السنة النبوية وحي - شيخة بنت مفرج

شيخة بنت مفرج المفرج

مقدمة

المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد. فإن من أفضل العلوم بعد كتاب الله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ السنة رديفة القرآن وهي جلاؤه وبيانه، فهي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديهِ ولا من خلفهِ. ولقد وكل الله إلى رسوله تبيان هذا الكتاب بقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] والرسول صلى الله عليه وسلم في بيانه للقرآن الكريم لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] . ولما كان للسنة النبوية هذه المكانة العظمى، عرف السلف الصالح للسنة قدرها فرعوها حق رعايتها، وحفظوها في الصدور وأودعوها سويداء القلوب، ودونوها في المصنفات والكتب، وحكموها في شؤونهم. وفي هذه الوريقات بعض بيان لأمور تتعلق بهذا النبع الصافي، والمورد العذب أجملتهُ في تمهيد وفصلين: -

التمهيد: معنى السنة في اللغة والشرع. الفصل الأول: إثبات أن السنة وحي من الله. وتحته مبحثان:- المبحث الأول: بما ورد في كتاب الله. المبحث الثاني: بما جاء في السنة والآثار. الفصل الثاني: كيف حفظت السنة؟ وتحته ثلاثة مباحث:- المبحث الأول: جهود الصحابة في حفظ السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. المبحث الثاني: جهود الصحابة والتابعين في حفظ السنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. المبحث الثالث: جهود أتباع التابعين في حفظ السنة. والله أسأل أن يوفقنا لخدمة العلم والدين، وأن ينفعنا بما علمنا وأن يحفظ شرعه القويم - كما وعد - إلى قيام الساعة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

تمهيد

تمهيد: تعريف السنة لغةً واصطلاحاً أ - السنة لغةً: السنة: الطريقة، كذا في القاموس (1) ، ولسان العرب (2) . وقال صاحب اللسان نقلاً عن شمر: ((السنة في الأصل سنة الطريق، وهو طريق سنه أوائل الناس فصار مسلكاً لمن بعدهم)) . إذاً فالسنة في اللغة: الطريقة محمودة ً كانت أو مذمومة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "من سَنَّ سُنَّةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سَنَّ سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" (3) ، ومنه حديث "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا ًبشبر وذراعاً بذراع" (4) .

_ (1) القاموس المحيط مادة: سنن ص 1558. (2) لسان العرب مادة: سنن 3/2124. (3) أخرجه مسلم في صحيحه 4/2059، كتاب العلم باب من سن سنة حسنة أو سيئة ح15، (1017) . (4) أخرجه البخاري كما في الفتح 6/495، وكتاب أحاديث الأنبياء باب ذكر بني إسرائيل ح3456، وأخرجه مسلم 4/2054 كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى ح 6 (2669) .

كلمة السنة واستعمالاتها في القرآن الكريم: 1) قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء:26] قال ابن كثير (1) في معنى الآية: يعني طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها. 2) وقال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال:38] قال ابن كثير: «أي قد مضت سنتنا في الأولين.....» (2) 3) وقال تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} [الإسراء:77] قال ابن كثير: «سنة من قد أرسلنا - الآية: أي هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا وآذوهم..» (3) 4) وقال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح:23] وقال ابن كثير: «أي هذه سنة الله وعادته في خلقه» (4) ويستخلص من النصوص القرآنية أن الكلمة قد استعملت في القرآن الكريم بمعنى الطريقة والعادة.

_ (1) تفسير ابن كثير 2: 233 سورة النساء. (2) تفسير ابن كثير 3: 596 سورة الأنفال. (3) تفسير ابن كثير 5: 982 سورة الإسراء. (4) تفسير ابن كثير 7: 323 سورة الفتح.

كلمة السنة وبعض استعمالاتها في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: 1) روى عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبِعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبرا ًبشبر وذراعاً بذراع". (1) قال ابن حجر في شرحه: لتتبعن ((سنن)) بفتح المهملة أي طريق. (2) 2) قال «حميد بن أبي حميد الطويل: أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" (3) قال ابن حجر: "فمن رغب عن سنتي فليس مني"، المراد بالسنة الطريقة، لا التي تقابل الفرض.....» . (4) 3) قال ابن بريدة: «حدثني عبد الله المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا قبل صلاة المغرب - قال في الثالثة - لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سنة" (5) قال ابن حجر: ومعنى قوله: سنة أي شريعة وطريقة لازمة. (6)

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 6/495 كتاب أحاديث الأنبياء، باب ذكر بني إسرائيل ح 3456. (2) فتح الباري 6: 498. (3) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 9/104، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، ح 5063، وأخرجه مسلم 2/1020 كتاب النكاح، باب استحباب النكاح ,ح 5 (1401) (4) فتح الباري 9: 105. (5) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 3/60، كتاب التهجد، باب الصلاة قبل المغرب، ح 1183. (6) فتح الباري 3: 60.

4) قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم الصوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة، فأبطؤوا عنه ,حتى رؤي ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة، فعل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنةً سيئة فعل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء" (1) . 5) روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه" (2) 6) قال سالم "كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يفتي بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: فيقول ناس لابن عمر: كيف تخالف أباك؟ وقد نهى عن ذلك، فيقول لهم عبد الله: ويلكم ألا تتقون الله. إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير، يلتمس به تمام العمرة، فلم تحرمون ذلك؟ وقد أحلَّه الله وعمل به

_ (1) أخرجه مسلم 4/2059 ,كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ح 15 (1017) . (2) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 12/210 كتاب الديات، باب من طلب دم امرئ بغير حق ,ح 6882.

رسول الله صلى الله عليه وسلم. أفرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر؟ " (1) في ضوء هذه النصوص يمكن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل كلمة «السنة» بمعناها اللغوي أي الطريقة. ونجد في دواوين السنة عشرات النصوص وردت فيها كلمة السنة وهي في معناها لا تخرج عن الطريقة والسيرة المتبعة. قال ابن الأثير في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر «السنة» وما تصرف منها. والأصل فيها الطريقة والسيرة، وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا، مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب، والسنة، أي: القرآن والحديث. (2) كلمة السنة في دواوين العرب: 1- قال خالد بن عتبة الهذلي: فلا تجزعن من سنة أنت سرتها ... وأول راض سنة من يسيرها فإن التي فينا زعمت ومثلها ... لفيك، ولكني أراك تجورها 2- وقال لبيد (أحد أصحاب المعلقات) : من معشر سنت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنة وإمامها

_ (1) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2: 95 مسند عبد الله بن عمر, قال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند ح5700: إسناده صحيح. (2) النهاية 2: 409، مادة (سنن) .

3- وقال حسان بن ثابت: إن الذوائب من فهر وإخوتهم ... قد بينوا سنة للناس تتبع 4- وقال الفرزدق: فجاء بسنة العمرين فيها ... شفاء للصدور من السقام في ضوء النصوص السابقة، يمكننا أن نقول: أن كلمة السنة استعملها الشعراء في الجاهلية والإسلام بمعناها اللغوي، أي الطريقة المتبعة سواء كانت حسنة أو قبيحة. خلاصة القول: لقد استعمل الجاهليون كلمة السنة في قصائدهم بمعنى الطريقة واستعملت في القرآن بمعنى الطريقة والعادة، والمعنى كما رأينا راجع إلى الأول. واستعملها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى كما رأينا في حديث ابن عمر. ونقلت الكلمة من عمومها هذا إلى المعنى الاصطلاحي الآتي ذكره عند المسلمين وأضيف إليها (أل التعريف) أي طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته. وليس معنى هذا أن معناها اللغوي قد بطل أو انعدم، بل بقي استعمالها ولكن في نطاق ضيق (1) .

_ (1) تم جمع مادة المعنى اللغوي بتصرف من كتاب: دراسات في الحديث النبوي للأعظمي، وكتاب: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي.

ب- السنة اصطلاحاً: يختلف معنى السنة في اصطلاح أهل الشرع حسب اختلاف فنونهم وأغراضهم، فهي عند الأصوليين غيرها عند المحدثين والفقهاء. ولذلك نرى مدلول معناها من خلال أبحاثهم. (1) فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الهادي، الذي أخبر عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة، وخلق، وشمائل، وأخبار، وأقوال، وأفعال، سواء أثبت ذلك حكما شرعيا أم لا. إذاً السنة في اصطلاح المحدثين هي: كل ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية، أو سيرة سواء أكان ذلك قبل البعثة كتحنثه في غار حراء، أم بعدها. والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوي. (2) وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويبين للناس دستور الحياة، ولذلك عنوا بأقواله، وأفعاله، وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها. إذاً السنة في اصطلاح الأصوليين هي: ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. فمثال القول: ما تحدث به النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف المناسبات مما يتعلق بتشريع الأحكام

كقوله عليه الصلاة والسلام "إنما الأعمال بالنيات" (1) . وقوله: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (2) . ومثال الفعل: ما نقله الصحابة من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في شؤون العبادة وغيرها، كأداء الصلوات، ومناسك الحج، وآداب الصيام، وقضائه بالشاهد واليمين. ومثال التقرير: ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضا، أو بإظهار استحسان وتأييد. فمن الأول، إقراره عليه الصلاة والسلام لاجتهاد الصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة حين قال لهم "لا يُصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" (3) فقد فهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فأخرها إلى ما بعد المغرب، وفهمه بعضهم على أن المقصود حث

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح1/9، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ح1 وأخرجه مسلم 3/1515، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية".... الخ، ح 155 (1907) . (2) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 4/328، كتاب البيوع باب البيعان بالخيار مالم يتفرقا،ح 2110، وأخرجه مسلم 3/1164، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان، ح 47 (1532) . (3) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 7/407، وكتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلممن الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، ح 4119، وأخرجه مسلم 3/1391، كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو....إلخ ح 69 (1770) .

الصحابة على الإسراع فصلاها في وقتها، وبلغ النبي ما فعل الفريقان فأقرهما ولم ينكر عليهما. ومن الثاني: ما روي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أكل ضباً قُدِّم إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يأكله، فقال له بعض الصحابة: أوَيحرم أكله يا رسول الله؟ فقال: "لا، ولكنه ليس في أرض قومي فأجدني أعافه" (1) . وقد تطلق السنة عندهم على ما دل عليه دليل شرعي، سواء كان ذلك في الكتاب العزيز، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو اجتهد فيه الصحابة، كجمع المصحف وحمل الناس على القراءة بحرف واحد، وتدوين الدواوين، ويقابل ذلك «البدعة» ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (2) . (3) وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تدل أفعاله على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع في أفعال العباد وجوبا، أو حرمة، أو إباحة، أو غير ذلك. إذاً فالسنة في اصطلاح الفقهاء: هي ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير افتراض ولا وجوب، وتقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة، وقد تطلق عندهم على ما يقابل البدعة، ومنه قولهم: طلاق السنة كذا، وطلاق البدعة كذا.

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 9/663، كتاب الذبائح والصيد، باب الضب، ح 5537 وأخرجه مسلم 3/1543، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب، ح 43 (1945) . (2) أخرجه أبو داود 5/13 كتاب السنة، باب في لزوم السنة،ح 4607 والترمذي 5/44 كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة، واجتناب البِدع، ح 2676.

ومرد هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلافهم في الأغراض التي يُعنى بها كل فئة من أهل العلم. فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الهادي الذي أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال، سواء أثبت ذلك حكماً شرعياً أم لا. وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويبين للناس دستور الحياة، فعنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها. وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لاتخرج أفعاله عن الدلالة على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوباً أو حرمةً أو إباحةً أو غير ذلك. ونحن هنا نريد بالسنة ما عناه الأصوليون، لأنها - بتعريفهم - هي التي يبحث عن حجيتها ومكانتها في التشريع (1) .

_ (1) مادة التعريف الشرعي للسنة أخذت بتصرف من كتاب: السنة قبل التدوين للخطيب، وكتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي.

الفصل الأول: إثبات أن السنة وحي من الله

الفصل الأول: إثبات أن السنة وحي من الله المبحث الأول: ما ورد في القرآن الكريم السنة النبوية: هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وهي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي نزل به جبريل الأمين على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والقسم الثاني من الوحي هو القرآن الكريم، فالسنة النبوية من الوحي، بذلك نطق الكتاب العزيز {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] فكل ما ينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن أو سنة هو من وحي رب العالمين، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] . فأنزل الله القرآن الكريم وحياً يتلى إلى قيام الساعة محفوظاً من التبديل والتغيير فكان دليلاً قائماً وبرهاناً ساطعاً على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين وكان خير حافظ للشريعة المحمدية من عبث العابثين وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وكان وما يزال نوراً ساطعاً وضياءً للمتقين قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:16] . وقد أمر الله بطاعة الرسول، وجعل طاعته طاعة لله تعالى واتباعه سبباً في محبة الله وغفران الذنوب ونفى الإيمان عمن لم يرض بقضائه صلى الله عليه وسلم، ومما ورد فيه من الوعيد الشديد لمن خالف رسوله قال تعالى:

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} [المائدة:92] وقال عز من قائل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] ، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7] . وقال جل شأنه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] . وقوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] وقوله جل شأنه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] (1) .

_ (1) أصول الفقه الإسلامي لزكي الدين شعبان ص 64 – 65.

المبحث الثاني: ما جاء في السنة النبوية وأقوال الصحابة ومن بعدهم

المبحث الثاني: ما جاء في السنة النبوية وأقوال الصحابة ومن بعدهم جاءت السنة بذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا وإنَّ ما حَرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرَّمَ الله" (1) . وعن حسان بن عطية أنه قال:"كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن" (2) . وعن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آتاني الله القرآن ومن الحكمة مثليه" (3) والوحي ينقسم إلى متلو وغير متلو، فالوحي المتلو هو القرآن الكريم ومن الوحي غير المتلو السنة النبوية لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى

_ (1) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (أخرجه أبو داود 5/10، كتاب السنة باب لزوم السنة، ح 4604 وأخرجه الترمذي 5/38، كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عن حديث النبي صلى الله عليه وسلمح 2664 وقال حديث حسن غريب، وأخرجه ابن ماجه 1/6، المقدمة باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلموالتغليظ على من عارضه ح 12) عن المقداد بن معد يكرب، وحسنه الترمذي وصححه الحاكم. (2) أخرجه أبو داود في مراسيله ص 361، باب في البدع، ح 536 ,وقال محققه شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أنّه مرسل. (3) أخرجه أبو داود في مراسيله ص 359 باب البدع، ح 534، وقال محققه شعيب الأرناؤوط رجاله ثقات إلا شيخ أبي داود صدوق، غير أنّه مرسل.

,إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] وقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] إلى غير ذلك من الأدلة، غير أن السنة النبوية تفارق القرآن الكريم بأمور كثيرة أهمها: 1- أنها نزلت بالمعنى ولفظها من النبي صلى الله عليه وسلم ومن هنا جاز روايتها بالمعنى للخبير بمقاصدها العارف بمعانيها وألفاظها عند من يرى ذلك من العلماء. 2– أنها ليست معجزة بألفاظها. 3– ولا متعبداً بتلاوتها. وقد يشكل على أن السنة بأقسامها: أقوالها وأفعالها وتقريراتها من الوحي ما قرره العلماء من جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم وأنه اجتهد في كثير من الوقائع في الحروب وغيرها، فَجعْلُ السنة موحى بها من الله سبحانه يعارض ما قرره جمهور العلماء فضلاً عن أنه يسلبه صلى الله عليه وسلم خصائصه ومزاياه من الفهم الثاقب والرأي الصائب. والجواب عن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم وإن اجتهد في كثير من المواطن التي لم ينزل عليه فيها وحي بمقتضى ما فطر عليه من العقل السليم والنظر السديد إلا أَنَّ الله سبحانه لايتركه وشأنه، ولكن يقره إذا أصاب وينبهه إن أخطأ. ومن هنا كان اجتهاده صلى الله عليه وسلم إذا أقره الله عليه وحياً حكماً فلا تعارض بين أن السنة وحي من الله وأن ذلك لا يسلبه صلى الله عليه وسلم شيئاً من خصائصه ومزاياه بل يؤكدها ويقررها (1) .

_ (1) كتاب الحديث والمحدثون ص 11 وما بعدها بتصرف.

وإننا لنلمس آثار رحمة الله تعالى وحكمته في أن جعل الوحي قسمين: قسماً: لا تجوز روايته بالمعنى بل لابد فيه من التزام الألفاظ المنزلة وهو القرآن الكريم، وقسماً: تجوز روايته بالمعنى لمن يستطيع ذلك وهو السنة النبوية المطهرة، وفي ذلك صون الشريعة والتخفيف عن الأمة ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه لشق الأمر وعظم الخطب ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإلهية. ولو كان الوحي كله من قبيل السنة في جواز الرواية بالمعنى لكان فيه مجال للريب ومثار للشك ومغمز للطاعنين ومنفذ للملحدين، إذ يقولون لا نأمن أخطاء الرواة في أداء الشريعة ولا نثق بقول نقلة العقائد والأحكام والآداب، ولكِنَّ الله جلت حكمته صان الشريعة بالقرآن ورفع الإصر عن الأمة بتجويز رواية السنة في الحدود السابقة؛ لئلا يكون للناس على الله حجة (1) .

_ (1) كتاب الحديث والمحدثون ص 19 وما بعدها (بتصرف) .

الفصل الثاني: كيف حفظت السنة؟؟

الفصل الثاني: كيف حفظت السنة؟؟ المبحث الأول: جهود الصحابة في حفظ السنة في النبي صلى الله عليه وسلم مدخل ... الفصل الثاني: كيف حفظت السنة؟؟ المبحث الأول: جهود الصحابة في حفظ السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان من رحمة الله بالإنسانية جمعاء أن بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وهذا الرسول هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أشرف الناس نسباً وأكرم قريش أصلاً. بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الله سرّاً حتى لا يفجأ القوم بها وهم غارقون في جهلهم هائمون في غيهم.فتبعه منهم نفر قلائل لا يتجاوزون أصابع اليد، ثم جهر بالدعوة إلى الله عز وجل فدخل في الدين من علية القوم كثير، دخلوا الإسلام على بينة من أمره واستمعوا إلى كتاب الله وسنة نبيهم فخالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، ولاسيما وهم متعطشون إلى ما ينقذهم من ظلمات الشرك ويهديهم إلى سبل السلام فصادف الإسلام قلوباً مستعدة ونفوساً متلهفة متهيأة فتمكن منها كل التمكن وجرى الإيمان فيهم مجرى الدم في عروقهم. ذلك أنهم عرفوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين هو منبع سعادتهم ومعقد عزهم وسبب نهضتهم فعقدوا عليه خناصرهم وأحبوا رسول الله حباً يعلو على حب الآباء والأبناء وانكبوا على ما جاءهم به من القرآن يحفظونه وعلى ما حدثهم به من بيان للكتاب

أو تشريع للأحكام فجمعوه في صدورهم وطبقوه على جميع أحوالهم، ثم كانت الهجرة إلى المدينة فانفسح المجال لاستماع القرآن وحضور مجالس النبي صلى الله عليه وسلم. علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للسنة مكانها من الدين وأنها الركن الثاني في بنائه القويم بعد الكتاب العزيز كما علموا وصية الله تعالى باتباعها وتحذيره الشديد من مخالفتها، وأن من فَرَّطَ في أمرها أو تهاون بشأنها فهو محروم، ومن حفظها وعمل بها فهو سعيد مشكور. ولم يخف عليهم أن القرآن العزيز رفع من شأن العلم والعلماء وحط من شأن الجهل والجهلاء فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وحث على التفقه في الدين وتبليغه إلى الناس فقال: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] . كما لم يخف عليهم الوعيد الشديد على كتمان العلم في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] . وكما جاءت الآيات القرآنية حاثة لهم على تعلم الدين وأحكامه ودرسه ونشره كذلك جاءت الأحاديث النبوية محببة إليهم حمل العلم والتفقه في الدين محذرةً لهم من كتمانه حاضةً على تبليغه إلى الناس فقال

صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (1) "الدنيا ملعونة. ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً" (2) . "نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فَبَلَّغهُ كما سمعهُ فَرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع" (3) "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" (4) "من سُئل عن علمٍ فكتمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار" (5) والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة شهيرة. ملكت هذه الآيات والأحاديث على الصحابة مشاعرهم وأخذت عليهم ألبابهم وأفعمت قلوبهم حباً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وألهبت نفوسهم نشاطاً نحو العلم والعمل فلم يدخروا وسعاً في حفظ الأحكام والسنن، وضحوا في سبيل ذلك بأموالهم وأنفسهم. وإلى جانب هذه الحمية الدينية استعداد فطري ونشاط طبيعي هو استعداد الحافظة ونشاط الذاكرة وسرعة الخاطر وقوة الذكاء وكمال العبقرية، فالصحابة

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/164، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ح 71، وأخرجه مسلم 2/718، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة ح 98 (1037) . (2) أخرجه ابن ماجه 2/1377، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، ح 4112، وحسنه الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه 2/395، ح 3320. (3) أخرجه الترمذي 5/ 34، كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، ح 2657، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (4) أخرجه مسلم 4/ 2074، كتاب الذكر، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر ح 38 (2699) . (5) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2/ 296 و 495، مسند أبى هريرة، وقال أحمد شاكر - في تحقيقه للمسند 14/5، ح 7561 -: إسناده صحيح.

عرب خلص أكثرهم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون فكل اعتمادهم على ملكتهم في الحفظ وقوة شأنهم فيه، واعتبر ذلك بحالهم في الجاهلية فقد حفظوا أنسابهم ومناقبهم وأشعارهم وخطبهم وكثيراً ما كانت تقع بينهم المفاخرة بالأنساب والأحساب فلا يسعفهم غير اللسان يثيرون به ما حفظوه من أخبارهم وأخبار خصومهم مما يرفع من شأنهم ويحط من شأن أعدائهم، فكان كل امرئٍ منهم على مقدار حفظه وقوة وعيه ترجمان قبيلته يرفع من قدرها ويتحدث عن مفاخرها وأحسابها والقوم من ورائه كأنهم سجل مليء بالحوادث والأخبار وكتاب شحن بالتواريخ والآثار، ساعدهم حبهم للتفاخر بالأحساب والأنساب والتنابز بالمثالب والألقاب مع ما رسخ فيهم من عصبية قبلية على إجادة الحفظ والضبط ونشاط في الذاكرة لم يتوافر في أمة من الأمم. وكأن الله تعالت قدرته هيأ هذه الأمة العربية على هذا الاستعداد الهائل إرهاصاً لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فكانت هذه الصدور الحافظة مهدا لآي الذكر الحكيم، وكانت هذه القلوب الواعية أوعية لحديث النبي الكريم فاندفع هؤلاء الصحابة الأجلاء إلى تلقي حديث رسول الله بِنَهَم عظيم وشوق كبير، وأظهر الله بهم دينه على الدين كله، وكان أمر الله قدراً مقدورا. نعم تظاهر هذان العاملان ... العامل الروحي والعامل الفطري فأتى القوم بمالم تأت به أمة من يوم أن بعث الله تعالى رسله إلى الخلق فحفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم واتخذوا شريعته نبراساً في أمر معاشهم ومعادهم وبلغوها إلى الناس على وجهها غضةً طريةً.

أ - مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية

أ - مجالس النبي صلى الله عليه وسلم العلمية: لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مدرسة مشيدة ولا معهد للتعليم يجلس فيه إلى أصحابه، بل كانت مجالسه العلمية كيفما اتفق فهو في الجيش معلم وواعظ يلهب القلوب بوعظه ويحمس الجنود بقوله وهو في السفر مرشد وهاد وهو في البيت يعلم أهله، وهو في المسجد مدرس وخطيب وقاض ومفت، وهو في الطريق يستوقفه أضعف الناس ليسأله عن أمر دينه فيقف، وهو على كل أحواله مرشد وناصح ومعلم، إلا أنه كثيراً ما يعقد لأصحابه المجالس العلمية بالمسجد حيث يجتمعون فيه في أغلب الأوقات لأداء فريضة الصلاة فكان يتخولهم بالموعظة والدرس تلو الدرس حتى لا يملوا ويسأموا، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا" (1) . وفي هذه المجالس كان صلى الله عليه وسلم يفيض على أصحابه من الكلم الطيب والعلم النافع والهدى الرشيد ما يشرح صدورهم ويفعم قلوبهم، وكانوا يحضرون أولادهم مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم لسماع حديثه والتأدب بآدابه وكان عليه السلام كثيراً ما يستفتى فيفتي، أو يسأل فيجيب، أو تقع أمامه الحادثة فيكشف عن حكم الله فيها، أو تنزل عليه الآية من القرآن فيفصح عن مراد الله منها، أو يقع من بعض الصحابة عمل لم يكن يعرف حكمه فيسكت إيذاناً منه بأنه جائز في الدين.

_ (1) أخرجه البخاري كما في الفتح 1/162، كتاب العلم، باب ما كان النبيصلى الله عليه وسلميتخولهم بالموعظة ... إلخ، وأخرجه مسلم 4/2172 كتاب صفات المنافقين، باب الاقتصاد في الموعظة ح 82 (2821) .

ولاتظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ملكاً محجوباً عن رعيته أو سلطاناً مترفعاً عن الاختلاط بأفراد أمته، بل كان على عكس ذلك متقلباً بين ظهرانيهم يبلغ رسالة ربه ويعود مرضاهم ويشيع موتاهم ويفصل في قضاياهم ويفض منازعاتهم ويقضي على اختلافاتهم وهم في كل ذلك مقبلون عليه بآذان صاغية وقلوب واعية. هذا ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم في حضور مجالسه العلمية سواء، بل كان منهم من يلازمه ولا يتخلف عنه في الحضر ولا في السفر كما كان من أبى بكر وأبى هريرة رضي الله عنهما. وكان منهم من يتخلف عنه في بعض الأوقات لقضاء مصالحه المعيشية كزراعة أو تجارة أو نحوها أو الخروج في سرية إلى غير ذلك، ومع ذلك فكانوا حريصين على ما فاتهم من دروس النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ما حضروا سألوا واستفسروا. وكان من الصحابة من يشتد به الحرص على حديث رسول صلى الله عليه وسلم فيتناوب حضور مجالسه مع جار له يحضر هذا يوما وهذا يوما ثم يخبر كل منهما صاحبه عما سمعه في يومه فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أنه كان هو وجارٌ له من الأنصار يتناوبان مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبر كل منهما صاحبه بما رآه أو سمعه" (1) ، أما من بعدت عليهم الشُّقة فكانوا إذا نزلت بهم نازلة وأشكل عليهم حلها، فإنهم يضربون أكباد الإبل إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقفوا على حكم الله فيما عرض لهم من الحوادث وربما مكثوا في أسفارهم الأيام والليالي ذوات العدد.

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/185، كتاب العلم باب التناوب في العلم ح 89.

فعن عقبة بن الحارث أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجه فركب من فوره - وكان بمكة - قاصداً المدينة حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن حكم الله فيمن يتزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف وقد قيل" (1) ففارق زوجته لوقته. علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أصحابه سيخلفونه من بعده وسيقع على كاهلهم أمر الإرشاد والتعليم فأتى في دروسه التعليمية بأمور كان لها أكبر الأثر في توجيه الصحابة وتعليمهم كيف يضطلعون بمهمة التعليم فيما بعد، ولنذكر لك أمثلة من هديه التعليمي الذي كان مناراً اهتدى به أصحابه رضي الله عنهم. كان من هديه التعليمي عليه السلام أنه إذا سئل عما لا يعلم يسكت منتظرا الوحي من الله بذلك، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه إذا قال كلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وكان من هديه عليه السلام أنه ربما طرح المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم وليشحذ أذهانهم للفهم، وكان إذا سئل عن مسألة فأجاب عنها فإنه قد يفيض في مسائل أخرى لها مناسبة بالمقام أو صلة بالجواب فيستطرد بها ليفيد السائل والحاضرين علما جديداً. وكان يتخولهم بالموعظة كراهة الملل حتى إن أصحاب ابن مسعود

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/184، كتاب العلم، باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، ح 88.

طلبوا منه أن يحدثهم كل يوم فأبى وقال إنما نتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا كراهة السآمة علينا. وكان صلى الله عليه وسلم يخص بعض أصحابه بالعلم دون بعض مخافة ألا يفهموا فيفتنوا. إلى غير ذلك من الأمثلة التي إذا تتبعناها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلعنا منه على خطة حكيمة في توجيه الصحابة حتى كانوا أساتذة في التعليم أمناء على أحكام الدين.

ب - كيف كان الصحابة يتلقون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم

ب - كيف كان الصحابة يتلقون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ لم يكن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحسن الكتابة إلا نفر قليل فقد كانت الأمية غالبة عليهم فكان اعتمادهم في تلقي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم على استعدادهم في الحفظ على ما سبق آنفا كما أنهم نهوا عن كتابة الحديث في بدء الأمر خوف اختلاطه بالقرآن الكريم، وكان الصحابة يتلقون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إما بطريق المشافهة وإما بطريق المشاهدة لأفعاله وتقريراته وإما بطريق السماع ممن سمع منه صلى الله عليه وسلم أو شاهد أفعاله وتقريراته لأنهم لم يكونوا جميعا يحضرون مجالسه صلى الله عليه وسلم بل كان منهم من يتخلف لبعض حاجاته. هذا ولما كان عدد الحاضرين للسماع من حضرة النبي صلى الله عليه وسلم يختلف قلة وكثرة اختلف لذلك المروي عنه، فبعضه بلغ درجة التواتر وهو ما نقله عنه صلى الله عليه وسلم جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وهذا نوعان:- متواتر لفظاً وهو قليل من الأحاديث كحديث "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (1) ومتواتر معنى وهو كثير ومن ذلك الأحاديث الواردة في أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والبيوع والنكاح والغزوات مما لم يختلف فيه فرقة من فرق الإسلام، وبعضه لم يبلغ درجة التواتر وهو الذي يسميه العلماء «خبر الآحاد» .

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/302 ,كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلمح 110، وأخرجه مسلم 1/10، المقدمة، باب تغليظ الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ح 3و4.

كان الصحابة يحفظون الأحاديث عن ظهر قلب ويبلغونها للناس بطريق المشافهة إلا ما كان من بعض أفراد قلائل كعبد الله بن عمرو بن العاص فقد أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث عنه. فعن عبد الله بن عمرو هذا أنه قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق" (1) . هذا ولاختلاف الصحابة في معرفة الكتابة وعدم معرفتها وكثرة حضورهم مجالسه صلى الله عليه وسلم وقلة حضورهم اختلفوا في تحمل الحديث وأدائه قلة وكثرة فكان منهم المقل ومنهم المكثر. هذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فانه كان يكتب ولا أكتب"2) وكما اختلف الصحابة في صفة الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كثرة المروي وقلته لأسباب أشرنا إليها كذلك اختلفوا في فقه الحديث حسب اختلافهم في الفهم والاستعداد الفطري فلم يكونوا سواء في معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمفسر

_ (1) أخرجه أبو داود 4/60، كتاب العلم، باب في كتابة العلم، ح 3646 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/695، ح 3099. (2) أخرجه البخاري في صحيحه مع 1/206، كتاب العلم، باب كتابة العلم ح 113.

ونحو ذلك إلا أنهم كانوا كثيرا ما يرجعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عند ما يقع الاختلاف بينهم فيُصدر حكمه الفصل وقَضاءَه العدل.

ج - أثر النساء في نشر الحديث

جـ - أثر النساء في نشر الحديث: لم تكن مجالسه صلى الله عليه وسلم قاصرة على الرجال بل كان كثير من النساء يحضرن المسجد أيضا ويستمعن إلى حديثه الشريف وفي الاجتماعات العامة كالاجتماع بصلاة العيد كن يخرجن جميعا إلى المصلى لاستماع الموعظة النبوية وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يلقي خطبة العيد في الصفوف الأمامية للرجال ينتقل إلى صفوف النساء يتحدث إليهن ويعلمهن إلا أن المجالس النبوية بوجه عام كانت الغلبة فيها للرجال دون النساء لذلك جاء وفد النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبن إليه أن يجعل لهن يوماً يعلمهن فيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيبهن إلى ذلك، على أن هذه الدروس كلها من عامة وخاصة لم تكن قائمة بحوائج النساء الدينية فكثيرا ما كانت تتجدد لهن شؤون ولاسيما وهن حديثات عهد بالإسلام فكانت المرأة تقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يعرض لها من أمر دينها ولا تستحيي أن تسأله لعلمها أنه لا حياء في التعلم وربما قدمت بين يدي سؤالها قولها "يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق" ثم تذكر حاجتها فتقول مثلا (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت) وكثيرا ما يكون ذلك في نساء الأنصار حتى امتدحتهن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بقولها "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" (1) ، أما من

_ (1) أخرجه البخاري 1/ 228، كتاب العلم، باب الحياء في العلم ح 130.

كان يغلب عليها الحياء منهن فكان لها من أمهات المؤمنين أعظم وسيط لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوضح لها عن جواب سؤالها.

د - أمهات المؤمنين يبلغن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

د - أمهات المؤمنين يبلغن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولاننس ما لزوجاته صلى الله عليه وسلم من فضل كبير في تبليغ أحكام الدين ونشر السنن بين نساء المؤمنين ولاسيما ما كان من عائشة رضي الله عنها التي كانت على مقدار عظيم من الذكاء والفهم، فقد كانت تسأله صلى الله عليه وسلم وتناقشه في بعض المسائل التي قد تخفى عليها وتستوضح عن كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. فعن ابن أبي مُلَيْكة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حوسب عذب، قالت عائشة أو ليس يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8] ، قالت فقال: إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك" (1) . ولعل من الحكم التي لأجلها أباح الله للرسول صلى الله عليه وسلم الزواج بأكثر من أربع قيام هؤلاء الزوجات بالتبليغ عنه صلى الله عليه وسلم وبخاصة في الأمور التي لا توجد منه صلى الله عليه وسلم بين أصحابه أو يستحيي من فعلها بينهم ولا يمكن الاطلاع عليها لأحد غير أمهات المؤمنين رضي الله عنهن لذلك نجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده إذا اختلفوا في شيء من الأحكام

_ (1) أخرجه البخاري 1/196، كتاب العلم، باب من سمع شيئاً فراجع حتى يعرفه، ح 103 وأخرجه مسلم 4/2204، كتاب الجند، باب إثبات الحساب، ح 79 (2876) .

كالغسل والحيض والجماع ونحوها يلجؤون إلى أمهات المؤمنين ويرجعون إلى أقوالهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك يزول ما بينهم من خلاف. هذا ولا ريب في أن نساءه صلى الله عليه وسلم كن على جانب عظيم من العلم فقد أمرهن الله تعالى بالاستقرار في بيوتهن ومُدَارسة القرآن والسنة في قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] إلى أن قال: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34] لذا كان لأمهات المؤمنين أثر فعال في نشر السنة، ولولاهن لضاعت أحاديث وأحكام ما كنا لنطلع عليها من غيرهن ولاسيما الأفعال التي تقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه مما لا يمكن لأحد الاطلاع عليها والوقوف على أحكامها.

هـ - البعوث والوفود وأثرها في انتشار الحديث النبوي

هـ- البعوث والوفود وأثرها في انتشار: الحديث النبوي 1- بعوثه صلى الله عليه وسلم وأثرها في نشر الحديث:- بدأت الدعوة المحمدية سراً واستمرت على ذلك ثلاث سنوات، ثم أمر الله نبيه بأن يجهر بها بعد أن تكونت نواة صالحة من المسلمين، فما كان من قريش إلا أن ناصبوه العداء واستمر الأمر على ذلك حيناً من الزمن حتى دخل في الإسلام كثير من أهل المدينة فأمر الله نبيه بالهجرة إليها فانتقل إليها مع أصحابه وأصبحت المدينة من ذلك الوقت مهبط الوحي وقاعدة الإسلام. غزا منها النبي صلى الله عليه وسلم أعداء الدين وحدث

بها أكثر حديثه، إلا أن القتال كان حائلاً دون دخول كثير من القبائل في الإسلام كما كان مانعاً من وصول الدعوة إلى أطراف الجزيرة، فما أن وقع صلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة حتى أمن الناس بعضهم بعضا، وجالس بعضهم بعضا وتحدثوا في شأن هذا الدين الجديد، وفي ظل هذه الهدنة المباركة دخل كثير من العرب في الإسلام وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعوثه إلى القبائل المسلمة لتعليمهم السنن والأحكام، فبعث منهم إلى اليمن وإلى البحرين وإلى حضرموت وإلى عمان وغير ذلك من بلاد العرب. كانت هذه البعوث رسل رحمة وهداية للناس بما حملوه إليهم من القرآن والسنة اللذين هما حياة النفوس والأرواح كما كانت هذه البعوث عاملاً مهماً في نشر حديث النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين في أنحاء الجزيرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخير لهذه المهمة من كان على جانب عظيم في العلم بالقرآن والسنن وكان يزودهم بحديثه الشريف وإرشاده الحكيم ويعلمهم كيف يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، انظر إلى قوله لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك تأتي قوماً أهل كتاب فقل لهم إن الله فرض عليكم في اليوم والليلة خمس صلوات فإن هم أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم في السنة صوم شهر رمضان، فإن هم أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم حج البيت من استطاع إليه سبيلا، فإن أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم في أموالكم صدقة تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم" (1) إلخ، وبطبيعة الحال كان المبعوث يبين أحكام كل ذلك بما سمعه من حديث

_ (1) أخرجه مسلم 1/50، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام ح 29 (19) .

النبي صلى الله عليه وسلم، وبسبب هذا الهدي النبوي آتت هذه البعوث ثمرتها الطيبة في نشر الحديث الشريف بين ربوع المسلمين. 2- وفود القبائل إليه صلى الله عليه وسلم وأثر ذلك في نشر الحديث:- لما تم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الانتصارات الباهرة والفتوح المتكاثرة وفرغ من غزوة تبوك جاءته الوفود من أطراف الجزيرة العربية تضرب إليه أكباد الإبل يحفزها الشوق إلى لقاء هذا النبي الأمين ليأخذوا الدين من منبعه الأول، فقد عرفت هذه القبائل أنه لا طاقة لها بحرب محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن انضوت قريش تحت لواء الإسلام، وقريش هي في نظرهم لها لواء الإمامة والسيادة فدخلت هذه القبائل في الدين أفواجاً ووفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم زرافات ووحداناً مصداقاً لقوله تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ, وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا, فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1–3] . جاءت الوفود تترى إلى رسول الله كما جاءته الكتب والرسل من الملوك تخبره بإسلامهم ومفارقتهم للشرك وأهله وكلما جاء وفد أكرمهم صلى الله عليه وسلم وأرشدهم وعرفهم أمر دينهم، وبشرهم إِنْ هم أطاعوه وحذرهم إن هم عصوه، وأفهمهم بما لهم وما عليهم، وكان قدوم الوفود سنة تسع من الهجرة، حتى سميت هذه السنة بسنة الوفود، ولم تكن هذه الوفود تأتي لنيل عطاء وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمهم ويعطيهم من مال الله الذي آتاه، بل يأتون إليه فيسألون عن أحكام الإسلام، أصوله وفروعه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث إليهم في كل ذلك ويجيبهم عن أسئلتهم ويخطب فيهم ويرشدهم ويعلمهم ويوصيهم بتقوى الله والسمع والطاعة. وإن من يقرأ السيرة النبوية يجد أن وفوداً كثيرة جداً أقبلت عليه صلى الله عليه وسلم

حتى كأنه لم تبق قبيلة من قبائل العرب إلا قدم منها وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد عرف الصحابة رضي الله عنهم تلك الوفود وفداً وفدا وحفظوا ما حدثهم به النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وما خطبهم من خطب وما بثه فيهم من مواعظ ونصائح وأحكام وسنن حتى إنك لتجد كتب الحديث والسير والمغازي مملوءة بذكر هذه الوفود وما كان لها من أثر عظيم في نشر الدين والسنن سواء ما كان من هذه الوفود في سنة تسع وما كان قبلها. وهاك بعض الوفود التي أقبلت عليه صلى الله عليه وسلم:- 1- وفد بني سعد بن بكر- وكان وافدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو ضمام بن ثعلبة وفد على رسول الله سنة تسع من الهجرة ولما قدم المدينة وجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً بين أصحابه ولا يعرفه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدنا منه وقال: "إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل عما بدا لك، فقال: يا محمد جاءنا رسولك فذكر لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، قال: صدق، فقال أنشدك برب من قبلك وبرب من بعدك، قال: اللهم نعم، أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟، قال اللهم نعم، قال: وأنشدك بالله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟، قال: اللهم نعم، قال: وأنشدك بالله آلله أمرك أن تأخد هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة" (1) ثم رجع ضمام إلى قومه فأسلموا جميعاً.

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/ 148، كتاب العلم، باب ما جاء في العلم، ح 63.

2- وفد عبد القيس - لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام وبيننا وبينك هذا الحي من مضر فمرنا بأمر فصل نُخبر به من وراءنا وندخل به الجنة وسألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أنَّ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المَغنم الخمس، ونهاهم عن أربع عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت، وقال احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم" (1) . من هذا ترى أن الوفود كانت تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنهل من معين العلم ولتتفقه في دين الله وتقف على أحكام الإسلام، ثم يرجعوا إلى أوطانهم يعلمون من وراءهم من قبائلهم وعشائرهم، فهذه الوفود إلى جانب البعوث التي كان يرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبائل والملوك كان لها أكبر الأثر في نشر السنة النبوية في أنحاء الجزيرة العربية.

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/183، كتاب العلم، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس....إلخ ح 87.

و - حجة الوداع وأثرها في نشر الحديث

و حجة الوداع وأثرها في نشر الحديث: هذا ولما استتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر في الجزيرة قصد حج بيت الله الحرام وقد حج معه من المسلمين أكثر من مئة ألف فألقى فيهم النبي صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة جمع فيها أحكاماً غزيرة وسنناً كثيرة ووضع من آثار الجاهلية ما أبطله الإسلام، ولكثرة الناس في ذلك اليوم اتخذ ربيعة بن أمية بن خلف مُبلغاً عنه، وافتتح هذه الخطبة بعد حمد الله بقوله "أيها الناس اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا" (1) وهي خطبة طويلة بين للناس فيها مناسك الحج وكأنه عليه السلام كان يشعر بدنو أجله فلم يترك شيئاًلم يكن بينه للناس إلا بينه وأظهره، فكانت هذه الخطبة الحافلة في هذا الجمع الحاشد من أكبر العوامل في ذيوع السنن الكثيرة بين قبائل العرب وعشائرهم وهي كمنهاج ختامي للدعوة الإسلامية عامة ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وقد نزل في هذا الوقت قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] .

_ (1) هذا القول بلفظه لم أجده فيما بين يدي من الكتب، ولكن خطبة حجة الوداع المشهورة من حديث جابر أخرجها مسلم 2/886، كتاب الحج، باب حجة النبيصلى الله عليه وسلم، ح 147 (1218) .

المنحث الثاني: جهود الصحابة والتابعين في حفظ السنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

المنحث الثاني: جهود الصحابة والتابعين في حفظ السنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مدخل ... المبحث الثاني: جهود الصحابة والتابعين في حفظ السنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان مصدر التشريع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كتاب الله وسنة رسوله، ينزل الوحي فيبلغه النبي الكريم إلى الناس كافة، ويبين مقاصده، ثم يطبق أحكامه، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم المرجع الأعلى في جميع أمور الأمة، في القضاء والفتوى، والتنظيم المالي والسياسي والعسكري، ويعالج الأمور على مرأى من أصحابه رضي الله عنهم. ثم ما لبث أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، وانقطع الوحي ولم يبق أمام الأمة إلا القرآن الكريم والسنة الشريفة، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي" (1) . وتمسك الصحابة والتابعون بسنته عليه الصلاة والسلام استجابة لأوامر الله عز وجل وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام.

_ (1) أخرجه مالك في الموطأ 2/899، كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر، ح 3 وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة 4/355، ح 1761.

منهج الصحابة والتابعين في المحافظة على السنة

منهج الصحابة والتابعين في المحافظة على السنة: رأينا حرص الصحابة والتابعين على التمسك بالسنة المطهرة، وحسن اقتدائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وتتبعهم آثاره، ووقوفهم عند أحكامه عليه الصلاة والسلام متى ثبتت عندهم، وقد نهج الصحابة والتابعون

سبيلاً قويماً للمحافظة على الحديث النبوي، ويتضح هذا المنهج من احتياطهم في رواية الحديث، وفي تثبتهم في قبول الأخبار، هذا إلى جانب ما عرضناه من تمسكهم بالسنة وحضهم الناس على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم. 1 – احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث: احتاط الصحابة في رواية الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم خشية الوقوع في الخطأ، وخوفاً من أن يتسرب إلى السنة بعض التحريف، وهي المصدر الأول بعد القرآن الكريم، ولهذا اتبعوا كل سبيل يحفظ على الحديث نوره، فحملهم ورعهم وتقواهم على الاعتدال في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعضهم آثر الإقلال منها خوفا من الوقوع في الخطأ والزّلل لا زهداً فيه، واشتهر من بين الصحابة عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- بشدة إنكاره على من يكثر الحديث. والتزم الصحابة هذا المنهج، فلم يرووا الأحاديث إلا حين الحاجة، وكانوا حين يروونها يتحرون الدقة في أدائها، وكثيراً ما كان يقول بعضهم بعد رواية الحديث (نحو هذا، أو كما قال ,أو شبيها بذلك) (1) ونرى من الصحابة من تأخذه الرعدة، ويقشعر جلده، ويتغير لونه حين يروي شيئاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ورعاً واحتراما لحديثه عليه الصلاة والسلام.

_ (1) كما في سنن ابن ماجه 1/11، المقدمة باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ح 23 و24.

من هذا ما رواه عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه قال: فما سمعته بشيءٍ قط قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلما كان ذات عشية قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنكس، قال: فنظرت إليه، فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك أو شبيهاً بذلك" (1) ولم ينهج الصحابة هذا السبيل لقلة ما لديهم من الحديث، بل فعلوا ذلك كله حرصاً على السنة وصيانة لها، واحتياطاً للدين ورعاية لمصلحة المسلمين، لا زهداً في الحديث النبوي ولا تعطيلاً له. وقد ثبت عن الصحابة جميعاً تمسكهم بالحديث الشريف واجلالهم إياه، وأخذهم به، وقد تواتر خبر اجتهاد الصحابة إذا وقعت لهم حادثة شرعية من حلال أو حرام، وفزعهم إلى كتاب الله تعالى، فان وجدوا فيه ما يريدون تمكسوا به، وأجروا (حكم الحادثة) على مقتضاه، وإن لم يجدوا ما يطلبون فزعوا إلى (السنة) ، فإن روي لهم خبر أخذوا به ونزلوا على حكمه، وإن لم يجدوا الخبر فزعوا إلى الاجتهاد بالرأي. وطريقة أبي بكر وعمر في الحكم مشهورة: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به، وإن لم يجد في كتاب الله تعالى نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن

_ (1) أخرجه ابن ماجه 1/10، المقدمة، باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ح 23 وقال المحقق وفي الزوائد: إسناده صحيح، احتج الشيخان بجميع رواته.

وجد فيها ما يقضي به قضى به، فإن أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بقضاء، فربما قام إليه القوم فيقولون..... قضى فيه بكذا وكذا، فإن لم يجد سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم جمع رؤساء الناس فاستشارهم (1) وكان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك. ورأى الصحابة في منهج عمر رضي الله عنه حفظ السنة، وحمل الناس على التثبت بما يسمعون، والتروي فيما يؤدون، فالتزموه من غير إفراط ولا تفريط، ولم يكثروا من الرواية مخافة رفع التدبر والتفقه، فالتزموا الاعتدال فيها. ثم إن كثرة الرواية مظنة الوقوع في الخطأ، وبخاصة أنه ورد النهي عن التحديث بكل ما يسمعه المرء، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" (2) ، وسار التابعون وأتباعهم على منهج الصحابة، فاحتاطوا في رواية الحديث، وعابوا الإكثار منها مخافة أن يرتفع تدبر الحديث وفهمه، قال محمد بن المنكدر: (الذي يحدث الناس إنما يدخل بين الله وبين عباده فلينظر بما يدخل) (3) 2– تثبّت الصحابة والتابعين في قبول الحديث أمر الإسلام بالتثبت في قبول الأخبار، ونهى عن الكذب، وأمر بقول الحق، نزل بهذا الوحي الأمين، ونطق به الرسول الكريم، وعمل

_ (1) إعلام الموقعين لابن قيم الجوزيه 1/62. (2) أخرجه مسلم في صحيحه 1/10، المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع. (3) الكفاية للخطيب البغدادي ص 168.

بذلك الصحابة أجمعون، وسار على ذلك المتقدمون والمتأخرون، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً,,يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71] ، وقال: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:152] {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30] . وقال صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (1) وقال: "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (2) . هكذا أُمر المسلمون بالصدق في كل شيء، وبالأمانة والعدل وبتحري الحق واجتناب الباطل، ولهذا فقد احتاط رجال الحديث ونقاده في قبول الحديث، وتثبتوا وتأكدوا من الأخبار التي يرويها المسلمون، وقد نهج هذا السبيل الصحابة والتابعون, ومن جاء بعدهم، وحاولوا التثبت بكل وسيلة تضمن لهم صحة المروي وضبط ناقله، بطلب الحديث من راو آخر، وجمع طرقه تارة، وبالرجوع إلى أئمة هذا الشأن تارة أخرى.

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 1/200، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ح 107. (2) أخرجه مسلم 1/10، المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلمح 4.

وحق للأمة الإسلامية أن تتثبت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتستوثق له - وهو المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، فكما احتاط الصحابة والتابعون وأهل العلم من بعدهم في رواية الحديث، احتاطوا وتثبتوا في قبول الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمثلة تثبت الصحابة والتابعين ومن خلفهم أكثر من أن تحصى، وسنكتفي بذكر مثال عليها: روى الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي، فرجعت فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع". فقال: والله لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) . ولم يكن التابعون وأتباعهم أقل اهتماما من الصحابة بالاحتياط لقبول الحديث فكانوا يتثبتون من الراوي بكل وسيلة تطمئن إليها قلوبهم وإن من يتتبع تاريخ الرواة، وكيفية تحملهم الحديث الشريف؛ ليدرك تماما جهود التابعين وأتباعهم، تلك الجهود التي بذلوها لنقل السنة إلى خَلَفهم، وهذا مثال يدل على ذلك: 1 - عن عبادة بن سعيد التجيبي أن عقبة بن نافع الفهري أوصى بنيه فقال: (يا بني لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثقة) .

_ (1) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 11/26، كتاب الاستئذان، باب الاستئذان ثلاثاً، ح 6245.

ويؤكد ذلك قول كثير من العلماء كعبد الله بن عون (150هـ) وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر (المتوفى نحو سنة 153هـ) وشعبة بن الحجاج (82-160هـ) ، وسفيان الثوري (97-161هـ) وغيرهم قالوا: (خذوا العلم من المشهورين) ، و (لا يؤخذ هذا العلم إلا عمن شهد له بالطلب) (1) .

_ (1) يراجع كتاب أصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب ص 180 وما بعدها بتصرف.

المبحث الثالث: جهود أتباع التابعين في حفظ السنة

المبحث الثالث: جهود أتباع التابعين في حفظ السنة بعد أن أدى الصحابة والتابعون ما في وسعهم لحفظ السنة آتى هذا الجهد ُثماره يانعة في عهد أتباع التابعين الذين ساروا على خطى من سبقهم وذلك بأمرين:- الأول: ما خرج للناس من مدونات حديثية مختلفة على يدي أبناء النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وقد ظهرت تلك المصنفات والكتب في أوقات متقاربة، وفي مناطق مختلفة من الدولة الإسلامية، فبعد أن كان أهل الحديث يجمعون الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس، أصبحوا يرتبون الأحاديث على الأبواب، وكانت هذه المصنفات تشتمل على السنن وما يتعلق بها، وكان بعضها يسمى مصنفا وبعضها يسمى جامعا أو مجموعا وغير ذلك. وقد اختلف في أول من صنف وبوب، فقيل عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج البصري (150هـ) بمكة، ومالك بن أنس (93-179هـ) أو محمد بن إسحاق ( ... -151هـ) بالمدينة المنورة، وصنف بها محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ذئب (80-158هـ) موطأ أكبر من موطأ مالك، والربيع بن صبيح ( ... -160هـ) أو سعيد بن أبي عروبة ( ... -156هـ) أو حماد بن سلمة ( ... -167هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري (97-161هـ) بالكوفة، وخالد بن جميل العبد، ومعمر

ابن راشد (59-153هـ) باليمن (1) ، والإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (88–157هـ) بالشام، وعبد الله بن المبارك (118-181هـ) بخرا سان، وهشيم بن بشير (104-183هـ) بواسط (2) ، وجرير بن عبد الحميد (110-188هـ) بالري، وعبد الله بن وهب (125-197هـ) بمصر (3) , ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم، وقد كان معظم هذه المصنفات، والمجاميع يضم الحديث الشريف وفتاوى الصحابة والتابعين، كما يتجلى لنا بعض هذا في موطأ الإمام مالك بن أنس (4) . ثم رأى بعضهم أن تفرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في مؤلفات خاصة، فألفت المسانيد، وهي كتب تضم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيدها خالية من فتاوى الصحابة والتابعين تجمع فيها أحاديث كل صحابي ولو كانت في مواضيع مختلفة – تحت اسم مسند فلان ومسند فلان وهكذا. وأول من ألف المسانيد أبو داود سليمان بن الجارود الطيالسي (33 -204هـ) (5) . وتبعه بعض من عاصره من أتباع التابعين وأتباعهم، فصنف أسد بن موسى الأموي ( ... -212هـ) وهو أول من صنف المسند بمصر، وعبيد الله بن موسى العبسي ( ... -213هـ) وقال ابن

_ (1) تدريب الراوي للسيوطي 1/89. (2) تاريخ بغداد 14/85. (3) تدريب الراوي للسيوطي 1/89. (4) الرسالة المستطرفة للكتاني ص 6-7. (5) الرسالة المستطرفة للكتاني ص 61.

عدي: هو أول من صنف المسند بالكوفة، ونعيم بن حماد الخزاعي المصري ( ... -228هـ) واقتفى الأئمة آثارهم كأحمد بن حنبل (164 -241هـ) وإسحاق بن راهويه (161-238هـ) وعثمان بن أبي شيبة (156-239هـ) وغيرهم (1) . ويعُدّ مسند الإمام أحمد بن حنبل – وهو من أتباع التابعين – أوفى تلك المسانيد وأوسعها. جمع هؤلاء الحديث ودونوه بأسانيده. واجتنبوا الأحاديث الموضوعة وذكروا طرقا كثيرة لكل حديث، يتمكن بها جهابذة هذا العلم وصيارفته من معرفة الصحيح من الضعيف، والقوي من المعلول، مما لا يتيسر لكل طالب علم فرأى بعض الأئمة أن يصنفوا في الحديث الصحيح فقط، فصنفوا كتبهم على الأبواب واقتصروا فيها على الحديث الصحيح. ظهرت الكتب الستة في هذا العصر، عصر أتباع أتباع التابعين، وكان أول من صنف ذلك الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194-256هـ) ، ثم الإمام مسلم بن الحجاج القشيري (204-261هـ) ، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (202-275هـ) ، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ( ... -279هـ) وأحمد بن شعيب النسائي (215-303هـ) . ثم ابن ماجه وهو عبد الله بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن ماجه القزويني (207-273هـ) ، وقد خدمت هذه الكتب بالشرح والتهذيب والاختصار والاستخراج عليها من قبل العلماء الذين جاؤوا بعدهم (2) .

_ (1) الرسالة المستطرفة للكتاني ص 61 – 63. (2) جمعت مادة المبحثين الثاني والثالث من كتاب أصول الحديث وعلومه ومصطلحه للدكتور محمد عجاج الخطيب من ص 79 إلى ص 185 بتصرف شديد وإضافات.

الثاني: علم الرجال أو ما يسمى بالجرح والتعديل وقد ظهر هذا العلم في عصر الصحابة والتابعين ولكن اشتدت الحاجة إليه في عصر أتباع التابعين، حيث كان التابعون وأتباعهم وأهل العلم من بعدهم يبينون أحوال الرواة وينقدونهم ويعدلونهم حسبة لله، لا تأخذهم خشية أحد ولا تتملكهم عاطفة، فليس أحد من نقاد الحديث ورجاله يحابي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه ولا أخاه ولا ولده، وقد قصد الجميع خدمة الشريعة الإسلامية وحفظ مصادرها، فصدقوا القول وأخلصوا النية. فهذا شعبة بن الحجاج (82-160هـ) يُسأل عن حديث حكيم ابن جبير فيقول (أخاف النار) (1) وكان شديداً على الكذابين، ولهذا قال الإمام الشافعي: (لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق) (2) . وقد كان أئمة الحديث يدققون في حكمهم على الرواة, يعرفون كل محدث ما له وما عليه قال الإمام الشعبي: (والله لو أصبت تسعاً وتسعين مرة وأخطأت مرة لعدو علي تلك الواحدة) (3) وقال يحيى بن سعيد القطان: (سألت سفيان الثوري وشعبة ومالكاً وابن عيينةَ عن الرجل يكون ثبتاً في الحديث، فيأتيني الرجل فيسألني عنه، قالوا أخبر عنه أنه ليس بثبت) (4)

_ (1) الجرح والتعديل 1/140. (2) تذكرة الحفاظ 1/193. (3) تذكرة الحفاظ 1/82. (4) ضعفاء العقيلي 1/14.

وقد أكد العلماء ضرورة بيان أحوال الرواة، وأنه ليس في هذا غيبة، بل في ذلك حفظ السنة، وصيانتها عن الدخيل، وبيان الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود، قال ابن المبارك: (المعلى بن هلال هو، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب، فقال له بعض الصوفية: يا أبا عبد الرحمن، تغتاب؟ فقال: اسكت، إذا لم نبين، كيف يعرف الحق من الباطل؟) (1) وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: (جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي فجعل أبي يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال أبو تراب: يا شيخ، لا تغتب العلماء، فالتفت أبي إليه، فقال له: ويحك ... هذا نصيحة وليس هذا غيبة) (2) وكانت غاية العلماء في كل هذا بيان الحق بكل أمانة وإخلاص، وكانوا يرون الأمانة في الذهب والفضة أيسر من الأمانة في الحديث، فكانوا أمناء في كل هذا ولولا ضرورة التثبت والبحث ما خاضوا هذا الميدان الخطير، وما قاسوا المكاره والصعاب. وقيل ليحيىبن سعيد القطان: (أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءَك عند الله؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لم حدثت عني حديثاً ترى أنه كذب؟) (3)

_ (1) الكفاية للخطيب البغدادي ص 45. (2) الكفاية للخطيب البغدادي ص 45. (3) تدريب الراوي 2/369.

وهكذا قام هؤلاء العلماء بهذه الجهود المباركة لما فيها من نصح للمسلمين، وحفظ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامة لقواعد الدين استجابة لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً, يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 – 71] فجزى الله هؤلاء الرجال الأفذاذ خير الجزاء على ما قدموه من جهود جبارة لخدمة هذا الدين وجعلها في موازين أعمالهم.. آمين.

الخاتمة

الخاتمة: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده. فإنه في ختام هذه الوريقات يطيب لي أن أخرج بهذه الخلاصة التي أرجو أن تنفع من قرأها. *أن المعنى اللغوي للسنة يقود للمعنى الاصطلاحي وبينهما رابط قوي ألا وهو الطريق والمنهج المسلوك، على ما ورد من اختلافات طفيفة في التعريف الشرعي بين المحدثين والفقهاء والأصوليين، فكل يعرف بما يخدم علمه لكنها كلها تصب في قالب واحد. *أن الله كما أوحى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن فقد أوحى له بالسنة لأنه وصفه بأنه لا ينطق عن الهوى ولأن ما ينطق به شرع يتعبد به والله هو الشارع سبحانه. *أن الله كما حفظ كتابه، فقد قيض لسنة نبيه من يحفظها من الصحابة الأبرار ومن جاء بعدهم ممن حمل همَّ هذا الدين حتى تبقى شرعاً يُعمل به إلى أن تقوم الساعة. وما كان في هذا البحث من صواب فمن الله، وما كان فيه من تقصير فمن نفسي المقصرة ومن الشيطان. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع 1) القرآن الكريم. 2) أصول الحديث علومه ومصطلحه للدكتور محمد عجاج الخطيب، الطبعة الرابعة - دار الفكر – بيروت لبنان 1401هـ – 1981 م. 3) أصول الفقه الإسلامي لزكي الدين شعبان، الطبعة الثالثة – دار العلم – بيروت لبنان 1394 هـ - 1974 م. 4) إعلام الموقعين عن رب العالمين لشمس الدين أبي عبد الله محمد ابن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، توزيع دار الباز، مكة المكرمة. 5) تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر بن أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان. 6) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للحافظ السيوطي، حققه عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية – دار الكتب الحديثة – مصر 1385هـ - 1966م. 7) تفسير ابن كثير - تفسير القرآن العظيم - للحافظ ابن كثير، تحقيق عبد العزيز غنيم ومحمد عاشور ومحمد البنا - طبعة الشعب - القاهرة. 8) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي، الطبعة الأولى – مطبعة دار المعارف – الهند.

9) الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية لمحمد أبو زهو - طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - الرياض - المملكة العربية السعودية - الطبعة الثانية - 1404هـ - 1984م. 10) دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، تأليف الدكتور - محمد مصطفى الأعظمي - طبعة المكتب الإسلامي - بيروت - دمشق - 1400هـ -1980م. 11) الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة للعلامة محمد بن جعفر الكتاني، الطبعة الرابعة - دار البشائر الإسلامية – بيروت - لبنان 1406هـ – 1986م. 12) سلسلة الأحاديث الصحيحة لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية – الدار السلفية – الكويت 1404هـ - 1984م. 13) السنة قبل التدوين للدكتور محمد عجاج الخطيب، الطبعة الثالثة- دار الفكر– بيروت - لبنا ن 1400هـ - 1980م. 14) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي، الطبعة الرابعة للمكتب الإسلامي - بيروت - دمشق - 1405هـ - 1985م. 15) سنن ابن ماجه للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة المكتبة العلمية، بيروت- لبنان. 16) سنن أبي داود للإمام الحافظ أبي داود (سليمان بن الأشعث

السجستاني الأزدي) ، إعداد وتعليق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، الطبعة الأولى - دار الحديث - حمص - سورية. 17) سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان. 18) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري للإمام ابن حجر العسقلاني، تصحيح وتحقيق ومقابلة سماحة العلامة الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز، طبعة دار الفكر، رقمه محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وأشرف على طبعه محب الدين الخطيب. 19) صحيح سنن ابن ماجه، تأليف محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى - المكتب الإسلامي – بيروت - لبنان - 1407هـ -1986م. 20) صحيح سنن أبي داود، صحح أحاديثه محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى -المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان 1409هـ - 1989م. 21) صحيح مسلم لمسلم بن حجاج النيسابوري، اعتنى به محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة المكتبة الإسلامية، استانبول - تركيا. 22) الضعفاء الكبير لأبي جعفر العقيلي، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الأولى – دار الكتب العلمية – بيروت - لبنان 1404هـ - 1984م، توزيع دار الباز.

23) القاموس المحيط للعلامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية - بيروت - لبنان - 1407هـ - 1987م. 24) الكفاية في علم الرواية للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي ابن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي. 25) لسان العرب لابن منظور - طبعة دار المعارف - تحقيق عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي. 26) المراسيل تصنيف أبي داود، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة – بيروت لبنان – 1408هـ - 1988م. 27) المسند للإمام أحمد بن حنبل، شرحه ووضع فهارسه أحمد شاكر، الطبعة الثانية - دار المعارف بمصر - 1391هـ -1971م. 28) المسند للإمام أحمد بن حنبل، وبهامشه منتخب كنز الكمال في سنن الأقوال والأفعال، طبعة المكتب الإسلامي. 29) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار الكتب المصرية - القاهرة - 1364هـ. 30) موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف إعداد خادم السنة المطهرة أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الفكر - بيروت - لبنان - 1414هـ - 1994م.

31) الموطأ للإمام مالك بن أنس، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي – دار إحياء الكتب العربية. 32) النهاية في غريب الحديث والأثر للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري بن الأثير، تحقيق محمود محمد الطناحي، طاهر أحمد الزاوي - دار إحياء الكتب العربية.

§1/1