الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة

سعيد بن وهف القحطاني

3 - الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة مركز الدعوة والإرشاد بالقصب، 1431هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر. القحطاني، سعيد بن علي بن وهف أركان الإسلام./ سعيد بن علي بن وهف القحطاني - القصب، 1431هـ 5 مج. ردمك: 5 - 90179 - 603 - 978 (مجموعة) 6 - 3 - 90179 - 603 - 978 (ج3) (خمسة أجزاء في صندوق واحد) 1 - الإسلام 2 - العبادات (فقه إسلامي) 3 - التربية الإسلامية. أ. العنوان ديوي 252 ... 4396/ 1431 رقم الإيداع: 4396/ 1431 ردمك: 5 - 0 - 90179 - 603 - 978 (مجموعة) 6 - 3 - 90179 - 603 - 978 (ج3) الطبعة الأولى: 1407هـ-2008م الطبعة الثانية: 1428هـ- 2009م الطبعة الثالثة: شوال 1431هـ-2010م

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((الزكاة في الإسلام)) بينت فيها بإيجاز كل ما يحتاجه المسلم في زكاته, وقرنت كل مسألة بدليلها من الكتاب والسنة, فما كان من صواب فمن الله الواحد المنان, وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان, والله بريء منه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن ابن باز قدس الله روحه, ونور ضريحه, ورفع منزلته في الفردوس الأعلى. وقد قسمت البحث إلى عدة مباحث على النحو الآتي: المبحث الأول: مفهوم الزكاة: لغة، وشرعاً. المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام. المبحث الثالث: فوائد الزكاة وحِكَمِهَا. المبحث الرابع: حكم الزكاة في الإسلام. المبحث الخامس: شروط وجوب الزكاة.

المبحث السادس: زكاة الدين. المبحث السابع: مسائل مهمة في الزكاة. المبحث الثامن: زكاة بهيمة الأنعام السائمة. المبحث التاسع: زكاة الخارج من الأرض. المبحث العاشر: زكاة الأثمان: الذهب والفضة والأوراق النقدية. المبحث الحادي عشر: زكاة عروض التجارة والأسهم والسندات. المبحث الثاني عشر: زكاة الفطر. المبحث الثالث عشر: مصارف الزكاة في الإسلام. المبحث الرابع عشر: صدقة التطوع في الإسلام. والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم، مقرباً لمؤلفه، وقارئه، وناشره، من جنات النعيم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع بها كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه وتعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين, حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف: أبو عبدالرحمن حرر بعد عصر يوم الإثنين الموافق 16/ 12/1426هـ

المبحث الأول: مفهوم الزكاة: لغة، وشرعا

المبحث الأول: مفهوم الزكاة: لغة، وشرعاً الزكاة لغة: أصل الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث (¬1). والزكاة لغة أيضاً: النماء، والزيادة، يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد (¬2)، وجمع الزكاة: زكوات (¬3). والزكاة أيضاً: الصلاح، قال الله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} (¬4). قيل: صلاحاً، وقيل: خيراً منه عملاً صالحاً. وقال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} (¬5). أي ما صلح منكم، {وَلَكِنَّ الله يُزَكِّي مَنْ يَشَاء} (¬6). أي يصلح من يشاء، وقيل لما يُخرج من المال للمساكين ونحوهم: ((زكاةٌ))؛ لأنه تطهير للمال, وتثمير له, وإصلاح, ونماء بالإخلاف من الله تعالى, فالزكاة طهرة للأموال, وزكاة الفطر طهرة للأبدان (¬7). والزكاة أنواع ثلاثة على النحو الآتي: ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الزاي مع الكاف، مادة ((زكا))، 2/ 307، ولسان العرب، لابن منظور، باب الواو والياء من المعتل فصل الزاي، مادة ((زكا))، 14/ 358. (¬2) انظر: التعريفات للجرجاني، ص 152، والمغني لابن قدامة، 4/ 5، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 17. (¬3) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص 208. (¬4) سورة الكهف، الآية: 81. (¬5) سورة النور، الآية: 21. (¬6) سورة النور، الآية: 21. (¬7) لسان العرب، لابن منظور، باب الواو والياء من المعتل، فصل الزاي، 14/ 358.

النوع الأول: زكاة النفس

النوع الأول: زكاة النفس، قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (¬1). وتزكية النفس: تطهيرها من الشرك، والكفر، والنفاق، والذنوب والمعاصي، والأخلاق الذميمة. النوع الثاني: زكاة البدن، وهي صدقة الفطر من شهر رمضان المبارك، وقد فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين، طهرة للصائم من اللغو والرفث: صاعاً من طعام، أو من برٍّ، أو تمر, أو شعير، أو أقط، أو زبيب (¬2). النوع الثالث: زكاة الأموال وهي ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة، وهي طهرة للأموال، والأنفس، وبركة في الأموال والأنفس (¬3). والزكاة أيضاً تأتي بمعنى المدح، يقال: زكَّى نفسه إذا مدحها ووصفها وأثنى عليها, قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (¬4). ويقال: زكَّى القاضي الشهود إذا مدحهم وعدَّلهم (¬5). والخلاصة أن أصل مادة: ((زكا)) الزيادة، والنماء، وكل شيء زاد فقد زكا. ¬

(¬1) سورة الشمس، الآيات: 7 - 9. (¬2) وسيأتي إن شاء الله ذكر الأحاديث في زكاة الفطر. (¬3) انظر: الشرح المختصر على متن زاد المستقنع، للعلامة صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، 2/ 236. (¬4) سورة النجم، الآية: 32. (¬5) انظر: لسان العرب، لابن منظور، 14/ 358 - 359.

الزكاة شرعا

ولما كان الزرع لا ينمو إلا إذا خلص من الدغل كانت لفظة الزكاة تدل على الطهارة أيضاً. وإذا وصف الأشخاص بالزكاة - بمعنى الصلاح - فذلك يرجع إلى زيادة الخير فيهم (¬1). فالزكاة لغة: النماء والزيادة، والطهارة، والبركة (¬2). الزكاة شرعاً: حقٌّ يجب في المال (¬3). وقيل: حقٌّ واجب في مال خاص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص (¬4). وقيل: إنفاق جزء معلوم من المال النامي إذا بلغ نصاباً في مصارف مخصوصة (¬5). وقيل: حصة من المال ونحوه يوجب الشرع بذلها للفقراء ونحوهم بشروط خاصة (¬6). وقيل: عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالك مخصوص (¬7). وقيل: نصيب مقدَّر شرعاً في مال معين يصرف لطائفة مخصوصة (¬8). وقيل: التعبد لله تعالى بإخراج جزء واجب شرعاً، في مال معين، ¬

(¬1) انظر: فقه الزكاة، ليوسف القرضاوي، 1/ 37. (¬2) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/ 307، ولسان العرب، لابن منظور، 14/ 358. (¬3) المغني، لابن قدامة، 4/ 5، والشرح الكبير، 6/ 291. (¬4) منتهى الإرادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي، 1/ 435، الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى الحجاوي، 1/ 387، والروض المربع مع حاشية عبد الرحمن بن قاسم، 3/ 164. (¬5) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص 208. (¬6) القاموس المحيط، ص 396. (¬7) التعريفات، للجرجاني، ص 152. (¬8) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 17.

لطائفة أو جهة مخصوصة (¬1). وقيل: حق يجب في أموال مخصوصة، على وجه مخصوص، ويعتبر في وجوبه الحول والنصاب (¬2). وقيل: تمليك جزء من مال معين شرعاً من يستحقه من مسلم بشرط قطع المنفعة عن ذلك المال من كل وجه لله تعالى (¬3). قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ((الزكاة في اللغة: النماء، يقال: زكى الزرع إذا نما، وترد أيضاً بمعنى التطهير، وترد شرعاً باعتبارين معاً، أما بالأول؛ فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها، أو بمعنى أن تعلقها بالأموال ذات النماء: كالتجارة، والزراعة، وأما الثاني؛ فلأنها طهرة النفس من رذيلة البخل، وطهرة من الذنوب)) (¬4). وقيل: الزكاة شرعاً: حق واجب، في مال مخصوص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص (¬5). والتعريف الذي يشمل التعريفات المتقدمة كلها: أن يقال: الزكاة شرعاً: ((التعبد لله تعالى بإخراج حق واجب مخصوص شرعاً، من مال مخصوص، في وقت مخصوص، لطائفة مخصوصة، بشروط ¬

(¬1) مجموع فتاوى ورسائل محمد بن صالح العثيمين، 18/ 11. (¬2) الموسوعة الفقهية، مادة زكاة، 23/ 226. (¬3) الزكاة وأحكامها، لوهبي سليمان غاوجي، ص 22. (¬4) نيل الأوطار، 3/ 5. (¬5) الإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن قاسم، 2/ 126، وإبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، لعبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، 1/ 279.

الصدقة:

مخصوصة)). والله أعلم. والزكاة الشرعية قد تسمى صدقة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (¬1). وقال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (¬2). وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬3). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذاً إلى اليمن بيَّن له فقال: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم)) (¬4). وفي حديث جابر وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة)) (¬5). والصدقة: هي العطية التي يُبتغى بها الثواب عند الله تعالى (¬6). قال العلامة الراغب الأصفهاني - رحمه الله تعالى: ((الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة، لكن الصدقة في ¬

(¬1) سورة التوبة, الآية: 58. (¬2) سورة التوبة, الآية: 103. (¬3) سورة التوبة, الآية: 60. (¬4) متفق عليه: البخاري برقم 1395، ومسلم، برقم 19، ويأتي تخريجه إن شاءالله تعالى. (¬5) البخاري برقم 1405، ومسلم برقم 980، ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى. (¬6) التعريفات، للجرجاني، ص 173، ولغة الفقهاء لمحمد رواس، ص 243.

لفظ الصدقة نوعان:

الأصل تقال للمتطوَّع به، والزكاة للواجب، وقد يسمى الواجب صدقة إذا تحرَّى صاحبها الصدق في فعله)) (¬1). فتبين بذلك أن لفظ الصدقة نوعان: النوع الأول: صدقة تطلق على صدقة التطوع. النوع الثاني: صدقة تطلق على صدقة الفرض، التي هي الزكاة (¬2). والعطية: هي ما أعطاه الإنسان من ماله لغيره، سواء كان يريد بذلك وجه الله تعالى، أو يريد به التودد، أو غير ذلك، فهي أعم من الزكاة، والصدقة، والهبة، ونحو ذلك (¬3). ¬

(¬1) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 480. (¬2) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص 209. (¬3) الموسوعة الفقهية، 23/ 227.

المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام

المبحث الثاني: منزلة الزكاة في الإسلام الزكاة فريضة عظيمة ومنزلتها من أعظم الأمور؛ لما يأتي: 1 - الزكاة: الركن الثالث من أركان الإسلام، فهي أحد مباني الإسلام؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)). وفي لفظ لمسلم: ((بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) (¬1). 2 - الزكاة: قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، فقد جمع الله بينها وبين الصلاة في مواضع كثيرة في كتابه الكريم، وهذا يدل على عظم مكانتها عند الله - عز وجل -، وعظم شأنها، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (¬2). وقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} (¬3). وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، برقم 8، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم 16. (¬2) سورة البقرة, الآية: 43. (¬3) سورة البقرة, الآية: 83. (¬4) سورة البقرة, الآية: 110.

وقال - عز وجل - أثناء بيانه لخصال البر وصفات المتقين: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} إلى أن قال - عز وجل -: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} (¬1). وقال تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬2). وقال جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬3). وقال تعالى أثناء بيانه لصفات الراسخين في العلم والمؤمنين: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً} (¬4). وقال سبحانه: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (¬5). وقال - عز وجل -: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (¬6). وقال تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (¬7). ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 177. (¬2) سورة البقرة, الآية: 277. (¬3) سورة النساء، الآية: 77. (¬4) سورة النساء, الآية: 162. (¬5) سورة المائدة, الآية: 12. (¬6) سورة المائدة, الآية: 55. (¬7) سورة التوبة, الآية: 5.

وقال جل وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (¬1). وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} (¬2). وقال سبحانه أثناء ذكره لصفات المؤمنين: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله} (¬3). وقال سبحانه في قول عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} (¬4). وقال - عز وجل - في مدح إسماعيل عليه الصلاة والسلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} (¬5). وقال تبارك وتعالى في سورة الأنبياء: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} (¬6). وقال جل وعلا: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (¬7). ¬

(¬1) سورة التوبة, الآية: 11. (¬2) سورة التوبة, الآية: 18. (¬3) سورة التوبة, الآية: 71. (¬4) سورة مريم، الآية: 31. (¬5) سورة مريم، الآية: 55. (¬6) سورة الأنبياء، الآية: 73. (¬7) سورة الحج, الآية: 41.

وقال تعالى: { ... فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِالله هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (¬1). وقال سبحانه: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (¬2). وقال - سبحانه وتعالى -: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬3). وقال - عز وجل -: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (¬4). وقال تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (¬5). وقال جل وعلا: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ} (¬6). وقال تعالى: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬7). وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا الله قَرْضاً حَسَناً} (¬8). وقال - سبحانه وتعالى -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 78. (¬2) سورة النور، الآية: 37. (¬3) سورة النور, الآية: 56. (¬4) سورة النمل، الآية: 3. (¬5) سورة لقمان، الآية: 4. (¬6) سورة الأحزاب، الآية: 33. (¬7) سورة المجادلة, الآية: 13. (¬8) سورة المزمل، الآية: 20.

وذكرت الزكاة منفردة عن الصلاة في ثلاثة مواضع

الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (¬1). وهذه الآيات السابقة قرنت بين الصلاة والزكاة ستًّا وعشرين مرة، كل مرة منها في آية واحدة، وتمام السابعة والعشرين مرة جاءت في سياق واحد مع الصلاة، وإن لم تكن معها في آية واحدة، هي قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (¬2). وذكرت الزكاة منفردة عن الصلاة في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم هي قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (¬3). وقوله تعالى: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬4). وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (¬5). فهذه ثلاثون مرة ذكرت فيها الزكاة في القرآن الكريم (¬6). ¬

(¬1) سورة البينة, الآية: 5. (¬2) سورة المؤمنون, الآيات: 1 - 4. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 156. (¬4) سورة الروم، الآية: 39. (¬5) سورة فصلت، الآيتان: 6،- 7. (¬6) جاء في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم 32 مرة، ولكنْ مرتان جاءت بمعنى آخر، وهما قوله تعالى: {خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف 81] وقوله: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} [مريم: 13] وانظر: المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص 331 - 332.

جاءت كلمة الصدقة والصدقات في القرآن الكريم اثنتا عشرة مرة

وقد جاءت كلمة الصدقة والصدقات في القرآن الكريم اثنتا عشرة مرة (¬1) منها قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬2). وقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬3). وقد جاءت الزكاة في القرآن بألفاظ غير ألفاظ الزكاة والصدقة كقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬4). وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬5). وقوله تعالى: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬6). وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على أهمية الزكاة وعظم منزلتها في الإسلام. 3 - اعتنت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزكاة عناية دقيقة فائقة، وهذا يدل على علو شأن الزكاة ومنزلتها العظيمة في الإسلام، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في العناية بالزكاة، والأمر بإخراجها, وبيان وجوبها، ¬

(¬1) انظر: المعجم المفهرس لمحمد فؤاد عبد الباقي، ص 406. (¬2) سورة التوبة, الآية: 103. (¬3) سورة التوبة, الآية: 60. (¬4) سورة المعارج، الآيات: 23 - 25. (¬5) سورة آل عمران، الآية: 134. (¬6) سورة الحاقة, الآية: 34.

4 - لعظم شأن الزكاة ذكرها الله تعالى في شرائع من كان قبلنا

وإثم تاركها, وقتال من منعها، وبيان أصناف الأموال الزكوية: من بهيمة الأنعام، والذهب، والفضة، وعروض التجارة، والخارج من الأرض: كالثمار، والحبوب، وغير ذلك: كالمعدن، والركاز، وأوضحت النصب ومقاديرها، وبينت السنة أحكام الزكاة بالتفصيل، وكذلك اعتنت السنة المطهرة ببيان أصناف أهل الزكاة الثمانية، وقد ذكر الإمام ابن الأثير أكثر من مائة وعشرة أحاديث في الزكاة (¬1)، وهي أكثر من ذلك في المصنفات الحديثية، وهذا كله يدل على عظم شأن الزكاة وعلو منزلتها في الإسلام. 4 – لعظم شأن الزكاة ذكرها الله تعالى في شرائع من كان قبلنا، فقال - سبحانه وتعالى - حينما تكلم عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (¬2). وقال - سبحانه وتعالى -: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا الله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} (¬3). وغير ذلك من الآيات التي تقدم ذكرها آنفاً، منها قوله تعالى في قول عيسى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (¬4). 5 – مدح الله القائمين بها في آيات كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ ¬

(¬1) انظر: جامع الأصول، 4/ 550 – 669، من الحديث رقم 2655 – 2769. (¬2) سورة الأنبياء، الآية: 73. (¬3) سورة البقرة, الآية: 83. (¬4) سورة مريم، الآية: 31.

6 - ذم الله تعالى التاركين لها

أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (¬1). وقال - سبحانه وتعالى -: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (¬2). وغير ذلك من الآيات والأحاديث. 6 – ذم الله تعالى التاركين لها، وتوعَّدهم بالهلاك فقال - سبحانه وتعالى -: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ*الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (¬3). 7 – تارك إطعام المساكين من المجرمين؛ لقول الله تعالى: {كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ*إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ*فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ الْمُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين} (¬4). 8 – أداء الزكاة من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وقد ذكرتُ أدلة ذلك في فوائد الزكاة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. 9 - لعظم مكانة الزكاة شرعها الله تعالى زكاة مطلقة بدون أنصباء مُحدَّدة منذ العهد المكي ورغب فيها؛ لقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ ¬

(¬1) سورة مريم، الآيتان: 54 - 55. (¬2) سورة النور, الآية: 37. (¬3) سورة فصلت، الآيتان: 6 - 7. (¬4) سورة المدثر، الآيات: 38 – 46.

حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (¬1). وذم الله تعالى من لم يحض على طعام المسكين، فبين أن عدم الحض على طعام المسكين من أسباب العذاب، فقال تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ*ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ*إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِالله الْعَظِيمِ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬2). وقال تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬3). وبيَّن - سبحانه وتعالى - أن من أسباب دخول الجنة العناية بالسائل والمحروم، فقال تعالى في أوصاف أهل الجنة: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬4). وبيَّن تعالى أن من صفات المؤمنين أن في أموالهم حقًّا معلوماً للسائل والمحروم، فقال سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬5). وفي سورة الروم يأمر تعالى بأداء حق القريب والمسكين، وابن السبيل: {فَآَتِ ¬

(¬1) سورة الأنعام، الآية: 141. (¬2) سورة الحاقة, الآيات: 30 – 34. (¬3) سورة الفجر، الآيتان: 17، 18. (¬4) سورة الذاريات، الآيات: 16 – 19. (¬5) سورة المعارج، الآيات: 19 – 25.

ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1). وقال تعالى في سورة النمل وهي مكية: {طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ* هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (¬2). وقال سبحانه في مطلع سورة لقمان: {الم* تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ* هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ*الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (¬3). وغير ذلك من الآيات في العهد المكي (¬4). والزكاة في العهد المكي زكاة مطلقة من القيود والشروط, والحدود, والأنصباء. أما الزكاة التي فرضت في المدينة: فهي الزكاة ذات النصب والمقادير الخاصة، والشروط، قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى – عند تفسير قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (¬5). ((أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم، وآتوا الزكاة المفروضة، وهذا دليل ¬

(¬1) سورة الروم، الآية: 38. (¬2) سورة النمل، الآيات: 1 – 3. (¬3) سورة لقمان، الآيات: 1 – 4. (¬4) انظر: سورة الأعراف، الآيتان: 156، 157، وسورة فصلت، الآيتان: 6، 7، وسورة الشمس، الآية: 9، وسورة الأعلى، الآية: 14. (¬5) سورة المزمل، الآية: 20.

10 - لعظم شأن الزكاة في الإسلام اعتنى الله بها

لمن قال: إن فرض الزكاة نزل بمكة لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة، والله أعلم)) (¬1). فالصواب أن الزكاة فرضت في أصح أقوال أهل العلم بمكة، ولكن تقدير الأنصبة والأموال الزكوية وأهل الزكاة نزلت بالمدينة (¬2). 10 – لعظم شأن الزكاة في الإسلام اعتنى الله بها, ففرضت في السنة الثانية للهجرة: الزكاة ذات النصب والمقادير، في المدينة، وبين - عز وجل - أصناف أهل الزكاة، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير سورة المؤمنين عند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (¬3). ((الأكثرون على أن المراد بالزكاة ههنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً بمكة)) (¬4). كما قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬5) (¬6). 11 – ويدل على علوِّ منزلة الزكاة أن من منعها يقاتل؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم، ص 1390، دار السلام. (¬2) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، 18/ 15. (¬3) سورة المؤمنون، الآية: 4. (¬4) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص 909. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 141. (¬6) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص 909، وانظر: الموسوعة الفقهية، 3/ 228، وفتاوى ابن عثيمين (17/ 15، والشرح الممتع (6/ 15.

12 - ومما يؤكد عظم منزلة الزكاة في الإسلام أن من جحد وجوبها كفر

يشهدوا: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)) (¬1). ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستُخلفَ أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه, وحسابه على الله تعالى)). فقال أبو بكر: والله! لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله! ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفتُ أنه الحق)). وفي صحيح البخاري: أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: ((والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها)) (¬2). 12 – ومما يؤكد عظم منزلة الزكاة في الإسلام أن من جحد وجوبها كفر: إن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين أهله فإنه يكون مرتدًّا تجري عليه أحكام المرتد, ويستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل؛ لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا تكاد تخفى على من هذه حاله، فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه: الكتاب والسنة، وكفره ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} برقم 25، [التوبة: 5]، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، برقم 22. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، برقم 1399 ورقم 1400، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، برقم 20.

بهما، أما من كان جاهلاً: إما لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار، فإنه يُعرَّف وجوبها, ولا يحكم بكفره حتى يعلم ثم يجحد وجوبها (¬1). قال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: (( ... في حكم تارك الزكاة تفصيل، فإن كان تركها جحداً لوجوبها مع توافر شروط وجوبها عليه كفر بذلك إجماعاً, ولو زكَّى مادام جاحداً لوجوبها, أما إن تركها بخلاً أو تكاسلاً؛ فإنه يعتبر بذلك فاسقاً، قد ارتكب كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب)) (¬2). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - (( ... من أنكر وجوبها فقد كفر إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشىء في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يعلَّم، وإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدًّا، وأما من منعها بخلاً وتهاوناً ففيه خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: إنه يكفر، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد (¬3). ومنهم من قال: إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، ولكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال: (( ... حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬4). وإذا كان يمكن أن يرى له سبيلاً ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 6، والمجموع للنووي، 4/ 334. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 227. (¬3) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 8 – 9، والكافي، 2/ 87. (¬4) مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 987.

13 - ولعظيم منزلة الزكاة جاءت النصوص من الكتاب والسنة في بيان عقوبة تاركها

إلى الجنة؛ فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة، ولكن على مانعها من الإثم العظيم ما ذكره الله تعالى ... )) (¬1) (¬2). 13 - ولعظيم منزلة الزكاة جاءت النصوص من الكتاب والسنة في بيان عقوبة تاركها، مما تقشعر منه الجلود المسلمة، وتدمع له العيون المؤمنة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬3). وقال الله - عز وجل -: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار، فأُحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيُرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)) قيل: يا رسول الله: فالإبل؟ قال: ((ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها, إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها ¬

(¬1) انظر: سورة آل عمران، 180، وسورة التوبة, 34, 35. (¬2) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، 18/ 14، وانظر: الشرح الممتع له, 6/ 7 - 9. (¬3) سورة التوبة, الآيتان: 34 - 35. (¬4) سورة آل عمران, الآية: 180.

بقاعٍ قرقر (¬1) أوفر ما كانت, لا يُفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضُّه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها (¬2) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)) قيل: يا رسول الله! فالبقر والغنم؟ قال: ((ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بقاع قرقر, لا يفقد منها شيئاً، ليس فيها عقصاءُ (¬3)، ولا جلحاءُ (¬4) , ولا عضباءُ (¬5) , تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها, كلما مرت عليه أولاها رُدّ عليه أخراها (¬6) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, حتى يُقضى بين العباد, فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬7). وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - نحو حديث أبي هريرة السابق, وفيه: (( ... ولا صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا تحول يوم القيامة شجاعاً أقرع, يتبع صاحبه حيثما ذهب وهو يفرُّ منه, ويقال: هذا مالك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل)) (¬8). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد ¬

(¬1) القاع القرقر: القاع المستوي الواسع من الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 69. (¬2) وفي رواية لمسلم: ((كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها)). (¬3) العقصاء: ملتوية القرنين. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 70. (¬4) الجلحاء: التي لا قرن لها. شرح النووي، 7/ 70. (¬5) العضباء: التي كسر قرنها الداخل، شرح النووي، 7/ 70. (¬6) وفي رواية لمسلم: ((كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها))، مسلم، برقم 26 – (987. (¬7) متفق عليه: البخاري مختصراً، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 1402, ومسلم بلفظه, كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 987، ومن حديث جابر عند مسلم، برقم 988. (¬8) مسلم, كتاب الزكاة, باب إثم مانع الزكاة, برقم 28 – (988.

زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع (¬1)، له زبيبتان (¬2) يطوقه يوم القيامة, ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول: أنا مالك, أنا كنزك)) ثم تلا هذه الآية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬3). وفي لفظ: ((يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعاً أقرع, يفرُّ منه صاحبه ويطلبه, ويقول: أنا كنزك, قال: والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه)) (¬4). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: ((هم الأخسرون وربِّ الكعبة)) قال: فجئت حتى جلست فلم أتقارَّ (¬5) أن قمت, فقلت: يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم؟ قال: ((هم الأكثرون أموالاً، إلا من قال: هكذا، وهكذا, وهكذا – من بين يديه, ومن خلفه, وعن يمينه, وعن شماله – وقليل ما هم, ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها, كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى ¬

(¬1) الشجاع: الحية الذكر, والأقرع: الذي انحسر الشعر عن رأسه من كثرة سمه. شرح السنة للبغوي، 5/ 479. (¬2) زبيبتان: النكتتان السوداوان فوق عينيه, وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه، ويقال: الزبيبتان: الزبعتان تكون في الشدقين إذا غضب الإنسان أو كثر كلامه. شرح السنة للبغوي، 5/ 479. (¬3) سورة آل عمران, الآية: 180. (¬4) البخاري, كتاب الزكاة, باب إثم مانع الزكاة, برقم 1403, وكتاب التفسير, باب {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] وكتاب الحيل باب في الزكاة وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة, برقم 6957. (¬5) لم أتقار: أي لم يمكني القرار والثبات. شرح النووي، 7/ 77.

14 - تعزير الإمام لمن تهاون بأداء الزكاة يدل على عظم منزلتها

يُقضى بين الناس)) (¬1). 14 – تعزير الإمام لمن تهاون بأداء الزكاة يدل على عِظَم منزلتها في الإسلام؛ لحديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - , قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((في كل إبل سائمة: في كل أربعين ابنة لبون, لا تفرَّقُ إبلٌ عن حسابها (¬2) , من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها, ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله, عزمة (¬3) من عزمات ربنا - عز وجل - , ليس لآل محمد منها شيء)). وفي لفظ النسائي: ((من أعطاها مؤتجراً (¬4) فله أجرها, ومن أبى فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا, لا يحل لآل محمد - صلى الله عليه وسلم - منها شيء)) (¬5). فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنا آخذوها)) استدل به على أنه يجوز للإمام أن يأخذ الزكاة قهراً (¬6). واختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أخذ نصف المال عقاباً لمانع الزكاة: ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري بنحوه, كتاب الزكاة, باب زكاة البقر, برقم 1460, وكتاب الأيمان والنذور, باب كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - , برقم 6638, ومسلم بلفظه, كتاب الزكاة, باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة, برقم 990. (¬2) لا تفرق عن حسابها: أي لا يفرق أحد الخليطين ملكه عن ملك صاحبه خشية الصدقة. نيل الأوطار، 3/ 16. (¬3) عزمة: العزمة ضد الرخصة وهي ما يجب فعله، والعزائم الفرائض. غريب الحديث لابن الأثير، 4/ 573، ونيل الأوطار للشوكاني، 3/ 19. (¬4) مؤتجراً: أي طالباً للأجر. نيل الأوطار، 3/ 16. (¬5) أبو داود, كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1575، والنسائي، كتاب الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة برقم 2443، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، وفي صحيح النسائي، 2/ 177، وفي إرواء الغليل، برقم 791. (¬6) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 16.

فمنهم من قال: يؤخذ نصف ماله مع أخذ الزكاة. ومنهم من قال: يجعل ماله نصفين, ثم تؤخذ الزكاة من خير الشطرين. ومنهم من قال: لا يعاقب بالمال, وإنما يعاقبه الإمام بما يراه, وهذا قول الجمهور (¬1). ¬

(¬1) انظر: جامع الأصول، لابن الأثير، 4/ 573 – 574، ونيل الأوطار، 3/ 16 – 18، وسبل السلام للصنعاني، ومال شيخنا ابن باز أثناء تقريره على الحديث رقم 626 من بلوغ المرام: إلى عدم أخذ نصف المال، وإنما يعاقبه الإمام بما يراه، للقواعد العظيمة في تحريم مال المسلم بغير حق، وإن كان مخالفاً لما رجحه ابن القيم رحمه الله، وذكر ابن باز: أن الحاكم صحح الحديث، ولكن لم يجزم الشيخ بتصحيحه ولا تضعيفه، وقد حسنه الألباني كما تقدم.

المبحث الثالث: فوائد الزكاة وحكمها

المبحث الثالث: فوائد الزكاة وحِكَمها للزكاة فوائد عظيمة، وحِكمٌ كثيرة، منها ما يأتي: 1 - إتمام إسلام العبد؛ لأنها أحد أركان الإسلام، فإذا أدى العبد الزكاة المفروضة تم إسلامه وكمل، وهذا غاية عظيمة لكل مسلم, فكل مسلم مؤمن يسعى لإكمال دينه (¬1). 2 - حصول طاعة الله بتنفيذ أمره: رجاء ثوابه وخشية عذابه، وابتغاء رضوانه. 3 - تثبيت أواصر المحبة بين الغني والفقير؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها. 4 - تطهير النفس وتزكيتها، والبعد بها عن خُلُق الشح والبخل، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬2). 5 - تعويد المسلم على صفة الجود، والكرم، والعطف على ذوي الحاجات؛ والرحمة للفقراء. 6 - حفظ النفس عن الشح، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬3). 7 - استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله تعالى، كما قال - عز وجل -: ¬

(¬1) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 10. (¬2) سورة التوبة, الآية: 103. (¬3) سورة الحشر، الآية: 9.

{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (¬1)؛ ولقول الله تعالى في الحديث القدسي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قال الله: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)) (¬4) (¬5). وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انفحي أو انضحي، أو أنفقي (¬6) ولا تحصي فيحصي الله عليك (¬7)، ولا توعي فيوعي الله عليك)) (¬8)، وفي لفظ البخاري: ((لا توكي فيوكي الله ¬

(¬1) سورة سبأ، الآية: 39. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، برقم 5352، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف، برقم 993. (¬3) مسلم، كتاب البر والصلة، باب العفو، برقم 2588. (¬4) مسلم، كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك، برقم 1010. (¬5) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 230. (¬6) انفحي، أو انضحي، أي: أعطي، والنفح والنضح: العطاء، وفي رواية للبخاري برقم 1434 ((وارضخي ما استطعت)) والرضخ: العطاء أيضاً. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 569. (¬7) لا تحصي: أي لا تبخلي فتجازين على بخلك. انظر: المفهم للقرطبي، 3/ 74. (¬8) لا توعي: أي لا تجمعي وتشحي بالنفقة فيشح عليك. النهاية، 5/ 208.

8 - برهان على صدق إسلام مخرجها

عليك)) (¬1). 8 – برهان على صدق إسلام مخرجها؛ لحديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -، وفيه: ((والصدقة برهان .... )) (¬2). 9 – تشرح الصدر، فالمسلم إذا أحسن إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال، وأنواع الإحسان انشرح صدره؛ فالكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، والبخيل الذي لا يحسن أضيق الناس صدراً، وأنكدهم عيشاً، وأكثرهم همًّا وغمًّا، لكن لا بد من العطاء بطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده (¬3). 10 – تُلحق المسلم بالمؤمن الكامل؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه – أو قال – لجاره ما يحب لنفسه)) (¬4). فكما أن المسلم يحب أن يبذل له المال الذي يسد به حاجته، فهو يحب أن يحصل لأخيه مثل ذلك، فيكون بذلك كامل الإيمان. 11 – من أسباب دخول الجنة؛ لحديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة، برقم 1433، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الإنفاق وكراهية الإحصاء، برقم 1029. (¬2) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم 223. (¬3) انظر: زاد المعاد، لابن القيم، 2/ 25، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 10. (¬4) مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، برقم 45.

12 - تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة

وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام)) (¬1). 12 – تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة، يرحم القوي القادر الضعيف العاجز، والغني يحسن إلى المعسر، فيشعر صاحب المال بوجوب الإحسان عليه كما أحسن الله إليه، قال الله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} (¬2). فتصبح الأمة الإسلامية كأنها عائلة واحدة. 13 – تطفئ حرارة ثورة الفقراء؛ لأن الفقير قد يغضب، لما يرى من تنعم الأغنياء، فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم. 14 – تمنع الجرائم المالية مثل: السرقات، والنهب، وما أشبه ذلك؛ لاستغناء الفقراء عن هذه الجرائم بإعطائهم الزكاة، أو بالصدقة والإحسان إليهم. 15 – النجاة من حرِّ يوم القيامة؛ لحديث عقبة ابن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلُّ امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس)) أو قال: ((يحكم بين الناس)) (¬3). وفي لفظ: ((إن ظل المؤمن يوم القيامة صدقته)) (¬4). قال يزيد – أحد رواة الحديث: ((وكان أبو الخير – راوي الحديث عن عقبة – لا يخطئُه يومٌ إلا تصدق فيه بشيء، ولو كعكة، أو بصلة أو كذا)) (¬5). ¬

(¬1) أحمد في المسند، 5/ 343، وابن حبان (موارد، برقم 641، والترمذي عن علي - رضي الله عنه - في كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة غرف الجنة، برقم 2527، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 7، وفي صحيح الجامع، 2/ 220، برقم 2119. (¬2) سورة القصص، الآية: 77. (¬3) أحمد في المسند، برقم 17333، وقال محققو المسند: إسناده صحيح، وأخرجه ابن حبان، برقم 3310. (¬4) أحمد، برقم 18043، وقال محققو المسند: حديث صحيح. (¬5) أحمد، برقم 17333، كما تقدم.

16 - تعين المسلم على معرفة حدود الله والفقه في دينه تعالى

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (( ... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها, حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) (¬1). 16 – تعين المسلم على معرفة حدود الله والفقه في دينه تعالى؛ لأن المسلم لا يؤدي زكاته إلا بعد أن يعرف أحكامها، وأموالها، وأنصابها، ومستحقها، وإثم من منعها، وفضل من أداها، وغير ذلك مما تدعو الحاجة إليه. 17 – سبب لنزول الخيرات ودفع العقوبات؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, وفيه: (( ... ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا ... )) (¬2). 18 – تطفئ الخطايا وتكفرها؛ لحديث معاذ - رضي الله عنه - , وفيه: (( ... والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)) (¬3) (¬4). 19 – أداء الزكاة من شكر النعم، وشكر النعم سبب لزيادتها؛ لقول الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬5). 20 – مضاعفة الأجر عند الله تعالى؛ لقول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ ¬

(¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. البخاري كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، برقم 1423، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم 1031. (¬2) ابن ماجه، كتاب الفتن، باب العقوبات، برقم 4019، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/ 540، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 370. (¬3) الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم 2616، وأحمد، 5/ 531، 236، 237، 245، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 138. (¬4) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 9 – 15. (¬5) سورة إبراهيم، الآية: 7.

21 - وقاية صاحب المال من العذاب به

يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬1). 21 – وقاية صاحب المال من العذاب به؛ فإن الذي لا يؤدي زكاة ماله يعذب بماله في الآخرة، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬2). 22 – الزكاة تُحصِّن المال, ويحفظه الله تعالى بها (¬3). 23 – ذهاب شر المال ووباله؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال رجل من القوم: يا رسول الله! أرأيت لو أدَّى الرجل زكاة ماله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره)) (¬4)، ولفظ الحاكم: ((إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره)) (¬5). ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 261. (¬2) سورة التوبة, الآيتان: 34 - 35. (¬3) جاء في الخبر: ((حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستعينوا على حمل البلاء بالدعاء والتضرع)). رواه أبو داود في مراسيله، والطبراني وغيرهما. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير، 3/ 99، برقم 2722، 2723، إلا أنه حسن ((داووا مرضاكم بالصدقة)) في صحيح الجامع، 3/ 140، وصحيح الترغيب والترهيب، 1/ 458، برقم 744. (¬4) الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين]، برقم 1345، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/ 63: ((وإسناده حسن وإن كان في بعض رجاله كلام))، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 458. (¬5) الحاكم في المستدرك، 1/ 390، وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي, وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 457.

24 - تطهير المال؛ لأن الزكاة تطهير للمال

24 – تطهير المال؛ لأن الزكاة تطهيرٌ للمال؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس ... )) (¬1) (¬2). 25 – وقاية المال من الفساد؛ لأن الزكاة ما خالطت مالاً إلا أفسدته (¬3). قيل في ذلك: لأن الحرام يهلك الحلال، وقيل: إذا أخذ الغني الزكاة أهلكت ماله؛ لأن الزكاة للفقراء (¬4). 26 – استعانة الفقير بما يأخذ من الزكاة على طاعة الله، ولولا ذلك لاشتغل قلبه بالهموم شغلاً يمنعه من العبادة، بل ربما يوقعه ذلك في شك من ضمان الله تعالى الرزق له ولكل مخلوق، والزكاة تزكي الفقراء والمساكين بسد حاجاتهم، وإغنائهم عن ذل السؤال، والتطلع إلى ما في أيدي الخلق. 27 – ترغيب الفقير في فعل الخيرات والإحسان إلى من دونه؛ لما يرى من إحسان الغني إليه. 28 – تحقيق أهم عناصر التمكين في الأرض والنصر على الأعداء، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ¬

(¬1) أوساخ الناس. قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم، 7/ 184: ((ومعنى أوساخ الناس أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فهي كغسالة الأوساخ)). (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة، برقم 1072. (¬3) جاء في حديث عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: ((ما خالطت الزكاة مالاً قط إلا أفسدته)) رواه الشافعي والبخاري في تاريخه، والحميدي، والبزار، وضعفه الهيثمي في المجمع، 3/ 64، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم 1793، 1/ 562، [ولكن المعنى صحيح]. (¬4) انظر: مشكاة المصابيح، 1/ 562، برقم 1793.

29 - يزيد الله تعالى من أدى الزكاة طيبة بها نفسه هدى وإيمانا

وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِله عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (¬1). 29 – يزيد الله تعالى من أدى الزكاة طيبة بها نفسه هُدىً وإيماناً، قال الله تعالى: {وَيَزِيدُ الله الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً} (¬2). وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (¬3). وقال - سبحانه وتعالى - في طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمر والابتعاد عن النهي، ومن ذلك طاعته - صلى الله عليه وسلم - في الزكاة: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (¬4). 30 – شهد الله تعالى للمنفقين بالهدى والفلاح، قال الله - عز وجل -: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ*أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬5). فأداء الزكاة من أعظم صفات أهل التقوى الذين ينتفعون بالقرآن. 31 – أداء الزكاة والصدقة من أعظم قضاء الحوائج وتفريج الكربات والستر في الدنيا ويوم القيامة؛ لما فيها من قضاء حاجات المحتاجين، وتفريج كربات المكروبين، والستر على المعسرين؛ لأن الجزاء من جنس العمل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 41. (¬2) سورة مريم، الآية: 76. (¬3) سورة محمد، الآية: 17. (¬4) سورة النور، الآية: 54. (¬5) سورة البقرة، الآيات: 2 – 5.

32 - أداء الزكاة أو الصدقة إلى الضعفاء الفقراء من أسباب النصر والرزق

نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... )) (¬1)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما, وفيه: ((ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)) (¬2). 32 – أداء الزكاة أو الصدقة إلى الضعفاء الفقراء من أسباب النصر والرزق؛ لحديث سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟)) (¬3)؛ ولحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: كان أخوان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان أحدهما يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر يحترف, فشكى المحترف أخاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , فقال: ((لعلك تُرزق به)) (¬4). 33 – المتصدق ابتغاء مرضاة الله تعالى يفوز بثناء الله تعالى, وما وعد به المتصدقين من الأجر العظيم، وانتفاء الخوف والحزن، قال الله - عز وجل -: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬5). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2699. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم, ولا يسلمه, برقم 2442, ومسلم, كتاب البر والصلة, باب تحريم الظلم, برقم 2580. (¬3) البخاري, كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، برقم 2896. (¬4) الترمذي، كتاب الزهد، باب في التوكل، برقم 2345، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 274. (¬5) سورة البقرة, الآية: 274.

34 - من أعظم أسباب رحمة الله تعالى للعبد

34 - من أعظم أسباب رحمة الله تعالى للعبد في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬1). وقال الله - عز وجل -: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (¬2). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) (¬4). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنزع الرحمة إلا من شقي)) (¬5). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أبعد الناس من الله القلب القاسي)) (¬6). 35 - وعد الله تعالى المؤمنين المتصدقين بالجنة وما فيها من النعيم المقيم، والرضوان العظيم، قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ*وَعَدَ الله الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ¬

(¬1) سورة النور, الآية: 56. (¬2) سورة الأعراف, الآية: 156. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب التوحيد, باب قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]، برقم 7376, ومسلم, كتاب الفضائل, باب رحمة الصبيان والعيال, برقم 2319. (¬4) أبو داود, كتاب الأدب, باب في الرحمة, برقم 4941, والترمذي, كتاب البر والصلة, باب ما جاء في رحمة المسلمين, برقم 1924, وصححه الألباني في صحيح الترمذي, 2/ 180. (¬5) أبو داود, كتاب الأدب, باب في الرحمة, برقم 1942, والترمذي, كتاب البر والصلة, باب ما جاء في رحمة المسلمين, برقم 1923, وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 180. (¬6) الترمذي, كتاب الزهد, باب 61, برقم 2411, وحسنه عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه للأذكار للنووي, ص 285.

36 - وعد الله - عز وجل - بالفلاح والفردوس لمن قام بأداء الزكاة مع الصفات الجميلة الأخرى

الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬1). 36 - وعد الله - عز وجل - بالفلاح والفردوس لمن قام بأداء الزكاة مع الصفات الجميلة الأخرى, قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (¬2). إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬3). 37 - أداء الزكاة من أعظم أنواع الإحسان, وقد أخبر الله تعالى عن نفسه بما يرغب كل من عرف فضل الإحسان بالإحسان؛ لعظم شأنه عند الله - عز وجل -، قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬4). وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} (¬5). وقال - عز وجل -: {إِنَّ الله لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (¬6). 38 - في إعطاء العاملين على الزكاة منها- إذا لم يكن لهم مرتب أو أجرة من بيت المال- كفاية لهم ولأسرهم مدة قيامهم بجبايتها من الناس وصرفها لمستحقيها، وفي إعطائهم منها: إعانة لهم على الخير وتشجيعهم على الاستمرار على هذا العمل؛ ليعينوا إخوانهم الأغنياء على إخراج الزكاة الواجبة عليهم، ويعينوا إخوانهم الفقراء في إيصالهم ما فرض الله ¬

(¬1) سورة التوبة, الآيتان: 71 - 72. (¬2) سورة المؤمنون, الآية: 4. (¬3) سورة المؤمنون, الآيات: 9 - 11. (¬4) سورة البقرة, الآية: 195. (¬5) سورة يوسف, الآية: 88. (¬6) سورة التوبة, الآية: 120.

39 - في إعطاء الغارمين الزكاة نوع من التخفيف عنهم

لهم، وتحصيل حقوقهم دون أن تتطلع نفوس العاملين عليها إلى الخيانة فيها وسوء التصرف فيها. 39 - في إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم: ترغيبهم في الإسلام، وتحبيبه إليهم، وتقوية ما في قلوبهم من الإيمان، أو كف شرهم عن المسلمين، وإيصال الدعوة إلى من لديهم من المستضعفين. 40 - في إعطاء الغارمين الزكاة نوع من التخفيف عنهم من همِّ الديون بالليل وتحريرهم من ذلها بالنهار؛ فإن الدين همٌّ على المؤمن بالليل وذلٌّ بالنهار. 41 - تجهيز المقاتلين في سبيل الله تعالى، وإعداد ما يلزم من العدد والعتاد، لقتال أعداء الإسلام، ونشر الإسلام بين الأمم والدفاع عن الإسلام وديار المسلمين، وكف الظلم، ودفع العدوان، وقطع دابر الكافرين {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (¬1). فتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. 42 - مساعدة المسلم المسافر إذا انقطع من النفقة في طريقه لنفاد نفقته أو سرقة أو ضياع، ولم يجد ما يكفيه لمؤنة سفره، ففي إعطائه الزكاة إحسان إليه، ومواساة له في حال غربته، فيعطى من الزكاة ما يسد حاجته حتى يعود إلى بلاده (¬2). 43 - في إعطاء الزكاة في تحرير الرقاب تحرير للرقيق الذي أذله الرق، ¬

(¬1) سورة الأنفال, الآية: 39. (¬2) انظر: الإرشادات إلى جمل من حكم وأحكام الزكاة, للشيخ عبد الله بن صالح القصير, ص 7 - 16, وشرح أركان الإسلام والإيمان للشيخ محمد جميل زينو, ص 121.

43 - يترتب على أداء الزكاة الأجر العظيم

فيكون بأخذه للزكاة أو إعتاقه منها حرًّا عبداً لله - عز وجل -، يقوم بعبادة الله - سبحانه وتعالى -، وهو على كمال في الحرية من ملك العباد وتفريغه لعبادة رب العباد. 44 - يترتب على أداء الزكاة الأجر العظيم، قال الله تعالى: {يَمْحَقُ الله الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (¬1). وقال - عز وجل -: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ الله وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يقبل الله إلا الطيب))، [وفي لفظ ((فإن الله يتقبَّلُها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوَّه (¬3) , حتى تكون مثل الجبل])) (¬4). ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 276. (¬2) سورة الروم, الآية: 39. (¬3) فلوَّه: قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية، 3/ 474: الفلُوُّ: المهر الصغير. وقيل: هو الفطيم من أولاد ذوات الحوافر. (¬4) متفق عليه: البخاري, كتاب الزكاة, باب الصدقة من كسب طيب, برقم 1410, وفي كتاب التوحيد, باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]. وقوله جل ذكره: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]، برقم 7430, ومسلم, كتاب الزكاة, باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها رقم، 1014.

المبحث الرابع: حكم الزكاة في الإسلام

المبحث الرابع: حكم الزكاة في الإسلام الزكاة: واجبة بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة على كل مسلم، حر، مالك لنصابٍ، مستقرٍّ، مضى عليه الحول في غير المعشر (¬1). أما الكتاب، فلقول الله تعالى: {وَآَتُوا الزَّكَاةَ} (¬2). وفي آيات كثيرة أمر الله فيها بأداء الزكاة. وأما السنة؛ فلحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن فقال: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب: فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)). وفي لفظ: ((إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله - عز وجل - , فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ... )) (¬3). وأما الإجماع: فأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوب الزكاة إذا اكتملت الشروط، واتفق الصحابة - رضي الله عنهم - على قتال مانعيها (¬4). ¬

(¬1) المغني, لابن قدامة، 4/ 5, والكافي، 2/ 85, والروض المربع، 3/ 162 - 168. (¬2) سورة البقرة, الآية: 43. (¬3) متفق عليه: البخاري, كتاب الزكاة, باب وجوب الزكاة, برقم 1395، ومسلم, كتاب الإيمان, باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام, برقم 19. (¬4) المغني لابن قدامة، 4/ 5.

المبحث الخامس: شروط وجوب الزكاة خمسة:

المبحث الخامس: شروط وجوب الزكاة خمسة على النحو الآتي: الشرط الأول: الإسلام، وضده الكفر، فلا تؤخذ الزكاة من الكافر ولا تقبل منه، سواء كان كافراً أصليًّا أو مرتدًّا؛ لأن الزكاة من فروع الإسلام، قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالله وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (¬1). ومما يدل على أن الإسلام شرط لوجوب الزكاة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب: فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ... )) (¬2). فجعل الإسلام شرطاً لوجوب الزكاة (¬3). والزكاة طهرة للمسلم، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬4). أما الكافر فهو نجس لا يطهر إلا بالدخول في الإسلام (¬5). والكافر لا تقبل منه الزكاة، ولا تؤخذ منه، ويحاسب عليها يوم القيامة، قال الله تعالى عن المجرمين: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ*قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ ¬

(¬1) سورة التوبة, الآية: 54. (¬2) متق عليه: البخاري برقم 1395, ومسلم برقم 19, وتقدم تخريجه. (¬3) حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/ 166. (¬4) سورة التوبة, الآية: 103. (¬5) الشرح الممتع, لابن عثيمين، 6/ 19.

الشرط الثاني: الحرية

الْمُصَلِّينَ*وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ*وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (¬1). فلولا أنهم عوقبوا على ترك الصلاة وإطعام المسكين ما ذكروا ذلك سبباً في دخولهم النار (¬2). وهذا يدل على أن الكفار يعاقبون ويعذبون على إخلالهم بفروع الإسلام (¬3). الشرط الثاني: الحرية, وضدها الرق, فلا تجب الزكاة على رقيق – وهو العبد المملوك؛ لأنه لا يملك شيئاً؛ لأن المال الذي بيده لسيده؛ لحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبَّر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع, ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع)) (¬4). ولا تجب على مكاتب؛ لأنه عبد؛ ولأن ملكه غير تام, فهو كالعبد؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم)) (¬5) (¬6). ¬

(¬1) سورة المدثر, الآيات: 42 – 45. (¬2) الشرح الممتع، 6/ 20. (¬3) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، 18/ 16. (¬4) متفق عليه: البخاري, كتاب المساقاة, باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل, برقم 2379, ومسلم, كتاب البيوع, باب من باع نخلاً عليها تمر, برقم 1543. (¬5) أبو داود, كتاب العتق, باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت, برقم 3926, والترمذي, كتاب البيوع, باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي, برقم 1260, وابن ماجه, كتاب العتق, باب المكاتب, برقم 2519, وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 479, وإرواء الغليل، برقم 1674. (¬6) والمكاتب: العبد يشتري نفسه من مالكه بمال معلوم يوصله إليه, وسمي مكاتباً؛ لأنهم كانوا يقولون لعبيدهم إذا أرادوا مكاتبتهم: كاتبتك مثلاً: على ألف درهم, فإذا أداها عتق, ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت المال, وكتبت لك علي العتق, وكتبت لي عليك أداء المال [جامع الأصول لابن الأثير 8/ 90 – 91].

الشرط الثالث: ملك نصاب

الشرط الثالث: مِلْكُ نصابٍ؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة، ولا فيما دون خمس ذودٍ صدقة، ولا فيما دون خمس أواقٍ صدقة)) (¬1). فإذا ملك المسلم نصاباً اعتبر من الأغنياء؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ... )) (¬2). وملك النصاب يختلف باختلاف الأموال، فإذا لم يكن عند الإنسان نصاب فلا زكاة عليه حتى يبلغ ماله النصاب الذي قدره الشرع، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ذلك عند الكلام عن أصناف الأموال الزكوية (¬3). الشرط الرابع: استقرار الملك، بأن يكون المالك للشيء يملكه مِلكاً مستقرًّا (¬4)، ويعبر عن هذا الشرط أيضاً: بـ ((تمام الملك)) (¬5) أو ((الملك التام)) (¬6)، ومعنى تمام الملك: أن لا يتعلق به حق غيره بحيث يكون له التصرف فيه (¬7). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري, كتاب الزكاة, باب: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة, برقم 1484, ومسلم, كتاب الزكاة, باب: ليس فيما دون خمسة أوسق, برقم 979. (¬2) متفق عليه: البخاري برقم 1395, ومسلم, برقم 19, وتقدم تخريجه. (¬3) انظر: المبحث الثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر من هذا الكتاب. (¬4) الشرح الممتع، 6/ 21. (¬5) المقنع والشرح الكبير، 6/ 314, والكافي، 2/ 88. (¬6) بداية العابد وكفاية الزاهد, مع شرحه: بلوغ القاصد جل المقاصد, كلاهما للعلامة عبد الرحمن بن عبد الله البعلي رحمه الله 1110 – 1192هـ، تحقيق محمد بن ناصر العجمي, ص 132. (¬7) حاشية الروض المربع, لابن قاسم (2/ 168.

فلا زكاة على السيد في دين الكتابة، لعدم استقراره؛ ولنقصان الملك فيه (¬1)؛ فإن السيد إذا باع مملوكه بدراهم على نفسه وبقيت عند مملوكه المكاتب سنة فلا زكاة فيها؛ لأن العبد يملك تعجيز نفسه فيقول: لا أستطيع أن أوفي. وإذا كان لا يستطيع أن يؤدي ما عليه فإنه يسقط عنه المال الذي اشترى نفسه به، فيكون الدين حينئذ غير مستقر (¬2). ولا زكاة في الوقف على غير معين، كالوقوف على فقراء، أو على المساجد، أو المجاهدين، أو المدارس أو غير ذلك من وجوه البر (¬3). أما الوقف على معين ففيه الزكاة، كعلى بني فلان (¬4) (¬5). وكذلك الحبوب والثمار إذا بدا صلاحها وجبت فيها الزكاة، ولكن لا يستقر الوجوب إلا بالتمكن منها, فما دامت على رؤوس الشجر أو على رؤوس الزرع فإنه لا يتمكن منها تمكناً تامًّا حتى يحصد الزرع ويؤويه إلى الجرين، وحتى يجذ النخل، فلو أصابت الزرع أو النخل آفة قبل الحصاد والجذاذ وتلف المحصول من غير تفريط من صاحبه فإنه لا تجب عليه الزكاة؛ لأن ملكه لم يستقر عليه بعد (¬6) والله تعالى أعلم (¬7). ¬

(¬1) المقنع والشرح الكبير، 6/ 314, 315, والإقناع لطالب الانتفاع, 1/ 388. (¬2) الشرح الممتع، 6/ 21 – 22. (¬3) المقنع مع الشرح الكبير، 6/ 314 – 315، والإقناع لطالب الانتفاع, 1/ 388, ومنار السبيل 1/ 238. (¬4) الروض المربع، 1/ 13 – 14. (¬5) وانظر: زيادة في الأمثلة الشرح الممتع، 6/ 21. (¬6) الشرح المختصر على متن زاد المستقنع, للفوزان، 2/ 240. (¬7) ومثلوا للملك غير المستقر بحصة المضارب من الربح قبل القسمة, أما صاحب رأس المال ففي حصته الزكاة, ولكن قال العلامة السعدي رحمه الله في كتابه المختارات الجلية في المسائل الفقهية ص 75: ((الصواب إيجاب الزكاة في حصة المضارب قبل القسمة إذا بلغت نصاباً؛ لدخوله في جميع عمومات النصوص ألفاظها ومعانيها ... )).

الشرط الخامس: مضي الحول في غير المعشر

الشرط الخامس: مضي الحول في غير المعشر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) (¬1)؛ ولحديث علي - رضي الله عنه - وفيه: ((وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) (¬2)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه)) (¬3). والمعنى أنه لا زكاة في مال حتى يمر عليه اثنا عشر شهراً من حين تملكه (¬4). والحول يشترط لوجوب الزكاة في ثلاثة أموال: السائمة من بهيمة الأنعام، والأثمان: من الذهب والفضة، وقيم عروض التجارة (¬5). ويستثنى أشياء لا يشترط لها تمام الحول, وهي على النحو الآتي: الأول: المعشر، وهو الأموال التي يجب فيها العشر أو نصفه، وهي الحبوب والثمار؛ لأن الخارج من الأرض تجب الزكاة فيه عند حصاده, ولو لم تمر عليه سنة؛ لقول الله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬6). ¬

(¬1) ابن ماجه, كتاب الزكاة, باب من استفاد مالاً, برقم 1792, وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه, برقم 1461 - 1819, 2/ 98. (¬2) أبو داود, كتاب الزكاة, باب في زكاة السائمة، برقم 1571, وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 436, برقم 1573. (¬3) الترمذي, كتاب الزكاة, باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول, برقم 631, وصححه الألباني في صحيح الترمذي, 1/ 348، برقم 631. (¬4) الشرح المختصر على متن زاد المستقنع, للفوزان، 2/ 240. (¬5) المغني لابن قدامة، 4/ 73. (¬6) سورة الأنعام, الآية: 141.

الثاني: نتاج السائمة

الثاني: نتاج السائمة أي أولادها؛ لأن حول أولاد السائمة -من بهيمة الأنعام- حول أمهاتها, فتزكى مع أمهاتها إن كانت الأمهات بلغت نصاباً، وإن كانت الأمهات لم تبلغ نصاباً, فبداية الحول من كمال النصاب بالنتاج، ومثال ذلك رجل عنده أربعون شاة فولدت كل واحدة ثلاثة إلا واحدة ولدت أربعة فأصبحت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان، مع أن النتاج لم يحل عليه الحول؛ ولكنه تبع الأصل. الثالث: ربح التجارة حوله حول رأس المال، فلو ملك نصاباً من النقود واتجر به وربح فإنه يزكي الجميع: رأس المال والربح حتى لو لم يربح هذا الربح، إلا في آخر السنة، فإنه يزكيه مع رأس المال. أما إذا كان رأس المال دون النصاب ثم ربح فإن بداية الحول من كمال النصاب (¬1). الرابع: الركاز، وهو ما يوجد من دفن الجاهلية؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً وفيه: (( ... وفي الركاز الخمس)) (¬2)، فبمجرد وجوده ففيه الخمس؛ ولأن وجوده يشبه الثمار والحبوب الخارجة من الأرض، تجب الزكاة فيها من حين الحصول عليها عند الحصاد (¬3). الخامس: المعدن، وهو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة: كالحديد، والياقوت، والزبرجد، والعقيق، والسُّبَح، ¬

(¬1) المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/ 352. (¬2) متفق عليه: البخاري, كتاب الزكاة, باب: في الركاز الخمس, برقم 1499, ومسلم, كتاب الحدود, باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار, برقم 1710. (¬3) المقنع مع الشرح الكبير، 6/ 314 - 320, و352 - 354، والمغني، 4/ 46، 231، والشرح المختصر للفوزان, 2/ 241, والشرح الممتع، 6/ 22 - 23.

وينقطع الحول بأمور على النحو الآتي:

والكحل، والزاج- الكبريتات- والقار، والنفط، وغير ذلك مما يسمى معدناً, فإذا وجد الإنسان معدناً يبلغ نصاباً, فيجب أداء زكاته فوراً من حين العثور عليه, ولا يعتبر له الحول؛ لأنه كالزروع والثمار، والركاز، ولا تخرج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته، والمعدن أشبه بالثمار من غيرها، وزكاته ربع العشر (¬1) (¬2). قال الإمام الخرقي رحمه الله: ((وإذا أخرج من المعادن من الذهب عشرين مثقالاً أو من الورق مائتي درهم، أو قيمة ذلك من الزئبق، والرصاص، والصُّفر أو غير ذلك مما يستخرج من الأرض فعليه الزكاة من وقته)) (¬3). والله تعالى أعلم (¬4). وينقطع الحول بأمور على النحو الآتي: الأول: إذا نقص النصاب أثناء الحول قبل تمامه انقطع الحول ومثال ذلك: رجل عنده أربعون شاة وقبل تمام الحول نقصت واحدة فلا زكاة في الباقي؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) (¬5)؛ ولأن وجود النصاب في جميع الحول شرط لوجوب الزكاة. ¬

(¬1) انظر: سنن أبي داود، برقم 3061. (¬2) المغني, لابن قدامة، 4/ 238 - 244, والمقنع والشرح الكبير 6/ 574 - 584, والشرح الممتع لابن عثيمين, 6/ 23. (¬3) مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، 4/ 238. (¬4) واختار شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله أن المعادن لا تزكى إلا بعد تمام الحول, سمعت ذلك منه أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 645, وأثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - , الحديث، رقم 2014, وهو قول إسحاق وابن المنذر كما ذكره ابن قدامة في المغنى، 4/ 243, ورده ابن قدامة رحمه الله. (¬5) ابن ماجه، برقم 1792, وتقدم تخريجه.

الثاني: إذا باع النصاب بغير جنسه أثناء الحول لا فرارا من الزكاة

الثاني: إذا باع النصاب بغير جنسه أثناء الحول لا فراراً من الزكاة انقطع الحول، إلا في عروض التجارة، ومثال ذلك: رجل يملك أربعين شاة سائمة وقبل تمام الحول باعها بدراهم لا فراراً من الزكاة، وهذه الأغنام لا يقصد بها عروض التجارة، ففي هذه الحالة ينقطع الحول. الثالث: إذا أبدل النصاب بغير جنسه أثناء الحول لا فراراً من الزكاة انقطع الحول، مثال ذلك: رجل عنده أربعون من الغنم أبدلها ببقر، أو أبدلها بإبل، فإن الحول ينقطع, ويبدأ من أول الحول في البقر أو الإبل. ولا شك أن هذا يدخل في بيع النصاب؛ لأن تعريف البيع ينطبق عليه؛ فإن البيع هو مبادلة مال ولو في الذمة بمثل أحدهما. أما إذا باعه أو أبدله بجنسه؛ فإن الحول لا ينقطع، مثال ذلك: رجل باع ذهباً بذهب، أو فضة بفضة أو غير ذلك من جنسه، أو أبدل أربعين شاة بأربعين شاة، فإن الحول لا ينقطع؛ لأنه أبدله بجنسه، أما إذا فعل شيئاً من ذلك فراراً من الزكاة، فإن الحول لا ينقطع (¬1). قال الإمام الخرقي-رحمه الله تعالى-: ((وإذا باع ماشية قبل الحول بمثلها زكَّاها إذا تم حول من وقت مِلكِهِ الأول)) (¬2). قال الإمام ابن قدامة-رحمه الله-: ((وجملته أنه إذا باع نصاباً للزكاة مما يعتبر فيه الحول بجنسه: كالإبل بالإبل، أو البقر بالبقر، أو الغنم بالغنم، أو ¬

(¬1) انظر: المقنع مع الشرح الكبير، 6/ 360 - 370, والكافي، 2/ 98, والروض المربع، 2/ 178, والشرح الممتع، 6/ 43, ومنتهى الإرادات, 1/ 444, وكتاب الفروع لابن مفلح، 3/ 471, والإقناع لطالب الانتفاع, 1/ 394, وانظر التفصيل في المغني, لابن قدامة، 4/ 136. (¬2) مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، 4/ 35.

الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، لم ينقطع الحول, وبنى حول الثاني على حول الأول، وبهذا قال مالك (¬1) ... ووافقنا أبو حنيفة في الأثمان (¬2) ... قال أحمد بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل يكون عنده غنم سائمة, فيبيعها بضعفها من الغنم: أعليه أن يزكيها كلها أم يعطي زكاة الأصل؟ قال: بل يزكيها كلها، على حديث عمر في السخلة يروح بها الراعي (¬3)؛ لأن نماءها معها قلت: فإن كانت للتجارة، قال يزكيها كلها على حديث حماس (¬4). فأما إن باع النصاب بدون النصاب انقطع الحول، وإن كان عنده مئتان فباعها بمائة فعليه زكاة مئة واحدة)) (¬5). قال الخرقي رحمه الله: (( ... وكذلك إن أبدل عشرين ديناراً بمائتي درهم أو مائتي درهم بعشرين ديناراً لم تبطل الزكاة بانتقالها (¬6))) , قال ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة ذلك أنه متى أبدل نصاباً من غير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف ¬

(¬1) وقال الشافعي: لا يبني حول نصاب على حول غيره بحال؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) تقدم تخريجه. (¬2) ووافق الشافعي فيما سواها؛ لأن الزكاة إنما وجبت في الأثمان؛ لكونها ثمناً, وهذا المعنى يشملها, بخلاف غيرها, قال ابن قدامة: ((ولنا أنه نصاب يضم إليه نماؤه في الحول, فبُنِيَ حول بدله من جنسه على حوله, كالعروض, والحديث مخصوص بالنماء والربح, والعروض, فنقيس عليه محل النزاع, والجنسان لا يضم أحدهما إلى الآخر مع وجودهما, فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخر)) [المغني 4/ 135]. (¬3) خبر عمر - رضي الله عنه -: (( ... تَعدُّ عليهم بالسخلة, يحملها الراعي ولا تأخذها ... )) مالك في الموطأ، 1/ 265, والبيهقي في السنن الكبرى, 4/ 100, وانظر: المغني, لابن قدامة، 4/ 46. (¬4) يأتي حديث حماس إن شاء الله تعالى في أول زكاة عروض التجارة. (¬5) المغني لابن قدامة، 4/ 136. (¬6) مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، 4/ 136.

حولاً (¬1) إلا الذهب بالفضة أو عروض التجارة؛ لكون الذهب والفضة كالمال الواحد, إذ هما أروش الجنايات, وقيم المتلفات, ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة, وكذلك إذا اشترى عرضاً للتجارة بنصاب من الأثمان (¬2) , أو باع عرضاً بنصاب لم ينقطع الحول؛ لأن الزكاة تجب في قيمة العروض لا في نفسها, والقيمة هي الأثمان (¬3) فكانا جنساً واحداً, وإذا قلنا: إن الذهب والفضة لا يضم أحدهما إلى صاحبه لم يُبْنَ حول أحدهما على حول الآخر؛ لأنهما مالان لا يضم أحدهما إلى الآخر؛ فلم يُبنَ حولُه على حولِه: كالجنسين من الماشية (¬4) , وأما عروض التجارة؛ فإن حولها يُبنى على حول الأثمان بكل ¬

(¬1) استأنف حولاً جديداً من أوله. (¬2) الأثمان: الذهب والفضة. (¬3) المغني، 4/ 136. (¬4) جاء عن الإمام أحمد روايتان: في الذهب والفضة: إحداهما: أن الذهب والفضة إذا بيع نصاب أحدهما بنصاب من الآخر لا ينقطع الحول, بل يبنى على حول الأول, واختاره الخرقي في مختصره, وصاحب الروض المربع, والرواية الأخرى: أن بيع النصاب من الذهب أو إبداله بنصاب من الفضة أو بالعكس يقطع الحول, ويستأنف حولاً جديداً من أوله؛ لأنهما مالان لا يضم أحدهما إلى الآخر, وهما جنسان في باب الربا, فلم يضم أحدهما إلى الآخر؛ لأن الذهب غير الفضة بنص الحديث: ((الذهب بالذهب, والفضة بالفضة ... فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) [مسلم, برقم 1587] , واختار هذه الرواية للإمام أحمد العلامة محمد بن صالح العثيمين في شرح زاد المستقنع، 6/ 44, وقال الإمام ابن رجب في القواعد في الفقه الإسلامي ص 314: ((لو أبدل نصاباً من أموال الزكاة بنصاب من جنسه بنى على حول الأول على المذهب ولو أبدله بغير جنسه استأنف إلا في إبدال أحد النقدين بالآخر؛ فإن فيه روايتين, وخرَّج أبو الخطاب في انتصاره رواية بالبناء في الإبدال من غير الجنس مطلقاً)) فظهر مما تقدم أن النصاب الزكوي إذا أُبدل بنصاب زكوي آخر أو بيع بنصاب آخر يكون على النحو الآتي: 1 - إذا بيع النصاب أو أبدل بنصاب أو أكثر من جنسه بُني على حول النصاب الأول, فيزكي إذا تم حول الأول, وبهذا قال الإمام مالك, والإمام أحمد ووافقهما أبو حنيفة في الأثمان, أما عروض التجارة, فإن حولها لا ينقطع بحال. 2 - إذا بيع النصاب أو أبدل بنصاب أو أكثر من غير جنسه انقطع الحول واستأنف حولاً جديداً إلا الذهب والفضة أو بالعكس في رواية للإمام أحمد اختارها في المقنع وزاد المستقنع؛ لأن الذهب والفضة كالمال الواحد. وفي رواية للإمام أحمد: لا يضم الذهب إلى الفضة؛ لأنهما جنسان في باب الربا, فعلى هذا ينقطع الحول, ويستأنف حولاً جديداً. واختار هذه الرواية العلامة ابن عثيمين. 3 - أما الإمام الشافعي رحمه الله فقال: لا يبنى حول نصاب على حول غيره بحال, ووافقه أبو حنيفة إلا في الأثمان, كما تقدم فإنه وافق الإمام مالك وأحمد. 4 - وفي رواية لأحمد أنه إذا باع نصاباً بنصاب بنى على حول الأول مطلقاً, سواء كان بجنسه أو بغير جنسه, واختار هذا العلامة السعدي رحمه الله. انظر: المغني لابن قدامة, 4/ 135 - 136, والشرح الكبير، 6/ 361, والقواعد، لابن رجب، ص 315.

أما حول عروض التجارة فلا ينقطع الحول بالمبادلة أو البيع

حال)) (¬1)، والله تعالى أعلم (¬2). أما حول عروض التجارة فلا ينقطع الحول بالمبادلة أو البيع, إذا اشترى عرضاً لتجارة بنقد أو باعه به بنى على حول الأول؛ لأن الزكاة تجب في قيم العروض, وهي من جنس النقد, وحتى الإبل والبقر والغنم إذا قصد بها التجارة: فإنه يزكيها زكاة العروض, ولا ينقطع الحول إذا كانت من عروض التجارة, سواء باعها بجنسها أو غير جنسها, إذا كانت من عروض التجارة (¬3). ¬

(¬1) قال العلامة السعدي رحمه الله: ((الصحيح قول من قال من الأصحاب: إن إبدال النصاب الزكوي بنصاب آخر زكوي لا يمنع الزكاة, ولا يقطعها, سواء كان من جنسه أو من جنس آخر, والتفريق بين ما كان من الجنس وغيره لا دليل عليه, وحقيقة الأمر: لا فرق بين الأمرين؛ ولأن القول بقطعه إذا أبدله من غير جنسه يوجب فتح أبواب الحيل لمنع الزكاة)) المختارات الجلية من المسائل الفقهية للسعدي، ص 76 - 77. (¬2) انظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 1/ 179, والشرح الممتع، 6/ 42 - 44. (¬3) الزكاة, للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، ص 195, وانظر: مجموع فتاوى ورسائل العلامة ابن عثيمين رحمه الله، 18/ 51.

قال الإمام البغوي رحمه الله: ((أما حول عروض التجارة فلا ينقطع بالمبادلة؛ لأن زكاة التجارة تجب في القيمة, والقيمة باقية في ملكه وقت المبادلة؛ لأن ملكه لا يزول عن أحدهما إلا ويملك الآخر)) (¬1). وإذا حصل ربح في التجارة فحول الربح يبنى على حول الأصل, وكذا إذا ارتفع سعر التجارة فإن الزكاة تجب في جميع القيمة, وإن نقص سعر التجارة زكى القيمة الحاضرة (¬2). ¬

(¬1) انظر: الزكاة, للإمام البغوي، ص 276. (¬2) انظر: مجموع الفتاوى للإمام ابن باز, جمع الشويعر، 12/ 50, وجمع الطيار وأحمد الباز، 5/ 25, والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 33 - 39، والمختارات الجلية في المسائل الفقهية للعلامة السعدي ص 76, والروض المربع تحقيق عبد الله الطيار، 4/ 22.

المبحث السادس: زكاة الدين

المبحث السادس: زكاة الدين على النحو الآتي 1 - الصواب من أقوال أهل العلم أن الدين الذي ينقص النصاب لا يمنع الزكاة, ومثاله: رجل يملك عشرة آلاف ريال حال عليها الحول, وعليه دينٌ يبلغ خمسة آلاف ريال, فعليه زكاة العشرة إلا أن يقضي الدين قبل أن يحول عليه الحول, فليس عليه زكاة إلا في الباقي بعد الدين, وكذلك لو كان عليه دين يستغرق النصاب أو يزيد عليه فعليه زكاة المال الذي يحول عليه الحول وهو عنده, ومثال ذلك: رجل عليه دين ثلاثون ألفاً وعنده خمسة وعشرون ألفاً دار عليها الحول, إنه يزكي كل ما دار عليه الحول، وإن كان صادقاً فليقضِ الدين قبل أن يحول الحول؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر عماله بأخذ الزكاة ممن عليه زكاة, ولم يأمرهم أن يسألوهم: هل عليهم دين أم لا؟ ولو كان الدين يمنع الزكاة؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عماله أن يستفسروا من أهل الزكاة: هل عليهم دين؟ (¬1) , وهو قول ربيعة, وحماد بن أبي سليمان, والشافعي في جديد قوليه؛ لأن المالك حر مسلم, ملك نصاباً حولاً فوجبت عليه الزكاة كمن لا دين عليه (¬2). ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 6/ 263، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 338. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في زكاة من ملك نصاباً حال عليه الحول وعليه دين ينقص النصاب أو يستغرقه على أقوال: القول الأول: إن الدين يمنع الزكاة مطلقاً، سواء كانت الأموال باطنة: من الذهب أو الفضة، أو عروض التجارة أو كانت ظاهرة كالسائمة من الإبل، والبقر والغنم، والحبوب والثمار. وهي رواية واحدة عن الإمام أحمد في الأموال الباطنة، أما الأموال الظاهرة فهي إحدى الروايتين عنه. القول الثاني: وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد: إن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة [المغني لابن قدامة، 4/ 263 - 266، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 6/ 338 - 342]. القول الثالث: إن الدين لا يمنع الزكاة مطلقاً: لا في الأموال الظاهرة ولا الباطنة، بل تجب ولو كان على الإنسان دين يستغرق النصاب أو ينقصه إذا حال عليه الحول، وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن وحماد بن أبي سليمان، والشافعي في الجديد، قال شيخنا الإمام ابن باز: ((وهو الصواب ... عملاً بعموم الأدلة، وعدم المخصص الذي يحسن الاعتماد عليه والله أعلم)) [مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 30 - 31، وانظر: المغني لابن قدامة، 4/ 263 - 265، والشرح الكبير، 6/ 340]. قال المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، 6/ 338 - 340: ((ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب هذا هو المذهب إلا ما استثني وعليه أكثر الأصحاب، وعنه لا يمنع الدين الزكاة مطلقاً، وعنه يمنع الدين الحال خاصة. جزم به في ((الإرشاد)) وغيره. وقال المرداوي: ((إذا لم يمنع دين الآدمي الزكاة فدين الله من الكفارات والنذور ودين الحج ونحوه لا يمنع بطريق أولى. [الإنصاف (3/ 348]. واستدل أصحاب القول الأول الذين قالوا: إن الدين يمنع الزكاة بما ثبت عن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان يقول: ((هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه، حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة)) [رواه مالك في الموطأ، 1/ 253، وابن أبي شيبة، 4/ 48، والبيهقي، 4/ 148، وصححه الألباني في الإرواء، 3/ 260]، ولكن هذا يؤكد أن الدين إذا كان حالاً قبل وجوب الزكاة؛ فإنه يُقضى لسبق حق الدائن فهو أحق بالتقديم على الزكاة؛ لأن الزكاة لا تجب إلا إذا تم الحول، فإذا قضى الدين قبل مضي الحول فلا زكاة عليه إلا فيما بقي إذا بلغ نصاباً [الشرح الممتع، 6/ 36]. واستدل أصحاب القول الثاني الذين قالوا: إن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة, ويمنعها في الباطنة بعمومات النصوص، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث العمال الذين يقبضون الزكاة من أصحاب المواشي وأصحاب الثمار, ولا يأمرهم بالاستفصال: هل عليهم دين أم لا؟ واستدل أصحاب القول الثالث بما استدل به أصحاب القول الثاني، وبقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وبعمومات الأدلة، وهذا عام في إيجاب الزكاة عند بلوغ النصاب, ولو كان هناك دين على المالك. انظر الأدلة على هذه الأقوال: الشرح الممتع، 6/ 33 - 39، والروض المربع بتحقيق عبد الله الطيار، والغصن، والمشيقح، 4/ 22، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 49 - 52، جمع الشويعر، وجمع الطيار، وأحمد الباز، 5/ 30، والمغني، 4/ 263 - 269.

2 - زكاة الدين على نوعين:

والله تعالى أعلم (¬1). 2 - زكاة الدين على نوعين: النوع الأول: دينٌ على مليء مُعترفٍ به باذلٍ له, فعلى صاحبه زكاته كل سنة, كلما حال عليه الحول, كأنه عنده وهو عند المدين كالأمانات, وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يختار هذا القول (¬2) , وهو قول عثمان, وابن عمر, وجابر - رضي الله عنهم - , وطاوس, والنخعي, وجابر بن زيد, والحسن, وميمون ابن مهران, والزهري, وقتادة, وحماد بن أبي سليمان, والشافعي, وإسحاق, وأبي عبيد, قالوا: عليه إخراج الزكاة في الحال, وإن لم يقبضه؛ لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه, فلزمه إخراج زكاته كالوديعة (¬3) , وهذا هو الراجح ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، جمع عبد الله الطيار، وأحمد الباز، 5/ 27، وجمع الشويعر، 14/ 53. (¬2) وانظر: المغني لابن قدامة، 4/ 269 - 270، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/ 321. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في زكاة الدين على المليء الباذل على أقوال: القول الأول: إن الدين على المليء الباذل لا زكاة عليه حتى يقبضه, فيزكيه لما مضى من الأعوام، فلا تلزمه زكاته حتى يقبضه ثم يؤدي لما مضى؛ لأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، روي ذلك عن علي - رضي الله عنه -، وبه قال الثوري، وأصحاب الرأي، وهو مذهب الحنابلة، ورجحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله، قال: ((وإن شاء أدى زكاته مع ماله كل سنة, وهذا فضيلة وأسرع في إبراء الذمة، والأول رخصة)). القول الثاني: إن على صاحبه إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه؛ لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه, فلزمه إخراج زكاته: كالوديعة، وهو قول عثمان، وابن عمر وجابر - رضي الله عنهم -، وطاوس، والنخعي، وجابر بن زيد، والحسن، وميمون بن مهران، والزهري، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد، ورجح هذا القول شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله. القول الثالث: إن الدين على مليء ليس فيه زكاة، روي عن عائشة، وابن عمر - رضي الله عنهم - وهو قول مجاهد؛ لأنه غير تام فلم تجب زكاته: كعروض القنية. القول الرابع: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، روي هذا القول عن سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء الخرساني، وأبي الزناد. قال المرداوي في الإنصاف: ((قوله: ومن كان له دين على مليء زكاه إذا قبضه، هذا المذهب وعليه الأصحاب، وعنه لا تجب فيه الزكاة فلا يزكيه إذا قبضه، وعنه يزكيه إذا قبضه أو قبل قبضه، وعنه يلزمه في الحال)). والراجح هو القول الثاني إن شاءالله تعالى وهو أن الدين على المليء الباذل يُزَكَّى كل سنة كالمال الذي باليد. انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 269 - 270، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/ 321 - 322.

النوع الثاني: أن يكون الدين على معسر، أو جاحد، أو مماطل

إن شاءالله تعالى (¬1). النوع الثاني: أن يكون الدين على معسر, أو جاحد, أو مماطل, فالصحيح من أقوال العلماء أنه لا يلزم صاحب الدين أداء الزكاة عنه حتى يقبضه من هذا المعسر أو المماطل, فإذا قبضه استقبل به حولاً جديداً, فإذا حال الحول زكاه, ولا تلزمه زكاته إذا قبضه إلا بعد حول كامل على الصحيح، ولو زكاه بعد قبضه عن سنة واحدة كان أحسن وفيه احتياط, لكن لا يلزمه ذلك, وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى يختار هذا القول (¬2)، والله تعالى أعلم. ¬

(¬1) مجموع فتاوى الإمام ابن باز, جمع الطيار وأحمد الباز، 5/ 27، 29، وجمع الشويعر، 14/ 53. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في زكاة الدين الذي على المعسر، أو الجاحد، أو المماطل، أو المغصوب، أو الضائع على أقوال: القول الأول: لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به أشبه مال المكاتب، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو قول قتادة وإسحاق، وأبي ثور، وأهل العراق، وأحد القولين للشافعي. قال الإمام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية، ص 146: ((لا تجب الزكاة في دين مؤجل أو على معسر، أو مماطل، أو جاحد، ومغصوب ومسروق، وضال، وما دفنه ونسيه، أو جهل عند من هو؟)). وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((الصحيح أن الدين إذا كان على معسر لا وفاء له، أو على مماطل لا يقدر على الاستيفاء منه، أو كان المال مسروقاً، أو ضالاًّ، أو نحوه مما لا يقدر عليه صاحبه ولا ينتفع به لا زكاة فيه إذا قبضه حتى يحول عليه الحول بعد قبضه؛ لأن الله بحكمته شرع الزكاة في الأموال النامية المقدور عليها، وهذه الأموال المذكورة لا يقدر عليها أصحابها ولا هي معدة للنماء)) [المختارات الجلية من المسائل الفقهية، ص 75]. القول الثاني: يزكيه إذا قبضه لما مضى؛ لأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول للشافعي؛ لما روي عن علي - رضي الله عنه - في الدين المظنون، قال: ((إن كان صادقاً فليزكيه إذا قبضه لما مضى)) وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما [رواهما أبو عبيد في الأموال: 431، 432]. وهو قول الثوري، وأبي عبيد، وصحح الألباني رحمه الله قول علي - رضي الله عنه - في الدين الظنون، في الإرواء، 3/ 252. [قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية، 3/ 164: ((لا زكاة في الدين الظنون))، قال: ((هو الذي لا يدري صاحبه أيصل إليه أم لا؟))]. القول الثالث: يزكيه إذا قبضه لعام واحد، جاء ذلك عن عمر بن عبد العزيز، والحسن، والليث، والأوزاعي، ومالك؛ لأنه كان في ابتداء الحول بيده ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد. ورجح هذا القول العلامة محمد بن صالح العثيمين فقال: ((والراجح أنه يزكيه حين القبض لسنة واحدة فقط ولو بقي عدة سنوات، ومثل ذلك المال المدفون المنسي فلو أن شخصاً دفن ماله خوفاً من السرقة ثم نسيه فيزكيه سنة عثوره عليه فقط)) [الشرح الممتع، 6/ 32]. انظر: جميع هذه الأقوال في المغني، لابن قدامة، 4/ 270، والشرح الكبير في المقنع والإنصاف، 6/ 325، والشرح الممتع، 4/ 29 - 31.

3 - حكم إسقاط الدين من الزكاة:

3 - حكم إسقاط الدين من الزكاة: لا يجوز إسقاط الدين من الزكاة؛ لأن الواجب إنظار المعسر, حتى يسهل الله له القضاء؛ ولأن الزكاة إيتاء وإعطاء, وبذل للمال لمستحقه وليست إبراء من الديون, وإسقاط الدين عن المعسر ليس إيتاء ولا إعطاء, وإنما هو إبراء؛ ولأنه يقصد من ذلك وقاية المال لا مواساة الفقراء (¬1). ¬

(¬1) مجموع فتاوى الإمام ابن باز، جمع الطيار وأحمد الباز، 5/ 25 - 26.

المبحث السابع: مسائل مهمة في الزكاة

المبحث السابع: مسائل مهمة في الزكاة المسألة الأولى: تجب الزكاة في عين المال (¬1) ولها تعلق بالذمة: كالذهب, والفضة, والإبل, والبقر, والغنم السائمة, والحبوب, والثمار بخلاف عروض التجارة تجب في ذمة المزكي, والدليل على وجوبها في عين المال؛ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... وفي الغنم في كل أربعين شاة ... )) (¬2) , وقوله - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الحبوب والثمار: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وما سُقي بالنضح نصف العشر)) (¬3)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الإبل: (( ... فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى ... )) (¬4)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في زكاة البقر: (( ... وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة)) (¬5)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الذهب والفضة: (( ... فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ... )) (¬6). ¬

(¬1) تجب الزكاة في عين المال الذي لو دفع زكاته منه أجزأت احترازاً مما دون خمس وعشرين من الإبل فإنها لا تجب في عينها. [حاشية ابن قاسم، 3/ 181]. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1568، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الغنم، برقم 1805، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 432. (¬3) البخاري، كتاب الزكاة، باب العشر فيما يُسقى من ماء السماء والماء الجاري، برقم 1483. (¬4) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، برقم 1454. (¬5) أبو داود, كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1572، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 434. (¬6) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1573، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436.

المسألة الثانية: لا يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء

وهذا معنى كون الزكاة تجب في عين المال: أي يجب إخراج الزكاة من نفس المال؛ لكن لها تعلق بالذمة: يعني لو تلف المال بعد وجوب الزكاة فيه وهذا المال مستقر في ملكه فإن تلفه لا يسقط عنه الزكاة؛ لأنها صارت ديناً في ذمته؛ لأنه عندما تم الحول كان عليه أن يبادر بإخراجها ولكنه تأخر. أما عروض التجارة فتجب زكاتها في الذمة (¬1). المسألة الثانية: لا يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء؛ لقول النبي ¬

(¬1) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في وجوب الزكاة هل هي تجب في المال أو في الذمة على النحو الآتي: 1 - تجب الزكاة في عين المال، وهو رواية عن الإمام أحمد، وأحد قولي الشافعي، وقول الإمام مالك وأبي حنيفة. 2 - وقيل: تجب في الذمة، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد والقول الثاني للشافعي. 3 - وقيل: تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة، فجمع هذا القول بين القولين السابقين، قال في زاد المستقنع: ((وتجب الزكاة في عين المال ولها تعلق بالذمة)) قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((فالقول الذي مشى عليه المؤلف قول جامع بين القولين وهو أنها تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة، فالإنسان في ذمته مطالب بها وهي واجبة في المال، ولولا المال لم تجب الزكاة فهي واجبة في عين المال، إلا أن يستثنى من ذلك مسألة واحدة وهي العروض، فإن الزكاة لا تجب في عينها ولكن تجب في قيمتها ... )) [الشرح الممتع، 6/ 46]. 4 - وقيل: تجب في الذمة وتتعلق بالنصاب، قال ابن رجب في القواعد الفقهية، ص 370: ((وقع ذلك في كلام القاضي وأبي الخطاب وغيرهما وهي طريقة الشيخ تقي الدين)). قال الإمام ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية، ص 370 - 374: ((وللاختلاف في محل التعلق هل هو العين، أو الذمة؟ فوائد كثيرة)) ثم ذكر رحمه الله تعالى سبع فوائد. وانظر: شرح هذه الفوائد في القواعد لابن رجب، ص 370 - 374، والمغني, لابن قدامة، 4/ 140 - 142، وفي الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 6/ 372 - 375، وحاشية ابن قاسم على الروض، 3/ 182. وانظر: مسألة هل تجب الزكاة في عين المال أو في الذمة؟ المغني، 4/ 140، والمقنع مع الشرح الكبير، والإنصاف، 6/ 371، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 182، والشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 45، والشرح المختصر على زاد المستقنع، 2/ 249، للفوزان، والسلسبيل في معرفة الدليل للبليهي، 2/ 352، والروض المربع تحقيق وتعليق الطيار، والغصن، والمشيقح، 4/ 29.

المسألة الثالثة: لا يعتبر في وجوب الزكاة بقاء المال

- صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) (¬1). فمفهوم الحديث وجوب الزكاة عند تمام الحول؛ ولأن هذه عبادة فلا يشترط لوجوبها إمكان الأداء، كسائر العبادات؛ فالصوم يجب على الحائض، والمريض العاجز عن أدائه، والصلاة تجب على المغمى عليه، والنائم، والحج يجب على من أيسر في وقت لا يتمكن من الحج فيه، أو منعه من المضي مانع (¬2)، فتجب الزكاة في المال الغائب وفي الدين، فكون المالك ليس متمكناً من إخراج الزكاة؛ لغيبة ماله أو كونه ديناً لا يسوغ ذلك إسقاط الزكاة عنه (¬3). المسألة الثالثة: لا يعتبر في وجوب الزكاة بقاء المال، فالزكاة لا تسقط بتلف المال على الصحيح إذا تعدَّى أو فرط, أما إذا لم يتعدَّ ولم يفرط فإنها تسقط بتلف المال على الصحيح، ومعنى التفريط: أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها, وإن لم يتمكن من إخراجها فليس بمفرط, سواء كان ذلك لعدم المستحق؛ أو لبعد المال عنه؛ أو لكون الفرض لا يوجد في المال, ويحتاج إلى شرائه فلم يجد ما يشتري به، أو كان في طلب الشراء، أو نحو ذلك (¬4)، والله ¬

(¬1) أبو داود، برقم 1571، وصححه الألباني في صحيح أبي داود, وتقدم تخريجه. (¬2) المغني لابن قدامة، 3/ 143، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 376، والروض المربع، 3/ 183، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 47، والسلسبيل في معرفة الدليل للبليهي، 1/ 253. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء أو لا يعتبر على قولين: القول الأول: أن الزكاة تجب بحلول الحول سواء تمكن من الأداء أو لم يتمكن وبهذا قال الإمام أحمد، وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه. القول الثاني: لا تجب الزكاة إلا إذا تمكن من الأداء، وهذا قول مالك، وأحد قولي الشافعي، والأرجح القول الأول والله تعالى أعلم. المغني، لابن قدامة، 4/ 143، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 376 - 377، والكافي لابن قدامة، 2/ 94. (¬4) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 144، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 377، والسلسبيل في معرفة الدليل، 1/ 254، والشرح الممتع، 6/ 47، والروض المربع، 3/ 183.

المسألة الرابعة: الزكاة كالدين في التركة

تعالى أعلم (¬1). المسألة الرابعة: الزكاة كالدين في التركة، فلا تسقط بموت صاحب المال، وتخرج من ماله وإن لم يوصِ بها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت ¬

(¬1) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى هل تسقط الزكاة بتلف المال أو لا تسقط على النحو الآتي: القول الأول: إن الزكاة لا تسقط بتلف المال فرط المالك أو لم يفرط، وهو المشهور عن الإمام أحمد واختاره الخرقي في مختصره, فتكون الزكاة على هذا القول كدين الآدمي لا يسقط بتلف المال، إلا إذا تلف زرع أو ثمر بجائحة قبل الحصاد أو الجذاذ، وكذا بعدهما قبل الوضع في الجرين ونحوه لعدم استقرارها قبل ذلك. القول الثاني: تسقط الزكاة بتلف المال إذا لم يفرط، وهذا قول في مذهب الإمام أحمد. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((الصحيح في هذه المسألة أنه إن تعدى أو فرط ضمن وإن لم يتعدَّ ولم يفرط فلا ضمان؛ لأن الزكاة بعد وجوبها أمانة عنده، والأمين إذا لم يتعدَّ ولم يفرط فلا ضمان عليه)) [الشرح الممتع 6/ 47]. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((والصحيح إن شاءالله أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الأداء)) [المغني لابن قدامة 4/ 145]. القول الثالث: وحكى الميموني عن أحمد أنه إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة عنه, وإن تلف بعده لم تسقط, وحكاه ابن المنذر مذهباً للإمام أحمد، وهو قول الشافعي، والحسن بن صالح، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر، وبه قال مالك إلا في الماشية, فإنه قال: لا شيء فيها حتى يجيء المصدق, فإن هلكت قبل مجيئه فلا شيء عليه. القول الرابع: وقال أبو حنيفة: تسقط الزكاة بتلف النصاب على كل حال, إلا أن يكون الإمام قد طالبه بها فمنعها. والراجح إن شاء الله تعالى القول الثاني, وأنها تسقط بتلف المال إذا لم يفرط أو يتعدَّ, وهو الذي رجحه ابن قدامة كما تقدم، وصححه العلامة ابن عثيمين. قال الإمام ابن قدامة: ((وإن قلنا بوجوبها بعد تلف المال فأمكن المالك أداؤها أدَّاها, وإلا أنظر بها إلى ميسرته وتمكنه من أدائها من غير مضرة عليه [المغني، 4/ 145]. وانظر المغني، 4/ 144، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 377، والروض المربع، 3/ 182، والشرح الممتع، 6/ 47، والكافي، 2/ 95.

قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دينٌ أكنتِ قاضيته؟)) قالت: نعم. قال: ((اقضوا الله، فالله أحقُّ بالوفاء)) (¬1). وفي لفظ: ((فاقضوا الله الذي له؛ فإن الله أحق بالوفاء)) (¬2). وفي رواية: أن رجلاً قال: إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال: ((فاقضوا الله فهو أحق بالقضاء)) (¬3). وإذا وجبت الزكاة على الميت وعليه دين بَرَهْنٍ وضاق المال قُدِّم الدين برهن، فإن كان عليه دين بدون رهن وضاق المال قسم المال بالحصص بين دين الله ودين الآدمي على القول الراجح (¬4)، والله - سبحانه وتعالى - أعلم (¬5). ¬

(¬1) البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الحج والنذر عن الميت، برقم 1852. (¬2) البخاري، كتاب الاعتصام، باب من شبَّه أصلاً معلوماً بأصل مبين قد بين الله حكمها؛ ليفهم السائل برقم 7315. (¬3) البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب من مات وعليه نذر، برقم 6699. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله فيمن مات وعليه زكاة على أقوال: القول الأول: إن الزكاة تؤخذ من تركته ولا تسقط بموته، وهو قول عطاء، والحسن، والزهري، وقتادة، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر، وهذا هو الراجح إن شاءالله تعالى. والقول الثاني: تؤخذ من الثلث مقدماً على الوصايا ولا يجاوز الثلث، قاله الأوزاعي والليث. والقول الثالث: لا تخرج الزكاة إلا أن يوصي بها الميت، فتكون كسائر الوصايا تعتبرمن الثلث ويزاحم بها أصحاب الوصايا؛ لأنها عبادة من شرطها النية، قال بهذا القول: ابن سيرين، والشعبي، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان، والبستي، والثوري، وأصحاب الرأي. والقول الراجح الأول. انظر المغني، 4/ 145، والمقنع مع الشرح الكبير، 6/ 384، والروض المربع، 3/ 184، والسلسبيل، 1/ 254. (¬5) واختلف العلماء رحمهم الله الذين قالوا: إن الزكاة لا تسقط عن الميت في مسألة اجتماع الدين والزكاة أيهما يقدم إذا ضاق المال. فقيل: يقدم دين الآدمي، لأنه مبني على المشاحة؛ ولأن الآدمي محتاج إلى ماله في الدنيا أما الله تعالى فهو غني عنه. وقيل: يقدم حق الله؛ لأنه أحق بالقضاء والوفاء كما في الحديث. وقيل: يتحاصان؛ فإن كان عليه دين مائة (100 وزكاة (100 وتركته (100 فدين الآدمي (50، والزكاة (50 وهذا هو الراجح. [الشرح الممتع، 6/ 49 - 50، والمغني 4/ 146].

المسألة الخامسة: تجب الزكاة على الفور

المسألة الخامسة: تجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه؛ لأن الأمر بالزكاة يقتضي الفور؛ ولذلك يستحق المؤخِّرُ للامتثال العقابَ، ولو أن رجلاً أمر مملوكه أن يسقيه فتأخر ولم يستجب على الفور استحق العقوبة، ولله المثل الأعلى؛ ولأن التأخير ينافي الوجوب؛ لكون الواجب ما يستحق العقاب صاحبه على تركه؛ ولأن الزكاة وجبت لحاجة الفقراء ونحوهم وهي ناجزة فيجب أن يكون الوجوب ناجزاً، فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحقُّ بها من ذوي القرابة، أو ذوي الحاجة الشديدة جاز إذا كان وقتاً يسيراً وإن كان كثيراً لم يجز، لكن لو عجلها إليهم قبل نهاية الحول جاز، فإن أخرج الزكاة فلم يدفعها إلى الفقير حتى ضاعت لم تسقط عنه الزكاة؛ لأن الزكاة حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقه فلم يبرأ منه بذلك كدين الآدمي (¬1) (¬2). ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 4/ 147 – 148، والمقنع مع الشرح الكبير، 6/ 387. (¬2) واختلف العلماء إذا أخر الزكاة فلم يدفعها للفقير حتى ضاعت. فعند الإمام أحمد لا تسقط وهو الراجح إن شاءالله تعالى. وذهب الشافعي إلى أنه إن لم يكن فرط في إخراج الزكاة وفي حفظ ذلك المخرج رجع إلى ماله, فإن كان فيما بقي زكاة أخر وإلا فلا، وقال أصحاب الرأي: يزكي ما بقي إلا أن ينقص عن النصاب فتسقط الزكاة فرط أو لم يفرط. ورأى الإمام مالك أنها تجزئه إن أخرجها في محلها, وإن أخرجها بعد ذلك ضمنها، وقال مالك: يزكي ما بقي بقسطه [المغني لابن قدامة 4/ 148].

المسألة السادسة: شروط صحة الزكاة

المسألة السادسة: شروط صحة الزكاة: النية والمتابعة: 1 - النية: لا يجزئ إخراج الزكاة إلا بنية، والنية نيتان: أ - نية المعمول له وهو الله تعالى، وهي نية الإخلاص لله تعالى، بحيث يقصد بذلك وجه الله تعالى، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬2). ب - نية العمل وهي تمييز العبادات بعضها عن بعض، ومن العبادات العظيمة أداء الزكاة، فتجب النية في أداء الزكاة؛ للحديث السابق؛ لأن الزكاة عمل؛ ولأنها عبادة تتنوع إلى فرض ونفل فافتقرت إلى النية، كالصلاة، والنية في أداء الزكاة: أن يعتقد أنها زكاته أو زكاة من يخرج عنه: كالصبي والمجنون، ومحلها القلب؛ لأن محل العبادات كلها القلب (¬3). قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((النية في إخراج الزكاة على أربعة أقسام: الأول: أن تكون شرطاً من المالك فقط، وذلك فيما إذا فرقها مالكها المكلف بنفسه. الثاني: أن تكون شرطاً من غيره فقط وذلك فيما إذا كان المالك غير مكلف، فينوي إخراجها وليه في ماله. ¬

(¬1) سورة البينة, الآية: 5. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم 1، ومسلم، كتاب الجهاد، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) برقم 1907. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 89.

2 - المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -

الثالث: أن تكون شرطاً من المالك ومن غيره، وذلك فيما إذا وَكَّل في إخراجها وبعد الزمن فتشترط من الوكيل أيضاً عند دفعها للفقير. الرابع: أن لا تشترط النية أصلاً وذلك في ثلاث صور. الأولى: إذا تعذَّر الوصول إلى المالك بحبس أو غيره فأخذها الإمام أو الساعي، وتجزئ ظاهراً وباطناً. الثانية: إذا امتنع المالك من أدائها فأخذها الإمام أو الساعي قهراً، فتجزئ ظاهراً لا باطناً. الثالثة: إذا غيّب ماله فأخذها الإمام أو الساعي بعد العثور عليه، وتجزئ ظاهراً لا باطناً)) (¬1). 2 - المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن العبادات توقيفية؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬2). وفي رواية: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (¬3) (¬4). المسألة السابعة: وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون، فلا يشترط البلوغ والعقل في وجوب الزكاة على الصحيح، فإذا تمت الشروط لوجوب الزكاة: من الإسلام، والحرية، وملك نصاب، واستقراره، ومضي الحول وجبت الزكاة في المال، ومنه مال الصبي والمجنون؛ لأن البلوغ ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 53 - 54. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2697. ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718. (¬3) مسلم، برقم 1718. (¬4) المغني لابن قدامة، 4/ 88.

والعقل ليسا من شروط وجوب الزكاة، فلا يشترط البلوغ ولا العقل؛ لعموم الأدلة في وجوب الزكاة كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬1)؛ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة, تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ... )) (¬2). وقد جاءت الروايات عن خمسة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يزكون مال اليتيم، وهم: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬3)، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (¬4)، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما (¬5)، وجابر - رضي الله عنه - (¬6)، وعائشة رضي الله عنها (¬7). والصواب إن شاء الله تعالى وجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون يخرجها الوكيل، وينوي بها الزكاة عنهم من أموالهم (¬8). ¬

(¬1) سورة التوبة, الآية: 103. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1395، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه. (¬3) أخرجه مالك، 1/ 245، والدارقطني، 2/ 111، وعبد الرزاق، برقم 6989، وقال البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 107: ((إسناده صحيح)). (¬4) أخرجه عبد الرزاق، برقم 6986، وابن أبي شيبة، 3/ 149. (¬5) أخرجه عبد الرزاق، برقم، 6992، وابن أبي شيبة، 3/ 149. (¬6) أخرجه عبد الرزاق، برقم 6981، وابن أبي شيبة، 3/ 149. (¬7) أخرجه عبد الرزاق، برقم، 6983، وابن أبي شيبة، 3/ 149. (¬8) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون على أقوال: القول الأول: تجب، وبه قال الإمام أحمد، والإمام مالك والشافعي, وهو الراجح كما تقدم. القول الثاني: وقيل: تجب الزكاة؛ لكنها لا تخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون، فيُحصى ما يجب على اليتيم من الزكاة, فإذا بلغ أُعلم فإن شاء زكى وإن شاء لم يزكِ، وبهذا قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، والثوري، والأوزاعي. القول الثالث: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، وبه قال الحسن، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وأبو وائل، والنخعي، وأبو حنيفة، وقال أبو حنيفة: يجب العشر في زروعهما وثمرتهما، وتجب صدقة الفطر عليهما، والصواب القول الأول. انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 69، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 6/ 298، والشرح الممتع، 6/ 25 – 28، والروض المربع، 3/ 167، ومنار السبيل، 1/ 240.

المسألة الثامنة: المال المستفاد - بغير ربح التجارة أو نتاج السائمة - لا يضم إلى ما عند المالك من المال

وأما صدقة التطوع فلا يجوز التصدق من مال اليتيم والمجنون؛ لأن الصدقة محض تبرع لا تنشغل الذمة بتركها, أما الزكاة فهي فريضة تنشغل الذمة بتركها (¬1). المسألة الثامنة: المال المستفاد - بغير ربح التجارة أو نتاج السائمة - لا يضم إلى ما عند المالك من المال، وإنما يكون له حولاً جديداً يبدأ من وقت ما ملكه، مثال ذلك: المال الحاصل بالإرث، والهبة، والهدية، وصداق المرأة، ونحو ذلك، وإذا كان عنده مال لم يبلغ نصاباً فاستفاد مالاً جديداً من جنسه كمل به النصاب؛ فإن الحول يبدأ من وقت اكتمال النصاب، ومن ذلك إذا مات المالك في أثناء الحول وانتقل المال إلى الورثة، فإن الوارث لا يبني على حول المالك الذي مات بل يستأنف حولاً جديداً يبدأ به من حين انتقل إليه الملك (¬2)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول)) (¬3). المسألة التاسعة: جواز تقديم الزكاة إذا وُجد سبب وجوبها وهو النصاب الكامل؛ لحديث علي - رضي الله عنه -: أن العباس سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته ¬

(¬1) الشرح الممتع، 6/ 28. (¬2) المقنع والشرح الكبير، 6/ 353. (¬3) الترمذي، برقم 631، 632، وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 348، 631. وتقدم تخريجه في الشرط الخامس من شروط البيع.

المسألة العاشرة: كل شيء ليس لعروض التجارة لا زكاة فيه

قبل أن تحلَّ، فرخص له في ذلك، فأذن له في ذلك (¬1). ولفظ أبي عبيد في الأموال عن علي - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعجَّل من العباس صدقته سنتين)) (¬2). فجاز؛ لأنه تعجيل لمالٍ وجد سبب وجوبه قبل وجوبه، كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، وأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق، ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب (¬3)، وإن تلف النصاب الذي عجل زكاته وقعت الزكاة نفلاً (¬4)، فإن حال الحول, وقد زاد النصاب نصاباً آخر بالتوالد لزمه زكاة النصاب الثاني، وإن كان قدم الزكاة سنتين فحال الحول الثاني وقد زاد المال نصاباً أو أكثر, وحال على هذه الزيادة حول فإن عليه زكاة المال الزائد, الذي حال عليه الحول على حسب الأدلة في ذلك (¬5) (¬6). المسألة العاشرة: كل شيء ليس لعروض التجارة لا زكاة فيه: كالعمارات المعدة للسكن، والعقارات التي ليست للبيع، والسيارات الخاصة، والمكائن، وكل ما يستعمله الإنسان ولا ينوي به التجارة، كحاجاته الأصلية: كالثياب وغيرها، ما عدا الذهب والفضة؛ لحديث ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في تعجيل الزكاة، برقم 1624، والترمذي كتاب الزكاة، باب ما جاء في تعجيل الزكاة، برقم 678، ورقم 679، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب تعجيل الزكاة، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 450. (¬2) أبو عبيد في الأموال برقم، 1885، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 316، برقم 857. (¬3) منار السبيل في معرفة الدليل، 1/ 256، والمغني لابن قدامة، 4/ 79. (¬4) منار السبيل، 1/ 265. (¬5) انظر التفصيل في ذلك، المغني، 4/ 79 - 88. (¬6) قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((وقد اختلف أهل العلم في تعجيل الزكاة قبل محلها، فرأى طائفة من أهل العلم أن لا يعجلها، وبه يقول سفيان الثوري، قال: ((أحب إليَّ أن لا يعجلها)) وقال أكثر أهل العلم: إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق [الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في تعجيل الزكاة، الحديث رقم 678].

أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة)). وفي لفظ: ((ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه)) (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب ليس على المسلم في فرسه صدقة، برقم 1463، و1464، ومسلم، كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، برقم 982.

المبحث الثامن: زكاة بهيمة الأنعام السائمة

المبحث الثامن: زكاة بهيمة الأنعام السائمة الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف: السّائمة من بَهِيمة الأنعام، والخارج من الأرض: من الحبوب والثمار، والذهب والفضة، وعروض التجارة. زكاة السائمة (¬1) من بهيمة (¬2) الأنعام (¬3): الإبل، والبقر، والغنم: تجب الزكاة في بهيمة الأنعام بشروط أربعة: الشرط الأول: أن تتخذ للدرِّ والنسل، والتسمين، لا للعمل؛ فإن الإبل المعدَّة للعمل والركوب، والسقي، وبقر الحرث والسقي لا زكاة فيها عند جمهور العلماء (¬4). ¬

(¬1) السائمة: الراعية، سميت السائمة؛ لأنها تسم الأرض بأثرها بحثاً عن الكلأ، قال الفيومي رحمه الله: ((سامت السائمة سوماً، من باب قال: رعت بنفسها، ويتعدّى بالهمز فيقال: أسامها راعيها)) [المصباح المنير، مادة: سوم. ص113]. وقال الجوهري: سامت الماشية: رعت، وأسمتها: أخرجتها إلى الرعي، [انظر: النهاية في غريب الحديث 2/ 426] ومنه قوله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} [سورة النحل، الآية: 10]. (¬2) بهيمة: سميت بهيمة؛ لأنّها لا تتكلم بكلام يفهمه الناس؛ ولما في صوتِهَا من الإبْهَام، أما مع بعضها فتتكلم بكلام تفهمه بينها، وقد قال موسى لفرعون لما سأله: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}، قال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سورة طه، الآية: 50] وبهيمة الأنعام: هي الإبل، والبقر، والغنم، قال تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [سورة المائدة، الآية: 1]. (¬3) بُدِئ بذكر بهيمة الأنعام فقدمت على أصناف الأموال الزكوية اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حينما ذكر زكاة الأنعام فقدمها على غيرها، واقتداء بالصديق - رضي الله عنه - في كتابه لأنس - رضي الله عنه -[أخرجه البخاري وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى]؛ ولأن أكثر العرب في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حول المدينة بادية أهل نعم، والأنعام غالب أموال العرب [انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/ 186، وشرح زاد المستقنع، 6/ 51]. (¬4) قال ابن قدامة رحمه الله في المغني، 4/ 12: (( ... والعوامل؛ ... لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم، وحُكي عن مالك: أن في الإبل النواضح والمعلوفة الزكاة؛ لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((في كل خمس شاةٌ)). قال أحمد: ((ليس في العوامل زكاة، وأهل المدينة يرون فيها الزكاة، وليس عندهم في هذا أصل)) وذكر صاحب الإنصاف أن العوامل ليس فيها زكاة ولو كانت سائمة قال: ((نص عليه علي في رواية جماعة [الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 6/ 390]؛ ولما روي عنه - رضي الله عنه - مرفوعاً ((ليس في البقر العوامل صدقة)) أخرجه أبو داود 2/ 229 تحقيق عزت عبيد الدعاس، وأخرجه الدارقطني، 2/ 103 ط دار المحاسن، وصححه ابن القطان كما في نصب الراية، 2/ 353 وفي التعليق المغني، 2/ 103 قال: ((هذا سند صحيح، وكل من فيه ثقة معروف، ولا أعني رواية الحارث وإنما أعني رواية عاصم)) [وانظر لزيادة التخريج: الموسوعة الفقهية 23/ 251، وتخريج الروض المربع للدكتور عبد الله الغصن ومجموعة من طلاب العلم، 4/ 39].

الشرط الثاني: السوم أكثر الحول

الشرط الثاني: السوم أكثر الحول، ومعنى السائمة: الراعية، أما المعلوفة وهي التي يعلفها صاحبها وينفق عليها، ولا ترعى أكثر الحول فلا زكاة فيها عند جمهور أهل العلم (¬1)؛ لحديث علي - رضي الله عنه - مرفوعاً، وفيه: (( ... وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنة، وليس على العوامل شيء ... )) (¬2) وأما السائمة أكثر الحول ففيها الزكاة؛ لحديث أنس - رضي الله عنه -، وفيه: (( ... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ... )) (¬3)؛ ولحديث بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون ... )) (¬4) أما السائمة ¬

(¬1) وحكي عن الإمام مالك رحمه الله: أن المعلوفة فيها الزكاة، والصواب قول الجمهور. انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 12. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1572 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 434. (¬3) البخاري، كتاب الزكاة، باب في زكاة الغنم، برقم 1454. (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1575، والنسائي، كتاب الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة، برقم 2444، 2449، وأحمد، 5/ 2، 4، وغيرهم، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، وفي صحيح النسائي، 2/ 18، وانظر: تلخيص الحبير، 1/ 160.

الشرط الثالث: أن يحول عليها الحول عند مالكها حولا كاملا

التي أعدها مالكها للتجارة فزكاتها زكاة عروض التجارة. الشرط الثالث: أن يحول عليها الحول عند مالكها حولاً كاملاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) (¬1). ويستثنى نتاج السائمة، فحولها حول أمهاتها، فتزكى مع أمهاتها إن كانت الأمهات بلغت نصاباً، فإن لم تبلغ الأمهات نصاباً فبداية الحول من كمال النصاب بالنتاج، ومثال ذلك: رجل عنده أربعون شاة فولدت كل واحدة ثلاثة إلا واحدة ولدت أربعة، فأصبحت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان، مع أن النتاج لم يحل عليه الحول؛ ولكنه يتبع الأصل (¬2). الشرط الرابع: أن تبلغ النصاب الشرعي، وأما ما دون النصاب من الأعداد اليسيرة فلا زكاة فيها، ونصاب بهيمة الأنعام بالتفصيل على النحو الآتي: أولاً: نصاب الإبل لا زكاة فيها حتى تبلغ خمس ذود، وهذا أقل نصاب الإبل، وتفصيل ذلك في حديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له هذا الكتاب لمّا وجهه إلى البحرين: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بِها رسوله، ¬

(¬1) ابن ماجه، برقم 1792، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 98، وتقدم تخريجه في الشرط الخامس من شروط الزكاة في منزلة الزكاة في الإسلام، وتقدم هناك ذكر جملة من الأحاديث في عدم وجوب الزكاة في المال حتى يحول عليه الحول إلا ما استثني. (¬2) المقنع مع الشرح الكبير، 6/ 314 - 320، والشرح المختصر للفوزان، 2/ 241، والشرح الممتع، 6/ 22 - 23.

فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سُئل فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم (¬1) من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض (¬2) أنثى، فإذا بلغت ستّاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى (¬3)، فإذا بلغت ستّاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل (¬4) فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة (¬5)، فإذا بلغت- يعني ستّاً وسبعين- إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة ... )) (¬6) (¬7). ¬

(¬1) قوله: ((من الغنم)) قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري، 3/ 319: ((كذا للأكثر، وفي رواية ابن السكن بإسقاط ((من)) وصوَّبَها بعضهم، وقال عياض: من أثبتها فمعناه زكاتها: أي الإبل من الغنم، ومن للبيان لا للتبعيض، ومن حذفها فالغنم مبتدأ، والخبر مضمر في قوله: ((في كل أربع وعشرين)) وما بعده وإنما قدم الخبر؛ لأن الفرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب فحسن التقديم)). (¬2) بنت المخاض: هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها، والمخاض: الحامل: أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل. فتح الباري لابن حجر، 3/ 319. (¬3) بنت لبون وابن لبون: هو الذي دخل في ثالث سنة، فصارت أمه لبوناً بوضع الحمل. فتح الباري، لابن حجر، 3/ 319. (¬4) حقة: وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. فتح الباري، 3/ 319. (¬5) جذعة: وهي التي أتت عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة، فتح الباري، 3/ 319. (¬6) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، برقم 1454. (¬7) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة)) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني، 4/ 20: ((ظاهر هذا أنها إذا زادت على العشرين والمائة واحدةً ففيها ثلاث بنات لبون وهو إحدى الروايتين عن أحمد ومذهب الأوزاعي والشافعي وإسحاق، والرواية الثانية: لا يتغير الفرض إلى ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة وبنتا لبون، وهذا مذهب محمد بن إسحاق بن يسار وأبي عبيد، ولمالك روايتان؛ لأن الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة بدليل سائر الفروض، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون)) والواحدة زيادة، وقد جاء مصرحاً به في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عند آل عمر بن الخطاب، رواه أبو داود والترمذي، وقال: هو حديث حسن وقال ابن عبد البر: ((هو أحسن شيء رُوي في أحاديث الصدقات ... )) المغني، 4/ 21 وفيه: ((فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة، حتى تبلغ تسعاً وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون، حتى تبلغ تسعاً وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، حتى تبلغ تسعاً وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون، حتى تبلغ تسعاً وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة، حتى بلغ تسعاً وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون، حتى تبلغ تسعاً وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، حتى تبلغ تسعاً وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وجدت أخذت ... )) [أبو داود، برقم 1570 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 433].

ويوضح ذلك الجدول الآتي: زكاة الإبل المقدار ... زكاته من ... إلى 5 ... 9 ... شاة 10 ... 14 ... شاتان 15 ... 19 ... ثلاث شياه 20 ... 24 ... أربع شياه 25 ... 35 ... بنت مخاض ... فإن لم توجد أجزأ ابن لبون ذكر

وتجب الزكاة في الإبل

36 ... 45 ... بنت لبون 46 ... 60 ... حقة 61 ... 75 ... جذعة 76 ... 90 ... بنتا لبون 91 ... 120 ... حقتان 121 ... 129 ... ثلاث بنات لبون * ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ففي 130 بنتا لبون وحقة، وفي 140 حقتان وبنت لبون، وفي 150 ثلاث حقاق، وفي 160 أربع بنات لبون، وفي 170 ثلاث بنات لبون وحقة، وفي 180 حقتان وابنتا لبون، وفي 190 ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي 200 أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخذت، وهكذا في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون. [أبو داود 1570]. وتجب الزكاة في الإبل بالشروط المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها بالسنة والإجماع: أما السنة: فلحديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطِ ... )). ثم ذكر أنواع الأنصباء في الإبل (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها ¬

(¬1) البخاري، برقم 1454.

وأما الإجماع

إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قَرْقَرٍ (¬1) أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولها رُدَّ عليه آخرها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ... )) (¬2). وأما الإجماع، فأجمع على وجوب الزكاة في الإبل علماء الإسلام (¬3). مسائل في زكاة الإبل: 1 - الجبران في زكاة الإبل فقط، وهو أن من وجبت عليه فريضة فلم يجدها فله أن يخرج فريضة أعلى منها بسنة ويأخذ شاتين أو عشرين درهماً أو فريضة أدنى منها بسنة ويدفع معها شاتين أو عشرين درهماً؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة، فإنّها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة، فإنّها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدِّق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون، فإنّها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وعنده حقة؛ فإنّها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدِّق ¬

(¬1) بقاع قرقر: المكان المستوي. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1402، ومسلم، برقم 987، 988، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام، رقم البند 13. (¬3) الشرح الكبير لابن قدامة، 6/ 394.

2 - من بلغت صدقته بنت مخاض ولم تكن عنده، وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه بدون أخذ الجبران

عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض، فإنّها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهماً أو شاتين)) (¬1). 2 - من بلغت صدقته بنت مخاض ولم تكن عنده، وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه بدون أخذ الجبران؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - الذي كتبه له أبو بكر - رضي الله عنه -، وفيه في رواية أبي داود: (( ... فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين؛ فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبونٍ ذكر ... )) (¬2). 3 - الذي يؤخذ في زكاة الإبل الإناث دون الذكور إلا ابن اللبون إذا عدمت بنت المخاض؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - السابق ذكره. 4 - الشاة التي تؤخذ في زكاة الإبل وكذلك في جبران زكاة الإبل: إن كانت أنثى جذعة من الضأن أو ثنية من المعز فما فوق ذلك أجزأت بلا نزاع، والجذعة ما لها ستة أشهر، والثنية ما لها سنة (¬3). 5 - إن تطوع المزكي فأخرج سنّاً أعلى من السن الواجب جاز، مثل: أن يخرج بنت لبون عن بنت مخاض، أو حقة عن بنت لبون، أو عن بنت مخاض، أو عن الجذعة ابنتي لبون أو حقتين، قال ابن قدامة رحمه الله: ¬

(¬1) البخاري، كتاب الزكاة، باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده، برقم 1453. (¬2) سنن أبي داود، كتاب الزكاة، بابٌ في زكاة السائمة، برقم 1567، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 430، وأصله في البخاري. (¬3) أما الذكر فيحتمل أن يجزئ لصدق اسم الشاة عليه وهو المعتمد عند المالكية، والأصح عند الشافعية. [انظر: الموسوعة الفقهية، 23/ 255، والمغني لابن قدامة، 4/ 14].

6 - يخرج عن إبله من جنسها

((لا نعلم فيه خلافاً)) (¬1)؛ لحديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - وفيه: أن رجلاً وجبت عليه في زكاة إبله ابنة مخاض فأعطى ناقة عظيمة فامتنع منها رسولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلب منه أن يقبلها بدلاً من ابنة مخاض، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذاك الذي عليك، فإن تطوّعت بِخَير آجرك الله فيه، وقبلناه منك)) قال: فها هي ذِه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبضها ودعا له في ماله بالبركة (¬2). 6 - يخرج عن إبله من جنسها، فيخرج عن البخاتي بختية، وعن العراب عربية، وعن الكرام كريمة، وعن السمان سمينة، وعن اللئام والهزال لئيمة هزيلة، فإن أخرج عن البخاتي عربية بقيمة البختية جاز؛ لأن القيمة مع اتحاد الجنس هي المقصود، والله تعالى الموفق (¬3). 7 - لا مدخل للجبران في غير الإبل؛ لأن النص فيها ورد، وليس غيرها في معناها؛ لأنّها أكثر قيمة؛ ولأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد دونها لم يجز له إخراجها فإن وجد أعلى منها فأحب أن يتطوع بدفعها بغير جبران قبلت منه، وإن لم يفعل كلِّف شراءها من غير ماله (¬4). 8 - يجزئ الذكر إذا كان المال كله ذكوراً، سواء كان من إبل، ¬

(¬1) المغني، 4/ 18، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 397. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1583، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 439. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 20. (¬4) المغني لابن قدامة، 4/ 29.

ثانيا: نصاب زكاة البقر

أو بقر، أو غنم؛ لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله (¬1)؛ لأن في حديث أنس الذي كتب له أبو بكر رضي الله عنهما: (( ... فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر)) (¬2)؛ ولقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3). وعلى هذا فيجزئ الذكر في الزكاة في مواضع: الأول: التبيع في الثلاثين من البقر. الثاني: ابن اللبون عن بنت المخاض إذا لم توجد بنت المخاض. الثالث: إذا كان المال كله ذكوراً (¬4). الرابع: التيس إذا شاء المصدِّق بأن كانت هناك مصلحة في أخذه (¬5). ثانياً: نصاب زكاة البقر؛ لا زكاة فيها حتى تبلغ ثلاثين، وهذا أقل نصاب البقر، وتفصيل ذلك في حديث علي - رضي الله عنه -، وفيه: ((وفي البقر في كل ثلاثين تبيع (¬6)، وفي الأربعين مسنة (¬7)، وليس على العوامل شيء ... )) (¬8)؛ ¬

(¬1) المرجع السابق، 4/ 34. (¬2) أبو داود، برقم 1567، وتقدم تخريجه في المسألة رقم 2. (¬3) سورة التغابن، الآية: 16. (¬4) قال في الإفصاح، 1/ 203: ((واختلفوا فيما إذا كانت غنمه إناثاً كلها، أو ذكوراً وإناثاً، أو أحدها ما الذي يؤخذ من كل واحد؟ فقال أبو حنيفة: يجزئ أخذ الذكر من الكل، وقال مالك والشافعي وأحمد: إذا كانت إناثاً كلها، أو ذكوراً وإناثاً لم يجز فيها إلا الأنثى، وإن كانت كلها ذكوراً أجزأ فيها الذكر)). (¬5) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة النعم، برقم 1454، وأبو داود كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1570. (¬6) التبيع: ما كمَّل سنة ودخل في الثانية، والتبيع جذع البقر. المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 421. (¬7) المسنة: ما كملت سنتين ودخلت في الثالثة، والمسنة: هي ثنية البقر. المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 421. (¬8) أبو داود، برقم 1572، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 434، وتقدم تخريجه في الشرط الثاني من شروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام.

ولحديث معاذ ابن جبل - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن، أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالمٍ - يعني محتلماً - ديناراً أو عَدْله من المعافر - ثياب تكون باليمن -)) (¬1)؛ ولحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((في ثلاثين من البقر تبيع، أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة)) (¬2) ثم تستقرض الفريضة: في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة. ويوضح ذلك الجدول الآتي: زكاة البقر المقدار ... زكاته من ... إلى 30 ... 39 ... تبيع أو تبيعة 40 ... 59 ... مسنة 60 ... 69 ... تبيعان أو تبيعتان 70 ... 79 ... تبيع ومسنة وهكذا في كل 30 تبيع أو تبيعة وفي كل 40 مسنة * التبيع أو التبيعة: ما له سنة. ... * المسنة: ما لها سنتان. ¬

(¬1) أبو داود بلفظه، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1576، والنسائي، كتاب، الزكاة، باب زكاة البقر، برقم 2449 - 2452، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر، برقم 623، وابن ماجة، كتاب الزكاة، باب صدقة البقر، برقم 1471 - 1830، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 437، وفي صحيح الترمذي، 1/ 333، وفي صحيح ابن ماجة، 2/ 103. (¬2) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر، برقم 622، وابن ماجة، كتاب الزكاة، باب صدقة البقر، برقم 1472 - 1831، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 343، وفي صحيح ابن ماجة، 2/ 104.

وتجب الزكاة في البقر

وتجب الزكاة في البقر بالشروط المذكورة المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها: بالسنة، وإجماع علماء الإسلام: أما السنة؛ فلحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة ... (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قرقرٍ (¬2) لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاءُ (¬3) ولا جلحاء (¬4) ولا عضباء (¬5) تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مرت عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬6). وأما الإجماع فقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وأما الإجماع فلا نعلم اختلافاً في وجوب الزكاة في البقر)) (¬7). ثالثاً: نصاب زكاة الغنم، لا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين وهو أقل نصاب الغنم، وتفصيل ذلك في حديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر كتب له هذا ¬

(¬1) أبو داود، برقم 1576، والترمذي، برقم 623، وابن ماجه، ويأتي تخريجه قريباً. (¬2) القاع القرقر: القاع المستوي الواسع من الأرض، يعلوه ماء السماء فيمسكه. (¬3) العقصاء: ملتوية القرنين. (¬4) الجلحاء: التي لا قرن لها. (¬5) العضباء: التي كسر قرنها الداخل. (¬6) متفق عليه: البخاري، برقم 1402، ومسلم، برقم 987، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة. (¬7) المغني، 4/ 31.

الكتاب لما وجهه إلى البحرين: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطِ ... )) الحديث وذكر فيه زكاة الإبل، ثم قال: (( ... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائةٍ: شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين: شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاثٌ، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةً واحدةً فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها ... )) (¬1) (¬2). ¬

(¬1) البخاري، برقم 1454، وتقدم تخريجه. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة)) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ظاهر هذا القول: إن الفرض لا يتغير بعد المائتين وواحدةً حتى يبلغ أربع مائة فيجب في كل مائة شاةً، ويكون الوقص ما بين المائتين وواحدة إلى أربع مائة وذلك مائة وتسعة وتسعون، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وقول أكثر الفقهاء، وعن أحمد رواية أخرى أنها إذا زادت على ثلاثمائة واحدة [ففيها] أربع شياه، ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة فيكون في كل مائة شاة ويكون الوقص الكبير ما بين ثلاثمائة وواحدة إلى خمسمائة، وهو أيضاً مائة وتسعة وتسعون، وهذا اختيار أبي بكر، وحكي عن النخعي والحسن بن صالح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له، فيجب أن يتعقبه تغيُّر النصاب كالمائتين، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا زادت ففي كل مائة شاة)) وهذا يقتضي أن لا يجب في دون المائة شيء، وفي كتاب الصدقات الذي كان عند آل عمر بن الخطاب ((فإذا زادت على ثلاثمائة واحدة فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة شاة ففيها أربع شياهٍ)) وهذا نص لا يجوز خلافه إلا بمثله أو أقوى منه، وتحديد النصاب لاستقرار الفريضة لا لغاية والله أعلم)) [المغني، 4/ 40، والشرح الكبير، 6/ 442] ولفظ كتاب الصدقات الذي كان عند آل عمر، واضح وفيه: (( ... وفي الشاءِ، في كل أربعين شاةً إلى عشرين ومائة، فإذا زادت فشاتان إلى مائتين، فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة شاة، فإذا زادت على ثلاث مائة شاة، ففي كل مائة شاةٍ شاةٌ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة)) وفي لفظ أبي داود: (( ... فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاهٍ شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة ... )) [أبو داود، برقم 1568، والترمذي، برقم 621، وابن ماجه، برقم 473 - 1832، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 432، وفي صحيح الترمذي، 1/ 342، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 104].

وتجب زكاة الغنم

ويوضح ذلك الجدول الآتي: زكاة الغنم المقدار ... زكاته من ... إلى 40 ... 120 ... شاة 121 ... 200 ... شاتان 201 ... 300 ... ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، ففي 400 أربع شياه، وفي 500 خمس شياه، وفي 600 ست شياه، وفي 700 سبع شياه، وهكذا. وليس فيما بين الثلاثمائة وأربعمائة شيء؛ لحديث الصدقات الذي كان عند آل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه: (( ... فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاةٍ شاةٌ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة ... )) (¬1). وتجب زكاة الغنم بالشروط الأربعة المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها ثابت بالسنة والإجماع: أما السنة؛ فلحديث أنس - رضي الله عنه - في كتاب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في فريضة ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، برقم 621، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 343، وهو في سنن أبي داود، برقم 1568.

وأما الإجماع

الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، وقد تقدم ذكره آنفاً (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قرقرٍ لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاءُ، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها كلما مرت عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬2). وأما الإجماع؛ فأجمع العلماء على وجوب الزكاة في الغنم (¬3). ¬

(¬1) البخاري، برقم 1454، وتقدم تخريجه. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1402، ومسلم، برقم 977، وتقدم تخريجه. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 38.

الجدول العام لزكاة السائمة من بهيمة الأنعام

الجدول العام لزكاة السائمة (¬1) من بهيمة الأنعام (¬2) البقر ممم الإبل الغنم زكاته المقدار زكاته المقدار زكاته المقدار إلى من إلى من إلى من تبيع أو تبيعة 39 30 شاة 9 5 شاة 120 40 شاتان 14 10 مُسنَّة 59 40 ثلاث شياه 19 15 شاتان 200 121 أربع شياه 24 20 تبيعتان 69 60 بنت مخاض 35 25 ثلاث شياه 300 201 بنت لبون 45 36 ثم في كل 100 شاة ثم في كل 30 تبيع وفي كل 40 مُسنَّة حقة 60 46 لا يؤخذ في الصدقة: تَيس، ولا هَرمة، ولا معيبة، ولا شِرار المال. لا يؤخذ في الصدقة: الهزيلة، ولا المخاض، ولا الأكولة، ولا خيار المال. جذعة 75 61 التبيع أو التبيعة: ما لها سنة. المُسنَّة: ما لها سنتان. بنتا لبون 90 76 حقتان 120 91 ثلاث بنات لبون 129 121 - ثم في كل أربعين بنت لبون. - وفي كل خمسين حقة. - بنت مخاض: بنت سنة، وسميت بذلك؛ لأن أمها حامل. - بنت لبون: ما لها سنتان، وسميت بذلك؛ لأن أمها ذات لبن. - حقة: ما لها ثلاث سنين، وسميت بذلك؛ لأنها استحقت الركوب. - جذعة: ما لها أربع سنين. ¬

(¬1) السائمة: الراعية الحول أو أكثره في الصحاري والقفار. (¬2) انظر: منزلة الزكاة في الإسلام، للمؤلف، ص114.

مسائل في زكاة بهيمة الأنعام

مسائل في زكاة بهيمة الأنعام 1 - لا يأخذ المُصَدِّق في الصدقة: هرمة، ولا ذات عوارٍ، ولا تيس؛ لحديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له كتاباً فيه فريضة الزكاة: ((التي أمر الله بها رسولَه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخرج في الصدقة هرمةٌ (¬1)، ولا ذاتُ عوارٍ (¬2)، ولا تيس إلا أن يشاء المصدِّق (¬3))) (¬4)، وفي حديث آل عمر بن الخطاب في الصدقة: ((ولا يؤخذ في الصدقة هرمةٌ، ولا ذات عوارٍ من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المُصدِّق)) (¬5). وعن عبد الله بن معاوية الغاضري - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من فعلهن فقد طَعِم طعْم الإيمان: من عَبَدَ الله وحده؛ وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة مالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نفسه، رافدةً (¬6) عليه كلَّ عام، ولا يعطي: الهرمة، ولا الدَّرنة (¬7) ولا المريضة، ولا الشَّرَط اللئيمة (¬8)، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره)) (¬9). ¬

(¬1) الهَرِمَة: الهرم أقصى الكبر، فهرمة: كبيرة جدّاً، [لسان العرب، 12/ 607]. (¬2) ذات عوار: المعيبة التي لا يُضحى بها. الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 6/ 445. (¬3) المصدِّق: العامل الساعي لأخذ الزكاة، والمصدَّق بالفتح صاحب المال. الشرح الكبير 6/ 445 وجامع الأصول، 4/ 605. (¬4) البخاري، برقم 1455، وتقدم تخريجه. (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1570، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 433. (¬6) رافدة عليه كل عام: الرفد: الإعانة: أي تعينه نفسه على أدائها كل عام. النهاية في غريب الحديث، 2/ 241. (¬7) الدرنة: الجرباء، وأصله من الوسخ. ((النهاية في غريب الحديث)). (¬8) الشرط اللئيمة: رذال المال، وقيل: شراره وصغاره. ((النهاية في غريب الحديث)). (¬9) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1580، وصححه الألباني في سنن أبي داود، 1/ 438.

2 - لا يأخذ المصدق كرائم الأموال ولا خياره

وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على من أعطى في الزكاة فصيلاً مهزولاً، فعن وائل بن حجر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ساعياً فأتى رجلاً، فآتاه فصيلاً مخلولاً (¬1) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بعثنا مصدِّق الله ورسوله وإن فلاناً أعطاه فصيلاً مخلولاً، اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله)) فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء، فقال: أتوب إلى الله - عز وجل - وإلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بارك فيه وفي إبله)) (¬2). 2 - لا يأخذ المصدِّق كرائم الأموال ولا خياره ولكن من الوسط؛ لحديث معاذ - رضي الله عنه - حينما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وفيه: ((فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) (¬3). قال الزهري: ((إذا جاء المصدِّق قُسِّمت الشاء أثلاثاً: ثلثاً شراراً، وثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، فأخذ المصدِّق من الوسط)) (¬4) (¬5). 3 - ما بين الفريضتين في زكاة بهيمة الأنعام أوقاص ولا زكاة في الأوقاص، مثل الزيادة على الخمس في الإبل إلى التسع، وعلى ¬

(¬1) مخلولاً: مهزولاً، وهو الذي جُعل على أنفه خلال، لئلا يرضع أمه فتهزل، ((النهاية في غريب الحديث)) وانظر: جامع الأصول، 4/ 605. (¬2) النسائي، كتاب الزكاة، باب الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع، برقم 2457، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 185. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1295، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1568، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 432. (¬5) ولا يؤخذ في الصدقة: الحامل، ولا الماخض، وهي التي قد حان ولادها، ولا تؤخذ الرُّبَى: التي تربي ولدها، أو التي تربَّى في البيت لأجل اللبن، ولا طروقة الفحل التي طرقها الفحل؛ لأنها تحمل غالباً، ولا تؤخذ الأكولة، التي أعدت للأكل إلا أن يشاء ربها: أي صاحب هذه الأموال: [الشرح الكبير، 6/ 446، والروض المربع، 4/ 64].

4 - إرضاء المصدق الساعي الآخذ للزكاة وإن ظلم

العشر إلى أربع عشرة، إلى نِهاية أوقاص الإبل، وكذلك أوقاص البقر، والغنم لا زكاة فيها عفواً وترغيباً للملاك، وشكراً لهم على أداء الحق (¬1). 4 - إرضاء المصدِّق الساعي الآخذ للزكاة وإن ظَلَمَ؛ لحديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: جاء ناس - يعني من الأعراب - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إن ناساً من المصدِّقين يأتوننا، فيظلموننا؟ قال: فقال: ((أرضوا مصدِّقيكم)) قالوا: يا رسول الله! وإن ظلمونا؟ قال: ((أرضوا مصدقيكم)) وفي زيادة: ((وإن ظُلِمْتُم)) قال جرير: ما صدر عني مُصدِّقٌ - بعدما سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو عني راضٍ وفي لفظ للترمذي: ((إذا أتاكم المصدق فلا يفارقنكم إلا عن رضا)) (¬2). 5 - عمال الصدقة السعاة الذين يرسلهم الإمام المسلم، عن عطاء مولى عمران: أن عمران بن الحصين استعمل على الصدقة فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووضعناه حيث كنا نضعه (¬3). وعن أحمد بن حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه قال: هذا مالكم وهذا أُهدي إليّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك ¬

(¬1) إرشاد أولي البصائر والألباب إلى نيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، ص130. (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب إرضاء السعاة، برقم 989، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب رضا المصدِّق، برقم 1589، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في رضا المصدق، برقم 647، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 441، وفي صحيح الترمذي، 1/ 354. (¬3) أبو داود، كتاب الزكاة، باب رضا المصدِّق، برقم 1589، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عُمَّال الصدقة، برقم 1479 - 1838، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 106.

هديتك إن كنت صادقاً؟)) ثم خطَبَنَا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذه هدية أُهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله على عنقه يوم القيامة، فلأعرفنَّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء (¬1) أو بقرة لها خوار (¬2) أو شاة تَيْعَر)) (¬3) ثم رفع يديه حتى رُئِيَ بياض إبطيه يقول: ((اللهم هل بلغت)) بَصُرَ عيني وسمع أذني (¬4). وعن عبد الله بن أُنيس - رضي الله عنه -: أنه تذاكر هو وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوماً الصدقة فقال عمر: ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يذكر غلول الصدقة: ((أنه من غلَّ منها بعيراً أو شاةً أُتي به يوم القيامة يحمله))؟ قال: فقال عبد الله بنُ أُنيس: بلى (¬5). وعن رافع بن خَدِيجٍ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((العامل على الصدقة بالحق: كالغازي في سبيل الله، حتى يرجع إلى بيته)) (¬6) وعن أنس ¬

(¬1) بعير له رُغاء: الرغاء: صوت البعير. (¬2) خوار: الخوار: صوت البقرة. جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 647. (¬3) تيعر: اليعار: صوت الشاة. المرجع السابق، 4/ 647. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحيل، باب احتيال العامل يُهدى إليه، برقم 6979، ومسلم، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال، برقم 1832. (¬5) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عمال الصدقة، برقم 478 - 1837، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 106، وهو في البخاري ومسلم أتم من هذا. (¬6) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في العامل على الصدقة بالحق، برقم 645، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عمَّال الصدقة، برقم 477 - 1836، وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 106: ((حسن صحيح)).

6 - لا زكاة في غير بهيمة الأنعام من الحيوان

- رضي الله عنه - يرفعه: ((المعتدي في الصدقة كمانعها)) (¬1). 6 - لا زكاة في غير بهيمة الأنعام من الحيوان، فلا زكاة في الخيل، والبغال، والحمير، ولا في الصيد؛ لأن النصوص في الزكاة جاءت في بَهِيمة الأنعام، بل قد جاء ما يُبيِّن العفو عن ذلك؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة ... )) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة)) وفي لفظ: ((ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه)) (¬3) ولمسلم: ((ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر)). إلا إذا كانت هذه الأشياء المذكورة قد أُعدت للتجارة، ففيها زكاة عروض التجارة (¬4). 7 - لا يجزئ في صدقة الغنم إلا الجذع من الضأن الذي كمّل ستة أشهر، والثني من المعز الذي كمَّل سنة، وتقدم أنه لا يجزئ في ذلك إلا الأنثى، إلا ما استثني (¬5). ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في المعتدي في الصدقة كمانعها، برقم 646، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عمال الصدقة، برقم 476 - 1835، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 353. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1574، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1463،و1464،ومسلم، برقم 982،وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬4) المغني، 4/ 66. (¬5) الشرح الكبير لابن قدامة، 6/ 442، والمغني، 4/ 49.

8 - شروط المخرج في الزكاة من بهيمة الأنعام

8 - شروط المخرج في الزكاة من بهيمة الأنعام، يشترط في ذلك شروط منها: الشرط الأول: السن، وقد سبق بيان ذلك الواجب في الإبل، والبقر، والغنم. الشرط الثاني: الأنوثة، وقد سبق ما يستثنى من جواز إخراج الذكر. الشرط الثالث: ألا تكون معيبة عيباً يمنع من الإجزاء في الأضحية، إلا إذا كان الجميع معيباً. الشرط الرابع: أن تكون وسطاً: فلا يؤخذ الجيد ولا الرديء (¬1). 9 - إذا ملك المسلم أقل من النصاب من الإبل، أو أقل من نصاب البقر، أو أقل من نصاب الغنم، وكانت للتجارة؛ فإنه يضم بعضها إلى بعض في تكميل نصاب عروض التجارة وتُزكَّى زكاة النقدين، أما في غير عروض التجارة فلا يُضَمُّ بعضها إلى بعض (¬2). 10 - الصواب عدم جواز العدول عن المقادير المقدرة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في بهيمة الأنعام في الزكاة إلى القيمة إلا الجبرانات المقدرة كما في زكاة الإبل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قدرها من بهيمة الأنعام كما تقدم، وكذلك زكاة الفطر، فلا يجوز إخراج القيمة عن العين المقدرة في الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم (¬3) والله تعالى أعلم (¬4). ¬

(¬1) تعليق مجموعة من طلبة العلم على الروض المربع بإشراف عبد الله الطيار، 4/ 64. (¬2) فتاوى العلامة ابن باز، 14/ 58. (¬3) المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 448، وفتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 207. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في عدم جواز إخراج القيمة في الزكاة، فمذهب الإمام أحمد لا تجزئ القيمة مطلقاً: أي سواء كان ذلك لحاجة أم لا، لمصلحة أو لا، الفطرة وغيرها وبه قال الإمام مالك والشافعي. وقال الثوري وأبو حنيفة: يجوز، وعن الإمام أحمد مثل قول أبي حنيفة فيما عدا زكاة الفطر، قال في الإنصاف: ((وعنه تجزئ القيمة مطلقاً، وعنه تجزئ في غير الفطرة، وعنه تجزئ للحاجة: من تعذر الفرض ونحوه واختاره الشيخ تقي الدين، وقيل: ولمصلحة أيضاً واختاره الشيخ تقي الدين)) [المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 448 - 449].

11 - تؤخذ الزكاة على المياه والموارد وفي الدور

11 - تؤخذ الزكاة على المياه، والموارد، وفي الدور؛ لئلا يشق الساعي على أصحاب الأموال؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم)) (¬1) ولفظ أبي داود: ((لا جلب (¬2) ولا جنب (¬3)، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) (¬4). 12 - لا يشتري المسلم صدقته إذا وجدها تباع؛ لحديث عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حمل على فرس في سبيل الله فوجده يُباع، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)) (¬5). ¬

(¬1) أحمد في المسند، 2/ 184 - 185، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني برقم 1779. (¬2) لا جلب: تؤخذ صدقة الماشية في مواضعها ولا تجلب إلى المصدِّق لما في ذلك من المشقة عليهم. انظر: سنن أبي داود برقم 1592. (¬3) ولا جنب: لا يجنب أصحابها: أي لا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه، ولكن تؤخذ في موضعه. سنن أبي داود برقم 1592 والمعنى والله أعلم: [لا يبعد صاحب المال المالَ بحيث تكون مشقة على العامل]. (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب أين تصدق الأموال، برقم 1591، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 443: ((حسن صحيح)). (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، باب الرجل يبتاع صدقته، برقم 1593، وأخرجه البخاري ومسلم.

13 - دعاء المصدق لأهل الصدقة عند دفعهم

13 - دعاء المصدِّق لأهل الصدقة عند دفعهم الزكاة؛ لحديث عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: ((اللهم صلِّ عليهم)) فأتاه أَبي أبُو أوفى بصدقته فقال: ((اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)) (¬1). أو يقول: ((اللهم بارك فيه وفي ماله))، لحديث وائل بن حجر - رضي الله عنه -: أن رجلاً جاء بناقة حسناء، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بارك فيه وفي إبله)) (¬2). 14 - إذا ملك نِصاباً صغاراً انعقد عليه الحول من حين ملكه؛ لأن السخال تعدُّ مع غيرها فتعدُّ منفردة كالأمهات، ومثال ذلك: اشترى رجل أربعين سخلة، فإن الحول يبدأ من وقت ملكه لها، فإذا مضى حول دفع زكاتَها؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (( ... فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة)) (¬3). 15 - نتاج السائمة من بهيمة الأنعام حولها حول أمهاتها إن كانت الأمهات بلغت نصاباً، وإن كانت الأمهات لم تبلغ نصاباً فبداية الحول من كمال النصاب؛ لما روي عن عمر - رضي الله عنه -: أنه قال لساعيه: ((اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم)) (¬4)؛ وهو ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة، برقم 1078. (¬2) النسائي، برقم 2457، وتقدم تخريجه، في فقرة، لا يأخذ في الصدقة: هرمة. (¬3) اختلف في زكاة الصغار من بهيمة الأنعام إذا ملكها الإنسان، فقيل: فيها الزكاة إذا اكتملت الشروط، وهذه الرواية الأولى عن الإمام أحمد وهي المشهورة في مذهبه، والرواية الثانية لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سناً يجزئ مثله في الزكاة، وهو قول أبي حنيفة [الشرح الكبير، 6/ 358]. (¬4) الإمام مالك، باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة، من كتاب الزكاة في الموطأ، 1/ 265، والبيهقي في باب السن التي تؤخذ في الغنم، من كتاب الزكاة، السنن الكبرى، 4/ 100. وانظر: الكلام على الحديث في جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 601.

16 - كل جنس من: الإبل، والبقر، والغنم ينقسم إلى نوعين

مذهب علي - رضي الله عنه - ولا يعرف لهما في عصرهما مخالفاً فكان إجماعاً؛ ولأنه نماء نصاب فيجب أن يضم إليه في الحول كأموال التجارة (¬1) والحكم في فصلان الإبل وعجول البقر كالحكم في السخال (¬2). 16 - كل جنس من: الإبل، والبقر، والغنم ينقسم إلى نوعين: فالإبل نوعان: العراب: وهي الإبل العربية، وهي ذات سنام واحد. والبخاتي: جمع (بخيتة) وهي إبل العجم والترك، وهي ذات سنامين. والبقر نوعان: البقر المعتاد، والجواميس. والغنم نوعان: ضأن: وهي ذوات الصوف، ومعز: وهي ذوات الشعر، ويقال: للذكر والأنثى من الضأن والمعز شاة. والمقادير الواجبة في الزكاة السابقة تشمل من كل جنس: نوعيه، ويضم أحدهما للآخر في تكميل النصاب إجماعاً (¬3). 17 - الخلطة في بهيمة الأنعام السائمة الأصل فيها حديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له كتاباً فيه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة))، ((وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)) (¬4). ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 4/ 46، والشرح الكبير، 6/ 352. (¬2) الشرح الكبير، 6/ 353، والمغني، 4/ 46. (¬3) الموسوعة الفقهية، 23/ 259. (¬4) البخاري، كتاب الزكاة، باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع، وبابٌ: ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، برقم 1450، ورقم 1451، وانظر: الروض المربع المحقق، 4/ 68.

الخلطة نوعان:

والخلطة نوعان: النوع الأول: خلطة أعيان: بأن يملك شخصان أو أكثر مالاً مشاعاً، يرثانه، أو يشتريانه، أو غير ذلك، ويكون مشاعاً بينهما ولكن لا يتميز مال كل واحد منهما. النوع الثاني: خُلطة أوصاف: بأن يكون مالُ كل واحد منهما مميزاً ولكن اشتركا في المراح، والمسرح، والمشرب، والمحلب، والراعي، والفحل. وكلا النوعين المذكورين في الخلطة يؤثر في جعل مالهما كالمال الواحد في أمرين: الأمر الأول: الواجب فيهما كالواجب في مال واحد، فإن بلغا معاً نصاباً ففيهما الزكاة، وإن زادا على النصاب لم يتغير الفرض حتى يبلغا فريضة ثانية، فلو كان لكل واحد منهما عشرون من الغنم كان عليهما شاة، وإن كان لكل واحد منهما ستون لم يجب أكثر من شاة، وتكون الشاة بينهما بالسوية. الأمر الثاني: أن للساعي أخذ الفرض من مال أيهما شاء، سواء دعت إليه حاجة؛ لكون الفرض واحداً، أو لم تدع إليه حاجة بأن يجد فرض كل واحد منهما في ماله؛ لأن مالهما صار كالمال الواحد في الإيجاب، فكذلك في الإخراج. ويعتبر في الخلطة شروط خمسة: الشرط الأول: أن تكون الخلطة في السائمة من بهيمة الأنعام ولا تؤثر الخلطة في غيرها من الأموال. الشرط الثاني: أن يكون الخليطان من أهل الزكاة؛ فإن كان أحدهما

الشرط الثالث: أن يختلطا في نصاب

مكاتباً أو ذمّيّاً فلا أثر لخلطته؛ لأنه لا زكاة في ماله ما لم يكمل النصاب به. الشرط الثالث: أن يختلطا في نصاب؛ فإن اختلطا فيما دونه مثل أن يختلطا في ثلاثين شاة لم تؤثر الخلطة. الشرط الرابع: أن يختلطا في ستة أشياء لا يتميز أحدهما عن صاحبه فيها؛ وهي المسرح، والمشرب، والمحلب، والمراح، والراعي، والفحل، فإذا اكتملت هذه الشروط كان مال الشخصين كالمال الواحد. الشرط الخامس: أن يختلطا في جميع الحول من أوله إلى آخره (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال مالك في الموطأ: ((معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة، أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة، وقال الشافعي رحمه الله: هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة، فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئاً من الجمع والتفريق خشية الصدقة، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر. فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خشية الصدقة)) أي خشية: أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة ... )) (¬2). ¬

(¬1) الكافي لابن قدامة، 2/ 123 - 124، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/ 454 - 460، والمغني، 4/ 51 - 64. (¬2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 314.

18 - إذا كانت سائمة الرجل الواحد في بلدان شتى وبينهما مسافة

والخلطة لها تأثير في الماشية: إيجاباً، وإسقاطاً، وتغليظاً، وتخفيفاً، ومن أمثلة ذلك: * لو كان لإنسان شاة ولآخر تسع وثلاثون شاة واشتركا حولاً كاملاً فعليهما شاة على حسب ملكهما، يتراجعان بينهما بالسوية، وهذه الصورة تفيد تغليظاً؛ لأن كل واحد منهما لو انفرد بملكه فلا زكاة عليه. * لو كان لأربعين رجلاً أربعون شاة لكل واحد شاة واشتركوا حولاً تاماً فعليهم زكاة شاة على حسب ملكهم، يتراجعون بينهم بالسوية. * وإذا كان لثلاثة مائة وعشرون شاة لكل واحد أربعون، ولم يثبت لأحدهم حكم الانفراد في شيء من الحول فعليهم شاة أثلاثاً. وهذا يدل على أن الخلطة تخفيفاً في مثل هذه الصورة، وهكذا فالخلطة تفيد إيجاباً، وتغليظاً، وتخفيفاً وإسقاطاً (¬1). 18 - إذا كانت سائمة الرجل الواحد في بلدان شتى وبينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة أو كانت مجتمعة ضُمَّ بعضها إلى بعضٍ وكانت زكاتها كزكاة المختلطة بغير خلاف. وإن كان بين البلدان مسافة القصر فعن أحمد روايتان: إحداهما: أن لكل مال حكم نفسه يعتبر على حدته إن كان نِصَاباً ففيه الزكاة وإلا فلا، ولا يضم إلى المال الذي في البلد الآخر ... قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد، والرواية الثانية عن أحمد أن صاحب المال يضم بعضه إلى بعض في الزكاة ويؤدِّي زكاته، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا هو الصحيح إن شاء الله ¬

(¬1) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/ 208، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 69.

19 - الفرق بين بهيمة الأنعام وغيرها من أصناف الأموال الزكوية

تعالى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (( ... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ... )) (¬1)؛ ولأنه مِلكٌ واحدٌ أشبه ما لو كان في بلدان متقاربة، أو غير السائمة، ونحمل كلام أحمد في الرواية الأولى: على أن المصدِّق لا يأخذها، وأما رب المال فيخرج، فعلى هذا يخرج الفرض في أحد البلدين شاء؛ لأنه موضع حاجة)) (¬2). قال ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب سائر الفقهاء)) (¬3). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((الذي عليه جمهور أهل العلم أن مال الرجل الواحد يضم بعضه إلى بعض حتى ولو كان في مدن مترامية الأطراف، أما الخلطاء فليس لهم الجمع، وليس لهم التفريق)) (¬4). ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة: كالذهب والفضة، والزروع والثمار، وعروض التجارة، ويكون حكمهم حكم المنفردين وهذا قول أكثر أهل العلم (¬5) والله الموفق (¬6). 19 - الفرق بين بهيمة الأنعام وغيرها من أصناف الأموال الزكوية: أن غيرها متى زاد ولو قليلاً على النصاب ففيه الزكاة بحسابه، ¬

(¬1) البخاري، برقم 1454، وتقدم تخريجه. (¬2) المغني، 4/ 64. (¬3) المرجع السابق، 4/ 64، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 484. (¬4) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 622. (¬5) المغني، 4/ 64، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 485، والشرح الممتع، 4/ 70. (¬6) وعن أحمد رواية أخرى أن شركة الأعيان تؤثر في غير الماشية، فإذا كان بينهم نصاب يشتركون فيه فعليهم الزكاة، قياساً على الغنم، أما خلطة الأوصاف فلا مدخل لها في غير الماشية بحالٍ، والصحيح أن الخلطة لا تؤثر في غير الماشية، [المغني، 4/ 64 - 65، والشرح الكبير، 6/ 485 - 486].

وأن بهيمة الأنعام قدَّر الشارع فيها أول النصاب، وأوسطه، وآخره، وغيرها من الأموال قدر أول النصاب فقط. فدل على أنه كلما زاد عنه زاد الواجب، والله أعلم. ثم من تسهيل الله - عز وجل - أنه لم يوجب الزكاة في هذا النوع حتى تتغذَّى بالمباح وتسوم الحول أو أكثره، فإذا كان صاحبها يعلفها فلا يُجمع عليه بين مؤونة العلف وإيجاب الزكاة عليه (¬1). ¬

(¬1) إرشاد أولي الأبصار والألباب إلى نيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، ص130.

المبحث التاسع: زكاة الخارج من الأرض: الحبوب، والثمار، والركاز، والمعدن

المبحث التاسع: زكاة الخارج من الأرض: الحبوب، والثمار، والركاز، والمعدن أولاً: زكاة الحبوب والثمار واجبة: بالكتاب، والسنة، والإجماع: أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (¬1)؛ ولقوله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬2)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((حقّه الزّكاة المفروضة))، وقال مرّة: ((العشر، ونصف العشر)) (¬3). وأمّا السُّنَّة؛ فلحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((فيما سقتِ السّماءُ والعيون، أو كان عَثَريّاً (¬4): العشرُ، وما سُقيَ بالنضح (¬5): نصف العشر)) (¬6)؛ ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فيما سقت الأنهارُ والغيمُ: العشورُ، وفيما سُقي بالسانية (¬7): نصف العشر)) (¬8) ولفظ حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند النسائي وأبي داود: ((فيما سقت السماء والأنهار، والعيون، - أو كان ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 267. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 141. (¬3) ذكره ابن قدامة في المغني، 4/ 154. (¬4) عثريّاً: العثريّ من الحبوب والثمار: هو الذي عثر على الماء بعروقه بلا عمل من صاحبه، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/ 182. (¬5) النضح: النواضح: هي الإبل يسقى بها لشرب الأرض. (¬6) البخاري، كتاب الزكاة، باب العشر فيما سُقي من ماء السماء والماء الجاري؛ برقم 1483. (¬7) السانية: الناضح يسقى عليه: سواء كان من الإبل أو البقر. جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 611. (¬8) مسلم، كتاب الزكاة، باب ما جاء في العشر أو نصف العشر، برقم 981.

وأما الإجماع

بعلاً (¬1) -: العشر، وفيما سُقِيَ بالسواني أو النضح: نصف العشر)) (¬2)؛ ولحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: ((بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقتِ السماء: العشر، وفيما سقي بالدوالي (¬3): نصف العشر)) (¬4). وأما الإجماع: فأجمع العلماء على أن الصدقة واجبة: في الحنطة، والشعير، والزبيب، والتمر، قاله ابن المنذر، وابن عبد البر (¬5). ثانياً: شروط وجوب الزكاة في الحبوب والثمار: الشرط الأول: أن يكون حبّاً أو ثمراً؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس في حَبٍّ ولا تمرٍ صدقة حتى يبلغ خمسة أوسقٍ، ولا فيما دون خمس ذودٍ صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة)) وفي رواية لمسلم: (( ... ليس في حبٍّ ولا ثمرٍ صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ... )) (¬6) وهذا يدل على وجوب الزكاة في الحب والثمر وانتفائها عن غيرها (¬7). ¬

(¬1) البعل: ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي من السماء ولا غيرها، [جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 613] وجاء في سنن أبي داود برقم 1598 عن وكيع: أن البعل الكبوس الذي ينبت من ماء السماء. وجاء عن النضر ابن شميل: البعل ماء المطر. وكذلك عن أبي إياس الأسدي: أن البعل: هو الذي يسقى بماء المطر. والله أعلم. (¬2) أصله في البخاري، برقم 1483، وهذا لفظ أبي داود، برقم 1596، والنسائي، برقم 2487. (¬3) جمع دالية: الدلو أو آلة لإخراج الماء. (¬4) النسائي، كتاب الزكاة، باب ما يوجب العشر، وما يوجب نصف العشر، برقم 2489، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الزرع والثمار، برقم 1484 - 1845، وقال الألباني في صحيح النسائي، 2/ 193: ((حسن صحيح)). (¬5) المغني لابن قدامة، 4/ 154. (¬6) متفق عليه: البخاري بنحوه، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة، برقم 1484، ومسلم بلفظه، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، برقم 1 (979. (¬7) الكافي، لابن قدامة، 2/ 131.

الشرط الثاني: أن يكون مكيلا

الشرط الثاني: أن يكون مكيلاً؛ لتقديره بالأوسق، وهي مكاييل، فيدل ذلك على اعتبارها (¬1). الشرط الثالث: أن يكون مما يُدَّخر؛ لأن جميع ما اتفق على زكاته مدخر؛ ولأن غير المدخر لا تكمل ماليته؛ لعدم التمكن من الانتفاع به في المال، فتجب الزكاة في جميع الحبوب والثمار المكيلة التي تدخر: مثل: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وغيرها من كل حبٍّ أو ثمرٍ يكال ويدخر (¬2). (¬3) ¬

(¬1) المرجع السابق، 2/ 131. (¬2) الكافي، لابن قدامة، 2/ 132. (¬3) اختُلِفَ في الأنواع التي تجب فيها الزكاة: من الحبوب والثمار على النحو الآتي: 1 - أجمع أهل العلم على أن الزكاة تجب ... في ... البر، والشعير، والتمر، والزبيب إذا بلغ من كلّ صنفٍ منها ما تجب فيه الزكاة [الإجماع لابن المنذر، ص51] وقال رحمه الله في موضع آخر: ((وأجمعوا على أن الصدقة واجبة في: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب)) [الإجماع لابن المنذر، ص52]. 2 - مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أن الزكاة تجب: في كل حبٍّ وثمرٍ يكال ويدخر مما ينبته الآدمي في أرضه إذا بلغ نصاباً قدره خمسة أوسق؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس في حب ولا ثمرٍ صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ... )) [البخاري، 1484، ومسلم، 979] ويدخل في هذا عند الإمام أحمد: الحبوب كلها: كالحنطة - وهي تطلق على البر، والقمح، والسمراء – والشعير، والأرز، والدخن، والذرة، والباقلا – الفول – والعدس، والحمص، والحلبة، والسمسم، حتى ولو لم يكن قوتاً: كحب الرشاد، والفجل، والقرطم – وهو حب العصفر – والأبازير – جمع بذر وهو حب يبذر للنبات، والكمون، والحبة السوداء، وغيرها مما أشبهها، فهذه غير قوت؛ ولكنها حب يخرج من الزرع ... وفي كل ثمر يكال ويدخر: كالتمر، والزبيب، واللوز، والفستق، والبندق. وفي رواية للإمام أحمد: أن الزكاة لا تجب إلا في أربعة أصناف فقط: البر، والشعير، والتمر، والزبيب؛ لحديث أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما حين بعثهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم: ((لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب والتمر)) [الدارقطني، 201، والحاكم، 1/ 401، والبيهقي، 4/ 128، وابن أبي شيبة، 4/ 19] وضُعِّف، ولكن قد صححه الألباني في الإرواء برقم 801، والأحاديث الصحيحة، برقم 879، والله أعلم]. وانظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 154 - 156. ولا زكاة في سائر الفواكه عند الإمام أحمد: كالخوخ، والكمثرى، والتفاح، والمشمش، والتين، والجوز، ولا في الخضراوات: كالقثاء، والخيار، والباذنجان، والجزر، وغيرها من الخضراوات ... [المغني، 4/ 156]؛ لحديث معاذ - رضي الله عنه - أنه كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الخضراوات؟ – وهي البقول - فقال: ((ليس فيها شيء)) [الترمذي، برقم 638، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 350]، وفي إرواء الغليل، 3/ 279، قال الإمام الترمذي على هذا الحديث: ((والعمل على هذا عند أهل العلم أن ليس في الخضراوات صدقة)). 3 - عند الإمام مالك والشافعي رحمهما الله تعالى: لا زكاة في ثمرٍ إلا التمر والزبيب، ولا في حب إلا ما كان قوتاً في حالة الاختيار لذلك، إلا في الزيتون على اختلاف. [المغني، 4/ 156] فأخذ من هذا أن الزكاة تجب عند الإمام مالك والشافعي في كل ما كان مكيلاً مدخراً قوتاً، ولا تجب في غير ذلك ولا في جميع الخضراوات. 4 - عند أبي حنيفة رحمه الله: أن الزكاة تجب في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب، والقصب، والحشيش؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريّاً: العشر، وما سقي بالنضح: نصف العشر)) [البخاري، برقم 1483]. وأقرب الأقوال قول الحنابلة، والله تعالى أعلم. [المغني، 4/ 156، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 6/ 494، والشرح الممتع، 4/ 72]. وقد اختلف العلماء في زكاة الزيتون: فعن الإمام أحمد رحمه الله روايتان: الرواية الأولى: أن فيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وإن عصر قُوِّم ثمنه؛ لأن الزيت له بقاء، وهذا قول: الزهري، والأوزاعي، ومالك، والليث، والثوري، وأبي ثور، وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي، وروي عن ابن عباس؛ لقول الله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] في سياق قوله: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ}؛ ولأنه يمكن ادخار غلته أشبه التمر والزبيب. والرواية الثانية: عن الإمام أحمد رحمه الله: ((أن الزيتون لا زكاة فيه، وهو اختيار أبي بكر وظاهر كلام الخرقي، وهذا قول: ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وأبي عبيد، وأحد قولي الشافعي؛ لأنه لا يدخر يابساً فهو كالخضراوات، والآية لم يُرَد فيها الزكاة؛ لأنها مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة؟ ولهذا ذكر الرمان ولا عشر فيه ... )) [المغني لابن قدامة رحمه الله، 4/ 160 - 161، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 503]. [وهذا القول الذي رجحه شيخنا ابن باز رحمه الله: وهو أن الزيتون لا زكاة فيه؛ لأنه من الخضراوات والفواكه] [فتاوى ابن باز، 4/ 70].

الشرط الرابع: أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه

الشرط الرابع: أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه: فأما النابت بنفسه فلا زكاة فيه؛ لأنه إنما يملك بحيازته، والزكاة إنما تجب ببدو الصلاح، ولم

الشرط الخامس: أن يبلغ نصابا

يكن ملكاً له حينئذٍ فلم تجب زكاته (¬1) وعبّر البعض عن هذا الشرط بقوله: ((ويعتبر أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة)) (¬2). الشرط الخامس: أن يبلغ نصاباً قدره خمسة أوسق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ... )) (¬3). والوسق ستون صاعاً (¬4)، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المعتدل، فيكون الصاع أربع حفنات بكفي الرجل المعتدل (¬5). وتعتبر خمسة الأوسق بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمر (¬6). وذكر الزركشي رحمه الله شروطاً قريباً من هذه الشروط، فقال: ((يشترط في وجوب الزكاة في الخارج من الأرض شروط: أحدها: أن يكون مما ييبس فلا تجب في الخضراوات. الشرط الثاني: أن يكون مما يبقى – أي يدخر عادة - فلا تجب في التين ونحوه (¬7). ¬

(¬1) الكافي، 2/ 134. (¬2) الروض المربع، انظر: الشرح الممتع، 6/ 78. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1484، ومسلم، برقم 979، وتقدم تخريجه. (¬4) الكافي، لابن قدامة، 2/ 135. (¬5) حاشية ابن قاسم على الروض، 4/ 222. (¬6) المغني، 4/ 162. (¬7) ونص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على وجوب الزكاة في التين؛ لادخاره، وإنما اعتبر الكيل والوزن في الربويات، لأجل التماثل المعتبر فيها، وهو غير معتبر هاهنا ... ورجح أن المعتبر لوجود زكاة الخارج من الأرض: هو الادخار لا غير؛ لوجود المعنى المناسب لإيجاب الزكاة فيه بخلاف الكيل، فإنه تقدير محض فالوزن في معناه ... [الاختيارات الفقهية، ص149]. [ورجح الإمام ابن باز رحمه الله أن: (التين والزيتون لا تجب فيهما الزكاة في أصح قولي العلماء؛ لأنهما من الخضراوات والفواكه]. [فتاوى ابن باز، 14/ 70].

ثالثا: تضم ثمرة العام الواحد لبعضها في تكميل النصاب:

الشرط الثالث: أن يكون مما يكال، فلا تجب في الجزر ... والتين ... ونحوها. الشرط الرابع: أن يبلغ خمسة أوسق)) (¬1) والله تعالى أعلم (¬2). ثالثاً: تضم ثمرة العام الواحد لبعضها في تكميل النصاب: فالتمر أنواع كثيرة يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فمثلاً: السكري، والبرحي، والخلاص، وغير هذه الأنواع يضم بعضها إلى بعضٍ في تكميل النصاب. وكذلك الزبيب أنواع يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. ولا يضم الجنس إلى جنس آخر: فلا يضم التمر إلى الزبيب ولا الزبيب إلى التمر في تكميل النصاب؛ لاختلاف الجنس؛ وإنما يضم أنواع الجنس الواحد إلى بعضه في تكميل النصاب. ¬

(¬1) شرح الزركشي على مختصر الخرقي، 2/ 267 - 270. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في نصاب الحبوب والثمار على قولين: القول الأول: أن الزكاة لا تجب في شيء من الحبوب والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم ابن عمر، وجابر، وأبو أمامة بن سهلٍ، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، والحسن، وعطاء، ومكحول، والحكم، والنخعي، ومالك، وأهل المدينة، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمد وسائر أهل العلم، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا نعلم أحداً خالفهم إلا مجاهداً وأبا حنيفة ومن تابعه)). القول الثاني: مجاهد، وأبو حنيفة ومن تابعه، قالوا: تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فيما سقت السماء: العشر))؛ ولأنه لا يعتبر له حول، فلا يعتبر له نصاب، قال الإمام ابن قدامة: ((ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) متفق عليه: وهذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما رووه به)) [المغني، 4/ 161].

وكذلك ما يحمل في السنة الواحدة حملين يضم كل نوع إلى جنسه من الثمرة (¬1). وتضم أنواع الحبوب إلى بعضها من كل جنس، فجنس الحنطة أنواع يضم بعضها إلى بعض، والشعير أنواع يضم بعضها إلى بعض، وهكذا لو جذّ الزرع ثم ظهر زرع آخر في نفس العام ضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب، ولا يضم الجنس إلى جنس آخر، فلا يضم البر إلى الشعير، ولا الذرة إلى الشعير؛ لاختلاف الأجناس: وكذلك إذا كان للرجل بساتين في أماكن مختلفة، فإنه يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب (¬2). ¬

(¬1) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والأثمان أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب، فالماشية ثلاثة أجناس: الإبل، والبقر، والغنم، لا يضم جنس منها إلى آخر، والثمار لا يضم جنس إلى غيره: فلا يضم التمر إلى الزبيب، ولا إلى اللوز والفستق، ولا يضم شيء من هذه إلى غيره، ولا تضم الأثمان إلى شيء من السائمة، ولا من الحبوب والثمار، ولا خلاف بينهم في أن أنواع الأجناس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب، ولا نعلم بينهم أيضاً خلافاً في أن العروض تضم إلى الأثمان وتضم الأثمان إليها، إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به؛ لأن نصابها معتبر به)) [المغني، 4/ 203 - 204، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 520]. (¬2) وذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله: أن العلماء اختلفوا في ضم الحبوب بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، وفي ضم النقدين إلى الآخر، فروي عن الإمام أحمد في الحبوب ثلاث روايات: الرواية الأولى: لا يضم جنس منها إلى غيره، ويعتبر النصاب في كل جنس منها منفرداً، وهذا قول: عطاء ومكحول، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، والثوري، والحسن بن صالح، وشريك والشافعي، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي؛ لأنّها أجناس فاعتبر النصاب في كل جنس منها منفرداً: كالثمار والمواشي. والرواية الثانية أن الحبوب كلها تضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب. وهذا قول عكرمة وحكاه ابن المنذر عن طاووس. والرواية الثالثة: أن الحنطة تضم إلى الشعير، وتضم القطنيات بعضها إلى بعض – وهي صنوف الحبوب: من العدس، والحمص، والأرز، والسمسم، والدخن، والفول – وحكاه الخرقي عن أحمد، وهو مذهب الإمام مالك. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((والرواية الأولى أولى إن شاء الله تعالى؛ لأنها أجناس يجوز التفاضل فيها فلم يضم بعضها إلى بعض كالثمار)) [المغني، 4/ 204 - 205]. وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 518 - 522، والمغني، 4/ 207، والكافي، 2/ 137، والشرح الممتع، 6/ 77.

رابعا: تجب الزكاة في الحبوب والثمار:

رابعاً: تجب الزكاة في الحبوب والثمار: إذا اشتد الحبُّ فصار قويّاً لا ينضغط إذا ضُغِطَ، وجبت الزكاة فيه. وإذا بدا صلاح الثمر: فاحمرَّ أو اصفرَّ في ثمر النخيل، وفي العنب: أن يموّه حلواً: أي بدلاً من أن يكون قاسياً يكون ليناً متموِّهاً وبدلاً من أن يكون حامضاً يكون حلواً. فإذا اشتدَّ الحبّ وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة، وقد ثبت تفسير بدوِّ الصلاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه: نَهَى عن بيع الثمار حتى تُزهي. قيل: وما زَهْوَها؟ قال: ((تَحْمَارُّ وتصفارُّ)) (¬1) وعنه - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((نَهى عن بيع العنب حتى يسودَّ، وعن بيع الحبِّ حتى يشتدَّ)) (¬2)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدُوَ صلاحها، نهى البائع والمبتاع)). وفي لفظ للبخاري: كان إذا سُئل عن صلاحها قال: ((حتى تذهب عاهتها)) (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، بابٌ: من باع ثماره أو نخله، أو أرضه، أو زرعه، وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة، برقم 1488، ورقم 2197. ومسلم، كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، برقم 1555. (¬2) رواه الخمسة إلا النسائي: أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها، رقم 3371، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، رقم 1228، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، رقم 2217، وأحمد، 3/ 221، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 344. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الثمار قبل أن يبدوَ صلاحها، برقم 2194، ورقم 1486، ومسلم، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها بغير شرط القطع، برقم 1534.

على هذا فيكون للثمر والزرع ثلاثة أحوال:

فإذا بدا صلاح الثمرة، واشتدّ الحبّ، وجبت الزّكاة في الحبوب والثمار (¬1) وفائدة ذلك: أن المالك لو تصرف في الثمرة أو الحب قبل الوجوب لا شيء عليه؛ لأنه تصرَّف قبل الوجوب، فأشبه ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول، إلا أن يقصد الفرار من الزكاة فتجب عليه، وإن تصرف فيها بعد الوجوب لم تسقط الزكاة عنه، كما لو فعل ذلك في السائمة بعد اكتمال الحول، ولا يستقر الوجوب حتى تصير الثمرة في الجرين والزرع في البيدر، ولو تلف قبل ذلك بغير إتلافه أو تفريط منه فيه فلا زكاة عليه، سواء خرصت أو لم تخرص؛ لأنّها في حكم ما لم تثبت اليد عليه، وإن تلفت بعد جعلها في الجرين فحكمها حكم السائمة بعد الحول يضمنها؛ لأنه استقر الوجوب في ذمته فصارت ديناً عليه (¬2). وعلى هذا فيكون للثمر والزرع ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يتلف قبل وجوب الزكاة: أي قبل اشتداد الحبِّ وقبل بدوِّ صلاح الثمر، فهذا لا شيء على المالك مطلقاً سواء تلف: بتعدٍّ أو تفريط أو بغير ذلك، إلا إذا قصد بذلك الفرار من الزكاة. الحالة الثانية: أن يتلف بعد الوجوب: أي بعد اشتداد الحبِّ وبدوّ ¬

(¬1) قال ابن قدامة رحمه الله: ((وقال ابن أبي موسى: تجب زكاة الحب يوم حصاده؛ لقوله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ})) [الأنعام: 141]، [المغني، 4/ 169] وقال بذلك: محمد بن مسلمة من المالكية، ولكن جمهور أهل العلم: أن وقت الوجوب في الحب إذا اشتد وفي الثمر إذا بدا صلاحه [حاشية الروض المربع المحقق، 4/ 89]. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 169 - 171، والكافي، 2/ 138.

الحالة الثالثة: أن يتلف بعد جعله في الجرين

صلاح الثمر، لكن لم يجعله في البيدر أو الجرين ففي ذلك تفصيل: إن كان بِتَعَدٍّ من المالك أو تفريط؛ فإنه يضمن الزكاة، وإن كان بلا تعدٍّ ولا تفريط لم يضمن الزكاة. الحالة الثالثة: أن يتلف بعد جعله في الجرين أو البيدر فتجب عليه الزكاة مطلقاً: سواء فرَّط أو تعدَّ أو لم يفرط ولم يتعدَّ؛ لأن الزكاة استقرت في ذمته فصارت ديناً عليه (¬1). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصحيح في الحالة الثالثة أنّها لا تجب الزكاة عليه ما لم يتعدَّ أو يفرط؛ لأن المال عنده بعد وضعه في الجرين أمانة؛ فإن تعدّى أو فرط: بأن أَخَّر صرف الزكاة حتى سرق المال أو ما أشبه ذلك فهو ضامن، وإن لم يتعدَّ ولم يفرط وكان مجتهداً في أن يبادر بتخليصه ولكنه تلف مع كمال التحفظ والحراسة فلا يضمن)) (¬2) والله تعالى أعلم. خامساً: قدر الزكاة في الحبوب والثمار على النحو الآتي: 1 - يجب العشر فيما سُقي بلا مؤنة: كالزرع الذي يشرب من الأمطار، والأنْهَار، والعيون التي تجري، وما يشرب بعروقه: وهو الذي يزرع ويغرس في أرضٍ ماؤها قريب من وجه الأرض فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي، وكذلك ما كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية، وكذلك ما يشرب من السيوح - وهي المياه الجارية على وجه الأرض: من الأنهار، والسواقي وغيرها -. ¬

(¬1) انظر: المغني، 4/ 170 - 171، والكافي، 2/ 139، والشرح الممتع، 6/ 87. (¬2) الشرح الممتع، 6/ 87 - 88.

2 - يجب نصف العشر فيما سقي بمؤنة

2 - يجب نصف العشر فيما سُقِيَ بمؤنة: كالدّوالي - وهي الدولاب وهي الدلاء - والنّواضح - وهي الإبل، والبقر، وسائر الحيوانات -، وما يُسقى بالغروب والسواني، والمكائن، والآلات: كالرشاشات التي ترش الماء وتوزعه على الزرع (¬1). والأصل في هذا كله حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((فيما سقت السماء، والعيون، أو كان عثريّاً: العشر، وما سُقي بالنضح: نصف العشر)) (¬2)؛ ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((فيما سقت الأنهارُ والغيمُ: العشر، وفيما سقي بالسانية نصف العشر)) (¬3)؛ ولحديث معاذ - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فأمرني: ((أن آخذ مما سقتِ السماء العشر، وفيما سُقِيَ بالدوالي نصف العشر)) (¬4). 3 - ويجب ثلاثة أرباع العشر فيما يشرب بمؤنة نصف، ويشرب بغير مؤنة نصف، ومثاله: نخل يُسقى نصف العام بمؤنة، ويُسقى النصف الثاني من العام بغير مؤنة: أي الصيف يُسقى بمؤنة، والشتاء يُسقى من الأمطار، فهذا فيه ثلاثة أرباع العشر؛ لأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه، فإذا وجد نصفه أوجب نصفه، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم (¬5). 4 - ما يُسقى بمؤنة وبغير مؤنة مع الاختلاف: أي يُسقى ¬

(¬1) قال ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم في هذا خلافاً، وهو قول مالك والشافعي، والثوري، وأصحاب الرأي)) [المغني، 4/ 164]. (¬2) البخاري، برقم 1483، وتقدم تخريجه في أول الباب. (¬3) مسلم، برقم 981، وتقدم تخريجه. (¬4) النسائي، برقم 2489، وابن ماجه، برقم 1484 - 1845، وتقدم تخريجه. (¬5) المغني، 4/ 165، والشرح الكبير، 6/ 530، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/ 277.

5 - وإن جهل المقدار غلبنا إيجاب العشر

أحدهما أكثر من الآخر: فالذي يكثر انتفاع النخل بسقيه، أو الشجر، أو الزرع فهو المعتبر، فإذا كان نموّه بمؤنة أكثر منه فيما إذا شرب بلا مؤنة فالمعتبر نصف العشر؛ لأن سقيه بالمؤنة أكثر نفعاً فاعتبر به، وإذا كان نموّه بغير مؤنة أكثر نفعاً فالمعتبر العشر، فاعتبر بالأكثر كالسوم (¬1). 5 - وإن جُهِلَ المقدار غلَّبنا إيجاب العشر؛ لأنه الأصل، فالأصل وجوب الزكاة: العشر حتى نعلم أنه سُقِيَ بمؤنة (¬2). سادساً: خرص النخيل والأعناب إذا بدا صلاح الثمر: يُسَنُّ للإمام أن يرسل ساعياً إلى أهل النخيل والأعناب إذا بدا صلاح الثمر فيخرصه (¬3) عليهم؛ ليتصرَّفوا في ثمارهم، ويعرِّف الساعي المالك قدر الزكاة كيلاً، ثم يخلي بينهم وبين ثمرهم؛ ليأكلوا أو يتصرَّفوا فيه، ثم يُؤدُّون الزكاة عند الجذاذ على قدر ما خُرِص، وهذا فيه توسعة على أهل الثمار؛ ليأكلوا، أو يبيعوا، أو يتصرَّفوا (¬4) والخرص لثمر النخيل والأعناب فيه مسائل ¬

(¬1) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((نص عليه أحمد وهو قول: عطاء، والثوري، وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وقال ابن حامد: يؤخذ بالقسط وهو القول الثاني للشافعي؛ لأنهما لو كانا نصفين أخذ بالحصة فكذلك إذا كان أحدهما أكثر ... )) [المغني، 4/ 166]. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 166. (¬3) الخرص: حزر مقدار الثمرة في رؤوس النخل وشجر العنب وزناً بعد أن يطوف به الساعي ثم يقدره تمراً، وزبيباً، ثم يعرِّف المالك قدر الزكاة. [الإقناع لطالب الانتفاع، 1/ 422]. (¬4) اختلف العلماء في الخرص: فقال الإمام أحمد رحمه الله بالخرص في النخيل والأعناب فقط، وبه قال عطاء، والزهري، ومالك، والشافعي، وأكثر أهل العلم [الشرح الكبير، 6/ 546، والمغني، 4/ 178] قال الخطابي رحمه الله: (( ... والخرص عُمِلَ به في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى مات، ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي)) [انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 344]. فَحُكِيَ عن الشعبي، أن الخرص بدعة، وقال أهل الرأي: الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم، وإنما كان تخويفاً للأكرة: أي الحراث من الخيانة. والصواب القول الأول وهو قول الجماهير من أهل العلم [الشرح الكبير، 6/ 546].

1 - ثبتت مشروعية الخرص في السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

على النحو الآتي: 1 - ثبتت مشروعية الخرص في السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأةٌ في حديقةٍ لها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((اخرصوا)) وخرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة أوسق، فقال لها: ((أحصي ما يخرج منها)) ... فلما أتى وادي القرى قال للمرأة: ((كم جاء حديقتك))؟ قالت: ((عشرة أوسقٍ خَرْصَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ... )) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((فيه جواز الخرص حتى يتصرف أهل النخيل في نخيلهم، والخرص يخرص بما يؤول إليه تمراً)) (¬2). 2 - يستحب أن يبعث الإمام من يخرص الثمار عند بدوِّ الصلاح؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح خيبر، اشترط عليهم أنَّ له الأرض، وكُلَّ صفراءَ وبيضاء - يعني الذهب والفضة - وقال له أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض فأعطناها على أن نعملها ويكون لنا نصف الثمرة ولكم نصفُها، فزعم أنه أعطاهم على ذلك، فلما كان حين تصرم النخل بعث إليهم ابن رواحة فحزر (¬3) النخل، وهو الذي يدعونه أهل المدينة: الخرص، فقال: في ذا كذا وكذا، فقالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال: فأنا أحزر النخل وأعطيكم نصف الذي قلتُ: قال: ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري بلفظه، كتاب الزكاة، باب خرص التمر، برقم 1481، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1392. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1481. (¬3) حزر: قدَّر. [فتح الباري، لابن حجر، المقدمة، ص104].

3 - يجزئ أن يرسل الإمام خارصا واحدا

فقالوا: هذا الحقُّ وبه تقوم السماءُ والأرضُ. فقالوا: قد رضينا أن نأخذ بالذي قلتَ (¬1). 3 - يجزئ أن يرسل الإمام خارصاً واحداً؛ للحديث السابق؛ ولأنه يفعل ما يؤديه إليه اجتهاده فجاز أن يكون واحداً، كالحاكم، ويعتبر أن يكون مسلماً، أميناً، غير متهم، ذا خبرة. 4 - يخرص الرطب والعنب؛ لحديث عتابِ بنِ أُسيدٍ - رضي الله عنه - قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أن يُخرصَ العنبُ كما يخرصُ النخلُ، وتؤخَذَ زكاتُهُ زبيباً كما تؤخَذُ صدقةُ النخلِ تمراً)) (¬2). 5 - يترك الخارص لصاحب الثمار الثلث أو الربع، توسعة على رب المال؛ لأنه يحتاج إلى الأكل هو وأضيافه، ويطعم جيرانه وأهله، ويأكل منها المارَّةُ، ويكون في الثمرة الساقطة، وينتابها الطير، فلو استوفى الكلّ ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب خرص النخل والعنب، برقم 1485 - 1847، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 108. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في خرص العنب، برقم 1603، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الخرص، برقم 644، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب خرص النخل والعنب، برقم 1819، والنسائي، كتاب الزكاة، باب شراء الصدقة، برقم 2618. والحديث قال عنه أبو داود: ((وسعيد - يعني ابن المسيب - لم يسمع من عتابٍ شيئاً)) وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: ((وفيه انقطاع)) قال الإمام ابن باز رحمه الله: ((لأنه من رواية سعيد بن المسيب عن عتاب وسعيد لم يدرك عتاباً، لكن مراسيل سعيد جيدة، والحديث له شواهد كحديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه -)) [حاشية ابن باز على بلوغ المرام، الحديث رقم 590]. وسمعته أيضاً رحمه الله يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 639: ((هذا إما مرسل جيد من مراسيل سعيد بن المسيب، وإما متصل إذا سمع سعيد من عتاب؛ ولهذا عمل به الأئمة ويشهد له حديث سهل في شرعية الخرص)) [والحديث ضعفه الألباني؛ لانقطاعه كما تقدم].

سابعا: زكاة الحبوب والثمار على مستأجر الأرض:

أضرّ بِهم، والمرجع في تقدير المتروك إلى اجتهاد الساعي الخارص، فإن رأى الأكلة كثيراً ترك الثلث، وإلا ترك الربع؛ لحديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) (¬1) وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على الخرص، وأنه مستحب، فإن تُرِكوا وصُدِّقوا فلا بأس، والخرص عليهم هو السنة؛ لأن فيه مصالح منها: 1 - معرفة مبلغ هذا التمر، والعنب. 2 - التوسعة على أهله: يتصرَّفون، ويبيعون، وقد عرفوا ما لديهم من الزكاة، والسنة أن يترك لهم الربع أو الثلث، يتحرّى الخارص على حسب ضيوفهم وكثرتهم فيدع ما هو الأنسب)) (¬2). سابعاً: زكاة الحبوب والثمار على مستأجر الأرض: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((ومن استأجر أرضاً فزرعها فالعشر عليه دون مالك الأرض)) (¬3) وقال رحمه الله: ((ولو استعار أرضاً ¬

(¬1) أحمد، 3/ 448، 4/ 2، 3، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في الخرص، برقم 1605، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الخرص، برقم 643، والنسائي، كتاب الزكاة، باب كم يترك الخارص؟ برقم 2491، وصححه ابن حبان، برقم 3280، والحاكم، 1/ 402، قال الإمام ابن باز رحمه الله تعالى في حاشيته على بلوغ المرام الحديث، رقم 589: ((كلهم من رواية عبد الرحمن بن مسعود بن نيار عن سهل المذكور، ورجاله ثقات ما عدا عبد الرحمن المذكور، قال الحافظ في التقريب: مقبول، وقال في تهذيب التهذيب: وثقه ابن حبان، وقال البزار: معروف، وبذلك يعتبر إسناده حسناً؛ لِمَا ذُكِرَ؛ ولِمَا له من الشواهد منها حديث عتاب المذكور بعده، والله ولي التوفيق. حرر في 8/ 5/1416هـ‍". (¬2) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 638. (¬3) فالجمهور على أن زكاة الحبوب والثمار على مستأجر الأرض: أحمد، ومالك، والشافعي، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة: هي على مالك الأرض، ويرد عليه: أن الزكاة واجبة في الزرع فكانت على مالكه، وهو المستأجر. [المغني لابن قدامة، 4/ 201].

ثامنا: زكاة الحبوب والثمار: المزارعة، والمساقاة.

فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع؛ لأنه مالكه، وإن غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعشر عليه أيضاً؛ لأنه ثبت على ملكه، وإن أخذه مالكها قبل اشتداد حبه فالعشر عليه، وإن أخذه بعد ذلك احتمل أن يجب عليه أيضاً؛ لأن أخذه إياه استند إلى أول زرعه، فكأنه أخذه من تلك الحال، ويحتمل أن تكون زكاته على الغاصب؛ لأنه كان مالكاً له حين وجوب عشره، وهو حين اشتداد حبه)) (¬1). ثامناً: زكاة الحبوب والثمار: المزارعة، والمساقاة. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإن زارع رجلاً مزارعة فاسدة فالعشر على من يجب الزرع له، وإن كانت صحيحة فعلى كل واحد منهما عشر حصته إن بلغت خمسة أوسق أو كان له من الزرع ما يبلغ بضمه إليها خمسة أوسق، وإلا فلا عشر عليه)) (¬2) أي لا زكاة على من لم يبلغ عنده النصاب. تاسعاً: يجتمع العشر والخراج في الأرض الخراجية: الأرض قسمان: أرض صلح، وأرض عنوة: فأما أرض الصلح: فهي كل أرض صُولِحَ أهلها عليها؛ لتكون لهم ويؤدون عنها خراجاً معلوماً، فهذه الأرض مِلك لأهلها، وهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم، وإن انتقلت إلى مسلم لم يكن عليهم خراج. وهذه الأرض تجب الزكاة في حبوبها وثمارها إذا لم يكن ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 4/ 202. (¬2) المرجع السابق، 4/ 202.

وأما أرض العنوة

عليها خراج؛ لأن الخراج في أرض الصلح لا يؤخذ إلا من الكفار ولا زكاة فيها في هذه الحالة. أي مادامت في أيدي أهلها الكفار، فإذا أسلموا أو انتقلت إلى مسلم سقط الخراج ووجبت الزكاة في ثمارها وحبوبها إذا اكتملت شروط وجوب الزكاة. وأما أرض العنوة فهي ما أُجلِيَ عنها أهلها بالسيف؛ لامتناعهم عن الدخول في الإسلام أو عن دفع الجزية، فإذا لم تقسم بين الغانمين فهذه تصير وقفاً للمسلمين يضرب عليها خراجٌ معلومٌ يؤخذ منها في كل عامٍ يكون أجرةً لها، ثم ينظر في باقي ثمرتها وحبوبها فإن كان الباقي نصاباً ففيه الزكاة إن كانت بيد مسلم، وإن لم يبلغ الباقي نصاباً أو بلغ نصاباً ولم يكن لمسلم فلا زكاة فيه. فعلى هذا يجتمع العشر والخراج في أرض فتحت عنوة: الخراج في رقبتها، والعشر زكاة في غلتها؛ لأن الخراج كالأجرة (¬1). والله تعالى أعلم (¬2). ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 186 - 200، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 558، ومنتهى الإرادات، 1/ 477، وشرح الزركشي، 2/ 480، والكافي، 2/ 144. (¬2) وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى ومنهم الإمام أحمد، وهو قول عمر ابن عبد العزيز، والزهري، ويحيى الأنصاري، وربيعة، والأوزاعي، والإمام مالك، والثوري، ومغيرة، والليث، والحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، وابن المبارك، والإمام الشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد. قالوا: ما فتح من الأرض عنوة ووُقف على المسلمين، وضرب عليه خراجٌ معلومٌ فإنه يؤدى الخراج عن غلته وينظر في باقيه فإن كان نصاباً ففيه الزكاة إذا كان لمسلم، وإن لم يبلغ نصاباً أو بلغ نصاباً ولم يكن لمسلم فلا زكاة فيه؛ فإن الزكاة لا تجب على غير المسلمين، وكذلك الحكم في كل أرض خراجية. وأما أبو حنيفة رحمه الله ومن معه من أصحاب الرأي فقالوا: لا عشر في الأرض الخراجية واستدلوا بحديث ضعيف ((لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم)) والصواب: اجتماع العشر والخراج بالضوابط المتقدمة. [انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 199].

عاشرا: الزكاة لا تؤخذ من رديء المال

عاشراً: الزكاة لا تؤخذ من رديء المال؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (¬1)؛ ولحديث البراء بن عازب في قوله سبحانه: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: ((نزلت في الأنصار؛ كانت الأنصار تخرج – إذا كان جدادُ (¬2) النخل – من حيطانها (¬3) أقناء البسر (¬4) فَيُعلِّقونه على حبلٍ بين اسطوانتين في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأكل منه فقراء المهاجرين، فيعمد أحدهم فيدخلُ قنواً فيه الحشف (¬5) يظن أنه جائز في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنَزَلَ فيمن فعل ذلك: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} يقول: لا تعمدوا للحشف منه تنفقون {وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} يقول: لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه، غيظاً أنه بعث إليكم ما لم يكن لكم فيه حاجةٌ، واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم)) (¬6). وعن أبي أمامة - رضي الله عنه -: في الآية التي قال الله - عز وجل -: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: ((هو الجعرور (¬7) ولون حبيقٍ (¬8)، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 267. (¬2) جداد: أوان قطع ثمر النخل [المعجم الوسيط]. (¬3) حيطانها: أي بساتينها. (¬4) أقناء البسر: أقناء: جمع قنو: وهو العِذق، والبسر: تمر النخل قبل أن يُرطب. (¬5) الحشف: اليابس الفاسد من التمر. (¬6) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله، برقم 1486 - 1818، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 110. (¬7) الجعرور: نوع من الدقل رديء التمر، يحمل رطباً صغاراً لا خير فيه. النهاية في غريب الحديث. (¬8) الحبيق: نوع من أنواع التمر الرديء منسوب إلى ابن حبيق، وهو رجل. [النهاية في غريب الحديث].

الحادي عشر: زكاة العسل المحمي والمتخذ للتجارة

أن تؤخذ في الصدقة: الرُّذالة)) (¬1). وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه -، قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وبيده عصاً وقد علّق رجل قِنْوَ حشفٍ فجعل يطعن بالعصا في ذلك القِنوِ، وقال: ((لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها)) وقال: ((إن ربَّ هذه الصدقة يأكل حشفاً يوم القيامة)) (¬2). الحادي عشر: زكاة العسل المحمي والمتخذ للتجارة (¬3)؛ ¬

(¬1) النسائي، كتاب الزكاة، باب قوله - عز وجل -: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، برقم 2492، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة، برقم 1607، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 446. (¬2) النسائي، كتاب الزكاة، باب قوله - عز وجل -: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، برقم 2492، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة، برقم 1608، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله، برقم 1486 - 1848، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 447. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في زكاة العسل على أقوال: 1 - مذهب أحمد أن في العسل العشر، ويروى هذا القول أيضاً عن عمر بن عبد العزيز، ومكحول، والزهري، وسليمان ابن موسى، والأوزاعي، وإسحاق، واستدلوا بحديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده. 2 - وقال مالك، والشافعي، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وابن المنذر: لا زكاة فيه؛ لأنه مائع خارج من حيوان أشبه اللبن، قال ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه [وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، قبل الحديث رقم 1483: ولم ير عمر ابن عبد العزيز في العسل شيئاً]. 3 - قال أبو حنيفة: إن كان في أرض العشر ففيه الزكاة وإلا فلا زكاة فيه ... وقول أبي حنيفة ينبني على أن العشر والخراج لا يجتمعان، وتقدم أن الصواب: اجتماع العشر والخراج [انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 183]. وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، 3/ 347: ((والعسل ليس مما ينضح ولا يسقى وإنما هو من النحل، والراجح أنه ليس فيه زكاة إلا إذا كان للتجارة ففيه الزكاة: زكاة عروض التجارة)) وكذلك سمعته يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار لأبي البركات ابن تيمية أثناء تقريره على الأحاديث 2009 - 2012: ((وقد اختلف العلماء في زكاة العسل على قولين: [القول الأول] جزم البخاري رحمه الله وابن المنذر أنه لا يصح في زكاته شيء. [القول الثاني] وقال آخرون يصح به الحديث وأنه فيه الزكاة كما في الذي ليس له مؤنة من المزارع التي لا تسقى ... )). ورجح رحمه الله أن العسل لا تجب فيه الزكاة إلا إذا كان من عروض التجارة، ولكن لو أدوا الزكاة حُمي لهم، وإلا فلا. لكن لو أدَّى العشر كان أحوط، وقبل منه من كل عشر قرب قربة، وإن لم يؤدِّ فلا زكاة عليه. [وانظر أيضاً زاد المعاد لابن القيم، 2/ 12 - 16].

لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال جاء هلال – أحد بني مُتعان - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشور نحلٍ له، وكان سأله أن يحمي له وادياً يقال له: سَلَبَة، فحمى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الوادي، فلما وَلِيَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كتب سفيان بن وهيب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك؛ فكتب عمر - رضي الله عنه -: ((إن أدَّى إليك ما كان يؤدّي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عشور نحله فاحمِ له سَلَبَةَ، وإلا فإنما هو ذُبابُ غيثٍ يأكله من يشاء)) وفي رواية لأبي داود بنحوه، وقال: ((من كل عشر قربٍ قربة)) (¬1) فالحديث ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة العسل، برقم 1600 - 1602، والنسائي، كتاب الزكاة، باب زكاة النحل، برقم 2498، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب زكاة العسل، برقم 1851، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 445. قلت: وقواه الحافظ ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري، وقال: ((إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى، كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -)) [فتح الباري، 3/ 384]. قال الألباني رحمه الله في تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص374: ((وسبقه – يعني ابن حجر – إلى هذا الحمل ابن زنجويه في الأموال، 1095 - 1096، ثم الخطابي في معالم السنن، 1/ 208، وهو الظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم)). وسمعت شيخنا العلامة ابن باز أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 2010 يقول: ((إسناده جيد لكن ليس فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - فرض ذلك إنما قبل منهم العشر وليس بصريح في وجوب الزكاة؛ فهو قبل منه العشر وحمى له سلبة – واد يقال له: سلبة – حمى له حتى ترعى فيه النحل)). قال السندي رحمه الله: ((وإلا فإنما هو ذباب غيث: أي وإلا فلا يلزم عليك حفظه؛ لأن الذباب غير مملوك فيحل لمن يأخذه، وعلم أن الزكاة فيه غير واجبة على وجه يجبر صاحبه على الدفع، لكن لا يلزم الإمام حمايته إلا بأداء الزكاة)) [عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، 4/ 489].

الثاني عشر: زكاة المعدن

محمول على أن أخذ العشر من العسل في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، إلا إذا كان العسل من عروض التجارة ففيه زكاة عروض التجارة، والله تعالى أعلم (¬1). الثاني عشر: زكاة المعدن: وهو كل ما خرج من الأرض مما يُخلقُ ¬

(¬1) اختلف العلماء الموجبون للزكاة في العسل هل له نصاب أم لا؟ 1 - قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: الزكاة في قليل العسل وكثيره بناءً على أصله في الحبوب والثمار. 2 - قال أبو يوسف ومحمد: خمسة أوساق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)). 3 - قال الزهري وأحمد: ((نصاب العسل عشرة أفراق)). ثم اختلف أصحاب الإمام أحمد في تقدير الفرق على ثلاثة أقوال: الأول: أنه ستون رطلاً، والثاني: أنه ستة وثلاثون رطلاً، والثالث: أنه ستة عشر رطلاً وهو ظاهر كلام الإمام أحمد والله أعلم. [زاد المعاد لابن القيم، 2/ 16، والمغني لابن قدامة، 4/ 184]. وقول عمر - رضي الله عنه -: ((من كل عشرة أفراقٍ فرقاً)) والفَرَقُ بتحريك الراء ستة عشر رطلاً، قال أبو عبيد في الأموال: ((لا خلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصع))، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لكعب بن عجرة: ((صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرقٍ بين ستةٍ ... )) [البخاري، برقم 1815، ومسلم، برقم 1201، وفي لفظ لمسلم: ((أو تصدق بفرق بين ستة مساكين)). قال ابن حجر في فتح الباري، 4/ 16: ((بفرق ... مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلاً)) وفي لفظ للبخاري: (( ... أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)) وفي لفظ لمسلم: ((أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين)) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وإذا ثبت أن الفرق ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث ... )) [فتح الباري، 4/ 16]. فدلت هذه الألفاظ على أن الفَرَق ثلاثة آصع، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل معتدل الخلقة والله أعلم فتكون عشرة أفراق ضرب ثلاثة آصع يساوي ((ثلاثون صاعاً)) ضرب خمسة أرطال وثلث يساوي مائة وستون رطلاً. والله تعالى أعلم. [انظر: المغني، 4/ 184، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 568، والكافي، 2/ 145، وزاد المعاد لابن القيم، 2/ 16].

فيها من غيرها مما له قيمة: كالحديد، والياقوت، والزبرجد، والعقيق، والسُّبح، والكحل، والكبريتات، والذهب، والفضة، والنفط، وغير ذلك مما ينطبق عليه اسم المعدن، ولا تخرج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته، والمعدن أشبه بالثمار من غيرها، وزكاته ربع العشر إذا كمل النصاب، وهل يشترط له الحول أو لا يشترط؟ ذهب الحنابلة، والشافعية، والمالكية، والأحناف إلى أنه لا يشترط له الحول، وقال إسحاق وابن المنذر: لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) (¬1) ورجح شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: أن المعدن لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول (¬2). ¬

(¬1) ابن ماجه، برقم 1792، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 98، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في الشرط الخامس. (¬2) وذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: أن الكلام في هذه المسألة - أي زكاة المعادن - في أربعة فصول: أحدها: صفة المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة: وهو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة ... الفصل الثاني: في قدر الواجب وصفته: قدر الواجب فيه: ربع العشر، وصفته أنه زكاة، وهذا قول: عمر بن عبد العزيز، ومالك، وقال أبو حنيفة، الواجب فيه الخمس وهو فيء واختاره أبو عبيد، وقال الشافعي: هو زكاة، واختلف قوله في قدره كالمذهبين ... الفصل الثالث: في نصاب المعدن: وهو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالاً، ومن الفضة مائتي درهم، أو قيمة ذلك من غيرهما، وهذا مذهب [أحمد] [و] الشافعي. وأوجب أبو حنيفة الخمس في قليله وكثيره، من غير اعتبار نصاب بناء على أنه ركاز لعموم الأحاديث التي احتجوا بها عليه؛ ولأنه لا يعتبر له حول فلم يعتبر له نصاب كالركاز؛ لكن يرد عليه بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) وهو مفارق للركاز؛ لأن الركاز مال كافر أخذ في الإسلام فأشبه الغنيمة، وهذا وجب مواساة وشكراً لنعمة الغِنى، فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات؛ وإنما لم يعتبر له الحول؛ لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار. الفصل الرابع في وقت الوجوب: تجب الزكاة فيه حين يتناوله ويكمل نصابه ولا يعتبر له حول، وهذا قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وقال إسحاق وابن المنذر لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) ولكن رد ابن قدامة هذا وقال: ((ولنا أنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حول: كالزروع، والثمار، والركاز؛ ولأن الحول إنما يعتبر لغير هذا في تكميل النماء، وهذا يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلا يعتبر له حول. كالزروع، والخبر مخصوص بالزرع والثمر، فيخص محل النزاع بالقياس عليه، إذا ثبت هذا فلا يجوز إخراج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته كعشر الحب)) [انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 238 - 245]. وحجة من قال بالزكاة في المعادن حديث بلال بن الحارث - رضي الله عنه -: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ من المعادن القبلية الصدقة)) قال الحافظ ابن حجر: ((رواه أبو داود)). قال الإمام ابن باز رحمه الله في حاشيته على بلوغ المرام، الحديث رقم 596: ((أخرجه أبو داود في باب إقطاع الأرضين، ص311 ج‍من عون المعبود عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مرسلاً بإسناد صحيح بلفظ: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، - وهي في ناحية الفُرع - قال: فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم)) ... ثم ذكر رحمه الله أن أبا داود أخرجه من طريقين [برقم 3062، ورقم 3063] أحدهما ضعيف والثاني صحيح وليس في الطريقين المذكورين قوله في طريق ربيعة ((فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم)) ثم قال ابن باز رحمه الله: وهذه الروايات الثلاث غير مطابقة لِمَا ذكره المؤلف - يعني ابن حجر في بلوغ المرام - ولم أجده بلفظ المؤلف المذكور في سنن أبي داود رحمه الله. وقال صاحب العون في الشرح: والحديث المذكور مرسل عند جميع رواة الموطأ، ووصله البزار .... قاله الزرقاني انتهى)) [حاشية العلامة ابن باز على بلوغ المرام، الحديث رقم: 596] ثم رجح ابن باز رحمه الله أن في المعدن الزكاة إذا بلغ النصاب، وكذلك أيضاً إذا حال عليه الحول، فقد سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 645، وتقريره على المنتقى، الأحاديث رقم 2013 - 2014 يقول عن الحديث المذكور: ((ليس فيه دلالة ظاهرة على أنه يأخذ الزكاة بدون حول، بل فيه الإفادة أنه أخذ منه الصدقة فقط، والمعادن ظاهرها شامل: للذهب والفضة وغيره مما له قيمة، والصواب أن فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، سواء كان ذهباً، أو فضة، أو غيره من أنواع المعادن)). [وانظر: المغني لابن قدامة، 4/ 238 - 247، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 574 - 586، والكافي لابن قدامة، 2/ 153 - 156].

الثالث عشر: زكاة الركاز

الثالث عشر: زكاة الركاز، والركاز: هو دِفنُ الجاهلية وكنزها، وهو المدفون في الأرض، ويقال له: ركاز؛ لأن صاحبه ركزه في الأرض أي أثبته (¬1) وفيه الخمس؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العَجماءُ جُرْحُها جُبارٌ، والبئرُ جُبارٌ، والمعدنُ جبارٌ، وفي الركاز الخمس)) وفي لفظ ¬

(¬1) جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 621، وقال: ((هذا عند أهل الحجاز، وهو عند أهل العراق: المعدن؛ لأن الله تعالى ركزه في الأرض ركزاً، والحديث إنما جاء في التفسير الأول منهما)).

لمسلم: ((البئر جرحها جبار، والمعدن جرحه جبار، والعجماء جرحها جبارٌ وفي الركاز الخمس)) (¬1). (¬2) والخمس يجب في قليله وكثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك، ويجب على كل من وجده من أهل الزكاة وغيرهم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، بابٌ: وفي الركاز الخمس، برقم 1499، وكتاب المسافاة، باب من حفر بئراً في مِلكه لم يضمن، برقم 2355، وكتاب الديات، بابٌ: المعدن جبار والبئر جبار، برقم 6912، ورقم 6913، ومسلم، كتاب الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، برقم 1710. (¬2) العجماء: البهيمة، والجبار: الهدر، وكذلك المعدن والبئر، إذا هلك الأجير فيهما فدمه هدر لا يطالب به: جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 621. (¬3) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وفي الركاز الخمس)): وهو أيضاً مجمع عليه، قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً خالف هذا الحديث، إلا الحسن؛ فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة، وأوجب الخمس في الجميع الزهري، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، وابن المنذر، وغيرهم، وهذا يشتمل على خمس مسائل: المسألة الأولى: أن الركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية، ويعتبر ذلك بأن ترى عليه علاماتهم، كأسماء ملوكهم وصورهم، وصلبهم، ونحو ذلك، فإن كان عليه علامات الإسلام، ونحو ذلك فهو لقطة؛ لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه، وهذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإن كان على بعضه علامات الكفر، وعلى بعضه علامات الإسلام، فكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور؛ لأن الظاهر أنه صار إلى مسلم، ولم يعلم زواله عن ملك المسلمين فأشبه ما على جميعه علامات المسلمين. المسألة الثانية: في موضعه: لا يخلو من أربعة أقسام: القسم الأول: أن يجده في موات أو ما لا يعلم له مالك مثل الأرض التي يوجد فيها آثار الملك: كالأبنية القديمة، والتلول، وجدران الجاهلية، وقبورهم فهذا فيه الخمس بغير خلاف سوى ما ذكر آنفاً، ولو وجده في هذه الأرض فهو كذلك في الحكم؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في كنز وجده رجل في خربة ((إن وجدته في قرية مسكونة فعرفه، وإن وجدته في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس)) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: ((أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن)). وأخرجه الشافعي في ترتيب مسنده، 1/ 248. القسم الثاني: أن يجده في ملكه المنتقل إليه فهو له في إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب الشافعي أنه للمالك قبله إن اعترف به، وإن لم يعترف به فهو للذي قبله كذلك إلى أول مالك، والرواية الأولى لأحمد أصح. القسم الثالث: أن يجده في ملك آدمي مسلم معصوم أو ذمي، فعن أحمد ما يدل على أنه لصاحب الدار، وهو قول أبي حنيفة، ونقل عن أحمد: أنه لواجده، قال القاضي: وهو الصحيح. القسم الرابع: أن يجده في أرض الحرب؛ فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فهو غنيمة لهم، وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده. المسألة الثالثة: في صفة الركاز الذي فيه الخمس: وهو كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه: من الذهب، والفضة، والحديد، والرصاص، والنحاس، والآنية، وغير ذلك، وهو قول: أحمد، وأصحاب الرأي، وإسحاق، وإحدى الروايتين عن مالك، وأحد قولي الشافعي. والقول الآخر: لا تجب إلا في الأثمان، ولكن يرد عليهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وفي الركاز الخمس))؛ ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس مع اختلاف أنواعه كالغنيمة. والخمس يجب في قليله وكثيره، وهو قول أحمد، ومالك، وأصحاب الرأي، والشافعي في القديم، وقال في الجديد يعتبر النصاب فيه؛ لكن يرد عليه بعموم الأحاديث؛ ولأنه مال مخموس فلا يعتبر له نصاب كالغنيمة. المسألة الرابعة: قدر الواجب في الركاز الخمس، وأما مصرفه، فقال الخرقي: هو لأهل الصدقات، ونص عليه أحمد في رواية، وإن تصدق به على المساكين أجزأه، وهو قول الشافعي؛ لأنه مستفاد من الأرض أشبه المعدن والزرع، والرواية الثانية أن مصرفه مصرف الفيء، وهو قول أبي حنيفة. المسألة الخامسة: في من يجب عليه الخمس: يجب على من وجده من مسلم، وذمي، وعاقل ومجنون، وهذا قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: ((أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على الذمي في الركاز يجده: الخمس))، وقال الشافعي: لا يجب الخمس على من تجب عليه الزكاة؛ لأنه زكاة، ولكن يرد بعموم الحديث ((وفي الركاز الخمس)) فإنه يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز يوجد، ويدل بمفهومه على أن باقيه لواجده. والله تعالى أعلم. [انظر: المغني لابن قدامة 4/ 231 - 238، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 6/ 587 - 603]. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 643: (( ... فتجب الزكاة في الركاز الخمس، ولما كان الحصول على الركاز بدون كلفة صارت الزكاة الخمس، وهو أعلى شيء في الزكاة، ثم يليه ما يكون عثرياً، وما يسقى بالأنهار بدون كلفة ففيه العشر وهو نصف الخمس، والركاز: هو الذي عليه علامات الجاهلية، أما ما عليه علامات الإسلام فلابد من تعريفه؛ لأنه: كاللقطة، حكمه حكمها)).

المبحث العاشر: زكاة الأثمان: الذهب والفضة، والعملات: الورقية, والمعدنية

المبحث العاشر: زكاة الأثمان: الذهب والفضة، والعملات: الورقية, والمعدنية أولاًَ: مفهوم الأثمان: الأثمان لغة: الثمن: العوض، والجمع أثمان، مثل: سبب وأسباب، يقال: ثمَّنته تثميناً: جعلت له ثمناً بالحدس والتخمين (¬1). والثمن: العوض الذي يؤخذ على التراضي في مقابلة البيع عيناً كان أو سلعة (¬2). واصطلاحاً: الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما من العملات الورقية، أو النحاسية المستعملة الآن، ويقال أيضاً للذهب والفضة: النقدان، وجمعها نقود، والنقد هو العُمْلَةُ من الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما من العملات المستعملة بين الناس في البيع والشراء، وأنواع المنافع والمصالح (¬3). والخلاصة: أن النقدين من الذهب والفضة: ما اتَّخذه الناس ثمناً من المعادن المضروبة أو الأوراق المطبوعة الصادرة عن المؤسسة المالية، صاحب الاختصاص، وجمع النقدين: نقود (¬4). ثانياً: زكاة الذهب والفضة: واجبة بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ¬

(¬1) المصباح المنير، للفيومي، 1/ 84. (¬2) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص 52. (¬3) معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور، محمد رواس، ص 456،والقاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، ص 358. (¬4) معجم لغة الفقهاء، ص 456، وانظر: الشرح المختصر على زاد المستقنع، للفوزان، 2/ 275.

فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا يتوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب)) (¬2). وقال الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬3). وأما السنة؛ فلحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من صاحب ذهب ولا فضةلا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬4)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع (¬5) له زبيبتان (¬6) يطوِّقه يوم القيامة، ¬

(¬1) سورة التوبة, الآيتان: 34 - 35. (¬2) المغني، 4/ 208. (¬3) (سورة آل عمران, الآية: 180. (¬4) (متفق عليه: البخاري مختصراً، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 1402، ومسلم بلفظه، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 987، ومن حديث جابر عند مسلم، برقم 988، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬5) الشجاع: الحية الذكر، والأقرع: الذي انحسر الشعر عن رأسه من كثرة سمه، شرح السنة للبغوي، 5/ 479. (¬6) زبيبتان: النكتتان السوداوان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه، ويقال الزبيبتان: الزبعتان تكون في الشدقين إذا غضب الإنسان، أو كثر كلامه. شرح السنة للبغوي، 5/ 479.

ثالثا: نصاب الذهب والفضة

ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬1). وفي لفظ: ((يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعاً أقرع يفرُّ منه صاحبه ويطلبه ويقول: أنا كنزك، قال: والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه)) (¬2). أما الإجماع، فقال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: ((وأجمعوا على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وأجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً وقيمتها مائتا درهمٍ أن الزكاة تجب فيه وانفرد الحسن البصري ... )) (¬3). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأجمع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً، وقيمته مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه، إلا ما اختلف فيه عن الحسن)) (¬4). ثالثاً: نصاب الذهب والفضة على النحو الآتي: 1 - نصاب الفضة، إذا بلغت الفضة مائتي درهم ففيها الزكاة؛ ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 180. (¬2) البخاري، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 1403، وكتاب التفسير، باب: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ} (آل عمران: 180، وكتاب الحيل، باب في الزكاة، وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، برقم 6957، وتقدم تخريجه أيضاً في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬3) الإجماع، لابن المنذر، ص 53. (¬4) المغني، 4/ 208.

لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة (¬1) من كل أربعين درهماً درهماً، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم)) (¬2)؛ ولحديث علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ... )) (¬3)؛ ولحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ليس فيما دون خمس أواقٍ [من الورق] صدقة، وليس فيما دون خمس ذودٍ [من الإبل] صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ [من التمر] صدقة)) (¬4). قال الإمام ابن الأثير رحمه الله تعالى: ((الأُقية التي جاء ذكرها في الأحاديث مبلغها أربعون درهماً .. )) (¬5). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة ذلك أن نصاب الفضة مائتا درهم، لا خلاف في ذلك ¬

(¬1) الرقة: هي الدراهم المضروبة، أصلها الوَرِق، حذفت الواو وعُوِّض عنها الهاء، كعِدَةٍ وزنة. العون، 4/ 316، وجامع الأصول، 4/ 583، وجاء في فتح الباري لابن حجر، 3/ 321: ((الرقة - بكسر الراء وتخفيف القاف - الفضة، سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة)). (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة السائمة برقم 1574، والنسائي، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق، برقم 2477، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق والذهب، برقم 1459 - 1817، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، ورواه أيضاً الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الذهب والورق، برقم 620. (¬3) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1573، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته فليس بكنز، برقم 1405، وباب زكاة الورق، برقم 1447، وبابٌ: ليس فيما دون خمس ذود صدقة، برقم 1459، وبابٌ: ليس فيما دون خمسة أوسق، برقم 1484، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة، برقم 979. (¬5) جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 589.

بين علماء الإسلام، وقد بيَّنته السنة التي رويناها بحمد الله، والدراهم التي يعتبر بها النصاب: هي الدراهم التي كلُّ عشرة منها وزنُ سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، وكلُّ دِرْهَمٍ نصف مثقال وخُمْسُهُ، وهي الدراهم الإسلامية التي تقدَّر بها نُصُبُ الزكاة، ومقدار الجزية، والديات، ونصاب القطع في السرقة، وغير ذلك .. )) (¬1) (¬2). وقد ذكر المرداوي رحمه الله في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: أن زنة كل مثقال اثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة (¬3). وقال العلامة عبد الرحمن القاسم: ((المثقال زنة اثنتان وسبعون حبة من حب الشعير الممتلئ، غير الخارج عن مقادير حب الشعير غالباً)) (¬4). وحرر شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله ذلك فقال: ((زنة المثقال اثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة)) (¬5) (¬6). ¬

(¬1) المغني، 4/ 209. (¬2) وكانت الدراهم في صدر الإسلام صنفين سُوداً، وطبريَّةً، وكانت السود ثمانية دوانق، والطبرية أربعة دوانق، فجمعا في الإسلام وجعلا درهمين متساويين في كل درهم ستة دوانق، [والدانق سدس الدرهم] فعل ذلك بنو أمية، فاجتمعت فيها ثلاثة أوجه: أحدها: أن كل عشرة وزن سبعة، والثاني: أنه عَدْلٌ بين الصغير والكبير، والثالث: أنه موافق لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودرهمه الذي قدَّر به المقادير الشرعية، ولا فرق في ذلك بين التبر والمضروب، ومتى نقص النصاب عن ذلك فلا زكاة فيه، سواء كان النقص يسيراً أو كثيراً، هذا ظاهر كلام الخرقي، ومذهب الشافعي، وإسحاق، وابن المنذر؛ لظاهر قوله عليه [الصلاة] والسلام: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة))، والأقيَّةُ: أربعون درهماً بغير خلاف، فيكون ذلك مائتي دِرْهَمٍ، المغني، 4/ 209. (¬3) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 7/ 9، وقال: ((وقيل: المثقال اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة، وعشر عشر حبة)). (¬4) حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/ 244. (¬5) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 79. (¬6) وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: نصاب الفضة: ((مائتا درهم، الدرهم وزنه نصف مثقال وخمس مثقال، والنصاب يساوي مائة وأربعين مثقالاً، ومائتا درهم تساوي ستة وخمسين ريالاً سعودياً فضياً)). (فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 252.

وقد جَرَّبْتُ ذلك بنفسي، فأخذت اثنتين وسبعين حبة من حب الشعير المتوسط ووزنته في ميزان الذهب عند أصحاب الذهب فكان وزنه أربعة غرامات وستة من عشرة (4.6) (¬1). وهذا هو وزن المثقال الواحد، وحرر ¬

(¬1) في يوم الأحد بتاريخ 8/ 3/1426هـ أخذت ثلاث مجموعات من حب الشعير اليمني، وكل مجموعة: ثنتان وسبعون حبة ممتلئة متوسطة، ثم وزنت كل مجموعة لوحدها عند أصحاب الذهب بمدينة الرياض بالبطحاء, فكانت النتائج على النحو الآتي: 1 - المجموعة الأولى 72 حبة وزنها = 4.8 جرام. 2 - المجموعة الثانية 72 حبة وزنها = 4.6 جرام. 3 - المجموعة الثالثة 72 حبة وزنها = 4.4 جرام. وكررت الوزن أكثر من مرة, فلم يتغير، ثم انتقلت إلى محل آخر فلم يتغير، ومن الغريب أني لا أستطيع تمييز المجموعة بالنظر المجرد عن المجموعة الأخرى، وهذا يدل على دقة الميزان، وتقارب المجموعات في الثقل الحقيقي والشكل الخارجي، ثم بعد ذلك اخترت وزن 4.6 جرام وأنه وزن المثقال؛ لثلاثة أمور: الأمر الأول: أنه الوزن الأوسط، والأمر الثاني: لأن ذلك هو تحرير سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله، وهو تحرير اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الأمر الثالث: أنه المتوسط الحسابي لهذه الأوزان: 4.8 + 4.6 + 4.4 = 13.8 ÷ 3 = 4.6، وهو الذي تطمئن إليه النفس، ثم ضربنا هذا الوزن [4.6] في مائة وأربعين مثقالاً وهو نصاب الفضة بالمثاقيل فكان الناتج 644 جراماً وهو نصاب الفضة بالجرامات، ثم وجدنا وزن الريال السعودي الفضي 11.6 جرام ثم ضربناها في 56 فكان الناتج 649.6 جرام، وسألت في نفس التاريخ عن سعر الريال السعودي الفضي فكان 8 ريالات، فضربناها في 56 فكان الناتج 448 ريالاً سعودياً ورقياً، وأما الذهب فكان وزن المثقال كما تقدم آنفاً 4.6 ضربناها في عشرين مثقالاً, الذي هو نصاب الذهب فكان الناتج 92 جراماً، وكان وزن الجنية 8 جرامات، وقسمت 92 ÷ 8 فكان الناتج 11.5جنيهاً، وكان سعر جرام الجنيه في نفس التاريخ 44.70 ريالاً سعودياً ورقياً، فضربنا ذلك في الجرامات [44.70 × 92] فكان الناتج 4112.4 ريالاً سعودياً ورقياً. فاتضح ما يلي: 1 - نصاب الفضة 200 درهم = 140 مثقالاً = 644 جراماً، وهي تقارب 56 ريالاً سعودياً فضياً وسعرها في نفس اليوم 448 ريالاً سعودياً ورقياً. 2 - نصاب الذهب عشرون ديناراً = عشرون مثقالاً =92 جراماً = 11.5 جنيهاً سعودياً وسعرها في نفس اليوم4112.4 ريالاً سعودياً ورقياً. والله تعالى أعلم، وهو المستعان وحده.

شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، وحررت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً (¬1)، فيكون النصاب بالغرامات: 4.6 جرامات × 140مثقالاً = 644 جراماً، وهذا الوزن هو نصاب الفضة تقريباً، وهو وزن خمس أواقٍ من الفضة، ويعادل مائتي درهم كما تقدم، فإذا نقص المال عن ذلك التقدير فلا زكاة فيه إلا أن يكون في ملكه عروض تجارة؛ فإنها تضم إلى الفضة في تكميل النصاب. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (( ... عروض التجارة تضمُّ إلى كل واحد من الذهب والفضة، ويكمّل به نصابه، لا نعلم فيه اختلافاً)). قال الخطابي: ((لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه؛ لأن الزكاة إنما تجب في قيمتها فتقوم بكل واحد منها، فتضم إلى كل واحد منهما، ولو كان له ذهب وفضة وعروض وجب ضم الجميع إلى بعضٍ في تكميل النصاب؛ لأن العرض مضمومٌ إلى كل واحد منهما، فيجب ضمهما إليه، وجَمْع الثلاثة)). فلو كان يملك عشرة مثاقيل من الفضة، وخمسة مثاقيل من الذهب، وعقار معروض للبيع، وكلها دار عليها الحول؛ فإنه في هذه الحالة يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فيحصي قيمة الذهب، والفضة، والعقار، ثم ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 254.

يخرج الزكاة (¬1). 2 - نصاب الذهب، إذا بلغ الذهب عشرين ديناراً، أو عشرين مثقالاً ففيه الزكاة؛ لحديث علي - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء، - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً؛ وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول)) (¬2)؛ ولحديث عائشة أم المؤمنين وابن عمر - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يأخذ من كل عشرين ديناراً فصاعداً نصف دينار، ومن الأربعين ديناراً ديناراً)) (¬3)؛ ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: ((ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة)) (¬4). ¬

(¬1) قال الإمام ابن قدامة: ((فأما إن كان له من كل واحد: من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصاباً بمفرده, أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصابٍ من الآخر فقد توقف أحمد عن ضم أحدهما إلى الآخر في رواية الأثرم وجماعة، وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما نصاباً، وذكر الخرقي فيه روايتين .. )) المغني، 4/ 210، قلت: وسيأتي التفصيل في ذلك والترجيح إن شاء الله تعالى. والله المستعان. (¬2) أبو داود، برقم 1573، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، وتقدم تخريجه في زكاة الفضة. (¬3) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق والذهب، برقم 1791، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 98، وإرواء الغليل، برقم 813. (¬4) أخرجه أبو عبيد في الأموال، 409، برقم 1113، وأخرجه أيضاً الدارقطني، 199، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 815.

قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً وقيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه، وانفرد الحسن البصري فقال: ليس فيما دون أربعين ديناراً صدقة، وأجمعوا على أن الذهب إذا كان أقل من عشرين مثقالاً، ولا يبلغ قيمتها مائتي درهم أن لا زكاة فيه)) (¬1). وقد حقق الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً من غير اعتبار قيمتها؛ للأدلة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)؛ ولأن الذهب والفضة مال تجب الزكاة في عينه، فلم يعتبر بغيره كسائر الأموال، وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه (¬3). والخلاصة أن نصاب الذهب عشرون ديناراً، وهي عشرون مثقالاً، وزن المثقال الواحد 4.6 جرامات، ووزن عشرين مثقالاً يساوي 92 جراماً، وهي تساوي 11.5 جنيهاً سعودياً، وزن الجنيه مثقالان إلا ربع، أي: 1.75 أي جنيه وخمسة وسبعون بالمائة تقريباً. قال سماحة شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: ((وقد حررنا هذا فوجدنا النصاب اثنين وتسعين [يعني جراماً] إلا كسراً يسيراً، يعني عشرين مثقالاً، وهي أحد عشر جنيهاً ونصف جنيه سعودي [لأن زنة الجنيه المذكور مثقالان إلا ربع مثقال]. ¬

(¬1) الإجماع، لابن المنذر، ص 53 - 54. (¬2) قال ابن قدامة رحمه الله: ((وقال عامة الفقهاء: نصاب الذهب عشرون مثقالاً من غير اعتبار قيمتها إلا ما حكي عن عطاء، وطاووس، والزهري، وسليمان بن حرب، وأيوب السختياني، أنهم قالوا: هو معتبر بالفضة، فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة، وإلا فلا؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقدير نصابه، فثبت أنه حمله على الفضة)) ثم ساق ابن قدامة رحمه الله الأدلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرد عليهم, وأنه الذي حدد نصاب الذهب تحديداً لا ريب فيه [المغني، 4/ 212 - 213]. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 213.

رابعا: زكاة العملات المعدنية والورقية

وقال في موضع آخر: ((ومقدار النصاب بالجنيه السعودي والإفرنجي حتى يمكن تقدير الأوراق النقدية والعروض التجارية بذلك - أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه)) (¬1). وهكذا قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬2). والله تعالى أعلم (¬3). وتقدم أن الإمام ابن قدامة رحمه الله حكى الإجماع على أن عروض التجارة تضم إلى كل واحدٍ من الذهب والفضة في تكميل النصاب، وكذلك لو كان له ذهب، وفضة، وعروض تجارة لم يبلغ أحد منهم النصاب فإنه يضم بعضها إلى بعض، والخلاف إنما جاء في ضم الفضة إلى الذهب وليس معهما عروض تجارة (¬4). فلو كان له عشرة مثاقيل من الفضة، وخمسة مثاقيل من الذهب، وبيت قد عرضه للبيع وكلها دار عليها الحول؛ فإنه يحصي قيمة الجميع ثم يخرج زكاتها. رابعاً: زكاة العملات المعدنية والورقية: إذا بلغت العملات الورقية أو المعدنية نصاب الذهب أو الفضة زُكِّيت؛ ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 79، 80، 91. (¬2) قالوا: ((المحرر عندنا أن نصاب الذهب الذي تجب فيه الزكاة عشرون مثقالاً، ومقدار ذلك بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه)) [فتاوى اللجنة، 9/ 252]. (¬3) وقد سبق أن ذكرت أني جربت ذلك بنفسي فوزنت 72 حبة شعير متوسطة, فكان وزنها على ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى 72 حبة وزنها 4.8، والثانية 72 حبة وزنها 4.6، والثالثة وزنها 4.4 جرام، فاخترت الوسط 4.6 جرام؛ لأنه وافق فتاوى شيخنا ابن باز رحمه الله، وكان قريباً جداً من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فكان نصاب الذهب بالجرامات على هذا الوزن هو 4.6 × 20 مثقال يساوي 92 جراماً. ووزنَّا الجنيه السعودي فوجدناه 8 جرامات، فيكون على هذا نصاب الذهب بجرامات الجنيهات = 8 × 11.5 = 92 جراماً أيضاً. (¬4) انظر: المغني، 4/ 210، وسيأتي التفصيل في ذلك إن شاء الله تعالى.

خامسا: حقيقة الأوراق النقدية:

فإن حكمها حكم النقدين على القول الصحيح، فينظر إلى ما يقابلها من النقدين؛ فإن بلغت قيمتها عشرين مثقالاً من الذهب، أو مائتي درهم من الفضة، وحال عليها الحول ففيها الزكاة (¬1)؛ لأنها بمنزلة النقدين في وجوب الزكاة؛ لدخولها في عموم قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬2)؛ ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حينما بعثه إلى اليمن، وفيه: (( ... فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم وتردُّ على فقرائهم .. )) (¬3). فالعملات الورقية، والمعدنية مال، والناس يجعلونها في منزلة النقدين من الذهب والفضة؛ ولهذا تكون الزكاة فيها واجبة إذا بلغت نصاب الذهب أو نصاب الفضة، وحال عليها الحول (¬4). خامساً: حقيقة الأوراق النقدية: قرار هيئة كبار العلماء رقم (10) وتاريخ 17/ 4/1393هـ الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد: فبناء على توصية رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والأمين العام لهيئة كبار العلماء بدراسة موضوع الورق النقدي ¬

(¬1) الموسوعة الفقهية في فقه الكتاب والسنة، للعوايشة، 3/ 38. (¬2) سورة التوبة, الآية: 103. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1458،ومسلم، برقم 19،وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬4) انظر: الشرح الممتع، 4/ 99، وفتاوى ابن باز، 14/ 125, وأبحاث هيئة كبار العلماء، 1/ 88.

من قبل هيئة كبار العلماء؛ استناداً إلى المادة السابعة من لائحة سير العمل في الهيئة التي تنص على أن ما يجري بحثه في مجلس الهيئة يتم بطلب من ولي الأمر، أو بتوصية من الهيئة، أو من أمينها، أو من رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، أو من اللجنة الدائمة المتفرعة عن الهيئة، فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمال الهيئة لدورتها الثالثة المنعقدة فيما بين 1/ 4/1393هـ و17/ 4/1393هـ، وفي تلك الدورة جرى دراسة الموضوع بعد الاطلاع على البحث المقدم عنه من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. وبعد استعراض الأقوال الفقهية التي قيلت في حقيقة الأوراق النقدية من اعتبارها أسناداً، أو عروضاً، أو فلوساً، أو بدلاً عن ذهب أو فضة، أو نقداً مستقلاً بذاته، وما يترتب على تلك الأقوال من أحكام شرعية – جرى تداول الرأي فيها، ومناقشة ما على كل قول منها من إيرادات. فتنتج عن ذلك عديد من التساؤلات التي تتعلق بالإجراءات المتخذة من قبل الجهات المصدرة لها: وحيث إن الموضوع من المسائل التي تقضي المادة العاشرة من لائحة سير عمل الهيئة بالاستعانة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأنظمة العامة بما في ذلك القضايا البنكية والتجارية والعمالية؛ فإن عليها أن تشرك في البحث معها واحداً أو أكثر من المتخصصين في تلك العلوم – فقد جرى استدعاء سعادة محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور أنور علي، وحضر معه الدكتور عمر شابريه أحد المختصين في العلوم الاقتصادية، ووجهت إلى سعادته الأسئلة التالية:

س1: هل تعتبر مؤسسة النقد ورق النقد السعودي نقداً قائماً بذاته أم تعتبره سندات تتعهد الدولة بدفع قيمتها لحاملها، كما هو مُدوَّنٌ على كل فئة من فئات أوراق النقد السعودي، وإذا لم يرد معنى هذه العبارة، فما معنى الالتزام بتسجيلها على كل ورقة، وهل يعني ذلك التعهد أن ورق النقد السعودي مغطى بريالات فضية أم لا؟ س 2: هل لكل عملة ورقية غطاء مادي محفوظ في خزائن مصدِّريها، وإذا كان كذلك فهل هو غطاء كامل أم غطاء للبعض فقط، وإذا كان غطاء للبعض فما هو الحد الأعلى للتغطية، وما هو الحد الأدنى لها؟ س 3: ما نوع غطاء العملات الورقية، وهل توجد عملة لأي دولة ما مغطاة بالفضة، وهل هناك جهات إصدار تخلت عن فكرة التغطية المادية مطلقاً؟ س 4: المعروف أن الورقة النقدية لا قيمة لها في ذاتها، وإنما قيمتها في أمر خارج عنها، فما هي مقومات هذه القيمة؟ س 5: نرغب شرح نظرية غطاء النقد بصفة عامة، وما هي مقومات اعتبار العملة الورقية على الصعيدين الدولي والمحلي؟ س 6: هل الغطاء لا يكون إلا بالذهب، وإذا كان بالذهب وغيره فهل غير الذهب فرع عن الذهب باعتبار أنه قيمة له، وهل يكفي للغطاء ملاءة ومتانة اقتصادها وقوتها ولو لم يكن لنقدها رصيد؟ س 7: ما يسمى بالدينار، والجنيه هل هو مغطى بالذهب؛ ولذا سمي ديناراً أو جنيهاً رمزاً لما غطي به، ومثله الريال السعودي هل هو مغطى بفضة

أم أن هذه التسميات يقصد منها المحافظة على التسميات القديمة للعُمَلِ المتداولة فيما مضى بغض النظر عما هي مستندة عليه من ذهب أو فضة؟ س 8: ما السبب في عدم الثقة في النقد المتداول اليوم مما أدى إلى ارتفاع الذهب ارتفاعاً لم يسبق له نظير؟ وأجاب سعادته عنها بواسطة المترجم القائد الدكتور أحمد المالك إجابة جرى رصد خلاصتها في محضر الجلسة مع سعادته، وقد توصلت بها الأكثرية من الهيئة إلى الاقتناع بما ارتأته فيها من رأي. ثم بعد إعادة النظر في الأقوال الفقهية التي قيلت فيها على ضوء الإيضاحات التي ذكرها سعادة المحافظ قرر المجلس بالأكثرية ما يلي: بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: ((وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به، بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها، بل هي وسيلة إلى التعامل بها؛ ولهذا كانت أثماناً ... إلى أن قال: والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض، لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت)). اهـ (¬1). وذكر نحو ذلك الإمام مالك في (المدونة) من كتاب الصرف حيث قال: ((ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين ¬

(¬1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 29/ 251.

لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة)) اهـ (¬1). وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولاً عاماً في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياساً للقيم ومستودعاً للثروة، وبه الإبراء العام، وحيث ظهر من المناقشة مع سعادة المحافظ: أن صفة السندية فيها غير مقصودة، والواقع يشهد بذلك ويؤكده، كما ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملاً لجميع الأوراق النقدية، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزءاً من عملتها بدون غطاء، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهباً، بل يجوز أن يكون من أمور عدة: كالذهب والعملات الورقية القوية، وأن الفضة ليست غطاءً كلياً أو جزئياً لأي عملة في العالم، كما اتضح أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفاً مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها، وأن الخامات المحلية؛ كالبترول والقطن والصوف لم تعتبر حتى الآن لدى أي من جهات الإصدار غطاء للعملات الورقية. وحيث إن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلاً، والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وهو إحدى الروايات عن الأئمة مالك, وأبي حنيفة, وأحمد، قال أبو بكر: روى ذلك عن أحمد جماعة، كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما. ¬

(¬1) المدونة الكبرى، للإمام مالك، 3/ 5، توزيع مكتبة دار الباز بمكة المكرمة.

وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، بمعنى: أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية: أولاً: جريان الربا بنوعيه فيها، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين: الذهب, والفضة, وفي غيرهما من الأثمان كالفلوس، وهذا يقتضي ما يلي: (أ) لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما – نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريالاً سعودياً ورقاً. (ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يداً بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه ولا أثر لمجرد الاشتراك في

سادسا: حكم ضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب:

الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. ثانياً: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها. ثالثاً: جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات. والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. هيئة كبار العلماء (¬1) عبد الله بن منيع صالح بن لحيدان (متوقف) رئيس الدورة الثالثة: محمد الأمين الشنقيطي (متوقف) عبد العزيز بن باز عبد الله بن حميد (متوقف) عبد الرزاق عفيفي: لي وجهة نظر أخرى في الأوراق النقدية أقدم بها بياناً إن شاء الله عبد الله خياط محمد الحركان عبد العزيز بن صالح عبد المجيد حسن صالح بن غصون سليمان بن عبيد إبراهيم محمد آل الشيخ محمد بن جبير راشد بن خنين عبد الله بن غديان (متوقف) سادساً: حكم ضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب: قال الإمام الحجَّاوي رحمه الله: ((ويُضمُّ الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، وتضمُّ قيمة العروض إلى كل منهما)) (¬2). وقال العلامة محمد بن مفلح المقدسي رحمه الله: ((ويكمل نصاب أحدهما بالآخر في روايةٍ ¬

(¬1) أبحاث هيئة كبار العلماء، 1/ 88 - 93. (¬2) المدونة الكبرى للإمام مالك، 3/ 5، توزيع مكتبة دار الباز بمكة المكرمة.

اختارها الأكثر: الخلاَّلُ، والخرقيُّ، والقاضي وأصحابه، وصاحب ((المحرر)) وغيرهم، حاضراً (¬1)، أو دينٌ فيه زكاةٌ؛ لأن مقاصدهما وزكاتهما متفقةٌ، فهما كنوعي الجنس)) (¬2). ((من حبٍّ أو ثمرٍ في ضم أحدهما إلى الآخر، وفي الاجتزاء بأحدهما عن الآخر)) (¬3) (¬4). ¬

(¬1) حاضراً: ضد الغائب، فلا فرق بين الحاضر في وجوب الزكاة، والدين وهو ما له أجل مسمى أو لا، كقرض ونحوه ففيها الزكاة إذا اكتملت الشروط [حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/ 246]. (¬2) كتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 136. (¬3) حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/ 246. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في ضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب إذا لم يكن معهما عروض تجارة على قولين: القول الأول: إن الذهب والفضة يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول الحسن، وقتادة، ومالك، والأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي؛ لأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر، فيضم إلى الآخر، كأنواع الجنس؛ ولأن نفعهما واحد، والمقصود منهما متحد؛ فإنهما قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وأثمان البيعات، وحليٌّ لمن يريدها لذلك فأشبها النوعين, ثم اختلف من قال بالضم: هل يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب بالأجزاء؟ أو يكون الضم بالقيمة؟ على قولين: 1 – رواية عن الإمام أحمد، والإمام مالك، وأبي يوسف، ومحمد, والأوزاعي: أن الذهب والفضة يضم أحدهما إلى الآخر بالأجزاء، يعني أن كل واحد منهما يحتسب من نصابه فإذا كملت أجزاؤهما نصاباً وجبت الزكاة، مثل: أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما، ونصف نصاب أو أكثر من الآخر، أو ثلث من أحدهما وثلثان أو أكثر من الآخر، فلو ملك: مائة درهم وعشرة دنانير، أو مائة وخمسين درهماً وخمسة دنانير، أو مائة وعشرين درهماً وثمانية دنانير وجبت الزكاة فيهما، وإن نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيهما؛ لأن كل واحد منهما لا تعتبر قيمته في وجوب الزكاة إذا كان منفرداً، فلا تعتبر إذا كان عنده مضموماً: كالحبوب، والثمار، وأنواع الأجناس كلها. 2 – رواية عن الإمام أحمد، وقول الإمام أبي حنيفة: يضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب بالقيمة، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((والأول أصح [أي الضم بالأجزاء]-؛ لأن الأثمان تجب الزكاة في أعيانها، فلا تعتبر قيمتها)) [المغني، 4/ 211 - 212]. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع: ((والصواب من هذين القولين: أنه يضم بالأجزاء لا بالقيمة))، [و] يستثنى من هذه المسألة أموال الصيارف؛ فإنه يضم فيها الذهب إلى الفضة، لا ضم جنس إلى جنس، ولكن المراد بهما التجارة، فهما عروض تجارة)) 6/ 109. القول الثاني: أن الذهب والفضة لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، فلا زكاة على صاحبهما حتى يبلغ كل واحدٍ منهما نصاباً، وهو رواية عن الإمام أحمد، والشافعي، وهو قول أبي ليلى، والحسن بن صالح، وشريك، وأبي عبيد، وأبي ثور، واختاره أبو بكر بن عبد العزيز؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) [تقدم تخريجه]؛ ولأنهما مالان يختلف نصابهما, فلا يضم أحدهما إلى الآخر، كأجناس الماشية، وهذا القول هو ظاهر ما نصره ابن قدامة في المغني، وجزم به في المنتخب، وقدمه في الكافي. [ورجح العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله هذا القول؛ لأمور: 1 – قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) [متفق عليه، وتقدم تخريجه]. 2 – قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً)) [أبو داود، وتقدم تخريجه]. 3 – أن الشعير لا يضم إلى البر في تكميل النصاب، فلو كان عند الإنسان نصف نصاب من الشعير ونصف نصاب من البر لم يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب. 4 – أن الضأن لا تضم إلى البقر، فلو كان عند الإنسان نصف نصاب من الضأن ونصف نصاب من البقر، فلا يكمل أحدهما بالآخر لتكميل النصاب؛ لأن الجنس لا يضم إلى جنس آخر، وأما النوع فيضم إلى نوعه الآخر: كأنواع النخيل، وأنواع البر، وأنواع ... الشعير، بضم بعضها إلى بعض، قال رحمه الله: ((وعليه: فإذا كان عنده عشرة دنانير، ومائة درهم فلا زكاة عليه؛ لأن الذهب وحده والفضة وحدها، وهذا هو القول الراجح)). [الشرح الممتع، 4/ 107 - 108]. وانظر في مسائل ضم أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب أو عدمه: [المغني لابن قدامة، 4/ 210 – 212، والفروع لابن مفلح، 4/ 136 – 137، وتصحيح الفروع للمرداوي مع كتاب الفروع، 4/ 136 – 137، والشرح الكبير على المقنع، ومع الإنصاف، 7/ 15، والكافي لابن قدامة، 2/ 148، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 245].

سابعا: تضم عروض التجارة إلى كل من الذهب والفضة:

سابعاً: تضم عروض التجارة إلى كل من الذهب والفضة: عروض التجارة: كل ما أعد للتجارة، وهذه تضم قيمتها إلى كل من الذهب والفضة في تكميل النصاب؛ لأن عروض التجارة تضم إليهما في تكميل النصاب، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم فيه خلافاً)). وقال ابن قدامة رحمه الله أيضاً: ((ولو كان له ذهب، وفضة، وعروض، وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تكميل النصاب؛ لأن العروض مضمومٌ إلى كل

ثامنا: مقدار الزكاة في الذهب والفضة: ربع العشر:

واحد منهما، فيجب ضمهما إليه وجمع الثلاثة ... )) (¬1). والاختلاف إنما وقع إذا كان للإنسان المسلم من كل واحد من الذهب والفضة مالاً يبلغ نصاباً بمفرده، أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب من الآخر)) (¬2). [وتقدم تفصيل ذلك]. ثامناً: مقدار الزكاة في الذهب والفضة: ربع العشر: فإذا تمت الفضة مائتي درهمٍ، والذهب عشرين ديناراً فالواجب في كلٍ منهما: ربع العشر، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن زكاة الذهب والفضة: رُبعُ عُشْرِهِ)) (¬3). وقد ثبت ذلك في حديث أنس - رضي الله عنه - الذي كتب له أبو بكر - رضي الله عنه - في فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، وفيه: ((وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)) (¬4)؛ ولحديث علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((هاتوا ربع العشور: من كل أربعين درهماً درهم، وليس عليكم شيء حتى تتمّ مائتي درهمٍ، فإذا كانت مائتي درهمٍ ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك)) (¬5)؛ولحديث علي - رضي الله عنه - أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: (( ... فإذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء – يعني في الذهب – حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، ¬

(¬1) المغني لابن قدامة رحمه الله، (4/ 210، والفروع لابن مفلح، (4/ 138، والكافي، 2/ 148. (¬2) المرجع السابق، 4/ 210. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 215. (¬4) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم برقم، 1454. (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة السائمة، برقم 1572، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 435.

تاسعا: كيفية إخراج الزكاة من المال تكون بطرق منها:

فما زاد فبحساب ذلك ... وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) (¬1)؛ ولحديث عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يأخذ من كل عشرين ديناراً نصف دينارٍ، ومن كل أربعين ديناراً ديناراً)) (¬2). وفي الزيادة على نصاب الذهب والفضة الزكاة بحساب ذلك حتى ولو كانت الزيادة قليلة؛ لحديث علي - رضي الله عنه - عنه المذكور آنفاً (( ... فما زاد فعلى حساب ذلك ... )). وفي لفظ: ((فما زاد فبحساب ذلك)) (¬3). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وروي ذلك عن علي, وابن عمر - رضي الله عنهم - موقوفاً عليهما ولم يعرف لهما مخالفاً من الصحابة، فيكون إجماعاً؛ ولأنه مال متَّجرٌ, فلم يكن له عفوٌ بعد النصاب كالحبوب)) (¬4). تاسعاً: كيفية إخراج الزكاة من المال تكون بطرق منها: الطريقة الأولى: ربع العشر: واحد من أربعين، وهذا يفيد المسلم الذي عنده زكاة: أن يقسم ما عنده من المال على أربعين, فما خرج فهو الزكاة، فمثلاً: أربعون مليوناً تقسيم أربعين يساوي مليوناً، وهذا زكاتها (¬5) فعلى هذا يكون الجزء الثابت لحساب الزكاة: هو جميع ما عند المسلم من المال يقسم على أربعين, والناتج: هو زكاة ماله. ¬

(¬1) أبو داود، برقم 1573، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، وتقدم تخريجه في نصاب الذهب وفي نصاب الفضة. (¬2) ابن ماجه، برقم 1791، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 98، وتقدم تخريجه في نصاب الذهب. (¬3) أبو داود، برقم 1572، ورقم 1573، وتقدم تخريجهما. (¬4) المغني، لابن قدامة، 4/ 216. (¬5) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 102.

الطريقة الثانية: اثنين ونصف بالمائة تضرب في جميع المال

أمثلة على هذه الطريقة لاستخراج الزكاة: 1 - رجل يملك خمسة آلاف ريال سعودي فزكاتها: 5000 ÷ 40 = 125 ريالاً سعودياً. 2 - شخص يملك عشرة آلاف دولار، فتكون زكاتها: 10000 ÷ 40 = 250 دولاراً. 3 - امرأة تملك مائة ألف جنيه، فتكون زكاتها: 100000 ÷ 40 = 2500 جنيهاً. 4 - مالك يملك مليون ريالاً سعودياً، فزكاتها: 1000000 ÷ 40 = 25000 5 - مالك يملك تسعة وتسعين مليون روبية، فزكاته: 99000000 ÷ 40 = 2475000 روبية وهكذا يقسم جميع المال على أربعين، والناتج هو زكاة المال. الطريقة الثانية: اثنين ونصف بالمائة تضرب في جميع المال, ثم يقسم الناتج على مائة, والناتج: هو الزكاة فمثلاً: أربعون مليوناً رأس المال، وزكاتها اثنان ونصف بالمائة ضرب أربعين مليوناً، والناتج يقسم على مائة، والناتج يساوي مليوناً. والطريقة الأولى أسهل، وأيسر، وأفضل؛ لقول عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم -: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يأخذ من كل عشرين ديناراً فصاعداً نصف دينار،

ومن الأربعين ديناراً ديناراً)) (¬1). أمثلة على هذه الطريقة لاستخراج الزكاة: 1 - 5000 زكاتها: 2.5 × 5000 = 12500 ÷ 100 = 125 2 - 10000 زكاتها: 2.5 × 10000 = 25000 ÷ 100 = 250 3 - 100000 زكاتها: 2.5 × 10000 = 250000 ÷ 100 = 2500 وهكذا مجموع المال يضرب في اثنين ونصف, والناتج يقسم على مائة، والناتج يكون هو الزكاة المفروضة. والطريقة الأولى أسهل وأيسر، والله تعالى الموفق. وتقدم أن العملات الورقية أو المعدنية إذا بلغت نصاب الذهب أو الفضة زكيت؛ لأن حكمها حكم النقدين، وما تقدم هنا يمثل العملات الورقية أو المعدنية. أما نصاب الذهب فقد سبق أن أقله ((عشرون ديناراً)) وهي تساوي (عشرون مثقالاً) والمثقال يساوي وزنه 4.6 جرام وهو وزن 72 حبة شعير متوسطة كما تقدم, فيكون نصاب الذهب 4.6 × 20 = 92 جراماً، وهي تساوي بالجنيه السعودي 11.5 جنيهاً، ووزن الجنية 8 جرامات × 11.5 = 92 جرام. وسعر جرام الجنيه بتاريخ 8/ 3/1426هـ = 44.70 × 8 = 357.6 ريال سعودي فيكون سعر نصاب الذهب بالريال السعودي 357.6 × 11.5 جنيه = 4112.4 ريالاً سعودياً، أو يضرب سعر جرام الجنيه في عدد جرامات النصاب 44.7 × 92 = 112.4 ريالاً سعودياً، ¬

(¬1) ابن ماجه، برقم 1791، وتقدم تخريجه في نصاب الذهب.

عاشرا: إخراج أحد النقدين: من الذهب والفضة عن الآخر في الزكاة:

وأما نصاب الفضة فقد سبق أن وزن المثقال 4.6 جرام × نصاب الفضة 140 مثقالاً = 644 جراماً, وهذا نصاب الفضة بالجرامات تقريباً، وتضرب الجرامات هذه في سعر الجرام بالريال, فينتج النصاب بالعملة الورقية, وكان وزن الريال السعودي الفضّي بتاريخ 8/ 3/1426هـ 11.6جرام وسعره=8 ريالات سعودية ورقية وقد سبق أن النصاب بريالات الفضة 56 ريالاً سعودياً فضِّياً فيكون النصاب أيضاً بجرامات الريال السعودي الفضي = 56 × 11.6 = 649.6 جرام, وهذا يزيد 5.6 جرام, ولكن هذا يكون بالتقريب. إذاً يكون نصاب الفضة بالريالات السعودية الورقية في تاريخ 8/ 3/1426هـ هو: 8 × 56 = 448 ريالاً تقريباً، والله تعالى أعلم. عاشراً: إخراج أحد النقدين: من الذهب والفضة عن الآخر في الزكاة: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهل يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر؟ فيه روايتان. نص عليهما: إحداهما: لا يجوز، وهو اختيار أبي بكر؛ لأن أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقل في المقدار، فمع اختلاف الجنس أولى، والثانية: يجوز وهو أصح إن شاء الله؛ لأن المقصود من أحدهما يحصل بإخراج الآخر، فيجزئ كأنواع الجنس، وذلك لأن المقصود منهما جميعاً الثمنية، والتوسل بهما إلى المقاصد، وهما يشتركان فيه على السواء، فأشبه إخراج المكسَّرة عن الصحاح بخلاف سائر الأجناس، والأنواع مما تجب فيه الزكاة؛ فإن لكل جنس مقصوداً مختصاً به لا يحصل من الجنس الآخر، وكذلك أنواعها، فلا يحصل

الحادي عشر: ما يباح للرجال: من الفضة والذهب

بإخراج غير الواجب من الحكمة ما يحصل من إخراج الواجب، وههنا المقصود حاصل فوجب إجزاؤه، إذ لا فائدة في اختصاص الأجزاء بعين، مع مساواة غيرها لها في الحكمة؛ وكون ذلك أرفق: بالمعطي والآخذ، وأنفع لهما، ويندفع به الضرر عنهما؛ فإنه لو تعين إخراج زكاة الدنانير منها شق على من يملك أقل من أربعين ديناراً إخراج جزء من دينار، ويحتاج إلى التشقيص ومشاركة الفقير له في دينار من ماله، أو بيع أحدهما نصيبه، فيستضر المالك والفقير، وإذا جاز إخراج الدراهم عنها دفع إلى الفقير من الدراهم بقدر الواجب فيسهل ذلك عليه، وينتفع الفقير من غير كلفة، ولا ضرر ... وفي جواز إخراج أحدهما عن الآخر نفع محض ودفع لهذا الضرر، وتحصيل لحكمة الزكاة على التمام والكمال، فلا حاجة، ولا وجه لمنعه .. )) (¬1). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصحيح أنه لا بأس أن تخرج من أحد النوعين يعني بالقيمة)) (¬2). الحادي عشر: ما يباح للرجال: من الفضة والذهب: يباح من ذلك الآتي: 1 - خاتم الفضة؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: ((كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى)). وفي لفظ: (( ... كأني أنظر إلى وبيض خاتمه من فضةٍ، ورفع أصبعه اليسرى بالخنصر)). وفي لفظ: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتم فضة في يمينه، فيه فصٌّ حبشيٌّ، كان يجعل فَصَّهُ مما يلي كفه)). وهذه الألفاظ الثلاثة لمسلم، أما ألفاظ البخاري لحديث ¬

(¬1) المغني لابن قدامة، 4/ 218، وانظر: الكافي له، 2/ 149، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 17، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 246، ومنار السبيل، 1/ 252. (¬2) الشرح الممتع، 6/ 110.

أنس هذا فهي: ((أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب إلى رهطٍ أو أناسٍ من الأعاجم [وفي رواية: الروم] فقيل له: إنهم لا يقبلون [وفي رواية: لن يقرؤوا] كتاباً إلا عليه خاتم [وفي رواية: إلا أن يكون مختوماً] فاتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من فضةٍ نقشهُ: محمدٌ رسول الله [وقال: إني اتخذت خاتماً من ورقٍ، ونقشت فيه محمد رسول الله فلا ينقش أحد على نقشه] فكأني بوبيص أو بصيص الخاتم [وفي رواية: كأني أنظر إلى بياضه] في إصبع النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو في كفه [وفي طريق: قال: فإني لأرى بريقه في خنصره] [قال أنس: كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، فأخرج الخاتم فجعل يَعبثُ به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان - أي في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها - فننزح البئر فلم نجده (([وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر] (¬1). وقد جاءت الأحاديث في لبس الخاتم في اليسار، وفي اليمين، قال الإمام النووي رحمه الله: ((وأما الحكم في المسألة عند الفقهاء: فأجمعوا على جواز التختم في اليمين، وعلى جوازه في اليسار، ولا كراهة في واحدة منهما، واختلفوا أيتهما أفضل .. )) (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، بالأرقام الآتية: 65، 2938، 5870، 5872، 5874، 5875، 5877، 7162، ومسلم برقم 2092، وفي لفظ: ((أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر، والنجاشي، فقيل: إنهم لا يقبلون إلا كتاباً بخاتم ... )). ومسلم برقم 2094، ورقم 2095، وفي هذا لفظ: ((من يده اليسرى)) ورقم 640 وفيه: ((أصبعه اليسرى)) أما في يده اليمنى فبرقم 2094 وهي رواية لمسلم في غير أصل الحديث. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 317، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 10/ 327، وانظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 63.

وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وضع الخاتم في الخنصر هو الأفضل, سواء في اليمنى أو اليسرى، ويلبس في الخنصر والبنصر، ولا يتختم في الوسطى والسبابة)) (¬1). وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التختم في السبابة والوسطى؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: ((نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتختم في أصبعي هذه، أو هذه، فأومأ إلى الوسطى والتي تليها)) (¬2). ولفظ النسائي: (( ... ونهاني أن أجعل الخاتم في هذه وهذه، وأشار: يعني بالسبابة والوسطى)) (¬3). قال الإمام النووي رحمه الله: (( ... وأجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر، وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في أصابع ... ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها؛ لهذا الحديث وهي كراهة تنزيه ... )) (¬4). وما تقدم في أحاديث إباحة خاتم الفضة للرجال، أما الذهب فيحرم على الرجال؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)) فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله، لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬5). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5874. (¬2) مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن التختم في الوسطى والتي تليها، برقم 2078. (¬3) النسائي، كتاب الزينة، باب النهي عن الخاتم في السبابة، برقم 5225، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 387. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 317. (¬5) مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته أول الإسلام، برقم 2090.

2 - قبيعة السيف

وعن علي - رضي الله عنه - قال: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريراً فجعله في يمينه، وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال: ((إن هذين حرام على ذكور أمتي)) (¬1). وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أُحلَّ الذهب والحريرُ لإناث أمتي، وحُرِّم على ذكورها)) (¬2). 2 - قبيعة السيف، ونصل السيف؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان نعْلُ سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضةٍ، وقبيعة سيفه (¬3) فِضَّةٌ, وما بين ذلك حِلَقُ فِضَّةٍ)) (¬4)؛ ولحديث أبي أمامة، وسعيد ابن أبي الحسن قالا: ((كانت قبيعة سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضة)) (¬5) (¬6). ¬

(¬1) النسائي، كتاب الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال، برقم 5159، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 376. (¬2) النسائي، كتاب الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال، برقم 5163، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 377. (¬3) وقبيعة السيف: ما يجعل على طرف القبضة: أي مقبضه من فضة. الروض المربع وحاشيته لابن قاسم، 3/ 250. (¬4) النسائي، كتاب الزينة، باب حلية السيف، برقم 5374، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 3/ 429. (¬5) النسائي، كتاب الزينة، باب حلية السيف، برقم 5373، ومن حديث سعيد ابن أبي الحسن، برقم 5375، وأبو داود، كتاب الجهاد، باب في السيل يحلّى، برقم 2583، 2584، 2585، والترمذي، كتاب الجهاد، باب ما جاء في السيوف وحليتها، برقم 1691، وصحح الألباني هذه الأحاديث في هذه المواضع، وانظر: صحيح سنن النسائي، 3/ 429. (¬6) وانظر: بقية ما ذكر في الإباحة: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 250 - 254، والمغني لابن قدامة، 4/ 225.

3 - ما دعت إليه ضرورة

3 - ما دعت إليه ضرورة: كأنفٍ من ذهب، أو ربط الأسنان وشدها بالذهب، أو نحو ذلك؛ لحديث عرفجة بن سعد - رضي الله عنه - قال: ((أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية, فاتخذت أنفاً من ورقٍ، فأنتن عليَّ، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتخذ أنفاً من ذهب)) (¬1). قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((وقد رُوِيَ عن غير واحد من أهل العلم: أنهم شدّوا أسنانهم بالذهب، وفي الحديث حجة لهم)) (¬2). وقد روي عن جماعة من السلف أنهم شدُّوا أسنانهم بالذهب، منهم: موسى بن طلحة (¬3) ونصر بن عمران البصري أحد الأئمة الثقات (¬4) , وثابت البناني (¬5)، وإسماعيل بن زيد بن ثابت بن الضحاك (¬6)، والمغيرة بن عبد الله (¬7). الثاني عشر: ما يباح للنساء من الذهب والفضة: يباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهنَّ بلبسه، ولو كثر: ¬

(¬1) الترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في شد الأسنان بالذهب، برقم 1770، وأبو داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب، برقم 4232، والنسائي، كتاب الزينة، باب من أصيب أنفه هل يتخذ أنفاً من ذهب، برقم 5162، وأحمد، 5/ 23، وحسنه الألباني في عدة مواضع، منها: في صحيح سنن أبي داود، 2/ 552، وصحيح الترمذي، 2/ 285، وغير ذلك. (¬2) الترمذي على الحديث رقم 1770. (¬3) ابن أبي شيبة، 8/ 498، برقم 5312. (¬4) شرح معاني الآثار للطحاوي، 4/ 259. (¬5) ابن أبي شيبة، 8/ 499، برقم 5318. (¬6) البيهقي في الآداب، ص 375. (¬7) أحمد في المسند، 5/ 23، وابن أبي شيبة، 8/ 499، برقم 5316، والطحاوي في شرح معاني الآثار، 4/ 259.

كالطوق (¬1) والخلخال (¬2)، والسوار (¬3)، والقرط (¬4)، وما في المخانق (¬5)، والمقالد (¬6)، والتاج، وما أشبه ذلك؛ لعموم قول الله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (¬7)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُحلَّ الذهب والحرير لإناث أمتي، وحُرِّم على ذكورها)) (¬8) (¬9). قال العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله: ((فدل على إباحة التحلي بهما لهن (¬10)، وأجمع العلماء على ذلك؛ لهذا الخبر، وغيره؛ ولأن المرأة محتاجة للتجمل، والتزين لزوجها، فأباح الشارع لها ما تجمل به)) (¬11). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويباح للنساء من حلي الذهب, والفضة, والجواهر، كلُّ ما جرت عادتهن بلبسه: مثل السوار، والخلخال، والقرط، والخاتم، وما يلبسنه على وجوههن، وفي أعناقهن، ¬

(¬1) الطوق: حلي يجعل في العنق، وكل شيء استدار فهو طوق، لسان العرب، 10/ 230. (¬2) الخلخال: ما تلبسه المرأة في ساقها، [لسان العرب، 11/ 220]. (¬3) السوار: ما تستعمله المرأة في يديها، جمعه أسورة. [حاشية ابن قاسم على الروض، 3/ 255]. (¬4) القرط: ما يجعل في شحمة الأذن، [المصباح المنير، 2/ 498]. (¬5) المخانق: المخنقة: القلادة: سميت بذلك؛ لأنها تطيف بالعنق، وهي ما يجعل في العنق، وهي موضع الخنق، [المصباح المنير، 1/ 183]. (¬6) المقالد: مفردها مقلد، ومنه القلادة، وهي: ما جعل في العنق، [لسان العرب، 3/ 365]. (¬7) سورة الزخرف, الآية: 18. (¬8) النسائي، برقم 5163، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 377، وتقدم تخريجه. (¬9) ولو كثر؛ لأن الشارع أباح لهن التحلي مطلقاً، فلا يجوز تحديده بالرأي والتحكم، واتفقوا: أنه يجوز للمرأة لبس خاتم الفضة، كما يجوز لها لبس خاتم الذهب إجماعاً، وفي المبدع: وظاهره: أن ما لم تجرِ العادة بلبسه: كالثياب المنسوجة بالذهب، والنعال، لا يباح لهن؛ لانتفاء التجمل، فلو اتخذته حرم، وفيه الزكاة. حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/ 254 - 255. (¬10) بهما: أي بالذهب والحرير. (¬11) حاشية الروض المربع، 3/ 255.

الثالث عشر: تحريم آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء جميعا:

وأيديهن، وأرجلهن، وآذانهن، وغيره، وأما ما لم تجرِ عادتهن بلبسه: كالمنطقة وشبهها من حلي الرجال فهو محرم ... )) (¬1). الثالث عشر: تحريم آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء جميعاً: اتخاذ آنية الذهب أو الفضة حرام على الرجال والنساء جميعاً، وكذلك استعمالهما؛ لحديث أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر (¬2) في بطنه نار جهنم)) وفي لفظ لمسلم: ((أن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ... )). وفي لفظ لمسلم أيضاً: ((من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه ناراً من جهنم)) (¬3). وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة)) (¬4). قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((وأجمع المسلمون على تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب، وإناء الفضة، على الرجل والمرأة ... )) (¬5). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته: أن اتخاذ آنية الذهب ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 224 - 225، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 46. (¬2) يجرجر: أي يلقي في بطنه ناراً يجرع متتابع، يسمع له جرجرة، وهو الصوت؛ لتردده في حلقه، شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 272. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الأشربة، باب آنية الفضة، برقم 5634، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره، على الرجال والنساء برقم 2065. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأطعمة، باب الأكل في إناء مفضض، برقم 5426، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، برقم 2067. (¬5) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 272.

الرابع عشر: لا زكاة في الحلي من غير الذهب والفضة: إجماعا

والفضة حرام على النساء والرجال جميعاً، وكذلك استعمالها)) (¬1). الرابع عشر: لا زكاة في الحلي من غير الذهب والفضة: إجماعاً قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((فإن كان في الحلي جوهر، ولآلئ مرصَّعةٌ فالزكاة في الحلي: من الذهب, والفضة, دون الجوهر؛ لأنها لا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم، فإن كان الحلي للتجارة قوَّمه بما فيه من الجواهر، ولو كانت مفردة وهي للتجارة لقوِّمت وزكيت، فكذلك إذا كانت في حلي التجارة)) (¬2) , وقال رحمه الله: ((ولا زكاة في الجواهر، واللآلئ؛ لأنها معدة للاستعمال، فأشبهت ثياب البذلة، وعوامل الماشية)) (¬3).وقال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((لا زكاة في الجوهر، واللؤلؤ؛ لأنه معدٌّ للاستعمال، كثياب البذلة، ولو كان في حلْي، إلا أن يكون للتجارة، فيقوَّم جميعه تبعاً ... )) (¬4). وقال الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((المجوهرات من غير الذهب والفضة: كالماس، ليس فيها زكاة، إلا أن يراد بها التجارة)) (¬5). والخلاصة: أن جماهير الفقهاء اتفقوا على عدم وجوب الزكاة فيما تستخدمه المرأة: من الجواهر: كاللؤلؤ، والمرجان، والياقوت، والزمرد، وغيرها من الحلي الذي ليس بذهب ولا فضة، إلا أن يقصد به التجارة، ¬

(¬1) المغني، 4/ 28. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 244، 4/ 244، والإنصاف، 7/ 49. (¬3) الكافي لابن قدامة، 2/ 149. (¬4) كتاب الفروع، 4/ 161. (¬5) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 124.

الخامس عشر: وجوب الزكاة في الحلي المحرم، أو المعد للتجارة: من الذهب والفضة:

ففيه زكاة عروض التجارة، والله تعالى أعلم (¬1). الخامس عشر: وجوب الزكاة في الحلي المحرم، أو المعد للتجارة: من الذهب والفضة: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وكل ما كان اتخاذه محرماً من الأثمان لم تسقط زكاته باتخاذه؛ لأن الأصل وجوب الزكاة فيها؛ لكونها مخلوقة للتجارة، والتوسل بها إلى غيرها، ولم يوجد ما يمنع ذلك، فبقيت على أصلها)) (¬2). وذكر رحمه الله تعالى أثناء كلامه على تحريم آنية الذهب والفضة، فقال: ((إذا ثبت هذا فإن فيها الزكاة بغير خلاف بين أهل العلم، ولا زكاة فيها حتى تبلغ نصاباً بالوزن، أو يكون عنده ما يبلغ نصاباً بضمِّها إليه، وإن زادت قيمته؛ لصياغته، فلا عبرة بها؛ لأنها محرمة فلا قيمة لها في الشرع ... )) (¬3). قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة إذا كان حليًّا محرم الاستعمال، أو كان معدًّا للتجارة أو نحوها)) (¬4). السادس عشر: زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى، قديماً وحديثاً في زكاة الحلي المباح, الذي أُعد للاستعمال: هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب؟ (¬5). ¬

(¬1) انظر: زكاة الحلي: الذهب والفضة والمجوهرات، للدكتور/ محمد بن عثمان شبير، ص 28. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 229، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 27. (¬3) المغني، 4/ 228، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 7/ 30. (¬4) فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 261. (¬5) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مسألة زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال على أقوال أشهرها قولان: القول الأول: القول بوجوب الزكاة، روي ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو ابن العاص - رضي الله عنهم -، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهري، والثوري، وبه قال الإمام أبو حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وداود الظاهري، وأحد القولين في مذهب الشافعي، وهذا القول هو الذي دل عليه ظاهر الكتاب والسنة الصحيحة، وثبت فيه أحاديث صريحة، وأقوال بعض الصحابة - رضي الله عنهم -. انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 220، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 157، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 261، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 84. القول الثاني: قول من قال: ليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا ظاهر المذهب، [أي مذهب الإمام أحمد] وروي ذلك عن ابن عمر، وجابر، وأنس، وعائشة، وأسماء - رضي الله عنهم -، وبه قال القاسم، والشعبي، وقتادة، ومحمد بن علي، وعمرة، ومالك، والشافعي، وأبو عبيد، وإسحاق، وأبو ثور)) رحمهم الله تعالى، واستدلوا بما روي عن جابر مرفوعاً: ((ليس في الحلي زكاة)) [رواه الدارقطني، 2/ 107وغيره، ولكن هذا حديث حكم عليه أهل العلم بالضعف؛ لأن في سنده إبراهيم بن أيوب الراوي له عن عافية، وقد حكم عليه بالضعف، فسقط به الاستدلال، وانظر: إرواء الغليل للألباني، 3/ 295، برقم 817، وقال: وللحديث علة أخرى وهي الوقف] وقد ثبت موقوفاً على جابر - رضي الله عنه -، فعن أبي الزبير عن جابر قال: ((لا زكاة في الحلي))، قلت: إنه يكون فيه ألف دينار؟ قال: ((يعار ويلبس)) [ابن أبي شيبة، 4/ 27، قال الألباني: وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وأبو الزبير قد صرح بالسماع، وقد تابعه عمرو بن دينار قال: ((سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي: أفيه الزكاة؟ فقال جابر: لا، فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار، فقال جابر: كثير أخرجه الشافعي، 1/ 239، وأبو عبيد، 442/ 1275، قال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 295: ((وإسنادهما على شرط الشيخين)) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 38]. واستدلوا بفعل عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلي بنات أخيها محمد يتامى في حجرها، لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة)) [موطأ الإمام مالك، 3/ 235، وصحح إسناده النووي في المجموع، والمباركفوري في تحفة الأحوذي، 3/ 285] وبما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة)) [موطأ الإمام مالك، 1/ 235، وصحح إسناده المباركفوري في تحفة الأحوذي، 3/ 285]، واستدلوا بما جاء عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: ((أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه، نحواً من خمسين ألفاً)) [السنن الكبرى للبيهقي، 4/ 138]، وسئل أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن الحلي، فقال: ((ليس فيه زكاة)) [البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 138]، ولكن لم يثبت لمانعي الزكاة حديث صحيح صريح في عدم وجوب الزكاة، كما ثبت لمن أوجبها من عموم الأحاديث الصحيحة، وصريح وجوب الزكاة في حديث: عائشة, وأم سلمة، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفاطمة بنت قيس، مع عموم آية سورة التوبة. ثم الآثار عن بعض الصحابة بعدم وجوب الزكاة معارضة بأحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعارضة بآثار صحيحة عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم بعض الصحابة الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، ثبت عن بعضهم أنهم قالوا: بوجوب الزكاة في الحلي، ومن المعلوم: أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعارضه قول أحد من الناس كائناً من كان، فلا قول لأحد مع قوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أحسن الإمام الصنعاني رحمه الله حين قال: [القول] الثاني: لا تجب الزكاة في الحلية وهو مذهب مالك، والشافعي في أحد قوليه؛ لآثارٍ وردت عن السلف قاضية بعدم وجوبها في الحلية، ولكن بعد صحة الحديث لا أثر للآثار [سبل السلام، 4/ 51].

وقد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على وجوب ردِّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬1)،وقال - سبحانه وتعالى -: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2). وقال - عز وجل -: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} (¬3). وإذا رددنا هذه المسألة إلى الكتاب والسنة، وجدناهما يدلان دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حلي النساء: من الذهب والفضة، حتى لو كان للاستعمال أو العارية، سواء كانت: قلائد، أو أسورة، أو خواتم، أو ما تُحلَّى به السيوف والخناجر من الذهب والفضة إذا بلغ ذلك نصاباً أو كان عند مالكه من الذهب والفضة أو عروض التجارة ما يكمل به النصاب، والقول بوجوب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال هو أصح أقوال أهل العلم (¬4)، وقد رُوي هذا الوجوب: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وعبد الله بن ¬

(¬1) سورة النساء, الآية: 59. (¬2) سورة النساء, الآية: 65. (¬3) سورة الشورى, الآية: 10. (¬4) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 85، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 261 - 270.

مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، - رضي الله عنهم -، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهري، والثوري، وبه قال الإمام أبو حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وداود الظاهري رحمهم الله ورضي عنهم جميعاً (¬1). واستدلوا بأدلة: من الكتاب، والسنة الثابتة، وأقوال بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على النحو الآتي: 1 - عموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬2). قال الإمام الطبري رحمه الله: (( ... قال بعضهم: هو كل مال وجبت فيه الزكاة، فلم تؤدَّ زكاته، قالوا: وعنى بقوله: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} ولا يؤدون زكاتها)) ثم ساق بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((كل مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفوناً، وكل مال لم تؤدَّ منه الزكاة وإن لم يكن مدفوناً فهو كنز)) (¬3). ثم قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى بعد ذكره لأقوال أهل العلم في تفسير الآية: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصحة القول الذي ذكر عن ابن عمر: من أن كل مال أديت زكاته فليس بكنز يحرم على صاحبه اكتنازه وإن كثر، وأن كل مالٍ لم تؤدَّ زكاته فصاحبه معاقب مستحق وعيد الله، ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 220. (¬2) سورة التوبة, الآيتان: 34 - 35. (¬3) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 14/ 217، بألفاظ متقاربة، برقم 16649 - 16656 عن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم -.

إلا أن يتفضل الله عليه بعفوه، وإن قل إذا كان مما يجب فيه الزكاة)) (¬1). والآية عامة في زكاة الذهب والفضة، ويدخل في العموم زكاة الحلي، قال الجصاص رحمه الله تعالى: ((وجه دلالة الآية على وجوبها في الحلي لشمول الاسم له)) (¬2). أي: الآية تتناول الذهب والفضة ويدخل في ذلك الحلي، فلا يجوز إخراج الحلي بدون دليل مخصص. وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((باب ما أدِّيَ زكاته فليس بكنز، ثم ساق خبر ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال له أعرابي: أخبرني عن قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} (¬3). قال ابن عمر رضي الله عنهما: من كنزها فلم يؤدِّ زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تُنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرة للأموال)) (¬4). وزكاة الحلي تدخل في هذا العموم، إلا بدليل صحيح صريح مخصص)) (¬5). 2 - روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار، فأُحْمِيَ عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم ¬

(¬1) تفسير الطبري، 14/ 223، وانظر: تفسير البغوي، 2/ 287، وتفسير ابن كثير، ص 607، طبعة دار السلام. (¬2) أحكام القرآن للجصاص، 3/ 107. (¬3) سورة التوبة, الآية: 34. (¬4) البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدِّي زكاته فليس بكنز، برقم 1404 [تعليقاً]، ورقم 4661 [تعليقاً أيضاً]. (¬5) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 85، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 159، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 265.

كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار .. )) (¬1). فالحديث عام في وجوب الزكاة في كل ذهب وفضة، بهذا النص الصحيح، ولم يأت إجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد إلا بعض أحوال الذهب وصفاته، فلم يجز تخصيص شيء من ذلك بغير نص صحيح ولا إجماع)) (¬2). 3 - روى أبو داود، والنسائي، وأحمد، والترمذي، واللفظ لأبي داود، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما: أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مَسكتَان (¬3) غليظتان من ذهب، فقال لها: ((أتعطين زكاة هذا؟ ((قالت: لا، قال: ((أيَسُرُّكِ أن يُسَوِّركِ اللهُ بهما يوم القيامة سوارين من نار؟)) قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالت: هما لله - عز وجل - ولرسوله)) (¬4). وهذا الحديث الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على وجوب الزكاة في الحلي؛ ¬

(¬1) مسلم، برقم 987، وهو عند البخاري مختصراً برقم 1402، ومن حديث جابر عند مسلم، برقم 988، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬2) انظر: المحلى، لابن حزم، 6/ 100. (¬3) مسكتان: المسكة - بتحريك السين - واحدة المسك، وهي أسورة، من ذبل [قرون الأوعال] أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك أضيفت إلى ما هي منه، فيقال: من ذهب، أو فضة، أو غيرهما. جامع الأصول، لابن الأثير، 4/ 608. (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحُليِّ، برقم 1563، والنسائي، كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي، برقم 2478، 2479، وأحمد، 2/ 178، 204، 208، والدارقطني، 2/ 112، وابن أبي شيبة في الأموال، ص 537، برقم 1260، والبيهقي، 4/ 140، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الحلي، برقم 637، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 429، وفي إرواء الغليل، 3/ 296، وقال الحافظ ابن القطان: إسناده صحيح كما نقله الإمام عبد العزيز ابن باز في مجموع الفتاوى له، 14/ 86.

لأنه - صلى الله عليه وسلم - ألحق الوعيد الشديد بترك أداء الزكاة في الحلي كما في هذا الحديث. 4 - وروى أبو داود، واللفظ له، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأى في يديَّ فتخاتٍ (¬1) من وَرِقٍ، فقال: ((ما هذا يا عائشة؟)) فقلت: صنعتهنَّ أتزيَّنُ لك يا رسول الله! قال: ((أتُؤدِّين زكاتهُنَّ؟)) قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: ((هو حَسْبُكِ من النار)) (¬2). وهذا الحديث الصحيح يدل على وجوب زكاة الحلي المعد للاستعمال؛ لأن عائشة رضي الله عنها استعملت الفتخات لتتزين بها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك تَضَمَّن الحديث الوعيد لمن لم يؤدِّ زكاة الحلي، ولم يستثن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحلي شيئاً: لا المستعار ولا غيره، فوجب الأخذ بصريح النص وعمومه، ولا يجوز أن تخصص النصوص إلا بنصٍّ ثابتٍ يقتضي التخصيص (¬3). 5 - وروى أبو داود بلفظه، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، ¬

(¬1) فتخات: الفتخات جمع فتخة، وهي حلقةٌ لا فص لها، تجعلها المرأة في أصابع رجليها، وربما وضعتها في يديها، جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 609. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي، برقم 1565، والدارقطني، 2/ 105 - 106، والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، 1/ 389 - 390، والبيهقي في السنن الكبرى، 4/ 139، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 429، ووصفه الإمام ابن باز بأنه ثابت كما في مجموع الفتاوى له، 14/ 87. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 87.

عن أمِّ سلمة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: كنت ألبس أوضاحاً (¬1) من ذهب، فقلت: يا رسول الله! أكنز هُوَ؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدَّى زكاته فزكِّي فليس بكنز)) (¬2). في هذا الحديث الإشارة إلى اشتراط النصاب، وأن ما لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، ولا يدخل في الكنز المتوعد عليه بالعذاب، وأن كل مال وجبت فيه الزكاة فلم يزكَّ فهو من الكنز المتوعد عليه بالعذاب، وفي الحديث الدلالة الصريحة على وجوب الزكاة في الحلي؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت عن ذلك كما هو صريح الحديث)) (¬3). 6 - وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بطوق فيه سبعون مثقالاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله خذ منه الفريضة التي جعل الله فيه، قالت: فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثقالاً وثلاثة أرباع مثقالٍ فوجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله خذ منه الذي جعل الله فيه، قالت: فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأصناف الستة، وعلى غيرهم، فقال: فذكره، قالت: قلت: يا رسول الله، رضيت لنفسي ما رضي الله - عز وجل - به ورسوله)) (¬4). قال العلامة الألباني رحمه الله: ((وفي هذا الحديث دلالة ¬

(¬1) أوضاحاً: الأوضاح: حُليٌُّ من الدراهم الصحاح، هكذا قال الجوهري، وقال الأزهري: الأوضاح حليٌّ من الفضة، جامع الأصول، لابن الأثير، 4/ 610. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحُليّ برقم 1564، والدارقطني، 2/ 105، والحاكم وصححه على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، 1/ 390، والبيهقي، 4/ 83، 140، وحسن الألباني المرفوع منه فقط، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 429، وقال الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى له، 14/ 86، عن إسناد أبي داود: (( .. بإسناد جيد)). (¬3) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 86 - 87. (¬4) أخرجه أبو الشيخ في جزئه، (انتقاء ابن مردويه، 83/ 30، طبع الرشد، قاله الألباني رحمه الله في الأحاديث الصحيحة، الحديث رقم 2978، المجلد السادس، القسم الثاني، ص 1183 - 1185، ودرس إسناده وثبت عنده رحمه الله، وجزاه خيراً. قلت: والحديث أخرجه الدارقطني، في كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي، 2/ 105، ولكن لم يذكره الألباني في تخريجه للحديث والظاهر أنه تركه عمداً؛ لأن الدارقطني رحمه الله قال في إسناده: ((أبو بكر الهذلي متروك ولم يأتِ به غيره)) فهذا هو السبب في ترك الألباني لتخريجه من الدارقطني والله أعلم، ولكن خرجه عند أبي الشيخ كما سبق ذكره وحكم عليه بالصحة، والله تعالى أعلم.

صريحة على أنه كان معروفاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوب الزكاة على حُلي النساء، وذلك بعد أن أمر - صلى الله عليه وسلم - بها في غير ما حديث صحيح، كنت ذكرت بعضها في ((آداب الزفاف))؛ ولذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليأخذ زكاتها منه، فليُضم هذا الحديث إلى تلك لعل في ذلك ما يقنع الذين لايزالون يفتون بعدم وجوب الزكاة على الحلي، فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء)). 7 - آثار واردة عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - دالة على وجوب الزكاة في الحُليّ المباح، منها ما يأتي: الأثر الأول: عن عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين - رضي الله عنه -، أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: ((أن مرَّ من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهنَّ)) (¬1). الأثر الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه أوجب الزكاة في الحلي)) (¬2). الأثر الثالث: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن امرأته سألته عن حلي لها، ¬

(¬1) البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 139، وذكره ابن حزم في المحلى، 6/ 93، وانظر: نصب الراية للزيلعي، 2/ 274. (¬2) ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير، 2/ 188.

السابع عشر: ترجيح جمع كثير من العلماء لوجوب زكاة الحلي:

فقال: ((إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة))، قالت: أضعها في بني أخ لي في حجري؟ قال: ((نعم)) (¬1). الأثر الرابع: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ((أنه كان يزكي حلي نسائه، وبناته)) (¬2). الأثر الخامس: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته)) (¬3). السابع عشر: ترجيح جمع كثير من العلماء لوجوب زكاة الحلي: أذكر مجموعة من أهل العلم الذين بلغني قولهم بوجوب زكاة الحلي المباح الذي أعد للاستعمال، إذا كمل النصاب ودار عليه الحول، ومنهم على سبيل الإيجاز لا الحصر، ما يأتي: 1 - ابن حزم رحمه الله تعالى، حيث قال: ((والزكاة واجبة في حلي الفضة والذهب، إذا بلغ كل واحد منهما المقدار الذي ذكرنا - النصاب - وأتم عند مالكه عاماً قمريًّا)) (¬4). 2 - الفخر الرازي قال: ((الصحيح عندنا وجوب الزكاة في الحلي)) (¬5). ¬

(¬1) البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 139، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/ 67. (¬2) البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 139، والدارقطني، 2/ 108، وذكره أبو عبيد في الأموال، ص 601، وابن حزم في المحلى، 6/ 93. (¬3) البيهقي، 4/ 139، والدارقطني في السنن، 2/ 107، وذكره أبو عبيد في الأموال، ص 601، وابن حزم في المحلى، 6/ 93. (¬4) المحلى لابن حزم، 6/ 92. (¬5) التفسير الكبير، للفخرالرازي، 16/ 46.

3 - الصنعاني

3 - الصنعاني، قال: ((وأظهر الأقوال دليلاً وجوبها [أي وجوب زكاة الحلي]؛ لصحة الحديث وقوته)) (¬1). 4 - أحمد البناء قال: ((وأظهر الأقوال دليلاً، وأقواها، ما ذهب إليه الأولون: من وجوب الزكاة في الحلي)) (¬2). 5 - سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، يفتي بوجوب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال منذ زمن طويل، ومن ذلك قوله رحمه الله: ((بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فقد تكرر السؤال من كثير من الناس عن حكم زكاة الحلي من الذهب والفضة وما ورد في ذلك من الأدلة؛ ولتعميم الفائدة أجبت بما يلي والله الموفق والهادي إلى الصواب: لا ريب أن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، وقد دل الكتاب والسنة على وجوب رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬3). وإذا رددنا هذه المسألة إلى الكتاب والسنة وجدناهما يدلان دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حلي النساء من الذهب ¬

(¬1) سبل السلام الموصل إلى بلوغ المرام، 4/ 51. (¬2) الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، لأحمد بن عبد الرحمن البناء، 9/ 24. (¬3) سورة النساء، الآية: 59.

والفضة وإن كان هذا للاستعمال أو العارية؛ سواء كانت: قلائد, أو أسورة, أو خواتيم, أو غيرها من أنواع الذهب والفضة، ومثل ذلك ما تحلى به السيوف والخناجر, من الذهب والفضة إذا كان الموجود من ذلك نصاباً، أو كان عند مالكه من الذهب أو الفضة أو عروض التجارة ما يكمل النصاب، وهذا القول هو أصح أقوال أهل العلم في هذه المسألة، والدليل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬1). ومن السنة المطهرة ما ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا صُفِّحَتْ له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه, وجبينه, وظهره, كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬2). فهذان النصان العظيمان من الكتاب والسنة يعُمَّان جميع أنواع الذهب والفضة ويدخل في ذلك أنواع الحلي: من الذهب, والفضة، ومن استثنى شيئاً فعليه الدليل المخصص لهذا العموم, لو لم يرد إلا العموم في هذه المسألة، فكيف وقد ورد في هذه المسألة بعينها أحاديث صحيحة دالة على وجوب الزكاة في الحلي، منها ما خرَّجه أبو ¬

(¬1) سورة التوبة, الآيتان: 34 - 35. (¬2) سبق تخريجه.

داود, والنسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن امرأة دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أتعطين زكاة هذا؟)) قالت: لا. قال: ((أيسرك أن يسوِّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار)) فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله (¬1). قال الحافظ ابن القطان: إسناده صحيح. وخرج أبو داود بإسناد جيد عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما بلغ أن تؤدَّى زكاته فزكي فليس بكنز)) (¬2) ففي هذا الحديث فائدتان جليلتان: إحداهما: اشتراط النصاب, وأن ما لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، ولا يدخل في الكنز المتوعد عليه بالعذاب. والفائدة الثانية: أن كل مال وجبت فيه الزكاة فلم يزك فهو من الكنز المتوعد عليه بالعذاب. وفيه أيضاً فائدة ثالثة: وهي المقصود من ذكره, وهي الدالة على وجوب الزكاة في الحلي؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت عن ذلك كما هو صريح الحديث. ومن ذلك ما ثبت في سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى عليها فتخات من فضة, فقال: ((ما هذا يا عائشة؟)) قلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. فقال: ((أتؤدين زكاتهن؟)) قلت: لا. أو ما ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) رواه أبو داود في (الزكاة باب الكنز ما هو وزكاة الحلي، برقم 1564.

6 - فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

شاءالله. قال: ((هو حسبك من النار)) (¬1). ففي هذه النصوص الدلالة الظاهرة على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة، وإن أعدت للاستعمال أو العارية؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنكر على عائشة والمرأة المذكورة في حديث عبد الله بن عمرو تركُ زكاة حليهما وهما مستعملتان له، ولم يستثن - صلى الله عليه وسلم - من الحلي شيئاً لا المستعار ولا غيره، فوجب الأخذ بصريح النص وعمومه، ولا يجوز أن تخصص النصوص إلا بنص ثابت يقتضي التخصيص. وأما ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ليس في الحلي زكاة)) (¬2). فهو حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ولا يقوى على معارضة أو تخصيص هذه النصوص المتقدم ذكرها، بل قال الحافظ البيهقي: ((إنه حديث باطل لا أصل له)) نقل عنه ذلك الحافظ الزيلعي في نصب الراية، والحافظ ابن حجر في التلخيص (¬3). 6 - فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله يفتي بوجوب زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال إذا بلغ نصاباً ودار عليه الحول، وفتاواه كثيرة في هذه المسألة (¬4). وكتب رسالة لطيفة نافعة، ذكر فيها أقوال أهل العلم، وبين أنه يجب على الناس أن يردوا مسائل الخلاف عند التنازع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله ¬

(¬1) رواه أبو داود في (الزكاة باب الكنز ما هو وزكاة الحلي، برقم 1565. (¬2) رواه الدارقطني في باب زكاة الحلي، برقم 1926، وقال: أبو حمزة هذا ميمون ضعيف الحديث. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 84 - 88. (¬4) انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 116 - 172.

7 - الألباني

- صلى الله عليه وسلم -، وذكر خمسة أقوال لأهل العلم في مسألة زكاة الحلي، ومن ذلك قوله رحمه الله: (( ... القول الخامس: وجوب الزكاة فيه إذا بلغ نصاباً كل عام، وهومذهب أبي حنيفة [رحمه الله] ورواية عن أحمد، رحمه الله، وأحد القولين في مذهب الشافعي رحمه الله، وهذا هو القول الراجح لدلالة الكتاب والسنة، والآثار عليه ... )) ثم ذكر الأدلة على ذلك تفصيلاً، ورد على من قال بعدم الوجوب ردًّا مفصلاً. رحمه الله تعالى (¬1). 7 - فضيلة الشيخ العلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله، قال رحمه الله على حديث فاطمة بنت قيس في وجوب الزكاة: ((وفي الحديث دلالة صريحة على أنه كان معروفاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوب الزكاة على حلي النساء، وذلك بعد أن أمر - صلى الله عليه وسلم - بها في غير ما حديث صحيح كنت ذكرت بعضها في ((آداب الزفاف ص 264))، ولذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذ زكاتها منه، فليُضم هذا الحديث إلى تلك الأحاديث لعل في ذلك ما يُقنع الذين لا يزالون يُفتون بعدم وجوب الزكاة على الحليّ، فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء)) (¬2). 8 - فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين رحمه الله تعالى، قال حينما سُئل عن زكاة الحلي؟: ((لا شك أن هناك خلافاً قوياً، قديماً وحديثاً في حكم زكاة الحلي المستعمل، ولكن القول الذي أختاره لزوم إخراج زكاته كل عام، ولو كان ملبوساً؛ لقوة الأدلة التي تؤيد هذا ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 157 - 172. (¬2) سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني رحمه الله، 6/ 1185.

9 - جماعة من أهل العلم أيدوا القول بالوجوب

القول، وعلى هذا فإنها تقدر بقيمتها الحالية، ولا ينظر إلى رأس مالها، فتزكَّى قيمة الحلي التي يُقوَّم بها في الحال، سواء كان أكثر مما اشترت به، أو أقل، ثم تزكي تلك القيمة بربع العشر، والله أعلم (¬1). 9 - جماعة من أهل العلم أيدوا القول بالوجوب، ورأوا أنه الأسلم للمسلم، والأبرأ للذمة، ومنهم: 10 - العلامة الخطابي، قال: ((الظاهر من الكتاب يشهد لقول من أوجبها، والأثر يؤيده، ومن أسقطها ذهب إلى النظر، ومعه طرف من الأثر، والاحتياط أداؤها والله أعلم)) (¬2). 11 - العلامة السندي، قال: (( ... لكن تعدد أحاديث الباب، وتأييد بعضها ببعض يؤيد القول بالوجوب، وهو الأحوط، والله تعالى أعلم)) (¬3). 12 - فضيلة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، قال: (( ... قال مقيده - عفا الله عنه - وإخراج زكاة الحلي أحوط؛ لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والعلم عند الله تعالى)) (¬4). 13 - فضيلة الشيخ محمود محمد خطاب السبكي، قال رحمه الله: ¬

(¬1) مجلة اليمامة السعودية، عدد 892، ذكر ذلك الدكتور عبد الله الطيار في زكاة الحلي في الفقه الإسلامي، ص 111, وهو بحث جيد نفيس وقد استفدت منه، جزاه الله خيراً. (¬2) معالم السنن للخطابي، 2/ 176. (¬3) حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 38. (¬4) أضواء البيان، للشنقيطي، 2/ 457.

14 - أبو بكر الجزائري

((وأظهر الأقوال: القول الأول- القول بالوجوب؛ لقوة أدلته، وهو الأحوط)) (¬1). 14 - الشيخ العلامة أبو بكر الجزائري، قال: ((والأحوط في حلي النساء الزكاة على كل حال)) (¬2). 15 - فضيلة الشيخ العلامة صالح البليهي، قال: (( ... من كلام الشيخ تقي الدين، وابن القيم أن الزكاة لا تجب في الحلي، وعلى كل حال العمل بالأحوط أحوط، وأسلم للعاقبة، كيف وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقص مال من صدقة بل تزده بل تزده)). وقال عليه [الصلاة] والسلام: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، والحمد لله رب العالمين)) (¬3). 16 - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. تصفّحت جميع الفتاوى في زكاة الحلي في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة شيخنا ابن باز رحمه الله، فوجدت أنها كلها تذكر الوجوب، وقد بدأ أصحاب الفضيلة الأعضاء ببحث قيم مفيدٍ عن زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال، وذكروا أقوال أهل العلم في الجملة، وذكروا أدلة كل فريق، ووجه الدلالة، ثم رجحوا القول بالوجوب، ثم بعد هذا البحث والترجيح اتخذوا منهجاً في جميع الفتاوى اللاحقة التي تعرض عليهم، فيفتون بوجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل إذا كمل النصاب، أو كان عند المالك من عروض التجارة ما يكمّل به النصاب، ودار عليه الحول، وأعضاء اللجنة هم: ¬

(¬1) المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود، للسبكي، 9/ 135. (¬2) منهاج المسلم، لأبي بكر الجزائري، في هامش صفحة 289. (¬3) السلسبيل في معرفة الدليل، للشيخ صالح البليهي، 1/ 268.

17 - سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

17 - سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رئيس اللجنة. 18 - صاحب الفضيلة العلامة عبد الرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة. 19 - صاحب الفضيلة العلامة عبد الله بن غديان عضو. 20 - صاحب الفضيلة العلامة عبد الله بن قعود عضو (¬1). ومن نماذج الفتاوى، الفتوى رقم (1797) قال فيها أصحاب الفضيلة: ((أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة إذا كان حُليَّاً محرم الاستعمال، أو كان معدًّا للتجارة، أو نحوها، أما إذا كان حلياً مباحاً معدًّا للاستعمال أو الإعارة: كخاتم الفضة، وحلية النساء، وما أبيح من حلية السلاح، فقد اختلف أهل العلم في وجوب زكاته ... )) ثم ذكروا القولين المشهورين، كل قول بدليله، وأجادوا وأفادوا ثم قالوا: ((والأرجح من القولين قول من قال بوجوب الزكاة فيها، إذا بلغت النصاب، أو كان لدى مالكيها: من الذهب، والفضة، أو عروض التجارة، ما يكمل النصاب؛ لعموم الأحاديث في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وليس هناك مخصص صحيح فيما نعلم؛ ولأحاديث: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، وأم سلمة المتقدم ذكرها، وهي أحاديث جيدة الأسانيد، لا مطعن فيها مؤثر، فوجب العمل بها. أما تضعيف الترمذي، وابن حزم لها والموصلي فلا وجه له، فيما نعلم، مع العلم بأن الترمذي رحمه الله معذور فيما ذكره؛ لأنه ساق حديث عبد الله بن عمرو من طريق ضعيفة وقد رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طريق أخرى صحيحة، ولعل الترمذي لم يطلع عليها. ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 61 - 68.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو نائب رئيس اللجنة ... الرئيس عبد الله بن قعود، ... عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز (¬1) ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 61 – 65.

المبحث الحادي عشر: زكاة عروض التجارة

المبحث الحادي عشر: زكاة عروض التجارة أولاًَ: مفهوم عروض التجارة لغة واصطلاحاً: لغةً: العروض: جمع عَرْض بفتح العين وسكون الراء: خلاف النقد من المال، قال الجوهري: العَرْضُ: المتاع، وكل شيء عَرْضٌ سوى الدراهم، والدنانير فإنهما عين، وقال أبو عبيد: العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا يكون حيواناً، ولا عقاراً، تقول: اشتريت المتاع بِعَرْضٍ: أي بمتاع مثله، وعارضته بمتاع، أو دابةٍ، أو شيء، معارضةً إذا بادلته به (¬1). وأما العَرَض بفتح العين والراء، جمع أعراض فهو متاع الدنيا وحطامها, وهذا شامل لكل أنواع المال قَلَّ أو كثر؛ لقول الله - عز وجل -: {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬2)، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ? ((لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)) (¬3) , وسُمِّي عرضاً؛ لأنه يُعْرَضُ وقتاً ثم يزول (¬4). قال الله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ} (¬5) , والمقصود هو الأول: ((العَرْض)). اصطلاحاً: العروض: هو ما أعد للبيع والشراء؛ لأجلِ ربحٍ (¬6). ¬

(¬1) لسان العرب، باب الضاد، فصل العين، 7/ 170، ومختار الصحاح، ص 178. (¬2) سورة النور, الآية: 33. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، بابٌ: الغنى غنى النفس، برقم 6446، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ليس الغنى غنى كثرة العرض، برقم 1051. (¬4) انظر: القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، السعدي أبو جيب، ص 247، ومعجم لغة الفقهاء لمحمد رواس، ص 278، والموسوعة الفقهية، 23/ 268. (¬5) سورة التوبة الآية: 42. (¬6) انظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 620، والشرح الممتع, 6/ 140.

ثانيا: زكاة العروض واجبة بعموم الكتاب والسنة، والآثار، وإجماع عامة أهل العلم والقياس.

وقيل: هو السلع التجارية، كل ما أعد للبيع والشراء من أجل الأرباح، من أي نوع، ومن أي صنف كان، وهو جميع أصناف الأموال غير الذهب والفضة (¬1). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((العروض: جمع عَرْضٍ، وهو غير الأثمان من المال، على اختلاف أنواعه: من النباتِ، والحيوان، والعقار، وسائر المال)) (¬2). التجارة: البيع والشراء من أجل الربح (¬3) في جميع أصناف المال إلا النقدين. وقيل: كل ما أعد للتجارة كائنة ما كانت سواء من جنسٍ تجب فيه زكاة العين: كالإبل، والبقر، والغنم، أو لا: كالعقار، والثياب، والحمير، والبغال (¬4). ثانياً: زكاة العروض واجبة بعموم الكتاب والسنة، والآثار، وإجماع عامة أهل العلم والقياس. أما الكتاب فلعموم الآيات الآتية: الدليل الأول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (¬5). وقد فسر مجاهد ¬

(¬1) انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/ 260. (¬2) المغني، لابن قدامة، 4/ 249. (¬3) لسان العرب، باب التاء، فصل الراء، 2/ 19، وانظر: الموسوعة الفقهية، 23/ 268. (¬4) الموسوعة الفقهية، 23/ 268. (¬5) سورة البقرة, الآية: 267.

رحمه الله تعالى، قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال: ((من التجارة)) (¬1). وفي لفظ: ((من التجارة الحلال)) (¬2). قال الإمام الطبري رحمه الله: ((من طيبات ما كسبتم)) يعني بذلك جل ثناؤه: زكُّوا من طيبات ما كسبتم، بتصرفكم: إما بتجارة، وإما بصناعة، من الذهب والفضة، ويعني بـ ((الطيبات الجياد)) (¬3) وقال الإمام القرطبي رحمه الله: ((الكسب يكون بتعب بدنٍ: وهي الإجارة، وسيأتي حكمها، أو مقاولةٍ في تجارة: وهو البيع)) (¬4). وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} من خيار، قال ابن مسعود - رضي الله عنهم - ومجاهد: من حلالات {مَا كَسَبْتُمْ} بالتجارة، والصناعة (¬5). وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق ... من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها، قال مجاهد: يعني التجارة، بتيسيره إياها لهم ... )) (¬6). وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((يأمر تعالى عباده المؤمنين بالنفقة من طيبات ما يسر لهم من المكاسب ومما أخرج لهم من الأرض)) (¬7). ¬

(¬1) جامع البيان (تفسير الطبري)، 5/ 556، برقم 6121، وأثر مجاهد صحيح الإسناد كما ذكر أبو البراء، وأبو أنس في زكاة عروض التجارة، ص 9. (¬2) جامع البيان (تفسير الطبري)، 5/ 556، برقم 6124. (¬3) تفسير الطبري، 5/ 556. (¬4) تفسير القرطبي، 3/ 322. (¬5) تفسير البغوي، 1/ 252. (¬6) تفسير ابن كثير، ص 212، طبعة دار السلام. (¬7) تفسير السعدي، ص 115.

الدليل الثاني

قال الإمام البخاري رحمه الله: ((بابُ صدقة الكسب والتجارة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (¬1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((هكذا أورد هذه الترجمة مقتصراً على الآية بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال من التجارة الحلال ... (¬2) (¬3). الدليل الثاني من القرآن الكريم، عموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ والله سَمِيعٌ عَلِيم} (¬4). ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية مسائل منها: قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ، والمأخوذ منه، ولا تبين مقدار المأخوذ، ولا المأخوذ منه، وإنما بيان ذلك في السنة والإجماع، حسب ما نذكره، فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال، وقد أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - الزكاة في المواشي والحبوب، والعين وهذا ما لا خلاف فيه، واختلفوا فيما سوى ذلك: كالخيل وسائر العروض ... )) (¬5). وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((أمر تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يأخذ من أموالهم ¬

(¬1) البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الكسب والتجارة، رقم الباب 29، قبل الحديث رقم 1445. (¬2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 307. (¬3) وممن استدل بهذه الآية أيضاً على وجوب زكاة التجارة الصنعاني في سبل السلام، 4/ 54، والماوردي في الحاوي الكبير، 4/ 292، وغير ذلك. (¬4) سورة التوبة, الآية: 103. (¬5) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 8/ 228.

الدليل الثالث

صدقة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام، وإن أعاد بعضهم الضمير في ((أموالهم)) إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً)) (¬1). الدليل الثالث: عموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬2). قال قتادة رحمه الله: ((الحق المعلوم: الزكاة المفروضة)) (¬3). وسُئل ابن عمر رضي الله عنهما عن هذه الآية: أهي الزكاة؟ فقال: ((إن عليك حقوقاً سوى الزكاة)) (¬4). قال الإمام الطبري رحمه الله: ((يقول تعالى ذكره: وإلا الذين في أموالهم حق مؤقت، وهو الزكاة, للسائل الذي يسأله من ماله، والمحروم الذي قد حرم الغِنى فهو فقير لا يسأل)) (¬5). وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((أي في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات)) (¬6). وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬7) قال: ((أي جزء مقسوم, قد أفرزوه للسائل والمحروم)) (¬8). وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ)) من زكاة وصدقة، ((لِلسَّائِلِ)) الذي يتعرض للسؤال ((وَالْمَحْرُومِ)) وهو ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص 629. (¬2) سورة المعارج، الآية: 24. (¬3) جامع البيان، للطبري، 23/ 613. (¬4) المرجع السابق، 23/ 613. (¬5) جامع البيان، 23/ 613. (¬6) تفسير القرآن العظيم، ص 1380. (¬7) سورة الذاريات، الآية: 19. (¬8) تفسير القرآن العظيم، ص 1263.

وأما السنة؛ فلعموم الأحاديث الآتية:

المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه، ولا يُفطن له فيتصدق عليه)) (¬1) قال العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله: ((الزكاة واجبة في عروض التجارة، والدليل على ذلك دخولها في عموم قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬2) (¬3). وأما السنة؛ فلعموم الأحاديث الآتية: الدليل الأول: من السنة عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) وفي لفظ لمسلم: (( ... فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم)) (¬4). وظاهر الحديث العموم في كل مال، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((ولا شك أن عروض التجارة مال)) (¬5). الدليل الثاني من السنة، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة فقيل: منع ابنُ جميل، وخالد بنُ الوليد، وعباس بن عبد المطلب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً, قد احتبس أدراعه وأَعتُدَهُ في سبيل الله، وأما ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 887. (¬2) سورة الذاريات, الآية: 19. (¬3) الشرح الممتع، 6/ 140. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 1395، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬5) الشرح الممتع، 6/ 140.

العباس بن عبد المطلب فعمُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي عليه صدقة ومثلها معها)). ولفظ مسلم: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر على الصدقة ... إلى قوله: وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً قد احتبس أدراعه، وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي ومثلها معها ... )) (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد احتبس أدراعه، وأعتاده في سبيل الله)) ((وأعتاده)) ما يعده الرجل من الدواب والسلاح وآلات الحرب. قال الإمام النووي رحمه الله: ((ومعنى الحديث: أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًّا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم عليَّ، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن خالداً منع الزكاة، فقال لهم: إنكم تظلمونه؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها فلا زكاة فيها، ويحتمل أن يكون المراد: لو وجبت عليه زكاة لأعطاها، ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى تبرعاً, فكيف يشح بواجب عليه، واستنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة, وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف، خلافاً لداود)) (¬2). وقال الخطابي رحمه الله: ((وتأويل الكلام على وجهين: أحدهما: أنه إنما طولب بالزكاة عن أثمان الأدراع والعتاد على أنها ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله} برقم 1468، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تقديم الزكاة ومنعها، برقم 983. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 61، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، 3/ 333، وقال: ((ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها، فأعلمهم عليه الصلاة والسلام بأنه لا زكاة عليه فيما حبس، وهذا يحتاج لنقل خاص، فيكون فيه حجة لمن أسقط الزكاة عن الأموال المحبّسة، ولمن أوجبها في عروض التجارة))، وانظر أيضاً: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد، 2/ 191 – 194.

الدليل الثالث

كانت للتجارة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا زكاة عليه فيها؛ إذ قد جعلها حبساً في سبيل الله، وفيه دليل على وجوب الزكاة في الأموال التي ترصد للتجارة، وهو كالإجماع من أهل العلم، وزعم بعض المتأخرين من أهل الظاهر أنه لا زكاة فيها, هو مسبوق بالإجماع)) (¬1). الدليل الثالث: ما روي من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - يرفعه: ((في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البز صدقته)) (¬2). الدليل الرابع: من السنة، قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬3). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((ولو سألنا التاجر: ماذا يريد بهذه الأموال؟ لقال: أريد الذهب والفضة، أريد النقدين .. فعلى هذا نقول: زكاة العروض واجبة بالنص والقياس)) (¬4). وأما الآثار: فمنها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي: الأثر الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((ليس في العَرْض زكاة؛ ¬

(¬1) معالم السنن للخطابي، 2/ 273، برقم 1623. (¬2) أحمد، 35/ 442، برقم 21557، والترمذي في العلل الكبير، 2/ 102، والحاكم، 1/ 388، والدارقطني، 2/ 102، والبيهقي، 4/ 147، وغيرهم كثير، ولكن الحديث ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، 3/ 324، برقم 1178، ومحققو مسند الإمام أحمد، 35/ 442، برقم 21557، وذكروا أن لفظة ((وفي البز)) بالزاي المعجمة, وأما من صحف ((وفي البر)) بالراء: فلا وجه له, وضعفوا الحديث كما تقدم. واستُدلَّ بحديث سمرة بن جندب: ((كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع)) [أبو داود، برقم 1562]، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 310، برقم 827. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم: 1907، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام، في شروط صحة الزكاة. (¬4) الشرح الممتع، 6/ 141.

الأثر الثاني

إلا أن يراد به التجارة)) (¬1). الأثر الثاني: عن عمر - رضي الله عنه - كما قال عبد الرحمن بن عبدٍ القارئ, وكان على بيت المال في زمن عمر مع عبيد الله بن الأرقم، فإذا خرج العطاء جمع عمر أموال التجارة فحسب عاجلها وآجلها، ثم يأخذ الزكاة من الشاهد والغائب)) (¬2). الأثر الثالث: عن عمر بن عبد العزيز، قال زريق بن حيان - وكان على جواز مصر في زمن الوليد وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، فذكر ((أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: أن انظر من مرَّ بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات: من كل أربعين ديناراً ديناراً، فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين ديناراً، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئاً)) (¬3). وأما الإجماع فقال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: ((وأجمعوا على ¬

(¬1) البيهقي، 4/ 147، وعبد الرزاق في المصنف، 4/ 97، والشافعي في الأم، 2/ 46، وابن أبي شيبة، 3/ 183، وهو صحيح الإسناد كما قالت اللجنة الدائمة في مجموع الفتاوى، 9/ 310، وقال عبد القادر الأرنؤوط في جامع الأصول، 4/ 632 ((بسند صحيح)). واحتج بأثر عن عمرو بن حماس عن أبيه، قال: ((أمرني عمر فقال: أدِّ زكاة مالك. فقلت: ما لي مالٌ إلا جعابٌ وأدَمٌ، فقال: قوِّمها ثم أدِّ زكاتها)) [الدارقطني 2/ 125، والبيهقي 4/ 147، وضعفه الألباني في إرواء الغليل برقم 828]. (¬2) مصنف ابن أبي شيبة، 3/ 184، وأبو عبيد في الأموال، ص 520 - 526، برقم 1178، 1211، وصححه ابن حزم في المحلى، 5/ 234، ولكن لم يعمل به، وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية برئاسة ابن باز بأنه ثابت، [فتاوى اللجنة، 9/ 309]. (¬3) موطأ الإمام مالك، 1/ 255، كتاب الزكاة، باب زكاة العروض، برقم 20، وإسناده حسن، كما قال عبد القادر الأرنؤوط في جامع الأصول لابن الأثير بتحقيقه، 4/ 632.

وأما القياس

أن في العروض التي تدار للتجارة: الزكاة إذا حال عليها الحول)) (¬1). وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: ((ولم يختلف العلماء أن العروض كلها: من العبيد، وغير العبيد إذا لم تكن تبتاع للتجارة أنه لا زكاة فيها)) (¬2). وقد نقل الإجماع عن ابن المنذر رحمه الله موافقةً له على ذلك: الإمام ابن قدامة رحمه الله (¬3) والإمام الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (¬4) , والإمام النووي رحمه الله (¬5) , وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (¬6) , والعلامة الشوكاني رحمه الله (¬7). وقال الإمام البغوي رحمه الله: ((ذهب عامة أهل العلم إلى أن التجارة تجب الزكاة في قيمتها، إذا كانت نصاباً تمام الحول، فيخرج منها ربع العشر)) (¬8). وقال أبو عبيدٍ رحمه الله: ((أجمع المسلمون على أن الزكاة فرض واجب فيها، وأما القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا)) (¬9). وأما القياس، فقال الإمام النووي رحمه الله: ((تجب الزكاة في ¬

(¬1) الإجماع لابن المنذر، ص 57، برقم 137. (¬2) التمهيد لابن عبد البر، 17/ 129. (¬3) المغني، لابن قدامة، 4/ 248. (¬4) سبل السلام، 4/ 54. (¬5) المجموع للنووي، 6/ 47. (¬6) مجموع فتاوى ابن تيمية، 25/ 15. (¬7) نيل الأوطار، 4/ 163. (¬8) شرح السنة للبغوي، 6/ 350. (¬9) الأموال، لأبي عبيد، ص 429.

ثالثا: وجوب زكاة عروض التجارة:

عروض التجارة؛ لحديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -؛ ولأن التجارة يطلب بها نماء المال، فتعلقت بها الزكاة، كالسوم في الماشية)) (¬1). وقال الإمام ابنُ رشدٍ رحمه الله: ((إن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية، فأشبه الأجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق. أعني الحرث, والماشية، والذهب, والفضة)) (¬2). ثالثاً: وجوب زكاة عروض التجارة: قال به الأئمة الأعلام المحققون قديماً وحديثاً: من أهل العلم والإيمان والفقه لمقاصد الإسلام, فهو كالإجماع، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي: الفقهاء السبعة (¬3)، والأئمة الأربعة (¬4): الإمام أبو حنيفة (¬5)، والإمام مالك (¬6)، والإمام الشافعي (¬7) , والإمام أحمد (¬8)، وكثير من علماء الإسلام والأئمة الأعلام لا يحصي عددهم إلا الله، ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية (¬9)، ¬

(¬1) المجموع للنووي، 6/ 47. (¬2) بداية المجتهد، لابن رشد، 1/ 254. (¬3) سبل السلام للصنعاني، 4/ 54، والفقهاء السبعة هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت. انظر: المغني لابن قدامة 4/ 248. (¬4) الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، ص 342. (¬5) المرجع السابق، ص 342. (¬6) الموطأ، 1/ 255. (¬7) الأم للشافعي، 2/ 68. (¬8) المغني لابن قدامة، 4/ 248. (¬9) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 15.

وابن القيم (¬1)، وأبو عبيد (¬2)، والإمام النووي (¬3)، والحافظ ابن حجر (¬4)، والإمام ابن قدامة (¬5)، والعلامة الصنعاني (¬6)، والعلامة الشوكاني (¬7)، والإمام البغوي (¬8)، ومن المعاصرين: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬9)، والإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (¬10)، والعلامة محمد بن صالح العثيمين (¬11)، والعلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (¬12) وغيرهم كثير, بل هو إجماع بين أهل العلم إلا من شذ؛ ولهذا قال الإمام أبو عُبيدٍ رحمه الله: ((أجمع المسلمون على أن الزكاة فرض واجب فيها)) (¬13)، وأما القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا)) (¬14) (¬15). ¬

(¬1) زاد المعاد لابن القيم، 2/ 5. (¬2) الأموال لأبي عبيد، ص 429. (¬3) المجموع للنووي، 6/ 47. (¬4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 333. (¬5) المغني 4/ 248. (¬6) سبل السلام، 4/ 54. (¬7) نيل الأوطار، 4/ 163. (¬8) شرح السنة، 6/ 350. (¬9) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 308 – 362، وقد بدأت اللجنة ببحثٍ قيِّم ذكروا فيه الأدلة على وجوب الزكاة في عروض التجارة، وردوا على ابن حزم الظاهري ومن شذ معه. (¬10) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 159 – 194. (¬11) الشرح الممتع، 6/ 140، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 205 – 246. (¬12) إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، 1/ 320. (¬13) أي: فرض واجب في عروض التجارة. (¬14) الأموال، لأبي عبيد، ص 429. (¬15) قال الإمام ابن قدامة: ((وحكي عن مالك وداود أنه لا زكاة فيها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق)). [أبو داود، برقم 1574، والنسائي برقم 2477، وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436] وتقدم تخريجه في زكاة الأثمان، ثم قال ابن قدامة رحمه الله: ((وخبرهم المراد به زكاة العين لا زكاة القيمة بدليل ما ذكرنا، على أن خبرهم عام وحديثنا خاص، فيجب تقديمه)). [المغني، 4/ 249]، واستدلوا كذلك بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) [متفق عليه: البخاري، برقم 1463، ومسلم، برقم 982]، ونوقش الاستدلال بهذين الحديثين: بأن المراد: الفرس والعبد المعد للخدمة لا لعروض التجارة، فلا زكاة فيهما؛ لأن ذلك يكون خاصاً به يستعمله وينتفع به: كالثوب، والبيت، والسيارة التي يستعملها، كل هذه ليس فيها زكاة [الشرح الممتع، لابن عثيمين 6/ 141]. واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة)) [متفق عليه: البخاري، برقم 1484، ومسلم، برقم 979] قال المسقطون لزكاة العروض التجارية: ((فدل عموم ذلك أنها ليس فيها زكاة سواء أعدت للتجارة أم لا، ويجاب عن ذلك بحمله على عدم وجوب الزكاة في أعيانها، وهذا لا ينافي وجو ب الزكاة في قيمتها: من الذهب, والفضة؛ فإنها ليست مقصودة لأعيانها، وإنما هي مقصودة لقيمتها، فكانت قيمتها هي المعتبرة، وبذلك يجمع بين أدلة نفي وجوبها في العروض وإثباتها فيها)). [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 310] وقالت اللجنة أيضاً في إجابة على الفتوى رقم 8895 لسؤال عن القول بعدم الوجوب في عروض التجارة فأجابت اللجنة بقولها: ((ثبت وجوب الزكاة في النقود ذهباً كانت أو فضة: بالكتاب, والسنة, والإجماع، وعروض التجارة ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود منها النقود ذهباً كانت أو فضة، والأمور إنما تعتبر بمقاصدها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) ولذا لم تجب الزكاة في الرقيق المتخذ للخدمة، ولا في الخيل المتخذة للركوب، ولا في البيت المتخذ للسكنى، ولا في الثياب المتخذة لباساً، ولا في الزبرجد، والياقوت، والمرجان ونحوها إذا اتخذت للزينة، أما إذا اتخذ كل ما ذكر ونحوه للتجارة فالزكاة واجبة فيه؛ لكونه قصد به النقود: من الذهب, والفضة، وما يقوم مقامها، وإنما نفى ابن حزم وجوب الزكاة في عروض التجارة؛ لأنه لا يقول بتعليل الأحكام، والقول بعدم تعليل الأحكام، وأنها لم تشرع لحكم قول باطل، والصحيح أنها معللة، وأنها نزلت لحكم، لكنها قد يعلمها العلماء فيبنون عليها، ويتوسعون في الأحكام، وقد لا يعلمها العلماء فيقفون عند النص، وهذا هو مسلك الأئمة الأربعة، والأكثر من أهل العلم، فمن منع زكاة ما لديه من عروض التجارة فهو مخطئ، والأحاديث الواردة في إيجابها في العروض وإن كان فيها ضعف، صالحة للاعتضاد، والتأييد لهذا الأصل)) [اللجنة الدائمة المكونة من: عبد العزيز ابن باز، وعبد الرزاق عفيفي، وعبد الله بن غديان، وعبد الله بن قعود، 9/ 312].

رابعا: شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة

رابعاً: شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة على النحو الآتي:

الشرط الأول: نية التجارة

الشرط الأول: نية التجارة في عروض التجارة؛ لأن العروض مخلوقة في الأصل للاستعمال, فلا تصير للتجارة إلا بالنية، ويعتبر وجود النية في جميع الحول؛ لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول، فاعتبر فيه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬1) (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم (1)، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في شروط صحة الزكاة. (¬2) واختلف الأئمة الأربعة في شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة على النحو الآتي: 1 - الشافعية: قالوا تجب: الزكاة في عروض التجارة بشروط ستة: ... الشرط الأول: أن تكون هذه العروض قد ملكت بمعاوضة: كشراء ونحوه. الشرط الثاني: أن ينوي بهذه العروض التجارة حال المعاوضة. الشرط الثالث: أن لا يقصد بالمال القنية، فإن قصد ذلك انقطع الحول. الشرط الرابع: مضي حول من وقت ملك العروض. ... الشرط الخامس: أن لا يصير جميع مال التجارة أثناء الحول نقداً من جنس ما تقوم به العروض. الشرط السادس: أن تبلغ قيمة العروض آخر الحول نصاباً. ... 2 - الحنفية: قالوا: تجب زكاة عروض التجارة بشروط منها: الشرط الأول: أن تبلغ قيمتها نصاباً من الذهب أو الفضة. الشرط الثاني: أن يحول عليها الحول, والمعتبر طرفا الحول لا وسطه. الشرط الثالث: أن ينوي التجارة، وأن تكون هذه النية مصحوبة بعمل تجارة. الشرط الرابع: أن تكون العين المتجر فيها صالحة لنية التجارة، فلو اشترى أرض عشر وزرعها أو بذراً وزرعه، وجب في الزرع الخارج العشر دون الزكاة، أما إذا لم يزرع الأرض العشرية فإن الزكاة تجب في قيمتها. 3 - المالكية: قالوا: تجب زكاة عروض التجارة مطلقاً، سواء كان التاجر محتكراً أو مديراً، بشروط خمسة: الشرط الأول: أن يكون العرض مما لا تتعلق الزكاة بعينه: كالثياب، والكتب. الشرط الثاني: أن يكون العرض مملوكاً بمبادلة حالية: كشراء، وإجارة. الشرط الثالث: أن ينوي بالعرض التجارة حال شرائه. ... الشرط الرابع: أن يكون ثمنه عيناً أو عرضاً امتلكه بمعاوضة مالية. ... الشرط الخامس: أن يبيع من ذلك العرض بنصاب من الذهب أو الفضة إن كان محتكراً، أو بأي شيء منهما ولو درهماً إن كان مديراً. 4 - الحنابلة: قالوا: تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصاباً بشرطين: الشرط الأول: أن يملكها بفعله: كالشراء، فلو ملك العروض بغير فعله، كأن ورثها فلا زكاة فيها. الشرط الثاني: أن ينوي التجارة حال التمليك، بأن يقصد التكسب بها، ولا بد من استمرار النية في جميع الحول، أما لو اشترى عرضاً للقنية ثم نوى به التجارة بعد ذلك فلا يصير للتجارة إلا الحلي المتخذ للبس [كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، للحريري، ص 342 - 344].

الشرط الثاني: أن تبلغ قيمة العروض للتجارة نصابا من أقل الثمنين

الشرط الثاني: أن تبلغ قيمة العروض للتجارة نصاباً من أقل الثمنين [أي الذهب والفضة] قيمةً فإذا بلغ أحدهما نصاباً دون الآخر قوَّمه به، ولا يعتبر ما اشتراه به؛ لأن تقويمه لحظ الفقراء ... فإن بلغ نصاباً من كل واحدٍ: من الذهب والفضة، قوَّمه بما هو أحظ لأهل الزكاة، فإن استويا قومه بما شاء منهما، والأصل في اعتبار النصاب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة)) (¬1)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... فإذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون ديناراً)) (¬2). الشرط الثالث: الحول؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) (¬3)، ويعتبر وجود النصاب في جميع الحول؛ لأن ما اعتبر له الحول والنصاب، اعتبر وجوده في جميعه، كالأثمان. ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1484، ومسلم، برقم 979، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في شروط الزكاة. (¬2) أبو داود، برقم 1573، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 346، وتقدم تخريجه في زكاة الأثمان ((زكاة الفضة)). (¬3) أخرجه أبو داود, برقم 1573، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في شروط وجوب الزكاة.

وإذا اشترى للتجارة عرضاً لا يبلغ نصاباً ثم بلغه انعقد الحول عليه من حين صار نصاباً، وإن ملك نصاباً فنقص انقطع الحول، فإن عاد فنما فبلغ النصاب استأنف الحول، على ما ذكر في زكاة السائمة والأثمان, وإن ملك نصاباً في أوقات فلكلِّ نصابٍ حول، ولا يضم نصابٌ إلى نصاب؛ لأن المال المستفاد يعتبر له الحول على ما ذكر سابقاً، وإن لم يَكْمُل النصاب الأول إلا بالثاني فحولهما منذ ملك الثاني، وإن لم يكملا إلا بالثالث فحول الجميع من حين كمل النصاب. وإذا اشترى نصاباً للتجارة بآخر لم ينقطع الحول؛ لأن الزكاة تتعلق بالقيمة، والقيمة فيهما واحدة انتقلت من سلعة إلى سلعة، فهي كدراهم نقلت من بيت إلى بيت، وإن اشتراه بأثمان لم ينقطع الحول؛ لأن قيمة الأثمان كانت ظاهرة فاستترت في السلعة، وكذلك لو باع نصاب التجارة بنصاب الأثمان، لم ينقطع الحول لذلك، وإن اشترى نصاباً للتجارة بِعَرْضِ للقنية أو بما دون النصاب من الأثمان، أو عَرْض للتجارة انعقد الحول من حين الشراء؛ لأن ما اشترى به لم يجرِ في حول الزكاة، فلم يُبنَ عليه، ولو اشترى نصاباً للتجارة بنصاب سائمة أو سائمة بنصاب تجارة انقطع الحول؛ لأنهما مختلفان، فإن كان نصاب التجارة سائمة فاشترى به نصاب سائمة للقنية لم ينقطع الحول؛ لأن السوم سبب للزكاة، إنما قدم عليه زكاة التجارة لقوَّته فإذا زال المعارض ثبت حكم السوم؛ لظهوره (¬1). وإن اشترى أرضاً ونخلاً للتجارة، فزرعت الأرض وأثمر النخل، واتفق حولهما: بأن بدأ الصلاح في الثمر، واشتد الحب، عند تمام الحول، ¬

(¬1) انظر: الكافي لابن قدامة، 2/ 162 - 164، والمغني، 4/ 251 - 255.

خامسا: حول عروض التجارة لا ينقطع بالمبادلة أو البيع

وكانت قيمة الأرض تبلغ نصاب التجارة، فالأقرب للصواب أنه يزكِّي الجميع زكاة التجارة؛ لأنه مال تجارة تجب فيه زكاة التجارة كالسائمة (¬1). وهذه الشروط: من نية التجارة، وبلوغ النصاب، وتمام الحول في عروض التجارة، تضاف إليها الشروط العامة في الزكاة التي ذكرتها في أول الزكاة)) (¬2). خامساً: حول عروض التجارة لا ينقطع بالمبادلة أو البيع: فإذا اشترى عَرْضاً للتجارة بنقدٍ أو باعه به، بنى على حول الأول؛ لأن الزكاة تجب في قيم العروض، وهي من جنس النقد، وحتى بهيمة الأنعام: من ¬

(¬1) وقدم هذا القول العلامة ابن مفلح في الفروع، 4/ 203، واختاره القاضي وجزم به كما ذكر المرداوي في الإنصاف، 7/ 69، وقيل: بل يزكي الثمر والحب زكاة العشر، ويزكي الأرض الأصل زكاة القيمة، وقدمه في المغني، والكافي، بل اختاره ونصره، وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور [انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 256، والكافي له، 2/ 164، والفروع لابن مفلح، 4/ 203، وحاشية ابن قاسم على الروض، 3/ 267]. (¬2) وفي مذهب الإمام أحمد شرط آخر: وهو أن يملك عروض التجارة بفعله، بنية التجارة: كالبيع, والنكاح, وقبول الهدية, ونحو ذلك. وهذه المسألة لها ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يملكها بفعله بنية التجارة، كما لو اشترى هذه الأرض للتجارة ففيها الزكاة. الحالة الثانية: أن يملكها بغير فعله كالميراث، وينويها للتجارة، فالمذهب لا تكون عروض تجارة فليس فيها زكاة. الحالة الثالثة: أن يملكها بفعله بغير نية التجارة ثم ينويها للتجارة، فالمذهب لا تكون للتجارة فليس عليها زكاة. وفي رواية للإمام أحمد أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية، وهذه الرواية هي أقرب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) [متفق عليه] وهي التي اختارها: أبو بكر، وابن أبي موسى، وابن عقيل، وصاحب الفائق، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 6/ 145: ((فيها الزكاة على القول الراجح)). [وانظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي 7/ 56].

سادسا: ربح عروض التجارة حوله حول رأس المال:

الإبل، والبقر، والغنم، إذا قصد بها التجارة؛ فإنه يزكيها زكاة العروض، ولا ينقطع الحول إذا باعها وهي من عروض التجارة: سواء باعها بجنسها أو بغير جنسها، قال الإمام البغوي رحمه الله: ((أما حول [عروض] التجارة فلا ينقطع بالمبادلة؛ لأن زكاة التجارة تجب في القيمة، والقيمة باقية في ملكه وقت المبادلة؛ لأن ملكه لا يزول عن أحدهما إلا ويملك الآخر)) (¬1). سادساً: ربح عروض التجارة حوله حول رأس المال: فلو ملك نصاباً من عروض التجارة وربح في قيمته، فإنه يزكي الجميع: رأس المال مع الربح، حتى لو لم يربح هذا الربح إلى آخر الحول، فإنه يزكيه مع رأس المال، أما إذا كانت قيمة التجارة دون النصاب ثم حصل الربح، فإن بداية الحول من كمال النصاب بالربح، وكذا إذا ارتفع سعر التجارة فإن الزكاة تجب في جميع القيمة، وإن نقص سعر التجارة زكَّى القيمة الحاضرة (¬2). وإذا تم الحول على مال المضاربة فعلى صاحب المال زكاة رأس المال، وزكاة حصته من الربح؛ لأن حول الربح حول الأصل)) (¬3). سابعاً: تضم قيمة أنواع العروض إلى بعضها، وإلى كل من الذهب والفضة في تكميل النصاب: ¬

(¬1) الزكاة، للبغوي ص 195، وانظر: فتاوى ابن عثيمين، 18/ 51، والكافي لابن قدامة، 2/ 164، والمغني، 4/ 255. (¬2) انظر: المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/ 314 - 320، 7/ 71، والكافي، 2/ 165، والمغني، 4/ 258، والشرح الممتع، 6/ 22 - 23، و33 - 39، والمختارات الجلية في المسائل الفقهية للسعدي، ص 76، ومجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/ 50. (¬3) الكافي، لابن قدامة، 2/ 165، والمغني، 4/ 260، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 73.

ثامنا: كيفية تقويم سلع عروض التجارة بما تبلغ قيمتها:

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم فيه خلافاً)) (¬1)، وقال رحمه الله في موضع آخر: ((ولو كان له ذهب، وفضة، وعروض وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تكميل النصاب؛ لأن العروض مضمومٌ إلى كل واحد منهما، فيجب ضمهما إليه وجمع الثلاثة ... )) (¬2) (¬3). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: (( ... تضم قيمة العروض إلى قيمة الذهب والفضة؛ لأن المقصود بهما القيمة)) (¬4). ثامناً: كيفية تقويم سلع عروض التجارة بما تبلغ قيمتها: تقوَّم عروض التجارة عند تمام الحول بالأحظ لأهل الزكاة: من الدنانير من الذهب أو من الدراهم من الفضة، فإذا قُوِّمَت وصارت لا تبلغ النصاب باعتبار الذهب [الدنانير] وتبلغ النصاب باعتبار الفضة [الدراهم] فنأخذ بتقويمها باعتبار الفضة، فالأحظ للفقراء هو ما تبلغ به نصاباً من الذهب أو من الفضة، والعكس بالعكس، ولا يعتبر ما اشتريت به, وإنما المعتبر قيمة العروض عند تمام الحول (¬5). ¬

(¬1) المغني، 4/ 210. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 210. (¬3) قال رحمه الله: ((فأما إن كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما يبلغ نصاباً بمفرده، أو كان له نصاب من أحدهما، وأقل من نصاب من الآخر فقد توقف أحمد عن ضم أحدهما إلى الآخر في رواية الأثرم وجماعة، وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه، حتى يبلغ كل واحد منهما نصاباً)). [المغني، 4/ 210] وتقدم الترجيح في زكاة الأثمان. (¬4) الشرح الممتع، 4/ 148، وانظر: [الفروع، لابن مفلح، 4/ 199]. (¬5) انظر: المقنع والشرح الكبير، 7/ 61، والمغني، 4/ 253، والشرح الممتع، 6/ 146، ومنار السبيل، 1/ 255، والموسوعة الفقهية، 23/ 274، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 264.

تاسعا: لا شيء في آلات التجارة التي لا يراد بيعها ولا في ما أعد للأجرة

مثال: رجل اشترى عقاراً بمبلغ مليون جنيه وعرضه للتجارة, ودار عليه الحول, فكان سعره ثلاثة ملايين جنيه، فيزكي ثلاثة ملايين، ورجل اشترى بضاعة بمائة ألف, وعندما دار الحول كانت قيمتها خمسين ألفاً، فيزكي خمسين ألفاً، وهكذا، في جميع عروض التجارة: المعتبر قيمة التجارة عند تمام الحول (¬1). تاسعاً: لا شيء في آلات التجارة التي لا يراد بيعها ولا في ما أُعدَّ للأجرة، ولكن الزكاة في الأجرة إذا حال عليها الحول. فإذا كان التاجر له في مخزنه: دواليب، وآلات، يستخدمها للعمل في تجارته، فلا زكاة فيها إلا إذا أراد بها عروض التجارة، ومثال ذلك: تاجر له: حفارات، ومكائن، وأجهزة يستعملها لإصلاح تجارته، أو له مطابع وآلات، فلا زكاة في هذه الآلات إذا لم يعدها للبيع، وإنما الزكاة في عروض التجارة التي يديرها، إلا إذا أعدها جميعاً للتجارة بحيث نوى أن يبيعها مع عرض التجارة ففيها الزكاة مع عروض التجارة (¬2). والآلات المعدة للإجارة لا زكاة فيها، إنما الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول، وبلغت النصاب. مثال ذلك: تاجر يملك حفارات، وسيارات، ورافعات، يؤجرها ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، 9/ 317، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 171، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 205 - 206. (¬2) انظر: الفروع، لابن مفلح، 4/ 205، والروض المربع، 3/ 264، والموسوعة الفقهية، 23/ 274، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 185،وفتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 345 - 346، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 207.

عاشرا: مقدار الواجب في عروض التجارة: ربع العشر:

على الناس ولا يريد بيعها إنما يريد الحصول على أجرتها، فهذه لا زكاة فيها وإنما يزكي أجرتها إذا حال عليها الحول. وكذلك: العمارات، والأسواق المؤجرة، لا زكاة فيها, إنما الزكاة في أجرتها، وما يحصل منها إذا حال عليها الحول (¬1). عاشراً: مقدار الواجب في عروض التجارة: ربع العشر: الواجب في زكاة عروض التجارة ربع عشر قيمتها عند تمام الحول؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المقدار الواجب في الفضة: ((وفي الرقة ربع العشر)) (¬2)، والرقة: الفضة، وقال في حديث علي - رضي الله عنه -: ((هاتوا ربع العشور: من كل أربعين درهماً درهمٌ وليس عليكم شيء حتى تتمَّ مائتي درهَمٍ، فإذا كانت مائتي درهَمٍ ففيها خمسة دراهم ... )) (¬3)، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الذهب: (( ... فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار, فما زاد فبحساب ذلك)) (¬4). فالواجب في زكاة عروض التجارة ربع عشر قيمتها، من الذهب، أو من الفضة بالأحظ لأهل الزكاة: مثال ذلك شخص يملك عقاراً قيمته عند تمام الحول مليون جنيه، فزكاته هي: مليون تقسيم أربعين، يساوي خمسة وعشرين ألف جنيهاً ¬

(¬1) الفروع لابن مفلح، 4/ 205، والروض المربع، 3/ 268، وفتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 332، 345، وفتاوى ابن باز، 14/ 182، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 209. (¬2) البخاري، برقم 1454، وتقدم تخريجه في مقدار الزكاة في الذهب والفضة. (¬3) أبو داود، برقم 1572، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 435، وتقدم تخريجه في مقدار زكاة الذهب والفضة. (¬4) أبو داود، برقم 1573، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، وتقدم تخريجه في نصاب الذهب، وفي نصاب الفضة.

[1000.000 ÷ 40 = 25.000 جنيهاً] وشخص آخر له عروض تجارة قيمتها عند تمام الحول خمسون ألف ريالاً سعودياً، فزكاته: خمسون ألف تقسيم أربعين، يساوي: ألف ومائتين وخمسون ريالاً سعودياً. [50.000 ÷ 40 = 1250 ريالاً] وهكذا (¬1). ¬

(¬1) واختلف العلماء في زكاة العروض، هل يجوز إخراجها عرْضاً من نفس العروض أم لا بد أن تكون من القيمة؟ قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها وهذا أحد قولي الشافعي)). [المغني، 4/ 250]. وقال المرداوي في الإنصاف: ((هذا الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب، قطع به أكثرهم)) [الإنصاف، 7/ 55]. والقول الثاني للشافعي وأبي حنيفة: أنه مخير بين الإخراج من قيمتها وبين الإخراج من عينها؛ لأنها مال تجب فيه الزكاة فجاز إخراجها من عينه كسائر الأموال [المغني، 4/ 250، والشرح الكبير، 7/ 55]. ورد ابن قدامة رحمه الله هذا القول, فقال: ((ولنا أن النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها: كالعين في سائر الأموال، ولا نسلم أن الزكاة تجب في المال، وإنما وجبت في قيمته)) [المغني، 4/ 250]. وقال المرداوي: ((وقال الشيخ تقي الدين: ويجوز الأخذ من عينها أيضاً)) [الإنصاف، 7/ 55]. وذكر شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى، [1/ 299] الأقوال في المسألة: يجوز مطلقاً، لا يجوز مطلقاً، يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة، ثم قال: ((وهذا أعدل الأقوال، فإن كان آخذ الزكاة يريد أن يشتري بها كسوة فاشترى رب المال بها كسوة وأعطاه فقد أحسن إليه، وأما إذا قوَّم هو الثياب فأعطاها فقد يقومها بأكثر من السعر، وقد يأخذ الثياب من لا يحتاج إليها، بل يبيعها فيغرم أجرة المنادي، وربما خسرت فيكون في ذلك ضرر على الفقراء)) [الفتاوى الكبرى، 1/ 299] وذكر عن شيخ الإسلام أيضاً في الاختيارات الفقهية: ((ويجوز إخراج زكاة العروض عرضاً، ويقوى على قول من يقول: تجب الزكاة في عين المال)) [الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 151]. وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((والصحيح جواز دفع زكاة العروض من العروض؛ لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله ... )) [المختارات الجلية من المسائل الفقهية، للسعدي، ص 77]. وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: ((اختلف العلماء في جواز أخذ العروض في الزكاة، والأرجح جواز ذلك بحسب السعر حين الإخراج، سواء كان ذلك: طعاماً، أو ملابس، أو غير ذلك؛ لما في ذلك من الرفق بأصحاب الأموال، والإحسان إلى الفقراء؛ ولأن الزكاة مواساة، فلا يليق تكليف أصحاب الأموال بما يشق عليهم)) [مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 249 - 254]. قال الإمام البخاري رحمه الله: ((بابٌ: العرض في الزكاة، وقال طاوس قال معاذ - رضي الله عنه - لأهل اليمن: ائتوني بعرضٍ ثيابٍ خميصٍ أو لبيسٍ في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة)). [البخاري، بعد الحديث رقم 1447]. قوله: باب العروض في الزكاة: أي جواز أخذ العرض، والمراد به ما عدا النقدين. قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل، وقد أجاب الجمهور عن قصة معاذ، وعن الأحاديث كما سيأتي عقب كل منها [فتح الباري لابن حجر، 3/ 312] وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 1448: يذكر أن الزكاة يجوز إعطائها من العروض عند الحاجة للفقير، فلو كان عنده ريال مثلاً، وأراد أن يعطيها الأيتام فلا بأس أن يعطيهم إياها طعاماً لحاجتهم، وكذا لو كان الفقير سفيهاً، وحديث معاذ حجة: أنه إذا رأى العامل أخذ الملابس، أو الطعام، بدلاً من الصدقة للحاجة فله ذلك؛ لأن معاذاً كان يأخذ العروض من الصدقة)). [وانظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 312]. وسئل شيخنا ابن باز رحمه الله، عن موضوع صرف مبالغ الزكاة؛ لشراء مواد غذائية وعينية: كالبطانيات، والملابس، وصرفها لبعض الجهات الإسلامية الفقيرة، مثل: السودان، وإفريقيا، خاصة في الحالات التي لا تتوفر المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان، أو تكاد تكون معدومة، وإن توفرت فهي بأسعار مضاعفة عن الأسعار التي تصلهم بها ... فأجاب رحمه الله: ((لا مانع من ذلك بعد التأكد من صرفها في المسلمين، أثابكم الله وتقبل منكم)) [مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 246].

الحادي عشر: زكاة الأسهم والسندات:

الحادي عشر: زكاة الأسهم والسندات: الأسهم والسندات معاملات معاصرة, تحتاج إلى فهمٍ لحقيقتها, ثم النظر في زكاتها على النحو الآتي: 1 - مفهوم الأسهم: ((الأسهم جمع سهم، وهو: حصةٌ في رأس مال شركة ما - أي شركة تجارية، أو عقارية، أو صناعية، ملاك أم شركة عقود - وكل سهم جزء من أجزاء متساوية لرأس المال)) (¬1). وقيل: ((الأسهم حقوق ملكية جزئية، لرأس مال كبير، للشركات ¬

(¬1) الربا المعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، للدكتور: عمر المترك، ص 369.

2 - مفهوم السند

المساهمة، أو التوصية بالأسهم، وكل سهم جزء من أجزاء متساوية لرأس المال)) (¬1). وقيل: ((السهم: هو صك يمثل حصة من الحصص المتساوية، المقسم إليها رأس المال المطلوب للمساهمة. وهذه المساهمة تخوِّل لصاحبها الحق في الحصول على ما يخصه من أرباح عند اقتسام الممتلكات، أو تحمَّل ما يخصه من الخسارة إن كانت)) (¬2). 2 - مفهوم السند: ((السند تعهد مكتوب: من البنك، أو الشركة، أو الحكومة لحامله بسداد مبلغ مقدر، من قرض في تاريخ معين، نظير فائدة مقدرة)) (¬3). وقيل: ((السند صك يتضمن تعهداً: من المصرف، أو الشركة، أو نحوهما لحامله بسداد مبلغ مقدر، في تاريخ معين، نظير فائدة مقدرة غالباً، بسبب قرضٍ عقدته شركة مساهمة، أو هيئة حكومية، أو أحد الأفراد)) (¬4). وقيل: ((السند هو جزء من قرض طويل الأجل، تدفع عليه فائدة ثابتة في ميعاد معين، وترد قيمته للمقرض في ميعاد متفق عليه)) (¬5). 3 - الفروق بين الأسهم والسندات: السهم ... السندات 1 - صك يمثل جزءاً من رأس المال. ... 1 - صك يمثل جزءاً من قرض, ولا تدخل قيمته في رأس المال. ¬

(¬1) فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي، 1/ 521. (¬2) زكاة الأسهم والسندات والورق النقدي، للدكتور صالح بن غانم السدلان، ص 13. (¬3) فقه الزكاة للقرضاوي، 1/ 521. (¬4) الربا والمعاملات المصرفية، ص 369. (¬5) زكاة الأسهم والسندات، والورق النقدي، ص 14.

4 - حكم بيع الأسهم

2 - حامله شريك بقدر أسهمه. ... 2 - حامله دائن وليس بشريك. 3 - يصدر قبل تأسيس الشركة. ... 3 - يصدر بعد التأسيس لتوسيع الأعمال. 4 - كل شركة مساهمة لها أسهم. ... 4 - لا يلزم أن يكون للشركة المساهمة سندات. 5 - للمساهم حق الحضور والتصويت في الجمعيات العمومية. ... 5 - ليس لصاحبه الحق في الحضور والتصويت في الجمعيات العمومية. 6 - قد يفقد المساهم حصته بسبب إفلاس أو ديون الشركة. ... 6 - لا تقع عليه أي أخطار، بل يتأذى بإعسار الشركة ولكن حصته مضمونة. 7 - ربح المساهم يأخذه إذا ربحت الشركة وإلا فلا. ... 7 - لصاحب السند فائدة مضمونة في الموعد المحدد ربحت الشركة أم خسرت. 8 - لا يمكن إصداره بأقل من قيمته الإسمية. ... 8 - يمكن إصداره بأقل من قيمته الإسمية. 9 - أرباح السهم لا يعرف ميعاد دفعها بالضبط. ... 9 - تدفع الفائدة على السند في ميعاد محدد معروف. 10 - لا يمكن خصم كوبون السهم. ... 10 - يمكن خصم كوبون السند. 11 - لا تسدد قيمته إلا عند تصفية الشركة. ... 11 - للسند وقت محدد لسداده. 12 - لا يكون لحامله إلا ما فضل بعد أداء ما على الشركة من ديون. ... 12 - لحامله الأولوية عند تصفية الشركة لأنه يمثل جزءاً من ديونها. 13 - جواز المعاملة بالسهم بيعاً وشراء إذا كانت الشركة مباحة ومعروفة ومشهورة, وليس فيها غرر ولا جهالة. ... 13 - السند بهذه الصفات يحمل قرضاً بفائدة, وهذا العمل حرمه الله ورسوله، وهو من ربا الجاهلية، ومن تعامل به فهو يدخل تحت اللعنة، وهو محارب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 4 - حكم بيع الأسهم, على نوعين: النوع الأول: أسهم في مؤسسات محرمة، أو مكسبها حرام، أو تتعاون على الإثم والعدوان كالمصارف: الربوية, والبنوك التي تتعامل بالربا، أو مؤسسات نوادي القمار، أو دور لهو ومجون، أو غير ذلك مما حرم الله تعالى, فالمعاملة في هذه المؤسسات وغيرها مما يشبهها حرام, سواء كانت: مساهمة, أو بيعاً للأسهم, أو تعاملاً، قال الله تعالى: ¬

(¬1) انظر: زكاة الأسهم والسندات، ص 15، والربا والمعاملات المصرفية، ص 369 - 375، وفقه الزكاة للقرضاوي، 1/ 521.

النوع الثاني: أسهم في مؤسسات مباحة

{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬1). النوع الثاني: أسهم في مؤسسات مباحة: كالشركات التجارية المباحة، والصناعية المباحة، والعقارية المباحة، فهذه المساهمة فيها جائزة والمشاركة فيها وبيع أسهمها، بشرط أن تكون الشركة معروفة، والقائمون عليها ثقات أمناء يراقبون الله تعالى ويتقونه, وليس فيها غرر ولا جهالة، فهذه جائزة؛ لأن السهم جزء من رأس المال يعود على صاحبه بربح ناشئ من كسب التجارة والصناعة المباحة، وهذا حلال بلا شك (¬2). 5 - حكم بيع السندات وشرائها، والتعامل بها، إذا كانت على الصفات المذكورة في الجدول الموضح في الصفحة قبل السابقة، فهي عبارة عن قرض بفائدة، وهذا عين الربا، الذي كان موجوداً في الجاهلية، فإصدار هذه السندات من أول الأمر عمل غير شرعي، فيكون تداولها بالبيع والشراء غير جائز شرعاً، ولا يصح لحامل السند بيعه بهذه الصفات المذكورة آنفاً، وعليه التوبة، وله رأس ماله: لا يظلم, ولا يظلم (¬3). 6 - كيفية زكاة الأسهم: زكاة الأسهم على نوعين: ¬

(¬1) سورة المائدة, الآية: 2. (¬2) انظر: الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، لمعالي الشيخ الدكتور عمر بن عبد العزيز المترك رحمه الله، ص 371. (¬3) انظر: الربا والمعاملات المصرفية، ص 369 - 375 ..

النوع الأول: المساهمة في الشركات الصناعية

النوع الأول: المساهمة في الشركات الصناعية المحضة مثل: شركات الأدوية، والكهرباء، والإسمنت، والحديد، ونحوها من الشركات الصناعية، والمشتركون فيها لا يريدون بيعها, وإنما يريدون استثمارها باستمرار دائم، فهذه تجب الزكاة في صافي أرباحها ربع العشر [2.5%] إذا بلغت الأرباح نصاباً وحال عليها الحول، فكل مساهمٍ يجب عليه تزكية أرباح أسهمه كل سنة بالشروط المتقدمة آنفاً، قياساً على العقارات المعدة للأجرة والكراء. النوع الثاني: المساهمة في شركات تجارية محضة، تشتري البضائع وتبيعها: كالاستيراد، والتصدير، والبيع, والشراء، والمضاربات، ونحوها من المساهمات في الشركات التجارية المباحة التي لا يقصد المساهم فيها الاستمرار دائماً, وإنما يقصد المتاجرة في البيع والشراء، طلباً للربح، فالزكاة واجبة في جميع ما يملك المساهم وزكاتها: زكاة عروض التجارة، تقوَّم في آخر كل عام, ثم تزكَّى إذا بلغت نصاباً مع أرباحها، فالزكاة تكون في رأس المال مع الربح جميعاً (¬1). وهذا التقسيم الذي يفتي به شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله، قال رحمه الله: ((إذا كانت الأسهم للاستثمار لا للبيع فالواجب تزكية أرباحها، من النقود إذا حال عليها الحول وبلغت النصاب. أما إذا كانت الأسهم للبيع فإنها تزكى مع أرباحها كلما حال الحول على الأصل، حسب قيمتها حين تمام الحول ... )) (¬2). ¬

(¬1) انظر: مختصر الفقه الإسلامي، لمحمد بن إبراهيم التويجري، ص 605 - 606، وفتاوى الإمام ابن باز، 14/ 189 - 194، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 349 - 362، وفتاوى ابن عثيمين، 18/ 217 - 233. (¬2) مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 14/ 191، وانظر: فقه الزكاة للقرضاوي، 1/ 521.

7 - زكاة السندات

7 - زكاة السندات: السندات المذكورة بصفاتها السابقة محرمة لا يجوز التعامل بها: بيعاً, وشراء، ولكن من وقع فيها فعليه التوبة وله رأس ماله، لا يظلم ولا يظلم، وعلى كل حال: فالسندات ديون مؤجلة، ولا يمنع من زكاتها كون الفائدة محرمة, إذ إن التحريم لا يكون سبباً في إعفاء صاحب السند من الزكاة. والصحيح من أقوال أهل العلم في زكاة الدين أنه على نوعين: النوع الأول: دينٌ على مليء معترفٍ به باذلٍ له، فعلى صاحبه زكاته كل سنة كلما حال عليه الحول كأنه عنده، وهو عند المدين كالأمانات (¬1). النوع الثاني: دينٌ على معسرٍ, أو جاحدٍ، أو مماطل، فالصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يلزم صاحب المال زكاته حتى يقبضه، ثم يستقبل به عاماً جديداً, فإذا حال عليه الحول بعد قبضه زكَّاه، ولو زكاه بعد قبضه عن سنة واحدة لما مضى كان أحسن وفيه احتياط، لكن لا يلزمه ذلك (¬2). وأختم هذه المسألة بسؤال وُجِّه للجنة الدائمة, للبحوث العلمية، والإفتاء، هذا نصه, وجوابه: س: هل على الأسهم والسندات زكاة؟ وكيف نخرجها؟ جـ: تجب الزكاة في الأسهم والسندات إذا كانت تمثل نقوداً، أو ¬

(¬1) انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 269 - 270، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 53. (¬2) انظر: المغني، 4/ 269، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 321، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 53، وفتاواه جمع الطيار، 5/ 25، وقد سبق أن ذكرت أقوال أهل العلم في زكاة الدين في منزلة الزكاة في الإسلام فليراجعها من شاء.

عروضاً للتجارة، بشرط أن يكون من في ذمته النقود ليس معسراً، ولا مماطلاً)) (¬1). ¬

(¬1) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 354.

المبحث الثاني عشر: زكاة الفطر

المبحث الثاني عشر: زكاة الفطر أولاًَ: مفهوم زكاة الفطر: الزكاة لغة: النماء، والزيادة، والطهارة، والبركة، يقال: زكى الزرع: إذا نما وزاد (¬1). الفطر: اسم مصدر، من قولك: أفطر الصائم، يفطر إفطاراً؛ لأن المصدر منه: الإفطار، وهذه يراد بها الصدقة عن البدن، والنفس، وإضافة الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به، فيقال: ((زكاة الفطر)). وقيل لها: فطرةٌ؛ لأن الفطرة: الخلقة، قال الله تعالى: {فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (¬2). أي جِبلَّته التي جبل الناس عليها، وهذه يراد بها الصدقة عن: البدن، والنفس، كما كانت الأولى صدقة عن المال (¬3)، ويقال: ((زكاة الفطر، وصدقة الفطر، ويقال للمُخْرَج: فطرة, وهي اصطلاحية للفقهاء، كأنها من الفطرة التي هي الخلقة: أي زكاة الخلقة)) (¬4). زكاة الفطر في الاصطلاح: ((هي الصدقة تجب بالفطر من رمضان، ¬

(¬1) انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، باب الزاي مع الكاف، مادة ((زكا))، 2/ 307، ولسان العرب، لابن منظور، باب الواو والياء من المعتل، فصل الزاي، مادة ((زكا)) 14/ 358، والقاموس المحيط، باب الواو والياء، مادة ((زكا))، ص 1667، والتعريفات، للجرجاني، ص 152. (¬2) سورة الروم، الآية: 30. (¬3) انظر: غريب الحديث، لابن قتيبة، 1/ 184، والمغني، لابن قدامة، 4/ 282. (¬4) المجموع للنووي، 6/ 48، فرضت زكاة الفطر في السنة الثانية للهجرة [فتح القدير للشوكاني، 5/ 425].

ثانيا: الأصل في وجوب زكاة الفطر: عموم الكتاب وصريح السنة والإجماع:

طهرة للصائم: من اللغو، والرفث)) (¬1). وقيل: ((إنفاق مقدار معلوم، عن كل فرد مسلم يُعيله، قبل صلاة عيد الفطر، في مصارف مخصوصة)) (¬2). وقيل: ((صدقة واجبة بالفطر من رمضان، وتسمى فرضاً، ومصرفها كزكاةٍ)) (¬3). والحدُّ الذي يشمل التعريفات المتقدمة كلها، وهو: أن يقال: زكاة الفطر: صدقة معلومة بمقدار معلوم، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة، عن طائفة مخصوصة، لطائفة مخصوصة، تجب بالفطر من رمضان، طهرة للصائم: من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، والله تعالى أعلم. ثانياً: الأصل في وجوب زكاة الفطر: عموم الكتاب وصريح السنة والإجماع: أما عموم الكتاب، فقيل: قول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (¬4) (¬5). وعموم قول الله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ ¬

(¬1) الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجاوي الحنبلي، 1/ 449، ومنتهى الإرادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي، 1/ 496، وحاشية الروض المربع لابن قاسم، 3/ 269. (¬2) معجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص 208، مادة ((زكاة)). (¬3) منتهى الإرادات، للفتوحي، 1/ 496، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب، لعبد القادر بن عمر التغلبي، 1/ 255. (¬4) سورة الأعلى، الآيتان: 14 - 15. (¬5) ذكر الإمام الطبري في تفسير، هـ 24/ 374 عن أبي العالية: ما يفيد ذلك، وذكره عبد الرزاق في مصنفه، برقم 5795 عن سعيد بن المسيب، وذكر ابن كثير في تفسيره أن عمر بن عبد العزيز كان يتلو هذه الآية عندما يأمر الناس بزكاة الفطر، وذكر ابن قدامة في المغني، 4/ 82، والزركشي على مختصر الخرقي، أن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز قالا في هذه الآية: قد أفلح من تزكى ((هو زكاة الفطر)) والله تعالى أعلم.

وأما السنة

فَخُذُوهُ} (¬1). وأما السنة؛ فلأحاديث كثيرة، ومنها حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين ... )) (¬2). وأما الإجماع، فأجمع أهل العلم: أن صدقة الفطر فرض، قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال، الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر)) (¬3). ثالثاً: شروط وجوب زكاة الفطر ثلاثة شروط: الشرط الأول: الإسلام، فتجب على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجل أو امرأة، صغيرٍ أو كبيرٍ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان، على كل نفس من المسلمين: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ)) (¬4). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم، مع الصغر والكبر، ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 7. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1503، ومسلم، برقم 984، وسيأتي تخريجه. (¬3) الإجماع لابن المنذر، ص 55، وانظر: المغني لابن قدامة، 4/ 280، والشرح الكبير مع المغني والإنصاف، 7/ 79. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 1503، ومسلم, برقم 984، وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.

الشرط الثاني: الغنى

والذكورية والأنوثية, في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم, ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق)) (¬1). الشرط الثاني: الغنى، وهو أن يكون عنده يوم العيد وليلته صاع، زائد عن قوته وقوت عياله، وحوائجه الأصلية (¬2). الشرط الثالث: دخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان)) (¬3) وذلك يكون بغروب الشمس، من آخر يوم من أيام شهر رمضان، فمن أسلم أو تزوج، أو وُلِدَ له ولد، أو مات قبل الغروب لم تلزمه فطرتهم، وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم؛ لأنها تجب في الذمة، فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار (¬4). رابعاً: الحكمة من وجوب زكاة الفطر: لا شك أن مشروعية زكاة الفطر لها حِكم كثيرة من أبرزها وأهمها الحكم الآتية: 1 - طُهرةٌ للصائم، من اللغو والرفث، فترفع خلل الصوم، فيكون بذلك تمام السرور. 2 - طعمةٌ للمساكين، وإغناء لهم عن السؤال في يوم العيد، ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 283. (¬2) الكافي، لابن قدامة، 2/ 168، والشرح الممتع، 6/ 153. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1503، ومسلم، برقم 984، وسيأتي تخريجه. (¬4) الكافي، لابن قدامة، 2170.

3 - مواساة للمسلمين

وإدخال السرور عليهم؛ ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع. 3 - مواساةٌ للمسلمين: أغنيائهم، وفقرائهم ذلك اليوم، فيتفرغ الجميع لعبادة الله تعالى، والسرور والاغتباط بنعمه - سبحانه وتعالى -، وهذه الأمور تدخل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر: طهرة للصائم، من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين ... )) (¬1). 4 - حصول الثواب والأجر العظيم بدفعها لمستحقيها في وقتها المحدد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس المشار إليه آنفاً: ((فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬2). 5 - زكاة للبدن حيث أبقاه الله تعالى عاماً من الأعوام، وأنعم عليه سبحانه بالبقاء؛ ولأجله استوى فيه الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والغني والفقير، والحر والعبد، والكامل والناقص في مقدار الواجب: وهو الصاع. 6 - شكر نعم الله تعالى على الصائمين بإتمام الصيام، ولله حكم، وأسرار لا تصل إليها عقول العالمين (¬3). ¬

(¬1) أبو داود، برقم1609، وابن ماجه، برقم 1827، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1609، وفي صحيح ابن ماجه، برقم 492 - 1854، ويأتي تخريجه إن شاءالله. (¬2) أبو داود، برقم 1609، وابن ماجه، برقم 1827، وهو جزء من الحديث الذي قبله. (¬3) إرشاد أولي البصائر والألباب، لنيل الفقه بأقرب الطرق، وأيسر الأسباب للعلامة عبد الرحمن السعدي، ص 134.

خامسا: زكاة الفطر فرض على كل مسلم فضل عنده يوم العيد وليلته صاع من طعام

خامساً: زكاة الفطر فرض على كل مسلم فَضُل عنده يوم العيد وليلته صاع من طعام، عن قوته وقوت أهل بيته الذين تجب نفقتهم عليه؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر في رمضان على كل نفسٍ من المسلمين: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ، أو امرأةٍ، صغيرٍ، أو كبيرٍ، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير)) وهذا لفظ مسلم في رواية, ولفظ البخاري: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤَدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة)). وفي لفظٍ للبخاري عن نافع عن ابن عمر: ((فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر – أو قال: رمضان – على الذكر، والأنثى، والحر، والمملوك: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من برٍّ، فكان ابن عمر يعطي التمر, فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً، فكان ابن عمر يُعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان يعطي بنيَّ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يُعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) (¬1). ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الحمل؛ لفعل عثمان - رضي الله عنه - (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر، برقم 1503، وباب صدقة الفطر على الحر والمملوك، برقم 1511، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين، برقم 16 – 984. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة، 3/ 419، وأخرجه عبد الله بن أحمد في مسألة 644، عن حميد وقتادة: ((أن عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل)). وأخرج ابن أبي شيبة، 3/ 419، وعبد الرزاق، برقم 788, عن أبي قلابة قال: ((كانوا يعطون صدقة الفطر، حتى يعطوا عن الحبل))، وفي رواية لأحمد: أن زكاة الفطر عن الحمل تجب. الشرح الكبير، 7/ 96، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 366، 367، والمغني لابن قدامة، 4/ 216، ومجموع فتاوى ابن باز 14/ 201.

سادسا: وقت إخراج زكاة الفطر:

وتخرج عن المملوك يخرجها سيده عنه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على المسلم في فرسه، ولا في عبده صدقة إلا صدقة الفطر)) (¬1). سادساً: وقت إخراج زكاة الفطر: وقَّت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت إخراج زكاة الفطر في حديث ابن عمر السابق بقول ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) (¬2). أي صلاة العيد. وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) (¬3)؛ ولكن الأفضل أن تخرج يوم العيد قبل الصلاة؛ لسد حاجة الفقراء يوم العيد، وإغنائهم يوم العيد عن المسألة. ولا يجوز تأخيرها بعد الصلاة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرةً للصائم: من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، برقم 982، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، 4/ 82، فقال: ((باب الدليل على أن صدقة الفطر عن المملوك واجبة على مالكه، لا على المملوك كما توهم بعض الناس)). (¬2) متفق عليه، البخاري, برقم 1503، ومسلم، برقم 984، وتقدم تخريجه. (¬3) البخاري, برقم 1511، ومسلم, برقم 984، وتقدم تخريجه. (¬4) أبو داود, كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، برقم 1609، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر، برقم 1827، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1609، وصحيح ابن ماجه، برقم 1854، وإرواء الغليل، برقم 843.

سابعا: درجات إخراج زكاة الفطر على النحو الآتي:

ولكن زكاة الفطر لا تجب إلا بغروب شمس آخر يوم من رمضان: فمن أسلم بعد الغروب، أو تزوج، أو وُلِد له وَلدٌ، أو مات قبل الغروب لم تلزم فطرتهم (¬1). سابعاً: درجات إخراج زكاة الفطر على النحو الآتي: الدرجة الأولى: جواز تقديم زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: (( ... وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) (¬2)، وفي لفظ للإمام مالك: ((أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة)) (¬3). قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((ووقتها ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد؛ ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة)) (¬4). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله: ((ولا مانع من إخراجه قبله بيوم أو يومين, أو ثلاثة، ولكن لاتؤجل ¬

(¬1) انظر: الكافي لابن قدامة، 1/ 170، والروض المربع، وقال الإمام النووي: ((قوله: من رمضان)) إشارة إلى وقت وجوبها وفيه خلاف للعلماء: فالصحيح من قول الشافعي إنها تجب بغروب الشمس ودخول أول جزء من ليلة عيد الفطر. والثاني تجب لطلوع الفجر ليلة العيد، وقال أصحابنا: تجب بالغروب والطلوع معاً، فإن ولد بعد الغروب أو مات قبل الطلوع لم تجب، وعن مالك روايتان: كالقولين، وعند أبي حنيفة تجب بطلوع الفجر)) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 63، وانظر: المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 7/ 113. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1511، ومسلم، برقم 984، وتقدم تخريجه. (¬3) موطأ الإمام مالك، كتاب الزكاة، باب وقت إرسال زكاة الفطر، برقم 55. (¬4) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 369.

الدرجة الثانية

بعد العيد)) (¬1) (¬2). الدرجة الثانية: وقت الوجوب: هو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ فإنها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، فمن تزوج، أو ملك عبداً، أو وُلِد له ولد، أو أسلم قبل غروب الشمس، فعليه الفطرة، وإن كان ذلك بعد الغروب لم تلزمه، ومن مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر، نص عليه الإمام أحمد، وبه قال الثوري، وإسحاق، ومالك في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في أحد قوليه (¬3). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في أول وقت الوجوب لزكاة الفطر: ((إنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهو أول ليلة من شهر شوال، وينتهي بصلاة العيد؛ لأن النبي ¬

(¬1) فتاوى ابن باز، 14/ 216. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تحديد أول وقت لجواز دفع زكاة الفطر، على أقوال: القول الأول: يجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين، وجاء في الموطأ ((ثلاثة)) , وهذا القول هو الذي عليه الدليل, كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) متفق عليه، وهذا فيه إشارة إلى جميع الصحابة فكان إجماعاً [المغني، 4/ 301]. القول الثاني: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وقال بعض أصحابنا: يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل)) [المغني، 4/ 300، والشرح الكبير، 7/ 116]. القول الثالث: وقال أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول؛ لأنها زكاة، فأشبهت زكاة المال، [المغني، 4/ 300]. القول الرابع: وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان؛ لأن سبب الصدقة: الصوم, والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب، [المغني 4/ 300]. والقول الأول هو الصحيح، لثبوته في حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ ولأن سبب وجوبها الفطر بدليل إضافتها إليه؛ ولأن العبادات توقيفية، [المغني، 4/ 300]. (¬3) المغني، لابن قدامة، 4/ 298، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 113.

الدرجة الثالثة

- صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراجها قبل الصلاة)) (¬1) (¬2). الدرجة الثالثة: المستحب إخراج زكاة الفطر يوم الفطر قبل صلاة العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (¬3)، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما ((فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬4). الدرجة الرابعة: لا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد على القول الصحيح، فمن أخَّرها بعد الصلاة بدون عذر، فعليه التوبة، وعليه أن يخرجها على الفور، قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((وفي الكراهة بعدها وجهان، والقول بها أظهر؛ لمخالفة الأمر، وقيل: تحرم بعد الصلاة، وذكر صاحب المحرر أن أحمد رحمه الله: أومأ إليه، وتكون قضاءً، وجزم به ابن الجوزي)) (¬5). وقال الإمام عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((الواجب ... إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد)) (¬6). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله، في تعمد إخراجها ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 373. (¬2) وقال الليث وأبو ثور، وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد، وهو رواية عن مالك، والصواب الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة: أن أول وقت الوجوب غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويجوز تقديمها بيوم أو يومين أو ثلاثة. وانظر: المغني لابن قدامة، 4/ 298. (¬3) متفق عليه: البخاري, برقم 1511، ومسلم, برقم 984، وتقدم تخريجه. (¬4) أبو داود، برقم 1609، وابن ماجه، برقم 1827، وتقدم تخريجه. (¬5) كتاب الفروع، لابن مفلح، 4/ 227. (¬6) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 201.

بعد صلاة العيد: ((والصحيح أن إخراجها في هذا الوقت محرم، وأنها لا تجزئ، والدليل على ذلك حديث ابن عمر [رضي الله عنهما: أن النبي] ((أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة)) (¬1) فإذا أَخَّرها حتى يخرج الناس من الصلاة، فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬2) بل إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما صريح في هذا، حيث قال: ((من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) (¬3)، وهذا نص في أنها لا تجزئ ... )) (¬4). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عندما سُئِلت عن وقت زكاة الفطر هل يمتد الوقت إلى آخر يوم العيد؟ فبينوا وقتها ثم قالوا: (( ... فمن أخرها عن وقتها فقد أثم، وعليه أن يتوب من تأخيره، وأن يخرجها للفقراء)) (¬5). وهذا اختيار شيخ الإسلام وابن القيم (¬6) (¬7). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1511، ومسلم، برقم 984، وتقدم. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718، ويأتي تخريجه إن شاء الله. (¬3) أبو داود، برقم 1609، وابن ماجه، 1827، وتقدم تخريجه. (¬4) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 171 – 172. (¬5) فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 373. (¬6) انظر: حاشية ابن قاسم على الروض، 3/ 82، والإنصاف، 7/ 118، وزاد المعاد، 2/ 21. (¬7) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((فإن أخرها عن الصلاة ترك الأفضل ... ومال إلى هذا القول عطاء، ومالك ... وأصحاب الرأي ... فإن أخرها عن يوم العيد أثم ولزمه القضاء ... وحكي عن ابن سيرين والنخعي: الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد ... واتباع السنة أولى)) المغني، 4/ 298، قلت: والصواب أنه لا يجوز تعمد إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد، كما دلت على ذلك الأدلة المذكورة في المتن.

ثامنا: مقدار زكاة الفطر وأنواعها:

ثامناً: مقدار زكاة الفطر وأنواعها: هو صاع من قوت البلد الذي يأكله الناس، وقد ثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي ذكرته آنفاً أنه قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ... )). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه كان يقول: ((كنا نخرج زكاة الفطر: صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب)). وفي لفظ للبخاري: ((كنا نعطيها في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ... )). وفي لفظ لمسلم: ((كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر: عن كل صغير، وكبير، حرٍّ أو مملوك: صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجًّا أو معتمراً, فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت)) (¬1). وفي لفظ ابن ماجه قال أبو سعيد: ((لا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبداً ما عشت)) (¬2). وفي حديث أبي سعيد زيادات لم أذكرها؛ لأن فيها نظراً (¬3)، أما رأي معاوية - رضي الله عنه - في أن البر يعدل المد منه ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاع من طعام، برقم 1506، وباب صاع من زبيب، برقم 1508، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين، برقم 985. (¬2) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر، برقم 1829. (¬3) من ذلك الحنطة، قال الحافظ بعد ذكره لزيادة الحنطة عند الحاكم وابن خزيمة: ((قال ابن خزيمة: ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم ... )) ثم نقل الحافظ أن أبا داود أشار إلى أن ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، وذكر أن معاوية ابن هشام روى في هذا الحديث: نصف صاع من بر، وهو وهم, وأن ابن عيينة حدث به عن ابن عجلان عن عياض فزاد فيه: ((أو صاعاً من دقيق)) وأنهم أنكروا عليه فتركه، قال أبو داود [القائل ابن حجر]: ((وذكر الدقيق وهم من ابن عيينة)) فتح الباري، 3/ 373.

المدين من غيره فيجزئ نصف صاع، فقال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((حديث أبي سعيد دال على أنه لم يُوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة خلافاً للطحاوي، وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان، ولا فرق بين الحنطة وغيرها، وهذه حجة الشافعي ومن تبعه. وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد)) (¬1). وقد قال الإمام النووي رحمه الله: ((قوله: عن معاوية أنه كلم الناس على المنبر فقال: إني أرى أن مدين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجها كما كنت أخرجها أبداً ما عشت، فقوله: سمراء الشام: هي الحنطة, وهذا الحديث هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع حنطة، والجمهور يجيبون عنه: بأنه قول صحابي, وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة، وأعلم بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض، فنرجع إلى دليل آخر؛ وقد وجدنا ظاهر الأحاديث، والقياس متفقاً على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها، فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأيٌّ رآه, لا أنه سمعه من النبي ¬

(¬1) فتح الباري شرح صحيح البخاري، 3/ 374.

تاسعا: مقدار الصاع الذي تؤدى به زكاة الفطر

- صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عند أحد من حاضري مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذكره)) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول فيمن جعل مُدين من الحنطة تقوم مقام الصاع من غيرها: ((اجتهد معاوية فجعل عدله مدين، والصواب أنه لا بد من صاع أخذاً بالنص؛ ولهذا قال أبو سعيد: أما أنا فلا أخرج إلا صاعاً وهو الصواب كما تقدم (¬2)، والله تعالى أعلم (¬3). تاسعاً: مقدار الصاع الذي تُؤَدَّى به زكاة الفطر هو صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي (¬4)، وهو أربعة أمداد، والمد ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدّ يديه بهما، وبه سمي مدّاً، قال الفيروزآبادي: ((وقد جربت ذلك فوجدته صحيحاً)) (¬5)، والصاع أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما، إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -،قاله الداوودي (¬6). قال الفيروزآبادي: ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 67. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1507، 1508. (¬3) وفي سنن أبي داود, برقم 1620, عن ثعلبة بن صعير قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيباً، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر، أو صاع شعير، عن كل رأس. وفي زيادة: ((أو صاع بر أو قمح بين اثنين، عن الكبير والصغير، والحر والعبد)). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 449، وذكر الشوكاني الروايات في نيل الأوطار، 3/ 102، التي جاءت في أن نصف الصاع يجزئ، ثم قال: ((وهذه تنهض بمجموعها للتخصيص، ولكن سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله يرى أن جميع الكفارات: الإطعام فيها يكون نصف صاع، أما زكاة الفطر فقد حددها النبي - صلى الله عليه وسلم - بصاع)). (¬4) الدارقطني، 2/ 151، والبيهقي، 10/ 278، قال الشوكاني في رواية البيهقي: ((بإسناد جيد)) نيل الأوطار، 3/ 104، وانظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 287. (¬5) القاموس المحيط، ص 407. (¬6) القاموس المحيط، ص 955.

عاشرا: أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم: الفقراء والمساكين

((وجربت ذلك فوجدته صحيحاً)) (¬1). قال شيخنا ابن باز رحمه الله في تحديد مقدارالصاع: ((ومقداره أربع حفنات بملء اليدين المعتدلتين من الطعام اليابس، كالتمر، والحنطة، ونحو ذلك، أما من جهة الوزن فمقداره أربعمائة وثمانون مثقالاً، وبالريال الفرنسي ثمانون ريالاً فرانسه؛ لأن زنة الريال الواحد ستة مثاقيل، ومقداره بالريال العربي السعودي [الفضي] مائة واثنان وتسعون ريالاً، أما بالكيلو فيقارب ثلاثة كيلو، وإذا أخرج المسلم من الطعام اليابس: كالتمر اليابس، والحنطة الجيد، والأرز، والزبيب اليابس، والأقط بالكيل، فهو أحوط من الوزن)) (¬2). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((المقدار الواجب في زكاة الفطر عن كل فرد صاع واحد بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومقداره بالكيلو ثلاثة كيلو تقريباً)) (¬3). عاشراً: أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم: الفقراء والمساكين قيل: تُعطى صدقة الفطر لمن يجوز أن يعطى صدقة الأموال؛ لأن صدقة الفطر زكاة فكان مصرفها مصرف سائر الزكوات؛ ولأنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله ¬

(¬1) القاموس المحيط، ص 955، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 11/ 597، وفتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 365. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 204 – 205. (¬3) فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 371.

وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬1) (¬2). وقيل: لا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، فتجري مجرى كفارة اليمين، والظِّهَار، والقتل، والجماع في نهار رمضان، ومجرى كفارة الحج، فتدفع لهؤلاء الآخذين لحاجة أنفسهم، وهم الفقراء والمساكين، ولا يعطى المؤلفة قلوبهم، ولا الرقاب ولا غير ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وهذا القول أقوى في الدليل)) (¬3). وقال رحمه الله: ((ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، وهو من يأخذ لحاجته لا في الرقاب، والمؤلفة قلوبهم وغير ذلك)) (¬4). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تخصيص المساكين بهذه الصدقة, ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة, وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية)) (¬5). وقال الشوكاني رحمه الله عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: ((وطعمة للمساكين ... )) (¬6). ((وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم ¬

(¬1) سورة التوبة, الآية: 60. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 314، قال: وبهذا قال مالك، والليث، والشافعي، وأبو ثور, وقال أبو حنيفة: يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه، وإلى الذمي)). (¬3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 73. (¬4) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 151. (¬5) زاد المعاد في هدي خير العباد، 2/ 22. (¬6) أبو داود, برقم 1609، وابن ماجه, 1827، وتقدم تخريجه.

الحادي عشر: حكم دفع القيمة في زكاة الفطر:

من مصارف الزكاة)) (¬1). وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ذكر القولين: ((هناك قولان لأهل العلم: الأول أنها تصرف مصرف بقية الزكوات، حتى المؤلفة قلوبهم والغارمين ... والثاني أن زكاة الفطر مصرفها للفقراء فقط، وهو الصحيح)) (¬2). وقال الإمام عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((زكاة الفطر شرعها الله مواساةً للفقراء والمحاويج، وطعمة للمساكين)) (¬3). وقال في موضع آخر: ((ومصرفها الفقراء والمساكين)) (¬4). ويجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص)) (¬5). الحادي عشر: حكم دفع القيمة في زكاة الفطر: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص)) (¬6) (¬7)، وقال الإمام عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم، وهو أصح دليلاً، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -)) (¬8). وقال رحمه الله: (( ... زكاة الفطر عبادة ¬

(¬1) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 103. (¬2) الشرح الممتع 6/ 184، وانظر: الإنصاف مع الشرح الكبير، 7/ 137. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 215. (¬4) المرجع السابق، 14/ 202. (¬5) المغني لابن قدامة، 4/ 316، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 377، وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 239. (¬6) الكافي لابن قدامة، 2/ 176، والمغني، 4/ 295. (¬7) ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز دفع القيمة؛ لأنه لم يرد نص بذلك؛ ولأن القيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا عن تراضٍ منهم، وليس للصدقة مالك معين حتى يجوز رضاه أو إبراؤه. وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع القيمة في صدقة الفطر [الموسوعة الفقهية، 23/ 344]. (¬8) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 202.

الثاني عشر: الفطرة تلزم المسلم عن نفسه وعن من يعول ممن تلزمه نفقته:

بإجماع المسلمين، والعبادات الأصل فيها التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بأي عبادة إلا بما ثبت عن المشرِّع الحكيم عليه صلوات الله وسلامه)) (¬1). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعاماً، ولا يجوز العدول عن الأدلة الشرعية؛ لقول أحد من الناس)) (¬2). قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬3). الثاني عشر: الفطرة تلزم المسلم عن نفسه وعن من يعول ممن تلزمه نفقته: قال الإمام الخرقي رحمه الله: ((ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله، إذا كان عنده فضل عن قوتِ يومه وليلته)) (¬4)، قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر)) (¬5)، فظهر أن الفطرة تلزم الإنسان القادر عن نفسه، وعن من يعوله، أي يمونه، فتلزمه فطرتهم، كما تلزمه مؤنتهم، إذا وجد ما يؤدي عنهم (¬6)؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) المرجع السابق، 14/ 208. (¬2) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 379. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، برقم 2697، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، برقم 1718. (¬4) مختصر الخرقي مع المغني، 4/ 301. (¬5) الإجماع لابن المنذر، ص 55. (¬6) المغني، لابن قدامة، 4/ 301.

بصدقة الفطر، عن الصغير، والكبير، والحر، والعبد، ممن تمونون)) (¬1). قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه، وعن كلِّ من تجب عليه نفقته، ومنهم الزوجة؛ لوجوب نفقتها عليه)) (¬2). ويبدأ بنفسه إذا لم يجد لجميع من ينفق عليهم, ثم من يليه في وجوب النفقة (¬3)؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -، وفيه: ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فَضُل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا)) يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك (¬4). وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الصدقة، أو خير الصدقة عن ظهر غنىً، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)) (¬5). وعن بهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي قال: قلت: يا رسول الله، من أبرُّ؟ قال: ((أمك)) قال: قلت: ثم من؟ قال: ((أمك)) قال: قلت: ثم من؟ ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني، 2/ 241، برقم 11، 12، والبيهقي، 4/ 161، وأخرج نحوه من رواية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -[انظر: نصب الراية، 2/ 413] والحديث حسنه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 320 برقم 835. (¬2) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 367. (¬3) يبدأ بنفسه، فزوجته، فرقيقه، فأمه، فأبيه، فولده، فأقرب في الميراث. انظر: منار السبيل، 1/ 258، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 276، والمغني لابن قدامة، 4/ 301 – 303، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 199. (¬4) مسلم، كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس، ثم أهله، ثم القرابة، برقم 997. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غني، برقم 1427، ومسلم، واللفظ له، كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة، وأن السفلى هي الآخذة، برقم 1034.

الثالث عشر: مكان زكاة الفطر وحكم نقلها:

قال: ((أمك)) قال: قلت: ثم من؟ قال: ((ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب)) (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك)) (¬2). وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تصدقوا)) فقال رجل يا رسول الله عندي دينار، فقال: ((تصدق به على نفسك)) قال عندي آخر، قال: ((تصدق به على زوجتك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على ولدك)) قال: عندي آخر: قال: ((تصدق به على خادمك)) قال: عندي آخر؟ قال: ((أنت أبصر به)) (¬3). الثالث عشر: مكان زكاة الفطر وحكم نقلها: الأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) (¬4). قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى: ((والسنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي، وعدم نقلها إلى بلد آخر؛ لإغناء فقراء بلده وسد ¬

(¬1) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في بر الوالدين، برقم 1897، وأحمد، برقم 19524، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 199. (¬2) متفق عليه، واللفظ لمسلم: البخاري، كتاب الأدب، باب البر والصلة، برقم 5971، ومسلم، كتاب البر والصلة، والآداب، باب بر الوالدين، برقم 2548. (¬3) النسائي، كتاب الزكاة، باب 54، تفسير ذلك، برقم 2534، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم، برقم 1691، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 206، وفي صحيح سنن أبي داود 1/ 469. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 1395، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام، حكم الزكاة.

الرابع عشر: أحكام إخراج زكاة الأموال:

حاجتهم ... )) (¬1). وقال رحمه الله عندما سئل عن حكم نقل زكاة الفطر: ((لا بأس بذلك, ويجزئ إن شاءالله في أصح قولي العلماء، لكن إخراجها في محلك الذي تقيم فيه أفضل وأحوط، وإذا بعثتها لأهلك؛ ليخرجوها على الفقراء في بلدك فلا بأس)) (¬2). الرابع عشر: أحكام إخراج زكاة الأموال: 1 - يجب إخراج الزكاة على الفور، كالكفارة، والنذر؛ لأن الأمر المطلق يقتضي الفورية، ومنه قول الله تعالى: {وَآَتَوُا الزَّكَاةَ} (¬3) إلا إذا أخَّرها؛ ليدفعها إلى من هو أحق بها، من: ذوي القرابة، أو ذوي الحاجة الشديدة، جاز إذا كان وقتاً يسيراً (¬4) (¬5). 2 - من جحد وجوب الزكاة كفر، إذا كان عالماً بوجوبها؛ لتكذيبه لله، ولرسوله، وإجماع الأمة، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل (¬6) (¬7)، ولا يُصلَّى ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 213. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 214، 215، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 284، والموسوعة الفقهية، 23/ 345 و23/ 331. (¬3) سورة البقرة, الآية: 277. (¬4) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 147 - 148، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/ 387، و7/ 139، والفروع، لابن مفلح، 4/ 146، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 186 - 189، ومنار السبيل، 1/ 263. (¬5) وتقدم التفصيل في منزلة الزكاة في الإسلام، في مسائل مهمة في الزكاة، المسألة الخامسة، فلتراجع هناك. (¬6) انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 6، والشرح الكبير مع المقنع، والإنصاف، 7/ 143، ومنار السبيل، 1/ 263، والشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 190، و 6/ 7، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 227، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 14. (¬7) تقدم التفصيل في منزلة الزكاة في الإسلام، الرقم الثاني عشر.

3 - من منع الزكاة بخلا

عليه، ولا يُدْفَنُ في مقابر المسلمين (¬1). 3 - من منع الزكاة بخلاً، وتهاوناً، أخذها إمام المسلمين أو نائبه منه، وعزّره؛ لارتكابه محرماً؛ وَمَنْعُهُ ركناً من أركان الإسلام؛ لينصره على نفسه، ويردعه عن فعله المحرم (¬2) (¬3). 4 - يخرج الزكاة من مال: الصغير، واليتيم، والمجنون وليُّهم؛ لأنه حَقٌّ تدخله النيابة، فقام الولي فيه مقام المولَّى عليه: كنفقته، وغرامته؛ ولأن الزكاة واجبة في المال، ولم يشترط البلوغ والعقل في وجوب الزكاة في المال (¬4) (¬5). 5 - والأفضل: أن يفرِّق زكاته بنفسه؛ ليتيقن وصولها إلى مستحقيها؛ وليحصل على أجر التعب؛ لأن تفريقها عبادة لله تعالى؛ وليجتهد في إيصالها إلى أهلها بيقين، قال عثمان - رضي الله عنه -: ((هذا شهر زكاتهم، ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 184، وفتاوى ابن باز، 14/ 227. (¬2) انظر: المقنع مع الشرح الكبير، والإنصاف، 7/ 144، ومنار السبيل، 1/ 263، والمغني لابن قدامة، 4/ 8 - 9، والكافي، 2/ 87، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 227، والشرح الممتع، 6/ 198. (¬3) وانظر: تعزير مانع الزكاة بخلاً: منزلة الزكاة في الإسلام للمؤلف، المنزلة الرابعة عشرة. (¬4) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 69، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 6/ 298، و7/ 150، والشرح الممتع، 6/ 25 - 28، 202، ومنار السبيل، 1/ 140، 263، والروض المربع، 3/ 167، 296، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 410، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 235، 240، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 410. (¬5) وتقدم التفصيل في منزلة الزكاة في الإسلام في مسائل مهمة في الزكاة، المسألة السابعة.

6 - والأفضل أن يسأل الله تعالى أن يتقبل منه

فمن كان عليه دين فليقضه، ثم يُزَكِّي بقية ماله)) (¬1). وعن أبي سعيد المقبري قال: جئت عمر بن الخطاب بمائتي درهم، قلت: يا أمير المؤمنين هذا زكاة مالي، قال: وقد عتقت يا كيسان؟ قال: قلت: نعم، قال: ((اذهب بها فاقسمها)) (¬2). وإذا اجتهد في الإخلاص لله تعالى وأخفاها ابتغاء مرضاته سبحانه أظله الله تعالى في ظله، يوم لا ظل إلا ظله؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((سبعة يظلهم الله تعالى في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ... )) وذكر منهم (( ... ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) (¬3). فيحصل على هذا الثواب العظيم بتوزيعها بنفسه (¬4). 6 - والأفضل أن يسأل الله تعالى أن يتقبَّل منه، كأن يقول: ((اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم)) وغير ذلك من الدعاء المناسب (¬5). 7 - يقول آخذ الزكاة ما ورد، كأن يقول: ((اللهم بارك فيه وفي ماله)) (¬6)، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: ((اللهم صلِّ ¬

(¬1) أخرجه الإمام مالك، 1/ 253 وغيره، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 341، برقم 850. (¬2) البيهقي، 4/ 114، وأبو عبيد، برقم 1805، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 342. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، برقم 1423، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم 1031. (¬4) انظر: المقنع والشرح الكبير، 7/ 152, ومنار السبيل، 1/ 263، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 205. (¬5) انظر: منار السبيل، 1/ 263، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 168، والشرح الممتع، 6/ 207. (¬6) لحديث وائل بن حجر - رضي الله عنه -: أن رجلاً جاء بناقة حسناء، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بارك فيه وفي إبله)) [أخرجه النسائي، برقم 2457، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 185، وتقدم تخريجه في زكاة بهيمة الأنعام].

8 - ويشترط لإخراجها نية من مكلف

عليهم)) فأتاه أبو أوفى بصدقته، فقال: ((اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)) (¬1). 8 - ويشترط لإخراجها نية من مكلَّف، وله تقديمها بيسير، والأفضل قرنها بالدفع، فينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة تقرباً لله تعالى، وكذلك إذا وكل نوى، وينوي الوكيل عمن وكله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬2) (¬3)، قال العلامة السعدي رحمه الله: ((والصحيح أنه إذا نوى المتصدق الزكاة، ودفعها للوكيل، ثم دفعها الوكيل للمُعْطى أن ذلك يجزئ, ولو أن الوكيل لم ينو أنها زكاة، سواء تأخر دفعها عن نية المتصدق أو قارنها ... )) (¬4). 9 - يجوز تعجيل الزكاة لحولين إذا كمل النصاب؛ لحديث علي - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تَعَجَّل من العباس صدقة سنتين)) (¬5)؛ ولحديثه - رضي الله عنه -: ((أن العباس سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك، فأذن له في ذلك)) (¬6)، ويشترط في ذلك: وجود سبب وجوب الزكاة: وهو كمال النصاب، فإن لم يكن عنده نصاب؛ فإنه لا يجزئ ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بالصدقة، برقم 1078. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1، ومسلم, برقم 1907، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام، في مسائل مهمة، المسألة السادسة. (¬3) انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 88 - 90، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 7/ 159، ومنار السبيل، 1/ 264، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، 18/ 53 - 54. (¬4) المختارات الجلية للسعدي، ص 79. (¬5) أخرجه أبو عبيد في الأموال، برقم 1885، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 316، برقم 857. (¬6) أبو داود، برقم 1624، والترمذي، برقم 678، 679، وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 450، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في مسائل مهمة في الزكاة المسألة التاسعة.

10 - الأفضل جعل زكاة كل مال في فقراء بلده

إخراجه؛ لأنه قدمها على سبب الوجوب، وهو ملك النصاب (¬1) (¬2). 10 - الأفضل جعل زكاة كل مال في فقراء بلده، إلا لحاجة أو مصلحة راجحة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ... )) (¬3)؛ ولحديث إبراهيم بن عطاء - مولى عمران بن حصين - عن أبيه: أن زياداً - أو بعض الأمراء - بعث عمران بن حصين على الصدقة، فلما رجع قال لعمران: أين المال؟ قال: ((وللمال أرسلتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬4). هذا هو الأفضل: أن تجعل زكاة كل بلد في فقراء بلده (¬5)، والراجح ¬

(¬1) انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 79، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 179، ومنار السبيل، 1/ 265، والكافي، 2/ 181، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 143، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 422، والشرح الممتع، 6/ 213. (¬2) وتقدم التفصيل في ذلك في منزلة الزكاة: المسألة التاسعة من المسائل المهمة في الزكاة. (¬3) متفق عليه: البخاري, برقم 1395، ومسلم, برقم 19، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام، في حكم الزكاة. (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟ برقم 1625، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 45. (¬5) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في نقل الزكاة على أقوال: القول الأول: مذهب الإمام أحمد رحمه الله: لا يجوز نقل الزكاة إلى ما تقصر فيه الصلاة، فإن نقلها ففي المذهب روايتان: إحداهما تجزئ مع الإثم، وهو الصحيح من المذهب، والثانية لا تجزئ. القول الثاني: الإمام مالك لا يجوز إلا أن يقع بأهل بلد حاجة, فينقلها الإمام إليهم على سبيل النظر والاجتهاد. القول الثالث: الشافعي، لا يجوز ولا يجزئ نقلها. القول الرابع: أبو حنيفة: يكره إلا أن ينقلها إلى قرابة له محاويج، أو قوم هم أمس حاجة من أهل بلده. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية: أن تحديد المنع بمسافة قصر لا دليل عليه، ورجح جواز نقلها لمصلحة شرعية [الاختيارات الفقهية، ص 47 - 48]، وانظر: كتاب الفروع لابن مفلح مع تصحيح الفروع، للمرداوي، 4/ 262، 266، والمغني لابن قدامة، 4/ 131، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 171، والروض المربع المحقق بإشراف الأستاذ الطيار [وقد نقلوا أقوال المذاهب] 4/ 200 - 202، ومنار السبيل، 1/ 265.

من أقوال أهل العلم في حكم نقل الزكاة: أن الأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده؛ لأن أهل البلد المحاويج أحق بالبر والإحسان؛ ولغرس المحبة بين الأغنياء والفقراء؛ ولأن أطماعهم تتعلق بما عند الأغنياء في بلدهم من المال؛ ولأنه أيسر للمكلف؛ لأن نقلها من بلد إلى بلد آخر قد يكون فيه مشقة وكلفة، وقد يكون في السفر عرضة لتلف مال الزكاة، ولكن مع ذلك يجوز نقل الزكاة لمصلحة شرعية, وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1)، قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: ((والصحيح جواز نقل الزكاة ولو لمسافة قصر إذا كان لذلك مصلحة ... )) (¬2). وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وهذا القول هو الصحيح؛ لعموم الدليل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (¬3). أي للفقراء والمساكين في كل مكان)) (¬4). وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن ¬

(¬1) الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 147 – 148. (¬2) المختارات الجلية من المسائل الفقهية، للسعدي، ص 79. (¬3) سورة التوبة، الآية: 60. (¬4) الشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 208 – 210.

11 - إذا كان صاحب المال في بلد وماله في بلد آخر:

عبد الله ابن باز رحمه الله: ((يجوز نقل الزكاة من محل المزكي ((بلده)) إلى بلد أخرى إذا كان ذلك لمصلحة شرعية في أصح قولي العلماء ... )) (¬1). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((لا مانع من ذلك في أصح قولي العلماء إذا كان نقل الزكاة من البلد الذي يقيم فيه صاحب المال لمصلحة شرعية: كشدة الفقر، أو قرابة من تدفع إليه الزكاة؛ وكونه طالب علم شرعي يحتاج إلى الإعانة على ذلك ... )) (¬2). وهو اختيار الإمام البخاري رحمه الله تعالى، قال رحمه الله: ((باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وتردُّ في الفقراء حيث كانوا)) (¬3). قال ابن المنير رحمه الله: ((اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال؛ لعموم قوله: ((فترد على فقرائهم))؛ لأن الضمير يعود على المسلمين، فأي فقير منهم رُدت فيه الصدقة في أي جهة كان؛ فقد وافق عموم الحديث)) (¬4). 11 - إذا كان صاحب المال في بلد وماله في بلدٍ آخر: أخرج زكاة المال في بلد المال، وأخرج فطرته في البلد الذي هو فيه؛ لأن زكاة الفطر تتعلق بالبدن، والمال زكاته تتعلق به؛ فإن نقل إحدى الزكاتين لمصلحة شرعية راجحة جاز؛ لما سبق في نقل الزكاة، والله تعالى أعلم (¬5). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 243. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 417. (¬3) صحيح البخاري، كتاب الزكاة 63 - بابٌ، قبل الحديث رقم 1496. (¬4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 3/ 357. (¬5) انظر: المغني، 4/ 133 - 134، والمقنع مع الشرح الكبير، والإنصاف، 7/ 176، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 213، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 213، 214، 215، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 9/ 284، والموسوعة الفقهية، 23/ 331، 345.

المبحث الثالث عشر: مصارف الزكاة في الإسلام

المبحث الثالث عشر: مصارف الزكاة في الإسلام أولاً: المفهوم: لغة واصطلاحاً. مفهوم المصارف لغة: مَصْرِفُ: مفرد وجمعه مصارف، وصَرَفَ المال: أنفقه، والصرف: الدفع. ومفهوم المصارف اصطلاحاً: الجهات التي تصرف فيها الأشياء: ومنه: مصارف الزكاة: المستحقون لها. فظهر بذلك: أن مصارف الزكاة: أهل الزكاة ومستحقوها: أي الأصناف الذين تصرف لهم الصدقات المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ... } الآية (¬1) (¬2). والخلاصة: أن مصارف الزكاة: هم أهل الزكاة. ومن العلماء من يعبر عن مصارف الزكاة: بأصناف أهل الزكاة، ومنهم من يقول: الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة، ومنهم من يقول: مصارف الزكاة، وهي كلمات مترادفة معناها واحد (¬3). ومنهم من قال: المصارف: جمع مصرف، وهو في اللغة المعدل، قال الله ¬

(¬1) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، السعدي أبو جيب، ص210، ومعجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص403. وانظر: مصارف الزكاة وتمليكها، لخالد عبد الرزاق العاني، ص21، وص128. (¬2) سورة التوبة, الآية: 60. (¬3) انظر: منار السبيل، 1/ 266، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 205، والكافي، لابن قدامة، 2/ 193، وكتاب الفروع، لابن مفلح، 4/ 297، ومنتهى الإرادات، للفتوحي، 1/ 515، والمغني لابن قدامة، 4/ 124 - 131, والإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجاوي، 1/ 467، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، 2/ 446 و448 ومختصر الفقه الإسلامي للتويجري، ص612، والروض المربع، 3/ 208.

ثانيا: حصر الله تعالى أهل الزكاة بلا تعميم في العطاء:

تعالى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} (¬1) أي معدلاً, والمصرف اسم مكان. وهو في الاصطلاح: مسلم [أو مؤلف] يصح في الشريعة [الإسلامية] صرف الزكاة إليه (¬2) والمراد: الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم الزكاة. ثانياً: حصر الله تعالى أهل الزكاة بلا تعميم في العطاء: الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة ثمانية, ذكرهم الله تعالى في قوله سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬3) فلا يجوز صرف الزكاة المفروضة إلى غيرهم: من بناء مسجد، أو إصلاح طريق، أو كفن ميت، أو غير ذلك من أعمال البر؛ لأن الله تعالى خص هذه الأصناف الثمانية بها في قوله: {إنَّمَا} وهي للحصر، تثبت المذكور، وتنفي ما عداه (¬4) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع هذه الزكاة إلى غير هذه الأصناف (¬5) إلا ما روي عن أنس والحسن)) (¬6). ¬

(¬1) سورة الكهف, الآية: 53. (¬2) انظر: مصارف الزكاة وتمليكها، ص128. (¬3) سورة التوبة، الآية: 60. (¬4) الكافي لابن قدامة، 2/ 193، والمغني، 4/ 124، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 205، ومنار السبيل، 1/ 266، وكتاب الفروع، 4/ 297. (¬5) الشرح الكبير، مع المقنع والإنصاف، 7/ 206. (¬6) قالا: ما أعطيت في الجسور، والطرق، فهي صدقة ماضية، قال في الشرح الكبير، 7/ 206: والصحيح الأول وانظر: الإجماع لابن المنذر، ص57.

ثالثا: أنواع مصارف الزكاة ومفهوم كل مصرف:

ولا يجب على الصحيح تعميم الأصناف بالزكاة؛ لأن النبي * قال لمعاذٍ - رضي الله عنه - (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فتردّ في فقرائهم)) (¬1) فهو أمر - صلى الله عليه وسلم - بردها في صنفٍ واحدٍ، والأدلة كثيرة في السنة، فتبيَّن بهذا أن مراد الآية: بيان الصرف دون التعميم؛ ولذلك لا يجب تعميم كل صنف (¬2). ثالثاً: أنواع مصارف الزكاة ومفهوم كل مصرف: المصرف الأول: الفقراء، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم الفقير: لغة، واصطلاحاً. مفهوم الفقير لغة: فعيلٌ بمعنى فاعلٌ، يقال: فَقِرَ يَفْقَرُ، من باب تَعِبَ: إذا قلَّ مالُه، ولم يقولوا: فَقُر بالضم، استغنوا عنه: بافتقر (¬3)، فالفقير بالكسر: جمعه: فقراء: المحتاج ضد الغني (¬4). قال الإمام ابن الأثير رحمه الله: ((قد تكرر ذكر: الفَقْر والفقير، والفُقَراء في الحديث)) وقد اختلف الناس فيه وفي المسكين، فقيل: الفقير الذي لا شيء له، والمسكين الذي له بعض ما يكفيه، وإليه ذهب الشافعي، وقيل فيهما: بالعكس وإليه ذهب أبو حنيفة (¬5). مفهوم الفقر اصطلاحاً: من لا يملك نصاباً نامياً فائضاً ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 395, ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه. (¬2) الكافي، لابن قدامة، 2/ 193 - 194. (¬3) المصباح المنير، للفيومي، ص478، مادة (فقر). (¬4) معجم لغة الفقهاء، مادة (فقير)، ص317. (¬5) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مادة (فقر)، 3/ 462.

والصواب أن مفهوم الفقراء اصطلاحا

عن حاجاته (¬1) والفقير ضد الغني (¬2) , وهو: عبارة عن فقد ما يحتاج إليه، أما فقد ما لا حاجة إليه فلا يسمى فقراً (¬3). والصواب أن مفهوم الفقراء اصطلاحاً: هم من لا يجدون شيئاً من الكفاية مطلقاً، أو يجدون بعض الكفاية دون نصفها من كسب وغيره, مما لا يقع موقعاً من الكفاية، وإن تفرَّغ قادر على التكسب للعلم الشرعي لا للعبادة وتعذر أن يجمع بين التكسب والاشتغال بالعلم، أُعطي من الزكاة بقدر حاجته، وحتى لو لم يكن العلم لازماً له، فعُلم بذلك: أن الفقير: هو من لا مال له ولا كسب أصلاً، أو من له مال أو كسب أقل من نصف ما يكفيه لنفسه، ومن تجب عليه نفقته، من غير إسرافٍ ولا تقتير, والفقراء أشد حاجة من المساكين؛ لأن الله تعالى بدأ بهم، والعرب إنما تبدأ بالأهم فالمهم (¬4)؛ ولأن الله تعالى قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (¬5) فقد أخبر الله - عز وجل - أن المساكين لهم سفينة يعملون فيها, ومع ذلك وصفهم بالمسكنة، أما الفقراء فقد لا يكون لهم مال أصلاً, كما قال سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ¬

(¬1) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص317. (¬2) القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص289. (¬3) التعريفات، للجرجاني، ص216. (¬4) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 123، 127، والشرح الكبير، 7/ 206، والكافي، 2/ 195، ومنار السبيل، 1/ 266، والروض المربع، 3/ 310، ومصارف الزكاة وتمليكها، للدكتور/ خالد بن عبد الرزاق، ص143. (¬5) سورة الكهف، الآية: 79.

وَأَمْوَالِهِمْ} (¬1) وقد يكون لهم المال القليل دون نصف الكفاية، ولكنهم أشد حاجة من المساكين)) (¬2) (¬3). ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 8. (¬2) انظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 207، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 6. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أيهما أشد حاجة, وأسوأ حالاً: الفقير أم المسكين؟ فقال الإمام أحمد رحمه الله، والإمام الشافعي رحمه الله، وغيرهما: إن الفقير أشد حاجة من المسكين؛ لأدلة منها: 1 - قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [سورة التوبة، 60] فبدأ بالفقراء، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم؛ لأن الزكاة شرعت لدفع الحاجة، فمن كان أحوج بدئ به. 2 - قول الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [سورة الكهف، 79] فقد وصف بالمسكنة من له سفينة. 3 - قول الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [سورة الحشر، الآية: 8] فقد يكون الفقير لا مال له أصلاً. 4 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي يطوف على الناس, فترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يُفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس [متفق عليه: البخاري, برقم 1479، ومسلم، برقم 1039]. وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله ومن معه من المالكية وغيرهم إلى أن المسكين أشد حاجة لقول الله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [سورة البلد 16] وهو المطروح على التراب لشدة حاجته. والصواب أن إطلاق المسكين يدخل فيه الفقير، وإطلاق الفقير يدخل فيه المسكين؛ فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعاً, مثل: لفظ الإسلام, والإيمان، ثم المسكين ذا متربة قيد بذلك فدل على أنه يوجد مسكين لا بهذه الصفة, واستدل أبو حنيفة رحمه الله أيضاً: بأن الله تعالى جعل الكفارات للمساكين, ولكن نوقش بأن المسكين إذا أطلق دخل فيه الفقير، والله تعالى أعلم. [الشرح الكبير لابن قدامة، 7/ 207 - 210، وحاشية الروض المربع للأساتذة: الطيار والغصن، والمشيقح، 4/ 211 - 212، والموسوعة الفقهية، 23/ 312، والصواب القول الأول: قول الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله تعالى.

المسألة الثانية: نصيب الفقراء من الزكاة

المسألة الثانية: نصيب الفقراء من الزكاة: يُعطى الفقير من الزكاة ما يُكَمِّلُ له كفايته من النفقة حولاً كاملاً، والمعتبر: كفايته وكفاية من يمونه: من الأكل، والشرب، والسكن، والكسوة، والإعفاف بالزواج إن لم يستطع الزواج إلا بأخذه من الزكاة؛ فإنه يعطى ما يكفيه للمهر ولو كان كثيراً، من غير إسرافٍ ولا تقتير (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((فيأخذ منها - أي الزكاة - كل حول: ما يكفيه إلى مثله - أي إلى الحول الثاني - ويعتبر وجود الكفاية له، ولعائلته، ومن يمونه؛ لأن كل واحد منهم مقصودٌ دفع حاجاته، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد)) وقال: (( ... وهذا؛ لأن الدفع إنما هو إلى العيال, وهذا نائب عنهم في الأخذ)) (¬2). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((الفقراء والمساكين: وهم الذين لا يجدون كفايتهم، وكفاية عائلاتهم: لا من نقود حاضرةٍ، ولا من رواتب ثابتة، ولا من صناعة قائمة، ولا من غلةٍ كافية، ولا من نفقاتٍ على غيرهم واجبة، فهم في حاجة إلى مواساةٍ ومعونةٍ، قال العلماء: فيعطون من الزكاة ما يكفيهم وعائلاتهم لمدة سنة كاملة, حتى يأتي حول الزكاة مرة ثانية, ويُعطى الفقير لزواجٍ يحتاج إليه ما يكفي لزواجه، [ويعطى] طالب العلم [الشرعي] الفقير؛ لشراء كتبٍ يحتاجها، ويعطى من له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يكمل كفايتهم؛ لأنه ذو حاجة، وأما من كان له كفاية فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة وإن سألها، بل ¬

(¬1) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 220. (¬2) المغني، لابن قدامة، 4/ 123.

الواجب نصحه وتحذيره من سؤال ما لا يحلُّ له ... )) (¬1) (¬2). ¬

(¬1) مجالس شهر رمضان، للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، ص81 - 82، وانظر: الشرح الممتع له، 4/ 219 - 223. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله في المقدار الذي يعطى للفقير والمسكين من الزكاة على النحو الآتي: القول الأول: يعطى الفقير كفايته، وكفاية من يعولهم سنة كاملة، وبه قال الحنابلة، والمالكية، وأحد قولي الشافعي. [وتقدم تفصيل ذلك في متن هذه الرسالة]. القول الثاني: يُعطى كلٌّ من الفقير والمسكين كفاية العمر, وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام. وبه قال الشافعية في الأصح عندهم، وبه قال بعض الحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وذكر النووي أنه مذهب الشافعي. القول الثالث: لا يجوز أن يُعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين درهماً، وكذلك يعطى كل من تحت نفقته كل واحد مثل ذلك، ولا يتجاوز ما يعطى كل واحد منهم خمسين درهماً. وهو رواية عن أحمد، ولكن رُدَّ بأن حديث ابن مسعود في هذه المسألة ضعيف. القول الرابع: لا تجوز الزيادة في العطاء على نصاب النقود: أي ما يساوي مائتي درهمٍ، فاضلاً عما يحتاج إليه من مسكن، وخادم، وأثاث، وفرس، وإذا كان له من يعوله فيأخذ كل واحد منهم مقدار النصاب، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله. والصواب القول الأول: هو أن الفقير أو المسكين يُعطى ما يكفيه ويكفي من ينفق عليهم سنة كاملة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((حبس لأهله قوت سنة)) [متفق عليه: البخاري، كتاب النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، برقم 5357، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، برقم 1756، ولفظ مسلم هنا: ((كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركابٍ, فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة [أي يعزل لهم نفقة سنة، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في وجوه الخير] وما بقي يجعله في الكراع [أي الدواب التي تصلح للحرب] والسلاح وعدة في سبيل الله [انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 117 - 130، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 205 - 222، ومصارف الزكاة وتمليكها، ص168 - 185، والموسوعة الفقهية الكويتية، 23/ 316 - 317، وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 297 - 330، والكافي لابن قدامة، 2/ 195، والشرح الممتع، 6/ 320 - 322، ومنتهى الإرادات، 1/ 515، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، 2/ 442 - 450، وحاشية الروض المربع، للأساتذة بإشراف الطيار، 4/ 213، والمجموع للنووي، 6/ 203، و 6/ 199].

وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها؛ لأن الكفاية حاصلةٌ لها بما يصلها من النفقة الواجبة، فأشبهت من له عقار يستغني بأجرته، وإن لم ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع إليها، كما لو تعطلت منفعة العقار، وقد نصَّ أحمد على هذا)) (¬1). وقد يملك الإنسان نصاباً من أي نوع من أنواع المال - ولكن هذا المال لا يقوم بكفايته؛ لكثرة عياله، أو لغلاء السعر - فهو غني من حيث إنه يملك نصاباً فتجب الزكاة في ماله، وفقير من حيث إن ما يملكه لا يقوم بكفايته، فيُعطى من الزكاة كالفقير - ما يكمِّل له كفايته. مثال ذلك: رجل عنده عشرون ألف ريال، ولكن له أربع زوجات، وله من كل زوجة عشرة أولاد، وله أب وأم تحت رعايته ينفق على الجميع، والسكن بالإيجار، وهذا المبلغ لا يقوم بكفايته سنة كاملة، فله أن يأخذ ما يكمل كفايته لمدة عام. قال ابن قدامة رحمه الله: ((قال الميموني: ذاكرت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - فقلت: قد يكون للرجل: الإبل، والغنم، تجب فيها الزكاة، وهو فقير، ويكون له أربعون شاة، وتكون له الضيعة - المزرعة - لا تكفيه، فَيُعطى من الزكاة؟ قال: ((نعم)). وذكر قول عمر: أعطوهم وإن راحت عليهم الإبل كذا وكذا)) (¬2) ... وقال في رواية محمد بن الحكم: إذا كان له ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 123، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 286. وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 299، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 269 - 270. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، باب من قال ترد الصدقة في الفقراء، 3/ 205.

عقار يستغله، أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة، وهذا قول الشافعي (¬1)؛ لأنه لا يملك ما يغنيه, ولا يقدر على كسب ما يكفيه، فجاز له الأخذ من الزكاة، كما لو كان ما يملكه لا تجب فيه الزكاة؛ لأن الفقر عبارة عن الحاجة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله} (¬2) أي المحتاجون إليه)) (¬3)، والله تعالى أعلم (¬4). ¬

(¬1) وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ منها إذا ملك نصاباً زكوياً؛ لأنه تجب عليه الزكاة فلم تجب له، للخبر [المغني لابن قدامة، 4/ 122]. (¬2) سورة فاطر، الآية: 15. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 121 - 122. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حدِّ الغنى المانع من أخذ الزكاة على أقوال: القول الأول: قول الجمهور: من المالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد: أن الغنى ما تحصل به الكفاية, فإذا لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئاً، وإن كان محتاجاً حلَّت له الصدقة وإن كان يملك نصاباً أو نُصُباً، والأثمان وغيرها في هذا سواء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقبيصة: ((لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلاناً فاقة, فحلت له المسألة, حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش [مسلم، برقم 1044] فمدَّ إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد؛ لأن الحاجة هي الفقر، والغنى ضدها. القول الثاني: رواية عن الإمام أحمد وهي الظاهر من مذهبه: أن من ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب، أو وجد ما تحصل به الكفاية على الدوام: من كسب، أو تجارة أو عقار، أو نحو ذلك، فهو غني لا يحل دفع الزكاة إليه. أما إذا ملك من العروض، أو السائمة، أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيًّا، حتى ولو ملك نصباً، ففي هذه الرواية: التفريق بين الأثمان وغيرها. القول الثالث: قول الحسن، وأبي عبيد: الغِنى ملك أوقية، وهي: أربعون درهماً. القول الرابع: قول أبي حنيفة: الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها، فمن ملك نصاباً من أي أنواع المال فهو غني لا تدفع إليه الزكاة حتى ولو كان لا يكفيه. والصواب إن شاء الله: القول الأول، والله أعلم. [المغني لابن قدامة، 4/ 118 - 121، والموسوعة الفقهية الكويتية، 23/ 313، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 216 - 221، ومصارف الزكاة، ص166 - 191.

المسألة الثالثة: ما جاء من الآيات القرآنية

المسألة الثالثة: ما جاء من الآيات القرآنية, التي ظاهرها الحث والترغيب في الإحسان إلى الفقراء وإعطائهم حقوقهم على النحو الآتي: 1 - قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬1) ? - قال الله - عز وجل - ? {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬2) ? - قال الله تبارك وتعالى? {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} (¬3) ? - وقال سبحانه? {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (¬4) ? - وقال تعالى? {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَالله أَوْلَى بِهِمَا} (¬5) ? 2 - وقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ... } (¬6). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 268. (¬2) سورة البقرة الآية: 271. (¬3) سورة البقرة الآية: 273. (¬4) سورة النساء، الآية: 6. (¬5) سورة النساء، الآية: 135. (¬6) سورة التوبة، الآية: 60.

المصرف الثاني: المساكين وفيه مسائل:

3 - وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله مِنْ فَضْلِهِ والله وَاسِعٌ عَلِيم} (¬1). 4 - وقال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (¬2) 5 - قال - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ واللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (¬3). 6 - قال - سبحانه وتعالى -: {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ والله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاء} (¬4). 7 - وقال - سبحانه وتعالى -: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (¬5) (¬6) ? والمصرف الثاني: المساكين وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم المساكين لغة واصطلاحاً: ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 32. (¬2) سورة الحج الآية: 28. (¬3) سورة فاطر الآية: 15. (¬4) سورة محمد، الآية: 38. (¬5) سورة الحشر الآية: 8 (¬6) وانظر: سورة آل عمران، الآية: 182، وسورة القصص، الآية: 24.

مفهوم المساكين لغة

مفهوم المساكين لغةً: مفرده مسكين وجمعه مساكين، يقال: ((سكن المتحرك سكوناً: أي ذهبت حركته، ويتعدَّى بالتضعيف فيقال: (سكَّنته) والمسكين مأخوذ من هذا؛ لسكونه إلى الناس، وهو بفتح الميم في لغة بني أسد، وبكسرها عند غيرهم)). والمسكين أيضاً: الذليل المقهور وإن كان غنيًّا، قال الله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} (¬1) (¬2). والأصل في المسكين: أنه من المسكنة والخضوع والذل (¬3). قال الإمام ابن الأثير رحمه الله تعالى: ((وقد تكرر في الحديث ذكر: المسكين، والمساكين، والمسكنة، والتمسكن وكلها يدور معناها على: الخضوع، والذلة، وقلة المال، والحالة السيئة، واستكان: إذا خضع، والمسكنة: فقر النفس، وتمسكن: إذا تشبَّه بالمساكين، وهو جمع المسكين، وهو الذي لا شيء له، وقيل: هو الذي له بعض الشيء، وقد تقع المسكنة على الضعف)) (¬4). مفهوم المساكين اصطلاحاً: المساكين: هم الذين يجدون أكثر الكفاية أو نصفها: من كسب أو غيره، مما لا يقع موقعاً من الكفاية، فعُلم بذلك أن المسكين: هو من له مال يبلغ نصف كفايته فأكثر، لكنه لا يكفيه ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 112. (¬2) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعي، تأليف أحمد بن محمد الفيومي، 1/ 283. (¬3) لسان العرب، لابن منظور، باب النون، فصل السين، 3/ 216. (¬4) النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، باب السين مع الكاف، مادة (سكن)، 2/ 385.

المسألة الثانية: هذه التعريفات السابقة، للفقير، والمسكين

لنفسه ومن تجب عليه نفقته من غير إسراف ولا تقتير، والمسكين أحسن حالاً من الفقير؛ لأن الله تعالى قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (¬1) فأخبر أنهم مساكين، وأن لهم سفينة، وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} (¬2) فهذه الحال التي أخبر بها عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين (¬3) (¬4). المسألة الثانية: هذه التعريفات السابقة، للفقير، والمسكين: تكون إذا جمع بين لفظ ((الفقير والمسكين)) كما في قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (¬5) أما إذا أُطلق لفظ أحدهما ولم يذكر معه الآخر دخل أحدهما في الآخر، فالفقير: هو المسكين، والمسكين: هو الفقير؛ ولهذا قيل: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، مثل: لفظ الإسلام، ولفظ الإيمان (¬6). المسألة الثالثة: نصيب المساكين من الزكاة: يعطى المسكين من ¬

(¬1) سورة الكهف، الآية: 79. (¬2) سورة البقرة، الآية: 273. (¬3) لسان العرب لابن منظور، 13/ 215. (¬4) المغني لابن قدامة، 4/ 123، 127، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 206، والكافي، 2/ 195، ومنار السبيل، 1/ 266، والروض المربع من حاشية ابن قاسم، 3/ 310، ومصارف الزكاة وتمليكها، ص143. (¬5) سورة التوبة، الآية: 60. (¬6) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، 23/ 312، والمغني، لابن قدامة، 9/ 306.

المسألة الرابعة: ما جاء من الآيات القرآنية

الزكاة ما يُكمِّل له كفايته، وكفاية من يعوله من النفقة حولاً كاملاً، والمعتبر: كفايته وكفاية من يمونه: من الأكل، والشرب، والمسكن، والكسوة، والإعفاف بالزواج إن لم يستطع الزواج إلا بأخذه من الزكاة، على نحو ما تقدم فيما يستحقه الفقير من الزكاة (¬1). المسألة الرابعة: ما جاء من الآيات القرآنية? التي فيها الحث والترغيب في الإحسان إلى المساكين وإعطائهم حقوقهم? على النحو الآتي? 1 - قال تعالى: {وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬2). 2 - قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (¬3) ? 3 - وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} (¬4). ¬

(¬1) الشرح الممتع، 6/ 220. (¬2) سورة البقرة، الآية: 83. (¬3) سورة البقرة الآية: 177. (¬4) سورة البقرة الآية: 215.

4 - وقال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} الآية (¬1). 5 - وقال تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} (¬2) ? - وقال تعالى? {فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬3) ? 7 - وقال تعالى: {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ* أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} (¬4). 8 - وقال تعالى: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬5) ? - وقال سبحانه? {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬6) ? - وقال تعالى? {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} (¬7) - وقال تعالى? {وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬8) ? - وقال تعالى? {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (¬9) ? - وقال سبحانه? {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 184. (¬2) سورة الإسراء، الآية: 26. (¬3) سورة الروم، الآية: 38. (¬4) سورة القلم، الآيتان: 23 - 24. (¬5) سورة الحاقة، الآية: 34. (¬6) سورة الماعون، الآية: 3. (¬7) سورة المدثر، الآية: 44. (¬8) سورة الفجر الآية: 18. (¬9) سورة المجادلة الآية: 4.

وَأَسِيرًا} (¬1) ? - وقال تعالى? {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ *يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬2) ? - وقال تعالى? {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (¬3) ? - وقال تعالى ? { ... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬4) - وقال تعالى? {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} (¬5) ? - وقال سبحانه? {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} (¬6) ? - وقال تعالى? {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬7) ? - وقال سبحانه? {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} الآية (¬8) ? ¬

(¬1) سورة الإنسان، الآية: 8. (¬2) سورة البلد، الآيات: 11 - 16. (¬3) سورة النساء، الآية: 8. (¬4) سورة النساء، الآية: 36. (¬5) سورة المائدة، الآية: 89. (¬6) سورة المائدة، الآية: 95. (¬7) سورة الأنفال الآية: 41. (¬8) سورة النور، الآية: 22.

المسالة الخامسة: ما جاء من الأحاديث في المسكين

ممم الكتاب ده فيه تنسيق كتير بايظ الارقام والاقواس بيخليها؟ وانا بصلح اللي بشوفه!! وقال تعالى?ممم {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬1) ? المسألة الخامسة: ما جاء من الأحاديث في المسكين? - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال?ممم ليس المسكين الذي يطوف على الناس، تردُّه اللقمة واللقمتان)) ? وفي رواية? الأكلةُ والأكلتان? والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يُفطنُ له فيتصدق عليه، [ويستحيي أو] لا يقومُ فيسأل الناس إلحافاً. وفي لفظٍ: إنما المسكين الذي يتعفف? واقرأوا إن شئتم يعني قوله تعالى? {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (¬2) ? - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال? ((لا تحلُّ الصدقةُ لغني، ولا لذي مرةٍ (¬3) سويٍّ)) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 7. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب قول الله - عز وجل -: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، برقم 1476، ورقم 1479، وكتاب التفسير، بابٌ، {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} يقال: ألحف عليَّ، وألحَّ عليَّ، وأحفاني بالمسألة {فَيُحْفِكُمْ} [محمد: 37] يجهدكم، برقم 4539، والألفاظ ملفقة من هذه المواضع من البخاري، وأخرجه مسلم، في كتاب الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه، برقم 1039. (¬3) المرة: القوة وشدة العقد، وهي القوة على الكسب والعمل [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 69]. (¬4) سوي: صحيح وسليم الأعضاء [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 69]. (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى، برقم 1634، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء من لا تحل له الصدقة، برقم 652، وأحمد، 2/ 192، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 454، وفي الإرواء، برقم 877.

المصرف الثالث: العاملون عليها، وفيه: مسائل:

3 - عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها, فرفع فينا البصر وخفضه, فرآنا جلدين (¬1)، فقال: ((إن شئتما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) (¬2) (¬3). قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: ((وفيه دليل على أنه يستحب للإمام، أو المالك: الوعظ، والتحذير، وتعريف الناس بأن الصدقة لا تحلُّ لغني، ولا لذي قوة على الكسب، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك برفقٍ)) (¬4). المصرِف الثالث: العاملون عليها، وفيه: مسائل: المسألة الأولى: مفهوم العاملين لغةً: عَمِلَ، من باب طَرِبَ، وأعمله، واستعمله، بمعنىً، واستعمله أيضاً: طلب إليه العمل، واعتمل، اضطرب في العمل، والتعميل: تولية العمل، يقال: عمَّله على البصرة، والعمالة: رِزقُ العامل (¬5) ويقال: عملته أعملُهُ عملاً: صنعته، وعملت على الصدقة: سعيت في جمعها، والفاعل عاملٌ والجمع: عُمَّال، وعاملون، ويتعدى إلى ثانٍ بالهمزة، ¬

(¬1) جلْدَين: قويين شديدين, [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 69]. (¬2) مكتسب: يكتسب قدر كفايته. [نيل الأوطار، 3/ 69]. (¬3) أبو داود كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني، برقم: 1633، والنسائي، كتاب الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب، برقم: 2597، وأحمد في المسند، برقم 17972، ورقم 17973، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 454. (¬4) نيل الأوطار، للشوكاني، 3/ 69. (¬5) مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر، الرازي، ص191.

مفهوم العاملين اصطلاحا

فيقال: أعملته كذا واستعملته: أي جعلته عاملاً، واستعملته: سألته أن يعمل (¬1). قال ابن الأثير - رحمه الله -: ((والعامل: هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه، وعَمَلِهِ، ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة: عامل، والذي يأخذه العامل من الأجرة يقال له: عُمالة)) (¬2). مفهوم العاملين اصطلاحاً: العاملون عليها: هم السعاة الذين يبعثهم الإمام؛ لأخذ الزكاة من أربابها: كجبَّائها، وحفَّاظها، وكتَّابها، وقسامها بين مستحقيها، وشُرط كونه: مكلفاً، مسلماً، أميناً، كافياً، قادراً، عالماً بفرائض الصدقة (¬3). إلا إذا كتب الإمام له ما يأخذ من الصدقات، ويكون من غير ذوي القربى (¬4) قال المرداوي: رحمه الله: ((العاملون عليها: وهم الجباة لها، والحافظون لها، [و] العامل على الزكاة: هو الجابي لها، والحافظ، والكاتب، والقاسم، والحاشر، والكيَّال، والوزَّان، والعدَّاد، والساعي، والراعي، والسائق، والحمّال، ومن يحتاج إليه فيها، غير قاضٍ ووالٍ .... [و] أجرة كيل الزكاة ووزنها، ومؤنة دفعها على المالك)) (¬5). وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: ((الجباة: جمع جابي، وهم الذين ¬

(¬1) المصباح المنير، للفيومي، 2/ 430. (¬2) النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 300. (¬3) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 312، ومنار السبيل، 1/ 267، ومنتهى الإرادات، للفتوحي، 1/ 515، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 222 - ـ 226. (¬4) الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 225، والإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجَّاوي، 1/ 469. (¬5) الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 7/ 222، والمغني لابن قدامة، 4/ 108، و9/ 312.

المسألة الثانية: نصيب العاملين عليها من الزكاة

يأخذونها من أهلها، والحفاظ: الذين يقومون على حفظها، والقاسمون لها: الذين يقسمونها في أهلها)) (¬1)، وقال الإمام ابن قدامة - رحمه الله: ((يعني العاملين على الزكاة وهم: السعاة الذين يبعثهم الإمام؛ لأخذها من أربابها، وجمعها، وحفظها، ونقلها، ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها، ويحملها، وكذلك الحاسب، والكاتب، والكيَّال، والوزَّان، والعدَّاد، وكل من يحتاج إليه فيها؛ فإنه يُعطى أجرته منها؛ لأن ذلك من مؤنتها)) (¬2). المسألة الثانية: نصيب العاملين عليها: من الزكاة؛ لقوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} فقد جعل الله تعالى للعاملين عليها نصيباً منها - أي من الزكاة - فيعطى العامل على الزكاة بقدر أجرته من الزكاة، حتى لو كان غنيًّا، إلا إذا كان له مرتب من بيت مال المسلمين، فلا يُعطى من الزكاة؛ لأنه إنما أُعطي من الزكاة بقدر أجرته، وقد حصل ذلك له؛ وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم (¬3). ومن هذه الأحاديث حديث أبي حميد الساعدي في قصة استعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن اللّتْبيّة (¬4) ولا يجوز أن يكون العمال على الصدقة من أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين تحرم عليهم الصدقة؛ لحديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه انطلق هو والفضل بن العباس ¬

(¬1) الشرح الممتع، 6/ 225. (¬2) المغني لابن قدامة، 9/ 312. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 107، و9/ 312. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 925، وفي كتاب الزكاة، باب قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة 60] وكتاب الهبة، باب من لم يقبل الهدية، برقم 2597، 6636، 6979، وكتاب الأحكام، باب هدايا العمال، برقم: 7174، وباب محاسبة الإمام عماله، برقم: 7197، ومسلم، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال، برقم: 1832.

يسألان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليستعملهما على الصدقة, فقال أحدهما: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات, فنؤدِّي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد, إنما هي أوساخ الناس)) .. ثم شفع لهما في النكاح فزوجهما, وأمر بالصداق لهما من الخمس، وفي رواية: ((إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) (¬1) والمعنى أن هذه الصدقات تطهير لأموال الناس ونفوسهم، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فهي كغسالة الأوساخ (¬2). ويجوز أن يكون عمال الصدقة من الأغنياء؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحل الصدقة لغنيٍّ إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعاملٍ عليها، أو لغارمٍ, أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين، فتصدق على المسكين فأهداها المسكينُ للغني)) (¬3)؛ ولحديث عبد الله بن السعدي أنه قدم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً, فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى، فقال عمر: ما تريد إلا ذلك؟ فقلت: إن لي أفراساً، وأعبداً، وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقةً على المسلمين، قال عمر: لا تفعل؛ فإني كنت أردتُ الذي أردتَ، ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة، برقم 1072. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 179. (¬3) أبو داود، كتاب الزكاة، باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، برقم: 1635، 1636، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب من تحل له الصدقة برقم 1841، وأحمد، 30/ 97، برقم 11538، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 455، وصحيح سنن ابن ماجه، 2/ 116، وإرواء الغليل، برقم 870.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء, فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف (¬1) ولا سائلٍ، فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك)) (¬2). وينبغي أن تكون أجرة العامل على الزكاة بقدر الكفاية (¬3)؛ لحديث المستورد بن شدّاد - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً)) قال أبو بكر: أُخبرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من اتخذ غير ذلك فهو غالٌّ أو سارقٌ)) (¬4)، وبوَّب ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه (باب إذن الإمام للعامل بالتزويج، واتخاذ الخادم، والمسكن، من الصدقة)، ثم ذكر حديث المستورد بن شداد - رضي الله عنه - (¬5)، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - فضل العامل على الصدقة بالحق, فقال: ((العامل على الصدقة بالحق: كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته)) (¬6). وحذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - العمال من الغلول، فعن بريدة ابن الحصيب - رضي الله عنه - عن ¬

(¬1) غير مشرف: غير متطلع إليه. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأحكام، باب رزق الحكام والعاملين عليها، برقم 7163، وبرقم: 7164، وبرقم 1473، ومسلم، كتاب الزكاة، باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع، برقم 1045. (¬3) فقه السنة، 1/ 387. (¬4) أبو داود، كتاب الخراج، باب في أرزاق العمال، برقم 2945، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 230. (¬5) صحيح ابن خزيمة، 4/ 70. (¬6) أبو داود، كتاب الخراج، باب في السعاية على الصدقة، برقم 2936، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 228.

المسألة الثالثة: فضل الصدق والأمانة في حفظ الصدقة:

النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً ثم أخذ بعد ذلك فهو غلول)) (¬1) وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعياً، ثم قال: ((انطلق أبا مسعود ولا ألفينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رُغاءٌ قد غَلَلْتَه)) قال: إذاً لا أنطلق! قال: ((إذاً لا أُكرهكَ)) (¬2) والله سبحانه وتعالى الموفق (¬3). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويُعطى منها: أجر الحاسب، والكاتب، والحاشر، والخازن، والحافظ، والراعي، ونحوهم، فكلهم معدودون من العاملين، ويدفع إليهم من حصة العاملين عليها، فأما أجر الوزَّان والكيَّال؛ ليقبض الساعي الزكاة فعلى ربِّ المال؛ ولأنه من مؤنة دفع الزكاة)) (¬4) (¬5). المسألة الثالثة: فضل الصدق والأمانة في حفظ الصدقة: عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الخازن، المسلم، الأمين الذي يُعطي ما أمر به: كاملاً، موفَّراً، طيبةً به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به، أحد المتصدقين)) (¬6) وهذه الأوصاف لابد من اعتبارها في تحصيل أجر الصدقة ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الخراج، بابٌ في أرزاق العمال، برقم 2943، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 230. (¬2) أبو داود، كتاب الخراج، بابٌ في غلول الصدقة، برقم 2947، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود،2/ 232. (¬3) انظر: بقية أحاديث عمال الصدقة في زكاة بهيمة الأنعام للمؤلف في فقرة عمال الصدقة الذين يرسلهم الإمام، ص49 - 54. (¬4) المغني لابن قدامة، 4/ 108. (¬5) وانظر: زيادة التفصيل في أجرة العاملين عليها المغني، 4/ 107 - 109، 130، و9/ 312 - 315. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسدٍ، برقم: 1438، وكتاب الإجارة، باب استئجار الرجل الصالح، برقم 2260، وكتاب الوكالة، باب وكالة الأمين في الخزانة ونحوها، برقم 2319، ومن كتاب الزكاة، باب أجر الخازن الأمين، برقم 1023.

المصرف الرابع: المؤلفة قلوبهم، وفيه مسائل:

للخازن؛ فإنه إن لم يكن مسلماً لم تصح منه نية التقرب، وإن لم يكن أميناً كان عليه وزر الخيانة, فكيف يحصل له أجر الصدقة، وإن لم تكن نفسه بذلك طيبة لم يكن له نية, فلا يؤجر، ومعنى قوله: ((أحد المتصدقين)) بالتثنية, ومعناه أن الخازن بما فعل متصدق، وصاحب المال متصدق آخر، فهما متصدقان، ويصح أن يقال: على الجمع، فتكسر القاف ((المتصدقين)) ويكون معناه أنه متصدق من جملة المتصدقين (¬1) وقد تقدم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العامل على الصدقة بالحق: كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته)) (¬2). المصرِف الرابع: المؤلفة قلوبهم، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم المؤلفة قلوبهم لغة واصطلاحاً: مفهوم المؤلفة قلوبهم لغة: يقال ألفتُ الشيء، وألِفْتُ فلاناً: إذا أنسِتُ به، وألَّفتُ بينهم: إذا جمعت بينهم بعد تفرُّقٍ، وألَّفتُ الشيء تأليفاً: إذا وصلت بعضه ببعض، ومنه تأليف الكتب، والإلف: الأليف، وتألفه على الإسلام، ومنه المؤلفة قلوبهم، أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتألفهم: أي بمقاربتهم وإعطائهم؛ ليرغِّبوا مَنْ وراءهم في الإسلام، وعلى هذا فالمؤلفة قلوبهم جمع مؤلف، من التأليف، وهو جمع القلوب (¬3). ¬

(¬1) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 76. (¬2) أبو داود، برقم 2936، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 228، وتقدم تخريجه. (¬3) لسان العرب، باب الفاء، فصل الألف، 9/ 10 - 11، وانظر: مصارف الزكاة، وتمليكها، ص239.

مفهوم المؤلفة قلوبهم اصطلاحا

مفهوم المؤلفة قلوبهم اصطلاحاً: المؤلفة قلوبهم: جمع مؤلف: وهو السيد المطاع في عشيرته، ممن يُرجى إسلامه، أو كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها (¬1). المسألة الثانية: أقسام المؤلفة قلوبهم، وأنواعهم: المؤلفة قلوبهم قسمان: القسم الأول: كفار، وهم نوعان: النوع الأول: من يُخشى شره، ويُرْجى بعطيته كفّ شره، وكف شر غيره معه. النوع الثاني: من يُرجى إسلامه، فيعطى؛ لتقوى نيته في الإسلام، وتميل نفسه إليه فيسلم، ومن هذا النوع ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صفوان؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة فتح مكة، ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين، وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صفوان بن أمية: مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة، قال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ (¬2). وقال أنس - رضي الله عنه -: ((إن كان الرجل يسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها)) (¬3). وعنه - رضي الله عنه - قال: ((ما سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، ¬

(¬1) انظر: الروض المربع، 3/ 314، والكافي لابن قدامة، 2/ 197. (¬2) مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، برقم 2313. (¬3) المرجع السابق، في الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً، برقم 58 - (2312).

القسم الثاني: المسلمون وهم أربعة أنواع

فجاء رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة)) (¬1). القسم الثاني: المسلمون وهم أربعة أنواع: النوع الأول: قومٌ من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، ومن المسلمين الذين لهم نية حسنة في الإسلام، فإذا أعطوا رُجي إسلام نظرائهم وحُسنُ نيَّاتهم، فيجوز إعطاؤهم. النوع الثاني: قومٌ في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين. النوع الثالث: قومٌ إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف، فكل هؤلاء يعطون من الزكاة؛ لأنهم من المؤلفة قلوبهم، فيدخلون في عموم الآية. النوع الرابع: قومٌ ساداتٌ مطاعون في قومهم, يُرجى بعطيتهم قوة إيمانهم، ومناصحتهم في الجهاد؛ فإنهم يعطون؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه)) (¬2)؛ ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - ((يعطي رجالاً من قريش مائة من الإبل)) وقال في ذلك: ((إني لأعطي رجالاً حديثٌ عهدهم بكفر)) (¬3). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: بعث عليٌّ - رضي الله عنه - وهو باليمن بذهيبةٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس ¬

(¬1) مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، برقم 2312. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، برقم 27، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تأليف قلب من يخاف على إيمانه؛ لضعفه، برقم: 150. (¬3) البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم، برقم: 3147.

المسألة الثالثة: نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة

الحنظلي، وعُيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني إنما فعلت ذلك؛ لأتألفهم)) (¬1). وعن عمرو بن تغلب - رضي الله عنه - قال: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوماً ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: ((أما بعد: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحبُّ إليَّ من الذي أُعطي، ولكني أعطي أقواماً؛ لِمَا أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأَكِلُ أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب)) قال عمرو: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُمْرُ النَّعَم)) (¬2). المسألة الثالثة: نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة، يُعطى المؤلفة قلوبهم من الزكاة ما يحصل به التأليف؛ لترغيبهم في الإسلام، أو كف شرهم، أو قوة إيمانهم، أو إسلام نظيرهم؛ لدخولهم في عموم قول الله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (¬3) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف، 65 برقم 3344، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم: 1064. (¬2) البخاري، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، برقم 923، وكتاب فرض الخمس باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس برقم 3145، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج، الآيات: 19 - 21] برقم: 7535. (¬3) سورة التوبة، الآية: 60. (¬4) انظر: المغني، لابن قدامة، 9/ 316 - 318، و4/ 130، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 315، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 7/ 231، والكافي، 2/ 197، ومنار السبيل، 1/ 267، وكتاب الفروع، لابن مفلح، 4/ 329 - 330، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 40، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، 10/ 27.

المصرف الخامس: في فك الرقاب وفيه مسائل

المصرف الخامس: في فَكِّ الرقاب وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم الرقاب لغة واصطلاحاً: لغة: الرقاب الرقبة مؤخرة أصل العنق، وجمعها: رقبٌ، ورقباتٌ، ورقاب، والرقبة أيضاً المملوك (¬1)، وقوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} هو على حذف مضاف: أي وفي فك الرقاب (¬2). قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: ((قد تكرر في الحديث ذكر الرقبة: وعتقها، وتحريرها، وفكها، وهي في الأصل العنق، فجعلت كناية عن جميع الإنسان، تسمية للشيء ببعضه، فإذا قال: أعتق رقبةً، فكأنه قال: أعتق عبداً أو أمةً، ومنه حديث قسم الصدقات. {وَفِي الرِّقَابِ} يريد المكاتبين من العبيد، يعطون نصيباً من الزكاة، يفكون به رقابهم، ويدفعونه إلى مواليهم (¬3) والمعنى: وتصرف الزكاة في فك الرقاب)). مفهوم الرقاب اصطلاحاً: {وَفِي الرِّقَابِ}: هم المكاتبون المسلمون: (¬4) ((الذين اشتروا أنفسهم من ساداتهم بثمنٍ مؤجل يُؤَدَّى ¬

(¬1) مختار الصحاح، مادة (رقب)، ص106. (¬2) المصباح المنير، 1/ 234. (¬3) النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 249. (¬4) المكاتب: الكتابة: أن يكاتب الرجل عبده، على مالٍ يؤديه إليه منجماً مقسطاً فإذا أدَّاه صار حرًّا، وسميت كتابة؛ لمصدر كتب كأنه يكتب على نفسه لمولاه ثمنه، ويكتب مولاه له عليه العتق، وقد كاتبه مكاتبة، والعبد مكاتب [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 4/ 148].

منجَّماً [مقسطاً] إلى ساداتهم، وهم يسعون إلى تحصيل هذا المال؛ لفكِّ رقابهم, ويدخل في عموم الرقاب: شراء الرقاب المملوكة وإعتاقها، وفك الأسرى؛ لعموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}؛ ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: ((يُعتقُ من زكاة ماله، ويعطى في الحج)) (¬1). فظهر من هذا أنه يدخل في عموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}، ثلاثة أنواع: النوع الأول: المكاتب المسلم، الذي اشترى نفسه من سيده بدين مؤجل. النوع الثاني: الأسير المسلم، الذي وقع في قبضة الكفار. النوع الثالث: المملوك المسلم، الذي دخل في الرق (¬2)، فكل هؤلاء يدخلون في عموم قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} على القول الصحيح من أقوال أهل العلم (¬3)، وقد سمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ¬

(¬1) البخاري معلقاً, كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، قبل الحديث رقم 1468، قال العلامة الألباني رحمه الله في مختصر صحيح البخاري له، 1/ 433: ((وصله أبو عبيد في الأموال بسندٍ جيد عنه)). (¬2) المغني، لابن قدامة،9/ 319، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 236، وكتاب الفروع، لابن مفلح، 4/ 330، والكافي، لابن قدامة، 2/ 169، والشرح الممتع، 6/ 331، والإقناع لطالب الانتفاع، 1/ 472، ومنتهى الإرادات، 1/ 519، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 315، ومنار السبيل، 1/ 268، وجامع البيان، للطبري، 14/ 317، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص616، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 8/ 169، وتفسير السعدي، ص341، ونيل الأوطار، الشوكاني، 3/ 78. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في المقصود بالرقاب، بينها العلماء على النحو الآتي: قال الإمام الطبري رحمه الله: ((والصواب من القول في ذلك عندي، قول من قال: ((عنى بالرقاب في هذا الموضع، المكاتبون؛ لإجماع الحجة على ذلك؛ فإن الله جعل الزكاة حقاً واجباً على من أوجبها عليه في ماله يخرجها منه، لا يرجع إليه منها نفع من عرض الدنيا، ولا عِوض، والمعتق رقبة منها راجع إليه ولاء من أعتقه، وذلك نفع يعود إليه منها)) [جامع البيان 14/ 317]. وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في ثبوت سهم الرقاب، ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من الرقاب يجوز صرف الزكاة إليهم، وهو قول الجمهور، وخالفهم مالك، فقال: إنما يصرف سهم الرقاب في إعتاق العبيد، ولا يعجبني أن يعان منها مكاتب، وخالف أيضاً ظاهر الآية؛ لأن المكاتب من الرقاب؛ لأنه عبدٌ، واللفظ عام فيدخل في عمومه ... واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في جواز الإعتاق من الزكاة، فروي عنه جواز ذلك, وهو قول ابن عباس، والحسن، والزهري، ومالك، وإسحاق، وأبي عبيد، والعنبري، وأبي ثور؛ لعموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} وهو متناول للقن، بل هو ظاهر فيه؛ فإن الرقبة إذا أطلقت انصرفت إليه ... الرواية الأخرى: لا يجوز، وهو قول: إبراهيم، والشافعي؛ لأن الآية تقتضي صرف الزكاة إلى الرقاب ... وفي موضع آخر أنه قال: يعين من ثمنها فهو أسلم، وقد روي نحو هذا عن النخعي، وسعيد بن جبير؛ فإنهما قالا: لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة، ولكن يعطي منها في رقبةٍ، ويعين مكاتبه، وبه قال أبو حنيفة، وصاحباه؛ لأنه إذا أعتق من زكاته انتفع بولاءِ من أعْتقَ، فكأنه صرف الزكاة إلى نفسه، وأخذ ابن عقيل من هذه الرواية: أن أحمد رجع عن القول بالإعتاق من الزكاة، وهذا والله أعلم من أحمد على سبيل الورع، فلا يقتضي رجوعاً؛ لأن العلة التي تتملَّك بها جرِّ الولاء، ومذهبه أن ما رجع من الولاء ردَّ في مثله، فلا ينتفع إذاً بإعتاقه من الزكاة؛ [ولهذا قال الخرقي رحمه الله: فما رجع من الولاء رد في مثله] قال ابن قدامة رحمه الله: يعني يُعتق به أيضاً، وبهذا قال الحسن وإسحاق، وقال أبو عبيد: الولاء للمعتق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الولاء لمن أعتق)) [متفق عليه: البخاري، برقم: 2168، ومسلم، برقم: 1504] وقال مالك: ولاؤه لسائر المسلمين؛ لأنه مال مستحق له، أشبه مال من لا وارث له، وقال العنبري: يجعله في بيت المال للصدقات؛ لأن عتقه من الصدقة فولاؤه يرجع إليها؛ ولأن عتقه بمالٍ وهو لله .. وقد روي عن أحمد ما يدل على أن الولاء له، وقد سبق ذلك في باب الولاء [المغني لابن قدامة، بتصرف يسير،9/ 319 - 322. وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((وأما الرقاب فروي عن الحسن البصري، ومقاتل بن حيان، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير، والنخعي، والزهري، وابن زيد، أنهم: المكاتبون، وروي عن أبي موسى الأشعري نحوه، وهو قول: الشافعي، والليث رضي الله عنهما، وقال ابن عباس والحسن: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة، وهو مذهب أحمد ومالك، وإسحاق، أي: إن الرقاب أعم من أن يعطى المكاتب، أو يشتري رقبةً فيعتقها استقلالاً)) [تفسير القرآن العظيم ص616]. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وقد اختلف السلف في تفسير قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} فقيل: المراد شراء الرقبة لتعتق، وهو قول ابن القاسم عن مالك، واختيار أبي عبيد، وأبي ثور، وإسحاق، وإليه مال البخاري، وابن المنذر، وقال أبو عبيد: أعلى ما جاء فيه قول ابن عباس وهو أولى بالاتباع، وأعلم بالتأويل، وروى ابن وهب عن مالك: أنها في المكاتب، وهو قول الشافعي، والليث، والكوفيين، وأكثر أهل العلم، ورجحه الطبري، وفيه قول ثالث: أن سهم الرقاب يجعل نصفين: نصف لكل مكاتب يدعي الإسلام، ونصف يشترى بها رقاب ممن صلى وصام أخرجه ابن أبي حاتم وأبو عبيد في الأموال، بإسناد صحيح عن الزهري أنه كتب ذلك لعمر بن عبد العزيز [فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 332.

المسألة الثانية: فضل إعتاق الرقاب

ابن باز رحمه الله يقول: ((والمقصود بالرقاب: إعتاقها بشرائها، وإعتاق المكاتب من الزكاة، وإعتاق الأسرى)) (¬1) (¬2). المسألة الثانية: فضل إعتاق الرقاب جاء في الكتاب والسنة، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((وقد ورد في ثواب الإعتاق، وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضوٍ عضواً من معتقها، حتى الفرج بالفرج، وما ذاك إلا؛ لأن الجزاء من جنس العمل {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬3) (¬4) ومن الأدلة التي ترغب في الإعتاق وفضله ما يأتي: 1 - قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬5) ? {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة: من فك الرقاب وإطعام السغبان، فيكون خيراً له من عداوة محمد *، هذا قول ابن زيد وجماعة، وقيل: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي لم يقتحمها ولا جاوزها، والاقتحام الدخول في الأمر الشديد، وذكر العقبة هنا مثلٌ ¬

(¬1) سمعته أثناء تقرير على صحيح البخاري، باب قول الله تعالى: (وفي الرقاب ... )، قبل الحديث رقم: 1468 .. (¬2) انظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 32. (¬3) سورة الصافات، الآية: 39. (¬4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص616. (¬5) سورة البلد، الآيات: 11 - 16.

ضربه الله لمجاهدة: النفس، والهوى، والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، تقول: لم يحمل على نفسه المشقة, بعتق الرقبة والإطعام، وهذا معنى قول قتادة، وقيل: إنه شبَّه ثِقل الذنوب على مرتكبها بعقبة، فإذا أعتق رقبة, وأطعم كان كمن اقتحم العقبة، وجاوزها، وقيل غير ذلك (¬1) قال العلامة السعدي رحمه الله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي لم يقتحمها ويعبر عليها؛ لأنه متبع لشهواته، وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر [هذه] العقبة بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي فكها من الرق بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار) (¬2) وقال قتادة: إنها عقبة شديدة فاقتحموها بطاعة الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ثم أخبر تعالى عن اقتحامها, فقال: {فَكُّ رَقَبَةٍ} (¬3). 2 - ولعظيم أجر عتق الرقاب جعلها الله تعالى: من كفارة القتل (¬4) وكفارة اليمين (¬5) وكفارة الظهار (¬6). وجعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من كفارة الوطء في نهار رمضان (¬7). 3 - وجعلها الله تعالى من أعمال البر والتقوى (¬8). ¬

(¬1) تفسير البغوي 4/ 489. (¬2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص925. (¬3) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1436. (¬4) سورة النساء، الآية: 95. (¬5) سورة المائدة, الآية: 89. (¬6) سورة المجادلة, الآية: 3. (¬7) البخاري، كتاب كفارات الأيمان، باب من أعان المعسرفي الكفارة، برقم 6710. (¬8) سورة البقرة، الآية: 177.

4 - جاءت الأحاديث الكثيرة جدًّا في الترغيب في ذلك منها ما يأتي: الحديث الأول: عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: ((لئن أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة، وفك الرقبة)) فقال: يا رسول الله! أو ليستا واحدة؟ فقال: ((لا، عتق النسمة أن تفرَّد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ... )) (¬1). الحديث الثاني: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)) (¬2). الحديث الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منه عُضْواً من النار، حتى فرجه بفرجه)). قال سعيد بن مرجانة: ((فانطلقت به إلى علي بن الحسين فعمد علي بن الحسين رضي الله عنهما إلى عبدٍ له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار فأعتقه)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني، واللفظ له، كتاب الزكاة، باب الحث على إخراج الصدقة، وبيان قسمتها، برقم1، وأحمد في المسند، 3/ 600، برقم 1847، وقال محققو المسند: ((إسناده صحيح)). (¬2) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في الجهاد، والناكح، والمكاتب وعون الله إياهم، برقم 1655، والنسائي كتاب النكاح، باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف، برقم 3218، وأحمد، 2/ 427، والألباني في صحيح الترمذي، 2/ 236، وقال ابن باز في حاشية على بلوغ المرام، التعليق على الحديث رقم 382: ((بسند جيد أي عند النسائي)). (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب كفارات الأيمان، باب قول الله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة 89] وأي الرقاب أزكى، برقم 6715، وكتاب العتق، باب في العتق وفضله، وقوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد، 13 - 15]. برقم 2517، ومسلم، كتاب العتق، باب فضل العتق، برقم 24 1509.

المسألة الثالثة: نصيب الرقاب من الزكاة على النحو الآتي:

الحديث الرابع: عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيما امرئ مسلمٍ أعتق امرأً مسلماً كان فكاكه من النار، يجزىء كل عضوٍ منه عضواً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزئ كل عضوٍ منهما عضواً منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزيء كل عضوٍ منها عضواً منها)) (¬1). الحديث الخامس: عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)) قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعاً أو تصنع لأخرق)) قال: فإن لم أفعل؟ قال: ((تدع الناس من شرك؛ فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)) (¬2). المسألة الثالثة: نصيب الرقاب من الزكاة على النحو الآتي: 1 - المكاتب المسلم: يدفع إلى المكاتب جميع ما يحتاج إليه؛ لوفاء كتابته؛ فإن لم يكن معه شيء جاز أن تدفع إليه جميعها، وإن كان معه شيء تُمِّمَ له ما يتخلّصُ به؛ لأن حاجته لا تندفع إلا بذلك، ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شيء؛ لأنه مستغنٍ عنه في وفاء الكتابة، ويجوز أن يدفع إليه في ¬

(¬1) الترمذي، كتاب النذور، باب ما جاء في فضل من أعتق، برقم 1547، وابن ماجه، كتاب العتق، باب العتق، برقم 2522، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 181، وجاء في سنن أبي داود، من حديث كعب بن مرة، برقم 3967. (¬2) متفق عليه، البخاري، كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل، برقم 2518، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أفضل الأعمال، برقم 84.

المصرف السادس: الغارمون، وفيه مسائل:

كتابته قبل حلول النجم [القسط]؛ لئلا يحل النجم [القسط] ولا شيء معه، فتنفسخ الكتابة (¬1). 2 - إعتاق الرقيق: فيعتق من زكاة ماله الرقيق المسلم، فيدفع ثمنه لسيده (¬2). 3 - الأسير المسلم: فك الأسير المسلم من الزكاة، فيدفع لمن هو بيده من الكفار ما يفك به الأسير (¬3). المصرف السادس: الغارمون، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم الغارمين لغة واصطلاحاً. مفهوم الغارمين لغة: غَرِم يغرم غرماً، والغرم: الدين، ورجل غارم: عليه دين، وقوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} (¬4)، قال الزجاج: الغارمون الذين لزمهم الدين في الحمالة، وقيل: هم الذين لزمهم الدين في غير معصية، والغريم الذي له الدين, والذي عليه الدين جميعاً، والجمع غرماء (¬5). والغارمون جمع غارم، إذاً: الغرم في اللغة اللزم، وسمي الغارم غارماً؛ لأن الدين لزمه، ويطلق الغريم على الدائن ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة، 9/ 319. (¬2) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 78. (¬3) الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص156، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 32، والمغني، 9/ 321. (¬4) سورة التوبة: الآية 60. (¬5) لسان العرب، باب الميم، فصل الغين،12/ 436،والمصباح المنير،2/ 446، ومختار الصحاح، ص198.

مفهوم الغارمين اصطلاحا

لملازمته المدين (¬1). مفهوم الغارمين اصطلاحاً: الغارمون: هم المدينون العاجزون عن وفاء ديونهم (¬2). وقيل: الغارمون: هم الذين تدينوا للإصلاح بين الناس، أو تديَّنوا لأنفسهم وأعسروا؛ لدخولهم في قوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} (¬3) (¬4). المسألة الثانية: أنواع الغارمين على النحو الآتي: النوع الأول: غارم لإصلاح ذات البين: أي إصلاح حال الوصل، أو ما يحتاج إلى الوصل، وقيل: إصلاح القطع، فالبين: الوصل أو القطيعة (¬5). فالغارم لإصلاح ذات البين: هو من يحمل ديةً، أو مالاً؛ لتسكين فتنة، أو إصلاح بين طائفتين، فيُدفع إليه من الصدقة ما يُؤدِّي حمالته؛ ولو كان غنيًّا. فيكون الغارم لإصلاح ذات البين على ثلاثة أحوال: الحال الأول: يتحمَّل مالاً في ذمته للإصلاح. الحال الثاني: يقترض ويدفع للإصلاح. الحال الثالث: يدفع من ماله بنِيَّة الأخذ من الزكاة بدلاً من ذلك (¬6). ¬

(¬1) انظر: مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص606. (¬2) المغني، لابن قدامة، 9/ 323. (¬3) سورة التوبة، الآية: 60. (¬4) منار السبيل، 1/ 268. (¬5) الكافي، 2/ 200، والشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 233. (¬6) الكافي، 2/ 200، والشرح الممتع, لابن عثيمين، 6/ 233.

النوع الثاني: الغارم لنفسه في مباح

النوع الثاني: الغارم لنفسه في مباح, العاجز عن الوفاء، فهذا يُعطى من الزكاة ما يقضي دينه، لكن إن غرم في معصية لم يُدْفع إليه قبل التوبة شيء؛ لأن الدفع إليه في هذه الحالة إعانة على المعصية، وقيل: لا يُعطى مطلقاً؛ لأن استدانته في المعصية ولا يؤمن أن يعود للاستدانة في المعاصي ثقة منه بأن دينه سيُقضى، بخلاف من أتلف ماله في المعاصي؛ فإنه يعطى لفقره لا لمعصيته (¬1). والأدلة على جواز دفع الزكاة في النوعين المذكورين آنفاً كثيرة، منها حديث قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحمَّلتُ حمالةً, فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)) قال: ثم قال: ((يا قبيصة إن المسألة لا تَحِلُّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة (¬2). اجتاحت (¬3) ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً (¬4) من عيش أو قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة (¬5) حتى يقوم (¬6) ثلاثة من ذوي الحجا (¬7) من قومه ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة 9/ 323، والكافي له، 2/ 200. (¬2) الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار والأموال، وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة: جائحة، والجمع جوائح، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 311 - 312. (¬3) اجتاحت: أهلكت ماله. (¬4) القِوام والسداد بمعنى واحد، وهو ما يغني من الشيء، وما تسد به الحاجة، وكل شيء، سددت به شيئاً فهو سِداد بالكسر، ومنه سِداد الثغر، وسداد القارورة، وقولهم: سداد من عوز، [شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 139]. (¬5) فاقة: الفاقة: الحاجة والفقر. النهاية في غريب الحديث، 3/ 480. (¬6) حتى يقوم ثلاثة: يقومون بهذا الأمر فيقولون لقد أصابته فاقة. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 139. (¬7) الحجى: العقل. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 139.

المسألة الثالثة: نصيب الغارمين من الزكاة

فيقولون: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِوماً من عيش أو قال: سداداً من عيش، فما سواهنَّ من المسألة يا قبيصة سحتاً (¬1)، يأكلها صاحبها سحتاً)) (¬2). المسألة الثالثة: نصيب الغارمين من الزكاة، يعطون بقدر حاجتهم في قضاء ما عليهم من الديون, سواء كان الغارم قد أصلح بين الناس، وأعطى مالاً بنية الأخذ من الزكاة، أو اقترض، أو تحمَّل ذلك في ذمته، فيُعطى ولو كان غنيًّا تشجيعاً له على الخير، أو كان الغارم لنفسه ولم يستطع الوفاء, فيعطى من الزكاة ما يقضي دينه (¬3) (¬4). المصرف السابع: في سبيل الله تعالى، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم في سبيل الله لغة واصطلاحاً: ¬

(¬1) السحت: الحرام. (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، برقم 1044. (¬3) الكافي, لابن قدامة، 2/ 200، والمغني، 9/ 323، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 317 - 318. (¬4) وإذا أراد الرجل دفع زكاته إلى الغارم فله أن يسلمها إليه؛ ليدفعها إلى غريمة، وإن أحب أن يدفعها إلى غريمه قضاءً عن دينه فعن أحمد روايتان: إحداهما يجوز ذلك؛ لأنه دفع الزكاة في قضاء دينه, فأشبه ما لو دفعها إليه فقضى بها دينه، والرواية الثانية: لا يجوز دفعها إلى الغريم، قال أحمد: أحب إليَّ أن تدفع إليه حتى يقضي هو عن نفسه، قيل: هو محتاج يخاف أن يدفعه إليه فيأكله، ولا يقضي دينه، قال: فقل له: يوكِّلُه حتى يقضيه، فظاهر هذا أنه لا يدفع الزكاة إلى الغريم إلا بوكالة الغارم؛ لأن الدين إنما هو على الغارم فلا يصح قضاؤه إلا بتوكيله، ويحتمل أن هذا على الاستحباب، ويكون قضاؤه جائزاً، وإن كان دافع الزكاة الإمام جاز أن يقضي بها دينه من غير توكيله؛ لأن للإمام ولاية عليه في إيفاء الدين؛ ولهذا يجبره عليه إذا امتنع منه. [المغني لابن قدامة، 9/ 325 - 326].

لغة

لغة: السبيل في الأصل الطريق، ويُذَكَّرُ ويُؤنَّث، والتأنيث فيها أغلب، وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سُلِكَ به طريق التقرب إلى الله تعالى: بأداء الفرائض، والنوافل، وأنواع التطوعات، وإذا أُطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه (¬1). اصطلاحاً: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله، وطريقه، وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار (¬2) فالمقصود: الغزاة المتطوعة الذين لا ديوان لهم أو لهم ديوان لا يكفيهم (¬3). والمقصود: لاحق لهم في الديوان، ولا رواتب. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((هم الغزاة الذين لاحق لهم في الديوان، إذا نشطوا غزوا)) (¬4). قال الإمام ابن مفلح: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وهم الغزاة الذين لاحق لهم في الديوان؛ لأن من له رَزقُ راتب يكفيه مستغنٍ بذلك)) (¬5). المسألة الثانية: نصيب الغزاة في سبيل الله من الزكاة: يعطون من الزكاة ما يشترون به السلاح، والدواب، والنفقة لهم ولعيالهم، حتى ولو كانوا أغنياء؛ لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين، بشرط أن لا يكون لهم رَزقٌ من بيت المال يكفيهم (¬6)؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال: قال رسول ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 2/ 338. (¬2) جامع البيان، للطبري، 14/ 319. (¬3) المغني، 9/ 326، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 319، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 247. (¬4) الكافي, لابن قدامة، 2/ 201. (¬5) الفروع، لابن مفلح، 4/ 345. (¬6) المغني، لابن قدامة، 9/ 326، 327، والكافي، 2/ 201، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 319، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 247، وتفسير السعدي، ص341، ومنار السبيل، 1/ 269.

الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحل الصدقة لغنيٍّ إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارمٍ، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني)) (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (( ... الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين: محتاج إليها: كالفقراء، والمساكين، وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون: كالعامل، والغازي، والمؤلف، والغارم لإصلاح ذات البين)) (¬2) (¬3). ¬

(¬1) أبو داود، برقم 1635، 1636، وابن ماجه، برقم 1841، وأحمد، برقم 11538، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 455، وصحيح ابن ماجه، 2/ 116، وإرواء الغليل، برقم 870، وتقدم تخريجه في مصرف العاملين عليها. (¬2) المغني، لابن قدامة، 9/ 329. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله: هل يعطى في الحج من الزكاة؟ على قولين: القول الأول: قال الإمام الخرقي رحمه الله: ((ويعطى أيضاً في الحج وهو من سبيل الله)) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويروى هذا عن ابن عباس، وعن ابن عمر ((الحج من سبيل الله)) وهو قول إسحاق ... )). القول الثاني: رواية عن أحمد، أنه لا يصرف من الزكاة في الحج، وبه قال: مالك، والليث، وأبو حنيفة، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر، قال الإمام ابن قدامة: ((وهذا أصح)) واستدلوا بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فالمراد به عند الإطلاق الجهاد. واستدل أهل القول الأول بآثار وأحاديث منها حديث أم معقل، وفيه أنها قالت: يا رسول الله إن عليَّ حجة وإن لأبي معقلٍ بكراً، قال أبو معقل: صدقة جعلته في سبيل الله، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أعطها فلتحج عليه, فإنه في سبيل الله)) [أبو داود، برقم 1988، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 556] وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((فهلا خرجت عليه؛ فإن الحج في سبيل الله)) [أبو داود، برقم 1989، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 557]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج فقالت امرأة لزوجها: احجَّني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جملك؛ فقال: ما عندي ما أحجّك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله - عز وجل -، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... )) الحديث وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله)) [أبو داود، برقم 1990، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 557: ((حسن صحيح)) واحتجوا بقول ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري معلقاً، قال: ((يعتق من زكاة ماله ويُعطى في الحج)) [البخاري مع الفتح، 3/ 231، قال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 433: ((وصله أبو عبيد في الأموال بسند جيد عنه))، ومن الآثار في ذلك ما أخرجه البخاري معلقاً عن الحسن (( .... ويعطي في المجاهدين، والذي لم يحج [أي من الزكاة])) البخاري مع الفتح، 3/ 331، وقال الحافظ ابن حجر: ((هذا صحيح عنه)) [فتح الباري، 3/ 331] وذكر الحافظ ابن حجر: ((وقال ابن عمر: أما إن الحج من سبيل الله)) أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه [فتح الباري، 3/ 332] وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 1468، يقول: على قول ابن عباس: ((أما الحج فقال بعضهم كما ههنا: إنه من الجهاد في سبيل الله. فيجوز دفع الزكاة في الحج، وهو الأظهر؛ لأن الحج جهاد في سبيل الله)). وفي الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص156، قوله: ((ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أُعطي ما يحج به، وهو إحدى الروايتين عن أحمد)). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في مجموع فتاوى اللجنة، 10/ 38: ((يجوز صرف الزكاة في إركاب فقراء المسلمين لحج فريضة الإسلام، ونفقتهم فيه؛ لدخوله في عموم قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} من آية مصارف الزكاة وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)). عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس عبد الله بن القعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز وانظر: المغني: لابن قدامة، 9/ 328، وفتح الباري، 3/ 332، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 7/ 248، والكافي، 2/ 201، والفروع لابن مفلح، 4/ 345.

المصرف الثامن: ابن السبيل، وفيه مسائل

المصرف الثامن: ابن السبيل، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم ابن السبيل لغة واصطلاحاً. لغة: السبيل في الأصل: الطريق، وابن السبيل: هو المسافر كثير

اصطلاحا

السفر، سُمِّيَ ابناً لها لملازمته إياها (¬1)، وابن السبيل المسافر البعيد عن منزله، نسب إلى السبيل لممارسته إياه، ويستعمل السبيل لكل ما يتوصل به إلى الشيء خيراً كان أو شرًّا (¬2) وهو الذي يسافر فيجتاز من بلدٍ إلى بلدٍ بعيد عن بلده. واصطلاحاً: ابن السبيل: هو المسافر الغريب المنقطع به في سفره عن أهله وماله، وليس له ما يرجع به إلى بلده، ولو كان غنيًّا في بلده، فأما المنشئ للسفر من بلده فليس بابن سبيل؛ لأن السبيل: الطريق (¬3). المسألة الثانية: نصيب ابن السبيل من الزكاة: يُعطى منها ولو كان غنيًّا ما يوصله إلى بلده؛ للآية {وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬4). رابعاً: نصيب كل مصرف من مصارف الزكاة على سبيل الإجمال على النحو الآتي: 1 ـ كل صنف من أصناف أهل الزكاة يدفع إليه ما تندفع به حاجته من غير زيادة: فالغارم، والمكاتب، يُعْطَى كل واحد منهما ما يقضي به دينه وإن كثر، وابن السبيل يُعْطَى ما يبلغه إلى بلده، والغازي يعطى ما يكفيه لغزوه، والعامل يُعْطَى بقدر أجرة عمله (¬5). ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 338 - 339. (¬2) مفردات القرآن للأصفهاني، ص395. (¬3) المغني لابن قدامة، 9/ 230، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 252، وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 348، والكافي، 2/ 202، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 321، ونيل الأوطار للشوكاني، 3/ 81، ومنار السبيل، 1/ 269. (¬4) سورة التوبة، الآية: 60. (¬5) المغني لابن قدامة، 4/ 130.

2 - أربعة أصناف يأخذون أخذا مستقرا

2 ـ أربعة أصناف يأخذون أخذاً مستقراً, فلا يُراعى حالهم بعد الدفع: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون، والمؤلفة قلوبهم، فمتى أخذوا ملكوها ملكاً دائماً، مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال. 3 ـ أربعة منهم: وهم الغارمون، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل؛ فإنهم يأخذون أخذاً مراعىً, فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها، وإلا استرجع منهم، والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها: أن هؤلاء أخذوا لمعنىً لم يحصل بأخذهم للزكاة، والأولون حصل المقصود بأخذهم: وهو غنى الفقراء والمساكين، وتأليف المؤلفين، وأداء أجر العاملين. 4 ـ أربعة يأخذون مع الغنى: وهم الغازي، والعامل، والغارم للإصلاح، والمؤلَّف؛ لأنهم يأخذون لحاجة المسلمين إليهم (¬1). 5 ـ قال السعدي رحمه الله: ((المدفوع له نوعان: نوع يُعطى لحاجته: كالفقراء والمساكين، وابن السبيل، والغارم لنفسه. ونوع يُعطى لحاجة المسلمين إليه وعموم نفعه: كالعامل عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارم لإصلاح ذات البين، والإخراج في سبيل الله)) (¬2). 6 - إذا اجتمع في واحد من أهل الزكاة سببان جاز أن يأخذ بكل واحد منهما منفرداً: كالفقير الغارم، يُعطى بهما جميعاً، فيعطى ما يقضي دينه، ثم يُعطى ما يغنيه ويسد حاجته (¬3). ¬

(¬1) الكافي لابن قدامة، 2/ 202. (¬2) إرشاد أولي البصائر للسعدي، ص 128. (¬3) المغني، لابن قدامة، 9/ 236.

7 - يستحب صرف الزكاة إلى الأقارب

7 - يستحب صرف الزكاة إلى الأقارب المحتاجين الذين لا تلزم نفقتهم على صاحب المال؛ لحديث سلمان بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة)) (¬1). خامساً: أصناف من لا يصح دفع الزكاة إليهم على النحو الآتي: 1 - ـ الكفار إلا المؤلفة قلوبهم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم ... )) (¬2) (فخصهم - صلى الله عليه وسلم - بصرفها إلى فقرائهم كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم، والمراد: أغنياء المسلمين، وفقرائهم (¬3). قال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: ((وأجمعوا على أنه لا يُعطى من زكاة المال أحد من أهل الذمة)) (¬4). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن زكاة الأموال لا تُعطى لكافرٍ ولا لمملوك)) (¬5) (¬6). ¬

(¬1) النسائي، كتاب الزكاة، باب الصدقة على الأقارب، برقم 2581، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة، برقم 658، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 223. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 395، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه. (¬3) انظر: المغني، 4/ 106، المقنع مع الشرح الكبير، والإنصاف، 7/ 284. (¬4) الإجماع، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر ص56. (¬5) المغني 4/ 106، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 7/ 284. (¬6) وهل يعطى من الزكاة الكافر إذا كان عاملاً عليها، على روايتين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله: الرواية الأولى لا يجوز استعمال الكافر على الزكاة؛ لأنه يشترط في العامل على الزكاة، أن يكون: بالغاً، عاقلاً، أميناً، مسلماً، والعمال على الزكاة تشترط لهم الأمانة فاشترط له الإسلام كالشهادة؛ ولأنه ولاية على المسلمين، فلم يجز أن يتولاها الكافر كسائر الولايات؛ لأن من ليس من أهل الزكاة لا يجوز أن يتولى العمالة كالحربي؛ ولأن الكافر ليس بأمين؛ ولهذا قال عمر - رضي الله عنه - ((لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى)) وقد أنكر عمر - رضي الله عنه - على أبي موسى توليه الكتابة نصرانياً, البيهقي، 10/ 127 فالزكاة التي هي ركن الإسلام أولى [المغني لابن قدامة، 9/ 313، و4/ 107، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 223]. [واختار هذه الرواية وجزم بها ابن قدامة في المقنع المطبوع مع الشرح الكبير، 7/ 223 - 224، وفي المغني له، 9/ 313، و4/ 107،والمرداوي في الإنصاف المطبوع مع الشرح الكبير، 7/ 223. والرواية الثانية: يجوز أن يكون العامل على الزكاة كافراً؛ لأن الله يقول: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]. وهذا لفظ عام يدخل فيه كل عامل على أي صفة كان؛ ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات [المغني، 4/ 107]. قال الخرقي: ولا يعطى من الصدقة ... ولا لكافر ولا مملوك إلا أن يكون من العاملين عليها, فيعطون بحق ما عملوا [مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، 4/ 107]. والصواب القول الأول، وهو: أن الكافر لا يعطى من الزكاة المفروضة مطلقاً.

2 - آل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم بنو هاشم

2 - آل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهم بنو هاشم، لحديث عبد المطلب بن ربيعة وفيه: (( ... إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد, إنما هي أوساخ الناس)) (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسن بن علي تمرةً من تمر الصدقة. فجعلها في فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كَخْ كَخْ (¬2) ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة)) وفي لفظ للبخاري: فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخرجها من فيه، فقال: ((أما علمت أنَّ آل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يأكلون الصدقة)). وفي لفظ للبخاري أيضاً: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفارسية: ((كَخْ، كَخْ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة)). وفي لفظ مسلم: (( ... أنَّا لا تحل لنا الصدقة)) (¬3). ¬

(¬1) مسلم، برقم: 1072، وتقدم تخريجه في نصيب العاملين على الزكاة. (¬2) كَخْ كِخْ: بفتح الكاف وكسرها وتسكين الخاء ويجوز كسرها مع التنوين، وهي كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات، فقال له: كخ: أي أتركه وارم به، [شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 180]. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب أخذ صدقة النخل عند صرام النخل، وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة؟ برقم 1485، وباب ما يذكر في الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وآله، برقم 1491، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب من تكلم بالفارسية والرطانة, رقم 3072، ومسلم، كتاب الزكاة، تحريم الزكاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، برقم 1069.

وعن معاوية القشيري قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أُتي بشيء سأل عنه ((أهدية أم صدقة))؟ فإن قيل: صدقة. لم يأكل وإن قيل هدية بسط يده (¬1). وتبين بهذه الأحاديث أن الزكاة لا تحل لآل النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة)) (¬2) (¬3)، ¬

(¬1) النسائي، كتاب الزكاة، باب الصدقة لا تحل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 2612، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 234: ((حسن صحيح عن أبي هريرة)). (¬2) المغني، لابن قدامة، 4/ 109. (¬3) أما بنو المطلب فاختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تحريم الصدقة عليهم على قولين: القول الأول: أن الزكاة تحرم على بني المطلب كما تحرم على بني هاشم، وهو قول الشافعي ومن وافقه ورواية عن أحمد؛ لحديث جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا, ونحن بمنزلة واحدة منك؟ فقال: ((إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحدٌ)) قال جبير: ولم يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني عبد شمس، وبني نوفل شيئاً [البخاري برقم 4229، ورقم 3502، ورقم 3140، وقال في هذا الطرف: ((وقال ابن إسحاق: عبد شمس، وهاشم، والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم))، فاتضح بذلك أن المطلبيين هم المنتسبون إلى المطلب، والمطلب أخو هاشم، وأبو هما عبد مناف، وله أربعة أبناء، وهم: هاشم، والمطلب، وعبد شمس، ونوفل. وهاشم هو جد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني، وهو أبوه الثالث، وبنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد: أي في النصرة، وهم ليسوا من أهل البيت؛ لأنهم ليسوا من سلالة هاشم، وإنما هم من سلالة أخيه المطلب، ولكنهم يشاركون آل البيت في الخمس، وعلى هذا قال من قال: إنهم لا يأخذون من الزكاة؛ لأنهم استغنوا بما أخذوا من الخمس عن الزكاة, وعلى هذا القول، يكون بنو المطلب حكمهم في تحريم أخذ الزكاة حكم بني هاشم، وحكمهم في استحقاق الخمس كبني هاشم، وبنو عمهم: [بنو نوفل، وبنو عبد شمس] ليس لهم حق في الخمس، ولهم الأخذ من الزكاة. القول الثاني: أن الزكاة تحلُّ لبني المطلب، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول أبي حنيفة؛ لأن بني المطلب ليسوا من آل محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ولعموم الآية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية [التوبة: 60]، لكن خرج بنو هاشم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد, إنما هي أوساخ الناس ... )) [مسلم، برقم 1072] فيجب أن يختص المنع بهم، ولا يصح قياس بني المطلب على بني هاشم؛ لأن بني هاشم أقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشرف، وهم آل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بدليل: أن بني عبد شمس، وبني نوفل يساوونهم في القرابة، ولم يعطوا شيئاً؛ وإنما شاركوهم بالنصرة أو بهما جميعاً، والنصرة لا تقتضي منع الزكاة، وهذا هو القول الصحيح، وسمعت شيخنا ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 3140، يقول: ((بنو المطلب يعطون من الخمس؛ لأنهم ناصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية والإسلام، ويعطون من الزكاة على الصحيح؛ لأنه منع الزكاة عن بني هاشم فقط)) واختار هذا القول أيضاً الخرقي في مختصره مع المغني، 4/ 109، وابن قدامة في المغني، 4/ 111، وفي المقنع مع الشرح الكبير، 7/ 289، وفي العمدة، وشيخ الإسلام كما في الفروع مع تصحيحه، 4/ 370، والإنصاف مع الشرح الكبير، 7/ 307، وصاحب الروض المربع، 3/ 329، وغيرهم كثير, وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 6/ 259: ((والصحيح ... أنه يصح دفع الزكاة إلى بني المطلب)). وانظر: المجموع للنووي، 6/ 167، وفتح الباري لابن حجر، 3/ 227، ونيل الأوطار، 3/ 87، وشرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 182.

والله تعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل (¬1) وهو سبحانه ¬

(¬1) وهل تصح صدقة التطوع على آل النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((وأما صدقة التطوع فللشافعي فيها ثلاثة أقوال: أصحها: أنها تحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحلُّ لآله، والثاني تحرم عليه وعليهم، والثالث: تحلُّ له ولهم)) [شرح النووي على صحيح مسلم،7/ 182]. وقال ابن قدامة في المغني، 4/ 113: ((ويجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع ... )) وعن أحمد رواية أخرى: أنهم يمنعون صدقة التطوع أيضاً والأول أظهر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل معروف صدقة)) [البخاري، برقم 6021، ومسلم، برقم: 1005] ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي، والعفو عنه، وإنظاره. وروى جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقاياتٍ بين مكة والمدينة، فقلت له: أتشرب من الصدقة؛ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة [ذكره ابن قدامة في المغني 4/ 114، وعزاه ابن حجر إلى الشافعي والبيهقي في التلخيص الحبير 3/ 115] قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فالظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليه فرضها ونفلها)) واختار ذلك رحمه الله: [المغني، 4/ 115 - 117] والمقنع مع الشرح الكبير، 7/ 295 – 298، ورجحه ابن عثيمين رحمه الله تعالى فقال: ((بهذا نعرف أن بني هاشم ينقسمون إلى قسمين: الأول: من لا تحل له صدقة التطوع، وهو شخص واحد، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهو لا يأكل الصدقة الواجبة، ولا التطوع. الثاني: البقية من بني هاشم يأكلون من صدقة التطوع، ولا يأكلون من الزكاة الواجبة، [الشرح الممتع، 6/ 258] وقال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: ((قد صحت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دالة على تحريم الزكاة على أهل البيت، وهم بنو هاشم, سواء كانت نقوداً أو غيرها، أما صدقة التطوع فلا حرج فيها)) [مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 134].

حسبنا (¬1) ونعم الوكيل (¬2). ¬

(¬1) ذكر ابن مفلح في كتاب الفروع أن مذهب الإمامية يجوز لبني هاشم الفقراء أخذ زكاة بني هاشم، 4/ 318. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يجوز ذلك فقال في الاختيارات: ((ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشمي وهو محكي عن طائفة من أهل البيت)) [الاختيارات الفقهية شيخ الإسلام ابن تيمية، ص154] قال الإمام الشوكاني رحمه الله في رد هذا القول: ((والحاصل أن تحريم الزكاة على بني هاشم معلوم من غير فرق بين أن يكون المزكي هاشمياً أو غيره، فلا يتفق من المعاذير عن هذا المحرم إلا ما صح عن الشارع لا ما لفَّقه الواقعون في هذه الورطة من الأعذار الواهية)) [نيل الأوطار، 3/ 87]. ويقصد بكلامه هذا رحمه الله الرد على بعض أهل البيت الذين رووا حديثاً مسلسلاً بالهاشميين، فيه جواز أخذ الهاشمي من زكاة الهاشمي، ثم رد عليهم بأن هذا الحديث قد اتهم به بعض رواته، وليس بصالح لتخصيص العمومات الصحيحة ... وأما دعوى أنهم أجمعوا عليه: فباطلٌ باطلٌ. [نيل الأوطار، 3/ 87] ورد العلامة محمد بن عثيمين قول من قال بزكاة الهاشمي للهاشمي، ثم قال: ((لكن لو فرض أنه لا يوجد لإنقاذ حياة هؤلاء من الجوع إلا زكاة الهاشميين فزكاة الهاشميين أولى من زكاة غير الهاشميين)) [الشرح الممتع، 6/ 256]. (¬2) واختار شيخ الإسلام: أن بني هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة ... ؛ لأنه محل حاجة وضرورة [الاختيارات، ص154] وانظر [الفروع لابن مفلح، 4/ 317] وقال ابن عثيمين في اختيار شيخ الإسلام هذا عند الضرورة ((هو الصحيح)) [الشرح الممتع، 6/ 257] وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2609: ((والصدقة لا تحل لآل محمد، حتى ولو كانوا عمالاً للزكاة, أو مجاهدين، أو غارمين، إلا أن ابن تيمية ذكر أنهم إذا لم يكن لهم نصيب من بيت المال يعطون للضرورة كمن تحل له الميتة، عند الضرورة)).

3 - موالي بني هاشم

أما الهدية فتحل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتحل لآله؛ لأحاديث كثيرة، وحتى لو كانت صدقة على الفقراء, ثم أُهديت لآل البيت فلا حرج؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - حينما أهدت بريرة لأهله هدية: ((هو لها صدقة ولنا هدية)) (¬1). 3 - موالي بني هاشم، وكما حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصدقة على بني هاشم، فقد حرّمها كذلك على مواليهم، وهم الأرقاء الذين أعتقهم بنو هاشم، فعن أبي رافع - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني؛ فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسأله، فأتاه، فسأله؟ فقال: ((مولى القوم من أنفسهم, وإنا لا تحل لنا الصدقة)) (¬2) (¬3). وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم)) (¬4) فالمقصود به: في المعاونة، والانتصار، والبر، والشفقة، والمناصرة، ونحو ذلك، وليس المقصود الميراث (¬5) ولا تحريم الصدقة إذا كان ابن أخت لبني هاشم والله ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب إباحة الهدية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولبني هاشم وبني المطلب، وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة إذا قبضها المتصدق عليه زال عنها وصف الصدقة، برقم 1073 - 1077. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب الصدقة على بني هاشم، برقم 1650، والنسائي، كتاب الزكاة، باب مولى القوم منهم، برقم 2611، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهل بيته، ومواليه، برقم 657، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 459. (¬3) أبو رافع: مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، اسمه: أسلم، وابن أبي رافع، هو عبيد الله بن أبي رافع، كاتب علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه -[الترمذي، برقم 657، وتقدم تخريج أصله في الهامش السابق]. (¬4) البخاري، كتاب المناقب، باب ابن أخت القوم منهم، ومولى القوم منهم، برقم 3528، وفي كتاب الفرائض، باب مولى القوم من أنفسهم، وابن الأخت منهم، برقم 6761، ورقم 6762. (¬5) فتح الباري، لابن حجر 6/ 552، و 12/ 49.

أعلم، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول في حديث ((ابن أخت القوم منهم)) معنى منهم: أي في الصلة، والإحسان لا في تحريم الزكاة، وظاهر ترجمة النسائي: أن الزكاة لا تحل لابن أخت بني هاشم والصواب ما تقدم)) (¬1) قال الإمام الخرقي رحمه الله تعالى في الكلام على أن موالي بني هاشم لا تحل لهم الزكاة ((ولا لمواليهم)) (¬2). قال ابن قدامة رحمه الله: ((يعني موالي بني هاشم، وهم: من أعتقهم هاشميٌّ، لا يعطون من الزكاة)) (¬3) (¬4). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2610. (¬2) مختصر الخرقي مع المغني 4/ 110. (¬3) المغني 4/ 110، و9/ 336. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تحريم الصدقة على موالي بني هاشم على قولين: القول الأول: لا يجوز أخذ موالي بني هاشم من الزكاة؛ لحديث أبي رافع يرفعه ((مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)) [أبو داود، برقم: 1650] [والنسائي، برقم 2611، والترمذي، برقم 657، وصححه الألباني، وتقدم تخريجه]. القول الثاني: يجوز أن يعطى موالي بني هاشم من الزكاة، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وقال أكثر العلماء: يجوز، لأنهم ليسوا بقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس؛ ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس؛ فإنهم لا يعطون منه، فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس والصواب القول الأول؛ لحديث أبي رافع الصريح الصحيح في تحريم الصدقة على موالي بني هاشم؛ ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب، فلم يجز دفع الزكاة إليهم، كبني هاشم، وقولهم: إنهم ليسوا بقرابة يرد عليه: بأنهم بمنزلة القرابة، بدليل قوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الولاء لُحمَةٌ كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب)) [رواه الشافعي في الأم،4/ 125،وصححه ابن حبان، [برقم 4950]، والحاكم، 4/ 341، وأصله في الصحيحين: البخاري، برقم 6756، ومسلم، برقم 1506 بغير هذا اللفظ] وثبت فيهم حكم القرابة: من الإرث، والعقل، والنفقة، لا يمنع ثبوت حكم الصدقة فيهم [المغني لابن قدامة، 4/ 110 - 111، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 297].

4 - المملوك

4 - المملوك، لا يصح دفع الزكاة إليه؛ لأن ما يعطاه فهو لسيده، فكأن دافع الزكاة دفعها إلى السيد؛ ولأن العبد تجب نفقته على السيد، فهو غنيٌّ بغناه (¬1). إلا أن يكون المملوك من العاملين على الصدقات، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته أنه يجوز للعامل أن يأخذ عمالته من الزكاة: سواء كان حرًّا أو عبداً)) (¬2)؛ لأنه لا يشترط حرية العامل ولا فقره (¬3). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر، ولا لمملوك)) (¬4). 5 - الأغنياء بمالٍ أو كسب؛ لحديث عبد الله بن الخير، وفيه: (( ... ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) (¬5)؛ ولحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)) (¬6)؛ ولحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو رجل كان له جار ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 106 - 107، والشرح الكبير، مع المقنع، والإنصاف، 7/ 284 - 285. (¬2) المغني، 4/ 207، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 284. (¬3) المقنع، مع الشرح الكبير، والإنصاف، 7/ 223. (¬4) المغني، 4/ 106. (¬5) أبو داود، برقم، 1633، والنسائي، برقم 2597، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 454، وتقدم تخريجه. (¬6) أبو داود، برقم 1634، والترمذي، برقم 652، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 454، وفي الإرواء، برقم 877.

6 - لا تدفع الزكاة إلى امرأة فقيرة تحت غني ينفق عليها

مسكين فَتُصدِّقَ على المسكين فأهداها المسكين للغني)) (¬1). قال الخرقي رحمه الله في عدم جواز الزكاة للغني ((ولا لغني ... )) (¬2) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((يعني لا يعطى من سهم الفقراء والمساكين غنيٌّ، ولا خلاف في هذا بين أهل العلم، وذلك؛ لأن الله تعالى جعلها للفقراء والمساكين، والغني غير داخل فيهم)) (¬3)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليه صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم)) (¬4). 6 - لا تدفع الزكاة إلى امرأة فقيرة تحت غني ينفق عليها. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإذا كان للمرأة زوج موسر ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها؛ لأن الكفاية حاصلة لها بما يصلها من النفقة الواجبة، فأشبهت من له عقار يستغني بأجرته، وإن لم ينفق عليها، وتعذر ذلك جاز الدفع إليها، كما لو تعطلت منفعة العقار، وقد نص أحمد على هذا)) (¬5). وقال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله عن امرأة لا يهتم بها زوجها، وقد تعبوا في إصلاح حاله: قال رحمه الله: ((إن كانت فقيرة، وزوجها لا ¬

(¬1) أبو داود، برقم 1635، 1636، وابن ماجه، برقم 1841، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 455، وتقدم تخريجه. (¬2) مختصر الخرقي مع المغني، 4/ 117. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 117. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 395، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه. (¬5) المغني، لابن قدامة 4/ 123، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 286، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 361، وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 299، و363.

7 - من تلزم نفقته لا تدفع إليه الزكاة

ينفق عليها، وعجزتم عن إصلاح حاله، ولم يتيسر من يلزمه بذلك، فإنه يجوز إعطاؤها من الزكاة قدر حاجتها)) (¬1). وكذلك لا تدفع إلى فقير ينفق عليه من وجبت عليه نفقته، من أقاربه؛ لاستغنائه بذلك (¬2). 7 ـ من تلزم نفقته لا تدفع إليه الزكاة: وهم أنواع على النحو الآتي: النوع الأول: الأصول وإن علوا: وهم الأب والأم، وآباؤهما, وأمهاتهما وإن ارتفعت درجتهم من دافع الزكاة, كأبوي الأب، وأبوي الأم، وأبوي كل واحد منهم، وإن علت درجتهم: من يرث منهم ومن لا يرث. النوع الثاني: الفروع وإن نزلوا: وهم: الأولاد: من البنين والبنات، وأولاد البنين وأولاد البنات، وإن نزلت درجتهم، الوارث وغير الوارث، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن ابني هذا سيدٌ ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) (¬3) يعني الحسن بن علي رضي الله عنهما، فجعله ابنه؛ لأنه من عمودي النسب، فأشبه الوارث؛ ولأن بينهما قرابة جزئية وبعضية، بخلاف غيرهما. قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين، والولد في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم)) (¬4)؛ ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 269 - 270. (¬2) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 332. (¬3) البخاري، كتاب الصلح، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رضي الله عنهما إن ابني هذا سيد، برقم 2704. (¬4) الإجماع لابن المنذر، ص57.

النوع الثالث: الزوجة

ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه، فلم تجز، كما لو قضى بها دينه (¬1) (¬2). النوع الثالث: الزوجة، فلا يدفع زكاته إلى زوجته؛ لأن نفقتها واجبة عليه، قال الإمام ابن المنذر: ((وأجمعوا على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة؛ لأن نفقتها عليه وهي غنية بغناه)) (¬3) فتستغني بنفقته عليها عن أخذ ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 98، و9/ 336، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 287، والروض المربع مع حاشية ابن القاسم، 3/ 332، والكافي، 2/ 208، ومنار السبيل، 2/ 271. (¬2) إذا كان على الوالدين أو أحدهما دينٌ لا يستطيعان قضاءه؛ فإنه يجوز للولد أن يقضي دينهما من الزكاة؛ شرط أن لا يكون هذا الدين سببه تحصيل نفقة على الولد الذي يريد قضاء الدين، وقد سئل سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله عن ذلك فقال للسائل: ((الديون لا يلزم القريب أن يقضيها عن قريبه، فيكون قضاؤها من زكاته أمراً مجزياً، حتى لو كان ابنك، أو أباك وعليه دين لأحد، ولا يستطيع وفاءه، فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك, أي يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك، ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك، فإن كان سببه تحصيل نفقة واجبة عليك؛ فإنه لا يحل لك أن تقضي الدين من زكاتك؛ لئلا يتخذ ذلك حيلة على منع الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه؛ لأجل أن يستدين ثم يقضي ديونهم من زكاته)) [مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 311] وبهذا أيضاً قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((فيجوز أن يقضي الدين عن أبيه، أو أمه، أو ابنه أوابنته، بشرط ألا يكون هذا الدين استدانه لنفقة على الابن، فإن كان لنفقة واجبة فلا يجوز)) [الشرح الممتع، 6/ 264]، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((إذا كان على الولد دين، ولا وفاء له، جاز له أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره)) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 92]، وجاء في الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية: ((ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا وإلى الولد وإن سفل إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم، لوجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وكذا إن كانوا غارمين، أو مكاتبين، أو أبناء سبيل، وهو أحد القولين أيضاً)) [الاختيارات الفقهية، ص154]. قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((القول الراجح الصحيح: أنه يجوز أن يدفع الزكاة لأصله وفرعه، ما لم يدفع بها واجباً عليه)) [الشرح الممتع، 6/ 63]. (¬3) الإجماع لابن المنذر، ص58.

النوع الرابع: الزوج

الزكاة، فلم يجز دفعها إليها، كما لو دفعها على سبيل الإنفاق عليها (¬1). واختار العلامة محمد بن صالح العثيمين: أن للزوج أن يعطي زوجته من الزكاة لقضاء دين عليها لا تستطيع أداءه، فقال: (( ... فإن أعطاها لقضاء دين عليها فإن ذلك يجزئ؛ لأن قضاء الدين عن زوجته لا يلزمه)). وقال رحمه الله في ذلك: ((القول الراجح يجوز بشرط أن لا يسقط به حقاً واجباً عليه، فإن أعطاها من زكاته للنفقة؛ لتشتري ثوباً أو طعاماً، فإن ذلك لا يجزئ)) (¬2). النوع الرابع: الزوج هل تدفع الزوجة زكاتها إليه أم لا؟ اختلف العلماء رحمهم الله على قولين: القول الأول: لا تدفع زكاتها إلى زوجها، وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة؛ لأنها تنتفع بدفعها إليه؛ لأنه إن كان عاجزاً عن الإنفاق عليها تمكن من أخذ الزكاة من الإنفاق، فليزمه، وإن لم يكن عاجزاً، ولكنه أيسر بها لزمته نفقة الموسرين، فتنتفع بها في الحالين، فلم يجز لها ذلك (¬3). القول الثاني: يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها، وهو رواية عن الإمام أحمد، ومذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن مالك، وبه قال ابن المنذر، وطائفة من أهل العلم، واستدلوا بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - وفيه: أن زينب امرأة ابن مسعود قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، ¬

(¬1) المغني، 4/ 100. (¬2) الشرح الممتع، 6/ 268. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 100 - 111.

وكان عندي حليٌّ لي، فأردت أن أتصدق بها فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقُّ من تصدقت به عليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقتِ به عليهم)) (¬1)؛ ولحديث زينب الآخر وفيه: أنها أرسلت بلالاً يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيجزىء عني أن أنفق على زوجي، وأيتامٍ لي في حجري؟ فسأله فقال: ((نعم, ولها أجران: أجر القرابة, وأجر الصدقة)) (¬2)، قال الإمام ابن قدامة بعد استدلاله بهذا الحديث: ولأنه لا تجب نفقته، فلا يمنع دفع الزكاة إليه كالأجنبي ويفارق الزوجة؛ فإن نفقتها واجبة عليه؛ ولأن الأصل جواز الدفع؛ لدخول الزوج في عموم الأصناف المسمين في الزكاة، وليس في المنع نصٌّ ولا إجماع، وقياسه على من ثبت المنعُ في حقه غير صحيح؛ لوضوح الفرق بينهما، فيبقى جواز الدفع ثابتاً، والاستدلال بهذا أقوى من الاستدلال بالنصوص (¬3)؛ لضعف دلالتها (¬4)؛ فإن الحديث الأول في صدقة التطوع؛ لقولها: ((أردت أن أتصدق بحلي لي، ولا تجب الصدقة بالحلي، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)) والولد لا تدفع إليه الزكاة ... )) (¬5)، فكلام ابن قدامة هذا يدل على ميوله إلى القول بهذا القول والله أعلم. ¬

(¬1) البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، برقم 1462. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، برقم 1466، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة على الأقربين والزوج، والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، برقم 1000. (¬3) المغني، لابن قدامة، 4/ 101 - 102. (¬4) يعني في هذه المسألة. (¬5) المغني، لابن قدامة، 4/ 101 – 102.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم فلما ذكرت الصدقة ولم يستفصلها عن تطوع ولا واجب، فكأنه قال: يجزئ عنك فرضاً كان أو تطوعاً، وأما الولد فليس في الحديث تصريح بأنها تعطي ولدها من زكاتها، بل معناه أنها إذا أعطت زوجها فأنفقه على ولدها كانوا أحق من الأجانب، فالإجزاء يقع بالإعطاء للزوج، والوصول إلى الولد بعد بلوغ الزكاة محلها)) (¬1). ورجح جواز إعطاء المرأة زكاتها لزوجها الإمام الشوكاني رحمه الله؛ لعدم المانع من ذلك، ومن قال: إنه لا يجوز فعليه الدليل، ثم ذكر ترك الاستفصال لها بمنزلة العموم، فلما لم يستفصلها عن الصدقة: هل هي تطوع أو واجب؟ فكأنه قال: يجزئ عنك فرضاً كان أو تطوعاً (¬2). وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصواب جواز دفع الزكاة إلى الزوج إذا كان من أهل الزكاة)) (¬3). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على حديث ((زوجك وولدك أحقُّ من تصدقت به عليهم)) (¬4) يقول: (( ... الصدقة على القريب صدقة وصلة، وظاهر هذه الصدقة أنها تطوع، وظاهر كلام العلماء: أن الزكاة لا تجوز على الأصل والفرع، أما الزوج ¬

(¬1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 330. (¬2) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 93. (¬3) الشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 266، وقد أطال في التفصيل والإيضاح لذلك، وذكر قاعدة فقال: الأصل فيمن ينطبق عليه وصف الاستحقاق أنه مستحق، وتجزئ الزكاة إليه إلا بدليل ولا نعلم مانعاً من ذلك إلا إذا أعطته أسقطت عن نفسها بذلك واجباً [الشرح الممتع، 6/ 267]. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 1462، ومسلم، برقم: 1000 وتقدم تخريجه.

8 - المبتدع والفاسق الذين يصرفونها في الفسق والعصيان

فالأرجح دفع الزكاة له إذا كان فقيراً)) (¬1). وسمعته يقول أثناء تقريره على حديث: ((نعم، لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة)) (¬2): وهذا مثل الحديث الآخر: ((إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة)) (¬3) وهذا كله في صدقة التطوع ... والحاصل: أن الزكاة على الزوج لا بأس بها إذا كان من الفقراء، وهو الأرجح)) (¬4). 8 - المبتدع والفاسق الذين يصرفونها في الفسق والعصيان لا يعطون من الزكاة إذا غلب على الظن صرفها في الفجور، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما الزكاة فينبغي للإنسان أن يتحرَّى بها المستحقين: من الفقراء، والمساكين، والغارمين، وغيرهم من أهل الدين، المتبعين للشريعة، فمن أظهر بدعة، أو فجوراً؛ فإنه يستحق العقوبة: بالهجر، وغيره، والاستتابة، فكيف يعان على ذلك)) (¬5)، ولاشك أن الزكاة تجوز لعصاة المسلمين الذين لا يصرفونها في المنكرات، بل نفقتهم ونفقة من يمونون، مع نصيحتهم، وتعليمهم الخير، قال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((يجوز دفع الزكاة إلى الفقير المسلم، وإن كان لديه بعض المعاصي، ولكن التماس الفقراء المعروفين بالخير والاستقامة أولى وأفضل، ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على الحديث رقم 1462 من صحيح البخاري. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1464، ومسلم، برقم 1000، وتقدم تخريجه. (¬3) النسائي، برقم 2581، والترمذي، برقم 658 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 223، وتقدم تخريجه. (¬4) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1464. (¬5) مجموع فتاوى ابن تيمية، 25/ 87، وانظر: نفس المجموع، 24/ 278.

9 - جهات الخير من غير الأصناف الثمانية

ومن كان لا يُصلِّي لا يعطى من الزكاة؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها، في أصح قولي العلماء ... أما من جحد وجوبها فهو كافر بالإجماع، وإن صلى؛ لأنه بفعله ذلك مكذب لله سبحانه، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات: ((ولا ينبغي أن تُعْطَى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله؛ فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته؛ لمن يحتاج إليها من المؤمنين: كالفقراء، والغارمين، أو لمن يعاون المؤمنين)) (¬2). 9 - جهات الخير من غير الأصناف الثمانية: كبناء المساجد، وإصلاح الطرق، وتجهيز الأموات، ودور تحفيظ القرآن الكريم، والصرف على طباعة المصاحف والكتب وغير ذلك من الجهات الخيرية، لا تجوز الزكاة في ذلك كله؛ لأن الله تعالى لم يذكرها مع مصارف الزكاة الثمانية (¬3). والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة فيها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً، أو يدفع شرًّا، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة، بل يجب دفعها لهم؛ لكونهم من أهلها (¬4). والله أسأل التوفيق والقبول. ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز 14/ 273 - 274. (¬2) الأخبار العلمية، من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص154. (¬3) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 309، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 294 - 299. (¬4) انظر: منار السبيل، 1/ 266 - 272، والموسوعة الفقهية، 23/ 312 - 328، والكافي لابن قدامة، 2/ 193 - 212، والموسوعة الفقهية الميسرة للعوائشة، 3/ 102 - 138، والروض المربع مع الحاشية لابن قاسم، 3/ 308، والشرح الممتع، 6/ 218 - 254، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 205 - 283، والمغني، 4/ 124 - 131.

المبحث الرابع عشر: صدقة التطوع في الإسلام

المبحث الرابع عشر: صدقة التطوع في الإسلام أولاً: مفهوم صدقة التطوع: لغة واصطلاحاً. الصدقة لغة: جمع صدقات، وتَصَدَّقتُ: أعطيتُهُ صدقةً، والفاعل مُتصَدِّقٌ، [وهو الذي يُعطي الصدقة]، ومنهم من يخفف بالبدل والإدغام فيقال: مُصَّدِّقٌ، والمتصدِّقُ: المُعطي، وفي التنزيل: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} (¬1). وقد جاء المتصدِّقُ والمصَّدِّقُ في القرآن العظيم: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} (¬2). و {الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} (¬3). وأما المُصَدِّق بتخفيف الصاد: فهو الذي يأخذ صدقات النَّعَم)) (¬4). والذي يُصدِّقك في حديثك (¬5) فالصدقة: العطية. والصدقة اصطلاحاً: العطية التي يُبتغى بها الثواب عند الله تعالى (¬6). قال العلامة الأصفهاني: ((الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوَّع به، والزكاة للواجب, وقد يُسمَّى الواجب صدقةً إذا تحرَّى صاحبها الصدق في فعله)) (¬7). ¬

(¬1) سورة يوسف، الآية: 88. (¬2) سورة الأحزاب, الآية: 35. (¬3) سورة الحديد, الآية: 18. (¬4) المصباح المنير، للفيومي، 1/ 336. (¬5) مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر الرازي، ص 151. (¬6) التعريفات للجرجاني، ص 173، ولغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص 243. (¬7) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 480.

العطية

والعطية: الشيء المُعطى، والجمع: العطايا، ويقال: رجل مِعطاءٌ: كثير العطاء، والمعاطاة: المناولة، والإعطاء: الإنالة (¬1). والعطية اصطلاحاً: ما أعطاه الإنسان من ماله لغيره، سواء كان يريد بذلك وجه الله تعالى، أو يريد التودُّد، أو غير ذلك، فهي أعمّ من الزكاة، والصدقة، والهبة، ونحو ذلك (¬2). التطوع لغة: التنفُّل، والنافلة، وكل متنفِّل خير متطوع، قال الله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} (¬3). وقد تدغم التاء في الطاء فيقال: المطوِّع: أي المتطوع (¬4). والتطوع اصطلاحاً: ما تبرع به المسلم من ذات نفسه، مما لا يلزمه فرضه (¬5). وقيل: المتطوع هو الذي يفعل الشيء تبرعاً من نفسه، وهو تفعلٌ من الطاعة (¬6)، والتعريف الأول أشمل. ثانياً: فضل صدقة التطوع، لها فضائل كثيرة جداً، منها ما يأتي: 1 - صدقة التطوع تكمِّل زكاة الفريضة وتجبر نقصها؛ لحديث تميم ¬

(¬1) مختار الصحاح، ص 185، والمصباح المنير، 2/ 417، ومفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص 572. (¬2) الموسوعة الفقهية، 23/ 227. (¬3) سورة البقرة, الآية: 184. (¬4) النهاية في غريب الحديث، 3/ 142. (¬5) لسان العرب، لابن منظور، باب العين، فصل الطاء، 8/ 243. (¬6) النهاية في غريب الحديث، 3/ 142.

2 - تطفئ الخطايا وتكفرها

الداري - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمَّها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله - عز وجل - لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوِّعٍ فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)) (¬1). 2 – تُطفئ الخطايا وتكفرها؛ لحديث معاذ - رضي الله عنه - مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ((والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)) (¬2). وفي حديث حذيفة - رضي الله عنه -: ((فتنة الرجل: في أهله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصوم، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (¬3). 3 – من أسباب دخول الجنة والعتق من النار؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتنى مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة؛ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوِّعه))، برقم 864، 866، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في أول ما يحاسب به العبد: الصلاة، برقم 1425، وأحمد، 4/ 65، 103، 5/ 377، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 245، وفي صحيح الجامع، 2/ 353. (¬2) الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم 2616، وأحمد، 5/ 531، و236، و237, و245 وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 138. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب: الصلاة كفارة، برقم 525، وكتاب الزكاة، باب الصدقة تكفر الخطيئة، برقم 1435، ومسلم، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب، برقم 144.

4 - الصدقة تدخل الجنة ولو بشق تمرة

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار)) (¬1). 4 – الصدقة تدخل الجنة ولو بشق تمرة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة معها ابنتان لها تسأل؟ فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ، فأعطيتها إيَّاها، فقَسَمَتْها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت وخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: ((من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار)) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الجمع بين الحديثين السابقين: ((ويمكن الجمع بأن مرادها بقولها في حديث عروة: فلم تجد عندي غير تمرة واحدة: أي أخصها بها، ويحتمل أنها لم تكن عندها في أول الحال سوى واحدة, فأعطتها, ثم وجدت ثنتين، ويحتمل تعدد القصة)) (¬3). 5 – من أسباب النجاة من حرِّ يوم القيامة؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل امرئ في ظل صدقته حتى يُفْصَل بين الناس)). أو قال: ((يحكم بين الناس)) (¬4). وفي لفظ: ((إن ظل المؤمن يوم القيامة صدقته)) (¬5). قال يزيد- أحد رواة الحديث: ((وكان أبو الخير- ¬

(¬1) مسلم، كتاب البر والصلة، باب الإحسان إلى البنات، برقم 2630. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة، برقم 1418، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب الإحسان إلى البنات، برقم 2629. (¬3) فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 10/ 428. (¬4) أحمد في المسند، برقم 17333، وقال محققو المسند: ((إسناده صحيح)) وأخرجه ابن حبان برقم 3310، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 523. (¬5) أحمد، برقم 18043، وقال محققو المسند: ((حديث صحيح)).

6 - من أسباب النصر والرزق

راوي الحديث عن عقبة لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء، ولو كعكة، أو بصلة، أو كذا)) (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحد السبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله: (( ... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) (¬2). 6 – الصدقة من أسباب النصر، والرزق؛ لحديث سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)) (¬3). قال ابن بطال رحمه الله: ((تأويل الحديث: أن الضعفاء أشد إخلاصاً في الدعاء، وأكثر خشوعاً في العبادة؛ لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا)) (¬4). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أخوان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان أحدهما يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر يحترف، فشكى المحترفُ أخاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لعلك تُرزق به)) (¬5). 7 – الصدقة تعوِّد المسلم على صفة الجود والكرم، والعطف على ذوي الحاجات، والرحمة للفقراء. 8 – الصدقة تحفظ النفس عن الشُّح، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬6). ¬

(¬1) أحمد، برقم 17333، وتقدم قبل حديث واحد. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، برقم 1423، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، برقم 1031. (¬3) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، برقم 2896. (¬4) فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 6/ 89. (¬5) الترمذي، كتاب الزهد، باب في التوكل، برقم 2345، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 274. (¬6) سورة الحشر، الآية: 9.

9 - تجلب البركة

9 – الصدقة تجلب البركة والزيادة والخلف من الله تعالى، قال الله سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم، أنفق عليك)). وقال: ((يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاءُ الليلَ والنهار)). وقال: ((أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟؛ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان، يخفض ويرفع)). ولفظ مسلم: ((يمين الله ملأى ... )) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه)) (¬3). ومما يدل على فضل الصدقة، وفضل الإحسان إلى المساكين وأبناء السبيل، وفضل أكل الإنسان من كسبه والإنفاق على العيال (¬4) وأن من فعل ذلك يبارك الله له في ماله ويحصل له الأجر العظيم، حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: أسقِ حديقة فلان، فتنحَّى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرَّة (¬5) ¬

(¬1) سورة سبأ، الآية: 39. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة هود، باب قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} 4684، وكتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، برقم 5352، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف، برقم 993. (¬3) مسلم، كتاب البر والصلة، باب العفو، برقم 2588. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم، 18/ 325. (¬5) الحرة: أرض ملبَّسة حجارة سوداء، شرح النووي على صحيح مسلم، 18/ 325.

10 - تشرح الصدر وتدخل السرور

فإذا شَرْجَة من تلك الشِّراج (¬1) قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبَّع الماء, فإذا رجل قائم في حديقته يُحوِّل الماء بمسحاته فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله: لِمَ تسألني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقة فلانٍ لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمَّا إذا قلت: هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثُلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأردُّ فيها ثلثه)) وفي لفظ: ((وأجعل ثلثه في المساكين، والسائلين، وابن السبيل)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا مَلَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)) (¬3). 10 - تشرح الصدر وتدخل السرور على المنفق المتصدق، فالمتصدق إذا أحسن إلى الخلق، ونفعهم بما يملكه من المال، وأنواع الإحسان، انشرح صدره؛ فالكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، والبخيل الذي لا يحسن أضيق الناس صدراً، وأنكدهم عيشاً، وأكثرهم همّاً وغمّاً، لكن لا بد من العطاء بطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرج من يده (¬4). 11 - الصدقة تُلحق المسلم بالمؤمن الكامل؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) الشرجة: وجمعها شراج: مسائل الماء في الحرار، شرح النووي، 18/ 325. (¬2) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب فضل الإنفاق على المساكين وابن السبيل، 18/ 325. (¬3) مسلم، كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك، برقم 1010. (¬4) انظر: زاد المعاد، لابن القيم، 2/ 25، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 10.

12 - الصدقة يحصل بها قضاء الحاجات

قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه - أو قال - لجاره ما يحب لنفسه)) (¬1). فكما أن المسلم يحب أن يُبذل له المال الذي يسد به حاجته، فهو يحب أن يحصل لأخيه المحتاج مثل ذلك، فيكون بذلك كامل الإيمان. 12 - الصدقة يحصل بها قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والستر في الدنيا ويوم القيامة؛ لما فيها من قضاء حاجات المحتاجين، وتفريج كربات المكروبين، والستر على المعسرين؛ لأن الجزاء من جنس العمل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نفَّس عن مؤمن كُربَة من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كُربةً من كُربِ يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ... )) (¬2)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)) (¬3). 13 - الصدقة من أسباب رحمة الله تعالى للعبد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) (¬4). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، برقم 45. (¬2) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، برقم 2699. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم، ولا يسلمه، برقم 2442، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، برقم 2580. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} برقم 7376، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمة الصبيان والعيال، برقم 2319.

14 - الصدقة من الإحسان والله يحب المحسنين

14 - الصدقة من الإحسان، والله يحب المحسنين؛ لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} (¬2).وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (¬3). 15 - يترتب على الصدقة الأجر العظيم الذي يربيه الله تعالى ويضاعفه لصاحبه؛ لقول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (¬4). وقال - عز وجل -: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬5)؛ ولقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (¬6)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تصدَّق بعدل (¬7) تمرة، من كسب طيب (¬8) ولا يقبل الله إلا ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 195. (¬2) سورة يوسف، الآية: 88. (¬3) سورة التوبة, الآية: 120. (¬4) سورة البقرة, الآية: 276. (¬5) سورة الروم, الآية: 39. (¬6) سورة البقرة, الآية: 276. (¬7) بعدل تمرة: أي قيمتها؛ لأنه بالفتح المثل، وبالكسر الحِمل بكسر المهملة، هذا قول الجمهور، وقال الفراء: بالفتح: المثل من غير جنسه، وبالكسر من جنسه، وقيل: بالفتح مثله في القيمة، وبالكسر في النظر. فتح الباري، لابن حجر، 3/ 279، وقال ابن الأثير في النهاية، 3/ 191: ((العِدل والعَدل: بالكسر والفتح في الحديث، وهما بمعنى المثل، وقيل: هو بالفتح: مَا عَادَله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه، وقيل: بالعكس)). (¬8) وفي لفظ البخاري: ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب؛ فإنه يتقبلها بيمينه، ثم يُربِّيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوَّه، حتى تكون مثل الجبل)) طرف الحديث رقم 7430.

16 - المتصدق ابتغاء مرضاة الله تعالى

الطيب؛ فإن الله يتقبَّلها بيمينه ثم يربِّيها لصاحبها كما يُربّي أحدكم فلوّه (¬1)، حتى تكون مثل الجبل)) وفي لفظ مسلم: ((حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوّه أو فصيله)) (¬2). وفي رواية لمسلم: ((لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب ... )) (¬3). 16 - المتصدِّق ابتغاء مرضاة الله تعالى، يفوز بثناء الله عليه، وما وعد به المتصدقين من الأجر العظيم، وانتفاء الخوف والحزن؛ لقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬4). 17 - المتصدق يحصل على مضاعفة الأجر على حسب إخلاصه لله تعالى؛ لقول الله - سبحانه وتعالى -: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬5)؛ ولحديث أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لك ¬

(¬1) فلوَّه: وهو المهر؛ لأنه يُفلى: أي يُفطم، وقيل: هو كل فطيم من ذوات حافر: أي من أولاد ذوات الحافر. فتح الباري لابن حجر، 3/ 279، والنهاية في غريب الحديث، 3/ 474، وشرح النووي، 7/ 104. (¬2) فصيله: ولد الناقة إذا فصل عن إرضاع أمه، شرح النووي، 7/ 104. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1410، ورقم 7430، ومسلم، برقم 1014، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة. (¬4) سورة البقرة, الآية: 274. (¬5) سورة البقرة, الآية: 261.

18 - الصدقة تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة

بِها يوم القيامة سَبْعمائة ناقةٍ كلها مخطومة)) (¬1). 18 - الصدقة تجعل المجتمع المسلم كالأسرة الواحدة، يرحم القوي الضعيف، ويعطف القادر على العاجز، ويحسن الغني إلى المعسر، فيشعر صاحب المال بالرغبة في الإحسان؛ لأن الله أحسن إليه، قال الله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (¬2). 19 - بذل المال خير للمتصدق إذا كان زائداً عن كفايته؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تُمسكه شرٌّ لك، ولا تُلامُ على كفاف (¬3)، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى)) (¬4). 20 - صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصنائع المعروف تنجي من مصارع السوء؛ لحديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - , عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: ((إن صدقة السر تطفئ غضب الرب)) (¬5)؛ ولحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر)) (¬6). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الجهاد، باب فضل الصدقة في سبيل الله تعالى وتضعيفها، برقم 1892. (¬2) سورة القصص، الآية: 77. (¬3) الكفاف: الذي لا يفضل منه شيء، ولا يعوزه معه شيء، جامع الأصول، لابن الأثير،6/ 463. (¬4) مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة وأن اليد السفلى هي الآخذة، برقم 1036. (¬5) الطبراني في المعجم الكبير، 19/ 421، برقم 1018، وفي الأوسط [مجمع البحرين]، [3/ 65] برقم 1434 و [5/ 218]، برقم 2950. (¬6) الطبراني في المعجم الكبير، 8/ 261، وقال في مجمع الزوائد، 3/ 115: ((وإسناده حسن))، وكذلك حسن إسناده المنذري في الترغيب، 1/ 679، وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 532.

21 - الصدقة دواء للأمراض

21 - الصدقة دواء للأمراض (¬1). ثالثاً: أفضل صدقات التطوع على النحو الآتي: 1 - من أفضل الصدقات التصدق بسقي الماء؛ لحديث سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: ((نعم)). قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: ((سقي الماء)) فتلك سقاية سعدٍ بالمدينة)). وفي لفظ لأبي داود: ((فحفر بئراً وقال: هذه لأم سعدٍ)) (¬2). ولكن يتحرَّى المتصدق حاجة الناس فيتصدق بما تدعو إليه الحاجة، سواء كانت في الماء أو في غيره (¬3). 2 - الصدقة على ذي الرحم الذي يضمر العداوة في باطنه من أفضل الصدقات؛ لحديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصدقات أيُّها أفضل؟ قال: ((على ذي الرحم الكاشِح)) (¬4) (¬5). وعن أم كلثوم ¬

(¬1) جاء في ذلك خبر مرسل من مراسيل أبي داود، وحسنه الألباني لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، [1/ 458]، برقم 744، وفي صحيح الجامع، 3/ 140، برقم 3358. (¬2) النسائي، كتاب الوصايا، باب ذكر الاختلاف على سفيان، برقم 3663، 3664، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في فضل سقي الماء، برقم 1681، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب صدقة الماء، برقم 3684، وأحمد، 5/ 285، وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 560، وفي صحيح سنن أبي داود، 1/ 466. (¬3) هذا ما رجحه شيخنا ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على حديث سعد في فضل سقي الماء، في سنن النسائي، برقم 3665، وضعف الحديث رحمه الله، ولكن الألباني حسنه كما تقدم. (¬4) الكاشِحُ: هو الذي يظهر عداوته في كشحه: وهو خصره، يعني أن أفضل الصدقة على ذي الرحم القاطع المضمر العداوة في باطنه، [المنذري في الترغيب والترهيب، 1/ 682]، وقيل: ((الكاشح: العدو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كَشْحَهُ: أي باطنه، والكشح: الخصر، أو الذي يطوي عنك كشحه ولا يألفك، وفي حديث سعد: إن أميركم هذا لأهضم الكشحين: أي دقيق الخصرين)) النهاية لابن الأثير، 4/ 176. (¬5) أحمد 3/ 402، والنسخة المحققة، برقم 15320، 24/ 36، وله شواهد، وطرق، ولهذا قال محققو المسند: ((حديث صحيح)).وقال الألباني في إرواء الغليل 3/ 404،برقم 892: (صحيح)).

3 - صدقة الصحيح الشحيح

بنت عقبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح)) (¬1). 3 - أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، فيغتنم حياته قبل موته، وصحته قبل مرضه، فينفق ولا يبخل، قال الله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَال} (¬2)، ومعنى ((خلال)) لا خلة ولا صداقة (¬3). قال العلامة السعدي رحمه الله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} أي لا ينفع فيه شيء، ولا سبيل إلى استدراك ما فات، لا بمعاوضة ببيع وشراء، ولا بهبة خليل وصديق، فكل امرئ له شأن يغنيه، فليقدِّم العبد لنفسه، ولينظر ما قدمه لغدٍ؛ وليتفقَّد أعماله، ويحاسب نفسه قبل الحساب الأكبر)) (¬4). وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ ¬

(¬1) الحاكم، 1/ 406، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/ 405: ((وهو كما قال)). (¬2) سورة إبراهيم، الآية: 31. (¬3) تفسير البغوي 3/ 35. (¬4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 426.

الظَّالِمُونَ} (¬1). وهذا من فضل الله ولطفه بعباده أن أمرهم بتقديم شيء مما رزقهم؛ ليكون لهم ذخراً وأجراً في يوم يحتاج فيه العاملون إلى مثقال ذرة من الخير، فلا بيع فيه، ولو افتدى الإنسان نفسه بملء الأرض ذهباً ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منه، ولم ينفعه خليل ولا صديق: لا بوجاهة, ولا بشفاعة (¬2). وقال - سبحانه وتعالى -: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: ((أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح, تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلانٍ كذا, ولفلانٍ كذا، وقد كان لفلان)) (¬4). الشح عام غالب في حال الصحة، فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة، ورأى مصير المال لغيره؛ فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة والشح رجاء البقاء وخوف الفقر، وهو يطمع في الغنى (¬5)، ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 254. (¬2) انظر: تفسير السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 110. (¬3) سورة المنافقون، الآية: 10. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب فضل صدقة الصحيح الشحيح، برقم 1419، وكتاب الوصايا، باب الصدقة عند الموت، برقم 2748، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، برقم 1032. (¬5) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 129 – 130.

4 - صدقة جهد المقل

وهو في حال الصحة يصعب عليه إخراج المال غالباً؛ لما يخوفه به الشيطان، ويُزيِّن له من إمكان طول العمر والحاجة إلى المال؛ ولهذا قال بعض السلف عن بعض أهل الترف: يعصون الله في أموالهم مرتين: يبخلون بها وهي في أيديهم - يعني في الحياة - ويسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم - يعني بعد الموت (¬1). وذُكِرَ في الخبر عن أبي الدرداء مرفوعاً: ((مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع)) (¬2). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول عن الصدقة في حال الصحة والشح: ((وهذا يدل على أن الصدقة في حال الصحة والشح أفضل، وهذا يدل على قوة الرغبة فيما عند الله، أما المريض فإنه يجود في حال مرضه؛ لأنه أيس من حياته، وصدقته مقبولة، لكن الأفضل أن تكون في حال الصحة)) (¬3). 4 - ومن أفضل الصدقة جهد المقل الذي هو قدر ما يحتمله حال قليل المال، فيكون من أفضل الصدقات؛ لحديث عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان لا شك فيه، ¬

(¬1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 5/ 374. (¬2) النسائي، كتاب الوصايا، باب الكراهية في تأخير الوصية، برقم 3615، والترمذي، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، برقم 2123، وأبو داود، في كتاب العتق، برقم 3968، والحاكم، 2/ 213، وصححه ووافقه الذهبي. والبيهقي، 4/ 190، وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)). وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح، 5/ 374، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ص 206؛ لأن في إسناده أبا حبيبة الطائي، لم يوثقه غير ابن حبان، ولا يعرف إلا بهذا الحديث. وقد صحح حديثه: الترمذي، والحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في الفتح، 5/ 374، كما تقدم. (¬3) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 2748.

وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة)). قيل: فأيُّ الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)). قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقلِّ)) (¬1). قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: ((من هجر ما حرم الله - عز وجل -)). قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: ((من جاهد المشركين بماله ونفسه)). قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: ((من أهريق دمه وعُقِر جواده)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سبق درهم مائة ألف [درهم])) قالوا: يا رسول الله وكيف؟ قال: ((رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به، ورجل له مالٌ كثير فأخذ من عُرضِ ماله مائة ألف [درهم] فتصدق بها)) (¬3). وظاهر الأحاديث أن الأجر على قدر حال المعطي لا على قدر المال المُعْطَى، فصاحب الدرهمين أعطى نصف ماله، في حال لا يعطي فيها إلا الأقوياء, يكون أجره على قدر همته بخلاف الغني؛ فإنه ما أعطى نصف ماله، ولا في حال لا يعطي فيها عادة)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله! أيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((جُهْدُ المقلِّ، وابدأ بمن تعول)) (¬5). ¬

(¬1) جهد المقل: هو قدر ما يحتمله حال قليل المال، [النهاية في غريب الحديث، 1/ 320] , والمراد ما يعطيه المقل على قدر طاقته، ولا ينافيه حديث: ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى))؛ لعموم الغنى القلبي، وغنى اليد. [حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 58]. (¬2) النسائي، الزكاة، باب جهد المقل، برقم 2525، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 203. (¬3) النسائي، كتاب الزكاة، باب جهد المقل، برقم 2526، 2527، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 203. (¬4) حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 58. (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، بابٌ في الرخصة في ذلك، برقم 1677، وأحمد، 2/ 358، وصححه ابن خزيمة، برقم 2444، وابن حبان، برقم 3335، والحاكم، 1/ 414، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 465.

5 - من أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى

5 - من أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى؛ لحديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغني يغنه الله)). ولفظ مسلم: ((أفضل الصدقة أو خير الصدقة عن ظهر غنىً، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى: وابدأ بمن تعول)) (¬2). ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)) أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنياً بما بقي معه، وتقدير: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنىً يعتمده صاحبها, ويستظهر به على مصالحه، وحوائجه، وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله؛ لأن من تصدق بالجميع يندم غالباً، أو قد يندم إذا احتاج، ويودُّ أنه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنياً، فإنه لا يندم عليها بل يُسرُّ بها (¬3) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية)) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنىً، برقم 1427، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة، وأن السفلى هي الآخذة، برقم 1034. (¬2) البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، برقم 426. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 131. (¬4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 296. (¬5) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الصدقة بجميع المال، قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((باب لا صدقة إلا عن ظهر غنىً، ومن تصدق وهو محتاجٌ، أو أهله محتاجٌ، أو عليه دينٌ، فالدين أحق أن يقضى: من الصدقة، والعتق، والهبة، وهو ردٌّ عليه، ليس له أن يتلف أموال الناس، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله)) إلا أن يكون معروفاً بالصبر، فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، كفعل أبي بكر - رضي الله عنه - حين تصدق بماله، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال، فليس له أن يضيِّع أموال الناس بعلة الصدقة، وقال كعب رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)). قلت: ((فإني أمسك سهمي الذي بخيبر)) [البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، قبل الحديث رقم 1426]. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((قال الطبري وغيره: من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله، حيث لا دَين عليه، وكان صبوراً على الإضاقة، ولا عيال له، أو له عيال يصبرون أيضاً فهو جائز، فإن فُقِدَ شيء من هذه الشروط كره. وقال بعضهم: هو مردود، وروي عن عمر حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله، ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الآتي ذكره؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - باعه وأرسل ثمنه إلى الذي دبَّره؛ لكونه كان محتاجاً. وقال آخرون: يجوز من الثلث ويردُّ عليه الثلثان, وهو قول: الأوزاعي, ومكحول. ... وعن مكحول أيضاً يردُّ ما زاد على النصف. قال الطبري: والصواب عندنا الأول من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعاً بين قصة أبي بكر وحديث كعب والله أعلم)). [فتح الباري، 3/ 295]. وقال الإمام النووي رحمه الله: ((وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دَين عليه، ولا له عيال لا يصبرون، بشرط أن يكون ممن يصبر على الإضاقة، والفقر، فإن لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه)). [شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 131]. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على الحديث رقم 1426، من صحيح البخاري يقول: (( ... الإنسان لا يتصدق على الناس ويترك من أوجب عليه الله ... الإنفاق عليه، إلا إذا آثرت الأسرة ذلك، فإذا آثرت الزوجة، أو الولد الكبير على نفسه فلا بأس، وهكذا من كان عليه دَين فإذا كانت الصدقة تضر بالدين فيبدأ بالدين، وكذا الحج إذا كان لا يستطيع قضاء الدين ... )).

6 - ومن أفضل الصدقة ما يعطى الأقارب

6 - ومن أفضل الصدقة ما يعطى الأقارب؛ لحديث سلمان بن عامر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة, وصلة)) (¬1). ¬

(¬1) النسائي، برقم 2581، والترمذي، برقم 658، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 223، وسيأتي تخريجه.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬1)، قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحبَّ أموالي إليَّ بَيرُحاء (¬2) وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بَخٍ (¬3)، ذلك مال رابح (¬4) ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)). فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)). وفي لفظ: ((فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب)) (¬5). قال الإمام النووي رحمه الله: ((وفي هذا الحديث من الفوائد ... أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين، وفيه أن القرابة يرعى ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 92. (¬2) بيرحاء: حائط يسمى بهذا الاسم، وليس اسم بئر، شرح النووي، 7/ 89. (¬3) بَخٍ: معناه تعظيم الأمر وتفخيمه، وهي كلمة تقال عند الإعجاب، [شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 90]. (¬4) مال رابح: ومعناه بهذا اللفظ ظاهر، وأما لفظ ((رايح)) في بعض الأوجه: فمعناه رايح عليك أجره ونفعه في الآخرة، [شرح النووي، 7/ 91]. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، برقم 1461، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، برقم 998.

حقها في صلة الأرحام, وإن لم يجتمعوا إلا في أبٍ بعيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين, فجعلها في أبي بن كعب وحسان ابن ثابت، وإنما يجتمعان معه في الجد السابع)) (¬1). وعن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لو أعطيتيها أخوالك كان أعظم لأجرك)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه فضيلة صلة الرحم، والإحسان إلى الأقارب، وأنه أفضل من العتق ... وفيه الاعتناء بأقارب الأم إكراماً بحقها، وهو زيادة في برها، وفيه جواز تبرع المرأة بمالها بغير إذن زوجها)) (¬3). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - في قصة زينب امرأة ابن مسعود: أنها قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق بها، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقُّ من تصدقت به عليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق ابن مسعود: زوجك وولدك أحقّ من تصدقت به عليهم)) (¬4)؛ ولحديث زينب الآخر, وفيه: أنها أرسلت بلالاً يسأل النبي ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 91. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الهبة، باب بمن يبدأ بالهبة، برقم 594 ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، برقم 999. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 91. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، برقم 1462، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، والزوج، والأولاد، والوالدين ولو كانوا مشركين، برقم 1000.

7 - أفضل النفقات النفقة على العيال والأهل والأقربين

- صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي، وأيتام في حجري؟ فسأله فقال: ((نعم، ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة)). وفي لفظ مسلم: ((لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة))؛ لأنها كان معها امرأة من الأنصار حاجتها حاجتها (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه الحث على الصدقة على الأقارب وصلة الأرحام، وأن فيها أجرين)) (¬2). 7 - أفضل النفقات النفقة على العيال والأهل والأقربين: قال الله سبحانه: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬3). فأولى الناس بالإنفاق من الخير وأحقهم بالتقديم أعظمهم حقًّا عليك، وهم الوالدان الواجب برهما، والمحرم عقوقهما، ومن أعظم برهما النفقة عليهما، ومن أعظم العقوق ترك الإنفاق عليهما؛ ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة على الولد الموسر، ومن بعد الوالدين: الأقربون على اختلاف طبقاتهم: الأقرب، فالأقرب، على حسب القرب والحاجة، فالإنفاق عليهم صدقة وصلة (¬4). وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، برقم 1466، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد، برقم 1000. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 92. (¬3) سورة البقرة, الآية: 215. (¬4) انظر: تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن، ص 96.

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬1). وقال سبحانه: {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} (¬2). وقال تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (¬3). وقال تعالى: {فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} (¬4). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} (¬5). وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل دينارٍ ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله)). قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال، ثم قال: أبو قلابة: وأيُّ رجل أعظم أجراً من رجلٍ ينفق على عيالٍ صغارٍ، يعفُّهم أو ينفعهم الله به، ويغنيهم)) (¬6). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 83، وانظر: سورة النساء، الآية: 36. (¬2) سورة البقرة, الآية: 177، وانظر: سورة النساء، الآية: 8. (¬3) سورة الإسراء، الآية: 26. (¬4) سورة الروم, الآية: 38، وانظر: سورة الشورى، الآية: 23. (¬5) سورة النحل, الآية: 90. (¬6) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم، برقم 994.

على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك)) (¬1). وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لخازنه: أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال: لا, قال: فانطلق فأعطهم، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته)) (¬2). ولفظ أبي داود: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت)) (¬3). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أعتق رجل من بني عُذْرة – من الأنصار – عبداً له عن دُبرٍ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((ألك مال غيره؟)) فقال: لا، فقال: ((من يشتريه مني؟)) فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال: ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فَضَلَ شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا، وهكذا)) يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك)) (¬4). قال الإمام النووي رحمه الله: ((في هذا الحديث فوائد منها: الابتداء بالنفقة بالمذكور على هذا الترتيب، منها: أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد، ومنها أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير، ووجوه البر بحسب المصلحة، ولا ينحصر في جهة بعينها ... )) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال ... ، برقم 995. (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال ... ، برقم 996. (¬3) أبو داود، كتاب الزكاة، بابٌ في صلة الرحم، برقم 1692، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 469. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأحكام، باب بيع الإمام على الناس أموالهم وضياعهم، برقم 7186، 2141، 2230، 2231، 2403، 2415، 2534، 6716، 6947 ومسلم، كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس، ثم أهله، ثم القرابة، برقم 997. (¬5) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 87.

وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! هل لي أجر في بني أبي سلمة، أنفق عليهم ولست بتاركتهم، هكذا وهكذا، إنما هم بني؟ فقال: ((نعم لك فيهم أجر ما أنفقت عليهم)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تصدقوا)) فقال رجل: يا رسول الله! عندي دينار، قال: ((تصدق به على نفسك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على زوجتك))، قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على ولدك))، قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على خادمك))، قال: عندي آخر: قال: ((أنت أبصرُ به)) (¬2). وعن بهز بن حكيم قال: حدثني أبي عن جدي، قال: قلت يا رسول الله، من أبرُّ؟ قال: ((أمك))، قال: قلت: ثم مَن؟ قال: ((أمك))، قال: قلت: ثم مَنْ؟ قال: ((أمك))، قلت: ثم مَنْ؟ قال: ((أباك))، قال: قلت: ثم مَنْ؟ قال: ((ثم الأقرب فالأقرب)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: يا رسول الله! من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك)) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب النفقات، باب ((وعلى الوارث مثل ذلك))، برقم 5369، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، برقم 1001. (¬2) النسائي، برقم 2534، وأبو داود, برقم 1691، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 206، وفي صحيح سنن أبي داود، 1/ 469، وتقدم تخريجه في زكاة الفطر. (¬3) الترمذي، برقم 1897، وأحمد برقم 9524، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 199، وتقدم تخريجه في زكاة الفطر. (¬4) متفق عليه: واللفظ لمسلم، البخاري، برقم 5971، ومسلم، برقم 2548، وتقدم تخريجه في زكاة الفطر.

رابعا: الإخلاص شرط في قبول الصدقات:

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله! قدمت عليَّ أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: ((نعم، صلي أمَّكِ)) (¬1). رابعاً: الإخلاص شرط في قبول الصدقات: فلا تقبل الصدقة إلا إذا أريد بها وجه الله والدار الآخرة للأدلة المذكورة على النحو الآتي: 1 - الإخلاص أعظم ما أمر الله به، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} (¬2). 2 - الإخلاص شامل لأنواع العبادات، قال - عز وجل -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬3). 3 - إسلام الوجه لله: هو الإخلاص، قال الله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} (¬4).فإسلام الوجه إخلاص القصد والعمل لله، والإحسان فيه متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته (¬5). 4 - الإخلاص يحصل به الأجر العظيم، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الهدية للمشركين، برقم 2620، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج، والأولاد والوالدين، ولو كانوا مشركين، برقم 1003. (¬2) سورة البينة, الآية: 5. (¬3) سورة الأنعام، الآيتان: 162 - 163. (¬4) سورة النساء, الآية: 125. (¬5) مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 90.

5 - الإخلاص تجارة رابحة

يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬1). 5 - الإخلاص تجارة رابحة، قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (¬2). 6 - الإخلاص تُوفَّى به الأجور، قال سبحانه: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (¬3). 7 - مضاعفة الحسنات للمنفقين المخلصين، قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬4). 8 - الجزاء بأحسن من العمل، قال - سبحانه وتعالى - فيمن ينفقون النفقات إخلاصاً لله تعالى: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬5). 9 - إنما الأعمال بالنيات، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... )) (¬6). ¬

(¬1) سورة النساء, الآية: 114. (¬2) سورة فاطر, الآيتان: 29 - 30. (¬3) سورة البقرة, الآية: 272. (¬4) سورة البقرة, الآية: 265. (¬5) سورة التوبة, الآية: 121. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب بدء الوحي، برقم 1، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال بالنيات، برقم 1907.

10 - احتساب الرجل نفقة أهله صدقة

10 - احتساب الرجل نفقة أهله صدقة، عن أبي مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة)) (¬1). 11 - بالإخلاص يحصل الأجر على فعل المباح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: ((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك)) (¬2). 12 - إنما الدنيا لأربعة، عن أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه)) قال: ((ما نقص مالُ عبدٍ من صدقةٍ، ولا ظُلِمَ عبدٌ مظلمةً فصبر عليها إلا زاده الله عزًّا، ولا فتح عبدٌ باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب فقرٍ)) أو كلمة نحوها ((وأحدثكم حديثاً فاحفظوه))، قال: ((إنما الدنيا لأربعة نفرٍ: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهو بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلانٍ، فهو بنيَّته، فأجرهما سواءٌ، وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل, وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً، لعملت فيه ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى، برقم 55، ورقم 4006، رقم 5351، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد، برقم 1002. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية، برقم 56، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم 1628.

13 - يكتب للعبد المسلم ما نوى،

بعمل فلانٍ، فهو بنيَّته، فَوِزْرُهما سواء)) (¬1). 13 - يكتب للعبد المسلم ما نوى، من فضل الله على عبده المؤمن أنه يكتب له ما نوى من الصدقات وغيرها إذا أخلص في النية؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك: ((لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من وادٍ، إلا وهم معكم فيه))، قالوا: يا رسول الله! كيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال: ((حبَسَهُمُ العذر)) (¬2). 14 - إحسان الله العظيم إلى عباده المؤمنين؛ فإنه يكتب لهم الحسنات بمجرد العزيمة والهم الصادق حتى ولو لم يعمل المسلم؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ... )) (¬3). خامساً: آداب الصدقة: للصدقة آداب عظيمة منها ما يأتي: 1 - الاحتساب في كل ما ينفقه المسلم؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة)) (¬4). ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر، برقم 2325، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب النية، برقم 4228، وأحمد،4/ 130، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 535. (¬2) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو، برقم 2839، وأبو داود واللفظ له، كتاب الجهاد، باب الرخصة في القعود من العذر، برقم 2508. (¬3) متفق عليه: البخاري، الرقاق، باب من هم بحسنة أو سيئة، برقم 6491، ومسلم، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت له ... برقم 131. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 5351، ومسلم، برقم 1002، وتقدم تخريجه في الإخلاص شرط في قبول الصدقات.

2 - الإنفاق من الحلال

قال الإمام النووي رحمه الله: ((فيه بيان أن المراد بالصدقة والنفقة المطلقة في باقي الأحاديث إذا احتسبها، ومعناه إذا أراد بها وجه الله تعالى، فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلاً، ولكن يدخل المحتسب)) (¬1). وطريقة الاحتساب: أن ينفق بنية أداء ما أمره الله به من الإحسان إليهم، وبنية القيام بالواجب الذي أمره الله تعالى به، ابتغاء مرضاة الله، يرجو ثوابه عند مولاه الكريم، الذي أمدَّه بالمال، ثم يثيبه إذا أنفقه في طاعته، بنية صالحة. 2 – الإنفاق من المال الحلال الطيب؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (¬2)}. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (¬3)}. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك)) (¬4). قال الإمام النووي رحمه الله: (( ... فيه الحث على الإنفاق من الحلال، والنهي عن الإنفاق من غيره، وفيه: أن المأكول, والمشروب, والملبوس، ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شبهة فيه، وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره)) (¬5). ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 93. (¬2) سورة المؤمنون، الآية: 51. (¬3) سورة البقرة، الآية: 172. (¬4) مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 65 (1014). (¬5) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 104.

3 - لا يحقرن من الصدقة شيئا

3 – لا يحقرن من الصدقة شيئاً، ولو شق تمرة، ولو فرسن شاة، وجاء في ذلك أحاديث، منها ما يأتي: الحديث الأول: حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربُّهُ، ليس بينه وبينه ترجمان [ولا حجاب يحجبه] فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة [ولو بكلمة طيبة])) (¬1). وفي لفظ: ذكر لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النار، فأعرض، [وأشاح بوجهه] ثم قال: ((اتقوا النار))، ثم أعرض وأشاح [بوجهه] حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)). وفي لفظ للبخاري: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - النار، فتعوذ منها وأشاح بوجهه، ثم ذكر النار، فتعوذ منها وأشاح بوجهه [ثلاثاً] ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة)) (¬2). وذكر النووي رحمه الله: أن شق تمرة: نصفها، وجانبها، وفيه الحث على الصدقة، وأنه لا يُمتنع منها لقلتها، وأن قليلها سبب للنجاة من النار، وأن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار، وهي الكلمة التي فيها تطييب قلب ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، برقم 1413، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار، برقم 1016. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 1413، 1417، 3595، 6023، 6539، 6540، 6563، 7443، 7512، ومسلم، برقم 68 1016) وتقدم تخريجه في الذي قبله.

الإنسان إذا كانت مباحة أو طاعة (¬1) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفيه الحث على الصدقة، وقبول الصدقة، ولو قلَّت, وقد قُيِّدَت في الحديث بالكسب الطيب، وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها)) (¬3). الحديث الثاني: حديث أم بجيد رضي الله عنها، وكانت ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنها قالت: يا رسول الله! صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إيَّاه؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إيَّاه إلا ظلفاً (¬4) محرقاً فادفعيه إليه في يده)) (¬5). الحديث الثالث: حديث أبي ذر - رضي الله عنه -، قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ)) (¬6). ¬

(¬1) انظر: شرح النووي، 7/ 106. (¬2) وقوله: ((أشاح بوجهه)) قيل نحاه وعدل به، وصد وانكمش، وصرف وجهه كالخائف أن تناله، وقال الأكثرون: المشيح: الحذر، والجاد في الأمر، وقيل: المقبل، وقيل: الهارب، وقيل: المقبل إليك، المانع لما وراء ظهره، فأشاح هنا يحتمل هذه المعاني: أي حذر النار كأنه يراها، أو جد في الإيضاح بإيقانها، أو أقبل إليك خطاباً، أو أعرض كالهارب. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 106، وفتح الباري، 11/ 405. (¬3) فتح الباري، لابن حجر، 11/ 405. (¬4) ((ظلفاً)) الظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس، والبغل، والخف للبعير، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/ 159. (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، باب حق السائل، برقم 1667، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في حق السائل، برقم 665، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 464، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 359. (¬6) مسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، برقم 2626.

الحديث الرابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارةٌ لجارتها ولو فِرسِنِ (¬1) شاةٍ)) (¬2). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير، وقبوله، لا إلى حقيقة الفرسن؛ لأنه لم تجرِ العادة بإهدائه، أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها؛ لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر، وإن كان قليلاً، وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير؛ لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت)) (¬3). الحديث الخامس: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لو دعيت إلى كُراعٍ لأجبت، ولو أُهدي إليَّ كُراعٌ لقبلت)) (¬4). الحديث السادس: حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) فرسن: عظم أو عُظيم قليل اللحم، وهو خفُّ البعير، كالحافر للدابة، وقد يستعار للشاة، فيقال: فرسن شاةٍ، والذي للشاة: هو الظلف، والنون زائدة، وقيل: أصلية. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3/ 429. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة وفضلها والتحريض عليها، برقم 2566، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بالقليل، ولا تمنع من القليل لاحتقاره، برقم 1030. (¬3) فتح الباري، لابن حجر، 5/ 198. (¬4) البخاري، كتاب النكاح، باب من أجاب إلى كُراع، برقم 5178، ولفظه في كتاب الهبة، برقم 2568: ((لو دعيت إلى ذراع أو كُراع لأجبت، ولو أهدي إليَّ ذراع أو كراع لقبلت)) وخص الذراع بالذكر، ليجمع بين الحقير والخطير؛ لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها، والكراع لا قيمة له، وفي المثل: ((أعط العبد كراعاً يطلب منك ذراعاً)) فتح الباري، لابن حجر، 5/ 200.

فقال: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار)) (¬1). الحديث السابع: حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار، قال: فجاء قومٌ حفاةٌ، عراةٌ مجتابي النمار (¬2) أو العباءَ، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضَر، فتمعَّر وجهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما رأى ما بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: (({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا})) (¬3). والآية التي في سورة الحشر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (¬4). تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاعِ بُرِّه، من صاع تمره، حتى قال: ((ولو بشق تمرة)) قال فجاء رجل من الأنصار بصُرَّةٍ كادت كفُّهُ تعجزُ عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كَوْمين من طعام، وثياب، حتى رأيت وجْهَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلَّلُ كأنهُ مُذْهَبَةٌ (¬5)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنةً فله أجرُهَا، وأجرُ من عمل بها بعده، من غير أن يَنْقُصَ من ¬

(¬1) مسلم، برقم 2630، وتقدم في فضل الصدقة مع حديثها الآخر في التمرتين المتفق على صحته، البخاري، رقم 1418، ومسلم، برقم 2629. (¬2) مجتابي النمار أو القباء: النَّمار جمع نمرة، وهي ثياب صوف فيها تنمير، والعَباء جمع عباءة وعباية لغتان، ومجتابي: أي خرقوها وقوروا وسطها، وتمعَّر: تغير. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 107. (¬3) سورة النساء، الآية: 1. (¬4) سورة الحشر، الآية: 18. (¬5) قوله: ((يتهلل)): أي يستنير فرحاً وسروراً، وقوله: ((مذهبة)) معناه: فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه، وإشراقه، وقيل غير ذلك. شرح النووي، 7/ 108.

أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ من عَمِلَ بها من بعده، من غير أن ينقُصَ من أوزارهِمْ شيء)) (¬1). وفيه من الفوائد: جمع الناس للأمور المهمة، ووعظهم، وحثهم على مصالحهم, وتحذيرهم من القبائح، وفيه سرور النبي - صلى الله عليه وسلم - بمبادرة المسلمين إلى طاعة الله تعالى، وبذل أموالهم لله، وامتثال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدفع حاجة هؤلاء المحتاجين، وشفقة المسلمين بعضهم على بعض، وتعاونهم على البر والتقوى، وفيه الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات، وسبب هذا الكلام في آخر الحديث أنه قال في أوله: فجاء رجل بصرة كادت يده أن تعجز عنها، فتتابع الناس وكان الفضل العظيم للبادئ بهذا الخير، والفاتح لباب هذا الإحسان (¬2). الحديث الثامن: حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: لما نزلت آية الصدقات كنا نُحامِلُ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} (¬3). وفي رواية: ((لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل (¬4) فجاء أبو عقيل [فتصدق] بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه فقال ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار، برقم 1017. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 107 – 109. (¬3) سورة التوبة, الآية: 79. (¬4) نحامل: وفي الرواية الثانية: كنا نحامل على ظهورنا، معناه نحمل على ظهورنا بالأجرة ونتصدق من تلك الأجرة، أو نتصدق بها كلها, [شرح النووي على صحيح مسلم]، 7/ 110.

4 - المسارعة والمسابقة في إخراج الصدقة

المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياءً، فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} (¬1). وفي هذا الحديث من الفوائد: التحريض على الاعتناء بالصدقة، وأن المسلم إذا لم يكن له مال يتوصل إلى تحصيل ما يتصدق به: من حملٍ، أو غيره من الأسباب (¬2)، وفيه أنه لا ينبغي أن تحتقر الصدقة بالقليل، ولا يعاب على من تصدق بما يستطيع ولو كان قليلاً، وأن من عاب عليه يتصف بصفة من صفات المنافقين، وفيه فضل الصحابة - رضي الله عنهم -، وحرصهم على الخير، حتى بالحمل على ظهورهم؛ ليتصدقوا بذلك. 4 - المسارعة والمسابقة في إخراج الصدقة؛ للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث عتبة بن الحارث - رضي الله عنه -، قال: صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة العصر، فسلم، ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه، ففزِعَ الناسُ من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ((ذكرت [وأنا في الصلاة] شيئاً من تِبْرٍ (¬3) عندنا، فكرهت أن يحبسني [وفي رواية]: أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، برقم 1415، وكتاب التفسير، باب {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} يلمزون??: يعيبون، جهدهم?? طاقتهم. برقم 4668، 4669، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحمل بأجرة يتصدق بها، والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق، برقم 1018. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 110. (¬3) تبر: التبر هو الذهب والفضة، قبل أن يضربا دنانير ودراهم، فإذا ضربا كانا عيناً. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 179.

5 - الإنفاق سرا وعلانية

بقسمته)) (¬1). وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الخير ينبغي أن يُبادر به، فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود، والإسراع: أبرأ للذمة، وأنفى للحاجة، وأبعد من المطل المذموم، وأرضى للرب، وأمحى للذنب (¬2)، وأعظم للأجر. الحديث الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كان لي مثل أُحدٍ ذهباً ما يسرني ألا يمرُّ عليَّ ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين)) (¬3). الحديث الثالث: حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أحب أن أُحداً ذاك عندي ذهبٌ أمسي ثالثة عندي منه دينار, إلا ديناراً أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله: هكذا)) حثا بين يديه ((وهكذا)) عن يمينه ((وهكذا)) عن شماله، ... ((إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال: هكذا، وهكذا، وهكذا)) مثل ما صنع في المرة الأولى ... )) (¬4). 5 – الإنفاق سرًّا وعلانية رجاء الأجر الكبير من الله تعالى، وينوي ¬

(¬1) البخاري، كتاب الزكاة، باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها، برقم 1430، وهو أيضاً في كتاب الأذان، برقم 851، وفي كتاب الاستئذان، برقم 6275. (¬2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 299. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الاستقراض، باب أداء الديون، برقم 2389، ورقم 7288، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، برقم 991. (¬4) متفق عليه: كتاب الاستئذان، باب من أجاب بلبيك، رقم 6268، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة، برقم 94.

بصدقة العلانية دفع غيره؛ ليقتدي به، فيحصل على مثل أجره، وقد جاءت الآيات القرآنية تبين ذلك، وفيها الحث على الصدقة في السر والعلانية، ومنها، الآيات الآتية: الآية الأولى: قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬1). الآية الثانية: قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬2). الآية الثالثة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (¬3). الآية الرابعة: قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} (¬4). الآية الخامسة: قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 271. (¬2) سورة البقرة, الآية: 274. (¬3) سورة الرعد, الآية: 22. (¬4) سورة إبراهيم, الآية: 31.

يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1). الآية السادسة: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} (¬2). فهذه الآيات فيها الثناء على من أنفق حيث دعت الحاجة سرًّا وعلانية، من النفقات الواجبة، والمستحبة، والزكاة الواجبة، والصدقات المستحبة، والله تعالى أعلم (¬3). وأما الأحاديث في الإنفاق في السر والعلانية وفي الليل والنهار، فهي كثيرة، ومنها، الأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -، وفيه: أن قوماً أتوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: حفاة عراة، فتمعَّر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما رأى ما بهم من الحاجة، ثم أمر بالأذان والإقامة، وصلَّى، ثم خطب الناس، وأمرهم بالصدقة على حسب طاقتهم، فتصدق كل إنسان على حسب قدرته، وتصدق رجل بصرِّة عظيمة كادت أن تعجز عنها يده، فتتابع الناس في الصدقة، بعدما رأوا هذا الرجل وصدقته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ... )) (¬4). ¬

(¬1) سورة النحل، الآية: 75. (¬2) سورة فاطر، الآية: 29. (¬3) تفسير السعدي في عدة مواضع، ومنها ص 417. (¬4) مسلم، برقم 1017، وتقدم تخريجه في عدم احتقار الصدقة ولو قلت، أما هذا اللفظ في هذا الموضع فقد سقته بالمعنى، للاكتفاء باللفظ السابق.

الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) (¬1). الحديث الثالث: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (¬2). الحديث الرابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وفيه:: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) (¬3). الحديث الخامس: حديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:: ((إن صدقة السر تطفئ غضب الرب)) (¬4). الحديث السادس: حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسرّ بالقرآن كالمسرِّ بالصدقة)) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب اغتباط صاحب القرآن، برقم 5025، وفي كتاب التوحيد، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رجل آتاه الله القرآن))، برقم 7529، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، برقم 815. ولفظ البخاري: ((يتلوه آناء الليل وآناء النهار)). (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، برقم 73، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، برقم 816. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1423، ومسلم، برقم 1031، وتقدم تخريجه. (¬4) الطبراني في الكبير، 19/ 421 برقم 1018، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب، 1/ 532ـ وتقدم تخريجه. (¬5) النسائي، كتاب الزكاة، باب المسر بالصدقة، برقم 2560، والترمذي، كتاب ثواب القرآن باب حدثنا محمود بن غيلان، برقم 2919، وأحمد، 4/ 151، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 215، وغيره، وقال الإمام ابن باز في حاشيته على بلوغ المرام، قبل الحديث رقم 1479: ((بإسناد جيد)).

6 - الإنفاق مما يحب

6 – الإنفاق مما يحب المتصدق؛ للأدلة الآتية: الدليل الأول: قول الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬1). الدليل الثاني: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (¬2). الدليل الثالث: حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه -، قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وبيده عصا وقد علَّق رجل قِنو حشفٍ، فجعل يطعن بالعصا في ذلك القنو وقال: ((لو شاء رب هذه الصدقة تصدَّق بأطيب منها)) وقال: ((إن رب هذه الصدقة يأكل حشفاً يوم القيامة)) (¬3). الدليل الرابع: حديث وائل بن حجر، وفيه أن رجلاً أعطى في الصدقة بعيراً مهزولاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله)) فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء، فقال: أتوب إلى الله - عز وجل - وإلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بارك فيه وفي إبله)) (¬4). وهذا الحديث وإن كان في زكاة الفريضة، ولكن ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 92. (¬2) سورة البقرة, الآية: 267. (¬3) النسائي، برقم 2492، وأبو داود، برقم 1608، وابن ماجه، برقم 1486 – 1848، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 447، وتقدم تخريجه في زكاة الخارج من الأرض. (¬4) النسائي، برقم 2457، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 185، وتقدم تخريجه في زكاة بهيمة الأنعام.

7 - عدم الإيكاء

ينبغي الإنفاق من الطيب. الدليل الخامس: قصة أبي طلحة - رضي الله عنه -، وأنه تصدق بأحب أمواله إليه، وهي بيرحاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بخ ذلك مال رابح, ذلك مال رابح)) (¬1). 7 - عدم الإيكاء، لمنع الصدقة، ولا يعدها، فيستكثرها، وعدم الجمع للأموال بدون نفقة؛ لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا توكي فيُوكى عليك)) (¬2). وفي رواية: ((لا تحصي فيحصي الله عليك)) (¬3). وفي رواية: ((لا توعي فيوعي الله عليك، ارضخي ما استطعتِ)) (¬4). وفي رواية أنها قالت: يا رسول الله! ما لي مالٌ إلا ما أدخل علي الزبير فأتصدق؟ قال: ((تصدقي، ولا توعي فيوعي الله عليك)) (¬5). وفي رواية: ((أنفقي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك)) (¬6). وفي رواية لمسلم: ((انفحي، أو انضحي، أو أنفقي، ولا تحصي فيُحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك)) (¬7) (¬8). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1461، ومسلم، برقم 998، وتقدم تخريجه في أفضل الصدقة: ما يعطى الأقربين. (¬2) طرف الحديث في البخاري، رقم 1433. (¬3) طرف الحديث في البخاري، رقم 1433. (¬4) طرف الحديث في البخاري، رقم 1434. (¬5) طرف الحديث في البخاري، رقم 2590. (¬6) طرف الحديث في البخاري، رقم 2591. (¬7) لفظ مسلم، برقم 1029. (¬8) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، برقم 1433، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الإنفاق وكراهية الإحصاء، برقم 1029.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا توكي فيوكى عليك)) الإيكاء: شد رأس الوعاء بالوكاء، وهو الرباط الذي يربط به. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحصي)) الإحصاء معرفة قدر الشيء: وزناً, أو عدًّا، وهو من باب المقابلة, والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد؛ فإن ذلك أعظم لأسباب قطع مادة البركة؛ لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب, ومن لا يحسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يُعطي ولا يحسب، وقيل: المراد بالإحصاء عدّ الشيء؛ لأن يدخر ولا ينفق منه، وأحصاه الله: قطع البركة عنه، أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا توعي فيوعي الله عليك)) والمعنى: لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك (¬2). قوله: - صلى الله عليه وسلم -: ((ارضخي ما استطعت)) الرضخ: العطاء اليسير، فالمعنى: أنفقي بغير إجحاف، مادمت قادرة مستطيعة (¬3). قوله في رواية مسلم: ((انفحي)) النفح الضرب والرمي بالعطاء (¬4). قال النووي رحمه الله: ((ولا تحصي فيحصي الله عليك ويوعي عليك)) ومعناه: يمنعك كما منعتِ، ويقتر عليك كما قترتِ، ويمسك ¬

(¬1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 300. (¬2) فتح الباري، 5/ 211. (¬3) فتح الباري، 3/ 301. (¬4) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 89.

8 - عدم الحرص على المال

فضله عليك كما أمسكتيه، وقيل: معنى ((لا تحصي)) أي: لا تعديه فتستكثريه فيكون سبباً لانقطاع إنفاقك (¬1). وفيه: الحث على النفقة في العطاء، والنهي عن الإمساك والبخل، وعن ادخار المال في الوعاء، وعن الإحصاء لمقدار الصدقة وعدها (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((الإحصاء هو عدّ ما أظهره من الصدقة)) (¬3). 8 - عدم الحرص على المال، وحطام الدنيا الزائلة؛ للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قلب الشيخ شاب على حبِّ اثنتين: طول الحياة، وحب المال)) (¬4). الحديث الثاني: حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يهرم ابن آدم وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر)). ولفظ البخاري: ((يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان: حب المال وطول العمر)) (¬5). الحديث الثالث: حديث أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لو كان لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)). وفي لفظ لمسلم: ((لو كان لابن آدم ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 125، وانظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 6/ 474. (¬2) انظر: شرح النووي، 7/ 124. (¬3) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1433. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر، لقوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37]، برقم 6420، ومسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة الحرص على الدنيا، برقم 114 1046. (¬5) متفق عليه في الكتابين والبابين السابقين: البخاري، برقم 6421، ومسلم، برقم 1047.

واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)) (¬1). الحديث الرابع: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)).وفي لفظ للبخاري: ((ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ... )).ولفظ عند مسلم: ((ولا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب ... )) (¬2). في الأحاديث السابقة من الفوائد: أن قلب الشيخ الكبير كامل الحب للمال محتكم في ذلك كاحتكام قوة الشباب في شبابه، وفيها ذم الحرص على الدنيا وحب المكاثرة بها، والرغبة فيها، ولايزال حريصاً على الدنيا حتى يموت (¬3). فإذا مات كان من شأنه أن يدفن، فإذا دفن صُبَّ عليه التراب، فملأ تراب قبره جوفه، وفاه، وعينيه، ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب، والله المستعان (¬4). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول في تقريره على هذه الأحاديث: ((والمقصود من هذا كله: الحذر من الانشغال بالمال، والفتنة بالمال، وأن المؤمن ينبغي أن يكون أكبر همه العمل للآخرة، وألا يُشغل ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة الدنيا، وقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] برقم 6439، ومسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً، برقم 1048. (¬2) متفق عليه في الكتابين والبابين السابقين: البخاري، برقم 6436، 6437، ومسلم، برقم 1049. وجاء من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عند مسلم، برقم 1050. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 145 - 146. (¬4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، 11/ 256.

بالدنيا وشهواتها؛ فهو لم يخلق لها، [إنما] خلق، ليعمل فيها للآخرة، فلا ينبغي أن يُشغل بها عمَّا خلق له)) (¬1). الحديث الخامس: حديث عمرو بن عوف الأنصارى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل البحرين وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمالٍ من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت (¬2) صلاة الصبح مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرَّضوا له، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم, وقال: ((أظنُّكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء)) قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشروا وأمِّلُوا (¬3) ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها (¬4) كما تنافَسُوها، وتُهلككم كما أهلكتهم)) (¬5). وفي رواية للبخاري: ((وتُلهيكم كما ألهتهم)) (¬6). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 6435 - 6440، وكان فجر الأربعاء في 17/ 10/1419هـ قبل موته رحمه الله بشهرين؛ فإنه توفي يوم الخميس 20/ 1/1420هـ. (¬2) فوافت: أي أتت، يقال: وافيته موافاةً: أتيته، ووافيت القوم: أتيتهم. المصباح المنير، 2/ 667، والقاموس المحيط، ص 1731. (¬3) أمِّلوا: هذا أمر بالرجاء يقال: أمَلَهُ أملاً، وأمَّلهُ: رجاه وترقبه. القاموس المحيط، ص 1244، والمصباح المنير، 1/ 22، والمعجم الوسيط، 1/ 113. (¬4) فتنافسوها: أي تتحاسدون فيها فتختلفون، وتتقاتلون فيُهلك بعضكم بعضاً. انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 7/ 113. (¬5) الحديث 3158، طرفاه في: كتاب المغازي، باب 5/ 23، برقم 4015، وكتاب الرقاق, باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، 7/ 221، برقم 6425. وأخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، 4/ 2273، برقم 2961. (¬6) من الطرف رقم 6425.

ظهر في مفهوم هذا الحديث التحذير من التنافس في الدنيا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم))، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: ((وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين)) (¬1)؛ ((لأن المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه، فتمنع منه، فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة، المفضية إلى الهلاك)) (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وتلهيكم كما ألهتهم))، دليل على أن الانشغال بالدنيا فتنة، قال الإمام القرطبي رحمه الله: ((تلهيكم)) أي تشغلكم عن أمور دينكم وعن الاستعداد لآخرتكم (¬3)، كما قال الله - عز وجل -: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} (¬4). وهذا يؤكد للمسلم أن التنافس في الدنيا والانشغال بها شرٌّ وخطرٌ؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض))، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: ((زهرة الدنيا))، ثم قال: ((إن هذا المال خَضِرةٌ حُلوةٌ ... من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع)) وفي لفظ لمسلم: (( ... إن هذا المال خضِرٌ حلوٌ، ونعم صاحب المسلم هو, لمن أعطى منه المسكين واليتيم، وابن السبيل))، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ((وإنه من ¬

(¬1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 363. (¬2) فتح الباري، 11/ 245. (¬3) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 7/ 133. (¬4) سورة التكاثر, الآيتان: 1 - 2.

يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع, [ويكون عليه شهيداً يوم القيامة])) (¬1). وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((نعم المال الصالح للمرء الصالح)) (¬2). وعن قيس بن حازم قال: دخلنا على خباب - رضي الله عنه - نعوده ... فقال: ((إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب، ولولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن ندعو بالموت لدعوتُ به))، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً له فقال: ((إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب)) (¬3). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((أي الذي يوضع في البنيان، وهو محمول على ما زاد على الحاجة)) (¬4)، وذكر رحمه الله آثاراً كثيرة في ذم البنيان ثم قال: ((وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه مما لا بد منه للتوطن وما يقي البرد والحر)) (¬5). ¬

(¬1) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، 7/ 222، برقم 6427، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، 2/ 727، برقم 1052، وما بين المعكوفين من رواية مسلم. (¬2) البخاري في الأدب المفرد، برقم 299، وقال العلامة ابن باز رحمه الله في حاشيته على بلوغ المرام، حديث 619: ((بإسناد صحيح)). وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، 127. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى, باب تمني المريض الموت، 7/ 12، برقم 5672، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به، 4/ 2064، برقم 2681. (¬4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/ 129. (¬5) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/ 93.

وقد بين الله - عز وجل - حقيقة الدنيا: فقال - عز وجل -: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1). وقال - عز وجل -: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬2). وقال - عز وجل -: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا* الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (¬3). ولا شك أن الإنسان إذا لم يجعل الدنيا أكبر همه وفقه الله وأعانه، فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غِنىً وأملأ يديك رزقاً، يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأ قلبك فقراً وأملأ يديك شغلاً)) (¬4). ¬

(¬1) سورة يونس, الآية: 24. (¬2) سورة الحديد، الآية: 20. (¬3) سورة الكهف، الآيتان: 45 - 46. (¬4) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/ 326، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 347: ((وهو كما قالا)). وصححه في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3165.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت يديك شغلاً ولم أسد فقرك)) (¬1). قال ذلك عندما تلا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ} (¬2). ولا شك أن كل عمل صالح يُبتغى به وجه الله فهو عبادة. وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من كانت الدنيا همه فَرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)) (¬3). وقد ذم الله الدنيا إذا لم تستخدم في طاعة الله - عز وجل -، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكرُ الله، وما والاهُ، وعالمٌ، أو متعلمٌ)) (¬4)، وهذا يؤكد أن الدنيا مذمومة مبغوضة من الله وما فيها، مبعدة من رحمة الله إلا ما كان طاعة لله - عز وجل - (¬5)؛ ¬

(¬1) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا قتيبة، 4/ 642، برقم 2466، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، 2/ 1376، برقم 4108، وأحمد، 2/ 358، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 2/ 443، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، 3/ 346. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3166، وفي صحيح الترمذي، 2/ 593. (¬2) سورة الشورى، الآية: 20. (¬3) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، 4/ 1375، برقم 4105، وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 950، وصحيح الجامع، 5/ 351. (¬4) الترمذي بلفظه، كتاب الزهد، باب: حدثنا محمد بن حاتم، 4/ 561، برقم 2322، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، 2/ 1377 برقم 4112، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 34، برقم 71، و1/ 6، برقم 7. (¬5) قوله: ((وما والاه)) أي: ما يحبه الله من أعمال البر وأفعال القرب، وهذا يحتوي على جميع الخيرات، والفاضلات ومستحسنات الشرع. وقوله: ((وعالم أو متعلم)) والرفع فيها على التأويل: كأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يُحمدُ مما فيها ((إلا ذكر الله، وما والاهُ، وعالمٌ أو متعلم)) والعالم والمتعلم: العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل, فيخرج منه الجهلاء، والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن يعلم علم الفضول وما لا يتعلق بالدين، انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 10/ 3284 - 3285، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للملا علي القاري، 9/ 31، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 6/ 613.

ولهوانها على الله - عز وجل - لم يبلِّغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها وهو أحب الخلق إليه، فقد مات - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير (¬1)، ومما يزيد ذلك وضوحاً وبياناً حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - يرفعه: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)) (¬2). فينبغي للداعية أن لا ينافس في الدنيا، ولا يحزن عليها، وإذا رأى الناس يتنافسون في الدنيا، فعليه تحذيرهم، وعليه مع ذلك أن ينافسهم في الآخرة. والله المستعان. الحديث السادس: حديث مطرف عن أبيه - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: ((يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)) (¬3). الحديث السابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاثة: ما أكل فأفنى، أو لبس ¬

(¬1) انظر: البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الطعام إلى أجل، 3/ 46، برقم 2200، ومسلم، كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، 3/ 1226، برقم 1603. (¬2) الترمذي, كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله - عز وجل -، وقال: ((حديث صحيح))، 4/ 560، برقم 2320، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا, 4/ 1376 برقم 4110، وصححه الألباني، في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3240، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 943، ورواه ابن المبارك في الزهد والرقائق عن رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 470. (¬3) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2958.

9 - التوسط في الصدقة

فأبلى، أو أعطى فأقنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس)) (¬1). الحديث الثامن: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيكم مال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟)) قالوا: يا رسول الله! ما منا أحد إلا ماله أحبُّ إليه، قال: ((فإن ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر)) (¬2). الحديث التاسع: حديث عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاةً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا بَقيَ منها؟)) قالت: ما بقيَ منها إلا كَتِفُهَا, قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بَقِيَ كُلُّها غَيرَ كَتِفِهَا)) (¬3). 9 - التوسط في الصدقة: فلا إسراف، ولا تقتير؛ لقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (¬4). فإذا أنفقوا النفقات الواجبة، أو المستحبة، لم يسرفوا بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير، وإهمال الحقوق الواجبة، ولم يقتروا فيدخلوا في باب البخل والشح، ولكن إنفاقهم بين الإسراف والتقتير، يبذلون في الواجبات، من الزكوات، والكفارات، والنفقات الواجبة والمستحبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي، من غير ضرر ولا ضرار، وهذا من عدلهم واقتصادهم (¬5). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2959. (¬2) البخاري، كتاب الرقاق، باب ما قدم من ماله فهو له، برقم 6442. (¬3) الترمذي, كتاب صفة القيامة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم - في الشاة، برقم 2470، وقال ((حديث صحيح))، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 595. (¬4) سورة الفرقان، الآية: 67. (¬5) انظر: تفسير السعدي، ص 586.

سادسا: صدقة إطعام الطعام

وقال تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا * وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (¬1). سادساً: صدقة إطعام الطعام ثوابها عظيم: وهي على النحو الآتي: 1 - الإطعام لوجه الله تعالى ثوابه كبير، قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (¬2). 2 - اقتحام العقبة من أسبابه إطعام المساكين، قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ *فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬3). 3 - إطعام الجائع فيه الثواب العظيم، عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فكُّوا العاني - يعني الأسير - وأطعموا الجائع، وعودوا المريض)) (¬4). 4 - إطعام الطعام من أسباب دخول الجنة، عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة انجفل الناس قِبَلَه، وقيل: قدم رسول الله ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآيات: 26 - 30. (¬2) سورة الإنسان، الآيتان: 8 - 9. (¬3) سورة البلد, الآيات: 11 - 16. (¬4) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فكاك الأسير، برقم 3046.

5 - أعد الله الغرف العاليات لمن أطعم الطعام

- صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثلاثاً، فجئت في الناس؛ لأنظر، فلما تبيَّنتُ وجهه عرفتُ أن وجه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته أن قال: ((يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)) (¬1). 5 – أعد الله الغرف العاليات، لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وألان الكلام، وتابع الصيام المشروع، وصلى بالليل والناس نيام؛ لحديث أبي مالك الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن: أطعم الطعام، [وأفشى السلام]، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام))] (¬2)، وهذا الحديث العظيم فيه حث على هذه الخصال الكريمة، منها: إطعام الطعام: للأضياف، والعيال، والفقراء، ونحوهم (¬3). 6 – خير الإسلام إطعام الطعام وإفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف؛ لحديث عبد الله بن عمرو، أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب إطعام الطعام، برقم 3251، واللفظ له، والترمذي، كتاب صفة القيامة، بابٌ حدثنا محمد بن بشَّار، برقم 2485، وقال: ((هذا حديث حسن صحيح)) وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 239. (¬2) أخرجه أحمد في المسند، 5/ 343، والطبراني في الكبير، 3/ 310، برقم 3466، ورقم 3467، وابن حبان في صحيحه، 2/ 262، برقم 509، والبغوي في شرح السنة، 4/ 40، برقم 927، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 561: ((صحيح لغيره))، وروى الترمذي نحوه في سننه عن علي - رضي الله عنه -، برقم 2527، ورقم 1984، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 311. (¬3) انظر: شرح هذه الخصال، فقه الدعوة في صحيح البخاري، 2/ 772 للمؤلف.

7 - ثواب إطعام الطعام عند الله تعالى

تعرف)) (¬1). 7 - ثواب إطعام الطعام عند الله تعالى يوم القيامة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - عز وجل - يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا ربِّ كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟)) (¬2). 8 - خصال دخول الجنة في يومٍ، منها إطعام المسكين؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصبح اليوم منكم صائماً؟)) قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن اتبع منكم اليوم جنازة؟)) قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟)) قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟)) قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)) (¬3). ولفظ البخاري في الأدب المفرد: ((ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة)) (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب إطعام الطعام من الإسلام، برقم 12، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، برقم 39. (¬2) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض، برقم 2569. (¬3) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل من ضم إلى الصدقة غيرها من أنواع البر، برقم 1028. (¬4) البخاري في الأدب المفرد، برقم 515، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 195.

9 - إطعام الجائع وإسقاء الظمآن

9 - إطعام الجائع وإسقاء الظمآن من أسباب دخول الجنة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! علمني عملاً يدخلني الجنة, قال: ((إن كنت أقْصَرْتَ الخطبة لقد أعْرضت المسألة: أعتق النّسمة، وفُكَّ الرقبة، فإن لم تُطِق ذلك، فأطعم الجائع، وأسْقِ الظمآن)) الحديث (¬1). 10 - إدخال السرور على المؤمن المسكين بإطعامه سبب لدخول الجنة؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إدخالك السرور على مؤمن؛ أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت له حاجة)) (¬2). وغير ذلك كثير في فضل إطعام الطعام. سابعاً: الصدقة على الحيوان، بالسقي والإطعام، والإحسان، فيه أحاديث منها ما يأتي: 1 - دخل رجل الجنة بسقي كلب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث (¬3) يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ ماءً ثم أمسكه بفيه ثم رَقِيَ فسقى الكلب فشكر الله له، فغفر له)) قالوا: يا ¬

(¬1) أحمد في المسند، 4/ 299، وابن حبان، 375، والبيهقي في السنن الكبرى، 10/ 273، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 562، برقم 951. (¬2) الطبراني في المعجم الأوسط (مجمع البحرين)، برقم 1455، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 564، برقم 954: ((حسن لغيره)). (¬3) لَهَثَ: كمَنَع، لهثاً، ولهوثاً، بالضم: أخرج لسانه عطشاً، أو تعباً، أو إعياءً، القاموس المحيط، ص 176.

2 - دخلت امرأة بغي الجنة بسقي كلب

رسول الله! وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: ((في كلِّ كَبِدٍ رطبةٍ أجر)) (¬1). وفي لفظ للبخاري: ((فشكر الله له فأدخله الجنة)) (¬2). 2 - دخلت امرأة بغي الجنة بسقي كلب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن امرأة بغيًّا رأت كلباً في يوم حارٍّ يُطيف ببئرٍ قد أدلع لسانه من العطش, فنزعت له بموقها، فغفر لها)) (¬3). وفي لفظ البخاري: ((غُفِر لامرأةٍ مومِسَةٍ مرت بكلب على رأس رَكيٍّ كاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء فَغُفِر لها بذلك)) (¬4). 3 - دخلت امرأة النار بحبس هرة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عُذِّبت امرأة في هرة لم تطعهما ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض)) (¬5). ومن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((عُذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خُشاش الأرض)) (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء، برقم 2363، ومسلم، كتاب السلام، باب فضل سقي البهائم المحترمة، وإطعامها، برقم 2244. (¬2) البخاري، الطرف رقم 173، 2466، 6009. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، بابٌ حدثنا أبو اليمان، برقم 3467، ومسلم، كتاب السلام، باب فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها، برقم 2245. (¬4) البخاري، طرف الحديث رقم 3321. (¬5) متفق عليه، البخاري، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء، برقم 2365، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم قتل الهرة، برقم 2243. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء، برقم 2365، ورقم 3318، ورقم 3482، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم قتل الهرة، برقم 2242. ومن حديث أسماء رضي الله عنها عند البخاري، برقم 2364، ورقم 745.

4 - ثواب كبير لمن غرس غرسا فأكل منه

4 - ثواب كبير لمن غرس غرساً فأُكل منه؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان، أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) (¬1). ثامناً: صدقة: القرض الحسن، والعارية، والمنيحة: على النحو الآتي: 1 - أجر القرض مثل إعتاق الرقبة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من مَنحَ منيحةَ لبنٍ (¬2) أو وَرِق (¬3)، أو هَدَى زُقاقاً (¬4) كان له مِثل عِتقِ رقبةٍ)) (¬5). 2 - كل قرض صدقة؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلُّ قرض صدقة)) (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الحراثة والمزارعة، باب فضل الزرع والغرس إذا أُكل منه، برقم 2320، ومسلم، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع، برقم 1552. (¬2) منيحة لبن: العطية، وقد تكون في الحيوان وفي الثمار، وغيرهما، ثم قد تكون المنيحة عطية للرقبة بمنافعها وهي الهبة، وقد تكون عطية اللبن أو الثمر مدة، وتكون الرقبة باقية على ملك صاحبها يردها إليه. النووي، 7/ 111. (¬3) منيحة ورق: يعني به قرض الدراهم: الترمذي، حديث رقم 1957، والترغيب والترهيب للمنذري، 1/ 364. (¬4) هَدَى زُقاقاً: يعني به هداية الطريق، الترمذي، حديث رقم 1957، والترغيب للمنذري، 1/ 364. (¬5) الترمذي، كتاب البر، باب ما جاء في المنيحة، برقم 1957، وأحمد، 4/ 296، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 363، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 537. (¬6) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، 4/ 42، برقم 2067، وحسن إسناده المنذري في الترغيب، 1/ 686، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 547: ((حسن لغيره)).

3 - القرض يضاعف أضعافا

3 - القرض يضاعف أضعافاً في الأجر؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((دخل رجل الجنة فرأى على بابها مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر)) (¬1). 4 - من أقرض مسلماً مرتين كان كصدقة بهذا المال مرة؛ لحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة)) (¬2). 5 - الأجر العظيم لمن منح منيحة ابتغاء وجه الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بعسٍّ وتروح بعسٍّ (¬3)، إن أجرها لعظيم)) (¬4). وعنه - رضي الله عنه - يرفعه: ((من منح منيحة غدت بصدقة, وراحت بصدقة: صبوحها (¬5) وغبوقها)) (¬6). وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها ¬

(¬1) الطبراني في المعجم الكبير، 8/ 249، برقم 7976، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 537، برقم 900. (¬2) ابن ماجه، كتاب الصدقات، باب القرض، برقم 2430، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 284، وفي إرواء الغليل، برقم 1389، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 538. (¬3) العسُّ: القدح الكبير الفخم، شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 111. (¬4) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل المنيحة، برقم 1019. (¬5) الصبوح شرب اللبن أول النهار، والغبوق أول الليل، شرح النووي، 7/ 112. (¬6) مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل المنيحة، برقم 1020.

6 - التنفيس عن المعسر أو الوضع عنه ينجي الله به من كرب يوم القيامة

وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة)) قال حسان - أحد رواة الحديث - فعددنا ما دون منيحة العنز من: ردِّ السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق، ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة)) (¬1). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الهجرة؟ فقال: ((ويحك إن الهجرة شأنها شديد، فهل لك من إبل؟)) قال: نعم، قال: ((فتعطي صدقتها؟)) قال: نعم، قال: ((فهل تمنح منها شيئاً؟)) قال: نعم، قال: ((فتحلبها يوم وردها؟)) قال: نعم، قال: ((فاعمل من وراء البحار؛ فإن الله لن يترك من عملك شيئاً)) (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى أرضٍ تهتزُّ زرعاً فقال: ((لمن هذه؟)) فقالوا: اكتراها فلان، فقال: ((أما إنه لو منحها إيَّاه كان خيراً له من أن يأخذ عليها أجراً معلوماً)) (¬3). 6 - التنفيس عن المعسر أو الوضع عنه ينجي الله به من كرب يوم القيامة؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفِّس عن معسر، أو يضع عنه)) (¬4)؛ ولحديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: ¬

(¬1) البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب فضل المنيحة، برقم 2631. (¬2) البخاري، كتاب الهبة وفضلها، باب فضل المنيحة، برقم 2633، ورقم 452، ورقم 3923، ورقم 6165. (¬3) البخاري، كتاب الهبة وفضلها، باب فضل المنيحة، برقم 2634، ورقم 2330. (¬4) مسلم، كتاب المساقاة، باب فضل إنظار المعسر، برقم 1563.

7 - إنظار المعسر أو الوضع عنه يظل الله به في ظل عرشه

أعملت من الخير شيئاً؟ قال: كنت آمر فتياني أن يُنظِرُوا، ويتجاوزوا عن الموسر, قال: ((فتجاوزوا عنه)) وفي لفظ: ((أُنظِر الموسر وأتجاوز عن المعسر)). وفي لفظ: ((فكنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور))، قال: ((تجاوزوا عن عبدي)) وفي لفظ: ((أنا أحق بذلك منك, تجاوزوا عن عبدي)). وفي لفظ: (( ... فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة)) (¬1). 7 - إنظار المعسر أو الوضع عنه يُظِلُّ الله به في ظل عرشه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظله الله يوم القيامة في ظلِّ عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّه)) (¬2). وعن بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من أنظر معسراً فله كل يوم صدقة قبل أن يحلَّ الدين، فإذا حل الدين فأنظره بعد ذلك فله كل يوم مثليه صدقة)) (¬3). تاسعاً: الصدقة الجارية والوقف لله تعالى: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) فتصدق عمر أنه لا ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب البيوع، باب من أنظر موسراً، برقم 2077، ورقم 2391، ورقم 3451، ومسلم، كتاب المساقاة، باب فضل إنظار المعسر، والتجاوز في الاقتضاء من الموسر والمعسر، برقم 1560، وجاء مثله من حديث أبي هريرة عند البخاري، برقم 2078 ورقم 3480. (¬2) الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في إنظار المعسر والرفق به، برقم 1306، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 56، وصحيح الترغيب، 1/ 142. (¬3) ابن ماجه، كتاب الصدقات، باب إنظار المعسر، برقم 2418، وأحمد، 5/ 360، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 542، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 281.

عاشرا: الصدقة من صفات المؤمنين المتقين المحسنين

يباع أصلها، ولا يُوهب، ولا يُورث [ولكن يُنفق ثمره] في الفقراء، والمساكين، والقربى, والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جُناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يُطعم صديقاً غير متموّل فيه)) (¬1). ومعنى أنفس: النفيس: الكريم على أهله العزيز عندهم، وحبس: الحبس: الوقف، يريد أن يقف أصل الملك، وسبَّل يسبِّل الثمرة: أي يجعلها مباحة لمن وقفها عليه (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلاّ من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له)) (¬3). عاشراً: الصدقة من صفات المؤمنين المتقين المحسنين على النحو الآتي: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (¬4). 2 - وقال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الوكالة، باب الوكالة في الوقف، برقم 2313، وكتاب الشروط، باب الشروط في الوقف، برقم 2737، وفي كتاب الوصايا، بابٌ وما للموصي أن يعمل في مال اليتيم وما أكل منه بقدر عمالته، برقم 2764، وفي كتاب الوصايا، باب الوقف كيف يكتب، برقم 2772، وفي باب الوقف للغني، والفقير، والضيف، برقم 2773، وباب نفقة القيم للوقف، برقم 2777، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوقف، برقم 1632. (¬2) جامع الأصول لابن الأثير، 6/ 480. (¬3) مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم 1631. (¬4) سورة الأنفال، الآيات: 2 - 4، وانظر: سورة البقرة, الآية: 3.

الحادي عشر: صدقة الوصية

وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1). 3 – وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ*الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬2). 4 – وقال تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬3). 5 – وقال سبحانه: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (¬4). 6 – وقال تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬5). 7 – وقال سبحانه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬6). 8 – وقال تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (¬7). الحادي عشر: صدقة الوصية بعد الموت: للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يريد أن يُوصي فيه، يبيت لليلتين إلا ووصيته ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 134. (¬2) سورة الحج، الآيتان: 34 - 35. (¬3) سورة القصص، الآية: 54. (¬4) سورة التوبة, الآية: 92. (¬5) سورة السجدة، الآية: 16. (¬6) سورة الشورى، الآية: 38. (¬7) سورة آل عمران، الآية: 17.

الثاني عشر: الهدية، والعطية، والهبة، والوصية: صدقات بالنية

مكتوبة عنده)) (¬1). الحديث الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم)) (¬2). الحديث الثالث: حديث سعد، لا يزيد على الثلث؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: (( ... الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)). وفي لفظ: ((الثلث والثلث كثير: إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة، وإنك إن تدع أهلك بخير - أو قال بعيش - خير من أن تدعهم يتكففون الناس)) وقال: ((بيده)) (¬3). الثاني عشر: الهدية، والعطية، والهبة، والوصية: صدقات بالنية، فإذا احتسبها المسلم يرجو ثوابها عند الله تعالى كانت صدقات تطوع. العطيَّة: جمع عطايا وعطيات: وهي ما يُعطى بغير عوضٍ: سواء: كانت هبة، أو هدية، أو صدقة (¬4). الهبة: مصدر وهب يهب هبة؛ والجمع هبات، وهي: تمليك في الحياة ¬

(¬1) متفق عليه، البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا، برقم 2738، ومسلم، كتاب الوصية، برقم 1627. (¬2) ابن ماجه، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم 2709، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 365، وفي إرواء الغليل، برقم 1641. (¬3) مسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم 1628. (¬4) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روّاس، ص 285.

الهدية

بغير عوض (¬1). وقال ابن الأثير: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض (¬2). الهدية: مصدر: أهدى، يهدي، هدية، وهي العطية بغير عوضٍ: تقرباً إلى المهدى إليه، أو صلة أو إكراماً (¬3). فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تهادوا تحابوا)) (¬4). الوصية: جمع وصايا، الوصل: وهي تمليك للغير مضاف لما بعد الموت (¬5). الصدقة: العطية التي يبتغى بها المثوبة عند الله تعالى (¬6). وهذه التبرعات تكون صدقة بالنية، فإذا أعطاها المسلم بنية التقرب لله تعالى كانت صدقة تطوع يثاب عليها. وهناك فروق بين هذه التبرعات على النحو الآتي: 1 - العطية: تشمل هذه الأسماء كلها إلا الوصية، فالعطية: ما يُعطى في الحياة بغير عوض، سواء كانت: هبة، أو هدية، أو صدقة. 2 - كل ما جاز عقد البيع عليه، جازت هبته والوصية به. 3 - الهبة أو العطية أو الهدية: التبرع بماله حال الحياة والصحة، ¬

(¬1) التعريفات للجرجاني، ومعجم لغة الفقهاء، ص 463. (¬2) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 231. (¬3) معجم لغة الفقهاء، ص 465. (¬4) البخاري في الأدب المفرد، برقم 594، وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، برقم 896، والألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 221، وفي إرواء الغليل، برقم 1601. (¬5) معجم لغة الفقهاء، ص 475. (¬6) التعريفات للجرجاني، ص 173، ومعجم لغة الفقهاء، ص 243.

والوصية التبرع به بعد الوفاة. 4 – الهبة والعطية والهدية يعتبر لها القبول حال الحياة، أما الوصية فمحل قبولها وردها بعد الموت. 5 – الوصية تكون من الثلث فأقل لغير وارث، أما العطية وما يدخل تحت مسماها من الهدية والهبة فتجوز بجميع ماله إلا أنه يجب عليه أن يسوِّي في عطيته بين أولاده بقدر إرثهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) (¬1). 6 – صحة وصية الصغير المميز دون هبته؛ لأن الهبة امتنعت منه لحفظ ماله، أما الوصية فإنما تثبت بعد موته وفيه مصلحة محضة له. 7 – العطية في مرض الموت المخوِّف تشارك الوصية في أكثر الأحكام، وإنما تفارقها بأمر يعود إلى نفس العقد، من اشتراط قبولها حينها، ومن تقديم الأوَّل على الثاني عند المزاحمة. 8 – أحكام الهدية، والهبة، والصدقة، والعطية متفقة إلا إذا كانت في مرض الموت فكما تقدم، ويفرق بينها بفروق لطيفة: فما قصد به إكرام المُعطى ومحبته فهو الهدية، وما قصد به ثواب الآخرة المجرد فهو الصدقة، والغالب فيها: أن المُعطى يكون محتاجاً، بخلاف: الهدية، والهبة، والعطية، والله أعلم (¬2). ولا يجوز أن يعود في الصدقة، أو الهدية، أو الهبة، أو العطية؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((العائد في هبته كالكلب يقيءُ ثم يعود في قَيْئهِ)). ولفظ للبخاري: ((ليس لنا مثل السَّوء ¬

(¬1) متفق عليه، البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة للولد، برقم 2586، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، برقم 1623. (¬2) إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للسعدي، ص 236.

الثالث عشر: أنواع صدقات التطوع

الذي يعود في هبته، كالكلب يقيء ثم يرجع في قَيْئه)). وفي لفظ لمسلم: ((إن مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يأكل قَيْئه)) (¬1). أما الأولاد فيجوز الرجوع فيما يعطيهم الوالد؛ لحديث عبد الله بن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية أو يهب الهبة ثم يرجع فيها, إلا الوالد فيما يُعطي ولده, كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء، ثم عاد في قَيْئه)) (¬2). الثالث عشر: أنواع صدقات التطوع: كثيرة على النحو الآتي: 1 – الصدقة بالمال على حسب أنواعه، والحاجة إليه، وما يحتسبه الإنسان من النفقات، والهبات يرجو ثوابها عند الله - عز وجل -، وتقدمت الأحاديث الكثيرة في ذلك. 2 – جميع أنواع المعروف تكون صدقة؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه -، قال: قال نبيكم - صلى الله عليه وسلم -: ((كل معروف صدقة)) (¬3)، كل معروف له حكم الصدقة في الثواب، فلا يحتقر شيئاً من المعروف، ولا يبخل به (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الهبة وفضلها، والتحريض عليها، برقم 2589، ورقم 2621، 6975، ومسلم، كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل، برقم 622. (¬2) أبو داود، كتاب البيوع، باب في قبول الهدايا، برقم 3539، والترمذي، كتاب الولاء والهبة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، برقم 2132، وابن ماجه، كتاب الهبات، باب من أعطى ولده ثم رجع فيه، برقم 2377، والنسائي، كتاب الهبة، باب ذكر الاختلاف على طاوس، برقم 3753، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 383، وفي غيره. (¬3) مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من أنواع المعروف، برقم 1005. (¬4) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 95.

3 - التسبيح والتهليل

3 - التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد، من الصدقات؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور (¬1) بالأجور يصلون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بِضع أحدكم صدقة)) قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر)) (¬2). 4 - خُلِقَ الإنسانُ على ثلاثمائة وستين مفصلٍ على كل مفصل صدقة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنه خُلِقَ كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله - عز وجل -، وعزل حجراً عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظماً عن طريق الناس، وأمر بمعروفٍ، أو نهى عن منكرٍ، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار)) (¬3). 5 - الإمساك عن الشر صدقة؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((على كل مسلم صدقة)) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ¬

(¬1) الدثور: جمعُ دَثْرٍ: وهو المال الكثير، ويقع على الواحد، والاثنين، والجمع. النهاية في غريب الحديث، 2/ 100. (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم 1006. (¬3) مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم 1007.

6 - العدل بين الناس

((فليعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق)) قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: ((يعين ذا الحاجة الملهوف)) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((فليأمر بالخير)) أو قال: ((بالمعروف))، قال: فإن لم يفعل؟ قال: ((فليمسك عن الشر فإنه له صدقة)) (¬1). 6 - العدل بين الناس، وإعانتهم، والكلمة الطيبة: صدقات؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل سلامى (¬2) من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) (¬3). 7 - صلاة الضحى تُجزيء عن ثلاثمائة وستين صدقة؛ عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يصبح على كل سلامى (¬4) من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة، برقم 1445، 6022، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم 55 - (1007). (¬2) سلامى: جمع سلامية, وهي الأنملة من أنامل الأصابع، ويجمع على سلاميات: وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان، وقيل: السلامى كل عظم مجوَّف من صغار العظام، والمعنى على كل عظم من عظام بني آدم صدقة. النهاية في غريب الحديث، 2/ 396. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب من أخذ بالركاب ونحوه، برقم 2989، 2707، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم 1009. (¬4) سلامى: أصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله. شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 242.

8 - التسبيح والتكبير، والتحميد في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة يجزئ عن الصدقات بأموال كثيرة

وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزىءُ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) (¬1). وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل بصدقة)). قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: ((النخاعةُ في المسجد تدفنها، والشيء تُنحّيه عن الطريق؛ فإن لم تجد فركعتا الضحى تُجزئك)) (¬2). 8 - التسبيح والتكبير، والتحميد في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة يجزئ عن الصدقات بأموال كثيرة، لمن لم يجد المال؛ لحديث أبي هريرة في قصة فقراء المهاجرين وأنهم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور (¬3) من الأموال بالدرجات العلى، والنعيم المقيم [فقال: ((وما ذاك؟)) قالوا:] يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، فقال: ((أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((تسبحون، وتكبرون، وتحمدون في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة)) فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) (¬4). ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، برقم 720. (¬2) أبو داود، كتاب الأدب، باب إماطة الأذى عن الطريق، برقم 5242، وأحمد، 5/ 354، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 984، وفي إرواء الغليل، 2/ 213. (¬3) الدَّثْرُ: المال الكثير، مالٌ، ومالان، وأموال: دَثْرٌ. القاموس المحيط، ص 390. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 843، ورقم 595، ومسلم، كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، برقم 595، وما بين المعقوفين من ألفاظ مسلم.

9 - الدلالة على فعل الصدقات صدقات مثلها

9 - الدلالة على فعل الصدقات صدقات مثلها؛ لحديث أبي مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) (¬1). 10 - لا يترك الله تعالى من العمل شيئاً؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( ... فاعمل من وراء البحار, فإن الله لن يترك من عملك شيئاً)) (¬2). الرابع عشر: مبطلات الصدقات على النحو الآتي: 1 - الرياء يبطل الصدقة إذا قارنها؛ فقد ذم الله تعالى من فعل ذلك, فقال: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} (¬3). وقال تعالى: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (¬4). وقال سبحانه: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ¬

(¬1) مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، بمركوب وغيره وخلافته في أهله بخير، برقم 1893. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل: ويلك، برقم 2633، ومسلم، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام، والجهاد، والخير، برقم 1865. (¬3) سورة النساء، الآيتان: 38 - 39. (¬4) سورة البقرة, الآية: 264.

2 - المن والأذى

ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) (¬2). 2 – المَنُّ والأذى يبطل الصدقات؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} (¬3). وقد مدح الله الذين ينفقون أموالهم إخلاصاً لله، ولا يتبعون ذلك بأي أذى فقال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (¬4). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، قال: أبو ذرٍّ: خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل إزاره، والمنَّان، والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب)) (¬5). ¬

(¬1) سورة البقرة, الآية: 266. (¬2) مسلم، كتاب الزهد، باب تحريم الرياء، برقم 2985. (¬3) سورة البقرة, الآية: 264. (¬4) سورة البقرة, الآيتان: 262 - 263. (¬5) مسلم، كتاب الإيمان، باب الإزار والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، برقم 106.

3 - الغلول

3 - الغلول لا تقبل الصدقة منه؛ لحديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) (¬1). الخامس عشر: موضوعات متنوعة في الصدقات، منها: 1 - المبادرة بالصدقة واغتنام إمكانها قبل أن يُحال بين المسلم وبينها؛ لحديث حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تصدقوا فيوشك الرجل يمشي بصدقته فيقول الذي أعطيها لو جئتنا بها بالأمس قبلناها، فأما الآن فلا حاجة لي بها فلا يجد من يقبلها)) (¬2). وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بصدقته من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه، ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به (¬3) من قلة الرجال وكثرة النساء)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) (¬5). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم 224. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل الرد، برقم 1411، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها، برقم 1011. (¬3) يلذن به: ينتمين إليه ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن، كقبيلة بقي من رجالها واحد فقط بقيت نساؤها يلذن بذلك الرجل؛ ليذب عنهن ولا يطمع فيهن أحد بسببه، وأما سبب قلة الرجال فهو الحروب، شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 101. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل الرد، برقم 1414، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها، برقم 1012. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل الرد، برقم 1412، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها، برقم 157.

2 - ضرب المثل للمنفق والبخيل

قال النووي رحمه الله: ((حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) معناه والله أعلم: ((أنهم يتركونها ويعرضون عنها فتبقى مهملة لا تزرع ولا تسقى من مياهها؛ وذلك لقلة الرجال وكثرة الحروب، وتراكم الفتن، وقرب الساعة، وقلة الآمال، وعدم الفراغ لذلك، والاهتمام به)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، ثم يدعونه ولا يأخذون منه شيئاً)) (¬2). قال النووي رحمه الله: ((ومعنى الحديث: التشبيه: أي تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها، والأسطوان بضم الهمزة، وهي جمع أسطوانة، وهي السارية والعمود، وشبهه بالأسطوان؛ لعظمه وكثرته)) (¬3). 2 - ضرب المثل للمنفق والبخيل، يرغب في الصدقة ويحذر عن البخل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مثل البخيل والمنفق [وفي رواية البخيل والمتصدق] كمثل رجلين عليهما جُبَّتان [وفي رواية: جنتان] من حديد [قد اضطرت أيديهما] من ثُديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أَوْ وفَرَتْ على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كلُّ حلقة مكانها [وانضمت يداه إلى تراقيه] فهو [يجتهد أن] يوسعها ولا تتسع)) ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 101. (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة، قبل أن لا يوجد من يقبلها، برقم 1013. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 102.

قال [أبو هريرة - رضي الله عنه -: فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بإصبعه: هكذا في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا تتسع))] (¬1). قيل: هو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق، والبخل بضد ذلك. وقيل: هو تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعوّد ذلك، وإذا أمسك صار ذلك عادة له. وقيل: معنى يمحو أثره: أي يذهب بخطاياه ويمحوها, والحديث جاء على التمثيل لا على الخبر عن كائن. وقيل: ضرب المثل بهما؛ لأن المنفق يستره الله تعالى بنفقته، ويستر عوراته في الدنيا والآخرة، كستر هذه الجنة لابسها، والبخيل كمن لبس جبة إلى ثدييه، فيبقى مكشوفاً بادي العورة مفتضحاً في الدنيا والآخرة (¬2). وقيل: هذا مثل ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - للبخيل والمتصدق، فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعاً يستتر به من سلاح عدوِّه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدرع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها، فجعل المنفق كمن لبس درعاً سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وهو معنى قوله: ((حتى تعفوَ أثره)) أي تستر جميع بدنه. وجعل البخيل كمثل رجل غُلَّت يداه إلى عنقه, كلما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته، وهو معنى قوله: ((قلصت)) أي: تضامت واجتمعت، والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب مثل البخيل والمتصدق، برقم 1443، 1444، 2917، 5299، 5797، ومسلم، كتاب الزكاة، باب مثل المنفق والبخيل، برقم 1021. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 114.

3 - ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها

انفسح لها صدره وطابت نفسه، فتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدَّث نفسه بالصدقة شحت نفسه فضاق صدره وانقبضت يداه {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا مثل عظيم لانشراح نفس المنفق ومحبته [للنفقة] ومثل لضيق صدر البخيل الممسك، والعلاج: أن يذكر أن الله الذي أعطاه المال، ويسأل ربه أن يشرح صدره)) (¬3). وسمعته في موضع آخر يقول: ((البخيل كلما أراد أن يتصدق ضاق صدره ومنعه الشحّ، وخوفه من المستقبل، والكريم كلما أراد أن يتصدق انشرح صدره، وزاده ثقة بالله)) (¬4). 3 - ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدِّق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيٍّ، فأصبحوا يتحدثون، تُصُدِّق على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصدِّق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد: على زانية، ¬

(¬1) سورة التغابن، الآية: 16. (¬2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 3/ 306. (¬3) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1443. (¬4) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5797، وكان ذلك بتاريخ فجر الإثنين 9/ 5/1419هـ.

4 - إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر

وعلى غني، وعلى سارق، فأُتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت: أما الزانية فلعلها تستعفف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق يستعفف بها عن سرقته)) (¬1). قال النووي رحمه الله: (( ... فيه ثبوت الثواب في الصدقة وإن كان الآخذ فاسقاً وغنياً ... وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة فلا يُجزىء دفعها إلى غني)) (¬2). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض، ولا دلالة في الحديث على الإجزاء ولا على المنع)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والظاهر أن صدقته تجزئ عن الفرض؛ لأنه لم يتعمد مخالفة الشرع؛ ولأن الله - عز وجل - قبل صدقته، والزانية والسارق إذا كانا فقيرين تدفع لهما الزكاة)) (¬4). 4 - إذا تصدَّق على ابنه وهو لا يشعر، فعن معن بن يزيد - رضي الله عنه - قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنا، وأبي، وجدي، وخطب عليَّ فأنكحني (¬5) وخاصمت إليه (¬6) وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم، برقم 1421، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها، برقم 1022. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 116. (¬3) فتح الباري، 3/ 291. (¬4) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1421. (¬5) وخطب علي فأنكحني: أي طلب إليَّ النكاح فأجيب، يقال: خطب المرأة إلى وليها إذا أرادها الخاطب لنفسه، وعلى فلان إذا أرادها لغيره، والفاعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن مقصود الراوي بيان أنواع علاقاته به من المبايعة وغيرها [فتح الباري لابن حجر، 3/ 292]. (¬6) وخاصمت إليه: تفسيرها جاء في آخر الحديث وهو قوله: ((فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) فتح الباري لابن حجر، 3/ 292.

5 - صدقة الخازن إذا تصدق بأمر صاحب المال

رجل في المسجد، فجئتُ فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إيَّاك أردت. فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لك ما نويتَ يا يزيد، ولك ما أخذتَ يا معن)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه صدقة تطوع، ولعل ابنه كان فقيراً، ولا تلزم والده نفقته؛ لأنه لا يستطيع الإنفاق عليه؛ لأنه معطل عن الكسب)) (¬2). 5 - صدقة الخازن إذا تصدق بأمر صاحب المال؛ لحديث أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الخازن المسلم، الأمين الذي ينفذ - وربما قال: يعطي - ما أُمر به كاملاً، موفَّراً طيباً به, فيدفعه إلى الذي أُمر له به أحد المتصدقين)) (¬3). 6 - أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسدٍ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت, ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعضٍ شيئاً)) (¬4). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الزكاة، باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر، برقم 1422. (¬2) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1422. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1438، 2260، 2319، ومسلم، برقم 1023 وتقدم تخريجه. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه، وقال أبو موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: هو أحد المتصدقين، برقم 1425، وباب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد، برقم 1437، 1439، 1440، 1441، 2065. ومسلم، كتاب الزكاة، باب أجر الخازن الأمين، والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة بإذنه الصريح أو العرفي، برقم 80 1024.

7 - أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة

7 - أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، لها أجرها، وله مثله، وللخازن مثل ذلك، له بما كسب ولها بما أنفقت)) (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((واعلم أنه لا بد للعامل وهو الخازن، وللزوجة، والمملوك من إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن أذِنَ أصلاً فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة, بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه، والإذن ضربان: أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني: الإذن المفهوم من اطراد العرف، والعادة، كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به، واطرد العرف فيه، وعُلِمَ بالعرف رضاء الزوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم، وهذا إذا علم رضاه، لاطراد العرف، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به، فإن اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان شخصاً يشح بذلك، وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه)) (¬2). 8 - صدقة العبد بإذن مواليه؛ لحديث عمير مولى أبي اللخم قال: كنت مملوكاً فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أأتصدق من مال مواليِّ بشيء؟ قال: ((نعم، والأجر بينكما نصفان)) (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري برقم 1440، ومسلم، برقم 80 1024 وتقدم تخريجه في الذي قبله. (¬2) شرح النووي، 7/ 118. (¬3) مسلم، كتاب الزكاة، باب ما أنفق العبد من مال مولاه، برقم 1025.

9 - من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة

قال الإمام النووي رحمه الله: ((هذا محمول على ما سبق أنه استأذن في الصدقة بقدر يعلم رضا سيده به)) (¬1). قال النووي رحمه الله: ((والأجر بينكما نصفان أي لكل منكما أجر, وليس المراد أن أجر نفس المال يتقاسمانه)) (¬2). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له)) (¬3). قال الإمام النووي رحمه الله: ((معناه من غير إذنه الصريح في ذلك القدر المعين, ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره ... )) (¬4). وسمعت شيخنا رحمه الله يقول في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها ... الحديث)): ((هذا إذا أمر الزوج [بذلك] أو كان عليه العرف، وإذا علم لم يمنع)) (¬5). 9 - من أنفق زوجين في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 119. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 120. (¬3) مسلم، كتاب الزكاة، باب ما أنفق العبد من مال مولاه، برقم 1026. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 188. (¬5) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1437.

10 - صدقة كفالة اليتيم

الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)) قال أبو بكر - رضي الله عنه - عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة؟ فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمراد بالزوجين: إنفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يذكر أن الزوجين: كثوبين، أو درهمين، أو شاتين، والمراد نوعين من المال، والظاهر أنه زوجين من مال واحد، ولعل الأقرب من المراد بقوله ((في سبيل الله)) أنه طاعة الله، وإذا كان في الجهاد فهو أولى، وقُرئ عليه وأنا أسمع: قال العيني في شرح البخاري: ((الزوجان: إن كان صاحب إبل فبعيرين، وإن كان صاحب بقر فبقرتين، وإن كان صاحب خيل ففرسين))، فقال شيخنا: ((والمقصود أن فضل الله واسع)) (¬3). 10 - صدقة كفالة اليتيم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة)) وأشار مالك بالسبابة والوسطى (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصيام، باب الريان للصائمين، برقم 1896، 3257، ومسلم، كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر، برقم 85 1027. (¬2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 4/ 112. (¬3) سمعته منه أثناء تقريره على الحديث رقم 1896 من صحيح البخاري. (¬4) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، برقم 2983، وأخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -، كتاب الأدب، باب فضل من يعول يتيماً، برقم 605.

11 - الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أُحرِّج (¬1) حق الضعيفين: اليتيم والمرأة)) (¬2). 11 - الساعي على الأرملة والمسكين، له الأجر العظيم؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار)). وفي لفظ للبخاري: ((وأحسبه قال - يشك القعنبيُّ: ((كالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر))، وفي لفظ للبخاري: ((أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل)). ولفظ مسلم: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله - وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر)) (¬3). 12 - الصدقة الخالصة سماها الله قرضاً حسناً؛ لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (¬4). وقال تعالى: {وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (¬5). وقال تعالى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ ¬

(¬1) أحرج حق الضعيفين: أي أضيقه وأحرمه على من ظلمهما. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 1/ 361. (¬2) ابن ماجه، كتاب الأدب، باب حق اليتيم، برقم 3678، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 298، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 12، برقم 1015. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب النفقات، باب النفقة على الأهل، برقم 5353، 606، 607، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، برقم 2982. (¬4) سورة البقرة, الآية: 245. (¬5) سورة المائدة, الآية: 12, وانظر: سورة الحديد, الآية: 18, والمزمل: 20.

13 - لا يشتري المسلم صدقته

لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} (¬1). قال العلامة السعدي رحمه الله في القرض الحسن: ((وهي النفقة الطيبة، التي تكون خالصة لوجه الله، موافقة لمرضاة الله، من مال حلال طيب، طَيِّبةً به نفسه، وهذا من كرم الله تعالى حيث سماه قرضاً، والمال ماله، والعبد عبده، ووعد بالمضاعفة عليه أضعافاً كثيرة، وهو الكريم الوهاب، وتلك المضاعفة محلها وموضعها يوم القيامة، يوم كلّ يتبيَّن فقره ويحتاج إلى أقل شيء من الجزاء الحسن)) (¬2). وقال في موضع آخر عن القرض الحسن: ((كل نفقة كانت من الحلال إذا قصد بها العبد وجه الله تعالى، وطلب مرضاته ووضعها في موضعها)) (¬3). قال الله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاء} (¬4). وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (¬5). وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬6). 13 - لا يشتري المسلم صدقته؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ¬

(¬1) سورة التغابن، الآية: 17، وانظر: سورة الحديد, الآية: 11. (¬2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 839. (¬3) المرجع السابق، ص 869. (¬4) سورة محمد, الآية: 38. (¬5) سورة الأنفال, الآية: 60. (¬6) سورة آل عمران، الآية: 92.

14 - الشفاعة في الصدقة

حملت (¬1) على فرس عتيقٍ في سبيل الله فأضاعه صاحبه (¬2)، فظننت أنه بائعه برُخصٍ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك؛ [وإن أعطاكه بدرهم] فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((الحاصل أن النهي عن شراء الصدقة عام, فلا يجوز شراء الصدقة التي تصدق بها مطلقاً: لا بنية الصدقة, [بها] , ولا غيرها؛ لأن البائع يتسامح مع المتصدق، والنهي يعم الصدقة والهبة جميعاً)) (¬4). 14 - الشفاعة في الصدقة؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءه السائل أو طُلبت إليه حاجته قال: ((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)) (¬5). قال النووي رحمه الله: ((فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووالٍ ونحوهما, أم إلى واحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كفِّ ظلم، أو إسقاط تعزير، أو في تخليص عطاءٍ لمحتاج، أو نحو ذلك، وأما الشفاعة في الحدود ¬

(¬1) حملت: أي تصدقت به في سبيل الله على رجل ملكته إياه، فتح الباري لابن حجر، 3/ 353. (¬2) أضاعه صاحبه: قصر في القيام بمؤونته وحسن رعايته. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقته، برقم 1489، 1490، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به، برقم 1620. (¬4) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 489. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، برقم 432، ورقم 6027، 6028، 7476، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام، برقم 2627.

15 - صدقة الكافر يثاب عليها إذا أسلم ومات على الإسلام

فحرام، وكذلك الشفاعة في تتميم باطل أو إبطال حق, ونحو ذلك فهي حرام)) (¬1). قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} (¬2). قال البخاري رحمه الله: {كِفْلٌ} نصيب، قال أبو موسى {كِفْلَيْنِ} (¬3): أي: أجرين بالحبشية)) (¬4). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (( ... أراد المصنف أن الكفل يُطلق ويراد به النصيب، ويُطلق ويراد به الأجر، وأنه في آية النساء بمعنى الجزاء، وفي آية الحديد بمعنى الأجر)) (¬5). 15 - صدقة الكافر يثاب عليها إذا أسلم ومات على الإسلام؛ لحديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله! أرأيت أموراً كنت أتحنَّث (¬6) بها في الجاهلية: من صدقةٍ، أو عتاقةٍ، أو صلة رحم، فهل فيها من أجر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أسلمت على ما أسلفت من خير)). وفي لفظ: ((أسلمت على ما سلف من خير)) (¬7). 16 - الصدقة على السائل ولو أفحش في المسألة؛ لحديث عمر بن ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 416. (¬2) سورة النساء، الآية: 85. (¬3) سورة الحديد، الآية: 28. (¬4) البخاري: كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً}، قبل الحديث رقم 6028. (¬5) فتح الباري، لابن حجر، 10/ 452. (¬6) أتحنث: أتقرب بها إلى الله تعالى، وأتعبد له بها، انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 302. (¬7) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم، برقم 1436، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده، برقم 194 (123).

17 - الصدقة إذا بلغت محلها جازت لمن حرمت عليه

الخطاب - رضي الله عنه -، قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسماً، فقلت: والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحقَّ به منهم؛ قال: ((إنهم خيَّروني بين أن يسألوني بالفحش أو يبخِّلوني فلست بباخل)) (¬1). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه رداءٌ نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة نظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضحك ثم أمر له بعطاء)) (¬2). 17 - الصدقة إذا بلغت محلها جازت لمن حُرِّمت عليه؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها، قالت: بعث إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة من الصدقة فبعثتُ إلى عائشة منها بشيء، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عائشة قال: ((هل عندكم شيء؟)) قالت: لا، إلا أن نُسيبَةَ بعثتْ إلينا من الشاة التي بعثتم بها إليها قال: ((إنها قد بلغت محِلَّها)). وفي لفظ للبخاري: ((هل عندكم شيء؟)) فقالت: لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة من الشاة التي بعَثْتَ بها من الصدقة، فقال: ((إنها قد بلغت محلَّها)) (¬3). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة ومن يخاف على إيمانه، برقم 1056. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم ... برقم 3149، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة ومن يخاف على إيمانه، برقم 1057. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب قدر كم يُعطى من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة، برقم 1446، وبابٌ إذا تحولت الصدقة، برقم 1494، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إباحة الهدية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولبني هاشم وبني عبد المطلب، وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة، وبيان أن الصدقة إذا قبضها المتصدَّق عليه زال عنها وصف الصدقة، وحلت لكل أحدٍ ممن كانت الصدقة محرمة عليه، برقم 1076.

18 - الصدقة في عشر ذي الحجة

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أهدت بريرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لحماً تُصدِّق به عليها، فقال: ((هو لها صدقة، ولنا هدية)) (¬1). 18 - الصدقة في عشر ذي الحجة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر -)) قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) (¬2). 19 - الصدقة في رمضان؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس [بالخير] و [كان] أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة (¬3) (¬4). 20 - الصدقة على الجيران؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب إذا تحولت الصدقة، برقم 1495، ومسلم, كتاب الزكاة، باب إباحة الهدية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1074، 1075, وانظر: صحيح مسلم، برقم 1073. (¬2) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، رقم 969، وأبو داود واللفظ له، كتاب الصوم، باب في صوم العشر، برقم 2438. (¬3) المرسلة: المطلقة، يعني أنه في الإسراع بالجود، أسرع من الريح، وعبَّر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده، كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه. فتح الباري لابن حجر، 1/ 31. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3554، ومسلم، كتاب الفضائل، باب جوده - صلى الله عليه وسلم -، برقم 2308.

21 - من يعمل مثقال ذرة خيرا يره

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه ليورثنَّه)) (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه)) (¬2). 21 - فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. فكل صدقة يقدمها المسلم لله تعالى يثاب عليها, ولو كانت وزن ذرة من الخير؛ ولهذا جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار ... )) الحديث وفيه: قيل: يا رسول الله! فالحُمْر؟ قال: ((ما أنزل عليَّ في الحُمُر شيء, إلا هذه الآية الفاذَّة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (¬3) (¬4)). 22 - مصارف صدقة التطوع مصارف عامة، تشمل أصناف أهل الزكاة الثمانية، والأصناف التي لا يصح دفع الزكاة إليهم: من الكفار غير الحربيين، وآل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: وهم بنو هاشم ومواليهم، والمماليك، والأغنياء، والمرأة الفقيرة التي تحت غني منفق، ومن تلزم نفقتهم: من الأصول وإن علوا، والفروع وإن نزلوا، والزوجة والزوج، وأصحاب ¬

(¬1) مسلم، كتاب البر والصلة، باب الوصية بالجار، برقم 2624. (¬2) مسلم، كتاب البر والصلة، باب الوصية بالجار، رقم 2625. (¬3) سورة الزلزلة، الآيتان: 7 - 8. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 1402، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم 987، واللفظ من صحيح مسلم. وانظر مسند أحمد، 2/ 423.

السادس عشر: صدقة إعتاق الرقاب:

المعاصي الذين يستخدمونها في طاعة الله، والجهات الخيرية. كبناء المساجد، وإصلاح الطرق، وتجهيز الأموات، والإنفاق على دور وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وطباعة المصاحف، والكتب العلمية النافعة، وغير ذلك من جهات الخير. فصدقة التطوع لا تحصر في أشخاص بعينهم، ولا في جهات محددة، إنما تصرف في كل ما يحبه الله تعالى من وجوه الخير، حتى في الإحسان إلى الحيوانات، والطيور. وغير ذلك. والله تعالى الموفق للصواب. السادس عشر: صدقة إعتاق الرقاب: قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((وقد ورد في ثواب الإعتاق، وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضوٍ عضواً من معتقها، حتى الفرج بالفرج، وما ذاك إلا؛ لأن الجزاء من جنس العمل {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬1) (¬2) ومن الأدلة التي ترغب في الإعتاق وفضله ما يأتي: 1 - قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬3) ? {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة: من فك الرقاب وإطعام السغبان، فيكون خيراً له من عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، هذا قول ابن زيد وجماعة، وقيل: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي لم يقتحمها ولا جاوزها، والاقتحام ¬

(¬1) سورة الصافات، الآية: 39. (¬2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص616. (¬3) سورة البلد، الآيات: 11 - ـ 16.

2 - لعظيم أجر عتق الرقاب جعل الله تعالى إعتاقها

الدخول في الأمر الشديد، وذكر العقبة هنا مثل ضربه الله لمجاهدة: النفس، والهوى، والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، تقول: لم يحمل على نفسه المشقة, بعتق الرقبة والإطعام، وهذا معنى قول قتادة، وقيل: إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة، فإذا أعتق رقبة, وأطعم كان كمن اقتحم العقبة، وجاوزها، وقيل غير ذلك (¬1) قال العلامة السعدي رحمه الله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي لم يقتحمها ويعبر عليها؛ لأنه متبع لشهواته، وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر [هذه] العقبة بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي فكها من الرق, بعتقها, أو مساعدتها على أداء كتابتها، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار) (¬2) وقال قتادة: إنها عقبة شديدة فاقتحموها بطاعة الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ثم أخبر تعالى عن اقتحامها, فقال: {فَكُّ رَقَبَةٍ} (¬3). 2 - لعظيم أجر عتق الرقاب جعل الله تعالى إعتاقها من: كفارة القتل (¬4) وكفارة اليمين (¬5) وكفارة الظهار (¬6). وجعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من كفارة الوطء في نهار رمضان (¬7). 3 - جعلها الله تعالى من أعمال البر والتقوى (¬8). ¬

(¬1) تفسير البغوي، 4/ 489. (¬2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص925. (¬3) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1436. (¬4) سورة النساء، الآية: 95. (¬5) سورة المائدة, الآية: 89. (¬6) سورة المجادلة, الآية: 3. (¬7) البخاري، كتاب كفارات الأيمان، باب من أعان المعسر في الكفارة، برقم , 6710، ومسلم، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان، برقم 1111. (¬8) انظر: سورة البقرة، الآية: 177.

4 - جاءت فيها الأحاديث الكثيرة جدا منها

4 - جاءت فيها الأحاديث الكثيرة جدًّا منها ما يأتي: الحديث الأول: عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: ((لئن أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة، وفُكَّ الرقبة)) فقال: يا رسول الله! أو ليستا واحدة؟ فقال: ((لا، عتق النسمة أن تفرَّد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ... )) (¬1). الحديث الثاني: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)) (¬2). الحديث الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منه عُضْواً من النار، حتى فرجه بفرجه)). قال سعيد بن مرجانة: فانطلقت به إلى علي بن الحسين فعمد علي بن الحسين رضي الله عنهما إلى عبدٍ له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار فأعتقه)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه الدارقطني واللفظ له، كتاب الزكاة، باب الحث على إخراج الصدقة، وبيان قسمتها، برقم1، وأحمد في المسند، 3/ 600، برقم 1847، وقال محققو المسند: ((إسناده صحيح))، وتقدم تخريجه. (¬2) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في المجاهد، والناكح، والمكاتب وعون الله إياهم، برقم 1655، والنسائي كتاب نكاح الأبكار، باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف، برقم 3218، وابن ماجه، كتاب العتق، باب المكاتب، برقم 2518، وأحمد، 2/ 427، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 236، وقال ابن باز في حاشية على بلوغ المرام التعليق على الحديث رقم 382: ((بسند جيد أي عند النسائي)). (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب كفارات الأيمان، باب قول الله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وأي الرقاب أزكى، برقم 6715، وكتاب العتق، باب في العتق وفضله، وقوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد، 13 - 15]. برقم 2517، ومسلم كتاب العتق، باب فضل العتق، برقم 24 (1509).

السابع عشر: المنافسة العظيمة في الصدقات:

الحديث الرابع: عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيما امرئ مسلمٍ أعتق امرأً مسلماً كان فكاكه من النار، يجزىء كل عضوٍ منه عضواً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزىء كل عضوٍ منهما عضواً منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزىء كل عضوٍ منها عضواً منها)) (¬1). الحديث الخامس: عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)) قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعاً أو تصنع لأخرق)) قال: فإن لم أفعل؟ قال: ((تدع الناس من شرك؛ فإنها صدقة تصدَّق بها على نفسك)) (¬2). السابع عشر: المنافسة العظيمة في الصدقات: 1 - صدقات أبي بكر - رضي الله عنه -، عندما أسلم أبو بكر - رضي الله عنه - كان من أثرى أثرياء قريش، فكانت عنده أموال كثيرة، وقد كان في منزلهِ يوم أسلم أربعون ألف درهم أو دينار، فاستخدم أمواله كلها في طاعة الله، ومن ذلك صدقاته الآتية: ¬

(¬1) الترمذي، كتاب النذور، باب ما جاء في فضل من أعتق، برقم 1547، وابن ماجه، كتاب العتق، باب العتق، برقم 2522، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 181، وجاء في سنن أبي داود، من حديث كعب بن مرة، برقم 3967. (¬2) متفق عليه، البخاري، كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل، برقم 2518، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أفضل الأعمال، برقم 84.

الصدقة الأولى: إنفاق ماله في إعتاق الرقاب:

الصدقة الأولى: إنفاق ماله في إعتاق الرقاب: أعتق - رضي الله عنه - رقاباً كثيرة، حُفِظَ منها سبع رقاب: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، والهندية, وبنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، وجارية بني مؤمل، وأم عبيس، رضي الله عن الجميع. وقد كانت هذه الرقاب يُعذّب معظمها على إسلامها، فأنقذها الله بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - , وأخذ - رضي الله عنه - ينفق أمواله في خدمة الإسلام والمسلمين (¬1). الصدقة الثانية: إنفاق جميع ماله في الهجرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حمل الباقي من ماله عندما هاجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ولم يبق لأهله شيئاً، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر معه ماله كله، خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: قلت: كلا يا أبت، قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجاراً فجعلتها في كوة (¬2) في البيت – كان أبي يجعل فيها ماله – ثم جعلت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يا أبت يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إن ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً، ولكن أردت أن أسكِّن الشيخ بذلك)) (¬3). ¬

(¬1) انظر: سيرة ابن هشام، 1/ 340، والإصابة في تمييز الصحابة، 2/ 243، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 2/ 290، والبداية والنهاية، 3/ 58، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 38. (¬2) الكوة: ثقب في الحائط. انظر: القاموس المحيط، باب الواو, فصل الكاف، ص 1713. (¬3) أخرجه أحمد، 6/ 350، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/ 59: ((ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع))، وعزاه للطبراني أيضاً، وانظر أيضاً: البداية والنهاية، 3/ 179، وتاريخ الخلفاء للإمام السيوطي، ص 39، وحياة الصحابة للكاندهلوي، 2/ 164.

الصدقة الثالثة: تصدقه بماله كله وعمر بالنصف في غزوة تبوك:

الصدقة الثالثة: تصدُّقه بماله كله وعمر بالنصف في غزوة تبوك: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك؟)) قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بكل ما عنده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيت لأهلك؟)) قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: والله لا أسبقه إلى شيء أبداً)) (¬1). وأبو بكر - رضي الله عنه - أولى الأمة بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (¬2). 2 - صدقات عثمان - رضي الله عنه -: كان عثمان - رضي الله عنه - من الأغنياء الذين أغناهم الله - عز وجل -، وكان صاحب تجارة وأموال طائلة؛ ولكنه استخدم هذه الأموال في طاعة الله - عز وجل - ابتغاء مرضاته وما عنده، وصار سبَّاقاً لكل خير، ينفق ولا يخشى الفقر. ومما أنفقه - رضي الله عنه - من نفقاته الكثيرة على سبيل المثال ما يأتي: ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، 5/ 614، رقم 3675، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود في الزكاة، باب الرخصة في ذلك - أي الرخصة في إخراج المال كله -، 2/ 129، رقم 1678، والدارمي في الزكاة، باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده، 1/ 329، رقم 1667، والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، 1/ 414، وأبو نعيم في الحلية، 1/ 32. (¬2) سورة الليل، الآيات: 17 - 21. وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. انظر: تفسير ابن كثير، 4/ 522.

الصدقة الأولى: عندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد أن الماء العذب قليل

الصدقة الأولى: عندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة)) (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من حفر بئر رومة فله الجنة)) (¬2). وقد كانت رومة قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تبيعنيها بعين في الجنة؟)) فقال: يا رسول الله! ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان - رضي الله عنه - فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: ((نعم))، قال: قد جعلتها للمسلمين (¬3). وقيل: كانت رومة ركيَّة ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل (¬4). الصدقة الثانية: توسعته لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بعد أن بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده في المدينة فصار المسلمون يجتمعون فيه، ليصلوا الصلوات ¬

(¬1) النسائي في كتاب الوصايا، باب وقف المساجد 6/ 235، رقم 3605، وانظر: صحيح النسائي 2/ 766، وأخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب عثمان - رضي الله عنه -، 5/ 627 رقم 3699، وانظر: صحيح الترمذي، 3/ 209، وتحفة الأحوذي، 10/ 196، وفتح الباري، 7/ 54. (¬2) البخاري مع الفتح، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً، 5/ 407، رقم 2778، 7/ 52 8/ 111، وانظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 151. (¬3) ذكره ابن حجر في فتح الباري، 5/ 407 - 408، وعزاه بسنده إلى البغوي في الصحابة، وانظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 10/ 196. (¬4) انظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 10/ 190، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، 3/ 39، وفتح الباري، 5/ 408.

الصدقة الثالثة: الصدقة العظيمة الكثيرة في غزوة تبوك

الخمس، ويحضروا خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يُصدر إليهم فيها أوامره ونواهيه، ويتعلمون في المسجد أمور دينهم، وينطلقون منه إلى الغزوات ثم يعودون بعدها؛ ولذلك ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد؛ لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة))، فاشتراها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من صلب ماله (¬1) بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألف، ثم أضيفت للمسجد (¬2). ووسع على المسلمين - رضي الله عنه - وأرضاه (¬3). الصدقة الثالثة: الصدقة العظيمة الكثيرة في غزوة تبوك عندما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرحيل إلى غزوة تبوك حث الصحابة الأغنياء على البذل؛ لتجهيز جيش العسرة، الذي أعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغزو الروم، فأنفق أهل الأموال من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ على حسب طاقته وجهده. أما عثمان بن عفان فقد أنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها، فقد ثبت أنه أنفق في هذه الغزوة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، وجاء بألف دينار فنثرها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقلّبها في حجره، ويقول: ((ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم؟)) قالها مراراً (¬4). ¬

(¬1) الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب عثمان - رضي الله عنه -، 5/ 627، رقم 3703، وانظر: صحيح الترمذي، 3/ 209، وأخرجه النسائي، كتاب الوصايا، باب وقف المساجد، 6/ 235، رقم 3606. (¬2) النسائي، كتاب الوصايا، باب وقف المساجد،6/ 234،رقم3605،وانظر: صحيح النسائي،2/ 766. (¬3) انظر: فتح الباري، 5/ 408، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، 3/ 41. (¬4) الترمذي، في كتاب المناقب، باب مناقب عثمان - رضي الله عنه -، 5/ 626 رقم 3700، والحاكم – واللفظ له – وصححه ووافقه الذهبي، 3/ 102، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 54، 5/ 408، 8/ 111، وسيرة ابن هشام، 4/ 172، والبداية والنهاية، 5/ 4، 7/ 201، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 151، وحياة الصحابة، 2/ 264، 265، وانظر: صحيح الترمذي، 3/ 208، 210، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/ 223، 2/ 353.

3 - حكم الصدقة بجميع المال

وهذه نفقة عظيمة جداً تدل على صدق عثمان وقوة إيمانه، ورغبته فيما عند الله تعالى وإيثار الآخرة على الدنيا، فرضي الله عنه وأرضاه، فقد حصل على الثواب العظيم والجزاء الذي ليس بعده جزاء: ((من جهز جيش العسرة فله الجنة)) (¬1). 3 - حكم الصدقة بجميع المال (¬2). 4 - حكم صدقة المرأة من مالها دون إذن زوجها (¬3). الثامن عشر: وصول ثواب الصدقات عن الأموات إليهم لما يأتي: 1 - ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة، فإن لوالديه مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله - عز وجل - يقول: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (¬4). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه)) (¬5). 2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رجلاً قال: إن أمي افتلتت (¬6) نفسها ¬

(¬1) البخاري مع الفتح، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً، 5/ 407، رقم 2778، وتقدم تخريجه، وانظر: البداية والنهاية، 7/ 201. (¬2) انظر: ص 310، وص 313، وص 316 من هذا الكتاب. (¬3) انظر: سنن أبي داود، برقم 3547، والنسائي، 5/ 65 - 66، وابن ماجه، برقم 2388، والحاكم، 2/ 47، وانظر تحقيق المسألة في: حاشية العلامة عبد العزيز ابن باز على بلوغ المرام، ص 521 على الحديث رقم 834، وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام، لعبد الله البسام، 4/ 99 - 100، الحديث رقم 745، وانظر: ص 313، 316 من كتابي هذا. (¬4) سورة النجم، الآية: 39. (¬5) أخرجه أبو داود، كتاب البيوع والإجارات، باب في الرجل يأكل من مال ولده برقم 3528، والترمذي، كتاب الأحكام، باب الوالد يأخذ من مال ولده، برقم 1358،والنسائي، كتاب البيوع، باب الحث على الكسب، برقم 4454، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب، برقم 2137، والحاكم، 2/ 46، والطيالسي، 1580، وأحمد، 6/ 41، 126، 162، 173، 193، 201، 202، 220 وقال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين))،ووافقه الذهبي! وقال الألباني رحمه الله: وهو خطأ من وجوه لا يتسع المجال لبيانها، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو: رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، 2/ 179، 204، 214 بسند حسن. (¬6) بضم المثناة وكسر اللام، أي سلبت، على ما لم يسم فاعله، أي ماتت فجأة.

3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن سعد بن عبادة - أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها

[ولم تُوصِ]، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدقتُ عنها [ولي أجر]؟ قال: ((نعم))، [فتصدَّق عنها])) (¬1). 3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن سعد بن عبادة - أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف (¬2) صدقةٌ عليها)) (¬3). 4 - عن سعد بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله: إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: ((نعم)) قلت: فأي صدقة أفضل؟ قال: ((سقي الماء)) فتلك سقاية سعد بالمدينة (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب موت الفجأة البغتة، برقم 1388، ومسلم، كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه، برقم 1004، وأبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يُتصدق عنه، برقم 2881، والنسائي، كتاب الوصايا، باب إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه، برقم 3679، وابن ماجه، كتاب الوصايا، باب الدَّين قبل الوصية، برقم 2717، والبيهقي، 4/ 62، 6/ 277 - 278، وأحمد، 6/ 51. قال الألباني رحمه الله: والسياق للبخاري في إحدى روايتيه، والزيادة الأخيرة له في الرواية الأخرى، وابن ماجه، وله الزيادة الثانية، ولمسلم الأولى. (¬2) أي المثمر، سمي بذلك لما يخرف منه أي يجنى من الثمرة. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب إذا قال: أرضي أو بستاني صدقة لله عن أمي ... برقم 2756، وأبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه برقم 2882، والنسائي كتاب الوصايا، باب فضل الصدقة على الميت برقم 3685، والترمذي، كتاب الزكاة، باب الصدقة على الميت، برقم 669، والبيهقي، 6/ 278، وأحمد، 3080 - 3505 - 3508 والسياق له. (¬4) أخرجه النسائي، كتاب الوصايا، باب ذكر الاختلاف على سفيان، برقم 3663، 3664، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في فضل سقي الماء، برقم 1681، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب صدقة الماء، برقم 3684، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 560 - 561، وأخرجه أحمد، 5/ 285.

5 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن ابي مات

5 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي مات وترك مالاً ولم يُوصِ فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: ((نعم)) (¬1) (¬2). التاسع عشر: القناعة والعفة: 1 - مفهوم القناعة: هي الرضا بما قسم الله تعالى وراحة القلب بذلك (¬3). 2 - مدح القناعة والعفة جاء في ذلك أحاديث منها ما يأتي: الحديث الأول: حديث عبد الله بن محصن الخطمي عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصبح منكم آمناً في سربه (¬4) معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما أحيزت (¬5) له الدنيا)) [بحذافيرها (¬6)] (¬7). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت، برقم 1630، والنسائي كتاب الوصايا، باب فضل الصدقة على الميت، برقم 3650، والبيهقي، 6/ 278، وأحمد، 2/ 371. (¬2) وقد ذكرت في وصول الثواب والقرب المهداة إلى أموات المسلمين أكثر من خمسة وعشرين دليلاً في آخر صلاة الجنائز من كتاب صلاة المؤمن وقد أفردتها في رسالة مستقلة بعنوان: ثواب القرب المهداة إلى أموات المسلمين. (¬3) انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 4/ 115، والتعريفات للجرجاني، ص 228، الحديث، 10/ 136. (¬4) آمناً في سربه: أي في نفسه, وقيل: في أهله وعياله، وقيل: في مسلكه وطريقه، وقيل: في بيته. واختار ابن الأثير الأول ((في نفسه)) جامع الأصول لابن الأثير، 10/ 136، وتحفة الأحوذي للمبارك فوري، 7/ 11. (¬5) حيزت: جمعت. الترمذي، برقم 2346. (¬6) ((حذافيرها)) لم أجد هذه الجملة في الأصول التي رجعت إليها، ولكن زادها ابن الأثير في جامع الأصول، وذكر المباركفوري في التحفة، 7/ 11، أنها في المشكاة، ومعنى حذافير: عالي الشيء ونواحيه، يقال: أعطاه الدنيا بحذافيرها: أي بأسرها، الواحد حذفار جامع الأصول،10/ 136. (¬7) الترمذي، كتاب الزهد، باب: حدثنا عمرو بن مالك، برقم 2346، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب القناعة، برقم 4141، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 543، وفي صحيح الأدب المفرد، برقم 300.

الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه)) (¬1). الحديث الثالث: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ((ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله، ومن يتصبَّر يصبره الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)) (¬2). الحديث الرابع: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو أنكم كنتم توكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً (¬3)، وتروح بطاناً (¬4)) (¬5). الحديث الخامس: حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رجل يا رسول الله! أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: ((اعقلها وتوكل)) (¬6). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، برقم 1054. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، برقم 1469، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل التعفف، برقم 1053. (¬3) الخماص: الجياع الخاليات البطون من الغذاء. جامع الأصول، 10/ 140. (¬4) البطان: الشباع الممتلئات البطون، جامع الأصول، 10/ 140. (¬5) الترمذي: كتاب الزهد، باب في التوكل على الله، برقم 2344، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوكل واليقين، برقم 4164، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 274. (¬6) الترمذي، كتاب القيامة، بابٌ: حدثنا عمرو بن علي، برقم 257، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 610.

3 - غنى النفس

قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬1). وقال - عز وجل -: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (¬2). 3 - غنى النفس؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس الغنى عن كثرة العَرَض (¬3)، ولكن الغنى غنى النفس)) (¬4). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان)). وفي رواية: ((الأكلةُ والأكلتان (¬5) والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه [ويستحي، أو] لا يقوم فيسأل الناس [إلحافاً] وفي لفظ: ((إنما المسكين الذي يتعفف))، واقرَؤُا إن شئتم: يعني قوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (¬6) (¬7). 4 - الرضى بالقليل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم, ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 23. (¬2) سورة الطلاق، الآية: 3. (¬3) العرض: ما يتموَّله الإنسان ويقتنيه من المال وغيره، جامع الأصول، 10/ 141. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، برقم 6446، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض، برقم 1051. (¬5) الأكلة بضم الهمزة: اللقمة - وبالفتح - المرة الواحدة من الأكل. جامع الأصول، 10/ 142. (¬6) إلحافاً: الإلحاف في المسألة: الإلحاح والإكثار منها: جامع الأصول، 10/ 142. (¬7) متفق عليه: البخاري، برقم 1476، 1479، 4539، ومسلم، برقم 1039، وتقدم تخريجه في مصارف الزكاة، مصرف المساكين.

العشرون: أنواع المسألة: الجائزة والممنوعة

أن لا تزدروا (¬1) نعمة الله عليكم)). وفي لفظ: ((إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلْقِ، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فُضِّل عليه)) (¬2). العشرون: أنواع المسألة: الجائزة والممنوعة: على النحو الآتي: 1 - المسألة المذمومة وردت في أحاديث منها: الحديث الأول: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعة لحم)) (¬3). الحديث الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً، فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو يستكثر)) (¬4). الحديث الثالث: حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المسألة كدٌّ يكدُّ بها الرجل وجهه, إلا أن يسأل الرجل سُلطاناً، أو في أمر لا بد منه)) (¬5). ولفظ أبي داود والنسائي: ((المسائل كدوح (¬6) (¬7) يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك، إلا أن ¬

(¬1) تزدروا: الازدراء: الاحتقار، والعيب والانتقاص. جامع الأصول لابن الأثير، 10/ 143. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، بابٌ: لينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه، برقم 6490، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2963. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثراً، برقم 1474، 4718، ومسلم، كتاب الزكاة، باب كراهية المسألة للناس، برقم 1040. (¬4) مسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة، برقم 1041. (¬5) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في النهي عن المسألة، برقم 681. (¬6) كدوح: الخموش. جامع الأصول، 10/ 145. (¬7) وأما ((كدٌّ)) فهو السعي والتعب في طلب الرزق، والكدُّ: الخدش. جامع الأصول، 10/ 145.

يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بُدًّا)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على أن مسائل السلطان لا بأس بها؛ لأنه ولي بيت مال المسلمين، ولكن التعفف أفضل: ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله)) (¬2). الحديث الرابع: حديث الزبير بن العوام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) (¬3). الحديث الخامس: حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيم إنَّ هذا خَضِرَةٌ (¬4) حُلوةٌ فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، اليدُ العليا خير من اليد السفلى)) فقال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ (¬5) أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيماً إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئاً فقال ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، برقم 1639، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في النهي عن المسألة برقم 681، والنسائي كتاب الزكاة، باب مسألة الرجل ذا سلطان، برقم 2599، وصححه الترمذي، والألباني في صحيح الترمذي، 1/ 367 وغيره. (¬2) سمعته منه أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2599. (¬3) البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، برقم 1471، ورقم 2075، ورقم 2353، وأخرج البخاري، برقم 1470، ومسلم، برقم 1042 نحوه، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬4) خضرة: الخضر: الناعم الطري، والمراد به: أن المال محبوب إلى الناس. جامع الأصول، 10/ 149. (¬5) أرزأ: لا آخذ منه شيئاً، والإرزاء النقص. جامع الأصول، 10/ 150.

[عمر]: إني أشهدكم معشر المسلمين على حكيمٍ أني أعرض عليه حقهُ من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيمٌ أحداً من الناس بعد رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] حتى توفي)) (¬1). الحديث السادس: حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تسعة أو ثمانية، أو سبعة فقال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) -وكنا حديثَ عهدٍ ببيعة - قلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ((ألا تبايعون رسول الله؟)) قال: فبسطنا أيدينا, وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلامَ نبايعك؟ قال: ((على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً, والصلوات الخمس، [وتسمعوا] وتطيعوا)) وأسر كلمة خفية، ((ولا تسألوا الناس شيئاً)) , فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً [أن] يناوله إيَّاه)) (¬2). الحديث السابع: حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفَّلُ له بالجنة؟)) فقال ثوبان: أنا؛ فكان لا يسأل أحداً شيئاً)) (¬3). الحديث الثامن: حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسدّ فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له ¬

(¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، برقم 1472، ورقم 2750، 3143، 6441، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، برقم 1035. (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، برقم 1043، وما بين المعقوفين من سنن أبي داود، برقم 1642. (¬3) أبو داود، كتاب الزكاة، باب كراهية المسألة، برقم 1643، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 457.

2 - المسألة الجائزة وردت في أحاديث منها

بالغنى، إما بموت عاجل، أو غنى عاجل)) (¬1). 2 - المسألة الجائزة وردت في أحاديث منها: الحديث الأول: حديث قبيصة بن مخارق الهلالي - رضي الله عنه - قال: تحملتُ حمالة (¬2)، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)) ثم قال: ((يا قبيصة إن المسألة لا تحلُّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالةً فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً (¬3) من عيش - أو قال - سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة (¬4) حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا (¬5) من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة, فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال - سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً (¬6) يأكلها صاحبها سحتاً)) (¬7). الحديث الثاني: حديث سمرة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... إلا أن يسأل الرجل ذا سلطانٍ، أو في أمر لا يجد منه بُدًّا)) (¬8). ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في الاستعفاف، برقم 1645، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 458. (¬2) حمالة: الحمالة: المال الذي يتحمله الإنسان: أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين: كالإصلاح بين قبيلتين، ونحو ذلك، شرح النووي، 7/ 139، وجامع الأصول، 10/ 155. (¬3) قواماً: القِوام والسداد بمعنى واحد: ما يغني من الشيء وما يقوم به أمر الإنسان من ماء، وما تسدُّ به الحاجة، شرح النووي، 7/ 139، وجامع الأصول، 10/ 156. (¬4) فاقة: الفقر، شرح النووي، 7/ 140، وجامع الأصول، 10/ 156. (¬5) الحجا: العقل، شرح النووي، 7/ 139، وجامع الأصول، 10/ 156. (¬6) السحت: الحرام، سمي بذلك لأنه يسحت البركة ويذيبها، أو لأنه يهلك آكله. جامع الأصول، 10/ 156. (¬7) مسلم، كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، برقم 1044. (¬8) أبو داود، برقم 1642، والترمذي، برقم 681، وتقدم تخريجه تحت الحديث الثالث من أنواع المسألة المذمومة.

3 - لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

3 - لا يسأل بوجه الله إلا الجنة؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سُئل بوجه الله ثم منع سائله، ما لم يسأل هجراً (¬1))) (¬2). وعن رفاعة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سُئل بوجه الله فمنع سائله)) (¬3). وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه)) (¬4). وفي حديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه -: ((وإني أسألك بوجه الله - عز وجل - بما بعثك ربك إلينا؟ قال: ((بالإسلام)) الحديث (¬5). ¬

(¬1) هجراً: أي ما لم يسأل أمراً قبيحاً، ولا يليق، ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالاً قبيحاً بكلام قبيح. المنذري في الترغيب والترهيب، 1/ 652. (¬2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/ 103: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن على ضعف في بعضه مع توثيق. وقال المنذري في الترغيب والترهيب، 1/ 652: ((رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا شيخه يحيى بن عثمان بن صلاح وهو ثقة، وفيه كلام)). قال الألباني في الصحيحة وفي صحيح الترغيب والترهيب: ((لكنه قد توبع كما بينته في الصحيحة)) 2290. والحديث قال الألباني عنه في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 513: ((حسن)). (¬3) أخرجه الطبراني في الكبير، 22/ 377، برقم 943، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 513: ((حسن لغيره)). (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله؛ برقم 1672، والنسائي، كتاب الزكاة، باب من سأل بالله - عز وجل -، برقم 2567، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 217. (¬5) النسائي، كتاب الزكاة، باب من سأل بوجه الله - عز وجل -، برقم 2568، وحسنه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 218، وفي إرواء الغليل، 5/ 32.

4 - قبول العطاء من غير مسألة

وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا لا بأس به، والسؤال بوجه الله لا يُسأل به إلا الجنة، أو ما يقرب إليها، وهذا مما يقرب إليها)) (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله - عز وجل - حتى يموت أو يقتل، وأخبركم بالذي يليه؟)) قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس، وأخبركم بشر الناس؟)) قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((الذي يُسأل بالله - عز وجل - ولا يُعطي به)) (¬2). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يذكر أن هذا فيمن سأل حقاً له؛ كأن يقول: أسألك بالله أن تقضيني ديني الذي عندك، أو يقول: أسألك بالله أن لا تؤذيني، أو غير ذلك، أما من سأل بالله بغير حق فلا تجب إجابته, كأن يقول: أسألك بالله أن تعطيني أموالك، أو غير ذلك فيما لا حق له فيه. 4 - قبول العطاء من غير مسألة ولا إشراف؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه منِّي، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف (¬3) ولا سائل، ¬

(¬1) سمعته منه أثناء تقريره على سنن النسائي، برقم 2568. (¬2) النسائي، كتاب الزكاة، باب من يسأل بالله - عز وجل - ولا يعطى به، برقم 2568، والترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء أي الناس خير، برقم 1652، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 218، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 235، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم 255. (¬3) مشرف: الإشرافُ على الشيء: الاطلاع عليه، والتعرض له، والمراد: وأنت غير طامع فيه، ولا طالب له. جامع الأصول، 10/ 162.

الحادي والعشرون: الزهد والورع:

فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك)) وفي لفظ: ((خذه فتموَّله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا (¬1) فلا تتبعه نفسك)) قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يردُّ شيئاً أُعطيه)) (¬2). الحادي والعشرون: الزهد والورع: الورع: هو الكف عما لا ينبغي، ثم استعير للكف عن المباح والحلال (¬3). ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: ترك ما يُخاف ضرره في الآخرة (¬4). قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ((وهذه العبارة من أحسن ما قيل: في الزهد، والورع، وأجمعها)) (¬5). وقال الإمام أحمد رحمه الله: ((الزهد على ثلاثة أوجه: ¬

(¬1) ما لا: أي ما لا يكون على هذه الصفة، بل تكون نفسك تؤثره وتميل إليه، فلا تتبعه نفسك، واتركه، فحذف هذه الجملة؛ لدلالة الحال عليها. جامع الأصول لابن الأثير، 10/ 163. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب من أعطاه الله شيئاً من غير مسألة ولا إشراف نفس، برقم 1473، ورقم 7163، 7164، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إباحة الأخذ لمن أُعطيَ من غير مسألة ولا إشراف، برقم 1045. (¬3) الفائق في غريب الحديث للزمخشري، 4/ 56، والنهاية لابن الأثير، 5/ 174. (¬4) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 10/ 511، 561 20/ 142، ومدارج السالكين لابن القيم، 2/ 10. (¬5) مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 10.

الأول: ترك الحرام، وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص. الثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين (¬1))). ولا يُعلِّقُ المؤمن قلبه بالدنيا؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: ((ومعناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا: من الشهوات المحرمة، والمكروهة، مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له، من النعيم الدائم، والراحة الخاصة، من النقصان، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته، وتكديره بالمنغصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم، وشقاء الأبد)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره)) (¬4). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((تُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما في رفي من شيء يأكله ذو كبدٍ إلا شطر شعير (¬5) في رفٍّ لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ، ¬

(¬1) مدارج السالكين، لابن القيم، 2/ 12. (¬2) مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، برقم 2956. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 18/ 305. (¬4) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل الضعفاء، برقم 2622. (¬5) شطر شعير: شيء من شعير. جامع الأصول، 4/ 688.

الأدلة من الكتاب الكريم العزيز

فكلته، ففني)) (¬1). وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: ((ألستم في طعام وشراب ما شئتم، لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما يجد من الدَّقل (¬2) ما يملأ به بطنه)) (¬3). وفي لفظ عن عمر: ((لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلاً يملأ به بطنه)) (¬4). وينبغي للعبد المسلم أن يعلم بأن الدنيا فانية وزائلة, وكل ما فيها يتغير ويزول؛ لأنها إلى الآخرة طريق، وهي مزرعة للآخرة على التحقيق، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة على النحو الآتي: أما الأدلة من الكتاب الكريم العزيز: 1 - فقال الله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ*وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (¬5). 2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن، برقم 2973. (¬2) الدَّقل: تمر رديء، شرح النووي على صحيح مسلم، 18/ 321. (¬3) مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن، برقم 2977. (¬4) مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن، برقم 2978. (¬5) سورة الزخرف, الآيات: 33 - 35.

نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1). 3 - وقال - عز وجل -: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (¬2). 4 - وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (¬3). 5 - وقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (¬4). 6 - وقال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (¬5). 7 - وقال الله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (¬6). 8 - وقال سبحانه: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (¬7). ¬

(¬1) سورة يونس, الآية: 24. (¬2) سورة الكهف، الآية: 45. (¬3) سورة القصص, الآية: 60. (¬4) سورة القصص, الآية: 83. (¬5) سورة القصص, الآية: 88. (¬6) سورة الشورى, الآية: 36. (¬7) سورة الأنعام, الآية: 32.

الأدلة من السنة المطهرة

9 - وقال الله - عز وجل -: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (¬1). 10 - وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬2). 11 - وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (¬3). 12 - وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} (¬4). وأما الأدلة من السنة المطهرة، فقد زهَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس في الدنيا، ورغَّبهم في الآخرة، بفعله وقوله - صلى الله عليه وسلم -. 1 - أما فعله فمنه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يشبع من خبز الشعير)) (¬5). ¬

(¬1) سورة العنكبوت، الآية: 64. (¬2) سورة الحديد، الآية: 20. (¬3) سورة الرحمن، الآيتان: 26 - 27. (¬4) سورة غافر, الآية: 39. (¬5) البخاري، كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يأكلون، برقم 5414.

2 - وقالت: ((ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر)) (¬1). 3 - وقالت: ((إنا كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلَّة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار، فقال عروة: ما كان يقيتكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء)) (¬2). 4 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كان لي مثل أُحد ذهباً ما يسرني أن لا يمر عليَّ ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصُدُهُ لدَيْن)) (¬3). 5 - وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اضطجع على حصير فأثَّر في جنبه، فدخل عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ولما استيقظ جعل يمسح جنبه فقال: يا رسول الله لو أخذت فراشاً أوثر من هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها)) (¬4). 6 - وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: ((ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض)) (¬5). والمقصود أنهم لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية، والظاهر أن سبب عدم شبعهم غالباً كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم قد ¬

(¬1) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6455. (¬2) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، برقم 6459. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الاستقراض وأداء الديون، والحجر والتفليس، باب أداء الديون، برقم 2389، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، برقم 991. (¬4) أحمد في المسند، 1/ 301 بلفظه، والترمذي بنحوه، في كتاب الزهد، باب 44، برقم 1377، وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4109، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 280، وصحيح ابن ماجه، 2/ 394. (¬5) البخاري، كتاب الأطعمة، باب قول الله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} الآية، برقم 5374.

يجدون, ولكن يؤثرون على أنفسهم (¬1). 7 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدَم وحشوُهُ ليف)) (¬2). 8 - ومع هذا كله يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)) (¬3). 9 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافاً, وقنَّعَه الله بما آتاه)) (¬4). وأما قوله في التزْهِيد في الدنيا والتحْذِير من الاغترار بها، فكثير، ومنه: 10 - دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - السوق يوماً فمرَّ بجدي صغير الأذنين ميت، فأخذه بأذنه ثم قال: ((أيّكم يُحِبُّ أن هذا له بدرهم؟)) قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: ((أتحبون أنه لكم؟)) قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيباً فيه؛ لأنه أسكٌّ (¬5) فكيف وهو ميت؟ فقال: ((فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)) (¬6). 11 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه ¬

(¬1) انظر: فتح الباري لابن حجر، 9/ 517، 549. (¬2) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6456. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6460، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، واللفظ له، برقم 1055. (¬4) مسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، برقم 1054. (¬5) الأسك: مصطلم الأذنين مقطوعهما. (¬6) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2957.

أول من يدخل الجنة:

شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له)) (¬1). 12 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أحب دنياه أضرَّ بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى)) (¬2). 13 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين، ليُبلِّغ الشاهد الغائب، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((حلاوة الدنيا مرةُ الآخرة، ومرةُ الدنيا حلاوة الآخرة)) (¬3). 14 - أوَّلُ من يدخل الجنة: الأتقى الأزهد في الدنيا: على المسلم أن يعلم أن الداخلين إلى الجنة يكون أسبقهم إليها دخولاً أتقاهم لله تعالى، وأعلمهم به - عز وجل -، وأزهدهم في الدنيا على النحو الآتي: 1 - أوَّلُ من يدخل الجنة: محمد - صلى الله عليه وسلم -. عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أُمِرتُ لا أفتحُ لأحدٍ قبلك)) (¬4). ¬

(¬1) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا سويد، برقم 2465، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 593، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 949 - 950. (¬2) أحمد، 4/ 412، وابن حبان، رقم 709، والحاكم، 4/ 319، قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، برقم 4744: ((رواه أحمد ورواته ثقات)). وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب على الحديث رقم 3247: ((صحيح لغيره)) وذكر له شاهداً في الأحاديث الصحيحة، برقم 3287. (¬3) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/ 310، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3248. (¬4) مسلم، كتاب الإيمان، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أول من يشفع في الجنة، وأكثر الأنبياء تبعاً))، 1/ 188، برقم 197.

2 - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)) (¬1). 2 - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنهم أُوتوا الكتاب من قبلنا وأُوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه، هدانا الله له (قال: يوم الجمعة) فاليوم لنا، وغداً لليهود، وبعد غد للنصارى)) (¬2). 3 - الفقراء: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام: نصف يوم)) (¬3). وفي لفظ للترمذي: ((يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام)) (¬4). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يدخل فقراء المسلمين قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً)) (¬5). ¬

(¬1) مسلم, كتاب الإيمان، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أول من يشفع في الجنة، وأكثر الأنبياء تبعاً))، 1/ 188، برقم 196. (¬2) مسلم، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة 2/ 585، برقم 855. (¬3) أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، برقم 2353، وابن ماجه, كتاب الزهد، باب منزلة الفقراء، برقم 4122، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 275، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 396. (¬4) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، برقم 2354، وانظر: الحديث السابق. (¬5) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، برقم 2355، وانظر: صحيح الترمذي، 2/ 275، وانظر: تحفة الأحوذي، 7/ 18 - 23.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً)) (¬1). والجمع بين الحديثين والله أعلم: أن الفقراء منهم من يسبق الأغنياء بخمسمائة عام، ومنهم من يسبق بأربعين عاماً، بحسب أحوال الفقراء والأغنياء, كما يتأخر مكث العصاة الموحدين بسبب أحوالهم. ولا يلزم من سبق الفقراء في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم؛ بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة وإن سبقه غيره في الدخول، فالغني إذا حوسب على غناه فوُجِدَ قد شكر الله تعالى فيه، وتقرب إليه بأنواع البر، والخير، والصدقة، والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول، ولم يكن له تلك الأعمال، ولاسيما إذا شاركه الغني في أعماله وزاد عليه فيها، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. فالمزية مزيتان: السبق، والرفعة، وقد يجتمعان وينفردان، فيحصل لواحد السبق والرفعة، ويعدمهما آخر، ويحصل لآخر السبق دون الرفعة، ولآخر الرفعة دون السبق، وهذا بحسب المقتضى للأمرين أو لأحدهما وعدمه وبالله التوفيق (¬2). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، 4/ 2285، برقم 2979. (¬2) انظر: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح للإمام ابن القيم، ص 134.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع 1 - أبحاث هيئة كبار العلماء، إعداد الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، الطبعة الثالثة، 1426هـ، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء. 2 - إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، لعبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، اعتنى به أبو أنس علي بن حسين أبو لوز، الطبعة الأولى 1422، دار الوطن. 3 - الإجماع، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق الدكتور أبي حماد صغير أحمد، الطبعة الثانية، 1420هـ، مكتبة الفرقان، عجمان، ومكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة. 4 - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد، ت 702هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى، 1407هـ، عالم الكتب بيروت. 5 - أحكام القرآن، أبو بكر بن علي الرازي الجصاص (ت 370 هـ)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، طبعة 1335هـ. 6 - الإحكام شرح أصول الأحكام، لعبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى، 1406هـ، توزيع ونشر ورثة المؤلف. 7 - الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، بتصحيح وتعليق الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الأولى 1418هـ، دار العاصمة بالرياض المملكة العربية السعودية. 8 - الأدب المفرد، للإمام أبي عبد الله محمد إسماعيل البخاري، تحقيق محمود فؤاد عبدالباقي، الطبعة الثالثة 1409هـ، دار البشائر الإسلامية. 9 - إرشاد أولي الأبصار والألباب إلى نيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق محمد أشرف عبد المقصود، الطبعة الأولى 1420هـ، مكتبة أضواء السلف. 10 - الإرشادات إلى جمل من حكم وأحكام الزكاة, للشيخ عبد الله بن صالح القصير، الطبعة عام 1413هـ، دار العاصمة، الرياض، المملكة العربية السعودية. 11 - إرواء الغليل، محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1399هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 12 - الإصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ط بدون تاريخ، دار صادر.

13 - أضواء البيان، للشنقيطي ت 1393هـ، الطبعة الأولى 1403هـ، توزيع الرياسة العلمية لإدارة البحوث العلمية والإفتاء. 14 - الإفصاح عن معاني الصحاح، للوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة المتوفى سنة (560) هـ، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ. 15 - الإقناع لطالب الانتفاع، لموسى ابن أحمد الحجَّاوي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبدالمحسن التركي، الطبعة الأولى 1418هـ للطباعة والتوزيع. 16 - الأم، للشافعي؛ محمد بن إدريس (ت 204هـ). تحقيق: إحسان عبد المنان، ط1، د. م، الناشر: بيت الأفكار الدولية. 17 - الأموال، للإمام الحافظ الحجة أبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق وتعليق محمد خليل هراس، 1401هـ- 1981م، منشورات مكتبة الكليات الأزهرية، ودار الفكر، القاهرة، الطبعة الثالثة. 18 - الأموال، لابن زنجويه، 19 - الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، لعلي بن سليمان المرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبدالمحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 20 - بداية العابد وكفاية الزاهد, مع شرحه: بلوغ القاصد جل المقاصد, كلاهما للعلامة عبدالرحمن بن عبد الله البعلي رحمه الله 1110 - 1192هـ، تحقيق محمد بن ناصر العجمي، دار البشائر الإسلامية. 21 - بداية المجتهد، لمحمد ابن أحمد بن رشد، ت 595هـ، دار الفكر. 22 - البداية والنهاية، للحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير، ت: 747هـ، تحقيق الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي، مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر. 23 - بلوغ المرام، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني مع حاشية سماحه الشيخ ابن باز رحمه الله، مراجعة عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، الطبعة الثانية، دار الامتياز للنشر. 24 - التاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، الطبعة الرابعة 1405هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.

25 - تاريخ الخلفاء، للإمام جلال الدين بن عيد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت 911هـ، بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. 26 - تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، إشراف ومراجعة عبد الوهاب بن عبداللطيف، نشر مكتبه ابن تيمية، القاهرة. 27 - تخريج الروض المربع، للدكتور عبد الله الغصن ومجموعة من طلاب العلم، الطبعة الثانية عام 1422هـ، دار الوطن للنشر، الرياض، المملكة العربية السعودية. 28 - الترغيب والترهيب، للإمام عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، ت 656 تحقيق محيي الدين ديب مستو، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، دمشق بيروت. 29 - التعريفات، لعلي بن محمد بن علي الجرجاني ت 816، تحقيق الدكتور عبدالرحمن عميرة، عالم الكتب. 30 - التعليق المغني على سنن الدارقطني، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ت 1386هـ، نشر عبد الله هاشم يماني، المدينة، المملكة العربية السعودية. 31 - تفسير البغوي، للإمام الحسين بن مسعود البغوي الشافعي، ت516هـ، تحقيق خالد بن عبد الرحمن ومروان سوار، الطبعة الأولى، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 32 - تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، الطبعة الأولى ت 1376هـ، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة. 33 - تفسير القرآن العظيم، للإمام إسماعيل بن عمر بن كثير ت 747هـ، الطبعة الأولى 1419هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 34 - التفسير الكبير، أو مفاتيح الغيب، للإمام: فخر الدين محمد بن عمر الرازي الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط1، 1421هـ ـ2000م. 35 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، 773هـ، توزيع رياسة إدارات البحوث العلمية. 36 - التمهيد، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي ابن عبد البر، ت 465هـ. 37 - جامع الأصول، لابن الأثير المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت 606هـ، تحقيق عبد القادر الأرنؤوط، الطبعة الثانية 1403هـ، دار الفكر للطباعة والنشر، لبنان، بيروت.

38 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت 310هـ، تحقيق محمود محمد شاكر، توزيع دار التربية والتراث، مكة المكرمة. 39 - الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله بن أحمد الأنصاري القرطبي، الطبعة الأولى عام 1414 هـ، تحقيق الدكتور محمد بن إبراهيم الحفناوي، نشر دار الحديث، القاهرة. 40 - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، للإمام ابن القيم، تحقيق الدكتور بسام علي سلامة، الطبعة الأولى 1406هـ، دار ابن تيمية. 41 - حاشية ابن باز على بلوغ المرام، مراجعة عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، الطبعة الثانية عام 1425 هـ، دار الامتياز. 42 - حاشية ابن قاسم على الروض المربع، الطبعة الثالثة، نشر ورثة المؤلف. 43 - حاشية السندي على سنن النسائي، الطبعة الأولى سنة 1406هـ، دار البشائر الإسلامية. 44 - الحاوي الكبير، لأبي الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق: على محمد مطرجي وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ. 45 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، ت 430هـ، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان. 46 - الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، لمعالي الشيخ الدكتور عمر بن عبد العزيز المترك، تحقيق الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، الطبعة الأولى، 1414هـ، دار العاصمة. 47 - الروض المربع شرح زاد المستقنع، تحقيق عبد الله الطيار، الطبعة الثانية، 1422هـ دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 48 - الروض المربع شرح زاد المستنقع، تعليق مجموعة من طلبة العلم بإشراف عبد الله الطيار، الطبعة الثانية 1422هـ، دار الوطن، الرياض المملكة العربية السعودية. 49 - الروض المربع شرح زاد المستنقع، مع حاشية عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الثالثة 1405هـ، نشر ورثة المؤلف. 50 - زاد المعاد، في هدي خير العباد، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي، ابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، الطبعة

الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 51 - زكاة الأسهم والسندات، للشيخ صالح بن غانم السدلان، الطبعة الرابعة، 1417هـ، دار بلنسية للنشر والتوزيع. 52 - زكاة الحلي في الفقه الإسلامي، للدكتور عبد الله بن محمد أحمد الطيار، الطبعة الأولى، نشر مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية. 53 - زكاة الحلي: الذهب والفضة والمجوهرات، للدكتور محمد بن عثمان شبير، الطبعة الأولى، 1407هـ، مكتبة دار الفلاح، الكويت. 54 - زكاة عروض التجارة، أبو البراء وأبو أنس، الطبعة الأولى 2000م، دار ماجد عسيري، جدة، المملكة. 55 - الزكاة وأحكامها، لوهبي سليمان غاوجي، الطبعة الأولى، 1398هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 56 - الزكاة, للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، الطبعة الأولى 1413هـ، دار البخاري، بريده، المملكة العربية السعودية. 57 - الزهد والرقائق، لعبد الله بن المبارك ت 181هـ، تحقيق أحمد فريد، الطبعة الأولى 1415هـ، دار المعراج الدولية للنشر، الرياض، المملكة العربية السعودية. 58 - سبل السلام الموصل إلى بلوغ المرام، للإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق محمد صبحي حسن حلاق، الطبعة الأولى عام 1418هـ، دار ابن الجوزي، الدمام، المملكة العربية السعودية. 59 - السلسبيل في معرفة الدليل، للشيخ صالح البليهي، حاشية على زاد المستنقع، الطبعة الثالثة 1401هـ، الناشر بدون. 60 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 61 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي بيروت. 62 - سنن أبي داود، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية.

63 - سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 64 - سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع الرياض المملكة العربية السعودية. 65 - سنن الدارقطني، للإمام علي بن عمر الدارقطني، ت 385هـ، دار المحاسن للطباعة، القاهرة. 66 - سنن الدارمي، للإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255هـ، الطبعة 1404هـ، الباكستان. توزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 67 - السنن الكبرى، للبيهقي، أحمد بن الحسين، ت 458هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 68 - سنن النسائي، للإمام أحمد بن شعيب النسائي، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع الرياض المملكة العربية السعودية .. 69 - سيرة ابن هشام، لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 70 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين. 71 - شرح السنة، للإمام الحسين بن مسعود البغوي ت 516هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير الشاويش، الطبعة الأولى 1390هـ، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 72 - شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، تحقيق عبد الحميد هنداوي، الطبعة الأولى 1417هـ، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة. 73 - الشرح الكبير، لأبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي 682هـ، مطبوع معه الإنصاف والمقنع، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 74 - الشرح المختصر على متن زاد المستقنع، للعلامة صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان الطبعة الأولى 1424هـ، دار العاصمة، الرياض، المملكة العربية السعودية. 75 - الشرح الممتع، لابن عثيمين، الطبعة الثالثة، 1415هـ، مؤسسة آسام للنشر، المملكة العربية السعودية.

76 - شرح النووي على صحيح مسلم، مراجعة خليل الميس، دار القلم، بيروت، لبنان. 77 - شرح معاني الآثار، لأبي جعفر الطحاوي ت 321هـ، تحقيق إبراهيم شمس الدين، الطبعة الثانية 1427هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 78 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، ت 730هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية 1424هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 79 - صحيح ابن خزيمة، لمحمد بن إسحاق بن خزيمة، ت 311هـ، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، الطبعة الأولى 1391هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 80 - صحيح ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 81 - صحيح الأدب المفرد، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية 1415هـ، دار الصديق الجبيل المملكة العربية السعودية. 82 - صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت: 256هـ، الطبعة الثانية 1419هـ، مكتبة دار السلام، الرياض، المملكة العربية السعودية. 83 - صحيح الترغيب والترهيب، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1412هـ، مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية. 84 - صحيح الجامع الصغير، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب الإسلامي. 85 - صحيح سنن أبي داود، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 86 - صحيح سنن الترمذي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 87 - صحيح سنن النسائي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 88 - صحيح مسلم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت: 256هـ، الطبعة الثانية 1419هـ، مكتبة دار السلام، الرياض المملكة العربية السعودية.

89 - ضعيف الجامع الصغير، للعلامة الألباني ناصر الدين، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب الإسلامي. 90 - العلل الكبير الترمذي: شرح علل للترمذي، للدكتور نور الدين عتر، الطبعة الأولى، 1398هـ، دار الملاح للطباعة والنشر. 91 - العمدة، لابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن قدامة ت 541هـ، تخريج عبد الله بن سفر العبدلي ومحمد بن دغيليب، مكتبة الطرفين، الطائف، المملكة العربية السعودية. 92 - عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، الطبعة الثالثة 1399هـ، دار الفكر. 93 - غريب الحديث، لابن قتيبة عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى (276هـ)، تحقيق د. عبد الله الجبوري، مطبعة العاني، بغداد، الطبعة الأولى 1397هـ. 94 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع أحمد بن عبدالرزاق الدويش، الطبعة الأولى، 1419هـ، نشر إدارة البحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية. 95 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852هـ، أشرف على مقابلة نسخه المطبوعة والمخطوطة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر مكتبة الرياض الحديثة. 96 - الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، لأحمد بن عبدالرحمن البنا، دار الشهاب، القاهرة. 97 - الفروع، لمحمد بن مفلح المقدسي، ت763هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1424هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 98 - فقه الدعوة في صحيح البخاري، لسعيد بن علي بن وهف القحطاني، الطبعة الأولى 1420هـ، توزيع مؤسسة الجريسي، الرياض، المملكة العربية السعودية. 99 - فقه السنة، لسيد سابق، الطبعة الثانية1392هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 100 - الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، بدون تاريخ. 101 - القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، الطبعة الأولى، 1402هـ، دار الفكر، دمشق، سورية.

102 - القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروزأبادي، ت817هـ، الطبعة الأولى، 1406هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. 103 - القواعد، لعبد الرحمن بن رجب الحنبلي، ت 795هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 104 - الكافي، لابن قدامة: عبد الله بن أحمد بن محمد، ت 620هـ تحقيق الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي، دار هجر. 105 - الكامل في التاريخ، لابن الأثير:، علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم، ت 630هـ، الطبعة السادسة 1406هـ، دار الكتاب العربي. 106 - لسان العرب، لابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، الطبعة الأولى، 1410هـ، دار صادر، بيروت، لبنان. 107 - مجالس شهر رمضان، للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، تحقيق أشرف عبد المقصود، الطبعة الأولى 1416هـ، مكتبة أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية. 108 - مجمع البحرين في زوائد المعجمين، للحافظ نور الدين الهيثمي ت 807هـ، تحقيق عبدالقدوس محمد نذير، الطبعة الثانية 1415هـ، مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية. 109 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807هـ، الطبعة الثالثة 1402هـ، منشورات دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 110 - مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن القاسم، أشرف على طباعته المكتب السعودي بالمغرب. 111 - مجموع الفتاوى للإمام ابن باز، جمع الشويعر، الطبعة الثانية 1423هـ، توزيع مكتب الدعوة والإرشاد، الرياض. 112 - مجموع فتاوى ابن باز، جمع عبد الله الطيار، وأحمد الباز، الطبعة الأولى 1416هـ، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 113 - مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الأولى 1423هـ، جمع فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، دار الثريا للنشر. 114 - المجموع، ليحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي.

115 - المحلى بالآثار، لمحمد بن علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق أحمد شاكر، مكتبة دار التراث، القاهرة، بدون تاريخ. 116 - مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، إخراج دائرة المعارف في مكتبة لبنان، بيروت، 1985م. 117 - المختارات الجلية من المسائل الفقهية، للسعدي ت 1376هـ، المؤسسة السعيدية بالرياض، المملكة العربية السعودية. 118 - مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1410هـ، دار هجر للطباعة والنشر. 119 - مختصر الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، تحقيق محمد بن حامد فقي، دار نشر الكتب الإسلامية، الباكستان. 120 - مختصر الفقه الإسلامي، لمحمد بن إبراهيم التويجري، الطبعة الرابعة 1423هـ، بيت الأفكار الدولية. 121 - مدارج السالكين، لابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية ومكتبة ابن تيمية، القاهرة. 122 - المدونة الكبرى، للإمام مالك، توزيع مكتبة دار الباز بمكة المكرمة. 123 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للملا علي القاري، طبعة 1414هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 124 - المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 125 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، النسخة المحققة، تحقيق مجموعة من أهل العلم أشرف على التحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان. 126 - مسند الإمام أحمد، بعناية محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ودار صادر، بيوت، لبنان. 127 - مسند الإمام الشافعي، للشافعي؛ محمد بن إدريس (ت 204هـ). ترتيب: محمد عابد السندي، ط1، القاهرة، 1369هـ.

128 - مشكاة المصابيح، للتبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، طبعة المكتب الإسلامي، دمشق، طبعة 1382 هـ ـ 1962م. 129 - مشكاة المصابيح، لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثالثة 1405هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 130 - مصارف الزكاة وتمليكها، لخالد عبد الرزاق العاني، الطبعة الأولى 1999م، دار أسامة، الأردن، عمان. 131 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تأليف أحمد بن محمد بن علي الفيومي، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. 132 - مصنف ابن أبي شيبة، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 133 - مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الثانية 1403 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 134 - معالم السنن، لحمد بن محمد الخطابي (388 هـ)، المطبوع مع مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 135 - المعجم الأوسط، للطبراني، المجموع في مجمع البحرين في زوائد المعجمين، مكتبة الرشد، الرياض. 136 - المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360هـ، تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي، الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إحياء التراث. 137 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 138 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا. 139 - معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور، محمد رواس الطبعة الأولى 1416هـ، دار النفائس، بيروت، لبنان. 140 - المغني، لعبد الله أحمد بن محمد بن قدامة ت 620، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبدالمحسن التركي، هجر للطباعة، القاهرة.

141 - مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، تحقيق عدنان داوودي، الطبعة الأولى 1412هـ، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت. 142 - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، تحقيق محيي الدين ديب مستو ويوسف علي بدوي، الطبعة الأولى 1417هـ، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، بيروت، لبنان. 143 - المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1416هـ، دار الهجر. 144 - منار السبيل، تأليف إبراهيم محمد بن سالم بن ضويان، تحقيق زهير الشاويش، الطبعة الخامسة 1402هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 145 - منتهى الإرادات، لمحمد بن أحمد الفتوحي، تقي الدين ت 972هـ، مع حاشية المنتهى لعثمان أحمد سعيد النجدي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة. 146 - المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود، للسبكي، مكتبة طبريّة، بدون تاريخ. 147 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، لعلي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق محمد عبدالرزاق حمزة، دار الكتب العلمية. 148 - الموسوعة الفقهية الكويتية، الطبعة الأولى 1414هـ، مطابع دار صفوة للنشر والتوزيع، توزيع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت. 149 - الموسوعة الفقهية الميسرة، للعوائشة، الطبعة الأولى 1423هـ، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن. 150 - الموطأ، للإمام مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية. 151 - نصب الراية لأحاديث الهداية، للزيلعي، تحقيق محمد عوّامة، الطبعة الثانية 1424هـ، مؤسسة الريان، بيروت. 152 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير: أبي السعادات المبارك بن محمد، ت 606هـ، تحقيق محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي، المكتبة العلمية، بيروت. 153 - نيل الأوطار، للشوكاني، تحقيق أحمد محمد السيد ومحمود إبراهيم بزّال، الطبعة الأولى 1419هـ، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت.

§1/1