الزواج

ابن عثيمين

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله على اله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فإنني مسرور بما تيسر لي من المشاركة في الموسم الثقافي للمحاضرات في كليتي الشريعة واللغة العربية بالقصيم1 لما ارجوه من الفائدة التي تحصل لي ولمن سمع محاضراتي أو قرأها إن شاء الله تعالى واسأل الله تعالى أن يجعل عملنا جميعا خالصا لوجهه موافقا لمرضاته. ولكنني أحب أن أقدم كلمة قبل الدخول في صميم المحاضرة تكون مناسبة – إن شاء الله – وهي أنكم تعرفون

_ 1 كان ذلك في ليلة الثلاثاء 7/3/1398.

أيها الاخوة.. وأيها المشايخ إن الإسلام في عصرنا هذا محارب من جهات متعددة. 1- من جهة الأفكار، من جهة الأخلاق، من جهة العقائد. وأنه كلما شنت الغارات وقويت فانه يجب أن يكون لها مضاد يقابلها بل يكون اعلي منها فإذا لم يكن ذلك فان معناه القضاء على الإسلام. وهذا أمر في أعناق أهل العلم وأهل الدين، يجب عليهم أن يبذلوا الجهد ما استطاعوا بان يمنعوا هذه التيارات التي جاءتنا من كل جانب والتي أصبح الإنسان فيها بل الحليم حيران لا يدري كيف يتصرف؟ ولقد كنا نسمع كثيرا إن أعداء المسلمين يقولون: انه يجب التركيز على – المملكة العربية السعودية – لكونها مهد الإسلام وقبلة المسلمين وقدوتهم، ولهذا تجدهم يشنون الغارات الشرسة والمكايد المحكمة ويكرسون جهودهم لحرب هذه المملكة وإذا لم يقم أهل هذه المملكة من

علماء ومن مخلصين بإيصاد الباب أما هؤلاء وسوف يجوسون خلال الديار وسوف تجدون أمورا تنكرونها غاية الإنكار. والذي يجب علينا أمام هذه التيارات أيها الاخوة هو: 1- توحيد الدعوة 2-توحيد الجهد 3-الا نجعل بيننا مكانا لموطئ قدم من الأعداء ولكني أقول بالحقيقة أننا نعمل على ذلك كل منا كأنما يعمل وحده لا نجد اثنين الا ما شاء الله على هدف واحد أو بعبارة اصح على طريق واحد وإن كان الهدف متحدا. لذلك أرى أن من واجب علماء هذه المملكة سواء في الرياض أو في الحجاز أو في القصيم أو في غيرها من مناطق المملكة إن يجتمعوا على كلمة واحدة وأن يدرسوا الموضوع بجد لأنه خطير فيما أرى، يدرسوه دراسة

وافية لا فيما يتصل بوسائل الإعلام ولا فيما يتصل بوسائل الثقافة ومناهج المدارس ومقرراتها ولا فيما يكون بين عامة الناس من الانحراف والانصراف عن أصول دينهم وفروعه. ونحن نجد كثيرا من طلاب العلم مشغولون بغير ما هم مكلفون به بطلب الدنيا والإقبال عليها والالتفاف حولها وهذا في الحقيقة يضعف دعوتهم إلي الخير، يضعف قبولها أمام العامة أيضا فان لسلوك العالم خطرا بالغا في تأثيره على من حوله فإذا كان العامة لا يجدون من أهل العلم الا التكالب على الدنيا كما يتكالب عليها السوقة من عامة الناس فإنهم لن يثقون أبدا بما عندهم من الإرشادات والعلوم. كذلك أيها الاخوة بالنسبة لولاة الأمور يجب علينا مناصحتهم لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" ثلاثة مرات قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه

ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم" 1. فالواجب علينا مناصحة ولاة الأمور والا نعتمد على رجل أو رجلين أو ثلاثة أو أربعة، يناصحون ولاة الأمور، فولاة الأمور إذا كثر ناصحوهم وعرفوا الحق من كل جانب وجاءتهم النصيحة من كل وجه فإنهم لا بد أن يلتفتوا إلي ذلك وأن يسلكوا المنهج الذي نسال الله تعالى أن يوفقهم له، وهو منهج النبي صلي الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا. كذلك بالنسبة للعامة نجد أكثر المساجد – مع الأسف – غالب أئمتها جهال ولا يرشدون ولا ينصحون لا يتكلمون وكان الناس قبل وقتنا الحاضر وقبل أن تفتح عليهم الدنيا، يأخذ إمامهم وأن لم يكن من طلبة العلم بعض الكتب المعتمدة، فيقرؤها على المصلين وينتفعون بها، أما اليوم فغالب المساجد لا يقرا فيها شئ ولا يوجه الإمام

_ 1 رواه مسلم كتاب الإيمان باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون رقم 55.

جماعته إلي ما ينفعهم ولهذا تجد عزوف العامة عن المسائل الدينية كثيرا جدا وهذا كله بتقصير من أهل العلم وبتقصير ممن يهمهم هذا الأمر، فعلينا أيها الاخوة إن نجتمع وأن نوحد جهودنا وأن نناصح ولاة أمورنا وأن نبذل الجهد في نصح عامة المسلمين في المساجد والطرقات وغيرها ما استطعنا إلي ذلك سبيلا. وشئ آخر مهم جدا وهو العزلة بين الشباب والشيوخ هذه العزلة التي أصبح الشباب فيها حيران لا يهتدون سبيلا كل هذا في الحقيقة من تقصير كبار السن وعدم التفات بعضهم إلي الشباب مطلقا حتى إنهم لا يصغون لهم وان قالوا رشدا وهذا من الخطأ فالواجب علينا أن نكون مع هؤلاء الشباب وان ننظر ما هم عليه وأن نلاحظ ما حولهم مما يؤثر عليهم وما السبب الذي أوجب لهم هذا العزوف والانصراف عن الإقبال على دينهم؟ حتى إذا عرفنا الداء أمكننا أن نقوم بإعطاء الدواء. وأما كوننا إذا سمعنا ما لا ينبغي عن بعضهم أعرضنا عن

الجميع ثم نبذناهم وجعلنا نسبهم في كل مكان ولا نبالي بشأنهم وننظر إليهم بعين الاحتقار فهذا مما يوجب الشر العظيم من بعد الشباب عن الشيوخ وعن أهل العلم والدين حتى تقودهم الشياطين إلي ما تريد. فعلينا أيها الاخوة أن نراعي هذه المسالة الخطير وان نلقي لها بالا ونحسب لها حسابا. وعلى المدرسين خصوصا: أن يجتهدوا في تثقيف الطلبة تثقيفا دينيا وأن يرغبوهم فيما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وأن يبصروهم بالدين على حقيقته وأن يكشفوا لهم الأحكام الشرعية كشفا واضحا مع بيان أسرار الشريعة وحكمتها لأني أري أن التعليم ولا سيما الجامعي فيه بعض النقص وذلك أن بعض المدرسين يلقي الدرس جافا أي إنهم "لا يبينون للطلبة دليل حكم المسالة ولا حكمته" وواقع المؤمن أن ينقاد إلي أمر الله ورسوله سواء علم الحكمة أم لا. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}

[الأحزاب- 36] ولكنه إذا عرف الحكمة ازداد اطمئنانا وتطبيقا ورغبة في الشريعة ولهذا أحث إخواني المدرسين على أن يلقوا العلم إلي الطلبة دسما حيا محركا للقلوب مهذبا للنفوس ينشرح به الصدر وتطمئن اليه النفس. والآن ارجع إلي صميم المحاضرة: لقد كان موضوع محاضرتي هذه"عقد النكاح وآثاره وما يترتب عليه وغير ذلك من بعض ما يتعلق به". واخترت هذا الموضوع لأهميته وجهل كثير من الناس بكثير من أحكامه، ولما يتصل به من المشكلات الاجتماعية التي يتمنى كل مخلص وناصح لدينه وأمته أن ييسر حلها، فان المشكلات كلما طرقت وألقيت الأضواء عليها تيسر حلها وإذا تناساها الناس وأغمضوا عيونهم بقيت كما هي أو زادت غموضا وإشكالا. وقد عقدت لهذا الموضوع عشرة فصول: الفصل الاول: في معنى النكاح لغة وشرعا. الفصل الثاني: في حكم النكاح.

الفصل الثالث: في شروط النكاح. الفصل الرابع: في أوصاف المرأة التي ينبغي نكاحها. الفصل الخامس: في المحرمات في النكاح. الفصل السادس: في العدد المباح في النكاح. الفصل السابع: في الحكمة من النكاح. الفصل الثامن: في الآثار المترتبة على النكاح ومنها: 1- المهر. 2- النفقة. 3- الصلة بين الأصهار. 4- المحرمية. 5-الميراث الفصل التاسع: في حكم الطلاق وما يراعى فيه. الفصل العاشر: فيما يترتب على الطلاق. فنقول مستعينين بالله تعالي، مستهلين منه التوفيق والسداد راجين منه النفع للعباد.

الفصل الأول: في معنى النكاح لغة وشرعا

الفصل الأول: في معنى النكاح لغة وشرعا النكاح في اللغة: يكون بمعنى عقد التزويج ويكون بمعنى وطء الزوجة قال أبو علي القالي: "فرقت العرب فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان أرادوا عقد التزويج، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الجماع والوطء". ومعنى النكاح في الشرع: "تعاقد بين رجل وامرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر وتكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم". ومن هنا نأخذ انه لا يقصد بعقد النكاح مجرد الاستمتاع بل يقصد به مع ذلك معنى آخر هو (تكوين الأسرة الصالحة والمجتمعات السليمة) لكن قد يغلب احد القصدين على الآخر لاعتبارات معينة بحسب أحوال الشخص.

الفصل الثاني: في حكم النكاح

الفصل الثاني في حكم النكاح: النكاح باعتبار ذاته مشروع مؤكد في حق كل ذي شهوة قادر عليه. وهو من سنن المرسلين، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد-38] . وقد تزوج النبي صلي الله عليه وسلم وقال: "إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" 1. ولذلك قال العلماء: إن التزويج مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة والآثار الحميدة التي سنبين بعضها فيما بعد إن شاء الله. وقد يكون النكاح واجبا في بعض الأحيان كما إذا كان

_ 1 رواه البخاري كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح – رقم "5063" ومسلم في كتاب النكاح باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج – رقم"1401".

الرجل قوي الشهوة ويخاف على نفسه من المحرم إن لم يتزوج فهنا يجب عليه أن يتزوج لاعفاف نفسه وكفها عن الحرام ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء" 1

_ 1 رواه البخاري كتاب النكاح باب من لم يستطع الباءة فليصم رقم "5066" ومسلم كتاب النكاح باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج – رقم"1401".

الفصل الثالث: في شروط النكاح

الفصل الثالث: في شروط النكاح من حسن التنظيم الإسلامي ودقته في شرع الأحكام إن جعل للعقود شروطا بها وتتحدد فيها صلاحيتها للنفوذ والاستمرار فكل عقد من العقود له شروط لا يتم الا بها وهذا دليل واضح على أحكام الشريعة وإتقانها وأنها جاءت من لدن حكيم خبير يعلم ما يصلح للخلق ويشرع لهم ما يصلح به دينهم ودنياهم حتى لا تكون الأمور فوضى لا حدود لها ومن بين تلك العقود عقد النكاح فعقد النكاح له شروط نذكر منها ما يأتي وهو أهمها: 1- رضا الزوجين: فلا يصح إجبار الرجل على نكاح من لا يريد ولا إجبار المرأة على نكاح من لا تريد. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} "النساء:19". وقال النبي صلي الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستامر ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا: يا

رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت" 1 فنهى النبي صلي الله عليه وسلم عن تزويج المرأة بدون رضاها سواء أكانت بكرا أم ثيبا الا أن الثيت لا بد من نطقها بالرضا وأما البكر فيكفي في ذلك سكوتها لأنها تستحي من التصريح بالرضا. وإذا امتنعت عن الزواج فلا يجوز أن يجبرها عليه احد ولو كان أباها، لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "والبكر يستأذنها أبوها" 2. ولا أثم على الأب إذا لم يزوجها في هذه الحال لأنها هي التي امتنعت ولكن عليه أن يحافظ عليها ويصونها. وإذا خطبها شخصان، وقالت: أريد هذا وقال وليها: تزوجي الآخر، زوجت بمن تريد هي إذا كان كفئا لها أما إذا كان غير كفء فلوليها أن يمنعها من زواجها به ولا إثم

_ 1 رواه البخاري كتاب النكاح باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب الا برضاها رقم"5136" ومسلم كتاب نكاح باب استئذان الثيب في النكاح رقم" 1419". 2 رواه مسلم كتاب النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت رقم "1421".

عليه في هذه الحال. 2. الولي فلا يصح النكاح بدون ولي، لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" 1. فلو زوجت المرأة نفسها فنكاحها باطل، سواء باشرت العقد بنفسها أم وكلت فيه. والولي: هو البالغ العاقل الرشيد من عصباتها، مثل الأب، والجد من قبل الأب، والابن وابن الابن وإن نزل والأخ الشقيق والأخ من الأب والعم الشقيق والعم من الأب وأبنائهم الأقرب فالأقرب. ولا ولاية للأخوة من الأم ولا لأبنائهم ولا أبي الأم والأخوال لأنهم غير عصبة. وإذا كان لا بد في النكاح من الولي فانه يجب على الولي اختيار الأكفأ الأمثل إذا تعدد الخطاب فإن خطبها

_ 1 رواه أبو داود كتاب النكاح باب في الولي رقم "2085" والترمذي، كتاب النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي رقم "1101" وابن ماجه كتاب النكاح باب لا نكاح إلا بولي رقم" 1881"

واحد فقط وهو كفء ورضيت فانه يجب عليه أن يزوجها به وهنا نقف قليلا لنعرف مدى المسئولية الكبيرة التي يتحملها الولي بالنسبة إلي من ولاه الله عليها فهي أمانة عنده يجب عليه رعايتها ووضعها في محلها ولا يحل له احتكارها لأغراضه الشخصية أو تزويجها بغير كفئها من اجل طمع فيما يدفع اليه، فان هذا من الخيانة وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27] . وقال تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38] . وقال النبي صلي الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" 1. وترى بعض الناس تخطب منه ابنته يخطبها كفء ثم يرده ويرد آخر وآخر ومن كان كذلك فان ولايته تسقط ويزوجها غيره من الأولياء الأقرب فالأقرب.

_ 1 رواه البخاري كتاب النكاح باب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} رقم "5188" ومسلم كتاب الإمارة باب فضيلة الإمام العادل رقم "1829".

الفصل الرابع: في صفة المرأة التي ينبغي نكاحها

الفصل الرابع: في صفة المرأة التي ينبغي نكاحها النكاح يراد للاستمتاع وتكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم كما قلنا فيما سبق. وعلى هذا فالمراة التي ينبغي نكاحها هي التي يتحقق فيها استكمال هذين الغرضين وهي التي اتصفت بالجمال الحسي والمعنوي. فالجمال الحسي: كمال الخلقة لان المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها وأصغت الإذن إلي منطقها فينفتح إليها القلب وينشرح إليها الصدر وتسكن إليها النفس ويتحقق فيها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم-21] . والجمال المعنوي: كمال الدين والخلق فكلما كانت المرأة أدين وأكمل خلقا كانت أحب إلي النفس واسلم عاقبة.

فالمرأة ذات الدين قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها وفراشه وأولاده وماله، معينه له على طاعة الله تعالى، إن ذكرته وأن تثاقل نشطته وأن غضب أرضته. والمرأة الأدبية تتودد إلي زوجها وتحترمه ولا تتأخر عن شئ يحب أن تتقدم فيه ولا تتقدم في شئ يحب أن تتأخر فيه ولقد سئل النبي صلي الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره" 1 وقال صلي الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأنبياء، أو قال: الأمم" 2. فان أمكن تحصيل امرأة يتحقق فيها جمال المنظر وجمال الباطن فهذا هو الكمال والسعادة بتوفيق الله.

_ 1 رواه احمد والنسائي كتاب النكاح باب أي النساء خير رقم "3231". 2 رواه أبو داود كتاب النكاح باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء رقم"2050" والنسائي كتاب النكاح باب كراهية تزويج العقيم رقم " 3227".

الفصل الخامس: في المحرمات بالنكاح

الفصل الخامس: في المحرمات بالنكاح قال النبي صلي الله عليه وسلم: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تتعدوها" 1. ومن جملة الحدود الشرعية التي حد الله تعالى حدودها النكاح حلا وحرمة، حيث حرم على الرجل نكاح نساء معينة لقرابة أو رضاعة أو مصاهرة أو غير ذلك. والمحرمات من النساء على قسمين: قسم محرمات دائما وقسم محرمات إلي أجل. 1-محرمات دائما وهن ثلاثة أصناف: الصنف الأول: المحرمات بالنسب: وهن سبع ذكرهن الله تعالى بقوله في سورة النساء: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ

_ 1 رواه الدارقطني في سننه "4/184".

وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23] 1- فالأمهات: يدخل فيهم: الأم، والجدات سواء كن من جهة الأب أم من جهة الأم. 2- والبنات: يدخل فيهن: بنات الصلب وبنات الأبناء وبنات البنات وان نزلن. 3- والأخوات: يدخل فيهن الأخوات الشقيقات والأخوات من الأب والأخوات من الأم 4- والعمات: يدخل فيهن: عمات الرجل وعمات أبيه وعمات أجداده وعمات أمه وعمات جداته. 5- والخالات: يدخل فيهن: خالات الرجل وخالات أبيه وخالات أجداده وخالات أمه وخالات جداته. 6- وبنات الأخ: يدخل فيهن بنات الأخ الشقيق وبنات الأخ من الأب وبنات الأخ من الأم وبنات أبنائهم وبنات بناتهم وإن نزلن. 7- وبنات الأخت: يدخل فيهن: بنات الأخت الشقيقة وبنات الأخت من الأب وبنات الأخت من الأم وبنات

أبنائهن وبنات بناتهن وإن نزلن. الصنف الثاني: المحرمات بالرضاع: وهن نظير المحرمات بالنسب. قال النبي صلي الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" 1 ولكن الرضاع المحرم لا بد له من شروط منها: الشرط الأول: أن يكون خمس رضعات فأكثر فلو رضع الطفل من المرأة أربع رضعات لم تكن أما له. لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان فيما انزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلي الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن"2

_ 1رواه البخاري كتاب الشهادات باب الشهادة على الأنساب والرضاعة رقم "2645، 2646" ومسلم كتاب الرضاع ما يحرم من الولادة رقم"1447، 1444". 2 رواه مسلم كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات رقم "1452".

الشرط الثاني: أن يكون الرضاع قبل الفطام أي يشترط أن تكون الرضعات الخمس كلها قبل الفطام فان كانت بعد الفطام أو بعضها قبل الفطام وبعضها بعد الفطام لم تكن المرأة أما له. وإذا تمت شروط الرضاع صار الطفل ولدا للمرأة وأولادها أخوة له سواء كانوا قبله أو بعده وصار أولاد صاحب اللبن أخوة له أيضا سواء كانوا من المرأة التي أرضعت الطفل أم من غيرها. وهنا يجب أن نعرف بأن أقارب الطفل المرضع سوى ذريته لا علاقة لهم بالرضاع ولا يؤثر فيهم الرضاع شيئا فيجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أمه من الرضاع أو أخته من الرضاع. أما ذرية الطفل فإنهم يكونون أولادا للمرضعة وصاحب اللبن كما كان أبوهم من الرضاع كذلك. الصنف الثالث: المحرمات بالصهر: زوجات الآباء والأجداد وإن علوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ

آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} "النساء: 22" فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراما على أبنائه وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا سواء دخل بها أم لم يدخل بها. 1- زوجات الأبناء وان نزلوا،لقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء-23] فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراما على أبيه وأجداده وإن علوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم بمجرد العقد عليها وإن لم يدخل بها. 2- أم الزوجة وجدتها وإن علون، لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} "النساء: 23" فمتى عقد الرجل على امرأة صارت أمها وجدتها حراما عليه بمجرد العقد وإن لم يدخل بها سواء كن جدتها من قبل الأب أم من قبل الأم. 3- بنات الزوجة، وبنات أبنائها وبنات بناتها وان نزلن وهن الربائب وفروعهن لكن بشرط أن يطأ الزوجة فلو حصل الفراق قبل الوطء لم تحرم الربائب وفروعهن، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي

حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] فمتى تزوج الرجل امرأة ووطئها صارت بناتها وبنات أبنائها وبنات بناتها وإن نزلن حراما عليه سواء كن من زوج قبله أم من زوج بعده أما إن حصل الفراق بينهما قبل الوطء فان الربائب وفروعهن لا يحرمن عليه. 2- المحرمات إلي أجل وأما المحرمات إلي أجل فمنهن: 1- أخت الزوجة وعمتها وخالتها حتى يفارق الزوجة فرقة موت أو فرقة حياة وتنقضي عدتها لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} : [النساء- 23] وقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" 1.

_ 1رواه البخاري كتاب النكاح باب لا تنكح المرأة على عمتها رقم"5109" ومسلم كتاب النكاح باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها رقم "1408"

[متفق عليه] . 2- متعددة الغير: أي إذا كانت المرأة في عدة لغيره فإنه لا يجوز له نكاحها حتى تنتهي عدتها وكذلك لا يجوز له أن يخطبها إذا كانت في العدة حتى تنتهي عدتها. 3- المحرمة بحج أو عمرة: لا يجوز عقد النكاح عليها حتى تحل من إحرامها. وهناك محرمات أخرى تركنا الكلام فيهن خوفا من التطويل. وأما الحيض: فلا يوجب تحريم العقد على المرأة فيعقد عليها وان كانت حائضا لكن لا توطأ حتى تطهر وتغتسل.

الفصل السادس: في العدد المباح في النكاح

الفصل السادس: في العدد المباح في النكاح لما كان إطلاق العنان للشخص في تزويج ما شاء من العدد أمرا يؤدي إلي الفوضى والظلم وعدم القدرة على القيام بحقوق الزوجات وكان حصر الرجل على زوجة واحدة قد يفضي إلي الشر وقضاء الشهوة بطريقة أخرى محرمة أباح الشارع للناس التعدد إلي أربعة فقط لأنه العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل والقيام بحق الزوجة ويسد حاجته إن احتاج إلي أكثر من واحدة. قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] . وفي عهد النبي صلي الله عليه وسلم اسلم غيلان الثقفي وعنده عشرة نساء فأمره النبي صلي الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا ويفارق البواقي، وقال قيس بن الحارث: أسلمت وعندي ثمانية نسوة فأتيت النبي

صلي الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: "اختر منهن أربعا" 1. وتعدد النساء إلى هذا الحد له فوائد منها 1- أنه قد يكون ضروريا في بعض الأحيان مثل: أن تكون الزوجة كبيرة السن أو مريضة لو اقتصر عليها لم يكن له منها عفاف وتكون ذات أولاد منه فان امسكها خاف على نفسه المشقة بترك النكاح أو ربما يخاف الزنا وإن طلقها فرق بينها وبين أولادها فلا تزول هذه المشكلة الا بحل التعدد. 2- إن النكاح سبب للصلة والارتباط بين الناس وقد جعله الله تعالى قسيما للنسب فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان-54] فتعدد الزوجات يربط بين اسر كثيرة ويصل بعضهم ببعض وهذا أحد الأسباب التي حملت النبي صلي الله عليه وسلم أن يتزوج بعدد من

_ 1 رواه أبو داود كتاب الطلاق باب فيمن اسلم وعنده نساء أكثر من أربع رقم " 2241"

النساء. 3- يترتب عليه صون عدد كبير من النساء والقيام بحاجتهن من النفقة والمسكن وكثرة الأولاد والنسل وهذا أمر مطلوب للشارع. 4- من الرجال من يكون حاد الشهوة لا تكفيه الواحدة وهي تقي نزيه ويخاف الزنا ولكن يريد أن يقضي وطرا في التمتع الحلال فكان من رحمة الله تعالى بالخلق أن أباح لهم التعدد على وجه سليم.

الفصل السابع: في حكمة النكاح

الفصل السابع - في حكمة النكاح قبل أن نبدأ الكلام في خصوص تلك المسالة يجب علينا أن نعلم علما يقينا بان الأحكام الشرعية كلها حكم وكلها في موضعها وليس فيها شئ من العبث والسفه ذلك لأنها من لدن حكيم خبير. ولكم هل الحكم كلها للخلق؟ إن الآدمي محدود في علمه وتفكيره وعقله فلا يمكن أن يعلم كل شئ ولا أن يلهم معرفة كل شئ قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء-85] . إذن: فالأحكام الشرعية التي شرعها الله لعباده يجب علينا الرضا بها سواء علمنا حكمتها أم لم نعلم لأننا إذا لم نعلم حكمتها فليس معناه أنه لا حكمة فيها في الواقع إنما معناه قصور عقولنا وإفهامنا عن إدراك الحكمة. أما الحكمة في النكاح فكثيرة منها: 1-حفظ كل من الزوجين وصيانته قال النبي صلي الله عليه وسلم: "يا

معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج" 1 2- حفظ المجتمع من الشر وتحلل الأخلاق فلولا النكاح لانتشرت الرذائل بين الرجال والنساء. 3- استمتاع كل من الزوجين بالآخر بما يجب له من حقوق وعشرة فالرجل يكفل المرأة ويقوم بنفقاتها من طعام وشراب ومسكن ولباس بالمعروف قال النبي صلي الله عليه وسلم: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" 2. والمرأة تكفل الرجل أيضا بالقيام بما يلزمها في البيت من رعاية وإصلاح قال النبي صلي الله عليه وسلم: " ... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" 3.

_ 1 سبق تخريجه ص 14. 2 رواه احمد "5/73" وأبو داود كتاب المناسك باب صفة حجة النبي صلي الله عليه وسلم رقم"1905" وابن ماجه كتاب المناسك باب حجة رسول الله صلي الله عليه وسلم رقم (3074) . 3 سبق تخريجه ص 18.

4- أحكام الصلة بين الأسر والقبائل فكم من أسرتين متباعدتين لا تعرف إحداهما الأخرى وبالزواج يحصل التقارب بينهما والاتصال ولهذا جعل الله الصهر قسيما للنسب كما تقدم. 5- بقاء النوع الإنساني على وجه سليم فان كان النكاح سبب للنسل الذي به بقاء الإنسان قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء-1] . ولولا النكاح للزم احد أمرين أما: 1- فناء الإنسان. 2- أو وجود إنسان ناشئ من سفاح لا يعرف له أصل ولا يقوم على أخلاق. ويطيب لي أن أستطرد هنا قليلا لحكم تحديد النسل. فأقول: تحديد النسل بعدد معين خلاف مطلوب الشارع فإن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بتزويج المرأة الولود أي كثيرة

الولادة وعلل ذلك بأنه مكاثر بنا الأمم أو الأنبياء. وقال أهل الفقه: ينبغي أن يتزوج المرأة المعروفة بكثرة الولادة أما بنفسها إن كانت تزوجت من قبل وعرفت بكثرة الولادة أو بأقاربها كأمها وأختها إذا كانت لم تتزوج من قبل. ثم ما الداعي لتحديد النسل؟ هل هو الخوف من ضيق الرزق أو الخوف من تعب التربية؟ إن كان الأول فهذا سوء ظن بالله تعالى لان الله سبحانه وتعالى إذا خلق خلقا فلا بد أن يرزقه. قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود-6] وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} "العنكبوت 60" وقال تعالى في الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء 31] . وإن كان الداعي لتحديد النسل هو الخوف من تعب التربية فهذا خطأ فكم من عدد قليل من الأولاد اتعبوا أتعابا كبيرا في التربية وكم من عدد سهلت تربيتهم بأكثر

ممن وهم دونهم بكثير. فالمدار في التربية صعوبة وسهولة على تيسير الله تعالى وكلما اتقى العبد ربه وتمشى على الطرق الشرعية سهل الله أمره قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} "الطلاق 4". وإذا تبين أن تحديد النسل خلاف المشروع فهل تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من ذلك؟ الجواب: لا ليس تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من تحديد النسل في شئ واعني بتنظيم النسل أن يستعمل الزوجان أو احدهما طريقة تمنع من الحمل في وقت دون وقت فهذا جائز إذا رضي به من الزوج والزوجة مثل: أن تكون الزوجة ضعيفة والحمل يزيد ها ضعفا أو مرضا وهي كثيرة الحمل فتستعمل برضا الزوج هذه الحبوب التي تمنع من الحمل مدة معينة فلا باس بذلك وقد كان الصحابة يعزلون في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولم ينهوا عن ذلك والعزل من أسباب امتناع الحمل من هذا الوطء.

الفصل الثامن: في الآثار المترتبة على النكاح

الفصل الثامن: في الآثار المترتبة على النكاح يترتب على النكاح آثار كثيرة منها ما يلي: أولا: وجوب المهر: والمهر: هو الصداق المسمى باللغة العامة جهازا- فالمهر ثابت للمرأة بالنكاح سواء شرط أم سكت عنه وهو المال المدفوع للزوجة بسبب عقد النكاح فإن كان معينا فهو ما عين سواء كان قليلا أم كثيرا وإن كان غير معين بإن عقد عليها ولم يدفع جهازا ولم يسموا شيئا فعلى الزوج أن يدفع إليها مهر الثمن وهو ما جرت العادة أن يدفع لمثلها. وكما يكون المهر مالا أي عينا يكون كذلك منفعة فلقد "زوج النبي صلي الله عليه وسلم امرأة برجل على أن يعلمها شيئا من القرآن"1. والمشروع في المهر أن يكون قليلا فكلما قل وتيسر فهو

_ 1 رواه البخاري كتاب النكاح باب تزويج المعسر رقم" 5087" ومسلم كتاب النكاح باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن رقم "1425"

أفضل إقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم وتحصيلا للبركة فان أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة وروى مسلم في صحيحه أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم: أني تزوجت امرأة. قال: "كم أصدقتها؟ " قال: أربع أواق يعني مائة وستين درهما فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه" 1. وقال عمر رضي الله عنه: "لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلي الله عليه وسلم، ما أصدق النبي صلي الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، والأوقية أربعون درهما". ولقد كان تصاعد المهور في هذه السنين له أثره السيئ في منع كثير من الناس من النكاح رجالا ونساء وصار الرجل يمضي السنوات الكثيرة قبل أن يحصل المهر، فنتج

_ 1 رواه مسلم متاب النكاح باب ندب النظر إلي المرأة رقم "1424".

عن ذلك مفاسد منها: 1- تعطل كثير من الرجال والنساء عن النكاح. 2- أن أهل المرأة صاروا ينظرون إلي المهر قلة وكثرة فالمهر عند كثير منهم هو ما يستفيدونه من الرجل لامرأته فإذا كان كثيرا زوجوا ولم ينظروا للعواقب وإن كان قليلا ردوا الزوج وإن كان مرضيا في دينه وخلقه. 3- انه إذا ساءت العلاقة بين الزوج والزوجة وكان المهر بهذا القدر الباهظ فانه لا تسمح نفسه غالبا بمفارقتها بإحسان بل يؤذيها ويتعبها لعلها ترد شيئا مما دفع إليها ولو كان المهر قليلا لهان عليه فراقها. ولو أن الناس اقتصدوا في المهر وتعاونوا في ذلك وبدا الأعيان بتنفيذ هذا الأمر لحصل للمجتمع خير كثير وراحة كبيرة وتحصين كثير من الرجال والنساء. ولكن مع الأسف أن الناس صاروا يتبارون في السبق إلي تصاعد المهور وزيادتها فكل سنة يضيفون أشياء لم تكن معروفة من قبل ولا ندري إلي أي غاية ينتهون؟

ولقد كان بعض الناس وخصوصا البادية يسلكون مسلكا فيه بعض السهولة وهو تأجيل شئ من المهر مثل: أن يزوجه بمهر قدره كذا نصفه حال ونصفه مؤجل إلي سنة أو اقل أو أكثر وهذا يخفف عن الزوج بعض التخفيف. ثانيا: النفقة: فعلى الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف طعاما وشرابا وكسوة وسكني فان بخل بشئ من الواجب فهو آثم ولها أن تأخذ من ماله بقدر كفايتها أو تستدين عليه ويلزمه الوفاء. ومن النفقة: الوليمة وهي ما يصنعه الزوج من الطعام أيام الزواج ويدعو الناس اليه وهي سنة مأمور بها لان النبي صلي الله عليه وسلم فعلها وأمر بها ولكن يجب في الوليمة أن يتجنب فيها الإسراف المحرم وينبغي أن تكون بقدر حال الزوج. أما ما يفعله بعض الناس من الإسراف فيها كمية وكيفية فانه لا ينبغي ويترتب عليه صرف أموال كثيرة بلا فائدة.

ثالثا: الصلة بين الزوج وزوجته وبين أهليهما: فقد جعل الله بين الزوج وزوجته مودة ورحمة وهذا الاتصال يوجب الحقوق المترتبة عليه عرفا فإنه كلما حصلت الصلة وجب من الحقوق بقدرها. رابعا: المحرمية: فإن الزوج يكون محرما لأمهات زوجته وجداتها وإن علون ويكون محرما لبناتها وبنات أبنائها وبنات بناتها وإن نزلن إذا كان دخل بأمهن الزوجة. وكذلك الزوجة تكون من محارم أباء الزوج وإن علوا وأبنائه وإن نزلوا. خامسا: الإرث: فمتى عقد شخص على امرأة بنكاح صحيح فانه يجري التوارث بينهما لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} إلي قوله: {تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء 12] . ولا فرق بين أن يدخل ويخلو بها أم لا.

الفصل التاسع: في حكم الطلاق وما يراعى فيه

الفصل التاسع: في حكم الطلاق وما يراعى فيه الطلاق فراق الزوجة باللفظ االكتابة أو الإشارة. والأصل في الطلاق أنه مكروه إذ أنه يحصل به تفويت مصالح النكاح السابقة، وتشتيت الأسرة، وفي الحديث: "ابغض الحلال عند الله الطلاق". ولكن لما كان الطلاق لا بد منه أحيانا أما لتأذي المرأة ببقائها مع الرجل، أو لتأذي الرجل منها، أو لغير ذلك من المقاصد، كان من رحمة الله أن أباحه لعباده، ولم يحجر عليهم بالتضييق والمشقة. فإذا كره الرجل زوجته ولم يتحمل الصبر فلا باس أن يطلقها، ولكن يجب أن يراعي ما يأتي: 1- ألا يطلقها وهي حائض: فان طلقها وهي حائض فقد عصي الله ورسوله، وارتكب محرما، ويجب عليه حينئذ أن يراجع ويبقيها حتى تطهر، ثم يطلقها إن شاء، والأولي أن يتركها حتى تحيض المرة

الثانية، فإذا طهرت فان شاء امسكها، وان شاء طلقها. 2- الا يطلقها في طهر جامعها فيه الا أن يتبين حملها: فإذا هم رجل بطلاق امرأته، وقد جامعها بعد حيضتها، فإنه لا يطلقها حتى تحيض ثم تطهر، ولو طالت المدة، ثم إن شاء طلقها قبل أن يمسها. الا إذا تبين حملها، أو كانت حاملا، فلا بأس أن يطلقها. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] . قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة. 3- ألا يطلقها أكثر من واحدة: فلا يقول: أنت طالق طلقتين، أو أنت طالق ثلاثا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فطلاق الثلاث محرم لما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال في رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ " حتى

قام رجل فقال: يا رسول الله، الا اقتله؟ 1 وإن كثير من الناس يجهلون أحكام الطلاق، فأي وقت طرأ عليهم الطلاق طلقوا من غير مبالاة بوقت أو عدد. والواجب علي العبد أن يتقيد بحدود الله، ولا يتعداها. فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] وقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229] .

_ 1 رواه النسائي، كتاب الطلاق، باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ رقم"3401".

الفصل العاشر: فيما يترتب علي الطلاق

الفصل العاشر: فيما يترتب علي الطلاق لما كان الطلاق فراق الزوجة، فانه يترتب علي هذا الفراق أحكام كثيرة منها: 1 - وجوب العدة إذا كان الزوج قد دخل بزوجته أوخلا بها. أما أن طلقها قبل أن يدخل بها ويخلو بها، فلا عدة له عليها، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] . والعدة ثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة اشهر إن لم تكن من ذوات الحيض، ووضع الحمل إن كانت حاملا. 2- تحريم الزوجة على الزوج إذا كان قد طلقها قبل ذلك الطلاق مرتين: يعني: لو طلق زوجته ثم راجعها في العدة، أو تزوجها

بعد العدة، ثم طلقها مرة ثانية وراجعها في العدة، أو تزوج بعدها، ثم طلقها المرة الثالثة، فإنها لا تحل له بعد ذلك حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا، ويجامعها فيه، ثم يرغب عنها ويطلقها، فإنها بعد ذلك تحل للأول، لقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] . إلي أن قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني المرة الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني الثاني {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} يعني الزوج الأول وزوجته التي طلقها {أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 230] . وإنما حرم الله المرأة علي من طلقها ثلاث مرات حتى تنكح زوجا غيره، لان الناس كانوا في أول الإسلام يطلقون ويراجعون بأي عدد كان، فغضب رجل علي امرأته فقال لها: والله لا أؤويك ولا أفارقك. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك، ثم أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك، فذكرت المرأة ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم، فانزل الله

تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} . ووقت العدة ثلاث رحمة بالنساء من أزواجهن. أيها الأخوة: لعلنا أتينا بجمل كثيرة من أحكام النكاح، متحرين بذلك أن تكون بالقدر المناسب من غير تطويل ممل ولا تقصير مخل.. واسأل الله تعالى أن ينفع بها، وان يجعل العمل خالصا لله موافقا لمرضاة الله، وأن يجعل من هذه الأمة جيلا عالما بأحكام الله، حافظا لحدود الله، قائما بأمر الله، هاديا لعباد الله. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.. وصلي الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. حرر في 26/5/1389هـ

§1/1