السنة النبوية وحي - أبو لبابة بن الطاهر حسين

أبو لبابة بن الطاهر حسين

تمهيد

تمهيد: صبُّ عنايتنا في هذا البحث على قضيّة واحدة هي إثبات أنّ السنّة الصحيحة التي توافرت فيها شروط القبول وحي من الله مبرّأ من الخطأ معصوم من التضارب والخلل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولن نتعرّض لتعريف السنّة ولا لبيان مكانتها من التشريع ولا لنسبتها من الكتاب ولا لحجّيتها ووجوب العمل بها وغيرها من المباحث إلا عند الضرورة القصوى وبما يخدم هدفنا من هذا البحث. والسنّة التي نريد أن نثبت كونها وحيا تعني ما ثبتت نسبته إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وإقراراته، وهي التي أطلق عليها النبيّ عليه الصلاة والسلام اسم "الهدي " فقال: "وأحسن الهدي هدي محمد" كما عبّر عنها الصحابة بالهدي سيرا على نهج الرسول القويم فقالوا: "وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم"، وعبّر عنها سلف الأمّة بالعلم (1) . ذلك أنّهم كانوا يفرّقون بين العلم والرأي فيقولون للسنّة علم ولما عداها رأي.

_ (1) روى البخاريّ عن عبد الله بن مسعود قوله: "إنّ أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد" لاعتصام - باب الاقتداء سنن رسول الله (حديث 7309 فتح الباري13/263. وقد عنون الخطيب البغداديّ في القرن الخامس كتابه حول كتابة السنّة النبويّة بقوله: "تقييد العلم", "تحقيق يوسف العشّ - دار إحياء السنّة النبويّة - ط2، 1974م"، وانظر تسمية السلف السنّة علما، (فتح الباري 13/304) .

هل كل السنة وحي

السنّة النبويّة وحي من الله محفوظة كالقرآن الكريم إعداد الدكتور أبولبابة الطاهر حسين بسم الله الرحمن الرحيم هل كلّ السنّة وحي؟ إلا أنّه قبل المضيّ قدما في دراسة الموضوع يعترضنا سؤال هامّ وهو: هل كلّ السنّة وحي؟ لقد ثبت بتتبّع سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم العطرة وسنّته المطهّرة أنّه قد اجتهد في مسائل ونوازل عديدة لم ينزل عليه فيها وحي، بمقتضى ما فطر عليه من سلامة العقل وسداد النظر سواء كان ذلك: أ - باستخدام القياس: كقياسه صلى الله عليه وسلم ولادة الطفل الأسود من أبوين أبيضين على إنجاب الإبل الحمر الجمال الورق (1) بسبب الوراثة العرقيّة (2) ، وكقياسه وفاء البنت بنذر أمّها الحجّ، فماتت قبل أن تفي بنذرها، على وجوب قضاء الوارث دين مورّثه (3) . ب - أو باستعمال الرأي: ابتداء مثل اجتهاده صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر حيث نزل موضعا رأى أحد صحابته وهو الحباب بن المنذر الخزرجيّ رضي الله عنه أنه غير ملائم عسكريّا، فسأله: "أمنزلا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدّمه ولا أن نتأخّر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ " فلمّا أعلمه عليه الصلاة والسلام أنّه مجرّد اجتهاد لا دخل للوحي فيه، عرض عليه تغيير

_ (1) البعير الأورق: هو البعير الأسود الذي يخالط سواده بياض كدخان الرمث [فقه اللغة وسرّ العربيّة، للثعالبيّ 118 - مطبعة الاستقامة - القاهرة - بدون تاريخ] . (2) انظر حديث الأعرابيّ الذي أتى النبيّ فقال: "إنّ امرأتي ولدت غلاما أسود وإنّي قد أنكرته. . صحيح البخاريّ - الاعتصام بالكتاب والسنّة - باب من شبّه أصلا معلوما بأصل مبيّن وقد بيّن النبيّ حكمهما ليفهم السائل الحديث 7314 - فتح الباري 13/ 309. (3) انظر حديث المرأة التي جاءت إلى النبيّ فقالت: "إنّ أمي نذرت أن تحجّ فماتت قبل أن تحجّ. . صحيح البخاريّ - الاعتصام - باب من شبّه أصلا معلوما. . . حديث 7315 فتح الباري 13/ 309.

الموقع ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم على رأيه (1) . ومثل اجتهاده في مصير أسرى بدر حيث رجّح عليه الصلاة والسلام رأي أبي بكر الصدّيق القائل بأخذ الفداء، وكان ذلك قبل نزول الآية التي تحدّد حكم الأسرى، وهي قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:4] . فهذه الاجتهادات في ظاهرها لا صلة لها بالوحي لكن إذا تبيّن لنا أنّ الله سبحانه لا يتركه وشأنه وإنّّما يقرّه إذا أصاب وينبّهه إن أخطأ (2) ، أدركنا أنها وحي منزّل من الله تعالى ذلك أنّه تعالى لا يقرّ رسوله صلى الله عليه وسلم على خطأ: فمثلا في غزوة بني النضير (3) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وتحريقها حتّى ييئسوا من وعد إخوانهم المنافقين بالنصرة، وحتّى يتمّ تعجيل استسلامهم فتحقن الدماء، ويعمّ الأمن، فنزل الوحي يؤيّد هذا العمل ويجعله بإذن الله وأمره وإرادته فقال تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر:5] . كما أنّ قبول الفداء من أسرى بدر تعقّبه القرآن معاتبا الرسول صلى الله عليه وسلم

_ (1) انظر سيرة ابن هشام 1/620 [تحقيق السقّا، الأبياريّ، شلبيّ - ط2 - 1375 هـ /1955م - مصطفى البابي الحلبيّ - القاهرة] ، والسيرة النبويّة في ضوء القرآن والسنّة - محمد محمد أبو شهبة - 2/157 [دار القلم - دمشق - ط5 - 1419هـ/ 1999م] . (2) انظر الحديث والمحدّثون - محمد محمد أبو زهو - 15 [دار الفكر العربيّ بدون بيان عدد الطبعة ولا تاريخها، ويبدو أنها مصوّرة عن الطبعة الأولى - 1978هـ - بمصر] . (3) وقعت في شوّال سنة 4 هـ.

والمسلمين على أخذهم الفداء من الأسرى، فقال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:67-68] . وعلى ضوء هذه الثوابت يكون الرأي والاجتهاد منه عليه الصلاة والسلام مصيبا لأنّه مسدّد بالوحي فيأخذ حكمه، وتكون الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يقع فيما يجتهد فيه خطأ أصلا" (1) . خطب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يوما فقال: "يا أيها الناس! إنّ الرأي إنّما كان من رسول الله مصيبا لأنّ الله عزّ وجلّ يريه، وإنّما هو منّا الظنّ والتكلّف". وبذلك يتبيّن لنا أنّ ثبوت الاجتهاد للنبيّ صلى الله عليه وسلم لا يتعارض مع ما قرّره العلماء من أنّ اجتهاده وسائر عناصر سنّته من الوحي، اللهم إلا بعض قضايا معيشيّة كتأبير النخل ونحوه ممّا لا يتعلّق بالحلال والحرام والعقائد والمغيّبات، فهذه قد أجاب عنها النبيّ الكريم بنفسه كما هو ثابت في حديث رافع بن خديج الذي رواه مسلم: "إنّما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فأنا بشر" (2) ، فهذه تجارب يعيشها الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه بشرا عاديّا كتلك التي يكابدها سائر الناس في حياتهم اليوميّة، فلا صلة لها بالوحي. وقبل استعراض الأدلّة النقليّة والعقليّة على أنّ السنّة النبويّة وحي، لا بدّ

_ (1) انظر فتح الباري 13/ 305. (2) 4/1835 - 1836 الحديث عدد 2362.

لنا أن نتعرّف ماهية الوحي؟ وأن نتحدّث عن إمكان حصوله؟ وإمكان اتّصال الله سبحانه بأنبيائه المصطفين من خلاله؟ وموقف أهل الإيمان من هذه الظاهرة؟ وموقف الملاحدة والدهريّين منها؟

ما الوحي

ما الوحي؟ الوحي: لغة: يقول الراغب الأصفهانيّ في "مفردات القرآن": "أصل الوحي الإشارة السريعة، فقيل [للأمر السريع] أمر وحي" (1) . وهو أيضا "الإعلام في خفاء" (2) ، إذ هو خاص بمن يوجّه إليه هذا الإعلام بحيث يخفى عن غيره. وتكون هذه الإشارة السريعة، وهذا الإعلام الخفيّ: - بالكلام على سبيل الرمز والتعريض. - وبالصوت المجرّد عن التركيب. - وبالإشارة، والإيماء ببعض الجوارح. - وبالكتابة. فكلّ ما دللت به من كلام أو كتابة أو رسالة أو إشارة، فهو وحي. وعلى هذه المعاني حمل قوله تعالى عن زكريّا: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:11] ، فقيل في تفسير "أوحى إليهم" رمز، وقيل أشار، وقيل كتب (3) . وقد يطلق الوحي ويراد به الموحى به من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.

_ (1) صفحة 858 [ط2 - 1418هـ / 1997م] . (2) انظر فتح الباري لابن حجر العسقلانيّ 1/14. (3) مفردات القرآن 858.

أمّا الوحي شرعاً: فهو الإعلام بالشرع، أو هو كلام الله المنزّل على أنبيائه (1) ، سواء كان ذلك في اليقظة أو في المنام. فالله تعالى يعلم أنبياءه "ما يريد إبلاغه إليهم من الشرائع والأخبار بطريق خفيّ، بحيث يحصل عندهم علم ضروريّ قطعيّ بأنّ ذلك من عند الله جلّ شأنه. . فهو أخصّ من المعنى اللغويّ وفق مصدره وهو الله سبحانه، والموجّه إليهم وهم أنبياؤه الكرام" (2) .

_ (1) انظر فتح الباري 1/14 - 15. (2) الحديث والمحدّثون 11.

أقسام الوحي

أقسام الوحي الضرب الأول: الوحي ... أقسام الوحي: يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [الشورى:51] . فأضرب الوحي وأقسامه حسبما دلّت عليه هذه الآية الكريمة ثلاثة: الضرب الأوّل: الوحي: وهو الإيحاء والإلهام، والإلقاء في الروع والنفث فيه، ويعبّر النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: "إنّ روح القدس نفث في روعي". فهو إلقاء المعنى في قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم مع العلم اليقينيّ بأنّ ذلك من الله عزّ وجلّ، وقد يكون هذا الإلهام: أ- في اليقظة. ب- أو في المنام: "ذلك أنّ أوّل ما يؤتى به الأنبياء في المنام، حتّى تهدأ قلوبهم، ثمّ ينزل الوحي بعد في اليقظة"، كما ذكر ذلك علقمة بن قيس صاحب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (1) .

_ (1) فتح الباري 1/15.

وروى البخاريّ من حديث عائشة رضي الله عنها: "كان أوّل ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم [من الوحي] الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" (1) .

_ (1) صحيح البخاريّ - التفسير - الحديث4953.

الضرب الثاني: الكلام من وراء حجاب

الضرب الثانيّ: الكلام من وراء حجاب: أي أنّ الله يكلّم النبيّ فيسمعه دون معاينة: ـ مثلما حصل لموسى عليه السلام في بدء رسالته بجبل الطور {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي َأنَا َربُّكَ َفاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ِإنَّكَ ِبالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ُطوًى} [طه:9-12] . وكما جاء ذلك في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ ِ إلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] . ـ وكما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فقد كلّمه ربّه وفرض الصلاة عليه وعلى أمّته وراجع عليه الصلاة والسلام ربّه فيها على ما صرّحت به الأحاديث الصحيحة (1) .

_ (1) الحديث والمحدثون 12- 13.

الضرب الثالث: الوحي بواسطة الملك رسول الوحي

الضرب الثالث: الوحي بواسطة الملك رسول الوحي: أي أنّ الله تعالى يرسل ملكاً - وملك الوحي هو جبريل عليه السلام فيبلِّغ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يريد الله أن يبلّغه إليه، وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم: "كان

الوحي يأتيني به جبريل فيلقيه عليّ كما يلقي الرجل على الرجل فذاك ينفلت منّي، ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس، حتى يخالط قلبي فذاك الذي لا ينفلت مني" (1) . وهذا الملك تارة يراه النبي صلى الله عليه وسلم فيكون رسولاً مُشاهَداً تُرى ذاتُهُ ويُسْمَعُ كلامُهُ، وتارة لا يراه: 1- ففي حالة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ملك الوحي وهو يلقي عليه الوحي: أ- قد يراه على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح، وهذا نادر، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة مرفوعاً: "لم أرَه - يعني جبريل - على صورته التي خلق عليها إلا مرتين" (2) ، وحدّدت السيدة عائشة رضي الله عنها هاتين المرّتين بقولها: "مرّة عند سدرة المنتهى، ومرّة عند أجياد". يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "جاورت في حراء فلمّا قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض" (3) ، وفي رواية: "على كرسيّ بين السماء والأرض وقد سدّ الأفق". ب- وقد يراه متمثّلاً في صورة بشر في شكل أعرابيّ أو غيره، وكثيراً ما كان يتقمّص صورة دحية الكلبي الصحابي الجليل الوسيم رضي الله عنه. 2- وفي حالة عدم رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم الملك وهو يوحي إليه ويبلّغه كلام

_ (1) فتح الباري 1/27. (2) فتح الباري 1/32. (3) البخاري - التفسير - باب وربّك فكبّر - فتح الباري 8/547 الحديث رقم 4924 و 8/586 الحديث رقم 4925 - وانظر بدء الوحي فتح الباري 1/37 الحديث رقم 4.

ربّه، فإنّه عليه الصلاة والسلام يسمع عند قدومه: أ- دوياً كدويّ النحل، كما جاء ذلك في حديث عمر رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحيُ يُسْمَعُ عند وجهِهِ كدويّ النحل" (1) . ب - أو صلصلة شديدة كصلصلة الجرس: أي أنّه صلى الله عليه وسلم يسمع حسيساً كصوت وقوع الحديد بعضه على بعض. جاء في حديث عائشة أم المؤمنين أنّ الحارث بن هشام المخزومي رضي الله عنهم - شقيق أبي جهل وكان من فضلاء الصحابة رضي الله عنهم - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ فيفصم عنّي وقد وعيْتُ عنه ما قال، وأحياناً يتمثّل لي الملك رجلاً فيكلّمني فأعي ما يقول" (2) . ودويّ النحل لا يعارض صلصلة الجرس لأنّ سماع الدويّ بالنسبة إلى الحاضرين السامعين -كما في حديث عمر الآنف- أمّا الصلصلة فبالنسبة إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي شبَّه صوت الوحي بصلصلة الجرس. ثم إنّ كلاً من الدويّ والصلصة إنّما يعلم كنههما ومصدرهما الله تعالى إلا أنّ آثارهما تبدو واضحة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أنّ حالة روحيّة غير عادية تعتريه لا يدرك الحاضرون إلا أماراتها الظاهرة كثقل بدنه وتفصّد

_ (1) الحديث والمحدثون 13. (2) صحيح البخاري - كتاب بدء الوحي - الباب الثاني- الحديث رقم2 فتح الباري 1/25-26.

جبينه عرقاً (1) ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعالج من التنزيل شدة، كما جاء ذلك في حديث ابن عباس (2) وقد علّل بعضهم هذه الشدة بقوله: "ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع" (3) والحقيقة هي أنّ الوحي ثقيل يقول تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا لْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ للَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21] ، فإذا تصدّع الجبل فكيف ببدن ضعيف؟! تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما يلقاه من الشدة عند نزول الوحي: "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد عرقاً" (4) .

_ (1) الحديث والمحدثون 13. (2) انظر فتح الباري 1/28. (3) انظر فتح الباري 1/28. (4) البخاري - كتاب بدء الوحي - الباب2- الحديث عدد2- فتح الباري 1/25 - 26.

وحي الأنبياء لا تباين فيه

وحي الأنبياء لا تباين فيه: والجدير بالملاحظة هو أنّ وحي الأنبياء واحد فلا اختلاف بين وحي هذا النبيّ ووحي هذا النبيّ، يقول تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ َوأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163] .

هل يكون الوحي للأنبياء فقط

هل يكون الوحي للأنبياء فقط؟ وردت صيغة الوحي ومشتقاتها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة وبدلالات عديدة، فبالإضافة إلى معاني الوحي إلى الأنبياء وردت عبارات تفيد أن هناك وحياً لغير الأنبياء: 1 ـ فهناك وحي إلى بشر عاديين: أ- مثل الإيحاء للحواريين وإعلامهم بواسطة عيسى رسالة ربّهم إليهم {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة:111] . ب- ومثل الإيحاء لأمّ موسى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص:7] وهو بمعنى الإلهام. ج- ومثل إيحاء بعض المخلوقات لبعضهم كإيحاء شياطين الإنس والجن لبعضهم البعض - وهي الوسوسة -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا

شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112] ، {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} [الأنعام:121] ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وإن للشيطان للمّة" (1) . د- وكالإيحاء للأمم بواسطة الأنبياء {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:73] . 2 ـ وهناك وحي لغير الإنسان: بمعنى الهداية والتسخير، كقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} [النحل:68] ، وقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا} [فصّلت:12] .

_ (1) مفردات ألفاظ القرآن - الراغب الأصفهاني ص 858.

ظاهرة الوحي وإمكان وقوعها

ظاهرة الوحي وإمكان وقوعها: إنّ كلّ من آمن بوجود الله تعالى وكمال قدرته آمن بالوحي وإمكان وقوعه بوصفه جانباً من جوانب التدبير الإلهي ورعايته للخلق ورحمته بهم، فالعقل السليم يقرّ بإمكان وقوع الوحي، كما يقرّ أنّ النبوّة اصطفاء واجتباء لصفوة من الخلق حمّلهم الله مسؤولية الرسالة وهداية الخليقة فأوحى إليهم، وليست جانباً من المعاناة والرياضة النفسيّة والروحيّة التي تمكّن من يكابدها من الحكماء والفلاسفة والمفكّرين الوصول إليها.

إلا أنّ الملاحدة والدهريين قديماً وحديثاً ينكرون النبوّة ويكفرون بالوحي {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24] . كما أنّ الفلسفة الوضعية الحديثة في القرن التاسع عشر التي يتزعّمها الفيلسوف الفرنسي أوقيست كونت Auguste Comte [1798-1857م] ترى "أنّ البحث عن العلل الأولى أو الغائيّة بحث لا معنى له ولا طائل من ورائه" (1) ذلك أنّ هذا المذهب يعد "المعرفة الصحيحة هي المعرفة المبنيّة على الواقع والتجربة، وأنّ العلوم التجريبيّة هي التي تحقّق المثل الأعلى لليقين"، والوضعيّة لا تعترف بإله متعالٍ فردٍ صمدٍ متفرّد بالعظمة والجلال وإنّما تعد الديانة هي ديانة الإنسانية (2) والإله هو الإنسان. وهؤلاء الماديّون القدامى والمحدثون يمثّلون الضلال ويصدرون عن الظن الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً، ذلك أنّ طرق المعرفة ووسائلها ممثّلة في العقل والحسّ والتجربة والأخبار الصحيحة المتناقلة عن الآباء والأجداد لا يمكنها بحال الوصول إلى الحقيقة المطلقة، فأين لهذا الحسّ والعقل والتجربة والأخبار التي لا يكون مصدرها الوحي، الوصول إلى معرفة عالم الغيب؟ بل أنّى لهذه الوسائل مجتمعة أن تتوصّل إلى معرفة وظيفة الإنسان الحقيقية في الحياة؟ وما ينتظره بعد الممات؟!

_ (1) معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية 488 - جلال الدين سعد - دار الجنوب للنشر- 1998 - تونس. (2) المصدر السابق 477.

إنّ العقل يسلّم بمحدوديّة معارفه وانحصارها في عالم الشهادة، أمّا عالم الغيب فلا سبيل إلى معرفته والإلمام بأسراره وخصائصه إلا بالوحي، ومن هنا أدركت العقول الصحيحة أنّ الإنسان في حاجة ماسّة إلى الوحي الإلهي للوصول إلى المعرفة الصحيحة حول الكون وخالقه والإنسان ودوره في التعمير وخلافة الله في الأرض ومصيره في الآخرة. والإحساس بالحاجة إلى الوحي ليس فيه غمط للعقل والحسّ ودورهما في المعرفة، ذلك أنّ الوحي يهدي هذه الوسائل ويصحّح مسارها ويرشدها إلى الحقائق التي لا سبيل أن يصل إليها العقل والحسّ بمفردهما. الفيلسوف ابن الطفيل يثبت أن لا مناص من النبوّة والوحي لإرشاد الخليقة إلى الحقّ (1) : كتب الفيلسوف ابن الطفيل في القرن السادس للهجرة قصّته الشهيرة "حيّ بن يقظان" هذا الطفل الذي رمت به الأمواج في جزيرة مهجورة من جزائر الهند التي تحت خط الاستواء، فتبنّته غزالة فكانت له كأمّه ونما وكبر وقد وهبه الله ذكاءً وقّاداً فعرف كيف يقوم بحاجات نفسه واستطاع أن يتحصّل بفطرته السليمة وملاحظاته الفاحصة وتفكيره الحادّ علماً غزيراً وأن يدرك بنفسه أرفع الحقائق الطبيعيّة وما وراء الطبيعة فعرف الله والعالم ونال السعادة المتّصلة الغامرة التي لا ينالها إلا العارفون بالله والعالمون بحقائق الكون الفسيح، وعند التقائه "أبسال" الرجل التقيّ الذي قرّر اعتزال

_ (1) هو أبوبكر محمد بن عبد الملك بن طفيل القيسي الأندلسي ولد قبل سنة 506هـ وتوفي سنة 581هـ[1185-1186م] .

الناس والفرار بدينه من جزيرة مجاورة، علّمه الكلام، فعلم منه حقائق الوجود ووجد في الطريق الفلسفي الذي سلكه حيّ بن يقظان تعليلاً علويّاً للدين الذي يعتقده، وتفسيراً سليماً لكلّ الأديان، واستطاع حيّ بن يقظان إقناع "أبسال" أن يحمله إلى جزيرته التي هجرها ليلتقي فيها ملكها التقيّ "سلامان" صديق "أبسال" الذي يرى خلافاً لأبسال وجوب ملازمة الجماعة وترك العزلة. وبالتقائهم حاول حيّ أن يكشف لأهل الجزيرة وخاصّتها بطريقته العقليّة والإشراقيّة الحقائق العليا التي وصل إليها فلم يوفّق، وأدرك حيّ وصديقه أبسال أنّ من أراد أن يعلّم الناس حقائق الوجود ويؤثّر في أفهامهم الغليظة ويُلِين إرادتهم المستعصية، فلا مفرّ له من أن يصوغ آراءه بلغة الأديان المنزّلة على الرسل. فابن الطفيل أراد أن يبيّن أنّه في وسع الإنسان أن يرتقي بنفسه وبفطرته السليمة من المحسوس إلى المعقول إلى الله بحيث يستطيع الوصول إلى معرفة العالم ومعرفة الخالق، إلا أنّ هذا الإنسان سواءً كان فيلسوفاً أو مفكّراً أو عالماً وإن وصل إلى معرفة الحقائق العليا حول الإنسان والكون والخالق سبحانه، فإنّه لا يُحْسِنُ إبلاغ هذه الحقائق إلى عامّة الناس بل إنه لا يستطيع إقناع حتى الخاصّة منهم، فالسبيل الوحيد لإيصال الحقائق الكونيّة للخليقة هو الوحي الإلهي عن طريق من يجتبيهم الله تعالى من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام (1) .

_ (1) انظر ذخائر العرب 8 - حيّ بن يقظان لابن سينا وابن الطفيل والسهرورديّ ص1-11،ص 20-32، تحقيق وتعليق أحمد أمين - ط 3 -1966، دار المعارف - بمصر.

فالوحي ظاهرة ممكنة الحدوث وإنّ تواتر الرسالات السماويّة إلى جانب الكثير من الدراسات العقلية الجادّة التي توصّلت إلى ضرورة الوحي، حتى إن المعتزلة وهم ممّن مجّد العقل وقدّمه، عدّوا الوحي والنبوّة واجباً يقتضيه العقل نفسه، كلّ ذلك يثبت حقيقة الوحي ولا يمكن بحال أن يغني العقل عن النبوّة والرسالة. وطالما أنّ الإنسان محاسب مجازى على أعماله فإنّ مبعث الرسل للشعوب والأمم وللخليقة أجمعين يعدّ واجبا {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ، كما يعدُّ الوحي حقيقة لا ينكرها إلا متفلّت من ضوابط العقل والحسّ وثوابت النقل وكلّ سبل المعرفة وتحصيل العلم. . وحينما نثبت الوحي نثبت علويّته فهو من الله، ونثبت صدقه فهو حقّ محض لا يأتيه الباطل، فكلّ ما أخبر به الوحي واقع وصدق وحقّ لا يتخلّف، يقول عبد الله بن عبّاس حول قول الله تعالى مخاطباً اليهود المخادعين: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِندُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة:6] . وحول قوله تعالى في شأن المجادلين في شأن عيسى عليه السلام بعد أن بيّن القرآن وجه الحقّ فيه: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61] (1) : "لو تمنى اليهود الموت لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا، لا

_ (1) والمباهلة هي الدعاء باللعنة على الكاذب المفتري [التفسير الواضح الميسر - الشيخ محمد الصابوني - ص 128 - ط1 - 1422هـ - 2001م - مؤسّسة الريّان للطباعة والنشر بيروت] .

يجدون أهلاً ولا مالاً " (1) . والأنبياء عصمهم الله من الخطإ في تلقّي الوحي وفي إبلاغه، وهم لا يملكون من أمر الوحي شيئاً فهم مبلِّغون رسالات ربّهم بدون تبديل أو تغيير. وإذا ثبت لدينا إمكانية الوحي وتحقّقت هذه الظاهرة الربّانية فهل السنة النبويّة الصحيحة وحي من الله؟ لإثبات ذلك سوف نبحث عن أدلّة من كتاب الله الذي هو وحي من الله، ثمّ من السنّة النبويّة الصحيحة، كما سنتتبّع جملة من الأخبار الغيبيّة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وندرس مدى تحقّقها ومصداقها فيما بعد حتى نعرف إن كان مصدرها الوحي من الله، وكذلك سندرس جملة من الأحاديث التي تتناول مسائل علميّة معقّدة ونبحث عن الإعجاز العلمي فيها فإذا تحقّق ذلك كلّه أدركنا بما لا يدع مجالاً للشك أنّ السنّة النبويّة وحي من الله جلّت قدرته.

_ (1) شرح صحيح البخاريّ، فتح الباري - كتاب التفسير - باب "كلا لئن لم ينته" - 8/595 - الحديث رقم 4950.

الدليل من القرآن الكريم على أن السنة وحي

الدليل من القرآن الكريم على أن السنة وحي: روى الإمام البخاري في جامعه بسنده الصحيح إلى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلىّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" (1) .

_ (1) صحيح البخاري - الاعتصام - باب قول النبي (بعثت بجوامع الكلم - فتح الباري 13/261 - حديث رقم 7274.

فالرسول صلى الله عليه وسلم يبين في هذا الحديث أن معجزته الكبرى هي الوحي، والوحي لا ينحصر في القرآن الكريم الذي هو "أعظم المعجزات وأفْيَدُها وأدومها لاشتماله على الدعوة والحجّة ودوام الانتفاع به إلى آخر الدهر" (1) . وإنّما يدخل ضمنه بيان القرآن وشرحه الذي أجراه الله على لسان نبيّه في سنته المطهّرة وقد وردت آيات كثيرة تثبت هذا المعنى من ذلك: 1ـ قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:16-19] . فالله يطمئن رسولهصلى الله عليه وسلم في هذه الآيات ويعده -ووعده الحق- بأنّه سيجمع القرآن في صدره فيحفظه دون أن يتفلّت منه شيء ويردّده متى شاء بكلّ يسر وسيعلّمه قراءته كما نزل، وقطع سبحانه بأنه المتكفّل ببيانه، ويفسّر ابن عباس قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} بقوله: "علينا أن نبيّنه بلسانك"وفي رواية: "على لسانك" (2) . وعبارة "بيانه" في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} جنس مضاف، فيعمّ جميع أصناف البيان المتعلّقة بالقرآن الكريم من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلّق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك (3) . ونظراً إلى أنّ السنة هي التي بيّنت الغامض وفصّلت المجمل ووضّحت المشكل وفسّرت المبهم وقيّدت المطلق وخصّصت العام وحدّدت المنسوخ فهي المراد بقوله تعالى:

_ (1) فتح الباري 13/262. (2) صحيح البخاري - التفسير- باب فإذا قرأناه فاتبع قرآنه حديث 4929 فتح الباري 8/550. (3) انظر فتح الباري 8/551.

{إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} فهي وحي من الله. 2 ـ وكذلك قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164] . إن فُسِّرَت الحكمة بالعقل والإتقان والصواب في القول والعمل (1) . وفسّرها ابن عباس رضي الله عنه "بعلم القرآن ناسخه ومنسوخه محكمه ومتشابهه " وفسّرت كذلك بفهم حقائق القرآن (2) ، وهي معانٍ تنطبق على السنة ولا تخرج عن دائرتها فإنّ العديد من العلماء فسّروها بالسنة بكلّ وضوح فقد شرحها كل من قتادة بن دعامة السدوسي [ت131هـ] وعبد الملك بن جريج [ت149هـ] بالسنة (3) وشرحها ابن جرير الطبري بقوله "وهي السنن التي علّمكموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنّها لكم " (4) . والحكمة وردت في القرآن العزيز مقرونة بالكتاب في مواطن عديدة، وممن بسط القول في شرحها وعلى أنّها السنة المطهرة الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله فقال في رسالته: " سمعت من أرضى من أهل

_ (1) انظر البحر المحيط - محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان الأندلسي الغرناطي الحياني الشهير بأبي حيّان 2/ 320،463. (2) مفردات القرآن للراغب 250. (3) جامع البيان عن تأويل القرآن - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 1/557 /3/274. [ط3 - 1388هـ/1968م - مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر] . (4) المصدر السابق 2/483.

العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يشبه ما قال والله أعلم ". ويعلل ذلك بقوله: "لأنّ القرآن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يجُز – والله أعلم – أن يقال: الحكمة ها هنا إلا سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1) . ويبسط الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله القول في دليل الشافعي فيقول: 1- إن الله عطف الحكمة على الكتاب، وذلك يقتضي المغايرة، ولا يصحّ أن تكون غير السنة. 2- لأنّ الله ذكرها في معرض المنّة على المؤمنين، ولا يمنّ الله إلا بما هو حقّ وصواب. 3- وبما أن القرآن واجب الاتباع فالمعطوف عليه وهو الحكمة واجبة الاتباع. 4- وبما أنّ الله لم يوجب علينا إلا اتباع الكتاب والسنة، فتعيّن أن تكون السنة هي ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أقوال وأحكام في معرض التشريع (2) . فهذا دليل قرآني على أنّ السنّة وحي أنزلها الله على قلب رسوله كما أنزل القرآن: {وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113] . 3 ـ ومن الأدلة القرآنية على أنّ السنة وحي قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ

_ (1) الرسالة للإمام الشافعي ص 86 [ط1 - 1408هـ /1988م، الناشر مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة] . (2) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي - مصطفى بن حسين السباعي ص 51، [ط4 - 1405هـ/1985م المكتب الإسلامي - بيروت] .

الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] . وإن شُرِح الذكر (1) الوارد في قوله تعالى: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا} [ص:8] بالقرآن، فإنّه في آيتنا هذه يعني السنّة لأنّ الذكر الذي أنزله الله على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أنزله عليه ليبيّن به للناس ما نزّل إليهم من كتاب الله، وبيان الرسول إنّما هو من سنته صلى الله عليه وسلم. ويشرح ابن حزم عبارة "الذكر" الواردة في الآية بالوحي فيقول: "ولا خلاف بين أحدٍ من أهل اللغة والشريعة في أنّ كل وحي نزل من عند الله فهو ذكر منزّل"وردّ على من زعم أنّ المراد بالذكر في الآية "القرآن وحده" بقوله: "هذه دعوى كاذبة مجرّدة عن البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل والذكر اسم واقع على كلّ ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن وسنة" (2) . "فالذكر بيانٌ أنزله الله والسنة هي هذا البيان فتكون بالتالي وحياً منزّلاً من السماء، وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أنزل إليه من القرآن أكمل تبيلغ كما قام بتبيينه خير تبيين ففصّل مجمله ووضّح مشكله وفسّر مبهمه وقيّد مطلقه وخصّص عامّه وبيّن منسوخه واستنبط أحكامه وحدّد مرماه وكشف مغزاه وأبان عن معناه " (3) . 4 ـ ومن الأدلة القرآنية على أنّ السنة وحي قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا

_ (1) المفردات للراغب ص 328. (2) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي 157. (3) محاضرات في علوم الحديث - للشيخ مصطفى أمين التازي 1/120.

إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:105] . ذهب الداودي إلى أن عبارة "بما أراك الله" ليست محصورة في المنصوص وإنّما فيها إذن في القول بالرأي من قياس واجتهاد، خلافاً لما ذهب إليه الإمام البخاري من أنّ كل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وحكم به بين الناس إنّما صدر فيه عن الوحي، وقد ترجم لهذا المعنى في صحيحه بقوله: ". . . ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى: "بما أراك الله" (1) . ولكن إذا علمنا أنّ الله لا يقرّ نبيّه على خطأ تبيّن لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يحكم بين الناس إنّما يحكم بما ورد في القرآن ممّا نصّ عليه فيه من أحكام، كما يحكم بينهم بما علّمه الله وأراه أي بسنّته فيكون في حكمه مستنداً إلى القرآن والسنة وكلّ منهما ممّا نزّله الله عليه وعلّمه حقائقه وعرّفه حدوده، فهما وحي بلا جدال.

_ (1) صحيح البخاري - الاعتصام - الباب 8 - باب ما كان النبي (يُسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي - فتح الباري 13/3030.

الدليل من السنة النبوية على أن السنة وحي

الدليل من السنّة النبويّة على أنّ السنّة وحي: ذكر الإمام الشافعيّ "أنّ حجّة من قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يسنّ شيئا إلا بأمر الله على وجهين: - إمّا بوحي يتلى على الناس وهو القرآن الكريم. - وإمّا برسالة عن الله أن افعل " (1) ، ويريد الإمام بقوله: "رسالة عن

_ (1) انظر فتح الباري 13/305.

الله"ما يقابل الوحي المتلوّ، وهو الوحي غير المتلوّ أي السنّة النبويّة. وما قاله الإمام الشافعيّ جاء مصداقا لكثير من الأحاديث ووقائع السنّة منها: 1- حديث المقدام بن معديكرب يرفعه: "ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا الكتاب فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه. . " (1) وجاء في نهاية الحديث في رواية أخرى: "ألا وإنّ ما حرّم رسول الله كما حرّم الله" (2) ، وروى أبو داود في مراسيله عن مكحول الشاميّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "آتاني الله القرآن ومن الحكمة مثليه". وعبارة "الكتاب" الواردة في الحديث واضحة، يراد بها القرآن الكريم، وهو الوحي الظاهر الجليّ المتلوّ، وأمّا قوله: "ومثله معه" فذهب العلماء إلى أنّ المراد بها الوحي غير المتلوّ، وهو السنّة بكلّ ما تعنيه من بيان شامل للكتاب وتشريع مستقلّ عنه. ومثليّة السنّة للقرآن تتحقّق في أمرين: في النوع وفي الحكم: - أمّا النوع فيعني أنّ كلاً من القرآن والسنّة وحي من الله، وأمّا الحكم فيعني وجوب العمل بهما جميعا (3) .

_ (1) سنن أبي داود - كتاب السنّة - باب في لزوم السنّة 5/10 حديث 4604 - نحوه سنن ابن ماجه - المقدّمة - باب تعظيم حديث رسول الله. . 1/6 حديث 12 - سنن الترمذي - العلم - باب ما نهي عنه، أن يقال عند حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم 5/38 حديث 2664 - عون المعبود 12/354 حديث4580. (2) الحديث والمحدّثون 11. (3) انظر معالم السنن لأبي سليمان الخطّابيّ - 4/298 (ط2 -1401هـ /1981م- منشورات المكتبة العلميّة - بيروت - لبنان) .

2- ومن أوضح ما يثبت أنّ السنّة وحي ما أثر عن حسّان بن عطيّة أحد ثقات التابعين الشاميّين قوله: "كان جبريل ينزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن" (1) وفي رواية إضافة قوله: "ويعلّمه إيّاها كما يعلّمه القرآن" (2) ، يؤيّد هذا ما رواه البخاريّ في صحيحه بسنده إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال سمعت النبيّ بوادي العقيق يقول: "أتاني الليلة آت من ربّي فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجّة" (3) . ومن هذا القبيل قوله: "إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لن تموت نفس حتّى تستوفي رزقها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب" (4) . فهذه الأحاديث صريحة في أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقّى السنّة من الله سواء كان ذلك بوحي جليّ بواسطة جبريل وفي حال اليقظة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني آت"، أو بوحي خفيّ أي بإلهام أو نفث في الروع أو بالرؤيا في المنام، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الروح الأمين نفث في روعي"، وهي تصدّق قول التابعيّ الجليل حسّان بن عطيّة: "إنّ جبريل كان ينزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن" وهي واضحة الدلالة على أن السنّة وحي

_ (1) فتح الباري 13/305 - سنن الدارميّ - المقدّمة - باب السنّة قاضية على كتاب الله 1/117 حديث 594. (2) تحفة الأشراف 13/ 161 الحديث 18490. (3) صحيح البخاريّ - الحجّ - باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "العقيق واد مبارك" - فتح الباري 3/458 حديث 1534. والاعتصام - باب ما ذكر النبيّ وحضّ على اتفاق أهل العلم - فتح الباري13/315 حديث 7322. سنن أبي داود - مناسك - باب في الإقران 2/394 حديث 1800 - سنن ابن ماجه - المناسك - باب التمتّع بالعمرة إلى الحجّ 2/991 حديث 2976. (4) محاضرات في علوم الحديث - مصطفى أمين التازيّ 1/99 (ط3 -1391هـ /1971م - مطبعة دار التأليف بمصر) . ونحوه في سنن ابن ماجه [بدون ذكر: إنّ الروح الأمين نفث في روعي]- التجارات- باب الاقتصاد في طلب المعيشة2/725 حديث 2144.

من الله تعالى. 3- وممّا يثبت أنّ السنّة وحي ما أخرجه الإمام الشافعيّ من طريق التابعيّ الكبير طاوس بن كيسان "أنّ عنده كتابا في العقول نزل به الوحي" (1) . وإذا علمنا أنّ الديّات ممّا حدّدته وفصّلت معالمه السنّة أدركنا أنّ كلّ ذلك وحي نزل على قلب الرسول وجرى به لسانه. وكذلك أنصبة الزكاة وبيان مقاديرها المخرّجة وأنواعها وأجناسها وتفصيلاتها المبسوطة في كتب الزكاة والصدقة، فهي وإن بدت من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا أنها في الحقيقة أمر أمر الله به نبيّه عليه الصلاة والسلام. مصداق ذلك ما رواه البخاريّ بسنده الصحيح إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ أبا بكر كتب له هذا الكتاب لمّا وجّهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله. " (2) . فقول أبي بكر رضي الله عنه: "هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي أمر الله بها رسوله. " يبيّن بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ ما يتعلّق بركن الزكاة والصدقات إنّما هو وحي من الله عبّر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ببيانه الآسر، ويقاس على الزكاة بقيّة الأركان، وغيرها ممّا تناولته السنة بالبيان. 4- ومن الأدلّة التي ساقها العلماء على أنّ السنّة وحي كالقرآن قصّة العسيف (3) ، فقد روى البخاريّ بسنده الصحيح إلى أبي هريرة وزيد بن

_ (1) فتح الباري13/305. (2) صحيح البخاريّ - الزكاة - باب زكاة الغنم - فتح الباري 3/371 - 372 الحديث 1454. (3) العسيف بمهملتين: الأجير وزناً ومعنىً، والجمع عسفاء كأجراء، ويطلق على الخادم وعلى العبد، وسمّي الأجير عسيفا لكون المستأجر يعسفه في العمل أي يجور عليه في العمل، أو لكون الأجير يعسف الأرض بالتردّد عليها. (فتح الباري 12/142 - 143) .

خالد قالا: كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقام رجل [وهو زوج المرأة وكان أعرابياًّ] فقال: أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله!!. فقام خصمه [وهو والد العسيف] وكان أفقه منه فقال: "اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، قال "قل! " قال: إنّ ابني هذا كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم. ثمّ سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أنّ على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم. فقال النبيّ: "والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله جلّ ذكره، المائة شاة والخادم ردّ وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" (1) . والشاهد هنا هو قوله: "لأقضينّ بينكما بكتاب الله" وقضى بجلد البكر مائة وتغريب عام، وبرجم المحصنة، وكلّ من التغريب والرجم قضت بهما السنّة، ولم يرد لهما ذكر في الكتاب إلا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عبّر عن هذين الحكمين اللذين تفرّدت بهما السنة "بالكتاب"، وهذا دليل صريح على أنّ السنّة وحي كالكتاب، وعلى أنّ الكتاب أعمّ من القرآن، وأنّ المراد به "الشرع" سواء كان كتابا أو سنّة. - وفي المضمار نفسه شرح أبوبكر البيهقيّ من علماء القرن الخامس الهجري [ت458هـ] عبارة "الكتاب" الواردة في قول الرسول: " إنّي لا أحلّ إلا ما أحلّ الله في كتابه، ولا أحرّم إلا ما حرّم الله في كتابه" بالوحي سواء كان وحيا متلوّا وهو القرآن، أو غير متلوّ وهو السنّة النبويّة (2) .

_ (1) صحيح البخاريّ - الحدود - باب الاعتراف بالزنى - فتح الباري 12/140 حديث 6827. (2) انظر السنّة ومكانتها في التشريع الإسلاميّ 155.

5- ومن الأدلّة على أنّ السنّة وحي ما جاء على لسان معاذ بن جبل رضي الله عنه في حكم المرتدّ المغيّر لدينه المفارق للجماعة الذي قضت السنّة بقتله (1) بعد استتابته حماية لأمن المجتمع المسلم، من أنّه قضاء الله ورسوله، أي أنّه حكم وإن صدر على لسان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إلا أنّه في الحقيقة وحي أنزله الله على قلب نبيّه صلى الله عليه وسلم. روى البخاريّ بسنده إلى أبي موسى الأشعريّ أنّ معاذ بن جبل حين قدم عليه باليمن، وجد عنده رجلا موثّقا فقال: ما هذا؟ قال [أبوموسى] : كان يهوديّا فأسلم ثمّ تهوّد!: قال: اجلس! قال [معاذ] : لا أجلس حتّى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرّات، فأمر به، فقتل (2) . فوصف معاذ رضي الله عنه قتل المرتدّ الذي قضى به الرسول بأنّه "قضاء الله ورسوله"، يدلّ على أنّه موحى به من الله تعالى. 6- ومن الأدلّة الواضحة على أنّ السنّة وحي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عمرو بن العاص حين اشتكته قريش التي نهته عن كتابة الحديث بوصف النبيّ صلى الله عليه وسلم بشرا يتكلّم في الغضب والرضا: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه [وقد أومأ بأصبعه إلى فيه] إلا حقّ" (3) ، لأنه يصدر -فيما

_ (1) يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "من بدّل دينه فاقتلوه" - الموطّأ - الأقضية - باب القضاء فيمن ارتدّ عن الإسلام 458 - صحيح البخاريّ - الجهاد - باب لا يعذّب بعذاب الله - فتح الباريّ 6/173 حديث 3017، والاستتابة - باب حكم المرتدّ - فتح الباري 12/ 279 حديث 6922 - سنن الترمذيّ - الحدود - باب ما جاء في المرتدّ 4/59 - سنن النسائيّ - تحريم الدم - باب الحكم في المرتدّ 7/104. (2) صحيح البخاريّ - استتابة المرتدّين والمعاندين - باب حكم المرتدّ والمرتدّة - فتح الباري 12/280 حديث 6923. (3) سنن الدارميّ - باب من رخّص في كتاب العلم 1/125 - مسند أحمد 2/162، 192. - جامع بيان العلم وفضله 1/71.

يقول- عن الوحي الذي لا ينطق عن الهوى. 7- ومن أوضح الأدلّة على أنّ سنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم وحي أنه عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يسأل عن الشيء الذي لم ينزل عليه فيه وحي، فيسكت أو يقول لا أدري حتّى يأتيه بيان ذلك بالوحي، وكثيرا ما تنزل به النوازل فلا يفتي حتّى يريه الله الجواب والفتوى، حتّى إنّ البخاريّ ترجم لهذا المعنى في جامعه الصحيح بقوله: "باب ما كان النبيّ يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي فيقول: "لا أدري، أو لم يجب حتّى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا قياس، لقوله تعالى: "بما أراك الله" (1) : أ - من ذلك سؤال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "يا رسول الله! كيف أقضي في مالي؟ كيف أصنع في مالي؟ "، قال جابر: "فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث" (2) . ب - وكذلك سؤال أحد المعتمرين -وكان يلبس جبّة وعليه أثر الخلوق- النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمّخ بطيب؟ فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي. . . ثمّ سرّي عنه فقال: "أين الذي سأل عن العمرة؟ " فأتي بالرجل. فقال: "اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرّات، وانزع عنك الجبّة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّتك" (3) .

_ (1) الاعتصام - الباب الثامن - فتح الباري 13/303. (2) صحيح البخاريّ - الاعتصام - باب ما كان النبيّ يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي - فتح الباري 13/303 حديث 7309. (3) صحيح البخاريّ - الحجّ - باب غسل الخلوق ثلاث مرّات من الثياب - فتح الباري 3/460 حديث 1536 - العمرة - باب يفعل بالعمرة ما يفعل بالحجّ - فتح الباري 3/718 حديث 1789 - صحيح مسلم - الحجّ - باب ما يباح للمحرم بحجّ أو عمرة 1/836 حديث1180 - سنن أبي داود - المناسك - باب الرجل يحرم في ثيابه 5/407 - 408 حديث 1819.

ج - وقد يسأل عن قضايا غيبيّة ممّا استأثر الله بعلمها كالروح والساعة، فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي بالجواب: - من ذلك ما رواه البخاريّ في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود: "أنّ يهوديّا سأل الرسول فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت. فقلت: إنّه يوحى إليه. . . فلمّا انجلى عنه، فقال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85] (1) . - وسأله جبريل عليه السلام عن الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، أي أنّه أخبره أن ليس عنده من ذلك علم (2) . كما سأله رجل عن الساعة فأجابه بمثل جوابه جبريل عليه السلام (3) . د- وسئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحمر؟ فقال "لم ينزل عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذّة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] " (4) . ويشرح ابن التين الصفاقسيّ [ت611هـ] المراد من الاستشهاد في هذا

_ (1) العلم - باب قول الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} - فتح الباري 1/240 حديث 125. (2) الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبيّ 1/44 - (ط3 - 1417هـ/1997م - دار المعرفة - بيروت) . (3) صحيح البخاريّ - الإيمان - باب سؤال جبريل النبي - فتح الباري 1/140 حديث 50. (4) صحيح البخاريّ - التفسير - باب من يعمل مثقال ذرّة - فتح الباري 8/598 حديث 4963 - الجهاد - باب الخيل لثلاثة - فتح الباري 6/75 حديث 2860. والآية جامعة لشمولها جميع الأنواع من طاعة ومعصية. وفاذة لانفرادها في معناها.

المقام بهذه الآية فيقول: "دلّت على أنّ من عمل في اقتناء الحمير طاعة، رأى ثواب ذلك، وإن عمل معصية رأى عقاب ذلك" (1) . فالرسول عليه الصلاة والسلام متقيّد بالوحي يجيب ويفتي بما يريه الله، فلا يتعجّل جوابا مهما كانت المسألة خطيرة ومستعجلة، ومن أجلى الدلالات على صدق هذا القول "حادثة الإفك" التي نال المنافقون فيها من عرض النبيّ صلى الله عليه وسلم وسرحوا ومرحوا دون أن يزعهم وازع، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يستطع أن ينهي افتراءاتهم وتخرّصاتهم حتّى نزل الوحي بعد شهر كامل ببراءة السيّدة الطاهرة البريئة المبرّأة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

_ (1) فتح الباري 6/77.

إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيبيات وتحقق وقوعها يدل على أن السنة وحي

إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيبيات وتحقق وقوعها يدل على أن السنة وحي سراقة يلبس سواري كسرى ... إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيبيات وتحقّق وقوعها يدلّ على أن السنّة وحي وممّا يثبت أن السنّة وحي ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الغيبيات التي اختصّ الله بعلمها: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام:59] ، وهي أخبار أمدّه بها الوحي {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ} [هود:49] ، فأفصح عنها بلسانه صلى الله عليه وسلم، وقد تحقّقت فكانت نبوءات صادقة صدق مصدرها وهو الله سبحانه: 1- سراقة يلبس سواري كسرى من ذلك ما قاله لسراقة بن مالك بن جعشم المدلجيّ: "كأنّي بك يا سراقة تلبس سواري كسرى". فقال سراقة متعجّبا: كسرى بن هرمز!! قال: "نعم ". وقد قال له هذا وهو مطارد في هجرته إلى المدينة يخاف الرصد ولا يكاد يأمن على نفسه غوائل المشركين. وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يفتح الله على المسلمين بلاد فارس والمدائن ويؤتى بالغنائم إلى المدينة، وكان فيها سوارا كسرى وألبس عمر سراقة سواري كسرى، وتحقّقت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم (1) ، لتكون علامة من علامات نبوّته، وآية من آيات صدقه، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

_ (1) انظر السيرة النبويّة في ضوء القرآن والسنّة 1/493 - 494. [محمد محمد أبو شهبة - ط5 - 1419هـ/1999م - دار القلم - دمشق] .

فتح بلاد كسرى وهرقل واليمن

2 - فتح بلاد كسرى وهرقل واليمن ومن ذلك ما أخبر به عليه الصلاة والسلام في غزوة الأحزاب في شوّال من السنة 5هـ أثناء كسره صخرة بيضاء صلدة، وهو يحفر مع المسلمين الخندق: "لقد أضاء الله لي قصور الحيرة ومدائن كسرى، فأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها. . وأضاء لي القصور الحمر من أرض الروم، فأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها. . وأضاء لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها" (1) . لقد أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الفتوح والمسلمون في حال من العسر والضيق والخوف، حيث تداعت عليهم الأحزاب المشركة من أقطار الجزيرة، وخذلهم المنافقون وتآمر عليهم اليهود فخانوا عهدهم ونقضوا مواثيقهم، وقد صوّر القرآن الكريم هذا الضيق وهذا الابتلاء خير تصوير فقال: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:10-12] ، وتحقّق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ففتحت بلاد كسرى وبلاد هرقل واليمن، لتكون هذه الفتوح المباركة شاهد صدق على أنه لا ينطق عن الهوى وأنّ سنّته وحي يوحى.

_ (1) المصدر السابق 2/279.

- وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم أبا طريف عديّ بن حاتم الطائيّ [ت68هـ] : "هل رأيت الحيرة؟ " قال: قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: "فإن طالت بك حياة لترينّ الظعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله" [قال عديّ: قلت فيما بيني وبين نفسي: أين دعّار طيئ الذين قد سعّروا البلاد!؟] ، "ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى"، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: "كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه". ويعدّد عديّ ما تحقّق من هذه النبوّات فيقول: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ". ثمّ يقول رضي الله عنه جازماً واثقاً من صدق ما سمع من رسول الله: "ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفّه " (1) . وقد تحقّق ذلك في عهد خلافة عمر بن عبد العزيز، فقد أغنى الله الأمة فلم يجد رضي الله عنه من الفقراء والمساكين من يعطيه الزكاة.

_ (1) صحيح البخاري - المناقب - باب علامات النبوّة - فتح الباري 6/706 - 707 حديث 3595.

المسلمون يركبون البحر للفتح

3- المسلمون يركبون البحر للفتح ومن ذلك ما رواه البخاريّ من حديث أنس بن مالك أنّ خالته أمّ حرام بنت ملحان النجّاريّة الأنصاريّة -وكانت تحت عبادة بن الصامت- سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد استيقظ من نومه وهو يضحك: "ما يضحكك يا

رسول الله؟ " قال: "ناس من أمّتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر [أي وسطه ومعظمه] ملوكا على الأسرّة أو مثل الملوك على الأسرّة". قالت: يارسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها. . . فركبت البحر في زمن معاوية بن أبي سفيان [في فتح قبرص] فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت (1) . يقول ابن حجر معلّقا على الخبر: "فيه إخبار بما سيكون فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم " (2) . - وقد لمّح الرسول صلى الله عليه وسلم لغزو المسلمين في البحر عند رجوعه من غزوة تبوك في رجب من السنة 9هـ حيث اشتكى المسلمون ما برواحلهم من الجهد فدعا لها رسول الله: "اللهم احمل عليها في سبيلك، إنّك تحمل على القويّ والضعيف وعلى الرطب واليابس في البرّ والبحر" فما بلغوا المدينة، حتّى جعلت تنازعهم أزمّتها. فقال فضالة بن عبيد الأنصاريّ راوي الحديث: "هذه دعوة النبيّ صلى الله عليه وسلم على القويّ والضعيف، فما بال الرطب واليابس!؟ فلمّا رأيت السفن في البحر وما يدخل فيها عرفت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم " (3) .

_ (1) كتاب التعبير - باب رؤيا النهار - فتح الباري 12/408 حديث 7001 - 7002 - صحيح مسلم - الإمارة - باب فضل الغزو في البحر 3/ 1518 حديث 1912 - الترمذيّ - فضائل الجهاد - باب ما جاء في غزو البحر 4/178 حديث 1696. (2) فتح الباري 12/409. (3) مسند أحمد 5/453.

ومن الفتوح التي أخبر بوقوعها وتحققت فتح القسطنطينية

4 - ومن الفتوح التي أخبر بوقوعها وتحقّقت فتح القسطنطينيّة فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أوّلا: قسطنطينيّة أو روميّة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدينة هرقل تفتح أوّلا"، يعني القسطنطينيّة، وقد تحقّقت نبوءته، ففتحها الشاب العثماني المجاهد ابن الثالثة والعشرين محمد بن مراد والمعروف بمحمد الفاتح سنة 1453م.

ومما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وتحقق "افتراق الأمة" بفعل الأهواء

5 - وممّا أخبر عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم وتحقّق "افتراق الأمّة " بفعل الأهواء فقد أخرج أبوداود في سننه من حديث أبي سفيان بن حرب يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم: ". . وإنّه سيخرج في أمّتي أقوام تجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى عرق ولا مفصل إلا دخله" (1) ، وقد تمكّنت هذه الأهواء في الكثير من النفوس فجرت فيها مجرى الدم من العروق، وافترقت الأمّة إلى طرائق قدد، وكان الخوارج من أبرز من تنكّب عن الجماعة، فسعّروا الفتن وشغلوا الأمّة بفظاعاتهم واعتداءاتهم، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بخروجهم وبأنّ طائفة من المسلمين على الحقّ تقتلهم، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحقّ" (2) وسئل

_ (1) أوّل كتاب السنّة - باب شرح السنّة 5/5 - 6حديث 4597. (2) فتح الباري 12/309 وعزاه ابن حجر لمسلم من حديث أبي سعيد الخدريّ.

عليه الصلاة والسلام عن سيماهم فقال: "سيماهم التحليق" (1) . كما سئل: يا رسول الله! هل في هؤلاء القوم علامة؟ قال: "يحلقون رؤوسهم، فيهم ذو الثدية" (2) ، وفي رواية: "آيتهم رجل إحدى يديه مثل ثدي المرأة" (3) . وقد قاتلهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وقتلهم، فقال لأصحابه: "اطلبوا ذا الثدية، فطلبوه فلم يجدوه! فقال: ما كذبت ولا كذبت، اطلبوه، فطلبوه فوجدوه في وهدة من الأرض عليه ناس من القتلى، فإذا رجل على يده مثل سبلات السنّور (4) ، فكبّر عليّ والناس، وأعجبه ذلك" "وفي رواية" قال عليّ: "التمسوا لي العلامة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّي لم أكذب ولا أكذب، فجيء به فحمد الله وأثنى عليه حين عرف العلامة" (5) . وحول صدق ما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من هذه الغيبيّات يقول أبو سعيد الخدريّ: "أشهد سمعت من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأشهد أنّ عليّا قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم" (6) .

_ (1) فتح الباري 12/309. (2) فتح الباري 12/308. (3) صحيح البخاري - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب من ترك قتال الخوارج للتألف. . . (4) وفي رواية: "إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعيرات تكون على ذنب اليربوع" - فتح الباري 12/311. (5) فتح الباري 12/311 وقد ساق ابن حجر رحمه الله هذه المعلومات أثناء شرحه للحديث 6933، 6934. (6) صحيح البخاريّ - استتابة المرتدّين - باب من ترك قتال الخوارج - فتح الباري 12/303 حديث 6933.

ومما أخبر بوقوعه من الغيبيات خروج متنبئين كذابين

6ـ وممّا أخبر بوقوعه من الغيبيّات خروج متنبّئين كذّابين روى الإمام البخاريّ في جامعه الصحيح بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجّالون كذّابون قريبا من ثلاثين، كلّهم يزعم أنّه رسول الله" (1) . وفي حديث ثوبان بن بجدد الهاشميّ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ت54هـ] مرفوعا يرويه أبو داود في سننه: "وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النبيّين، لا نبيّ بعدي. ." (2) . وروى أحمد في مسنده، عن أبي هريرة: "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذّابا دجّالا كلّهم يكذب على الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم" (3) . يقول ابن حجر عن ثبوت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم وصدق ما أخبر به: "وقد ظهر مصداق ذلك في آخر زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذّاب باليمامة، والأسود العنسيّ باليمن، ثمّ خرج في خلافة أبي بكر طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة، وسجاح التميميّة في بني تميم، وفيها يقول شبيب بن ربعيّ، وكان مؤدّبها: أضحت نبيّتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا وقتل الأسود قبل أن يتوفّى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر،

_ (1) كتاب المناقب - باب علامات النبوّة - فتح الباري 6/712 - 713 حديث 3609. (2) الفتن والملاحم - باب ذكر الفتن ودلائلها 4/450 - 451 حديث 4252 - ابن ماجه - الفتن - باب ما يكون في الفتن 2/1303 حديث 3952. (3) 2/450.

وتاب طليحة بن خويلد الأسديّ، ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر، ونقل أنّ سجاحا التميميّة تابت كذلك [وانتقلت إلى البصرة وماتت بها] ، ومن هؤلاء الكذّابين المختار بن أبي عبيد الثقفيّ [صاحب الفرقة الكيسانيّة] الذي زيّن له الشيطان ادعاء النبوّة، وزعم أنّ جبريل يأتيه، وقد روى الشعبيّ أنّ الأحنف بن قيس أراه كتاب المختار إليه يذكر فيه أنه نبيّ. ومنهم الحارث الكذّاب خرج في خلافة عبد الملك بن مروان فقتله. . " (1) . فظهور ما أخبر عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكذّابين قبل خروجهم بزمن طويل يدلّ على صدقه كما يدلّ على أن مصدر خبره الوحي؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله.

_ (1) فتح الباري 6/714.

نعي أمراء مؤتة الثلاثة قبل وصول خبرهم إلى المدينة

7ـ نعي أمراء مؤتة الثلاثة قبل وصول خبرهم إلى المدينة وممّا أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من الغيبيات استشهاد أمراء المعركة الثلاثة قبل وصول خبرهم إلى المدينة: روى البخاريّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب ثمّ أخذ الراية جعفر فأصيب، ثمّ أخذ الراية ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتّى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم " (1) .

_ (1) المغازي - باب غزوة مؤتة من أرض الشام - فتح الباري 7/585، حديث4263وكانت تلك الغزوة في جمادى من سنة ثمان.

وذكر موسى بن عقبة [ت140هـ] في مغازيه أنّ يعلى بن أميّة كان أوّل من قدم بخبر أهل مؤتة فقال له رسول الله: "إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرك". قال: فأخبرني، فأخبره خبرهم. فقال: والذي بعثك بالحقّ ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره" (1) . فمن أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم خبر المعركة وتفاصيل استشهاد الأمراء، وبين المدينة ومؤتة ببلاد الشام [الأردن] مسافات بعيدة في عصر تنعدم فيه وسائل الاتصال البرقي والسريع، لا شكّ أن الوحي هو الذي أمدّه بكلّ تلك التفاصيل الدقيقة.

_ (1) فتح الباري 7/585.

كشف خبر الخطاب السري الذي أرسله حاطب إلى قريش

8ـ كشف خبر الخطاب السرّي الذي أرسله حاطب إلى قريش لمّا أجمع الرسول صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكّة لفتحها في رمضان من السنة الثامنة للهجرة، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك، ثمّ أعطاه امرأة من مزينة اسمها سارة، وكانت مولاة لبعض بني عبد المطلب وقيل مولاة للعبّاس، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فإذا بالوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع حاطب، فبعث عليه الصلاة والسلام عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وقال لهم: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها". يقول عليّ راوي الحديث: "فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتّى أتينا الروضة، فإذا نحن

بالظعينة، قلنا لها: " أخرجي الكتاب! قالت: "ما معي كتاب! فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثياب. قال فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. . " الحديث (1) . ونلاحظ هنا أنّ عليّا وصاحبيه رضي الله عنهم لم يصدّقا المرأة في ادعائها، وهدّداها بحزم بخلع ثيابها إن هي لم تخرج الرسالة لأنهم واثقون من صدق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أنّ الوحي هو الذي أطلعه على سرّ الرسالة وصاحبها وحاملتها، والموضع الذي سيجدونها فيه. . . الأمر الذي يدعم الحقيقة الصادعة أنّ أحاديث الرسول وأخباره وحي.

_ (1) صحبح البخاريّ - المغازي - غزوة الفتح - فتح الباري 7/592 حديث 4274 - وذكر ابن حجر في الفتح 7/594 نصّ الرسالة كما أوردها يحيى بن سلام [ت210] في تفسيره: "أمّا بعد يا معشر قريش، فإنّ رسول الله جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم، والسلام. "

استحلال الزنى والخمر والمعازف

9 ـ استحلال الزنى والخمر والمعازف ومن الغيبيات التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وتحقّقت، استحلال الزنى ولبس الرجال الحرير واتخاذ المعازف، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحر والحرير والخمر والمعازف" (1) . والحر بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء هو الفرج، كنّى به عن الزنى، وما ذكره الحديث من محرّمات أصبحت تُتعاطى في بعض البلاد الإسلاميّة بدون نكير وكأنّها من الطيّبات!! بل فقد أقرّت سلطات بعض البلاد ما

_ (1) صحيح البخاريّ - الأشربة - باب ما جاء فيمن يستحلّ الخمر ويسمّيه بغير اسمه - فتح الباري 10/53 حديث 5590.

سنّه الاستعمار من قوانين غداة احتلاله لها، لإفساد الشبيبة المسلمة وإضعاف روح المقاومة، تقضي بإقامة دور الخنا العلني وتنشيط زراعة عنب الخمور وفتح الخمّارات في كلّ زاوية من زوايا البلاد وحماية مرتادي تلك البؤر الخبيثة برجال شرطة مسلمين يتقاضون مرتّباتهم من دافعي الضرائب المسلمين!! فالذي أخبر الرسول بما سيؤول إليه أمر أمّته من التدني والانحطاط وتداعي الأمم عليها وإذلالها وانتهاك مقدّساتها ونهب ثرواتها بسبب مجافاتها الشريعة وعدم قيامها بأحكامها، وانتهاك المحرّمات. . إنما هو الوحي الصادق.

أرض العرب تعود كما كانت مروجا وأنهارا

10ـ أرض العرب تعود كما كانت مروجا وأنهارا ومن الغيبيات التي أخبر عنها الرسول ولم تتجسّد بعد على أرض الواقع إخباره أنه: "لا تقوم الساعة حتّى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا" (1) . والحديث يتضمّن حقيقتين: الأولى: هي أنّ أرض العرب الصحراويّة كانت في غابر الزمن مروجا وبساتين وأنهارا. والثانية: أنّ يوما ما من تاريخ الأرض وقبل قيام الساعة ستعود أرض العرب إلى سالف عهدها من الخضرة وتدفّق مياه الأنهار في ربوعها. وهذان الأمران حين نسمع بهما للوهلة الأولى يتملّكنا الاستغراب والتعجّب لكن حينما نتيقّن من مصدر الخبر لا نملك إلا التصديق. وممّا

_ (1) صحيح مسلم - الزكاة - باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا تجد من يقبلها 2/701 حديث 157.

يزيدنا تصديقا وإيمانا أنّ العلم يؤيّد هذه النبوّة، يروي الشيخ عبد المجيد الزنداني عن أحد علماء الجيولوجيا قوله: "من الحقائق العلميّة التي يعرفها علماء الجيولوجيا أنّ جزيرة العرب الصحراويّة اليوم كانت في زمن قديم بساتين وحدائق، والدليل الحفريّات الأثريّة التي تدلّ على أنّ هذه الأرض كانت مروجا وأنهارا وأوضح برهان على ذلك قرية "الفاو" والتي اكتشفت تحت رمال الربع الخالي. أمّا عن عودة جزيرة العرب إلى ما كانت عليه من مروج وأنهار فيقول: "وهذه حقيقة ثابتة. . . نعرفها نحن الجيولوجيين " ويتحدّث عن الأحقاب المناخيّة التي ستمرّ بها الأرض، ومنها حقبة جليديّة وفي هذه الحقبة سيتغيّر طقس الأرض وضمن ذلك يحدث تغيير في طقس بلاد العرب فيصبح باردا وتصبح شبه الجزيرة من أكثر بلاد العالم أمطارا وأنهارا ". ويعلّق الشيخ الزنداني على هذه المعلومات بقوله: "فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى هذا العلم إلا بوحي علويّ " (1) . فهذه الأمثلة القليلة التي استعرضناها من إخباره عليه الصلاة والسلام بالغيبيات، والتي تحقّقت أو أثبت العلم تحقّقها يقينا مستقبلا تثبت أنّ السنّة وحي وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.

_ (1) انظر الموقع:. htmwww. geocities. com/rr_eem/z من كتاب العلم طريق الإيمان لعبد المجيد الزنداني.

الإعجاز العلمي الوارد في السنة النبوية يدل على أنها وحي

الإعجاز العلمي الوارد في السنة النبوية يدل على أنها وحي الجسد يبلى ماعدا عجب الذنب ... الإعجاز العلمي الوارد في السنة النبوية يدلّ على أنّها وحي ومما يثبت علويّة السنة وأنّها وحي من الله ما تحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم من أخبار علميّة معقدة تحقّق فيها الإعجاز العلمي، إذ لم تكتشف حقائقها إلا بعد تطوّر العلوم وأدوات البحث في العصر الحديث، وسوف نكتفي بذكر عينات قليلة للتدليل على أنّ ما تحدّثت عنه السنة من هذه الحقائق لا يكون إلا وحيا من خالق الكون سبحانه: 1- الجسد يبلى ما عدا عجب الذنب عن أبي سعيد الخدري يرفعه: "يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه"، قيل: وما عجب ذنبه يا رسول الله؟ قال: "مثل حبّة خردل، منه نشأ" وفي رواية عن أبي هريرة: "ومنه يركّب الخلق يوم القيامة". يقول د. زغلول النجّار: "يشتمل هذا الحديث على حقيقة علميّة لم تتوصل العلوم المكتسبة إلى معرفتها إلا منذ سنوات قليلة، حين أثبت المتخصّصون في علم الأجنّة أنّ جسد الإنسان ينشأ من شريط دقيق للغاية يسمّى الشريط الأولي الذي يتخلّق بقدرة الله سبحانه في اليوم الخامس عشر من تلقيح البويضة وانغراسها في جدار الرحم. . . وثبت أنّ هذا الشريط الأوّلي يندثر عدا جزءاً يسيرا منه يبقى في نهاية العمود الفقري وهو المقصود بعجب الذنب [نهاية العمود الفقري] ". ويضيف: "وقد أثبتت مجموعة من علماء الصين في عدد من التجارب المختبريّة استحالة إفناء عجب الذنب كيميائياً بالإذابة في أقوى الأحماض أو فيزيائياً بالحرق أو بالسحق أو

بالتعريض للأشعّة المختلفة، وهو ما يؤكد صدق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يعد سابقاً لكافة العلوم بأكثر من 1400 سنة ". إنه لا يمكن لعاقل أن يتصوّر مصدراً لهذه الحقيقة العلميّة التي صدع بها محمد صلى الله عليه وسلم من قبل ألف وأربعمائة سنة غير وحي صادق من الله الخالق (1) .

_ (1) انظر المحجّة [جريدة جامعة نصف شهرية تصدر بفاس بالمغرب]- العدد 193 - 14 ربيع الأول 1424هـ/16-5-2003م - ص 6.

متى ينجب الزوجان ذكرا ومتى ينجبان أنثى

2 - متى ينجب الزوجان ذكراً ومتى ينجبان أنثى؟ روى عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنّثا بإذن الله" (1) . إنّ تحديد جنس الجنين من القضايا العلميّة المعقّدة التي لم يتوصّل العلم إلى معرفة أسرارها إلا حديثاً جدّا، فقد عكف الأستاذ سعد حافظ خبير علم العقم عند الرجال على دراسة العلاقة بين ماء الرجل وماء المرأة طوال عشر سنوات مستخدماً ما توصّل إليه العلم من تقنية حديثة متطوّرة، ثم وصل إلى النتيجة التالية وهي: أنّ ماء الرجل قلويّ، وماء المرأة حمضيّ، فإذا التقى الماءان وتغلّبت الحموضة التي للأنثى على القلويّة التي للذكر كان الناتج أنثى، وإذا تغلّبت القلويّة التي للذكر على الحموضة التي للأنثى كان الناتج ذكراً (2) .

_ (1) مسند أحمد 4/124. (2) من كتاب "أنت تسأل والشيخ الزنداني يجيب، حول الإعجاز العلميّ في القرآن والسنة - للشيخ عبد المجيد الزنداني" انظر الموقع. htmhttp: //www. geocities. com/rr_eem/z.

هذه الحقيقة العلميّة عبّر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل اكتشافها بأربعة عشر قرناً من الزمان وهي تدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم موصول بالوحي ومعلَّم من خالق السموات والأرض خالق كلّ شيء.

الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء, ولا تسبوها فإنها تنقي الذنوب

3 - الحمَّى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء، ولا تسبّوها فإنّها تنقّي الذنوب روى البخاريّ بسنده إلى ابن عمر مرفوعاً: "إنّ الحمى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء" (1) . وعن جابر بن عبد الله يرفعه: "لا تسبّيها" أي الحمى "فإنّها تنقّي الذنوب كما تنقّي النارُ خبث الحديد" (2) . لقد تبيّن أنّ الحمّى قد تتسبّب في حرارة شديدة تصل إلى 41 درجة مئوية، فيصدق عليها وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من فيح جهنم. . . وهذه الحرارة قد تؤدّي إلى هياج شديد ثم هبوط عام وغيبوبة تكون سبباً في الوفاة، ولذا كان لزاماً تخفيض درجة الحرارة فوراً حتى ينتظم مركز تنظيم الحرارة بالمخّ، وليس لذلك وسيلة إلا وضع المريض في ماءٍ بارد أو عمل كمّادات من الماء البارد والثلج. . ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حمَّ دعا بقربة من الماء فأفرغها على رأسه. أما لِمَ دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعدم سبّ الحمى؟ فلأنه عند الإصابة بالحمى تزيد نسبة مادّة "الإنترفيرون " [Intefeon] لدرجة كبيرة وهي مادّة

_ (1) صحيح البخاري - بدء الخلق - باب صفة النار - فتح الباري 6/380 حديث 3263 - صحيح مسلم - كتاب السلام 4/1731 حديث 2209. (2) صحيح مسلم - كتاب البرّ والصلة 4/1993 حديث 4575.

تفرزها خلايا الدم البيضاء، وتستطيع القضاء على الفيروسات التي تهاجم الجسم كما تكون أكثر قدرة على تكوين الأجسام المضادّة الواقية. ومادة "الإنترفيرون " لا تخلّص الجسم من الفيروسات والبكتيريا فحسب، ولكنّها تزيد من مقاومة الجسم للأمراض، وقدرته على القضاء على الخلايا السرطانية منذ بدء تكوّنها وبالتالي حماية الجسم من ظهورها. ولذا قال بعض الأطباء: إنّ كثيراً من الأمراض نستبشر فيها بالحمى لأنّها تكون أنفع من شرب الدواء (1) . ومن هنا ندرك الحكمة من وراء منع الرسول صلى الله عليه وسلم الناس من سبّ الحمى، وهي أنها تنقّي الذنوب كما في الحديث الماضي ذكره عن جابر رضي الله عنه. فالحديث وما تضمّنه من حقائق علميّة يثبت أنّ قائله موصول بالله يوحي إليه بما لا يأتيه الباطل.

_ (1) من كتاب "أنت تسأل والشيخ الزنداني يجيب، حول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة" للشيخ عبد الحميد الزنداني وانظر الموقع. http://www. geocities. com/rr_eem/z.htm

إذا وقع الذباب في شراب أحدكم

4- إذا وقع الذباب في شراب أحدكم روى البخاري بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإنّ في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء" (1) . يعدّ هذا الحديث من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الطبّيّة فقد أثبتت التجارب

_ (1) صحيح البخاري - كتاب بدء الخلق - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم - فتح الباري 6/414 حديث 3320.

العلمية الحديثة. . أنّ هناك خصّيصة في أحد جناحي الذباب، وهي أنّه يحمل البكتيريا، فإذا سقط في شراب أو طعام وألْقَى تلك الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب أو الطعام فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم هو مبيد البكتيريا الذي يحمله في جوفه قريباً من أحد جناحيه. . ولذا فإنّ غمس الذباب كلّه وطرحه كاف لقتل الجراثيم وإبطال عملها. كما أنّه قد ثبت علمياً أن الذباب يفرز جسيمات صغيرة من نوع الإنزيم تسمّى "باكتريوفاج " [Bacteصلى الله عليه وسلمiophage] أي مفترسة الجراثيم وهي عامل الشفاء من الداء. فالعلم توصّل إلى هذه الحقائق التي أخبر عنها النبيصلى الله عليه وسلم بصورة إعجازية منذ أربعة عشر قرناً ممّا يدلّ على أنّ سنّته وحي تلقاه من الخالق العلام.

الاحتراس من الأوبئة بالتزام قواعد حفظ الصحة

5 - الاحتراس من الأوبئة بالتزام قواعد حفظ الصحة: روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعاً: "غطّوا الإناء وأوكئوا السقاء، فإنّ في السَّنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمرّ بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء" (1) . لقد تبيّن عند الباحثين أنّ الأمراض الخطرة والأوبئة تنتشر في مواسم معيّنة من السنة أو في عدد معيّن من السنوات، وحسب نظام دقيق لا يعرف تعليله حتى الآن، فالحصبة مثلاً وشلل الأطفال يكثران في سبتمبر وأكتوبر وحمّى

_ (1) صحيح مسلم - كتاب الأشربة - باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء 3/1596 حديث 2014.

المستنقعات [التيفويد - Typhoid] يكثر في الصيف أما الطاعون [الكوليراCholeصلى الله عليه وسلمa] فإنّه يأخذ دورة كل 7 سنوات والجدري كل 3 سنوات. ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ في السنة ليلة ينزل فيها وباء" إعجاز علميّ يكشف وجود أوبئة موسميّة في أوقات معيّنة لم تقف الكشوفات الطبّيّة على هذه الحقيقة إلا في عصور متأخّرة، فمن علَّم الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحقائق العلميّة المعقّدة؟ إنّه الوحي.

هل وجود أحاديث محمولة على غير محاملها ينقض القول بأن السنة وحي

هل وجود أحاديث محمولة على غير محاملها ينقض القول بأنّ السنّة وحي؟ إنّ الإقرار بأنّ السنّة وحي ينبني عليه الإقرار بأنّ السنّة حقّ وصواب لأنّ مصدرها الله العليم الخبير. وهنا قد يسأل سائل: كيف تكون السنّة وحيا مبرّأ عن الخطإ والاختلاف والتضارب وفيها أحاديث مختلفة (1) ، وأخرى مشكلة (2) ، وغيرها ناسخة ومنسوخة (3) !؟ والمعلوم أنّ هذا الضرب من الأحاديث المحمولة على غير محاملها لا يتعارض مع كون السنّة وحيا، لأنّ تعارض الأحاديث المختلفة إنّما هو تعارض ظاهريّ وليس حقيقيّا واقعيّا، وقد تولّى علماء الأمّة بداية من الإمام الشافعيّ الجمع بين تلك الأحاديث وإثبات توافقها وعدم اختلافها، وحلّ إشكالات الأحاديث المشكلة، وبيان تساوقها مع العقل والشرع ومع حقائق التاريخ ونواميس الطبيعة المشاهدة المعروفة. وكذلك النسخ فهو حقيقة شرعيّة ربّانيّة، وليس نكوصا عن حكم شرعيّ وليس استبدال حكم آخر به اعتباطا، علما بأنّ كلا من الحديث الناسخ والحديث المنسوخ صحيح ثابت لا يضعف النسخ من قيمته وإن أبطل حكمه.

_ (1) المختلف: هو أن يأتي حديثان صحيحان متضادّان في المعنى ظاهرا، فيوفّق بينهما أو يرجّح أحدهما. [الباعث الحثيث 169 هامش2] . (2) المشكل: هو حديث صحيح يبدو ظاهره مخالفا لآية قرآنيّة أو حكم شرعيّ أو حقيقة تاريخية أو ناموس طبيعيّ ونحو ذلك فيزيل هذا الإشكال ويبيّن أنه غير متعارض مع هذه الأصول كلّها. (3) النسخ: هو الخطاب الدّالّ على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدّم على وجه لولاه لكان ثابتا به مع تراخيه عنه. [كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار - لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي [ت584هـ] [ط1 - 1386هـ/1966م - مطبعة الأندلس - حمص - سوريا] .

ويتحصّل من كلّ ما مضى أنّ السنّة وحي مصدره ربّ العالمين الذي لا ينسى ولا يسهو ولا يخطئ ولا يعكّر صفو هذه الحقيقة وجود أحاديث مختلفة ومشكلة وناسخة ومنسوخة.

هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنة

هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنّة؟ وإذا ثبت لدينا أنّ السنّة في مجملها وحي - اللهم إلا بعض الاجتهادات في قضايا معيشيّة لا صلة لها بالحلال والحرام ولا بالقضايا الغيبيّة التوقيفيّة، كتأبير النخل ونحوه - حقّ لنا أن نتساءل: هل وحي القرآن هو نفسه وحي السنّة؟ لقد انعقد الإجماع على أنّ وحي القرآن نزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، في اليقظة، بواسطة جبريل عليه السلام، وأنه لم ينزل عليه منه شيء في النوم ولا بطريق من طرق الوحي الأخرى، وليس ذلك لأنّ طرق الوحي الأخرى يعتريها اللبس أو يلحقها الشكّ، لأنّ الوحي بجميع أنواعه يصحبه علم يقينيّ ضروريّ بأنّه من الله سبحانه (1) . أمّا وحي السنّة سواء كان حديثا نبويّا أو حديثا قدسيّا فقد يكون بوحي جليّ أي يأتي به جبريل في حال اليقظة، كما يكون بوحي خفيّ أي بالإيحاء، والإلهام، والبثّ في الروع، والرؤيا الصادقة في المنام، وإذا كان معنى الحديث وحيا من الله فإنّ لفظه من صياغة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم.

_ (1) انظر الحديث والمحدّثون 14.

الخاتمة

الخاتمة: بعد فقد تبيّن لنا ممّا تقدّم أنّ ظاهرة الوحي ممكنة الحدوث، وأنّ تواتر أخبار الرسالات السماويّة، وما توصّل إليه العديد من الفلاسفة والعلماء والمفكّرين تثبت أنّ الوحي ضرورة حتميّة حتى يهدي الله به البشر عن طريق الرسل إلى الحقائق الغيبيّة التي كثيرا ما يستعصي فهمها على الناس، وأمّا ما جنح ويجنح إليه المادّيّون والملاحدة وأتباع المذهب الوضعيّ [Le positivisme] من إنكار الوحي وعالم الغيب عامّة فلا يعتدّ به؛ لأنّ آراءهم لا تستند إلى دليل عقليّ منطقيّ وتتعارض مع طبيعة الإنسان وما فطر عليه من الإيمان بالله وبعالم الغيب. أمّا ما سقناه من أدلّة قرآنيّة ومن أدلّة من السنة النبويّة وما استعرضناه من أخبار غيبيّة تنبّأ الرسول صلى الله عليه وسلم بوقوعها وتحقّقت، أو ما ذكرناه من أحاديث تضمّنت إشارات علميّة دقيقة ومعقّدة تحقّق فيها الإعجاز العلميّ، فهي كلّها تثبت أنّ السنّة في مجملها وحي من الله وأنّ الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم موصول بربّه عن طريقه. وإذا كانت السنّة وحيا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم معصوما من الخطإ فإنّ كلّ ما صحّ صدوره عنه صدق وحقّ، واجب الأخذ به والعمل بأحكامه، أو بما يمكن أن يستنبط منه من أحكام شرعيّة. ونظرا إلى أنّ السنّة دين وشريعة فقد حرّم الكذب والتزيّد فيها، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار" (1) .

_ (1) صحيح البخاريّ - العلم - باب إثم من كذب على النبيّ (- فتح الباري 1/243 حديث 108.

وكما وعد الله بحفظ كتابه، فإنّه تعالى تعهّد بحفظ بيان هذا الكتاب وهو السنّة إذ لا يحفظ المبيَّن [اسم مفعول] إلا بحفظ المبيِّن [اسم فاعل] وقد قيّض للسنة من أبناء الأمّة رجالا أفذاذا علماء ربّانيّين حفظوها ونفوا عنها ما ليس منها فكانت مع القرآن الدين القيّم. فمن حارب السنة أو شكّك فيها بدعاوى باطلة متهافتة فإنّما يحارب الله الذي أوحى بها لعبده ورسوله محمد سيد المرسلين وخاتمهم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... قائمة المراجع 1- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير، أحمد محمد شاكر ط3،1952م، مطبعة الصبيح، مصر. 2- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزيّ 1403?، 1982م، طبعة جمعيّة المكتبة السعيديّة بحيدر آباد، الهند، نشر الدار القيّمة، بمباي. 3- التفسير الواضح الميسّر، الشيخ محمد الصابوني ط1 1422?، 2001م، مؤسّسة الريّان للطباعة والنشر، بيروت. 4- تقييد العلم، الخطيب البغداديّ ط2، 1974م، دار إحياء السنّة النبويّة، بيروت. 5- جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، أبو عمر يوسف بن عبد البرّ، ط1 الطبعة السلفيّة، المدينة المنوّرة. 6- جامع البيان عن تأويل القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ، ط3، 1388?، 1968م، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر. 7- جريدة المحجّة، جريدة جامعة نصف شهريّة، تصدر بفاس بالمغرب. 8- الحديث والمحدّثون، محمد محمد أبو زهو ط1، 1978م بمصر. 9- حيّ بن يقظان، ابن سينا وابن الطفيل والسهرورديّ، تحقيق وتعليق أحمد أمين، ط3، 1966م، دار المعارف بمصر.

1- الرسالة للإمام الشافعيّ، ط1، 1408?/1988م، الناشر مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة. 2- السنّة ومكانتها في التشريع الإسلاميّ، مصطفى السباعيّ، ط4،1405?، 1985م، المكتب الإسلاميّ بيروت، دمشق. 3- سنن أبي داود، طبعة المكتبة الإسلاميّة، إسطنبول، تركيا. 4- سنن الترمذيّ، طبعة مصطفى البابي الحلبيّ، 1356?، 1388م. القاهرة. 5- سنن الدارميّ، المدينة المنوّرة 1386?، 1966م. 6- سنن ابن ماجه طبعة عيسى البابي الحلبيّ 1972م. 7- سنن النسائيّ، طبعة دار البشائر، 1986م، بيروت. 8- سيرة ابن هشام، ط2، 1375?، 1955م، تحقيق السقا، الأبياريّ، شلبيّ طبعة مصطفى البابي الحلبيّ، القاهرة. 9- السيرة النبويّة في ضوء القرآن والسنّة، محمد محمد أبو شهبة، ط5، 1419?، 1999م، دار القلم، دمشق. 10- عون المعبود شرح سنن أبي داود ـ للعلامة أبي الطيّب محمد شمس الحقّ العظيم آبادي، ط2، 1389?، 1969م، مؤسّسة قرطبة للنشر والتوزيع، الهرم، مصر] . 11- صحيح البخاري: انظر متن فتح الباري. 12- صحيح مسلم، ط 1، 1374?، 1955م، عيسى البابي الحلبيّ، مصر.

1- الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار - أبو بكر محمد بن موسى الحازميّ، ط1، 1386?، 1966م، مطبعة الأندلس، حمص، سوريا. 2- فتح الباري للإمام الحافظ أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، إخراج وتصحيح محبّ الدين الخطيب. ط1، 1407?، 1986م، دار الريّان للتراث، القاهرة. 3- فقه اللغة وسرّ العربيّة، الثعالبيّ، مطبعة الاستقامة، القاهرة، بدون تاريخ ولا بيان رقم الطبعة. 4- محاضرات في علوم الحديث، مصطفى أمين التازيّ، ط3، 1391?، 1971م، مطبعة دار التأليف، مصر. 5- مسند أحمد، ط1، 1969م، دار صادر بيروت. 6- معالم السنن شرح سنن أبي داود، أبو سليمان الخطابيّ، ط2، 1401?، 1981م، منشورات المكتبة العلميّة، بيروت، لبنان. 7- معجم المصطلحات والشواهد الفلسفيّة، جلال الدين سعد، دار الجنوب للنشر 1998 م، تونس. 8- مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهانيّ، ط2،1418?، 1997م، دار القلم، دمشق، الدار الشاميّة، بيروت. 9- الموافقات في أصول الشريعة لأبي القاسم الشاطبي، ط3، 1417?، 1997م، دار المعرفة، بيروت.

1- الموطّأ لمالك بن أنس، ط7، 1404?، 1973م، رواية يحيى الليثي، إعداد أحمد راتب عمروش، دار النفائس، بيروت. 2- المواقع التالية: - www. alhikmeh. com - aabic. mktba/quanalislam/as. htm - www. wamy. og/html/quan1.asp - www. geocities. com/ _eemzhtm34.htm - www. geocities. com/ _eemz45.htm

§1/1