الزهر النضر في حال الخضر

ابن حجر العسقلاني

ذكر قصة الخضر في القرآن والحديث

ذكر قصَّة الْخضر فِي الْقُرْآن والْحَدِيث الْخضر فِي الْقُرْآن الْكَرِيم: سُورَة الْكَهْف (60 - 82)

باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام

- بَاب حَدِيث الْخضر مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام: 1 - حَدثنَا عَمْرو بن مُحَمَّد حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنِي أبي عَن صَالح عَن أبي شهَاب أَن عبيد الله بن عبد الله أخبرهُ " عَن ابْن عَبَّاس أَنه تمارى هُوَ وَالْحر بن قيس الْفَزارِيّ فِي صَاحب مُوسَى،

قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ خضر، فَمر بهما أبي بن كَعْب، فَدَعَاهُ ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي تماريت أَنا وصاحبي هَذَا فِي صَاحب مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيل إِلَيّ لَقيته، هَل سَمِعت رَسُول الله يذكر شَأْنه؟ قَالَ: نعم، سَمِعت رَسُول الله يَقُول: بَيْنَمَا مُوسَى فِي ملإ من بني اسرائيل جَاءَهُ رجل فَقَالَ: هَل تعلم أحد أعلم مِنْك؟ قَالَ: لَا. فَأوحى الله إِلَيّ مُوسَى بلَى عَبدنَا الْخضر، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَيْهِ، فَجعل لَهُ الْحُوت آيَة، وَقيل لَهُ إِذا فقدت الْحُوت فَارْجِع فَإنَّك ستلقاه. فَكَانَ يتبع الْحُوت فِي الْبَحْر، فَقَالَ لمُوسَى فتاه: أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَيّ الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ. فَقَالَ مُوسَى: ذَلِك مَا كُنَّا نبغي، فارتدا على آثارهما قصصا، فوجدا خضرًا، فَكَانَ من شَأْنهمَا الَّذِي قصّ الله فِي كِتَابه " 2 - حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار قَالَ أَخْبرنِي سعيد بن جُبَير قَالَ " قلت لِابْنِ عَبَّاس أَن نَوْفًا الْبكالِي يزْعم أَن مُوسَى صَاحب الْخضر لَيْسَ هُوَ مُوسَى بني اسرائيل، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخر. فَقَالَ: كذب عَدو الله، حَدثنَا أبي بن كَعْب عَن النَّبِي أَن مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بني اسرائيل فَسئلَ: أَي النَّاس أعلم؟ فَقَالَ أَنا. فعتب الله عَلَيْهِ إِذْ لم يرد الْعلم اليه فَقَالَ لَهُ: بلَى، لي عبد بمجمع الْبَحْرين هُوَ أعلم مِنْك. قَالَ أَي رب وَمن لي بِهِ؟ - وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان: أَي رب وَكَيف لي بِهِ؟ - قَالَ تَأْخُذ حوتا فتجعله فِي مكتل، حَيْثُمَا فقدت الْحُوت فَهُوَ ثمَّ - وَرُبمَا

بسم الله الرحمن الرحيم بين يدي الكتاب

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بَين يَدي الْكتاب " إِن الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. " (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته، وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ) [آل عمرَان: 102] (يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة، وَخلق مِنْهَا زَوجهَا، وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء، وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام، إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا) [النِّسَاء: 1] (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدا، يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم، وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزا عَظِيما) [الْأَحْزَاب: 70 - 71] أما بعد: فَإِن أصدق الحَدِيث كتاب الله، وَأحسن الْهدى هدى مُحَمَّد وَشر الْأُمُور محدثاتها، وكل محدثة بِدعَة، وكل بِدعَة ضَلَالَة، وكل ضَلَالَة فِي النَّار. " وَبعد، فَإِن الْإِسْلَام رِسَالَة إلهية وَاضِحَة، وعقيدة ربانية صَافِيَة من أدران الشّرك والإلحاد، والعادات والتقاليد، والخرافات والأوهام. وَلَكِن - وللأسف الشَّديد - كلما ابتعد الْمُسلمُونَ من الاغتراف من المنهل الصافي الشفاف للْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة، بَدَت مَوَاطِن الضعْف والوهن فِي عقيدتهم، وتسربت إِلَيْهَا كثير من الخرافات والأوهام، الَّتِي مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان، وَلَيْسَت عَلَيْهَا أَي مسحة من العقيدة وَالدّين، وزد إِلَى ذَلِك أَنَّهَا سببت لتفريق كلمة الْمُسلمين، وتشتيت وحدة الْأمة الإسلامية فِي كل عصر ومصر.

وَمن الخرافات الَّتِي تطرقت إِلَى الأوساط الإسلامية من جِهَة بعض " المدعين المتهوسين للزهد الفارغ، والورع الأجوف "، وتروجت عبر التَّارِيخ الإسلامي، وآمن بهَا ضعفاء العقيدة وَالدّين: خرافة اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام -. وَلَا شكّ أَن الْعلمَاء - مُنْذُ الْقَدِيم - اخْتلفُوا فِي هَذَا الْأَمر وَلَكِن عندنَا، ميزانا دَقِيقًا لنقد مثل هَذِه القضايا الْمُخْتَلف فِيهَا هُوَ: " كتاب الله عز وَجل وَسنة رَسُوله - " (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم، فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول، إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا) فنرد هَذِه الْقَضِيَّة إِلَى كتاب الله، وَسنة رَسُول الله، فَإِن وافقا عَلَيْهَا نعتقد بِأَن الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - حَيّ يرْزق من يَوْم وِلَادَته حَتَّى الْآن، وَلَا يزَال، إِلَى مَا شَاءَ الله. وَهَذَا من أعظم الْآيَات لربوبية الله عز وَجل. (وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا، أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم) . وَإِن لم نجد فِي الْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة مَا يدل على اسْتِمْرَار حَيَاته، نرفضه وَلَا كَرَامَة، مهما ادّعى " الصُّوفِيَّة والصالحون " بلقائهم إِيَّاه فِي القفارى والفلوات، ومواطن الْخَيْر ومواضع الشّرف. وَذَلِكَ لِأَن الْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة هما الْوَسِيلَة الوحيدة للاطلاع على مثل هَذِه الْأُمُور الغيبية. وَالْإِيمَان باستمرار حَيَاة أحد من النَّاس، إِلَى مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض، يحْتَاج إِلَى دَلِيل نقلي صَرِيح، لِأَنَّهُ يمس جَانب العقيدة الَّتِي لَا تثبت إِلَّا بذلك.

أما ادِّعَاء مبْنى على الظَّن والتخمين بِأَن الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - حَيّ وَلَا يزَال إِلَى قيام السَّاعَة، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل وَلَا برهَان، بل هُوَ مُجَرّد وعاز من الْأَصَالَة وَالتَّحْقِيق وخرافة لَيست من الدّين فِي شَيْء. (إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان، إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس، وَقد جَاءَ من رَبهم الْهدى) . هَذَا الْكتاب يحتوي على النُّصُوص الْمُوَافقَة والمخالفة المهمة، والأدلة القوية الصَّرِيحَة فِي الْمَوْضُوع، لما لمؤلفه شخصية موسوعية، وَعلم غزير، واطلاع وَاسع على كتب الْعلمَاء القدامى والمحدثين. وستنكشف حَقِيقَة اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام -، تتبخر ادعاءات المدعين بذلك، خلال دراسة هَذَا الْكتاب، إِن شَاءَ الله. الْكتب المستقلة فِي أَخْبَار الْخضر: لما كَانَ مَوْضُوع بَقَاء الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - وَعَدَمه مُخْتَلفا فِيهِ لَدَى الْعلمَاء، فاسترعى انتباههم لكشف الستار عَن وَجهه، فألفوا كتبا مُسْتَقلَّة كَثِيرَة، قد عثرت على أَسمَاء بَعْضهَا خلال مُرَاجعَة المصادر والمراجع فِي الْمَوْضُوع، وَمِنْهَا: 1. جُزْء فِي أَخْبَار الْخضر: لأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن جَعْفَر بن الْمُنَادِي الْبَغْدَادِيّ (- 336 هـ) . 2. جُزْء فِي أَخْبَار الْخضر: لعبد المغيث بن زُهَيْر الْحَرْبِيّ الْحَنْبَلِيّ الْبَغْدَادِيّ (- 583 هـ) 3. عجالة المنتظر فِي شرح حَال الْخضر: لعبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن

الْجَوْزِيّ (597 هـ) (وَهَذَا فِي نقض مَا كتبه عبد المغيث الْحَرْبِيّ) . 4. مُجَلد فِي موت الْخضر: لَهُ أَيْضا. 5. مُخْتَصره: لَهُ أَيْضا. 6. " إرشاد أهل الْإِخْلَاص لحياة الْخضر وإلياس ": لمُحَمد بن أبي الْخَيْر أَحْمد الْقزْوِينِي (620 هـ) . 7. " رِسَالَة فِي الْخضر هَل مَاتَ أم هُوَ حَيّ ": لعبد الْحَلِيم أَحْمد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي (728 هـ) . 8. " جُزْء فِي وَفَاة الْخضر ": لمُحَمد بن عَليّ بن عبد الْوَاحِد الدكالي الْمَعْرُوف بِابْن النقاش (763 هـ) . 9. " جُزْء فِي حَيَاة الْخضر ": لعبد الله بن أسعد اليافعي (768 هـ) . 10. " الرَّوْض النَّضر فِي أنباء الْخضر ": لأبي الْفضل الْعِرَاقِيّ (806 هـ) . 11. " جُزْء فِي الْخضر ": للْقَاضِي عليم الدّين الْبِسَاطِيّ (842 هـ) . 12. " الزهر النَّضر فِي حَال الْخضر ": لِأَحْمَد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي

(852 هـ) . 13. " القَوْل الْمُنْتَصر على المقالات الفارغة بِدَعْوَى حَيَاة الْخضر ": للحسين بن عبد الرَّحْمَن الأهدل (855 هـ) . 14. " رِسَالَة فِي الْخضر ": لجلال الدّين السُّيُوطِيّ (911 هـ) . 15. " كشف الخدر عَن أَمر الْخضر ": لملا عَليّ الْقَارِي الْهَرَوِيّ (1014 هـ) . 16. " القَوْل المقبول فِي الْخضر، هَل نَبِي أم ملك أم رَسُول ": لِأَحْمَد بن مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بالغنيمي (1034 هـ) . 17. " القَوْل الدَّال على حَيَاة الْخضر وَوُجُود الأبدال ": لنوح بن مصطفى الْحَنَفِيّ (1070 هـ) . هَذَا، وَمَا كتبه ابْن تَيْمِية فِي فَتَاوَاهُ فِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة، وَابْن الْقيم فِي الْمنَار المنيف، وَابْن كثير فِي الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة، وَابْن حجر فِي الْإِصَابَة، يعْتَبر أَيْضا رسائل مُسْتَقلَّة. كتَابنَا هَذَا: إِن الْحَافِظ - رَحمَه الله - كتب تَرْجَمَة موسعة للخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - فِي " الْإِصَابَة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَة " لما اشْترط أَنه يذكر فِيهِ كل من قيل فِيهِ إِنَّه صَحَابِيّ، وَإِن لم يرد فِي خبر ثَابت أَنه من جملَة الصَّحَابَة. ثمَّ أفرده فِي كتاب مُسْتَقل بِشَيْء من الْحَذف وَالزِّيَادَة. وَفِي هَذَا الْكتاب ناقش

الْمُؤلف - رَحمَه الله - مَسْأَلَة مَوته وبقائه حَيا إِلَى زمن النَّبِي - خلال دراسة الرِّوَايَات الْوَارِدَة فِي ذَلِك مناقشة طيبَة، باستقصاء فريد وقراءات مستوعبة، يطمئن إِلَيْهَا الْقلب. وَذكر أَخْبَار كثير مِمَّن ينتمي إِلَى الصّلاح بِأَنَّهُم يرونه وَأَنه حَيّ {} إِلَى أَن قَالَ: " وَالَّذِي تميل إِلَيْهِ النَّفس من حَيْثُ الْأَدِلَّة القوية خلاف مَا يَعْتَقِدهُ الْعَوام من اسْتِمْرَار حَيَاته ... " تَحْقِيق اسْم هَذَا الْكتاب: لم يذكر الْحَافِظ - رَحمَه الله - اسْم هَذَا الْكتاب فِي مقدمته لَهُ، وَاكْتفى بقوله: " وَقد أفردته الْآن ليقف كل سَائل عَنهُ، على كل مَا كنت قرأته وسمعته وَجَعَلته أبويا ... . " وَقد طبعه الْعَلامَة مُحَمَّد مُنِير الدِّمَشْقِي - رَحمَه الله - ضمن " مَجْمُوعَة الرسائل المنيرية " بعنوان " الزهر النَّضر فِي نبأ الْخضر. " قَالَ السخاوي (تلميذ الْمُؤلف) - وَهُوَ يذكر المؤلفات فِي أَخْبَار الْخضر _: " وَأحسن مُصَنف فِي ذَلِك كَلَام صَاحب التَّرْجَمَة (يَعْنِي ابْن حجر) الَّذِي أفرده من كِتَابه (الْإِصَابَة) وَسَماهُ (الزهر النَّضر فِي حَال الْخضر) . وَقد أثبت مَا ذكره السخاوي عنوانا للْكتاب، لما لَهُ صلَة علمية قَوِيَّة بشخصية شَيْخه الْمُؤلف، ودور كَبِير فِي جمع شتات تراثه بعد وَفَاته. وَقد لَازمه أَشد مُلَازمَة، وَحمل عَنهُ مالم يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره. وَالله أعلم.

قصتي مَعَ هَذَا الْكتاب: نظم قسم النشاط الثقافي بإدارة الإشراف والتوجيه الاجتماعي بالجامعة الإسلامية بِالْمَدِينَةِ الطّيبَة، مسابقة حيفيية عَامَّة لعام (1398 - 1399 هـ) وأعلن الْقسم الْمَذْكُور الْمُسَابقَة - وَكُنَّا نمر بِزَمن اختبار النَّقْل من السّنة الثَّانِيَة إِلَى الثَّالِثَة بكلية الحَدِيث الشريف والدراسات الإسلامية - وَكَانَ من بَين المواضيع الْكَثِيرَة المطروحة لَهَا، مَوْضُوع " الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْخضر وحياته " (جمع ودراسة وَتَخْرِيج) . وَقد أعجبني هَذَا الْمَوْضُوع، وجمعت - بِفضل الله وَمِنْه - مَا تيَسّر لي جمعه من الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار والحكايات، فِي بحث مُسْتَقل بِنَحْوِ تسعين صحيفَة (فل اسكاب) وقدمته إِلَى الْقسم، وفاز بالمرتبة الأولى، بتصحيح واختبار أستاذنا الدكتور / سعدي صَالح الْهَاشِمِي الْعِرَاقِيّ / أستاذ مَادَّة التَّخْرِيج ودراسة الْأَسَانِيد بكلية الحَدِيث، وَللَّه الْحَمد. وَكَانَ أكبر اعتمادي فِي إعداد هَذَا الْبَحْث على هَذَا الْكتاب، وَكم كنت أَتَمَنَّى مُنْذُ ذَلِك الْوَقْت أَن أحقق هَذَا الْكتاب، وَلَكِن تَأَخّر الْعَمَل إِلَى مَا شَاءَ الله، وَكَانَت أمنيتي لتحقيقه تراود نَفسِي حينا لآخر، وَهَا أَنا قد أنجزت ذَلِك الْآن، بِفضل من الله وتوفيقه. عَمَلي فِي هَذَا الْكتاب: 1. كتبت مُقَدّمَة التَّحْقِيق: (أ - تَرْجَمَة الْمُؤلف ب - خُلَاصَة المباحث فِي أَخْبَار الْخضر) 2. عزوت الْآيَات القرآنية إِلَى موَاضعهَا من سورها. 3. خرجت الْأَحَادِيث والاثار وَالْأَخْبَار والحكايات، وعزوتها إِلَى مصادرها الَّتِي نقل الْحَافِظ عَنْهَا، مَا دمات تَحت متناول يَدي، وَإِلَّا فعزوتها إِلَى مراجع ثانوية، وَذَلِكَ لضعف حيلتي وَقلة اطلاعي. 4. قارنت النُّصُوص، وصححت الأخطاء الْوَارِدَة فِيهَا، وَإِن زِدْت عَلَيْهَا شَيْئا فَهُوَ مَا بَين المعكوفين [] . 5. رقمت الفقرات لتسهيل الرُّجُوع إِلَى الْمَطْلُوب. 6. وضعت ثَمَانِيَة فهارس متنوعة فِي آخر الْكتاب. شكر وَتَقْدِير: أشكر الله عز وَجل على مَا أنعمني من الْوَقْت وَالصِّحَّة حَتَّى تمكنت من إِكْمَال هَذَا الْعَمَل المتواضع. ثمَّ أشكر الْإِخْوَة الأفاضل الَّذين راجعوا الْكتاب، وشجعوني على إِخْرَاجه فِي أسْرع وَقت مُمكن. وَلَا يفوتني أَن أسجل شكري لفضيلة أستاذنا الشَّيْخ عبد الحميد عبد الْجَبَّار الرحماني - حفظه الله وتولاه - الرئيس الْعَام لمركز التوعية الإسلامية، والأمين الْعَام لمعهد التَّعْلِيم الإسلامي بدهلي الجديدة - الَّذِي قَامَ بنشر هَذَا الْكتاب، وحاول أَن يخرج فِي حلَّة قشيبة فجزاه الله خير مَا يجازى بِهِ عباده الصَّالِحين. وأدعوا الله عز وَجل أَن يوفقني لخدمة كِتَابه، وَسنة رَسُوله، وَيجْعَل عَمَلي هَذَا خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون. وَهُوَ ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ وبنعمته تتمّ الصَّالِحَات. وَصلى الله تَعَالَى على نَبينَا وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.

ترجمة المؤلف

تَرْجَمَة الْمُؤلف نسبه: هُوَ شهَاب الدّين، أَبُو الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مَحْمُود بن حجر الْكِنَانِي، الْعَسْقَلَانِي الشَّافِعِي، الْمصْرِيّ المولد والمنشأ والوفاة، القاهري. وَقَالَ السخاوي: هَذَا هُوَ الْمُعْتَمد فِي نسبه. مولده: ولد فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة، على شاطئ النّيل بِمصْر الْقَدِيمَة. وَاخْتلف مترجموه فِي تَحْدِيد تأريخ وِلَادَته مَا بَين (الثَّانِي عشر، وَالثَّالِث عشر، وَالثَّانِي وَعشْرين، وَالثَّانِي من الشَّهْر الْمَذْكُور) . نشأته: نَشأ ابْن حجر يَتِيما، كَمَا عبر هُوَ عَن نَفسه، إِذْ مَاتَ أَبوهُ فِي رَجَب سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة، ذَلِك وَهُوَ وَمَاتَتْ أمه قبل طِفْل صَغِير. وَقد أوصى أَبوهُ قبل وَفَاته بِاثْنَيْنِ من الَّذين كَانَت بَينه وَبينهمْ مَوَدَّة: (أَحدهمَا) : زكي الدّين أَبُو بكر بن نور الدّين عَليّ الخروبي (787 هـ) ، وَلم يال جهدا فِي رعايته والعناية بتعليمه، وَكَانَ يستصحبه مَعَه عِنْد مجاورته فِي مَكَّة.

(وَالثَّانِي) : شمس الدّين مُحَمَّد بن الْقطَّان الْمصْرِيّ (813 هـ) ، لَازمه الحافط بعد وَفَاة وَصِيّه الأول زكي الدّين، وَحضر دروسه فِي الْفِقْه والعربية والحساب. دخل الْكتاب وَهُوَ ابْن خمس سِنِين، وأكمل حفظ الْقُرْآن وَهُوَ فِي التَّاسِعَة من عمره، وَصلى بِالنَّاسِ التَّرَاوِيح فِي الْحرم الْمَكِّيّ سنة 785 هـ، وَكَانَ حِينَئِذٍ مَعَ وَصِيّه الزكي الخروبي فِي مَكَّة المكرمة. وَيُمكن تصور بَوَادِر نبوغه وشجاعته، فبقدر مَا كَانَت مفخرة لَهُ كصبي يتَقَدَّم إِمَامًا فَإِنَّهَا كَانَت لَحْظَة حاسمة وحرجة اجتازها بثبات وَحسن أَدَاء. وَصلى بعد ذَلِك بالقدس أَيْضا. مهمته العلمية: بلغ بِهِ الْحِرْص على تَحْصِيل الْعلم مبلغا جعله يسْتَأْجر أَحْيَانًا بعض الْكتب، وَفِي سنة 790 هـ أكمل السَّابِعَة عشرَة من عمره، حفظ فِيهَا الْقُرْآن، وَكتب من مختصرات الْعُلُوم وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ على بعض الْمَشَايِخ، كَمَا سمع من عُلَمَاء عصره البارزين، واهتم بالأدب والتاريخ. وَهَذِه حصيلة ثقافية لَا يستهان بهَا بِالنِّسْبَةِ لعمره. وَلما بلغ فِي التَّاسِعَة عشرَة من عمره، فاق أقرانه فِي فنون الْأَدَب، وَقَالَ الشّعْر الرَّائِق والنثر الْفَائِق، ونظم المدائح النَّبَوِيَّة والمقاطيع.

نقطة تحول فِي حَيَاته: لما بلغ الْحَافِظ الْغَايَة القصوى فِي الْفُنُون وَالْأَدب، شَاءَ الله عز وَجل أَن يصرفهُ عَنْهَا، وحبب إِلَيْهِ علم الحَدِيث النَّبَوِيّ، فَأقبل عَلَيْهِ سنة 793 هـ، غير أَنه لم يكثر إِلَّا من سنة - 796 هـ، وعلت لَهُ الشُّهْرَة واشتغل بِهِ حَتَّى صَار حَافظ عصره وَشَيخ الْإِسْلَام. رحلاته فِي طلب الْعلم: كَانَت الرحلة فِي طلب الْعلم، فِي كل عصر من التَّارِيخ الإسلامي، سمة بارزة، ومظهرا مهما لتلقي الْعُلُوم على أَيدي الشُّيُوخ الَّذين كَانُوا فِي أنحاء بعيدَة وبلاد نائية من بلد الطَّالِب، وَكَانَ يلجأ إِلَى الرحلة إِلَيْهَا بعد استكمال ثقافته الْمَحَلِّيَّة. وَمَا كَانَ الْحَافِظ ان يقتنع بثقافة بَلَده، بل رَحل إِلَى بِلَاد عديدة خَارج مصر. من أهمها: الْيمن، والحجاز وَالشَّام. وَأخذ علم الحَدِيث عَن مشاهير عُلَمَاء هَذِه الْبِلَاد. شُيُوخه المعروفون: بلغ عدد شُيُوخه بِالسَّمَاعِ وبالإجازة وبالإفادة على مَا بَين بِخَطِّهِ، نَحْو أَرْبَعمِائَة وَخمسين نفسا. وَمن أَهَمَّهُمْ فِي الحَدِيث وَالْفِقْه: عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي الْمَعْرُوف بالنشاوري (790 هـ) مُسْند الْحجاز، هُوَ أول شيخ سمع عَلَيْهِ الحَدِيث الْمسند فِيمَا اتَّصل بِعِلْمِهِ، سمع عَلَيْهِ شَيْئا من صَحِيح البُخَارِيّ سنة 785 هـ.

مُحَمَّد بن عبد الله ظهيرة، جمال الدّين الْمَكِّيّ (817 هـ) ، قَرَأَ عَلَيْهِ بحثا فِي عُلُوم الْأَحْكَام، وَهُوَ من عُلَمَاء الْحجاز. نجم الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحِيم بن رزين بن غَالب الْمسند: سمع مِنْهُ صَحِيح البُخَارِيّ بِقِرَاءَة الْجمال الْمَذْكُور سنة 676 هـ. وَقَالَ الْحَافِظ: وَكَانَ أول من سَمِعت بقرَاءَته الحَدِيث وَذَلِكَ سنة 786 هـ بِمصْر. عَليّ بن أبي بكر، أَبُو الْحسن الهيثمي (735 - 807 هـ) : وَكَانَ يود الْحَافِظ كثيرا، وَشهد لَهُ بالتقدم فِي الْفَنّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ قرينا لشيخه الْعِرَاقِيّ، ومنفردا. عمر بن عَليّ بن أَحْمد الملقن (723 - 804 هـ) : كَانَ أَكثر أهل عصره تصنيفا. أَبُو حَفْص عمر بن رسْلَان البُلْقِينِيّ، سراج الدّين (724 - 805 هـ) : وَهُوَ أستاذه فِي الْفِقْه ولازمه مُدَّة، وَهُوَ أول من أذن لَهُ بالتدريس والإفتاء، وَتَبعهُ غَيره، وَشهد لَهُ بِالْحِفْظِ فِي الْمجْلس الْعَام. أَبُو الْفضل عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ (725 - 806 هـ) : الْحَافِظ الْكَبِير: لَازمه الْحَافِظ ابْن حجر عشر سنوات، وَتخرج بِهِ، وَهُوَ أول من أذن لَهُ بالتدريس فِي عُلُوم المصطلح سنة 797 هـ، ولقبه بِالْحَافِظِ، وعظمه ونوه بِذكرِهِ، وَشهد لَهُ بِأَنَّهُ أعلم أَصْحَابه بِالْحَدِيثِ. أثنى الْحَافِظ ابْن حجر على هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الْأَوَاخِر بِصفة خَاصَّة، وَقَالَ: إِنَّهُم أعجوبة هَذَا الْعَصْر على رَأس الْقرن (أَي التَّاسِع الهجري) . الأول: (ابْن الملقن) فِي كَثْرَة التصانيف؛ وَالثَّانِي: (البُلْقِينِيّ) فِي التَّوَسُّع فِي معرفَة مَذْهَب الشَّافِعِي؛ وَالثَّالِث: (الْعِرَاقِيّ) فِي معرفَة الحَدِيث. وَقدر أَن كل وَاحِد من الثَّلَاثَة ولد قبل الاخر بِسنة، وَمَات قبله بِسنة، كَمَا هُوَ ظَاهر من تأريخ مواليدهم ووفياتهم.

والهيثمي أَيْضا مَاتَ بعد الْأَخير (أَي الْعِرَاقِيّ) بِسنة، وَإِن كَانَت وِلَادَته قبله بِعشر سنوات. وَلَا شكّ أَن الْحَافِظ - كَمَا قَالَ البقاعي - تقدم على مشايخه فِي حياتهم، ووصفوه بِالْحِفْظِ والاتقان والنقد والعرفان. مَعَ ذَلِك كَانَ احترام الْحَافِظ وَتَقْدِيره لشيوخه أعظم وَأجل. تلامذته: استقطبت دروسه الْعلمَاء والتلاميذ سَوَاء بِسَوَاء، وَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد طبقَة، وَألْحق الْأَبْنَاء بِالْآبَاءِ، والأحفاد، بل أَبْنَاءَهُم بالأجداد، وأكب النَّاس على التَّرَدُّد إِلَيْهِ حَتَّى اصبحوا لَا يُحصونَ كَثْرَة، وانتشروا فِي أرجاء الأقطار فَكَانَ رُؤَسَاء الْعلمَاء من كل مَذْهَب وَفِي كل قطر من تلاميذه. سرد ابْن خَلِيل الدِّمَشْقِي ثَلَاثمِائَة وَخمسين نفسا من تلاميذه والآخذين عَنهُ وأوصل عَددهمْ السخاوي إِلَى خَمْسمِائَة شخص، وَكِلَاهُمَا على حُرُوف المعجم. وَمن أبرز هَؤُلَاءِ التلاميذ: إِبْرَاهِيم بن عمر بن حسن البقاعي (885 هـ) صَاحب " عنوان الزَّمَان " زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ (926 هـ) صَاحب " شرح ألفية الْعِرَاقِيّ "

ابْن تغري بردي (874 هـ) صَاحب " النُّجُوم الزاهرة " ابْن فَهد الْمَكِّيّ (871 هـ) صَاحب " لحظ الألحاظ " وَابْن قَاضِي شُهْبَة الدِّمَشْقِي (874 هـ) صَاحب " الطَّبَقَات " اسماعيل بن مُحَمَّد بن أبي بكر المقريء اليمني (837 هـ) صَاحب " عنوان الشّرف الوافي " يُوسُف بن شاهين أَبُو المحاسن الكركي (899 هـ) سبط ابْن حجر صَاحب " رونق الْأَلْفَاظ " مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السخاوي (902 هـ) صَاحب " الضَّوْء اللامع " والمصنفات الْكَثِيرَة. وَقد لَازمه السخاوي أَشد مُلَازمَة، وَحمل عَنهُ مالم يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره، وَتُوفِّي بعد وَفَاة شَيْخه، وَجمع شتات تراثه، وَكتب فِي تَرْجَمَة شَيْخه مجلدا ضخما مُسْتقِلّا باسم " الْجَوَاهِر والدرر فِي تَرْجَمَة شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر " تصانيفه: بَدَأَ الْحَافِظ ابْن حجر - رَحمَه الله - التصنيف فِي سنة 796 هـ، وَاسْتمرّ حَتَّى قبيل وَفَاته. وَهُوَ يعْتَبر من المكثرين فِي هَذَا الْبَاب حَتَّى صَار من الصعب حصر جَمِيع آثاره. وَلذَلِك اكْتفى بعض مترجميه بقَوْلهمْ عَن مصنفاته أَنَّهَا تزيد على مائَة وَخمسين مصنفا. وَقَالَ السخاوي: يزِيد على (270) مصنفا.

وَقد ذكر الدكتور شَاكر مَحْمُود عبد الْمُنعم (282) كتابا مَا بَين صَغِير وكبير مطبوع ومخطوط، وموجود ومفقود. وَكَذَلِكَ ذكر تَحت عنوان " الْكتب المنسوبة إِلَيْهِ " (38) كتابا، وَهِي الْكتب الَّتِي لم يذكرهَا إِلَّا مصدر معاصر وَاحِد، وَلَا تعضده فِي ذَلِك المصادر الْأُخْرَى،، وَنسبه إِلَيْهِ مصدر غير معاصر لَهُ، أَو وجد الْكتاب مَنْسُوبا إِلَى غَيره أَيْضا. وَقد ذكرهَا الدكتور شَاكر تَحت هَذَا العنوان احْتِيَاطًا حَتَّى لَا ينْسب مُصَنف إِلَى مؤلف لم يعمله. وَقَالَ: إِن ذَلِك لَا يَعْنِي نفي نِسْبَة مُصَنف مَا إِلَى الْحَافِظ ابْن حجر، فَهُوَ موسوعي، وَلَا نستبعد مِنْهُ الْمَزِيد. وَمن أهم كتبه المطبوعة: الْإِصَابَة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَة فتح الْبَارِي بشرح صَحِيح البُخَارِيّ تَهْذِيب التَّهْذِيب تقريب التَّهْذِيب الدُّرَر الكامنة فِي أَعْيَان الْمِائَة الثَّامِنَة لِسَان الْمِيزَان التَّلْخِيص الحبير تَعْجِيل الْمَنْفَعَة بُلُوغ المرام نزهة النّظر فِي توضيح نخبة الْفِكر القَوْل المسدد فِي الذب عَن مُسْند الإِمَام أَحْمد الإمتاع فِي الْأَرْبَعين المتباينة بِشَرْط السماع (تَحت الطَّبْع)

أشغاله العلمية المتنوعة

أشغاله العلمية المتنوعة التدريس والإملاء: درس فِي مدارس كَثِيرَة، وتفوق على خمس عشرَة مدرسة وَقَامَ بالإملاء الَّذِي درس بعد ابْن الصّلاح (643 هـ) إِلَى أَوَاخِر أَيَّام الْحَافِظ الْعِرَاقِيّ، فافتتحه سنة 796 هـ، وَاسْتمرّ حَتَّى وَفَاته سنة 806 هـ. وَشرع ابْن حجر بالإملاء فِي سنة 808 هـ وَاسْتمرّ إِلَى أَن مَاتَ فأملى مَا يزِيد على ألف مجْلِس. الْقَضَاء: لقد امْتنع باديء ذِي بَدْء عَن تولي منصب الْقَضَاء، ثمَّ رضى بِهِ نِيَابَة عَن البُلْقِينِيّ بعد وَفَاته، بِطَلَب القَاضِي ولي الدّين الْعِرَاقِيّ، ثمَّ مَا لبث أَن تولاه اسْتِقْلَالا فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من محرم سنة 827 هـ وزادت مُدَّة قَضَائِهِ على إِحْدَى عشرَة سنة. وزهد فِيهِ زهدا تَاما، لِكَثْرَة مَا توالى عَلَيْهِ من التأزم والحرج بِسَبَبِهِ. " وَصرح بِأَنَّهُ لم يبْق فِي بدنه شَعْرَة تقبل اسْمه " الخطابة والإفتاء: تولى الخطابة فِي الْجَامِع الْأَزْهَر وجامع عَمْرو بن الْعَاصِ وَوصف السخاوي خطبَته فَقَالَ:

" أما خطبَته فَكَانَ لَهَا صدع فِي الْقُلُوب، وتزداد - وَهُوَ على الْمِنْبَر - فِي المهابة والنور ... ... مَا لَا أَسْتَطِيع وَصفه، بِحَيْثُ كنت إِذا نظرت إِلَيْهِ، وَهُوَ على الْمِنْبَر، يغلبني الْبكاء. وَكَذَلِكَ نَهَضَ بمهمة الْفتيا بدار الْعَمَل سنة 815 هـ، وامتازت فَتَاوِيهِ بالإيجاز مَعَ حُصُول الْغَرَض مِنْهَا، وبز عُلَمَاء عصره فِيهَا، واعتنى بإخراجها محررة مستندة إِلَى الْأَدِلَّة ذَات الِاعْتِبَار، وَهُوَ فَقِيه النَّص. وَبلغ معدل مَا كَانَ يَكْتُبهُ فِي بعض الْأَوْقَات (30) فتيا فِي الْيَوْم. خزن الْكتب: وَلَقَد قَامَ بمهمة خزن الْكتب بالمكتبة المحمودية، وَعمل لَهَا فهرسين: أَحدهمَا على الْأَبْوَاب، وَالثَّانِي على الْحُرُوف. وَكَانَ مِثَالا للحرص على كتبهَا، ويفتديها بكتبه، فَكَانَ يَقُول: " لَا يُؤْخَذ من كتب الخزانة إلإ مَا لَيْسَ فِي كتبي " هَذَا، وَكَانَ يقوم بدور عَام فِي الْإِصْلَاح والإرشاد، وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، وَدفع الظُّلم والحيف عَن النَّاس. وَيظْهر ذَلِك من انتقائه لمادة أَمَالِيهِ - خَاصَّة الْمُطلقَة مِنْهَا - لأمور ذَات مساس بِالْحَيَاةِ الاجتماعية. هَذِه هِيَ الصِّفَات العلمية والخلقية الَّتِي جعلته مصداقا للقب شيخ الْإِسْلَام وحافظ الْعَصْر، وخاتمة الْمُحدثين، وأمير الْمُؤمنِينَ فِي الحَدِيث.

لقد شرب مَاء زَمْزَم ليصل إِلَى مرتبَة الذَّهَبِيّ فِي الْحِفْظ، ثمَّ حج بعد مُدَّة تقرب عشْرين سنة، فَسَأَلَ الله تَعَالَى الْمَزِيد، وَرَجا أَن ينَال ذَلِك، فحقق الله رَجَاءَهُ، وَشهد لَهُ بذلك التعبر غير وَاحِد. مذْهبه فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات: لَا يخفى على من يقْرَأ كتاب الْحَافِظ ابْن حجر - رَحمَه الله - بِأَنَّهُ يرى رأى المؤولين فِي أَسمَاء الله وَصِفَاته، وَهُوَ خلاف مُعْتَقد السّلف الصَّالح، وَقد عَمت هَذِه الْبلوى فَمَا عصم مِنْهَا إِلَّا من رحم ربه. وإليكم مِثَالا من " فتح الْبَارِي " حَيْثُ يشْرَح حَدِيث " أحب الدّين اليه (أَي الله) أَي مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحبه " فَيَقُول: " قَوْله (أحب) قَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: معنى الْمحبَّة من الله تعلق الْإِرَادَة بالثواب، أَي أَكثر الْأَعْمَال ثَوابًا وأدومها. " وَهَذَا من التَّأْوِيل الْبَاطِل. وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ أهل السّنة أَن معنى الْمحبَّة غير معنى الْإِرَادَة، وَالله سُبْحَانَهُ مَوْصُوف بهَا على الْوَجْه الَّذِي يَلِيق بجلاله، ومحبته لَا تشابه محبَّة خلقه، كَمَا أَن إِرَادَته لَا تشابه إِرَادَة خلقه وَهَكَذَا سَائِر صِفَاته، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير) . وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع التَّفْصِيل فِي هَذَا الْمَوْضُوع إِلَّا أَن عَلامَة الجزيرة الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن باز - حفظه الله - قد علق على تَأْوِيله فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات بحوالى سِتَّة مَوَاضِع فِي الْجُزْء الأول من الْفَتْح فَقَط.

مذْهبه الفقهي: كَانَ الْحَافِظ - رَحمَه الله - شافعيا بِاتِّفَاق المصادر إِلَّا أَن الكتاني ذكر، نقلا عَن مَا فِي ثَبت الشهَاب أَحْمد بن الْقَاسِم الْبونِي: " إِن الْحَافِظ انْتقل فِي آخر عمره لمَذْهَب مَالك، وَقَالَ (أَي الْبونِي) : رَأَيْت ذَلِك بِخَطِّهِ فِي مَكَّة المكرمة ". وَقَالَ الكتاني: وَلَعَلَّ رُجُوعه فِي مَسْأَلَة أَو مَسْأَلَتَيْنِ وَالله أعلم وَلَا شكّ أَن أدوات الِاجْتِهَاد قد اجْتمعت لَدَيْهِ، وَهُوَ يَقْتَدِي بالأئمة وَلَا يقلدهم وشتان مَا بَين الِاثْنَيْنِ، فَهُوَ يوازن بَين الْأَدِلَّة وَيَأْخُذ بأرجحها، حَتَّى وَإِن لم توَافق السَّادة الشَّافِعِيَّة. وَفَاته: قدم الْحَافِظ ابْن حجر - رَحمَه الله - خدمات جليلة للْحَدِيث النَّبَوِيّ وعلومه، أَكثر من نصف قرن. وَصَارَ أعجوبة الدُّنْيَا، ولقب بِالْحَافِظِ وَشَيخ الْإِسْلَام لعلمه الغزير، وكفاءته فِي كل ميدان من ميادين الدّين وَالْعلم. فِي آخر حَيَاته، أُصِيب بالإمساك، وَقد دَامَ أَكثر من شهر، حَيْثُ أُصِيب بإسهال وَرمى دم (ديسانتري) غير أَن السخاوي يَقُول: " وَلَا استبعد أَنه أكْرم بِالشَّهَادَةِ، فقد كَانَ الطَّاعُون قد ظهر ... " ووافاه الْأَجَل وَلحق بالرفيق الْأَعْلَى فِي أَوَاخِر شهر ذِي الْحجَّة من سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثمان مائَة.

وَاخْتلف مترجموه فِي تَحْدِيد تأريخ وَفَاته مَا بَين الثَّامِن وَالْعِشْرين، وَالتَّاسِع عشر وَالثَّامِن عشر من ذِي الْحجَّة. وَكَانَ يَوْم مَوته عَظِيما على الْمُسلمين وَحَتَّى على أهل الذِّمَّة. شيعته الْقَاهِرَة إِلَى مدفنه، وَقدر أحد الأذكياء أَنه اشْترك فِيهِ نَحْو خمسين ألفا. تزاحم الْأُمَرَاء والأكابر على حمل نعشه، وَمَشى إِلَى تربته من لم يمش نصف مسافتها قطّ. وَصلى عَلَيْهِ بمصلاة بكتمر المؤمنى حَيْثُ أَمر السُّلْطَان الظَّاهِر جقمق بِأَن يحضر إِلَى هُنَاكَ ليصلى عَلَيْهِ، وَتقدم فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ الْخَلِيفَة بِإِذن من السُّلْطَان. وَدفن - رَحمَه الله - تجاه تربة الديلمي بتربة بني الخروبي، بَين مقَام الشَّافِعِي ومقام سَيِّدي مُسلم السّلمِيّ. وَتَقَع تربته على بعد (1500) م من مقَام الإِمَام الشَّافِعِي. اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ وارحمه واعفه واعف عَنهُ وَأكْرم نزله ووسع مدخله {}

خلاصة الأخبار في الخضر

خُلَاصَة الْأَخْبَار فِي الْخضر اسْمه وَنسبه: اخْتلف الْعلمَاء المؤرخون فِي اسْم الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - وَنسبه على أَكثر من عشرَة أَقْوَال وَأشهر أَسْمَائِهِ: بليابن ملكان. وكنيته أَبُو الْعَبَّاس. وَهُوَ مَعْرُوف بلقبه الْخضر. سَبَب تَسْمِيَته بالخضر: يُوجد فِي مصَادر التَّفْسِير والْحَدِيث والتأريخ سببان لتسميته بالخضر. 1. مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهم، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - قَالَ: " إِنَّمَا سمي الْخضر، لِأَنَّهُ جلس على فَرْوَة بَيْضَاء، فَإِذا هِيَ تهتز من خَلفه خضراء ". 2. قَالَ الْخطابِيّ: " إِنَّمَا سمي الْخضر خضرًا، لحسنه وإشراقه ". قَالَ ابْن كثير: هَذَا لَا ينافى مَا ثَبت فِي الصَّحِيح، فَإِن كَانَ وَلَا بُد من التَّعْلِيل بِأَحَدِهِمَا، فَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح أولى وَأقوى، بل لَا يلْتَفت إِلَى مَا عداهُ.

الخضر المعروف هو صاحب موسى بن عمران عليهما السلام

الْخضر الْمَعْرُوف هُوَ صَاحب مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِمَا السَّلَام وَقد ورد بعض الْخلاف فِي الْخضر، هَل صَاحبه مُوسَى بن عمرَان - عَلَيْهِ السَّلَام - أم غَيره؟ ومنشأ هَذَا الْخلاف بَين المؤرخين هُوَ بعض الرِّوَايَات الإسرائيلية والتأريخية الَّتِي ورد فِيهَا: " أَن مُوسَى بن مِيشَا بن يُوسُف بن يَعْقُوب، نَبِي قبل مُوسَى بن عمرَان، وَأَنه هُوَ الَّذِي طلب الْخضر بن ملكان ... " وَهُوَ قَول سَاقِط مَرْجُوح سندا وتأريخا. وَالصَّحِيح الرَّاجِح فِي ضوء النُّصُوص الحديثية والتأريخية الصَّحِيحَة، أَن مُوسَى بن عمرَان - عَلَيْهِ السَّلَام - الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة، هُوَ صَاحب الْخضر الْمَعْرُوف الْوَارِد قصَّته مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام - فِي سُورَة الْكَهْف. وَقد روى الشَّيْخَانِ - البُخَارِيّ وَمُسلم - فِي صَحِيحَيْهِمَا من طَرِيق سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَن نَوْفًا الْبكالِي يزْعم أَن الْخضر، لَيْسَ بِصَاحِب مُوسَى فَقَالَ: " كذب عَدو الله ". وَلم يقل ذَلِك ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِيهِ إِلَّا على وَجه

الخضر: ملك أو ولي أو نبي

الإغلاظ، لمُخَالفَته قَول رَسُول الله - الثَّابِت بِأَن الْخضر هُوَ صَاحب مُوسَى بن عمرَان - عَلَيْهِمَا السَّلَام - وَقد غضب ابْن عَبَّاس على قَوْله هَذَا، وَقَالَ: " كذب عَدو الله " لشدَّة إِنْكَاره عَلَيْهِ. وَفِي حَال الْغَضَب تطلق الْأَلْفَاظ، وَلَا ترَاد بهَا حقائقها. الْخضر: ملك أَو ولي أَو نَبِي اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ والمؤرخون فِي الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - بِهَذَا الصدد على ثَلَاثَة أَقْوَال مشهوره: القَوْل الأول: إِنَّه ملك من الْمَلَائِكَة، يتَصَوَّر فِي صور الْآدَمِيّين مغيرا ذاتا. قَالَ النَّوَوِيّ: " هَذَا غَرِيب بَاطِل ". وَقَالَ ابْن كثير: " هَذَا غَرِيب جدا ". القَوْل الثَّانِي: أَنه ولي ذهب إِلَيْهِ جمَاعَة من الصُّوفِيَّة وَغَيرهم. وَقَالَ بِهِ أَبُو عَليّ بن أبي مُوسَى من الْحَنَابِلَة، وَأَبُو بكر الْأَنْبَارِي، وَأَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي.

ويلاحظ أَن كثيرا مِنْهُم يفضلون الْوَلِيّ - فِي زعمهم - إِمَّا مُطلقًا، وَإِمَّا من بعض الْوُجُوه، على النَّبِي، زاعمين أَن فِي قصَّة الْخضر مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - الْوَارِدَة فِي سُورَة الْكَهْف، حجَّة لَهُم. وَمِمَّنْ يفضل بعض الْأَوْلِيَاء، أَمْثَال الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام، على الْأَنْبِيَاء: الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي كتاب ختم الْأَوْلِيَاء. قَالَ: " يكون فِي آخر الْأَوْلِيَاء، من هُوَ أفضل من الصَّحَابَة، " وَرُبمَا لوح بِشَيْء من ذكرالأنبياء، فَقَامَ عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ، وأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ، ونفوه من الْبَلَد بِسَبَب ذَلِك: وَمِنْهُم: سعد الدّين بن حمويه وَابْن عَرَبِيّ صَاحب الفصوص والفتوحات المكية الْقَائِل: (مقَام النُّبُوَّة فِي برزخ ... فويق الرَّسُول وَدون الْوَلِيّ) الرَّد على تَفْضِيل الْولَايَة على النُّبُوَّة والرسالة: وَقد رد شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله - على خزعبلات الصُّوفِيَّة فِي تَفْضِيل الْوَلِيّ على النَّبِي، ردا جميلا، وحلل النواحي الْمُتَعَلّقَة بذلك تحليلا دَقِيقًا حَيْثُ قَالَ: " قد أجمع الْمُسلمُونَ على أَن مُوسَى أفضل من الْخضر. فَمن قَالَ: إِن الْخضر أفضل، فقد كفر، وَسَوَاء قيل: إِن الْخضر نَبِي أَو ولي. وَالْجُمْهُور على أَنه لَيْسَ بِنَبِي. بل أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل الَّذين اتبعُوا التَّوْرَاة، وَذكرهمْ الله تَعَالَى كداود وَسليمَان أفضل من الْخضر. بل، على قَول الْجُمْهُور: إِنَّه لَيْسَ بِنَبِي، فَأَبُو بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أفضل مِنْهُ.

وَكَونه يعلم مسَائِل لَا يعلمهَا مُوسَى، لَا يُوجب أَن يكون أفضل مِنْهُ مُطلقًا. كَمَا أَن الهدهد قَالَ لِسُلَيْمَان: (أحطت بِمَا لم تحط بِهِ) لم يكن أفضل من سُلَيْمَان. وكما أَن الَّذين كَانُوا يُلَقِّحُونَ النّخل، لما كَانُوا أعلم بتلقيحه من النَّبِي - لم يجب من ذَلِك أَن يَكُونُوا أفضل مِنْهُ -، وَقد قَالَ لَهُم: " وَأَنْتُم أعلم بِأَمْر دنياكم، وَأما مَا كَانَ من أَمر دينكُمْ فَإِلَيَّ. " وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي - رَضِي الله عَنْهُم - كَانُوا يتعلمون مِمَّن هم دونهم علم الدّين الَّذِي هُوَ عِنْدهم. وَقد قَالَ -: " لم يبْق بعدِي من النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة. " وَمَعْلُوم أَن ذُرِّيتهمْ فِي الْعلم أفضل مِمَّن حصلت لَهُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة. وَغَايَة الْخضر أَن يكون عِنْده من الْكَشْف مَا هُوَ جُزْء من أَجزَاء النُّبُوَّة، فَكيف يكون أفضل من نَبِي؟ فَكيف بالرسول؟ فَكيف بِأولى الْعَزْم "؟ ! وَقَالَ - رَحمَه الله -: " قَول الْقَائِل: إِنَّه نقيب الْأَوْلِيَاء، فَيُقَال: لَهُ من ولاه النقابة. وَأفضل الْأَوْلِيَاء أَصْحَاب مُحَمَّد - وَلَيْسَ فيهم الْخضر ". وَقَالَ: " وَمن

قَالَ: إِنَّه نقيب الْأَوْلِيَاء، أَو إِنَّه يعلمهُمْ كلهم فقد قَالَ الْبَاطِل ". وَقَالَ بعد ذكر كَلَام الصُّوفِيَّة فِي تَفْضِيل الْولَايَة على النُّبُوَّة: " وكل هَذِه المقالات فِي أعظم الجهالات والضلالات، بل من أعظم أَنْوَاع النِّفَاق والإلحاد وَالْكفْر. " وَقَالَ: وَقد يحْتَج بَعضهم بِقصَّة مُوسَى وَالْخضر، ويظنون أَن الْخضر خرج عَن الشَّرِيعَة. وهم فِي هَذَا ضالون من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْخضر لم يخرج عَن الشَّرِيعَة، بل الَّذِي فعله كَانَ جَائِزا فِي شَرِيعَة مُوسَى، وَلِهَذَا لما بَين لَهُ الْأَسْبَاب أقره على ذَلِك. وَلَو لم يكن جَائِزا لما أقره، وَلَكِن لم يكن مُوسَى يعلم الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا أبيحت تِلْكَ. فَظن أَن الْخضر كالملك الظَّالِم، فَذكر ذَلِك لَهُ الْخضر. وَالثَّانِي: أَن الْخضر لم يكن من أمة مُوسَى، وَلَا كَانَ يجب عَلَيْهِ مُتَابَعَته، بل قَالَ لَهُ: إِنِّي على علم من علم الله علمنيه الله لَا تعلمه، وَأَنت على علم من علم الله علمكه الله لَا أعلمهُ. وَذَلِكَ أَن دَعْوَة مُوسَى لم تكن عَامَّة. فَإِن النَّبِي كَانَ يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة، وَمُحَمّد - بعث إِلَى النَّاس كَافَّة. بل بعث إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ بَاطِنا وظاهرا؛ فَلَيْسَ لأحد أَن يخرج عَن طَاعَته ومتابعته، لَا فِي الْبَاطِن، وَلَا فِي الظَّاهِر، لَا من الْخَواص وَلَا من الْعَوام ". كَلَام نَفِيس لشارح العقيدة الطحاوية: قَالَ - رَحمَه الله -: " وَأما من يتَعَلَّق بِقصَّة مُوسَى مَعَ الْخضر - عَلَيْهِمَا السَّلَام - فِي تَجْوِيز الِاسْتِغْنَاء عَن الْوَحْي بِالْعلمِ اللدني، الَّذِي يَدعِيهِ بعض من عدم التَّوْفِيق، فَهُوَ ملحد زنديق. فَإِن مُوسَى - عَلَيْهِ

السَّلَام - لم يكن مَبْعُوثًا إِلَى الْخضر. وَلم يكن الْخضر مَأْمُورا بمتابعته وَلِهَذَا قَالَ: لَهُ: أَنْت مُوسَى بني إِسْرَائِيل؟ قَالَ: نعم. وَمُحَمّد - مَبْعُوث إِلَى جَمِيع الثقلَيْن، وَلَو كَانَا مُوسَى وَعِيسَى حيين لكانا من أَتْبَاعه، وَإِذا نزل عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - إِلَى الأَرْض، إِنَّمَا يحكم بشريعة مُحَمَّد [] . فَمن ادّعى أَنه مَعَ مُحَمَّد - كالخضر مَعَ مُوسَى، أَو جوز ذَلِك لأحد من الْأمة، فليجدد إِسْلَامه، وليشهد شَهَادَة الْحق، فَإِنَّهُ مفارق لدين الْإِسْلَام بِالْكُلِّيَّةِ، فضلا عَن أَن يكون من أَوْلِيَاء الله، وَإِنَّمَا هُوَ من أَوْلِيَاء الشَّيْطَان. وَهَذَا الْموضع مفرق بَين زنادقة الْقَوْم وَأهل الاسْتقَامَة. القَوْل الثَّالِث: أَنه نَبِي، قَالَه جُمْهُور الْعلمَاء الْمُحَقِّقين. قَالَ الثَّعْلَبِيّ: هُوَ نَبِي فِي جَمِيع الْأَقْوَال. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْخضر نَبِي عِنْد الْجُمْهُور. وَقَالَ الْحبرِي الْمُفَسّر وَأَبُو عمر: هُوَ نَبِي. وَذكر الآلوسي نبوته عِنْد الْجُمْهُور وَقد رجح الْحَافِظ ابْن حجر - رَحمَه الله - أَيْضا فِي هَذِه الرسَالَة أَنه نَبِي، وَقَالَ:

" وَكَانَ بعض أكَابِر الْعلمَاء يَقُول: أول عقدَة تحل من الزندقة اعْتِقَاد كَون الْخضر نَبيا، لِأَن الزَّنَادِقَة يتذرعون بِكَوْنِهِ غير نَبِي، إِلَى أَن الْوَلِيّ أفضل من النَّبِي كَمَا قَالَ قَائِلهمْ: (مقَام النُّبُوَّة فِي برزخ ... فويق الرَّسُول وَدون الْوَلِيّ) . الْأَدِلَّة على نبوة الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام -: إِذا تَأمل الْقَارِي فِي أَمر الْخضر، لوجد أَدِلَّة عديدة من الْكتاب وَالسّنة على نبوته. من الْكتاب: يدل سِيَاق قصَّة الْخضر مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَام - الْوَارِدَة فِي سُورَة الْكَهْف من الْقُرْآن الْكَرِيم، على نبوته من وُجُوه: (1) قَوْله تَعَالَى: (فوجدا عبدا من عبادنَا، آتيناه رَحْمَة من عندنَا، وعلمناه من لدنا علما) . ذكر الآلوسي فِي تَفْسِير (رَحْمَة من عندنَا) ثَلَاثَة أَقْوَال، أَشَارَ إِلَى تضعيفها كلهَا. ثمَّ قَالَ: " وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا الْوَحْي والنبوة، وَقد أطلقت على ذَلِك فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن، وَأخرج ذَلِك ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس ... . والمنصور مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور، وشواهده من الْآيَات وَالْأَخْبَار كَثِيرَة، بمجموعها يكَاد يحصل الْيَقِين ".

(2) قَول مُوسَى لَهُ: (هَل أتبعك على أَن تعلمني مِمَّا علمت رشدا، قَالَ: إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا، وَكَيف تصبر على مالم تحط بِهِ خَبرا، قَالَ: ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا، وَلَا أعصي لَك أمرا، قَالَ: فَإِن اتبعتني فَلَا تسالني عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا) . فَلَو كَانَ وليا وَلَيْسَ بِنَبِي، لم يخاطبه مُوسَى بِهَذِهِ المخاطبة، وَلم يرد على مُوسَى هَذَا الرَّد، بل مُوسَى إِنَّمَا سَأَلَ صحبته لينال مَا عِنْده من الْعلم الَّذِي اختصه الله بِهِ دونه، فَلَو كَانَ غير نَبِي لم يكن مَعْصُوما، وَلم تكن لمُوسَى وَهُوَ نَبِي عَظِيم وَرَسُول كريم وَاجِب الْعِصْمَة كَبِير رَغْبَة وَلَا عَظِيم طلبة فِي علم ولي غير وَاجِب الْعِصْمَة. . (3) إِن الْخضر أقدم على قتل ذَلِك الْغُلَام. وَمَا ذَلِك إِلَّا للوحي إِلَيْهِ من الله عز وَجل: وَهَذَا دَلِيل مُسْتَقل على نبوته، وبرهان ظَاهر على عصمته، لِأَن الْوَلِيّ لَا يجوز لَهُ الْإِقْدَام على قتل النُّفُوس بِمُجَرَّد مَا يلقِي فِي خلده، لِأَن خاطره لَيْسَ بِوَاجِب الْعِصْمَة، إِذْ يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ بالِاتِّفَاقِ. (4) لما فسر الْخضر تَأْوِيل تِلْكَ الأفاعيل لمُوسَى، ووضح لَهُ عَن حَقِيقَة أمره قَالَ بعد ذَلِك كُله: (رَحْمَة من رَبك وَمَا فعلته عَن أَمْرِي) . يَعْنِي مَا فعلته من تِلْقَاء نَفسِي، بل أمرت بِهِ، وأوحي الي فِيهِ. (5) قَالَ الله عز وَجل: (عَالم الْغَيْب فَلَا يظْهر على غيبه أحدا، إِلَّا من

ارتضى من رَسُول) . وَقد دلّت قصَّة الْخضر مَعَ مُوسَى أَنه كَانَ مظْهرا على الْغَيْب، وَلَيْسَ ذَلِك لأحد من الْأَوْلِيَاء. من السّنة: 1 - قَوْله -: " وددت أَن مُوسَى صَبر؛ حَتَّى يقص علينا من أَمرهمَا ". فِي تمني النَّبِي - هَذَا للاطلاع على مَا يَقع بَينهمَا، دَلِيل على أَن الْخضر كَانَ موحى إِلَيْهِ، وَلَو لم يكن كَذَلِك لما جَازَ هَذَا التَّمَنِّي بِأَن ينْتَظر النَّبِي - أمرا غير موحى من إِنْسَان غير موحى إِلَيْهِ. 2 - تَأْوِيل الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - فِي قتل الْغُلَام كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: " وَأما الْغُلَام فطبع يَوْم طبع كَافِرًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ قد عطفا عَلَيْهِ، فَلَو أَنه أدْرك أرهقهما طغيانا وَكفرا. فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما ". وَزَاد فِي رِوَايَة: " وَوَقع أَبوهُ على أمه، فَحملت فَولدت مِنْهُ خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما ". إخْبَاره - عَلَيْهِ السَّلَام - أَن الْغُلَام طبع كَافِرًا وَأَن أَبَاهُ وَقع على أمه فَحملت وَولدت خيرا مِنْهُ لَهو من الْأُمُور الغيبية الْمَحْضَة الَّتِي لَا مجَال للاطلاع عَلَيْهَا إِلَّا من طَرِيق النُّبُوَّة وَالْوَحي. فَذَلِك من أقوى الْأَدِلَّة على أَنه كَانَ نَبيا،

إِن لم يكن رَسُولا. 3 - وَمن ذَلِك قَول النَّبِي الله -: " لما لقى مُوسَى الْخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام، جَاءَ طير فَألْقى منقاره فِي المَاء. فَقَالَ الْخضر لمُوسَى: تَدْرِي مَا يَقُول هَذَا الطير؟ قَالَ: وَمَا يَقُول؟ قَالَ: يَقُول: مَا علمك وَعلم مُوسَى فِي علم الله إِلَّا كَمَا أَخذ منقاري من المَاء؟ فَهَذَا صَرِيح فِي أَن الْخضر قد علم منطق الطير، وَهُوَ من الْغَيْب الَّذِي لَا يُعلمهُ الْبشر فَهُوَ فِي هَذَا على نَحْو النَّبِي سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - الَّذِي حكى الله عَنهُ فِي الْقُرْآن: (يَا أَيهَا النَّاس علمنَا منطق الطير) . 4 - حَدِيث أبي ابْن كَعْب الَّذِي ورد فِيهِ " بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلأ من بني اسرائيل إِذْ جَاءَهُ رجل، فَقَالَ: هَل تعلم أحدا أعلم مِنْك؟ قَالَ مُوسَى: لَا. فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: بلَى، عَبدنَا خضر { إِن دلّ تَخْصِيص الله عز وَجل بِتِلْكَ الْأُمُور الغيبية بالخضر دون مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَام - مَعَ أَنه من أولي الْعَزْم من الرُّسُل فَإِنَّمَا يدل على نبوة الْخضر، وَيُؤَيِّدهُ سِيَاق هَذَا الحَدِيث حَيْثُ قَالَ الله عز وَجل " بلَى عَبدنَا خضر} ". وَالله تَعَالَى أعلم.

سبب استمرار حياته لدى من يرى ذلك

سَبَب اسْتِمْرَار حَيَاته لَدَى من يرى ذَلِك ذكر المؤرخون سببين لتعميره، واستمرار حَيَاته: أَحدهمَا: أَنه دفن آدم بعد خُرُوجهمْ من الطوفان، فنالته دَعْوَة أَبِيه آدم بطول الْحَيَاة. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِنَّه لَو كَانَ قبل نوح، لركب مَعَه فِي السَّفِينَة. وَلم ينْقل هَذَا أحد. وَكَذَلِكَ اتّفق الْعلمَاء أَنه لم يبْق غير نسل نوح بعد نُزُوله من السَّفِينَة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: (وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ) فَأَيْنَ كَانَ الْخضر؟ وَالثَّانِي: أَنه بلغ مَعَ ذِي القرنين نهر الْحَيَاة، فَشرب من مَائه وَهُوَ لَا يعلم، وَلَا يعلم ذُو القرنين وَمن مَعَه، فخلد، فَهُوَ حَيّ عِنْدهم إِلَى الْآن. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: " قد روى عَن أهل الْكتاب أَنه شرب من مَاء الْحَيَاة، وَلَا يوثق بقَوْلهمْ ". آراء الْقَائِلين باستمرار حَيَاته قد وَردت طَائِفَة كَبِيرَة من الْأَخْبَار والحكايات، تحتوي على لقاءات " الصَّالِحين " مَعَه، وزياراتهم إِيَّاه فِي الفلوات والبراري، والأودية والصحارى؛

وعَلى رحلاته وتنقلاته من بلد إِلَى بلد، وَأَحَادِيثه مَعَ النَّاس، وبذله النصح لَهُم، وتعليمه الْأَدْعِيَة إيَّاهُم وَمَا شاكل ذَلِك. كَمَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْكتاب بالتفصيل مَعَ الرَّد عَلَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيّ: " اخْتلفُوا فِي حَيَاة الْخضر نبوته. قَالَ الْأَكْثَرُونَ من الْعلمَاء هُوَ حَيّ مَوْجُود بَين أظهرنَا، وَذَلِكَ مُتَّفق عَلَيْهِ عِنْد " الصُّوفِيَّة "، و " أهل الصّلاح والمعرفة " وحكاياتهم فِي رُؤْيَته والاجتماع بِهِ، وَالْأَخْذ مِنْهُ، وسؤاله، وَجَوَابه، ووجوده الْمَوَاضِع الشَّرِيفَة ومواطن الْخَيْر " أَكثر من أَن تحصى وَأشهر من أَن تذكر ". وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح: هُوَ حَيّ عِنْد جَمَاهِير " الْعلمَاء الصَّالِحين " والعامة مِنْهُم؛ وَإِنَّمَا شَذَّ بإنكاره بعض الْمُحدثين. وَأنْشد السُّيُوطِيّ فِي جَوَاب مَسْأَلَة عَن الْخضر: (للنَّاس خلف شاع فِي الْخضر وَهل ... أودى قَدِيما أوحى بِبَقَاء) (وَلكُل قَول حجَّة مَشْهُورَة ... تسمو على الجوزاء فِي العلياء) (والمرتضى قَول الْحَيَاة فكم لَهُ ... حجج تجل الدَّهْر عَن إحصاء) (خضر وإلياس بِأَرْض مثل مَا ... عِيسَى وَإِدْرِيس بقوا بسماء) (هَذَا جَوَاب ابْن السُّيُوطِيّ الَّذِي ... يَرْجُو من الرَّحْمَن خير جَزَاء) وروى عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -: " نسى للخضر فِي أَجله حَتَّى يكذب الدَّجَّال ".

(هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ) . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: " يُقَال إِن الْخضر لَا يَمُوت إِلَّا فِي آخر الزَّمَان عِنْد رفع الْقُرْآن ". (قلت: لَيْسَ عَلَيْهِ أَي دَلِيل من الْكتاب وَالسّنة) . المناقشة فِي اسْتِمْرَار حَيَاته: لَا يخفى على طَالب الحَدِيث الَّذِي لَهُ أدنى إِلْمَام بقواعد نقد الحَدِيث، أَن الْأَحَادِيث المرفوعة والموقوفة، فِي اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر، وَكَذَلِكَ الْأَخْبَار والحكايات الْوَارِدَة بِهَذَا الصدد، واهية الصُّدُور والإعجاز لَا تقوم بِمِثْلِهَا حجَّة، كَمَا هُوَ مُقَرر فِي قَوَاعِد النَّقْد والتمحيص والبحث والدراسة. وسيتضح على القاريء الْكَرِيم من مطالعة هَذَا الْكتاب، زيف هَذِه الرِّوَايَات فِي ضوء دراسة أسانيدها وفحص متونها، إِن شَاءَ الله. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ - رَحمَه الله -: " اعْلَم - وفقك الله - أَن البلية فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء تقع من ثَلَاث جِهَات: (أَحدهَا) : الْجَهْل بالمنقولات، فترى خلقا كثيرا، يروون الشَّيْء مُسْندًا فيبنون عَلَيْهِ، وَلَا يعْرفُونَ صِحَّته من سقمه. وَهَذِه عِلّة قد عَمت جُمْهُور الْعلمَاء - الْيَوْم - فِي كل فن من الْعُلُوم، فَإِذا قيل لأَحَدهم؛ قَالَ: هُوَ سَمَاعي، وَعِنْدِي بِإِسْنَاد. وَكم قد أَدخل فِي حَدِيث رَسُول الله - مَا لَيْسَ مِنْهُ. فَكيف بِمثل هَذَا! ؟ (وَالثَّانيَِة) : سَلامَة الصُّدُور وَكَثْرَة الْغَفْلَة، عِنْد قوم من الأخيار، فَيرى أحدهم شخصا فيغيب عَنهُ، أَو يرى مِنْهُ مَا يشبه الْكَرَامَة - وَقد سمع أَقْوَامًا يَقُولُونَ:

الْخضر حَيّ - فَيَقُولُونَ: رَأينَا الْخضر. وَرُبمَا رأى أحدهم شخصا اسْمه الْخضر، فيتوهمه خضر مُوسَى. وَرُبمَا لقِيه شَيْطَان من الْإِنْس أَو من الْجِنّ، فَقَالَ لَهُ: أَنا الْخضر، يرِيه أَنَّك رجل صَالح. (وَالثَّالِثَة) : حب الصيت وَالذكر، وَهُوَ يخْتَص بالملتمسين، فَيَقُول قَائِلهمْ: لقِيت الْخضر، يَجْعَل لَهُ جاها بَين الْعَوام، وَهَؤُلَاء قد اختصروا على دنى الثِّيَاب. ليروا بِعَين الزّهْد، واستعملوا خشوع الْأَبدَان، ليقال عَنْهُم أهل تقوى، وَلم يتعبوا جوارحهم فِي التَّعَبُّد، وَأَن التَّعَبُّد نصب صَعب، وادعاء زهد نصيب سهل، وَقد حذرت مِنْهُ فِي كتابي الْمُسَمّى بتلبيس ابليس. لَا شكّ أَن ابْن الْجَوْزِيّ - رَحمَه الله - حلل النُّصُوص الْوَارِدَة فِي حَيَاة الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - تَحْلِيل ناقد بَصِير، وَقد كتب كتابا مُسْتقِلّا فِي حَيَاته ثمَّ لخصه فِي رِسَالَة مختصرة. تَعْبِير صِيغ الْأَقْوَال فِي بَقَائِهِ ولقائه: وَيصدق تَحْلِيله على هَذَا مَا أحصيته، من أَنْوَاع الادعاءات المتنوعة بلقاء الْخضر، الَّتِي لَا يُوجد فِيهَا الْجَزْم بِأَن الشَّخْص الَّذِي لقِيه الْمُدَّعِي كَانَ الْخضر فِي الْحَقِيقَة. وَيُمكن تَلْخِيص هَذِه الادعاءات فِي النقاط التالية: 1 - الْخضر بِنَفسِهِ يَقُول لمن رَآهُ: أَنا الْخضر 2 - رؤوا شخصا مَجْهُولا، فَغَاب، فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه الْخضر 3 - رأى الرجل الْمُدعى للقاء الْخضر رجلا، فَظَنهُ، أَو خيل إِلَيْهِ، أَو وَقع فِي نَفسه أَنه الْخضر 4 - رؤوا رجلا فَقَالُوا: هَذَا الْخضر أَو إلْيَاس؛ أَو مَا أشبه أَن يكون هَذَا الْخضر أَو إلْيَاس، أَو بعض هَؤُلَاءِ الأبدال. 5 - الرجل الثَّالِث يخبر من لقى أحدا من المجهولين، أَو سمع صَوت أحد، على صفة خَاصَّة، بقوله هَل تَدْرُونَ من هَذَا؟ هَذَا الْخضر! أَو أَنَّك لقِيت الْخضر. 6 - الرجل بِنَفسِهِ يخبر الآخرين بِأَنِّي رَأَيْت الْخضر، أَو لقِيت الْخضر، أَو حَدثنِي الْخضر أَو عَلمنِي الْخضر. 7 - رؤوا رجلا مَجْهُولا يعْمل عملا مجيدا، فَقَالُوا: ماهو إِلَّا الْخضر. 8 - خَافَ الشَّخْص من قَول رجل، فَقَالَ لَهُ الْخَائِف: مَا علمك هَذَا القَوْل إِلَّا الْخضر. هَذِه هِيَ الملامح الرئيسية فِي الرِّوَايَات الْوَارِدَة فِي وجود الْخضر واستمرار حَيَاته حَتَّى الْيَوْم. وبمجرد أدنى تفكير فِي سياقها ينْكَشف زيفها، وَضعف أساليبها، وَعدم دلالتها على الْمَعْنى الْمَقْصُود، وَهُوَ اسْتِمْرَار حَيَاته؛ وبالتالي تتبخر ادعاءات لقائهم وزياراتهم لَهُ، فِي " الأودية والصحارى "، و " الْمَوَاضِع الشَّرِيفَة

ومواطن الْخَيْر. " وَمَا إِلَى ذَلِك. وَلذَلِك بعد دراسة هَذِه الرِّوَايَات قَالَ ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله -: " وَعَامة مَا يحْكى فِي هَذَا الْبَاب من الحكايات: بَعْضهَا كذب، وَبَعضهَا بنى على ظن رجل، مثل شخص رأى رجلا ظن أَنه الْخضر. وَقَالَ: إِنَّه الْخضر، كَمَا أَن الرافضة ترى شخصا تظن أَنه الإِمَام المنتظر الْمَعْصُوم، أَو تَدعِي ذَلِك. " وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ - رَحمَه الله -: " فوا عجبا! ألهم فِيهِ عَلامَة يعْرفُونَ بهَا؟ وَهل يجوز لعاقل أَن يلقى شخصا، فَيَقُول لَهُ الشَّخْص: أَنا الْخضر، فيصدقه. ". وَقْفَة مَعَ الصُّوفِيَّة فِي حَيَاة الْخضر: رُبمَا يحْتَج الْقَائِلُونَ بحياته بِكَلَام الصُّوفِيَّة، وَإِنَّمَا يحْتَج بِهَذَا من لَيْسَ لَهُ معرفَة باصطلاحات الصُّوفِيَّة، وإشاراتهم وَذَلِكَ أَن لَهُم اصْطِلَاحَات مَخْصُوصَة قد ألفوا لَهَا كتبا يعرف مِنْهَا. وكشف النقاب عَن هَذِه المسئلة على مصطلحهم أَنهم يشيرون إِلَى مقَام الْأنس والصفاء والانشراح بالخضر؛ وَإِلَى مقَام الْيَأْس وَالْقَبْض بإلياس. وَمثل هَذَا مَا يحْكى عَن الْإِسْكَنْدَر أَنه دخل الظُّلُمَات، وَكَانَ الْخضر وزيره فَأخذ يبْحَث عَن عين الْحَيَاة فظفر بهَا الْخضر فَشرب مِنْهَا فحيى حَيَاة الْأَبَد وَلم يظفر بهَا إلاسكندر. وَهَذَا - على اصطلاحهم - بِظَاهِرِهِ بَاطِل، وَحَقِيقَته أَن الأقدمين ضربوه مِثَالا للروح وسموها الْخضر، وللجسم وسموها الْإِسْكَنْدَر، فَكل من الْجِسْم وَالروح حَرِيص على الْبَقَاء فِي دَار الدُّنْيَا، إِلَّا أَن الرّوح نَالَتْ أمنيتها

فَلَا تفني، والجسد لم ينل أمْنِيته فَهُوَ الفاني. وَقد صرح بذلك كثير مِنْهُم، كَابْن عَرَبِيّ الطَّائِي فِي رِسَالَة كشف بهَا اصْطِلَاحه فِي الفتوحات. وَقد ذكر ابْن عَرَبِيّ، رَأس الطَّائِفَة الصُّوفِيَّة فِي تَفْسِير: (وَإِذ قَالَ مُوسَى لفتاه لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين أَو أمضي حقبا) " ظَاهره على مَا ذكر فِي الْقَصَص، وَلَا سَبِيل إِلَى إِنْكَار المعجزات ". أما بَاطِنه فَإِن يُقَال: وَإِذ قَالَ مُوسَى الْقلب لفتى النَّفس وَقت التَّعَلُّق بِالْبدنِ (لَا أَبْرَح) أَي لَا أَنْفك عَن السّير والمسافرة، أَو لَا أَزَال أَسِير (حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين) أَي ملتقى الْعَالمين، عَالم الرّوح وعالم الْجِسْم، وهما الْعَذَاب والأجاج فِي صُورَة إلانسانية ومقام الْقلب. ". وَقَالَ فِي تَفْسِير: (ذَلِك مَا كُنَّا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ... . .) أَي تملص الْحُوت، واتخاذه سَبيله الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي جبلته، مَا كُنَّا نطلبه، لِأَن هُنَاكَ مجمع الْبَحْرين الَّذِي وعد مُوسَى عِنْده بِوُجُود من هُوَ أعلم مِنْهُ، إِذْ الترقى إِلَى الْكَمَال بمتابعة الْعقل الْقُدسِي لَا يكون يلاقى هَذَا الْمقَام. (فارتدا على آثارهما) فِي الترقي إِلَى مقَام الْفطْرَة الأولى كَمَا كَانَا أَولا، " يقصان " أَي يتبعان آثارهما عِنْد الهبوط فِي الترقي إِلَى الْكَمَال، (فوجدا عبدا من عبادنَا) حَتَّى وجدا الْعقل الْقُدسِي، وَهُوَ عبد من عباد الله، مَخْصُوص بمزية عناية وَرَحْمَة: (آتيناه رَحْمَة من عندنَا) أَي كمالا معنويا بالتجرد عَن الْموَاد، والتقدس عَن الْجِهَات، والتورية الْمَحْضَة الَّتِي هِيَ آثَار الْقرب والعندية (علمناه من لدنا علما) من المعارف القدسية والحقائق الْكُلية اللدنية بِلَا وَاسِطَة تَعْلِيم بشري ". هَذَا تَفْسِيره للآيات الَّتِي تتَعَلَّق بمُوسَى وفتاه وَالْخضر - عَلَيْهِم

آراء المنكرين لاستمرار حياته

السَّلَام - وَلَا نجد ذكرهم فِي تَفْسِيره كَمَا ثَبت بالأحاديث الصَّحِيحَة، بل مُوسَى عِنْدهم الْقلب، وفتاه: النَّفس، وَالْخضر هُوَ الْعقل الْقُدسِي. هَكَذَا هم يَقُولُونَ بحياة الْخضر، ولقائهم وزيارتهم لَهُ، فَمن لَا يعرف اصطلاحهم يعْتَقد الْكَلَام على ظَاهره. وَفِي الْحَقِيقَة هم يُرِيدُونَ بِهِ خلاف الظَّاهِر. آراء المنكرين لاستمرار حَيَاته رَجَعَ الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَاب الحَدِيث وَالْعُلَمَاء الآخرين أَن الْخضر مَاتَ، كَمَا مَاتَ غَيره من الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ، مِنْهُم: الإِمَام البُخَارِيّ، وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، وَأَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي، وَشرف الدّين أَبُو عبد الله المرسي، وَأَبُو طَاهِر الْعَبَّادِيّ، وَأَبُو يعلي الْحَنْبَلِيّ، وَأَبُو الْفضل بن نَاصِر، وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ، وَأَبُو بكر بن النقاش، وَغَيرهم، رَحِمهم الله تَعَالَى. قَالَ ابْن قيم الجوزية: " لم يَصح فِي حَيَاته حَدِيث وَاحِد ". وستظهر صِحَة مَا قَالَه ابْن الْقيم من مطالعة هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله. وَقْفَة مَعَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فِي حَيَاة الْخضر: سُئِلَ ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله - عَن الْخضر وإلياس، هَل هما معمران؟ قَالَ: " إنَّهُمَا ليسَا فِي الْأَحْيَاء، وَلَا معمران، وَقد سَأَلَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَحْمد بن حَنْبَل عَن تعمير الْخضر وإلياس، يرويان، ويروي عَنْهُمَا فَقَالَ الإِمَام

تحقيق فتوى من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية

أَحْمد: " من أحَال على غَائِب لم ينصف مِنْهُ، وَمَا ألْقى هَذَا إِلَّا شَيْطَان. " وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ: " وَسُئِلَ البُخَارِيّ عَن الْخضر وإلياس، هَل هما فِي الْأَحْيَاء؟ فَقَالَ: كَيفَ يكون هَذَا، وَقد قَالَ النَّبِي -: " لَا يبْقى على رَأس مائَة سنة مِمَّن هُوَ الْيَوْم على ظهر الأَرْض أحد. " وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ: " وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَأَنه لم يدْرك الْإِسْلَام، وَلَو كَانَ مَوْجُودا فِي زمن النَّبِي - لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يُؤمن بِهِ ويجاهد مَعَه، كَمَا أوجب الله ذَلِك عَلَيْهِ وعَلى غَيره، ولكان يكون فِي مَكَّة وَالْمَدينَة ... . " وَقد نقل عَنهُ تِلْمِيذه ابْن الْقيم، فَقَالَ: " سُئِلَ عَنهُ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله - فَقَالَ: لَو كَانَ الْخضر حَيا لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يَأْتِي النَّبِي - ويجاهد بَين يَدَيْهِ، ويتعلم مِنْهُ. وَقد قَالَ النَّبِي - يَوْم بدر: " اللَّهُمَّ ان تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد فِي الأَرْض " وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر رجلا معروفين بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم، فَأَيْنَ كَانَ الْخضر حِينَئِذٍ " تَحْقِيق فَتْوَى من فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية مَعَ هَذِه الْأَقْوَال والآراء المثبوتة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي إِنْكَار حَيَاة الْخضر،

من فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية، نجد فَتْوَى من فَتَاوَاهُ مَا نَصهَا: سُئِلَ الشَّيْخ رَحمَه الله: هَل كَانَ الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - نَبيا أَو وليا؟ وَهل هُوَ حَيّ إِلَى الْآن؟ وَإِن كَانَ حَيا فَمَا تَقولُونَ فِيمَا روى عَن النَّبِي - أَنه قَالَ: " لَو كَانَ حَيا لزارني " هَل هَذَا الحَدِيث صَحِيح أم لَا؟ فَأجَاب: أما نبوته: فَمن بعد مبعث رَسُول الله - لم يُوح إِلَيْهِ، وَلَا إِلَى غَيره من النَّاس. وَأما قبل مبعث النَّبِي - فقد اخْتلف فِي نبوته. وَمن قَالَ: إِنَّه نَبِي، لم يقل: إِنَّه سلب النُّبُوَّة، بل يَقُول: هُوَ كإلياس نَبِي، وَلكنه لم يُوح إِلَيْهِ فِي هَذِه الْأَوْقَات، وَترك الْوَحْي إِلَيْهِ فِي مُدَّة مُعينَة لَيْسَ نفيا لحقيقة النُّبُوَّة، كَمَا لَو فتر الْوَحْي عَن النَّبِي - فِي أثْنَاء مُدَّة رسَالَته. وأكثرالعلماء على أَنه لم يكن نَبيا، مَعَ أَن نبوة من قبلنَا يقرب كثير مِنْهَا من الْكَرَامَة والكمال فِي الْأمة. وَإِن كَانَ كل وَاحِد من النَّبِيين أفضل من كل وَاحِد من الصديقين، كَمَا رتبه الْقُرْآن. وكما روى النَّبِي - أَنه قَالَ: " مَا طلعت الشَّمْس وَلَا غربت، على أحد بعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ أفضل

من أبي بكر الصّديق ". وروى عَنهُ - أَنه قَالَ: " إِن كَانَ الرجل ليسمع الصَّوْت فَيكون نَبيا ". وَفِي هَذِه الْأمة من يسمعهُ وَيرى الضَّوْء وَلَيْسَ بِنَبِي؛ لِأَن مَا يرَاهُ ويسمعه يجب أَن يعرضه على مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد - فَإِن وَافقه فَهُوَ حق، وان خَالفه تَيَقّن أَن الَّذِي جَاءَ من عِنْد الله يَقِين لَا يخالطه ريب، وَلَا يحوجه أَن يشْهد عَلَيْهِ بموافقة غَيره. وَأما حَيَاته: فَهُوَ حَيّ والْحَدِيث الْمَذْكُور لَا أصل لَهُ، وَلَا يعرف لَهُ إِسْنَاد بل الْمَرْوِيّ فِي مُسْند الشَّافِعِي وَغَيره:

أَنه اجْتمع بِالنَّبِيِّ -. وَمن قَالَ: إِنَّه لم يجْتَمع بِالنَّبِيِّ - فقد قَالَ مَا لَا علم لَهُ بِهِ، فانه من الْعلم الَّذِي لَا يحاط بِهِ. وَمن احْتج على وَفَاته بقول النَّبِي -: " أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه، فانه على رَأس مائَة سنة لَا يبْقى على وَجه الأَرْض مِمَّن هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْم أحد ". فَلَا حجَّة فِيهِ فَإِنَّهُ يُمكن أَن [لَا] يكون الْخضر اذ ذَاك على وَجه الأَرْض.

وَلِأَن الدَّجَّال، - وَكَذَلِكَ الْجَسَّاسَة - الصَّحِيح أَنه كَانَ حَيا مَوْجُودا على عهد النَّبِي - وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْم لم يخرج، وَكَانَ فِي جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر.

نقد الجزء الأخير من هذه الفتوى

نقد الْجُزْء الْأَخير من هَذِه الْفَتْوَى كل من لَهُ إِلْمَام بكتابات ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله - الَّتِي ترد على اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر، يفاجأ بالجزء الْأَخير من هَذِه الْفَتْوَى، الَّذِي يثبت حَيَاته، وَلَا يُوجد لَهُ مثنى فِي جَمِيع ارائه وكتاباته، ويجد نَفسه أَمَام عدَّة تساؤلات من أهمها: لماذا اسْتدلَّ ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله - هَهُنَا بِالْحَدِيثِ على اجْتِمَاع الْخضر بِالنَّبِيِّ -، وَقد رد على بَقَائِهِ فِي أَكثر من مَوضِع وَقَالَ: " وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، أَنه لم يدْرك الْإِسْلَام ... " فَكيف اجْتمع بِالنَّبِيِّ -. ولماذا أول - هَهُنَا - الحَدِيث الصَّحِيح " أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه ... " بِأَنَّهُ يُمكن أَن لَا يكون الْخضر اذ ذَاك على وَجه الأَرْض؛ وَقد نقل - رَحمَه الله - اسْتِدْلَال البُخَارِيّ - رَحمَه الله - بِالْحَدِيثِ نَفسه على عدم بَقَائِهِ، فِي فَتَاوَاهُ، وَسكت - هُنَاكَ - وَلم يرد عَلَيْهِ حسب عَادَته وَلَا على غَيره، أَيْضا مِمَّن نقل - رَحمَه الله - عَنْهُم، عدم بَقَاء الْخضر، كَالْإِمَامِ أَحْمد وَغَيره. ولماذا اسْتدلَّ بِحَدِيث النَّبِي - الْوَارِد فِي غَزْوَة بدر: " اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة، لَا تعبد فِي الأَرْض " على عدم بَقَائِهِ، بِحَيْثُ لَو كَانَ مَوْجُودا، لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يُجَاهد مَعَ النَّبِي - وَمَعَ أَصْحَابه - رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ - فِي هَذِه الفترة العصيبة من التَّارِيخ الإسلامي، الَّتِي مرت بِالْمُسْلِمين، حَتَّى قَالَ النَّبِي - قَوْله السَّابِق.

وَالْمُجَاهِدُونَ فِي هَذِه الْغَزْوَة الفاصلة بَين الْحق وَالْبَاطِل كَانُوا ثَلَاثَة عشر وثلاثمائة رجل، معروفين بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم ... فَأَيْنَ كَانَ الْخضر حِينَئِذٍ! ؟ ولماذا ترك تِلْمِيذه الملازم الْبَار شمس الدّين بن الْقيم، رأى أستاذه فِي اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر، وَنقل عَنهُ رَأْيه فِي عدم بَقَائِهِ فَقَط. ورد إِلَى ذَلِك أَنه ذكر فِي كِتَابه " أَسمَاء مؤلفات ابْن تَيْمِية " رِسَالَة فِي الْخضر هَل مَاتَ أم هُوَ حَيّ؟ ورسالة بعنوان التَّحْرِير فِي مسالة الْخضر (مُجَلد) . لَا بُد أَن تنشأ هَذِه التساؤلات وَغَيرهَا فِي ذهن القاريء، وتتطلب مِنْهُ الْإِجَابَة عَنْهَا. وَلَا يُمكن الْإِجَابَة عَنْهَا إِلَّا أَن تعرف بِأَن هَذِه الْفَتْوَى لَا تَخْلُو من إِحْدَى ثَلَاث أَحْوَال: 1 - إِمَّا أَن يُقَال بِأَن قَول ابْن تَيْمِية بحياة الْخضر، قَوْله الْأَخير الرَّاجِح. وَلكنه مَدْفُوع بِأَن استدلاله على إِنْكَار حَيَاته أقوى وادل مِنْهُ على بَقَائِهِ. وَكَذَلِكَ اراؤه فِي إِنْكَار حَيَاته كَثِيرَة، وَفِي أَكثر من مَوضِع، وَقَوله فِي بَقَائِهِ لَا يُوجد إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد. وَهَذَا خلاف مَنْهَج ابْن تَيْمِية الْمَعْرُوف، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما يرى شَيْئا يذكرهُ فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة وبادنى المناسبات. 2 - وَإِمَّا أَن يُقَال بِأَن القَوْل بحياته قَوْله الْمُتَقَدّم، وَالْقَوْل الْمُتَأَخر الرَّاجِح هُوَ إِنْكَار حَيَاته، وَلذَلِك يُوجد الرَّأْي الْأَخير فِي أَكثر من مَوضِع. وَهَذَا أقرب إِلَى الصِّحَّة وَالتَّحْقِيق، نظرا إِلَى صلابة ابْن تَيْمِية فِي الْأُمُور

العقائدية، وتمسكه بِالْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة. وَأَيْضًا بِدَلِيل أَن ابْن الْقيم نقل عَنهُ إِنْكَار حَيَاته، فَلَو كَانَ مرجوحا، أَو رَأيا مُتَقَدما لما نقل عَنهُ. وَقد مضى أَنه ذكر فِي كِتَابه " أَسمَاء مؤلفات ابْن تَيْمِية " كتابين لَهُ فِي الْخضر. 3 - وَأما أَن يُقَال بِأَنَّهُ لم تثبت صِحَة نِسْبَة القَوْل بحياة الْخضر إِلَى ابْن تَيْمِية بتاتا، فَيعْتَبر مدسوسا عَلَيْهِ. مهما يكن من الْأَمر، تُوجد عدَّة أَسبَاب تقوى أحد الرأيين الْأَخيرينِ، وَمن أهمها: تَعْلِيق الشَّيْخ / عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن قَاسم العاصمي النجدي الْحَنْبَلِيّ (جَامع فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام) على هَذِه الْفَتْوَى بقوله: " هَكَذَا وجدت هَذِه الرسَالَة ". وَمن عَادَة جَامع الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يعلق مثل هَذِه التعليقات، وَلكنه - فِي نَظَرِي - اضْطر إِلَى هَذَا التَّعْلِيق فِي هَذَا الْمَكَان، لما راى فِيهِ من رَأْي شَاذ حول حَيَاة الْخضر، يُخَالف جَمِيع اراء شيخ الْإِسْلَام، فنبه عَلَيْهِ. وَهَذَا التَّعْلِيق من مُرَتّب الْفَتَاوَى الَّذِي لَهُ اطلَاع وَاسع ودقيق على جَمِيع كتابات ابْن تَيْمِية الْمَوْجُودَة، مثير للشَّكّ؛ وَلَا ريب أَنه تَعْلِيق دَقِيق ووجيه فِي مَحَله، وَلَا بُد مِنْهُ. هَذَا، وَقد وجدت فَتْوَى مختصرة من فَتَاوَى الشَّيْخ أبي عَمْرو بن الصّلاح (643 هـ) ، تثبت حَيَاة الْخضر، وتشبهها فَتْوَى شيخ الْإِسْلَام هَذِه فِي الْمَعْنى، والمبني - أَيْضا - إِلَى حد مَا، كَمَا يَلِي: (مَسْأَلَة) . وَالْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام، هَل ورد أَنه حَيّ إِلَى الْوَقْت الْمَعْلُوم؟ وَهل هُوَ ولي أَو نَبِي أم لَا؟ (اجاب) وَأما

إنكار ابن الجوزي على استمرار حياة الخضر

الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - فَهُوَ من الْأَحْيَاء عِنْد جَمَاهِير الْخَاصَّة من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ، والعامة مَعَهم فِي ذَلِك. وَإِنَّمَا شَذَّ بإنكار ذَلِك بعض أهل الحَدِيث. وَهُوَ - صلى الله عَلَيْهِ، وعَلى نَبينَا، والنبيين، وَآل كل، وَسلم - نَبِي. وَاخْتلفُوا فِي كَونه مُرْسلا. وَالله اعْلَم ". لَا يفوتني أَن اقول مكررا: إِن الْجُزْء الْأَخير من هَذِه الْفَتْوَى الَّتِي نَحن بصدد الْبَحْث عَنْهَا، لَا يتَّفق صلابة عقيدة ابْن تَيْمِية، وتمسكه الشَّديد بِالْكتاب وَالسّنة، وتبحره فِي علومها، وَلَا يُمكن - عِنْدِي - أَن يعْتَقد فِي الْخضر مَا يُخَالف صَرِيح الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول. فبالنظر إِلَى ذَلِك لما وجدت هَذَا الرَّأْي الشاذ، فِي هَذَا السّفر الديني الْعَظِيم، وَهَذِه الموسوعة الْفِقْهِيَّة الْكَبِيرَة، وَهَذِه الخزانة العلمية الهادفة (مَجْمُوع فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام) قُمْت بتحقيقه وتخريجه ونقده - بِفضل الله عز وَجل -، ليَكُون القاريء على بَيِّنَة من الْأَمر، ويتبين لَدَيْهِ الْخَطَأ من الصَّوَاب. فَإِن أصبت فِي ذَلِك فَمن الله عز وَجل، وَإِن أَخْطَأت فَمن الشَّيْطَان. ونعوذ بِاللَّه من ذَلِك. إِنْكَار ابْن الْجَوْزِيّ على اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر ذكر ابْن الْقيم - رَحمَه الله - رد ابْن الْجَوْزِيّ على حَيَاة الْخضر فَقَالَ: " " قَالَ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ ": " وَالدَّلِيل على أَن الْخضر لَيْسَ بباق

فِي الدُّنْيَا أَرْبَعَة أَشْيَاء الْقُرْآن وَالسّنة وَإِجْمَاع الْمُحَقِّقين من الْعلمَاء والمعقول. أما الْقُرْآن: فَقَوله تَعَالَى: (وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد افإن مت فهم الخالدون) فَلَو دَامَ الْخضر كَانَ خَالِدا. وَأما السّنة: فَذكر حَدِيث: " أريتكم ليلتكم هَذِه؟ فَإِن على رَأس مائَة

سنة مِنْهَا لَا يبْقى على ظهر الأَرْض مِمَّن هُوَ الْيَوْم عَلَيْهَا أحد " مُتَّفق عَلَيْهِ. وَفِي صَحِيح مُسلم: عَن جَابر بن عبد الله - رَضِي الله - عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - قبل مَوته بِقَلِيل: " مَا من نفس منفوسة يَأْتِي عَلَيْهَا مائَة سنة وَهِي يَوْمئِذٍ حَيَّة ". وَأما إِجْمَاع الْمُحَقِّقين من الْعلمَاء: فقد ذكر عَن البُخَارِيّ وعَلى بن مُوسَى الرِّضَا: أَن الْخضر مَاتَ. وَأَن البُخَارِيّ سُئِلَ عَن حَيَاته فَقَالَ: " وَكَيف يكون ذَلِك؟ وَقد قَالَ النَّبِي -: " أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه؟ فَإِن على رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى مِمَّن على ظهر الأَرْض مِمَّن هُوَ على الْأَحَد " قَالَ: وَمِمَّنْ قَالَ إِن الْخضر مَاتَ: إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ، وَأَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي وهما إمامان، وَكَانَ ابْن الْمُنَادِي يقتح قَول من يَقُول: إِنَّه حَيّ. وَحكى القَاضِي أَبُو يعلي مَوته عَن بعض أَصْحَاب أَحْمد، وَذكر عَن بعض أهل الْعلم: أَنه احْتج بِأَنَّهُ لَو كَانَ حَيا لوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يَأْتِي إِلَى النَّبِي -. وَقَالَ: حَدثنَا أَحْمد، حَدثنَا شُرَيْح بن النُّعْمَان، حَدثنَا هشيم، أخبرنَا مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر بن عبد الله - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله - قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن مُوسَى كَانَ حَيا مَا وَسعه

إِلَّا أَن يَتبعني " فَكيف يكون حَيا، وَلَا يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة، ويجاهد مَعَه؟ { أَلا ترى أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام - إِذا نزل إِلَى الأَرْض يُصَلِّي خلف إِمَام هَذِه الْأمة، وَلَا يتَقَدَّم، لِئَلَّا يكون ذَلِك خدشا فِي نبوة نَبينَا -. قَالَ أَبُو الْفرج: وَمَا أبعد فهم من يثبت وجود الْخضر، وينسى مَا فِي طي إثْبَاته من الْإِعْرَاض عَن هَذِه الشَّرِيعَة} ! وَأما الدَّلِيل من الْمَعْقُول: فَمن عشرَة وُجُوه: أَحدهَا: أَن الَّذِي أثبت حَيَاته يَقُول: إِنَّه ولد آدم لصلبه، وَهَذَا فَاسد لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون عمره الْآن سِتَّة الاف سنة، فِيمَا ذكر فِي كتاب يوحنا المؤرخ؛ وَمثل هَذَا بعيد فِي الْعَادَات أَن يَقع فِي حق الْبشر. وَالثَّانِي: أَنه لَو كَانَ وَلَده لصلبه، أَو الرَّابِع من ولد وَلَده - كَمَا زَعَمُوا - وَأَنه كَانَ وَزِير ذِي القرنين، فَإِن تِلْكَ الْخلقَة لَيست على خلقتنا، بل مفرط فِي الطول وَالْعرض. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن رَسُول الله - أَنه قَالَ: " خلق الله آدم طوله سِتُّونَ ذِرَاعا، فَلم يزل الْخلق ينقص بعد ".

الْوَجْه الثَّالِث: أَنه لوكان الْخضر قبل نوح لركب مَعَه فِي السَّفِينَة، وَلم ينْقل هَذَا أحد. الْوَجْه الرَّابِع: أَنه قد اتّفق الْعلمَاء أَن نوحًا لما نزل من السَّفِينَة مَاتَ من كَانَ مَعَه، ثمَّ مَاتَ نسلهم، وَلم يبْق غير نسل نوح وَالدَّلِيل على هَذَا قَوْله تَعَالَى: (وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ) وَهَذَا يبطل قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ قبل نوح. الْوَجْه الْخَامِس: أَن هَذَا لَو كَانَ صَحِيحا أَن بشرا من بني آدم يعِيش من حِين يُولد إِلَى آخر الدَّهْر، ومولده قبل نوح، لَكَانَ هَذَا من أعظم الْآيَات والعجائب، وَكَانَ خَبره فِي الْقُرْآن مَذْكُورا فِي غير مَوضِع، لِأَنَّهُ من أعظم آيَات الربوبية. وَقد ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من أَحْيَاهُ ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما وَجعله آيَة؛ فَكيف بِمن أَحْيَاهُ إِلَى اخر الدَّهْر؟ وَلِهَذَا قَالَ بعض أهل الْعلم: مَا ألْقى هَذَا بَين النَّاس، إِلَّا شَيْطَان. وَالْوَجْه السَّادِس: إِن القَوْل بحياة الْخضر قَول على الله بِلَا علم، وَذَلِكَ حرَام بِنَصّ الْقُرْآن. أما الْمُقدمَة الثَّانِيَة فظاهرة. وَأما الأولى، فَإِن حَيَاته لَو كَانَت ثابته لدل عَلَيْهِمَا الْقُرْآن أَو السّنة، أَو إِجْمَاع الْأمة. فَهَذَا كتاب الله تَعَالَى، فَأَيْنَ فِيهِ حَيَاة الْخضر؟

وَهَذِه سنة رَسُول الله - فَأَيْنَ فِيهَا مَا يدل على ذَلِك بِوَجْه؟ وَهَؤُلَاء عُلَمَاء الْأمة، هَل أَجمعُوا على حَيَاته؟ {} الْوَجْه السَّابِع: أَن غَايَة مَا يتَمَسَّك بِهِ من ذهب إِلَى حَيَاته، حكايات منقولة يخبر الرجل بهَا أَنه رأى الْخضر. فيالله الْعجب، هَل للخضر عَلامَة يعرفهُ بهَا من رَاه؟ وَكثير من هَؤُلَاءِ يغتر بقوله: أَنا الْخضر. وَمَعْلُوم أَنه لَا يجوز تَصْدِيق قَائِل ذَلِك بِلَا برهَان من الله. فَأَيْنَ للرأي أَن الْمخبر لَهُ صَادِق، لَا يكذب؟ الْوَجْه الثَّامِن: أَن الْخضر فَارق مُوسَى بن عمرَان كليم الرَّحْمَن، وَلم يصاحبه، وَقَالَ لَهُ: (هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك) . فَكيف يرضى لنَفسِهِ بمفارقته لمثل مُوسَى، ثمَّ يجْتَمع بجهله الْعباد الخارجين عَن الشَّرِيعَة، الَّذين لَا يحْضرُون جُمُعَة وَلَا جمَاعَة، وَلَا مجْلِس علم، وَلَا يعْرفُونَ من الشَّرِيعَة شَيْئا؟ وكل مِنْهُم يَقُول: قَالَ الْخضر، وَجَاءَنِي الْخضر، وأوصاني الْخضر {} {فيا عجبا لَهُ} يُفَارق كليم الله، تَعَالَى ويدور على صُحْبَة الْجُهَّال، وَمن لَا يعرف كَيفَ يتَوَضَّأ وَلَا كَيفَ يُصَلِّي؟ ! الْوَجْه التَّاسِع: أَن الْأمة مجمعة على أَن الَّذِي يَقُول: أَنا الْخضر، لَو قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - يَقُول: كَذَا وَكَذَا " لم يلْتَفت إِلَى قَوْله، وَلم يحْتَج بِهِ فِي الدّين. إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّه لم يات إِلَى رَسُول الله - وَلَا بَايعه، أَو

يَقُول هَذَا الْجَاهِل: أَنه لم يُرْسل إِلَيْهِ. وَفِي هَذَا من الْكفْر مَا فِيهِ. الْوَجْه الْعَاشِر: أَنه لوكان حَيا، لَكَانَ جهاده الْكفَّار، ورباطه فِي سَبِيل الله، ومقامه فِي الصَّفّ سَاعَة، وحضوره الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة، وتعليمه الْعلم: أفضل لَهُ بِكَثِير من سياحته بَين الوحوش فِي القفار والفلوات. وَهل هَذَا إِلَّا من أعظم الطعْن عَلَيْهِ، وَالْعَيْب لَهُ؟ { هَذَا، وتكفينا النُّصُوص الْكَثِيرَة المدعمة بالدلائل الْعَقْلِيَّة والنقلية للرَّدّ على اسْتِمْرَار حَيَاة الْخضر، وسيقف القاريء الْكَرِيم على مَجْمُوعَة كَبِيرَة مِنْهَا أثْنَاء دراسة هَذَا الْكتاب أَيْضا. وَلَا يفوتني أَن أَقُول بِأَن الْأَحَادِيث المرفوعة الْوَارِدَة فِي حَيَاة الْخضر مَا بَين ضِعَاف وموضوعات؛ وَالْأَخْبَار والحكايات بِهَذَا الصدد واهية الصُّدُور والإعجاز ; أَو تصح أسانيدها إِلَى من لَيْسَ بمعصوم، يجب قبُوله. وَالْمِيزَان الصَّحِيح الوحيد، عندنَا، لنقد أَمْثَال هَذِه الْأُمُور هُوَ الْكتاب وَالسّنة، فَإِن وافقتهما فعلى الرَّأْس وَالْعين، وَإِن خالفتهما نرفضها وَلَا كَرَامَة. وَإِلَيْك نَص الْكتاب}

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْمُنْفَرد بِالْبَقَاءِ والدوام. وعَلى من خصّه بمزيد التَّفْضِيل والسيادة، مزِيد الصَّلَاة وَالسَّلَام؛ وَأنزل عَلَيْهِ فِي الْكتاب الْمكنون: (وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد، أَفَإِن مت فهم الخالدون) ، وعَلى آله وَصَحبه الَّذين كَانُوا يأمرون بِالْخَيرِ، ويأتمرون، صَلَاة وَسلَامًا دائمين إِلَى يَوْم يبعثون ". أما بعد: فقد تكَرر السوال - قَدِيما وحديثا - عَن الْخضر - صَاحب مُوسَى -: هَل هُوَ: نَبِي أَو ولي؟

وَهل عمر إِلَى أَن أدْرك بعثة النَّبِي - وعاش بعده؟ أَو مَاتَ قبل ذَلِك؟ أَو هُوَ: حَيّ بَاقٍ؟ وَعَن كثير من أخباره. وَكنت جمعت فِي ذَلِك، مِمَّا صنف فِيهِ بِخُصُوصِهِ من القدماء: [أَبُو الْحُسَيْن] بن الْمُنَادِي. وَمن الْمُتَأَخِّرين: أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ. وأضفت إِلَيْهِمَا أَشْيَاء ظَفرت بهَا، بطول التتبع. ثمَّ لما التزمت فِي كتابي: " الْإِصَابَة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَة "، أَن أذكر كل مَا جَاءَ فِي خبر من / الْأَخْبَار، أَنه لَقِي النَّبِي - لزم ذكرى للخضر - عَلَيْهِ السَّلَام -، لِأَنَّهُ من شَرط الْإِصَابَة، وَإِن لم يرد فِي خبر ثَابت أَنه من جملَة الصَّحَابَة.

باب نسبه

وَقد أفردته الْآن، ليقف كل سَائل عَنهُ، على كل مَا كنت قرأته وسمعته. وَجَعَلته أبوابا. وَالله أسأَل النَّفْع بِهِ، إِنَّه قريب مُجيب! - بَاب نسبه - 1 - قيل هُوَ: ابْن آدم من صلبه. وَهَذَا قَول، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد، من طَرِيق رواد بن الْجراح، عَن مقَاتل بن سُلَيْمَان، عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -. ورواد ضَعِيف وَمُقَاتِل مترك،

وَالضَّحَّاك لم يسمع من ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -. 2 - (القَوْل الثَّانِي) : إِنَّه ابْن قابيل بن آدم، ذكره أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب " المعمرين " قَالَ: حَدثنَا مشيختنا، مِنْهُم: أَبُو عُبَيْدَة، فَذكره. وَهَذَا " معضل "، وَحكى صَاحب هَذِه الْمقَالة: أَن اسْمه " خضرون " وَهُوَ: الْخضر. 3 - (القَوْل الثَّالِث) : جَاءَ عَن وهب بن مُنَبّه، أَنه بليا بن ملكان بن فالغ

بن شالخ بن عَامر بن أرفخشذ بن سَام بن نوح. وَبِهَذَا قَالَ ابْن قُتَيْبَة، وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ، وَزَاد: " وَقيل: " كلمان " بدل ملكان ". 4 - (القَوْل الرَّابِع) : جَاءَ عَن اسماعيل بن أبي أويس: إِنَّه المعمر بن مَالك بن [عبد الله] بن نصر بن [الأزد] . وَقيل: اسْمه عَامر ; حَكَاهُ أَبُو الْخطاب بن دحْيَة، عَن ابْن حبيب الْبَغْدَادِيّ.

5 - (القَوْل الْخَامِس) : هُوَ ابْن عمائيل بن [النُّور] بن الْعيص بن إِسْحَاق. حَكَاهُ ابْن قُتَيْبَة أَيْضا، وَكَذَا سمى أَبَاهُ [عمائيل] مقَاتل. 6 - (القَوْل السَّادِس) : أَنه من سبط هَارُون، أخي مُوسَى. روى عَن الْكَلْبِيّ، عَن أبي صَالح، عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -، وَهُوَ بعيد. وأعجب مِنْهُ قَول ابْن إِسْحَاق: أَنه [أرميا بن خلقيا] . وَقد رد

ذَلِك أَبُو جَعْفَر بن جرير. 7 - (القَوْل السَّابِع) : إِنَّه ابْن بنت فِرْعَوْن. حَكَاهُ مُحَمَّد بن أَيُّوب عَن ابْن لَهِيعَة. وَقيل: ابْن فِرْعَوْن لصلبه، حَكَاهُ النقاش. 8 - (القَوْل الثَّامِن) : إِنَّه اليسع. حكى عَن مقَاتل أَيْضا. وَهُوَ بعيد أَيْضا. 9 - (القَوْل التَّاسِع) : أَنه من ولد فَارس. جَاءَ ذَلِك عَن ابْن شَوْذَب، أخرجه الطَّبَرِيّ بِسَنَد جيد، من رِوَايَة ضَمرَة بن ربيعَة عَن ابْن شَوْذَب.

10 - (القَوْل الْعَاشِر) : إِنَّه من ولد بعض من كَانَ آمن بإبراهيم، وَهَاجَر مَعَه من أَرض بابل. حَكَاهُ ابْن جرير فِي تأريخه. وَقيل: كَانَ أَبوهُ فارسيا وَأمه رُومِية. 11 - وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَن سَبَب تَسْمِيَته الْخضر، أَنه جلس على فَرْوَة بَيْضَاء، فَإِذا هِيَ تهتز تَحْتَهُ خضراء. هَذَا لفظ أَحْمد من رِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن معمر، عَن همام، عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله - عَنهُ و " الفروة ": الأَرْض

الْيَابِسَة. 12 - وَقَالَ أَحْمد: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر، عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - رَفعه: " إِنَّمَا سمي الْخضر خضرًا، لِأَنَّهُ جلس على فَرْوَة، فاهتزت تَحْتَهُ خضراء. " والفروة " الْحَشِيش الْأَبْيَض ... [وَمَا يُشبههُ] . قَالَ عبد الله بن أَحْمد: " أَظُنهُ تَفْسِير عبد الرَّزَّاق " 13 - وَفِي الْبَاب: عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -:

من طَرِيق قَتَادَة، عَن عبد الله بن الْحَارِث عَنهُ. وَمن طَرِيق مَنْصُور، عَن مُجَاهِد. 14 - قَالَ النَّوَوِيّ: كنيته: أَبُو الْعَبَّاس، وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ.

باب ما ورد في كونه نبيا

بَاب مَا ورد فِي كَونه نَبيا 15 - قَالَ الله تَعَالَى فِي خَبره عَن مُوسَى، حِكَايَة عَنهُ: ( ... . . وَمَا فعلته عَن أَمْرِي ... .) . وَهَذَا ظَاهر أَنه بِأَمْر من الله، وَالْأَصْل عدم الْوَاسِطَة. وَيحْتَمل أَن يكون بِوَاسِطَة نَبِي آخر لم يذكرهُ، وَهُوَ بعيد. وَلَا سَبِيل إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ إلهام، لِأَن ذَلِك لَا يكون من غير النَّبِي وَحيا، حَتَّى يعْمل بِهِ مَا عمل، من قتل النَّفس، وتعريض الْأَنْفس للغرق. فَإِن قُلْنَا: إِنَّه نَبِي، فَلَا إِنْكَار فِي ذَلِك. وَأَيْضًا كَيفَ يكون غير النَّبِي أعلم من النَّبِي. وَقد أخبر النَّبِي - فِي الحَدِيث الصَّحِيح، أَن الله تَعَالَى قَالَ لمُوسَى: " بلَى! عَبدنَا خضر ". وَأَيْضًا كَيفَ يكون النَّبِي تَابعا لغير النَّبِي. 16 - وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: هُوَ نَبِي فِي جَمِيع الأقول.

17 - وَكَانَ بعض أكَابِر الْعلمَاء يَقُول: أول عقدَة تحل من الزندقة، اعْتِقَاد كَون الْخضر نَبيا، لِأَن الزَّنَادِقَة يتذرعون بِكَوْنِهِ غير نَبِي، إِلَى أَن الْوَلِيّ أفضل من النَّبِي؛ كَمَا قَالَ قَائِلهمْ: (مقَام النُّبُوَّة فِي برزخ ... فويق الرَّسُول وَدون الْوَلِيّ) 18 - قَالَ أَبُو جَعْفَر بن جرير فِي تَارِيخه: " كَانَ الخضرممن كَانَ فِي أَيَّام افريدون الْملك [بن أثفيان] ، فِي قَول عَامَّة أهل الْكتاب الأول [وَقيل: مُوسَى بن عمرَان -] وَقيل: إِنَّه كَانَ على مُقَدّمَة ذِي القرنين الْأَكْبَر، الَّذِي كَانَ أَيَّام إِبْرَاهِيم خَلِيل [الرَّحْمَن]-، [وَهُوَ الَّذِي قضى لَهُ بِئْر السَّبع - وَهِي بِئْر كَانَ إِبْرَاهِيم احتفرها لماشيته فِي صحراء الْأُرْدُن - وَإِن قوما من أهل الْأُرْدُن ادعوا الأَرْض الَّتِي احتفر بهَا إِبْرَاهِيم بئره، فحاكمهم إِبْرَاهِيم إِلَى ذِي القرنين، الَّذِي ذكر أَن الْخضر كَانَ على مقدمته، أَيَّام سيره فِي الْبِلَاد] وَأَنه بلغ مَعَ ذِي القرنين - الَّذِي ذكر أَن الْخضر كَانَ ملتزمه - نهر الْحَيَاة، فَشرب من مَائه - وَهُوَ لَا يعلم، وَلَا يعلم بِهِ ذُو القرنين، وَمن مَعَه - فخلد، فَهُوَ حَيّ عِنْدهم إِلَى الْآن ". 19 - قَالَ ابْن جرير: " وَذكر ابْن إِسْحَاق أَن الله تَعَالَى اسْتخْلف على بني اسرائيل رجلا مِنْهُم [يُقَال لَهُ: ناشية بن أموص] وَبعث الْخضر مَعَه نَبيا ".

20 - وَقَالَ ابْن جرير: " بَين هَذَا الْوَقْت وَبَين أفريدون أَزِيد من ألف عَام ". وَقَالَ: " وَقَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ فِي أَيَّام أفريدون أشبه [بِالْحَقِّ] ، إِلَّا أَن يحمل على أَنه لم يبْعَث نَبيا إِلَّا فِي زمن ذَلِك الْملك ". 21 - قلت: بل يحْتَمل أَن يكون قَوْله: " وَبعث الْخضر مَعَه نَبيا " أَي أيده ; لَا أَن ذَلِك الْوَقْت كَانَ وَقت إنْشَاء نبوته، فَلَا يمْتَنع أَن يكون نَبيا قبل ذَلِك. وَإِنَّمَا قلت ذَلِك، لِأَن غَالب أخباره مَعَ مُوسَى، هِيَ الدَّالَّة على تَصْحِيح قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ نَبيا. 22 - ثمَّ اخْتلف من قَالَ: إِنَّه كَانَ نَبيا، هَل كَانَ مُرْسلا؟ فجَاء عَن ابْن عَبَّاس ووهب بن مُنَبّه، أَنه كَانَ نَبيا غير مُرْسل. وَجَاء عَن إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، وَبَعض أهل الْكتاب: أَنه ارسل إِلَى قومه، فاستجابوا لَهُ. وَنصر هَذَا القَوْل أَبُو الْحسن الرماني، ثمَّ ابْن الْجَوْزِيّ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ هُوَ نَبِي على جَمِيع الْأَقْوَال، معمر مَحْجُوب عَن الْأَبْصَار. وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره: وَالْجُمْهُور على أَنه نَبِي. وَكَانَ علمه معرفَة بواطن أوحيت إِلَيْهِ، وَعلم مُوسَى الحكم بِالظَّاهِرِ.

23 - وَذهب إِلَى أَنه كَانَ وليا، جمَاعَة من الصُّوفِيَّة؛ وَقَالَ بِهِ أَبُو عَليّ بن أبي مُوسَى من الْحَنَابِلَة، وَأَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي كِتَابه " الزَّاهِر "، بعد أَن حكى عَن الْعلمَاء قَوْلَيْنِ: هَل كَانَ نَبيا أَو وليا؟ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي، فِي رسَالَته: لم يكن الْخضر نَبيا، وَإِنَّمَا كَانَ وليا. 24 - وَحكى الْمَاوَرْدِيّ قولا ثَالِثا: أَنه ملك من الْمَلَائِكَة يتَصَوَّر فِي صور الْآدَمِيّين مغيرا ذاتا. 25 - وَقَالَ أَبُو الْخطاب بن دحْيَة: لَا نَدْرِي هُوَ: ملك، أَو نَبِي، أَو عبد صَالح. 26 - وَجَاء من طَرِيق أبي صَالح - كَاتب اللَّيْث - عَن يحيى بن

باب ما ورد في تعميره والسبب في ذلك

أَيُّوب عَن خَالِد بن يزِيد أَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: " إِن الْخضر بن عاميل، ركب فِي نفر من أَصْحَابه، حَتَّى بلغ بَحر التّرْك، وَهُوَ بَحر الصين. فَقَالَ لأَصْحَابه: دلوني، فدلوه فِي الْبَحْر أَيَّامًا وليالي، ثمَّ صعد. فَقَالُوا لَهُ: يَا خضر مَا رَأَيْت، فَلَقَد أكرمك الله وَحفظ لَك نَفسك فِي لجة هَذَا الْبَحْر. قَالَ: استقبلني ملك من الْمَلَائِكَة فَقَالَ لي: كَيفَ، وَقد أَهْوى رجل من زمَان دَاوُد النَّبِي - وَلم يبلغ ثلث قَعْره حَتَّى السَّاعَة. وَذَلِكَ مُنْذُ ثَلَاث مائَة سنة؟ أخرجه أَبُو نعيم فِي تَرْجَمَة كَعْب من الْحِلْية ". - بَاب مَا ورد فِي تعميره وَالسَّبَب فِي ذَلِك - 27 - روى الدَّارَقُطْنِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمَاضِي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله

عَنْهُمَا - قَالَ: " نسى للخضر فِي أَجله حَتَّى يكذب الدَّجَّال ". 28 - وَذكر ابْن إِسْحَاق فِي الْمُبْتَدَأ، فَقَالَ حَدثنَا اصحابنا أَن آدم لما حَضَره الْمَوْت، جمع بنيه، وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى منزل على أهل الأَرْض عذَابا، فَلْيَكُن جَسَدِي مَعكُمْ فِي المغارة، حَتَّى تدفنوني بِأَرْض الشَّام، فَلَمَّا وَقع الطوفان، قَالَ نوح لِبَنِيهِ: إِن آدم دَعَا الله أَن يُطِيل عمر الَّذِي يدفنه، إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. فَلم يزل جَسَد آدم، حَتَّى كَانَ الْخضر هُوَ الَّذِي تولى دَفنه، وأنجز الله لَهُ مَا وعده فَهُوَ / يحيا مَا شَاءَ الله أَن يحيا ". 29 - وروى ابْن عَسَاكِر، فِي تَرْجَمَة ذِي القرنين: من طَرِيق خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان، حَدثنَا أَبُو عُبَيْدَة بن أخي هناد، حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، حَدثنَا أبي حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن أبي جَعْفَر عَن أَبِيه:

" أَنه سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: " كَانَ عبدا من عباد الله صَالحا، وَكَانَ من الله بمنزل ضخم، وَكَانَ قد ملك مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب، وَكَانَ لَهُ خَلِيل من الْمَلَائِكَة، يُقَال لَهُ: رفائيل. وَكَانَ يزوره، فَبَيْنَمَا هما يتحدثان اذ قَالَ لَهُ: حَدثنِي كَيفَ عبادتكم فِي السَّمَاء؟ فَبكى، وَقَالَ: وَمَا عبادتنا عِنْد عبادتنا {؟ إِن فِي السَّمَاء لملائكة قيَاما، لَا يَجْلِسُونَ أبدا، [وسجودا لَا يرفعون ابدا، وركعا لَا يقومُونَ ابدا] وَيَقُولُونَ: رَبنَا مَا عبدناك حق عبادتك، فَبكى ذُو القرنين. ثمَّ قَالَ: يَا رفائيل إِنِّي أحب أَن أعمر، حَتَّى أبلغ عبَادَة رَبِّي حق طَاعَته، قَالَ: وتحب ذَلِك؟ قَالَ: نعم} قَالَ: فَإِن لله عينا تسمى عين الْحَيَاة، من شرب مِنْهَا شربة لم يمت ابدا، حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل ربه الْمَوْت. قَالَ ذُو القرنين: فَهَل تعلم موضعهَا، قَالَ: لَا، غير أَنا نتحدث فِي السَّمَاء أَن لله ظلمَة فِي الأَرْض، لم يَطَأهَا إنس وَلَا جَان، فَنحْن نظن أَن [تِلْكَ] الْعين فِي تِلْكَ الظلمَة. فَجمع ذُو القرنين عُلَمَاء الأَرْض، فَسَأَلَهُمْ عَن عين الْحَيَاة، فَقَالُوا: لَا نعرفها. قَالَ: فَهَل وجدْتُم فِي علمكُم أَن لله ظلمَة، فَقَالَ عَالم مِنْهُم: لم تسْأَل عَن هَذَا؟ فَأخْبرهُ، فَقَالَ: إِنِّي قَرَأت فِي وَصِيَّة آدم ذكر هَذِه الظلمَة، وانها عِنْد قرن الشَّمْس. فتجهز ذُو القرنين، وَسَار اثْنَتَيْ عشرَة سنة، إِلَى أَن بلغ طرف الظلمَة، فَإِذا هِيَ لَيست بلَيْل، وَهِي تَفُور مثل الدُّخان، فَجمع العساكر، وَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أسلكها، فمنعوه، فَسَأَلَهُ الْعلمَاء الَّذين مَعَه أَن يكف عَن ذَلِك، لِئَلَّا يسْخط الله عَلَيْهِم، فَأبى فانتخب من عساكره سِتَّة الاف رجل على سِتَّة الاف فرس أُنْثَى بكر، وَعقد للخضر على مقدمته فِي

ألفي رجل، فَسَار الْخضر بَين يَدَيْهِ، وَقد عرف مَا يطْلب، وَكَانَ ذُو القرنين يَكْتُمهُ ذَلِك، فَبَيْنَمَا هُوَ يسير إِذْ عَارضه وَاد، فَظن أَن الْعين فِي ذَلِك الْوَادي فَلَمَّا أَتَى شَفير الْوَادي، استوقف أَصْحَابه، وَتوجه، فَإِذا هُوَ على حافة عين من مَاء، وَنزع ثِيَابه، فَإِذا مَاء أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الشهد، فَشرب مِنْهُ وَتَوَضَّأ، واغتسل ثمَّ خرج، وَلبس ثِيَابه، وَتوجه، وَمر ذُو القرنين فَأَخْطَأَ الظلمَة. وَذكر بَقِيَّة الحَدِيث.

30 - ويروى عَن سُلَيْمَان الْأَشَج - صَاحب كَعْب الْأَحْبَار - عَن كَعْب الْأَحْبَار: أَن الْخضر كَانَ وَزِير ذِي القرنين، وَإنَّهُ وقف مَعَه على جبل الْهِنْد، فَرَأى ورقة فِيهَا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. من آدم أبي الْبشر إِلَى ذُريَّته أوصيكم بتقوى الله، واحذركم كيد عدوي، وَعَدُوكُمْ إِبْلِيس فَإِنَّهُ أنزلني هُنَا ". قَالَ: فَنزل ذُو القرنين فَمسح جُلُوس آدم، فَكَانَت مائَة وَثَلَاثِينَ ميلًا ". 31 - ويروي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: " وكل إلْيَاس بالفيافي، ووكل الْخضر بالبحور، وَقد أعطيا الْخلد فِي الدُّنْيَا إِلَى الصَّيْحَة الأولى، وإنهما يَجْتَمِعَانِ فِي موسم كل عَام ".

32 - وَقَالَ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده: حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن وَاقد، حَدثنِي مُحَمَّد بن بهْرَام، أخبرنَا أبان، عَن أنس قَالَ ; قَالَ رَسُول الله -: " إِن الْخضر فِي الْبَحْر، وَالْيَسع فِي الْبر، يَجْتَمِعَانِ كل لَيْلَة عِنْد الرَّدْم الَّذِي بناه ذُو القرنين بَين النَّاس، وَبَين يَأْجُوج وَمَأْجُوج، ويحجان ويعتمران كل عَام، ويشربان من [زمزمكم] شربة تكفيهما إِلَى قَابل ". قلت: وَعبد الرَّحِيم وَأَبَان مَتْرُوكَانِ ".

33 - وَقَالَ عبد الله بن الْمُغيرَة عَن ثَوْر، عَن خَالِد بن معدان عَن كَعْب قَالَ: " الْخضر على مِنْبَر من نور بَين البحرالأعلى وَالْبَحْر الْأَسْفَل، وَقد أمرت دَوَاب الْبَحْر أَن تسمع لَهُ وتطيع، وَتعرض عَلَيْهِ الْأَرْوَاح غدْوَة وَعَشِيَّة ". ذكره الْعقيلِيّ؛ وَقَالَ: عبد الله بن الْمُغيرَة يحدث بِمَا لَا أصل لَهُ. وَقَالَ ابْن يُونُس: إِنَّه مُنكر الحَدِيث. 34 - رُوِيَ ابْن شاهين، بِسَنَد ضَعِيف، إِلَى خصيف قَالَ: " أَرْبَعَة من الْأَنْبِيَاء أَحيَاء، اثْنَان فِي السَّمَاء: عِيسَى وَإِدْرِيس؛ وَاثْنَانِ فِي الأَرْض: الْخضر وإلياس. فَأَما الْخضر فَإِنَّهُ فِي الْبَحْر، وَأما صَاحبه فَإِنَّهُ فِي الْبر ". وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الْأَخير أَشْيَاء من هَذَا الْجِنْس كَثِيرَة.

35 - وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: " يُقَال إِن الْخضر لَا يَمُوت إِلَّا فِي آخر الزَّمَان عِنْد رفع الْقُرْآن ". 36 - وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: " قَالَ الْأَكْثَرُونَ من الْعلمَاء: هُوَ حَيّ مَوْجُود بَين أظهرنَا، وَذَلِكَ مُتَّفق عَلَيْهِ عِنْد الصُّوفِيَّة، وَأهل الصّلاح، والمعرفة. وحكاياتهم فِي رُؤْيَته، والاجتماع بِهِ، وَالْأَخْذ عَنهُ، وسؤاله، وَجَوَابه، ووجوده فِي الْموضع الشَّرِيفَة ومواطن الْخَيْر، أَكثر من أَن تحصر، وَأشهر من أَن تذكر ". قَالَ [الشَّيْخ] أَبُو عَمْرو بن الصّلاح [فِي فَتَاوَاهُ] : هُوَ حَيّ عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ والعامة [مِنْهُم] . قَالَ: " وَإِنَّمَا شَذَّ بإنكاره بعض الْمُحدثين ". 37 - وَقَالَ السُّهيْلي فِي كتاب التَّعْرِيف والاعلام: اسْم الْخضر مُخْتَلف فِيهِ - فَذكر بعض مَا تقدم - وَذكر فِي

قَول من قَالَ: إِنَّه ابْن عاميل بن سماطين بن أرما بن خلفا بن عيصو بن إِسْحَاق. وَأَن اباه كَانَ ملكا، وَأمه كَانَت فارسية، اسْمهَا، ألهاء، وَأَنَّهَا وَلدته فِي مغارة، وَأَنه وجد هُنَاكَ شَاة ترْضِعه فِي كل يَوْم من غنم رجل من الْقرْيَة، فَأَخذه الرجل ورباه، فَلَمَّا شب، طلب الْملك كَاتبا يكْتب الصُّحُف الَّتِي أنزلت على إِبْرَاهِيم، فَجمع أهل الْمعرفَة والنبالة، فَكَانَ فِيمَن أقدم عَلَيْهِ ابْنه الْخضر - وَهُوَ لَا يعرفهُ -، فَلَمَّا اسْتحْسنَ خطه ومعرفته، بحث عَن جلية أمره، حَتَّى عرف أَنه ابْنه، فضمه إِلَى نَفسه، وولاه أَمر النَّاس، ثمَّ ان الْخضر فر من الْملك لأسباب يطول ذكرهَا. إِلَى أَن وجد عين الْحَيَاة، فَشرب مِنْهَا، فَهُوَ حَيّ إِلَى أَن يخرج الدَّجَّال. فَهُوَ الرجل الَّذِي يقْتله الدَّجَّال، ثمَّ يحيه. قَالَ: وَقيل: إِنَّه لم يدْرك زمن النَّبِي - وهذ لَا يَصح. قَالَ: وَقَالَ البُخَارِيّ وَطَائِفَة من أهل الحَدِيث: " مَاتَ الْخضر قبل انْقِضَاء مائَة سنة من الْهِجْرَة ".

قَالَ: " وَنصر شَيخنَا أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ هَذَا لقَوْله -: " على رَأس مائَة سنة، لَا يبْقى على الأَرْض مِمَّن هُوَ عَلَيْهَا أحد ". يُرِيد مِمَّن كَانَ حَيا حِين هَذِه الْمقَالة. قَالَ: " وَأما اجتماعه مَعَ النَّبِي - وتعزيته لأهل بَيته - وهم مجتمعون بِغسْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - فروى من طرق صِحَاح مِنْهَا: مَا ذكره ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد - وَكَانَ إِمَام أهل الحَدِيث فِي وقته - فذكرالحديث، فِي تَعْزِيَة الصَّحَابَة بِالنَّبِيِّ - يسمعُونَ القَوْل، وَلَا يرَوْنَ الْقَائِل، فَقَالَ لَهُم عَليّ - رَضِي الله عَنهُ -: هُوَ الْخضر. " قَالَ: وَقد ذكر ابْن أبي الدُّنْيَا، من طَرِيق مَكْحُول عَن

أنس - رَضِي الله عَنهُ - اجْتِمَاع إلْيَاس بِالنَّبِيِّ - وَإِذا جَازَ بَقَاء إلْيَاس إِلَى الْعَهْد النَّبَوِيّ، جَازَ بَقَاء الْخضر ". انْتهى مُلَخصا. 38 - تعقبه عَلَيْهِ أَبُو الْخطاب بن دحْيَة، بِأَن الطّرق الَّتِي اشار إِلَيْهَا، لم يَصح مِنْهَا شَيْء، وَلَا ثَبت اجْتِمَاع الْخضر مَعَ أحد من الْأَنْبِيَاء، إِلَّا مَعَ مُوسَى، كَمَا قصّ الله تَعَالَى، من خبرهما. 39 - قَالَ: " وَجَمِيع مَا ورد فِي حَيَاته لَا يَصح مِنْهَا شَيْء، بِاتِّفَاق أهل النَّقْل، وَإِنَّمَا يذكر ذَلِك من يروي الْخَبَر، وَلَا يذكر علته، إِمَّا لكَونه لَا يعرفهَا، وَإِمَّا لوضوحها عِنْد أهل الحَدِيث. 40 - قَالَ: " وَأما مَا جَاءَ عَن الْمَشَايِخ فَهُوَ مِمَّا يتعجب مِنْهُ، كَيفَ يجوز لعاقل، أَن يلقى شخصا لَا يعرفهُ، فَيَقُول لَهُ: أَنا فلَان، فيصدقه. 41 - قَالَ: " وَأما حَدِيث التَّعْزِيَة، الَّذِي ذكره أَبُو عمر، فَهُوَ مَوْضُوع، رَوَاهُ

عبد الله بن الْمُحَرر عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ. وَابْن مُحَرر مَتْرُوك، وَهُوَ الَّذِي قَالَ ابْن الْمُبَارك فِي حَقه، كَمَا أخرجه مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه: " ... فَلَمَّا رَأَيْته كَانَت بَعرَة أحب إِلَيّ مِنْهُ " ففضل رُؤْيَة النَّجَاسَة على رُؤْيَته. 42 - قلت: فقد جَاءَ ذكر التَّعْزِيَة الْمَذْكُورَة، من غير رِوَايَة عبد الله بن مُحَرر، كَمَا سأذكره بعد. 43 - قَالَ: وَأما حَدِيث مَكْحُول عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - فَهُوَ مَوْضُوع. ثمَّ نقل تَكْذِيبه عَن أَحْمد، وَيحيى، وَإِسْحَاق، وَأبي زرْعَة. قَالَ: " وَسِيَاق الْمَتْن ظَاهر النكارة، وَإنَّهُ من الخرافات " انْتهى كَلَامه مُلَخصا. 44 - وسأذكر حَدِيث أنس - رَضِي الله عَنهُ - بِطُولِهِ، وَأَن لَهُ طَرِيقا غير الَّتِي أَشَارَ اليها السُّهيْلي.

ذكر شيء من أخبار الخضر قبل بعثة النبي

45 -[وَتمسك من قَالَ بتعميره، بِقصَّة عين الْحَيَاة، واستندوا إِلَى مَا وَقع من ذكرهَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ، وجامع التِّرْمِذِيّ؛ وَلَكِن لم يثبت ذَلِك مَرْفُوعا، فيتحرر] - ذكر شَيْء من أَخْبَار الْخضر قبل بعثة النَّبِي - 46 - قد قصّ الله تَعَالَى فِي كِتَابه، مَا جرى لمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - وَأخرجه الشَّيْخَانِ من طرق عَن أبي بن كَعْب. وَفِي سِيَاق الْقِصَّة زيادات فِي غير الصَّحِيح، قد نبهت عَلَيْهَا فِي فتح

ومن أخباره مع غير موسى

الْبَارِي بشرح البُخَارِيّ. 47 - وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي - قَالَ: " وددت أَن مُوسَى صَبر، حَتَّى يقص علينا من أَمرهمَا ". 48 - وَهَذَا مِمَّا يسْتَدلّ بِهِ من زعم أَنه لم يكن حَالَة هَذِه الْمقَالة مَوْجُودا، إِذْ لَو كَانَ مَوْجُودا، لأمكن أَن يَصْحَبهُ بعض أكَابِر الصَّحَابَة - رَضِي الله عَنْهُم - فَيرى مِنْهُ نَحوا مِمَّا رأى مُوسَى. وَقد أجَاب عَن هَذَا، من ادّعى بَقَاءَهُ، بِأَن التَّمَنِّي إِنَّمَا كَانَ لما يَقع بَينه وَبَين مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام -، وَغير مُوسَى لَا يقوم مقَامه. - وَمن أخباره مَعَ غير مُوسَى - 49 - مَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير من وَجْهَيْن:

عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن مُحَمَّد بن زِيَاد الْأَلْهَانِي، عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله - قَالَ لأَصْحَابه: " أَلا أخْبركُم عَن الْخضر؟ {قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله} { قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم يمشي فِي سوق بني اسرائيل، أبصره رجل مكَاتب، فَقَالَ لَهُ: تصدق عَليّ - بَارك الله فِيك -، فَقَالَ الْخضر: آمَنت بِاللَّه، مَا شَاءَ الله بِأَمْر يكون، مَا عِنْدِي من شَيْء أُعْطِيك. فَقَالَ الْمِسْكِين: أَسأَلك بِوَجْه [الله] لما تَصَدَّقت عَليّ، فَإِنِّي نظرت السماحة فِي وَجهك، ورجوت الْبركَة عنْدك. فَقَالَ الْخضر: آمَنت بِاللَّه مَا عِنْدِي شَيْء أُعْطِيك، إِلَّا أَن تأخذني وتبيعني. فَقَالَ الْمِسْكِين: وَهل يَسْتَقِيم هَذَا؟ قَالَ: نعم، وَالْحق أَقُول، لقد سَأَلتنِي بِأَمْر عَظِيم، أما أَنِّي لَا أخيبك بِوَجْه رَبِّي، بِعني} قَالَ: فقدمه إِلَى السُّوق، فَبَاعَهُ باربعمائة دِرْهَم، فَمَكثَ عِنْد المُشْتَرِي زَمَانا لَا يَسْتَعْمِلهُ فِي شَيْء. قَالَ لَهُ: إِنَّك إِنَّمَا اشتريتني التمَاس خير عِنْدِي، فأوصني بِعَمَل: قَالَ: أكره أَن أشق عَلَيْك، إِنَّك شيخ كَبِير ضَعِيف. قَالَ: لَيْسَ يشق عَليّ. قَالَ: فَقُمْ، فانقل هَذِه الْحِجَارَة، وَكَانَ لَا ينقلها دون سِتَّة نفر فِي يَوْم - فَخرج الرجل لبَعض حَاجته، ثمَّ انْصَرف، وَقد نقل الْحِجَارَة فِي سَاعَة. فَقَالَ: أَحْسَنت، وأطقت مَا لم أرك تُطِيقهُ.

قَالَ: ثمَّ عرض للرجل سفر، فَقَالَ: إِنِّي أحسبك أَمينا، فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي خلَافَة حَسَنَة { قَالَ: نعم، وأوصني بِعَمَل} قَالَ: إِنِّي أكره أَن أشق عَلَيْك. قَالَ: لَيْسَ يشق عَليّ. قَالَ: فَاضْرب اللَّبن لبيتي، حَتَّى أقدم عَلَيْك. قَالَ: وَمر الرجل لسفره، ثمَّ رَجَعَ، وَقد شيد بناءه. فَقَالَ: أَسأَلك بِوَجْه الله، مَا سَبِيلك؟ وَمَا أَمرك؟ قَالَ: سَأَلتنِي بِوَجْه الله، وَوجه الله أوقعني فِي الْعُبُودِيَّة. فَقَالَ الْخضر: سأخبرك، أَنا الْخضر الَّذِي سَمِعت بِهِ، سَأَلَني مِسْكين صَدَقَة، فَلم يكن عِنْدِي مَا أعْطِيه، فَسَأَلَنِي بِوَجْه الله، وَمن سُئِلَ بِوَجْه الله، فَرد سائله، وَهُوَ يقدر وقف يَوْم الْقِيَامَة، وَلَيْسَ على وَجهه جلد وَلَا لحم إِلَّا عظم يتقعقع. فَقَالَ الرجل: آمَنت بِاللَّه، شققت عَلَيْك يَا نَبِي الله؛ وَلم أعلم. قَالَ: لَا بَأْس، أَحْسَنت، وأيقنت. فَقَالَ الرجل: بِأبي أَنْت وَأمي يَا نَبِي الله أحكم فِي أَهلِي وَمَالِي بِمَا شِئْت، أَو اختر فأخلي سَبِيلك. قَالَ: أحب أَن تخلي سبيلي، فاعبد رَبِّي! قَالَ: فخلي سَبيله. فَقَالَ الْخضر: الْحَمد لله الَّذِي أوقعني فِي الْعُبُودِيَّة، ثمَّ نجاني مِنْهَا ".

ذكر من ذهب إلى أن الخضر مات

50 - قلت: وَسَنَد هَذَا الحَدِيث حسن، لَوْلَا عنعنة بَقِيَّة. وَلَو ثَبت لَكَانَ نصا أَن الْخضر نَبِي، لحكاية النَّبِي - قَول الرجل: " يَا نَبِي الله " وَتَقْرِيره على ذَلِك. - ذكر من ذهب إِلَى أَن الْخضر مَاتَ - 51 - نقل أَبُو بكر النقاش فِي تَفْسِيره: عَن عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا، وَعَن مُحَمَّد بن اسماعيل البُخَارِيّ: أَن الْخضر مَاتَ. " وَأَن البُخَارِيّ سُئِلَ عَن حَيَاة الْخضر، فَأنْكر ذَلِك، وَاسْتدلَّ

بِالْحَدِيثِ: " إِن على رَأس مائَة سنة لَا يبْقى على وَجه الأَرْض، مِمَّن هُوَ عَلَيْهَا أحد. " وَهَذَا أخرجه هُوَ فِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر، وَهُوَ عُمْدَة من تمسك بِأَنَّهُ مَاتَ، وَأنكر أَن يكون بَاقِيا. 52 - وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره: " الْجُمْهُور على أَنه مَاتَ؛ وَنقل عَن [ابْن] أبي الْفضل المرسي أَن الْخضر صَاحب مُوسَى مَاتَ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ حَيا لزمَه الْمَجِيء إِلَى النَّبِي - وَالْإِيمَان بِهِ، واتباعه. قد روى عَن النَّبِي - قَالَ: " لَو كَانَ مُوسَى حَيا مَا وَسعه إِلَّا اتباعي. " وَأَشَارَ إِلَى أَن الْخضر هُوَ غير صَاحب مُوسَى. وَقَالَ غَيره: لكل زمَان خضر، وَهِي دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا. 53 - وَنقل [أَبُو الْحُسَيْن] بن الْمُنَادِي، فِي كِتَابه الَّذِي جمعه فِي تَرْجَمَة

الْخضر: عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، " أَن الْخضر مَاتَ ". وَبِذَلِك جزم ابْن الْمُنَادِي الْمَذْكُور. 54 - أ [وَنقل أَيْضا عَن عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ صلى رَسُول الله - ذَات لَيْلَة صَلَاة الْعشَاء، فِي آخر حَيَاته، فَلَمَّا سلم قَالَ: أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه، قَالَ: على رَأس مائَة سنة لَا يبْقى على وَجه الأَرْض أحد. " ب وَأخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر قَالَ، قَالَ رَسُول الله - قبل مَوته بِشَهْر: تَسْأَلُونِي عَن السَّاعَة، وَإِنَّمَا علمهَا عِنْد الله، وَأقسم بِاللَّه مَا على الأَرْض نفس منفوسة تَأتي عَلَيْهَا مائَة سنة ". هَذِه رِوَايَة أبي الزبير عَنهُ. ج وَفِي رِوَايَة أبي نَضرة عَنهُ:

قَالَ قبل مَوته بِقَلِيل أَو بِشَهْر: " مَا من نفس ... . " وَزَاد فِي آخِره: وَهِي يَوْمئِذٍ حَيَّة ". د وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي سُفْيَان عَن جَابر نَحْو رِوَايَة أبي الزبير] . 55 - وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي جزئه الَّذِي جمعه فِي ذَلِك، عَن أبي يعلي بن الْفراء الْحَنْبَلِيّ، قَالَ: سُئِلَ بعض أَصْحَابنَا عَن الْخضر، هَل مَاتَ؟ فَقَالَ: نعم! ... [قَالَ] وَبَلغنِي مثل هَذَا عَن أبي طَاهِر بن الْعَبَّادِيّ، وَكَانَ يحْتَج بِأَنَّهُ لَو كَانَ حَيا، لجاء إِلَى النَّبِي -. [قلت: وَمِنْهُم أَبُو الْفضل بن نَاصِر، وَالْقَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ، وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن النقاش] . 56 - وَاسْتدلَّ ابْن الْجَوْزِيّ، بِأَنَّهُ لَو كَانَ حَيا، مَعَ مَا ثَبت أَنه كَانَ فِي زمن مُوسَى وَقبل ذَلِك، لَكَانَ [قدر] جسده مناسبا لأجساد أُولَئِكَ.

ثمَّ سَاق بِسَنَد لَهُ إِلَى أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: " كَانَ أنف دانيال ذِرَاعا، وَلما كشف عَنهُ فِي زمن أبي مُوسَى، قَامَ رجل إِلَى جنبه، فَكَانَت ركبة دانيال محاذية لرأسه. " وَالَّذين يدعونَ رُؤْيَة الْخضر، لَيْسَ فِي سَائِر أخبارهم مَا يدل على أَن جسده نَظِير أَجْسَادهم. 57 - ثمَّ اسْتدلَّ بِمَا أخرجه أَحْمد من طَرِيق مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر - رَضِي الله عَنهُ - ان رَسُول الله - قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو أَن مُوسَى كَانَ حَيا مَا وَسعه إِلَّا أَن يَتبعني ". قَالَ: فَإِذا كَانَ هَذَا فِي حق مُوسَى، فَكيف لم يتبعهُ الْخضر لَو كَانَ

حَيا، فَيصَلي مَعَه الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة، ويجاهد تَحت رايته. كَيفَ ثَبت أَن عِيسَى يُصَلِّي خلف إِمَام هَذِه الْأمة. 58 - وَاسْتدلَّ أَيْضا بقوله تَعَالَى: (وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين، لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ... .) الْآيَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: " مَا بعث الله نَبيا إِلَّا اخذ عَلَيْهِ الْمِيثَاق: لإن بعث مُحَمَّد - وَهُوَ حَيّ - ليُؤْمِنن بِهِ، ولينصرنه "

[فَلَو كَانَ الْخضر مَوْجُودا فِي عهد النَّبِي - لجاء اليه، وَنَصره بِيَدِهِ، وَلسَانه، وَقَاتل تَحت رايته؛ وَكَانَ من أعظم الْأَسْبَاب فِي إِيمَان مُعظم أهل الْكتاب الَّذين يعْرفُونَ قصَّته مَعَ مُوسَى] . 59 - وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي: بحثت عَن تعمير الْخضر، وَهل هُوَ بَاقٍ أم لَا؟ فَإِذا أَكثر المغفلين مفترون بِأَنَّهُ بَاقٍ من اجل مَا رُوِيَ فِي ذَلِك! قَالَ: وَالْأَحَادِيث المرفوعة فِي ذَلِك واهية؛ والسند إِلَى أهل الْكتاب سَاقِط لعدم ثقتهم وَخبر مسلمة بن مصلقة كالخرافة. وَخبر ريَاح كَالرِّيحِ. 60 - وَقَالَ: وَمَا عدا ذَلِك كُله من الْأَخْبَار، كلهَا واهية الصُّدُور والإعجاز، لَا يَخْلُو حَالهَا من أحد أَمريْن: أما أَن أدخلت على الثفات استغفالا. أَو يكون بَعضهم تعمد [ذَلِك] . وَقد قَالَ الله تَعَالَى: (وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد) .

61 - قَالَ: وَأهل الحَدِيث متفقون على أَن حَدِيث أنس مُنكر السَّنَد، سقيم الْمَتْن، [وان الْخضر لم يراسل نَبينَا وَلم يلقه] . 62 - قَالَ: وَلَو كَانَ الْخضر حَيا، لما وَسعه التَّخَلُّف عَن رَسُول الله - وَالْهجْرَة إِلَيْهِ. 63 - قَالَ: وَقد أَخْبرنِي بعض أَصْحَابنَا أَن إِبْرَاهِيم [الْحَرْبِيّ] سُئِلَ عَن تعمير الْخضر، فَأنْكر ذَلِك؛ وَقَالَ: هُوَ متقادم الْمَوْت. 64 - قَالَ: وروجع غَيره فِي تعميره فَقَالَ: " من أحَال على غَائِب حَيّ أَو مَفْقُود ميت، لم ينتصف مِنْهُ وَمَا ألْقى هَذَا بَين النَّاس إِلَّا الشَّيْطَان ". انْتهى. 65 - وَقد ذكرت الْأَخْبَار الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا، وأضفت إِلَيْهَا أَشْيَاء كَثِيرَة من جِنْسهَا، وغالبها لَا يَخْلُو طَرِيقه من عِلّة. وَالله الْمُسْتَعَان. 66 -[وَفِي تَفْسِير الْأَصْبَهَانِيّ رُوِيَ عَن الْحسن، أَنه كَانَ يذهب إِلَى أَن الْخضر مَاتَ. 67 - وَرُوِيَ عَن البُخَارِيّ، أَنه سُئِلَ عَن الْخضر وإلياس هَل هما فِي الْأَحْيَاء؟ فَقَالَ: كَيفَ يكون ذَلِك وَقد قَالَ النَّبِي - فِي آخر عمره: " أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه، فان على رَأس مائَة سنة مِنْهَا، لَا يبْقى على وَجه

الأَرْض مِمَّن هُوَ الْيَوْم عَلَيْهَا أحد "] . 68 - وَاحْتج ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا، بِمَا ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ، ان النَّبِي - قَالَ يَوْم بدر: " اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة، لَا تعبد فِي الأَرْض ". [وَلم يكن الْخضر فيهم، وَلَو كَانَ يَوْمئِذٍ حَيا، لورد على هَذَا الْعُمُوم فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن يعبد الله قطعا. 69 - وَاسْتدلَّ غَيره بقوله -: " لَا نَبِي بعدِي ".

- ذكر الأخبار التي وردت أن الخضر كان في زمن النبي - ثم بعده إلى الآن

70 - وَنسب إِلَى ابْن دحْيَة القَوْل فِي ذَلِك؛ وَهُوَ معترض بِعِيسَى بن مَرْيَم، فانه نَبِي قطعا، وَثَبت انه ينزل إِلَى الأَرْض فِي آخر الزَّمَان، وَيحكم بشريعة النَّبِي -. 71 - فَوَجَبَ حمل النَّفْي على إنْشَاء النُّبُوَّة لأحد من النَّاس، لَا على نفي وجود نَبِي، كَانَ قد نبئ قبل ذَلِك] . - ذكر الْأَخْبَار الَّتِي وَردت أَن الْخضر كَانَ فِي زمن النَّبِي - ثمَّ بعده إِلَى الْآن - 72 - روى ابْن عدي فِي الْكَامِل، من طَرِيق عبد الله بن نَافِع عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه عَن جده: " أَن رَسُول الله - كَانَ فِي الْمَسْجِد، فَسمع كلَاما من وَرَائه، فَإِذا هُوَ [بقائل] يَقُول: اللَّهُمَّ أَعنِي على مَا ينجيني مِمَّا خوفتني. فَقَالَ رَسُول الله - حِين سمع ذَلِك: " أَلا تضم إِلَيْهَا أُخْتهَا ". فَقَالَ الرجل: " اللَّهُمَّ ارزقني شوق الصَّالِحين، إِلَى مَا شوقتهم إِلَيْهِ.

فَقَالَ النَّبِي - لأنس بن مَالك [وَكَانَ مَعَه] : اذْهَبْ يَا أنس {فَقل لَهُ: يَقُول لَك رَسُول الله -: اسْتغْفر لي. فَجَاءَهُ أنس، فَبَلغهُ ; فَقَالَ الرجل: يَا أنس} أَنْت رَسُول رَسُول الله - الي؟ فَرجع فاستثبته. فَقَالَ لَهُ النَّبِي -: قل لَهُ: نعم! فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ، فَقل لَهُ: " إِن الله فضلك على الْأَنْبِيَاء مثل مَا فضل بِهِ رَمَضَان على الشُّهُور ; وَفضل أمتك على الْأُمَم مثل مَا فضل يَوْم الْجُمُعَة، على سَائِر الْأَيَّام. " [فَذَهَبُوا ينظرُونَ] ، فَإِذا هُوَ: الْخضر [عَلَيْهِ السَّلَام] . 73 - كثير بن عبد الله ضعفه الْأَئِمَّة. وَلَكِن جَاءَ من غير رِوَايَته.

74 - قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي: 3 - أَخْبرنِي أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن النَّضر العسكري أَن مُحَمَّد بن سَلام المنبجي حَدثهمْ. (ب) - وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن الْفضل بن جَابر عَن مُحَمَّد بن سَلام المنبجي: حَدثنَا وضاح بن عباد الْكُوفِي، حَدثنَا عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول، حَدثنِي أنس بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: " خرجت لَيْلَة من اللَّيَالِي - أحمل مَعَ النَّبِي - الطّهُور - فَسمع مناديا يُنَادي، فَقَالَ لي: يَا أنس! صه؛ [قَالَ] : فَسكت فاستمع فَإِذا هُوَ يَقُول: " اللَّهُمَّ أَعنِي على مَا ينجيني مِمَّا خوفتني مِنْهُ ". قَالَ: فَقَالَ النَّبِي -:

" لَو قَالَ أُخْتهَا مَعهَا " { فَكَأَن الرجل لقن مَا أَرَادَ النَّبِي -، فَقَالَ: " وارزقني شوق الصَّالِحين إِلَى مَا شوقتهم إِلَيْهِ ". فَقَالَ النَّبِي - لي: " يَا أنس} ضع لي الطّهُور، وائت هَذَا الْمُنَادِي، فَقل لَهُ: ادْع الله تَعَالَى لرَسُول الله - أَن يُعينهُ الله على مَا ابتعثه بِهِ، وادع لأمته أَن يَأْخُذُوا مَا أَتَاهُم بِهِ نَبِيّهم بِالْحَقِّ. " فَأَتَيْته، فَقلت: رَحِمك الله، ادْع الله لرَسُول الله - أَن يُعينهُ الله على مَا ابتعث بِهِ، وادع لأمته أَن يَأْخُذُوا مَا آتَاهُم بِهِ نَبِيّهم بِالْحَقِّ ". فَقَالَ لي: وَمن أرسلك، فَكرِهت أَن اخبره - وَلم أَستَأْمر رَسُول الله -، فَقلت لَهُ: رَحِمك الله: مَا يَضرك من أَرْسلنِي، ادْع بِمَا قلت لَك، فَقَالَ: لَا أَو تُخبرنِي بِمن أرسلك. قَالَ: فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله - فَقلت لَهُ: يَا رَسُول الله {أَبى أَن يَدْعُو لَك بِمَا قلت، حَتَّى أخبرهُ بِمن أَرْسلنِي، فَقَالَ: ارْجع إِلَيْهِ، فَقل لَهُ: أَنا [رَسُول] رَسُول الله - فَرَجَعت إِلَيْهِ، فَقلت لَهُ؛ فَقَالَ لي: مرْحَبًا برَسُول رَسُول الله -: أَنا كنت أَحَق أَن آتيه، اقْرَأ على رَسُول الله - مني السَّلَام، وَقل لَهُ: يَا رَسُول الله} الْخضر يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله! وَيَقُول لَك: يَا رَسُول الله: إِن الله فضلك على الْأَنْبِيَاء، كَمَا فضل شهر رَمَضَان على سَائِر الشُّهُور، وَفضل أمتك على الْأُمَم كَمَا فضل يَوْم الْجُمُعَة على سَائِر الْأَيَّام. قَالَ: فَلَمَّا وليت سمعته يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من هَذِه الْأمة المرشدة المرحومة المتوب عَلَيْهَا. "

75 - وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط. عَن بشر بن عَليّ بن بشر الْعمي، عَن مُحَمَّد بن سَلام. وَقَالَ: لم يروه عَن أنس إِلَّا عَاصِم، وَلَا عَنهُ إِلَّا وضاح، تفرد بِهِ مُحَمَّد بن سَلام. 76 - قلت: وَقد جَاءَ من وَجْهَيْن آخَرين عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ -: وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي " هَذَا حَدِيث واه بالوضاح وَغَيره، وهومنكر الحَدِيث وَسَقِيم الْمَتْن، وَلم يراسل الْخضر نَبينَا - وَلم يلقه ". واستبعده ابْن الْجَوْزِيّ من جِهَة إِمْكَان لقيَاهُ النَّبِي - واجتماعه مَعَه، ثمَّ لَا يجِئ اليه. 77 - وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي خَالِد - مُؤذن مَسْجِد مسْلبَةٌ -

حَدثنَا أَبُو دَاوُد عَن أنس، فَذكر نَحوه. 78 - وَقَالَ ابْن شاهين: حَدثنَا مُوسَى بن انس بن خَالِد بن عبد الله بن طَلْحَة بن مُوسَى بن انس بن مَالك، حَدثنَا أبي، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، حَدثنَا حَاتِم بن أبي رواد، عَن معَاذ بن عبد الله بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: " خرج رَسُول الله - ذَات لَيْلَة لحَاجَة، فَخرجت خَلفه، فسمعنا قَائِلا يَقُول: " اللَّهُمَّ اني أَسأَلك شوق الصَّالِحين، إِلَى مَا شوقتهم إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُول الله -: " لَو أضَاف اختها اليه ". فسمعنا الْقَائِل، وَهُوَ يَقُول: " اللَّهُمَّ تعينني بِمَا ينجيني مِمَّا خوفتني مِنْهُ. "

فَقَالَ رَسُول الله -: " وَجَبت وَرب الْكَعْبَة " يَا انس ائْتِ الرجل، فَاسْأَلْهُ أَن يَدْعُو لرَسُول الله - أَن يرزقه الْقبُول من أمته، والعون على مَا جَاءَ بِهِ من الْحق والتصديق. قَالَ أنس - رَضِي الله عَنهُ -: فَأتيت الرجل، فَقلت: يَا أَبَا عبد الله! ادْع لرَسُول الله - فَقَالَ لي: وَمن أَنْت؟ فَكرِهت أَن أخبرهُ، وَلم أَسْتَأْذن، وأبى أَن يَدْعُو حَتَّى اخبره، فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله - فَأَخْبَرته؛ فَقَالَ: أخبرهُ. فَرَجَعت، فَقلت لَهُ: أَنا رَسُول رَسُول الله - اليك، فَقَالَ: مرْحَبًا برَسُول رَسُول الله - فَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: أقرأه مني السَّلَام؛ وَقل لَهُ: أَنا أَخُوك الْخضر، وَأَنا كنت أَحَق أَن آتِيك. قَالَ: فَلَمَّا وليت، سمعته يَقُول: " اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من هَذِه الْأمة المرحومة المتاب عَلَيْهَا ". 79 - قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد: حَدثنَا أَحْمد بن الْعَبَّاس الْبَغَوِيّ حَدثنَا أنس بن خَالِد، حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بِهِ نَحوه. 80 - وَمُحَمّد بن عبد الله هَذَا هُوَ أَبُو سَلمَة الْأنْصَارِيّ؛ وَهُوَ واهي الحَدِيث جدا،

وَلَيْسَ هُوَ شيخ البُخَارِيّ قَاضِي الْبَصْرَة، ذَاك ثِقَة، وَهُوَ أقدم من أبي سَلمَة. 81 - وروينا فِي فَوَائِد أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمُزنِيّ تَخْرِيج الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن زبد، حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم، حَدثنَا الْحسن بن رزين، عَن ابْن جريج عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس - لَا أعلمهُ إِلَّا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي -، قَالَ: " يلتقي الْخضر وإلياس فِي كل عَام فِي الْمَوْسِم، فيحلق كل وَاحِد مِنْهُمَا رَأس صَاحبه، ويتفرقان عَن هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات: " بِسم الله مَا شَاءَ الله، لَا يَسُوق الْخَيْر إِلَّا الله؛ بِسم الله مَا شَاءَ الله لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْإِفْرَاد: لم يحدث بِهِ عَن ابْن جريح غير الْحسن بن رزين، وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: لم يُتَابع عَلَيْهِ، وَهُوَ مَجْهُول، وَحَدِيثه غير مَحْفُوظ ; وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي:

هُوَ حَدِيث واه بالْحسنِ الْمَذْكُور. انْتهى. 82 - وَقد جَاءَ من غير طَرِيقه - لَكِن من وَجه واه جدا - أخرجه ابْن الْجَوْزِيّ من طَرِيق: أَحْمد بن عمار، حَدثنَا مُحَمَّد بن مهْدي، حَدثنَا مهْدي بن هِلَال، حَدثنِي ابْن جريج فَذكر بِلَفْظ: " يجْتَمع الْبري والبحري إلْيَاس وَالْخضر كل عَام بِمَكَّة ". قَالَ ابْن عَبَّاس: بلغنَا أَنه يحلق أَحدهمَا رَأس صَاحبه، وَيَقُول أَحدهمَا للْآخر ; قل: بِسم الله ... . الخ ". وَزَاد: قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ رَسُول الله -: " مَا من عبد قَالَهَا كل يَوْم إِلَّا أَمن من الحرق وَالْغَرق والسرق، وكل شَيْء يكرههُ حَتَّى يُمْسِي، وَكَذَلِكَ حَتَّى يصبح ".

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: " أَحْمد بن عمار مَتْرُوك عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ ". ومهدي بن هِلَال مثله. قَالَ ابْن حبَان: مهْدي بن هِلَال يروي الموضوعات. 83 - وَمن طَرِيق عبيد بن إِسْحَاق الْعَطَّار، حَدثنَا مُحَمَّد بن ميسر عَن عبد الله بن الْحسن عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ قَالَ: " يجْتَمع فِي كل يَوْم عَرَفَة جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَالْخضر. فَيَقُول جِبْرِيل: مَا شَاءَ الله، لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه؛ فَيرد عَلَيْهِ مِيكَائِيل مَا شَاءَ الله، كل نعْمَة فَمن الله؛ فَيرد عَلَيْهِمَا إسْرَافيل: مَا شَاءَ الله الْخَيْر كُله بيد الله؛ فَيرد عَلَيْهِم الْخضر فَيَقُول: مَا شَاءَ الله، لَا يدْفع السوء إِلَّا الله. ثمَّ يتفرقون فَلَا يَجْتَمعُونَ إِلَّا إِلَى قَابل فِي مثل هَذَا الْيَوْم ". وَعبيد

بن إِسْحَاق مَتْرُوك الحَدِيث. 84 - وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد كتاب الزّهْد لِأَبِيهِ عَن الْحسن بن عبد الْعَزِيز عَن السّري بن يحيى عَن عبد الْعَزِيز بن رواد قَالَ: يجْتَمع الْخضر وإلياس بِبَيْت الْمُقَدّس فِي شهر رَمَضَان من أَوله إِلَى

آخِره، ويفطران على الكرفس وإقبال الْمَوْسِم كل عَام - وَهَذَا معضل. 85 - روينَا فِي فَوَائِد أبي عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ الباشاني حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن حبيب الْفرْيَابِيّ، حَدثنَا صَالح عَن أَسد بن سعيد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن ابائه عَن عَليّ قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي - فَذكره عِنْده الأدهان، فَقَالَ: " فضل دهن البنفسج على سَائِر الأدهان، كفضلنا أهل الْبَيْت على سَائِر الْخلق. قَالَ: وَكَانَ النَّبِي - يدهن بِهِ ويستعط ". فَذكر حَدِيثا طَويلا فِيهِ: الكراث، والبازروج، والجرجير، والهندباء، والكمأة، والكرفس، وَاللَّحم، وَالْحِيتَان - وَفِيه: الكمأة من الْجنَّة، مَاؤُهَا شِفَاء للعين، وفيهَا شِفَاء من السم، وَهِي طَعَام إلْيَاس وَالْيَسع، يَجْتَمِعَانِ كل عَام بِالْمَوْسِمِ، يشربان شربة مَاء زَمْزَم فيكتفيان بهَا إِلَى قَابل، فَيرد الله شبابهما فِي كل مائَة عَام مرّة، وطعامهما الكمأة والكرفس. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَا شكّ فِي أَن هَذَا الحَدِيث مَوْضُوع وَالْمُتَّهَم بِهِ عبد الرَّحِيم بن حبيب، فقد قَالَ ابْن حَيَّان: إِنَّه كَانَ يضع الحَدِيث.

وَقد تقدم عَن مقَاتل ان اليسع هُوَ الْخضر. 86 - قَالَ ابْن شاهين: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الْحَرَّانِي، حَدثنَا أَبُو طَاهِر خير بن عَرَفَة، حَدثنَا هاني بن المتَوَكل، حَدثنَا بَقِيَّة عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن مَكْحُول سَمِعت وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: " غزونا مَعَ رَسُول الله - غَزْوَة تَبُوك، حَتَّى إِذا كُنَّا بِأَرْض جذام، وَقد كَانَ أَصَابَنَا عَطش، فَإِذا بَين أَيْدِينَا [آثَار] غيث، فسرنا ميلًا، فَإِذا بغدير، حَتَّى إِذا ذهب ثلث اللَّيْل إِذا نَحن بمناد يُنَادي بِصَوْت حَزِين:

اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من أمة مُحَمَّد المرحومة المغفور لَهَا، المستجاب لَهَا. وَالْمبَارك عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُول الله -: يَا حُذَيْفَة وَيَا أنس ادخلا إِلَى هَذَا الشّعب، فانظرا مَا هَذَا الصَّوْت {؟ قَالَ: فَدَخَلْنَا، فَإِذا نَحن بِرَجُل عَلَيْهِ ثِيَاب بيض أَشد بَيَاضًا من الثَّلج، وَإِذا وَجهه ولحيته كَذَلِك، وَإِذا هُوَ أَعلَى جسما منا بذراعين أَو ثَلَاثَة؛ فسلمنا عَلَيْهِ فَرد علينا السَّلَام، ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا} أَنْتُمَا رَسُولا رَسُول الله -، فَقُلْنَا: نعم! من أَنْت - يَرْحَمك الله - قَالَ: أَنا إلْيَاس النَّبِي، خرجت أُرِيد مَكَّة، فَرَأَيْت عسكركم، فَقَالَ لي جند من الْمَلَائِكَة - وعَلى مقدمتهم جِبْرِيل وعَلى ساقتهم مِيكَائِيل: هَذَا أَخُوك رَسُول الله - فَسلم عَلَيْهِ والقه؛ ارْجِعَا إِلَيْهِ فاقرئاه مني السَّلَام، وقولا لَهُ: لم يَمْنعنِي من الدُّخُول إِلَى عسكركم إِلَّا أَنِّي تخوفت أَن تذْعَر الْإِبِل، ويفزع الْمُسلمُونَ من طولى، فَإِن خلقي لَيْسَ كخلقكم، قولا لَهُ -: يأتيني. قَالَ حُذَيْفَة وَأنس: فصافحناه. فَقَالَ لأنس: يَا خَادِم رَسُول الله - من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا حُذَيْفَة صَاحب سر رَسُول الله - فَرَحَّبَ بِهِ، ثمَّ قَالَ: أَنه لفي السَّمَاء اشهر مِنْهُ فِي الأَرْض، يُسَمِّيه أهل السَّمَاء صَاحب سر رَسُول الله -. قَالَ حُذَيْفَة: هَل تلقى الْمَلَائِكَة؟

قَالَ: مَا من يَوْم إِلَّا وَأَنا القاهم، يسلمُونَ عَليّ وَأسلم عَلَيْهِم. فأتينا النَّبِي - فَخرج مَعنا حَتَّى أَتَيْنَا الشّعب، فَإِذا ضوء وَجه إلْيَاس وثيابه كَالشَّمْسِ. فَقَالَ النَّبِي -: على رسلكُمْ. فتقدمنا قدر خمسين ذِرَاعا، فعانقه مَلِيًّا، ثمَّ قعدا، فَرَأَيْنَا شَيْئا يشبه الطير الْعِظَام، وَقد أحدقت بهما، وَهِي بيض قد نشرت أَجْنِحَتهَا، فحالت بَيْننَا وَبَينهمَا. ثمَّ صرخَ بِنَا رَسُول الله - فَقَالَ: يَا حُذَيْفَة يَا أنس {فقدمنا فَإِذا بَين أَيْدِيهِمَا مائدة خضراء لم أر شَيْئا قطّ أحسن مِنْهَا قد غلبت خضرتها بياضنا، فَصَارَت وُجُوهنَا خضراء، وَإِذا عَلَيْهَا جبن وتمر ورمان وموز وعنب وَرطب وبقل مَا خلا الكراث فَقَالَ النَّبِي -: كلوا بِسم الله، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله أَمن طَعَام الدُّنْيَا هَذَا؟} قَالَ: لَا، قَالَ لنا: هَذَا رِزْقِي ولي فِي كل أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة أَكلَة يأتيني بهَا الْمَلَائِكَة، فَكَانَ هَذَا تَمام الْأَرْبَعين، وَهُوَ شَيْء يَقُول الله لَهُ: كن فَيكون؛ فَقُلْنَا: من أَيْن وَجهك؟ قَالَ: من خلف رُومِية، كنت فِي جَيش من الْمَلَائِكَة مَعَ جَيش من مُسْلِمِي الْجِنّ غزونا أمة من الْكفَّار. فَقُلْنَا كم مَسَافَة ذَلِك الْموضع الَّذِي كنت فِيهِ؟ قَالَ: أَرْبَعَة أشهر وفارقته أَنا مُنْذُ عشرَة أَيَّام، وَأَنا أُرِيد مَكَّة، أشْرب مِنْهَا فِي كل سنة شربة، وَهِي ريي وعصمتي إِلَى تَمام الْمَوْسِم من قَابل. قُلْنَا: وَأي المواطن أَكثر مثواك؛ قَالَ: الشَّام، وَبَيت الْمُقَدّس، وَالْمغْرب، واليمن، وَلَيْسَ من مَسْجِد من مَسَاجِد مُحَمَّد - إِلَّا وَأَنا أدخلهُ كَبِيرا أَو صَغِيرا. فَقُلْنَا: مَتى عَهْدك بالخضر؟ قَالَ: مُنْذُ سنة كنت

قد التقيت أَنا وَهُوَ بِالْمَوْسِمِ، وَأَنا أَلْقَاهُ بِالْمَوْسِمِ، وَقد كَانَ قَالَ لي: إِنَّك ستلقى مُحَمَّدًا قبلي، فاقراه مني السَّلَام، وعانقه وَبكى، وعانقنا وَبكى وبكينا، فَنَظَرْنَا اليه حِين هوى فِي السَّمَاء، كَأَنَّهُ حمل حملا، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله لقد رَأينَا عجبا إِذْ هوى فِي السَّمَاء. قَالَ: " يكون بَين جناحي ملك، حَتَّى يَنْتَهِي بِهِ حَيْثُ أَرَادَ. " 87 - قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَعَلَّ بَقِيَّة سمع هَذَا من كَذَّاب فدلسه عَن الْأَوْزَاعِيّ. قَالَ: وَخير بن عَرَفَة لَا يدْرِي من هُوَ؟ قلت: هُوَ مُحدث مصري مَشْهُور، وَاسم جده عبد الله بن كَامِل، يكنى أَبَا الطَّاهِر، رُوِيَ عَنهُ أَبُو طَالب الْحَافِظ شيخ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَمَات سنة 283 هـ. 88 - وَقد رَوَاهُ غير بَقِيَّة عَن الْأَوْزَاعِيّ على صفة اخرى: قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا:

حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي، حَدثنَا يزِيد بن يزِيد الْموصِلِي التَّيْمِيّ مولى لَهُم، حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق الجرشِي، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن مَكْحُول عَن انس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: " غزونا مَعَ رَسُول الله - حَتَّى إِذا كُنَّا بفج النَّاقة بِهَذَا الْحجر، إِذا نَحن بِصَوْت يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من أمة مُحَمَّد المرحومة المغفور لَهَا، المتاب عَلَيْهَا، المستجاب مِنْهَا. فَقَالَ لي رَسُول الله -: يَا أنس انْظُر مَا هَذَا الصَّوْت { قَالَ: فَدخلت الْجَبَل، فَإِذا رجل أَبيض الرَّأْس واللحية، وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض طوله أَكثر من ثَلَاث مائَة ذِرَاع، فَلَمَّا نظر إِلَيّ قَالَ: أَنْت رَسُول رَسُول الله - قلت: نعم، قَالَ: ارْجع اليه، فاقرأ عَلَيْهِ مني السَّلَام، وَقل لَهُ: هَذَا أَخُوك إلْيَاس يُرِيد يلقاك. فجَاء النَّبِي - وَأَنا مَعَه، حَتَّى إِذا كنت قَرِيبا مِنْهُ تقدم، وتأخرت، فتحدثا طَويلا فَنزل عَلَيْهِمَا شَيْء من السَّمَاء شَبيه السفرة، فدعواني، فَأكلت مَعَهُمَا فَإِذا فيهمَا كمأة ورمان وكرفس، فَلَمَّا أكلت قُمْت فتنحيت، وَجَاءَت سَحَابَة فاحتملته، انْظُر إِلَى بَيَاض ثِيَابه فِيهَا، تهوى بِهِ قبل الشَّام. فَقلت للنَّبِي -: بِأبي أَنْت وَأمي، هَذَا الطَّعَام الَّذِي أكلنَا من السَّمَاء نزل عَلَيْك؟} قَالَ: سَأَلته عَنهُ، فَقَالَ: أَتَانِي بِهِ جِبْرِيل، ولي كل أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَكلَة، وَفِي كل حول شربة من مَاء زَمْزَم، وَرُبمَا رَأَيْته على الْجب يمسك بالدلو فيشرب، وَرُبمَا سقاني ".

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يزِيد وَأَبُو إِسْحَاق لَا يعرفان، وَقد خَالف هَذَا الَّذِي قبله فِي طول إلْيَاس. 89 - وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَليّ بن الْحُسَيْن بن ثَابت الدوري عَن هِشَام بن خَالِد عَن الْحسن بن يحيى الْخُشَنِي، عَن ابْن أبي رواد قَالَ: " الْخضر وإلياس يصومان بِبَيْت الْمُقَدّس، ويحجان فِي كل سنة، ويشربان من زَمْزَم شربة تكفيهما إِلَى مثلهَا من قَابل ". 90 - ثمَّ وجدت فِي زيادات الزّهْد لعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: وجدت فِي كتاب أبي بِخَطِّهِ: حَدثنَا مهْدي بن جَعْفَر، حَدثنِي

ضَمرَة عَن السّري بن يحيى عَن ابْن أبي رواد قَالَ: إلْيَاس وَالْخضر يصومان شهر رَمَضَان بِبَيْت الْمُقَدّس، ويوافيان الْمَوْسِم فِي كل عَام ". قَالَ عبد الله: وحَدثني الْحسن هُوَ ابْن رَافع، عَن ضَمرَة عَن السّري عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد مثله. 91 - وَقَالَ ابْن جرير فِي تأريخه: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن الحكم الْمصْرِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن المتَوَكل، حَدثنَا ضَمرَة بن ربيعَة، عَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ: " الْخضر من ولد فَارس وإلياس من بني إِسْرَائِيل، يَلْتَقِيَانِ فِي كل عَام بِالْمَوْسِمِ. "

92 - قَالَ الفاكهي فِي كتاب مَكَّة: حَدثنَا الزبير بن بكار، حَدثنِي حَمْزَة بن عتبَة، حَدثنِي مُحَمَّد بن عمرَان عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: كنت مَعَ أبي بِمَكَّة فِي ليَالِي الْعشْر، وَأبي قَائِم يُصَلِّي فِي الْحجر، فَدخل عَلَيْهِ رجل أَبيض الرَّأْس واللحية من الْأَعْرَاب، فَجَلَسَ إِلَى جنب أبي فَخفف؛ فَقَالَ: إِنِّي جِئْت - يَرْحَمك الله - تُخبرنِي عَن أول خلق هَذَا الْبَيْت. قَالَ: وَمن أَنْت؟ قَالَ: أَنا رجل من أهل الْمغرب. قَالَ: إِن أول خلق هَذَا الْبَيْت أَن الله لما رد عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة حَيْثُ قَالُوا: (أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا) غضب، فطافوا بِعَرْشِهِ، فاعتذروا فرضى عَنْهُم. وَقَالَ: اجعلوا لي فِي الأَرْض بَيْتا يطوف بِهِ من عبَادي من أغضب عَلَيْهِ، فأرضى عَنهُ، كَمَا رضيت عَنْكُم،

- باب ما جاء في بقاء الخضر بعد النبي - ومن نقل عنه أنه رآه وكلمه

فَقَالَ لَهُ الرجل: أَي - يَرْحَمك الله - مَا بَقِي من أهل زَمَانك أعلم مِنْك، ثمَّ ولي. فَقَالَ لي أبي: أدْرك الرجل فَرده عَليّ. فَخرجت - وَأَنا أنظر إِلَيْهِ - فَلَمَّا بلغ بَاب الصَّفَا مثل، فَكَأَنَّهُ لم يكن شَيْئا. فَأخْبرت أبي. فَقَالَ: تَدْرِي من هَذَا؟ {قَالَ: قلت: لَا. قَالَ: هَذَا الْخضر. - بَاب مَا جَاءَ فِي بَقَاء الْخضر بعد النَّبِي - وَمن نقل عَنهُ أَنه رَآهُ وَكَلمه - 93 - قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي التَّفْسِير: حَدثنَا أبي، حَدثنَا عبد الْعَزِيز الأويسي، حَدثنَا عَليّ بن أبي عَليّ الْهَاشِمِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه أَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: " لما توفّي النَّبِي - وَجَاءَت التَّعْزِيَة، فَجَاءَهُمْ آتٍ يسمعُونَ حسه وَلَا يرَوْنَ شخصه، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْبَيْت وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته: كل نفس ذائقة الْمَوْت، وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة، أَن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كل هَالك، ودركا من كل مَا فَاتَ. فبالله فثقوا. وإياه فارجوا، فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب ". قَالَ جَعْفَر: أَخْبرنِي أبي أَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: " تَدْرُونَ من هَذَا؟ هَذَا الْخضر} ".

94 - وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن مَنْصُور الْجَوَاز، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر وَعبد الله بن مَيْمُون القداح جَمِيعًا: عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن عَليّ بن الْحُسَيْن، سَمِعت أبي يَقُول: " لما قبض رَسُول الله - جَاءَت التَّعْزِيَة، يسمعُونَ حسه وَلَا يرَوْنَ شخصه، - السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله أهل الْبَيْت {إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كل هَالك، ودركا من كل مَا فَاتَ؛ فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فَإِن المحروم من حرم الثَّوَاب. فَقَالَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ -: " تَدْرُونَ من هَذَا؟ هَذَا الْخضر} ". 95 - قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: تَابعه مُحَمَّد بن صَالح عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمُحَمّد بن صَالح ضَعِيف. [قلت] : وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ وَهُوَ: كَذَّاب.

96 - قَالَ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن أبي عمر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَابْن أبي عمر مَجْهُول. قلت: هَذَا إِطْلَاق ضَعِيف، فَابْن أبي عمر أشهر من أَن يُقَال فِيهِ هَذَا؛ هُوَ شيخ مُسلم وَغَيره من الْأَئِمَّة وَهُوَ ثِقَة حَافظ صَاحب مُسْند مَشْهُور بِهِ مروى وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ. 97 - أخبرنَا بِهِ شَيخنَا حَافظ الْعَصْر أَبُو الْفضل بن الْحُسَيْن - رَحمَه الله - قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد بن الْقيم، أَنا أَبُو الْحسن بن البُخَارِيّ، عَن مُحَمَّد بن معمر، أَنا سعيد بن أبي الرَّجَاء، أَنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن النُّعْمَان، أَنا أَبُو بكر بن الْمقري، أَنا إِسْحَاق بن الْخُزَاعِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر الْعَدنِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ: كَانَ أبي - وَهُوَ جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق - يذكر عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ -:

" أَنه دخل عَلَيْهِ نفر من قُرَيْش فَقَالَ: " أَلا أحدثكُم عَن أبي الْقَاسِم، قَالُوا بلَى {} " فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ، فِي وَفَاة النَّبِي - وَفِي آخِره فَقَالَ " جِبْرِيل: يَا أَحْمد عَلَيْكُم السَّلَام {هَذَا آخر وطني فِي الأَرْض، إِنَّمَا كنت أَنْت حَاجَتي عَن الدُّنْيَا. فَلَمَّا قبض رَسُول الله - وَجَاءَت التَّعْزِيَة، جَاءَ آتٍ، يسمعُونَ حسه وَلَا يرَوْنَ شخصه، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْبَيْت وَرَحْمَة الله} {إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كل هَالك، ودركا من كل فَائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فان المحروم من حرم الثَّوَاب، وَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب. وَالسَّلَام عَلَيْكُم ". فَقَالَ عَليّ: " هَل تَدْرُونَ من هَذَا؟ هَذَا الْخضر} ". انْتهى. 98 - وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ أَخُو مُوسَى الكاظم حدث عَن أَبِيه وَغَيره. وروى عَنهُ إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَغَيره. وَكَانَ قد دعى لنَفسِهِ بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّة وَحج بِالنَّاسِ سنة مِائَتَيْنِ ; وَبَايَعُوهُ بالخلافة، فحج المعتصم فظفر بِهِ، فَحَمله إِلَى أَخِيه الْمَأْمُون بخراسان، فَمَاتَ بجرجان سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ. 99 - وَذكر الْخَطِيب فِي تَرْجَمته: أَنه لما ظفر بِهِ، صعد الْمِنْبَر فَقَالَ: أَيهَا النَّاس اني كنت قد حدثتكم

بِأَحَادِيث زورتها، فشق النَّاس الْكتب الَّتِي سمعوها مِنْهُ، وعاش سبعين سنة. قَالَ البُخَارِيّ: أَخُوهُ إِسْحَاق أوثق مِنْهُ. 100 - أخرج لَهُ الْحَاكِم حَدِيثا - قَالَ الذَّهَبِيّ: إِنَّه ظَاهر النكارة فِي ذكر سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام. 101 - وَقَالَ سيف بن عَمْرو التَّمِيمِي فِي كتاب الرِّدَّة لَهُ: عَن سعيد بن عبد الله، عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما توفّي رَسُول الله - جَاءَ أَبُو بكر حَتَّى دخل عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ [مسجى] قَالَ: " إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون "، وَصلى عَلَيْهِ، فَرفع أهل الْبَيْت عجيجا سَمعه أهل الْمصلى، فَلَمَّا سكن مَا بهم، سمعُوا تَسْلِيم رجل على

الْبَاب صيت جلد يَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْبَيْت! كل نفس ذائقة الْمَوْت، وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا وَأَن فِي الله خلفا من كل أحد، وَنَجَاة من كل مَخَافَة، وَالله فارجوا، وَبِه فثقوا؛ فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب. فَاسْتَمعُوا لَهُ وَقَطعُوا الْبكاء، ثمَّ طلعوا فَلم يرَوا أحدا، فعادوا لبكائهم، فناداهم آخر: يَا أهل الْبَيْت اذْكروا الله تَعَالَى، واحمدوه على كل حَال، تَكُونُوا من المخلصين؛ إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وعوضا من كل هلكة، فبالله فثقوا، وإياه فأطيعوا، فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب. " فَقَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ -: " هَذَا الْخضر وإلياس قد حضرا وَفَاة رَسُول الله - ". وَسيف فِيهِ مقَال، وَشَيْخه لايعرف. 102 - قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا: حَدثنَا كَامِل بن طَلْحَة، أخبرنَا عباد بن عبد الصَّمد، عَن أنس بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: " لما قبض رَسُول الله - اجْتمع أَصْحَابه حوله يَبْكُونَ فَدخل عَلَيْهِم رجل طَوِيل أشعر الْمَنْكِبَيْنِ فِي إِزَار ورداء، يتخطى أَصْحَاب

رَسُول الله - حَتَّى أَخذ بِعضَادَتَيْ بَاب الْبَيْت فَبكى، ثمَّ أقبل على الصَّحَابَة، فَقَالَ: إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وعوضا من كل مَا فَاتَ، وخلفا من كل هَالك، فَإلَى الله فأنيبوا، وبنظره إِلَيْكُم فِي الْبلَاء فانظروا، فَإِنَّمَا الْمُصَاب من لم يجز الثَّوَاب. ثمَّ ذهب الرجل فَقَالَ أَبُو بكر: عَليّ بِالرجلِ، فنظروا يَمِينا وَشمَالًا فَلم يرَوا أحدا. فَقَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ -: لَعَلَّ هَذَا الْخضر أَخُو نَبينَا جَاءَ يعزينا عَلَيْهِ -. وَعباد ضعفه البُخَارِيّ والعقيلي. 103 - وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط: عَن مُوسَى بن هَارُون، عَن كَامِل ... . " وَقَالَ: تفرد بِهِ عباد عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ _. 104 - قَالَ ابْن شاهين فِي كتاب الْجَنَائِز لَهُ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، ثَنَا أَحْمد بن عَمْرو بن السراج، حَدثنَا ابْن

وهب، عَمَّن حَدثهُ، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن مُحَمَّد بن المكندر قَالَ: " بَيْنَمَا عمر بن الْخطاب يُصَلِّي على جَنَازَة، إِذا هَاتِف يَهْتِف من خَلفه: أَلا لَا تسبقنا بِالصَّلَاةِ - يَرْحَمك الله - فاتنظره حَتَّى لحق بالصف. فَكبر فَقَالَ: " إِن تعذبه فقد عصاك، وَإِن تغْفر لَهُ فَإِنَّهُ فَقير إِلَى رحمتك ". فَنظر عمر وَأَصْحَابه إِلَى الرجل. فَلَمَّا دفن الْمَيِّت سوى الرجل عَلَيْهِ من تُرَاب الْقَبْر، ثمَّ قَالَ: طُوبَى لَك يَا صَاحب الْقَبْر، إِن لم تكن عريفا أَو جابيا، أَو خَازِنًا أَو كَاتبا، أَو شرطيا ". فَقَالَ عمر - رَضِي الله عَنهُ - خُذُوا لي هَذَا الرجل، نَسْأَلهُ عَن صلَاته، وَعَن كَلَامه. فَتَوَلّى الرجل عَنْهُم، فَإِذا أثر قدمه ذِرَاع فَقَالَ عمر - رَضِي الله عَنهُ - هَذَا - وَالله - الْخضر الَّذِي حَدثنَا عَنهُ النَّبِي -. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فِيهِ مَجْهُول، وَانْقِطَاع بَين ابْن الْمُنْكَدر وَعمر. 105 - وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا

حَدثنَا أبي حَدثنَا عَليّ بن شَقِيق، ثَنَا ابْن الْمُبَارك، أَنبأَنَا عمر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: " بَيْنَمَا رجل يمشي يَبِيع [شَيْئا] ، وَيحلف، قَامَ عَلَيْهِ شيخ، فَقَالَ: بِعْ، وَلَا تحلف {فَعَاد فَحلف} فَقَالَ: بِعْ، وَلَا تحلف. قَالَ: أقبل على مَا يَعْنِيك؛ قَالَ: هَذَا مَا يعنيني، ثمَّ قَالَ: آثر الصدْق على مَا يَضرك على الْكَذِب فِيمَا ينفعك، وَتكلم، فَإِذا انْقَطع علمك فاسكت؛ واتهم الْكَاذِب فِيمَا يحدثك بِهِ غَيْرك ". قَالَ: اكْتُبْ لي هَذَا الْكَلَام، فَقَالَ: إِن يقدر شئ يكن. ثمَّ لم يره. فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه الْخضر ". قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ هَذَا أصل الحَدِيث. 106 - وَقد رَوَاهُ أَبُو عمر بن السماك فِي فَوَائده: عَن يحيى بن أبي طَالب، عَن عَليّ بن عَاصِم، عَن عبد الله بن عبيد الله قَالَ: " كَانَ ابْن عمر قَاعِدا، وَرجل قد أَقَامَ سلْعَته، يُرِيد بيعهَا، فَجعل يُكَرر الْأَيْمَان إِذْ مر بِهِ رجل. فَقَالَ: اتَّقِ الله، وَلَا تحلف بِهِ كَاذِبًا؛ عَلَيْك بِالصّدقِ فِيمَا يَضرك، وَإِيَّاك وَالْكذب فِيمَا ينفعك، وَلَا تزيدن فِي حَدِيث غَيْرك. فَقَالَ ابْن عمر لرجل: اتبعهُ، فَقل لَهُ: اكْتُبْ هَذِه الْكَلِمَات فَتَبِعَهُ، فَقَالَ: مَا يقْضى من شئ يكن، ثمَّ فَقده، فَرجع فَأخْبر ابْن عمر. فَقَالَ

ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ -: ذَاك الْخضر. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: " عَليّ بن عَاصِم ضَعِيف سيء الْحِفْظ؛ وَلَعَلَّه أَرَادَ أَن يَقُول: عمر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، فَقَالَ: ابْن عمر ". 107 -[قَالَ] : وَقد رَوَاهُ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُصعب - أحد الوضاعين - عَن جمَاعَة مَجَاهِيل، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -. 108 - قلت: وجدت [لَهُ] طَرِيقا جَيِّدَة غير هَذَا، عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة: " أَنا أَبُو زَكَرِيَّا بن أبي إِسْحَاق، ثَنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان الْفَقِيه، [حَدثنَا الْحسن بن مكرم، حَدثنَا عبد الله بن بكر - وَهُوَ السَّهْمِي -] حَدثنَا الْحجَّاج بن فرافصة:

" أَن رجلَيْنِ كَانَ يتبايعان عِنْد عبد الله بن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَكَانَ أَحدهمَا يكثر الْحلف، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ مر بهما رجل فَقَامَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ للَّذي يكثر الْحلف: يَا عبد الله! اتَّقِ الله وَلَا تكْثر الْحلف، فَإِنَّهُ لايزيد فِي رزقك إِن حَلَفت، وَلَا ينقص من رزقك إِن لم تحلف. قَالَ: امْضِ لما يَعْنِيك؛ قَالَ إِن هَذَا مِمَّا يعنيني، قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات ورد عَلَيْهِ قَوْله. فَلَمَّا أَرَادَ أَن ينْصَرف عَنْهُمَا، قَالَ: اعْلَم أَن من الْإِيمَان أَن تُؤثر الصدْق حَيْثُ يَضرك على الْكَذِب حَيْثُ ينفعك، وَلَا يكن فِي قَوْلك فضل على فعلك. ثمَّ انْصَرف. فَقَالَ عبد الله بن عمر: الْحَقْهُ فاستكتبه هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات، فَقَالَ: يَا عبد الله اكتبني هَذِه الْكَلِمَات - يَرْحَمك الله - فَقَالَ الرجل: مَا يقدر الله يكن، وأعادها عَلَيْهِ حَتَّى حفظهن، ثمَّ مَشى حَتَّى وضع إِحْدَى رجلَيْهِ فِي الْمَسْجِد، فَمَا أدرى أَرض تَحْتَهُ أم سَمَاء. قَالَ: فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه الْخضر أَو إلْيَاس ". 109 - وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا: ثَنَا يَعْقُوب بن يُوسُف، ثَنَا مَالك بن إِسْمَاعِيل ثَنَا صَالح بن أبي الْأسود عَن مَحْفُوظ بن عبد الله، عَن شيخ من حَضرمَوْت، عَن مُحَمَّد بن عبد يحيى قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - بَيْنَمَا أَنا أَطُوف بِالْبَيْتِ إِذا أَنا بِرَجُل مُعَلّق بالأستار، وَهُوَ يَقُول: " يَا من لَا يشْغلهُ شَيْء عَن سمع، يَا من لَا يغلطه السائلون، يَا من لَا يتبرم بإلحاح

الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك قَالَ: قلت: دعاؤك هَذَا - عافاك الله - أعده؛ وَقَالَ: قد سمعته، قلت: نعم. قَالَ: فَادع بِهِ فِي كل دبر صَلَاة؛ فوالذي نفس الْخضر بِيَدِهِ، لَو أَن عَلَيْك من الذُّنُوب عدد نُجُوم السَّمَاء وحصى الأَرْض، لغفر الله لَك أسْرع من طرفَة عين. وَأخرجه الدينَوَرِي فِي المجالسة من هَذَا الْوَجْه. 110 - وَقد روى أَحْمد بن حَرْب النَّيْسَابُورِي، عَن مُحَمَّد بن معَاذ الْهَرَوِيّ، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبد الله بن مُحَرر، عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن عَليّ بن أبي طَالب؛ فَذكر نَحوه. وَلَكِن قَالَ: فَقلت: يَا عبد الله {أعد الْكَلَام} ! قَالَ: وسمعته؛ قلت: نعم. قَالَ: وَالَّذِي نفس الْخضر بِيَدِهِ - وَكَانَ الْخضر يقولهن عِنْد دبر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة - لَا يَقُولهَا أحد دبر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة إِلَّا غفرت ذنُوبه، وَإِن كَانَت

مثل رمل عالج، وَعدد الْقطر، وورق الشّجر. 111 - وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن معَاذ الْهَرَوِيّ، عَن أبي عبيد المَخْزُومِي، عَن عبد الله بن الْوَلِيد، عَن مُحَمَّد بن حميد، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ نَحوه. 112 - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل: قَالَ: ثَنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ، ثَنَا أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ، ثَنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيد المَخْزُومِي، ثَنَا أنس بن عِيَاض، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: " لما توفّي رَسُول الله - عزتهم الْمَلَائِكَة، يسمعُونَ الْحس وَلَا يرَوْنَ الشَّخْص؛ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْبَيْت، وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته؛ إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفا من كل فَائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فَإِنَّمَا المحروم من حرم الثَّوَاب وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ".

113 - وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا: أَنا أَبُو شُعْبَة أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَمْرو الأحمسي، حَدثنَا الْحسن بن حميد الرّبيع اللَّخْمِيّ، ثَنَا عبد الله بن أبي زِيَاد، ثَنَا شَيبَان بن حَاتِم، ثَنَا عبد الْوَاحِد بن سُلَيْمَان الْحَارِثِيّ، ثَنَا الْحسن بن عَليّ، عَن مُحَمَّد بن عَليّ - هُوَ ابْن الْحُسَيْن بن عَليّ - قَالَ: " لما كَانَ قبل وَفَاة رَسُول الله - هَبَط إِلَيْهِ جِبْرَائِيل " - فَذكر قصَّة الْوَفَاة مُطَوَّلَة - وَفِيه: فَأَتَاهُم آتٍ يسمعُونَ حسه، وَلَا يرَوْنَ شخصه، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ". فَذكر مثله فِي التَّعْزِيَة. 114 - روى سيف فِي الْفتُوح: إِن جمَاعَة كَانُوا مَعَ سعد بن أبي وَقاص، فَرَأَوْا أَبَا محجن - وَهُوَ يُقَاتل - فَذكر قصَّة أبي مجحن بِطُولِهَا، وَإِنَّهُم قَالُوا، وهم لَا يعرفونه: مَا هُوَ إِلَّا الْخضر ". وَهَذَا يَقْتَضِي أَنهم كَانُوا جازمين بِوُجُود الْخضر فِي ذَلِك الْوَقْت. 115 - وَقَالَ أَبُو عبد الله بن بطة العكبري الْحَنْبَلِيّ:

ثَنَا شُعَيْب بن أَحْمد بن أبي الْعَوام، ثَنَا أبي، ثَنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الحميد الوَاسِطِيّ، ثَنَا أبين بن سُفْيَان، عَن غَالب بن عبد الله الْعقيلِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: " اخْتلف رجل من أهل السّنة وغيلان الْقدر فِي شَيْء من القدري، فتراضيا بَينهمَا على أول رجل يطلع عَلَيْهِمَا من نَاحيَة ذكرَاهَا، فطلع عَلَيْهِمَا أَعْرَابِي قد طوى عباءة فَجَعلهَا على كتفه. فَقَالَا لَهُ: رضيناك حكما فِيمَا بَيْننَا، فطوى كساءه، ثمَّ جلس عَلَيْهِ؛ ثمَّ قَالَ: اجلسا! فَجَلَسْنَا بَين يَدَيْهِ. فَحكم على غيلَان ". قَالَ الْحسن ذَاك الْخضر. وَفِي إِسْنَاده أبين بن سُفْيَان، وَهُوَ مَتْرُوك. 116 - وروى حَمَّاد بن عمر النصيبي - أحد المتروكين -: ثَنَا السّري بن خَالِد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده: عَليّ بن الْحُسَيْن: أَن مولى لَهُم ركب [فِي] الْبَحْر، فَكسر بِهِ، فبمَا هُوَ يسير على ساحله إِذْ نظر إِلَى رجل إِلَى شاطئ الْبَحْر، وَنظر إِلَى مائدة نزلت من

من السَّمَاء، فَوضعت بَين يَدَيْهِ فَأكل مِنْهَا، ثمَّ رفعت فَقَالَ: لَهُ بِالَّذِي وفقك بِمَا أرى، أَي عباد الله أَنْت؟ {قَالَ: الْخضر الَّذِي تسمع بِهِ، قَالَ: بِمَاذَا جَاءَك هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب؟ قَالَ: بأسماء الله الْعِظَام ". 117 - وَأخرج أَحْمد فِي كتاب الزّهْد لَهُ: عَن حَمَّاد بن أُسَامَة، ثَنَا مسعر، عَن معن بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن عون بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ: " بَيْنَمَا رجل فِي بُسْتَان بِمصْر فِي فتْنَة ابْن الزبير مهموما [مكبا ينكت] فِي الأَرْض بِشَيْء، إِذْ رفع رَأسه فَإِذا بفتى صَاحب مسحاة، قد سنح لَهُ قَائِما بَين يَدَيْهِ، فَرفع رَأسه، فَكَأَنَّهُ ازدراه، فَقَالَ لَهُ: مَالِي أَرَاك مهموما؟ قَالَ: لَا شَيْء: قَالَ أما الدُّنْيَا فَإِن الدُّنْيَا عرض حَاضر، يَأْكُل مِنْهُ الْبر والفاجر، وَإِن الْآخِرَة أجل صَادِق يحكم فِيهِ ملك قَادر ... حَتَّى ذكر أَن لَهَا مفصلا كمفاصل اللَّحْم، من أَخطَأ شَيْئا [مِنْهَا] أَخطَأ الْحق. قَالَ: فَلَمَّا سمع ذَلِك مِنْهُ أعجبه، فَقَالَ: اهتمامي بِمَا فِيهِ الْمُسلمُونَ. قَالَ: فَإِن الله سينجيك بشفقتك على الْمُسلمين. وسل} من ذَا الَّذِي سَأَلَ الله فَلم يُعْطه، أَو دَعَاهُ فَلم يجبهُ، أَو توكل عَلَيْهِ فَلم يكفه أَو وثق بِهِ فَلم ينجه؟ {} قَالَ: فطفقت أَقُول: اللَّهُمَّ سلمني وَسلم مني؛ قَالَ: فتجلت، وَلم يصب فِيهَا بِشَيْء. " قَالَ مسعر:

يرَوْنَ أَنه الْخضر. 118 - وَأخرجه أَبُو نعيم فِي الْحِلْية فِي تَرْجَمَة عون بن عبد الله: من طَرِيق أبي أُسَامَة، وَهُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة. وَقَالَ بعده: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر. 119 - وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان الرَّاوِي عَن مُسلم عقب رِوَايَته عَن مُسلم لحَدِيث أبي سعيد فِي قصَّته الَّذِي يقْتله الدَّجَّال: " يُقَال إِن هَذَا الرجل [هُوَ] الْخضر [عَلَيْهِ السَّلَام] . 120 - وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: أَنا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن أبي سعيد، فِي قصَّة الَّذِي يقْتله الدَّجَّال، وَفِي آخِره: قَالَ معمر: بَلغنِي أَنه يَجْعَل على حلقه صفيحة من نُحَاس، وَبَلغنِي أَنه الْخضر " وَهَذَا عزاهُ النَّوَوِيّ لمُسْند معمر، فأوهم أَن لَهُ فِيهِ سندا، وَإِنَّمَا هُوَ قَول معمر.

121 - وَقَالَ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية: ثَنَا [عبد] الله بن مُحَمَّد - هُوَ أَبُو الشَّيْخ - ثَنَا مُحَمَّد بن يحيى - هُوَ ابْن مَنْدَه - ثَنَا أَحْمد بن مَنْصُور الْمروزِي، حَدثنَا أَحْمد بن جميل قَالَ: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: بَيْنَمَا أَنا أَطُوف بِالْبَيْتِ إِذْ أَنا بِرَجُل مشرف على النَّاس، حسن الشّبَه فَقُلْنَا بَعْضنَا لبَعض: مَا أشبه هَذَا الرجل أَن يكون من أهل الْعلم. قَالَ: فاتبعناه حَتَّى قضى طَوَافه، فَسَار إِلَى الْمقَام فصلى رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا سلم أقبل على الْقبْلَة، فَدَعَا بدعوات، ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا، فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قُلْنَا: وماذا قَالَ رَبنَا؟ قَالَ: قَالَ ربكُم: أَنا الْملك أدعوكم إِلَى أَن تَكُونُوا ملوكا. ثمَّ أقبل على الْقبْلَة، فَدَعَا بدعوات، ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا، فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قُلْنَا لَهُ: وماذا [قَالَ رَبنَا، - حَدثنَا - يَرْحَمك الله -؟ قَالَ: قَالَ ربكُم: أَنا الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت، أدعوكم إِلَى أَن تَكُونُوا أَحيَاء

لَا تموتون ثمَّ أقبل على الْقبْلَة، فَدَعَا بدعوات، ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا، فَقَالَ: [هَل] تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قُلْنَا: مَاذَا قَالَ رَبنَا، حَدثنَا - يَرْحَمك [الله -] ؟ قَالَ: قَالَ ربكُم: أَنا الَّذِي إِذا أردْت شَيْئا كَانَ أدعوكم إِلَى أَن تَكُونُوا بِحَال، إِذا أردتم شَيْئا كَانَ لكم. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: ثمَّ ذهب فَلم نره. قَالَ: فَلَقِيت سُفْيَان الثَّوْريّ [فَأَخْبَرته بذلك] ، فَقَالَ: مَا أشبه أَن يكون هَذَا الْخضر، أَو بعض هَؤُلَاءِ [يَعْنِي] الأبدال. 122 - تَابعه مُحرز بن أبي جدعة عَن سُفْيَان. 123 - وَرَوَاهَا زِيَاد بن أبي الْأصْبع عَن سُفْيَان أَيْضا. 124 - وروى مُحَمَّد بن الْحسن بن الْأَزْهَر. عَن الْعَبَّاس بن يزِيد عَن

سُفْيَان نَحْوهَا. 125 - وَأخرج أَبُو سعيد فِي " شرف الْمُصْطَفى " من طَرِيق أَحْمد بن أبي بزه، ثَنَا مُحَمَّد بن الْفُرَات، عَن ميسرَة بن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن أَبِيه: بَيْنَمَا الْحسن فِي مَجْلِسه - وَالنَّاس حوله - إِذْ أقبل رجل مخضرة عَيناهُ، فَقَالَ لَهُ الْحسن: أهكذا وَلدتك أمك أم هِيَ بلية؟ قَالَ: أَو مَا تعرفنِي يَا أَبَا سعيد؟ {قَالَ: من أَنْت؟ [قَالَ: فرات] فانتسب لَهُ، فَلم يبْق فِي الْمجْلس أحد إِلَّا عرفه. فَقَالَ: يَا هَذَا مَا قصتك؟ فَقَالَ: يَا أَبَا سعيد} عَمَدت إِلَى جَمِيع مَالِي، وألقيته فِي مركب، فَخرجت أُرِيد الصين، فعصفت علينا

ريح، فغرقت، فَخرجت إِلَى بعض السواحل على لوح، فأقمت أتردد نَحوا من أَرْبَعَة أشهر، آكل مَا أُصِيب من الشّجر والعشب، وأشرب من مَاء الْعُيُون، ثمَّ قلت: لأمضين على وَجْهي. فإمَّا أَن أهلك، وَإِمَّا ان أنجو، فسرت فَرفع لي قصر، كَأَن سناءه فضَّة، فَرفعت مصراعه فَإِذا دَاخله أروقة، فِي كل طاق مِنْهَا صندوق من لُؤْلُؤ وَعَلَيْهَا أقفال مفاتيحها رَأْي الْعين، ففتحت بَعْضهَا فَخرجت من جَوْفه رَائِحَة طيبَة، وَإِذا فِيهِ رجال مدرجون فِي ألوان الْحَرِير، فحركت بَعضهم فَإِذا هُوَ ميت فِي صفة حَيّ، فأطبقت الصندوق وَخرجت، وأغلقت بَاب الْقصر ومضيت، فَإِذا أَنا بفارسين لم أر مثلهمَا جمالا، على فرسين أغرين محجلين، فسألاني عَن قصتي فأخبرتهما. فَقَالَا: تقدم أمامك فَإنَّك تصل إِلَى شَجَرَة تحتهَا رَوْضَة، هُنَاكَ شيخ حسن الْهَيْئَة على دكان يصلى فَأخْبرهُ خبرك، فَإِنَّهُ يرشدك إِلَى الطَّرِيق فمضيت فَإِذا أَنا بالشيخ، فَسلمت فَرد عَليّ، وسألني عَن قصتي [فَأَخْبَرته بخبري كُله، فَفَزعَ لما أخْبرته بِخَبَر الْقصر] ثمَّ قَالَ: مَا صنعت؟ قلت أطبقت الصناديق، وأغلقت الْأَبْوَاب فسكن، وَقَالَ: اجْلِسْ {فمرت بِهِ سَحَابَة فَقَالَت: السَّلَام عَلَيْك يَا ولي الله} فَقَالَ: أَيْن تريدين؟ قَالَت: أُرِيد بلد كَذَا وَكَذَا، فَلم تزل تمر بِهِ سَحَابَة بعد سَحَابَة حَتَّى أَقبلت سَحَابَة فَقَالَ: أَيْن تريدين؟ قَالَت: الْبَصْرَة، قَالَ: انزلي، فَنزلت فَصَارَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: احملي هَذَا حَتَّى تُؤَدِّيه إِلَى منزله سالما، فَلَمَّا صرت على متن السحابة قلت: أَسأَلك بِالَّذِي أكرمك أَلا أَخْبَرتنِي عَن الْقصر عَن الفارسيين وعنك. قَالَ: أما الْقصر فقد أكْرم الله بِهِ شُهَدَاء الْبَحْر، ووكل بهم مَلَائِكَة يلقطونهم من الْبَحْر، فيصيرونهم فِي تِلْكَ الصناديق مدرجين فِي أكفان

الْحَرِير. والفارسان ملكان يغدوان ويروحان عَلَيْهِم بِالسَّلَامِ من أَمر الله. وَأما أَنا فالخضر، وَقد سَأَلت رَبِّي أَن يحشرني مَعَ أمة نَبِيكُم. قَالَ الرجل: فَلَمَّا صرت على السحابة، أصابني من الْفَزع هول عَظِيم، حَتَّى صرت إِلَى مَا ترى. فَقَالَ الْحسن: لقد عَايَنت عَظِيما. 126 - روى الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب الدُّعَاء [لَهُ] قَالَ: ثَنَا يحيى بن مُحَمَّد الحنائي، ثَنَا الْمُعَلَّى بن حرمى، عَن مُحَمَّد بن المُهَاجر الْبَصْرِيّ حَدثنِي أَبُو عبد الله بن التوأم الرقاشِي:

" إِن سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَخَاف رجلا، وَطَلَبه ليَقْتُلهُ فهرب الرجل، فَجعلت رسله تخْتَلف إِلَى منزل ذَلِك الرجل يطلبونه، فَلم يظفر بِهِ، فَجعل الرجل لَا يَأْتِي بَلْدَة إِلَّا قيل لَهُ: قد كنت تطلب هَهُنَا. فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ الْأَمر عزم على أَن يَأْتِي بَلْدَة لَا حكم لِسُلَيْمَان عَلَيْهَا، فَذكر قصَّة [طَوِيلَة] فِيهَا: " بَيْنَمَا هُوَ فِي الصَّحرَاء لَيْسَ فِيهَا شجر وَلَا مَاء، إِذا هُوَ بِرَجُل يُصَلِّي، قَالَ فخفته، ثمَّ رجعت إِلَى نَفسِي فَقلت: وَالله مَا معي رَاحِلَة وَلَا دَابَّة، قَالَ: فقصدت نَحوه فَرَكَعَ وَسجد، ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا الطاغي، أخافك قلت: أجل. قَالَ: فَمَا يمنعك من السَّبع، قلت: يَرْحَمك الله - وَمَا السَّبع؟ قَالَ: قل: سُبْحَانَ الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ غَيره إِلَه، سُبْحَانَ الْقَدِيم الَّذِي لَا باريء لَهُ، سُبْحَانَ الدَّائِم الَّذِي لَا نَفاذ لَهُ، سُبْحَانَ الَّذِي هُوَ كل يَوْم فِي شَأْن، سُبْحَانَ الَّذِي يحيي وَيُمِيت، سُبْحَانَ الَّذِي خلق مَا يرى وَمَا لَا يرى، سُبْحَانَ الَّذِي علم كل شَيْء بِغَيْر تَعْلِيم. ثمَّ قَالَ: قلها، فقلتها وحفظتها، والتفت فَلم أر الرجل. قَالَ: وَألقى الله فِي قلبِي الْأَمْن، وَرجعت رَاجعا من طريقي أُرِيد أَهلِي، فَقلت: لَآتِيَن بَاب سُلَيْمَان بن عبد الْملك، فَأتيت بَابه فَإِذا هُوَ يَوْم إِذْنه - وَهُوَ يإذن للنَّاس - فَدخلت وَإنَّهُ لعَلي فرَاشه، فَمَا غَدا أَن رَآنِي فَاسْتَوَى على فرَاشه، ثمَّ

أَوْمَأ إِلَيّ، فَمَا زَالَ يدنيني حَتَّى قعدت مَعَه على الْفراش [ثمَّ] قَالَ: سحرتني، أَو سَاحر أَنْت مَعَ مَا بَلغنِي عَنْك؟ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَنا بساحر، وَلَا أعرف السحر، وَلَا سحرتك. قَالَ: فَكيف؟ فَمَا ظَنَنْت أَنه يتم ملكي إِلَّا بقتلك، فَلَمَّا رَأَيْتُك لم أستقر حَتَّى دعوتك؛ فأقعدتك معي على فِرَاشِي، ثمَّ قَالَ: أصدقني أَمرك فَأَخْبَرته. قَالَ: يَقُول سُلَيْمَان: الْخضر - وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ - علمكها. اكتبوا لَهُ أَمَانًا، وأحسنوا جائزته، واحملوه إِلَى أَهله. 127 - أخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية: فِي تَرْجَمَة رَجَاء بن حَيْوَة من تأريخ السراج ثمَّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن ذكْوَان عَن رَجَاء بن حَيْوَة قَالَ: " إِنِّي لواقف مَعَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك، وَكَانَت لي مِنْهُ منزله، إِذْ جَاءَ رجل - ذكر رَجَاء - من حسن هَيئته، قَالَ: فَسلم، فَقَالَ: يَا رَجَاء! إِنَّك قد ابْتليت بِهَذَا الرجل، وَفِي قربه

الزيغ {} يَا رَجَاء، عَلَيْك بِالْمَعْرُوفِ، وَعون الضَّعِيف {وَاعْلَم يَا رَجَاء، أَنه من كَانَت لَهُ منزلَة من السُّلْطَان، فَرفع حَاجَة إِنْسَان ضَعِيف لَا يَسْتَطِيع رَفعهَا، لقى الله يَوْم الْقِيَامَة، وَقد ثَبت قَدَمَيْهِ لِلْحسابِ} وَاعْلَم يَا رَجَاء، من كَانَ فِي حَاجَة أَخِيه الْمُسلم كَانَ الله فِي حَاجته { وَاعْلَم يَا رَجَاء، أَن من أحب الْأَعْمَال إِلَى الله فرجا أدخلته على مُسلم} ثمَّ فَقده، وَكَانَ يرى أَنه الْخضر - عَلَيْهِ السَّلَام - ". 128 - ذكر الزبير بن بكار فِي الموفقيات قَالَ: أَخْبرنِي السّري بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ - من ولد الْحَارِث بن الصمَّة - عَن مُصعب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير - وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة ألف رَكْعَة ويصوم الدَّهْر - قَالَ:

" بت لَيْلَة فِي الْمَسْجِد، فَلَمَّا خرج النَّاس، إِذا رجل قد جَاءَ إِلَى بَيت النَّبِي - فَسلم، ثمَّ أسْند ظَهره إِلَى الْجِدَار، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي كنت أمس صَائِما، ثمَّ أمسيت فَلم أفطر على شَيْء، اشتهي الثَّرِيد، فأطعمنيها من عنْدك. قَالَ: فَنَظَرت إِلَى وصيف دَاخل من خوخة المنارة لَيْسَ فِي خلقَة النَّاس، مَعَه قَصْعَة، فَأَهوى بهَا إِلَى الرجل، فوضعها بَين يَدَيْهِ، وَجلسَ الرجل يَأْكُل، وحصبني، فَقَالَ: هَلُمَّ فَجئْت، وظننت أَنَّهَا من الْجنَّة، فَأَحْبَبْت أَن آكل مِنْهَا، فَأكلت مِنْهَا لقْمَة، فَإِذا طَعَام لَا يشبه طَعَام الدُّنْيَا، ثمَّ احتشمت فَقُمْت فَرَجَعت [إِلَى] مَكَاني، فَلَمَّا فرغ من أكله، أَخذ الوصيف الْقَصعَة، ثمَّ أَهْوى رَاجعا من حَيْثُ جَاءَ ثمَّ قَامَ الرجل منصرفا، فاتبعته لأعرفه، فَمثل، فَلَا أَدْرِي أَيْن سلك، فظننته الْخضر ". 129 - وَأخرج ابْن عَسَاكِر: من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْمُغيرَة، عَن عبد الله حَدثنِي أبي: أَن قوام الْمَسْجِد قَالُوا للوليد بن عبد الْملك: إِن الْخضر يُصَلِّي كل

لَيْلَة فِي الْمَسْجِد ". 130 - قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخُتلِي فِي كتاب الرماح لَهُ: ثَنَا عُثْمَان بن سعيد الأنماط، ثَنَا عَليّ بن العشم المصِّيصِي، عَن عبد الحميد بن بَحر عَن سَلام الطَّوِيل، عَن دَاوُد بن يحيى مولى عون

الطفَاوِي عَن رجل كَانَ مرابطا فِي بَيت الْمُقَدّس وبعسقلان قَالَ: " بَيْنَمَا أَنا أَسِير فِي وَادي الْأُرْدُن، إِذا أَنا بِرَجُل فِي نَاحيَة الْوَادي، قَائِم يُصَلِّي فَإِذا بسحابة تظله من الشَّمْس، فَوَقع فِي قلبِي أَنه إلْيَاس النَّبِي، فَأَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ، فأنفلت من صلَاته، فَرد السَّلَام، فَقلت لَهُ من أَنْت - يَرْحَمك الله -؟ فَلم يرد عَليّ شَيْئا، فَأَعَدْت عَلَيْهِ القَوْل مرَّتَيْنِ، فَقَالَ: أَنا إلْيَاس النَّبِي، فَأَخَذَتْنِي رعدة شَدِيدَة خشيت على عَقْلِي أَن يذهب، فَقلت لَهُ: إِن رَأَيْت - رَحِمك الله - أَن تَدْعُو لي، أَن يذهب الله عني مَا أجد حَتَّى أفهم حَدِيثك، قَالَ: فَدَعَا لي ثَمَانِي دعوات فَقَالَ: يَا بر {يَا رَحِيم} يَا حَيّ {يَا قيوم} يَا حنان {منان} يَا هيا! شراهيا (؟) فَذهب عني مَا كنت أجد. فَقلت: إِلَى من بعثت، قَالَ: إِلَى أهل بعلبك. فَقلت: هَل يُوحى إِلَيْك الْيَوْم، فَقَالَ: أما من بعث مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين فَلَا.

قلت: فكم من الْأَنْبِيَاء فِي الْحَيَاة، قَالَ: اربعة: " أَنا وَالْخضر فِي الأَرْض، وَإِدْرِيس وَعِيسَى فِي السَّمَاء " قلت: فَهَل تلتقي أَنْت وَالْخضر، قَالَ: نعم، فِي كل عَام بِعَرَفَات {} قلت: فَمَا حديثكما؟ قَالَ: يَأْخُذ من شعري وآخذ من شعره. قلت: فكم الأبدال؟ قَالَ: هم سِتُّونَ رجلا، خَمْسُونَ مَا بَين عَرِيش مصر إِلَى شاطيء الْفُرَات، ورجلان بِالْمصِّيصَةِ، وَرجل بأنطاكية، وَسَبْعَة فِي سَائِر الْأَمْصَار {} بهم يسقون الْغَيْث، وبهم ينْصرُونَ على الْعَدو، وبهم يُقيم الله أَمر الدُّنْيَا، حَتَّى إِذا أَرَادَ أَن يهْلك الدُّنْيَا أماتهم جَمِيعًا. فِي إِسْنَاده جَهَالَة ومتركون. 131 - قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي فِي الْجُزْء الْمَذْكُور:

ثنى أَحْمد بن ملاعب، ثَنَا يحيى بن سعيد السعيدي، أَخْبرنِي أَبُو جَعْفَر الْكُوفِي ثنى أَبُو عمر النصيبي، قَالَ: " خرجت أطلب مسلمة بن مصقلة بِالشَّام، وَكَانَ يُقَال: إِنَّه من الأبدال، فَلَقِيته بوادي الْأُرْدُن، فَقَالَ لي: [أَلا] أخْبرك بِشَيْء رَأَيْته الْيَوْم فِي هَذَا الْوَادي. قَالَ: قلت: بلَى { قَالَ: دخلت الْيَوْم هَذَا الْوَادي فَإِذا أَنا بشيخ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَة، فَألْقى فِي روعي أَنه إلْيَاس النَّبِي، فدنوت مِنْهُ فَسلمت عَلَيْهِ، فَرَكَعَ، فَلَمَّا جلس سلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام} فَقلت: من أَنْت - يَرْحَمك الله - { قَالَ: أَنا إلْيَاس النَّبِي، قَالَ: فَأَخَذَتْنِي رعدة شَدِيدَة حَتَّى خرزت على قفاي، قَالَ: فَدَنَا مني فَوضع يَده بَين ثديي، فَوجدت بردهَا بَين كَتِفي، فَقلت: يَا نَبِي الله} ادْع الله أَن يذهب عني مَا أجد حَتَّى أفهم كلامك عَنْك، فَدَعَا [لي] بِثمَانِيَة أَسمَاء؛ خَمْسَة مِنْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَثَلَاثَة بالسُّرْيَانيَّة فَقَالَ:

يَا وَاحِد {يَا أحد} يَا صَمد {يَا فَرد} يَا وتر {ودعا بِالثَّلَاثَةِ الْأَسْمَاء الْأُخَر فَلم أعرفهَا. ثمَّ أَخذ بيَدي فأجلسني، فَذهب عني مَا كنت أجد، فَقلت: يَا نَبِي الله} ألم تَرَ هَذَا الرجل مَا يصنع {- أَعنِي مَرْوَان بن مُحَمَّد - وَهُوَ يَوْمئِذٍ يحاصر أهل حمص، فَقَالَ لي: مَالك وَمَاله جَبَّار عَاتٍ على الله. فَقلت: يَا نَبِي الله أما أَنِّي قد مَرَرْت بِهِ فَأَعْرض عني، فَقلت: يَا نَبِي الله} أما أَنِّي، وَإِن كنت قد مَرَرْت بهم فَإِنِّي لم أهوَ أحدا من الْفَرِيقَيْنِ، وَأَنا أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ. قَالَ: فَأقبل عَليّ بِوَجْهِهِ، ثمَّ قَالَ لي: قد أَحْسَنت هَكَذَا فَقل، ثمَّ لَا تعد. قلت: يَا نَبِي الله {هَل فِي الأَرْض الْيَوْم من الأبدال أحد؟ قَالَ: نعم، هم سِتُّونَ رجلا، مِنْهُم: خَمْسُونَ فِيمَا بَين الْعَريش إِلَى الْفُرَات. وَمِنْهُم ثَلَاثَة بِالْمصِّيصَةِ، وَوَاحِد بأنطاكية، وَسَائِر الْعشْرَة فِي سَائِر أَمْصَار الْعَرَب. قلت: يَا نَبِي الله} هَل تلتقي أَنْت وَالْخضر؟ قَالَ: نعم نَلْتَقِي فِي كل موسم بمنى { قلت: فَمَا يكون من حديثكما، قَالَ: يَأْخُذ من شعري وآخذ من شعره. قلت: يَا نَبِي الله} إِنِّي رجل خلو لَيست لي زَوْجَة وَلَا ولد، فَإِن رَأَيْت أَن تَأذن لي فأصحبك، وأكون مَعَك. قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع ذَلِك [أَو] إِنَّك لَا تقدر على ذَلِك.

قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يحدثني إِذْ رَأَيْت مائدة قد خرجت من أصل الشَّجَرَة، فَوضعت بَين يَدَيْهِ، وَلم أر من وَضعهَا، وَعَلَيْهَا ثَلَاثَة أرغفة، فَمد يَده ليَأْكُل، وَقَالَ [لي] : كل وسم، وكل مِمَّا يليك، فمددت يَدي، فَأكلت أَنا وَهُوَ رغيفا وَنصفا، ثمَّ إِن الْمَائِدَة رفعت وَلم أر أحدا رَفعهَا، وَأتي بأناء فِيهِ شراب، فَوضع فِي يَده، فَلم أر أحدا وَضعه، فَشرب ثمَّ ناولني، فَقَالَ: اشرب فَشَرِبت أحلى من الْعَسَل، وَأَشد بَيَاضًا من اللَّبن، ثمَّ وضعت الْإِنَاء، فَرفع الْإِنَاء، فَلم أر أحدا رَفعه. ثمَّ نظر إِلَى أَسْفَل الْوَادي، فَإِذا دَابَّة قد أَقبلت فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل، وَعَلِيهِ رحالة، فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ نزل، فَقَامَ ليركب، وَدرت بِهِ لآخذ بغرز الدَّابَّة، فَركب، ثمَّ سَار، ومشيت على جنبه، وَأَنا أَقُول: يَا نَبِي الله! إِن رَأَيْت أَن تَأذن [لي] فأصحبك، وأكون مَعَك، فَقَالَ: ألم أقل: إِنَّك لن تَسْتَطِيع ذَلِك. فَقلت: فَكيف لي بلقائك؟ قَالَ: إِنَّك إِذا رَأَيْتُك رَأَيْتنِي. قلت: على ذَلِك. قَالَ: لَعَلَّك تَلقانِي فِي رَمَضَان معتكفا بِبَيْت الْمُقَدّس، واستقبلته شَجَرَة، فَأخذ من نَاحيَة، وَدرت من الْجَانِب الآخر أستقبله، فَلم أر شَيْئا ". قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: مسلمة، والراوي عَنهُ، وَأَبُو جَعْفَر الْكُوفِي لَا يعْرفُونَ.

132 - روى دَاوُد بن مهْرَان، ثنى شيخ عَن حبيب أبي مُحَمَّد: أَنه رأى رجلا، فَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا الْخضر ". 133 - وَعَن مُحَمَّد بن عمرَان، عَن جَعْفَر الصَّادِق: أَنه كَانَ مَعَ أَبِيه فَجَاءَهُ رجل، فَسَأَلَهُ عَن مسَائِل، قَالَ: فَأمرنِي أَن أرد الرجل، فَلم أَجِدهُ، فَقَالَ: ذَاك الْخضر. 134 - وَعَن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور: أَنه سمع رجلا يَقُول فِي الطّواف: أَشْكُو إِلَيْك ظُهُور الْبَغي وَالْفساد، فَدَعَاهُ فوعظه، وَبَالغ، ثمَّ خرج. فَقَالَ: اطلبوه! فَلم يجدوه. فَقَالَ: ذَاك الْخضر. 135 - وَأخرج ابْن عَسَاكِر:

من طَرِيق عمر بن فروخ، عَن عبد الرَّحْمَن بن حبيب، عَن سعيد بن سعيد، عَن أبي طيبَة، عَن كرز بن وبرة قَالَ: " أَتَانِي أَخ لي من الشَّام، فأهدى إِلَيّ هَدِيَّة، فَقلت: من أهداها إِلَيْك، قَالَ: إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ. قلت: من أهداها إِلَى إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، قَالَ: قَالَ: كنت جَالِسا فِي فنَاء الْكَعْبَة، فَأَتَانِي رجل، فَقَالَ: أَنا الْخضر. وَذكر لي تسبيحات ودعوات.

136 - وَذكر أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي: من طَرِيق مسلمة بن عبد الْملك، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز: " أَنه لَقِي الْخضر ". 137 - وَفِي المجالسة لأبي بكر الدينَوَرِي: من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن خَالِد، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: " رَأَيْت الْخضر، وَهُوَ يمشي مشيا سَرِيعا، وَهُوَ يَقُول: " صبرا يَا نفس صبرا لأيام تفقد لتِلْك أَيَّام الْأَبَد، وصبرا لأيام قصار لتك الْأَيَّام الطوَال ". 138 - وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي تأريخه: ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الرَّمْلِيّ، قَالَ: ثَنَا ضَمرَة - هُوَ

ابْن ربيعَة -، عَن السّري بن يحيى، عَن ريَاح بن عُبَيْدَة، قَالَ: " رَأَيْت رجلا يماشي عمر بن عبد الْعَزِيز مُعْتَمدًا على يَده، فَقلت فِي نَفسِي: إِن هَذَا الرجل جَاف، [قَالَ] : فَلَمَّا صلى [انْصَرف من الصَّلَاة] قلت: يَا أَبَا حَفْص {من الرجل الَّذِي كَانَ مَعَك مُعْتَمدًا على يدك آنِفا؟ قَالَ: وَقد رَأَيْته يَا ريَاح؟} قلت نعم {قَالَ: إِنِّي لأرَاك رجلا صَالحا} ذَاك أخي الْخضر، بشرني أَنِّي سألي [أَمر هَذِه الْأمة] ، وَأَعْدل [فِيهَا] .

قلت: هَذَا أصلح إِسْنَاد وقفت عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَاب. 139 - وَقد أخرجه أَبُو عرُوبَة الْحَرَّانِي فِي تأريخه: عَن أَيُّوب بن مُحَمَّد الْوزان، عَن ضَمرَة أَيْضا. 140 - وَأخرجه أَبُو نعيم فِي الْحِلْية: عَن أبي المقريء، عَن أبي عرُوبَة فِي تَرْجَمَة عمر بن عبد الْعَزِيز. 141 - وروينا فِي الْجُزْء الأول من فَوَائِد الْحَافِظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُسلم بن

وارة الرَّازِيّ: ثنى اللَّيْث بن خَالِد أَبُو بكر وَعمر - وَكَانَا ثِقَة - قَالَ: ثَنَا الْمسيب أَبُو يحيى - وَكَانَ من أَصْحَاب مقَاتل بن حَيَّان - قَالَ: " وفدت على عمر بن عبد الْعَزِيز، فَإِذا أَنا بِرَجُل أَو شيخ يحدثه، أَو قَالَ: يتكيء عَلَيْهِ. قَالَ: ثمَّ لم أره. فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رَأَيْت رجلا يحدثك {قَالَ: ورأيته؟ قلت: نعم} قَالَ: ذَاك أخي الْخضر، يأتيني فيوفقني، ويسددني. 142 - وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي تصنيفه:

سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الله الرَّازِيّ يَقُول: سَمِعت بِلَال الْخَواص يَقُول: " كنت فِي تيه بني اسرائيل، فَإِذا رجل يماشيني، فتعجبت، ثمَّ ألهمت أَنه الْخضر. فَقلت: بِحَق الْحق من أَنْت؟ قَالَ: أَنا أَخُوك الْخضر! فَقلت: مَا تَقول فِي الشَّافِعِي؟ قَالَ: من الْأَوْتَاد (الأبدال) قلت: فَأَحْمَد بن حَنْبَل؟ قَالَ: صديق. قلت: فبشر بن الْحَارِث؟ قَالَ: لم يخلف بعده مثله. قلت: بِأَيّ وَسِيلَة رَأَيْتُك؟ قَالَ: ببرك لأمك ". 143 - وَقَالَ أَبُو نعيم فِي الْحِلْية

حَدثنَا ظفر بن أَحْمد، حَدثنَا عبد الله بن إِبْرَاهِيم الحريري قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن صَالح بن ذريح، قَالَ بِلَال الْخَواص: " رَأَيْت الْخضر فِي النّوم، فَقلت لَهُ: مَا تَقول فِي بشر؟ قَالَ: لم يخلف بعده مثله. قلت: مَا تَقول فِي أَحْمد؟ قَالَ: صديق، [قلت: وَمَا تَقول فِي أبي ثَوْر؟ قَالَ: رجل طَالب حق. قلت: أَنا بِأَيّ وَسِيلَة رَأَيْتُك؟ قَالَ: ببرك بأمك] . 144 - وَقَالَ أَبُو الْحسن بن جَهْضَم: حَدثنَا مُحَمَّد بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّلْت، عَن بشر بن الْحَارِث الحافي، قَالَ: "

كَانَت لي حجرَة، وَكنت أغلقها إِذا خرجت، معي الْمِفْتَاح، فَجئْت ذَات يَوْم وَفتحت الْبَاب وَدخلت، فَإِذا شخص قَائِم يُصَلِّي، فراعني، فَقَالَ: يَا بشر لَا ترع ; أَنا أَخُوك أَبُو الْعَبَّاس الْخضر. قَالَ بشر: فَقلت لَهُ: عَلمنِي شَيْئا، فَقَالَ: قل: " أسْتَغْفر الله من كل ذَنْب تبت مِنْهُ، ثمَّ عدت إِلَيْهِ، وأسأله التَّوْبَة ; وَأَسْتَغْفِر الله من كل عقد عقدته على نَفسِي، ففسخته، وَلم أُفٍّ بِهِ ". 145 - وَذكر عبد المغيث: من حَدِيث ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله - قَالَ: " مَا يمنعكم أَن تكفرُوا ذنوبكم بِكَلِمَات أخي الْخضر " فَذكر نَحْو الْكَلِمَات الْمَذْكُورَة فِي حِكَايَة بشر. ". 146 - روى أَبُو نعيم: عَن أبي الْحسن بن مقسم، عَن أبي مُحَمَّد الحريري، سَمِعت أَبَا إِسْحَاق المرستاني يَقُول: رَأَيْت الْخضر، فعلمني عشر كَلِمَات، وأحصاها بِيَدِهِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الإقبال عَلَيْك، والإصغاء إِلَيْك، والفهم عَنْك، والبصيرة فِي أَمرك، والنفاذ فِي طَاعَتك، والمواظبة على إرادتك، والمبادرة إِلَى

خدمتك، وَحسن الْأَدَب فِي معاملتك، وَالتَّسْلِيم، والتفويض إِلَيْك ". 147 - قَالَ أَبُو الْحسن بن جَهْضَم: حَدثنَا الْخُلْدِيِّ، حَدثنَا ابْن مَسْرُوق، حَدثنَا أَبُو عمرَان الْخياط قَالَ: قَالَ لي الْخضر: " مَا كنت أَظن أَن لله وليا إِلَّا وَقد عَرفته، فَكنت بِصَنْعَاء الْيمن فِي الْمَسْجِد، وَالنَّاس حول عبد الرَّزَّاق يسمعُونَ مِنْهُ الحَدِيث، وشاب جَالس نَاحيَة الْمَسْجِد، فَقَالَ لي: مَا شَأْن هَؤُلَاءِ؟ قلت: يسمعُونَ من عبد الرَّزَّاق، قَالَ: عَمَّن؟ قلت: عَن فلَان، عَن فلَان عَن النَّبِي -. فَقَالَ: هلا سمعُوا عَن الله عز وَجل؟ قلت: فَأَنت تسمع عَن الله عز وَجل؟ قَالَ: نعم! قلت: من أَنْت؟ قَالَ: الْخضر. قَالَ: فَعلمت أَن لله أَوْلِيَاء مَا عرفتهم. وَابْن جَهْضَم مَعْرُوف بِالْكَذِبِ. 148 - وَعَن الْحسن بن غَالب قَالَ: حججْت، فسبقت النَّاس، وَانْقطع بِي، فَلَقِيت شَابًّا، فَأخذ بيَدي، فألحقني بهم، فَلَمَّا قدمت، قَالَ لي أَهلِي: إِنَّا سمعنَا أَنَّك هَلَكت، فرحنا إِلَى

أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَذَكرنَا لَهُ ذَلِك، وَقُلْنَا: ادْع الله لَهُ، فَقَالَ: مَا هلك، وَقد رأى الْخضر. قَالَ: فَلَمَّا قدمت، جِئْت إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: مَا فعل صَاحبك؟ قَالَ الْحسن بن غَالب: كنت فِي مَسْجِدي، فَدخل عَليّ رجل، فَقَالَ: غَدا تَأْتِيك هَدِيَّة فَلَا تقبلهَا، وَبعدهَا بأيام تَأْتِيك هَدِيَّة فاقبلها {فبلغني أَن أَبَا الْحسن الْقزْوِينِي قَالَ عني، قد رأى الْخضر مرَّتَيْنِ ". قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْحسن بن غَالب كذبوه. 149 - وَأخرج ابْن عَسَاكِر، فِي تَرْجَمَة أبي زرْعَة الرَّازِيّ، بِسَنَد صَحِيح إِلَى أبي زرْعَة: ط أَنه لما كَانَ شَابًّا، لَقِي رجلا مخضوبا بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ لَهُ: لَا تغش أَبْوَاب الْأُمَرَاء. قَالَ: ثمَّ لَقيته بعد مَا كَبرت وَهُوَ على حَالَته - فَقَالَ لي: ألم أَنْهَك عَن غشيان أَبْوَاب الْأُمَرَاء، قَالَ: ثمَّ الْتفت، فَلم أره، فَكَأَن الأَرْض انشقت، فَدخل فِيهَا، فخيل [لي] أَنه الْخضر. فَرَجَعت، فَلم أزر أَمِيرا، وَلَا غشيت بَابه، وَلَا سَأَلته حَاجَة ". 150 - ذكر ابْن أبي حَاتِم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل: " عبد الله بن عمر روى كلَاما فِي الزّهْد، عَن رجل ترَاءى لَهُ، ثمَّ غَابَ عَنهُ، فَلَا يدْرِي كَيفَ ذهب؟ فَكَانَ يرى أَنه الْخضر. " روى نعيم بن ميسرَة عَن رجل من يحصب، عَنهُ ". 151 - وروينا فِي أَخْبَار إِبْرَاهِيم بن أدهم: قَالَ إِبْرَاهِيم بن بشار - خَادِم إِبْرَاهِيم بن أدهم - صحبته بِالشَّام، فَقلت: يَا أَبَا إِسْحَاق، أَخْبِرِي عَن بَدْء أَمرك} قَالَ: كنت شَابًّا، قد حبب إِلَيّ الصَّيْد، فَخرجت يَوْمًا، فأثرت أرنبا أَو ثعلبا، فَبينا أَنا أطرده، إِذْ هتف بِي هَاتِف، لَا أرَاهُ: يَا إِبْرَاهِيم، أَلِهَذَا خلقت؟ {أَبِهَذَا أمرت؟} فَفَزِعت، ووقفت، ثمَّ تعوذت، وركضت الدَّابَّة، ففل ذَلِك مرَارًا. ثمَّ هتف بِي هَاتِف من قربوس السرج: وَالله مَا لهَذَا خلقت؟ وَلَا بِهَذَا أمرت؟ ! قَالَ: فَنزلت، فصادفت رَاعيا لأبي يرْعَى الْغنم، فَأخذت جُبَّة الصُّوف، فلبستها، وَدفعت إِلَيْهِ الْفرس، وَمَا كَانَ معي، وتوجهت إِلَى مَكَّة، فَبينا أَنا فِي الْبَادِيَة، إِذْ أَنا بِرَجُل يسير، لَيْسَ مَعَه إِنَاء وَلَا زَاد، فَلَمَّا أَمْسَى،

وَصلى الْمغرب، حرك شَفَتَيْه، بِكَلَام لم أفهمهُ، فَإِذا بِإِنَاء فِيهِ طَعَام وإناء فِيهِ شراب، فَأكلت مَعَه وشربت، وَكنت على هَذَا أَيَّامًا، وَعَلمنِي اسْم الله الْأَعْظَم، ثمَّ غَابَ عني، وَبقيت وحدي، فَبينا أَنا ذَات يَوْم مستوحش من الْوحدَة، دَعَوْت الله، فَإِذا شخص أَخذ بحجزتي، فَقَالَ لي: سل، تعطه. فراعني قَوْله. فَقَالَ [لي] : لاروع عَلَيْك، أَنا أَخُوك الْخضر ". 152 - وَذكر عبد المغيث بن زُهَيْر الْحَرْبِيّ [الْحَنْبَلِيّ] ، فِي جُزْء جمعه فِي أَخْبَار الْخضر: " عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: كنت بِبَيْت الْمُقَدّس، فَرَأَيْت الْخضر وإلياس ". 153 - وَعَن أَحْمد قَالَ: " كنت نَائِما، فَجَاءَنِي الْخضر، فَقَالَ: قل لِأَحْمَد: إِن سَاكن السَّمَاء وَالْمَلَائِكَة راضون عَنْك ".

154 - وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل: " أَنه خرج اإلى مَكَّة، فصحب رجل، اقال: فَوَقع فِي نَفسِي أَنه الْخضر ". قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَا نقضه: مَا جمعه عبد المغيث، لَا يثبت هَذَا عَن أَحْمد. 155 - قَالَ: وَذكر فِيهِ عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي، أَنه قَالَ:: حَدثنِي الْخضر ". وَمن أَيْن يَصح هَذَا عَن مَعْرُوف! ؟ 156 - وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره: " أولع كثير مِمَّن ينتمي إِلَى الصّلاح، إِن بَعضهم يرى الْخضر. وَكَانَ الإِمَام أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي يذكر عَن شيخ لَهُ أَنه رأى الْخضر، فحدثه. فَقيل لَهُ: من أعلمهُ أَنه الْخضر، أم كَيفَ عرف ذَلِك، فَسكت. قَالَ: وَيَزْعُم بَعضهم: أَن الخضرية يتولاها بعض الصَّالِحين، على قدم الْخضر. وَمِنْه قَول بَعضهم: " لكل زمَان الْخضر ".

قلت: وَهُوَ حَيْثُ مُسلم. يدل أَن الْخضر الْمَشْهُور مَاتَ. 157 - قَالَ أَبُو حَيَّان: " وَكَانَ بعض شُيُوخنَا فِي الحَدِيث - وَهُوَ عبد الْوَاحِد العباسي الْحَنْبَلِيّ - يعْتَقد أَصْحَابه فِيهِ أَنه يجْتَمع بالخضر ". 158 - قلت: وَذكر لي الْحَافِظ أَبُو الْفضل الْعِرَاقِيّ شَيخنَا: أَن الشَّيْخ عبد الله بن أسعد اليافعي كَانَ يعْتَقد أَن الْخضر حَيّ. قَالَ: فَذكرت لَهُ مَا نقل عَن البُخَارِيّ وَالْحَرْبِيّ وَغَيرهمَا، من إِنْكَار ذَلِك، فَغَضب. وَقَالَ: من قَالَ: إِنَّه مَاتَ غضِبت عَلَيْهِ. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: رَجعْنَا عَن اعْتِقَاد مَوته. 159 - وأدركنا من كَانَ يَدعِي أَنه يجْتَمع بالخضر، مِنْهُم: القَاضِي علم الدّين الْبِسَاطِيّ الَّذِي ولى قَضَاء الْمَالِكِيَّة، زمن الظَّاهِر برقوق. وَكَانَ

كثير من أهل الْعلم يُنكرُونَ عَلَيْهِ ذَلِك. 160 - وَالَّذِي تميل إِلَيْهِ النَّفس، من حَيْثُ الْأَدِلَّة القوية. خلاف مَا يَعْتَقِدهُ الْعَوام، من اسْتِمْرَار حَيَاته، وَلَكِن رُبمَا عرضت شُبْهَة من جِهَة كَثْرَة الناقلين للْأَخْبَار الدَّالَّة على استمراره، فَيُقَال: هَب أَن أسانيدها واهية، إِذْ كل طَرِيق مِنْهَا لَا يسلم من سَبَب يَقْتَضِي تضعيفها، فَمَاذَا يصنع فِي الْمَجْمُوع؟ فَإِنَّهُ على هَذِه الصُّورَة قد يلْتَحق بالتواتر الْمَعْنَوِيّ الَّذِي مثلُوا لَهُ بجود حَاتِم. 161 - فَمن هُنَا مَعَ احْتِمَال التَّأْوِيل فِي أَدِلَّة الْقَائِلين بِعَدَمِ بَقَائِهِ، كآية: (وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد) . وكحديث: " رَأس مائَة سنة ". وَغير ذَلِك مِمَّا تقدم بَيَانه. 162 - وَأقوى الْأَدِلَّة على عدم بَقَائِهِ، عدم مَجِيئه إِلَى رَسُول الله -، وانفراده بالتعمير، من بَين أهل الْأَعْصَار الْمُتَقَدّمَة بِغَيْر دَلِيل شَرْعِي. وَالَّذِي لَا يتَوَقَّف فِيهِ الْجَزْم بنبوته، وَلَو ثَبت أَنه ملك من الْمَلَائِكَة لارتفع الأشكال. كَمَا تقدم وَالله أعلم. اهـ.

(تمّ كتاب " الزهر النَّضر فِي نبأ الْخضر " لِلْحَافِظِ شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حجر الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي. " فرغ مِنْهُ يَوْم الْجُمُعَة، عشْرين شَوَّال سنة (867 هـ) سبع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة هجرية ". اهـ.) صَلَاح الدّين مَقْبُول أَحْمد. عَفا الله عَنهُ وَعَن وَالِديهِ وأساتذته جَمِيعًا. وَالْحَمْد لله أَولا وآخرا، وَصلى الله على مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم.

§1/1