وقد انتشر مذهب مالك في كثير من أقطار العالم الإسلامي وخاصة في المغرب (*) ومصر. " المُوَطَّأُ ": - مَكَانَتُهُ - رِوَايَاتُهُ وَأَحَادِيثُهُ - شُرُوحُهُ: ولعل أشهر ما عرف به الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ -، كتابه " المُوَطَّأ " الذي ألفه بإشارة من المنصور حين حج وطلب إليه أن يُدَوِّنُ كتاباً جامعاً في العلم يتجنَّبُ فيه شدائد ابن عمر وَرُخَصَ ابن عباس، وأن يُوَطِّئَهُ للناس، فألف كتابه هذا، وسمَّاه " المُوَطَّأ " وذكر السيوطي لهذه التسمية سبباً آخر، وهو ما روي أن مالكاً قال: «عَرَضْتُ كِتَابِي هَذَا عَلَى سَبْعِينَ فَقِيهًا مِنْ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ فَكُلُّهُمْ وَاطَأَنِي عَلَيْهِ فَسَمَّيْتُهُ " المُوَطَّأ "» ثم جاء المهدي حَاجًّا فسمعه منه وأمر له بخمسة آلاف دينار ولتلاميذه بألف، ثم رحل إليه الرشيد في إحدى حججه، مع أولاده وسمعه منه، ورغب أن يعلقه في الكعبة ويحمل الناس على العمل بما جاء به فأجابه - رَحِمَهُ اللهُ -: «لاَ تَفْعَلْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَلَفُوا فِي الفُرُوعِ وَتَفَرَّقُوا فِي البُلْدَانِ، وَكُلٌّ مُصِيبٌ» فَعَدَلَ الرَّشِيدُ عَنْ ذَلِكَ، رواه أبو نعيم في " الحِلْيَةِ ". وقد وضع الله له القبول في قلوب الناس، فأقبلوا عليه دراسة وسماعاً، ومن أشهر الأئمة الذين سمعوه من مالك: الأوزاعي، والشافعي، ومحمد، ورواية محمد له هي إحدى روايات " المُوَطَّأ " المشهورة والمعتبرة كما سيأتي. ¬

_ (¬1) انظر " الإحكام ": 2/ 97 - 120. ---------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [يقصد الدكتور السباعي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - ما يسمى اليوم بالمغرب العربي، والعبارة (المغرب) إذا أطلقت في السابق فتشمل كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وموريتانيا].

وقد عني مالك - رَحِمَهُ اللهُ - بتأليفه وتدوين الأحاديث الصحيحة فيه حتى قالوا: إنه مكث فيه أربعين سَنَةً يُهَذِّبُهُ وَيُنَقِّحُهُ، ويستدل لذلك بما رواه السيوطي في مقدمة " شرحه للموطأ " عن الأوزاعي، أنه قال: «عَرَضْنَا عَلَى مَالِكٍ " المُوَطَّأَ " فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ: كِتَابٌ أَلَّفْتُهُ فِي أَرْبَعِينَ سَنَةٍ، أَخَذْتُمُوهُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَا أَقَلَّ مَا تَفْقَهُونَ فِيهِ». وقد جرى في " المُوَطَّأ " على أن يُبَوِّبَهُ على أبواب العلم المختلفة، ويذكر في كل باب ما جاء فيه من الحديث عَنْ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ما ورد من الآثار عن الصحابة والتَّابِعِينَ، وكانوا في جمهرتهم من أهل المدينة، لأن مالكاً - رَحِمَهُ اللهُ - لم يغادرها، وأحياناً يفسر كلمات الحديث بعد سرده، وَيُبَيِّنُ المراد من بعض عباراته، وكان ينص على عمل أهل المدينة في الأبواب التي جاء فيها من حديث الآحاد ما يعارض ذلك العمل. أما درجة " المُوَطَّأ " في السُنَّة فقد اختلفت آراء العلماء. فقال قوم: بأنه مُقَدَّمٌ على " الصَحِيحَيْنِ " لمكانة الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ -، ولما عرف عنه من التثبت والتمحيص، وحسبك أنه أَلَّفَهُ في أربعين سَنَةٍ، وَمِمَّنْ ذهب إلى هذا الرأي ودافع عنه، ابن العربي، وهو رأي جمهور المالكية. ومنهم من جعله مع " الصَحِيحَيْنِ " في مرتبة واحدة، وإليه يشير كلام الدهلوي في " حُجَّةُ اللهِ البَالِغَةُ " حيث تحدث في طبقات كُتُبِ السُنَّةِ، وجعل في الطبقة الأولى منها، " المُوَطَّأ " و" الصَحِيحَيْنِ ". ومنهم من رأى مرتبته دُونَ مرتبة " الصَحِيحَيْنِ "، وهو رأي جمهور المُحَدِّثِينَ، وَيُعبِّرُ عن سِرِّ ذلك ابن حجر حيث يقول: «إِنَّ كِتَابَ مَالِكٍ صَحِيحٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ يُقَلِّدُهُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ مِنَ الاحْتِجَاجِ بِالمُرْسَلِ وَالمُنْقَطِعِ وَغَيْرِهِمَا» وقد عرفت عدم اعتداد المُحَدِّثِينَ بالمرسل والمنقطع وما عدا المتصل، فلا جرم إن كانت مرتبة " المُوَطَّأ " - عندهم - دُونَ مرتبة " الصَحِيحَيْنِ ". وقد أجاب أصحاب القولين عن وجود المرسل والمنقطع في " المُوَطَّأ " بأنها متصلة السند من طرق أخرى، فلا جرم أنها صحيحة من هذا الوجه.

ومِمَّنْ عَنِيَ بِوَصْلِ مَا فِيْ " الْمُوَطَّأِ " مِنْ مُرْسَلٍ وَمُنْقَطَعٍ وَمُعْضَلٍ، الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمِمََّا قَالَهُ: «وَجَمِيِعِ مَا فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ " بَلَغَنِيَ "، وَمِنْ قَوْلِهِ " عَنْ الثِّقَةِ " عِنْدَهُ مِمََّا لَمْ يُسْنِدْهُ، وَاحِدٌ وَسِتُّونَ حَدِيثًا كُلُّهَا مُسْنَدَةٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ، إِلاَّ أَرْبَعَةَ، لاَ تَعْرِفُ وَهِيَ: 1 - «إِنِّي لاَ أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّىَ». 2 - «إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لاَ يَبْلُغُوا مِنْ العَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ». 3 - قول معاذ: «آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[حِينَ جَعَلتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ (¬1)]؛ أَنْ قَالَ: " حَسِّنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ "». 4 - «إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً (أَيْ سَحَابَةٌ) ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَة» أَيْ: (كَثِيرَةَ المَاءِ). وقد دافع العلماء عن هذه الأحاديث الأربعة بأن معاني هذه الأحاديث صحيحة واستشهدوا لها بما في كُتُبِ السُنَّةِ، ولكن الشيخ الشنقيطي في كتابه " إضاءة الحالك " نقل عن ابن الصلاح أنه وصل هذه الأحاديث الأربعة، والذي استظهره السيوطي «إِطْلاَقُ أَنَّ " المُوَطَّأَ " صَحِيحٌ لاَ يَسْتَثْنِي مِنْهُ شَيْءٌ لأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ المَرَاسِيلِ مَعَ كَوْنِهِ حُجَّةً عِنْدَهُ بِلاَ شَرْطٍ، وَعِنْدَ مَنْ يُوَافِقُهُ مِنْ الأَئِمَّةِ فِي الاحْتِجَاجِ بِالمُرْسَلِ، فَهُوَ أَيْضًا حُجَّةَ عِنْدَنَا لأَنَّ الْمُرْسَلَ - عِنْدَنَا - حُجَّةَ إِذَا اعْتُضِدَ، وَمَا مِنْ مُرْسَلٍ فِيْ " المُوَطَّأَ " إِلاَّ وَلَهُ عَاضِدٌ أَوْ عَواضِدَ» (¬2). هذا وقد زعم ابن حزم أَنَّ في " المُوَطَّأ " أحاديث ضعيفة، وَهَّاهَا العلماء، وقد تَعَقَّبَهُ اللَّكْنَوِي: «بِأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إِلَى حَدِّ السُّقُوطِ وَالوَضْعِ، وَلَعَلَّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ ¬

_ (¬1) هو موضع الركاب من رحل البعير. (¬2) " شرح الموطأ ": ص 8.

مِنْ تَوْهِينِ العُلَمَاءِ لِبَعْضِ تِلْكَ الأَحَادِيثِ نَاشِئٌ مِنْ حُكْمِهُمُ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ إِلَى الطُّرُقِ التِي وَصَلَتْهُمْ، أَمَّا بِالنَّظَرِ لِطَّرِيقِ مَالِكٍ فَهِيَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ رَأْيُِهُ فِيْ شُيُوخِهِ وَمَنْ رَوَىَ عَنْهُمْ إِذْ هُوَ أَدْرَى? بِهِمْ وَأَعْرَفُ». وقد بلغت روايات " المُوَطَّأ " المتداولة نحواً من ثلاثين نسخة من أشهرها: "موطأ يحيى بن يحيى الليثي " و"موطأ ابن بُكَيْرٍ " و"موطأ أبي مُصعب " و"موطأ ابن وَهْبٍ " و"موطأ الإمام محمد بن الحسن " وهذه النسخ تختلف فيما بينها تقديماً وتأخيراً وزيادة ونقصاً لاختلاف الزمن الذي رويت فيه عن مالك، مع ما كان عليه - رَحِمَهُ اللهُ - من إدامة النظر في " موطئه " فلا يبعد أن يزيد فيه أحياناً، وأن ينقص منه أحياناً حسبما يتراءى له من النظر. ولهذا اختلفت الأقوال في عدد أحاديث " المُوَطَّأ " نظراً لاختلاف النسخ المتداولة، فأبو بكر الأَبْهُرِي يقول: «جُمْلَةُ مَا فِي " المُوَطَّأِ " مَنَ الآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، المُسْنَدُ مِنْهَا سِتُّمِائَةِ حَدِيثٍ، وَالمُرْسَلُ مِائَتَانِ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، وَالمَوْقُوفُ سِتُّمِائَةِ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَمِنْ قَوْلِ التَّابِعِينَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ». أما " موطأ محمد بن الحسن " وهو من أشهر نسخ " المُوَطَّأ " وله شهرة عظيمة في الحرمين والهند، فقد بلغ ما فيه من الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم - مسندة، ومرسلة، ومنقطعة - ثمانين ومائة وألفاً، منها عن مالك خمسة وألف، ومنها عن أبي حنيفة، ثلاثة عشر، وعن أبي يوسف، أربعة والباقي عن غيرهما. وما زال علماء الحديث يتداولون " المُوَطَّأ " شرحاً وتخريجاً، ومِمَّنْ شرحه الحافظ ابن عبد البر (463) فقد ألف فيه شرحين: الأول: " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " رَتَّبَ فيه شيوخ مالك على حروف المعجم، وقد قال فيه ابن حزم: «لاَ أَعْلَمُ فِي الكَلاَمِ عَلَىَ فَقْهِ الحَدِيثِ مِثْلَهُ فَكَيْفَ بِأَحْسَنِ مِنْهُ؟!».

هل " الموطأ "، كتاب فقه أم كتاب حديث؟:

والثاني كتاب " الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار ". وَمِمَّنْ شرحه أيضاًً الحافظ أبو بكر محمد بن العربي (- 543 هـ) والجلال السيوطي (- 911 هـ) والزُّرقاني، المالكي (- 1122 هـ) وَالدَّهْلَوِي (- 1180 هـ) والشيخ علي القاري المكي (- 1014 هـ) واللَّكْنَوِي (- 1304 هـ) في كتابه " التعليق المُمَجَّدْ على موطأ الإمام محمد ". وقد اختصر " المُوَطَّأ " كثيرون، منهم أبو سليمان الخطابي (- 388 هـ) وابن عبد البر (- 463 هـ) وابن رشيق القيرواني (- 463 هـ). كما ألفت في شرح غريبه وفي شواهده ورجاله واختلافاته مؤلفات كثيرة تدل على عناية علماء الأُمَّةِ بهذا الكتاب الجليل. هَلْ " المُوَطَّأُ "، كِتَابُ فِقْهٍ أَمْ كِتَابُ حَدِيثٍ؟: لم يختلف العلماء منذ أَلَّفَ مالك " مُوَطَّأَهُ " حتى عصرنا على أن " المُوَطَّأ " أقدم مؤلف في الحديث وصل إلينا من مؤلفات السلف في القرن الثاني، وكانت عنايتهم به بالغة كما رأيت، وإذا ذكروا كتب الحديث، ذكروها معها، واختلفوا في مرتبته بينها كما رأيت. حتى إذا كان هذا العصر الذي استطال المُسْتَشْرِقُونَ على تاريخنا وعلمائنا وصحابة رسولنا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما رأيت من صنيعهم في بحث السُنّةِ، رأينا من يقول لنا من المُسْلِمِينَ: إن " مُوَطَّأَ " مالك هو كتاب فِقْهٍ وليس كتاب حديث، ذلك هو الدكتور «علي حسن عبد القادر» في كتابه " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ". شُبْهَةُ القَوْلِ بِأَنَّهُ كِتَابُ فِقْهٍ: يَدَّعِي الدكتور في كتابه المذكور (¬1) أن " المُوَطَّأ " - إذا استثنينا " المجموع لزيد " - يُعَدُّ أول كتاب فقهي وصل إلينا في الإسلام، وأنه لا يمكن أن يعتبر أول كتاب كبير في الحديث، رغم ما له ولمؤلفه الإمام مالك من مكانة في الإسلام، لأنه لم يعتبر في الأصل كتاباً في الحديث، ولم يتخذ مكاناً بجانب " الكتب الستة " - باستثناء ¬

_ (¬1) ص 244 - 252.

جواب الشبهة:

أهل المغرب - ولكن تقوى المتأخرين (كذا كذا) هي التي جعلتهم يدخلونه أحياناً في الكتب الصحاح، ثم أكد أنه ليس كتاب حديث بالمعنى الصحيح، إذ ليس غرضه الإتيان بالأحاديث الصحيحة فحسب، بل غرضه النظر في الفقه والقانون والعادة والعمل حسب الإجماع المدني المعترف به، ولهذا يذكر فيه فتاوى لأئمة معتبرين في مسألة موجودة ليستنتج رأيه الموافق لها، ولو كان مُحَدِّثًا لأخبرنا في ذلك بحديث لا فتوى. ثم يقول بعد بحث طويل: «وَمِنْ هُنَا نَرَى أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَكُنْ جَامِعًا لِلْحَدِيثِ بَلْ كَانَ - زِيَادَةً عَلَىَ ذَلِكَ - شَارِحًا لِلأَحَادِيثِ مِنْ وِجْهَةِ النَّظَرِ العَمَلِيَّةِ» ثم يقول - بعد أن ذكر أخذ مالك الرأي أحياناً -: «فَمِنْ هَذَا نَرَى أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَكُنْ مُحَدِّثًا، وَأَنَّ الحَدِيثَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ المُعْتَمَدُ الوَحِيدُ لَدَيْهِ، بِدَلِيلِ اتِّخَاذِهِ العَمَلَ المَدَنِيَّ حُجَّةً، عَلَى أَنََّّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَدِّثًا حَقِيقِيًّا فَقَدْ أَعْطَى لِلْمُحَدِّثِينَ فَائِدَةً كَبِيرَةً، وَأَمَدَّ النَّقْدَ التَّارِيخِيَّ بِأَدَاةٍ ثَمِينَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ الإِسْنَادُ عِنْدَهُ أَمْرًا ضَرُورِيًّا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي " المُوَطَّأِ " مِنَ المَرَاسِيلِ». اهـ. ويتلخص مِمَّا ذكرناه مختصراً، وذكره مطولاً في كتابه، أمران: الأول: أَنَّ مالكاً لم يكن مُحَدِّثاً. والثاني: أَنَّ " المُوَطَّأَ " ليس كتاب حديث بل كتاب فقه. جَوَابُ الشُّبْهَةِ: 1 - أما أن مالكاً لم يكن مُحَدِّثاً فهذا تَجَنٍّ، على الحق ومخالفة لما يعرفه العلماء جميعاً، فقد كان مالك من كبار المُحَدِّثِينَ في عصره، وكانت مجالسه للتحديث معروفة مشهورة، وكانوا يقصدونه من مختلف البقاع لأخذ حديثه، ولا ينازع في هذا إلا مكابر. ولقد كان - مع حديثه وإمامته في الحديث - فقيهاً من أئمة الفقهاء، فلم يكن مِمَّنْ يجلس للتحديث فقط دُونَ أن يتكلم في فقه الحديث، أو تكون له آراء في المسائل الاجتهادية، أي أنه لم يكن كيحيى بن معين والأعمش مثلاً، وكذلك كان فقهاء التَّابِعِينَ يجمعون - غالباً - بين الحديث والفقه، فالاستدلال بأنه كان يستعمل رأيه فيما ليس فيه نص على أنه لم يكن مُحَدِّثاً بل كان فقيهاً، تجاهل لميول

المُحَدِّثِين منذ عصر الصحابة، فابن مسعود وهو من أكبر رُواة الحديث كان يجتهد فيما ليس فيه نص، في حين كان ابن عمر - وهو من كبار المُحَدِّثِين أيضاًً - وَقًَّافاً عند النصوص، فليس كل من يجتهد، ويستنبط، يخرج من دائرة الحديث، كما أنه ليس كُلُّ مُحَدِّثٍ لا يستعمل رأيه فيما بين يديه من النصوص، وخذ لذلك مثلاً في التَّابِعِينَ، الثوري، أو الأوزاعي، فقد كانا أئمة الحديث، فى الوقت الذى كانا فيه من أئمة الفقه، ولا مانع يمنع من الجمع بين الناحيتين لمن آتاه الله فهماً وحفظاً. أما أنه أخرج في "موطئه " المراسيل فذلك لأن مذهبه صحة الاحتجاج بالمرسل والمنقطع، لا لأنه لم يكن مَعْنِيًّا بالأسانيد كما يُعْنَى المُحَدِّثُونَ، كيف وقد روي عنه «رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْنَا الشَّيْخُ فَيُحَدِّثُ جُلَّ نَهَارِهِ مَا نَأْخُذُ عَنْهُ حَدِيثًا وَاحِدًا»، وهو القائل: «لاَ يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، ... الخ» وقد نقلناه لك من قبل. ويزيدك ثقة بما نقول أن أقران مالك اعترفوا له بالإمامة في الحديث والتثبت فيه، يقول سفيان بن عينة: «كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحاً، ولا يُحَدِّث إلا عن ثقات الناس» وقال يحيى بن سعيد القطان: «كان مالك إماماً في الحديث»، ويقول ابن قدامة: «كان مالك أحفظ أهل زمانه». ْ2 - وأما أن " المُوَطَّأ " ليس كتاب حديث، فينقضه عناية العلماء به على اختلاف مذاهبهم، فهذا هو محمد بن الحسن يرويه بعناية وهو من أصحاب أبي حنيفة، وهذا هو الأوزاعي، يرويه عن مالك، وهو إمام مذهب معروف وها هو الشافعي يأخذه عن مالك أيضاًً، وها هم علماء من الحَنَفِيَّة والشافعية يشرحونه أو يختصرونه. نعم لقد كان للمالكية عناية به أكثر من غيرهم، لأنه كتاب إمامهم وصاحب مذهبهم. ولو كان " المُوَطَّأ " كتاب فقه لما لقي هذا الإجماع على العناية به من مختلف المذاهب، أما أن أبوابه جاءت طبقاً لمقاصد الفقه وبحوثه، فهذا لا يخرجه عن أن يكون كتاب حديث كما فعل البخاري، وهو - بالاتفاق - قد صنف كتابه الصحيح ليكون كتاب حديث، ومع ذلك فقد بَوَّبَهُ على أبواب الفقه، وفعل مثل ما فعل

مالك من ذكر اَراء الصحابة والتَّابِعِينَ في " صحيحه "، وقل مثل ذلك في " الترمذي " الذي حرص على أن يذكر في كل باب ما فيه من الخلاف بين العلماء وتفاصيل أقوالهم، وكذلك فعل أبو داود. ولا يلزم من ذكر رأي الصحابي أو التابعي في كتاب حديث أن يخرج الكتاب عن زمرة كتب الحديث، خصوصاً عند من يرى إطلاق الحديث على كل ما أُثِرَ عن الرسول أو الصحابة أو التَّابِعِينَ. وأما عدم عده مع الكتب الستة فلما أكثر مالك فيه من المراسيل، وهو وإن كان يرى العمل بها، ولكن غيره من المُحَدِّثِينَ لا يرون ذلك. فهذا هو الذي منع عَدَّهُ في "الكتب الستة " على أن الأنظار والآراء في ذلك متفاوتة كما سبق، وأمامنا " مسند الإمام أحمد " فإنه - باتفاق الناس جميعاً - كتاب حديث ومع ذلك فلم يعده كثبر من العلماء من " الكتب الستة " لاعتبارات خاصة. واما أن تقوى المتأخرين هي التي جعلتهم يعدونه من كتب الصحاح، فهذه أساليب المُسْتَشْرِقِينَ وعباراتهم، وإلا فما معنى تقوى المتأخرين هنا؟ ألم يكن للمتقدمين تقوى تحملهم على ذلك؟ وما دخل التقوى هنا؟ وكيف يصح هذا القول والشافعي هو الذي قال: «مَا أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ كِتَابًا فِي العِلْمِ أَكْثَرَ صَوَابًا مِنْ كِتَابِ مَالِكٍ»، وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك قبل أن يظهر كِتَابَا البخاري ومسلم (¬1).أليس في هذا تقدير المُتَقَدِّمِينَ من علمائنا لـ " مُوَطَّأِ " مالك ونظرهم إليه على أنه كتاب حديث لا كتاب فقه؟ وإلا لما كان هنالك حاجة لأن يعتذر عن الشافعي بما اعتذر به ابن الصلاح، ولكان الجواب الطبيعي أن يقال: إن كتاب مالك كتاب فقه، وكان كتابا البخاري ومسلم كِتَابَيْ حديث .. ¬

_ (¬1) " مقدمة علوم الحديث ": ص 9.

3 - الإمام الشافعي:

3 - الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: 150 - 204 هـ: حَيَاتُهُ وَمَكَانَتُهُ العِلْمِيَّةُ: هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن شافع ينتهي نسبه إلى قُصَيٍّ ويلتقي نسبه مع النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عبد مناف، ولد - رَحِمَهُ اللهُ - بِغَزَّةَ من أعمال الشام سنة 150 هـ، وحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين وبها نشأ وقرأ القرآن الكريم، وأقام في هُذَيْلٍ نحواً من عشر سنين تعلم منهم اللغة والشعر حتى كان من أوثق الناس بأشعار الهذليين، وقد روي أن الأصمعي صَحَّحَ عليه أشعارهم، وأخذ الفقه عن مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة ثم رحل إلى المدينة وتتلمذ على مالك فقرأ عليه " المُوَطَّأ " كله، ورأى فيه مالك من الذكاء وقوة الذاكرة والنباهة المبكرة ما جعله يكرمه ويصله، ثم تولى الشافعي العمل في إحدى ولايات اليمن، وهناك وُشِيَ به إلى الرشيد فَأُحْضِرَ إلى بغداد مُتَّهَمًا بِالتَشَيُّعِ والدعوة لآل البيت، وكان ذلك سَنَةَ 184 هـ فتدخل محمد بن الحسن عند الرشيد حتى اقتنع ببراءته، وهناك تم له الاتصال بالإمام محمد وأخذ عنه كُتُبَ أصحابه، حتى قال: «خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ وَقَدْ حَمَلْتُ مِنْ عِلْمِ مُحَمَّدٍ بْنِ الحَسَنِ وَقْرَ بَعِيرٍ» ثم عاد إلى مكة، وما زال ينتقل بين العراق والحجاز حتى أقام في مصر سَنَةَ 199 هـ، وبها دَوَّنَ مذهبه الجديد إلى أن توفي عام 204 هـ، بعد أن ملأ الدنيا علماً وَاجْتِهَادًا، وبعد أن جمع حوله أفذاذ طلاب العلم في مصر والعراق، وبعد أن ملأ القلوب بحبه وإجلاله والاعتراف بإمامته لما كان يتمتع به - رَحِمَهُ اللهُ - من علم غزير ومنطق فحل وذكاء عجيب وذهن نافذ إلى لب الحقائق، وإحاطة واسعة بكتاب الله وَسُنَّةِ رسوله، وعلوم اللغة وادابها. دَوْرُُهُ فِي الدِّفَاعِ عَنْ السُنَّةِ: وللشافعي - عدا مكانته الفقهية - مكانة ممتازة عند أهل الحديث، فهو الذي وضع قواعد الرواية، ودافع عَنْ السُنَّةِ دفاعاً مجيداً، وأعلن رأيه الذي يخالف فيه مالكاً وأبا حنيفة: هو أن الحديث متى صَحَّ بالسند المتصل إلى

أصول مذهبه:

النَّبِيّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجب العمل به من غير تقييده بموافقة عمل أهل المدينة كما اشترط مالك، أو بالشروط المتعددة التي اشترطها أبو حنيفة، وبذلك كان في جانب أهل الحديث مِمَّا جعلهم يطلقون عليه لقب «نَاصِرَ السُنَّةِ» وفي الحق أن " رسالته " وبحوثه في " الأم " من أثمن ما ألفه العلماء دفاعاً عن حُجِيَّةِ السُنَّةِ ومكانتها في التشريع بأسلوب قوي جزل، وأدلة دامغة قاهرة، ولا ينكر كل من كتب في مصطلح الحديث وفي مباحث السُنَّةِ والكتاب من علماء الأصول، أنه مدين للشافعي فيما كتب، ومن هنا كان صحيحاً ما يقوله محمد بن الحسن: «إِنْ تَكَلَّمَ أَصْحَابُ الحَدِيثِ يَوْمًا فَبِلِسَانِ الشَّافِعِيِّ» وما قاله الزعفراني: «كَانَ أَصْحَابُ الحَدِيثِ رُقُودًا فَأَيْقَظَهُمْ الشَّافِعِيُّ». ومن هنا أجله علماء الحديث وذكروه بكل خير، فقال فيه أحمد بن حنبل: «مَا أَحَدٌ مَسَّ بِيَدِهِ مَحْبَرِةً وَلاَ قَلَمًا إِلاَّ وَلِلْشَّافِعِيِّ فِي رَقَبَتِهِ مِنَّةٌ». ويقول: «مَا عَلِمْنَا المُجْمَلِ مِنْ المُفَسَّرَ وَلاَ نَاسِخَ حَدِيثِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنْسُوخِهِ حَتَّى جَالَسْنَا الشَّافِعِيَّ». وقال عبد الرحمن بن مهدي: «لَمَّا نَظَرْتُ " الرِّسَالَةَ " لِلْشَّافِعِيِّ أَذْهَلَتْنِي لأَنَّنِي رَأَيْتُ كَلاَمَ رَجُلٍ عَاقِلٍ فَصِيحٍ نَاصِحٍ، فَإِنِّيَ لأَكْثَرَ الدُّعَاءَ لَهُ». وقال الكرابيسي: «مَا كُنَّا نَدْرِي مَا الكِتَابُ وَالْسُّنَّةُ حَتَّى سَمِعْنَاهُ مِنْ الشَّافِعِيِّ، وَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ الشَّافِعِيَّ وَلاَ رَأَىَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ نَفْسِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنْهُ وَأَعْرِفَ». أُصُولُ مَذْهَبِهِ: كانت أصول مذهبه كأصول الأئمة الآخرين: العمل بالكتاب وَالسُنَّةِ والقياس والإجماع، إلا أن عمله بِالسُنَّةِ كان أوسع دائرة من مالك وأبي حنيفة من ناحية الأخذ بخبر الآحاد، وكان أضيق دائرة من ناحية رفض العمل بالمرسل إلا إذا كان مرسل كبار التَّابِعِينَ كسعيد بن المسيب. ومن أصوله «الاستصحاب» وقد أخذ به الحَنَفِيَّةُ في الدفع لا في الإثبات. ولم ينقل عن الشافعي من الحديث كتاب مستقل إلا " مسند الشافعي "، رواية أبي العباس الأصم، و" سُنن الشافعي " رواية الطحاوي، ويظهر أنه من

استخراج تلاميذه لا من تأليفه كما هو الحال في " مسانيد أبي حنيفة "، وذلك لأنه لم يجلس للتحديث كما هي عادة المُحَدِّثِينَ، ولا عُنِيَ بجمع الروايات والطرق كما عُنُوا بذلك، وإنما هو إمام مجتهد يبحث في السُنًَّةِ عن كل ما يمكن أن يكون أصلاً من أصول التشريع، فهو يطلب الحديث ليكون نواة لاجتهاده وفقهه، لا ليملأ به الكراريس والصحف، وهذا هو الفرق بين المُحَدِّثِينَ المنقطعين للتحديث، وبين الأئمة المَعْنِيِّينَ بالفقه والتشريع.

4 - الإمام أحمد:

4 - الإِمَامُ أَحْمَدُ: 164 - 241 هـ: حَيَاتُهُ وَمَكَانَتُهُ العِلْمِيَّةُ: هو أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، ولد في بغداد سَنَةَ 164 هـ وبها نشأ وترعرع، حضر في أول طلبه مجلس أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة ثم انتقل إلي طلب الحديث، وما زال يَجِدُّ في طلبه ويلقى الشيوخ ويكتب عنهم، حتى بلغ الذروة في حفظ السُنَّةِ والإحاطة بها، وحتى أصبح إمام السُنَّةِ في عصره غير منازع، أخذ عن الشافعي الفقه أولاً، ثم أخذ الشافعي عنه الحديث، ومن تلاميذه البخاري ومسلم، وكان من الورع والزهد والأمانة وَالتَشَدُّدِ في الحق على جانب عظيم، تعرض لمحنة خَلْقِ القُرْآنِ وصبر عليها منذ عهد المأمون حتى المتوكل، وكان لموقفه العظيم أثر خالد في تثبيت قلوب الجمهور على الحق، وقد زاد ثباته على المحنة في نظر المُسْلِمِينَ، مكانته في قلوبهم واعترافهم بإمامته وشهادات العلماء في حقه كثيرة متوافرة، وحسبك قول الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ -: «خَرَجْتُ مِنْ بَغْدَادَ وَمَا خَلَّفْتُ فِيهَا رَجُلاً أَفْضَلَ وَلاَ أَعْلَمَ وَلاَ أَوْرَعَ وَلاَ أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ». وتوفي - رَحِمَهُ اللهُ - ببغداد سَنَةَ 241 ومشى في جنازته خلق لا يحصون. أُصُولُ مَذْهَبِهِ: أما أصول مذهبه فهي أصول الأئمة: الكتاب وَالسُنَّةُِ والإجماع والقياس، وكان كثير الأخذ بِالسُنَّةِ حتى قَدَّمْنَا عنه قوله: «ضَعِيفُ الحَدِيثِ عِنْدِي خَيْرٌ [أَوْلَى] (¬1) مِنْ رَأْىِ الرِّجَالِ» وكان كثير الاتِّبَاعِ لآراء الصحابة، حتى إذا كان للصحابة رأيان في المسألة أو ثلاثة كان له فيها رأيان أو ثلاثة، ومن هنا لم يَعُدَّهُ بعض العلماء من الأئمة الفقهاء كما فعل ابن عبد البر في " الانتقاء " وابن جرير الطبري في " اختلاف الفقهاء "، ولقي بسبب ذلك عَنَتًا شَدِيدًا من الحنابلة في زمنه. ولكن الحق أنه إمام مجتهد فقيه لا شك في ذلك، وإن كانت صبغة الحديث عليه أغلب. " المُسْنَدُ ": مَرْتَبَتُهُ - أَحَادِيثُهُ: وقد كان من أخلد آثار الإمام وأجزلها فائدة وأعظمها بركة عَلَى السُنَّةِ كتابه ¬

_ (¬1) [قارن بما في صفحة 410 من هذا الكتاب: «ضَعِيفُ الحَدِيثِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ رَأْىِ الرِّجَالِ»].

" المسند " الذي أورد فيه نحو أربعين ألف حديث، منها عشرة آلاف مكررة، من مجموع سبعمائة ألف حديث وخمسين ألفاً كان يحفظها، وطريقته في تأليفه أنه يجمع أحاديث كل صحابي في باب واحد، فما روي عن أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مثلاً يجمعه في باب واحد، رغم اختلاف موضوعات الأحاديث. وقد اختلف العلماء في درجة السند. فقال قوم - منهم أبو موسى المديني - إنه كله حُجَّةٌ، وما فيه إلا صحيح، أخذاً من قول الإمام في " مسنده ": «مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْجِعُوَا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ». وقال قوم: «إِنَّ فِيهِ الصَّحِيحَ وَالضَّعِيِفَ وَالمَوْضُوعَ» ومِمَّنْ ذهب إلى ذلك ابن الجوزي فقد ذكر في " موضوعاته " تسعة وعشرين حَدِيثًا من " مسند " الإمام، وحكم عليها بالوضع، وزاد عليها الحافظ العراقي تسعة أحاديث حكم عليها بالوضع أيضاًً، وَرَدَّ على من قال: إن أحمد شرط الصحيح في " مسنده "، وبين أن المراد من قول الإمام السابق: «إِنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، لاَ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ حُجَّةٌ». ووقف قوم موقفاً وسطاً بأن فيه الصحيح والضعيف الذي يقرب من الحسن وَمِمَّنْ ذهب إلى ذلك، الذَّهَبِيُّ، وابن حجر، وابن تيمية، والسيوطي. وتعقبوا ابن الجوزي والعراقي فيما زعماه من وجود أحاديث موضوعة فذكروا لها شواهد، ودافعوا عنها دفاعاً فيه قسط كبير من التَمَحُّلِ، حتى لم يسع ابن حجر إلا بأن يعترف أخيراً بأن في " المسند " ثلاثة أو أربعة أحاديث لا أصل لها، واعتذر عنه بأنه مِمَّا أوصى الإمام بضربه من " مسنده " قبل أن يَتَوَفَّى، فترك سهواً أو ضرب وكتب، من تحت الضرب. وإذا عرفت أن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - يتساهل في أحاديث الفضائل، وهو في الجرح والتعديل من المعتدلين، وأن ولده عبد الله وراويه أبا بكر القطيعي زَادَا في " المسند " زيادات منكرة، علمت مأتى " مسند " الإمام، وعلمت أن الرأي ما قال به ابن الجوزي والعراقي، وهما من أمهر النقدة في الحديث الذين لا يقتصرون في نقد الحديث في السند، بل يتعديانه إلى المتن، وأن دفاع ابن حجر والسيوطي ليس

إلا عصبية دينية دفاعاً عن إمام السُنَّةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ولا يضير هذا الإمام في شيء، فقد قال ابن تيمية في " منهاج السُنَّة " (*): «شرط أحمد في " المسند " ألا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف ثم زاد عبد الله بن أحمد زيادات منكرة على " المسند " ضمت إليه، كذلك زاد أبو بكر القطيعي، وفي تلك الزيادات كثير من الأحاديث الموضوعة فظن من لا علم عنده، أن ذلك من رواية أحمد في " مسنده ". ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [قول ابن تيمية كما يلي: «وَشَرْطُهُ فِي الْمُسْنَدِ أَنْ لاَ يَرْوِيَ عَنِ الْمَعْرُوفِينَ بِالكَذِبِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ ضَعِيفٌ، ... ثُمَّ زَادَ ابْنُ أَحْمَدَ زِيَادَاتٍ، وَزَادَ أَبُو بَكْرٍ القَطِيعِيُّ زِيَادَاتٍ. وَفِي زِيَادَاتِ القَطِيعِيِّ زِيَادَاتٌ كَثِيرَةٌ [كَذِبٌ] مَوْضُوعَةٌ، فَظَنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ تِلْكَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَأَنَّهُ رَوَاهَا فِي " الْمُسْنَدِ ". وَهَذَا خَطَأٌ قَبِيحٌ ; فَإِنَّ الشُّيُوخَ الْمَذْكُورِينَ شُيُوخُ الْقَطِيعِيِّ، وَكُلُّهُمْ مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُمْ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ أَحْمَدَ، لاَ مِمَّنْ يَرْوِي أَحْمَدُ عَنْهُ». انظر " منهاج السنة النَّبَوِيَّةِ، تحقيق محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م، 7/ 97 نشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية].

5 - الإمام البخاري:

5 - الإِمَامُ البُخَارِيُّ: 194 - 256 هـ: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجُعَفِيِّ مولاهم، إمام المُحَدِّثِينَ وشيخ حفاظ زمانه على الإطلاق، ولد ببخارى يوم الجمعة 13 شوال 194 هـ وبدأ بحفظ الحديث وهو لا يبلغ العشر سنين، ثم دأب عليه ورحل في طلبه حتى طاف أشهر الأمصار الإسلامية التي عرفت بالحديث وكما قال هو نفسه: «دَخَلْتُ الشَّامَ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةَ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَى البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَقَمْتُ بِالحِجَازِ سِتَّةَ أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كَمْ دَخَلْتُ إِلَى الكُوفَةِ وَبَغْدَادَ مَعَ المُحَدِّثِينَ» وكان لا يسمع بشيخ في الحديث إلا رحل إليه واختبره وسأل عنه وأخذ منه، وكان - آية في الحفظ وقوة الذاكرة والبصر بِعِلَلِ الأسانيد ومتونها، وقصته في بغداد حين امتحنه علماؤها مشهورة تدل على مبلغ حفظه وإمامته في هذا الفن، وقد كافأه الله على صبره وَجَلَدِهِ وَتَحَمُّلِهِ المَشَاقَّ في سبيل السُنَّةِ بإقبال الناس عليه وإشادتهم بذكره وفضله، قال محمود بن الناظر بن سهل الشافعي: «دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ، وَالحِجَازَ وَالكُوفَةَ. وَرَأَيْتُ عُلَمَاءَهَا، كُلَّمَا جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٍ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيَّ فَضَّلُوهُ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ»، وكان قد سمع مَرَّةً شيخه إسحاق بن رَاهُوَيْهْ يقول لتلاميذه: «لَوْ جَمَعْتُمْ كِتَابًا مُخْتَصَرًا لِصَحِيحِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟» قال البخاري: «فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلْبِي فَأَخَذْتُ فِي جَمْعِ الجَامِعِ الصَّحِيحِ» وقد أمضى في جمعه وتمحيصه وتأليفه سِتَةَ عَشَرَ عَامًا، وما وضع فيه حَدِيثًا إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين، ثم يستخير الله تعالى في وضعه، ولم يخرج فيه إلا ما صح عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسند المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط وَاللُّقْيَا، ولم يكن اكتفى بإمكان معاصرة التلميذ للشيخ، بل لا بد من ثبوت سماعه منه ولقياه له، وبهذا كان أول كتاب في السُنَّةِ على هذه الشروط الدقيقة، تَجَرَّدَ من الأحاديث الضعيفة والحسنة، واقتصر على الأحاديث الصحيحة

فقط، وقد بَوَّبَهُ البخاري على أبواب العلم والفقه، إلا أنه دقيق النظر جِدًّا بعيد الغور في الاستنباط، فجاءت تراجم أبوابه وموافقة الأحاديث للترجمة غامضة في بعض الأحيان، فقد تطلب حَدِيثًا في باب فلا تجده، بل تجده في باب آخر لا يخطر في بالك، وقد ذكر فيه عرضاً المَوْقُوفَ وَالمُعَلَّقَ وفتاوى الصحابة والتَّابِعِينَ وآراء العلماء، كما جرى على تقطيع الحديث إلى أقسام يذكر في كل باب القسم الذي يناسبه، تبلغ أحاديثه على ما ذكر ابن حجر في " مقدمة فتح الباري " (7397) بِالمُكَرَّرِ سوى المعلقات والمتابعات والموقوفات وبغير المُكَرَّرِ من المتون الموصولة (2602)، ولما أتم تأليفه وتمحيصه عرضه على أحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم من أئمة الحديث فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث، وقال العقيلي: «القَوْلُ فِيهَا قَوْلُ البُخَارِيِّ». ولما أخرجه للناس وأخذ يُحَدِّثُ به، طار في الآفاق أمره، فهرع إليه الناس من كل فَجٍّ يَتَلَقَّوْنَهُ عنه حتى بلغ من أخذه نحو من مائة ألف، وانتشرت نُسَخُهُ في الأمصار، وعكف عليه الناس حِفْظاً ودراسةً وشرحاً وتلخيصاً، وكان فرح أهل العلم به عظيماً. قال الذهبي: «وَأَمَّا " جَامِعُ البُخَارِيِّ الصَّحِيحُ "، فَأَجَلُّ كُتُبِ الإِسْلاَمِ وَأَفْضَلُهَا بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. فَلَوْ رَحَلَ الشَّخْصُ لِسَمَاعِهِ مِنْ أَلْفِ فَرْسَخٍ لَمَا ضَاعَتْ رِحْلَتُهُ». وقد انتقده الحفاظ في عشرة أحاديث ومائة، منها ما وافقه " مسلم " على تخريجه وهو (32) حَدِيثًا، ومنها ما انفرد بتخريجه وهو (78) حَدِيثًا، قال عنها الحافظ ابن حجر في "المقدمة ": «وَلَيْسَتْ عِلَلُهَا كُلُّهَا قَادِحَةٌ، بَلْ أَكْثَرُهَا الجَوَابُ عَنْهُ ظَاهِرٌ، وَالقَدَحُ فِيهِ مُنْدَفِعٌ، وَبَعْضُهَا الجَوَابُ عَنْهُ مُحْتَمَلٌ وَاليَسِيرُ مِنْهُ فِي الجَوَابِ عَنْهُ تَعَسُّفٌ» ومن راجع هذه الأحاديث التي انتقدت وطالع النقد الذي وُجِّهَ إليها، وجد أن هذا النقد لا يمس جوهر الصحيح، وإنما هو نقد شكلي ناشىء عن شدة حَذَرِ العلماء ويقظتهم كاعتراضهم على حديث بأنه مرسل مع أن صورته صورة المرسل، أما في الواقع فهو موصول معروف الوصل عند المُحَدِّثِينَ. ومثل حديث يرويه بعض الرُوَاةِ مُرْسَلاً وهو من رواية أقرانه متصل، ولكن البخاري يذكر الروايتين معاً لدفع مَا تُوهِمُ الرواية الأولى وإشعاراً بأن هذه العلة غير قادحة.

هذه أمثلة من النقد الذي وجه إلى أحاديث "الصحيح "، وقد بسط القول فيها ابن حجر في " مقدمته ". أما رجال الصحيح، فقد ضَعَّفَ الحُفَّاظُ منهم نحو الثمانين، ولكن أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم فهو - بهم وبأحوالهم - أعرف ولهم أخبر، ومما يدلك على أن هذا النقد - سواء كان للرجال أو للأحاديث - لم يؤثر في قيمته العلمية إجماع العلماء على تلقيه بالقبول، واتفاق جمهورهم أنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، وقد اختلفوا فيما بينهم هل يفيد القطع بصحة ما فيه من الحديث؟ فجزم ابن الصلاح بحصول القطع، وخالفه النووي فقال: «إِنَّهُ لاَ يُفِيدُ إِلاَّ الظَّنَّ، وَلَوْ بَلَغَ أَعْلَىَ دَرَجَةٍ فِي الْصِحَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ»، توفي البخاري - رَحِمَهُ اللهُ - سَنَةَ 256 هـ (¬1). هذا ولم يعن علماء الإسلام بكتاب - بعد القرآن - كما عنوا بـ " صحيح البخاري " حتى بلغ الذين كتبوا حوله ما بين شرح واختصار وترجمة رجال، عدداً كبيراً جِدًّا (*)، وحسبك أن تعلم أن عدد شروحه فحسب بلغت اثنين وثمانين شرحاً كما ذكر ذلك صاحب " كشف الظنون "، ومن أشهر هذه الشروح الأربعة: شرح الإمام بدر الدين الزركشي (- 794 هـ) واسمه " التنقيح "، وشيخ الإسلام ابن حجر (- 852 هـ) في " فتح الباري "، وهو أجل هذه الشروح وأوفاها وأكثرها شهرة وفائدة. والعلامة العيني الحنفي (- 855 هـ) في " عمدة القاري "، والجلال السيوطي (- 911 هـ) في " التوشيح " ¬

_ (¬1) مقتبسة من " مقدمة فتح الباري " وغيرها. ----------------------- [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [انظر: " إتحاف القارئ بمعرفة جهود وأعمال العُلماء على صحيح البخاري "، تأليف عصام عرار الحسيني، الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1987 م، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع - دمشق].

6 - الإمام مسلم:

6 - الإِمَامُ مُسْلِمٌ: 204 - 261 هـ: هو مسلم بن الحَجَّاجِ القُشَيْرِيُّ النَيْسَابُورِي أحد أئمة الحديث ومشاهيره، ولد سنة 204 هـ بنيسابور، وطلب العلم منذ الصغر ثم رحل إلى أقطار الإسلام فزار العراق والحجاز والشام ومصر، وأخذ عن شيوخها من مشايخ البخاري وغيره، وكان شديد الحب للبخاري، شديد التقدير له، وقد اقندى به في وضع " صحيحه "، إلا أنه حصل بينهما جفاء في آخر أيامهما، وتوفي بنيسابور سَنَةَ 261 هـ. وضع كتاب الصحيح المشهور بـ " صحيح مسلم "، وهو من أَجَلِّ الكتب وأصحها مع " صحيح البخاري "، وقد ذهب أكثر العلماء إلى ترجيح " البخاري " عليه لأمور: 1 - اشتراط البخاري اللقاء في الراوي دُونَ الاكتفاء بالمعاصرة، بينما مسلم يكتفي بذلك. 2 - دقة فقه البخاري واحتواء " صحيحه " على استنباطات فقهية لا توجد في " صحيح مسلم ". 3 - تَحَرِّي البخاري في أمر الرجال، حتى إن الذين تكلم فيهم الحفاظ - على ما في كلامهم من مجال للنقاش - بلغوا ثمانين، وقد بلغ الذين تكلموا فيهم من رجال " مسلم " مائة وستين، ومع أن البخاري لم يكثر من إخراج حديثهم، وأغلبهم من شيوخه الذين يعرف دخائلهم أكثر من غيره. 4 - قلة الأحاديث التي انتقدت على " البخاري " من جهة الشذوذ والإعلال بالنسبة لما انتقد على " مسلم "، فقد بلغت عند " البخاري " - وحده - ثمانية وسبعين، وقد بلغت عند " مسلم " - وحده - مائة وثلاثين. من جل هذا، ذهب أكثر العلماء إلى ترجيح " صحيح البخاري " مع اتفاقهم جميعاً على أن " البخاري " أَجَلُّ من " مسلم " في علم الحديث وأعلى كعباً، وقد اعترف له مسلم بذلك، وقد روى مسلم عن البخاري، ولم يرو البخاري عن مسلم شيئاً.

نعم يمتاز " صحيح مسلم " على " البخاري " بأمور فنية ترجع إلى التأليف، فمسلم لم يُقَطِّعْ الحديث ولم يُكَرِّرِ الإسناد، وإنما جمع ما ورد في الحديث كله في باب واحد، جمع فيه طرقه التي ارتضاها، وأورد أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، مِمَّا جعله أسهل تناولاً على الطالب من " صحيح البخاري " كما أنه جعل لكتابه مقدمة نَفِيسَةً بَيَّنَ فيها ما دعاه لجمع " الصحيح " ومنهجه فيه، وما أجمل ما قيل فيهما: قَالُوا: لِمُسْلِمٍ فَضْلٌ * ... * ... * قُلْتُ: البُخَارِيُّ أَعْلَى قَالُوا: المُكَرَّرِ فِيهِ * ... * ... * قُلْتُ: المُكَرَّرِ أَحْلَى بلغت أحاديثه دُونَ المُكَرَّرِ أربعة آلاف، وَبِالمُكَرَّرِ 7275. وقد شرحه كثير من الأئمة الحفاظ وذكر منها صاحب " كشف الظنون " خمسة عشر شرحاً من أشهرها " شرح الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي " (- 676 هـ)، وقد اختصره أيضاًً عدد من العلماء ومن أشهر مختصراته " تلخيص كتاب مسلم وشرحه " لأحمد بن عمر القرطبي (- 656 هـ) و" مختصر " الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري (- 656 هـ) (¬1). ¬

_ (¬1) " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي: 2/ 89 و" مفتاح السُنَّةِ ": ص 46.

7 - الإمام النسائي و " سننه ":

7 - الإِمَامُ النَّسَائِيُّ وَ " سُنَنُهُ ": 215 - 303 هـ: هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شُعَيْبٍ الخُرَاسَانِيَّ الحافظ، إمام عصره في الحديث وقدوتهم في الجرح والتعديل، ولد سنة 215 بنساء بلدة مشهورة في خراسان، سمع من أئمة الحديث بخراسان، والحجاز والعراق ومصر والشام والجزيرة، وكان شديد التحفظ والورع، بارعا في علوم الحديث حافظاً متقناً حتى نقل الذهبي أنه كان أحفظ من الإمام مسلم، وَتُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ - بالرملة سَنَةَ 303 هـ. أَلَّفَ النَّسَائِيُّ "سُنَنَهُ الكُبْرَى "، أولاً مشتملة على الصحيح والمعلول، ثم اختصرها في " السُنَنِ الصُّغْرَى " وسماها " المُجْتَبَى " وهي تلي في الدرجة " الصَحِيحَيْنِ "، لأنها أقل السنن ضعفاً وقد شرح " سُنَنَهُ " الجلال السيوطي في كتاب مختصر سَمَّاهُ " زَهْرُ الرُّبَى عَلَى المُجْتَبَى "، وكذلك أبو الحسن محمد بن عبد الهادي السِنْدِي الحَنَفِي (- 1138 هـ) اقتصر فيه على ما يحتاج إليه القَارِىءُ وَالمُدَرِّسُ من ضبط اللفظ وإيضاح الغريب (¬1) ¬

_ (¬1) " تهذيب الأسماء واللغات ": 2/ 89 و" مفتاح السُنَّة ": ص 79.

8 - الإمام أبو داود و " سننه ":

8 - الإِمَامُ أَبُو دَاوُدُ وَ " سُنَنُهُ ": 202 - 275 هـ هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأسدي السجستاني، ولد سَنَةَ 202، ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام ومصر وخراسان، وكتب عن شيوخها كما أخذ عن مشايخ البخاري ومسلم كالإمام أحمد وابن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد وغيرهم وأخذ عنه النسائي وغيره، أثنى عليه العلماء بالحفظ والعلم والفهم مع الورع والدين، قال فيه الحاكم أبو عبد الله: «كَانَ أَبُو دَاوُدُ إِمَامَ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ بِلاَ مُدَافَعَةٍ» توفي بالبصرة سَنَةَ 275 - رَحِمَهُ اللهُ -، انتقى " سُنَنَهُ " من خمسمائة ألف حديث، فبلغت أربعة آلاف وثمانمائة حديث، وقصرها على أحاديث الأحكام وبذلك كان أول من أَلَّفَ في الأحكام من أصحاب السُنن والصحاح، وَ" سُنَنُهُ " جامعة للاحاديث التي استدل بها فقهاء الأمصار وَبَنَوْا عليها الأحكام، ولذلك قال الإمام أبو سليمان الخَطَّابِي في " معالم السُنن " (¬1): «اعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللهُ أَنَّ كِتَابَ " السُّنَنِ " لأَبِي دَاوُدَ كِتَابٌ شَرِيفٌ لَمْ يُصَنَّفْ فِي عِلْمِ الدِّينِ كِتَابٌ مِثْلُهُ، وَقَدْ رُزِقَ القَبُولَ مِنْ كَافَةِ النَّاسِ فَصَارَ حُكْمًا بَيْنَ فِرَقِ العُلَمَاءِ وَطَبَقَاتِ الفُقَهَاءِ عَلَى اخْتِلاَفِ مَذَاهِبِهِمْ، فَلِكُلٍّ فِيهِ وِرْدٌ، وَمِنْهُ شِرْبٌ، وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُ أَهْلِ العِرَاقِ وَأَهْلِ مِصْرَ وَبِلاَدِ المَغْرِبِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ فَأَمَّا أَهْلُ خُرَاسَانَ فَقَدْ أُولِعَ أَكْثَرُهُمْ بِكِتَابِ مُحَمَّدٍ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمٍ بْنِ الحَجَّاجِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ فِي جَمْعِ الصَّحِيحِ عَلَى شَرْطِهِمَا فِي السَّبْكِ وَالانْتِقَادِ، إِلاَّ أَنَّ كِتَابَ أَبِي دَاوُدَ أَحْسَنُ وَصْفًا وَأَكْثَرُ فِقْهًا، وَكِتَابُ أَبِي عِيسَى (التِّرْمِذِيُّ) أَيْضًا كِتَابٌ حَسَنٌ». وَطَرِيقَتُهُ فِيْ تَأْلِيفِ " سُنَنِهِ " مَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّلاَحِ فِي " مُقَدِّمَتِهِ " (1) «ذَكَرْتُ فِيهِ الصَّحِيحَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَقَارَبَهُ، وَمَا كَانَ فِي كِتَابِيِ مِنْ حَدِيْثٍ ¬

_ (¬1) ص 18.

فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ فَقَدْ بَيَّنْتُهُ، وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ، وَبَعْضُهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ (¬1)» وقال عنه ابن منده: «إِنَّهُ يُخْرِجُ الإِسْنَادَ الضَّعِيِفَ إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي البَابِ غَيْرَهُ لأَنَّهُ أَقْوَى عِنْدَهُ مِنْ رَأْيِ الرِّجَالِ». هذا وقد شرح " سُنَنَهُ " كثير من أهل العلم، منهم الخَطَّابِي (388 هـ) وقطب الدين اليمني الشافعي (- 752 هـ) وشهاب الدين الرملي (- 844 هـ) واختصرها الحافظ المنذري (- 656 هـ) وَهَذَّبَ " المختصر " ابن القيم (- 751 هـ) وقد شرحه شرف الحق العظيم آبادي وَسَمَّاهُ " عَوْنَ المَعْبُودِ " ومن المعاصرين محمود خطاب السبكي في شرح مستفيض. ¬

_ (¬1) طبعت أخيراً في القاهرة " رسالة أبي داود إلى أهل مكة وغيرها " يذكر فيها طريقة تأليفه " السُنَنَ " واختياره الأحاديث، وهذا القول وارد فيها. [وقد طبعها الدكتور محمد بن لطفي الصباغ للمرة الرابعة سنة 1417 هـ وفيها زيادات كثيرة في التحقيق].

9 - الإمام الترمذي و " جامعه ":

9 - الإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ وَ " جَامِعُهُ ": 209 - 270 هـ هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السُّلَمِي الترمذي، ولد بترمذ سَنَةَ 209 هـ، وذكر ابْنُ الدَّيْبَعِ الشَّيْبَانِي في مقدمة " تيسير الوصول " أن ولادته كانت سَنَةَ 200 هـ، أخذ الحديث عن كثيرين، منهم: قُتيبة بن سعيد، وإسحاق بن موسى، وسفيان بن وكيع، ومحمد بن إسماعيل البخاري وغيرهم. رحل إلى الآفاق، وأخذ عن الخُرَسَانِيِّينَ والعراقيين والحجازيين، حتى غدا إماماً في الحديث جمع إلى الدين والورع الحفظ والثقة، قال أبو يعلى الخليلي: «ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقِهِ أَنَّ إِمَامَ الْمُحَدِّثِينَ مُحَمَّدُ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ الْبُخَارِيَّ كَانَ يَعْتَمِدُهُ وَيَأْخُذُ عَنْهُ»، تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللهُ - بِتِرْمِذْ سَنَةَ 279 هـ (¬1). أَلَّفَ الترمذي " جامعه " على أبواب الفقه وغيره، واشتمل على الصحيح، والحسن والضعيف. مع بيان درجة كل حديث في موضعه، وبيان وجه ضعفه، وَبَيَّنَ مذاهب الصحابة وعلماء الأمصار في كل المسائل التي عقد لها أبواباً، ومن ميزاته أنه أفرد في آخره فَصْلاً لِلْعِلَلِ جمع فيه قواعد هامة. وقد شرحه كثير من العلماء منهم: أبو بكر بن العربي (- 543 هـ)، ومنهم: الجلال السيوطي، وابن رجب الحنبلي (795 هـ) وعبد الرحمن المباركفوري الهندي (1353 هـ) وسمَّاهُ " تُحفة الأحوذي ". ¬

_ (¬1) " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي، و" ميزان الاعتدال " للذهبي: 3/ 117.

10 - الإمام ابن ماجه و " سننه ":

10 - الإِمَامُ ابْنُ مَاجَهْ وَ " سُنَنُهُ ": 207 - 273 هـ. هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الحافظ، ولد سَنَةَ 207 هـ وطلب علم الحديث ورحل في طلبه حتى سمع أصحاب مالك والليث بن سعد، روى عنه خلائق كثيرة، يقول عنه أبو يعلى الخليلي القزويني: «وَكَانَ عَالِمًا بِهَذَا الشَّأْنِ صَاحِبُ تَصَانِيفَ مِنْهَا " التَّارِيخُ " وَ" السُّنَنُ " وَارْتَحَلَ إِلَىَ العِرَاقَيْنِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ»، وقال ابن كثير: «صَاحِبُ " السُّنَنِ " المَشْهُورَةِ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَتَبَحُّرِهِ وَاطِّلاَعِهِ وَاتِّبَاعِهِ لِلْسُنَّةِ فِي الأُصُولِ وَالفُرُوعِ»، ويشتمل على اثنين وثلاثين كتابًا، وألف وخمسمائة باب، وعلى أربعة آلاف حديث، كلها جياد سوى اليسيرة، توفي - رَحِمَهُ اللهُ - سَنَةَ 273 هـ. (¬1). دَرَجَةُ " سُنَنِهِ ": كان كثير من القدماء والمتأخرين يعدون أصول كتب الحديث خمسة: البخاري ومسلم والنسائي وأبي داود والترمذي، ولكن بعض المتاخرين أضاف إليهم ابن ماجه لأنهم رأوا كتابه عظيم الفائدة في الفقه، وأول من فعل ذلك الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (- 507 هـ.)، إلا أن بعضهم خالف في ذلك ورأى أن يجعل السادس " كتاب الدارمي "، لأن ابن ماجه أخرج أحاديث عن رجال مُتَّهَمِينَ بالكذب وسرقة الأحاديث، وقال أخرون: يجب أن يكون السادس هو ¬

_ (¬1) " البداية والنهاية " لابن كثير: 11/ 52.

" المُوَطَّأَ " لصحته وجلالته، وَ " سنن ابن ماجه " دُونَ السُنن الثلاثة في الدرجة، قال السيوطي في " شرح المجتبى ": «تَفَرَّدَ فِيهِ بِإِخْرَاجِ أَحَادِيثَ عَنْ رِجَالٍ مُتََّهَمِينَ بِالكَذِبِ وَسَرِقَةِ الأَحَادِيثِ، وَبَعْضُ تِلْكَ الأَحَادِيثِ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِمْ مِثْلَ حَبِيبٍ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ كَاتِبُ مَالِكٍ، وَالعَلاءِ بْنِ زَيْدٍ وَدَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ وَعَبْدُ الوَهَّابِ بْنِ الضَحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ». شرح " سُنَنَهُ " كثيرون، منهم محمد بن موسى الدميري (808 هـ) والسيوطي في " مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجه ". هذا ما أعان الله على تأليفه وتدوينه، فله الحمد في الأولى والآخرة. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.

الملاحق:

المَلاَحِقُ: - 1 - متى نسد هذه الثغرة؟ - 2 - لا .. يا عدو الله! سنطاردك بالحق حتى يرغم الله أنفك

1 - متى نسد هذه الثغرة؟:

1 - مَتَى نَسُدُّ هَذِهِ الثَّغْرَةَ؟: من طالع تاريخ الإسلام منذ بعث اللهُ به محمداً - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى اليوم، يرى ظاهرة واضحة كل الوضوح، وهي أَنَّ الإسلام ما برح يخوض معارك متعددة النواحي، تستهدف القضاء عليه أو تشويهه أو صرف المُسْلِمِينَ عنه، وهذه المعارك تَتَّسِمُ من جهة أعدائه بالدقة والتنظيم والكيد المُحْكَمِ كما تَتَّسِمُ من جهة المُسْلِمِينَ بالبراءة والغفلة عن هذه المؤامرات، والدفاع العفوي دُونَ إعداد سابق أو هجوم مضاد، ولولا أَنَّ الإسلام دين اللهِ الذي تَكَفَّلَ بحفظه لكانت بعض مؤامرات أعدائه كافية للقضاء عليه وانمحاء أثره. ومن الواضح أَنَّ المؤامرات العدائية للإسلام تلبس في كل عصر لبوسها، فهي حين يكون المُسْلِمِينَ أقوياء تأخذ طريق التهديم الفكري والخلقي والاجتماعي، وحين يكونون ضعفاء تتخذ طريق الحرب والتجمع وتستهدف الإبادة والإفناء، فإذا عجزت طريق الحرب عن تحقيق أهدافها انقلبت إلى طريق فكري خداع، تستهوي عقول الغافلين أو المغفلين، فيثبت للإسلام في داخل أسواره نابتة تنحرف شيئاً فشيئاً عن عقيدة الإسلام السمحة، المشرقة، المحررة حتى تنتهي إلى عقائد، وأفكار تخالف المبادىء الأساسية للإسلام، وتحقق الأهداف الرئيسية التي يسعى إليها أعداؤه من حيث يبدو أنهم لا علاقة لهم بهذا التخريب والتهديم. إِنَّ التشكيك في السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ التي تُذْعِنُ لها جماهير المُسْلِمِينَ، والتي أقامت صرح الفقه الإسلامي العظيم الذي لا تملك أُمَّةٌ من أمم الأرض عشر معشاره، هو مثل بارز لمحاولات أعداء الإسلام في القديم والحديث، فقد أخذت هذه المؤامرة طريقها إلى عقول بعض الفرق الإسلامية في الماضي، كما أخذت طريقها إلى عقول بعض الكُتَّابِ الإِسْلاَمِيِّينَ أمثال أحمد أمين في الحاضر، إنها مؤامرة لا ريب فيها، فالمُسْتَشْرِقُونَ اليهود واللاهوتيون المُتَعَصِّبُونَ يُلِحُّونَ عليها

إلحاحاً شَدِيدًا في كل ما يكتبون، وأقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية توجه أنظار طلابها المُسْلِمِينَ إلى هذا الموضوع توجيهاً دقيقاً، وتأبى لأي طالب منهم أن يكون موضوع رسالته الجامعية دحض الافتراءات التي يملؤون بها كتبهم عَلَى السُنَّةِ وَرُوَّاتِهَا، وقد حدث في الصيف الماضي حين كنت في ألمانيا للاستشفاء أن أتصلت بي فتاة ألمانية مسلمة (*) منتسبة إلى قسم الدراسات الإسلامة في جامعة فرانكفورت تطلب إِلَيَّ دلالتها على بعض المراجع التي تساعدها في كتابة رسالتها الجامعية التي أَصَرَّ رئيس ذلك القسم أن يكون موضوعها «أبو هريرة» وقد طلب إليها بحث عدة نواح في هذا الموضوع، منها: ما قيل عن أبي هريرة وما نسب إليه من الكذب، وما قالته فيه بعض الفرق الإسلامية غير أَهْلِ السُنَّةِ، وهكذا ... ومنذ بضع سنوات عقد مؤتمر للدرسات الإسلامية في «لاهور» بباكستان حضره علماء مسلمون من مختلف البلاد الإسلامية ومن بينهم علماء من سورية ومصر، كما حضره عدد من المُسْتَشْرِقِينَ، وقد ظهر للعلماء المُسْلِمِينَ أن هؤلاء المُسْتَشْرِقِينَ هم الذين أوصوا بفكرة عقد هذا المؤتمر، ودعوا إليه عدداً من تلاميذهم الفكريين في الهند وباكستان، وكان أشدهم تعصباً وأكثرهم جهلاً - باعترافه هو بعد أن ألقى بحثه - المستشرق الكندي «سْمِيثْ» ولعله يهودي، وكان مِمَّا أَلَحَّ عليه المُسْتَشْرِقُونَ يومئذ بحث السُنّةِ والوحي النبوي ومحاولة اخضاعهما لقواعد العلم كما يزعمون، وقد انتهى بعض تلامذتهم إلى انكار الوحي كمصدر للإسلام واعتبار الإسلام أفكاراً إصلاحية من مُحَمَّدٍ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! .. وفي العام الماضي قامت ضَجَّةٌ في الباكستان حول جماعة من المُثَقَّفِينَ المُسْلِمِينَ بدؤوا يدعون إلى إلغاء اعتبار السُنّةِ مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، وتبين بعد ذلك أن هؤلاء من تلاميذ ذلك المستشرق الكندي «سْمِيثْ»! .. ولما وضع أيوب خان دستوره الذي فرضه على الباكستان جعل من مواده تأليف لجنة من علماء المُسْلِمِينَ لعرض القوانين التي يصدرها البرلمان الباكستاني على هذه اللجنة لتحكم إن كانت موافقة للاسلام أم لا - ومعلوم أن هذه المادة ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) [هي الأخت المسلمة الألمانية آمنة همغسبرغ قد حصلت على الدكتوراه من جامعة فرانكفورت يبحث عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وقد ذكرت ذلك مجلة " المسلمون " في عددها العاشر لِسَنَةِ 1965. نقلاً عن كتاب " دفاع عن أبي هريرة " لعبد المنعم صالح العلي العزّي، ص 11، دار القلم. بيروت - لبنان / مكتبة النهضة. بيروت - بغداد].

إنما وضعت لإرضاء الرأي العام الإسلامي في الباكستان - ولما وضع الدستور موضع التنفيذ تألفت اللجنة المذكورة آنِفاً وكان كل أعضائها من تلامذه المستشرق «سْمِيثْ» وليس من بينها عالم من علماء المُسْلِمِينَ في الباكستان. وحين ألَّفَ بعض الجاهلين المغرورين كتاباً عَنْ السُنَّةِ ينتهي إلى التشكيك بِالسُنَّةِ كلها ويفيض بالحقد البذيء على أكبر رُوَّاتِهَا من الصحابة وهو أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - تلقفت الجهات الأجنبية الاستعمارية هذا الكتاب فبعثت به إلى جميع الجامعات الغربية كما حَدَّثَنِي بذلك عدد من مختلف طلابنا المُسْلِمِينَ في أوروبا في الصيف الماضي. إِنَّ أَيَّ وَاعٍ مُنْصِفٍ يتتبع هذه الحوادث لا يشك في أنها حلقة مترابطة الأجزاء من سلسلة التآمر عَلَى السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وعلى أكبر رُوَّاتِهَا وَمُحَدِّثِيهَا، ومع ذلك يَلَذُّ لبعض أفراد الفرق الإسلامية التي لها رأي خاص في أبي هريرة أن يكتبوا عنه في هذه الأيام كُتُبًا خاصة تفيض، بالروايات الموضوعة التي تُجَرِّحُ هذا الصحابي الجليل، كما فعل «عَبْدُ الحُسَيْنُ» في كتابه " أَبُو هُرَيْرَةَ ". وَنَسُوقُ مثلاً آخر على يقظة أعداء الإسلام وإحكام المؤامرات عليه، وهو استغلال الخلاف الذي وقع في صدر الإسلام بين الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - حول الخلافة، إِنَّ مثله يقع في كل أُمَّةٍ وفي كل عصر، ولكنا لَمْ نَرَ أُمَّةً من الأمم عنيت بمثل هذا الخلاف أربعة عشر قرناً! .. إن المؤامرة تبدأ من اليهودي الماكر عبد الله بن سبأ ثم يتلقفها قادة الفُرْسِ الوَثَنِيُّونَ الذين خَلَّصَ الإسلام شعوبهم من حكمهم الظالم وعقيدتهم الوثنية، وفتح عقولها وعيونها لرؤية النور والتعرف إلى الحق، فهؤلاء حين انهزموا أمام كتائب الجيش الإسلامي المنقذ لم يجدوا وسيلة للانتقام من هؤلاء المُحَرِّرِينَ إلا أن يُشَوِّهُوا سُمْعَتَهُمْ وسيرتهم في بث الأخبار الكاذبة عنهم مِمَّا يُزْرِي بمكانتهم حقاً لو صحت هذه الأخبار، وَمِمَّا يَحُطُّ من شأن هذا الدين وحضارته إذ كان هؤلاء حَمَلَتُهُ وقادة جيوشه، وليس أدل على ذلك من أَنَّ نِقْمَةَ أولئك الحاقدين قد انْصَبَّتْ على مفاخر الحضارة الإسلامية عِلْمًا وَحُكْمًا وَقِيَادَةً، أي على جميع القادة العسكريين الذين

خَلَّصُوا العراق من حكم الفُرْسِ وعلى رؤسائهم الإداريين الذين كانوا يوجهون هذه الحملات التحريرية، وعلى علمائهم الذين نشروا علم الإسلام وشريعته وأدوا أمانة العلم إلى من بعدهم بتجرد لا يعرف أولئك الحاقدون له مثيلاً في تاريخهم أو تاريخ غيرهم. لقد حصل هذا كله وأثَّرَ أثراً بالغاً في تشتيت كلمة المُسْلِمِينَ ووهن قوتهم فيما بعد، وكان الظن أن يعي المخلصون المثقفون من المُسْلِمِينَ في هذا العصر هذه الدروس المؤلمة، ولكن للأسف فإن كثيراً من هؤلاء لم يمسكوا القلم ليرفعوا، أُمَّتَنَا من حضيض الجهالة والتأخر، وليدفعوها إلى ميادين العلم والقوة والحضارة، بل أعادوها جذعةً من جديد، فاقتصرت على كتاباتهم وأقاصيصهم على تصوير الخلاف القديم بأسلوب يزيد في الفرقة، ويؤجج نار الضغائن، ويشمت أعداء الإسلام بنا، ويحقق لهم أهدافهم في منعنا من الالتقاء من جديد على الحب والخير والتعاون على البر والتقوى. ولو سألت هؤلاء الذين يزيدون النار اشتعالاً، فِيمَ هَذَا الجهد الضائع؟ وفيم هذه المساعي التي تلهي أُمَّتَنَا عن بناء المجد من جديد، وعن تحرير أوطانها من الاستعمار وآثاره، وتمكن للاستعمار الجديد أن يُتَمِّمَ رسالة الاستعمار القديم في إذلالها واستلاب خيراتها والحيلولة دُونَ تجمعها ووحدتها؟ لو سألتهم فيم هذا كله لما كان لهم إلا جواب واحد: إننا ندافع عن حق سلب من أصحابه! .. هل في تاريخ العالم كله أن أُمَّةً شغلت بنزاع بين أجدادها مضى منذ أربعة عشر قرناً وقد أنتهوا إلى ذمَّةِ الله وهو وحده الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ هل في العالم اليوم أُمَّةٌ تحترم نفسها وتغار على كرامتها تشغل بخلاف عفى عليه الزمان عن أخطار محدقة بها من كل مكان؟ هذه بعض الأمثلة على يقظة أعدائنا وسهرهم على إحكام المؤامرات على أُمَّتِنَا وشريعتنا وتاريخنا، وغفلتنا نحن عن ذلك كله، وانسياقنا مع الأهواء والعواطف التي يعرف أعداؤنا كيف يُثِيرُونها بيننا في كل عصر بما يلائم روح العصر ومقتضيات مصالح أولئك الأعداء ... ترى، كم فاض تاريخ الإسلام بهذه الظاهرة المؤلمة: يقظة أعدائه ودأبهم على حَبْكِ المؤامرات لتهديمه، وغفلة أبنائه عن ذلك كله فلا يشعرون بالخطر إلا بعد أن

يقع بهم فعلاً، وبعد أن تنهكهم الجهود في دفعه وتقليل أخطاره؟ أهو أمر ناشئ من براءة الإسلام وخبث أعدائها أم هو ناشيء من طبيعة الخير وطبيعة الشر في كل زمان؟ أم هي طبيعة العصور الماضية التي لم تكن تتقن وسائل اكتشاف المؤامرات والجرائم والخيانات؟ قد يكون من هذه الأمور كلها، فهلا آن الأوان لأن تقوم فينا مجامع ومؤسسات لتتبع آثار المؤامرات وأهدافها ووسائل تنفيذها، كما تقوم في كل دولة من دولنا الآن دوائر لتتبع آثار المؤامرات السياسية والعسكرية على أوطانها وشعوبها؟ إن استمرارنا في هذه الغفلة جريمة لا يغفرها الله، ولا يعذرنا فيها التاريخ، ولا يحترمنا معها الأحفاد، ولو أن دولة إسلامية خصصت عشر ميزانيتها لفضح هذه المؤامرات لكان لها أعظم شرف في تاريخ الإنسانية: شرف القضاء على الشر المتربص بالخير تربصاً يؤدي إلى شقاء الإنسانية ودمارها. وهل لنا أن ننادي جميع عقلاء المُسْلِمِينَ ومفكريهم وَكُتَّابِهِمْ - مِمَّنْ لا يُتاجرون بالخلافات المذهبية - بأن يلتقوا من جديد على كلمة سواء: أن يدفنوا آثار الماضي كله، وأن يعملوا على ما يدفع الأخطار المحدقة بهم من كل مكان، متعاونين بصدق وإخلاص، تعاون الذين لا تعرف الأهواء إلى قلوبهم سبيلاً، ولا الدسائس إلى عقولهم مَنْفَذًا، وأن يجعلوا قدوتهم محمداً - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهدفهم تخليص المُسْلِمِينَ من أوزارهم وأغلالهم، وتبليغ رسالة الإسلام ونشر هدايته ونوره للعالمين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟ اللهم إننا بلَّغْنا فاشهد ..

2 - لا ... سنطاردك يا عدو الله!:

2 - لاَ ... سَنُطَارِدُكَ يَا عَدُوَّ اللهِ!: سنطاردك بالحق حتى يرغم الله أنفك حين كنت أُعِدُّ كتابي " السُنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للطبع اطلعت على كتاب لرجل يدعى «مَحْمُودُ أَبُو رَيَّةَ» زعم فيه أنه يُمَحِّصُ السُنّةَ مِمَّا علق بها تمحيصاً علمياً دقيقاً لم يسبق إليه! فلما اطلعت على كتابه هالني ما رأيت فيه من تحريف للحقائق وتلاعب بالنصوص وجهل بتاريخ السُنَّةِ وشتم وتحامل على صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كبارهم كأبي بكر وعمر وعثمان إلى صغارهم كأنس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم جَمِيعاً -، وقد امتلأ قلبه بالحقد على أكبر صحابي حفظ سُنَّةَ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونقلها لأهل العلم من صحابة وتابعين حتى بلغوا - كما قال الشافعي رَحِمَهُ اللهُ - ثمانمائة كل واحد منم جبل من جبال العلم والفهم والهداية، ذلك هو أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فخلصت من قراءتي لذلك الكتاب إلى أن صاحبه متآمر مع أعداء الإسلام الذين ما برحوا يحملون على هدم كيان السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وعلى تشويه سُمْعَةِ صحابة رسول الله الذين حملوا إلينا علمه وهدايته، وبذلو افي سبيل ذلك أوقاتهم وجهودهم ودماءهم وأموالهم، وأن الرجل جاهل مغرور كذاب جريء على تحريف النصوص التي ينقلها جرأة لم يصل إلى قلة الحياء فيها كبار المُسْتَشْرِقِينَ اللاَهُوتِيِّينَ المُتَعَصِّبِينَ، وأنه مع ذلك قليل الأدب بذيء اللسان يسعى إلى الشهرة عن هذا الطريق كما سعى إليها ذلك الأعرابي الذي بال في بئر زمزم في موسم الحج فلما سئل عن سبب جريمته أفاد بأنه فعل ذلك ليتحدث الناس عنه ولو بِاللَّعَنَاتِ! فحملتني أمانة العلم على أن أتعرض بلمحة خاطفة له، ولكتابه بينت فيها جهله، وافتراءه على الله، وعلى رسوله، وعلى العلم والعلماء، وتحريفه لنصوصهم وأقوالهم، كما بَيَّنْتُ أنه ليس لكتابه أي قيمة علمية وكيف؟ وهو مملوء بالأكاذيب والمفتريات، وكشفت عن مدى غروره في زعمه أن كتابه لم يسبق له مثيل، وأنه كان يجب أن يؤلف مثله قبل ألف

سَنَةٍ!. ولكن حَمَلَةَ العلم من التَّابِعِينَ والأئمة المُجْتَهِدِينَ وعلماء الفقه ورجال الحديث خلال ألف سَنَةٍ لم يُوهَبُوا ذكاء كذكائه الذي ادخره الله له وحده دونهم منذ الأزل ليكون له شرف هذا البحث العلمي الذي سيغير وجه التاريخ، ويقلب الدراسات الإسلامية رأساً على عقب، ويجعل المُسْتَشْرِقِينَ!، ورواد الثقافة الحديثة يتجهون إليه كمجدد مصلح للإسلام في آخر الزمان! .. - وصدر كتابي حين كنت في القاهرة للاستشفاء عام 1961 فصعق الرجل له، لا لأنه كشف عن أخطائه وجهله، فهو لا يهمه الصواب والخطأ، والعلم والجهل، بقدر ما يهمه أن يستمر في أداء خدمته لأعداء السُنَّةِ خاصة، وأعداء الإسلام عامة، من هؤلاء المُسْتَعْمِرِينَ الذين ما برحوا يسعون لتهديم الإسلام بكل وسيلة، وقد كانت وزارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر على وشك أن تطبع له - في سلسلة «المكتبة الثقافية» - كتاباً مختصراً لكتابه ذاك، فلما اطلع المسؤولون فيها على ما كتبته في الرد عليه أبلغوه رفضهم لطبع كتابه، وبرغم كل ما بذل من ماء وجهه - إن كان في وجهه من ماء الحياء شيء - فقد باءت مساعيه بالفشل، وانكشف لمن كانوا يخدعون بزيه العلمي من جبة وعمامة أنهم قد استسمنوا ذا ورم، وأنه كان يحاول خداعهم كما حاول أن يخدع بكتابه جمهور المُسْلِمِينَ {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (¬1). عاد الرجل إلى بيته يجتر أحقاده التي جمعها أخيراً في كتاب له من جديد يُكَرِّرُ فيه شتم الصحابي الجليل أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ويصر على الباطل بعد أن حاولنا أن نردعه عنه بِالحُجَّةِ والمنطق وناقشنا أدلته وما فيها من كذب وتهافت وافتراء على التاريخ وعلى العلماء. وسأترك الرد العلمي على كتابه الجديد إلى مكانه في الطبعة الثانية من كتاب " السُنَّةِ " التي أرجو أن أباشر بها قريباً حين يَمُنُّ اللهُ عَلَيَّ بقدر من الصحة يمكنني من الإشراف عليها لتلافي الأخطاء الطبعية البالغة التي ظهرت في الطبعة الأولى، لكني لا بد من أن أشير في هذه الكلمة إلى بعض ما ورد في مقدمة كتابه الثاني. ¬

_ (¬1) [سورة البقرة، الآيتان: 9، 10].

لقد حمل هذا المُدَّعِي في كتابيه الأول والثاني على الأزهر وعلمائه حملة شعواء وهاجم شهاداتهم ورماهم بالحشوية والجمود وتعفن الأفكار، وقد يبدو ذلك غريباً من إنسان يلبس زي علماء الأزهر ويلقب نفسه بالشيخ، لكن الغرابة تزول حين يعلم - كما علمت ذلك من أبناء بلده والمطلعين على تاريخ حياته - أنه كان منتسباً إلى الأزهر في صدر شبابه، فلما وصل إلى مرحلة الشهادة الثانوية الأزهرية أعياه أن ينجح فيها أكثر من مَرَّةٍ، فلما يئس عرض نفسه على جريدة كانت تصدر في بلده على أن يكون مصححاً للأخطاء المطبعية فيها، واستمر على ذلك سنين، ثم وُظِّفَ كاتباً بسيطاً في دائرة البلدية هناك وظل كذلك حتى أحيل إلى التقاعد (المعاش). وكان حين ترك الأزهر - أو بالأصح حين تركه الأزهر لغبائه وكسله - يقف على قارعة الطريق يتحرش بطلاب الأزهر فيبدي لهم استهزاءه بهم لانقطاعهم إلى تعلم الدين وشرائعه، ويرى ذلك دليلاً على سخف عقولهم، هذا هو أَبُو رَيَّةَ كما حدَّثَنا عنه أهل بلده من العلماء ورجال الفكر والأدب، لم يستطع النجاح في الشهادة الثانوية، ولم يجلس إلى أستاذ، ولا أخذ العلم عن عالم، وإنما كان صحفياً، أي يأخذ علمه من الصحف كما كان يعبر سلفنا الصالح، وقد كانوا لا يرون من فعل ذلك مستحقاً للقب طالب العلم، ولا أهلاً لأن يعبأ بأقواله وآرائه. وبذلك تعرف سر حقد أَبِي رَيَّةَ على العلماء، وسبب جهله المخجل بفهم النصوص، وسر جرأته في تحريف أقوال العلماء من صحابة وتابعين فمن بعدهم جرأة لا يقدم عليها من يخاف الله ويعلم ما أعد الله للكاذبين من أليم العذاب وسوء المصير .. ثم إنه وصفني بأني «شامي» وأن الحماقة التي عرف بها قومي - يعني الشاميين - هي التي جعلتني أقف منه هذا الموقف، وأنا لا يهمني أن يصفني بالحماقة، فالناس هم الذين يحكمون في هذا الموضوع لا رجل موتور مثله، ولكن الذي يهمني أن أنبه إلى حقيقة دين هذا الرجل الذي تمكنت في قلبه الإقليمية البغيضة تمكناً جاهلياً، فلو كان مسلماً حقاً لعلم أن بلاد الإسلام كلها وطن واحد، ولخجل من أن يَتَحَدَّثَ عن نفسه بأنه مصري ويصفني بأنني شامي، على أن الحقائق العلمية لا تقبل من أهل بلد وترفض من أهل بلد آخر، ولو كان من أهل العلم لعَلِمَ كم أخذ المصريون عن

الشاميين. والشاميون عن المصريين، والمصريون والشاميون عن العراقيين، وهؤلاء جميعاً عن علماء الأقطار الإسلامية الأخرى، وما تعمده هذا الرجل من وصف الشاميين - أي سكان سورية ولبنان وفلسطين والأردن بالاصطلاح العربي القديم وبالاصطلاح المصري المعاصر - بالحمق دليل آخر على رقة دين هذا الرجل وحقده وإثارته من جديد ما تركته الفتن الدامية في صدر الإسلام من آثار تجاوزت العقائد إلى الآداب فجعلت كتب الأدب تطفح بالنوادر عن حماقة أهل الشام وشعب أهل العراق، ثم امتدت فرأينا المتنبي يهجو أهل مصر في قصيدته المشهورة، وتطورت في العصور المتأخرة إلى أن يهجو أهل كل بلد جيرانهم من البلد الآخر، فليعتبر القارئ إلى أي حد بلغ حقد هذا الرجل، وبذاءة لسانه مع أنه يَدَّعِي التزام المنطق العلمي، والبحث المنهجي .. وشيء آخر أن الرجل يكشف عما في خبيئة نفسه من تهالك على الشهرة ولو في الإثم والفجور فقد ادَّعَى أن كتابه الأول أحدث ضجة لم يُحْدِثْهَا كتاب عربي من قبل إلا كتاب طه حسين! .. ويفتخر بأن كتباً ألِّفت في الرد على كتابه وأن مجلات تناولته بالنقد .. هذا هو أَبُو رَيَّةَ على حقيقته: جاهل يبتغي الشهرة في أوساط العلماء، وفاجر يبتغي الشهرة بإثارة أهل الخير، ولعمري إن أشقى الناس من ابتغى الشهرة عند المنحرفين والموتورين بلعنة الله والملائكة والناس أجمعين. إن هذا الرجل قد اشتهر بلا شك، فكتابه الأول اشترت أكثر نسخه إحدى السفارات الأجنبية في القاهرة وأرسلتها لتودع في مكتبات الجامعات الغربية فتكون بين أيدي الحاقدين على الإسلام ورسوله وصحابته، يستندون إليها فيما أورده في كتابه من أكاذيب وأباطيل، وكتابه الثاني قد اختفى من الأسواق تماماً برغم حداثة طبعه، ولم نستطع العثور على نسخة منه إلا بواسطة بعض أصدقائنا الشيعة، فليهنأ أَبُو رَيَّةَ فقد صارت كتبه تُوَزَّعُ - لوجه الله! .. في الغرب والشرق، وليفتخر بهذه الشهرة بكل ما يجب من تيه واعتزاز، ولكن هل نسي أنه أقسم في كتابه الأول بأنه لا يريد من نشر كتابه إلا وجه الحق والوصول إليه؟ فهل حدثت له إرادة الشهرة وحبها وبعد أن اشتهر كتابه الأول؟ أم كان يضمرها من قبل ويبدي

خلاف ما يظهر؟ ومهما يكن من أمر فالله يعلم أننا لسنا له على شهرته من الحاسدين، بل من المشفقين المتألمين، وَلَعَلَّهُ هو لا يصدق منا هذا الكلام، فإن تصديق الشيء فرع من تَصَوُّرِهِ، وفاقد الشيء لا يعطيه، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وأمر ثالث هو ما كشفت عنه مقدمة كتابه الثاني من أسباب جديدة لحقده عَلََيَّ، فقد قال: إنه زارني حين كنتُ في القاهرة عام 1961 في المستشفى الذي كنت أعالج فيه - وسماه بالمستشفى الإسرائيلي، مع أنه المستشفى العسكري - وأنه أرسل إِلَيَّ بعد ذلك بطاقة تهنئة بالعيد، ومع ذلك فلم أقدر له هذا الجميل بل عُدْتُ إلى مهاجمته في مقال نشر بجريدة " الأهرام " حينئذ .. وهذا هو أَبُو رَيَّةَ على حقيقته في شكل آخر .. رجل يرى الحق خاضعاً للمجاملات والزيارات، وأنه كان عَلََيَّ بعد أن زارني وَهَنَّأَنِي بالعيد أن أسكت عنه وأن أتنازل عن رأيي فيه، أي مجاملة وأي سكوت عمن يقر عيون أعداء الإسلام بما كتب من تجريح لِسُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبار رُوَّاتِهَا وأعظم صحابته؟ أي مجاملة مع من يركب رأسه وَيُصِرُّ على الباطل ويطيل لسانه بشتم صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شتماً مقذعاً؟ لماذا نسكت عنك؟ إنك حاربت الحق، وَتجَنَّبْتَ الهُدَى، وأمسكت المعول ظاناً أن باستطاعتك أن تهدم صرح السُنَّةِ الشامخ الثابت الدعائم، فكنت بذلك عَدُوًّا للهِ، لأن الله هو الحق، وَعَدُوًّا لرسول الله، لأنه رسول الهدى، وسنداً لأعداء الإسلام والله ينهى عن موالاتهم ويأمر بالتنبه واليقظة لدسائسهم، ففيم نسكت عنك؟ وفيم نجاملك؟ لا والله يا عدو الله! .. بل كشفاً لضلالك وتهديماً لآمالك، وتبياناً لكذبك وفجورك، حتى يرغم الله أنفك، ويخذل شياطينك، ويرد كيدك وكيد أعداء الإسلام من مُسْتَعْمِرِينَ وَشُعُوبِيِّينَ إلى نحوركم خزايا موثَّقين بأغلال الجريمة التي تدبرونها في الظلام لهذه الأمَّة ولدينها، وكلما زدتم في الباطل عناداً، ازددنا بالحق استيثاقاً، وعليه ثباتاً، وعنه دفاعاً، غير عابئين بغيظكم وحقدكم وشتائمكم. بهذا أخذ الله منا العهد، وعلى هذا وعدنا بالجنة، ولن يرانا بعونه وتوفيقه مفرطين ولا مستسلمين {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (¬1). «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي - وفي رواية " وهم من ¬

_ (¬1) [سورة آل عمران، الآية: 187].

أهل الشام " برغم أنف أَبِي رَيَّةَ - ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالفََهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» (¬1) وصدق الله وصدق رسوله الكريم. بقي أن أقول كلمة عن صدر الدين شرف الدين الذي احتضن كتاب أَبِي رَيَّةَ الجديد، وطبعه، وقدم له، واتهمني بأنني سأطعن أَبَا رَيَّةَ بالتشيع كما طعنته من قبل، وزعم أنه وجد فيه العالم المُحَقِّقَ الذي لا يشق له غبار، وقد عذرته في ذلك لأن له معنا قصة تَحَدَّثْتُ عنها في العدد التاسع مِنَ السَنَةِ الأولى من مجلة " حضارة الإسلام " كشفنا فيها عن متاجرته بالعصبيات المذهبية كما هو شأن أمثاله، ولأني تَحَدَّثْتُ في مقدمة كتابي " السُنَّةُ " عن أبيه «عَبْدِ الحُسَيْن» في أبي هريرة، وهو الذي انتهى منه إلى تكفير أبي هريرة، وأنه من أهل النار ببشارة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -!. هكذا فعل (عَبْدُ الحُسَيْنِ) مع الصحابي الذي روى أكثر من حديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُبِّهِ للحسين وأخيه، واحتضانه لهما، ودعائه لمن يُحبُّهُمَا، فَلِعَبْدِ الحُسَيْن من الله ما يستحق، ولقد كان كتابه عمدة أَبِي رَيَّةَ فيما كذب به على أبي هريرة، وفيما قاله من بذيء السباب والشتائم، ولقد قُلْتُ هناك: إن أَبَا رَيَّةَ قد يُرضي الشيعة فيما كتب - ولم أقل: إن أَبَا رَيَّةَ قد تشيع كما زعم صدر الدين - ولكنه بلا شك سيفتح عليهم باب الجدل، وسيثير ثائرة الجماهير في العالم الإسلامي الذين يرون في أبي هريرة أكبر صحابي حفظ سُنَّةَ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورواها بصدق وأمانة إلى جيل التَّابِعِينَ، فليس من السهل عليهم أن يسمعوا هذا السباب الجارح المقذع في حقه، بينما يجب أن تنصب جهود المخلصين من أَهْلِ السُنَّةِ، وَالشِيعَةِ إلى جمع الشتات وتوحيد الكلمة إزاء الأخطار المُحدقة بالعالم الإسلامي وبالعقيدة الإسلامية من أساسها، وهي تُهَدِّدُ بخروج شباب ¬

_ (¬1) أصل الحديث صحيح رواه " البخاري " و" مسلم " و" أحمد " وأما النص على أنها من أهل الشام فقد رواها البخاري في " تاريخه " (انظر: " تهذيب ابن عساكر " لبدران: 1/ 54 وانظر أيضاً " زاد المسلم ": 5/ 193 نقلاً عن " البخاري " أنها من قول مُعاذ بن جبل - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وانظر: " تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي " للشيخ ناصر الدين الألباني: ص 8).

الشيعة عن دينهم أكثر مِمَّا تهدد خروج أَهْلِ السُنَّةِ، وقلتُ: إنه من العبث أن يتظاهر بعض الناس بالرغبة في الوحدة وهم يؤلفون مثل هذه الكتب المُثيرة الداعية للشقاق والنزاع، كما فعل عَبْدُ الحُسَيْنِ نفسه، فقد كنت أَتَحَدَّثُ إليه في «صور» عن ضرورة وحدة الصف بين العاملين للإسلام، ووجوب عقد مؤتمر من علماء الفريقين لهذه الغاية فكان يُبْدِي حماساً بالغاً لهذه الفكرة، بينما كان يطبع كتابه عن أبي هريرة للطبعة الثانية، ويبيح لجميع الناس ترجمة كتابه بمختلف اللغات ابتغاء الأجر والثواب عند الله تعالى! .. هذا ما قلته عن عَبْدِ الحُسَيْن في مقدمة كتاب "السُنَّة " ولا شك أن ذلك أغضب صدر الدين لأنه معجب بأبيه الإمام حُجَّةُ الإسلام!، كما كان أبوه مُعْجَباً به جد الإعجاب في مقدمة كتاب ولده صدر الدين " حليف مخزوم " هذا الكتاب الذي جَرَّدَ فيه صدر الدين أبا بكر وعمر وكبار الصحابة المُبَشَّرِينَ بالجنة مِمَّنْ توفي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو عنهم راضٍ من فضائل الصدق والصراحة والوفاء والإخلاص للحق والغيرة على مصلحة الإسلام وهم أبرز وجه حضارتنا وأكثرها إشراقاً، وأخلدها آثاراً، وأنبلها أخلاقاً باعتراف أشد الغَرْبِيِّينَ تعصباً على الإسلام وحضارته، واتهمهم بالمكر والخداع والسعي وراء المصالح الشخصية والكذب على الناس إلى آخر هذه الصفات التي يربأ هذا (الصدر) أن يَتَحلَّى بها أدنى الناس منزلة وصلة به. وهذا مِمَّا حَبَّبَهُ إلى قلب أبيه عَبْد الحُسَيْن فيقول في مقدمة كتابه المذكور: «قد قرأتُ ولدي صدر الدين فيما يقدمه من قصة عمار بن ياسر أو قصة الإسلام في هذا الكتاب، وقرأته مئات المرات قبل ذلك ومن مارس كاتباً وَكَرَّرَ قراءته ووقف من حبه والإعجاب به عند حد، فإني أشهد أنني مارستُ صدر الدين وكرَّرْتُ قراءته ولم يقف حُبِّي له وإعجابي به عند حد، بل كنتُ بإطراد أجده نامياً صاعداً، كل سطر منه يفتح عَلَيَّ حُبّاً جديداً، ويأخذني منه بإعجاب جديد شديد، بما ينشئ من آفاق ويولد من أبكار» فالحب والإعجاب متبادلان بين الابن وأبيه، فمن حقنا أن نعذر الصدر إذا غضب حين يهاجم الرأس، أما إشادته بعلم أَبِي رَيَّةَ رغم افتضاح جهله وانكشاف كذبه، فلا يخلو بين أن يكون من الجاهلين أوالمتحاملين، وقاتل الله العصبية المذهبية الحاقدة التي رضيت بشتم

قومها في الحاضر كما رضيت في الماضي أن تكون بالكوارث التي نزلت بهم من الشامتين. وأخيراً فلا ندري أي (البطلين) نغبط؟ أنحسد (الصدر) على اهتدائه إلى هذا الكنز الثمين والعلم الغزير في (أَبُو رَيَّةَ)؟ أم نحسد (مُجَدِّدَ الإِسْلاَمِ) في القرن العشرين على أنه وجد أخيراً في (الصدر) من يُقَدِّرُ عِلْمَهُ ويعرف له فضله، ويطبع له كتابه؟ {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (¬1). ¬

_ (¬1) [سورة الزخرف، الآيتان: 36 و37].

أهم مراجع الكتاب:

أَهَمُّ مَرَاجِعِ الكِتَابِ: التفسير وعلومه: - " جامع البيان عن تأويل آي القرآن "، لابن جرير الطبري (تحقيق محمود شاكر) ط. دار المعارف بمصر. - " الدر المنثور في التفسير بالمأثور "، للسيوطي. ط: الميمنية 1314 هـ. - " الإتقان في علوم القرآن "، للسيوطي. ط. البابي الحلبي: 1354 هـ. الحديث وعلومه: - " فتح الباري بشرح صحيح البخاري "، لابن حجر. ط. البهية: 1348 هـ. - " هدي الساري على صحيح البخاري "، للقسطلاني. ط. البولاقية الخامسة. - " الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري "، للكرماني. ط. المصرية: 1351 هـ. - " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج "، للنووي. ط. المصرية: 1347 هـ. - " فتح الملهم شرح صحيح مسلم "، تأليف شبير أحمد الديوبندي. ط. الهند. - " معالم السنن شرح سنن أبي داود "، للخطابي. ط. العلمية بحلب. - " المنتقى شرح الموطأ "، للباجي. ط. السعادة: 1331 هـ. - " الفتح الرباني بترتيب وشرح مسند أحمد بن حنبل الشيباني "، لعبد الرحمن البنا. ط. الإخوان. - " سنن النسائي ". ط. المصرية. - " سنن ابن ماجه ". ط. العلمية بمصر: 1313 هـ. - " نصب الراية لأحاديث الهداية "، للزيلعي. ط. المجلس العلمي بالهند: 1347 هـ. - " جامع المسانيد "، للخوارزمي. ط. حيدر آباد بالهند: 1332 هـ.

- " تأويل مختلف الحديث "، لابن قتيبة. ط 1 بمصر: 1326 هـ. - " شروط الأئمة الخمسة "، للحازمي. ط. القدسي: 1357 هـ. - " القول المسدَّد في الذب عن مسند أحمد "، لابن حجر. ط. الهند. - " البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث "، لمحمد بن كمال الدين الحُسيني نقيب الشام. ط. البهاء بحلب: 1329 هـ. - " مفتاح السُنَّة "، لعبد العزيز الخولي. ط. التجارية بمصر. - " عقود الجواهر المنيفة في أدلة أبي حنيفة "، للمرتضى الزبيدي. ط. الإسكندرية: 1292 هـ. - " النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة "، لمحمد زاهد الكوثري. ط. الأنوار: 1365 هـ. - " معرفة علوم الحديث "، للحاكم (تحقيق معظم حسين). ط. القاهرة: 1937 م. - " علوم الحديث " (" مقدمة ابن الصلاح "). ط. الهند. - " الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير "، شرح أحمد شاكر. ط 2. حجازي بمصر. - " طرح التثريب شرح التقريب "، للحافظ العراقي. ط. مصر. - " فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي "، للسخاوي. ط. الهند. - " تدريب الراوي شرح تقريب النواوي "، للسيوطي. ط 1، النمنكاني: 1379 هـ. - " مفتاح الجنة في الاحتجاج بِالسُنَّةِ "، للسيوطي. ط. مصر. - " توجيه النظر إلى علوم الأثر "، لطاهر الجزائري. ط. مصر: 1328 هـ. - " قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث "، للقاسمي. ط. البابي الحلبي: 1380 هـ. - " الرفع والتكميل في الجرح والتعديل "، للكْنَوي. ط. الهند. - " الثقات "، لابن حبان (مخطوط بدار الكتب المصرية). - " الجرح والتعديل "، لابن أبي حاتم الرازي. ط. العثمانية بحيدر آباد: 1375 هـ. - " ميزان الاعتدال "، للذهبي. ط. السعادة بمصر. - " تهذيب التهذيب "، لابن حجر. ط. الهند.

العقيدة والفرق:

- " تذكرة الحفاظ "، للذهبي. ط 2. النظامية بالهند. - " طبقات المُحَدِّثِين "، للسيوطي (مخطوط بمكتبة الأزهر). - " الإصابة في تمييز الصحابة "، لابن حجر. ط. السعادة بمصر. - " الاستيعاب "، لابن عبد البر (بهامش الإصابة). - " الموضوعات "، لابن الجوزي (مخطوط بمكتبة الأزهر). - " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة "، للسيوطي. ط. الحُسَيْنية بمصر: 1352 هـ. - " تذكرة الموضوعات "، للفتني. ط. المنيرية بمصر: 1343 هـ. - " قانون الموضوعات "، للفتني أيضاً، مطبوع مع " تذكرة الموضوعات ". - " جامع بيان العلم وفضله "، لابن عبد البر. ط. المنيرية بمصر. - " زاد المعاد في هدي خير العباد "، لابن القيم. ط 2. البابي الحلبي: 1369 هـ. - " رسالة أبي داود في وصف تأليفه لكتاب السنن ". ط. الأنوار بمصر: 1369 هـ. - " أضواء على السُنَّة المحمدية "، محمود أَبُو رَيَّةَ. ط. مصر. - " ظلمات أَبِي رَيَّةَ أمام أضواء على السُنَّة المحمدية "، لمحمد عبد الرزاق حمزة. ط. السلفية: 1379 هـ. - " الأنوار الكاشفة لما في كتاب - أضواء على السُنَّة - من الزلل والتضليل والمجازفة "، لعبد الرحمن المعلّمي اليماني. ط. السلفية: 1378 هـ. العقيدة والفرق: - " منهاج السُنَّة النَّبَوِيَّةِ "، لابن تيمية. ط. الأميرية: 1321 هـ. - " الفرق بين الفرق "، للبغدادي. ط. مكتب الثقافة الإسلامية بمصر: 1367 هـ. - " عقيدة الشيعة "، تأليف (وايت. م. رونلدسون). الفقه وأصوله وتاريخه: - " الرسالة "، للإمام الشافعي (تحقيق أحمد شاكر). ط. البابي الحلبي بمصر. - " الموافقات في أصول الشريعة "، للشاطبي. ط. التجارية بمصر. - " الإحكام في أصول الأحكام "، للآمدي. ط. صُبيح بمصر.

التاريخ:

- " إحكام الأحكام في أصول الأحكام "، لابن حزم. ط. السعادة بمصر. - " المستصفى "، للغزالي. ط. الأميرية ببولاق: 1322 هـ. - " مسلًّم الثبوت " (بهامش " المستصفى "). - " الإسنوي شرح المنهاج " للسبكي. ط. السعادة بمصر. - " أصول السرخسي ". ط. دائرة المعارف النعمانية بحيدر آباد بالهند. - " التقرير شرح التحرير ". ط. الأميرية ببولاق: 1316 هـ. - " التيسير شرح التحرير ". ط. صبيح: 1352 هـ. - " إرشاد الفحول "، للشوكاني. ط. البابي الحلبي: 1356 هـ. - " المحصول "، للرازي (مخطوط بدار الكتب المصرية). - " إعلام الموقعين "، لابن القيم. ط. التجارية بمصر. - " الميزان "، للشعراني. ط 4. السعيدية بمصر: 1351 هـ. - " تبصرة الحكام "، لابن فرحون المالكي. ط. مصطفى محمد بمصر. - " حُجة الله البالغة "، للدهلوي. ط. الخيرية بمصر: 1322 هـ. - " أصول الفقه "، للشيخ محمد الخضري. ط. التجارية: 1352 هـ. - " تاريخ التشريع الإسلامي "، للخضري. ط. التجارية: 1323 هـ. - " مذكرة تاريخ التشريع الإسلامي "، للسايس والسبكي والبربري. ط. مصر. - " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي "، للدكتور علي حسن عبد القادر. ط. مكتبة القاهرة الحديثة بمصر. - " الأم "، للشافعي. ط. الأميرية ببولاق: 1327 هـ. - " المبسوط "، للسرخسي. ط. السعادة بمصر. - " الهداية "، للمرغيناني. ط. البابي الحلبي بمصر. التاريخ: - " تاريخ الإسلام "، للذهبي (مخطوط بمكتبة الأزهر، ودار الكتب المصرية، ودار الكتب الظاهرية بدمشق). - " الطبقات الكبرى "، لابن سعد. ط. دار صادر ودار بيروت. - " البداية والنهاية "، لابن كثير. ط. السعادة بمصر.

الأدب:

- " تاريخ بغداد "، للخطيب البغدادي. ط. المثنى والخانجي. مصر. - " تاريخ دمشق "، للحافظ ابن عساكر (مخطوط بمكتبة الأزهر ودار الكتب الظاهرية بدمشق). - " مقدمة " ابن خلدون. ط. مصر. - " وفيات الأعيان "، لابن خلكان. ط. النهضة المصرية (تحقيق محي الدين عبد الحميد). - " فجر الإسلام "، لأحمد أمين. ط 3. لجنة التأليف: 1354 هـ. - " ضحى الإسلام "، لأحمد أمين. ط. الاعتماد بمصر: 1352 هـ. - " الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء "، لابن عبد البر. ط. القدسي بمصر. - " الخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة النعمان "، لابن حجر الهيتمي. ط. مصر. - " مناقب أبي حنيفة "، للموفق المكي. ط. الهند. - " تأنيب الخطيب "، لمحمد زاهد الكوثري. ط. الخانجي بمصر. - " حُسن التقاضي في سيرة أبي يوسف القاضي "، لمحمد زاهد الكوثري. ط. الخانجي. - " بلوغ الأماني في سيرة محمد بن الحسن الشيباني "، لمحمد زاهد الكوثري. ط. الخانجي. - " مجلة المنار "، لرشيد رضا. مصر. - " تهذيب الأسماء "، للنووي. ط. المنيرية بمصر. الأدب: - " العقد الفريد "، لابن عبد ربه. ط. لجنة التأليف بمصر: 1368 هـ. - " شرح نهج البلاغة "، لابن أبي الحديد. ط. البابي الحلبي بمصر. * ومراجع أخرى تعرف من حواشي الكتاب.

المحتوى:

المُحْتَوَى: الإهداء تقديم الطبعة الثانية المنقحة مقدمة الكتاب تمهيد بمناسبة الطبعة الأولى: ............................................................. 1 - 44 الباب الأول: السنة في التشريع الإسلامي: ............................................................... 45 - 74 وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: معنى السُنَّة وتعريفها: ........................................................................ 47 - 74 - وجوب طاعة الرسول في حياته: ........................................................... 49 - وجوب طاعته بعد وفاته: ................................................................... 55 - كيف كان الصحابة يتلقون سُنَّةَ الرسول: .................................................. 56 - لماذا لم تُدوَّن السُنَّةُ في عهد الرسول؟ وهل كتب منها شيء في حياته؟ .............. 58 - موقف الصحابة من الحديث بعد وفاة الرسول: ............................................ 62 - هل حبس عمر أحداً من الصحابة لإكثاره الحديث؟ ........................................ 64 - هل كان الصحابة يشترطون لقبول الحديث شيئاً؟ ........................................ 66 - رحلة الصحابة إلى الأمصار طلباً للحديث: ................................................ 72

الفصل الثاني:

الفصل الثاني: في الوضع في الحديث: .................................................................... 75 - 89 - متى بدأ الوضع؟ .......................................................................... 75 - في أي جيل نشأ الوضع؟ ................................................................. 76 - البواعث التي أدت إلى الوضع: .......................................................... 78 - أولاً - الخلافات السياسية: ................................................................ 79 هل كان الخوارج يكذبون في الحديث؟ ..................................................... 81 - ثانياً - الزندقة: ............................................................................ 83 - ثالثاً - العصبية للجنس والقبيلة واللغة والبلد والإمام: ................................. 85 - رابعاً - القصص والوعظ: ................................................................. 85 - خامساً - الخلافات الفقهية والكلامية: .................................................... 87 - سادساً - الجهل بالدين مع الرغبة في الخير: ............................................ 87 - سابعاً - التقرب للملوك والأمراء بما يوافق هواهم: ..................................... 88 الفصل الثالث: في جهود العلماء لمقاومة حركة الوضع: ................................................. 90 - 102 - أولاً - إسناد الحديث: ...................................................................... 90 - ثانياً - التوثق من الأحاديث: .............................................................. 91 - ثالثاً - نقد الرُواة، وفيه أصناف الذين ترفض روايتهم: ................................. 92 - رابعاً - وض قواعد عامة لتقسيم الحديث وتمييزه: ...................................... 94 الصحيح: ...................................................................................... 94 الحسن: ....................................................................................... 95 الضعيف وأقسامه: ........................................................................... 95 الموضوع وعلاماته: ........................................................................ 97 علامات الوضع في السند: ................................................................... 97 علامات الوضع في المتن: ................................................................... 98

الباب الثاني:

الفصل الرابع: في ثمار هذه الجهود: ........................................................................... 103 - 123 - أولاً - تدوين السُنَّة: .......................................................................... 103 - ثانياً - علم مصطلح الحديث: ................................................................ 107 - ثالثاً - علم الجرح والتعديل: ................................................................. 109 - رابعاً - علوم الحديث: ........................................................................ 113 - خامساً - كتب في الموضوعات والوَضَّاعِينَ: ............................................... 120 - سادساً - كتب في الأحاديث المشتهرة على الألسنة: ....................................... 122 الباب الثاني: في الشُبه الواردة عَلَى السُنَّةِ في مختلف العصور وفيه سبعة فصول: ..................... 125 - 374. الفصل الأول: - السُنَّة مع الشيعة والخوراج: ................................................................ 127 - 133. الفصل الثاني: -السُنَّة مع المعتزلة والمُتَكَلِّمِينَ: .............................................................. 134 - 142. الفصل الثالث: - السُُنَّة مع منكري حُجِيَّتِهَا قَدِيمًا: حُججهم، والرد عليهم: ............................... 142 - 152. الفصل الرابع: - السُنَّة مع منكري حُجِيَّتِهَا حَدِيثًا: .......................................................... 153 - 166. أدلة المنكرين، وشُبههم: .................................................................... 153. الجواب عن الشُبهة الأولى: .................................................................. 155.

الفصل الخامس:

الجواب عن الشُبهة الثانية: ................................................................ 156 الجواب عن الشُبهة الثالثة: ................................................................ 158 الجواب عن الشُبهة الرابعة: ............................................................... 161 الفصل الخامس: السُنّة مع منكري حُجية الآحاد: ........................................................... 167 - 186 شُبه المنكرين: ............................................................................. 168 الجواب عن الشبهة الأولى: ............................................................... 169 الجواب عن الشبهة الثانية والثالثة والرابعة: ............................................ 170 أدلة حُجية خبر الآحاد: .................................................................... 171 الفصل السادس: السُنَّةُ مع المُسْتَشْرِقِينَ: .................................................................. 187 - 235 - عرض تاريخي لأغراض المُسْتَشْرِقِينَ: ............................................... 187 - خلاصة قول جولدتسيهر في السُنَّة ومحاولته التشكيك بصحتها: ................... 190 - هل كان الحديث نتيجة لتطور المُسْلِمِينَ؟ ............................................. 195 - شُبه جولدتسيهر، والجواب عنها: .................................................... 197 1 - موقف الأُمَوِيِّينَ من الدين: ........................................................... 197 2 - هل كان علماء المدينة وَضَّاعِينَ؟ ................................................... 199 3 - هل استجاز علماؤنا الكذب دفاعاً عن الدين؟ ....................................... 201 4 - كيف بدأ الكذب في الحديث؟ .......................................................... 202 5 - هل تدخلت الدولة الأموية في وضع الحديث؟ ....................................... 203 6 - أسباب الاختلاف في الحديث: ........................................................ 203 7 - هل تدخل معاوية في الوضع؟ ........................................................ 204 8 - هل استغل الأُمَوِيُّونَ الزُّهْرِي لوضع الحديث؟ ....................................... 205 الإمام الزُّهْرِي ومكانته في التاريخ: ...................................................... 206 - 226 - اسمه وولادته وتاريخ حياته: ........................................................... 206 - أبرز أخلاقه وصفاته: .................................................................... 207 - اشتهاره بالعلم وإقبال الناس عليه: .................................................... 210

الفصل السابع:

- ثناء العلماء عليه بسعة علمه: ........................................................ 210 - مكانتُهُ في السُنَّة: ...................................................................... 210 - آثاره في علم السُنّة: ................................................................... 211 - آراء علماء الجرح والتعديل فيه: ...................................................... 212 - من روى عنه وخرَّجَ له؟ .............................................................. 213 - ردِّ الشُبه الواردة في الزُّهْرِي: ......................................................... 213 - صلة الزُّهْرِي بالأُمَوِيِّينَ: ............................................................... 213 - قُبَّة الصخرة وحديث «لا تُشَدُّ الرِحَالُ» .............................................. 217 - قصة إبراهيم بن الوليد: ............................................................... 220 - قول الزُّهْرِي: «أَكْرَهُونَا عَلَى كِتَابَةِ أَحَادِيثَ»: .................................... 221 - ذهابه للقصر وتحركه في حاشية السلطان: .......................................... 222 - حَجُّهُ مع الحَجَّاج: ...................................................................... 222 - تربيته لأولاد هشام: .................................................................... 223 - تولِّيهِ القضاءَ: .......................................................................... 223 عود إلى مناقشة شُبه المُسْتَشْرِقِينَ: 9 - تغيير الأُمَوِيِّينَ الحياة الدينية: ........................................................ 226 10 - كذب الصالحين وتدليس المُحَدِّثِين: ................................................ 230 11 - الاعتراف بصحة الحديث شكلي: ................................................... 232 12 - نقد ابن عمر لأبي هريرة: ........................................................... 233 13 - الصُحُف المكتوبة: ................................................................... 233 الفصل السابع: السُنَّةُ مع بعض المُتَكَلِّمِينَ حَدِيثًا، وهو فصل خاص للرد على ما كتبه أحمد أمين في " فجر الإسلام ": ............................................. 236 - 374 - خلاصة فصل الحديث في " فجر الإسلام ": .............................................. 236 - هل بدأ الوضع في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ .......................................................... 238 - أحاديث التفسير: ........................................................................... 242 - هل استوعب البخاري كل الصحيح في جامعه؟ (وفيه بحث عن معنى الحديث والخبر والأثر وعدد الأحاديث النتشرة في عصر البخاري): .............................. 245

- عبد الله بن المبارك، وهل كان مُغَفَّلاً؟ ................................................................................ 249 - حديث «سد الأبواب»: ................................................................................................ 254 - أحاديث الفضائل: ........................................................................................................ 255 - أحاديث أبي حنيفة: ...................................................................................................... 257 - تغالي الناس في الاعتماد عَلَى السُنَّةِ: .................................................................................. 258 - عدالة الصحابة: .......................................................................................................... 261 - هل كان الصحابة يُكَذِّبُ بعضُهم بعضاً (وفيه تحقيق لبعض الأحاديث الواردة في كتب الأصول): ................. 258 - اختلاف العلماء في التعديل والتجريح: ................................................................................. 266 - قواعد النقد في السند والمتن: ........................................................................................... 269 - قواعد العلماء في نقد الحديث: .......................................................................................... 270 - نقد أحاديث في صحيح البخاري: ........................................................................................ 279 * الحديث الأول: «لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة ... » إلخ ................................................. 279 * الحديث الثاني: «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ ... » إلخ ......................................................... 282 * الحديث الثالث: «الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ ... » إلخ ............................................................ 285 * الحديث الرابع: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ ... ». إلخ ............................................................ 287 - العمل بخبر الواحد: ...................................................................................................... 289 حول أبي هريرة: نبذة من تاريخه: - شُبه صاحب " فجر الإسلام " بأبي هريرة، والجواب عنها: ......................................................... 298 أولاً - رد بعض الصحابة على أبي هريرة: ................................................................................ 299 ثانياً - عدم كتابة أبي هريرة للحديث: ..................................................................................... 303 - ثالثاً - تحديثه بغير ما سمعه: ............................................................................................ 305 - رابعاً - إنكار الصحابة عليه لكثرة الحديث: ............................................................................. 310 - خامساً - ترك الحَنَفِيَّة حديثه أحياناً: ..................................................................................... 314 - سادساً - استغلال الوُضَّاعَ كثرة حديثه: .................................................................................. 318 مع أَبِي رَيَّةَ: .................................................................................................................. 320 - 374 - مناقشة تهمه وافتراءاته على أبي هريرة: ................................................................................ 320 - 353 - أولاً - الاختلاف في اسم أبي هريرة: ...................................................................................... 320 - ثانياً - نشأته وأصله: ...................................................................................................... 322 - ثالثاً - أميَّتُهُ: ............................................................................................................... 323 - رابعاً - فقره: ............................................................................................................... 323

الباب الثالث:

- خامساً - إسلامه وسبب صحبته للنبي: ............................................................................... 325. - سادساً - قصة جوعه وملازمته للرسول: ............................................................................. 328. - سابعاً - مُزاحه وهذره!: ............................................................................................... 337. - ثامناً - التهكم به!: ..................................................................................................... 341. - تاسعاً - كثرة أحاديثه: .................................................................................................. 342. - عاشراً - تشيُّعُه لبني أمية: ............................................................................................. 352. كلمة مجملة في أبي هريرة: ............................................................................................... 354. كلمة مجملة في أَبِي رَيَّةَ وكتابه: ......................................................................................... 362. الباب الثالث: في مرتبة السُنَّةِ في التشريع الإسلامي (وفيه ثلاثة فصول): ........................................................... 375 - 456. الفصل الأول: في مرتبة السُنَّة مع الكتاب: ................................................................................................. 376 - 385. - هل تستقل السُنَّة بالتشريع؟ ................................................................................................ 379. - حُجج القائلين بالاستقلال:. ............................................................................................... 381. - حُجج المُنكرين للاستقلال:. ............................................................................................... 383. - الخلاف لفظي!: ............................................................................................................ 385. الفصل الثاني: كيف اشتمل القرآن عَلَى السُنَّةِ؟ ............................................................................................... 386 - 393. - الطريقة الأولى: .............................................................................................................. 386. - الطريقة الثانية: .............................................................................................................. 387. - الطريقة الثالثة: ............................................................................................................... 388. - الطريقة الرابعة: .............................................................................................................. 388. أمثلة للحكمين المتقابلين: ...................................................................................................... 389. أمثلة لما أعطي حُكْمًا خَاصًّاً بين شبهين: ..................................................................................... 389. أمثلة للإلحاق عن طريق القياس: ............................................................................................. 390.

الطريقة الخامسة: ..................................................................................... 391 قصص السُنَّة: ......................................................................................... 392 الفصل الثالث: في نسخ القرآن بالقرآن والقرآن بِالسُنَّةِ: ............................................................ 394 - 398 - النسخ في القرآن: .................................................................................. 394 - نسخ السُنّّة بالكتاب: ................................................................................ 394 - نسخ الكتاب بِالسُنَّةِ: ................................................................................ 396 الخاتمة: في الأئمة الأربعة وأصحاب الكتب الستة: 1 - الإمام أبو حنيفة: - نسبه وعمره: ........................................................................................ 401 - نشأته ومدرسته: ..................................................................................... 401 - أصول مذهبه: ........................................................................................ 402 - الضجة الكبرى حوله: ................................................................................ 402 - أسباب هذه الضجة: .................................................................................. 403 - ما نقل عن الإمام مالك وغيره في أبي حنيفة: ...................................................... 408 - نتائج هذه الضجة: .................................................................................... 410 - هل كان أبو حنيفة قليل البضاعة في الحديث؟ ...................................................... 411 - هل كان أبو حنيفة يقدِّمُ الرأيَ على الحديث؟ ........................................................ 417 - أمثلة من وجهة نظر أبي حنيفة في بعض الأحاديث: ............................................... 424 - حلقة أبي حنيفة العلمية: ............................................................................. 427 - كلمة إنصاف: .......................................................................................... 428 2 - الإمام مالك: - حياته ومكانته العلمية: ............................................................................... 430 - أصول مذهبه .......................................................................................... 430 - الموطأ: مكانته - رواياته وأحاديثه - شروحه: ..................................................... 431

الملاحق:

- هل الموطأ، كتاب فقه أم كتاب حديث؟ ......................................................... 435 - شُبهة القول بأنه كتاب فقه: ..................................................................... 435 - جواب الشُبهة: ................................................................................... 436 3 - الإمام الشافعي: - حياته ومكانته العلمية: .......................................................................... 439 - أصول مذهبه: ..................................................................................... 440 4 - الإمام أحمد: - حياته ومكانته العلمية: .......................................................................... 442 - أصول مذهبه: .................................................................................... 442 - المسند: مرتبته - أحاديثه: ..................................................................... 442 5 - الإمام البخاري: ................................................................................ 445 6 - الإمام مسلم: ................................................................................... 448 7 - الإمام النسائي وسُننه: ........................................................................ 450 8 - الإمام أبو داود وسُننه: ....................................................................... 451 9 - الإمام الترمذي وجامعه: ...................................................................... 453 10 - الإمام ابن ماجه وسُننه: .................................................................... 454 الملاحق: 1 - متى نسد هذه الثغرة: .......................................................................... 459 2 - لا ... يا عدو الله! سنطاردك بالحق حتى يرغم الله أنفك ..................................... 464 أهم المراجع: ........................................................................................ 472 المحتوى: ............................................................................................ 477

فهارس " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ":

فَهَارِسُ " السُنَّةُ وَمَكَانَتِهَا فِي التَّشْرِيعِ الإِسْلاَمِي ": فَهْرَسُ الآيَاتِ القُرْآنِيَةِ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ: -----[سورة الحجرات، الآية: 13]----- ص 324 إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ... : -----[سورة البقرة، الآيتان: 159، 160]----- ص 311 إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ: -----[سورة الأنعام، الآية: 148]----- ص 153 إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ: -----[سورة الأنفال، الآية: 65]----- ص 137 إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ: -----[سورة نوح، الآية: 1]----- ص 180 إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ: -----[سورة الحجر، الآية: 95]----- ص 342 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ: -----[سورة الحجر، الآية: 9]----- ص 153 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ -----[سورة النور، الآية: 62]----- ص 52 اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ: -----[سورة فصلت، الآية: 11]----- ص 38 بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ: -----[سورة الأنبياء، الآية: 18]----- ص 3 تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ: -----[سورة النحل، الآية: 89]----- ص 143، 386 ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ: -----[سورة التكاثر، الآية: 8]----- ص 247 الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ: -----[سورة الماعون، الآيتان: 6، 7]----- ص 247 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ: -----[سورة الأعراف، الآية: 157]----- ص 32 الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ: -----[سورة النور، الآية: 2]----- ص 396 عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا: -----[سورة الإسراء، الآية: 79]----- ص 86 فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ: -----[سورة النحل، الآية: 43]----- ص 157 فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ: -----[سورة البقرة، الآية: 59]----- ص 393 فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ: -----[سورة النساء، الآية: 65]----- ص 50، 146، 382 فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ... : -----[سورة النور، الآية: 63]----- ص 52، 146، 382 فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ: -----[سورة المدثر، الآية: 48]----- ص 135 فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ: -----[سورة الأنعام، الآية: 125]----- ص 235 قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا: -----[سورة البقرة، الآية: 144]----- ص 395 قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ: -----[سورة آل عمران، الآية: 32]----- ص 52 قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ: -----[سورة آل عمران، الآية: 31]----- ص 51 و52

قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ: -----[سورة يونس، الآية: 15]----- ص 397 قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ: -----[سورة النحل، الآية: 102]----- ص 398 قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... : -----[سورة الكهف، الآيتان: 103، 104]----- ص 372 كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ: -----[سورة إبراهيم، الآية: 1]----- ص 155 كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ: -----[سورة البقرة، الآية: 180]----- ص 397 لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ: -----[سورة النساء، الآية: 29]----- ص 381 لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ: -----[سورة النحل، الآية: 44]----- ص 150، 243، 397 لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ: -----[سورة آل عمران، الآية: 164]----- ص 50 مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ: -----[سورة الأنعام، الآية: 38]----- ص 153، 384، 386، 392 مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا: -----[سورة البقرة، الآية: 106]----- ص 397 مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ... : -----[سورة الفتح، الآية: 29]----- ص 32، 127 مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ: -----[سورة التوبة، الآية: 29]----- ص 180 مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ: -----[سورة النساء، الآية: 80]----- ص 51، 146، 382 هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ: -----[سورة الجمعة، الآية: 2]----- ص 144 وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا: -----[سورة النساء، الآية: 20]----- ص 76 وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا: -----[سورة البقرة، الآية: 275]----- ص 381، 396 وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ: -----[سورة النساء، الآية: 24]----- ص 378، 390 وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً: -----[سورة البقرة، الآية: 58] و [سورة الأعراف، الآية: 161]----- ص 393 وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ: -----[سورة آل عمران، الآية: 187]----- ص 468 وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا: -----[سورة الصف، الآية: 6]----- ص 32 وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ: -----[سورة النحل، الآية: 101]----- ص 398 وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا: -----[سورة الجمعة، الآية: 11]----- ص 228 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا: -----[سورة الأحزاب، الآية: 34]----- ص 145 وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ: -----[سورة يس، الآية: 13]----- ص 180 وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ: -----[سورة النساء، الآية: 59]----- ص 150 وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ: -----[سورة المائدة، الآية: 92] و [سورة التغابن، الآية: 12]----- ص 150

وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ: -----[سورة المائدة، الآية: 92]----- ص 150، 382 وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ: -----[سورة آل عمران، الآية: 132]----- ص 51 وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا: -----[سورة آل عمران، الآية: 103]----- ص 425 وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ: -----[سورة البقرة، الآية: 83]----- ص 379 وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ: -----[سورة النور، الآية: 11]----- ص 214 وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا: -----[سورة البقرة، الآية: 234]----- ص 391 وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا: -----[سورة المائدة، الآية: 38]----- ص 396 وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ: -----[سورة الأحزاب، الآية: 4]----- ص 373 وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ: -----[سورة الأنعام، الآية: 121]----- ص 5 وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا: -----[سورة النجم، الآية: 28]----- ص 168 وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ: -----[سورة النحل، الآية: 44]----- ص 50، 155، 157، 384، 387 وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ: -----[سورة القلم، الآية: 4]----- ص 384 وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ: -----[سورة الطلاق، الآية: 4]----- ص 392 وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا: -----[سورة الفجر، الآية: 22]----- ص 38 وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا: -----[سورة الإسراء، الآية: 24]-----[المقدمة / د] وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ: -----[سورة هود، الآية: 31]----- ص 324 وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى: -----[سورة الأنعام، الآية: 164]----- ص 99 وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... : -----[سورة الإسراء، الآية: 36]----- ص 35، 153، 168. وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ: -----[سورة الطلاق، الآية: 1]----- ص 391. وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ: -----[سورة البقرة، الآية: 185]----- ص 330 وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً: -----[سورة آل عمران، الآية: 97]----- ص 379 وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ: -----[سورة آل عمران، الآية: 159]----- ص 338 وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا: -----[سورة الحشر، الآية: 7]----- ص 51، 146، 382، 386 وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ ... : -----[سورة هود، الآية: 29]----- ص 324

وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ: -----[سورة النحل، الآية: 64]----- ص 50 وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ... : -----[سورة آل عمران، الآية: 32]----- ص 52، 182، 387 وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ: -----[سورة هود، الآية: 27]----- ص 324 وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى: -----[سورة النجم، الآيتان: 3، 4]----- ص 150 وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ: -----[سورة النساء، الآية: 115]----- ص 339 وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ... : -----[سورة الزخرف، الآيتان: 36 و37]----- ص 471 وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ: -----[سورة النحل، الآية: 89]----- ص 153، 155 وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ ... : -----[سورة النور، الآيات: 47 - 51]---- ص 52 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ: -----[سورة الممتحنة، الآية: 10]----- ص 395 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ: -----[سورة الأنفال، الآية: 24]----- ص 51 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ: -----[سورة النساء، الآية: 59]----- ص 150، 382 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ: -----[سورة البقرة، الآية: 183]----- ص 379 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ: -----[سورة النساء، الآية: 29]----- ص 380، 381 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ: -----[سورة الطلاق، الآية: 1]----- ص 391 يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ: -----[سورة ص، الآية: 26]----- ص 214 يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ: -----[سورة الأعراف، الآية: 157]----- ص 51 يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ... : -----[سورة الحشر، الآية: 9]----- ص 127 يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ: -----[سورة المائدة، الآية: 13]----- ص 32 يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ... : -----[سورة البقرة، الآيتان: 9، 10]----- ص 465 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... : -----[سورة المائدة، الآية: 3]----- ص 196، 384 يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم: -----[سورة الحديد، الآية: 12]-----[المقدمة / ح]

فهرس الأحاديث:

فَهْرَسُ الأَحَادِيثِ: فَهْرَسُ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالحَسَنَةِ: - الهمزة - - آمِينَ [حِينَ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ]: 296. - اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ... : 53. - اتَّخَذَ مِنْبَرًا مِنْ ثَلاَثِ دَرَجَاتٍ: 227. - اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ: 239. - اجْلِسُوا: 54. - أَحَادِيثُ صَلاَةِ الوِتْرِ أَنَّهَا سَبْعٌ أَوْ تِسْعٌ أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ: 204. - أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَان، أَمَّا المَيْتَتَانِ فَالسَمَكُ والجَرَادُ ... : 389. - إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً، ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَة: 433. - إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ... : 130 هامش. - إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُجَبْ فَلْيَرْجِعْ: 66. - إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ [فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ] وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ: 68. - إَذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ - النَّوْمِ - مَنَامِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ ... : 40، 302، 303. - أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةٍ سَنَةٍ ... : 279، 281. - أُشْهِدُ عَلَى هَذَا غَيْرِي: 426. - اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى: 264. - «افْتَحْ كِسَاءَكَ»، فَبَسَطَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ضُمَّهُ إِلَى صَدْرِكَ» ... [حَدِيثُ بَسْطِ الرِّدَاءِ]: 294، 297، 367. - افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ ... : 425. - اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلاَّ [حَقٌّ]: 60. - اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ: 60. - أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا؟: 425. - أَلاَ أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ؟: 173. - أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ: 51. - إِلاَّ بِحَقِّهَا: 77. - أَلاَ تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ؟: 331. - أَلاَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الغَائِبَ: 62. - أَلْحَقَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - الضَبَّ وَالحُبَارَى وَالأَرْنَبَ وَأَشْبَاهَهُمَا بِالطَيِّبَاتِ: 389.

- أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ إِلاَّ أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ المَرْأَةِ الحَائِضِ: 181 هامش. - أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ: 77. - امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ: 181. - إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ: 391. - إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا: 54. - أَنََّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ: انظر أيضًا [قَبْلَ [مَوْتِهِ] وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ ... ]: 280، 281. - إن رجلا ممن كان قبلكم بينما هو يتبختبر في حلة إذ خسف الله به الأرض: 341. - أَنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: 279. - إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ... : 433. - إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْتَانِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَا أَفْتَيْتَ: 69. - إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا أَلاَّ نَكْتُبَ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ: 154. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها بذلك فسألها فأخبرته: 181. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توفي ودرعه مرهونة عند يهودي: 40. - إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أنزل عليه قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها: 173. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى به: 67. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان: 183، 185. - إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان آخر ما عهد إلينا أن قال ... : 239. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة ولا يعود إلى شيء من ذلك: 424. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه: 424. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُقَبِّل وهو صائم: 53، 57، 172. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى مُلُوكِ عَصْرِهِ وَأُمَرَاءِ جَزِيرَةِ العَرَبِ كُتُبًا يَدْعُوهُمْ فِيهَا إِلَى الإِسْلاَمِ: 60. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ (الضحاك بن سفيان): 68، 178. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةً إِذْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا البَتَّةَ ... (فاطمة بنت قيس): 264، 391. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَدَحَ عَلِيًّا ... : 202. - إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ: 199. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا (المُخَابَرَةُ): 182، 183. - إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ ... : 56. - إِنَّ الصَلاَةَ فِيهِ تَعْدِلُ سَبْعَمِائَةِ صَلاَةٍ فِي غَيْرِهِ: 219. - إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ القَتْلَ، أَوْ الفِيلَ ... : 60.

- إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ: 37. - إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ: 76. - إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلامِ الحَيَاءُ: 44. - إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ: 47، 167. - إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ: 306. - أَنَّهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فِي مَسْجِدِهِ بِالمُسْلِمِينَ ... : 54. - أَنَّهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي حَجَّةٍ مُفْرِدًا: 119. - أَنَّهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا: 119. - أَنَّهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَمَتِّعًا: 119. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ (الجزية): 179. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِسَدِّ كُلَّ خَوْخَةٍ تُطِلُّ عَلَى المَسْجِدِ مِنْ بُيُوتِ الأَصْحَابِ، إِلاَّ خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ (حَدِيثُ سَدِّ الأَبْوَابِ): 131، 254، 255. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الكِلاَبِ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ: 193. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَقَّفَ فِي خَبَرِ ذِي اليَدَيْنِ: 168، 170. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي اليَدِ بِخَمْسِينَ: 177. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِبَعْضِ عُمَّالِهِ كُتُبًا حُدِّدَتْ فِيهَا مَقَادِيرُ الزَّكَاةِ فِي الإِبِلِ وَالغَنَمِ: 61. - أَنَّ النَبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ: 306. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِتَابَتِهَا وَأَمَرَ بِمَحْوِ مَا كُتِبَ مِنْهَا: 154. - إِنَّ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ سِتَّ خِصَالٍ وَاجِبَةٍ، إِنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا فَقَدْ تَرَكَ حَقًّا وَاجِبًا لِأَخِيهِ عَلَيْهِ ... : 340. - إِنَّ هَذِهِ أَيَّامُ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَلاَ يَصُومَنَّ أَحَدٌ: 174. - إِنَّ هَذِهِ عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً: 283. - أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: 280. - أَنَّهُ يَهْلِكُ فِيهِ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ مُطْرٍ وَمُبْغِضٌ مُفْتَرٍ: 429. - إِنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ: 53. [انظر أيضا: وَاللهِ إِنِّي لأَتْقَاكُمْ للهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ: 173]. - إِنِّي لاَ أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّىَ: 433. - إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا: 54. - أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ: 193، 233، 273، 287. - ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ: 61. - أَيَسُرُّكِ أَنْ يَكُونُوا فِي البِرِّ سَوَاءٌ: 426. - أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ... : 389.

- حرف الباء -

- حرف الباء - - بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ: 110. - بِالحَسَنَاتِ وَالسَيِِّئَاتِ: 73. - بِرُّ الْوَالِدَيْنِ: 119. - بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرَ وَالِيًا عَلَى الحَجِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ: 175. - بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي تِلْكَ السَنَةِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ فِي مَجْمَعِهِمْ يَوْمَ النَّحْرِ آيَاتٍ مِنْ (سُورَةِ بَرَاءَةَ): 175. - بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ... : 239، 260. - بِمَاذَا تَحْكُمُ؟: 383. - بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ ... : 379. - البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا: 47، 425. - بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ ... إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ: 341. - بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ: 54. - حرف التاء - - تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ ... : 38. - تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي: 55، 196. - تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ: 54. - حرف الثاء - - ثُمَّ نَبَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 54. - حرف الجيم - - الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: 119.

- حرف الحاء -

- حرف الحاء - - حَدِيثُ اِجْتِهَادِ الحَاكِمِ: 130. - حَدِيثُ الاِسْتِئْذَانِ: 422. - حَدِيثُ أَنَّ السُنَّةُ قَاضِيَةٌ عَلَى الكِتَابِ: 388. - حَدِيثُ اِنْشِقَاقِ القَمَرِ: 139. - حَدِيثُ بِرْوَعْ بِنْتُ وَاشِقٍ: 139. - حَدِيثُ بَسْطِ رِدَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدُعَاءِ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالحِفْظِ: انْظُرْ (اِفْتَحْ كِسَاءَكَ). - حَدِيثُ تَحْرِيمِ المُتْعَةِ: 422. - حَدِيثُ التَّلْبِيَةِ: 306 هامش. - حَدِيثُ التَّيَمُّمِ: 422. - حَدِيثُ الثَّلاَثَةِ الذِينَ اِلْتَجَأُوا إِلَى الغَارِ: 393. - حَدِيثُ جُرَيْجٍ العَابِدُ: 393. - حَدِيثُ حُكْمِ الإِذْنِ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفَرَ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ: 422. - حَدِيثُ رُؤْيَةِ الجِنِّ لَيْلَةَ الجِنِّ: 139. - حَدِيثُ الرِّبَا: 422. - حَدِيثُ الرِّدَاءِ: انْظُرْ: (حَدِيثُ بَسْطِ رِدَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدُعَاءِ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالحِفْظِ)، انظر أيضا (اِفْتَحْ كِسَاءَكَ). - حَدِيثُ سَدِّ الأَبْوَابِ إِلاَّ خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ: 255. - حَدِيثُ الصَّرْفِ: 184، 422. - حَدِيثُ صَوْمِ الجُنُبِ. انْظُرْ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ). - حَدِيثُ غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا: انظر (حديث ولوغ الكلب في الإناء). - حَدِيثُ فضل المسجد الأقصى: 15. وانظر أيضا: [191، 219]. - حَدِيثُ المسح على الخفين: 69، 422. - حديث المصرّاة: 314، 315، 317. - حَدِيثُ منع قطع السارق يسرقه أقل من عشرة دراهم: 419. - حَدِيثُ النحل: 425. - حَدِيثُ وضع الجزية على المجوس: 422. - حَدِيثُ الوضوء من مس الذكر: 204. - حَدِيثُ ولوغ الكلب في الإناء: 277، 423. - حَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْيَاءَ يَوْمَ خَيْبَرَ ... : 165. - حَسِّنْ خلقك للناس: 433. - الحكمة ضالة المؤمن ... : 260. - الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله: 55. - الحياء من الإيمان والإيمان من الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء من النار: 44.

- حرف الخاء -

- حرف الخاء - - خبر المسح على الخفين: انظر [حديث المسح على الخفين]. - خذوا عني مناسككم: 53. - خذي فرصة ممسكة فتوضّئي بها: 57. - خطبنا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم ذكر حديث موسى والخضر ... : 182. - خلق الله السماوات والأرض: 352. - حرف الدال - - دَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ: 393. - دعاني أو أمرني فدعيت له: 181. - حرف الذال - - ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ: 389. - الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر ... : 390. - حرف الراء - - رَحِمَ اللَّهُ امْرُءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ: 56. - رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: 69. - حرف السين - - سئل - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أول بيت وضع في الأرض، قال: المسجد الحرام ... : 219. - سبقكم بها الغلام الدوسي: 296. - السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه: 139. - سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مثل هذا: 183. - سُنُّوا بالمجوس سنة أهل الكتاب: 179 هامش. - سُنُّوا بهم سنّة أهل الكتاب: 68، 179.

- حرف الصاد -

- حرف الصاد - - الصلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة فيما سواه: 191. - الصلاة لوقتها: 119. - صلاة الليل [والنهار] مثنى مثنى ... : 117. - صلوا كما رأيتموني أصلي: 53. - صلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العشاء في آخر حياته فما سلم قام ... : 279. - صلى بنا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ... : 56. - صوم رمضان وصوم ثلاثة أيام من كل شهر وصوم الدهر ... : 336. - حرف العين - - عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي ... : 48. - عليكم بالسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا ... : 56. - عليكم بكتاب الله وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني ... : 239. - عودوا للذي كنتم فيه: 296.

- حرف الفاء -

- حرف الفاء - - فأتم وسجد للسهو: 169. - فأخبرها النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن قد حلت [سبيعة الأسلمية]: 391. - فاردده: 425. - فأرجعه: 426. - فأرخص لها النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[فاطمة بنت قيس]: 266. - فأشار إلى عائشة أن تفهمها ما يريد: 58. - فألحق النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهاتين سائر القرابات من الرضاعة اللاتي يحرمن من النسب: 390. - فأمرها فتحوّلت [فاطمة بنت قيس]: 266. - فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب فابن رواحة ... : 176. - فإن اعترفت فارجمها: 174. - فإن لم تجد؟: 377، 383. - فإن لم يكن في سنّة رسول الله؟: 55. - فإن لم يكن في كتاب الله؟: 55. - فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم: 390. - فبعث قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر وابن نويرة إلى عشائرهم لعلمهم بصدقهم عندهم ... : 175 - فبعث معهم سعيد بن العاص [وفد البحرين]: 175. - فجعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَمِّنُ على دعائنا: 296. - فرّق النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمالا على نواحي: 175. - فركب راحلته فخطب فقال ... : 60. - فضرب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صدره وقال: ... : 55. - فعلّمه التشهد في الصلاة: 115. - فغضب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 173. - فقد بعث بعث مؤتة فولاه زيد بن حارثة وقال ... : 176. - فقد كانت العجوة مما غرسه النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة: 283. - فقضى فيه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغُرَّةٍ: 67، 68، 179. - فلم يجعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفقة ولا سكنى [فاطمة بنت قيس]: 264. انظر أيضا [أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ... ].

- حرف القاف -

- حرف القاف - - قالوا حبة في شعرة: 393. - قبل [موته] وفاته بشهر ... : 279، 281. - قد أخرجه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يساكنه: 343. - قصة الأقرع والأبرص والأعمى: 393. - قُلْ: التحيات لله والصلوات: 115. - حرف الكاف - - كان النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتخوّلنا بالموعظة تلو الموعظة ... : 58. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ: 308، 346. انْظُرْ حَدِيثَ: [كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا ثُمَّ يَصُومُ]. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكنيه بأبي المساكين [جعفر بن أبي طالب]: 334. - كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب الدباء ويحب من اللحم ذراع الشاة ويحب الثريد: 335. - كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم: 305، 308. - كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصبح جنبا ثم يصوم: 308. - كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمازح أصحابه: 338. - كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ: 240. - كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ: 62. - كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى: 55. - كَمَا مَدَحَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأَمْثَالَهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ: 202. - الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ... : 273، 285. - كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلاَ فَزُورُوهَا: 394. -؟: 55، 377. - كيف قلتِ؟: 181. - كيف وقد قيل؟: 57.

- حرف اللام -

- حرف اللام - - لا أشهد على جور: 426. - لا ألفين أحدكم متكئا على أريكة يأتيه الأمر من أمري: 165، 172. - لا تزال طائفة من أمّتي - وفي رواية وهم أهل الشام - ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ... : 468. - لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا ... [حديث بيت المقدس]: 191، 217، 218، 219. - لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم: 351. - لا تصروا الإبل والغنم، من ابتاعها بعد ذلك فهو خير النظرين بعد أن يحلبها ... : 314. - لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ... : 59، 239. - لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها: 276. - لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر: 88. - لا وصية لوارث: 397. - لا، ولكنه ليس في أرض قومي فأجدني أعافه: 48. - لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة: 270، 279. - لا يبيع حاضر لباد: 118، - لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه: 380. - لا يرث المسلم الكافر: 185. - لا يصلينّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة: 48. - لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر ... : 47. - لقد تركتكم على الحنيفية السمحة ليلها كنهارها: 196. - لو كنت متخذا خليلا ... : 254. - ليس معهم شيء، فيناديهم نداء يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ: أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل النار ... : 73.

- حرف الميم -

- حرف الميم - - ما بال هذه المرآة؟: 173. - ما حملكم على إلقاء نعالكم؟: 54. - ما ضرب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده امرأة قط ... : 117. - ما عاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه: 117. - ما من عبد يذنب ذنبا، ثم يتوضأ، ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له: 67. - ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ ... : 280. - المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا: 276. - متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده ... فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده: 299، 301. - مُرْهُ فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ... : 391. - من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد: 416. - من استجمر فليوتر: 406. - من أصبح جنبا فلا صوم له: 305. - من اصطبح كل يوم سبع تمرات [من عجوة] لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل: 270، 282. - من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى: 56. - من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراطان: 287. - من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها: 282. - من تبع جنازة فله قيراط: 313. - من حدّثكم أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب جالسا فقد كذب: 193. - من حمل جنازة فليتوضأ: 299، 300. - من ستر مؤمناً في الدنيا على كربته ... : 73. - من سنَّ سنّة حسنة فله أجرها ... : 47. - من شهد جنازة فله قيراط: 355. - من صلى على جنازة فله قيراط: 306. - من غُسْله الغُسل، ومن حَمْلِهِ الوضوء: 300. - من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ... : 184. - من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار: 309. - من كذب عليَّ فليتبوّأ مقعده من النار: 62، 65، 238، 238. - من كذب عليَّ متعمّدا فليتبوَّأ مقعده من النار: 87، 99، 163، 238، 239. - من مَسَّ فرجه فليتوضأ: 41. - من ولي القضاء أو جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين: 224.

- حرف النون -

- حرف النون - - نحن أمَّة أميّة لا نكتب ولا نحسب: 159، 305. - نَضَّرَ اللَّهُ امْرُءًا [عَبْدًا] سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا ... : 62، 172. - نعم (للفريعة بنت مالك بن سنان): 181. - نهى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره: 406. - نهى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير: 389. - نهى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أكل لحوم الحمر الأهلية: 389. - نهى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها: 390. - نهى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحِلَقِ قبل الصلاة يوم الجمعة: 406. - نهى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة بعد صلاة العصر: 387. - حرف الهاء - - هل هو إلا بضعة منك: 204. - هو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتته: 389.

- حرف الواو -

- حرف الواو - - والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: 164. - وَاللهِ إِنِّي لأَتْقَاكُمْ للهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ: 173. انظر أيضا: [إِنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ]: 53. - وأمر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنيسا أن يغدو على امرأة رجل ذكر أنها زنت ... : 174. - وأمره أن يقاتل من أطاعه من عصاه: 176. - وبعث ابن أنيس سرية وحده: 176. - وبعث أمراء سراياه وكلهم حاكم فيما بعثه فيه: 176. - وبعث في دهر واحد اثني عشر رسولا إلى اثني عشر ملكا يدعوهم إلى الإسلام: 176. - وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن: 176. - ... والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم: 285. - وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل: 69، 177. - والوالدين: 119. - ولَّى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القضاء علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل ومعقل بن يسار وغيرهم: 223. - حرف الياء - - يأمركم أن تقفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم: 175. - يا أبا هريرة، هذا غلامك: 327. - يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب: 276. - يحشر الناس غُرلا بُهْماً: 73. - يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي ... : 165. - يوشك بأحدكم أن يقول: هذا كتاب الله، ما كان فيه من حلال أحللناه ... : 383. - يوشك [حديث المقدام]: 385. - يوشك رجل منكم ... : 383.

فهرس الأحاديث الضعيفة والباطلة:

فَهْرَسْ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالبَاطِلَةِ: - الهمزة - - آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلاَّ أُدْخِلَ النَّارَ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ أَحْمَدٌ: 99. - اتَّخِذُوا الحَمَامَ المَقَاصِيصَ فَإِنَّهَا تُلْهِي الجِنَّةَ عَنْ صِبْيَانِكُمْ: 99. - أَحَادِيثُ غُلاَةِ الشِّيعَةِ فِي عَلِيٍّ: 275. - إِذَا أَتَاكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَأَعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ فَإِنْ وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَأَنَا قُلْتُهُ: 82. - إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُوَافِقُ الحَقَّ فَخُذُوا بِهِ حَدَّثْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أَحَدِّثْ: 99. - إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تَعْرِفُونَهُ، وَلاَ تُنْكِرُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ ... : 154، 163. - إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ: 80. - إِذَا كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيَنَ وَمِائَةٍ فَهِيَ لَكَ وَلِوَلَدِكَ ... : 81. - إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ غُسِلَ الثَّوْبُ وَأُعِيدَتِ الصَّلاَةُ: 274. - إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلَمْ تُحَرِّمُوا حَلاَلاً، وَأَصَبْتُمُ الْمَعْنَى فَلاَ بَأْسَ: 350. - اللَّهُمَّ أَرْكِسْهُمَا فِي الْفَتْنَةِ وَدُعَّهُمَا فِي النَّارِ دَعًّا: 80. - الأُمَنَاءُ ثَلاَثَةٌ، أَنَا وَجِبْرِيلُ، وَمُعَاوِيَةَ: 81. - أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الكَعْبَةِ فَجَهَرَ بِـ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ»: 87. - أَنَا مِيزَانُ العِلْمِ، وَعَلِيٌّ كَفَّتَاهُ ... : 80. - انْطَلِقَا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتُمَاهُ حَيًّا فَاقْتُلاَهُ، ثُمَّ حَرِّقَاهُ بِالنَّارِ ... : 240. - إنْ أَنْتَ وَجَدْتَهُ حَيًّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَمَا أُرَاكَ تَجِدُهُ حَيًّا ... : 240. - إِنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي ... : 154، 161. - إِنَّ الرَّسُولَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالخُلَفَاءَ كَانُوا يَخْطُبُونَ جُلُوسًا: 193، 226، 228. - إنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أَحْكُمَ بِرَأْيِي فِيكُمْ فِي كَذَا، وَفِي كَذَا: 240. - إِنَّ سَفِينَةَ نُوحٍ طَافَتْ بِالبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّتْ عِنْدَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ: 98. - أَنَّ الطُوفَانَ لَمْ يَصِلْ إِلَى كَعْبِهِ [نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -]: 99. - أَنَّ اللهَ إِذَا اسْتَرْعَى عَبْدًا رَعِيَّتَهُ كَتَبَ لَهُ الحَسَنَاتِ وَلَمْ يَكْتُبَ لَهُ السَّيِّئَاتِ: 214. - إِنَّ اللهَ إِذَا غَضِبَ أَنْزَلَ الوَحْيَ بِالعَرَبِيَّةِ ... : 85. - إِنَّ اللهَ إِذَا غَضِبَ أَنْزَلَ الوَحْيَ بِالفَارِسِيَّةِ ... : 85. - إِنَّ اللهَ اشْتَكَتْ عَيْنَاهُ فَعَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ: 84. - إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الفَرَسَ فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ، فَخَلَقَ نَفَسَهُ مِنْهَا: 99. - إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل وأجراها فعرقت فخلق نفسه منها: 84. - إن الله لما خلق الحروف سجدت الباء ووقفت الألف: 84. - أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أن تسد الأبواب كلها إلا باب عليّ: 132، 255. - أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرني أي أهل بيت شئت استطلعت ... : 240. - أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يطير الحمام: 89. - أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع الجزية عن أهل خيبر: 100، 274. - أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلس مع الله على عرشه: 86. - أن نوحا لما خوفه الغرق قال: أحملني في قصعتك: 99. - أنت مني يا معاوية وأنا منك: 81. - أنه كان يدخل يده في البحر فيلتقط السمكة من قاعه ويشويها قرب الشمس [نوح - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -]: 99. - إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرّم إلا ما حرّم الله في كتابه: 155، 164. - أو جناح: 88.

- حرف الباء -

- حرف الباء - - الْبَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ: 84، 99، 275. - حرف الجيم - - جَوْرُ التُّرْكِ وَلاَ عَدْلَ العَرَبِ: 98. - حرف الحاء - - حُبُّ عَلَيٍّ حَسَنَةً لاَ يَضُرُّ مَعَهَا سَيِّئَةٌ ... : 80. - حَدِيثُ الإِخَاءِ: أَنَّهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَيٍّ: 254، 255. - حَدِيثُ جَعْلِ أَكْثَرِ الحَيْضِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ: 419. - حَدِيثُ ذِكْرِ الجَنَّةِ: 85. - حَدِيثُ رَتْنِ الهِنْدِي وَأَنَّهُ عَاشَ سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 99، 281. - حَدِيثُ سَدِّ الأَبْوَابِ إِلاَّ بَابَ عَلِيٍّ: 254، 255. - حَدِيثُ شَرْطِ إِقَامَةِ الجُمُعَةِ المِصْرَ: 419. - حَدِيثُ عَوَجْ بْنُ عُنُقٍ وَأَنَّ طُولَهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ ذِرَاعٍ: 99. - حَدِيثُ فَضَائِلِ القُرْآنِ سُورَةً سُورَةً: 87، 97، 120. - حَدِيثُ القَهْقَهَةِ: 419. - حَدِيثُ مَنْعِ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ بِسَرِقَةِ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ: 419. - حَدِيثُ الوَصِيَّةُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالخِلاَفَةِ فِي غَدِيرِ خُمْ: 79، 100، 132. - حَدِيثُ الوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فِي السَّفَرِ: 419.

- حرف الخاء -

- حرف الخاء - - خلق الله الملائكة من شعر ذراعيه وصدره: 84. - حرف الدال - - دخلت الحَمَّامَ فرأيت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالسا وعليه مئزر: 100، 274. - الديك الأبيض حبيبي وحبيب حبيبي جبريل: 99. - حرف الذال - - ذو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة وله وجهان من نار: 354 هامش. - ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها: 354. - حرف الراء - - رأيت ربي ليس بيني وبينه حجاب: 84. - رمدت فشكوت إلى جبريل فقال لي: أدم النظر في المصحف: 275. - حرف الزاي - - زر غبا تزدد حبا: 332، 333، 337. - حرف السين - - سيكثر التحديث [التحدث] عني فمن حدثكم بحديث فطبقوه على كتاب الله ... : 193، 232، 233. - سيكون رجل في أمّتي يقال له أبو حنيفة النعمان هو سراج أمّتي: 85. - سيكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس: 85. - حرف العين - - العباس وصيّي ووارثي: 81. - عليكم بالعدس فإنه مبارك يرقق القلب ويكثر الدمعة: 275.

- حرف الفاء -

- حرف الفاء - - فإن لم تجد؟ ... : 377، 377. - فصدّقوا به قلته أو لم أقله: 163، 164. - فما لم يوافق أو ما خالف فمردود: 163. - فما وافق فاقبلوه وما خالف أو لم يوافق فردوه: 162. - فما وجدتموه في كتاب الله فاقبلوه وما تجدوا في كتاب الله فردوه: 162. - حرف الكاف - - كتابة معاوية بن أبي سفيان: 100. - كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ: 240. - كل من في السماوات والأرض وما بينهما فهو مخلوق غير الله والقرآن: 87. - كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ ... : 55، 377. - حرف اللام - - لاَ أَفْتَقِدُ فَيِ الجَنَّةِ إِلاَّ مُعَاوِيَةُ فَيَأْتِي آَنِفًا بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ ... : 81. - لا يمسكن الناس علَيَّ بشيء ... : 155، 164. - لا يولد بعد المائة مولود لله فيه حاجة: 99، 274. - لما أُسري بالنبي أتاه جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلها ... : 80. - لم أقله، فأنا قلته: 163.

- حرف الميم -

- حرف الميم - - ما في الجنة شجرة إلا مكتوب على ورقة منها لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق ... : 81. - المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة: 87، 274. - معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المسكين: 98، 275. - من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه ... : 80. - من البر بعد البر أن تصلّي لأبويك وتصوم لهما مع صومك: 250. - من حدث حديثا هو لله عز وجل رضى، فأنا قلته وإن لم أكن قلته: 350. - من حمل جنازة فليتوضأ: 299، 300. - من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له: 87. - من صلى الضحى كذا وكذا ركعة أعطي ثواب سبعين نبيا: 102. - من قال: القرآن مخلوق فقد كفر: 87. - من قال: لا إله إلا الله خلق الله تعالى له طائرا له سبعون ألف لسان ... : 102. - من قال: لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان: 86. - من قضى صلوات من الفرائض في آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابرا لكل صلاة فاتته ... : 99. - من كذب علي: 240. - من ولد له ولد فسماه محمداً كان هو ومولوده في الجنة: 99. - حرف النون - - النظر إلى الوجه الجميل عبادة: 84. - النظر إلى الوجه الحسن يجلي البصر: 98. - حرف الهاء - - هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا: 80. - الهريسة تشد الظهر: 98، 275. - حرف الواو - - ولد الزنا لا يدخل الجنة إلى سبعة أبناء: 99. - حرف الياء - - ينزل ربنا عشية عرفة على جمل أورق يصافح الركبان ويعانق المشاة: 84. - يهلك فيه رجلان: محب مطر ومبغض مفتر: 429.

فهرس الأماكن والمؤسسات والمكتبات والجامعات والمعالم:

فَهْرَسُ الأَمَاكِنِ وَالمُؤَسَّسَاتِ وَالمَكْتَبَاتِ وَالجَامِعَاتِ وَالمَعَالِمِ: - حرف الهمزة - - الآفاق: 412، 430، 453. - أُحُدْ: 256، 326. - أدامي: 207. - أدنبرة: 17. - الأردن: 467. - الإرسالية التبشيرية في القدس: 13. - أرض دوس: 329. 344. 364. - أرض القردة: 344، 345، 364. - الأزهر الشريف: [المقدمة / و] 1، 10، 13، 17، 19، 20، 30، 67، 237، 238، 466. - اسكتلندا: 13. - الأسواق. انظر أيضا [السوق]: 310، 329. - أصبهان: 104، 232. - الأعظمية: 401. - أقطار الأرض: 313. 451. - أقطار العالم الإسلامي: انظر [الأمصار الإسلامية]. - أكسفورد: 14، 17. - ألمانيا: 16، 19، 20، 460. - الأمصار الإسلامية [الأمصار - أمصار المسلمين - أقطار الإسلام - الأقطار الإسلامية - أقطار العالم الإسلامي - بلاد المسلمين - بلاد الإسلام - البلاد الإسلامية]: 21، 22، 72، 104، 186، 187، 188، 199، 200، 211، 217، 232، 311، 359، 401، 411، 416، 421، 431، 435، 445، 446، 448، 451، 453، 460، 466، 467. - إنجلترا: 14، 17. - أوروبا [البلاد الأوروبية]: 12، 22، 26، 27، 187، 188، 361، 461. - أوكار الزنادقة: 85. - إيران: 10.

- حرف الباء -

- حرف الباء - - باب علي بن أبي طالب: 255. - باريس: 16. - باكستان: 460، 461. - بئر زمزم: 464. - البحرين: 175، 294، 331. - بَحَمْدُونْ (لبنان): 14. - بُخَارَى: 445. - بدر: 54. - البرلمان الباكستاني: 460. - بريطانيا: 17. - البصرة: انظر أيضا [العِرَاقَيْنِ]: 85، 105، 116، 139، 148، 149، 168، 186، 199، 210، 232، 401، 409، 416، 445، 451. - بغداد: 86، 87، 370، 371 هامش، 401، 405، 409، 410، 439، 442، 445. - بقاع الأرض: 430. - البقيع: 159، 305. - البلاد الإسلامية: انظر [الأمصار الإسلامية]. - البلاد الأوروبية: انظر [أوروبا]. - بلاد الروم: 223. - البلاد العربية: 12، 18، 34، 194، 322. - بلاد فارس: انظر [فارس]. - بلاد ما وراء النهر: 232. - البلاد المصرية: انظر [مصر]. - بلاد المغرب: انظر [المغرب العربي]. - بلجيكا: 16. - بلدان العراق: 416. - بنو أمية بن زيد [حي من عوالي المدينة]: 57. - بيت أبي بكر الصديق: 255. - بيت جعفر بن أبي طالب: 334. - البيت الحرام [بيت الله]: 69، 77، 181، 181 هامش. 336. - بيت الديوان: 210. - بيت السيد رشيد رضا: 30. - بيت عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: 346. - بيت علي بن أبي طالب: 255. - بيت المقدس: 22، 191، 218، 219، 256، 394، 395. - بيت النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 332، 346. - بيروت: 9، 11، 108 هامش. - بيوت الصحابة: 131. - بيوت نساء النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 145، 343.

- حرف التاء -

- حرف التاء - - تبوك: 100. - ترمذ: 453. - حرف الجيم - - الجامع الكبير في حمص: [المقدمة / ج / هامش]. - جامعة أبسلا (السويد): 16. - جامعة أدنبرة: 13، 17. - جامعة أكسفورد: 14، 17. - الجامعة الأمريكية (بيروت): 108 هامش. - الجامعة الأمريكية (القاهرة): 12. - جامعة جلاسكو: 13، 17. - جامعة دمشق: 2، 8، 18، 44. - جامعة السوربون: 6. - جامعة فؤاد سابقا: انظر [جامعة القاهرة]. - جامعة فرانكفورت: 460. - جامعة القاهرة: 15، 17. - جامعة كمبريدج: 12، 14، 17، 18. - جامعة لندن: 12، 13، 17، 18. - جامعة ليدن: 15. - جامعات إنجلترا (الجامعات الإنجليزية): 17، 18. - جامعات أوروبا: 12. - الجامعات العربية: 18. - جامعات الغرب (الجامعات الغربية): 18، 460، 461، 467. - الجبال: 232. - جبال الهملايا: 39. - جبل أُحُدْ: انظر [أُحُدْ]. - جبل عامل: 9. - جزيرة العرب [الجزيرة العربية]: 60، 196، 322، 445، 450. - الجمعيات الخيرية الإسلامية: [المقدمة / ج / هامش]. - جمعيات المستشرقين: 188. - جمعية الهداية الإسلامية بمصر: 20. - الجنة: 34، 35، 36، 37، 38، 55، 56، 73، 81، 85، 116، 137، 140، 273، 285، 321، 358، 468، 470. - جنوب الجزيرة العربية: 234، 235. - جهنم [النار]: 34، 35، 36، 38، 44، 73، 357، 358، 469. - الجيش البريطاني: 12.

- حرف الحاء -

- حرف الحاء - - الحجاز: 100، 200، 207، 210، 211، 213، 228، 232، 256، 274، 285، 286، 420، 430، 439، 445، 448، 450. - حجرة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: 293. - الحديبية: 53، 54، 139، 292، 395، - الحرمان الشريفان: 232، 434. - الحكومة المصرية: 237. - حمص: [المقدمة / ح / هامش]. - حرف الخاء - - خراسان: 105، 232، 246، 450، 451. - خزائن الكتب العامة: 23. - خوخة أبي بكر: 255. - خوزستان: 232. - خيبر: 100، 165، 274، 292، 292 هامش. 325، 326، 326 هامش. 327، 343. - حرف الدال - - دار جمعية الهداية الإسلامية بمصر: انظر [جمعية الهداية الإسلامية بمصر]. - دار مجلة الفتح: 238 هامش. - دار الهجرة: انظر [المدينة المنورة]. - دار عثمان بن عفان: 298. - دار الخياطين: 424. - دار السلام: 6. - دار الكتب المصرية: 20. - دائرة الاستخبارات البريطانية في ليبيا: 14. - الدانمارك: 16. - الدراسات الإسلامية: 465. - دمشق: 1. 1 هامش. 2، 18، 44، 109، 199، 309 هامش. 341 هامش. 370، 371 هامش. 414، 469 هامش. - دور الأنصار: 200، 208، 218. - دور الكتب العامة: 264. - الدول السكندنافية: 16. - الدول الغربية: 16. - الدولة الإسلامية [الدول الإسلامية]: 356. 463. - الديار الشامية: انظر [الشام].

- حرف الراء -

- حرف الراء - - الرصافة: 86. - الرملة: 450. - الري: 105. - حرف السين - - سراي عابدين: 20. - السوربون: انظر [جامعة السوروبون]. [ LA SORBONNE ] - سرغ: 68. - السفارات الأجنبية في القاهرة: 467. - سقيفة بني ساعدة: 77. 101. 128. 129. - سلسلة المكتبة الثقافية: 465. - سورية: 460، 467. - السوق: 339. - السويد: 16. - سويسرا: 16. - حرف الشين - - الشام [الديار الشامية]: 65، 68، 73، 91، 97، 105، 116، 173، 179، 185، 187، 200، 207، 209، 211، 212، 213، 214،216، 217، 223، 228، 256، 257، 414، 420، 439، 445، 448، 450، 451، 454، 467، 469، 469 هامش. - شراج الحرة: 383. - شمال إفريقيا: 196. - شمال الجزيرة العربية: 234، 235. - شنقيط: 295. - حرف الصاد - - صرار: 63. - الصُفَّةُ: 292، 292 هامش. 293، 327، 328، 331. - صِفِّينْ: 136. - صُور (لبنان): 9، 470. - صَيْدَا: 108 هامش. - الصين: 196.

- حرف الطاء -

- حرف الطاء - - طرابلس (لبنان): 122. - الطَفَاوَةُ (حَيٌّ مِنْ قَيْس عَيْلاَن): 294. - حرف العين - - العالية: 283، 285. - العالم الإسلامي: 12، 18، 21، 22، 30، 42، 404، 431، 469. - العراق. انظر أيضا [بلدان العراق]: 10، 63، 65، 79، 207، 217، 228، 359، 401، 403، 404، 408، 416، 419، 439، 448، 450، 451، 462، 467. - عرفة: 84، 175، 217، 223. - عريش مصر: 73. - العقبة: 139، 306. - العقيق: 358، 359. - العوالي: [عوالي المدينة]: 57، 232. - حرف الغين - - الغار (الذي التجأ إليه الثلاثة): 393. - غار ثور: 343. - غدير خُمْ: 79، 100، 101، 132. - غزة: 439. - حرف الفاء - - فارس [بلاد فارس]: 232، 256. - فرانكفورت: 460. - فرنسا: 17. - فلسطين: [المقدمة: د / هامش]. 207، 467. - فنلندا: 16.

- حرف القاف -

- حرف القاف - - القاهرة: [المقدمة: و، ز، م]، 1، 1 هامش، 10، 12، 15، 16، 17، 21، 373 هامش، 452 هامش، 465، 467، 468. - قُبَاءْ: 173. - قبة الصخرة: 191، 217، 218، 219. - القدس: 13. - القدُّوم: 181. - القسطنطينية: 26. - قسم الدراسات الإسلامية في جامعة فرانكفورت: 460. - قسم قوانين الأحوال الشخصية: 12. - القضاء الشرعي: 236. - القمر: 36. - حرف الكاف - - الكعبة: 87، 173، 191، 217، 218، 219، 325، 394، 431. - كلية الآداب (جامعة القاهرة): 17، 236. - كلية أصول الدين (الأزهر): 17. - كلية أصول الدين [قسم التاريخ] بألمانيا: 19. - كلية الحقوق بمصر: [المقدمة / ز]. - كلية الحقوق (جامعة دمشق): 44 - كلية الشريعة (الأزهر): [المقدمة / ز] 1، 19، 20، 67. - كلية الشريعة (جامعة دمشق): 2، 18، 44. - كلية اللاهوت (جامعة كمبريدج): 12. - كمبردج: 17، 18. - الكنيسة: 16. - الكنيسة الأورثودوكسية: 108 هامش. - الكوفة. انظر أيضا [العِرَاقَيْنِ]: 105، 116، 139، 186، 193، 199، 210، 230، 232، 359، 401، 403، 407، 408، 415، 416، 417، 445. - حرف اللام - - لاَبَتَا المَدِينَةِ: 282. - لاهور: 460. - لبنان: 14، 467. - لجنة التأليف والترجمة في القاهرة: 16. - لندن: 12، 13، 17، 18، 19. - ليبيا: 14. - ليدن: 15.

- حرف الميم -

- حرف الميم - - مانشستر: 14. - مؤتة: 176. - المؤتمر الإسلامي المسيحي: 14. - مؤتمر للدراسات الإسلامية في لاهور: 460. - المدرسة الاستشراقية: 15. - المدرسة الأشرفية في دمشق: 109. - المدن الإسلامية: 74، 415. - المدينة المنورة (دار الهجرة): 57، 58، 62، 74، 77، 92، 104، 104 هامش، 105، 139، 158، 175 هامش، 184، 185، 192، 199، 200، 201، 202، 203، 209، 210، 211، 216، 226، 229، 240، 241، 256، 257، 265، 282، 283، 283 هامش، 284، 292، 292 هامش. 298، 311، 321، 327، 329، 331، 338، 343، 343 هامش، 354، 356، 395، 401، 409، 416، 417، 430، 431، 432، 439، 440. - المركز الثقافي الإسلامي في لندن: 13، 19. - المستشفى العسكري بالقاهرة: 468. - المسجد الأقصى: 15، 191، 219. - المسجد الحرام: 54، 191، 219، 395. - مسجد الرصافة: 86. - المسجد النبوي: 131، 159، 181، 191، 227، 255، 292 هامش، 296، 327، 430. - مشارق الأرض ومغاربها: 412. - مشيخة الأزهر: 237. - مصر [البلاد المصرية]: 12، 30، 73، 91، 116، 119 هامش، 122، 199، 200، 207، 232، 256، 414، 431، 439، 445، 448، 450، 451، 452 هامش، 454، 460، 465، 467. - معهد التربية (جامعة القاهرة): 17. - معهد الدراسات الشرقية (جامعة لندن): 12. - المغرب [العربي] [بلاد المغرب]: 431. 436. 451. - مكة المكرمة: 57، 59، 60، 62، 105، 114، 175، 181، 199، 256، 257، 321، 323، 324، 325، 401، 407، 408، 409، 416، 439، 452 هامش. - المكتب الإسلامي: [المقدمة / ح]. - مكتبة الأزهر: 20. - المكتبة العصرية في صيدا: 108 هامش. - مكتبة المستشرق شاخت: 15. - مكتبات الجامعات الغربية: 467. - المكتبات العامة: 20. - مملكة قيصر: 196. - مملكة كسرى: 196. - منبر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 293. - منزل سلمة بن مخلد الأنصاري: 73. - مِنَى: 174، 358. - الميتم الإسلامي: [المقدمة / ج / هامش].

- حرف النون -

- حرف النون - - النار: انظر [جهنم]. - النرويج: 16. - نَسَاءْ: 450. - نيسابور: 448. - حرف الهاء - - هجر: 179. - الهند: 434، 460. - هولندا: 15. - حرف الواو - - واسط: 105. - وزارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر: 465. - وزارة الخارجية الفرنسية: 17. - حرف الياء - - اليمن: 55، 60، 105، 176، 185، 200، 256، 257، 291، 439. - اليونان: 6، 360.

فهرس الأعلام:

فَهْرَسُ الأَعْلاَمِ: - حرف الهمزة - - آدم: 80. - آربري: 14. - الآمدي: 134، 168 هامش. 169 هامش. 170، 170 هامش، 171، 171 هامش، 304، 306 هامش. 315. - أبان بن تغلب: 267. - أبان بن جعفر النميري: 120. - أبان بن سعيد بن العاص: 326. - إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 80، 175، 180. - إبراهيم بن إسحاق: 251. - إبراهيم بن زيد الأسلمي: 120. - إبراهيم بن سعد: 208. - إبراهيم بن سعيد الجوهري: 247. - إبراهيم بن سيار النظام: 136، 137، 138، 138 هامش، 139، 139 هامش. 140، 142، 151، 167، 254 هامش، 281، 346، 356، 359، 364، 365. - إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف: 66، 185. - إبراهيم لوقا (القس إبراهيم لوقا): 6، 370. - إبراهيم بن محمد بن يحيى الأسلمي: 121. - إبراهيم النخعي: 159، 199، 302، 305، 359، 401، 402، 424، 429. - إبراهيم بن الوليد الأموي: 220، 221. - إبراهيم اليازجي: 6، 370. - أبقراط: 284. - إبليس: 85، 357. - ابنة أبي هريرة: 297، 319، 331، 356. - الأبهري (أبو بكر): 434. - أبو حنيفة النعمان: 87، 315، 412، 420، 425، 426. - أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ: 70، 70 هامش، 174، 182، 255، 257، 263، 296، 297، 416. - أحمد (الرسول محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -): 32. - أحمد إبراهيم (الشيخ): 13.

- أحمد أمين: 13، 19، 21، 33، 132 هامش. 139 هامش. 142، 189، 206، 233، 235، 236، 237، 238، 278، 317، 318، 319، 338، 349، 454. - أحمد بن الأمين الشنقيطي: 295. - أحمد بن حنبل: [المقدمة: ل]. 55، 56 هامش، 60، 60 هامش، 68 هامش. 73، 76 هامش، 86، 88 هامش، 92، 95، 105، 106، 110، 112، 117، 119، 121، 165، 167، 181 هامش، 182 هامش، 212، 213، 216، 230، 239، 242، 242 هامش، 244، 245، 246، 247، 251، 255، 257، 282، 285، 294، 295، 298، 300، 302، 306 هامش، 315، 337، 361، 371، 385، 388، 410، 411، 419، 426، 438، 440، 442، 443، 444، 446، 451، 469 هامش. - أحمد الصافي النجفي (الشاعر): 11، 39. - أحمد بن عبد الله الجويباري: 120. - أحمد بن عمر القرطبي: (انظر: القرطبي). - أحمد محمد شاكر: 109 هامش، 173 هامش، 174 هامش، 184 هامش، 285 هامش، 361، 361 هامش، 396 هامش. - أحمد بن يوسف الأزدي: 250. - إدوارد جرجس: 6، 370. - أرنست رينان: 27. - أسامة بن زيد: 185، 297، 306، 309. - إسحاق بن إبراهيم: 427. - إسحاق بن راهويه: 106، 301، 426، 445. - إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: 174. - إسحاق بن موسى: 453. - إسحاق بن نجيح الملطي: 121. - أسد بن عمرو: 405، 427. - أسد بن الفرات: 427. - أسد بن موسى: 106. - الإسكافي: 138، 254 هامش، 344 هامش، 346، 359، 371، 372. - أسماء بن الحكم الفزاري: 67. - إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 180. - إسماعيل أدهم: 237. - الإسنوي: 171 هامش. - الأسواري (علي الأسواري): 138. - الأسود: 186. 199، 424. - أشيم الضبابي: 68، 178. - الأصبغ: 163. - الأصمعي: 295، 439. - الأعمش: 110، 154، 210، 232، 302، 421، 436.

- اللنبي (اللورد): 22. - امرأة أبي هريرة: 294، 357. - امرأة أشيم الضبابي: 68. 178. - امرأة كعب الآحبار: 182 هامش. - امرأة من بني أسد: 386/ 10. - أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب): 66. - أميمة بنت صفيح بن الحارث: 291. - أندرسون [المستشرق]: 12، 13، 17. - أنس بن مالك: 63، 74، 78، 85، 100، 110، 116، 174، 194، 207، 234، 263، 267، 306، 311، 315، 316، 318، 333، 349، 350، 464. - أُنَيْسٌ (الأَسْلَمِيِّ): 174. - الأوزاعي: 105، 110، 117، 213، 230، 305، 387، 408، 409، 416، 424، 424 هامش. 431، 432، 437. - أوس بن خولي: (انظر: جار عمر بن الخطاب من الأنصار): 57. - أيوب خان: 460. - أيوب السختياني: 199، 211، 220.

- حرف الباء -

- حرف الباء - - بَجَالَة: 179، 180. - البخاري (محمد بن إسماعيل): [المقدمة: ل]. 7، 14، 38، 38 هامش، 47 هامش، 48 هامش، 53، 53 هامش، 55، 57، 58، 58 هامش، 59، 60، 60 هامش، 61، 62 هامش، 68، 73، 77 هامش، 92، 93، 95، 105، 106، 107، 108، 110، 111، 112، 117، 121، 130 هامش،131، 182 هامش. 213، 216، 218، 229، 230، 231، 234، 237، 239، 242، 245، 246، 247، 248، 249، 254، 255، 256، 260، 266، 269، 270، 273، 279، 281، 282، 287، 293، 294، 295، 296، 297، 301، 304، 301، 306 هامش، 307، 311، 313، 314، 326، 326 هامش، 327، 329، 332 هامش، 333، 334، 339، 340، 352، 356، 367، 371، 372، 391 هامش، 393 هامش، 437، 438، 442، 445، 446، 447، 448، 449، 451، 453، 454، 469 هامش. - بدران: (انظر عبد القادر بدران). - بدر الدين العيني: (انظر: العيني). - بديع الزمان الهمذاني: 28، 335، 367. - البراء بن عازب: 78، 263، 306. - بروع بنت واشق: 139. - بريدة بن الحصيب: 240. - البزار: 333. - البزدوي: 423 هامش. - بسر بن سعيد: 351، 351 هامش. 352، 366. - بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الحَضْرَمِيِّ: 92. - بشر المريسي: 128 هامش، 142، 428. - بشير بن كعب العدوي: 64، 91. - البغوي: 298. - بقي بن مخلد: 295، 342. - بقية بن الوليد: 252، 253. - بكر بن عبد الله المزني: 319. - بكير بن عبد الله الأشج: 200. - بلاشير: 17. - بلال بن رباح: 71، 325. - البلقيني: 98. - بندار بن بشار: 119/ 17. - البويطي: 244. - بيان بن سمعان المهدي: 85. - البيهقي: 55، 56 هامش، 60، 66، 69، 73، 78، 103، 161، 162، 163، 164، 181 هامش، 182 هامش، 228، 328 هامش، 232، 234، 247، 301، 302، 314، 389 هامش، 402، 418، 426.

- حرف التاء -

- حرف التاء - - تبّع بن معد يكرب: 194، 234، 235. - الترمذي (محمد بن سورة - انظر أيضا: أبو عيسى الترمذي): [المقدمة: ل]، 48 هامش، 55، 56 هامش، 60 هامش، 62، 68 هامش، 72 هامش، 106، 108، 112، 121، 165، 181 هامش، 224، 224 هامش، 239، 243، 245، 248، 260 هامش. 273، 257، 285، 287، 292، 300، 302، 309 هامش، 310، 355، 371، 377، 377 هامش، 378، 389 هامش، 391 هامش، 393 هامش، 394 هامش، 438، 451، 453، 454. - توفيق صدقي: 153، 155. - حرف الثاء - - الثعالبي: 28، 335، 337، 370، 371. - الثقفي: (انظر: رجل من ثقيف). - ثمامة بن أشرس: 6، 141. - ثمامة بن عبد الله بن أنس: 194.

- حرف الجيم -

- حرف الجيم - - جابر بن زيد: (انظر: أبو الشعثاء). - جابر بن سمرة: 193، 226، 228. - جابر بن عبد الله الأنصاري: 53 هامش، 65، 73، 91، 115، 185، 207، 280، 281، 297، 301، 316، 318، 333، 383 هامش. - جابر بن يزيد الجُعفي: 120. - الجاحظ: 136، 138، 139، 141، 364، 369. - جار لي من الأنصار (أوس بن خولي): 57. - جارية أبي هريرة: 285. - جالينوس: 284. - جب (المستشرق): 22. - جبرائيل جبور: 6، 370. - جبريل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - (انظر أيضا روح القدس): 54، 80، 81، 87، 99، 151، 275. - جُرجي زيدان: 5، 370. - جُريج العابد: 393. - جرير بن عبد الحميد: 105. - جرير بن عبد الله البجلي: 47 هامش. - الجريري: 66، 294. - جعفر بن أبي طالب: 333، 334، 335. - جعفر بن حرب: 137، 138. - جعفر بن محمد الباقر: 179. - جمال الدين القاسمي: 109، 231 هامش. - جُنْدُبْ بْنُ جُنَادَةَ (أبو ذر الغفاري): 255. - الجوزجاني: 378. - جوستاف لوبون: 22، 26. - جولدتسيهر: 6، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، 25، 27، 189، 190، 191، 195، 197، 201، 202، 203، 204، 205، 213، 217، 218، 220، 221، 222، 223، 225، 226، 228، 231، 232، 233، 234، 253، 289، 293، 294، 298، 310، 311، 318، 364، 367، 370.

- حرف الحاء -

- حرف الحاء - - الحارث بن أسد المحاسبي: 167. - الحارثي البخاري: 413. - الحارث بن عبد الله الأعور: 121. - الحَارِث بْن عَبْد اللَّه بْن أَوْس الثَّقَفِيِّ: (انظر: رجل من ثقيف). - الحازمي: 248، 249 هامش. - الحاكم النيسابوري (انظر أيضا: أبو عبد الله): 55، 56، 67 هامش، 88 هامش، 97، 98، 102 هامش، 107، 108، 109، 112، 113، 121، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 154، 154 هامش، 165، 220، 232، 234، 251، 296، 361، 389 هامش. 415، 451. - الحباب بن المنذر: 54. - حبان: 428. - حبة بن جوين: 100. - حبيب بن أبي حبيب: 455. - حبيب بن مسلمة: 333. - الحجاج بن دينار: 250. - الحجاج بن يوسف الثقفي: 77، 83، 192، 199، 203، 222، 223، 224. - حذيفة بن اليمان: 422. - الحسن البصري: 104، 134، 186، 198، 199، 210، 230، 296، 402. - الحسن بن زياد اللؤلؤي: 120 هامش، 402، 413. - الحسن بن علي بن أبي طالب: 80، 136، 313، 343، 354، 356، 469. - الحسن بن مسلم: 181. - الحسن بن مكرم: 119. - حسني السباعي: [المقدمة: ج، ج / هامش، د / هامش]. - الحسين بن عبد الله: 161. - الحسين بن علي بن أبي طالب: 80، 136، 354، 469. - الحسين بن علي الكرابيسي: 167، 440. - الحسين بن محمد النجار: 138 هامش. - حفص بن سلم السمرقندي: (انظر: أبو مقاتل). - حفص بن غياث القاضي: 98، 401، 428. - الحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: 404. - الحكم بن أبي العاص: 139، 169.

- حماد بن أبي حنيفة: 413. - حماد بن أسامة: 194. - حماد بن زيد: 251. - حماد بن أبي سليمان: 404. - حماد بن سلمة: 79، 82، 105، 110، 113، 401، 407، 420، 424. - حمل بن مالك بن النابغة الذبياني: 68، 70، 179. - حمود غرابة: 13. - حميد بن عبد الرحمان بن عوف: 185، 297. - الحُمَيْدِي (أبو بكر): 92. - حوشب: 136.

- حرف الخاء -

- حرف الخاء - - خادم أبي هريرة: 294. - خارجة بن زيد بن ثابت: 185. - خالد بن أبي كريمة: 161. - خالد بن عبد الله القسري: 85، 203. - خالد بن معدان: 200. - خالد بن الوليد: 48، 60. - الخزرجي: 351 هامش. - الخضر: 182. - الخضري بك: 148، 149، 151. - الخطابي: (انظر: أبو سليمان الخطابي). - الخطيب البغدادي: 61 هامش. 104 هامش. 109، 112، 142 هامش. 160، 192، 221، 222، 245، 247 هامش، 370، 371 هامش، 401 هامش، 403، 408، 409 هامش، 410 هامش، 411، 411 هامش، 412، 412 هامش، 414، 415 هامش. 417، 417 هامش، 420، 428. - خديجة (أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -): 80. - خليل بن شاهين: 111. - الخليلي (انظر: أبو يعلى الخليلي). - خنساء بنت خدام: 185. - حرف الدال - - الدارقطني: 107، 111، 179 هامش، 234، 267، 302، 389 هامش، 414. - الدارمي: 55، 60 هامش، 341 هامش. 454. - داود - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 214. - داود الأنطاكي: 286. - داود الطائي: 402، 427، 428. - داود الظاهري: 302. - داود بن المحبر: 455. - الدميري: 27، 189، 217، 228، 235، 367، 369. - الدهلوي: (انظر ولي الله الدهلوي). - الدولابي: 327، 327 هامش. - دينار: 234.

- حرف الذال -

- حرف الذال - - الذهبي: 66، 77، 107، 111، 154 هامش. 159، 206 هامش، 210، 212، 218، 228، 251، 253، 261، 266، 267، 268، 269، 269 هامش، 371 هامش، 413، 446، 450، 453 هامش. - ذو النورين (انظر: عثمان بن عفان). - ذو اليدين: 168، 170. - حرف الراء - - الرازي: (انظر: فخر الدين الرازي). - رافع بن خديج: 182. - الرافعي: 123 هامش. - الرامهرمزي (أبو محمد): 108. - الربعي: 469 هامش. - الربيع بن خثيم: 102. - الربيع بن سليمان: 118. - الربيع بن صبيح: 105. - ربيعة بن أبي عبد الرحمان (ربيعة الرأي): 70، 183، 210، 210، 220، 430. - رتن الهندي: 99، 281. - رجاء بن حيوه: 193، 226، 228. - رجل من الأنصار: 173 هامش. - رجل من بني ليث: 59. - رجل من ثقيف (الثقفي: الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه بْن أَوْس الثَّقَفِيّ): 69. - رجل من الطفاوة: 294.

- الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (انظر أيضا: محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النبي - أبو القاسم - المصطفى): [المقدمة: هامش / 7. ط] 3، 6، 7، 8، 9 هامش، 10، 12، 22، 29، 32، 33، 40، 41، 42، 44، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 61، 62، 63، 64، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74، 75، 76، 77، 78، 79، 83، 86، 88، 89، 90، 91، 92، 93، 94، 96، 96 هامش، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 110، 114، 115، 116، 117، 119، 127، 128، 130، 131، 132، 133، 135، 141، 142، 143، 144، 145، 146، 147، 150، 152، 154، 155، 156، 157، 158، 160، 161، 163، 164، 165، 166، 167، 169، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 177، 178، 179، 180، 181، 182، 183، 184، 185، 186، 193، 194، 195، 196، 197، 199، 201، 202، 204، 205، 206، 211، 212، 214، 215، 223، 225، 226، 227، 228، 230، 231، 233، 234، 235، 236، 237، 238، 239، 239 هامش، 240، 241، 242، 243، 244، 249، 250، 256، 259، 260، 263، 264، 265، 266، 267، 271، 277، 278، 279، 280، 281، 282، 286، 287، 288، 289، 291، 292، 292 هامش، 293، 294، 295، 296، 297، 299، 302، 303، 304، 305، 306، 307، 310، 311، 312، 313، 314، 319، 320، 322، 323، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 332، 333، 334، 335، 336، 338، 340، 341، 343، 344، 345، 346، 347، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 355، 356، 357، 358، 359، 360، 363، 364، 366، 367، 368، 376، 377، 378، 379، 380، 381، 382، 383، 384، 385، 386، 387، 388، 391، 395، 396، 397، 402، 406، 417، 418، 419، 420، 422، 424، 425، 428، 430، 431، 433، 435، 438، 439، 440، 443، 445، 464، 468، 469، 470. - رشيد رضا: 5، 30، 61، 153، 365. - روبسون: 14. - روح القدس: 398.

- حرف الزاي -

- حرف الزاي - - الزبرقان بن بدر: 175. - الزبيدي (مرتضى) 412. - الزبير بن بكار: 292. - الزبير بن العوام: 62، 63، 131، 135، 136، 160، 202، 343، 347، 383، 385. - الزرقاني (محمد بن عبد الباقي بن يوسف): 173 هامش. 435. - الزركشي (بدر الدين): 122، 243، 245، 309 هامش، 447. - الزعفراني: 440. - زفر بن الهذيل: 193، 402، 405، 415، 427، 428. - زكريا الساجي: 82، 230. - زكي الدين عبد العظيم المنذري: (انظر: المنذري). - زنجية لأبي هريرة: 358. - زوج سبيعة الأسلمية: 391. - زوج فاطمة بنت قيس (أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم): 391. - زوجة عبد الله بن عمر: 391. - زياد بن أبيه: 83. - زياد بن عبد الله البكائي: 193، 230، 231. - زيد بن أرقم: 62، 63. - زيد بن أسلم: 172، 183، 351 هامش. - زيد بن ثابت: 62، 154، 160، 181، 296، 309، 351 هامش، 403، 422. - زيد بن حارثة: 176. - زيد بن الحباب: 385. - زيد بن خالد: 174. - زيد بن طلحة بن ركانة: 44. - زيد بن علي: 417، 435. - زينب بنت كعب: 181.

- حرف السين -

- حرف السين - - السائب بن يزيد: 62، 116. - سالم أبو النضر: 165، 172. - سالم بن عبد الله بن عمر: 68، 179، 198، 212، 223، 297، 424. - سبيعة الأسلمية: 391. - السخاوي: 109، 122، 240، 333. - السرخسي (شمس الأئمة): 349 هامش. 397 هامش. 398 هامش. 418 هامش. 423 هامش. - سعد بن إبراهيم: 184. - سعد بن أبي وقاص: 69، 257، 282، 351 هامش، 360. - سَعْد بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: 181. - سعد بن طريف: 98، 275. - سعد بن عبادة: 128. - سعد بن مالك: (انظر: أبو سعيد الخدري). - سعد بن معاذ: 100. - سعيد بن أبي الحسن (أخو الحسن البصري): 296. - سعيد بن أبي عروبة: 105. - سعيد (أظنه ابن المسيب): 159، 184. - سعيد الأفغاني: 309 هامش. - سعيد بن جبير: 181، 200. - سعيد بن زيد: 285. - سعيد بن العاص: 139، 176. - سعيد بن عبد الرحمان بن عبد الله بن جميل الجمحي: 211.

- سعيد بن المسيب: 7، 91، 110، 116، 177، 178، 198، 199، 200، 201، 207، 209، 216، 219، 230، 297، 319، 356، 402، 440. - سعيد بن منصور: 303. - سعيد بن هند: 331. - السفيانان: 193، 230، 232. - سفيان الثوري: 98، 105، 110، 232، 251، 252، 267، 385، 402، 408، 425، 437. - سفيان بن زهير: 287، 288. - سفيان بن عبد الملك: 252. - سفيان بن عمر التميمي: 98. - سفيان بن عيينة: 105، 110، 117، 120، 165، 172، 174، 175، 177، 178، 179،، 181، 182، 199، 211، 213، 220، 232، 408، 424، 425، 437. - سفيان بن وكيع: 453. - سلمان الأغر: 218، 297. - سلمان بن ربيعة: 348. - سلمان الفارسي: 317. - سليمان بن حبيب: 200. - سليمان بن عبد الملك: 199، 207، 228. - سليمان بن يسار: 185، 198، 214، 215، 297. - سميث (المستشرق): 460، 461. - السندي (أبو الحسن محمد بن عبد الهادي السندي): 450. - سهل بن سعد الساعدي: 207. - سويد بن غفلة: 199. - سيد المرسلين: 151. - السيوطي: 69 هامش. 78 هامش. 82 هامش. 86، 86 هامش. 109، 121، 122، 134، 151، 164، 206 هامش، 213 هامش، 227 هامش، 243، 245 هامش، 274، 290، 354 هامش، 415، 431، 432، 433، 435، 443، 447، 450، 453، 455.

- حرف الشين -

- حرف الشين - - شاخت: 14، 15، 17، 18. - شارل مارتل: 26. - الشاطبي: 163، 383، 384 هامش، 386، 392. - الشافعي (محمد بن إدريس): [المقدمة: ل]، 7، 13، 28، 50، 51، 53 هامش، 68 هامش، 69، 70، 70 هامش، 72، 79، 85، 88 هامش، 93، 96، 118، 119، 130 هامش، 143، 144، 146، 147، 148، 149، 151، 152، 155، 157، 159، 161، 162، 164، 165، 168، 171، 173، 177، 179، 180، 181، 183، 183 هامش، 184، 186، 204، 213، 214، 215، 230، 233، 234، 243، 259، 296، 300، 315، 380، 391 هامش، 395، 396، 397، 398 هامش، 407، 410، 414، 419، 420، 425، 426، 431، 437، 438، 439، 440، 442، 464. - شبرنجر: 367. - شبير أحمد العثماني: 69.

- حرف الصاد -

- شرف الحق العظيم آبادي: 452. - شريح القاضي: 224، 377. - الشريف الرضي: 254 هامش. - شريك بن عبد الله القاضي: 79. - شعبة بن الحجاج: 105، 110، 349 ـ 350. - الشعبي: 63، 92، 110، 154، 159، 186، 192، 200، 223، 224، 227، 305، 402، 404، 422. - الشعراني: 230، 418، 418 هامش. - شعيب - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 180. - شعيب بن أبي حمزة: 282. - شمس الحق العظيم آبادي: 82. - شمس الدين بن طولون: (انظر ابن طولون). - الشنقيطي (أحمد بن الأمين الشنقيطي: انظر: أحمد بن الأمين). - الشنقيطي (محمد حبيب الله بن عبد الله بن أحمد ما يابي الجكني الشنقيطي): 433. - شهاب بن خراش: 250. - شهاب الدين الرملي: 452. - الشهرستاني: 140. - الشوكاني: 122. - الشيخان (أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب): 72، 80، 378. - الشيخان (البخاري ومسلم): 181 هامش، 213، 385. - شيخنا الحافظ (شيخ ابن أمير الحاج): 303. - الشيطان: 34، 56، 87. - حرف الصاد - - صاحبا فخر الإسلام: (؟): 316. - صاحباه: (صاحبا أبي حنيفة: أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني): 315. - صاحب زيد بن ثابت: 296. - صالح - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 180. - صالح بن أحمد: 212. - صالح بن أحمد (أبوه) [أبو صالح بن أحمد] ابحث عن اسم أبيه: 212. - صالح المري: 113. - صدر الدين شرف الدين: 469، 470، 471. - الصغاني (رضي الدين أبو الفضل حسن بن محمد بن حسين): 121. - الصفدي: 370.

- حرف الضاد -

- الصنعاني: 122. - صهيب الرومي: 325. - الصيمري (أبو عبد الله بن علي): 409. - حرف الضاد - - الضحاك بن سفيان: 68، 178، 179. - الضحاك بن مخلد: (انظر: أبو عاصم النبيل). - الضحاك بن مزاحم: 61 هامش. - حرف الطاء - - طاهر الجزائري: 5، 109، 247، 295. - طاووس: 164، 179، 181، 182، 185، 199، 386. - الطبراني: 73، 106، 179 هامش، 240، 255، 279، 383 هامش. - الطبري (أبو جعفر - محمد بن جرير - ابن جرير): 66، 86، 205، 217، 218، 242، 302، 442. - الطحاوي (أبو جعفر): 107، 201، 239 هامش، 240، 255، 427، 440. - الطفيل بن عمرو الدوسي: 325، 326. - طلحة: 248. - طلحة بن عبد الله بن عوف: 185. - طلحة بن عبيد الله: 111، 135، 136، 202، 207، 296، 332، 333، 343، 355، 422. - طه حسين: 13، 371 هامش، 467.

- حرف العين -

- حرف العين - - عائشة (انظر أيضا: أم المؤمنين): 10، 58، 58 هامش، 65، 74، 117، 131، 135، 136، 154، 169، 183، 184، 185، 202، 262، 263، 264، 265، 266، 282، 293، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 306، 307، 308، 309، 309 هامش، 312، 313، 314، 318، 333، 338، 345، 346، 347، 348، 355، 358، 364، 384، 391 هامش، 422، 426. - عابدين: 20. - عادل زعيتر: 27 هامش. - عاصم بن عمر بن الخطاب: 426. - عافية بن يزيد: 427. - عامر الشعبي: (انظر: الشعبي). - عبادة بن الصامت: 110. 183 هامش. - عباس بن إبراهيم النخعي: 121. - العباس بن أبي رزمة: 250. - العباس بن عبد المطلب: 81، 89. - عبد بن حميد: 97. - عبد الحسين شرف الدين: 9، 9 هامش، 10، 335، 370، 461، 469، 470. - عبد الحميد بن جعفر: 218. - عبد الحي اللكنوي: 244، 433، 435. - عبد الرحمان بن أبي ليلى: 224، 407. - عبد الرحمان بن أبي نعيم البجلي: (انظر: ابن الحكم). - عبد الرحمان بن إسحاق: 209. - عبد الرحمان بن جبير: 200. - عبد الرحمان بن الحارث: 308. - عبد الرحمان بن حاطب: 185. - عبد الرحمان بن الحكم: 228، 228 هامش. - عبد الرحمان بن خلدون: (انظر: ابن خلدون).

- عبد الرحمان بن زياد بن أنعم الإفريقي: 340. - عبد الرحمان السباعي: [المقدمة: د / هامش]. - عبد الرحمان بن صخر (أبو هريرة): 320، 321. - عبد الرحمان بن عبد القاري: 185. - عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود: 172. - عبد الرحمان بن عوف: 68، 177، 179، 180، 340، 421. - عبد الرحمان بن غنم الأشعري: 185، 200. - عبد الرحمان بن كعب بن مالك: 185. - عبد الرحمان المباركفوري: (انظر: المباركفوري). - عبد الرحمان بن ملجم: 93. - عبد الرحمان بن مهدي: 82، 110، 112/ 162، 251، 252، 440. - عبد الرحمان بن مهران: 298. - عبد الرحمان بن يحيى المعلمي اليماني: 44 هامش، 352. - عبد الرحمان بن يزيد بن جارية: 185، 386. - عبد الرزاق الصنعاني: 86، 110، 173 هامش، 182 هامش، 192، 223، 250، 294، 411. - عبد شمس بن صخر (أبو هريرة): 291. - عبد العزيز عبد الحق: 190. - عبد العزيز بن عمران: 209. - عبد العزيز بن محمد الدراوردي: 174، 211. - عبد القادر بدران: 469 هامش. - عبد القادر البغدادي: 93، 137، 370. - عبد القدوس: 250/ 19، 21. - عبد الكريم بن أبي العوجاء: 85، 97. - عبد الله (أبو هريرة): 321. - عبد الله بن أبي أوفى: 116. - عبد الله بن أبي بن سلول: 214، 215. - عبد الله بن أبي سلمة: 174. - عبد الله بن أبي قتادة: 185. - عبد الله بن أحمد بن حنبل: 443، 444. - عبد الله بن إسحاق الكرماني: 97. - عبد الله بن أم مكتوم: 264.

- عبد الله بن أنيس الأنصاري: 73. - عبد الله بن باباه: 185. - عبد الله بن بريدة: 240. - عبد الله بن ثعلبة: 207، 297. - عبد الله بن الحارث بن جزء: 116. - عبد الله بن دينار: 173. - عبد الله بن رواحة: 176. - عبد الله بن الزبير: 15/ 62، 77، 159، 191، 207، 218، 219، 254. - عبد الله بن سبأ: 90، 461. - عبد الله بن عامر بن ربيعة: 68. - عبد الله بن عباس: 48 هامش، 56، 61، 63، 64، 65، 91، 98، 110، 136، 158، 159، 160، 181، 181 هامش، 182، 212، 239، 254، 255، 262، 263، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 305، 306، 306 هامش، 311، 316، 318، 333، 379، 386، 387، 407، 416، 417، 422، 431. - عبد الله بن عتبة بن مسعود: 199. - عبد الله بن عدي: 248. - عبد الله بن عمر: 47 هامش، 48 هامش، 53، 74، 77، 116، 169، 173، 182، 183، 185، 193، 194، 197، 207، 212، 219، 223، 233، 273، 279، 280، 281، 287، 288، 296، 297، 301، 302، 306، 309، 311، 313، 314، 315، 333، 347، 348، 349، 355، 358، 389 هامش، 391، 424، 430، 431، 437، 464. - عبد الله بن عمرو بن العاص: 58، 60، 60 هامش، 61، 74، 239، 240، 260، 304، 323، 363، 464. - عبد الله بن عمرو بن عوف: 55. - عبد الله بن المبارك: 91، 105، 110، 117، 249، 250، 251، 252، 253، 301، 401، 408، 410، 411، 418، 426. - عبد الله بن مسعود (انظر: أيضا أبو عبد الرحمان - ابن أم عبد): 54، 58، 64، 65، 74، 97، 115، 116، 119، 131، 139، 154، 160، 254، 266، 301، 302، 309، 338، 346، 347، 348، 365، 378، 379، 386، 401، 415، 416، 417، 424، 429، 437. - عبد الله بن مغفل: 287، 288. - عبد الله بن موسى العبسي الكوني: 106. - عَبد الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي رُوَّادٍ: 182. - عبد الملك بن عمير: 172. - عبد الملك بن مروان: 15، 158، 191، 197، 198، 199، 200، 200، 203، 209، 216، 217، 218، 219، 223، 254، 404. - عبد مناف: 439. - عبد الوهاب بن الضحاك: 455.

- عبيد (عبد الله) الله بن أبي رافع: 165، 172، 185. - عبيد الله بن أبي جعفر: 200. - عبيد الله بن أبي يزيد: 185. - عبيد الله بن سعيد: 163. - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: 174، 198، 207، 208، 212. - عبيد (عبد الله) الله بن أبي رافع: 165، 172، 185. - عبيد الله بن أبي جعفر: 200. - عبيد الله بن أبي يزيد: 185. - عبيد الله بن سعيد: 163. - عبيد الله بن عمر: 220. - عبيد الله بن عمرو: 421. - عبيد بن عمير: 333. - عبيدة السلماني: 154، 199. - عثمان بن أبي شيبة: 106. - عثمان بن عفان (ذو النورين): 72، 79، 81، 97، 129، 130، 139، 169، 177، 181، 191، 202، 205، 227، 254 هامش، 257، 275، 298، 333، 343، 345، 346، 354، 364، 416، 464. - عثمان بن عمر: 119. - العجلوني: 122. - العجلي: 416. - العراقي (زين الدين): 109، 121، 255، 301، 307، 443. - عراك بن مالك: 297. - العرباض بن سارية: 48 هامش، 56. - عروة بن الزبير: 67، 103، 117، 183، 184، 185، 207، 297، 347. - العسجدي: 337. - عضد الدين الإيجي: 135. - عطاء بن أبي رباح: 73، 198، 199، 213، 297.

- عطاء بن عبيد بن عمير: 333. - عطاء بن يسار: 53، 53 هامش، 172، 173 هامش، 183، 185. - عقبة بن الحارث: 57. - عقبة بن عامر الجهني: 73. - العقيلي: 111، 333، 446. - عكرمة (مولى ابن عباس): 98، 294، 335، 357. - عكرمة بن خالد: 185. - العلاء بن زيد: 455. - علقمة بن قيس: 154، 186، 198، 199، 401، 424. - العلواني: 370. - علي الأسواري: (انظر: الأسواري). - علي بن أبي طالب:7، 8 هامش، 11، 12، 60، 67، 72، 72 هامش، 75، 77، 79، 80، 81، 90، 91، 100، 101، 129، 130، 131، 132، 133، 135، 136، 139، 151، 154، 169، 174، 175، 191، 205، 214، 215، 223، 224، 227، 241، 254، 254 هامش، 255، 261، 263، 266، 268، 275، 279، 300، 301، 312، 318، 333، 335، 343، 345، 346، 348، 353، 354، 360، 364، 383، 416، 417، 422، 429. - علي حسن عبد القادر: 19، 20، 21، 190، 238، 435. - علي بن الحُسين: 185، 212. - علي بن شقيق: 250. - علي عبد الواحد وافي: 238 هامش. - علي القاري: 122، 244، 435. - علي بن المديني: 108، 110، 210، 411، 446. - عمار بن ياسر: 136، 422، 470. - عمران بن أبي أنس: 218. - عمران بن حصين: 62، 387. - عمران بن حطان: 93، 94، 267. - عمر بن أبي ربيعة: 158، 305. - عمر بن أبي سلمة: 53 هامش.

- عمر بن الخطاب (انظر أيضا: أمير المؤمنين): 5، 8 هامش، 47 هامش، 54، 57، 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69، 70، 70 هامش، 72، 76، 76 هامش، 77، 80، 81، 101، 103، 104، 128، 129، 131، 139، 154، 168، 169، 170، 171، 177، 178، 179، 180، 185، 196، 202، 227، 240، 257، 262، 263، 264، 265، 294، 296، 297، 309، 312، 318، 325، 331، 333، 334، 343، 344، 345، 346، 348، 360، 363، 364، 379، 391، 414، 415، 417، 422، 426، 464، 470. - عمر بن عبد العزيز: 104، 105، 160، 183، 184، 194، 207، 210، 211، 213، 227، 228. - عمرة بنت عبد الرحمان الأنصاري: 104. - عمرو بن ثابت: 250. - عمرو بن الحارث: 200. - عمرو بن حزم: 69، 194. - عمرو بن دينار: 175، 179، 181، 182، 199، 210، 216. - عمرو بن سليم الزرقي: 174. - عمرو بن شرحبيل: 199. - عمرو بن العاص: 80، 131، 227. - عمرو بن عبد الله بن صفوان: 175. - عمرو بن عبيد: 134، 136، 140. - عمرو بن عثمان: 185. - عمرو بن عوف: 55. - عمرو بن ميمون: 199. - عمير (أبو هريرة): 321. - عوج بن عنق: 99. - عياض اليحصبي (القاضي): 54، 108، 109، 409، 426. - عيسى بن أبان: 349. - عيسى بن مريم - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 32، 80، 187. - عيسى بن موسى: 417. - العيني (بدر الدين): 330، 414، 447.

- حرف الغين -

- حرف الغين - - الغزالي (أبو حامد): 71، 108، 261، 262. - غلام أبي هريرة: 327. - غلام خليل: 87. - الغلام الدوسي (أبو هريرة): 296. - غياث بن إبراهيم: 88. - حرف الفاء - - الفاروق: (انظر: عمر بن الخطاب). - فاطمة بنت قيس: 262، 264، 265، 266، 391. - فاطمة بنت محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الزهراء): 80. - فؤاد (الملك فؤاد ملك مصر): 15. - الفتني (محمد بن طاهر): 82، 122. - فخر الإسلام (أبو الحسن البزدوي): 315، 316، 317. - فخر الدين الرازي: 71، 71 هامش، 72 هامش، 99، 135، 167، 167 هامش. - فرعون: 357. - فرقد السبخي: 336. - الفريعة بنت مالك بن سنان: 181. - الفزاري: 110. - الفضل بن دكين (أبو نعيم): 97، 427. - الفضل بن العباس: 297، 305، 306، 306 هامش، 308، 309. - فضل الحدثي: 138. - الفضيل بن عياض: 402، 428. - فلانة الأنصارية: 181. - فليب حتّي: 6، 370. - فلوتن: 6، 370.

- حرف القاف -

- حرف القاف - - القاساني: 167. - القاسم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود: 200، 224. - قاسم بن قطلوبغا: 111. - القاسم بن محمد بن أبي بكر: 104، 154، 185، 198، 228. - القاسم بن معن: 428. - القاسمي: (انظر: جمال الدين القاسمي). - القاوقجي (محمد بن أبي المحاسن القاوقجي الحسني المشيشي الأزهري): 122. - قبيصة بن ذؤيب: 66، 200، 297. - قتادة (انظر أيضا: أبو الخطاب): 78، 86، 159، 199، 210، 232، 267، 305، 403. - قتيبة بن سعيد: 451، 453. - القرطبي (أحمد بن عمر): 449. - قرظة بن كعب: 63. - قزعة بن يحيى: 218. - القسطلاني: 282. - قصي بن كلاب: 439. - قنفذ: 80. - قيس بن أبي حازم: 116. - قيصر (ملك الروم): 196. - القطب الحلبي: 291، 320. - قطب الدين اليمني الشافعي: 452. - قوقل بن أصرم: (انظر: ابن قوقل). - قين الأشجعي: 301، 302، 303، 338، 346.

- حرف الكاف -

- حرف الكاف - - كارل بروكلمان: 6، 370. - كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف: 55. - الكرخي: 397 هامش. - الكرماني: 280. - كريمر، فون (المستشرق): 6، 367، 370. - كسرى (ملك الفرس): 196. - كعب الأحبار: 5، 32، 37، 182 هامش، 260، 345، 350، 351، 352، 364، 365، 366. - كعب بن عجرة: 228. - الكعبي: (انظر: أبو القاسم الكعبي البلخي). - الكمال بن الهُمام السيواسي: 315، 316. - الكوثري: (انظر: محمد زاهد الكوثري). - حرف اللام - - لوط - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 180. - الليث بن سعد: 105، 110، 200، 207، 209، 210، 211، 213، 409، 421، 425، 429، 431، 454.

- حرف الميم -

- حرف الميم - - ماسينيون: 17، 17 هامش. - مالك بن أنس: [المقدمة: ل]، 7، 27، 53، 68 هامش، 70، 79، 93، 105، 108، 109، 117، 118، 120، 167، 172، 174، 179، 179 هامش، 181، 181 هامش، 183، 189، 210، 211، 212، 213، 216، 220، 230، 251، 252، 255، 260، 267، 300، 403، 404، 406، 407، 408، 409، 410، 413، 414، 421، 425، 429، 430، 431، 432، 433، 434، 435، 436، 437، 438، 439، 440، 454، 455. - مالك بن الحويرث: 53 هامش. - مالك بن مِغْول: 119. - المأمون (الخليفة العباسي): 141، 442. - مأمون بن أبي أحمد الهروي: 97، 121. - المباركفوري (عبد الرحمان): 453. - المبرد: 83. - المتنبي (أبو الطيب): 467. - المتوكل (الخليفة العباسي): 141، 442. - مجاهد بن جبر: 91، 185، 199، 220. - مجمع بن يزيد بن جارية: 185. - مجنونة (التي زنت): 69. - محب الدين الخطيب: 1 هامش، 238 هامش، 295. - محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (انظر أيضا: أحمد - الرسول - النبي - سيد المرسلين - أبو القاسم - المصطفى): [المقدمة: هامش / 5، ط / 4]، 1، 6، 26، 32، 58، 84، 149، 180، 184، 216، 278، 296، 362، 379، 416، 455، 459، 460، 463. - محمد أديب صالح: [المقدمة: هامش / 2]. - محمد بن إبراهيم التيمي: 351 هامش. - محمد بن أبي حاتم الكشي: 97. - محمد بن أبي يعقوب: 97. - مُحَمد بْنُ أَحْمَدَ الْقُومَسِيُّ: 248. - محمد بن إسحاق: 87، 105، 266، 267، 268، 269، 407. - محمد أمين المصري: 17.

- محمد الباقر: 179، 417. - محمد بن تميم الفريابي: 121. - محمد بن جبير بن مطعم: 185. - محمد بن جعفر العدل: 413. - محمد بن الحجاج النخعي: 98. - محمد بن الحسن الشيباني (انظر أيضا: صاحباه): 142، 211، 402، 405، 410، 413، 415 هامش، 418، 419، 427، 428، 431، 434، 435، 437، 439، 440. - محمد بن حمدويه: 248. - محمد الحوت البيروتي: 123، 123 هامش. - محمد الخضر حسين: 20. - محمد بن زاهد الكوثري: 120 هامش، 412 هامش، 425. - محمد بن زياد اليشكري: 121. - محمد بن السائب الكلبي: 121، 245. - محمد بن سعد: (انظر: ابن سعد). - محمد بن سعيد المصلوب: 85، 121. - محمد بن سليمان بن علي (أمير البصرة): 85. - محمد بن سيرين: 76 هامش، 90، 110، 186، 199، 202، 228، 294، 297، 402. - محمد بن شجاع الثلجي: 120، 120 هامش. - محمد بن طاهر الفتني: (انظر: الفتني). - محمد بن طلحة بن ركانة: 185. - محمد عبد الرزاق حمزة: 44 هامش. - محمد بن عبد الله بن مسرة: 162. - محمد بن عبد الله بن مسلم: 207. - محمد عبده: 5، 27 هامش، 30. - محمد بن عكاشة الكرماني: 121. - محمد بن علي بن حسين: 185. - محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم: 314. - محمد بن القاسم الطايكاني: 121. - محمد بن مسلمة: 66، 67، 169، 170. - محمد بن المنكدر: 172.

- محمد بن موسى الدميري: 455. - محمد ناصر الدين الألباني: 469 هامش. - محمد بن النعمان بن بشير: 425. - محمد بن يوسف الصالحاني: 414. - محمد يوسف موسى: 190. - محمود بن الناظر بن سهل الشافعي: 445. - محمود أبو رية: 1، 2، 4، 7، 9، 9 هامش، 10، 12، 21، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33، 34، 37، 40، 42، 44، 44 هامش، 189 هامش، 320 هامش، 322، 323، 324، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 332، 333، 334، 335، 336، 337، 338، 339، 340، 341، 342، 344، 344 هامش، 345، 346، 347، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 356، 357، 358، 360، 362، 363، 364، 365، 366، 367، 368، 369، 371 هامش، 372، 373، 373 هامش، 464، 466، 467، 468، 469، 470، 471. - محمود خطاب السبكي: 452. - مخلد بن خفاف: 183. - مربع الأنصاري: 175. - مرتضى الزبيدي: (انظر: الزبيدي). - المراغي (شيخ الأزهر): 19. - المرداد: 137. - مرجليوث: 14، 15. - المرغيناني: 224. - مروان بن الحكم (انظر أيضا: أبو عبد الملك): 77، 207، 229، 292، 296، 298، 308، 313، 338، 343، 354، 356، 357، 358. - المزّي (جمال الدين أبو الحجاج): 111. - مسدد بن مسرهد الأسدي البصري: 106. - مسروق بن الأجدع: 58، 199، 416. - مسلم (أحد الرواة): 182.

- مسلم بن الحجاج: [المقدمة: ل]، 7، 14، 37، 38، 38 هامش، 47 هامش، 48 هامش، 53 هامش، 58 هامش، 59، 64، 68، 69، 77 هامش، 90، 91، 91 هامش، 95، 96، 97، 104، 105، 106، 107، 108، 110، 112، 117، 121، 130 هامش، 182 هامش، 193، 212، 213، 216، 218، 221، 228 هامش، 229، 230، 237، 239، 245، 247، 247 هامش، 248، 248 هامش، 249، 250، 252، 253، 254، 255، 257، 263، 264، 265، 266، 279، 280، 281، 282، 287، 288، 294، 306 هامش، 307، 308، 310، 311، 326، 329، 330 هامش، 351، 352، 367، 371، 390 هامش، 391 هامش، 394 هامش، 426، 438، 442، 446، 448، 449، 450، 451، 454، 469 هامش. - مسلم بن خالد الزنجي: 181، 439. - مسلم بن عبيد الله (والد الزهري): 207. - مسلم بن العلاء الحضرمي: 179 هامش. - مسلم بن يسار: 199. - مسلمة بن مخلد الأنصاري: 73. - المسيب بن واضح: 251. - المسيح - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: (انظر: عيسى بن مريم). - المسيحي (الطبيب): 286. - المصطفى (محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -): 356. - مصطفى البابي الحلبي: 243 هامش. - مصطفى السباعي: [المقدمة: ح هامش، د هامش، ح هامش، م]، 44. - مصعب بن سعد بن أبي وقاص: 185. - المطرّزي: 58 هامش. - مطرف بن عبد الله بن الشخير: 199، 200، 387. - معاذ بن جبل: 55، 100، 176، 194، 223، 257، 348، 349، 377، 378، 383، 433، 469 هامش. - معاوية بن أبي سفيان: 7، 75، 80، 81، 100، 129، 131، 133، 154، 183، 183 هامش، 191، 193، 204، 205، 222، 224، 226، 227، 229، 254، 298، 335، 340، 350، 353، 354، 368. - معاوية بن حيدة: 333. - معقل بن يسار: 223. - المعلمي اليماني: (انظر: عبد الرحمان بن يحيى المعلمي اليماني). - معلوف باشا: 370.

- المعلى بن عرفان: 97. - معمر بن راشد: 105، 110، 192، 210، 221، 232. - مغيرة: 154. - المغيرة بن حمزة: 427. - المغيرة بن شعبة: 66، 67، 70، 71. 114، 169، 170، 191، 205، 263. - مقاتل بن سليمان البلخي: 89، 121، 245. - المقبري: 184. - المقداد بن الأسود: 72. - المقدام بن معد يكرب: 51، 165، 385. - المقريزي: 369/ 24. - مكحول: 185، 199، 200، 211. - الملك المعظم (عيسى بن أبي بكر الأيوبي): 409. - المناوي: 354 هامش. - مندل: 428. - المنذري (زكي الدين عبد العظيم): 449، 452. - منصور بن المعتمر: 154. - المهدي (الخليفة العباسي): 81، 84، 85، 88، 89. - موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 80، 182. - الموفق الخوارزمي: 409، 417. - الموفق المكي: 407 هامش، 417 هامش، 421 هامش، 427. - ميمون بن أبي ميسرة: 357.

- حرف النون -

- حرف النون - - ناصر الدين الألباني: (انظر: محمد ناصر الدين الألباني). - نافع بن جبير بن مطعم: 185. - نافع بن عجير بن عبد يزيد: 185. - نافع مولى ابن عمر: 118، 198، 430. - النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (انظر أيضا: محمد - الرسول - أبو القاسم - المصطفى): [المقدمة: هامش / 10، 13. ز / 20]، 2، 29، 32، 33، 44، 47، 48، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 61، 62، 63، 65، 67، 68، 69، 71، 73، 78، 79، 80، 81، 85، 86، 87، 89، 92، 95، 98، 99، 100، 103، 106، 110، 115، 116، 131، 132، 134، 137، 139، 145، 149، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 168، 170، 172، 173، 174، 175، 175 هامش، 176، 177، 178، 179، 180، 181، 182، 183، 184، 185، 193، 196، 204، 219، 225، 237، 239، 240، 241، 243، 244، 245، 246، 247، 250، 255، 264، 266، 270، 271، 273، 274، 275، 276، 278، 279، 280، 281، 283، 284، 287، 288، 292، 293، 300، 304، 305، 306، 306 هامش، 307، 308، 309، 311، 314، 317، 321، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 332، 333، 334، 340، 342، 343، 349، 350، 352، 355، 362، 363، 365، 380، 389، 390، 391، 395، 406، 416، 417، 418، 424، 425، 429، 430، 432، 434، 439، 440. - النسائي: [المقدمة: ل]، 56 هامش، 58 هامش، 106، 111، 121، 181 هامش، 212، 234، 251، 267، 294، 298، 371، 389 هامش، 391 هامش، 450، 451، 454. - نصر بن الحجاج: 139. - النظام: (انظر: إبراهيم بن سيار النظام). - النعمان (الإمام أبو حنيفة): 417، 421. - النعمان بن بشير: 425. - النعمان بن مالك بن ثعلبة: (انظر: ابن قوقل). - نعيم بن حماد الخزاعي: 106. - نوح - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 80، 98، 99، 180، 324. - نوح بن أبي سفيان: 427. - نوح بن أبي مريم (أبو عصمة): 87، 97، 120. - نوف البكالي: 181. - النويري: 369. - النووي: 38 هامش، 92، 109، 113، 206 هامش، 252، 265، 280، 282، 286، 287، 291 هامش، 299، 307، 310، 320، 330، 330 هامش، 447، 449، 449 هامش، 450 هامش، 453 هامش. - نيبرج (المستشرق): 16.

- حرف الهاء -

- حرف الهاء - - هارون الرشيد: 89، 222، 251، 431، 439. - هاشم الأوقص: 136. - هشام الدستوائي: 110. - هشام بن عبد الملك: 192، 207، 209، 214، 215، 221، 223. - هشام بن عروة بن الزبير: 67. - هشام بن عمار: 97. - هشام بن يحيى المخزومي: 69. - هُشيم بن بشير: 105، 232. - هود - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 180، 324 هامش. - حرف الواو - - واثلة بن الأسقع: 297. - واصل بن عطاء: 135، 136، 140. - الواقدي (محمد بن عمر): 110، 121، 351 هامش. - وكيع بن الجراح: 110، 193، 230، 231، 420، 428. - الوليد بن إبراهيم الأموي: 192. - الوليد بن رباح: 313. - الوليد بن عبد الرحمان: 355. - الوليد بن عبد الملك: 198، 199، 203، 207، 214، 217. - الوليد بن عقبة بن أبي سفيان: 139، 298. - الوليد بن مسلم: 212. - الوليد بن يزيد: 223. - ولي الله الدهلوي: 415 هامش، 432، 435. - وَهْبُ بْنَ زَمْعَةَ: 252. - وهب بن منبه: 185، 260، 365. - وهب بن وهب القاضي: 121. - الوهبي: 413.

- حرف الياء -

- حرف الياء - - ياقوت الحموي: 370. - يحيى بن آدم: 163. - يحيى بن أبي زائدة: 428. - يحيى بن أبي كثير: 210. - يحيى بن بكير: 211، 434. - يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: 427. - يحيى بن سعيد القطان: 92، 110، 111، 177، 193، 211، 220، 330، 411، 437. - يحيى بن الضريس: 402. - يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب: 185. - يحيى بن كثير: 302. - يحيى بن معين: 82، 86، 110، 111، 216، 251، 351 هامش. 407، 411، 427، 436، 446. - يحيى بن نصر: 412. - يحيى بن يحيى الليثي: 434. - يحيى بن يمان: 406. - يزيد بن أبي حبيب: 200. - يزيد الثاني: 192، 207، 223. - يزيد بن شيبان: 175. - يزيد بن طلحة بن ركانة: 185. - يزيد بن عبد الملك: 203، 223، 224. - يزيد بن معاوية: 198. - يزيد بن هارون: 94 هامش، 110، 193، 230. - يعقوب (القاضي أبو يوسف): 421، 427. - يعقوب بن شيبة: 66. - يوسف - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 294. - يوسف بن أسباط: 420. - يوسف بن خالد السمتي: 427.

- الأبناء -

- الأبناء - - ابن أبان: 315. - ابن أبي ثور: 427. - ابن أبي حاتم الرازي: 111، 119 هامش، 182 هامش، 206 هامش، 210، 212، 216، 252 هامش. - ابن أبي الحديد: 75، 80، 80 هامش، 101، 130، 203، 241، 241 هامش، 254، 254 هامش، 344 هامش، 346، 367، 369، 371. - ابن أبي داود: 428. - ابن أبي الدنيا: 292، 297. - ابن أبي شيبة: 412، 413، 420، 425، 426، 451. - ابن أبي العوام السعدي: 405، 409، 413، 417، 427. - ابن أبي هريرة: 357. - ابن الأثير: 217، 345، 347، 358. - ابن أم عبد (عبد الله بن مسعود): 415، 416. - ابن خسرو البلخي: 413. - ابن خلكان: 217. - ابن أبي ذئب: 163، 183، 184. - ابن أبي عمار: 185. - ابن أبي مليكة: 91، 185. - ابن إسحاق (صاحب السيرة): (انظر: محمد بن إسحاق). - ابن الأشعث: 192، 224. - ابن أمير الحاج: 303، 316. - ابن أنيس: 176. - ابن بطال: 280، 282. - ابن بكير: (انظر: يحيى بن بكير). - ابن البيطار المالقي: 286. - ابن تغري بردي: 370. - ابن تيمية: [المقدمة: د / هامش]، 5، 83، 101، 218، 225، 243، 245، 255، 443، 444. - ابن جبير: 369. - ابن جريج: 105، 181، 182، 199، 213، 232. - ابن جرير الطبري: (انظر: الطبري - أبو جعفر). - ابن الجوزي: 82 هامش، 99، 102، 111، 121، 122، 255، 274، 443. - ابن الحاجب: 315. - ابن حايط: 138.

- ابن حبان البُستي: 56 هامش، 93، 97، 100، 107، 111، 212، 232، 255، 333، 385، 389 هامش، 401 هامش. - ابن حجر العسقلاني: 38 هامش، 98، 109، 121، 193، 206 هامش، 211، 213، 223، 230، 244، 255، 260، 265، 280، 281، 282، 287، 291، 291 هامش، 294، 296، 297، 302، 309، 313، 316، 321، 325، 326، 330، 332 هامش، 334، 363، 397، 432، 443، 446، 447. - ابن حزم الأندلسي: 65، 66، 69 هامش، 70 هامش، 101، 134، 163، 163 هامش، 165، 166 هامش، 167 هامش، 168، 169 هامش، 157، 161، 161 هامش، 162، 162 هامش، 350، 419، 422 هامش، 431، 433، 434. - ابن الحكم (عبد الرحمان بن أبي نعيم البجلي): 288. - ابن حيان المصري: 117. - ابن خزيمة (أبو بكر محمد بن إسحاق): 107/ 4. 119/ 7. 163/ 17. 361/ 19. 362/ 19. - ابن خلدون (عبد الرحمان): 217، 227، 257، 258، 412، 415، 451 هامش. - ابن الخياط: 16. - ابن داود: 167، 168، 168 هامش. - ابن دقيق العيد: 98، 274. - ابن الديبع الشيباني: 122، 430، 453. - ابن راهويه: (انظر: إسحاق بن راهويه). - ابن رجب الحنبلي: 453. - ابن رشيق القيرواني: 369، 435. - ابن سعد (محمد بن سعد): 54، 54 هامش، 55، 60 هامش، 110، 111، 197، 212، 221، 228، 251، 294، 313، 351 هامش، 355. - ابن سعيد بن العاص: 176. - ابن سيرين: (انظر: محمد بن سيرين). - ابن سينا: 286. - ابن شاهين: 414. - ابن شهاب الزهري: (انظر أيضًا أبو بكر) 15، 19، 20، 63، 66، 68، 79، 96، 104، 105، 117، 158، 159، 159 هامش، 160، 174، 178، 179، 181 هامش، 191، 192، 194، 198، 199، 200، 205، 206، 206 هامش، 207، 208، 209، 210، 211، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 223، 225، 226، 228، 232، 238، 253، 282، 305، 404، 407، 424، 430.

- ابن الصلاح (أبو عمرو): 95، 108، 109، 220، 220 هامش، 231، 248، 281، 306، 433، 438، 447، 451. - ابن طاهر المقدسي (أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي): 121، 249 هامش، 333، 454. - ابن طاووس: 179. - ابن طباطبا: 369. - ابن طولون (شمس الدين بن طولون): 414. - ابن عبد البر النمري: 54، 55، 56، 60 هامش، 62 هامش، 63، 73، 159، 160، 183 هامش، 211، 259، 291 هامش، 305، 347، 348، 383 هامش، 387، 388 هامش، 403، 407، 410، 418، 421، 428، 429، 433، 434، 435، 442. - ابن عدي: 111، 120 هامش، 333. - ابن العربي: (انظر: أبو بكر بن العربي). - ابن عساكر: 79 هامش، 159 هامش، 158، 206 هامش، 209، 210، 211، 212، 214، 215، 217، 218، 220، 221، 255، 344، 370، 371 هامش، 469 هامش. - ابن عطاء الله السكندري: 43. - ابن عقبة السدوسي: 231. - ابن عقدة: 414، 415. - ابن عمير: 218. - ابن عون: 228. - ابن فرحون: 224. - ابن قتيبة الدينوري: 5، 7، 40، 41، 85، 140، 141، 149، 204، 227 هامش، 281، 292، 345، 346، 365، 369. - ابن قدامة: 437. - ابن قطن: 411. - ابن قهزاذ: 252. - ابن قوقل (النعمان بن مالك بن ثعلبة - قوقل بن أصرم): 326. - ابن القيم: 52، 71، 135، 283، 286، 348، 419، 452.

- الكنى -

- ابن كثير (انظر أيضا: أبو الفدا): 79 هامش، 93، 94، 109، 111، 112، 217، 248، 261، 331، 339، 341، 343، 344، 345، 347، 352، 355، 357، 363، 364، 454، 454 هامش. - ابن كرامة: 428. - ابن ماجه القزويني: [المقدمة: م]، 56 هامش، 62، 68 هامش، 72 هامش، 106، 121، 165، 260 هامش، 389 هامش، 394 هامش، 454، 455. - ابن مردويه: 182 هامش. - ابن المظفر: 413. - ابن الملقن: 123 هامش. - ابن منده: 302، 303، 452. - ابن المنذر: 179 هامش. - ابن نويرة: 175. - ابن الهاد: 174. - ابن هدبة: 234. - ابن هشام: 328، 329، 330. - ابن الهُمام السيواسي: 424 هامش. - ابن وهب: 218، 403، 434. - الكُنى - - أبو إدريس الخولاني: 200، 224. - أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني: 250. - أبو إسحاق الإسفراييني: 306، 307. - أبو إسحاق (عمرو بن عبد الله السبيعي): 210. - أبو إسحاق الفزاري: 251، 253. - أبو أمامة الباهلي: 116. - أبو أيوب الأنصاري: 73، 91، 136، 340، 357. - أبو البختري: 89. - أبو بكر (ابن شهاب الزهري): 206، 212، 213. - أبو بكر الأبهري: (انظر: الأبهري). - أبو بكر بن أبي داود: 414. - أبو بكر بن حزم: 104، 211.

- أبو بكر الصديق: 8 هامش، 64، 66، 67، 68، 70، 71، 72، 72 هامش، 76، 77، 81، 101، 128، 129، 131، 154، 158، 159، 168، 169، 170، 175، 177، 194، 202، 227، 234، 240، 254، 254 هامش، 255، 257، 263، 275، 297، 309، 321، 333، 334، 343، 345، 346، 347، 360، 364، 379، 414، 426، 443، 464، 470. - أبو بكر الصيرفي: 93. - أبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام المخزومي: 198، 207، 308. - أبو بكر بن العربي: 224، 224 هامش، 225، 301، 377 هامش، 378 هامش، 432، 435، 453. - أبو بكر القطيعي: 443، 444. - أبو بكر الكلاباذي: 255. - أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري (القاضي): 413. - أبو بكر محمد بن عمر الرازي: 247. - أبو بكرة الثقفي: 62 هامش. - أبو جعفر (أحد الرواة المجهولين): 161. - أبو جعفر الداودي: 409. - أبو جعفر الطحاوي: (انظر: الطحاوي). - أبو جعفر المنصور: 81، 85، 222، 401، 417، 431. - أبو حاتم الرازي: 110، 111. - أبو الحسن محمد بن عبد الهادي السندي: (انظر: السندي). - أبو الحسين البصري: 134. - أبو حفص عمر بن بدر الموصلي: 121. - أبو الحمراء: 101. - أبو حنيفة النعمان (انظر أيضا: الإمام - النعمان): [المقدمة: ل]، 13، 85، 87، 213، 222، 230، 254 هامش، 257، 258، 315، 316، 348، 349، 359، 401، 402، 403، 404، 405، 406، 407، 407 هامش، 408، 409، 410، 411، 412، 412 هامش، 413، 414، 415، 415 هامش، 416، 417، 418، 419، 420، 421، 422، 424، 425، 426، 427، 428، 429، 430، 434، 437، 439، 440، 441، 442. - أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي: 184. - أبو حيان الأندلسي: 243. - أبو حيان التوحيدي: 370. - أبو الخطاب (قتادة): 43.

- أبو الدرداء: 64، 65، 112، 119، 120، 140 هامش، 142، 183، 333، 416. - أبو داود السجستاني: [المقدمة: ل]. 14، 48 هامش، 51، 54، 55، 56 هامش، 62، 68 هامش، 72 هامش، 82 هامش. 83، 106، 110، 121، 165، 181 هامش، 194، 224 هامش، 234، 243، 309 هامش، 377، 377 هامش، 389 هامش، 390 هامش، 391 هامش، 394 هامش، 438، 451، 452 هامش، 454. - أبو داود الطيالسي: 110. - أبو داود النخعي: 121. - أبو الدنيا الأشج: 234. - أبو ذر الغفاري [انظر أيضًا: جُنْدُبْ ص 255]: 64، 65، 333، 337. - أبو رافع: 341. - أبو رية: (انظر: محمود أبو رية). - أبو زرعة الرازي: 110، 212، 246، 247، 295. - أبو الزعيزعة: 296، 358. - أبو الزناد: 208. - أبو زيد: 315. - أبو سعيد الخدري (سعد بن مالك): 47 هامش، 54، 59، 62، 62 هامش، 66، 67 هامش، 77، 169، 183، 184، 218، 219، 229، 239، 254، 255، 309، 422. - أبو سعد الماليني 248. - أبو سلمة بن عبد الرحمان: 185، 297، 302، 303، 351 هامش. - أبو سليمان الخطابي: 82، 167/ 15. 435، 451، 452. - أبو سنان الأشجعي: 169. - أبو شاه: 60. - أبو شريح الكعبي: 184. - أبو الشعثاء (جابر بن زيد): 199. - أبو صالح السمان (ذكوان): 296، 302. - أبو الطفيل عامر بن واثلة: 280، 281. - أبو طلحة الأنصاري: 174. - أبو عاصم النبيل (الضحاك بن مخلد): 110، 230. - أبو العالية: 91. - أبو عامر: 232. - أبو العباس الأصم: 440. - أبو العباس السفاح: 81. - أبو عبد الله (ابن ماجه): 454. - أبو عبد الله (أحمد بن حنبل): 442.

- أبو عبد الله (البخاري): 445. - أبو عبد الله (الحاكم النيسابوري): 97، 361. - أبو عبد الله بن علي الصيمري (انظر: الصيمري). - أبو عبد الرحمان (أبو هريرة): 355. - أبو عبد الرحمان (عبد الله بن عمر بن الخطاب): 347. - أبو عبد الرحمان (عبد الله بن المبارك): 250. - أبو عبد الرحمان (عبد الله بن مسعود): 386. - أبو عبد الرحمان (النسائي): 450. - أبو عبد الملك (مروان بن الحكم): 343. - أبو عبيد (صاحب كتاب الأموال): 179 هامش. - أبو عبيدة عامر بن الجراح: 128، 174. - أبو عثمان النهدي: 294، 357، 358. - أبو العجفاء السلمي: 76 هامش. - أبو عصمة: (انظر: نوح بن أبي مريم). - أبو العلاء المعري: 295. - أبو علي الجُبَّائي: 134، 137، 138. - أبو عمرو (الشعبي): 404. - أبو عيسى (الترمذي): 300، 451، 452. - أبو الفدا: 370. - أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد: 248. - أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: (انظر: ابن طاهر المقدسي). - أبو القاسم (الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -): 341. - أبو القاسم الكعبي البلخي: 82. - أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي: 414. - أبو محمد (طلحة بن عبيد الله): 355. - أبو محمد بن عبد الله بن الحسن: 417. - أبو المساكين (جعفر بن أبي طالب): 334. - أبو مسلم الأصفهاني: 394. - أبو مصعب الزهري: 434. - أبو المظفر السمعاني: 92. - أبو مقاتل حفص بن سلم السمرقندي: 417. - أبو منصور البغدادي: 135، 138، 139، 140، 141.

- أبو موسى الأشعري: 66، 67، 70، 169، 170، 171، 180، 263، 348، 421. - أبو موسى الغافقي: 239، 239 هامش. - أبو موسى المديني: 443. - أبو نصر التميمي: 134. - أبو نضرة العبدي: 66، 294. - أبو نعيم (انظر: الفضل بن دكين). - أبو نعيم الأصبهاني: 28، 56 هامش، 104، 108، 211، 294، 303، 334، 336، 370، 371 هامش، 413، 431. - أبو الهذيل العلاف: 136، 137، 138، 140. - أبو هريرة (انظر أيضا: أبو عبد الرحمان - الغلام الدوسي - عبد شمس بن صخر): 2، 4، 5، 9، 9 هامش، 10، 31، 32، 37، 38، 43، 44، 55، 58، 59، 60، 62 هامش، 63، 64، 65، 74، 77 هامش، 139، 139 هامش، 160، 163، 174، 185، 193، 206، 218، 219، 224 هامش، 233، 237، 241، 262، 263، 273، 285، 286، 287، 288، 291، 292، 293، 293 هامش، 294، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 304، 305، 306، 307، 308، 309، 310، 310 هامش، 311، 312، 313، 314، 315، 316، 317، 318، 319، 320، 321، 322، 323، 324، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 332، 333، 334، 335، 336، 337، 338، 339، 340، 341، 342، 343، 344، 344 هامش، 345، 346، 347، 348، 349، 349 هامش، 350، 351، 351 هامش، 352، 353، 354، 355، 356، 357، 358، 359، 360، 361، 362، 363، 364، 365، 366، 367، 368، 370، 371 هامش، 372، 373 هامش، 422، 423، 460، 461، 464، 465، 469، 470. - أبو وائل: 97. - أبو الوليد الباجي: 410. - أبو اليسر بن أبي عامر: 355. - أبو يعلى الخليلي: 81، 453، 454. - أبو يعلى الموصلي: 76 هامش، 294، 332 هامش. - أبو يوسف القاضي (انظر أيضا: صاحباه): 142، 222، 397 هامش، 401، 405، 410، 410 هامش، 413، 415 هامش، 417، 421، 427، 428، 434، 442.

- الأمهات -

- الأمهات - - أم سلمة: 53، 57، 172، 173، 308، 358. - أم سليم الزرقي: 174. - أم المؤمنين عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: 308، 309، 346.

فهرس الجماعات والأديان والأقوام والفرق والقبائل والدول وغيرها:

فَهْرَسُ الجَمَاعَاتِ وَالأَدْيَانِ وَالأَقْوَامِ وَالفِرَقِ وَالقَبَائِلِ وَالدُّوَلِ وَغَيْرِهَا: - حرف الهمزة - - آل البيت [أهل البيت]: 11، 75، 80، 81، 100، 190، 202، 203، 266، 354، 417، 439. - آل عمرو بن حزم: 69، 171، 177. - آل فرعون: 357. - آل محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انظر أيضا [آل البيت]: [المقدمة / ط]، 1، 455. - الأئمة: انظر [علماء الإسلام]. - أئمة آل البيت [أهل البيت]: 11، 417. - أئمة الاجتهاد: انظر [الأئمة المجتهدون]. - الأئمة الأربعة [أبو حنيفة - مالك بن أنس - الشافعي - أحمد بن حنبل]: 259، 315، 398، 399، 401. - أئمة التشريع: 112. - الأئمة الثلاثة [مالك بن أنس - الشافعي - أحمد بن حنبل]: 402. - أئمة الجرح والتعديل: انظر [علماء الجرح والتعديل]. - أئمة الجمهور: انظر [الجمهور]. - أئمة الجور: 130. - أئمة الحديث [المُحَدِّثُون - أهل الحديث - حفاظ الحديث - علماء السُنَّة - علماء الحديث - أصحاب الحديث - نقاد الحديث - نقاد الأثر - أئمة السنّة] انظر أيضا [كبار المُحَدِّثِين]: [المقدمة / ك - ل]. 5، 6، 7، 8، 27، 28، 31، 32، 34، 39، 41، 42، 47، 49، 58، 79، 80، 91، 95، 96، 98، 105، 106، 107، 108، 109، 110، 112، 113، 119، 119 هامش، 120، 121، 123، 138، 139، 140، 141، 142، 148، 152، 160، 162، 163، 164، 167، 168، 169، 171، 186، 193، 195، 198، 201، 202، 203، 204، 206، 208، 210، 211، 213، 219، 221، 228، 229، 230، 231، 232، 233، 235، 237، 247، 248، 249، 250، 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 261، 262، 266، 268، 269، 271، 272، 273، 274، 275، 276، 277، 278، 279، 280، 281، 284، 288، 289، 290، 294، 297، 298، 306، 307، 309، 319، 336، 342، 349، 350، 354، 359، 360، 361، 364، 365، 366، 367، 368، 369، 371 هامش، 372، 378، 379، 380، 401، 404، 405، 406، 407، 410، 413، 414، 416، 419، 420، 423، 428، 429، 430، 432، 433، 434، 435، 436، 437، 438، 439، 440، 441، 443، 445، 446، 448، 449، 150، 451، 453، 461، 465. - أئمة الحق: 131. - أئمة الحنفية: انظر [الحنفية]. - أئمة الدين: انظر [العلماء]. - أئمة الشيعة: انظر [علماء الشيعة]. - أئمة الصدق والحق: 215. - أئمة اللغة: انظر [أهل اللغة]. - الأئمة المجتهدون [أئمة الفقه المجتهدون - المجتهدون - أئمة الاجتهاد]: [المقدمة / ك - ل]. 2، 27، 49، 169، 259، 315، 346، 359، 378، 465.

- أئمة المذاهب: 197. - أئمة المسلمين: 112، 113، 114، 116، 117، 119، 119 هامش، 120، 139، 142. - الأئمة [المعصومون]: 131، 241. - أئمة النقل: انظر [الرواة]. - أئمة الهدى وأعلام الدين: 362. - أبناء الإسلام: 3، 462. - أبناء خلفاء بني أمية: 198. - أتباع أبي حنيفة: انظر [الحنفية]. - أتباع الأمويين: 191. - أتباع التابعين [تابعو التابعين]: 116، 118، 186، 195. - أتباع محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 26. - أتباع المستشرقين: 278، 296، 297، 313. انظر أيضًا [تلاميذ المستشرقين]. - أتباع معاوية بن أبي سفيان: 205. - الأتقياء: 224، 232. - الأحزاب: 129. - أحفاد تُبَّع بن معديكرب: 194. - الإخباريون: 197. - الإخوان المسلمون: [المقدمة / د / هامش]. - الأدباء: انظر أيضًا [كبار الأدباء]: 31، 39، 237، 350، 370، 371. - أدباء الزنادقة: 85. - أدباء شنقيط: 295. - الأدباء الغربيون: 22، 24. - أدعياء العلم: 142.

- أذناب المستشرقين: انظر [أتباع المستشرقين]. - الأرأيتيون: 403/ 18، 21. 404/ 8. - أرباب الأهواء والبدع: انظر [أصحاب البدع والأهواء]. - الأَرِقَّاء: 325/ 8، 11. - الأزد: 322/ 5. - الأزهريون: (انظر: علماء الأزهر). - الاستعمار: 462/ 14. - الاستعمار الجديد: 462/ 14. - الاستعمار القديم: 462/ 14. - الاستعماريون [المستعمرون - رجال الاستعمار - الجهات الأجنبية الاستعمارية]. انظر أيضا [المستعمر الفرنسي]: 3/ 16. 8/ 12. 17/ 9. 18/ 23. 30/ 6. 188/ 8. 197/ 12. 465/ 9. 468/ 20. 461/ 6. - الإسلام [الدين الإسلامي]: [المقدمة / د / هامش - / هـ / 7، 11، 16، 17 - ز / 13، 18 - ط / 16 - ي / 3، 14 - ك / 8، 11 - ل / 14]. 2/ 17، 19، 23. 3/ 4، 6، 7، 11، 17. 5/ 9، 24. 6/ 3، 6، 7، 8. 7/ 7، 21. 8/ 8. 11/ 24. 12/ 18. 13/ 2، 4، 7، 12، 14، 15، 16، 17، 18. 14/ 13، 17. 15/ 4. 16/ 6. 17/ 2، 12. 19/ 16، 17، 19. 21/ 20، 21. 22/ 2، 10، 13. 23/ 1. 25/ 24. 26/ 23. 27/ 6، 7. 28/ 13. 30/ 5، 9. 31/ 1، 5، 10. 32/ 15. 34/ 24. 35/ 3. 39/ 24. 44/ 6. 57/ 8. 59/ 17. 60/ 9. 66/ 9. 75/ 13. 76/ 5. 81/ 5، 6. 83/ 23. 84/ 4، 6، 8. 85/ 3. 87/ 14. 89/ 11. 112/ 10. 128/ 16. 129/ 16، 26. 130/ 9، 21. 133/ 17. 134/ 13. 138/ 2. 153/ 6. 160/ 22. 165/ 11. 170/ 20. 171/ 2. 176/ 14. 187/ 4، 12، 19. 188/ 4، 8، 11. 189/ 3. 190/ 4، 15. 195/ 19، 22. 196/ 6، 8، 12، 15. 197/ 13، 23. 198/ 6، 12، 16. 199/ 16، 19، 20. 200/ 7. 217/ 12، 22. 218/ 24. 223/ 17. 225/ 19، 20. 230/ 26. 232/ 7. 233/ 3. 237/ 3. 239/ 17. 253/ 20، 23. 256/ 7، 11. 261/ 16. 263/ 11. 266/ 23. 296/ 8. 312/ 23. 319/ 13. 320/ 15. 321/ 2، 4. 322/ 12، 14، 18، 19. 323/ 1، 7. 324/ 16. 325/ 4، 11. 326/ 1، 9، 14. 327/ 7، 17، 19. 328/ 6. 335/ 11. 338/ 17. 353/ 12. 358/ 14. 359/ 11. 360/ 8، 25. 361/ 3، 5، 10، 11، 12. 362/ 8، 22. 364/ 7، 9. 368/ 23. 370/ 16، 20، 23، 24. 402/ 19. 415/ 18. 435/ 22، 23. 446/ 14. 447/ 11. 448/ 4. 459/ 2، 3، 5، 7، 8، 9، 13، 14، 15، 19. 460/ 18، 24. 461/ 14، 15، 19. 462/ 2، 10، 25. 463/ 2، 17. 464/ 12. 465/ 5، 8، 9. 466/ 23. 467/ 5، 19. 468/ 11، 17، 20. 469/ 6. 470/ 4، 9، 13، 15، 19. 471/ 4. - أشراف العرب: 323/ 24. - أشياع المستشرقين: انظر [مشايعو المستشرقين]. - الأصاغر: 350.

- أصحاب ابن شهاب الزهري [أصدقاء الزهري]: 207، 208، 212. - أصحاب أبي حنيفة: انظر [الحنفية] و [أقران أبي حنيفة]. - أصحاب أبي هريرة [الآخذين عنه]: 315. - أصحاب أحمد بن حنبل: 245. - أصحاب الأقوال المنسوبة كذبا في أبي حنيفة: 412 هامش. - أصحاب البدع والأهواء [أهل البدع - أهل الأهواء - أهل الريب والأهواء - ذوو المذاهب والأهواء]: 79، 83، 88، 90، 93، 202، 258، 275، 342، 361. - أصحاب بشر المريسي: 138 هامش. - أصحاب الجمل: 130، 135، 136. - أصحاب الحُكْمِ: انظر [الحاكمون]. - أصحاب حماد [تلامذة حماد]: 401، 404. - أصحاب زفر بن الهذيل: 193. - أصحاب السنن: 76 هامش، 88 هامش. 451. - أصحاب السنن الأربعة: 88 هامش. - أصحاب الصحاح: 451. - أصحاب عبد الله بن عباس. انظر أيضا [تلاميذ عبد الله بن عباس]: 416، 417. - أصحاب عبد الله بن مسعود [كبار أصحاب عبد الله بن مسعود]: 131، 266، 301، 302، 338، 346، 416، 417، 429. - أصحاب عثمان [شيعة عثمان]: 205. - أصحاب علي بن أبي طالب. انظر أيضا [كبار أصحاب علي]: 131، 135، 136، 191، 205، 266، 268، 416، 417. - أصحاب عمر بن الخطاب: 417. انظر أيضا [تلاميذ عمر بن الخطاب]. - أصحاب الفرق: 262. - أصحاب الفقه المالكي: انظر [فقهاء المالكية]. - أصحاب القرية: 180. - أصحاب الكتب الستة: 237، 390 هامش، 398، 399، 412. - أصحاب مالك بن أنس: 409، 454. - أصحاب الليث بن سعد: 454. - أصحاب محمد بن الحسن الشيباني: 439. - أصحاب معاوية بن أبي سفيان: 136. - الأصوليون: انظر [علماء الأصول]. - الأطباء: 39، 284، 286، 421. - أطباء المسلمين: 286. - الأعاجم: 7، 129. - أعداء الإسلام [الحاقدون على الإسلام - أعداء الشريعة]: 2، 3، 31، 59، 253، 346، 361، 363، 453، 459، 461، 462، 463، 464، 465، 466، 467، 468.

- أعداء البيت الأموي: 202. - أعداء الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 223، 395، 467. - أعداء السُنَّة [خصوم السُنَّة]، انظر أيضا المتحاملون [على السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ]: 361، 411، 412، 465. - أعداء الصحابة: 467. - أعداء الله: 129، 223، 363. - الأعراب: 208. - أعلام الإسلام: 200، 213. - أعلام السُنَّةِ والتشريع: 3. - أعلام الصحابة: 2، 139، 140. - أعلام الهُدَى: 226. - أعوان بني أمية: 216. - أغمار الشيعة: 132. - الأغنياء [المترفون]: 324، 325، 328، 355. - الأفظاظ: 339. - الأقدمون [الكُتَّاب - العلماء]: 20، 361، 365. - أقران أبي حنيفة: 407، 428. - أقران مالك بن أنس: 437. - الأقربون: 397. - أقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية: 460. - الأكابر: 350. - أكابر الصحابة: انظر أيضا [كبار الصحابة - أعلام الصحابة]. - الإمامية: 101. - الأمة الإسلامية [أمة محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: [المقدمة: ز - ي]. 135، 136، 138، 151، 159، 166، 191، 192، 216، 218، 220، 221، 239، 262، 266، 295، 362، 429، 433، 435، 462، 463، 468. - الأمراء: 83، 84، 88، 89، 221، 222، 356. - أمراء بني أمية: انظر [الأمويون]. - أمراء جزيرة العرب: 60. - أمراء الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 176. - أمراء السرايا: 60. - أمراء معاوية بن أبي سفيان: 205. - الأمم [الأخرى]: 260، 461. - أمم الأرض: 459.

- الأمم السابقة: انظر [الأمم الماضية]. - الأمم الماضية [الأُوَل - الأمم السابقة]: 239 هامش، 351، 363، 364. - الأمويون [البيت الأموي - أمراء بني أمية - بنو أمية - خلفاء بني أمية - الدولة الأموية - الحكومة الأموية]: 19، 31، 75، 81، 190، 191، 192، 193، 194، 197، 198، 199، 200، 202، 203، 204، 205، 206، 207، 208، 213، 215، 216، 219، 221، 222، 223، 224، 226، 227، 228، 229، 254، 255، 275، 320، 352، 356، 357، 367. - الأميّون: 144. - الأنبياء: 32، 35، 113، 137، 324، 342، 407. - الإنجليز: 17. - الإنسانية [بنو الإنسان]: 266، 360، 363، 407، 463. - الأنصار: 57، 127، 128، 173، 173 هامش، 178، 181، 198، 200، 208، 218، 256، 257، 310، 312 313، 329، 343. - أنصار العباسيين: 216. - أهل أبي هريرة: 319. - أهل الآفاق: 104. - أهل الإسلام: انظر [المسلمون]. - أهل أصبهان: 232. - أهل الاعتزال: 142. - أهل الانحراف من المستشرقين: [المقدمة / ز]. - أهل الأهواء: انظر [أصحاب البدع والأهواء]. - أهل البدع: انظر [أصحاب البدع والأهواء]. - أهل البصرة: 115، 116، 232. - أهل بلاد فارس: انظر [الفرس]. - أهل بلد أبي حنيفة: 429. - أهل بلد محمود أبو رية: 466. - أهل البيت: انظر [آل البيت]. - أهل الجبال: 232. - أهل الجنة: 73، 137، 140. - أهل الحجاز [الحجازيون]: 211، 232، 453. - أهل الحديث: انظر [أئمة الحديث]. - أهل الحديث بالكوفة: 230. - أهل الحرمين: 232. - أهل خراسان [الخراسانيون]: 232، 451، 453. - أهل خوزستان: 232.

- أهل خيبر: 100، 274. - أهل الرأي [أصحاب الرأي]: 112، 138، 148. - أهل الردة: 77، 347. - أهل الريب والأهواء: انظر [أصحاب البدع والأهواء]. - أهل الزهد: انظر [الزهاد]. - أهل السُنّة والجماعة: 7، 9، 10، 11، 12، 40، 76، 79، 80، 81، 90، 100، 131، 132، 134، 136، 141، 149، 202، 203، 261، 266، 267، 268، 353، 364، 460، 469، 470. - أهل الشام [الشاميون] [سكان سورية ولبنان وفلسطين والأردن]: 56 هامش، 116، 211، 212، 214، 217، 466، 467، 469، 469 هامش. - أهل شنقيط: 295. - أهل الشورى: 177. - أهل الصدق: 173، 176. - أهل الصفة: 293. - أهل الصنعة: انظر [أئمة الحديث]. - أهل الظاهر [الظاهرية]: 168، 258، 426. - أهل الظلم وأتباع السلطان [والباطل]: 192، 217. - أهل عثمان بن عفان: 191، 205. - أهل العراق [العراقيون]: 451، 453، 454، 467. - أهل عصرنا: انظر [المعاصرون]. - أهل العلم: انظر [العلماء]. - أهل العوالي: 232. - أهل الفهم والمعرفة: 117، 255. - أهل قباء: 173. - أهل الكتاب: 32، 33، 68، 179، 179 هامش، 180، 347، 351، 363، 365، 368. - أهل الكوفة: 116، 118، 193، 232، 415، 416. - أهل اللغة [أئمة اللغة] انظر أيضا [القائمون بعلوم اللغة العربية في الكوفة]: 157، 401. - أهل الماء: 208. - أهل ما وراء النهر: 232. - أهل المدينة: انظر أيضًا [محدّثو أهل المدينة]: 74، 104 هامش، 116، 118، 158، 184، 185، 192، 202، 209، 226، 265، 283، 430، 431، 432، 440. - أهل مصر: [المصريون]. انظر أيضا [الشعب المصري]: 115، 116، 232، 451، 466، 467.

- أهل المعرفة: انظر [أهل الفهم والمعرفة]. - أهل المعرفة بالحديث: انظر [أئمة الحديث]. - أهل المغرب: 436. - أهل مكة: 115، 118، 175، 181، 185، 407، 452 هامش. - أهل النار: 9 هامش، 73، 469. - أهل النباهة: 429. - أهل النقل: انظر [الرواة]. - أهل اليمن: 60. - الأوساط الشيعية: 11. - الأوساط [المثقفة] العلمية الإسلامية: 4، 23، 24، 237. - الأوس: 128. - أولاد التابعين: 116. - أولاد الرشيد: 431. - أولاد كبار الصحابة: 116. - أولاد النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 116. - أولاد هشام بن عبد الملك: 223. - أولو الأمر: انظر [الحاكمون]. - الأولياء: 370.

- حرف الباء -

- حرف الباء - - الباحثون: [المقدمة / ز - ح]. 21، 67، 277، 401. - الباحثون حديثا: 29، 277. - الباحثون الغربيون: 23. - الباحثون قديما: 29. - البرلمان الباكستاني: 460. - بصريون: انظر [أهل البصرة]. - بعث مؤتة: 176. - البكرية: 254، 275. - بنو أسد: 386. - بنو إسرائيل: 32، 182، 239، 260، 345. - بنو الإنسان: انظر [الإنسانية]. - بنو بكال: 182 هامش. - بنو خُدْرَةَ: 181. - بنو سَاعِدَة: 128. - بنو قُريظة: 48. - بنو ليث: 59. - البيئة المسيحية: 21. - حرف التاء - - التابعون: 2، 31، 62، 70، 74، 78، 90، 91، 103، 104، 105، 106، 110، 115، 116، 118، 130، 139، 153، 154، 159، 160، 182 هامش، 185، 186، 195، 201، 206، 207، 222، 223، 224، 229، 235، 236، 242، 243، 246، 247، 261، 262، 289، 291، 295، 296، 297، 298، 304، 305، 310/ 311، 319، 328، 341، 342، 344، 346، 353، 356، 359، 360، 368، 372، 378، 418، 421، 423، 430، 432، 434، 436، 437، 438، 440، 446، 464، 465، 466، 469. - تابعو التابعين: انظر [أتباع التابعين]. - التشريع الإسلامي [الشريعة المحمدية]: 253، 258، 259. - التشيع: 439. - تلامذة مدرسة المستشرقين: انظر [مشايعو المستشرقين]. - تلاميذ أبي حنيفة: 258، 401، 403، 411، 413، 427. - تلاميذ أحمد بن حنبل: 442.

- حرف الثاء -

- تلاميذ إسحاق بن راهويه: 445. - تلاميذ تلاميذ عبد الله بن مسعود: 416. - تلامذة حماد: انظر [أصحاب حماد]. - تلاميذ رواة الحجاز: 420. - تلاميذ رواة الشام: 420. - تلاميذ الزهري: 430. - تلاميذ الشافعي: 441. - تلاميذ عبد الله بن عباس: 416. - تلاميذ عبد الله بن مسعود: 416. - تلاميذ العلم: [انظر طلاب العلم]. - تلاميذ عمر بن الخطاب: 416. - تلاميذ مالك بن أنس: 410، 431. - تلاميذ المستشرقين: 460. انظر أيضا [أتباع المستشرقين]. - تلاميذ المستشرق الكندي " سميث ": 460، 461. - تلاميذ المستشرقين [في باكستان]: 460. انظر أيضا [أتباع المستشرقين]. - تلاميذ المستشرقين [في الهند]: 460. انظر أيضا [أتباع المستشرقين]. - حرف الثاء - - الثقات [العدول الثقات - الرواة الثقات]: 94، 96، 111، 117، 118، 131، 142، 158، 167، 232، 249، 284، 289، 402، 404، 410، 417، 437. - الثقلاء: 337، 339. - ثقيف: 69. - حرف الجيم - - الجاحدون: 226. - جامعو الحديث: 194. - الجاهلون [المغرورون]: 225، 230، 113، 256، 414، 461، 470. - الجاهلية: 240، 291، 320، 322، 340، 390. - جلساء سعيد بن المسيب: 209. - جلساء عمر بن عبد العزيز: 104، 210. - الجماهير [جماهير المسلمين - الجماهير في العالم الإسلامي]: 8، 9، 58، 101، 254 هامش، 261، 359، 459، 469. - جماهير أئمة العلم [جماهير العلماء]: 366، 397.

- جماهير الخلف: 262. - جمعيات المستشرقين: 188. - جمهرة أتباع أبي حنيفة: انظر [الحنفية]. - جماهير الخلف: 262. - جمعيات المستشرقين: 188. - الجمهور [أئمة الجمهور - جمهور علماء المسلمين - جمهور المسلمين - جماهير المسلمين]: 7، 8، 10، 36، 62، 75، 93، 110، 129، 130، 131، 132، 134، 140، 167، 168، 233، 236، 241، 254 هامش، 261، 272، 290، 302، 307، 328، 352، 359، 360، 365، 366، 369، 370، 373 هامش، 380، 394، 396، 397، 398، 402، 426، 427، 442، 447، 465. - جمهور أهل الحديث [جمهور المُحَدِّثِين]: 28، 94، 405، 406، 432. - جمهور الباحثين: 29. - جمهور الحنفية: 315، 316. - جمهور [طوائف] الشيعة: 130، 131. - جمهور الصحابة: 10، 11، 129، 130، 131، 132، 133، 312، 322، 323، 360. - جمهور العلماء: 28، 29، 50، 365، 447. - جمهور الفقهاء: 425. - جمهور المالكية: 432. - جمهور المجتهدين: 259. - جمهور المُحَدِّثِين: انظر [جمهور أهل الحديث]. - جمهور المحققين: انظر [المحققون]. - جمهور المسلمين: انظر [الجمهور]. - جمهور المعتزلة: 142، 428. - الجن: 139. - الجهات الأجنبية الاستعمارية: انظر [الاستعماريون]. - الجهّال: انظر [الجاهلون]. - الجهلة: انظر [الجاهلون]. - الجَهْمِيَّة: 362. - جُهَيْنَة: 256، 257. - جيوش الحلفاء: 22. - الجيوش الصليبية [الصليبيون - جيوش الصليبيين]: 187. - الجيوش الفاتحة [الجيوش الإسلامية]: 198، 461.

- حرف الحاء -

- حرف الحاء - - الحاقدون: انظر [أعداء الإسلام]. - الحاقدون على الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انظر [أعداء الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]. - الحاقدون على الصحابة: انظر [أعداء الصحابة]. - الحاكمون [الحُكَّام - أصحاب الحُكْمِ - أولو الأمر]: 83، 221، 382، 404. - الحُجَّاجُ: 217/ 26. 223/ 7. - الحجازيون: انظر [أهل الحجاز]. - الحركات الفكرية والثورية في العالم الإسلامي: 404. - الحشوية: 43، 466. - الحضارة الإسلامية: 461، 470. - الحضريون: 34. - الحُفَّاظ: انظر أيضًا [كبار الحُفَّاظ]: 106، 114، 148، 212، 213، 247، 336، 336 هامش، 371 هامش، 413، 414، 415، 446، 447، 448، 449. - الحُكام: انظر [الحاكمون]. - الحكمان [في صفين]: 130. - الحكمة الهندية: 258. - الحكومة الأموية: انظر [الأمويون]. - الحكومة المصرية: 237. - حِمْيَرْ: 182 هامش. - حَمَلَةُ العِلْمِ من الصحابة و [التابعين]: 368، 465. - الحنابلة: 14، 412، 442. - الحنفية [أئمة الحنفية - الأحناف - أصحاب أبي حنيفة - أتباع أبي حنيفة - فقهاء الحنفية - جمهرة أتباع أبي حنيفة] انظر أيضا [المذهب الحنفي]: 14، 142، 157، 258، 299، 314، 315، 316، 317، 349، 349 هامش، 396، 398، 403، 405، 409، 410، 419، 425، 427، 428، 429، 437، 440. - حرف الخاء - - الخراسانيون: انظر [أهل خراسان]. - خُزاعة: 59. - الخزرج: 128. - خصوم أبي حنيفة: 412. - خصوم السُنَّة: انظر [أعداء السُنَّة]. - الخطابية: 93. - الخلفاء: 7، 83، 88، 89، 129، 192، 198، 213، 214، 215، 222، 223، 226، 227، 228، 356.

- حرف الدال -

- الخلفاء الثلاثة: 129، 132. - خلفاء الجور والظلم: 192. - الخلفاء الراشدون [الخلفاء الأربعة]: 48، 56، 58، 177، 192، 193، 226، 228، 311. - الخلف: انظر أيضا [جماهير الخلف]: 4، 38، 262. - الخوارج: انظر أيضا [زعماء الخوارج]: [المقدمة / ل]. 40، 75، 81، 82، 83، 93، 125، 127، 129، 130، 132، 133، 134، 135، 138، 162، 198، 199، 202، 227، 241، 261، 362. - الخياطون: 424. - حرف الدال - - الدسّاسون: 103. - الدعاة: 128. - دعاة التبشير والاستعمار: [المقدمة / ي]. - دُعاة التغريب: [المقدمة / ز]. - دُعاة التقريب بين السنة والشيعة: 10. - الدُعاة من أهل الأهواء والبدع: 93. - الدوائر الحكومية: 192. - دوس [قبيلة]: 291، 321، 322، 327، 329، 364. - الدولة الإسلامية [دولة الإسلام]: 83، 356. - حرف الذال - - ذرية علي بن أبي طالب: 12، 205. - ذوو المذاهب والأهواء: انظر [أصحاب البدع والأهواء]. - حرف الراء - - الرافضة [الروافض] (انظر أيضًا: غلاة الشيعة): 79، 80، 81، 83، 93، 94، 94 هامش، 100، 101، 131، 149، 151، 166، 167، 168، 197، 261، 263، 290، 320. - الرؤساء [رؤساء الناس]: 71، 227. - رؤساء الأحزاب: 75. - الرؤساء الإداريون [الخلفاء]: 462. - رؤساء أهل الحديث: 140. - رؤساء المذاهب: 139. - رؤساء الزنادقة: 85. - رؤساء العرب: 323. - ربات الحجال: 208. - ربيعة: 194. - الرجال: انظر [رجال المسلمين]. - رجال الاستعمار: انظر [الاستعماريون].

- رجال الإسلام: انظر [رجال المسلمين]. - رجال الإسناد: 95. - رجال الأمّة: 295. - رجال الحديث: انظر [الرواة]. - رجال الدين المسيحي: انظر [رجال الكنيسة]. - رجال الدين اليهودي: 188. - رجال الصحيح: 95. - رجال الصحيحين: 111. - رجال صحيح البخاري: 445، 447، 448. - رجال صحيح مسلم: 448. - رجال الفكر والأدب: 466. - رجال الكنيسة [رجال الدين المسيحي]: 187، 188. - رجال المسانيد: 105. - رجال المسلمين [العلماء]: 28، 188، 410، 452. - رجال الموطأ: 435. - الرسل - عَلَيْهِمْ السَّلاَمُ -: 113، 324، 335، 376. - الرعاع: 362، 368. - رهط أبي هريرة: انظر [قوم أبي هريرة]. - الرواة [رواة السنة - رواة السنة من الصحابة - رواة الحديث - رجال الحديث - أهل النقل - أئمة النقل - الناقلون للحديث]: 2، 5، 30، 31، 91، 92، 93، 94، 98، 109، 110، 111، 112، 115، 119، 120، 133، 138، 151، 163، 194، 197، 206، 230، 241، 249، 250، 252 هامش، 257، 268، 269، 270، 271، 274، 284، 287، 289، 290، 294، 295، 309، 315، 318، 321، 322، 346، 350، 352، 359، 367، 371 هامش، 372، 410، 413، 420، 425، 428، 437، 446، 460، 461، 465، 468. - رواة البخاري: 269. - الرواة الثقات: انظر [الثقات]. - رواة الحجاز: 420. - رواة الشام: 420. - رواة الشيعة: 198. - الرواة الكذابون: انظر [الكذابون]. - رواد الإصلاح في العصر الحديث: 30. - رواد الثقافة الحديثة: 465. - الروم: 223.

- حرف الزاي -

- حرف الزاي - - الزعماء: 84، 133. - زعماء الخوارج: 198، 199. - الزناة: 396. - الزنادقة: 82، 83، 84، 85، 88، 89، 94، 103، 137، 142، 162،. - زنادقة الفرس: 2. - الزهاد [العُبّاد - الزاهدون - أهل الزهد]: 87، 88، 89، 230، 335، 351 هامش، 402. - زوجات النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [انظر: نساء النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]. - الزيدية: 131. - حرف السين - - سادة قريش: 325. - السبايا: 406. - السفارات الأجنبية في القاهرة: 467. - السفل: 362. - السفهاء: 342. - سكان سورية ولبنان وفلسطين والأردن: انظر [أهل الشام]. - السلطات العسكرية الإنجليزية في القاهرة: 21. - السلاطين: 222. - السلف [سلف الأمة - السلف الصالح - انظر أيضا: علماء السلف]: [المقدمة / ك]. 4، 33، 38، 89، 107، 114، 120، 135، 184، 193، 250، 262، 305، 379، 392، 419، 423، 429، 435، 466. - السياسيون الأوروبيون [الغربيون - ساسة أوروبا]: 22، 24. - السوقة: 368.

- حرف الشين -

- حرف الشين - - الشافعية: انظر [المذهب الشافعي]. - الشامتون: 471. - الشاميون: انظر [أهل الشام]. - الشاهدون: 148. - شباب السُنَّة: 12. - شباب الشيعة: 12، 469. - شباب قريش العابثون: 341. - شُرَّاحُ الحديث: 280، 281، 282، 287. - الشريعة المحمدية: انظر [التشريع الإسلامي]. - الشعب المصري: 12. - الشعراء: 295. - شعراء الزنادقة: 85. - الشعوب الإسلامية [المسلمة]: 6، 22، 130، 370. - الشعوب الأوروبية [شعوب أوروبا]: 187، 188. - الشعوبية [الشعوبيون]: 6، 83، 85، 88، 103، 354، 468. - الشياطين: 5. - الشيخان [أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب]: 378. - الشيخان [البخاري ومسلم]: 385. - الشيعة: انظر أيضا [شيعة علي - أصحاب علي - العلويون - التشيع - شباب الشيعة - أغمار الشيعة - المذهب الشيعي]: [المقدمة / ل]، 4، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 40، 75، 76، 79، 80، 83، 94، 125، 127، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 138، 190، 191، 197، 198، 202، 203، 241، 254، 254 هامش، 255، 261، 263، 266، 275، 290، 335، 352، 353، 359، 360، 467، 469، 470. - شيعة عثمان: انظر [أصحاب عثمان]. - الشهداء: [المقدمة / ح]. - شيوخ ابن شهاب الزهري: 209، 210، 216. - شيوخ أبي حنيفة: 420. - شيوخ البخاري: 447، 448، 451. - شيوخ الحاكم النيسابوري: 361. - شيوخ الشيعة: انظر [علماء الشيعة]. - شيوخ الصوفية: انظر [مشايخ الصوفية]. - شيوخ الطبراني: 107. - شيوخ مالك بن أنس: 434. - شيوخ مدرسة الرأي: 355. - شيوخ المدينة: انظر [علماء المدينة]. - شيوخ مسلم: 451. - شيوخ المعتزلة: انظر: [المعتزلة].

- حرف الصاد -

- حرف الصاد - - صاحبا أبي حنيفة [محمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف]: 315، 316. - الصادقون عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 144. - الصالحون: 87، 88، 223، 230، 231. - الصحابة [أصحاب النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: انظر أيضا [أتباع محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكابر الصحابة - أعلام الصحابة]: [المقدمة / ط - ك]، 1، 2، 3، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 28، 31، 32، 33، 42، 47، 48، 49، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 61، 62، 63، 64، 65، 66، 68، 69، 70، 72، 73، 74، 76، 77، 78، 79، 80، 90، 91، 96، 100، 103، 105، 106، 110، 114، 115، 116، 127، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135، 138، 139، 140، 142، 149، 153، 154، 158، 159، 160، 167، 169، 170، 171، 175 هامش، 185، 186، 195، 197، 199، 202، 204، 207، 212، 215، 222، 224، 225، 227، 228، 229، 235، 236، 237، 239، 241، 242، 243، 244، 246، 247، 254 هامش، 256، 257، 259، 260، 261، 262، 263، 264، 266، 267، 278، 279، 280، 281، 287، 288، 289، 291، 292، 294، 295، 296، 297، 298، 291، 292، 294، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 304، 305، 306، 307، 309، 309 هامش، 310، 311، 312، 313، 314، 316، 318، 319، 320، 321، 321 هامش، 322، 323، 326، 327، 329، 330، 332، 333، 334، 335، 338، 340، 341، 342، 343، 344، 345، 346، 347، 348، 349، 351، 352، 353، 354، 355، 356، 359، 360، 363، 364، 365، 367، 368، 372، 376، 378، 379، 402، 403، 414، 415، 416، 417، 418، 418 هامش، 419، 421، 422، 423، 426، 428، 430، 431، 432، 434، 435، 437، 438، 442، 446، 453، 455، 461، 464، 466، 467، 467، 468، 470. - الصحابة الفاتحون: انظر [المحررون]. - الصِدِّيقُونَ: 407. - صغار الصحابة: 73، 90، 110، 464. - الصليبيون: انظر [الجيوش الصليبية]. - الصوفية: [المقدمة / د / هامش]. 260. - الصيادلة: 421.

- حرف الضاد -

- حرف الضاد - - الضعفاء: 325. - الضعفاء [من الرواة]: 94، 111، 112، 121، 122، 350. - حرف الطاء - - طائفة من غلاة الروافض: 149. - الطاعنون: 293، 344 هامش، 346، 385، 397، 398، 403. - الطاعنون في أبي هريرة: 293. - الطالبيون: 254 هامش. - الطغاة: 83. - طلاب الأزهر: 19، 20، 466. - طلاب الاستشراق: 14، 17. - طلاب الدراسات الإسلامية: 18. - طلاب العالم الإسلامي: 18. - طلاب العلم [طلبة العلم - طلاب العلم المسلمون - تلاميذ العلم]: 198، 322، 371، 439، 460، 461. - الطلاب المسلمون: 460. - الطلاب المسلمون في أوروبا: 461. - الطوائف: 290. - طوائف الشيعة: 131. - طوائف المسلمين [الطوائف الإسلامية]: 149، 236، 290. - الطوائف المنحرفة: 376. - حرف الظاء - - الظَاهِرِيَّةِ: انظر [أهل الظاهر].

- حرف العين -

- حرف العين - - العاملون للإسلام: 470. - العُبَّادُ: انظر [الزهاد]. - العِبَادُ: 376. - عُبَّادُ الصحابة: 335. - العبادلة: 315، 350. - العباسيون [خلفاء بني العباس - بنو العباس - دولة بني العباس]: 81، 85، 89، 142، 193، 197، 198 216، 226، 229، 254، 255، 275. - عَبِيدُ ابن شهاب الزهري: 207. - العُثمانية [مناصرو عثمان بن عفان]: 275. - العجم: 370. - العُدُولُ: انظر [الثقات]. - العراقيون: انظر [أهل العراق]. - العرب: 6، 12، 14، 17، 22، 26، 27، 27 هامش، 59، 60، 85، 128، 147، 158، 159، 193، 197، 198، 244، 295، 305، 322، 323، 370، 392. - عرب الجنوب: 194، 234، 235. - عرب الشمال: 194، 234، 235. - العربيات: 135. - عشيرة سليم بن فهم: 322. - العُصاة: 135. - العصبية المذهبية: 411. - عُظماء المسلمين [عظماء الإسلام]: 188، 319. - العقلاء: 84، 99، 337، 372. - عقلاء الشيعة: 353. - عقلاء المسلمين: 463. - العقيدة الوثنية: 461.

- العلماء: [الأئمة - أئمة المسلمين - أئمة الجمهور - الشيوخ - المشايخ - أئمة العلم - علماء المسلمين - علماء الشريعة - أهل العلم - علماء الإسلام - علماء الأمة] انظر أيضا [رجال المسلمين]: [المقدمة / وح - ي - ك - ل]، 3، 5، 7، 8، 11، 18، 20، 23، 24، 25، 26، 28، 29، 30، 31، 32، 34، 35، 36، 38، 40، 42، 44، 45، 48، 50، 57، 59، 60، 61، 67، 69، 75، 81، 85، 86، 87، 88، 89، 90، 92، 93، 94، 95، 97، 98، 61، 100، 102، 104، 107، 108، 109، 111، 112، 113، 114، 116، 117، 119، 121، 123، 131، 132، 134، 138، 142، 149، 152، 157، 160، 171، 178، 179، 184، 186، 188، 189، 190، 192، 193، 197، 198، 199، 200، 201، 202، 203، 204، 206، 208، 210، 211، 213، 215، 216، 217، 219، 222، 224، 225، 226، 227، 228، 230، 231، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 244، 245، 248، 249، 252، 252 هامش، 255، 256 ن 257، 258، 259، 262، 265، 266، 271، 272، 274، 277، 278، 280، 281، 282، 286، 289، 290، 291، 296، 298، 300، 301، 302، 304، 307، 316، 319، 328، 330، 336، 342، 346، 347، 348، 350، 356، 360، 361، 362، 365، 366، 367، 368، 369، 371، 371 هامش، 372، 378، 380، 383، 386، 387، 392، 394، 396، 397، 398، 401، 402، 403، 406، 407، 408، 409، 411، 412، 413، 416، 417، 420، 423، 424، 427، 429، 430، 431، 432، 435، 436، 437، 438، 440، 442، 445، 446، 447، 448، 449، 451، 452، 453، 460، 461، 462، 465، 466، 467. - علماء الاجتماع: 22. - علماء الأزهر [الأزهريون] انظر أيضا [مشيخة الأزهر]: 10، 12، 20، 30، 238، 466. - علماء الإسلام: انظر [العلماء]. - علماء الأصول [الأصوليون]: 47، 49، 171، 265، 300، 304، 306، 307، 315، 440. - علماء الأمصار [فقهاء الأمصار - علماء الأقطار الإسلامية]: 200، 359، 451، 453، 467. - علماء أهل السنة. انظر أيضا [علماء الفريقين]: 9، 470. - علماء أهل الكتاب: 351. - علماء بغداد: 445. - علماء التابعين: 105، 262، 291، 297، 319. - علماء التاريخ: 22، 107. - علماء التفسير: انظر [المفسرون]. - علماء الجرح والتعديل [أئمة الجرح والتعديل]: 110، 112، 212، 213، 216، 251، 252، 266، 268، 269، 269 هامش، 270. - علماء الحديث النبوي انظر [أئمة الحديث]. - علماء حمص: [المقدمة / ج / هامش]. - علماء الرياضيات: 39. - علماء الزنادقة: 85. - علماء السلف و [الخلف]: 4، 107، 379. - علماء السنة انظر [أئمة الحديث]. [علماء الفريقين]. - علماء سورية: 460. - علماء الشافعية: انظر [محقِّقُو علماء الشافعية].

- علماء الشريعة: انظر [العلماء]. - علماء شِنْقِيطْ: 295. - علماء الشيعة [شيوخ الشيعة]. انظر أيضًا [علماء الفريقين]: 9، 10، 12، 241، 254 هامش، 290، 359، 470. - علماء الصحابة [المفتون من الصحابة]: 335، 348. - علماء الطب: انظر [الأطباء]. - علماء العربية: 295. - العلماء الغربيون: 22، 23، 24، 26، 188، 205. - علماء الفريقين [السنة والشيعة]: 470. - علماء الفقه: انظر [الفقهاء]. - علماء الفلك: 37. - علماء القانون والفقه: 2. - علماء الكلام: 31. - علماء الكوفة: 359. - علماء المالكية: انظر [فقهاء المالكية]. - العلماء المتأخرون: انظر [المتأخرون من المُحَدِّثِين]. - العلماء المُحقِّقُون: انظر [المُحقِّقُون]. - علماء المدينة [شيوخ المدينة]: 199، 200، 203، 216، 416. - علماء المسلمين في باكستان: 461. - علماء مصر: 460. - علماء مكة: 416. - علماء الملل والنحل: 135. - علماء الهندسة: 39. - علم الكلام: 401. - علوم القرآن: 416. - علوم اللغة العربية: 416، 439. - العلويون: 190، 198، 199، 202، 255. - العُمَّال: انظر [وُلاّة الأمصار]. - عُمَّالُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (انظر [وُلاَّةُ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]. - العَمْرَوِيَّةُ [أتباع عمرو بن عبيد]: 136. - عوام أهل الحديث [عَوَامُّ المُحَدِّثِين]: 140، 406، 407.

- حرف الغين -

- حرف الغين - - الغافلون: 459. - الغرب [الغربيون]: 3، 17، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 27، 30، 34، 285، 470. - الغجر: 329. - غُلاة البكرية: 275. - غُلاة الشيعة [غلاة الرافضة - غلاة الروافض - غالية الرافضة] (انظر أيضًا: الرافضة): 4، 132، 149، 151، 166، 197، 241، 263، 275، 290. - غُلاة العُثمانية: 275.

- حرف الفاء -

- حرف الفاء - - الفُرس [أهل بلاد فارس]: 2، 81، 232، 461، 462. - الفرق الإسلامية [فرق المسلمين]: [المقدمة / ي]، 29، 81، 168، 262، 267، 353، 362، 459، 460، 461. - الفرق السياسية: 79. - فرق المعتزلة: 135، 136. - الفرنسيون: 17، 22. - الفريقان في حرب الجمل: 136. - الفُسَّاقُ: 94. - الفصحاء: 98. - الفضلاء: 337. - الفقراء: 324، 325، 334. - فقراء المهاجرين: 292 هامش. - الفقهاء [أهل الفقه - فقهاء الإسلام - فقهاء المسلمين - أئمة الفقه - أصحاب الفقه - علماء الفقه - طبقات الفقهاء]. انظر أيضا [جمهور الفقهاء - علماء الأمصار]: 7، 13، 27، 31، 39، 41، 48، 49، 94، 95، 112، 186، 217، 264، 265، 276، 288، 297، 348، 359، 362، 368، 369، 397، 401، 405، 410، 416، 418، 425، 426، 430، 436، 437، 441، 442، 451، 465. - فُقَهَاء الأمصار: انظر [علماء الأمصار]. - فُقَهَاء التابعين: [انظر أيضًا علماء التابعين] 346، 436. - فُقهاء الحنفية: انظر [الحنفية]. - فُقَهَاء خراسان: 246. - فُقَهَاء الصحابة: 91، 312. - فُقَهَاء العراق: 401، 419. - فُقَهَاء الكوفة: 401، 416. - فُقَهَاء المالكية [علماء المالكية - المالكية]: 224، 410، 432، 437. - فُقَهَاء المدينة: 431. - الفقه الحنفي: 349. - الفلاسفة: 39، 137. - فلاسفة اليونان: 7. - الفلسفة الزرادشتية: 258. - الفلسفة اليونانية [فلسفة اليونان]: 359، 360.

- حرف القاف -

- حرف القاف - - القائمون بعلوم القرآن في الكوفة: 416. - القائمون بعلوم اللغة العربية بالكوفة: 416. - القادة العسكريون [الأوروبيون]: 22. - القادة العسكريون [المسلمون] [قادة الجيوش الإسلامية]: 461. - قادة الفرس الوثنيون: 461. - القبائل العربية: 322، 416. - قبائل اليمن: 291. - قدماء المُحَدِّثِين: 95، 287، 454. - القَدَرِيَّة: 134، 136، 138 هامش. - القدوم: 181. - القراء [قُرَّاء الصحابة]: [المقدمة / ح]، 416. - القُرَّاء البُسطاء: 360. - قُريش: 89، 128، 256، 257، 321، 325، 341، 343، 395. - القُصَّاص: 85، 86، 88، 89، 102، 122. - القُضاة: 177. - قُضاة الجور: 225. - القُوَّادُ: 84. - قوم أبي هريرة [رهط أبي هريرة]: 325. - قوم نوح - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: 180. - حرف الكاف - - الكاتبون حديثًا: انظر أيضًا [الكُتَّابُ، المؤلفون]. 125، 133، 236. - الكاتبون في عهد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 59. - كبار أئمة المسلمين: 412. - كبار الأدباء: انظر أيضًا [الأدباء]: 237، 371. - كبار أصحاب عبد الله بن مسعود انظر [أصحاب عبد الله بن مسعود]. - كبار أصحاب علي بن أبي طالب انظر [أصحاب عَلِيٍّ]. - كبار التابعين: 78، 207، 295، 359، 440. - كبار الحفاظ: انظر [كبار المُحَدِّثِين]. - كبار الزُهَّادِ وَالعُبَّادِ: 402.

- كبار الشعراء: 295. - كبار الصحابة [أكابر الصحابة]: 63، 64، 80، 116، 202، 297، 352، 354، 365، 368، 379، 414، 415، 416، 417، 464، 468، 470. - كبار العلماء [كبار علماء الإسلام - كبار أئمة المسلمين]: [المقدمة / ل]. 237، 368، 369، 408، 412. - كبار الفقهاء [من التابعين] [كبار فقهاء الإسلام]: 362، 368، 401، 430. - كبار المؤلفين من المالكية: 409. - كبار المُحَدِّثِين [كبار حُفَّاظِ الحديث]: 336، 368، 371 هامش، 401، 414، 415، 436، 437. - كبار المستشرقين: 464. - كبار المعتزلة: 148. - كبار المُفتين: 149. - كبراء القوم: 325. - كتائب الجيش الإسلامي: 461. - الكُتَّابُ - الكاتبون [الإسلاميون - المسلمون]: 3، 4، 19، 82، 142، 189، 459، 463. - كُتَّابُ السيرة: 58. - كُتَّابُ الصحابة: 158. - الكُتَّابُ الغربيون: 22. - كُتَّابُ المعتزلة: 148. - الكَذَّابُونَ [الرواة الكذابون - الرواة المتهمون بالكذب وسرقة الأحاديث - الكذبة - الكاذبون - المعروفون بالكذب]: 74، 78، 82، 89، 92، 93، 97، 120، 120 هامش، 121، 149، 195، 201، 214، 274، 331، 332، 338، 342، 363، 368، 444، 454، 455، 466. - الكفّار [الكافرون]: 32، 33، 52، 127، 180، 187. - كفار قريش: 325، 395.

- حرف اللام -

- حرف اللام - - اللاتين: 26. - اللاعنون: 311. - اللاهوتيون المتعصبون: 459، 464. - لجنة التأليف والترجمة في القاهرة: 16. - لجنة من علماء المسلمين بباكستان: 460، 461. - حرف الميم - - الماجنون: 223. - الماضون [من قبلنا]: 260، 429. - المالكية: انظر [فقهاء المالكية]. - مانعو الزكاة: 77. - مؤتمر للدراسات الإسلامية في لاهور بباكستان: 460. - المؤرّخون [أئمة التاريخ]: 3، 217، 222، 223، 337، 338، 339، 354، 412. - المؤرخون [الثقات]: 354. - المؤرخون الغربيون: 22. - المؤرخون المسلمون: 293. - المؤلفون [الكاتبون حديثًا]: [المقدمة / ي - ل]، 8، 353. - المؤمنات: [المقدمة / ح]، 395. - المؤمنون: [المقدمة / ح]، 10، 39، 52، 60، 66، 101، 135، 194، 214، 215، 260، 264، 297، 324، 327، 339، 360، 404، 428، 431. - المبتدعة [المبتدعون]: 267، 356. - المُبَشِّرُونَ [المسيحيون]: 17، 361. - المُبَشَّرُونَ [بالجنة]: 361، 470. - المُبْطِلُون: 226. - المتأخرون من المُحَدِّثِين [نُقَّادُ الحَدِيثِ]: 371 هامش، 262، 419، 436، 438، 454. - المُتَجَبِّرُونَ: 38. - المُتَحَامِلُونَ [عَلَى السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ]، انظر أيضًا [خُصُومُ السُنَّةِ]: [المقدمة / ك]، 470. - المُتَخَرِّصُونَ: 428. - المَتْرُوكُونَ: 92، 121، 122. - المُتَشَرِّعُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الإِسْلاَمِ: [المقدمة / ي]، 196، 360، 369. - المُتَطفِّلُون على الحديث: 88، 113. - المتعصبون: 226، 256.

- المتعصبون على الشافعي: 85. - المتعصبون لأبي حنيفة: 85. - المتعصبون لجنس أو بلد أو إمام: 88. - المتعصبون للأمويين: 275. - المتعصبون للعباسيين: 275. - المتعصبون للمذاهب الفقهية: 88. - المتعصبون لمعاوية: 81. - المتقدمون من المُحَدِّثِينَ [نقاد الحديث]: 220، 262، 419، 438. - المُتَّقُون: 376. - المُتَكَبِّرُونَ: 38. - المتكلمون: [المقدمة / ل]. 125، 134، 149. - متكلمو المعتزلة: 134. - المتملقون للملوك: 88. - المتهمون: 346. - المثقفون: 23، 34، 42، 84، 189. - المثقفون المسلمون: 460، 462. - المجتمع الإسلامي: 188. - المجتهدون: انظر [الأئمة المجتهدون]. - المجروحون: 116، 121. - المجوس: 68، 179، 179 هامش، 180، 422. - مجوس هَجَر: 179. - المُحَدِّثُون: انظر [أئمة الحديث]. - مُحَدِّثُو أهل المدينة: 185. - مُحَدِّثُو الكوفة: 416. - مُحَدِّثُو المكييِّن: 185. - المُحَرِّرُن [الصحابة الفاتحون]: 461. - المحرِّفون و [المضللون]: 25، 89، 356. - المُحقِّقُون [جمهور المُحَقِّقِن]: 4، 5، 6، 7، 18، 50، 130، 323، 349، 352، 412. - محققو علماء الشافعية: 396، 437.

- المخالفون: [المقدمة / و]. - المخالفون لأبي حنيفة [مخالفو الحنفية]: 412، 429. - مدرسة أبي حنيفة [مدرسة الأرأيتيين]: 403. - مدرسة الحديث: 259. - مدرسة الرأي [مدرسة الكوفة - مدرسة العراق]: 259، 359، 401. - المُدَلِّسُون: 118، 193، 230، 349. - مدنيون: انظر [أهل المدينة]. - المذاهب الاجتهادية: 2. - المذاهب الإسلامية: 10، 119، 139، 168، 204، 290، 317. - المذاهب الدينية في الإسلام: 75. - المذاهب الشيعية: 132. - المذاهب الفقهية: 30، 87، 257، 412، 437، 451. - المذاهب الكلامية: 30، 87. - المذاهب اللغوية: 30. - مذهب أبي حنيفة: 14، 142، 254 هامش، 257، 359، 419، 427، 428. - مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 315، 442. - مذهب الإمام الأوزاعي: 437. - مذهب الجمهور. انظر أيضًا [الجمهور]: 426، 442، 447. - المذهب الحنفي: 412، 413، 417. - المذهب الخارجي: انظر [الخوارج]. - المذهب الشافعي [الشافعية]: 315، 396، 437، 440. - المذهب الشافعي الجديد: 439. - المذهب الشيعي: 10، 335. - المذهب المالكي: 409، 430، 431، 437. - المرتدون: 149. - المرجفون: 356. - المرسلون: انظر أيضًا [الأنبياء]: [المقدمة / ط] 151، 180. - مُزَيْنَة: 256، 257. - المساكين: 334، 335. - المسؤولون في وزارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر: 465.

- المستشرقون: [المقدمة / وز - ي - ك - ل]، 2، 3، 4، 6، 12، 14، 15، 16، 17، 18، 20، 21، 23، 24، 25، 26، 33، 43، 102، 125، 133، 139 هامش، 142، 187، 188، 189، 190، 194، 195، 205، 226، 229، 236، 238، 253، 257، 271، 273، 277، 278، 281، 289، 291، 293، 295، 296، 297، 298، 313، 319، 320، 346، 364، 365، 366، 367، 435، 438، 460، 464، 465. - المستشرقون الفرنسيون: 17. - المستشرقون المتعصبون: 18، 25، 31، 142، 195، 296، 366، 367. - المستشرقون المنصفون: 25، 366. - المستشرقون اليهود: 364، 459. - المستعمر الفرنسي: [المقدمة / ج / هامش]. - المستغربون: [المقدمة / و]. - مسلمة أهل الكتاب: انظر أيضًا [مسلمو اليهود]: 363، 368. - المسلمون [أهل الإسلام]: [المقدمة / ط - ي]، 3، 7، 8، 12، 14، 15، 17، 21، 24، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 40، 41، 42، 51، 54، 55، 58، 59، 62، 63، 64، 65، 74، 75، 78، 89، 101، 103، 104، 107، 113، 114، 116، 119، 128، 130، 131، 134، 138، 140، 142، 147، 149، 153، 155، 158، 172، 177، 178، 182، 186، 187، 188، 189، 190، 193، 195، 196، 198، 201، 213، 214، 215، 216، 217، 219، 221، 222، 226، 228، 232، 234، 236، 237، 241، 244، 254 هامش، 258، 260، 261، 263، 278، 286، 289، 290، 291، 293، 296، 297، 319، 321، 326، 328، 331، 333، 352، 353، 354، 356، 360، 362، 369، 370، 373 هامش، 376، 394، 395، 401، 402، 403، 412، 459، 460، 461، 462، 463، 465. - مسلمو [اليهود]: انظر أيضا [مسلمة أهل الكتاب]: 32. - المسيحية: 6، 370. - المسيحيون [النصارى]: 3، 26، 31، 32، 33، 43، 187. - مشاهير العلماء: 416. - مشايخ الصوفية: [المقدمة / د / هامش] ..... - مشايعو [أشياع] المستشرقين [تلامذة مدرسة المستشرقين]: 102، 133، 189. - المشرفون على الدراسات الإسلامية: 18. - المشهورون بالصدق والأمانة: 95. - مشيخة الأزهر: 19، 237. - مصريون: انظر [أهل مصر]. - مصطلح الحديث [علوم الحديث]: 440، 450. - المصلحون: 10، 342. - المعاصرون [أهل عصرنا]: 361. - المعاندون: 319.

- المعتزلة [أئمة الاعتزال - رؤساء الاعتزال - رؤوس المعتزلة - شيوخ المعتزلة]: [المقدمة / ل]. 4، 5، 6، 7، 31، 33، 40، 41 هامش، 93، 125، 134، 135، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 142، 148، 149، 168، 241، 254 هامش، 261، 320، 359، 362، 364، 428. - المعتنون بالدراسات الدينية: 42. - المعروفون بالكذب: انظر [الكذابون]. - المغالون من المُحَدِّثِين: 142. - المُغَفَُّلَون: 94، 459. - المُفْتَرُونَ: 342. - المُفْتُونَ من الصحابة: انظر [علماء الصحابة]. - المُفَسِّرُون: 242، 243، 247. - المُفكِّرون [المسلمون]: 8، 463. - مَكِيُّون: انظر [أهل مكة]. - الملائكة: 35، 84، 467. - الملاحدة [المسلمون] [الملحدون]: 39، 84، 149، 237، 361. - الملوك [ملوك عصره]: 60، 84، 88، 89، 213، 226، 227. - ملوك أوروبا وأمرائها: 187. - المنحرفون والموتورون: 467. - المنصفون: 326. - منكرو استقلال السُنَّةِ بالتشريع: 383. - منكرو السُنَّة حديثًا: 125، 153. - منكرو السُنَّة قديمًا: 125. - المهاجرات المؤمنات: 395. - المهاجرون: 128، 178، 181، 256، 257، 292 هامش، 310، 312، 313، 329. - الموافقون لأبي حنيفة: 412. - الموالي: 139. - الموعظة الإسرائيلية: 258. - الموعظة النصرانية: 258.

- حرف النون -

- حرف النون - - الناقدون [النُقَّادُ]: 112، 131، 241، 279، 313. - الناقلون للحديث: انظر [الرواة]. - الناقمون على أبي حنيفة: 404. - النَّبِيُّونَ: انظر: [الأنبياء]. - النَجَّارِيَة: 138. - نساء النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 57، 343، 346. - النصارى: انظر [المسيحيون]. - النظّامية [أتباع إبراهيم النظام]: 135، 137. - نُقَّاد الأثر: انظر [أئمة الحديث]. - نُقَّاد الحديث: انظر [أئمة الحديث]. - النَّوَر: 329. - حرف الهاء - - الهَدَّامُونَ: 84. - هُذيل: 439. - الهُذليين: 439. - الهُذيلية [أتباع أبي الهذيل العلاف]: 136.

- حرف الواو -

- حرف الواو - - الواصلية [أتباع واصل بن عطاء]: 135. - الوثنيون: 461. - ورثة أبي هريرة: 298. - الوسط الإسلامي: 324. انظر أيضا [الأوساط الإسلامية]. - الوضَّاعون [الوُضَّاع]: 75، 82، 85، 87، 88، 89، 90، 97، 120، 122، 149، 194، 195، 201، 214، 230، 249، 254، 255، 299، 318، 350، 404. - الوُعَّاظ: 122. - وفد البحرين: 175. - وُلاَّةُ الأمصار: 104، 177. - وُلاَّةُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[عُمَّالُ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: 175، 176. - وُلاَّةُ عمر بن الخطاب: 180. - وُلاَّةُ عمر بن عبد العزيز: 211. - حرف الياء - - اليمنية: 194. - اليهود: 3، 7، 17، 26، 31، 32، 33، 43، 129. - اليهودية: 364. - اليونان: 26، 360.

فهرس الأشعار:

فَهْرَسُ الأَشْعَارِ: الصدر .................................................. العجز .................................. الشاعر ..................................................... الصفحة أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ............ فصادف قلبا خاليا فتمكنا ................. يزيد بن الطثرية .............................................. المقدمة / ك يعترض العقل على خالق ...................... من بعض مخلوقاته العقل ............. أحمد الصافي النجفي ............................................... 39 مازلت آخذ روح الزق في لطف .............. وأستبيح دما من غير مذبوح .............. إبراهيم النظّام ................................................... 140 حتى انتشيت ولي روحان في بدن ........... والزق مطّرح جسم بلا روح ................ إبراهيم النظّام .................................................. 141 وكل يدعي وصلا بليلى ........................ وليلى لا تقدر لهم بذاك ....................................................................................... 276 قالوا: لمسلم فضل ............................. قلت: البخاري أعلى ........................................................................................... 449 فالوا: المكرر فيه .............................. قلت: المكرر أحلى ............................................................................................. 449 فيا ليلة من طولها وعنائها ................... على أنها من دارة الكفر نجّت ................................................................................ 327 أمن آل نعم أنت غاد فمبكر .................... عمر بن أبي ربيعة ............................................................................................ 305

فهرس الآثار والأقوال:

فَهْرَسُ الآثَارِ وَالأَقْوَالِ: - حرف الهمزة - - آربري: ( ARBERY ) : - إننا - نحن المستشرقين - نقع في أخطاء كثيرة في بحوثنا عن الإسلام ... : 14. - الآمدي: - إن هذه الشبهة منتقضة بخبر الواحد في القنوت والشهادة: 170. - وأما ما يعود إلى المروي فترجيحات: الأول، أن يكون رواية أحد الخبرين عن سماع من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 304. - وما ردوه من الأخبار أو توقفوا فيه إنما كان لأمور اقتضت ذلك: 171. - إبراهيم بن سعد: - قلت لأبي: بم فاتكم الزهري؟ قال: كان يأتي المجالس من صدورها ... : 208. - إبراهيم بن سعيد الجوهري: - كل حديث لم يكن عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم: 247. - إبراهيم النخعي: - قال أصحاب عبد الله بن مسعود فكيف يصنع أبو هريرة بالمهراس: 302. - قلما كتب رجل كتابا إلا اتكل عليه: 305. - كره كتابة الحديث: 154، 159. - لا تكتبوا فتتكلوا: 305. - أُبي بن كعب: - إن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أشياء لا يسأله عنها غيره: 296. - أن أبيا عاتبه: 70. - خطبنا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ذكر حديث موسى والخضر ... : 182. - لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 263.

- أحمد أمين:

- أحمد أمين: - إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبا من أقوال المستشرقين ... : 238. - انظر شرح النووي على مسلم وشرح «مسلّم الثبوت»: 265. - أن هذا التعديل كان من أكثر نقاد الحديث وخاصة المتأخرين منهم: 262. - أن الوضّاع قد استغلوا فرصة إكثاره فزوروا عليه أحاديث لا تُعدُّ: 318. - أنه [أبو هريرة] لم يكن يكتب، بل يحدث من ذاكرته ... : 237. - جماعة من العلماء الصادقين، نهضوا لتنقية الحديث مما ألمَّ به ... : 262. - فلم يأخذ ابن عباس بخبره ... : 299. - فهل اتجهوا في نقد الحديث إلى امتحان الكمأة ... : 285. - لم يكن مقتصرا على ما سمع من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل يحدّث بما أخبره به غيره ... : 305. - وبعضهم كان سليم النية يجمع كل ما أتاه على أنه صحيح ... : 249. - وأكثر هؤلاء النقاد - أي نقاد الحديث - عدلوا الصحابة كلهم إجمالا وتفصيلا ... : 261. - وتلمح أحاديث كثيرة لا تشك - وأنت تقرؤها - أنها وضعت لتأييد الأمويين والعباسيين ... : 255. - وحسبك دليلا على مقدار الوضع أن أحاديث التفسير التي ذكر عن أحمد بن حنبل ... : 242. - وعلى كل حال، مضى العصر الأول ولم يكن تدوين الحديث شائعاً، إنما كانوا يَرْوُونَهُ شفاهاً وحفظاً ... : 304. - وعلى كل فالذي جرى عليه العمل من أكثر نقاد الحديث - وخاصة المتأخرين - على أنهم عدّلوا كل صحابي ... : 261. - وقد أكثر بعض الصحابة من نقده على الإكثار في الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 310. - وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد ليس هنا محل ذكرها ... : 269. - وكان للاختلاف المذهبي أثر في التعديل والتجريح ... : 266. - وكالذي روي أن فاطمة بنت قيس روت أن زوجها طلقها ... : 264. - وكذلك في الفقه فلا تكاد تجد فرعا فقهيا إلا وحديث يؤيد هذا وحديث يؤيد ذاك ... : 257. - وهذا نقد من ابن عمر لطيف في الباعث النفسي: 287. - ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم موضع النقد وينزلون بعضا منزلة أسمى من بعض: 262. - ويظهر أن هذا الوضع حدث في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 238. - يخيّل أليّ أن من أهم أسباب الوضع تغالي الناس إذ ذاك في أنهم لا يقبلون من العلم إلا على ما اتصل بالكتاب والسنة ... : 258.

- أحمد بن حنبل:

- أحمد بن حنبل: - أن خبر الآحاد قطعي موجب للعلم والعمل معا: 167. - إنه ليس له رأي ولا حديث (أبو حنيفة): 411. - ثلاث كتب لا أصل لها: المغازي والملاحم والتفسير: 244، 245. - ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازي: 244، 245. - الزهري أحسن الناس حديثا وأجودهم إسنادا: 212. - صح من الحديث سبعمائة ألف وكسر ... : 246، 247. - ضعيف الحديث عندي أولى [خير] من رأي الرجال: 410، 442. - كان يحفظ ستمائة ألف حديث: 295. - كتبت عن أبي يوسف ثلاث قماطر في ثلاث سنوات: 410. - لا أعلم في التسمية - أي التسمية بالوضوء - حديثا ثابتا: 244. - لا تقبل توبته أبدا [من يكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: 92. - لم يصح منها شيء (أحاديث التفسير): 242. - لم يكن في زمانه أطلب للعلم منه، جمع أمرا عظيما ... (عبد الله بن المبارك): 251. - ما أجسر على هذا أن أقوله، إن السنّة تفسر الكتاب وتبيّنه: 388. - ما أحد مس بيده محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في رقبته مِنَّةً: 440. - ما اختلفتم فيه من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فارجعوا إليه، فإن وجدتموه، وإلا فليس بحجة: 443. - ما علمنا المجمل من المفسر ولا ناسخ حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من منسوخه حتى جالسنا الشافعي: 440. - من أوله إلى آخره كذب لا يحل النظر فيه (تفسير الكلبي): 245. - من غسل ميتا أرجو ألا يجب عليه الغسل، أما الوضوء فأقل ما فيه: 300. - مِنْ كُتُبِ محمد بن الحسن: 410. - ... وهذا الفتى (يعني أبا زرعة) قد حفظ سبعمائة ألف: 246، 247.

- أحمد شاكر:

- أحمد شاكر: - أن عبد الرزاق وصله بإسناد صحيح عن عطاء عن رجل من الأنصار: 173 هامش. - إن معنى العبارة، أن قبول خبر الواحد فرض لا يجوز لهم تركه ... : 174 هامش. - وقد لهج أعداء السُنَّةِ، أعداء الإسلام، في عصرنا وشغفوا بالطعن في أبي هريرة ... : 361. - أرنست رينان ( ERNEST RENAN ) : - إني لم أدخل مسجدا من غير أن اهتز خاشعا أو من غير أن أشعر بشيء من الحسرة على أنني لست مسلما: 27. - إسحاق بن إبراهيم: - كان أصحاب أبي حنيفة يخوضون معه في المسألة فإذا لم يحضر عافية بن يزيد قال أبو حنيفة ... : 427. - إسحاق بن راهويه: - لاَ بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ: 301. - لَوْ جَمَعْتُمْ كِتَابًا مُخْتَصَرًا لِصَحِيحِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟: 410. - أسد رستم: - وَمِمَّا يُذْكَرُ مَعَ فَرِيدِ الإِعْجَابِ وَالتَّقْدِيرِ مَا تَوَصَّلَ إِلَيْهِ عُلَمَاءُ الحَدِيثِ مُنْذُ مِئَاتِ السِّنِينِ فِي هَذَا البَابِ ... : 108. - أسد بن الفرات: - أنه كان في العشرة المتقدمين من الأربعين: أبو يوسف وزفر بن الهذيل، وداود الطائي ... : 427. - كانوا يختلفون عند أبي حنيفة في جواب المسألة، فيأتي هذا بجواب وهذا بجواب ... : 427. - الأصمعي: - كان يحفظ خمسة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب ... : 295.

- الأعمش:

- الأعمش: - كره كتابة الحديث: 154. - من أين؟: 421. - من أين قلت هذا يا يعقوب؟: 421. - نحن الصيادلة وأنتم الأطباء: 421. - يا يعقوب إني لأحفظ هذا الحديث من قبل أن يجتمع أبواك، ما عرفت تأويله إلا الآن: 421. - يَا نُعْمَانُ، قُلْ فِيهَا: 421. - اللورد اللنبي ( LORD ELLENBY ) : - الآنَ انْتَهَتْ الحُرُوبُ الصَّلِيبِيَّةُ: 22. - أندرسون: ( ANDERSON ) : - لأنه كان يقول: الإسلام يمنح المرأة كذا ... : 13. - أنس بن مالك: - كان يُتبع الحديث عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله «أو كما قال» حذرا من الوقوع في الكذب عليه: 63. - كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجراح وأبيّ بن كعب شرابا من فضيح وتمر ... : 174. - لم يكن يكذّب بعضنا بعضا: 263. - ما كل ما نحدّثكم به عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمعناه منه، ولكن لم يكن يكذِّبُ بعضنا بعضا: 306. - نعم أو حدّثني من لم يكذب والله ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب: 78.

- الأوزاعي:

- الأوزاعي: - أحدثك عن الزهري عن سالم، عن ابن عمر، ويقول: حدثنا حماد عن إبراهيم؟: 424. - عَرَضْنَا عَلَى مَالِكٍ " المُوَطَّأَ " فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ ... : 432. - غُبِطْتُ الرَّجُلُ بِكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَُْفَوَرِ عَقْلِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى، لَقَدْ كُنْتُ فِيْ غَلَطٍ ظَاهِرٍ ... : 408. - كان هذا العلم شيئا شريفا إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره ... : 305. - الكتاب أحوج إلى السُنَّةِ من السُنَّةِ إلى الكتاب: 387. - فسكت: 424. - كيف وقد حدثني الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه ... : 424. - لماذا لا ترفعون أيدكم عند الركوع وعند الرفع منه؟: 424. - من صاحب هذه الفتاوى؟: 408. - من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة، ويكنى أبا حنيفة؟: 408. - هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه: 408. - الأوقص: - نَجَتْ القَادَةُ وَهَلَكَتْ الأَتْبَاعُ: 136. - أيوب السختياني: - كنا نعرض العلم على الزهري: 220. - ما أعلم بعد الزهري أعلم بعلم أهل الحجاز من يحيى بن بكير: 211.

- حرف الباء -

- حرف الباء - - بجالة: - وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ [مِنَ الْمَجُوسِ] حَتَّى أَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: 179. - البراء بن عازب: - ليس كلنا كان يسمع حديث النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت لنا ضيعة وأشغال، ... : 78. - ما كل الحديث سمعناه من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان يحدّثنا أصحابه عنه ... : 263، 306. - البخاري (محمد بن إسماعيل): - أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح: 247، 248. - إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا: 110. - دخلت الشام ومصر والجزيرة مرتين ... : 445. - روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم وكان أحفظ من روى الحديث في عصره: 296، 297. - فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح: 445. - كان يحفظ ثلاثمائة ألف حديث بأسانيدها: 295. - لم أُخْرِج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر: 249. - ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لملال الطول: 248. - البزار: - إنه ليس فيه حديث صحيح: 333. - بُسْرُ بن سعيد: - اتقوا الله وتحفظوا من الحديث: 351. - بشر بن عبد الله الحضرمي: - إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في طلب الحديث الواحد لأسمعه: 92.

- بشير بن كعب العدوي:

- بُشَيْرٌ بْنُ كَعْبٍ العَدَوِيِّ: - جَاءَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «عُدْ لِحَدِيثِ كَذَا وَكَذَا»: 64. - فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا، ... : 91. - ما أدري أعرفت حديثي كله؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا؟: 64. - يا ابن عباس مالي أراك لا تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 91. - بكر بن عبد الله المزني: - كان أصحاب النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتبادحون بالبطيخ (يترامون به) فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال: 340. - البلقيني: - وشاهد هذا أن إنسانا لو خدم إنسانا سنين وعرف ما يحب وما يكره فادعى إنسان ... : 98. - البيهقي: - أراد ما صح من الأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين: 247. - أن الذي اعترض على أبي هريرة هو قين الأشجعي من أصحاب عبد الله بن مسعود: 301. - رواه خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخالد مجهول ... : 161. - والحديث الذي روي في عرض الحديث على القرآن باطل لا يصح ... : 161. - «وَقَوْلُهُ " فِي كِتَابِهِ ": إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ فَإِنَّمَا أَرَادَ فِيمَا أَوْحَىَ اللهُ ... : 164. - وهو مختلف على يحيى بن آدم في إسناده ومتنه اختلافا كبيرا يوجب الاضطراب ... : 163. - حرف التاء - - الترمذي: - لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده ليس بمتصل: 378. - ليس إسناده عندي بمتصل: 377 هامش. - توفيق صدقي: - أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين وكل حكم من أحكامه وأنه بيّنه وفصّله ... : 153. - لَوْ كَانَتْ السُنَّةُ حُجَّةً لأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِتَابَتِهَا: 153. - يدل على أن الله تكفل بحفظ القرآن دون السنّة ... : 153.

- حرف الثاء -

- حرف الثاء - - الثقفي: (الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه بْن أَوْس الثَّقَفِيّ): - أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفتاني في مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت: 69. - سأل عمر عن امرأة حاضت وقد زارت البيت: 69. - ثمامة بن أشرس: - أنا مستريح إن تركتني: 141. - انظر إلى هذا العربي يعني (محمدا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ماذا فعل بالناس؟: 6. - انظر إلى هؤلاء الحمير والبقر ... : 141. - إي والله: 141. - تترى ثم تترى: 141. - فتغافل ثمامة: 141. - لا والله: 141. - ماذا صنع ذاك العربي بالناس؟ يعني رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 141.

- حرف الجيم -

- حرف الجيم - - جابر بن سمرة: - من حدَّثَكم أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب جالسا فقد كذب: 193، 226، 228. - جابر بن عبد الله: - بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 73. - حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المظالم ... : 73. - الجاحظ: - إن المأمون ركب يوما فرأى ثمامة سكران قد وقع في الطين ... : 141. - قال بقول واصل بن عطاء في الفريقين يوم الجمل: 136. - الجوزجاني: - هذا حديث باطل جاء بإسناد لا يعتمد عليه في أصل من أصول الشريعة: 378. - جوستاف لوبون ( Gustave Le Bon ) : - وقد يسأل القارئ بعدما تقدم: لماذا ينكر تأثير العرب علماء الوقت الحاضر ... : 26.

- جولدتسير ( Ignas Goldziher ) :

- جولدتسير ( Ignas Goldziher ) : - إن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير: 191. - إن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي: 195. - إن كثيرا من الأحاديث التي نسبها الرواة إليه قد نحلت عليه في عصر متأخر: 318. - إنه لا توجد مسألة خلافية سياسية أو اعتقادية إلا ولها اعتماد على جملة من الأحاديث ذات الإسناد القوي: 203. - زعم أن إبراهيم بن الوليد الأموي جاء إلى الزهري بصحيفة، وطلب منه أن يأذن له بنشر أحاديث فيها ... : 220. - على هذا الأساس قامت أحاديث الأمويين ضد علي: 205. - فمن ذلك قول المحدّث أبي عاصم النبيل ... : 230. - كل هذه الظروف تجعلنا نقف من أحاديث أبي هريرة موقف الحذر والشك: 319. - وقد شعر المسلمون في القرن الثاني بأن الاعتراف بصحة الحديث يجب أن يرجع إلى (الشكلي) فقط ... : 232. - ولم يقتصر الأمر على وضع أحاديث سياسية أو لصالح البيت الأموي بل تعدى ذلك ... : 192، 226. - ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، فإن الحكومة نفسها لم تقف ساكنة إزاء ذلك ... : 203. - ولم يكن الأمويون وأتباعهم ليهمهم الكذب في الحديث الموافق لوجهات نظرهم ... : 205. - ولم يكن الزهري من أولئك الذين لم يمكن الاتفاق معهم ... : 222. - ونظرا لأن ما وقع في أيديهم - أي العلماء - من ذلك لم يكن ليسعفهم في تحقيق أغراضهم ... : 201. - ونظرا لأنهم كانوا - أي العلماء الأتقياء - يؤملون في أعداء البيت الأموي وهم العلويون ... : 202. - ويظهر أن علمه الواسع بالأحاديث التي كانت تحضره دائما قد أثار الشك في نفوس الذين أخذوا عنه مباشرة ... : 310. - حرف الحاء - - الحارث بن أسد المحاسبي: - أن خبر الآحاد قطعي موجب للعلم والعمل معا: 167. - الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه بْن أَوْس الثَّقَفِيّ: انظر: الثقفي. - الحازمي: - وأما البخاري فلم يلتزم أن يخرج كل ما صح من الحديث ... : 248.

- الحاكم النيسابوري:

- الحاكم النيسابوري: - إن أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي ليس التدليس مذهبهم ... : 232. - إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط، وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ... : 117. - إن هذا سماع عند كثير من المتقدمين ... : 220. - كان أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة: 451. - كان من أحفظ أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وألزمهم له (أبو هريرة): 296. - هذا إسناد تداوله الأئمة والثقات وهو باطل من حديث مالك وإنما أريد بهذا الإسناد ... : 117. - هذا حديث رواه مصريون ثم مدنيون ومكيون وليس من مذاهبهم التدليس: 115. - هذا حديث صحيح محفوظ رواه جماعة من أئمة المسلمين عن مالك بن مغول ... : 119. - هذا حديث غريب لمالك بن أنس عن نافع ... : 118. - هذا حديث ليس في إسناده إلا ثقة ثبت، وذكر النهار فيه وهم: 117. - هذا حديث يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا ... : 114. - هذا الشيخ سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة: 97. - هو إمام عصره في الآفاق، وأولاهم بذلك علما وزهدا وشجاعة وسجاء (عبد الله بن المبارك): 251. - وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل ... : 118. - وفي التابعين وأتباع التابعين إلى عصرنا هذا جماعة ... : 118. - وقوله: إذا قلت هذا، ... مدرج في الحديث من كلام عبد الله بن مسعود: 115. - و (المشهور) من الحديث غير (الصحيح)، فرب حديث مشهور لم يخرج في الصحيح: 117. - ومما يحتاج إليه طالب الحديث في زماننا أن يبحث عن أحوال المحدث أولا هل يعتقد الشريعة في التوحيد ... : 113. - وهذا علم كبير من هذه الأنواع، لاختلاف أئمة المسلمين في الاحتجاج بغير المسند ... : 114. - حبة بن جوين: - سَمِعْتُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «عَبَدْتُ اللهَ مَعَ رَسُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَمْسَ سِنِينَ ... »: 100. - الحجاج بن يوسف الثقفي: - إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَدَّلَ كَلاَمَ اللهِ: 77. - أَنْتَ شَيْخٌ خَرِفٌ: 77. - الحسين بن علي الكرابيسي: - أن خبر الآحاد قطعي موجب للعلم والعمل معا: 167.

- حفص بن غياث القاضي:

- حفص بن غياث القاضي: - إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين: 98. - حماد بن سلمة: - أن أبا حنيفة استقبل الآثار والسنن فردها برأيه: 420. - حدثني شيخ لهم - يعني الرافضة - قال: كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا ... : 79. - فامتخط حماد: 113. - قوله في أهل مكة: 407. - حمل بن مالك بن النابغة الذبياني: - كنت بين جاريتين لي، يعني ضرتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا ... : 68، 179. - حوشب: - نَجَتْ القَادَةُ وَهَلَكَتْ الأَتْبَاعُ: 136. - حرف الخاء - - الخضري بك: - ولم يظهر لنا الشافعي شخصية من كان يرى هذا الرأي ... : 148. - الخطيب البغدادي: - إن هذا محمول على كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة: 245. - ما تكلم أبو حنيفة ولا أبو يوسف ولا زفر ولا محمد ولا أحد من أصحابه في القرآن، إنما تكلم في القرآن بشر المريسي ... : 428. - الخوارزمي: - وقد سمعت في الشام عن بعض الجاهلين بمقداره - أي بمقدار أبي حنيفة - ما ينقصه ويستصغره ... : 414. - حرف الدال - - الدارقطني: - لا يحتج به وبأبيه [محمد بن إسحاق]: 267. - داود الأنطاكي: - إن ماءها يجلو البياض كحلا: 286.

- حرف الذال -

- حرف الذال - - الذهبي: - أبان بن تغلب الكوفي «شيعي جلد» لكنه صدوق، فلنا صدقه، وعليه بدعته: 267. - إنه كان أحفظ من الإمام مسلم (الإمام النسائي): 450. - إنها لا تصح (إحراق أبي بكر الصديق صحيفة للأحاديث بها خمسمائة حديث) [فهذا لا يصح]:154 هامش، 159. - فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي وإن جرى ما جرى ... : 261. - قلت: هو الذي أشار على سليمان باستخلاف عمر بن عبد العزيز: 228. - كان أحفظ من الإمام مسلم (النسائي): 450. - كان - أي أبو بكر الصديق - أول من احتاط في قبول الأخبار: 66. - لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة: 266، 269. - وأما جامع البخاري الصحيح، فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى ... : 446. - وهو علم الحفاظ الإمام الحافظ الحجة: 212. - وهو [الخطيب] وأبو نعيم وكثير من علماء المتأخرين ... : 371 هامش. - ذو اليدين: - أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ؟: 168. - حرف الراء - - الربيع بن خثيم: - إِنَّ مِنَ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ضَوْءٌ [كَضَوْءِ النَّهَارِ] نَعْرِفُهُ بِهِ، وَإِنَّ مِنَ الْحَدِيثِ حَدِيثًا لَهُ ظُلْمَةٌ كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ نَعْرِفُهُ بِهَا: 102. - ربيعة بن أبي عبد الرحمان: - قد اجتهدت ومضى حكمك: 184. - ما ظننت أن أحدا بلغ من العلم ما بلغ ابن شهاب: 210. - رجل من الطفاوة: - نزلت على أبي هريرة، ولم أدرك من الصحابة رجلا أشد تشميرا ولا أقوم على ضيف منه: 294.

- الرشيد: (الخليفة العباسي):

- الرشيد: (الخليفة العباسي): - أخذ زنديقا ليقتله ... : 251. - اخرج عني، لولا أنك من قريش لعزلتك: 89. - أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك يتخلّلانها فيخرجانها حرفا بحرف: 251. - رشيد رضا: - وَمَا يُدْرِينَا أَنََّ كُلِّ الرِّوَايَاتِ - أَوْ المَوْقُوْفَةِ مِنْهَا - تَرْجِعُ إِلَيْهِمَا ... : 365. - روبسون [المستشرق] ( Robson ) : - أرجو ذلك: 15. - لا شك أن المستشرقين في هذا العصر أكثر إطلاعا على المصادر الإسلامية من جولدتسيهر ... : 14. - حرف الزاي - - الزبير بن العوام: - أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول: من كذب عليَّ متعمدا ... : 62. - صدق، كذب: 347. - منها ما يضعه على مواضعه، ومنها ما وضعه على غير مواضعه: 347. - يا بني أم أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا أشك ... : 347. - الزركشي: - للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة ... : 245. - الزعفراني: - كان أصحاب الحديث رقودا فأيقظهم الشافعي: 440. - زفر بن الهذيل: - كنا نختلف إلى أبي حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن الحسن، فكنا نكتب عنه ... : 427.

- زكريا الساجي (شيخ الإسلام):

- زكريا الساجي (شيخ الإسلام): - إنما قال بعض المحدّثين: «أكذب الناس الصالحون» لغلبة سلامة بواطنهم ... : 230 - 231. - الزنديق: - أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَضَعْتُهَا؟: 251. - زياد بن أنعم الإفريقي: - أَنَّهُمْ كَانُوا غُزَاةً فِي الْبَحْرِ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، فَانْضَمَّ مَرْكَبُنَا إِلَى مَرْكَبِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ... : 340. - زيد بن أرقم: - كان يقال له: حدِّثنا، فيقول: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شديد: 62. - زيد بن ثابت: - أتدرون لعل كل شيء حدثتكم به ليس كما حدثتكم به: 160. - أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؟: 181. - أتدرون لعل كل شيء حدثتكم به ليس كما حدثتكم به: 160. - إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا أَلاَّ نَكْتُبَ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ: 154. - ذروها حتى تقع: 403. - عليك بأبي هريرة فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره ... : 296. - فدعوت أنا وصاحبي فجعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤمّن على دعائنا ... : 296. - فرجع زيد بن ثابت يضحك ويقول: ما أراك إلا قد صدقت: 181. - هل وقعت؟: 403. - ما أراك إلا قد صدقت: 181. - ونحن يا رسول الله نسأل علما لا ينسى [زيد بن ثابت وصاحبه]: 296. - زين الدين العراقي: - إن المحدّثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم يختلفوا في الاحتجاج بها: 307. - تقدم أنه في رواية مسلم يدل قوله في وضوئه: «في إنائه» وفي رواية «في الإناء» وهذا يدل على أن النهي مخصوص ... : 301.

- حرف السين -

- حرف السين - - السائب بن يزيد: - صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدّث عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثا واحدا: 62. - السخاوي: - حكم على هذه القصة بالوضع فقال: لا تصح: 240. - يشير إلى ما رواه ابن حبان في صحيحه ... : 333. - والحديث مروي أيضا عن أنس وجابر وحبيب بن سلمة ... : 333. - سعد بن إبراهيم: - فدعا سعد بكتاب القضية فشقه وقضى للمقضي عليه: 184. - قضى على رجل بقضية برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمان ... : 184. - هذا ابن أبي ذئب وهو عندي ثقة يخبرني عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف ما قضيت به: 184. - واعجبا! أنفذ قضاء سعد بن أم سعد وأردّ قضاء رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ ... : 184. - سعد بن طريف: - لأخزينهم اليوم، حدّثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: «معلمو صبيانكم شراركم»: 98. - مالك؟: 98. - سعيد بن أبي الحسن (أخو الحسن البصري): - لم يكن أحد من الصحابة أكثر حديثا من أبي هريرة: 296. - سعيد بن جبير: - قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخصر ليس موسى بني إسرائيل ... : 181. - سعيد بن عبد الرحمان بن عبد الله بن جميل الجمحي: - يا أبا الحارث لولا ابن شهاب لذهب كثير من السُنّة: 212.

- سعيد بن المسيب:

- سعيد بن المسيب: - أخبرني أبو سعيد الخدري عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصرف فيثبت حديثه سنّة: 184. - أراد أن يعلم ما فيه، فسأل تلاميذه عن ذلك فأجابوه بما لا يشفي غليله، حتى قال له الزهري: ... : 159. - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ: 199. - إني كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد: 91. - ما كان كتابه؟ ليت أنا وجدنا من يعرف لنا ما فيه؟: 209. - حدّثني أبو هريرة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيثبت حديثه سنّة ... : 185. - ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سنّة: 185. - سفيان الثوري: - لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التورايخ: 98. - ما سمعت أحدا يتهم محمد بن إسحاق: 267. - وماله؟: 402. - سفيان بن عيينة: - كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا، ولا يحدث إلا عن ثقات الناس: 437. - كيف وقد الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»؟: 425. - لم يكن في الناس أحد أعلم بالسنّة من الزهري: 211. - هل صحيح أنك تفتي بأن المتبايعين ليس لهما الخيار إذا انتقلا من حديث البيع إلى حديث آخر غيره ... : 424. - سليمان بن يسار: - أمير المؤمنين أعلم بما يقول ... : 215. - هو عبد الله بن أُبيّ بن سلول: 214.

- السيوطي:

- السيوطي: - ابن عقدة من كبار الحفاظ، وَثَّقَهُ الناس وما ضعفه إلا متعصب: 415. - اختلف الناس في تفسير القرآن هل يجوز لكل أحد الخوض فيه؟ ... : 243. - أخرجه الشافعي والبيهقي من طريق طاووس: 164. - إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثني منه شيء لأن فيه من المراسيل مع كونه حجة عنده بلا شرط ... : 433. - أن أحد هؤلاء القُصّاص جلس ببغداد فروى تفسير قوله تعالى: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} ... : 86. - إن من غالية الرافضة من ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنّة والاقتصار بالقرآن ... : 151. - تفرد فيه بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث: 455. - سيف بن عمر التميمي: - كنا عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكُتّاب يبكي ... : 98. - حرف الشين - - شاخت [المستشرق] ( Schacht ) : - لماذا تسيؤون به الظن؟: 15. - معك الحق أن جولدتسيهر أخطأ هنا: 15. - وهذا خطأ أيضا من جولدتسيهر، ألا يخطئ العلماء؟: 15. - شارح مسلم الثبوت: انظر [ابن أمير الحاج]. - الشاطبي: - إن الحديث وحي من الله لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله ... : 163. - السنة راجعة في معناها إلى الكتاب فهي تفصيل مجمله وبيان مشكله وبسط مختصره ... : 384. - وأول شاهد في هذا - أي تعذر ذلك في كل النصوص - الصلاة والحج والزكاة والحيض ... : 392.

- الشافعي (محمد بن إدريس):

- الشافعي (محمد بن إدريس): - أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره: 296. - أستحب الغسل من غسل الميت ولا أرى ذلك واجبا: 300. - أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة ... : 93. - أما في خبر أبي موسى فإلى الاحتياط ... : 70. - أن السنن موجودة عند عامة أهل العلم وإن كان بعضهم أجمع من بعض: 157. - أن ما ذكره من الأحاديث منقطعا فقد سمعه متصلا أو مشهورا ... : 179. - إنها من رواية طاووس وهو حديث منقطع ... : 164. - بأن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس: 96. - الحجة في تثبيت خبر الواحد ... : 171. - خرجت من بغداد وقد حملت من علم محمد بن الحسن وقر بعير: 439. - خرجت من بغداد وما خلفت فيها رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل: 442. - ... دليل على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله: 173. - سمع زيد النهي أن يصدر أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت: 181. - فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول ... : 50. - فقبل عمر خبر عبد الرحمان بن عوف في المجوس: 180. - فقد ضيّق رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الناس أن يردوا أمره بفرض الله عليهم إتباع أمره: 165. - فقلت: إنما نعطي من وجه الإحاطة ومن جهة الخبر الصادق ... : 144. - فقلت له: من علم اللسان الذي في كتاب الله وأحكام الله ... : 144. - فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه ... : 156. - فلم أعلم من أهل العلم مخالفًا في أن سنن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ثلاثة وجوه: 380. - فليست تنزل بأحد في دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى: 155. - فما زالوا يغرّون به هشاما حتى قال له ... : 215. - فليست تنزل بأحد في دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى: 155. - قال لي قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه: أنت عربي والقرآن نزل بلسان من أنت منهم ... : 143. - لا تنسخ السنة بالقرآن: 395. - لما كان معروفا - والله أعلم - عند عمر أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي اليَدِ بِخَمْسِينَ: 177. - لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم ... : 149. - ليس لأحد أن يقول في شيء «حلال» ولا «حرام» إلا من جهة العلم ما نص في الكتاب والسنة أو في الإجماع ... : 259. - ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك: 438. - ما رأيت في أهل الأهواء قوما أشهد بالزور من الرافضة: 79. - ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير ... : 161. - الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة: 410. - وفي تثبيت الخبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا فيها: 184. - ولو جاز أن يقال: قد سَنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم نسخ سنته بالقرآن ... : 395. - وهذا منقطع: 164. - وهكذا سنة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينسخها إلا سنة لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 395. - والولاة من القضاة وغيرهم يقضون فتنفذ أحكامهم ويقيمون الحدود ... : 177. - يخبر - والله أعلم - أن السنّة إذا كانت موجودة بأن النفس مائة من الإبل ... : 179. - يرى أن ضيّقا على المخبر ألا يقبل خبره ... : 183. - يعني حين خرج إلى الشام فبلغه وقوع الطاعون: 179.

- شبرنجر [المستشرق] ( Sprenger ) :

- شبرنجر [المستشرق] ( Sprenger ) : - المتطرف في الأخلاق ورعًا [أبو هريرة]: 367. - شريك بن عبد الله القاضي: - أحمل من كل من لقيت إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث ويتّخذونه دينا: 79. - الشعبي: - الأرأيتون: 404. - أول من خطب الناس قاعدا معاوية، وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه: 227. - إني لأمر بالبقيع فأسد آذاني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا ... : 305. - خذها بغير شيء قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة: 92. - كره كتابة الحديث: 154، 159. - ما سمعناه بهذا: 422. - ما كان أبغض إليَّ من أرأيت: 404. - هذا باب من الطلاق جسيم: 105. - والله لقد بغض هؤلاء القوم إليَّ المسجد حتى لهو أبغض إليَّ من كناسة داري: 404. - ومنهم الحكم وحماد وأصحابهم: 404. - شمس الحق العظيم آبادي: - فأما ما رواه بعضهم أنه قال: إذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله ... : 82. - شيخ من الخوارج: - إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيّرناه حديثا: 82. - شيخنا الحافظ (شيخ ابن أمير الحاج): - بل ولا إدراكه: 303.

- حرف الصاد -

- حرف الصاد - - صاحب مسلّم الثبوت: انظر [محب الله البهاري]. - صالح بن أحمد: - حدثني أبي قال: الزهري مدني تابعي ثقة: 212. - حرف الضاد - - الضحاك بن سفيان الكلابي: - أخبر عمر أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إليه أن يورّث امرأة أشيم الضبابي من ديته زوجها: 68، 178. - الضحاك بن مخلد انظر: [أبو عاصم النبيل]. - الضحاك بن مزاحم: - لا تتخذوا للحديث كراريس ككراريس المصاحف: 61 هامش. - حرف الطاء - - الطالقاني (إبراهيم بن عيسى): - عن الحجاج بن دينار: 250. - قلت: قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 250. - قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمان الحديث الذي جاء أن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك ... : 250. - هذا من حديث شهاب بن خراش: 250. - طاهر الجزائري: - وبما ذكرنا أن بعض المحدثين قد يطلق الحديث المرفوع والموقوف يزول الإشكال الذي يعرض لكثير من الناس ... : 247.

- طاووس بن كيسان:

- طاووس بن كيسان: - إنما نهى عنهما أن يتخذا سنّة: 387. - أنه سأل ابن عباس عن الركعتين بعد العصر ... : 182. - كان يصلي ركعتين بعد العصر: 386. - ما أدعهما: 182. - الطبري: - إن مما أنزل الله من القرآن علي نبيه ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 242. - طلحة بن عبيد الله: - لا أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم نسمع: 296. -[والله] ما نشك أنه قد سمع من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم ... : 332، 355. - حرف العين - - عائشة [أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -]: - ألا تتقين الله ... : 264، 265. - أما إنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث، إن فاطمة كانت في مكان وحشي فخيف على ناحيتها ... : 266. - أَيَّدَتْ أبا هريرة فيما روى: 314. - دعونا من بطالتكم هذه ... : 333. - ردت خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله: 169. - ردت على ابن عمر في عدد عمرات النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 348. - فَسَّرَتْ ذلك بأن خلقه القرآن: 384. - فصدَّقت أبا هريرة: 355. - قد آن لك أن تزورنا (لعبيد بن عمير): 333. - كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[يُصْبِحُ جُنُبًا] يدركه الفجر في رمضان وهو جنب ... : 305، 308. - ما عاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه: 117. - وهم أبو عبد الرحمان أو أخطأ أو نسي: 347.

- عبد الحسين شرف الدين الموسوي:

- عبد الحسين شرف الدين الموسوي: - إن أبا هريرة كان منافقًا كافرًا وأن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخبر بأنه من أهل النار: 9 هامش. - قد قرأت ولدي صدر الدين فيما يقدمه من قصة عمار بن ياسر أو قصة الإسلام في هذا الكتاب ... : 470. - عبد الرحمان بن الحارث: - فأنكر ذلك: 308. - عبد الرحمان بن عوف: - أشهد لسمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: سُنُّوا سنّة أهل الكتاب: 179. - لم يكن أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ... : 340. - عبد الرحمان بن مهدي: - الأئمة أربعة: الثوري ومالك وحماد بن زيد وابن المبارك: 251. - إن الخوارج والزنادقة قد وضعوا هذا الحديث «إذا أتاكم عني حديث فاعرضوه ... »: 82. [انظر: 162] - إنه من وضع الخوارج والزنادقة: 162. - لا يكون الرجل إماما يقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع: 252. - لما نظرت الرسالة للشافعي أذهلتني لأنني رأيت كلام رجل عاقل فصيح ناصح ... : 440. - عبد الرحمان بن يزيد: - رأى محرما عليه ثيابه فنهاه: 386. - فقرأ عليه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}: 386. - عبد الرزاق الصنعاني: - ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله «كَذَّابٌ» إلا لعبد القدوس فإني سمعته يقول ... : 250. - ما كتبت عن أبي حنيفة إلا لأكثر به رجالي، وكان يروي عنه نيفا وعشرين حديثا ... : 411. - عبد العزيز الدراوردي: - أول من دوّن العلم وكتبه ابن شهاب: 211.

- عبد القادر البغدادي (أبو منصور البغدادي):

- عبد القادر البغدادي (أبو منصور البغدادي): - أن الشافعي عدل أخيرا عن رأيه في قبول شهادة أهل الأهواء ... : 93. - ثم إن واصلا فارق السلف ببدعة ثالثة ... : 135. - ما أراد أبو الهذيل العلاف باعتبار عشرين في الحجة من جملة الخبر ... : 137. - والفضيحة السادسة قوله: إن الحجة من طريق الأخبار ... : 137. - عبد الله بن أنيس الأنصاري: - سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: يحشر الناس غرلا ... : 73. - عبد الله بن الزبير: - إني لا أسمعك تحدّث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما يحدّث فلان وفلان: 62. - عبد الله بن عباس: - اتركهما: 387. - أخبرني به أخي الفضل بن عباس: 306. - أخبرني به أسامة بن زيد: 306. - استمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم بعضا ... : 407. - إما لا فاسأل فلانة الأنصارية: هل أمرها بذلك النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟: 181. - إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا: 91. - إنا كنا نحدّث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا لم يكن يُكذَبُ عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه: 64. - أنه لما اشتد بالنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجعه قال: ... : 61. - إنه يدلس عن قوم ضعفاء ويروي عمن دبّ ودرج: 253. - حفظ قصيدة لعمر بن أبي ربيعة في جلسة واحدة [أمن آل نعم أنت غاد فمبكر]: 158، 305. - عُدْ لحديث كذا وكذا: 64. - فدعا بقضاء علي فجعل يكتب منه أشياء ويمر بالشيء فيقول ... : 91. - قد نهى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صلاة بعد العصر، فلا أدري أتعذب عليهما أم تؤجر؟: 387. - كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ ... : 182. - كره كتابة الحديث: 159. - كنا يبلغنا الحديث عن رجل من أصحاب النبي فلو أشاء أن أرسل إليه حتى يجيئني فيحدثني فعلت ... : 63. - لا يؤذن لحديثه ولا ينظر إليه: 91. - لا يلزمنا الوضوء من حمل عيدان يابسة: 299. - والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون قد ضلّ: 91. - ولد ناصح أنا أختار له الأمور اختيارا وأخفي عنه: 91.

- عبد الله بن عمر:

- عبد الله بن عمر: - أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدّث: 296. - أكثر أبو هريرة علينا: 314. - أما إنّك لو عُدتَ لعُدْتُ: 77. - أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحفظنا لحديثه: 355. - انظر ما تحدّث به يا أبا هريرة: 355. - إن أبا هريرة كان له أرض يزرعها: 193. - أن أبا هريرة يزيد «أو كلب زرع»: 193. - إن لأبي هريرة زرعا: 287. - بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال ... : 173. - ثم أصبح يروي الحديث ويسنده إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 314. - سلوا هذا الفتى وأشار إلى عبد الملك: 197. - طلق زوجه وهي حائض: 391. - عدو الله استحل ما حرم الله وخرب بيت الله وقتل أولياء الله: 77. - فلما روجع فيه قال: حدّثني أبو هريرة ... : 314. - كذبت لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت: 77. - كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع ... : 182. - كره ضرب الأمثال بحديثه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 302. - لقد فرطنا في قراريط كثيرة: 314. - لقد كنت ألزمنا لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأعلمنا بحديثه [أبو هريرة]: 314. - الميت يعذب ببكاء أهله: 347. - وأسنده بعد ذلك إلى أبي هريرة: 306. - وكان شديد الإتباع للأثر: 302.

- عبد الله بن المبارك:

- عبد الله بن المبارك: - الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء: 91. - إنه يدلس عن قوم ضعفاء ويروي عمن دبّ ودرج [بقية بن الوليد]: 253. - بقيّة صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر: 252. - بيننا و [بينكم] بين القوم القوائم، يعني الإسناد: 91، 250. - تعيش لها الجهابذة (قيل له: هذه الأحاديث الموضوعة): 251. - ثقة [الحجاج بن دينار]: 250. - ثقة [شهاب بن خراش]: 250. - حملت عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف منهم: 251. - سئل عمن تأخذ؟ قال: من طلب العلم لله: 251. - شيخ لقيته بالعراق: 408. - دَعُوا حَدِيثَ عَمْرُو بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَلَفَ: 250. - عَمَّنْ؟: 250. - عَمَّنْ هذا؟: 250. - فلم يجبه بل أخذ يذكر مسائل عويصة ... : 408. - كان أبو حنيفة يتيما في الحديث: 411. - لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت: 301. - من طلب العلم لله، وكان في إسناده أشد ... : 251. - هذا أبو حنيفة: 408. - يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي ... : 250. - يا أبا إسحاق عمن هذا؟: 250. - يقول له «كذاب» [لعبد القدوس]: 250. - يفصح بقوله «كذاب» إلا لعبد القدوس: 250.

- عبد الله بن مسعود:

- عبد الله بن مسعود: - إذا فرغت من هذا فقد قضيت صلاتك: 116. - أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله عز وجل وإن كان خطأ فمني: 139. - أنكر على أبي هريرة قوله: من غسل ميتا فليغتسل ... : 348. - أنه جاء يوم الجمعة والنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب فسمعه يقول ... : 54. - رد على أبي موسى وسلمان بن ربيعة في قضية من قضايا المواريث: 348. - سألت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيّ العمل أفضل؟: 119. - فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك ... : 115. - فجلس بباب المسجد أي حيث سمع النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ذلك: 54. - قلت: ثم أيّ؟: 119. - كان النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتخولنا بالموعظة تلو الموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا: 58. - لئن قرأتيه لوجدتيه: 386. - محا صحيفة من الحديث كتبت عنه: 154. - من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله ... : 378. - ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في كتاب الله: 386. - يا أيها الناس لا تنجسوا من موتاكم: 347. - عبد الملك بن مروان: - ائت الأنصار فإنك تجد عندهم علما كثيرا: 198. - أرسل كتابا إلى أهل المدينة يلومهم فيه على موقفهم من فتنة ابن الزبير: 158. - كتب إلى أهل المدينة بعاتبهم فوصل كتابهم في طومارين ... : 209. - نصح ابن شهاب الزهري بأن يتعلم من الأنصار: 198، 200، 218. - عبيد الله بن عمر: - أتيت الزهري بكتاب فتأمله، ثم قال: أجيزك به: 220. - عبيد الله بن عمرو: - كنت في مجلس الأعمش فجاءه رجل فسأله عن مسألة فلم يجبه فيها: 421.

- عبيد بن عمير:

- عبيد بن عمير: - أقول لك يا أمّه كما قال الأول: زر غبا تزدد حبا: 333. - عبيدة: - كره كتابة الحديث: 154. - عثمان بن عفان: - فأتبعه وقضى به [عدّة المتوفى عنها زوجها]: 181. - العرباض بن سارية: - صلى بنا رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ... : 56. - عروة بن الزبير: - أروح إلى العشية فأخبره أن عائشة أخبرتني أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في مثل هذا ... : 183. - حدّثني أسامة بن زيد عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 185. - حدّثني عبد الرحمان بن عبد القاري عن عمر: 185. - حدّثني عبد الله بن عمر عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرهما ... : 185. - حدّثني يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب عن أبيه عن عمر ... : 185. - حدثتني عائشة أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن الخراج بالضمان فيثبته سنّة: 185. - ويروي عنها [عائشة] عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئا كثيرا فيثبتها سُننا: 185. - يا أبت ما قولك: صدق، كذب؟: 347. - عطاء بن عبيد بن عمير: - دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد ... : 332. - عطاء بن يسار: - أن رجلا من الصحابة أرسل امرأته تسأل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن حكم تقبيل الصائم لزوجته: 53.

- عقبة بن الحارث:

- عقبة بن الحارث: - أنه أخبرته امرأة بأنه أرضعته هو وزوجته ... : 57. - فسأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع: 57. - العقيلي: - القول فيها قول البخاري: 446. - هذا الحديث إنما يعرف بطلحة، وقد تابعه قوم نحوه في الضعف ... : 333. - عكرمة: - أن أبا هريرة كان يسبّح في كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، يقول: أسبّح بقدر ذنبي: 294، 357. - علقمة: - كره كتابة الحديث: 154. - علي بن أبي طالب: - أقول فيها برأيي: 139. - رد خبر أبي سنان الأشجعي في المفوضة: 169. - طلب ممن كتب شيئا من الحديث أن يمحوه: 154. - قرأ عليهم في مجمعهم يوم النحر آيات من سورة براءة: 175. - كنت إذا سمعت من رسول لله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثا، نفعني الله بما شاء أن ينفعني به ... : 67. - لئن جعل الله لك عليها سبيلا فإنه لم يجعل لك على ما في بطنها سبيلا: 77. - ما عندنا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم وما في هذه الصحيفة ... : 383. - ملأتَ هذه القرية علما وفقها: 416. - وحدّثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - ... : 67. - وصدق أبو بكر: 72. - ... وكان إذا حدّثني غيره استحلفته فإذا حلف صدّقته: 67. - علي بن حسين: - أخبرنا عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ... فيثبتها سنّة: 185.

- علي بن المديني:

- علي بن المديني: - إنه روى خمسين حديثا أخطأ فيها: 411. - دار علم الثقات على الزهري وعمرو بن دينار بالحجاز وقتادة ويحيى بن أبي كثير بالبصرة ... : 210. - علي حسن عبد القادر: - إن بحثك هذا فتح جديد في بحوث المستشرقين: 20. - إني أعترف بأني لم أكن أعرف من هو الزهري حتى عرفته الآن ... : 20. - إني سأدرس لكم تاريخ التشريع الإسلامي، ولكن على طريقة علمية لا عهد للأزهر بها ... : 19. - فمن هنا نرى أن مالكا لم يكن محدّثا، وأن الحديث عنده لم يكن المعتمد الوحيد لديه ... : 436. - لا يمكن هذا، لأن المستشرقين - وخاصة جولدتسيهر - علماء منصفون لا يحرفون النصوص ولا الحقائق: 20. - هذا هو الرأي الذي ساد أوساط المستشرقين في القرن الماضي ... : 194. - ومن هنا نرى أن مالكا لم يكن جامعا للحديث ... : 436. - يدَّعي أن الموطأ يعد أول كتاب فقهي وصل إلينا في الإسلام ... : 435. - علي القاري: - لا يلزم من عدم الثبوت وجود الوضع: 244. - عمران بن حصين: - أتجد هذا في كتاب الله مفسرًا؟: 387. - إنك امرئ أحمق، أتجد في كتاب الله الظهر أربعا لا يجهر فيها بالقراءة؟: 387. - عمر بن بدر الموصلي (أبو حفص): - لا يصح في الباب شيء: 121.

- عمر بن الخطاب:

- عمر بن الخطاب: - أتدرون لم مشيت معكم؟: 63. - إذا أتاك أمر فاقض بكتاب الله ... : 377. - أذكّر الله امرءا سمع من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجنين شيئا: 68، 179. - أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأشاروا عليه أن يكتبها: 103. - أراد رجم مجنونة حتى أُعلم بقول رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 69. - أرسل في أثره [أبو موسى الأشعري] فقال: لم رجعت؟: 66. - استأثرتَ بهذه الأموال، فمن أين لك؟: 294. - استشارهم في إملاص المرأة: 67. - استعمل أبا هريرة على البحرين ... : 294. - أكنت معنا حين كان النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكان كذا؟: 65. - أما إذا ذكرت ذلك فاذهب فحدِّثْ: 65. - أما إني لم أتّهمك لكنه الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أبو موسى الأشعري]: 70، 171. - أما إني لم أتّهمك ولكني خشيت أن يتقوّل الناس على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 70، 171. - امرأة أصابت ورجل أخطأ: 76. - أنت أفضل مني: 128. - إن قوتي مع فضلك: 128. - إن كنتَ ألزمنا لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحفظنا لحديثه: 296. - إن كنتَ صادقا فائت واحدا يعلم ذلك ... : 67. - إن كُنْتَ لأمينا على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكني أردت ألا يتجرأ الناس على الحديث: 263. - إنكم تأتون أهل قرية لهم دويٌّ بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالحديث فتشغلوهم: 63. - إني أردت أن أتثبت: 70. - إني أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا ... : 103. - إني كنت أردت [أريد] أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما قبلكم كتبوا كتبا فأكبّوا عليها ... : 103، 154. - أيها الناس لا تغالوا في مهور النساء، لو كان مكرمة عند الله ... : 76. - خرج إلى الشام فلما جاء " سرغ " بلغه أن الوباء وقع بالشام: 68. - رجع بالناس عن خبر عبد الرحمان بن عوف [طاعون بالشام]: 179. - رجع عن قوله وصار إليه: 69. - الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا: 68، 178. - رد خبر أبي موسى في الاستئذان حتى انضم إليه أبو سعيد: 169، 170. - رد خبر عثمان في إذن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رد الحكم بن أبي العاص: 169. - عزم مرة أن يكتب السنن ثم عدل عن ذلك: 154. - عمل بخبر سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين: 69. - فأمر ألا ترجم: 69. - فرجع إليه عمر [ميراث المرأة من دية زوجها]: 68. - فقام إليه عمر فضربه بالدرّة وهو يقول: ... : 69. - فنظر فوجدها كما قال ثم دعاه ليستعمله فأبى [أبو هريرة]: 294. - قبل عمر خبر عبد الرحمان بن عوف في المجوس [الجزية]: 180. - قضى في الإبهام بخمس عشرة وفي التي تليها بعشر: 69، 177. - كان يقول: الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا: 68. - كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ... : 57. - كنيف ملئ علما: 416. - لا نترك كتاب الله وسنّة نبينا بقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت: 264. - لتأتيني على ذلك ببيّنة أو لأفعلنّ بك ... : 66. - لتتركن الحديث عن الأُوَل أو لألحقنك بأرض القردة (لكعب الأحبار): 345، 364. - لقد طلب العمل من كان خيرا منك: 294. - لم تستفتوني في شيء أفتى فيه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟: 69. - لولا عليّ لهلك عمر: 77. - لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره: 68، 179. - ما أدري كيف أصنع في أمرهم [المجوس]: 68، 179. - وإن وجدت شيئا في كتاب الله فاقض به ... : 377. - وإني [لقد] آثرتكم [بعبد الله] على نفسي بعبد الله (ابن مسعود): 65، 416.

- عمر بن عبد العزيز:

- عمر بن عبد العزيز: - انظر ما كان من حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء: 104. - فأتوه، فإنه لم يبق أحد أعلم بسنّة ماضية منه: 210. - فما أيسر عليَّ من قضاء قضيته - الله يعلم - أني لم أرد فيه إلا الحق ... : 184. - قضى برد الغلام وقضى على سيده برد غلته: 183. - كتب إلى أهل الآفاق: انظروا إلى حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجمعوه: 104. - هل تأتون ابن شهاب؟: 210. - عمرو بن دينار: - ما رأيت أنص وأبصر بالحديث من الزهري: 210. - ما رأيت الدينار والدرهم عند أحد أهون منه عند الزهري: 216. - والله مثل هذا القرشي ما رأيت قط [ابن شهاب الزهري]: 210. - عمرو بن عبيد: - قال بفسق الفرقتين المتقاتلتين يوم الجمل: 136. - كان يتدين بما يروي عن الحسن ويفتي به: 134. - عياض اليحصبي (القاضي): - والجمع بين أحاديث الباب أولى من طرح بعضها ... : 426. - عيسى بن موسى: - هذا عالم الدنيا اليوم (أبو حنيفة): 417. - العيني: - على ملء بطني أي مقتنعا بالقوت: 330.

- حرف الغين -

- حرف الغين - - غلام خليل: - وضعناها لنرقق قلوب العامة: 87. - غلام ثمامة بن أشرس: - قد ضاق الوقت، فقم وَصَلِّ واسترح: 141. - قُمْ فَصَلِّ: 141. - حرف الفاء - - فاطمة بنت قيس: - أن زوجها طلق فبت طلاقها ... : 264. - يا رسول الله، زوجي طلقني ثلاثًا وأخاف أن يقتحم عليَّ: 266. - فخر الإسلام: - إن كان الراوي من المجتهدين كالأربعة والعبادلة وغيرهم قدّم الخبر ... : 315. - فخر الدين الرازي: - ادعى إجماع الصحابة على أن خبر الآحاد حجة يجب العمل بها وإن أفادت الظن: 167. - كل خبر أوهم باطلا ولم يقبل التأويل فمكذوب أو نقص منه ما يزيل الوهم: 99. - الفريعة بنت مالك بن سنان: - أنها جاءت إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدرة: 181. - فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا: 181. - فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي: 181. - فسألت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه: 181.

- حرف القاف -

- حرف القاف - - القاساني: - أنكر حجية خبر الآحاد: 167. - القاسم بن محمد بن أبي بكر: - حدّثني ابن عمر عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 185. - حدّثني عبد الرحمان ومجمّع ابنا يزيد بن جارية ... : 185. - حدّثتني عائشة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 185. - كره كتابة الحديث: 154. - قبيصة بن ذؤيب: - أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث: 66. - قتادة بن دعامة السدوسي: - أن أنسا حدّث بحديث فقال له رجل: أسمعت هذا من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟: 78. - فلم تسألني عما لم يقع؟: 403. - كره كتابة الحديث: 159. - لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن إسحاق: 267. - ويحك، أوقعت هذه المسألة؟: 403. - قرظة بن كعب: - خرجنا نريد العراق فمشي معنا عمر إلى صرار فتوضأ ... : 63. - نهانا عمر بن الخطاب: 63. - قين الأشجعي: - فإذا جئنا مهراسكم هذا فكيف نصنع؟: 302، 303. - فكيف إذا جئنا مهراسكم هذا فكيف نصنع به؟: 302. - فكيف نصنع بالمهراس؟: 299، 302، 338، 346.

- حرف الكاف -

- حرف الكاف - - الكرابيسي: - ما كنا ندري ما الكتاب والسُنّة حتى سمعناه من الشافعي ... : 440. - كعب بن عجرة: - انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا، والله يقول لرسوله: ... (عبد الرحمان بن الحكم): 228. - الكمال بن الهُمام السيواسي: - وأبو هريرة فقيه: 316. - الكوثري (محمد زاهد): - اختلفت ألفاظ الرواة في حديث النعمان بن بشير في النحل ... : 425. - حرف اللام - - اللكنوي (محمد عبد الحي): - كثيرا ما يقولون «لا يصح» و «لا يثبت» هذا الحديث ويظن من لا علم له أنه موضوع: 244. - الليث بن سعد: - أراك تعرق (لمالك بن أنس): 409. - عَدَّ إلى مالك سبعين حديثا صحيحا ترك مالك العمل بها: 207. - كان ابن شهاب من أسخى من رأيت، يعطي كل من جاء يسأله: 207. - ما رأيت عالما قط أجمع من الزهري، يحدث في الترغيب ... : 210.

- حرف الميم -

- حرف الميم - - مالك بن أنس: - إجلاله لعبد الله بن المبارك وقد كان أخص أصحاب أبي حنيفة: 410. - أدركت أهل هذه البلاد، وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي في الناس اليوم: 403. - أستحب الغسل من غسل الميت ولا أرى ذلك واجبا: 300. - أشهد أنه كذاب [محمد بن إسحاق]: 267. - اعلم أنه ليس يسلم رجل يحدث بكل ما سمع، ولا يكون إماما أبدا وهو يحدّث بكل ما سمع: 252. - أن خبر الآحاد قطعي موجب للعلم والعمل معا: 167. - إنما كان الناس يفتون بما سمعوا وعلموا، ولم يكن هذا الكلام الذي في الناس اليوم: 404. - أول من أسند الحديث ابن شهاب: 212. - أول من دَوَّنَ العلم ابن شهاب: 211. - ربما جلس إلينا الشيخ فيحدث جل نهاره ما نأخذ عنه حديثا واحدا: 437. - عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ: 431. - عرقت مع أبي حنيفة، إنه لفقيه يا مصري: 409. - فغضب مالك ... : 403. - قوله في محمد بن إسحاق: 407. - كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدّث بها أحد من العلماء حتى يخرج منها: 210. - كان يطالع كتب أبي حنيفة - أي كتب أصحابه عنه - حتى جمع عنده من مسائله نحو ستين ألف مسألة: 409. - كتاب ألفته في أربعين سَنَةٍ، أخذتموه في أربعين يوما ما أقل ما تفقهون فيه: 432. - لا تفعل يا أمير المؤمنين فإن أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان، وكل مصيب: 431. - لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون [الرافضة]: 79. - لا يؤخذ العلم عن أربعة: رجل معلن بالسفه ... : 93، 437. - المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما عُلم كذبه، فلا: 260. - هذا رجل لو أراد أن يقيم الدليل على أن هذه السارية من ذهب لاستطاع: 406. - هل أنت من الأرأيتيين، هل أنت قادم من العراق؟: 403. - يُسَمِّي العراق (دار الضرب): 79.

- المأمون (الخليفة العباسي):

- المأمون (الخليفة العباسي): - ألا تستحي؟: 141. - ثمامة؟: 141. - عليك لعنة الله: 141. - مأمون بن أحمد الهروي: - سنة خمسين ومائتين: 97. - المبرد: - والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذب ومن ذوي المعصية الظاهرة: 83/ 6. - محب الدين الخطيب: - نحن نعرف معرفة شخصية الأستاذ العلامة الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي رحمه الله ... : 295. - محب الله البهاري: [صاحب مسلّم الثبوت]. - ولا الاجتهاد خلافا لبعض الحنفية عند مخالفة القياس من كل وجه ... : 317. - محمد بن إسحاق: - لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي قال رجل من أصحاب علي: قاتلهم الله أيّ علم أفسدوا؟ ... : 268. - محمد بن الحسن الشيباني: - إن تكلم أصحاب الحديث يوما فبلسان الشافعي: 440. - العلم على أربعة أوجه: ما كان في كتاب الله الناطق وما أشبهه، وما كان في سنّة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 418. - كان أبو حنيفة قد حمل إلى بغداد فاجتمع أصحابه وفيهم أبو يوسف وزفر وأسد بن عمرو ... : 405. - من صلى خلف المعتزلي يعيد صلاته: 142. - محمد بن سيرين: - لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا سَمُّوا لنا رجالكم ... : 90، 202.

- محمد بن عبد الله بن مسرة:

- محمد بن عبد الله بن مسرَّة: - الحديث ثلاثة أقسام: فحديث موافق لما في القرآن ... : 162. - محمد بن علي بن حسين: - عن جابر عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة فيثبت ذلك سنّة: 185. - محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم: - فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس: 314. - محمد بن مسلمة: - شهد بمثل ذلك (السدس للجدة): 66. - فشهد أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى به: 67. - محمد بن النعمان بن بشير: - أن أباه النعمان نحله غلاما ... : 425. - محمد بن يوسف الصالحاني: - إنما قلت الرواية عنه وإن كان متسع الحفظ، لاشتغاله بالاستنباط ... : 414. - كان أبو حنيفة من كبار حفاظ الحديث، وأعيانهم ولولا كثرة اعتنائه بالحديث ما تهيأ له استنباط مسائل الفقه: 414. - محمود بن الناظر بن سهل الشافعي: - دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها ... : 445.

- محمود أبو رية:

- محمود أبو رية: - إن أحاديث الآحاد تفيد الظن ... : 366. - إنه كان صريحًا صادقًا في الإبانة عن سبب صحبته للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 328. - زعم أن أبا هريرة سوغ لنفسه أن يكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 350. - زعم أن أبا هريرة كان يأخذ عن كعب الأحبار الحديث ثم ينسبه إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 350. - زعم أن الصحابة اتهموا أبا هريرة بالكذب ... : 345. - زعم أن عمر ضربه بالدرة [أبا هريرة] ... : 344. - زعم أن عمر تهدده بالنفي إلى بلاده أو إلى أرض القردة ... : 344. - زعم أن المؤرخين أجمعوا على أن أبا هريرة كان رجلاً مزاحًا مهذارًا ... : 337. - فلعنة الله على الكاذبين متعمدين أم غير متعمدين: 331، 332، 338، 368. - لم يختلف الناس في اسم أحد - في الجاهلية والإسلام - كما اختلفوا في اسم أبي هريرة ... : 320. - نقل أن عمر قال لكعب الأحبار: لتتركن الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 363. - نقل عن عمر أنه هدّد أبا هريرة ... : 364. - وإذا كانوا قد اختلفوا في اسم أبي هريرة ... : 322. - وأن تضيق به صدور الحشوية وشيوخ الجهل من زوامل الأسفار ... : 43. - وبخاصة لأن هذا المصنف لم يكن له من قبل مثال يحتذيه ... : 43. - وقد كان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب ... : 363. - وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفنت أفكارهم وتحجرت عقولهم ... : 43. - ولا نستوفي ذكر انتقاد الصحابة له والشك في رواياته ... : 348. - ولقد كان أميا لا يقرأ ولا يكتب: 323. - ولقد كانوا يتهكمون برواياته ... : 341، 342. - وهذه الدراسة الجامعة التي قامت على قواعد التحقيق العلمي ... : 43. - ويبدو من سؤال هذا الرجل أنه لم يكن مستفهما ... : 341. - مخلد بن خُفاف: - ابتعت غلاما فاستغللته، ثم ظهرت منه على عيب ... : 183. - المرغيناني: - ويجوز التقلد من السلطان الجائر كما يجوز من العادل: 224.

- مروان بن الحكم (والي المدينة):

- مروان بن الحكم (والي المدينة): - أراد اختباره [أبا هريرة]: 358. - أرسل إلى أبي هريرة فجعل يحدّثه وأجلس أبا الزعيزعة خلف السرير يكتب ما يحدّث به ... : 296. - استخلف أبا هريرة على المدينة ... : 292. - إن الناس [قد قالوا] يقولون أكثر أبو هريرة [أكثرت على رسول الله] الحديث ... : 313، 343. - إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة: 229. - إني غلطت ولم أردك بها وإني إنما أردت غيرك: 358. - شفاك الله: 298. - عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول: 308. - فسأله في تلك الأحاديث ... : 296. - فندم على كلامه واتقاه [أبو هريرة]: 343. - فنظر مروان في المكتوب عنده ... : 296. - ما زال يقصّر عن أبي هريرة ويتقيه بعد ذلك ويخافه ويخاف جوابه: 343. - يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم: 229. - مسروق بن الأجدع: - لقد جالست أصحاب محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجدتهم كالإخاذ، فالإخاذ يروي الرجل ... : 58. - وجدت علم أصحاب محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينتهي إلى ستة: إلى عَلِيٍّ وعبد الله، وعمر، ويزيد، وأبي الدرداء، وأبي بن كعب ... : 416. - مسلم بن الحجاج النيسابوري: - إن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار بيس بحجة: 95. - أن له تسعين حديثا لا يرويها غيره [الزهري]: 104. - صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة: 247. - فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه ... : 212. - للزهري تسعون [حديثا] حرفا لا يرويها غيره [ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد]: 96، 212، 221. - ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا - يعني في كتابه الصحيح - إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه: 248.

- مسلمة بن مخلد الأنصاري:

- مسلمة بن مخلد الأنصاري: - ما جاء بك يا أبا أيوب؟: 73. - المسيب بن واضح: - سمعت ابن المبارك وسئل عمن نأخذ؟ ... : 251. - مصطفى السباعي: - أرجو أن تكون أبحاثكم - المستشرقين - في هذا العصر أقرب إلى الحق والإنصاف من جولدتسيهر، ومرجليوث: 15. - أقول والتحقيق أن ارجاءه هو محض السُنَّة: 429. - إن جولدتسيهر هو مؤسس المدرسة الاستشراقية التي تبني حكمها في التشريع الإسلامي على وقائع التاريخ نفسه ... : 15. - إنه من العبث أن يتظاهر بعض الناس بالرغبة في الوحدة وهم يؤلفون مثل هذه الكتب ... : 470. - إني على ثقة بأنه لو كان حيا - السيد رشيد رضا - حين أصدر أبو رية كتابه لكان أول من يرد عليه ... : 30. - لقد تبين لي أن جولدتسيهر قد حرف نصوص الأقدمين فيما يتعلق بالزهري: 20. - لقد كانت مثل هذه الأخطاء كما تسميها أنت، تشتهر في القرن الماضي، ويتناقلها مستشرق منكم ... : 15. - هذا هو ما أراه في هذا الموضوع وهو رأي علمائنا في الزهري: 20. - هل هو مجرد خطأ؟: 15. - وَكَيْفَ أَسْقَطْتَهُ وَمَنَعْتَهُ مِنْ نَوَالِ الدُّكْتُورَاهْ لِهَذَا السَّبَبِ: 13. - ولا تزال مسودّته بخط يده عندي (الدكتور علي حسن عبد القادر): 191. - المطرّزي: - أي امسحي بها أثر الدم: 58 هامش. - مطرف بن عبد الله بن الشخير: - والله ما نريد بالقرآن بدلا، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا.: 387. - معاذ بن جبل: - آخر ما أوصاني به رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغرز أن قال ... : 433. - أجتهد رأيي [ولا آلو]: 55، 377. - أقضي بكتاب الله: 55، 377، 383. - فبسنة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 55، 377، 383.

- معاوية بن أبي سفيان:

- معاوية بن أبي سفيان: - باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها: 183. - لا تحجم عن شتم عليّ وذريته، والترحم على عثمان والاستغفار له ... : 205. - لا تهمل في أن تسب عليا وأن تطلب الرحمة لعثمان ... : 191، 205. - ما أرى بهذا بأسا: 183. - المعلّى بن عرفان: - قال: حدّثنا أبو وائل، قال: خرج علينا ابن مسعود بصفّين ... : 97. - معمر بن راشد: - وإن الحسن وضرباءه لأحياء يومئذ: 210. - معمر بن عباد السُّلمي: - قال بقول واصل بن عطاء في الفريقين يوم الجمل: 136. - مغيرة: - كره كتابة الحديث: 154. - المغيرة بن حمزة: - كان أصحاب أبي حنيفة الذين دوّنوا معه الكتب أربعين رجلا كبراء الكبراء: 427. - المغيرة بن شعبة: - قضى فيه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغرة: 67. - كان أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرعون بابه بالأظافير: 114. - كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعطيها السدس (الجدة): 66. - مقاتل بن سليمان البلخي: - إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس وبنيه: 89.

- مكحول الشامي:

- مكحول الشامي: - ما بقي على ظهرها أعلم بسنّة ماضية من الزهري: 211. - منصور: - كره كتابة الحديث: 154. - المنصور (الخليفة العباسي): - لقد استوثقت لنفسك: 417. - يا نعمان عمن أخذت العلم؟: 417. - المهدي (الخليفة العباسي): - أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 88. - لا حاجة لي فيها: 89. - ميمون بن أبي ميسرة: - كان لأبي هريرة صيحتان في كل يوم ... : 357. - حرف النون - - النسائي: - أحسن أسانيد تروى عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة: الزهري عن علي بن الحسن عن أبيه عن جده ... : 212. - لا نعلم في عصر ابن المبارك أجلّ من ابن المبارك، ولا أعلم منه، ولا أجمع لكل خصلة محمودة منه: 251. - ليس بالقوي [محمد بن إسحاق]: 267.

- النظام (إبراهيم بن سيار إمام المعتزلة):

- النظّام (إبراهيم بن سيار إمام المعتزلة): - أن الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر ... : 138. - إن الذين حكموا بالرأي من الصحابة إما أن يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز ... : 139. - أن الطلاق لا يقع بشيء من ألفاظ الكناية ... : 140. - أنكر على عمر تغريب نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة: 139. - أن من ترك صلاة مفروضة عمدا لم يصح قضاؤه لها ... : 140. - أن من ظاهر امرأته بذكر البطن أو الفرج لم يكن مظاهرا: 140. - أن النوم لا ينقض الطهارة إذا لم يكن معه حدث: 140. - تجويزه إجماع الأمة في كل عصر وفي جميع الأعصار على الخطأ ... : 138. - زعم أن أبا هريرة كان أكذب الناس: 139. - زعم أن عثمان استأثر بالحمى: 139. - زعم أن عمر ابتدع صلاة التراويح: 139. - زعم أن عمر شك يوم وفاة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 139. - زعم أن عمر ضرب فاطمة ومنع ميراث الضرة: 139. - زعم أن عمر كان فيمن نفر بالنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة العقبة: 139. - زعم أن عمر نهى عن متعة الحج وحرم نكاح الموالي للعربيات: 139. - طعن في أخبار الصحابة والتابعين من أجل فتاويهم في الاجتهاد: 139. - طعن في الفاروق عمر وزعم أنه شك يوم الحديبية في دينه: 139. - عاب ابن مسعود في قوله حديث بروع بنت واشق: أقول فيها برأيي ... : 139. - عاب أصحاب الحديث وروايتهم أحاديث أبي هريرة: 138. - عاب عثمان استعماله الوليد بن عقبة على الكوفة ... : 139. - عاب عثمان بأن أعان سعيد بن العاص بأربعين ألف درهم على نكاح عقده ... : 139. - عاب عثمان بإيوائه الحكم بن العاص إلى المدينة: 139. - قال بقول واصل بن عطاء في الفريقين يوم الجمل: 136. - قال عن علي: ومن هو حتى يقضي برأيه؟: 139. - لا أقبل منها شيئا إذا كان يمكن فيه الوهم ... : 152. - كذّب ابن مسعود في روايته عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: السعيد من سعد في بطن أمه ... : 139. - نوح بن أبي مريم (أبو عصمة): - اعترف بوضع حديث فضائل القرآن سورة سورة، واعتذر بأنه رأى الناس قد أعرضوا عن القرآن: 87، 97، 120.

- النووي:

- النووي: - إنه لا يفيد إلا الظن، ولو بلغ أعلى درجة في الصحة، وهو مذهب الجمهور: 447. - شرح قول أبي هريرة «على ملء بطني» أي ألازمه وأقنع بقوتي ... : 330. - ليس هذا توهينا لرواية أبي هريرة ولا شكا فيها. بل معناه أنه كان صاحب زرع وحرث اعتنى بذلك وحفظه وأتقنه: 287. - صحة توبة من كذب على النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبول روايته كشهادته: 92. - هذا كله في غير مرسل الصحابي، أما مرسل الصحابي كإخباره عن شيء فعله النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو نحوه ... : 307. - هذه الأحاديث قد فسر بعضها بعضا وفيها عَلَمٌ من أعلام النبوة ... : 280. - والصواب الأول وأنه يحتج به مطلقا لأن روايتهم عن غير الصحابي نادرة ... : 307. - وقد أجمع العلماء على جلالته وإمامته، وكبر محله وعلو مرتبته [عبد الله بن المبارك]: 252. - نيبرج [المستشرق] ( Henrik Samuel Nyberg ): - إن جولدتسيهر كان في القرن الماضي ذا شهرة علمية ومرجعا للمستشرقين: 16. - حرف الهاء - - هارون بن يحيى المخزومي: - أن رجلا من ثقيف أتى عمر بن الخطاب فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت: 69. - هاشم: - نَجَتْ القَادَةُ وَهَلَكَتْ الأَتْبَاعُ: 136.

- هشام بن عبد الملك:

- هشام بن عبد الملك: - أراد أن يمتحنه [الزهري] بنفسه فسأله أن يملي على بعض ولده: 209. - ارحل فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل عن مثلك: 215. - إنا نُهَيِّجُ الشيخ: 215. - ثم أمر فقضى عنه دينه ألف ألف: 215. - ثم قابله بالكتاب الأول فما غادر حرفا: 209. - سأل سليمان بن يسار عن تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: [النور / 11]: 214. - كذبت إنما هو علي بن أبي طالب: 214، 215. - لا ولكنك استدنت ألفي ألف: 215. - من الذي تولى كبره فيه؟: 214. - من الذي تولى كبره منهم؟: 215. - يا أبا بكر إن ذلك الكتاب ضاع: 209. - حرف الواو - - واصل بن عطاء: - زعم أن فرقة من الفريقين فسقة لا بأعيانهم ... : 136. - لو شهد علي وطلحة أو علي والزبير أو رجل من أصحاب علي ... : 136. - وكيع بن الجراح: - إنه مع شرفه في الحديث كان كذوبا [زياد بن عبد الله البكّائي]: 193. - كيف يقدر أبو حنيفة أن يخطئ، ومعه مثل أبي يوسف وزفر في قياسهما ... : 428. - هو [أي زياد بن عبد الله] أشرف من أن يكذب: 231. - وجدنا أبا حنيفة خالف مائتي حديث: 420. - الوليد بن إبراهيم الأموي: - جاء إلى الزهري بصحيفة وضعها أمامه وطلب إليه أن يأذن له بنشر أحاديث فيها على أنه سمعها منه: 192.

- الوليد بن عبد الملك:

- الوليد بن عبد الملك: - ما حديث يحدّثنا به أهل الشام؟: 214. - بل نبيّ خليفة: 214. - يحدّثوننا أن الله إذا استرعى عبدا ... : 214. - الوليد بن عقبة بن أبي سفيان: - صلى على أبي هريرة بعد العصر سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين: 298. - حرف الياء - - يحيى بن سعيد القطان: - كان مالك إماما في الحديث: 437. - لأن يكون هؤلاء خصمي أحبّ إليّ من أن يكون خصمي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 92. - لم يكن بصاحب حديث [أبو حنيفة]: 411. - ما بقي عند أحد من العلم ما بقي عند ابن شهاب: 211. - يحيى بن معين: - أنا يحيى بن معين وهذا أحمد، ما سمعت بهذا قط في حديث رسول الله ... : 86. - إيش كان عند أبي حنيفة من الحديث حتى تسأل عنه؟: 411. - قوله في الشافعي: 407. - كان ثقة مأمونا حجة كثير الحديث [عبد الله بن المبارك]: 251. - كان كيّساً متثبتا ثقة، وكان عالما، صحيح الحديث [عبد الله بن المبارك]: 251. - من حدّثك بهذا؟: 86. - هذا حديث وضعته الزنادقة: 82. - يحيى بن نصر: - دخلت عليه - أي أبو حنيفة - في بيت مملوء كتبا فقلت له: ما هذا؟: 413.

- يحيى بن يمان:

- يحيى بن يمان: - يكتب أحدهم الحديث ولا يتفهم ولا يتدبر، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب: 406. - يزيد بن شيبان: - كنا في موقف لنا بعرفة يباعده عمرو من موقف الإمام جدا ... : 175. - يزيد بن هارون: - إن أهل [الحديث] بالكوفة في عصره ما عدا واحدا كانوا مدلسين ... : 193، 230. - نكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون: 94 هامش. - يوسف بن أسباط: - أن أبا حنيفة رد على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعمائة حديث أو أكثر، ومع ذلك فلم يذكر ... : 420. - الأبناء -: ----------- - ابن أبي الحديد: - اعلم أن أصل الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة ... : 76، 79، 203. - إن أصل الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة فلما رأت البكرية ... : 254. - فأما الأمور المستبشعة التي تذكرها الشيعة من إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة وأنه ضربها بالسوط ... : 80. - فكل ذلك لا أصل له عند أصحابنا، ولا يثبته أحد منهم ... : 80. - واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جدا ومن تأملها وأنصف علم أنه لم يكن هناك نص صريح ومقطوع به ... : 101. - ابن أبي ذئب: - أحدّثك عن رسول الله وتقول تأخذ به؟ آخذ به ... : 184. - فأخبرته عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف ما قضى به: 184. - ابن أبي مليكة: - كتبت إلى ابن عباس أن يكتب لي كتابا ويخفي عني: 91.

- ابن إسحاق:

- ابن إسحاق: - لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي قال رجل من أصحاب علي: قاتلهم الله أي علم أفسدوا؟ ... : 268. - ابن أمير الحاج [شارح مسلّم الثبوت]: - على أن ما ذكر عن عائشة وابن عباس قال شيخنا الحافظ: لا وجود له في شيء من كتب الحديث ... : 303. - فانظر فإن كان ثقة فقد اجتمع أكثر من اثنين على تضعيفه. وإن كان ضعيفا ... : 269. - كذا وأقر شراحه (أي فخر الإسلام) وفيه تأمل ظاهر ... : 317. - لم يثبت هذا منهما - أي عائشة وابن عباس - وإنما ثبت عن رجل يقال له قين الأشجعي وفي صحبته خلاف: 303. - لم يعدم أبو هريرة شيئا من أسباب الاجتهاد وقد أفتى في زمن الصحابة ولم يكن يفتي في زمنهم إلا مجتهد ... : 316. - مثلوا لذلك (أي فخر الإسلام ومن وافقه) بحديث المصراة ... : 317. - والمحفوظ في صحيح مسلم حفظت أم نسيت: 264. - وليس في هذا رد أم المؤمنين على أبي هريرة، ولا يعرف له إسناد: 308. - ابن بطال: - إنما أراد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم ... : 280. - ابن البيطار المالقي: - ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن بماء الإثمد واكتحل به فإنه يقوي الجفن ... : 286. - ابن تيمية: - إن هذا الحديث [حديث الإخاء] موضوع عند أهل الحديث ... : 255. - ثبت في الصحيحين عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: لا تشد الرحال ... : 219. - خادم الإسلام سبعين سَنَةٍ (الزهري): 225. - شرط أحمد في المسند ألا يروي عن المعروفين بالكذب عنده ... : 444. - كان [الزهري] خادم الإسلام سبعين سنة: 225. - ليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعدل من الخوارج: 83. - ليسوا ممن يتعمدون الكذب بل هم معروفون بالصدق ... : 83. - وأما القسم الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود كثير ولله الحمد ... : 245. - ومن هذا الباب نقل النص على خلافة عليّ، فإنا نعلم إنه كذب من طرق كثيرة ... : 101. - يجب أن يعلم أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ لأصحابه معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه ... : 243.

- ابن الجوزي:

- ابن الجوزي: - الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم وينفر منه قلبه في الغالب: 102. - لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم خلافا: 93. - ما أحسن قول القائل: كل حديث رأيته تخالفه العقول وتناقضه الأصول، وتباينه النقول فاعلم أنه موضوع: 99. - ابن حبان البُستي: - فإن هشاما الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين: 97. - كان حَبَّةُ غاليًا في التشيع واهيًا في الحديث: 100. - متى دخلت الشام؟: 97. - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري كنيته أبو بكر ... : 212. - هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة: 232. - ابن حجر العسقلاني: - أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثا: 297. - إن أهل المدينة يطلقون «الكذب» على الخطأ: 265. - إن كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلده على ما اقتضاه نظره من الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما: 432. - إن ما ذكر إنما هو بالنسبة للجمع في الأبواب، وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي ... : 105. - أول من دَوَّنَ العلم ابن شهاب بأمر من عمر بن عبد العزيز: 211. - أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم ... : 260. - رواه البخاري في التاريخ وأبو يعلى بإسناد حسن: 332 هامش. - فإن أبا هريرة كان أحفظ الناس للأحاديث النبوية في عصره: 297. - فعند التأمل لا تبلغ الأقوال عشرة خالصة ... : 321. - على ملء بطني: أي مقتنعا بقوتي ... : 330. - الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه: 213. - قد رجع أبو هريرة عن الفتوى بذلك إما لرجحان رواية أم المؤمنين في جواز ذلك صريحا على رواية غيرهما ... : 309. - قوله: لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أي ممن كان موجودا إذ ذاك ... : 282/ 5. - لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم: 244. - لم يثبت بأن وكيعا كذّبه [زياد بن عبد الله البكَّائي]: 193. - مع أن بعضها (بعض الأسماء التي رويت له) وقع فيه تصحيف أو تحريف ... : 321. - هو الفقيه أبو بكر الحافظ المدني أحد الأئمة والأعلام وعالم الحجاز والشام: 213. - وأما الشرط الثاني وهو المعاصرة، فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 281. - وقد بين ابن عمر في هذا الحديث مراد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن مراده عند انقضاء مائة سنة من مقالته ... : 280. - وقد وافق أبا هريرة على ذكر الزرع سفيان بن زهير وعبد الله بن مغفل: 287. - وليست عللها كلها قادحة، بل أكثرها الجواب عنه ظاهر، والقدح فيه مندفع ... : 446. - ومحل هذا إن وقع التصريح بأنه من لفظ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 98. - وهذا التقييد (للمساكين) يحمل عليه المطلق الذي جاء به عن عكرمة عن أبي هريرة ... : 335.

- ابن حزم:

- ابن حزم: - أن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 134. - إن الخبر في نفسه ظاهر الكذب والتوليد لأنه لا يخلو عن أن يكون اتهم الصحابة ... : 66. - أن عمر كان يرى ذلك أول الأمر فلما عاتبه أُبَيٌّ رجع عن ذلك وأصبح يقبَلُ خبر صحابي واحد: 70 هامش. - الحسين بن عبد الله ساقط متهم بالزندقة: 161. - زعم أن في الموطأ أحاديث ضعيفة وهَّاهَا العلماء ... : 433. - لا سبيل إلى وجود خبر صحيح مخالف لما في القرآن أصلا: 162. - لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه؟!: 434. - لما بينّا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فيه ... : 150. - ليس شيء في الحديث الذي صح شيء يخالف القرآن: 162. - ما وجدنا قط رواية عن أحد في هذا النص المدعى إلا رواية عن مجهول إلى مجهول يكنى أبا الحمراء ... : 101. - هذا حديث مرسل والأصبغ مجهول: 163. - هذه دعوى كاذبة مجردة عن البرهان وتخصيص للذكر بلا دليل: 157. - وروي عن عمر أنه حبس ابن مسعود من أجل الحديث عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا الدرداء وأبا ذر ... : 65. - وعبيد الله بن سعيد - أحد رواة الحديث - كذاب مشهور ... : 163. - وقال جميع المعتزلة والخوارج إن خبر الواحد لا يوجب العلم ... : 134. - ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله فهو ذكر منزّل: 157. - ولو أن امرء قال: لا نأخذ إلا بما وجدنا في القرآن لكان كافرا بإجماع الأمة ... : 151. - ونسأل قائل هذا القول الفاسد في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات: 165. - ينقل عن فقهاء العراق إجماعهم على أن الحديث الضعيف يرجح على القياس: 419. - ابن خزيمة: - في صحة هذا الحديث مقال ... : 163. - وإنما يتكلم في أمر أبي هريرة، لدفع أخباره ... : 361. - ابن خلدون: - أن مروياته بلغت - على ما يقال - سبعة عشر حديثا [أبو حنيفة]: 412، 415. - إنها سبعة عشر [أحاديث أبي حنيفة]: 257. - ابن خلكان: - بناها عبد الملك وكان الناس يقفون عندها يوم عرفة: 217.

- ابن داود:

- ابن داود: - أنكر حجية خبر الآحاد: 167، 168. - ابن دقيق العيد: - كثيرا ما يحكمون بذلك - أي الوضع - باعتبار أمور ترجع إلى المروي ... : 98، 274. - ابن سعد: - كان ثقة مأمونا حجة كثير الحديث [عبد الله بن المبارك]: 251. - كان رجاء فاضلا ثقة كثير العلم: 228. - كان الزهري يقة كثير العلم والحديث والرواية، فقيها جامعا: 212. - ابن شهاب الزهري: - أتريد [أتحب] أن تعرف يا أبا محمد كل ما فيه؟: 159، 209. - أتم القرآن [حفظه] في ثمانين ليلة: 207، 209. - اسمعي، حدثني فلان بكذا وحدثني فلان بكذا ... : 209. - أكان هذا يا أمير المؤمنين؟: 404. - أنا أكذب؟ لا أبا لك! فوالله لو ناداني مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت ... : 215. - إن للتعليم غوائل، فمن غوائله أن يتركه العالم حتى يذهب علمه ... : 226. - إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة الأحاديث: 15، 221، 222. - إنه يذكر، ويكره أكل التفاح الحامض والخل ... : 209. - إني لأمر بالبقيع فأسد [أذنيّ] آذاني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا ... : 159، 305. - باطل يا أمير المؤمنين! أنبيّ خليفة أكرم على الله؟ أم خليفة غير نبيٍّ؟: 214. - الحمد لله الذي هذا هو من عنده: 215. - فدعا بكاتب فأملى عليه أربعمائة حديث: 209. - فدعا بكاتب فأملاها عليه: 209. - فدعه فإنه إذا كان أتى الله بفرج: 404. - فراح هو وسالم وأنا معهما ... : 223. - فقرأه حتى جاء عليه كله ... : 159، 209. - فهذا وعيد يا أمير المؤمنين لنبيٍّ خليفة، فما ظنك بخليفة غير نبيٍّ: 214. - قد علمت أنك لا تنتفعين به ... : 209. - قد علمت وأبوك أني ما استدنت هذا المال عليك ولا على أبيك ثم خرج مغضبا: 215. - قدم المدينة، فأخذ بيد ربيعة ودخلا إلى بيت الديوان ... : 210. - قوله في أهل مكة: 407. - كان يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس: 221. - كتب عبد الملك إلى الحَجَّاجِ أن اقتد بابن عمر في المناسك: 223. - كره كتابة الحديث: 159. - كنا نكره كتاب العلم - أي كتابته - حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا أن لا نمنعه أحدا من المسلمين: 222. - ما استعدت حديثا قط، وما شككت في حديث إلا حديثا واحدا ... : 209. - ما استودعت قلبي علما فنسيته: 209. - ما ظننت بالمدينة مثل ربيعة: 210. - ما عُبد الله بشيء أفضل من العلم: 225. - مكثت خمسا وثلاثين أو ستا وثلاثين سنة أنقل أحاديث أهل الشام إلى الحجاز ... : 211، 216. - من سرّه أن يحفظ الحديث، فليأكل الزبيب ... : 209. - من يستطيع أن يجيزك بها؟: 220. - من يستطيع أن يخبرك بها غيري؟: 192. - هو عبد الله بن أُبَيٍّ بن سلول: 215. - وأخبرنا سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر إنما انصرف بالناس من حديث عبد الرحمان بن عوف: 68. - وكنت صائما فلقيت من الحر شدة: 223. - ولم ذلك؟ أنا اغتصبتك على نفسي ... : 215. - وما هو يا أمير المؤمنين؟: 214. - ومن يجيزك بها غيري؟: 220. - يا أهل الشام مالي أرى أحاديثكم ليس لها أزمة ولا خطم؟: 212. - يا أيها الناس إنا كنا منعناكم أمرا قد بذلناه الآن لهؤلاء ... : 221. - يخرج الحديث من عندنا شبرا فيرجع إلينا من العراق ذراعا: 79.

- ابن الصلاح:

- ابن الصلاح: - آخرهم على الإطلاق موتا الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة من الهجرة: 281. - بأن ذلك قبل أن يظهر كتابا البخاري ومسلم: 438. - التدليس قسمان: أحدهما تدليس الإسناد ... : 231. - ثم إنا لم نعدّ في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه بمرسل الصحابي ... : 306. - جزم بحصول القطع بصحة ما في البخاري من الحديث: 447. - الحديث الحسن قسمان: أحدهما الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور ... : 95. - القسم الرابع من أنواع تحمل الحديث (المناولة) ... : 220. - لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر ... : 95. - لم يستوعبا - أي البخاري ومسلم - الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلك: 248. - وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه ... : 95. - ابن طاهر: - إن ابن عدي أورده في أربعة عشر موضعا في كامله وعلتها كلها ... : 333. - ابن عبد البر: - أفرط أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة وتجاوزوا الحد في ذلك ... : 429. - إنها محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت، ولكن إسنادها صحيح، فتكون من الأفراد الصحيحة: 183 هامش. - ليس لأحد من علماء الأمّة يثبت حديثا عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يرده دون ادعاء نسخ عليه بأثر مثله ... : 429. - من ذكرنا قوله في هذا الباب فإنما ذهب في ذلك مذهب العرب ... : 159. - وجميع ما فيه من قوله «بلغني»، ومن قوله «عن الثقة» عنده مما لم يسنده ... : 433. - والذين كرهوا الكتاب كابن عباس والشعبي وابن شهاب والنخعي وقتادة ومن ذهب مذهبهم ... : 305. - وكان يقال: يستدل على نباهة الرجل من الماضين بتباين الناس فيه: 429. - يريد أنها تقضي عليه وتبيّن المراد منه: 387.

- ابن العربي:

- ابن العربي: - إن المرء فيما يعمل من الأعمال الصالحة ... : 225. - عقّب بقوله: هو حديث مشهور: 377 هامش. - والولاية ليست بفرض على الأعيان وإنما هو على الكفاية: 224. - ابن عطاء الله السكندري: - لأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه ... : 43. - ابن عون: - لم أر مثل رجاء بالشام، ولا مثل ابن سيرين بالعراق، ولا مثل القاسم بالحجاز: 228. - ابن عيينة: - وأخبرني محمد بن المنكدر عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمثله مرسلا وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 172. - وكان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا ولا يحدّث إلا عن ثقات الناس: 437. - ابن فرحون: - واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويف ووعيد فإنما هي في حق قضاة الجور العلماء ... : 224. - ابن قتيبة: - فإذا كان الوضوء من مس الفرج هو غسل اليدين ... : 41. - قالوا (أي المعتزلة): حديث يفسد أوله آخره، رويتم عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا قام أحدكم من منامه ... »: 40. - كان إبراهيم النظام سكيرا ماجنا يغدو على سكر ... : 140. - لعله في منامه مس فرجه أو دبره: 41. - والوجه الثاني القُصّاص فإنهم يميلون وجه العوام إليهم ... : 85. - ونحن نقول: إن هذا النظام علم شيئا وغابت عنه أشياء ... : 41. - ابن قدامة: - كان مالك أحفظ أهل زمانه: 437.

- ابن قطن:

- ابن قطن: - كان زمنا في الحديث [أبو حنيفة]: 411. - ابن القيم: - أصحاب أبي حنيفة رحمه الله مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأي ... : 419. - فإذا جعل الله من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبا إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون من لوازمه ... : 52. - كان أبو بكر إذا ورد إليه حكم نظر في كتاب الله ... : 71. - والتمر غذاء فاضل حافظ للصحة ... : 283. - ونفع هذا العدد من التمر من هذا البلد ... : 284. - ابن كثير: - أما طوائف الروافض وجهلهم، وقلة عقلهم، ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابيا ... : 261. - بخلاف الجرح فإنه لا يقبل إلى مفسرا لاختلاف الناس في الأسباب المفسقة ... : 112. - ثم إن البخاري ومسلما لم يلتزما بإخراج جميع ما يحكم بصحته من الأحاديث ... : 248. - صاحب السنن المشهورة وهي دالة على علمه وعمله وتبحُّره ... : 454. - في ذلك نزاع قديم وحديث والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره: 93. - المقبول الثقة الضابط لما يرويه، وهو المسلم العاقل البالغ ... : 94. - من الصدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة ... : 339. - وأما طوائف الروافض وجهلهم وقلة عقلهم ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابيًا - وسموهم - ... : 261. - والصحابة كلهم عدول عند أهل السنّة والجماعة ... : 261. - وقد رواه الترمذي بنحوه: 355. - وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل عليا قول باطل مردود: 261. - وهذا محمول من عمر على أنه خشي من الأحاديث التي قد تضعها الناس على غير مواضعها ... : 345. - ابن كرامة: - كنا عند وكيع يوما فقال رجل: أخطأ أبو حنيفة ... : 428. - ابن منده: - إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال: 452. - له ذكر في حديث أبي سلمة عن أبي هريرة ... : 303. - ابن وهب: - يريد المسائل: 403.

- الكنى -

- الكنى -: ---------- - أبو أيوب الأنصاري: - إنا كنا نقول: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر ... : 340. - حديث سمعته من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ستر المؤمن: 73. - دعوتموني وأنا صائم فلم يكن لي بد من أن أجيبكم لأني سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول ... : 340. - رحل إلى عقبة بن عامر الجهني يسأله عن حديث سمعه من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 73. - أبو إسحاق الإسفراييني: - ذهب إلى أنه لا يحتج بمراسيل الصحابة وخالفه عامة أهل الأصول ... : 307. - لا يحتج به، بل حكمه حكم مرسل غيره ... : 307. - يحتمل أن يكون الصحابي راويا ذلك الحديث عن تابعي ... : 306. - أبو إسحاق الفزاري: - اكتب عن «بقية» ما روى عن المعروفين ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين: 253. - أبو أيوب الأنصاري: - كان لأبي هريرة مسجد في مخدعه، ومسجد في بيته ... : 357. - أبو بكر الأبهري: - جملة ما في " الموطأ " من الآثار عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الصحابة والتابعين، ألف وسبعمائة وعشرون حديثا ... : 434. - أبو بكر بن أبي داود: - جميع ما روي عن أبي حنيفة من الحديث مائة وخمسون حديثا أخطأ في نصفها: 411. - أبو بكر الحميدي: - لا تقبل توبته أبدا [من يكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: 92.

- أبو بكر الصديق:

- أبو بكر الصدِّيق: - أحرق خمسمائة حديث كتبها: 154، 159. - أليس يقول الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلا بحقها ... : 77. - بعثه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واليا على الحج ... فأقام لهم مناسكهم وأخبرهم عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما لهم وما عليهم: 175. - خشيت أن أموت فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدّثني ... : 154. - رد خبر عثمان في إذن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رد الحكم بن أبي العاص: 169. - رد خبر المغيرة في ميراث الجدة حتى انضم إليه خبر محمد بن مسلمة: 169، 170. - رد على الصحابة حين خالفوه في قتال أهل الردة: 347. - فأنفذه لها أبو بكر: 66. - ما أجد لكِ في كتاب الله شيئا وما علمت أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر لَكِ شيئا: 66. - هل علمتم أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى فيه بقضاء؟: 71. - هل معك أحد؟: 66. - ولكنك أقوى مني: 128. - أبو بكر الصيرفي: - كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر: 93. - أبو بكر بن عمر الرازي: - كان أبو زرعة يحفظ سبعمائة ألف حديث، وكان يحفظ مائة وأربعين ألفا في التفسير: 247. - أبو جعفر الداودي: - يعتذر بأن مالكا قال ذلك في حالة غضب ... : 409. - أبو حامد الغزالي: - أما توقف أبي بكر في حديث المغيرة في توريث الجدة فلعله كان هناك وجه اقتضى التوقف ... : 71. - والذي عليه سلف الأمّة، وجماهير الخلف: 262.

- أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي:

- أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي: - فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟: 184. - وما سكت حتى تمنيت أن يسكت: 184. - أبو حنيفة النعمان: - آخذ بكتاب الله، فإن لم أجد فَبِسُنَّةِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 402. - أبحجة أم بغير حجة؟: 405. - إبراهيم أفقه من سالم، ولولا فضل الصحبة لقلت: إن علقمة أفقه من عبد الله بن عمر: 424. - أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟: 402. - أثبتوها: 427. - إذا جاء عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن أصحاب النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نختار من قولهم: 418. - أرأيت إن كانا في سفينة، أرأيت إن كانا في سجن؟: 425. - أعرفتم الآن؟: 405. - إنا لنستعد للبلاء قبل نزوله: 403. - إن ابن أبي ليلى ليستحل مني ما لا أستحله من حيوان: 407. - أننا نأخذ أولا بكتاب الله ثم بالسنة ثم بأقضية الصحابة ... : 418. - حدثني حماد عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يرفع ... : 424. - رفقا رفقا ما تقولون؟: 405. - الصواب هو القول الأول الذي أجبتكم به لعلة كذا وكذا: 406. - عن أصحاب عمر عن عمر، وعن أصحاب علي عن علي، وعن أصحاب عبد الله بن مسعود عن عبد الله ... : 417. - فاستمعوا، واخترع لهم قولا ثالثا ... : 406. - فما تقولون فيمن يزعم أن قولكم هو الصواب ... وأن هذا القول خطأ؟: 405. - فما تقولون فيمن يزعم أن هذا القول خطأ، والأول خطأ والصواب قول ثالث؟: 406. - فما لم أجده فيه أخذت بسنّة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والآثار الصحاح عنه التي فشت بين أيدي الثقات: 402. - فناظرهم حتى ردهم عن القول: 405. - القول فيها كذا وكذا: 421. - كان حماد أفقه من الزهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم ... : 424. - كذب والله وافترى علينا من يقول: إننا نقدم القياس على النص ... : 418. - كل شيء تكلم النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمعناه أو لم نسمعه - فعلى الرأس والعين قد آمنا به ونشهد أنه كما قال نبي الله: 417. - لا [لقتادة]: 403. - لا بأس به: 425. - لا تثبتوها: 427. - لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية ... : 427.

- أبو حيان الأندلسي:

- لأنه لم يصح فيه شيء عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 424. - لئن حدّث بحديث ليكذبن، ولئن قال برأي نفسه ليخطئن: 403. - لعن الله من يخالف رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، به أكرمنا، وبه استنقذنا: 418. - ما جاء عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلى الرأس والعين ... : 418، 420. - ما عندكم فيها من الآثار؟: 417. - مثل من يطلب الحديث ولا يتفقه، مثل الصيدلاني، يجمع الأدوية ولا يدري لأي داء هي ... : 421. - من حديث حَدَّثتْنَاَهُ: 421. - نحن لا نقيس إلا عند الضرورة الشديدة ... : 418. - نعم (المتبايعان ليس لهما الخيار إذا انتقلا ... ): 425. - هاتوا، فناظرهم فغلبهم بالحجاج حتى ردهم إلى قوله وأذعنوا أن الخطأ منهم: 405. - هذه الأحاديث ما حدثت منها إلا اليسير الذي ينتفع به: 413. - واخترع لهم قولا ثالثا، وناظرهم عليه حتى ردهم إليه فأذعنوا: 406. - وما سكت حتى تمنيت أن يسكت: 184. - ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا ... : 427. - يا أبا الخطاب ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواما ... : 403. - أبو حيان الأندلسي: - (الوجه الرابع) تعيين مبهم، وتبيين مجمل ... : 243. - أبو داود السجستاني: - ذكرت فيه الصحيح وما أشبهه وقاربه، وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بيّنه ... : 451. - ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج: 83. - أبو الدرداء: - سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن مثل هذا: 183. - من يعذرني من معاوية؟ أخبره عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويخبرني عن رأيه: 183. - أبو رافع: ... - أن رجلا من قريش أتى أبا هريرة في حلة يتبختر فيها ... : 341.

- أبو زرعة الرازي:

- أبو زرعة الرازي: - أربعة أولها الزهري عن سالم عن أبيه: 212. - كان يحفظ سبعمائة ألف حديث: 295. - أبو الزعيزعة: - أن مروان أرسل إلى أبي هريرة فجعل يحدّثه وأجلس أبا الزعيزعة خلف السرير يكتب ما يحدث به ... : 296. - بعث مروان إلى أبي هريرة بمائة دينار فلما كان من الغد بعث إليه ... : 358. - أبو الزناد: - كنا نكتب الحلال والحرام وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع ... : 208. - أبو سعيد الخُدري: - أنكر على مروان والي المدينة من قبل معاوية تقديم الخطبة على صلاة العيد ... : 229. - غيّرتم والله: 229. - فأرسلوا معه رجلا منهم فأخبره: 67. - فجاءنا أبو موسى ممتقعا لونه ونحن جلوس ... : 67. - ما أعلم والله خير مما لا أعلم: 229. - ما شأنك؟: 67. - نعم كلنا سمعه: 67. - والله لا آواني وإياك سقف بيت أبدا: 183. - ينكر على مروان والي المدينة تقديم الخطبة على صلاة العيد: 77. - أبو سلمة بن عبد الرحمان: - دخلت على أبي هريرة وهو شديد الوجع فاحتضنته فقلت: اللهم اشف أبا هريرة: 297. - أبو سليمان الخطابي: - أن خبر الآحاد قطعي موجب للعلم والعمل معا: 167. - اعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله ... : 451. - وضعته الزنادقة: 82.

- أبو شاه:

- أبو شاه: - اكتب لي يا رسول الله: 60. - أبو صالح: - كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 296. - أبو طلحة الأنصاري: - فأمر أبو طلحة بكسر الجرار: 174. - قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها ... : 174. - أبو عاصم النبيل (الضحاك بن مخلد): - ما رأيت الصالح يكذب في شيء أكثر من الحديث: 193، 230. - أبو العالية: - كنا نسمع الحديث من الصحابة فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم: 91. - أبو عامر: - أما سفيان الثوري كان تدليسه من قبيل إبدال الاسم بالكنى أو العكس: 232. - أبو عثمان النهدي: - أن أبا هريرة كان يقوم ثلث الليل، وامرأته ثلثه، وابنه ثلثه، يقوم هذا ... : 357. - تضيفت أبا هريرة سبعا، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل أثلاثا، فيصلي هذا، ثم يوقظ هذا: 294. - قلتُ لأبي هريرة: كيف تصوم؟: 358. - أبو علي الجُبَّائِي: - أنه لا يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا: 134. - أنه لا يقبل الخبر إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر ... : 134. - أنه لا يقبل الخبر إلا إذا رواه أربعة: 134.

- أبو المظفر السمعاني:

- أبو المظفر السمعاني: - من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من أحاديثه: 92. - أبو منصور البغدادي: (انظر: عبد القادر البغدادي): - أبو موسى الأشعري: - سلم على عمر من وراء الباب ثلاثا فلم يؤذن له فرجع ... : 60. - سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا سلم أحدكم ثلاثا ... »: 60. - فهل سمع أحد منكم؟: 67. - أبو موسى المديني: - إنه كله حجة، وما فيه إلا صحيح: 443. - أبو نعيم: - أتراه بعث بعد الموت؟: 97. - تعقبه بأنه ليس فيه ما يدل على صحبته: 303. - وكان أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... [أبو هريرة]: 297. - هو حديث جَيِّدٌ، من صحيح حديث الشاميين: 56 هامش. - أبو الهذيل العلاف: - إن الحجة من طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس ... : 137. - رغم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكما: 137. - لم يبح قتالهم إلا وهم عليهم حجة: 137.

- أبو هريرة:

- أبو هريرة: - أخبرني به أخي الفضل بن عباس: 306. - أخبرني به أسامة بن زيد: 306. - أخبريه كيف سمعتِ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 355. - أخذت ثلاث أكمؤ، أو خمسا أو سبعا فعصرتهن في قارورة وكحلت به جارية لي عشماء فبرئت: 285. - أخذ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي: 325. - أخشى [ثلاثا]: أن أقول بغير علم، أو أقضي بغير حكم [حلم] ... : 294، 331. - أسألك أن تعلمني مما علمك الله: 331. - أسبّح [على] بقدر ذنبي: 294، 357. - أصوم أول الشهر ثلاثا فإن حدث في حدث كان لي أجر شهري: 358. - أطعمكها الله لا عليك: 339. - أعوذ بالله [نعوذ بالله] من شرّك: 302، 303. - الله أطعمك: 292. - الله أسقاك: 292. - اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي: 298. - اللهم إني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علما لا يُنْسَى: 296. - اللهم لا ترجعها - قالها مرتين -: 297. - أنا صائم في تضعيف الله مفطر في تخفيف الله: 336، 339. - إنه صاحبه على ملء بطنه: 328. - إن استطعت أن تموت فمت، والله الذي نفس أبي هريرة بيده ... : 297. - إنك يا ابن أخي لم تعتد الصيام: 339. - إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والله الموعد ... : 310. - إنه كان خير الناس للمساكين [جعفر بن أبي طالب]: 334، 335. - أنه كان يقوم ثلث الليل، وامرأته ثلثه ... : 357. - أنه لما حضرته الوفاة بكى فسئل فقال: من قلة الزاد وشدة المفازة: 298. - أنه وجد عمر فقال له: أقرني فظن أنه من القراءة فأخذ يقرئه القرآن ولم يطعمه: 334. - إنه يوسف نبي الله بن نبي الله وأنا أبو هريرة بن أميمة أخشى ثلاثا ... : 294. - إنها أعلم مني وأنا لم أسمعه من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسمعته من الفضل بن عباس: 305. - إني أجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزء لقراءة القرآن ... : 357. - إني أسلمت وهاجرت اختيارا وطوعا وأحببت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حباً شديداً: 343/ 16. - إني سمعت ما لم تسمعوا وحفظت ونسيتم: 312/ 12. - إني صائم: 339. - إني صائم ... صدق إني سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 336. - إني لأستقري الرجل - أي أطلب منه القِرَى فيظن أني أطلب منه القراءة: 334. - أهما قالتاه؟: 308. - تدخل فيما لا يعنيك [لمروان بن الحكم]: 313، 356. - خلّوا الطريق للأمير: 338، 339. - خيل نتجت وأعطيات تتابعت وخراج رقيق لي ... : 294. - دع العُراق للأمير ... : 339. - ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار: 357. - ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار: 357. - رجع عما كان يقول في ذلك: 308. - زرت أناسا من أهلي: 332. - سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 308. - صلى على أم سلمة (أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -): 358. - صلى على عائشة (أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -): 358. - الطريق قد جاء الأمير: 293. - على ملء بطني: 330، 366. - فَأَبَى: 294. - فأخذ بيده [أي يد عبد الله بن عمر] فذهب به إلى عائشة ... : 355. - فأعادها عليه ... فما غيّر حرفا: 296/ 5، 6. - فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك: 308. - فقدم بعشرة آلاف: 294. - فجعل أبو هريرة يحدّثهم عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديث فلا يعرفه بعضهم فيراجعون فيه حتى يعرفوه ... : 314.

- فجعل يأكل الطعام: 336. - قد أخرجتها فإذا خرج عطائي فخذها منه ... : 358. - كان يتعوذ في سجوده أن يزني أو يسرق أو يكفر ... : 357. - كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة ... [جعفر بن أبي طالب]: 334. - كنت أرعى غنم أهلي وكانت لي هريرة صغيرة ... : 292. - كنت رجلا مسكينا أخدم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ملء بطني: 329. - لا تضربوا علَيَّ فسطاطا ولا تتبعوني بمجمرة وأسرعوا بي: 298. - لا تقسّم له يا رسول الله فإنه قاتل ابن قوقول ... : 326. - لا تغبطن فاجرا بنعمة، فإن من ورائه طالبا حثيثا طلبه: جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا: 357. - لا عليك: 339. - لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحجرة عائشة فيقال: مجنون وما بي جنون وما بي إلا الجوع: 293. - لما حضره الموت بكى: 358. - لو كنت أُحَدِّثُ في زمن عمر مثل ما أحدثكم لضربني بالدرة: 64. - للمنخرين وللفم {إنا كفيناك المستهزئين}: 342. - لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ... : 311. - لولا القصاص يوم القيامة لأغشيتك به ... : 358. - ليسألني أبو عبد الله (كنية مروان) عن هذا وأشباهه فإنه يجد عندي منه علما جماً ومقالا: 343. - ما أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري ... : 358. - ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطئ التراب بعد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضل من جعفر بن أبي طالب: 334، 335. - ما تنظرون؟: 336. - ما شممت رائحة أطيب من رائحة الخبز وما رأيت فارسًا أحسن من زبد على تمر: 337. - ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مني إلا عبد الله بن عمرو كان يكتب ولا أكتب: 60. - ما يؤمنني وإبليس حي ومصرف القلوب يصرفها كيف شاء؟: 357. - من أدركه الفجر جنبا فلا يصم: 308. - من غسّل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ: 347، 348. - من قلة الزاد وشدة المفازة: 298. - نعم سمعت النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من كذب عليَّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار: 65/ 17. - نعم! قدمت وسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر سنة سبع ... : 343/ 5. - هما أعلم مني، ثم رد أبو هريرة ما كان يقوله إلى الفضل بن عباس: 308. - هو لوجه الله، أعتقه فرحا بلقائه رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومبايعته على الإسلام: 327. - وإنما أردت منه الطعام: 334. - والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على الأرض بكبدي من الجوع وأشد الحجر على بطني: 293. - وقد صمت ثلاثة أيام من أول الشهر ... : 336. - وكنت ألزم رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ملء بطني: 329. - ولولا آيتان من كتاب الله ما حَدَّثْتُ حديثًا ثم تلا ... : 311. - ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون: 313. - ويقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدّثون حديثه ... : 310. - يا أبا عبد الرحمان! والله ما كان يشغلني عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غرس الوديّ ولا الصفق بالأسواق: 355. - يا ابن أخي، أنت لم تعوّد الصيام: 292. - يا بنية قولي لهن: إن أبي يخشى عليَّ حر اللهب: 331. - يحدث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحدّثنا عن كعب الأحبار ... : 351. - يقولون أن أبا هريرة قد أكثر - والله الموعد - ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل حديثه ... : 310، 312.

- أبو الوليد الباجي:

- أبو الوليد الباجي: - لم يتكلم مالك في الفقهاء أصلا، وإنما تكلم في بعض الرواة من جهة الضبط: 410. - أبو يعلى الخليلي: - ثقة متفق عليه ويكفي في توثيقه أن إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري كان يعتمده ويأخذ عنه (الإمام الترمذي): 453. - وضعت الرافضة في فضائل عليّ وأهل بيته نحو ثلاثمائة حديث: 81. - وكان عالمًا بهذا الشأن صاحب تصانيف منها التاريخ والسنن ... (ابن ماجه): 454. - أبو يوسف القاضي: - بالحديث الذي حدثتني أنت ... : 421. - سألني الأعمش عن مسألة وأنا وهو لا غير، فأجبته، فقال لي ... : 421. - كان أبو حنيفة إذا وردت عليه المسألة قال: ما عندكم فيها من الآثار؟ ... : 417. - هم الزنادقة (المعتزلة): 142. - الأمهات - ----------- - أم سلمة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ: 172. - قَدْ أَخْبَرْتُهَا، فَذَهَبَتْ إِلَى زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَزَادَهُ شَرًّا ... : 173. - كان النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم: 308. - أم عمرو بن سليم الزرقي: - بينما نحن بمنى إذا علي بن أبي طالب على جمل يقول: إن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إن هذه أيام طعام وشراب ... : 174. - البَنَاتُ: --------- - ابنة أبي هريرة: - يَا أَبَتِ إِنَّ البَنَاتَ يُعَيِّرْنَنِي، وَيَقُلْنَ لِي: لِمَ لاَ يُحَلِّيكِ أَبُوكِ بِالذَّهَبِ؟ ... : 331.

فهرس الكتب والمصنفات والمجلات والجرائد وغيرها:

فَهْرَسُ الكُتُبِ وَالمُصَنَّفَاتِ وَالمَجَلاَّتِ وَالجَرَائِدِ وَغَيْرِهَا: - الهمزة - - " الآثار " - أبو يوسف: 413. - " الآثار " - زفر بن الهذيل: 415. - " الآثار المرفوعة " - محمد بن الحسن الشيباني: 413. - " الآثار المرفوعة والموقوفة " - محمد بن الحسن الشيباني: 413. - ابن مردويه: 182 هامش. - ابن المنذر: 179 هامش. - " أبو هريرة " - عبد الحسين شرف الدين: 9، 9 هامش. 10، 335، 370، 461، 469، 470. - " أبو هريرة " - آمنة همغسبرغ [باحثة ألمانية في جامعة فرانكفورت]: 460. - " الإتقان في علوم القرآن " - السيوطي: 243، 245، 245 هامش. - " الإحكام " - الآمدي: 168 هامش، 169 هامش، 170 هامش، 171 هامش، 304، 306 هامش. - " الإحكام في أصول الأحكام " - ابن حزم: 65، 66 هامش، 69 هامش، 70 هامش، 134 هامش، 135 هامش، 150 هامش، 151 هامش، 158 هامش، 161 هامش، 162 هامش. 163 هامش، 166 هامش، 167 هامش، 168 هامش، 169 هامش، 350، 422 هامش، 431، 431 هامش. - " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة " - بدر الدين الزركشي: 309 هامش. - " اختصار علوم الحديث " - ابن كثير: 79 هامش، 93 هامش، 94 هامش، 95 هامش، 109، 112 هامش، 113 هامش، 220 هامش، 248 هامش، 261 هامش. - " اختصار الموطأ " - ابن رشيق: انظر [مختصر الموطأ]. - " اختصار الموطأ " - ابن عبد البر: انظر [مختصر الموطأ]. - " اختصار الموطأ " - أبو سليمان الخطابي: انظر [مختصر الموطأ]. - " اختلاف الفقهاء " - ابن جرير الطبري: 442. - " الأدب المفرد " - البخاري: 73، 73 هامش، 339، 340. - " الإرشاد " - الخليلي: 81. - " إرشاد الفحول " - الشوكاني: 48 هامش. - " الاستذكار " - ابن عبد البر: 435. - " الاستيعاب " - ابن عبد البر: 291 هامش. - " أسد الغابة في معرفة الصحابة " - ابن الأثير الجزري: 281، 345، 358. - " الإسلام والحضارة ": 87 هامش. - " أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب " - الشيخ محمد الحوت البيروتي: 123. - " الأصول " - شمس الأئمة السرخسي: 397 هامش، 398 هامش، 418 هامش، 423 هامش.

- " الإصابة في تمييز الصحابة " - ابن حجر العسقلاني: 281، 281 هامش، 291 هامش. 296، 302 هامش، 313، 321، 321 هامش، 325، - " إضاءة الحالك " - محمد حبيب الله بن عبد الله بن أحمد ما يابي الجكني الشنقيطي: 433. - " أضواء على السنَّة المحمدية " - محمود أبو رَيَّة: 1، 4، 9، 21، 189 هامش، 320، 362، 373 هامش، 464، 465، 467. - " إعلام الموقعين " - ابن القيم: 52 هامش، 53 هامش، 71 هامش، 135، 135 هامش، 200 هامش، 348، 419. - " الأغاني " - أبو الفرج الأصفهاني: 235. - " إكمال المعلم " - القاضي عياض: 426. - " ألف ليلة وليلة ": 228، 235. - " ألفية الحديث " - العراقي: 109. - " الإلماع " - القاضي عياض: 109. - " الأم " - الشافعي: 130 هامش، 143، 145 هامش، 149، 168، 178 هامش، 397، 440. - " الإمتاع في سيرة الحسن بن زياد ومحمد بن شجاع " - محمد بن زاهد الكوثري: 120 هامش. - " الأموال " - أبو عبيد: 179 هامش. - " الانتصار " - ابن الخياط: 16. - " الانتقاء في فضائل الثلاثة فقهاء " - ابن عبد البر: 418، 442. - " الإنجيل ": 32، 33، 258. - " الأنوار الكاشفة " - عبد الرحمان المعلمي اليماني: 44 هامش، 352.

- حرف الباء -

- حرف الباء - - " الباعث الحثيث " - أحمد شاكر: 109 هامش. - " البحر المحيط " - أبو حيان الأندلسي: 243. - " بدائع الزهور ووقائع الدهور " - ابن إياس: 346. - " البداية والنهاية " - ابن كثير: 331، 331 هامش، 332 هامش، 336 هامش، 339 هامش، 343 هامش، 344، 345 هامش، 347، 347 هامش، 355، 357، 357 هامش، 358 هامش، 359 هامش، 363، 364، 370، 454 هامش. - " البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير للرافعي " - ابن الملقن: 123 هامش. - " البرهان في علوم القرآن " - بدر الدين الزركشي: 245. - " البيان والتبيين " - الجاحظ: 369. - حرف التاء - - " تأنيب الخطيب " - محمد زاهد الكوثري: 142 هامش، 247 هامش، 401 هامش، 409 هامش، 410 هامش، 412 هامش، 415 هامش، 417 هامش. - " تأويل مختلف الحديث " - ابن قتيبة: 7، 40، 86 هامش، 140، 141 هامش. 149، 281، 345، 364. - " تاج العروس من جواهر القاموس " - المرتضى الزبيدي: 412. - " تاريخ ابن الأثير ": انظر [" أسد الغابة "]. - " تاريخ الإسلام " - الذهبي: 206 هامش. - " تاريخ الأمم والملوك " - الطبري: 205 هامش. - " التاريخ الأوسط " - البخاري: 111. - " تاريخ أصبهان " - أبو نعيم الأصبهاني: 104. - " تاريخ بغداد " - الخطيب البغدادي: 112، 370، 371 هامش، 403 هامش، 408، 411 هامش، 417، 417 هامش. 420، 428 هامش. - " تاريخ التشريع الإسلامي " - الخضري بك: 148، 149 هامش. - " تاريخ التشريع الإسلامي " - شاخت: 16. - " تاريخ التمدن الإسلامي " - جرجي زيدان: 5، 370. - " تاريخ الخلفاء " - السيوطي: 227 هامش.

- " تاريخ دمشق " - ابن عساكر: 79 هامش، 159 هامش، 206 هامش، 209، 210، 211، 212، 214، 215، 220، 221، 255، 344، 370، 371 هامش. - " تاريخ الشعوب الإسلامية " - كارل بروكلمان: 6، 370. - " التاريخ الصغير " - البخاري: 111. - " تاريخ العرب المطول " - فليب حِتِّي وإدوارد جرجس وجبرائيل جبور: 6، 370. - " تاريخ قزوين " - ابن ماجه: 454. - " التاريخ الكبير " - البخاري: 111، 231، 314، 327، 332 هامش، 352، 356، 469 هامش. - " التاريخ الكبير " - البدر العيني: 414. - " التاريخ والعلل " - ابن معين: 427. - " تبصرة الحكام " - ابن فرحون: 224. - " تحذير الخواص من أحاديث القصاص " - السيوطي: 86، 86 هامش. - " تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي " - عبد الرحمان المباركفوري الهندي: 453. - " تخريج أحاديث الرافعي " - ابن الملقن: انظر [" البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير " للرافعي]. - " تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي " - الشيخ ناصر الدين الألباني: 469 هامش. - " تدريب الراوي " - السيوطي: 109، 134، 422 هامش. - " تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب " - داود بن عمر الأنطاكي: 286. - " تذكرة الحفاظ " - الذهبي: 62 هامش، 66، 66 هامش، 67 هامش، 77، 154 هامش، 159 هامش، 193 هامش، 206 هامش، 210، 212، 228 هامش، 251، 413. - " تذكرة الموضوعات " - ابن طاهر المقدسي: 121، 122. - " تذكرة الموضوعات " - على القاري: 244. - " تذكرة الموضوعات " - محمد بن طاهر بن علي الفتّني: 82 هامش، 122. - " ترتيب المدارك " - القاضي عياض: 409. - " التعقبات على الموضوعات "- السيوطي: 121، 122، 415. - " التعليق المُمَجَّدْ على موطأ الإمام محمد " - عبد الحي اللكنوي: 435. - " التفسير " - ابن كثير: 351، 352. - " التفسير " - الطبري: 242. - " التفسير " - الكلبي: 245. - " التفسير " - مقاتل بن سليمان: 245. - " التقريب " - النووي: 109، 113. - " تقريب التهذيب " - ابن حجر العسقلاني: 193، 213. - " التقرير والتحبير " [شرح " التحرير " لابن الهُمام السيواسي]- ابن أمير الحاج: 167 هامش، 168، 169 هامش، 171 هامش، 303، 303 هامش، 316 هامش، 423 هامش. - " تقييد العلم " - الخطيب البغدادي: 61 هامش. 104 هامش. 160، 222 هامش. - " التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح "- زين الدين العراقي: 307.

- " التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل " - ابن كثير: 111. - " تلخيص كتاب مسلم وشرحه " - أحمد بن عمر القرطبي: 449. - " التمهيد " - ابن عبد البر: 434. - " تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث " - ابن الديبع الشيباني: 122، 123. - " التنزيل ": 146، 386. - " التنقيح " - بدر الدين الزركشي: 447. - " تنوير الحوالك " - السيوطي: 432، 433 هامش، 435. - " تهذيب الأسماء واللغات " - النووي: 206 هامش، 291 هامش، 449 هامش، 450 هامش، 453 هامش. - " تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر " - عبد القادر بدران: 469 هامش. - " تهذيب التهذيب " - ابن حجر العسقلاني: 206 هامش، 213، 223. - " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " - أبو الحجاج المزي: 111. - " تهذيب مختصر سنن أبي داود للمنذري " - ابن القيم: 452. - " توجيه النظر " - الشيخ طاهر الجزائري: 47 هامش، 105 هامش، 109، 110 هامش، 111 هامش، 160 هامش، 246 هامش، 247 هامش. - " التوراة " [الكتاب]: 31، 32، 33، 99، 258، 347، 351. - " التوشيح على الجامع الصحيح " - السيوطي: 447. - " التيسير شرح التحرير ": 303، 316 هامش. - " تيسير الوصول " - ابن الديبع الشيباني: 430، 453.

- حرف الثاء -

- حرف الثاء - - " الثقات " - ابن حبان البستي: 111، 212. - " الثقات " - خليل بن شاهين: 111. - " الثقات " - قاسم بن قطلوبغا: 111. - " ثمار القلوب " - الثعالبي: 28، 370. - حرف الجيم - - " جامع بيان العلم وفضله " - ابن عبد البر: 54 هامش، 55، 55 هامش، 56، 56 هامش، 60 هامش، 62 هامش، 63 هامش، 64 هامش، 73، 73 هامش، 92 هامش، 103 هامش، 158 هامش، 159 هامش، 160، 160 هامش، 211 هامش، 259، 305، 347، 348، 383 هامش، 386 هامش، 387 هامش، 388 هامش، 404 هامش، 405 هامش، 406 هامش، 407، 407 هامش، 418 هامش، 421 هامش، 428. - " الجامع الصحيح " للبخاري: انظر [" الصحيح " - " البخاري"]. - " الجامع الصحيح " لمسلم: انظر [" الصحيح " - " مسلم"]. - " الجامع الصغير " - السيوطي: 354 هامش. - " الجامع لآداب الشيخ والسامع " - الخطيب البغدادي: 109. - " جامع المسانيد " - أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي: 414. - " الجرح والتعديل " - ابن أبي حاتم الرازي: 111، 182 هامش، 206 هامش، 210، 252 هامش. - " الجرح والتعديل " - ابن حبان البستي: 111. - " جريدة الأهرام ": 468. - " جماع العلم " - الشافعي: 143، 143 هامش، 145 هامش، 149. - " الجواب الباهر في زوار المقابر " - ابن تيمية: 219 هامش.

- حرف الحاء -

- حرف الحاء - - " حاشية على سنن النسائي " - أبو الحسن محمد بن عبد الهادي السندي: 450. - " حجة الله البالغة " - ولي الله الدهلوي: 415 هامش، 424 هامش، 432. - " حسن الأثر فيما فيه ضعف واختلاف من حديث وخبر وأثر " - الشيخ محمد الحوت: 123 هامش. - " حسن التقاضي في سيرة أبي يوسف القاضي " - محمد زاهد الكوثري: 410 هامش. 416 هامش. 428 هامش. - " حضارة الإسلام في دار السلام " - إبراهيم اليازجي: 6، 370. - " حضارة العرب " - جوستاف لو بون: 22، 26، 27 هامش. - " الحضارة الإسلامية " - كريمر: 6، 370. - " حلية الأولياء " - أبو نعيم الأصبهاني: 28، 294، 334، 336، 336 هامش، 370، 371 هامش، 431. - " حليف مخزوم " - صدر الدين بن عبد الحسين شرف الدين الموسوي: 470. - " حياة الحيوان " - الدميري: 27، 189، 217، 228، 235، 367، 369. - " الحيوان " - الجاحظ: 369. - حرف الخاء - - " خاص الخاص " - الثعالبي: 337، 370. - " خزانة الأدب " - عبد القادر البغدادي: 370. - " الخطط " - المقريزي: 369. - " خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال " - صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي: 351 هامش. - " الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان " - أحمد بن حجر الهيتمي: 408، 408 هامش. - حرف الدال - - " دائرة المعارف الإسلامية [البريطانية] " - مجموعة من المستشرقين: 4، 5، 21، 293 هامش،310 هامش، 318، 367، 370. - " دراسات إسلامية " - جولدتسيهر: 19، 190، 199. - " الدر الملتقط في تبيين الغلط " - العلامة الصغاني: 121. - " الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة " - السيوطي: 122.

- حرف الذال -

- حرف الذال - - " ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث " - عبد الغني النابلسي: 72 هامش. - " ذيل اللآلئ المصنوعة " - السيوطي: 122. - حرف الراء - - " الرحلة " - ابن جبير: 369. - " الرسالة " - الشافعي: 50 هامش، 53 هامش، 68 هامش، 69، 70، 70 هامش، 143، 156 هامش، 157 هامش، 161 هامش، 165 هامش، 168، 171، 171 هامش، 179 هامش، 182 هامش، 183 هامش، 184 هامش، 382 هامش، 395، 396 هامش، 419، 440. - " رسالة أبي داود إلى أهل مكة وغيرها ": 452 هامش. - " رسالة " - إسماعيل أدهم: 237. - " رسالة " - الإمام الصغاني: 122. - " رسالة الثقات " - الذهبي: 371 هامش. - " رسالة في الرواة المتكلم فيهم فما لا يوجب ردهم " - الذهبي: 261 هامش. - " رسالة في الوضاعين والضعفاء " - محمد بن طاهر بن علي الفتني: 122. - " الرفع والتكميل " - محمد عبد الحي اللكنوي: 244. - حرف الزاي - - " زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم " - محمد حبيب الله بن عبد الله بن أحمد ما يابي الجكني الشنقيطي: 469 هامش. - " زاد المعاد " - ابن القيم: 283، 284 هامش. - " زهر الرُّبَى على المجتبى " - السيوطي: 450، 455.

- حرف السين -

- حرف السين - - " سفر السعادة ": 308. - " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " - مصطفى السباعي: [المقدمة / هامش - ز - ك]. 464، 465، 469، 470. - " السنن " - ابن ماجه القزويني: 56 هامش، 62، 68 هامش، 72 هامش، 106، 121، 165، 260 هامش، 389 هامش، 394 هامش، 454، 455. - " السنن " - أبو داود السجستاني: 14، 48 هامش، 51، 54، 55، 56، 62، 68 هامش، 72 هامش، 106، 121، 165، 181 هامش، 194، 224 هامش، 234، 243، 309 هامش، 377، 377 هامش، 389 هامش، 390 هامش، 391 هامش، 394 هامش، 438، 451/ 452، 452 هامش، 454. - " السنن " - الترمذي: 48 هامش، 55، 56 هامش، 60 هامش، 62، 68 هامش، 72 هامش، 106، 121، 165، 181 هامش، 224 هامش، 239، 243، 245، 255، 260 هامش، 273، 285، 287، 292، 300، 302، 309 هامش، 310، 355، 371، 377، 377 هامش، 389 هامش، 391 هامش، 393 هامش، 394 هامش، 438، 451، 453، 454. - " السنن " - الدارقطني: 107، 179 هامش، 234، 302، 389 هامش. - " السنن " - الدارمي: 55، 60 هامش، 341 هامش، 454. - " السنن " - سعيد بن منصور: 303. - " السنن " - الشافعي: 440. - " السنن " (" المجتبى ") - النسائي: 56 هامش، 58 هامش، 106، 121، 181 هامش،234، 294، 298، 371، 389 هامش، 391 هامش، 450، 454. - " السنن الأربعة ": 76 هامش، 88 هامش، 213، 367. - " السنن الثلاثة ": 455. - " السنن الكبرى " - البيهقي: 55، 56 هامش، 73، 78، 181 هامش، 182 هامش، 228 هامش، 234، 302، 389 هامش. - " السنن الكبرى " - النسائي: 450. - " السهم المصيب في كبد الخطيب " - الملك المعظم الأيوبي الحنفي [عيسى بن أبي بكر]: 409 هامش. - " السيادة العربية " - فلوتن: 6، 370. - " السيرة النبوية " - ابن هشام: 328، 329، 330.

- حرف الشين -

- حرف الشين - - " شرح ألفية الحديث للعراقي " - السخاوي: 109، 232 هامش. - " شرح سنن ابن ماجه " - السيوطي: انظر [" مصباح الزجاجة عل سنن ابن ماجه "]. - " شرح سنن ابن ماجه " - محمد بن موسى الدميري: 455. - " شرح سنن أبي داود " - شهاب الين الرملي: 452. - " شرح سنن أبي داود " - قطب الدين اليمني الشافعي: 452. - " شرح سنن أبي داود " - الشيخ محمود خطاب السبكي: 452. - " شرح سنن الترمذي " - ابن رجب الحنبلي: 453. - " شرح سنن الترمذي " - ابن العربي: انظر [" عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي "]. - " شرح سنن الترمذي " - السيوطي: انظر [" قوت المغتذي على جامع الترمذي "]. - " شرح سنن الترمذي " - المباركفوري: انظر [" تحفة الأحوذي "]. - " شرح سنن النسائي " - السندي: انظر [" حاشية على سنن النسائي - أبو الحسن محمد بن عبد الهادي السندي "]. - " شرح صحيح البخاري " - القسطلاني: 282. - " شرح صحيح مسلم " - النووي: انظر [" المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج "]. - " شرح صحيح مسلم " - القاضي عياض: انظر [" إكمال المعلم "]. - " شرح العراقي على مقدمة ابن الصلاح " انظر [" التقييد والإيضاح "]. - " شرح القاموس المحيط للفيروزآبادي " - السيد مرتضى الزبيدي: انظر [" تاج العروس من جواهر القاموس "]. - " شرح لامية العجم " - العلواني: 370. - " شرح المجتبى " للسيوطي: انظر [" زهر الربى على المجتبى "]. - " شرح مسلَّم الثبوت " - ابن أمير الحاج: 168، 265، 299، 303، 308، 308 هامش، 315، 316، 317 هامش، 423 هامش. - " شرح المختصر ": 168. - " شرح معاني الآثار " - الطحاوي: 107. - " شرح المنهاج " - الإسنوي: 171 هامش. - " شرح الموطأ " - ابن العربي: انظر [" القبس "]. - " شرح الموطأ " - الباجي: انظر [" المنتقى "]. - " شرح الموطأ " - الدهلوي: 435.

- حرف الصاد -

- " شرح الموطأ " - الزرقاني: 173 هامش، 435. - " شرح الموطأ " - السيوطي: انظر [" تنوير الحوالك "]. - " شرح الموطأ " - علي القاري: 435. - " شرح الموطأ " - محمد عبد الحي اللكنوي: انظر [" التعليق المُمَجَّدْ على موطأ الإمام محمد "]. - " شرح نهج البلاغة " - ابن أبي الحديد: 75، 76 هامش، 80 هامش، 101 هامش، 241 هامش، 344 هامش،367، 369. - " شروح البخاري ": 447. - " شروح التقرير ": 423 هامش. - " شروح التوراة ": 258. - " شروح الحديث ": 282. - " شروط الأئمة الخمسة " - الحازمي: 248، 249 هامش. - " شروط الأئمة الستة " - الحافظ ابن طاهر المقدسي: 249 هامش. - " الشفا " - القاضي عياض: 54. - " شيخ المضيرة " - محمود أبو رية: 465، 467، 468، 469، 471. - حرف الصاد - - " الصحاح ": انظر [" كتب الصحاح "]. - " الصحف المصرية ": 371 هامش. - " الصحيحان " [الشيخان]: 67 هامش، 111، 181 هامش، 213، 219، 231، 243، 248، 267، 285، 299، 432، 450. - " الصحيح " [" الجامع الصحيح "]- البخاري: 14، 38، 38 هامش، 47 هامش، 48 هامش، 53، 53 هامش، 55، 57، 58، 58 هامش، 59، 60 هامش، 61، 62 هامش، 68، 77 هامش، 106، 107، 117، 121، 130 هامش، 131، 181 هامش، 182 هامش، 213، 218، 229، 234، 237، 239، 242، 245، 248، 249، 254، 255، 256، 257، 260، 266، 269، 270، 273، 279، 281، 282، 287، 293، 294، 299، 301، 306 هامش، 307، 311، 313، 326، 326 هامش، 327، 329، 333، 334، 352، 367، 371، 372، 391 هامش، 437، 438، 445، 446، 447، 448، 449، 451، 454، 469 هامش. - " الصحيح " - ابن حبان: 56 هامش. 107، 255، 333، 389 هامش. - " الصحيح "- ابن خزيمة: 107. - " الصحيح " [" الجامع الصحيح "]- مسلم بن الحجاج النيسابوري: 14، 37، 38، 38 هامش، 47 هامش، 48 هامش، 53 هامش، 58 هامش، 59، 62 هامش، 64، 68، 69، 77 هامش، 106، 107، 108، 117، 121، 130 هامش، 179 هامش، 181 هامش، 182 هامش، 193، 212، 213، 218، 228 هامش، 229، 239، 245، 248، 248 هامش، 249، 250، 252، 253، 254، 255، 263، 264، 265، 266، 279، 280، 281، 282، 287، 288، 294، 301، 306 هامش، 307، 308، 310، 311، 326، 329، 351، 352، 367، 371، 390 هامش، 391 هامش، 394 هامش، 426، 438، 446، 448، 449، 454، 469 هامش، 426، 438، 446، 448، 449، 451، 454، 469 هامش. - " الصحيفة " - علي بن أبي طالب: 60، 383. - " الصحيفة الصادقة " - عبد الله بن عمرو بن العاص: 60، 61، 304. - " الصداقة والصديق " - أبو حيان التوحيدي: 370.

- حرف الضاد -

- حرف الضاد - - " ضحى الإسلام " - أحمد أمين: 189، 236، 238، 273، 285 هامش، 287، 287 هامش. - " الضعفاء " - ابن حبان: 401 هامش. - حرف الطاء - - " طبقات الحفاظ " - الذهبي: 414. - " الطبقات الكبرى " - ابن سعد: 54، 54 هامش، 55، 60 هامش، 110، 111، 197، 212، 221، 251، 294، 355. - " طبقات المحدثين " - السيوطي: 206 هامش، 213 هامش. - " طرح التثريب في شرح التقريب " - زين الدين العراقي: 301. - حرف الظاء - - " ظهر الإسلام " - أحمد أمين: 236. - " ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية " - الشيخ عبد الرزاق حمزة: 44 هامش. - حرف العين - - " عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي " - أبو بكر بن العربي: 224، 224 هامش، 377 هامش، 378 هامش، 453. - " العالم والمتعلم " - الموفق الخوارزمي: 417. - " العرب قبل الإسلام " - جرجي زيدان: 5، 370. - " العقد الفريد " - ابن عبد ربه: 214، 235. - " عقود الجمان " - الحافظ محمد بن يوسف الصالحاني: 414. - " عقود الجواهر المنيفة في أدلة أبي حنيفة " - السيد المرتضى الزبيدي: 412، 424 هامش. - " العقيدة والشريعة في الإسلام " - جولدتسيهر: 6، 190، 199، 370. - " علل الحديث " - ابن أبي حاتم الرازي: 119 هامش. - " العمدة " - ابن رشيق: 369. - " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " - بدر الدين العيني: 330 هامش، 447. - " العناية بشرح الهداية " - أكمل الدين البابرتي: 404. - " العهود الكبرى " - الشعراني: 230. - " عون المعبود شرح سنن أبي داود " - محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب: 82 هامش، 452. - " عيون الأخبار " - ابن قتيبة: 346، 367، 369.

- حرف الفاء -

- حرف الفاء - - " فتح الباري شرح صحيح البخاري " - ابن حجر العسقلاني: 60 هامش، 211، 255، 260 هامش، 280، 282، 287، 310 هامش، 316، 326 هامش، 327 هامش، 330 هامش، 332 هامش، 334 هامش، 335 هامش، 363، 397، 446، 447، 447 هامش. - " فتح العلى المالك " - عليش: 225 هامش. - " فتح القدير " - ابن الهُمَام السِيواسي: 224 هامش، 424 هامش. - " فتح الملهم شرح صحيح مسلم " - شبير أحمد العثماني: 69، 69 هامش، 247 هامش، - " الفتيا ": 139. - " فجر الإسلام " - أحمد أمين: 132 هامش، 189، 206، 236، 238، 242 هامش، 248، 251، 252، 257، 265، 273، 278، 279، 281، 282، 285، 286، 288، 289، 291، 293، 298، 301، 303، 304، 307، 308، 312، 313، 314، 317، 318، 319، 411. - " الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية " - ابن طباطبا: 369. - " الفرق بين الفرق " - أبو منصور البغدادي: 82 هامش، 93، 93 هامش، 142 هامش، 130 هامش،135، 135 هامش، 136 هامش، 137، 138 هامش، 139 هامش، 140، 141 هامش، 142 هامش، - " فضائل الشام ودمشق " - أبو الحسن ابن شجاع الربعي: 469 هامش. - " الفهرست الأوسط " - الحافظ شمس الدين بن طولون: 414. - " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " - الشوكاني: 122. - " في الشعر الجاهلي " - طه حسين: 467.

- حرف القاف -

- حرف القاف - - " القاموس المحيط " - الفيروزآبادي: 412. - " القبس شرح موطأ مالك بن أنس " - أبو بكر بن العربي: 435. - " القرآن الكريم " [" كتاب الله " - " الكتاب " - انظر أيضا: " التنزيل "]: [المقدمة هامش / ز - ط - ي - ل]. 2، 3، 5، 7، 14، 24، 29، 32، 33، 35، 38، 48، 49، 50، 51، 53، 54، 55، 56، 58، 59، 61، 63، 64، 65، 66، 71، 72، 75، 82، 87، 99، 103، 104، 120، 134، 141، 142، 143، 144، 145، 145 هامش، 146، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 160، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 169، 170، 171، 172، 173، 180، 182، 186، 193، 195، 196، 197، 198، 199، 202، 207، 209، 210، 215، 219، 227، 232، 237، 239، 239 هامش، 242، 243، 245، 256، 258، 259، 260، 264، 265، 271، 277، 311، 316، 322، 324، 328، 335، 342، 351، 357، 359، 360، 361، 375، 376، 377، 378، 379، 380، 381، 382، 383، 384، 385، 386، 387، 388، 390، 391، 392، 393، 394، 395، 396، 397، 398، 402، 415، 416، 418، 422، 425، 428، 430، 431، 432، 439، 440، 442، 446، 447. - " قواعد التحديث " - محمد جمال الدين القاسمي: 47 هامش، 109، 231 هامش. - " قوت المغتذي على جامع الترمذي " - السيوطي: 453.

- حرف الكاف -

- حرف الكاف - - " الكامل في الأدب " - المبرد: 83 هامش. - " الكامل في الضعفاء " - ابن عدي: 111، 120 هامش، 333. - " الكتاب ": انظر [التوراة]. - " كتاب جولدتسيهر ": 21. - " كتاب شاخت ": 17، 18. - " كتاب عمرو بن حزم ": 69. - " كتاب في تكفير أبي الهذيل العلاف " - الجُبَّائِي: 137. - " كتاب في تكفير أبي الهذيل العلاف " - جعفر بن حرب: 137. - " كتاب في تكفير أبي الهذيل العلاف " - المرداد: 137. - " كتاب مالك ": انظر [" الموطأ "]. - " كتب ابن حزم ": 168. - " كتب أبي حنيفة ": 257. - " كتب الأخبار والتاريخ ": 197. - " كتب الأدب [الكتب الأدبية] ": 4، 27، 188، 235، 305، 335، 344، 467. - " الكتب الإسلامية " [كتب الإسلام]: 260، 446. - " كتب أصحاب أبي حنيفة ": 409. - " كتب أصحاب محمد بن الحسن الشيباني ": 439. - " كتب الأصول ": 69، 167، 264، 265، 394. - " كتب الأنبياء ": 32. - " كتب أهل الكتاب ": 363. - " كتب التاريخ ": 77، 305. - " كتب التراجم ": 20، 254 هامش. - " كتب التفسير ": 5، 28، 260. - " كتب الثقات ": 221. - " كتب الجرح والتعديل ": 110، 111، 221. - " كتب [مؤلفات] جولدتسيهر ": 17، 18. - " كتب الحديث ": انظر [" كتب السُنَّةِ "]. - " كتب الحنابلة ": 14. - " كتب الحنفية ": 14. - " كتب الخطيب البغدادي ": 109. - " كتب الروافض ": 263. - " الكتب الستة ": 5، 72 هامش، 111، 237، 264، 265، 267، 301، 303، 390 هامش، 391 هامش، 398، 399، 412، 435، 438، 454. - " الكتب السماوية ": 35.

- " كتب السُنَّةِ [" كتب الحديث " - " مُدَوَّنات السُنَّة "]: 30، 76 هامش، 121، 203، 218، 221، 225، 228، 239، 240، 241، 242، 243، 255، 264، 265، 267، 288، 300، 301، 306، 306 هامش، 333، 359، 367، 371، 372، 390 هامش، 432، 433، 435، 438، 454. - " كتب الشافعي ": 179. - " كتب الشيعة " [" الكتب الشيعية " - " مصادر الشيعة "]: 9، 10، 11، 335، 344، 352، 360. - " كتب الصحاح " [" كتب الصحيح "]: 107، 121، 232، 237، 288، 301، 307، 335، 344، 436، 438، 451. - " كتب الصوفية ": 260. - " كتب الضعفاء والمتروكين ": 221. - " كتب العلم ": 154. - " كتب العلماء المسلمين [الأولين] ": 18، 23. - " الكتب العلمية ": 23. - " كتب الفقهاء المسلمين ": 18. - " كتب الفقه و [الخلاف] ": 5، 28، 300. - " الكتب القديمة ": انظر [" المصادر القديمة "]. - " كتب القوم ": 272. - " كتب الكلام ": 135. - " كتب للرد على إبراهيم النظَّام ": 137، 138. - " كتب اللغة ": 28. - " كتب المؤلفين ": 8. - " كتب المتقدمين ": 109. - " كتب محمد بن الحسن الشيباني ": 410. - " كتب المستشرقين ": 14، 17، 23، 189. - " الكتب المقدسة " [المسيحية]: 24، 107. - " كتب الموضوعات ": 82، 275. - " الكَشَّاف " - الزمخشري: 14. - " كشف الأسرار " - البزدوي: 423 هامش. - " كشف الخفاء ومزيل الألباس فيما يدور من الأحاديث على ألسنة الناس " - العجلوني: 122. - " كشف الظنون " - حاجي خليفة: 447، 449. - " الكفاية " - الخطيب البغدادي: 109. - " الكنى والأسماء " - الدولابي: 327، 327 هامش.

- حرف اللام -

- حرف اللام - - " اللآلئ المصنوعة " - السيوطي: 82 هامش، 121، 122، 274. - " اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة " - الزركشي: 122. - " اللؤلؤ المرصوع فيما لا أصل له أو بأصله موضوع " - الشيخ محمد بن أبي المحاسن القاوقجي: 122. - حرف الميم - - " مؤلفات جولدتسيهر ": انظر [" كتب جولدتسيهر "]. - " مؤلفات شاخت ": 17. - " مؤلفات مرجليوث ": 17. - " المبسوط " - محمد بن الحسن الشيباني: 419. - " المجلات الأسبوعية الأدبية ": 238. - " المجلات الإِسلامية ": 237. - " المجلات العلمية ": 20. - " المجلات العلمية الإسلامية ": 1. - " مجلة حضارة الإسلام ": 283 هامش، 469. - " مجلة الرسالة ": 238 هامش. - " مجلة الفتح ": 1 هامش، 237 هامش، 238 هامش، 295 هامش. - مجلة " المسلمون ": 1 هامش. - مجلة " المنار ": 61 هامش، 153. - " المجموع - شرح المهذب - " - النووي: 307 هامش. - " المجموع الكبير " - زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: 435. - " محاسن المساعي في (مناقب) سيرة الأوزاعي " - شهاب الدين الحنبلي: 424 هامش. - " المحدِّث الفاصل بين الراوي والسامع " - أبو محمد الرامهرمزي: 108. - " المحصول " - الرازي: 71، 71 هامش، 72، 72 هامش، 99، 167، 167 هامش. - " المُحَلَّى " - ابن حزم: 431. - " المختصر " - البويطي: 243. - " مختصر سنن أبي داود ": - الحافظ المنذري: 452. - " مختصر صحيح مسلم " - الحافظ المنذري: 449. - " مختصر الموطأ " - ابن رشيق: 435. - " مختصر الموطأ " - ابن عبد البر: 435.

- " مختصر الموطأ " - أبو سليمان الخطابي: 435. - " المدخل إلى أصول الحديث " - الحاكم: 67 هامش. - " المدخل إلى السنن الكبرى " - البيهقي: 55، 60، 69، 103، 232، 314، 402، 418. - " مدونات السنة المعتبرة ": انظر [" كتب السُنَّة "]. - " مذكرة تاريخ التشريع الإسلامي في كلية الشريعة بالأزهر " - السايس والسبكي والبربري: 67. - " المزاح " - ابن أبي الدنيا: 292. - " المسانيد ": 359. - " مسانيد أبي حنيفة " (السبعة عشر): 257، 412، 413، 414، 415، 441. - " المستخرج " - أبو نعيم: 109. - " المستدرك على الصحيحين " - الحاكم النيسابوري: 55، 56، 88 هامش، 107، 121، 165، 234، 361، 389 هامش. - " المستصفى " - أبو حامد الغزالي: 71، 72 هامش. - " مسلَّم الثبوت " - محب الله البهاري: 168، 264، 265، 269، 299، 300، 303، 308، 315، 316، 317، 423 هامش. - " المسند " - أبو يعلى الموصلي: 76 هامش، 294، 332 هامش. - " المسند " - أحمد بن حنبل: 55، 56 هامش، 60، 60 هامش، 68 هامش، 73، 76 هامش، 88 هامش، 106، 121، 181 هامش، 182 هامش، 213، 239، 244، 245، 255، 282، 285، 285 هامش، 294، 298، 306 هامش، 337، 361، 371، 390 هامش، 438، 442، 443، 444، 469 هامش. - " المسند " - بقي بن مخلد: 295، 342. - " المسند " - الحسن بن زياد اللؤلؤي: 413. - " المسند " - حماد بن الإمام أبي حنيفة النعمان: 413. - " المسند " - الشافعي: 88 هامش، 213، 234، 391 هامش، 414، 440. - " مسند أبي حنيفة " - الخطيب البغدادي: 414. - " مسند أبي حنيفة " - الدارقطني: 414. - " مسند أبي حنيفة " - ابن شاهين: 414. - " مسند أبي حنيفة " - ابن عقدة: 414. - " المسيحية في الإسلام " - القس إبراهيم لوقا: 6، 370. - " مشكل الآثار " - أبو جعفر الطحاوي: 239 هامش، 240، 240 هامش، 255. - المصادر الإسلامية: 23. - مصادر الشيعة: انظر [كتب الشيعة]. - المصادر القديمة [الكتب - العلمية - القديمة]: 23، 25. - " مصباح الزجاجة عل سنن ابن ماجه " - السيوطي: 455. - " المصحف ": 275، 386. - " مصطلح التاريخ " - أسد رستم: 108 هامش. - " المصنف " - ابن أبي شيبة: 412.

- " المصنف " - عبد الرزاق الصنعاني: 182 هامش، 223، 294. - " المضاحك ": 141. - معاجم الجرح والتعديل: 275. - " المعارف " - ابن قتيبة: 139، 292، 369. - " معالم السنن " - أبو سليمان الخطابي: 451، 452. - " معاني الأخبار " - أبو بكر الكلاباذي: 255. - " معايير نقد الحديث عند المحدّثين " - الدكتور محمد أمين المصري: 18. - " المعتمد " - أبو الحسين البصري: 134. - " معجم الأدباء " - ياقوت الحموي: 370. - " المعجم الأوسط " - الطبراني: 107، 240، 383 هامش. - " معجم الحيوان " - معلوف باشا: 370. - المعجم الصغير " - الطبراني: 107. - " المعجم الكبير " - الطبراني: 73، 106، 179 هامش، 255، 279. - " معرفة الصحابة " - ابن منده: 302، 303. - " معرفة علوم الحديث " - الحاكم النيسابوري: 26 هامش، 108، 113، 118 هامش، 232، 415. - " المغازي " - ابن إسحاق: 87. - " المغرب في ترتيب المعرب في اللغة " - ناصر الدين أبو الفتح الشهير بالمطرزي: 58 هامش. - " المغني عن الحفظ والكتاب ": أبو حفص عمر بن بدر الموصلي: 121. - " مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسُنَّة " - السيوطي: 69 هامش، 78 هامش، 151 هامش، 161 هامش، 163 هامش، 164 هامش، 402 هامش، 418 هامش، 449 هامش، 450 هامش. - " مفتاح السُنَّة أو تاريخ فنون الحديث النبوي " - محمد عبد العزيز الخولي: 449 هامش، 450 هامش. - " المفردات " - ابن البيطار المالقي: 286. - " المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة " - السخاوي: 122، 333 هامش. - " مقال في بعض الصحف المصرية " - طه حسين: 371 هامش. - " المقامات " - بديع الزمان الهمذاني: 28، 367. - " المقدمة " - ابن خلدون: 227 هامش، 412. - " مقدمة صحيح مسلم ": 64، 90، 91، 91 هامش، 95، 97، 212، 230، 250، 252، 449. - " مقدمة علوم الحديث " - ابن الصلاح: 109، 220، 220 هامش، 248، 248 هامش، 281، 281 هامش، 306، 307، 438 هامش، 451. - " مقدمة فتح الباري " - ابن حجر العسقلاني: انظر [" هدي الساري "]. - " الملل والنحل " - الشهرستاني: 140. - " مناقب أبي حنيفة " - الموفق المكي: 407 هامش، 417 هامش، 421 هامش. - " المنتقى " - أبو الوليد الباجي: 410.

- " المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج " - النووي: 38 هامش، 252، 265، 282، 288، 330 هامش، 449. - " منهاج السنّة النبوية " - ابن تيمية: 79 هامش، 83 هامش، 94 هامش، 101 هامش، 255 هامش، 444. - " المهذب ": 307 هامش. - " الموافقات " - الشاطبي: 48 هامش، 163 هامش، 380، 383 هامش، 384 هامش، 386 هامش، 387 هامش، 388 هامش، 392 هامش. - " المواقف " - عضد الدين الإيجي: 135. - " موسوعة الفقه الإسلامي " في كلية الشريعة بدمشق: 2. - " الموضوعات " - ابن الجوزي: 82 هامش، 121، 122، 274، 443. - " الموضوعات " - الجوزجاني: 378. - " الموضوعات " - مُلاَّ علي القاري: 122. - " الموطأ " - مالك بن أنس (رواية ابن بُكَيْر): 434. - " الموطأ " - مالك بن أنس (رواية ابن وهب): 434. - " الموطأ " - مالك بن أنس (رواية أبي مصعب الزُّهري): 434. - " الموطأ " - مالك بن أنس (رواية محمد بن الحسن الشيباني): 415 هامش، 431، 434، 435. - " الموطأ " - مالك بن أنس [" كتاب مالك "] (رواية يحيى بن يحيى الليثي): 27، 53، 68 هامش، 173 هامش، 179 هامش، 189، 213، 245، 255، 371، 409، 410، 414، 415 هامش، 421، 430، 431، 432، 433، 434، 435، 436، 437، 438، 439، 455. - " ميزان الاعتدال " - الذهبي: 111، 453 هامش. - " الميزان الكبرى " - الشعراني: 418، 418 هامش.

- حرف النون -

- حرف النون - - " النامي على الموطأ " - أبو جعفر الداودي: 409. - " نتائج الأفكار " - ابن حجر العسقلاني: 244. - " النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة " - ابن تغري بردي: 370. - " نخبة الفكر في مصطلح الأثر " - ابن حجر: 109. - " نسختا زفر بن الهذيل في الحديث ": 415. - " نسخة ابن هدبة ": 234. - " نسخة أبي الدنيا الأشج ": 234. - " نسخة دينار ": 234. - " نصب الراية " - الزيلعي: 274. - " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي " - الدكتور علي حسن عبد القادر: 21، 190، 435. - " النكت الطريفة في ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة " - محمد زاهد الكوثري: 404 هامش، 405 هامش، 425، 426 هامش. - " نكت الهميان في نكت العميان " - الصفدي: 370. - " نهاية الأرب " - النويري: 369. - " نهج البلاغة " - الشريف الرضي: 8 هامش، 241. - حرف الهاء - - " الهداية " - المرغيناني: 224، 404، 424. - " هدي الساري " [مقدمة فتح الباري]- ابن حجر العسقلاني: 446، 447، 447 هامش. - " الهدي النبوي " - ابن القيم: 286. - حرف الواو - - " وجهة الإسلام " - جماعة من المستشرقين [المستشرق جب]: 6، 23. - " الوسيط في تراجم علماء وأدباء شنقيط " - الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي: 295.

§1/1