السنة النبوية ومكانتها - با جمعان

محمد بن عبد الله باجمعان

مقدمة

المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فإن الله تكفل بحفظ هذا الدين كتاباً وسنةً؛ من التحريف والتبديل؛ قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ، وقد أرسل الله -سبحانه وتعالى- رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليبلغهم دينهم، وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الدين كاملاً غير منقوص، وَبيَّنَه للناس بقوله وفعله وتقريراته، ونفذ تعاليمه كاملة في حياته صلى الله عليه وسلم، وقام بتربية المجتمع المسلم، وبتزكيتهم كما أمره الله -عزَّ وجل-، وبقيت سيرته ومنهجه بعد موته؛ لتكون نبراساً للناس يستضيئون به بعد موته إلى قيام الساعة. قال صلى الله عليه وسلم: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ " (1) . ومنهجه صلى الله عليه وسلم يتمثل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون" (2) .

_ (1) رواه مسلم في صحيحه 3/1523، كتاب الإمارة، بَاب قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ"، الحديث رقم 1920. (2) المستدرك على الصحيحين في الحديث 1/93. والحديث في صحيح مسلم 2/886-892، في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث رقم 1218.

لذلك كانت السنة مكملة للقرآن ومفسرة له؛ وهي بهذا المعنى المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، ولكنها من حيث الاحتجاج والعمل بها فهي مثل القرآن الكريم، كما سنرى في هذا البحث. وقد قسمت هذا البحث إلى تمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة؛ كما يلي: تمهيد: في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني. المبحث الأول: تعريف السنة في اللغة، وبيان المعاني التي تطلق عليها. وفيه مطلبان هما: المطلب الأول: تعريف السنة في اللغة. المطلب الثاني: بيان المعاني التي يطلق عليها لفظ السنة. المبحث الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح. وفيه ثلاثة مطالب هي: المطلب الأول: السبب في الاختلاف في تعريف السنة في الاصطلاح. المطلب الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح. المطلب الثالث: مفهوم السنة في القرون الأولى. الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي: في مبحثين هما: المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي: وبه مطلبان هما: المطلب الأول: المصدر الأول: القرآن الكريم. المطلب الثاني: المصدر الثاني: السنة النبوية. المبحث الثاني: المصادر الفرعية للتشريع الإسلامي: وبه مطلبان هما: المطلب الأول: المصدر الأول: الإجماع. المطلب الثاني: المصدر الثاني: القياس.

الفصل الثاني: مرتبة السنة النبوية في التشريع الإسلامي: في تمهيد ومبحثين. تمهيد المبحث الأول: السنة بيان للقرآن الكريم، ووحي نزل بها جبريل - عليه السلام- على الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه مطلبان: المطلب الأول: السنة بيان للقرآن الكريم. المطلب الثاني: السنة وحي نزل بها جبريل -عليه السلام- على الرسول صلى الله عليه وسلم. المبحث الثاني: مكانة السنة من القرآن. وفيه مطلبان هما: المطلب الأول: مكانة السنة من القرآن من حيث الاحتجاجُ بها، وتكفُّلُ الله بحفظها. المطلب الثاني: مكانة السنة من القرآن من حيث ثبوتها واعتبارها المصدر الثاني. الفصل الثالث: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل: في مبحثين، لكل مبحث مطلبان. المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها. المطلب الأول: معنى حجية السنة ودليل ذلك. المطلب الثاني: حجية السنة عند علماء المسلمين، والأدلة على ذلك. المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث وجوب العمل بها، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: السنة كالقرآن من حيث وجوب العمل بها. المطلب الثاني: الأدلة على وجوب العمل بالسنة. الخاتمة: وأذكر فيها – بإذن الله عز وجل – أهم النتائج التي توصلت إليها، وأهم التوصيات والمقترحات التي تثري هذا الموضوع في شريعتنا الغراء.

تمهيد في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني

تمهيد في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني مدخل ... تمهيد في التعريف بمعاني السنة حسب اللغة والاصطلاح، وما تطلق عليه من المعاني: الحمد لله رب العالمين، الذي أنزل هذا الدين، وحفظه من التحريف والتبديل، حيث قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإن السنة لها مكانة عظيمة في هذا الدين، فإنها المفسرة للقرآن الكريم، والمبينة له. وهي وحي من الله عز وجل؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" 1. سأتحدث في هذه المقدمة عن تعريف السنة لغة وشرعاً، وذكر معانيها التي تطلق عليها، وأهميتها في معرفة الشريعة الإسلامية من خلال فروعها القولية والفعلية والتقريرية، التي تتمثل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وعبادته وتشريعاته ومنهجه في حياته كلها.

_ (1) رواه الإمام أحمد في مسنده، 28/410-411، برقم 17174، ورواه أبو داود في سننه، 5/10-12، كتاب السنة، بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ، الحديث رقم 4604.

المبحث الأول: تعريف السنة في اللغة، وبيان المعاني التي تطلق عليها

المبحث الأول: تعريف السنة في اللغة، وبيان المعاني التي تطلق عليها: المطلب الأول: تعريف السنة في اللغة: هي السيرة والطريقة. قال ابن منظور: "السنة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة. وقد استعملت السنة في القرآن الكريم بمعنى الطريقة. قال الراغب الأصفهاني: "وسنة النبي طريقته التي كان يتحراها، وسنة الله -تعالى- قد تقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته. نحو: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح:23] ، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43] . فنبه على فروع الشرائع وإن اختلفت صورها، فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل؛ وهو تطهير النفس وإعدادها لتنال ثواب الله تعالى وجواره" (1) . وتطلق السنة في اللغة على معان أخرى كثيرة (2) .

_ (1) المفردات في غريب القرآن ص 250. (2) منها: الدوام، والمثال المتبع، والإمام المؤتم به، كما تطلق على الطبيعة، والوجه، وعلى الخط الأسود على متن الحمار، وعلى تمر بالمدينة معروف. نقل ذلك كله الدكتور عبد الغني عبد الخالق، في كتابه "حجية السنة" ص 47-48.

المطلب الثاني: بيان المعاني التي تطلق عليها السنة

المطلب الثاني: بيان المعاني التي تطلق عليها السنة: ذكر الشاطبي إطلاقات السنة في الشرع فقال: "1- يطلق لفظ (السنة) على ما جاء منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص، مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز، بل إنما نص عليه من جهته - عليه الصلاة والسلام-، كان بياناً للكتاب أو لا. 2-ويطلق أيضاً في مقابلة البدع، فيقال: (فلان على سنة) إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أو لا، ويقال: (فلان على بدعة) ، إذا عمل على خلاف ذلك. 3- ويطلق أيضاً لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد؛ لكونه اتباعاً لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهاداً مجتمعاً عليه منهم أو من خلفائهم، فإن إجماعهم إجماع، وعمل خلفائهم راجع أيضاً إلى حقيقة الإجماع، من جهة حمل الناس عليه حسبما اقتضاه النظر المصلحي عنهم. فيدخل تحت هذا الإطلاق المصالح المرسلة والاستحسان؛ كما فعلوا في حد الخمر، وتضمين الصُّنَّاع، وجمع المصحف ... ويدل على هذا الإطلاق قوله (1) عليه الصلاة والسلام: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ" (2) .

_ (1) رواه أبو داود في سننه 5/13-14، في كتاب السنة، باب لزوم السنة، الحديث رقم 4607، وسنن ابن ماجه 1/15-16، في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، الحديث رقم الحديث 42. وهو صحيح، انظر: صحيح سنن أبي داود للشيخ الألباني (3/118-119) برقم 4607، وصحيح ابن ماجه برقم 42. (2) الموافقات 4/3-7.

المبحث الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح

المبحث الثاني: تعريف السنة في الاصطلاح: المطلب الأول: تعريف السنة في الاصطلاح: عرفها علماء الحديث: بأنها "كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية أو سيرة، سواء أكان ذلك قبل البعثة -كتحنثه في غار حراء- أم بعدها، والسنة بهذا مرادفة للحديث النبوي" (1) . هل يختلف مفهوم السنة عن مفهوم الحديث؟ لقد سبق بيان تعريف السنة فيما سبق، وسأتحدث الآن عن تعريف الحديث؛ ليتضح مدى اتفاقهما أو اختلافهما في المعنى. الحديث يطلق في اللغة على الجديد ضد القديم، كما يطلق على الخبر والقصص. قال في القاموس المحيط: "والحديث: الجديد والخبر" (2) . وتخصيص الحديث بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، قد بدأ في حياته صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَّ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ. أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ" (3) .

_ (1) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 19، وانظر كتاب الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية لمحمد أبو زهو، ص 10. (2) انظر القاموس المحيط مادة "حدث". (1/170) . (3) صحيح البخاري مع فتح الباري 11/418، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، الحديث رقم 6570.

ثم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، اتسع هذا المصطلح حتى أصبح بعد ظهور علم مصطلح الحديث، يطلق معنى الحديث على: "ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفةً" (1) . بعد عرض تعريف السنة والحديث، اتضح أنه لا فرق بينهما في التعريف الشرعي؛ وقد بَيَّنَ شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأمر فقال: " الحديث النبوي عند الإطلاق ينصرف إلى ما حدث به بعد النبوة: من قوله وفعله وإقراره". ثم قال: "فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة" (2) . ثم أضاف شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يدخل في تعريف السنة ما يتعلق بسيرته وحسن أخلاقه؛ فقال - بعد أن تحدث عن بعض أفعاله وتقريراته -: "فهذا كله يدخل في مسمى الحديث، وقد يدخل فيها بعض أخباره قبل النبوة، وبعض سيرته قبل النبوة، مثل: تحنثه بغار حراء. ومثل حسن سيرته، كقول خديجة له:" كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق ... " (3) . أما تعريف السنة عند علماء الأصول: فقد عَرَّفها الآمدي بأنها: "تطلق على ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلوٍ، ولا هو معجز، ولا داخل في المعجز" (4) . كما عَرَّفها غيره بأنها: "كل ما صدر عن

_ (1) قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ص 61. (2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 18/6-7. (3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 18/10. (4) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/156.

النبي صلى الله عليه وسلم، غير القرآن الكريم، من قول، أو فعل، أو تقرير (1) ، مما يصلح أن يكون دليلاً لحكم شرعي" (2) . والسنة في اصطلاح الفقهاء: "هي كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن من باب الفرض ولا الواجب" (3) .

_ (1) انظر إرشاد الفحول ص 33؛ حيث قال في تعريف السنة شرعاً: "قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره". (2) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 19. (3) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 19.

المطلب الثاني: مفهوم السنة في القرون الأولى

المطلب الثاني: مفهوم السنة في القرون الأولى: ولكن السنة مرت في مفهومها في القرون الأولى بمراحل: أولاً: إطلاقها على الشريعة كلها حيث إن الشريعة كلها هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ورد هذا المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء:26] ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها" (4) . ثانياً: إطلاقها على العقيدة عند أهل السنة والجماعة بعد ظهور الفرق المبتدعة، أُلِّفت الكتب باسم السنة لبيان منهج العقيدة

_ (4) تفسير ابن كثير 2/233.

الذي يميز ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن غيرهم، ولهذا أطلق عليهم اسم أهل السنة والجماعة. وقد أُلِّفت الكتب باسم السنة لبيان أصول الدين ومسائل الاعتقاد، وساد هذا الاصطلاح في القرن الثالث الهجري. ومن الكتب التي أُلِّفت في ذلك: السنة للإمام أحمد، وصريح السنة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، والسنة لابن أبي عاصم الضحاك، وكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي وغيرهم (1) . ولذا عرَّف علماء العقيدة السنة بأن المراد بها: "الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل ظهور البدع والمقالات" (2) . وعرفها ناصر العقل -من الجانب العقدي- بقوله: "الهدي الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، علماً واعتقاداً وقولاً وعملاً، وهي السنة التي يجب اتباعها، ويحمد أهلها، ويذم من خالفها" (3) . ثالثاً: ورد التفريق بين السنة والحديث عند بعض المتقدمين في القرن الثاني الهجري فقد ورد ذلك عن الأعمش حيث قال: "لا أعلم لِله قوماً أفضل من قوم يطلبون هذا الحديث، ويحبون السنة" (4) ، وأوضح منه في هذا المعنى قول عبد الرحمن بن مهدي: "الناس على وجوه؛ فمنهم من هو إمام في السنة،

_ (1) انظر تفصيل أسماء الكتب التي ألفت في ذلك: كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم للالكائي ص 50 من مقدمة المحقق، وكتاب مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة ص 44. (2) شرح العقيدة الواسطية ص 15-16. (3) مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة ص 13. (4) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للرامهرمزي ص 177،

وليس بإمام في الحديث، ومنهم من هو إمام في الحديث وليس بإمام في السنة" (1) . وربما كان أساس التفريق هو أنهم كانوا ينظرون إلى أن "الحديث أمر علمي نظري، وأن السنة أمر عملي (2) ؛ إذ إنها كانت تعتبر المثل الأعلى للسلوك في كل أمور الدين والدنيا، وكان هذا سبب الاجتهاد في البحث عنها والاعتناء بحفظها والاقتداء بها" (3) . قال الدكتور رفعت فوزي: "وربما كان الأساس هو أن بعضهم كان ينظر إلى السنة على أنها أعم من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره، وتشمل أفعال الصحابة والتابعين" (4) . رابعاً: استقر الأمر على المساواة بين السنة والحديث في المعنى بعد كتابة علم مصطلح الحديث، استقر الأمر على عدم التفريق بين السنة والحديث في المعنى؛ كما سبق أن بينته.

_ (1) كتاب الجرح والتعديل للرازي ص 118. (2) وربما كان وجه تفريق السلف بين الإمامة في الحديث والإمامة في السنة ما ذكره ابن الصلاح في فتاواه (1/213) بتحقيق عبد المعطي قلعجي، حينما سئل عن قول بعضهم عن الإمام مالك: إنه جمع بين السنة والحديث، فما الفرق بين السنة والحديث؟ فأجاب: بأن السنة هاهنا ضد البدعة، وقد يكون الإنسان من أهل الحديث وهو مبتدع، ومالك رحمة الله عليه جمع السنتين فكان عالماً بالسنة أي الحديث، ومعتقداً للسنة، أي كان على مذهب أهل الحق من غير بدعة، والله أعلم. (اللجنة العلمية) . (3) الاتجاهات الفقهية ص 16. (4) توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته ص 20.

الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي

الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي المطلب الأول: المصدر الأول القرآن الكريم ... الفصل الأول: مصادر التشريع الإسلامي: الشريعة لها مصادر تستقي منها علومها التي انبثقت منها، وهي كلها تعتمد على الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، قرآناً وسنة. وهذان هما المصدران الأساسيان، وهناك مصادر فرعية أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة: كالإجماع والقياس (1) . المبحث الأول: المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي: المطلب الأول: المصدر الأول: القرآن الكريم: تعريف القرآن لغة: القرآن مصدر للفعل قرأ، بمعنى: تلا (2) . وقال الجوهري: "قرأت الشيء قرآناً: جمعته وضممت بعضه إلى بعض، ... ، وقرأت الكتاب: قراءة وقُرْآناً، ومنه سمي القرآن. وقال أبو عبيدة: سُمِّي القرآن؛ لأنه يجمع السور فيضمها. وقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:17] ، أي جمعه وقراءته، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:18] ، أي قراءته" (3) . ثم أطلق هذا الاسم على القرآن الكريم، وصار علماً له.

_ (1) انظر كتاب المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص 183. (2) انظر القاموس المحيط 1/25. (3) الصحاح 1/65.

تعريف القرآن اصطلاحاً: وأما تعريف القرآن الاصطلاحي، فهو: "كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان عربي مبين، والمكتوب بين دفتي المصاحف، والمنقول إلينا تواتراً" (1) . وعرفه الزرقاني بأنه "اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المنقول عنه بالتواتر، المتعبد بتلاوته" (2) . وهذا التعريف الذي استقر عليه الأمر واشتهر عن المؤلفين (3) . ومن خصائص القرآن الكريم أنه معجز للبشر عن أن يأتوا بمثله، وإذا ثبت العجز من الجميع، ثبت أن القرآن من عند الله -عز وجل-، وإذ ثبت ذلك وجب على الناس اتباعه، وعلى هذا فالقرآن الكريم حجة على جميع الناس؛ قال تعالى مبيناً ذلك: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] .

_ (1) التعريف بالقرآن والحديث لمحمد الزفزاف ص 5. (2) مناهل العرفان في علوم القرآن 1/20. (3) والراجح في تعريف القرآن ما ذكره الطحاوي في شرح العقيدة الطحاوية (1/172) " إن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية ". (اللجنة العلمية) .

المطلب الثاني: المصدر الثاني هو السنة النبوية

المطلب الثاني: المصدر الثاني هو السنة النبوية: للسنة مع القرآن ثلاثة أحوال هي: 1-إما موافقة للقرآن ومؤكدة لما ثبت فيه من أحكام، أو مفرعة على أصل تقرر فيه. ومثال ذلك جميع الأحاديث التي تدل على وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك، وكذلك ما جاء في السنة من النهي عن عقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقتل النفس بغير حق ونحو ذلك. 2- أحكام مبينة ومفصلة لمجمل القرآن. ومن ذلك السنة التي بينت مقادير الزكاة، ومقدار المال المسروق الذي تقطع فيه يد السارق. وأنواع البيان الأخرى مثل: تخصيص العام في القرآن، وتقييد مطلق القرآن. 3- أحكام جديدة لم يذكرها القرآن الكريم؛ وليست بياناً له، ولا تأكيداً لما ثبت فيه من أحكام. مثل تحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وتحريم نكاح المرأة على عمتها، أو على خالتها (1) . ومما يبين أن هذين المصدرين هما مصدران أساسيان؛ أن الله تعالى أمر بالرجوع إليهما عند التنازع، لكون ما عداهما تابعاً لهما. قال ابن حزم: "فكانت الأخبار التي ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع الشرائع، أولها عن آخرها: وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} [النساء:59] ، فهذا أصل وهو القرآن، ثم قال تعالى:

_ (1) انظر كتاب أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 47-49، وكتاب المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص 194.

{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:59] ، فهذا ثانٍ، وهو الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ، فهذا ثالثٌ وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه، وصح لنا بنص القرآن أن الأخبار هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع. ثم قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] " (1) . فدل كلام ابن حزم على أن المصدرين الأساسيين، هما القرآن والسنة؛ بدليل الاعتماد عليهما عند التنازع، وبدليل أن الإجماع لا يصح إلا بدليل من الكتاب أو السنة. وهناك مصادر تشريعية تابعة لهذين المصدرين الأساسيين، أرشدت إليها نصوص الكتاب والسنة، هي: الإجماع والقياس.

_ (1) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/108-109.

المبحث الثاني: المصادر الفرعية للتشريع الإسلامي

المبحث الثاني: المصادر الفرعية للتشريع الإسلامي: المطلب الأول: المصدر الأول: الإجماع: معنى الإجماع في اللغة: الاتفاق، وجعل الأمر جميعاً بعد تفرقه، والعزم على الأمر: أجمعت الأمر وعليه، والأمر مجمع (1) . "قال الكسائي: يقال: أجمعت الأمر وعلى الأمر، إذا عزمت عليه؛ والأمر مُجمَعٌ ... وقال تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس:71] ، أي وادعوا شركاءكم؛ لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، إنما يقال: جمعت" (2) . وقسم الآمدي معنى الإجماع في اللغة إلى اعتبارين: أحدهما: العزم على الشيء والتصميم عليه. ومنه يقال: أجمع فلان على كذا، إذا عزم عليه ... وعلى هذا يصح إطلاق اسم الإجماع على عزم الواحد (3) . والثاني: الاتفاق؛ ومنه يقال: أجمع القوم على كذا؛ إذا اتفقوا عليه. وعلى هذا فاتفاق كل طائفةٍ على أمرٍ من الأمور، دينياً كان أو دنيوياً، يسمى إجماعاً حتى اتفاق اليهود والنصارى" (4) .

_ (1) انظر القاموس المحيط 3/15، مادة (جمع) . (2) الصحاح للجوهري 3/1199. ومراد الجوهري أن معنى الآية: أجمعوا أمركم، وادعوا شركاءكم، وليس المراد "وأجمعوا شركاءكم"؛ لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وإنما يقال: جمعت شركائي. (3) الإحكام في أصول الأحكام 1/179. وأشار إلى الآية المذكورة قبله. وإلى حديث:"لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" أي يعزم. (4) الإحكام في أصول الأحكام 1/179.

ومعنى الإجماع اصطلاحاً: "اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة على أمر من الأمور الدينية" (1) . وعرفه الآمدي بقوله: "الإجماع عبارة عن اتفاق جملة من أهل الحل والعقد من أمة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع. هذا إن قلنا: إن العامِّيَّ لا يعتبر في الإجماع. وإلا فالواجب أن يقال: الإجماع عبارة عن اتفاق المكلفين من أمة محمد ... "إلخ (2) . وقال الباجي: الإجماع هو: "إجماع علماء العصر في حكم حادثة لم يتقدم فيها خلاف" (3) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "معنى الإجماع: أن تجتمع علماء المسلمين على حكم من الأحكام. وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكنْ كثير من المسائل يظن بعض الناس فيها إجماعاً، ولا يكون الأمر كذلك، بل يكون القول الآخر أرجح في الكتاب والسنة" (4) . وبهذا يتضح أن الإجماع يعد مُلْزِماً ويجب العمل به. ولكن بعض المؤلفين قد يتساهلون في إطلاق الإجماع على مسائل فيها خلاف، لذلك نبه شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الأمر، كما سبق في كلامه.

_ (1) المستصفى من علم الأصول 2/294. (2) الإحكام في أصول الأحكام 1/180، قال هذا التعريف جمعاً بين الأقوال التي ذكرها. (3) كتاب الحدود في الأصول ص 64. (4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 20/10، ثم بيَّن أن قول الأئمة الأربعة ليس حجة لازمة ولا إجماعاً.

كيف نشأ الإجماع؟ كان الصحابة ملتفين حول الرسول صلى الله عليه وسلم، يتعلمون منه، ويلازمونه في أموره كلها، وشاهدوا الوقائع والحوادث، وعايشوا التنزيل، ولذلك فهم أعرف الناس بمعاني آيات القرآن الكريم، ونصوص السنة؛ وإضافة إلى ذلك فقد هيأهم الله - سبحانه وتعالى- لأن يهتدوا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتفوا أثره، وفضلهم على من بعدهم بشرف الصحبة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ " (1) . ثم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا إذا حدثت لهم قضية، تشاوروا فيها، وبحثوا عن دليل عند أحدٍ منهم، فإن لم يجدوا اجتهدوا في الوصول إلى رأي واحد. فإذا استطاعوا أن يجتمعوا على رأي واحد في القضية فعلوا؛ فكان ذلك أساساً للعمل بالإجماع، والاحتجاج به. وقد دل القرآن والسنة على العمل بإجماعهم، قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] ، وبهذا يتضح مدى اعتماد هذا المصدر على المصدرين الرئيسين الكتاب والسنة؛"فإن إجماعهم يرجع لنفس النص، أو أنه يكشف عن دليل سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولاستحالة اجتماعهم على خطأ أصلاً" (2) ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا

_ (1) رواه مسلم في صحيحه، 1/69-70، كتاب الإيمان، بَاب بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ الإيمان وَأَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ، الحديث رقم 50. (2) أسباب اختلاف الفقهاء/للدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ص 102.

يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ" (1) . واستدل العلماء بذلك على العمل بالإجماع، قال النووي: "وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِكَوْنِ الإجماع حُجَّة، وَهُوَ أَصَحّ مَا اسْتُدِلَّ بِهِ لَهُ مِن الْحَدِيث، وَأَمَّا حَدِيث " لا تَجْتَمِع أُمَّتِي عَلَى ضَلالة " فَضَعِيف. وَاللَّهُ أَعْلَم" (2) . وقد بَيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذه الأصول الثلاثة، الكتاب والسنة والإجماع، وأنها مصادر صحيحة لمعرفة الحق، وتمييزه من الباطل؛ حيث قال: "إن الحق الذي لا باطل فيه: هو ما جاءت به الرسل عن الله، وذلك في حقنا يعرف: بالكتاب والسنة والإجماع. وأما ما لم تجئ به الرسل عن الله، أو جاءت به، ولكن ليس لنا طريق موصلة إلى العلم به؛ ففيه الحق والباطل؛ فلهذا كانت الحجة الواجبة الاتباع: للكتاب والسنة والإجماع؛ فإن هذا حق لا باطل فيه، واجب الاتباع، لا يجوز تركه بحال، عام الوجوب، لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحد الخروج عن شيء مما دلت عليه. وهي مبنية على أصلين: أحدهما: أن هذا جاء به الرسول. والثاني: أن ما جاء به الرسول وجب اتباعه" (3) .

_ (1) رواه مسلم في صحيحه 3/1523، كتاب الإمارة، بَاب قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ"، الحديث رقم 1920. (2) شرح النووي لمسلم 13/67. والحديث رواه أبو داود 4/452، في كتاب الفتن، باب الفتن ودلائلها. الحديث رقم 4253، وابن ماجه 2/1303، في كتاب الفتن، باب السواد الأعظم. الحديث رقم 3950، وأحمد في مسنده 45/200، ورقم الحديث 27224. وقال عنه المحقق: "صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف؛ لإيهام الراوي عن أبي بصرة ... وبقية رجال السند ثقات، رجال الصحيح" وذكر له شواهد كثيرة. وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/320. (3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 19/5-6.

مستند الإجماع: لابد أن يستند الإجماع إلى دليل؛ لأن القول في الأمور الشرعية من غير دليل خطأ، والأمة الإسلامية لا تجتمع على خطأ ... فلابد إذن أن يكون إجماع المجتهدين عن دليل لئلا تجتمع الأمة على خطأ؛ لأن غير المجتهدين تبع للمجتهدين، فإذا وقع المجتهدون في الخطأ وقعت الأمة في الخطأ، واجتماعها على الخطأ منفي عنها بنص الأحاديث. ومستند الإجماع، أي دليله قد يكون نصاً من الكتاب والسنة، كما قد يكون قياساً، أو عرفاً، أو غير ذلك من أنواع الاجتهاد" (1) . الإجماع في العصر الحاضر: هل يمكن الاستفادة من هذا المصدر في عصرنا الحاضر؟ وكيف يمكن ذلك؟ أجاب الدكتور عبد الكريم زيدان عن هذا السؤال بالإيجاب، وَبيَّنَ كيفية الاستفادة من ذلك فقال: "ونعتقد أن هذه الاستفادة لا يمكن أن تتم إلا عن طريق إيجاد مجمع فقهي يضم جميع المجتهدين من جميع الأقطار الإسلامية، ويكون لهذا المجمع مكان معين، ويهيأ (2) له جميع ما يلزم لعمله، وتعرض عليه المسائل والوقائع الجديدة لدراستها وإيجاد الأحكام لها، ثم تنشر هذه الأحكام في نشرات دورية أو كتب خاصة لإطلاع الناس عليها، وإبداء أولي العلم آراءهم فيها. فإذا ما اتفقت الآراء على هذه الأحكام كانت من الأحكام المجمع عليها، وكان هذا الإجماع قريباً من الإجماع المنصوص عليه عند الفقهاء، ولزم اتباعه، والعمل بموجبه" (3) .

_ (1) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية/ لعبد الكريم زيدان ص 196. (2) في الأصل "ويهيء" ولا تستقيم العبارة. (3) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص 198.

المطلب الثاني: المصدر الثاني: القياس

المطلب الثاني: المصدر الثاني: القياس: القياس لغة: مأخوذ من "قاسه بغيره وعليه: يقيسه قيساً وقياساً، واقتاسه: قَدَّره على مثاله فانقاس" (1) . "وقايست بين الأمرين مقايسةً وقياساً. ويقال أيضاً: قايست فلاناً، إذا جاريته في القياس. وهو يقتاس الشيء بغيره، أي يقيسه به. ويقتاس بأبيه اقتياساً: أي يسلك سبيله ويقتدي به" (2) . أو يمكن أن يقال: القياس في اللغة يدور حول التقدير والمساواة (3) . وأما في الشرع: القياس: حمل معلوم على معلوم، في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما، بأمرٍ يجمع بينهما، من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما" (4) . ويمكن تعريفه بأنه: "حمل فرع على أصل في حكم بجامعٍ بينهما" (5) . والقياس له أهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية؛ حيث إن نصوص الكتاب والسنة محصورة، والقضايا التي تحتاجها الأمة غير محصورة؛ بل متجددة وغير متناهية. قال الجويني مبيناً أهميته في الدين: "القياس مناط الاجتهاد، وأصل الرأي، ومنه يتشعب الفقه، وأساليب الشريعة، وهو المفضي إلى الاستقلال بتفاصيل أحكام الوقائع، مع انتفاء الغاية والنهاية؛ فإن نصوص الكتاب والسنة محصورة مقصورة، ومواقع الإجماع معدودة مأثورة، فما ينقل منهما تواتراً،

_ (1) القاموس المحيط 2/253، وانظر الصحاح للجوهري 3/967. (2) الصحاح للجوهري 3/967-968. (3) انظر الإحكام في أصول الأحكام 3/167، وأصول مذهب الإمام أحمد ص 549. (4) البرهان في أصول الفقه للجويني 2/745. (5) روضة الناظر وجنة المناظر ص 145.

فهو المستنِد إلى القطع وهو معوز قليل، وما ينقله الآحاد عن علماء الأعصار ينزل منزلة أخبار الآحاد، وهي على الجملة متناهية، ونحن نعلم قطعاً أن الوقائع التي يتوقع وقوعها لا نهاية لها. والرأي المبتوت المقطوع به عندنا: أنه لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى، متلقى من قاعدة الشرع، والأصل الذي يسترسل على جميع الوقائع القياس، وما يتعلق به من وجوه النظر والاستدلال فهو إذن أحق الأصول باعتناء الطالب، ومن عرف مأخذه وتقاسيمه، وصحيحه وفاسده، وما يصح من الاعتراضات عليها، وما يفسد منها، وأحاط بمراتبه جلاءً وخفاءً، وعرف مجاريها ومواقعها، فقد احتوى على مجامع الفقه" (1) . وفي الحقيقة: يعدُّ القياس من أعظم مميزات هذا الدين، يوضح ذلك صاحب كتاب إثبات القياس بقوله: "والقياس مظهر من أعظم مظاهر شمول الشريعة وعمومها، وأبرز سمات بقائها ودوامها، فبالقياس ترد الأحكام التي يجتهد فيها المجتهد إلى الكتاب والسنة؛ لأن الحكم الشرعي يكون نصاً أو حملاً على نصٍ بطريق القياس" (2) . حجية القياس: القياس حجة عند الصحابة وجمهور علماء السلف والخلف. قال الغزالي: "والذي ذهب إليه الصحابة رضي الله عنهم بأجمعهم، وجماهير الفقهاء والمتكلمين بعدهم رحمهم الله، وقوع التعبد به شرعاً" (3) .

_ (1) البرهان في أصول الفقه 2/743-744. (2) كتاب إثبات القياس في الشريعة والرد على منكريه، لعبد القادر شيبة الحمد ص 3. (3) المستصفى 3/494.

وقال الجويني: "ذهب علماء الشريعة، وأهل الحل والعقد إلى أن التعبد بالقياس في مجال الظنون جائز غير ممتنع" (1) ، ثم قال: "نحن نعلم قطعاً أن الوقائع التي جرت فيها فتاوى علماء الصحابة وأقضيتهم، تزيد على المنصوصات زيادة لا يحصرها عد، ولا يحويها حد؛ فإنهم كانوا قايسين في قريب من مائة سنة، والوقائع تترى" (2) . وقال شيبة الحمد: "ذهب عامة الفقهاء والمتكلمين من سلف الأمة وخلفها إلى أن القياس حجة شرعية، وأصل من أصول الفقه في الشريعة الإسلامية، مستدلين بكتاب الله -تعالى-، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، والفطرة والعقل" (3) .

_ (1) البرهان 2/753. (2) البرهان 2/764-765. (3) كتاب إثبات القياس في الشريعة والرد على منكريه ص 15.

الفصل الثاني: مرتبة السنة النبوية في التشريع الإسلامي

الفصل الثاني: مرتبة السنة النبوية في التشريع الإسلامي مدخل ... الفصل الثاني: مرتبة السنة النبوية في التشريع الإسلامي: تمهيد: إن الله عز وجل أرسل الرسل عليهم صلوات الله وسلامه إلى أقوامهم؛ لكي يبلغوهم دين الله عز وجل، وأنزل على كل نبي كتاباً سماوياً ليعلم أمته كتاب ربهم، بأقواله وأفعاله؛ وقد أرسل كل رسول بلسان قومه؛ ليفهموا منه دين الله عز وجل قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] ، وكذلك جعل الله سبحانه وتعالى الاقتداء بالأنبياء، والتأسي بهم واجب على الأمة، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] ، مهمة الأنبياء إذن هي: تعليم الناس دين الله سبحانه وتعالى بسيرتهم قولاً وفعلاً، وبإقامة حياة الناس، وتحقيق مصالحهم؛ بحسب ما يقتضيه دين الله عز وجل، والناس مطالبون بكل تلك الأعمال التي يقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم، والتأسي بها كلها، وهذا ما يسمى بالاتباع، وهو أحد شرطي الشهادتين. إن شهادة أن لا إله إلا الله، تعني: أن لا معبود بحقٍ إلا الله عز وجل، وأن العباد يجب عليهم أن يعبدوا الله تعالى وحده، ويخلصوه بالعبادة؛ فلا يشركوا معه غيره. وشهادة أن محمداً رسول الله، تعني توحيد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تصح العبادة حتى تكون موافقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". وفي رواية عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (1) . وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] . وبهذا تصبح حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها سنة، مطابقة لما أمر به الله سبحانه وتعالى، وهذا هو البيان الذي أمره الله به. قال الله تعالى في محكم كتابه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] .

_ (1) رواه مسلم في صحيحه، 3/1343-1344، كتاب الأقضية، بَاب نَقْضِ الأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ وَرَدِّ مُحْدَثَاتِ الأُمُورِ. رقم الحديث 1718.

المبحث الأول: السنة بيان للقرآن الكريم، ووحي نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم

المبحث الأول: السنة بيان للقرآن الكريم، ووحي نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم: المطلب الأول: السنة بيان للقرآن الكريم: والبيان المقصود في الآية يشمل نوعين من البيان، هما: 1- بيان لفظه ونظمه، وهو تبليغ القرآن الكريم، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزله الله تبارك وتعالى. وهو المراد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] . وحديث عائشة في عدم كتمان النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في الصحيحين (1) . 2- بيان معاني القرآن الكريم في الآيات المجملة، أو العامة أو المطلقة؛ فتأتي السنة فتوضح المجمل، وتخصص العام، وتقيد المطلق؛ وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم، وبفعله، وبتقريره (2) . وهذا البيان المطلوب للقرآن الكريم يكون بالسنة النبوية، وكلاهما وحي من عند الله عز وجل. قال ابن حزم -مبيِّناً هذه القضية-: "لما بينَّا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع، نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما

_ (1) رواه البخاري بلفط: "مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهُ يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآيةَ. انظر الصحيح مع فتح الباري: 8/270، كتاب التفسير، باب {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (المائدة 67) ، الحديث رقم 4612، واللفظ له، ورواه مسلم 1/159، كتاب الإيمان، بَاب مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) (النجم 13) ، وَهَلْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ؟ من حديث طويل، رقمه 177. (2) انظر كتاب منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن للألباني ص 5-6.

أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدناه عز وجل يقول فيه واصفاً لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] ، فصحَّ لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم على قسمين: أحدهما: وحي متلو، مؤلف تأليفاً معجز النظام، وهو القرآن. والثاني: وحي مروي، منقول غير مؤلف ولا معجز النظام، ولا متلو، لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المبين عن الله عز وجل مراده منا. قال الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] ، ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا القسم الثاني، كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن ولا فرق" (1) .

_ (1) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/108.

المطلب الثاني: السنة وحي نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم

المطلب الثاني: السنة وحي نزل بها جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم: وقد ثبت إنزال جبريل عليه السلام بالسنة على الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كان ينزل عليه بالقرآن الكريم. فقد وردت بعض الآثار تنص على ذلك، فقد نقل الدارمي أثراً عن مُحَمَّد بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ قال: "كان جِبْرِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ" (1) . وروى أبوبكر محمد بن عثمان بن حازم الهمداني، بسنده عن أبي إسحاق إسماعيل بن سعيد الكسائي الفقيه، قال: المذهب في ذلك: يجب على الناس أن يتبعوا القرآن ولا يخالفوه؛ فإن احتج محتج بأن في السنن ما يخالف التنزيل قيل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إلا إني أوتيت الكتاب ومثله معه" (2) ، فكل سنة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لقائل أن يقول: إنها خلاف التنزيل؛ لأن السنة تفسير للتنزيل، والسنة كان ينزل بها جبريل، ويعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لا يقول قولاً يخالف التنزيل إلا ما نسخ من قوله بالتنزيل، فمعنى التنزيل: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك بإسناد ثبت عنه" (3) .

_ (1) سنن الدارمي 1/145، المقدمة، باب السنة قاضية على الكتاب، وفي إسناده محمد بن كثير المصيصي وهو ضعيف، لكن تابعه روح بن عبادة وعيسى بن يونس، فهذا الإسناد صحيح غير أنه مرسل. (2) رواه الإمام أحمد في مسنده، 28/410-411، برقم 17174، ورواه أبو داود في سننه، 5/10-12، كتاب السنة، بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ، الحديث رقم 4604. (3) في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص 26.

المبحث الثاني: مكانة السنة من القرآن

المبحث الثاني: مكانة السنة من القرآن: المطلب الأول: مكانة السنة من القرآن من حيث الاحتجاج بها، وتكفل الله بحفظها: بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، منزلة القرآن الكريم، والسنة النبوية، من حيث ثبوتهما، مبيناً ما امتاز به القرآن على السنة، دون أن يكون في ذلك طعن في السنة، أو في الاحتجاج بها، وَبَيَّنَ أن الله قد تكفل بحفظ معاني القرآن، وحفظ السنة؛ بما أقامه لحفظهما من العلماء الجهابذة النقاد؛ فقال: "ولما كان القرآن متميزاً بنفسه-لما خصه الله من الإعجاز الذي باين به كلام الناس قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] ، وكان منقولاً بالتواتر؛ لم يطمع أحد في تغيير شيء من ألفاظه وحروفه؛ ولكن طمع الشيطان أن يدخل التحريف والتبديل في معانيه بالتغيير والتأويل، وطمع أن يدخل الأحاديث من النقص والازدياد ما يضل به بعض العباد" (1) . ثم بَيَّنَ أن ذلك لم يضرَّ القرآن ولا السنة، بحفظ الله لهما؛ فقال: "فأقام الله الجهابذة النقاد، أهل الهدى والسداد، فدحروا حزب الشيطان، وفرقوا بين الحق والبهتان، وانْتَدَبُوا لحفظ السنة ومعاني القرآن من الزيادة والنقصان" (2) .

_ (1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/7. (2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/7.

ومن خلال هذا البيان نعلم أن القرآن والسنة في منزلة واحدة؛ من حيث حفظهما عن التبديل أو التحريف لمعانيهما؛ ومن ثَمّ فإن منزلتهما ومكانتهما في مرتبة واحدة؛ من حيث إن كلاً منهما يحتج به؛ لأنه وحي. قال عجاج الخطيب:"السنة من حيث وجوب العمل بها، ومن حيث إنها وحي: هي بمنزلة القرآن الكريم. وإنما تلي القرآن بالمرتبة من حيث الاعتبار؛ لأنه مقطوع به جملة وتفصيلاً، والسنة مقطوع بها على الجملة لا على التفصيل؛ ولأنه هو الأصل، وهي الفرع؛ لأنها شارحة ومبينة له، ولا شك في أن الأصل مقدم على الفرع، والبيان مؤخر عن المبين. وقد دل على ذلك حديث معاذ بن جبل حين بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم قاضياً إلى اليمن" (1) .

_ (1) أصول الحديث علومه ومصطلحه ص 36-37. والحديث ضعيف، فيه علل ثلاث: 1-أنه مرسل عن معاذ، 2-جهالة أصحاب معاذ، 3- جهالة الحارث بن عمرو. انظر كتاب: سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم 881، 2/273-286، وذكر محقق مسند أحمد العلتين الأخيرتين انظر المسند 36/333، الحاشية رقم 2. وبيَّن الألباني في كتابه: منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن ص 16 أن معنى حديث معاذ صحيح في التفريق بين الرأي والنص، وخطأ في التفريق بين السنة والقرآن؛ فما وجد في القرآن يبحث عنه أيضاً في السنة.

المطلب الثاني: مكانة السنة من القرآن من حيث ثبوتها وعدها المصدر الثاني للتشريع

المطلب الثاني: مكانة السنة من القرآن من حيث ثبوتها وعدّها المصدر الثاني للتشريع: فصَّل الإمام الشاطبي في المسألة أتم تفصيل فقال: "رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار. والدليل على ذلك أمور: أحدها: أن الكتاب مقطوع به، والسنة مظنونة. والقطع فيها إنما

يصح في الجملة لا في التفصيل، بخلاف الكتاب فإنه مقطوع به في الجملة والتفصيل. والمقطوع به مقدَّم على المظنون. فلزم من ذلك تقديم الكتاب على السنة. والثاني: أن السنة: إما بيان للكتاب، أو زيادة على ذلك. فإن كان بياناً فهو ثان على المبين في الاعتبار، إذ يلزم من سقوط المبين سقوط البيان، ولا يلزم من سقوط البيان سقوط المبين، وما شأنه هذا فهو أولى في التقدم، وإن لم يكن بياناً فلا يعتبر إلا بعد أن لا يوجد في الكتاب؛ وذلك دليل على تقدُّم اعتبار الكتاب. والثالث: ما دلَّ على ذلك من الأخبار والآثار، كحديث معاذ: "بم تحكم قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ... " الحديث" (1) . كما نقل الشاطبي عن عمر بن الخطاب: أنه قال: "سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالأحاديث؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله" (2) . وقد وضح هذا الأمر مصطفى السباعي حيث قال: "ولا شك في أن أحاديث الآحاد، بما حف بها من ظنون في طريق ثبوتها، يجعلها في المرتبة الثانية بعد القرآن من حيث الثبوت، وأما من حيث الاجتهاد وفهم النصوص؛ فلابد من الرجوع إلى السنة قبل تنفيذ نصوص القرآن؛ لاحتمال تخصيص السنة لها أو تقييدها، أو غير ذلك من وجوه الشرح والبيان التي ثبتت للسنة؛ فهي من هذه الناحية متساوية مع القرآن، من حيث مقابلة نصوصها

_ (1) الموافقات 4/7. وتقدم تخريج الحديث والحكم عليه. (2) الموافقات 4/17.

بنصوصه، والتوفيق بينهما، والجمع حين يظهر شيء من التعارض، وهذا لا ينازع فيه أحد ممن يقول بحجية السنة" (1) .

_ (1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 379.

هل السنة مقدمة على الكتاب عند التعارض؟

هل السنة مقدمة على الكتاب عند التعارض؟ عندما تكون السنة مبينة لمجمل القرآن، أو مقيدة لمطلقه، أو مخصصة لعمومه، فهل يعني ذلك أن السنة مقدمة على الكتاب؟ وأجيب عن ذلك: بأن السنة في هذه الحالات تبين مراد الله في كتابه، ولا يعني ذلك تقديمها على الكتاب واطراحه (2) . وكذلك فإن الأصوليين اختلفوا في تقديم الكتاب أو السنة عند التعارض. "واختلافهم هذا يدل على أن السنة ليست متأخرة عن الكتاب، إذ لو كانت متأخرة لما اختلفوا. وكذلك فإن هذا الاختلاف لا يعني أيضاً تقديم السنة، بل مرد ذلك إلى أنه يجب العمل بها، وعند الاجتهاد وفهم النصوص يجب الرجوع إليها، وهي من هذا الجانب في مرتبة الكتاب؛ من حيث مقابلة نصوصها بنصوصه، والتوفيق بينهما، والجمع حين يظهر شيء من التعارض" (3) .

_ (2) انظر الموافقات للشاطبي 4/10، وكتاب أصول مذهب الإمام أحمد ص 212. (3) كتاب أصول مذهب الإمام أحمد ص 212-213.

الفصل الثالث: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل

الفصل الثالث: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل مدخل ... الفصل الثالث: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج والعمل في هذا الفصل سأتحدث عن مبحثين: الأول: عن مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها، وهذا الموضوع هو الأساس في هذا البحث، وهو موضوع مهم في هذا الدين الإسلامي؛ لأنه ينبني عليه

اعتماد السنة عند المسلمين، ومن ثم وجوب العمل بها، وتطبيقها في حياتهم، وهذا هو المبحث الثاني؛ إذ هو ثمرة للمبحث الأول، ونتيجة وهدف له؛ إذ به يتحقق امتثال الناس لهذا الدين العظيم، وتنفيذهم لأوامره؛ باتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها

المبحث الأول: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث الاحتجاج بها: المطلب الأول: معنى حجية السنة ودليل ذلك: معنى حجية السنة: "أنها دليل على حكم الله، يفيدنا العلم أو الظن به، ويظهره ويكشفه لنا. فإذا علمنا أو ظننا الحكم بواسطته: وجب علينا امتثاله والعمل به. فلذلك قالوا: معنى حجية السنة: وجوب العمل بمقتضاها. فالمعنى الحقيقي للحجية، هو: الإظهار والكشف والدلالة؛ ويلزم هذا وجوب العمل بالمدلول: حيث إنه حكم الله " (1) . فكل ما يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما هو بأمر الله له؛ حيث إنه لا ينطق عن الهوى، بل هو مبلغ لما أوحاه الله إليه، سواءً كان ذلك الموحى إليه قرآناً أو سنة. قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3، 4] . وكما جاء في حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ (رضي الله عنه) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، ألا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، ألا لا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ ولا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ألا وَلا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ

_ (1) انظر حجية السنة لعبد الغني عبد الخالق ص 243. وسيأتي مزيد لمسألة وجوب العمل بالسنة، في المبحث الثاني من الفصل الثالث.

قِرَاهُمْ" (1) . وروى أبو داود عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: نَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ وَمَعَهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَانَ صَاحِبُ خَيْبَرَ رَجُلا مَارِدًا مُنْكَرًا فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلَكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا حُمُرَنَا، وَتَأْكُلُوا ثَمَرَنَا، وَتَضْرِبُوا نِسَاءَنَا؟ فَغَضِبَ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "يَا بْنَ عَوْفٍ، ارْكَبْ فَرَسَكَ ثُمَّ نَادِ: أَلا إِنَّ الْجَنَّةَ لا تَحِلُّ إِلا لِمُؤْمِنٍ وَأَن اجْتَمِعُوا لِلصَّلاةِ. قَالَ فَاجْتَمَعُوا" ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: "أَيَحْسَ بُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ، ألا وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا بِإِذْنٍ ولا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ ولا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ" (2) . فهذا الحديث يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوحي إليه القرآن الكريم، وأوتي مثله معه وهو السنة النبوية، فهي وحي مثل القرآن الكريم؛ حيث إنها من الله عز وجل، وأنه يجب العمل بهما.

_ (1) رواه الإمام أحمد في مسنده، 28/410-411، برقم 17174، ورواه أبو داود في سننه، 5/10-12، كتاب السنة، بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ، الحديث رقم 4604، وروى الجزء الأول منه الترمذي، 4/144، في كتاب العلم، بَاب مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، الحديث رقم 2800، وابن ماجه، 1/6، كتاب المقدمة، بَاب تَعْظِيمِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ عَارَضَهُ، الحديث رقم 12، والدارمي، 1/144، كتاب المقدمة، بَاب السُّنَّةُ قَاضِيَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ. وهو صحيح، انظر: صحيح سنن أبي داود (3/117-118) ح4604، وصحيح سنن ابن ماجه برقم12. (2) رواه أبو داود في سننه، 3/436، كتاب الخراج والإمارة والفيء، بَاب فِي تَعْشِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اخْتَلَفُوا بِالتِّجَارَاتِ، الحديث رقم 3050، وإسناده ضعيف، انظر ضعيف سنن أبي داود/245 برقم 3050، والمشكاة (1/58) برقم 164 ج3.

وقد عنون الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية" بقوله: "باب ما جاء في التسوية بين كتاب الله تعالى وحكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب العمل ولزوم التكليف" (1) . "وصحة الاستدلال بحديث يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على عقيدة دينية أو حكم شرعي، يتوقف على أمرين: الأول: ثبوت أن السنة - من حيث صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة وأصل من أصول التشريع" (2) . وهذه المسألة لم يخالف فيها أحد من العلماء في الجملة؛ بحيث ينكرها كلها فلا يحتج بشيء منها (3) . "الثاني: ثبوت أن هذا الحديث قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق من طرق الرواية المعتمدة" (4) . وإذا ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن اتباعها واجب على كل مسلم؛ وبهذا جاء القرآن الكريم، يأمرنا باتباع كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] .

_ (1) ص 23. ثم ذكر تحته حديث المقدام المذكور آنفاً من طرق مختلفة. (2) حجية السنة لعبد الغني عبد الخالق ص 245. (3) انظر: حجية السنة لعبد الغني عبد الخالق ص 248. (4) حجية السنة لعبد الغني عبد الخالق ص 245.

المطلب الثاني: حجية السنة عند علماء المسلمين، والأدلة على ذلك

المطلب الثاني: حجية السنة عند علماء المسلمين، والأدلة على ذلك وحجية السنة متفق عليها عند المسلمين. قال الشوكاني: "اعلم أنه قد اتفق من يعتد به من أهل العلم أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال، وتحريم الحرام" (1) . ثم قال: "والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية لا يخالف في ذلك إلا مَنْ لا حَظَّ له في دين الإسلام" (2) . أدلة حجية السنة: وهناك أدلة كثيرة على حجية السنة سأذكر بعضاً منها: 1- دليل العصمة: وهي أن الله تعالى عصم نبيه مِنْ تَعَمُّدِ ما يُخِلُّ بالتبليغ إجماعاً بدلالة المعجزة، ومن السهو والغلط فيه على الصحيح. والذاهبون إلى تجويز ذلك عليه يجمعون على اشتراط التنبيه فوراً من الله تعالى، وعدم التقرير عليه (3) . وقد أجمعت الأمة على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (4) .

_ (1) إرشاد الفحول ص 33. (2) المصدر نفسه. (3) انظر حجية السنة لعبد الغني عبد الخالق ص 279. (4) انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/156-157، وإرشاد الفحول ص 33-34.

وقد أثبت الله لرسوله العصمة في كتابه الكريم حيث قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] . قال القرطبي: "دلت الآية على رد قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من أمر الدين تقية، وعلى بطلانه، وهم الرافضة، ودلت على أنه صلى الله عليه وسلم لم يسرَّ إلى أحد شيئاً من أمر الدين؛ لأن المعنى بلغ جميع ما أنزل إليك ظاهراً، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} . فائدة ... وقال ابن عباس: "المعنى: بَلِّغ جميع ما أنزل إليك من ربك، وإن كتمت شيئاً فما بلغت رسالته" (1) كما قال عن قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} إن في ذلك دليلاً على نبوته؛ لأن الله عز وجل أخبر أنه معصوم، ومن ضمن سبحانه له العصمة فلا يجوز أن يكون قد ترك شيئاً مما أمره الله به" (2) . 2- أن الله -سبحانه وتعالى- كما عصم رسوله أن يخطئ، عصم حديثه أن يحرف عليه شيء؛ فتكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين كتاباً وسنةً، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] . والذكر في الآية يشمل القرآن والسنة؛ وقد استدل ابن حزم بهذه الآية، وبقوله تعالى: {قُلْ

_ (1) تفسير القرطبي 6/242. (2) تفسير القرطبي 6/243.

إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء:45] ، فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذكر، والذكر محفوظ بنص القرآن؛ فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل مضمون لنا أن لايضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله فلله الحجة أبداً" (1) . وقال ابن القيم: "إن كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مما أنزل الله، وهو ذكر من الله، أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تكفل سبحانه بحفظه؛ فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة، ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه، وهذا من أعظم الباطل" (2) . وهذا هو مذهب أهل الحديث، "وقد قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] " (3) . وقد نقل مثل ذلك عن الإمام عبد الرحمن بن مهدي. وقال ابن الوزير: "وهذا يقتضي أن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال محفوظة، وسنته لا تبرح محروسة" (4) . 3- لقد هيأ الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة الإسناد لحفظ الدين، منذ عهد الصحابة، فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه، بسنده عن مجاهد، قال: جاء

_ (1) الإحكام في أصول الأحكام 1/110. (2) مختصر الصواعق ص 400. (3) تدريب الراوي 1/282. (4) الروض الباسم 1/32-33.

بُشير العدوي إلى ابن عباس. فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس رضي الله عنه لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه. فقال: يا ابن عباس! ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع. فقال ابن عباس -رضي الله عنه-": إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا. فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" (1) . وهكذا حفظ الله الدين منذ عهده الأول، إلى أن تقوم الساعة؛ فهيأ سبحانه وتعالى الإسناد؛ فكشف به العلماء السابقون وضع الزنادقة وغيرهم للأحاديث المكذوبة، في فترة كتابة الأحاديث، وما زال العلماء يكتشفون كذب المستشرقين وأذنابهم من المسلمين وغيرهم، بواسطة الأسانيد؛ فإن المستشرقين ما فتئوا يطعنون حتى في أصح الأحاديث عندنا كصحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، وذلك بالطعن في أسانيد كتب الحديث، ويقولون إن هذه الأسانيد كُتبت في وقت متأخر، حيث كتبت في زمن كتابة الحديث بعد قرن من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم - حسب زعمهم- وبذلك كتبت عشوائياً، وهنا وجدنا في هذه الأسانيد رداً على زعمهم وباطلهم، كما كانت رداً على أسلافهم من الزنادقة الذين وضعوا أحاديث مكذوبة في العهود المبكرة. وقد قمت بكتابة بحث في الذب عن مصادر الإمام البخاري المكتوبة، باستخدام الأسانيد؛ حيث أفدت من الأسانيد فائدتين: الفائدة الأولى: وهي التي استخدمها السلف لكشف زيف كذب المبطلين؛ وذلك من خلال معرفة رجال السند؛ لتمييز الثقات من غيرهم.

_ (1) صحيح مسلم 1/13.

والفائدة الثانية للأسانيد: هي: أن رجال السند يعدون مصادر مكتوبة لكل كتاب من كتب الحديث المسندة؛ وذلك أن علماء الحديث كان لديهم صحف وأجزاء حديثية مكتوبة مشتملة على أحاديثهم؛ يبرهن على ذلك، أن طرق تحمل الحديث - أي سماعه - عددها ثمانية، هي: السماع، والعرض على الشيخ، والإجازة، والمناولة، والكتابة، والإعلام، والوصية، والوجادة. وهذه الطرق الثمانية يعتمد سبعة منها على الكتابة فقط، والطريقة الأولى يمكن أن تعتمد على المشافهة أو على الكتابة؛ ولذلك كان بحثي في رسالة الماجستير يعتمد على هذه الفائدة في إبطال زيف المستشرقين الذين اتهموا أهل الحديث بأنهم زيفوا الأسانيد، وذلك بتتبع رجال السند لكل حديث، ثم بتتبع الكتب التي ألفها رجال السند، ومقارنة الحديث الذي روي عن طريقهم بكتبهم المطبوعة أو المخطوطة. ولا يخلو سند من أكثر من راو له كتاب مطبوع أو مخطوط. أما الرواة الذين ذكرت لهم صحف أو أجزاء حديثية فكثيرون (1) ، حسب ما تذكر عنهم كتب التراجم؛ ولكن كثيراً من صحفهم وأجزائهم الحديثية مفقودة (2) . ولكن ما يوجد من المطبوعات (3) فضلاً عن

_ (1) فقد وصل عدد الرواة الذين وردت لهم أحاديث أو صحف أو أجزاء أو كتب حديثية، 107 راوٍ، من ضمن الرواة الذين روى لهم البخاري في كتاب الوضوء من صحيحه، البالغ عددهم فيه 238راوياً. وعدد تلك المرويات المنسوبة لهم يزيد على 337 ما بين كتاب أو نسخة أو صحيفة أو رسالة أو جزء حديثي. انظر رسالتي للماجستير والتي هي بعنوان (المصادر المكتوبة للبخاري في صحيحه "كتاب الوضوء") ، ص 418. وانظر أيضاً آثار الرواة الذين لهم مصادر مكتوبة في كتاب الوضوء، فتصل آثارهم إلى (429) أثراً. انظر الفصل الثاني ص 87-365. (2) انظر ترجمة كل راوٍ من رواة كتاب الوضوء من رسالة الماجستير السابق ذكرها. ص 87-365. (3) روى البخاري لستة من الرواة الذين وجدت لهم كتب مطبوعة 783 حديثاً بالمكرر. انظر تفصيلها في الرسالة المذكورة ص 410-413.

المخطوطات كافٍ في رد تلك الشبه. وقد قمت بهذه الدراسة في رسالة الماجستير بدراسة كتاب الوضوء من صحيح البخاري. ورددت من خلالها على بعض المستشرقين، ومن تأثر بهم من المسلمين أمثال: فؤاد سزكين، وأحمد أمين، وأبي رية. 4- الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمقتضى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، الإيمان بكل ما جاء به. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه" ثم قال: "وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علماً لدينه، بما افترض من طاعته، وحرم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به ... قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور:62] . فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له: الإيمان بالله ثم برسوله" فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله: لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله معه" (1) . وقال ابن القيم: "فإذا جُعِلَ من لوازم الإيمان: أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه. فأولى أن يكون من لوازمه: ألا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي، إلا بعد استئذانه. وإذنه يُعرف بدلالة ما جاء به على أنه إذن فيه" (2) . 5- أن القرآن الكريم بيَّن أن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس الكتاب

_ (1) الرسالة 73-75. (2) إعلام الموقعين 1/51-52.

والسنة؛ حيث قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] . قال الإمام الشافعي: "فذكر الله الكتاب، وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال، والله أعلم" (1) . وقال الله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} [الأحزاب:34] ، قال غير واحد من العلماء: منهم يحيى بن أبي كثير، وقتادة، والشافعي وغيرهم: الحكمة: هي السنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من الكتاب والحكمة. والكتاب: القرآن، وما سوى ذلك مما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلوه: هو السنة" (2) . ومن وظائف التعليم: بيان معاني القرآن الكريم بالقول والعمل والتقرير: قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] . 6- أننا أُمرنا عند الاختلاف بالتحاكم إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال

_ (1) الرسالة ص 78. (2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 1/6.

تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] ، قال ابن كثير - في تفسير هذه الآية: "أي مهما اختلفتم فيه من الأمور، وهذا عام في جميع الأشياء، {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ، أي: هو الحاكم فيه بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] " (1) ، وقال ابن حزم معلقاً على قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] : "فوجدنا الله تعالى يردُّنا إلى كلام نبيه صلى الله عليه وسلم ... ، فلم يسع مسلماً يقر بالتوحيد، أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن، والخبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وجد فيهما، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمرهما، وموجباً لطاعة أحد دونهما، فهو كافر، لا شك عندنا في ذلك" (2) . ولذلك أوجب الله -تعالى- على المؤمنين أن ينفذوا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يحق لهم أن يختاروا بين تنفيذ أمر الله ورسوله، وعدمِ التنفيذ، وحكم الله تعالى على من يعص الله ورسوله في أي حكم يأمرانه به بالضلال المبين، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] .

_ (1) تفسير ابن كثير 7/182. (2) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/110.

المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث العمل بها

المبحث الثاني: مكانة السنة النبوية في التشريع الإسلامي من حيث العمل بها: المطلب الأول: السنة كالقرآن من حيث وجوب العمل بها: الواجب على المسلمين جميعاً ألا يفرقوا بين القرآن والسنة، من حيث وجوب الأخذ بهما كليهما، وإقامة التشريع عليهما معاً، فإن هذا هو الضمان لهم أن لا يميلوا يميناً ويساراً، وأن لا يرجعوا القهقرى ضلالاً، كما أفصح عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه الحاكم بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع، فقال: "قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا، يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه ... ". ثم قال الحاكم بعد روايته لهذا الحديث: "قد احتج البخاري بأحاديث عكرمة، واحتج مسلم بأبي أويس، وسائر رواته متفق عليهم، وهذا الحديث لخطبة النبي صلى الله عليه وسلم متفق على إخراجه في الصحيح: "يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون" (1) . ووافقه الذهبي في تلخيصه على ذلك الحكم؛ وقال: "له أصل في الصحيح" (2) . والحديث الذي ذكره الحاكم، وأشار الذهبي إلى أن أصله

_ (1) المستدرك على الصحيحين في الحديث 1/93. (2) المستدرك على الصحيحين في الحديث 1/93.

في الصحيح، رواه مسلم من حديث طويل (1) ، ورواه مالك في الموطأ بلاغاً، ولكن يشهد له حديث الحاكم السابق، ولفظ مالك: "تركت فيكم أمرين؛ لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض" (2) . كما روى الحاكم أثراً عن أبي بن كعب أنه لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه سئل أبي بن كعب: ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: "كتاب الله وسنة نبيه، ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكِلُوه إلى عالمه" (3) . وبعد أن سقت الأدلة التي تبين حجية السنة، في الفصل الثالث، يتضح لنا ثمرة ذلك الفصل، ونتيجته التي تترتب عليه؛ ألا وهي: أن السنة يجب العمل بها، ولم يختلف العلماء في هذه النتيجة. وقد لخص مصطفى السباعي خلاصة أقوال العلماء في ذلك فقال: "والسنة إما متواترة أو آحاد، وقد اتفق العلماء على أن المتواتر يفيد العلم والعمل معاً، وهو عندهم حجة لا نزاع فيها، إلا عمن ينكر السنة.... وأما خبر الآحاد فالجمهور على أنها حجة يجب العمل بها، وإن أفادت الظن.... وذهب قوم، منهم الإمام أحمد، والحارث بن أسد المحاسبي، والحسين بن علي الكرابيسي، وأبو سليمان الخطابي، وروي عن مالك: أنه قطعي موجب للعلم والعمل معاً. ولكل من الفريقين أدلة بسطت في كتب الأصول، والمهم أنهم جميعاً متفقون على حجية أخبار الآحاد،

_ (1) رواه مسلم في صحيحه 2/886-892، في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث رقم 1218. (2) الموطأ 2/899، كتاب القدر، باب النهي عن القول في القدر، الحديث رقم 3. (3) المستدرك 3/303.

ووجوب العمل بها" (1) . كما بَيَّن أنه لم يخالف في حجية السنة إلا أصحاب المذاهب المنحرفة كالرافضة، والمعتزلة (2) .

_ (1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 167. (2) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 167-168.

المطلب الثاني: الأدلة على وجوب العمل بالسنة

المطلب الثاني: الأدلة على وجوب العمل بالسنة: ومن الأدلة التي تبين وجوب العمل بالسنة ما يأتي: 1- أن الله سبحانه وتعالى أوجب اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يصدر عنه، وأمر بالتأسي به في ذلك، وجعل اتباعه لازم لمحبة الله عز وجل قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] . روى القاضي عياض في "الشفا"، عن الحسن البصري: أن أقواماً قالوا: يارسول الله: إنا نحب الله؛ فأنزل الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} الآية" (3) . وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] . قال محمد بن علي الترمذي: "الأسوة في الرسول: الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول أوفعل" (4) . قال القاضي عياض: "وقال غير واحد من المفسرين بمعناه" (5) .

_ (3) انظر الشفا 2/9. (4) انظر المصدر السابق. (5) انظر المصدر السابق.

2- أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعة رسوله الطاعة المطلقة: فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] روى القاضي عياض عن عطاء (1) ، وابن عبد البر والبيهقي -في المدخل- عن ميمون بن مهران (2) : "أن الرد إلى الله هو: الرجوع إلى كتابه. والرد إلى الرسول هو: الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته". وقال ابن حجر-معلقاً على الآية السابقة-: "والنكتة في إعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر- مع أن المطاع في الحقيقة هو: الله تعالى، -: كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف، هما: القرآن والسنة، فكأن التقدير: أطيعوا الله فيما نص عليكم القرآن، وأطيعوا الرسول فيما بين لكم: من القرآن؛ وما ينصه عليكم: من السنة. أو المعنى أطيعوا الله فيما يأمركم به: من الوحي المتعبد بتلاوته، وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن" (3) . 3- أن الله -سبحانه وتعالى- كلَّف نبيه صلى الله عليه وسلم باتباع ما يوحى إليه متلواً أو غير متلو، وبتبليغ جميع ما أنزل عليه.

_ (1) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/765) ح1413. وانظر حجية السنة ص 298. (2) جامع بيان العلم وفضله (1/766) ح1414. وانظر: حجية السنة ص298. (3) فتح الباري 13/111.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [الأحزاب:1، 2] ، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجب عليه اتباع ما يوحى إليه؛ فكذلك يجب على المؤمنين به اتباعه (1) .

_ (1) انظر حجية السنة ص 305، وأصول الحديث علومه ومصطلحه ص 41.

الخاتمة

الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات في هذا البحث حول السنة النبوية نستطيع أن نخرج بالنتائج التالية: 1- أن السنة النبوية مثل القرآن الكريم في التشريع والتحليل والتحريم. 2- السنة النبوية يحتج بها مثل القرآن الكريم؛ فهي مساوية له من حيث إنها وحي منزل على الرسول صلى الله عليه وسلم مثل القرآن الكريم؛ ومن ثم فيجب العمل بالسنة مثل القرآن تماماً. 3- علاقة السنة النبوية بالقرآن الكريم، كعلاقة الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم برسالته، بعلاقة الشهادة لله عز وجل بتوحيده، في الشهادتين؛ حيث تسمى الأولى: توحيد الله عز وجل في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته. وتسمى الثانية: توحيد الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم. 4- أن السنة النبوية تعد في المرتبة الثانية بعد القرآن الكريم: أ-من حيث ثبوتها: حيث ثبت بعضها بالسند المتواتر، وثبت معظمها بالآحاد، بينما القرآن الكريم ثبت كله بالسند المتواتر. ب- القرآن الكريم لفظه ومعناه من الله عز وجل، بينما السنة معناها من الله تعالى ولفظها من الرسول صلى الله عليه وسلم. ج-القرآن الكريم خصه الله بالإعجاز، وتحدى العرب أن يأتوا بمثله أو بشيء منه، بخلاف السنة. 5- وأخيراً أوصي أن تُعَدَّ ندوة مستقلة حول خدمة السنة النبوية بالحاسب الآلي على غرار موسوعة الحديث الشريف للكتب التسعة الذي أصدرته شركة حرف لتقنية المعلومات؛ بحيث تشمل كتب السنة كلها؛ وذلك لما في تلك الموسوعة من خدمات جليلة، مثل تشجير الأسانيد، والجرح والتعديل وغيرهما.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... مصادر البحث: 1. الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري، عبد المجيد محمود عبد المجيد، نشر مكتبة الخانجي، 1399هـ/1979م. 2. إثبات القياس في الشريعة الإسلامية والرد على منكريه، عبد القادر شيبة الحمد، مطابع الرشيد، المدينة المنورة، ط1، 1399هـ/1979م. 3. الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم، (ت456هـ) ، دار الحديث، القاهرة، ط 1، 1404هـ. 4. الإحكام في أصول الأحكام، لسيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي الآمدي (ت631هـ) . 5. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت1255هـ) ، دار الفكر، بيروت، ط1. 6. أسباب اختلاف الفقهاء، عبد الله عبد المحسن التركي، مكتبة الرياض، الرياض، ط3، 1397هـ/1977م. 7. أصول الحديث علومه ومصطلحه، محمد عجاج الخطيب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 4، 1401هـ/1981م. 8. أصول مذهب الإمام أحمد دراسة أصولية مقارنة، عبد الله عبد المحسن التركي، مكتبة الرياض، الرياض، ط2، 1397هـ/1977م. إعلام الموقعين عن رب العالمين، لمحمد بن أبي بكر المعروف بابن

قيم الجوزية (ت751هـ) ، راجعه وقدم له طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1973م. 10. البرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت478هـ) ، تحقيق عبد العظيم الديب، دار الأنصار، القاهرة، ط2، 1400هـ. 11. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ) ، ط 2، بتحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر المكتبة العلمية، المدينة المنورة، 1392هـ/1972م. 12. تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت774هـ) بتحقيق عبد العزيز غنيم، ومحمد أحمد عاشور، ومحمد إبراهيم البنا، كتاب الشعب، القاهرة،1390هـ/1971م. 13. التعريف بالقرآن والحديث، لمحمد الزفزاف، ط1. 14. توثيق السنة في القرن الثاني الهجري أسسه واتجاهاته، رفعت فوزي عبد المطلب، نشر مكتبة الخانجي، مصر، ط1، 1400هـ/1981م. 15. الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار القلم، القاهرة، ط3، 1386هـ/1966م. 16. الجرح والتعديل، لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327هـ) ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الهند، ط1.

17. حجية السنة، لعبد الغني عبد الخالق، دار القرآن الكريم، بيروت، لبنان، ط1، 1407هـ/1986م. 18. الحدود في الأصول، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي (ت474هـ) ، تحقيق نزيه حماد، طبع ونشر مؤسسة الزعبي، لبنان، بيروت، ط1، 1392هـ/1973م. 19. الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية، لمحمد محمد أبو زهو، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1404هـ/1984م. 20. الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي (204هـ) ، بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، 1309هـ. 21. الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لمحمد بن إبراهيم الوزير (ت840هـ) ، دار المعرفة، بيروت، 1399هـ/1979م. 22. روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 620هـ) ، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، ط4، 1391هـ. 23. سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيّئ في الأمة، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط1، 1399?. 24. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، لمصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط4، 1405هـ/1985م. 25. سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (275هـ) ، إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، ط1، 1388هـ/1969م.

26. سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه (275هـ) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، 1395هـ/1975م. 27. سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لأبي العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (1353هـ) ، ضبطه وراجع أصوله وصححه: عبد الرحمن محمد عثمان، مطبعة المعرفة، قام بنشره: محمد عبد المحسن الكتبي، ط2، 1385هـ/1965م. 28. سنن الدارمي، لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي (ت255هـ) ، بعناية محمد أحمد دهمان، دار الكتب العلمية، نشر دار إحياء السنة النبوية، بيروت، التاريخ بدون. 29. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم، لأبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت418هـ) ، بتحقيق أحمد سعد حمدان، نشر دار طيبة، الرياض، 1402?. 30. شرح العقيدة الواسطية، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت 728هـ) ، لمحمد خليل هراس، طبع في مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، ط4. 31. الشفا بتعريف حقوق المصطفى، لأبي الفضل عياض اليحصبي (ت544هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 32. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت393هـ) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط2، 1402هـ/1982م.

33. صحيح البخاري مع فتح الباري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ) ، بتصحيح الشيخ عبد العزيز بن باز لبعض أجزائه، وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وإخراج محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1380هـ. 34. صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (261هـ) ، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، ودار إحياء الكتب العربية، بيروت، ط1، 1374هـ/1955م. 35. صحيح مسلم بشرح النووي، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ) ، دار الفكر. 36. صريح السنة، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) ، بتحقيق بدر بن يوسف المعتوق، نشر دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، ط1، 1405هـ/1985م. 37 فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، بتصحيح الشيخ عبد العزيز بن باز لبعض أجزائه، وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وإخراج محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1380هـ. 38. القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت817هـ) ، دار الجيل، بيروت. 39. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي (ت1332هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ/ 1979م.

40. كتاب الجرح والتعديل، لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) ، طبع مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، الدكن الهند، ط1. 41. كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، لأبي بكر محمد ابن موسى بن عثمان بن حازم الهمذاني (ت 584هـ) ، بتعليق وتصحيح راتب حاكمي، مطبعة الأندلس، حمص، ط1، 1386هـ/1966م. 42. الكفاية في علم الرواية، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت463هـ) ، بتحقيق أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ/1985م. 43. لسان العرب، لأبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور (ت711هـ) ، بتحقيق عبد الله علي الكبير، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي، دار المعارف. 44. مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة وموقف الحركات الإسلامية المعاصرة منها، ناصر بن عبد الكريم العقل، نشر دار الوطن، ط1. 45. مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت728هـ) ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وساعده ابنه محمد، طبع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ/1995م.

46. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت 360هـ) ، بتحقيق محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط3، 1404هـ. 47. مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لمحمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت751هـ) ، اختصره محمد بن الموصلي، الرياض: توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 48. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، بيروت، مكتبة القدس، بغداد، ط8، 1405هـ/1985م. 49. مسند الإمام أحمد بن حنبل، للإمام أحمد بن حنبل، بتحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، توزيع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2، 1420هـ/1999م. 50. المستدرك على الصحيحين في الحديث، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري (ت405هـ) ، دار الكتب العلمية. 51. المستصفى من علم الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت505هـ) ، دراسة وتحقيق حمزة بن زهير حافظ، شركة المدينة للطباعة والنشر، جدة، 1413هـ. 52. المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت502هـ) ، تحقيق وضبط محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، لبنان، بيروت، ط 2، 1420هـ/1999م.

53. مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة، ناصر ابن عبد الكريم العقل، نشر دار الوطن. 54. مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبد العظيم الزرقاني، دارالفكر، ط3. 55. الموافقات في أصول الشريعة، لأبي إسحاق الشاطبي إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي (ت790هـ) ، بشرح عبد الله دراز، نشر المكتبة التجارية الكبرى، مصر. 56. منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن، محمد ناصر الدين الألباني. الرسائل العلمية: 57.المصادر المكتوبة للبخاري في صحيحه "كتاب الوضوء"، محمد عبد الله أبوبكر باجعمان، رسالة ماجستير، 1409هـ/1989م.

§1/1