الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي

الأزهري

مقدمة

مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قال أبو منصور: محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري - رحمه الله -: الحمد لله الهادي لمن يشاء بفضله المضل لمن يشاء بعدله, الموضح لنا سبيل الرشاد الموفقنا للسداد حمدا يقتضي مزيد أفضاله ويمترى كريم إحسانه وإياه أسأل التوفيق للصواب أنه خير موفق ومعين. أما بعد: فاني لما كثر تصفحي لجوامع آيات التنزيل وما أودعها الله تعالى من البيان الذي لا يستغنى عنه عباده ثم ما درسته من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم المبينة جمل تلك الجوامع ومن آثار صحابته - رضي الله عنهم - وأخبار التابعين لهم باحسان ما ازددت به بصيرة فيما علمناه من الكتاب عطفت على النظر في المؤلفات التي صنفها فقهاء أمصار المسلمين من الحجازيين والعراقيين وغيرهم من الأئمه المتقنين وذوي البصائر المميزين فدرستها وأخذت حظى من فوائدها وألفيت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - أنار الله برهانه ولقاه رضوانه - أثقبهم بصيرة وأبرعهم بيانا وأغزرهم علما وأفصحهم لسانا وأجزلهم ألفاظا وأوسعهم خاطرا فسمعت مبسوط كتبه وأمهات أصوله من بعض مشايخنا وأقبلت على دراستها دهرا واستعنت بما استكثرته من علم اللغة على تفهمها إذ كانت الفاظه - رحمه الله - عربيه محضه ومن عجمه المولدين مصونة وقدرت تفسير ما استغرب منها فعلمت أني إن استقصيت تخريجها كثر حتى يمل قارئه فأعملت رأيي

في تفسير ما استغرب منها في الجامع الذي اختصره أبو إبراهيم إسماعيل ابن يحيى1 - رحمه الله - من جميعها وزادني رغبة فيما أردته حرص طائفة من المتفقهه على استفادتها غير أني لم أقصد بالذي تحريته المبتدئ الريض دون المرتاض الذي خرجت جوارحه وأعانه ذكاؤه على معارضة المناظرين ومحاورة المميزين بل جعلت لكل منهم فيما كشفته وبينته حظا وافيا وبيانا شافيا والله المعين ولا حول ولا قوة الا بالله عليه أتوكل واليه أنيب.

_ 1 - اسمه: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحي بن إسماعيل المصري صاحب الشافعي توفي في ربيع الأول سنة 264 هـ قال فيه الشافعي: " المزني ناصر مذهبي"؛ وكان زاهداً عابداً. انظر: "أعلام النبلاء" 12/ 492" وهامشه. وكتابه الذي يشرح الأزهري غريبه مطبوع على هامش "كتاب الأم" المطبوع بدار الشعب.

ما جاء منها في أبواب الطهارات الطهور والغسول والقرور والوضوء

ما جاء منها في أبواب الطهارات الطهور والغسول والقرور والوضوء ذكر الشافعي1 - رحمه الله - قول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} 2 وفسر الطهور على مقدار فهمه واحتاج من بعده إلى زيادة شرح من باب اللغة فيه فالطهور: جاء على مثال فعول وفعول في كلام العرب يجيء بمعاني مختلفة فمنها فعول بمعنى يفعل به مثل طهور وغسول, قرور, ووضوء فالطهور الماء الذي يتطهر به والغسول: الماء الذي يغتسل به ويغسل به الشيء والقرور: الماء الذي يتبرد به ومن هذا الباب الفطور وهو ما يفطر عليه من الطعام والنشوق وهو ما يستنشق به. وإذا كان الطهور من المياه ما يتطهر به أو يطهر به ثوب وغيره علم أنه طاهر في ذاته مطهر لغيره والطاهر الذي طهر بنفسه وان لم يطهر غير والطهور لا يكون الا طاهرا مطهرا لغيره وكذلك الوضوء هو الماء الذي يتوضأ به ويوضأ به كل متوضئ وكذلك يقال توضأت وضوءا حسنا اسم وضع موضع المصدر فأما الوضوء - بضم الواو - فإنه لا يعرف ولا يستعمل إلا في المصدر, لا في باب الوضوء بالماء وقد يقال: وضوء الإنسان يوضؤ وضاءة ووضوءا إذا حسن فهو وضيء. ونذكر بعد هذا أقسام الفعول ليستفيدها من أراد معرفتها فمنها فعول بمعنى فاعل وهو أبلغ في الوصف من فاعل كالغفور في صفة الله تعالى وهو الذي يغفر ذنوب عباده أي يسترها بعفوه مرة بعد أخرى والغافر لا يقتضى العود بعد البدء كما يقتضيه الغفور ومن صفات الله تعالى على هذا المثال الصفوح والعفو والشكور. وقد يقول: رجل صبور إذا كان ذا صبر على ما يبتلى به من البلايا،

_ 1- مختصر المزنى 1/2 – هامش الأم" 2- سورة الفرقان, الآية 48.

والصابر دون الصبور ولفظ المذكر والمؤنث في هذا الباب سواء رجل صبور وامرأة صبور بغير هاء فافهمه. ويجيء فعول بمعنى مفعول كقولهم: بعير ركوب وناقة حلوب وربما أدخلت الهاء في هذا الباب. وقد يجيء فعول اسما لا صفة كالذنوب وهو النصيب أو الدلو الكبيرة قال الله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} 1 أي نصيبا من العذاب. ويجيء فعول مصدرا وهو قليل من ذلك قولهم قبلته قبولا وأولعت به ولوعا وأوزعت به وزوعا وحكى بعضهم عن يونس النحوي: مضيت على الأمر مضوا وهو نادر قال الشافعي: - رحمه الله -: "وما عدا ذلك من ماء ورد أو شجر"2 معناه: ما جاوز ذلك والعرب تستثنى بما عدا وما خلا فتنضب بهما فاذاحذفوا منهما ما خفضوا وفتحوا كقولهم: جاءني القوم عدا زيد وعدا زيدا وخلا زيد وخلا زيداً3، كل ذلك جائز ويقال: قد عداك هذا الامر أي جاوزك يعدوك ومنه الاعتداء وهو مجاوزة الحد والقدر. قال الشافعي: - رحمه الله – "في المبسوط": "فان نحر جزورا فافتظ كرشها واعتصر منه ماء لم يكن طهورا". معنى "افتظ": أي اعتصر ماء الكرش وصفاه وسمى ذلك الماء الفظ لغلظه والعرب إذا أعوزهم الماء لشفاههم في الفلوات البعيدة التي لا ماء فيها نحروا جزورا واعتصروا ماء كرشها فشربوه وتبلغوا به وقيل لماء الكرش فظ لغلظه وخبثه ومنه يقال للرجل القاسي القلب فظ وقد فظظت يا رجل تفظ وقد قال الله تعالى عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ} 4.

_ 1- سورة الذاريات, الآية 59. 2- مختصر المزنى 1 / 3" 3- انظر: " شرح ابن عقيل على ابن مالك" 2 / 234 – 238" واللسان مادة [عدا] . 4- سورة آل عمران, الآية 159.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" 1 كل جلد عند العرب إهاب وجمعه: أهب وأهب وقد جعلت العرب جلد الإنسان إهابا قال عنتره: فشككت بالرمح الأصم إهابه ... ليس الكريم على القنا يمحرم2 أراد رجلا لقيه في الحرب فانتظم جلدته بسنان رمحه فأنفذه وهو الشك ويروى ثيابه أي بدنه وقيل قلبه. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذي يشرب في آنية الفضه انما يجرجر في بطنه نار جهنم" 3 آنية الفضه جمع إناء مثل كساء وأكسيه ومعنى قوله: يجرجر في بطنه نار جهنم: أي يلقى في بطنه نار جهنم فنصب نار بالفعل بقوله يجرجر وهذا مثل قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} 4 فنصب نارً5 بقوله: يأكلون يقال: جرجر فلان الماء في حلقه إذا جرعه جرعا متتابعا يسمع له صوت الجرجره حكاية ذلك الصوت يقال: جرجر الفحل من الابل في هديره إذا ردده في شقشقته حتى يحكى هديره: جرجرة الفحل ويقال للحلاقيم الجراجر من هذا.

_ 1- صحيح: أخرجه الشافعي في " الأم" 1 / 7" والترمذي برقم 1728" بنفس لفظ الكتاب " أيما إهاب ... " الحديث, ومن حديث ابن عباس وللحديث طرق أخرى عنه متفق عليه. 2- البيت من معلقته وهي في " ديوانه " ص 124" وشرح المعلقات السبع للزوزني ص 176 – طبعة مكتبة صبيح/ والبيت فيه تحريف وتصحيف" وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي ص 218 طبعة دار الكتب العلمية" و " شواهد المغنى " 1 / 480" واللسان مادة [شكك] وصدره في " أساس البلاغه " مادة [شكك] . ورواية صدره في المصادر السابقة: "فشككت بالرمح الأصم ثيابه". والأصم: الصلب يقول: طعنته أنقذت الرمح في جسمه وثيابه كلها لأن الرماح مولعة بالكرام لحرصهم على الأقدام. 3- متفق عليه: من حديث أم سلمة وانظرتخريجه في إرواء الغليل برقم 23" للشيخ الألباني. 4- سورة النساء, الآية 10. 5- كذا وقع بالأصل بدون ألف وهو رسم جائز انظر ما كتبه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "الرسالة" للشافعي ص 59, فقرة رقم 198", وستأتي هذه الرسمة كثيرا.

ومنه قول النابغة: "لها ميم1 يستلهونها بالجراجر2" أي يبتلعونها بالحناجر والمضبب بالفضه من الأقداح الذي قد أصابه صدع أي: شق فسويت له كتيفة عريضة من الفضه فأحكم الصدع بها والكتيفه يقال لها: الضبه وجمعها الضباب وقد ضبب فلان قدحه بضببه3، إذا لأمه بها ومن هذا قيل لطلع النخل قبل انشقاقه وتفلقه عن الاغريض الذي في جوفه ضبه وجمعها: ضباب وضبات قال الشاعر: يطفن بفحال كأن ضبابه ... بطون الموالى يوم عيد تغدت4 أراد بالفحال فحل النخل الذي يؤبر بثمره ثمر الإناث وضبابه ما أخرج من طلعه قبل انشقاقه. قال الشافعي: - رحمه الله -: "وأحب السواك عند كل حال تغير فيها الفم الاستيقاظ من النوم والأزم"5. والأزم: خفض معطوف على

_ 1- على هامش المخطوط: "اللهاميم: السادات". 2- عجز بيت وصدره كما في "الديوان": ص 66": عظام اللهي, أولاد عذرة إنهم.......................... من قصيدة يسرد فيها ما وقع بينه وبين النعمان عندما أراد أن يستولي على بني حن بن حزام من بني عذرة فنهاه النابغة عن غزوهم فلما أبى النعمان أرسل النابغة لقومه يخبربهم بغزو النعمان ويأمرهم أن يمدوا بني حن ففعلوا فهزموا غسان فقال النابغة: لقد قلت للنعمان يوم لقيته ... يريد بني حن ببرقة صادر تجنب بني حن فإن لقاءهم ... كريه وإن لم تلق إلا بصابر عظام اللهي,. . . . . . . ... . . . . . . . . . . بالحناجر ويستهلونها: يبتلعونها. 3- على هامش المخطوطة: خ" بضبة.. 4- اختلف في نسبه هذا البيت فقد نسبه ابن منظور في " اللسان" [ضبب] إلى البطين التيمى وكان وصافا للنخل. ونسبه الزمخشري في " الأساس " [ضبب] إلى سويد بن الصامت. والبيت بلا نسبة في " إصلاح المنطق " وتهذيبه 2 / 117" واللسان [فحل] والمقاييس 3 / 358" وتهذيب اللغة 11 / 476" 5- مختصر المزنى 1/4".

الاستيقاظ لأنه يدل من قوله: "كل حال" ثم قال: "الاستيقاظ ": أي عند الاستيقاظ من النوم. وأما الأزم: فهو الامساك عن الطعام والشراب ومنه قيل: للحميه: أزم وهو الامساك عن الطعام والشراب ومنه قيل لسنة الجدب والمجاعه أزمة. وقال أبو زيد1: أزم علينا الدهر: إذا اشتد أمره وقل مطره وخيره وأزمت الدابه على اللجام: إذا أمسكته بأسنانها كأنها تعضه ودابة أزوم تقبض على لجامها بأسنانها.

_ 1- هو: سعيد بن أوس بن ثابت أبو زيد الأنصاري 122 هـ - 215 هـ" كان عالما باللغة وغريبها, له كتب مطبوعة منها: كتاب النوادر طبع بتحقيق محمد عبد القادر أحمد. انظر ترجمته في: "مراتب النحويين" 43" ومقدمة النوادر.

باب النية

باب النية أصل النيه مأخوذ من قولك: نويت بلد كذا أي: عزمت بقلبي قصده ويقال للموضع الذي يقصده: نية - بتشديد الياء - ونية - بتخفيفها - وكذلك الطيه والطيه قال ابن الاعرابي وانتويت موضع كذا: أي قصدته للنجعه انتواء ويقال للبلد المنوي نوى أيضا والنوى: الفراق ويقال: نواك الله أي حفظك الله وكأن المعنى: قصدك الله بحفظه إياك, فالنية: عزم القلب على عمل من الاعمال فرض أو غيره. وقوله: "فيغرف غرفة لفيه وأنفه"1, فالغرفة: أن يغرف الماء بكفه مجموعة الأصابع مرة واحدة - هذا بفتح الغين - وأما الغرفه - بالضم - فالماء المحمول بالكف ومثله: خطوت خطوه واحده والخطوة ما بين القدمين وقول الله عز وجل: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلى الْمَرَافِقِ} 2 إلى قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَيْنِ} 2. فالمرافق واحدها: مرفق ويقال: مرفق لغتان وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: المرفق: ما جاوز إبرة الذراع التي من عندها يذرع الذراع قال والقبيح رأس العضد الذي يلي المرفق قال: وزج المرفق ما بين القبيح وبين إبرة الذراع وهو المكان الذي يرتفق عليه المتكئ إذا ألقم راحته رأسه وثنى ذراعه واتكأ عليه وهو الحد الذي ينتهي إليه في غسل اليد والكعبان هما: المنجمان وهما العظمان النائتان في منتهى الساق مع القدم وهما ناتئان عن يمنة القدم ويسرتها وامرأة درماء الكعوب إذا كان اللحم قد غطى نتوء الكعب وهذا قول الأصمعي3 وهو قول الشافعي رحمه الله. فأما معنى قوله: {إِلَى} في قوله: {إِلَى الْمَرَافِقِ} و {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فقد أخبرني المنذري عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال: "إلى" ها هنا

_ 1- مختصر المزنى 1 / 6" 2- سورة المائدة الآية 6. 3- انظر ترجمته في مقدمتي لكتاب: "الاشتقاق" له وهو قيد الطبع.

بمعنى "من"1 واحتج بقول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ} 2 أي مع أموالكم وبقوله: {مَنْ أَنْصَارِي إلى اللَّهِ} أي: مع الله. وقال الزجاج: "إلى" في هذا الموضع بمعنى مع غير متجه لما يكون تحديدا لأنه لو كان معنى الآية "اغسلوا أيديكم مع المرافق" لن يكن في المرافق فائده وكانت اليد كلها يجب أن تغسل من أطراف الأصابع الابط لانها كلها يد ولكن لما قال {إِلَى الْمَرَافِقِ} أمرنا بالغسل من حد المرافق إلى أطراف الأصابع كأنه لما ذكر اليد كلها أراد أن يحد ما يغسل مما لا يغسل فجعل حد المغسول المرافق وما وراء ذلك غير داخل في حد المرافق فالمرافق منقطعه مما لا يغسل من اليد وداخله فيما يغسل وهذا كما يقول الرجل: قطع فلان أصابع فلان من الخنصر إلى المسبحه فقد علمنا أنه أخرج المسبحه مما لم يقطع وأدخلها فيما قطع فان قال قائل: إن المرافق والكعبين غير داخله في الغسل لأن إلى نهاية واحتج بقول الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللَّيْلِ} 3 والليل غير داخل في الصيام فكذلك المرافق والكعبان غير داخله في الغسل قيل له: فرق بينهما ما قدمت ذكره وهو أن المرافق تحديد داخل في المحدود والمحدود الأيدي والليل غير داخل في محدود النهار لأن الليل غير النهار فهما مختلفان لهذا المعنى ولو أن رجلا قال: وهبت لك هذه المشجره من هذه الشجره وأشار إليها إلى أقصاها شجره لدخل ذلك كله في الهبه لدخول في محدود المشجرة قال أبو منصور: الأزهري: وهذا الذي قاله الزجاج صحيح وهو قول محمد بن يزيد المبرد.

_ 1- وله قول آخر ففي "مجالسه" 1/226" قال: "إلى المرافق". قال: هي مثل "حتى" للغاية والغاية تدخل وتخرج يقال: ضربت القوم حتى زيدا يكون زيد مضروبا وغير مضروب فيؤخذ هاهنا وبالأوثق" اهـ. وانظر: "تفسير الطبري" 1 / 298 – 299", 6 / 443, 444" طبعة المعارف. 2- سورة النساء, الآية 2. 3- سورة البقرة, الآية 187.

النزعتان والإستطابة: قال الشافعي: - رحمه الله -: "والنزعتان من الرأس"1. النزعتان: هما الموضعان اللذان ينحسر الشعر عنهما في مقاديم الرأس يقال: نزع الرجل ينزع نزعا فهو أنزع. والاستطابه: الاستنجاء بالحجارة أو بالماء يقال للرجل إذا بال أو تغوط ثم تمسح بثلاثة أحجار أو بمدر قد استطاب فهو مستطيب وأطاب فهو مطيب. قال الأعشى: يا رخما قاظ على مطلوب ... يعجل كف الخارئ المطيب2 يهجو رجلا شبهه بالرخم الذي يرفرف في السماء فإذا رأى إنسانا يتغوط انتظر قيامه من غائطه ثم نزل إلى الغائط فأكله وقوله: "قاظ على مطلوب" أي قام في القيظ وهو حمراء الصيف ومطلوب موضع. وأخبرني الأيادي عن شمر أنه قال: الاستنجاء بالحجارة مأخوذ من نجوت الشجره وأنجيتها واستنجيتها إذا قطعتها كأنه يقطع الأذى عنه بالماء أو بحجر يتمسح به قال: ويقال استنجيت العقب إذا خلصته من اللحم ونقيته منه وأنشد ابن الأعرابي: فتبارزت فتبازخت لها ... جلسة الجازر يستنجى الوتر3

_ 1- مختصر المزنى 1 / 8 – طبعة دار الشعب". 2- الشطران في "ديوانه" ص 172" من ضمن أرجوزة قالها في مدح وائل بن شرحبيل بن عمرو, وقومه. ورواية البيت الأول في الديوان: يا رخما قاظ على ينخوب والينخوب: الجبان وبرواية الكتاب في: "اللسان" [طيب] . 3- البيت لعبد الرحمن بن حسان وهو من شواهد " اللسان " مادة [بزخ, ونجا] وقبله كما في [بزا] من "اللسان": سائلا ميه هل نبهتها ... آخر الليل بعرد ذي عجر

البزا والأبزخ والأبزي: قال: تبارزت: رفعت1 مؤخرها - يعني -: امرأه تيسرت لاتيانه إياها في مأتاها فتبازخ الرجل أي تطامن فأشرف حاركه والبزا: أن يستأخر العجز ويستقدم الصدر والأبزخ الذي في ظهره تطامن قال الفراء: الأبزي الذي قد خرج صدره ودخل ظهره. وجعل القتيبى الاستنجاء مأخوذا من النجوه وهو ما ارتفع من الأرض. فكان الرجل إذا أراد قضاء حاجته تستر بنجوة ثم قالوا: ذهب يستنجي وينجو وينجى قالوا: واستنجى الرجل إذا مسح أو غسل النجو عنه وقول شمر في هذا الباب أصح من قوله2. الرمة: وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن الروث والرمة في الاستنجاء" 3. والرمة - بكسر الراء -: العظام الباليه سميت رمة رميما لأن الإبل ترمها أي: تأكلها وجمع الرمة: رمم وقيل سميت رمة لأنها ترم أي تبلى إذا قدمت وأما الرم بغير هاء فهو مخ العظام يقال: ارم العظم فهو مرم أي صار فيه رم أي مخ لسمنه، والرمة – بضم الراء – الحبلى البالى. وقوله: "ما لم يعد المخرج"4 أي: لم يجاوز مخرج الأذى من الإنسان يقال: عداك الشيء أي جاوزك وعدوى الجرب مأخوذه منه لأن الجرب عندهم يعدى أي: يصير عاديا أي مجاوزا من الجرب إلى الصحيح الذي لا جرب فيه.

_ 1- في المخطوط: "دفعت" وهو تحريف. 2- انظر "اللسان" [نجا] . أي من قول القتيبي السابق. أما قول شمر فهو: وأرى الإستنجاء في الوضوء من هذا لقطعه العذرة بالماء. 3- مختصر المزنى 1/11" والحديث عنده وسنده حسن وانظر "إرواء الغليل" 1/81 - 82 , 85". 4- مختصر المزنى 1/12".

وفي حديث آخر: "اذا استجمرت فأوتر وإذا استنشقت فانثر" 1 معنى الاستجمار: الاستنجاء بالحجاره مأخوذ من الجمار وهي: الحجاره فأوتر: أي تمسح بالوتر منها ثلاث أو خمس وقوله: "إذا استنشقت فانثر" أي: إذا أدخلت الماء في أنفك فأخرج منه ما يبس واجتمع من المخاط فيه, وقول الشافعي - رحمه الله - فيما حكى عنه المزنى في العظم2 أنه لا يجوز الاستطابه به لأن الاستطابه طهارة والعظم ليس بطاهر. يقول القائل: كيف قال: والعظم ليس بطاهر وهو عند الشافعي وغيره من الفقهاء طاهر؟ فالجواب فيه أن المزنى نقل هذا اللفظ عن كتاب الشافعي في الطهارات على المعنى لا على ما لفظ به الشافعي - رحمه الله - ولفظه ما أخبرنا به عبد الملك بن محمد البغوي عن الربيع عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال: "ولا يستنجي بعظم للخبر فيه فانه وان كان غير نجس فليس بنظيف وإنما الطهارة بنظيف طاهر". قال: "ولا أعلم شيئا في معنى العظم إلا جلد ذكي غير مدبوغ فانه ليس بنظيف وإن كان طاهرا فأما الجلد المدبوغ فنظيف طاهر فلا بأس أن يستنجى به". وهذا كله لفظ الشافعي3، وظن المزني أن معنى النظيف والطاهر واحد فأدى معنى النظيف بلفظ الطاهر وليسا عند الشافعي ولا عند أهل اللغة سواء ألا ترى أن الشافعي جعل العظم والجلد إذا كانا غير مدبوغين طاهرين ولم يجعلهما نظيفين ومعنى النظيف عنده الشيء الذي ينظف ما كان من زهومه أو رائحة غمر كزهومة لحوم الحيوان وعظامها والأطعمه السهكه "*" والاشياء الكريهة الطعم والرائحه فهذه الأشياء وإن كانت طاهره فانها ليست بنظيفه ألا ترى أن الإنسان إذا أكل مرقه

_ 1- صحيح: أخرجه الترمذي برقم 27" وابن ماجه 406" والنسائي برقم 43" وأحمد 4/313, 329, 340" وغيرهم من حديث سلمة بن قيس. والحديث مخرج في "كتاب الطهور" لأبي عبيد القاسم بن سلام بتحقيقي. 2- المرجع السابق 1/ 14" 3- انظر: "الأم" 1/ 19" "*" سهك بكسر الهاء سهكا: كانت رائحته كريهة ويقال: لحم سهك وسمك سهك.

دسمة سهكة خبثت نفسه حتى يغسل يده وفمه بما ينظفهما من أشنان1 أو تراب أو غسول طيب فاراد الشافعي أن العظم وإن كان طاهرا فإنه كان في الأصل طعاما زهما غير نظيف في نفسه ولا منظف لغيره فلا يجوز الاستنجاء به لأنه في الأصل طعام وأما الجلد المدبوغ فان الدباغ قد غيره عن حالته التي كانت عليها خلقته فأثر فيه العطن وورق الشجر الذي دبغ به تأثيرا أذهب زهومته وطعمه وأفاد نظافة في حرمه ورائحته وإذا كان الدباغ يبطل حكم ميتيته لما يستفيد من روائح ورق الشجر وغيره فانه لزهومته أشد ازاله وله أشد تنظيفا فافهمه. الإفضاء: قال الشافعي: - رحمه الله -: "والملامسه2 أن يفضي بشيء منه إلى جسدها أو تفضي إليه لا حائل بينهما". الإفضاء على وجوه: أحدها: أن يلصق بشرته ببشرتها ولا يكون بين بشرتيهما حائل من ثوب ولا غيره وهذا يوجب الوضوء عند الشافعي رحمه الله. والوجه الثاني من الافضاء: أن يولج فرجه في فرجها حتى يتماسا وهذا يوجب الغسل عليهما وهو قول الله عز وجل: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ} 3 أراد بالإفضاء الايلاج ها هنا. والوجه الثالث من الإفضاء: أن يجامع الرجل الجاريه الصغيره التي لا تحتمل الجماع فيصير مسلكاها مسلكا واحدا وهو من الفضاء وهو البلد الواسع يقال جارية مفضاه وشريم إذا كانت كذلك4.

_ 1- الأشنان: يشبه الصابون في عصرنا هذا. 2- في الأصل: "المدامسة" وهو تحريف والتصويب من "مختصر المزنى" 1 / 15" وانظر "الأم" 1/ 16 – 17". 3- سورة النساء الآية 21 وانظر "الطبرى" 6/125 - طبعة شاكر". 4- انظر "اللسان" فضا".

المني والمذي والودي: وذكر الشافعي في الأحداث الناقضة للطهارة: المنى والمذى والودى1 فالمنى: هو الماء الدافق الذي يكون منه الولد سمي منيا لأنه يمنى أي: يراق ويدفق ومن هنا سميت منى لما يمنى بها من دماء أي: يراق يعني: دماء النسك2 والمنى مشدود لا يجوز فيه التخفيف يقال منى الرجل وأمنى إذا دفق الماء. وأما المذى: فهو ماء رقيق يضرب لونه إلى البياض يخرج من رأس الاحليل بعقب شهوة والمذى يشدد ويخفف والتخفيف فيه أكثر يقال: مذى الرجل وأمذى إذا سال ذلك منه. وأما الودى - فهو بالدال غير معجمه - وهو ماء رقيق يخرج على إثر البول ولا يخرج بشهوه وهو مخفف2 يقال ودى الرجل ولم اسمع فيه أودى ويقال ودى الفرس يدى وديا إذا أدلى وقال اليزيدى: يقال ودى الفرس ليبول وأدلى ليضرب روى ذلك عنه أبو عبيد. وروى المزنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العينان وكاء السه فإذا نامت3 العينان استطلق الوكاء4" التشديد في السه على السين للادغام والهاء خفيفه ومنه قول الشاعر5:

_ 1- انظر: "مختصر المزنى" 1/22". 2- انظر: "التنبيهات على أغلاط الرواة" ص 244" لعلى بن حمزة. 3- في المخطوط: "فانت" وهو تحريف. 4- انظر: " مختصر الأم" 1/17 - للمزنى" والحديث حسن, ومن حديث على ابن أبي طالب. انظر: "الإرواء 1/148 – 149" 5- هو: أوس بن حجر. كما في "اللسان" و "ديوانه".

وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر1 نصر قبيلة من العرب فلذلك أنث فقال لهذا الرجل: أنت من أرذلهم إذا دعوا للمكارم للمساعى قال أبو عبيد: السه: حلقة الدبر قال: وأصل الوكاء الخيط الذي يشد به رأس القربه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم اليقظه للعين بمنزلة الوكاء للقربة فإذا نامت العينان استرخى ذلك الوكاء وكان منه الحدث والريح.

_ 1- عجز بيت, وصدره: شأتك قعين غثها وسمينها والبيت في "ديوانه" 38" والفرق لقطرب 61" ولثابت 1/96" واللسان [سته] . ومعنى البيت أنه في القوم - أي المهجو - بمنزلة الاست من الناس.

باب مايوجب الغسل

باب ما يوجب الغسل ذكر الحديث: "اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" 1 فسر الشافعي2 - رحمه الله - التقاء الختاني تفسيرا مقنعا وجعل معنى التقائهما تحاذيهما وان لم يتضاما وهو صحيح كما فسره والعرب تقول دار فلان تلقاء دار فلان وتراها إذا كانت تحاذيها والتقينا فتحاذينا إذا لقيك ولقيته. والختان من الرجل: الموضع الذي تقطع منه جلدة القلفه وهو من المرأة مقطع نواتها وأما تومة الذكر وهي الحشفة3، فليست من الختان وإنما يحاذى ختان الرجل ختان المرأة بعد مغيب الحشفه في فرجها وهذه كناية لطيفه عن الايلاج الا ترى أنالرجل لو الصق ختانه بختان المرأة بلا إيلاج لم يجب عليهما الغسل وهذا كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قعد بين شعبها الأربع فقد وجب عليهما الغسل" 4 وأراد بشعبها الاربع: شعبتي رجليها وشعبتي شفريها والعرب تقول للعصا إذا كان لرأسها طرفان: عصا ذات شعبين وذات شعبتين كل يقال فافهمه. الضفائر: وضفائر المرأة: ذوائبها المضفورة واحدتها ضفيرة إذا أدخل بعضها في بعض نسجا وهي الضمائر - بالميم أيضا - واحدتها ضميرة وهي الغدائر

_ 1- صحيح: وهو من حديث عائشة عند الترمذي 108" وابن ماجه برقم 608" والنسائي في "عشرة النساء" برقم 241" بلفظ: "إذا جاوز الختان ... " وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على الترمذي. 2- انظر هذا التفسير في "مختصر المزنى" 1/21". 3- في الأصل: "الخشفة" بالخاء المعجمة, وهو تصحيف والصواب بالحاء المهملة. انظر: كتب اللغة مادة [حشفة] 4- صحيح: وهو عن عائشة, عند الشافعي في "الأم" 1/31" وأحمد 6/47" والترمذي 109" بإسناد فيه ضعف. ولكن له طرق أخرى عند مسلم 349" والبيهقي 1/164" وغيرهما

أيضا، واحدتها غديره فإذا لويت فهي عقائص واحدتها عقيصه. الفرصة: وروى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمرأة الانصاريه: "خذي فرصة من مسك فتطهري بها" 1 وفي حدث آخر: "خذي فرصة فتمسكي بها". قال أبو العباس أحمد بن يحيى2: الفرصه القطعه من كل شيء يقال: فرصت الشيء إذا قطعته قال: وقوله: "تمسكي بها" فيه قولان: أحدهما: تطيبي بها من المسك ويقال هو من التمسك باليد وروي عن عائشه أنها قالت: أراد تتبعي بها أثر الدم. قال الشافعي: "وأحب المرأة أنتغلغل الماء في أصول شعرها"3. أراد بغلغلة الماء: ادخاله في خلالها وايصاله إلى بشرتها وأصله من غللت الشيء في جوف الشيء وغللت, وغللت - مخفف ومثقل - إذا أدخلته فيه ومنه يقال: انغل الرجل وسط القوم إذا دخل فيهم ومنه الغلل وهو الماء الذي يجري بين الشجر.

_ 1- متفق عليه: أخرجه البخاري 1/353 - في الحيض"، ومسلم برقم 332" وغيرهما من حديث عائشة. 2- هو المعروف بثعلب, توفي سنة 291" انظر ترجمته في مقدمة مجالسه تحقيق العلامة عبد السلام محمد هارون – رحمه الله – طبعة دار المعارف. لم أجد هذه العبارة في "مجالسه". 3- مختصر المزنى 1/25".

باب التميم

باب التميم ... باب التيمم التيمم في كلام العرب: القصد يقال: تيممت فلانا ويممته وأممته وتأممته إذا قصدته وأصله كله من الأم وهو: القصد. والصعيد في كلام العرب على وجوه: فالتراب الذى على وجه الأرض يسمى صعيدا ووجه الأرض يسمى صعيدا والطريق يسمى صعيدا وقد قال بعض الفقهاء: إن الصعيد وجه الأرض سواء كان عليه التراب أو لم يكن ويرى التيمم بوجه الصفاه الملساء جائزا وان لم يكن عليها تراب إذ يمسح بها المتيمم قال: وسمى وجه الأرض صعيدا لأنه صعد على الأرض ومذهب أكثر الفقهاء أن الصعيد في قوله عز وجل: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 1 إنه التراب الطاهر وجد على وجه الأرض أو أخرج من باطنها ومنه قوله عز وجل: {فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} 2. البطحاء: والبطحاء: من مسايل السيول المكان السهل الذى لا حصى فيه ولا حجاره وكذلك الابطح وكل موضع من مسايل الأوديه يسويه الماء ويدشه فهو الأبطح والبطحاء والبطح وذكر الشافعي - رحمه الله - قول الله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} 3 بالفاء وظاهر التنزيل يدل على أن التيمم بأي شرط شرط في الآية ولم يجد الماء سواء كان مريضا فلم يجد الماء أو كان مسافرا أو جاء من الغائط أو لمس النساء ولم يجد الماء فله التيمم. ومذهب الفقهاء أن المريض غير المسافر له التيمم وان كان

_ 1- سورة المائدة, الآية 6. 2- سورة الكهف, الآية 40. 3- مختصر المزنى 1/27 - 28" والآية من سورة المائدة 6.

واجدا للماء وان من تغوط أو لمس النساء ولم يكن مسافرا فأعوزه الماء فليس له التيمم والآية تحتاج إلى شرح يوافق اجماع الفقهاء في الامصار فقد ذهب طائفة من الخوارج وهم الاباضيه إلى أن الإنسان إذا اعوزه الماء مسافرا كان أو حاضرا مريضا كان أو صحيحا فله التيمم ووجه الآية عندي - والله اعلم - أن الحاضر إذا كان مريضا المرض الذي يخاف على نفسه التلف إن توضأ أو اغتسل أن له أن يتيممه. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قال: نزل هذا في الرجل يكون به الجدري أو القروح يخاف إن هو توضأ أو اغتسل أن يؤذيه أذى شديدا فليتيمم. فابن عباس وقد شاهد التنزيل جعل التيمم لبعض المرضى دون بعض والصحابى الذي شاهد التنزيل إذا بين أن نزول الآية كان لسبب انتهى إلى قوله: ووجه تفسيرها على تفسيره وصدق على ما بين وكان أولى بالتأويل من غيره ممن بعده فقد خرج المريض من الجملة بما وصفنا لما روى عن ابن عباس حدثنا محمد بن اسحاق السعدي حدثنا أبو زرعة عن قبيصة عن عمار بن زريق عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قال: هذا في الرجل يكون به الجدري أو القروح يخاف إن توضأ أو اغتسل أن يؤذيه أذى شديدا فليتيمم1. وحدثنا أبو عبد الله محمد بن اسحاق حدثنا الرمادي حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج: أخبرني يعلى عن سعيد بن جبير عن عباس2 في قوله تعالى: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} 3. قال عبد الرحمن بن عوف: كان جريحا قال أبو عبد الله وهو يعلى بن مسلم مكي روى عنه ابن جريج وغيره.

_ 1- صحيح: وانظر تفسير الطبري 5/64". 2- كذا في الأصل, والصواب: ابن عباس. 3- سورة النساء الآية 102.

وأما قوله عز وجل: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فإن أو في قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} بمعنى واو الحال كأنه قال أوكنتم على سفر وجاء أحد منكم من الغائط أو جامعتم ولم تجدوا الماء فتيمموا فان قال قائل: فهل جاءت أو بمعنى الواو في شيء من كلام العرب؟ قيل: نعم: اثبت لنا عن أحمد بن يحيى أنه قال: أو تكون بمعنى تخيير وتكون بمعنى حتى وتكون بمعنى اختيار وتكون بمعنى بل وتكون شكا وتكون بمعنى الواو وقال الكسائي: وتكون شرطا قال: وأنشد أبو زيد فيمن جعلها بمعنى الواو: وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها1 معناه: وعليها فجورها. قال وأنشدني سلمه عن الفراء: إن بها أكتل أو رزاما ... خويربان ينقفان الهاما2 3 قال: أراد بها اكتل ورزاما. قال الأزهري: ولا يجوز في قوله عز وجل: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} غير معنى الواو حتى يستقيم التأويل على ما أجمع عليه فقهاء الأمصار. وما علمت أن أحدا شرح من معنى هذه الآية ما شرحته فتبينه تجده كما فسرته إن شاء الله. [تنبيه] *: وذكر الشافعي - رحمه الله - الكوع في هذا الباب وهو طرف العظم الذي يلي رسغ اليد المحاذي للابهام وهما عظمان متلاصقان في الساعد،

_ 1- البيت لتوبة بن الحمير في ليلى الأخيلية كما في أمالي القالي 1/131" والأغاني 10/69" وغيرهما كثير. 2 - على هامش المخطوطة: قوله خويربان يعني السارقين يقال للذي يسل الإبل فيسرقها خارب وينقفان الهام أي يضربان الهام ويستخرجان الدماغ. 3 - الرجز من شواهد الكتاب 1/287" وشرح الشواهد للشنتمري, 1/287" وللنحاس ص 125" وهو لرجل من بني أسد. * ما بين المعقوقين من المحقق للتوضيح.

أحدهما أدق من الآخر وطرفاهما يلتقيان عند مفصل الكف فالذي يلي الخنصر يقال له: الكرسوع والذي يلي الابهام هو الكوع وهما عظما ساعد الذراع. الإعواز: وقوله: "ليس للمسافر أن يتيمم الا بعد أعواز الماء"1 واعوازه: تعذر وجوده ورجل معوز: لا شيء عنده والعوز القلة والمعوز: الثوب الخلق2 وجمعه معاوز. الضنى: وقوله: "ولا يتيمم مريض الا من به قروح أو به ضنى من مرض يخاف التلف إن مس الماء معه"3 الضنى: هو المرض المدنف الذي يلزم صاحبه الفراش ويضنيه حتى يشرف على الموت وقد ضنى يضنى ضنى ورجل ضنى ورجلان ضنى وامرأة ضنى لفظ المذكر والمؤنث والواحد والجماعة سواء لأنه في الأصل مصدر أقيم مقام الإسم والصفة كما يقال رجل عدل والمعنى رجل ذو ضنى وامرأة ذات ضنى ومثله رجل دنف ورجال دنف إذا كان مريضا أو ضعيفا ورجل حرض ورجال حرض قال الله عز وجل: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} 4 أي: مريضا مشرفا على الموت ويجوز ان يقال: رجل ضنى5، ورجلان ضنيان ورجال أضنياء.

_ 1- مختصر المزنى 1/33". 2- انظر: "الكامل" للمبرد 1/66" واللسان عوز". 3- مختصر المزنى 1/34". 4- سورة يوسف الآية 58. 5- على هامش المخطوطة: ضنى الصواب ماهو مثبوت.

الحش والجبائر والزند: قوله: "وان كان الرجل محبوسا في حش أو موضع نجس"1. الحش في الأصل: البستان من النخيل وكان الناس يتبرزون إلى حسان النخيل فقيل للمستراح حش والاصل ما أعلمتك. وقال في الكسير: "يوضع على موضع الكسر الجبائر"2. والجبائر: خشبان تسوى وتوضع على موضع الكسر وتسد عليه حتى ينجبر على استوائها واحدتها: جبارة3 والجبائر أيضا: الأسوره واحدتها جبارة أيضا4. وفي حديث علي - رضي الله عنه - انه انكسر أحد زنديه. فالزندان عظما الساعد اللذان يقال لطرفيهما الكوع والكرسوع.

_ 1- مختصر المزنى 1/34". 2- السابق 1/34". 3- بفتح وكسر الجيم. 4- ومنه قول الأعشى [ديوانه: ص 128] : وأرتك كفا في الحضاب، وساعدا مثل الجبارة

باب مايفسد الماء

باب ما يفسد الماء القرظ والشب: وقوله: "وكما جعل ما يعمل عمل القرظ والشب في الاهاب في معنى القرظ والشب فكذلك الأشنان في معنى التراب"1. فانا القرظ فهو: ورق شجر السلم ينبت بنواحي تهامه يدبغ به الجلود يقال أديم مقروظ والذي يجنى القرظ يسمى قارظا والذي يبيعه يسمى قراظا. وأما الشب فهو من الجواهر التي أنبتها الله تعالى في الأرض يدبغ به يشبه الزاج والسماع الشب - بالباء - وقد صحفه بعضهم فقال: الشث والشث شجر مر الطعم ولا أدري أيدبغ به أم لا. قال الخليل2: الشب: حجارة منها الزاج وهو أبيض له بصيص شديد والشت شجر طيب الريح مر الطعم. قال أبو الدقيش3: منهن مثل الشث يعجب ريحه ... وفي غيبه مر المذاقة والطعم4

_ 1- مختصر 1/41". 2- هو: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي أحد علماء البصرة المشهورين ولد سنة 100 هـ وتوفي سمة 175 هـ. انظر ترجمته في: إنباه الرواة 1/341" وهامشه. 3- وقع في المخطوط: "أبو الرقيش بالراء وهو تحريف والصواب ما أثبته كما في لسان العرب "شثث" وهو من الأعراب الفصحاء الذي روى عنهم العلماء وانظر: الفهرست لابن النديم ص 70". 4- البيت في اللسان "شثث" بلا نسبة وعبارة أبي الرقيش في اللسان توضح أن البيت ليس من قوله كما هو واضح هنا وإليك عبارة اللسان: "قال أبو الدقيش: وبنيت [أي: الشث] في جبال الغور وتهامة ونجد قال الشاعر يصف طبقات النساء:...." البيت اهـ.

وروى1 في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدم الحيض يصيب الثوب - امرأة فقال لها: " حتيه ثم اقرصيه "2 فالحت أن يحك بطرف حجر أو عود يقال: حتته أحته حت وأما قرصه فهو أن يدلك بأطراف الأصابع والأظفار دلكا شديدا ويصب عليه الماء حتى يذهب أثره وعينه. المقل: وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سقط الذباب في الطعام فامقلوه" 3. المقل: أن يغمس فيه غمسا ويقال للرجلين هما يتماقلان في الماء إذا كان كل واحد منهما يريد غمس رأس صاحبه فيه ومنه قيل للحجر الذي يقسم عليه الماء إذا قل في السفر المقلة4. والماء الراكد والدائم هو الساكن الذي لا يجري يقال: ركد الماء ركودا اذا: سكن ودام فلم يجر ودامت القدر إذا سكن غليانها أدمتها أنا إذا سكنتها. وأما القلة فهي شبه حب يأخذ جرارا من الماء ورأيت القلة من قلال هجر والإحساء تأخذ من الماء ملء مزادة والمزاده: شطر الراويه كأنها سميت قله لان الرجل القوي يقلها أي: يحملها وكل شيء حملته فقد أقللته والقلال مختلفه في القرى العربيه وقلال هجر من أكبرها وأنشد أبو عبيد5:

_ 1- مختصر المزنى 1/24. 2- متفق عليه: من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما. وانظر: "إرواء الغليل" برقم 165. 3- انظر: مختصر المزنى 1/42 والحديث صحيح وهو عند أبي داود برقم 3844 من حديث أبي هريرة وهو عند البخاري وابن ماجه 3505 وأحمد 2/229 – 230 برواية "فليغمسه" بدلا من: "فامقلوه". 4- انظر: "المعجم الوسيط" 2/916 و "أساس البلاغة" [مقل] . 5- أنشده للأخطل كما في اللسان وديوانه.

يمشون حول مكدمه قد كدحت ... متنيه حمل حناتم وقلال1 واحدها: الحنتم وهو الجره الكبيره ذات عروتين ينتبذ فيها يعنى به الاعيان يمشين حول الحمار الذي يحمل الماء والقلال جمع قلة. وفي صفه الجنه: "ونبقها مثل قلال هجر" والنبق ثمر السدر يشبه العناب وهو الطف منه قليلا واشد صفرة. وذكر2 حديث بئر بضاعه انها كانت تطرح فيها المحايض وما ينجى الناس. أراد بالمحايض خرق المحيض وأراد بقوله: ما ينجى الناس أي يلقونه من الخرق يقال انجى الرجل إذا تغوط والعذرة3 تسمى نجوا فإذا ازال النجو عن مقعدته قيل استنجى استنجاء. وروى4 عن ابن عباس انه قال: أربع لا يجنبن فذكر الماء والارض والثوب والانسان ومعناه أن الجنب إذا مس ماء أو ارضا أو ثوبا أو باشر انسانا بيده لم ينجس شيء من هذه الاشياء لان الجنب وان امر بالاغتسال فهو طاهر وإنما تعبد بالاغتسال للجنابة تعبدا لا لنجاسة حلت به. قال5: "وان وقع في الماء مثل العنبر أو العود أو الدهن الطيب فلا بأس به لأنه ليس مخوضا به". ومعنى المخوض به أن يداف فيه يقال: دفت

_ 1- البيت في "ديوان الأخطل" ص 260 من قصيدة يمدح فيها عكرمة الفياض, وأولها لمن الديار بحايل فوعان درست وغيرهما سنون خوال والبيت في اللسان [قلل] منسوبا إليه، وفي مادة [كدح] غير منسوب والمكدم: المجروح. وفي الديوان: ....... قد سحجت ................... بدلا من:........ قد كدحت. وكلاهما بمعنى واحد. 2- انظر: "مختصر المزنى" 1/45. 3- على هامش المخطوطة: العذر. 4- انظر السابق 1/46. 5- السابق 1/47.

الدواء في الماء وخضته إذا مرسته فيه حتى ينماع فيه ولا يتميز منه وخضت فلانا بالسيف إذا جعلت طرف السيف في جوفه ومنه قول أبي النجم1 يصف قانصا رمى صيدا بسهم فخالط حشوه جوفه فقال: فاختاض أخرى فهوت رجوحا ... للشق يهوى جرحها مفتوحا2 اختاض أي: رماها بسهم دخل في جوفها هوت أي: سقطت رجوحا: تترجح من يمينها على شمالها أي: تميل ومنه قول الشافعي: إن العنبر والعود إذا كانا قطعا فطرحت في الماء فانها لا تختلط به وكذلك الدهن يطفو فوق الماء ولا يختلط به. وقوله3 في الاناءئن: "يستقين أن أحدهما قد نجس والاخر لم ينجس انه يتأخى يريق النجس على الاغلب عنده ويتوضأ بالطاهر". ومعناه انه يتأخى في الاناءين أي يتحرى اطهرهما عنده ويريق الاخر الذي هو الاغلب على قلبه انه الذي نجس هذا معنى الاغلب عنده يقال: تأخيت الشيء وتحريته إذا قصدته بقلبك ونيتك واصل التأخى التوخي فقلبت الواو همزه كما قالوا ارث واصله ورث ويقال: خذ طريقك على هذا الوخى أي على هذا القصد وهذا الصوب وقد وخى يخى وخيا إذا قصد شيئا أو بلدا يأتيه. قوله4: "أريد بالمسح على الخفين المرفق": أي اريد به الرفق والتيسير ويجوز أن يقال مرفق في معنى ما يرتفق به وكذلك مرفق اليد ويجوز مرفق يجوز هذا في ذلك وذلك في هذا. وروى5 عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "الغسل يوم الجمعه واجب على كل

_ 1- اسمه: الفضل بن قدامة بن عجل راجز مشهور كان معاصرا للعجاج امظر: "معاهد اتنصيص" 1/19 والأغاني 9/73 والخزانة 1/48 وطبقات ابن سلام والشعر والشعراء 2/502 وسقط اللآلىء 1/327 وغيرها. 2- الشطران في "اللسان" "هوا منسوبا له. 3- مختصر المزنى 1/47. 4- انظر السابق 1/49. 5- انظر السابق 1/581.

محتلم" 1 أراد بالمحتلم البالغ من الرجال ها هنا ولم يرد الذي احتلم فاجتنب إنما أراد الذي بلغ الحلم فادرك. وذكر قول2 النبي صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعه فبها ونعمت" 3. قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عن الهاء في قوله: فيها والتاء في نعمت فقال: اراه أراد فبالسنة أخذ قال ونعمت السنة والتاء في نعمت تاء التأنيث ونعم ونعمت ضد بئس وبئست وهما في الأصل نعم ونعمت فخففا فقيل: نعم ونعمت. وقول4 عمر لعثمان - رضي الله عنهما - يوم الجمعه حين راح: الوضوء أيضا وقد علمت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل". نصب الوضوء على المصدر أقام الاسم مقامه فكأنه قال: وتوضأت ايضا وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالغسل. ومعنى قوله: "حين راح" أي: مضى سائرا إلى المسجد للجمعه. ويتوهم كثير من الناس إن الرواح لا يكون الا في آخر النهار وليس ذلك بشيء لان الروح والغدو عند العرب مستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار يقال: راح في اول النهار وآخره وتروح كذلك وغدا بمعناه وأما قولهم: راحت الايل رائحة فهذا لا يكون الا بالعشى إذا اراحها راعيها على اهلها ومنه قوله عز وجل: {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} 5 يقال: سرحت الابل بالغداة إلى الرعي وراحت بالعشى على أهلها. وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غسل يوم الجمعه واغتسل وبكر وابتكر واستمع ولم يلغ فبها ونعمت". وروى غسل بالتخفيف،

_ 1- صحيح: أخرجه مالك: 1/102 برقم 4 والشيخان وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري. 2- مختصر المزنى 1/51. 3- حسن: أخرجه ابن ماجه برقم 1091 من حديث أنس وله شواهد كثيرة وقد فرغت من تخريجه والكلام عليه بإسهاب في "جزء الغطريفي" برقم 18 – بتحقيقي طبعة مكتبة السنة. 4- مختصر المزنى 1/51 – هامش الأم. 5- سورة النحل الآية 6.

وغسل بالتشديد وكذلك بكر وبكر يجوز فيهما التخفيف والتثقيل فمن خفف غسل فهو كنايه عن مجامعة الرجل أهله يقال: غسلها وغسلها اذا: جامعها ويقال: فحل غسله ومغسل إذا كان كثير الضراب ومن رواة غسل بالتشديد أراد غسله أعضاءه غسلا بعد غسل. ومن روى بكر بالتخفيف فمعناه خروجه من بيته باكرا ومن روى بكر بالتشديد فهو اتيان الصلاة لاول وقتها والمبادره اليها وكل من اسرع إلى شيء فقد بكر إليه وكذلك جاء في الحديث: "بكروا بصلاة المغرب" 1 أي: صلوها عند غروب الشمس وهو اول وقتها وقيل لاول ما يدرك من الفواكه باكورة لمجيئه في اول الوقت ومعنى ابتكر: أي ادرك أو الخطبه كما يقال: ابتكر بكرا إذا نكحها في اول ادراكها وكان أبا عذريتها. وقوله: "واستمع ولم يلغ" أي: استمع إلى الخطيب ولم يشتغل بغيره. واللغو في كلام العربي على وجهين: أحدهما: فضول الكلام وباطله الذي يجري على غير عقد ومنه: لغو اليمين وهو أن يقول: لا والله وبلى والله يصل به كلامه على غير عقد يمين وهو قول عائشه رضي الله عنها. وروى عن سلمان - رضي الله عنه - أنه قال: يثبطهم عن التهجد2 النوم في آخر الليل فلم يجتهدوا أول الليل مهدته لآخره معناه أن القوم إذا اجتمعوا في أول الليل يسمرون ويهجرون فيما لا يعنيهم غلبهم النوم في آخر الليل فلم يتهجدوا ولهذا حذر عمر - رضى الله عنه - من السمر بعد العتمه لئلا يثبطهم النوم في آخره عن التهجد والصلاة. والوجه الآخر: من اللغو ما كان فيه مأثم ورفث وفحش وقال قتاده في قوله تعالى:

_ 1- أخرجه أحمد في مسنده بنحوه بلفظ: "بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم" من حديث أبي أيوب الأنصاري. 5/415 وهو حديث حسن. 2- يبدوا أن بالمخطوط سقط وتكون العبارة هكذا: "يثبطهم عن التهجد, أي: يحسبهم ويعوقهم عن التهجد حتى يغلبهم النوم في آخر الليل" والله أعلم.

{لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً} 1، أي لا تسمع فيها باطلا ولا مأثما وقال مجاهد: شتما2 وقال ابن شميل في قوله: "اذا قال له: انصت فقد لغا" أي: خاب قال: والغيته خيبته واللغة مأخوذه من لغا إذا تكلم وهي في الأصل لغوه نقص منها الواو.

_ 1- سورة الغاشية, الآية 11. 2- انظر: "تفسير الطبري" 30/ 104 - طبعة بولاق.

باب الحيض

باب1 الحيض الحيض: دم يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتاده وأصله من حاض السيل وفاض إذا سال وأخبرني المنذري2 عن المبرد انه انشده لعماره بن عقيل3: أجالت حصاهن الذواري وحيضت ... عليهن حيضات السيول والطواحم4 الذواري: الرياح التي تذرو التراب وكذلك الذاريات والطواحم: السيول العاليه يقال: سيل طاحم إذا كان ذا غثاء وخشب وحيضت: سيلت وحيضات السيول ما سال منها وكأن دم الحيض سمى حيضا لسيلانه من رحم المرأة في اوقاته المعتاده. وأما الاستحاضه: فهو أن يسيل منها الدم في غير اوقاته المعتاده والفرق بين الحيض والاستحاضه ما اعلمتك ودم الحيض يخرج من قعر الرحم ويكون اسود محتدما حارا كأنه محترق ويقال: دم محتدم ويوم محتدم ومحتدم إذا كان شديد الحر ساكن الريح له حدمه شديده وأما دم الاستحاضه فانه يسيل من العاذل وهو عرق فمه الذي يسيل منه في ادنى الرحم دون قعره ذكر ذلك عن ابن عباس وذكر أن دم الحيض بحرانى أي شديد الحمره خارج من القعر - والباحر الأحمر - وأما التريه فهي خفيه لا صفرة فيها ولا كدرة ولا تكون التريه الا بعد انقضاء دم الحيض ولا حكم له ويقال

_ 1- على هامش المخطوطة: كتاب خ وهو الصواب. 2- هو: محمد بن جعفر أبو الفضل المنذري الهروي اللغوي الأديب, أخذ العربية عن ثعلب والمبرد, وله عدة مصفات. روى عنه الأزهري وغيره توفي سنة 329هـ. انظر: "معجم الأدباء" 1/99. 3- هو: عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير, كم أشعر أهل زمانه كان ينحو نحو أبيه وجده وكان نقي الشعر محكم الرصف جيد الوصف. انظر: "طبقات الشعراء" لابن المعتز ص 316 – 319. 4- البيت في اللسان [حيض, طحم] منسوبا له.

لها: القصه البيضاء تستدخل المرأة القطنه فتخرج بيضاء. وفي حديث آخر أن امرأه استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "احتشى كرسفا"، فقالت: هو أكثر من ذلك إني لأثجه ثجا فقال لها: "استثفري" أو قال: "تلجمي وتحيضي في علم الله ستا أو سبعا ثم اغتسلي وصلي" 1. الكرسف: القطن تحتشى به المرأة ما لم يكثر سيلان الدم فإذا غلب الدم استثفرت وهو أن تشد خرقه عريضه طويله على وسطها ثم تشد بما يفضل من احد طرفيها بين رجليها إلى الجانب الاخر فذلك التلجم تفعله المرأة إذا كانت تثج الدم تجا أي: تسيله يقال: ثججت الماء اثجه ثجا فثج الماء ثجوجا اذا: سيلته فسال والاستثفار مأخوذ من الثفر - بتحريك الفاء – ومن الثفر بسكون الفاء أو الثفر فأما الثفر2 ساكن الفاء وهو جهاز المرأة وأصله للسباع فاستعير في المرأة وغيرها ومنه قول الاخطل: جزى الله فيها الاعورين ملامة ... وفروة ثفر الثورة المتضاجم3 يعني: حياة البقرة4. وأما الثفر بتحريك الفاء فهو ثفر الدابة الذي

_ 1- حسن: أخرجه أبو داود برقم 287 والترمذي وابن ماجه برقم 627 وأحمد 6/381 وغيرهم من حديث حمنة بنت جحش رضى الله عنها. 2- بضم وفتح الثاء المشددة اللسان [ثفر] 3- البيت في "ديوانه" ص 326 – طبعة دار الكتب العلمية و "الكامل" للمبرد 1/280 أبو الفضل و "الوحوش" للأصمعي ص 393 – مجلة الأزهر و "الحيوان" للجاحظ 2/282 و "الفرق" لقطرب ص 58 ولثابت 1/94 و "الأمالي" لأبي عبد الله اليزيدي ص 66 واللسان [ضخم, وثفر] من قصيدة يفتخر بنفسه وأولها: سعى لي قومي سعى قوم أعزة ... فأصبحت أسمو للعلى والمكارم والأعوران: اثنان من عوران قيس وهم خمسة شعراء: حميد بن ثور والراعي والشماخ وابن أحمر وتميم بن أبي. والثفر: الحياء والمتضاجم: المائل أو: الأعوج 4- في المخطوط: "يعني: حياة البقر" والتصويب من الكتب السابقة.

يكون تحت ذنب الدابة وقال1: ولا است عير يحكه ثفر والتحيض: فعود المرأة في استحاضتها حائضا لا تصلى وقيل له تحيض لأنه غير مستقين فكأنها تتكلفه والدم المشرق هو الرقيق الصافي القاني الذي لا احتدام فيه. وقوله: "ولا يجوز للمستحاضه أن تستظهر بثلاثة أيام"2 أراد أن المستحاضه إذا عرفت ايامها فقعدت فيها عن الصلاة وخلفتها اغتسلت وصلت ولم تقعد بعد ذلك ثلاثة أيام كما قاله بعض الفقهاء احتياطا واصل الاستظهار الاستيثاق في الامر يقال: اتخذ فلان بعيرين ظهريين في سفره إذا كان يحمل على اباعر له وساق معه بعيرين قويين فارغين وثيقة لئلا يبدع3 بعير من حمولته فلا يجد لحملها حموله فوضع الاستظهار موضع الوثيقه واصله ما اعلمتك واصل الاستظهار الاستعانه والظهير المعين كأنها استعانت بثلاثة أيام. وقوله عز وجل: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} 4 فالمحيض له معنيان: يكون موضع الحيض وهو الفرج فكأنه قال اعتزلوهن ولا تجامعوهن في الفروج ومن جعل المحيض بمعنى الحيض أراد اعتزالهن في أيام حيضهن5 يقال: حاضت المرأة محاضا ومحيضا وحيضا والحيض: جمع الحيضة.

_ 1- عجز بيت لامرئ القيس وصدره كما في "اللسان" [ثفر] . لا حميري وفي ولا عدس 2- مختصر المزنى 1/53. 3- ينقطع عن السير من كلال أو عطب. 4- سورة البقره الآية 222. 5- انظر: "تفسير الطبري" 4/375 - 383 - طبعة دار المعارف

ابواب الصلاة

أبواب الصلاة فمنها المواقيت: الصلاة الاولى: يقال لها الظهر. ومنه قول الله تعالى: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} 1 يقال: أظهر القوم: إذا دخلوا في وقت الظهر أو الظهيره وذلك حين تزول الشمس. وأما العصر: فانما سميت عصرا باسم ذلك الوقت والعرب تقول: فلانا يأتي فلانا العصرين والبردين إذا كان يأتيه طرفي النهار والعصران هما الغداة والعشى قال الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ} 2. دخلت الصلوات الخمس في طرفي النهار وزلف الليل فصلاة طرفي النهار: صلاة الصبح وصلاة الظهر والعصر فجعل النهار ذا طرفين أحد طرفيه الغداة وفيها صلاة الصبح وحدها والطرف الاخر العشى وفيه صلاتا العشى والعشى عند العرب ما بين أن تزول الشمس إلى أن تغرب كل ذلك عشى والدليل على ذلك ما روى عن أبو هريره رضي الله عنه حيث يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احدى صلاتي العشى أما الظهر وأما العصر فجعلهما صلاتي العشى فافهم ذلك. وأما قوله تعالى: {وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ} فانه أراد صلاة المغرب وصلاة العشاء الاخره وسماها زلفا لانهما في أول ساعات الليل واقربها واصله من الزلفى وهي القربى وازدلف اليه: اقترب منه وواحد الزلف زلفة وقال:

_ 1- سورة الروم الآية 18. 2- سورة هود الآية 114.

طي الليالي زلفا فزلفا ... سماوة الهلال حتى احقوقفا1 [احقوقف الهلال: أي اعوج ورق ومنه الحقوقف الهلال إذا دق في آخر الشمال] 2. نصب سماوة الهلال بقوله: طي الليالي اوقع الفعل من طي على سماوه فصارت مفعولا به وقوله: "طي الليالي": أي كطي الليالي وقوله: "زلفا" فزلفا أي ساعات يعد ساعات متقاربه وسماوة كل شيء اعلاه وإنما سمي السماء سماء لانها فوقنا احقوقف الهلال: أي اعوج ودق ومنه احقوقف الهلال إذا دق في آخر الشمال. وقيل في قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} 3: إنه صلاة المغرب {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} 3 صلاة الصبح {وَعَشِيّاً} 4 العصر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} 4 الظهر. وقال في موضع آخر: ومن بعد صلاة العشاء وهي التي كانت العرب تسميها العتمه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: "لا تغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم العشاء فانما يعتمون بالايل" 5 أي: يؤخرون ردها من المراعي وإنما سموها عتمه باسم عتمة الليل وهي ظلمة اوله واعتامهم بالابل انهم إذا راحت عليهم النعم بعد المساء أناخوها ولم يحلبوها حتى يعتموا أي يدخلوا في عتمة الليل وهي ظلمة وكانوا يسمون تلك الحلبه عتمه باسم عتمة

_ 1- الشطران للعجاج, كما في "ديوانه" 496 والكتاب 1/180 وشرح شواهده للشنتمري 1/180 وللنحاس ص 105 والكامل 1/150 ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1/300 والطبري 12/77 واللسان زلف وحقف وقيل الشطرين: ناج طواه الأين مما وجفا وانظر تفسير هذه الأشطار في " الكامل" 1/151 وسيأتي تفسيره للمصنف والشطر الثاني في "أساس البلاغة" حقف. 2- ما بين المعوقين زيادة من هامش المخطوط. 3- سورة الروم الآية 17. 4- سورة الروم الآية 18. 5- صحيح: أخرجه أحمد 2/19, 49, 144 ومسلم وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

الليل ثم قالوا لصلاة العشاء عتمة لأنها تؤدى في ذلك الوقت. وأما قوله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ} 1 فانه امر باول الصلوات الخمس في هذه الآية كما أمر به في الاية التي فسرناها قبلها. فدلوك الشمس زوالها وهو وقت الظهر وقيل دلوكها غروبها والذي عندى فيه انه جعل الدلوك وقتا لصلاتي العشى وهما الظهر والعصر كما جعل احد طرفي النهار وقتا لهما. وفي هاتين الايتين اوضح الدليل على أن وقتهما واحد كما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما في وقت واحد من غير خوف ولا سفر فقال مالك: أرى ذلك كان في مطر. وقوله: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} يريد وقت صلاتي المغرب والعشاء الاخره وهذا دليل على أن وقتهما واحد في الضرورات والغسق ظلمة الليل وقد غسق يغسق أي أخر الأذان إلى أن يغسق الظلام على الأرض وأراد بقران الفجر سماها قرآنا لأن القرآن يقرأ فيها وهذا من أبين الدليل على وجوب القراءة في الصلاة والفجر سمى فجرا لانفجار الصبح وهما فجران فالاول منهما مستطيل في السماء يشبه بذنب السرحان وهو الذئب لأنه مستدق صاعد غير معترض في الافق وهو الفجر الكاذب الذي لا يحل أداة صلاة الصبح فيه ولا يحرم الاكل على الصائم. وأما الفجر الثاني فهو المستطير الصادق سمي مستطيرا لانتشاره في الافق قال الله عز وجل: {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} 2 أي منتشرا فاشيا ظاهرا. وأما قوله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 3 فان الخيط الأسود هو الفجر الأول الذي يقال له الكاذب سمي أسود لاسوداد الأفق حوالي الخيط المستدق صاعدا.

_ 1- سورة الإسراء, الآية 78. 2- سورة الإنسان الآية 7. 3- سورة البقرة, الآية 187.

وأما الخيط الأبيض فهو الفجر الثاني سمي أبيض لانتشار البياض في الأفق معترضا وقال أبو دواد الأيادي1: فلما أضاءت لنا سدفة ... ولاح من الصبح خيط أنارا2 أراد الفجر الثاني بقوله: خيط أنارا لأنه جعله منيرا وقرنه بالسدفه وهي اختلاط الضوء والظلمه معا وأما الشفق فهو عند العرب الحمره وروى سلمة عن الفراء انه قال: سمعت بعض العرب يقول: عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان احمر قال: فهذا شاهد وفي حديث عائشه رضي الله عنها انها قالت: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم ننصرف متلفعات بمروطنا ما نعرف من الغلس"3. فالمتلفعات: النساء اللاتي قد اشتملن بجلابيبهن حتى لا يظهر منهن شيء غير عيونهن, ويقال: وقد تلفع بثوبه والتفع به إذا اشتمل به أي تغطى به. وأما المروط فهي أكسيه من صوف أوخز كن النساء يتجلببن بها إذا برزن واحدها مرط والغلس والغبس والغبش بقية الظلام في آخر الليل ومنه يقال: خرج فلان بغلس وقد غلس إلى حاجته. وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح وعليه بقية من ظلمة الليل. وأما الإسفار: فهما إسفاران: أحدهما: أن ينير خيط الصبح وينتشر بياضه في الأفق حتى لا يشك من رآه أنه الصبح الصادق.

_ 1 - في المخطوط: "أبو داود" وهو تحريف وانظر ترجمته في "الشعر والشعراء" "1/161. وهامشه. 2- البيت في "الأصمعيات" "28" والطبري "2/102" ومختار القرطبي "ص 130" واللسان "خيط" من كلمة يصف فيها فرسا خرج عليه للصيد, ووقع في الأصمعيات: " خير أنارا" ولا معنى لها والسدفة: ظلمة الليل وهي لغة نجد وهي أيضا اختلاط الضوء والظلمة جميعا كوقت ما بين صلاة الفجر إلى أول الأسفار ولاح: بدا وظهر من بعيد والخيط: اللون هنا ويكون ممتد كالخيط. 3- متفق عليه: أخرجه البخاري "2/ 288" في صفة الصلاة - باب خروج النساء إلى المساجد باللي والغلس, ومسلم "645/232" ومالك في "الموطأ" "1/5" من حديث عائشة رضى الله عنها.

والإسفار الثاني: أن ينجاب الظلام كله ويظهر الشخوص ومنه يقال سفرت المرأة نقابها إذا كشفته حتى يرى وجهها ومنه قول الشاعر1: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها2 وسفر فلان بيته إذا كنسه ووجوه يؤمئذ مسفرة أي: مضيئة منيرة ولقى فلان القوم بوجه مسفر لا عبوس فيه ولا كلوح وقيل للكتاب سفر لبيان وللذي يصلح بين القوم سفير لأنه يظهر بالصلح ما يكنه الفريقان في قلوبهم. والذي هو عندي في قوله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بالصبح فانه أعظم للأجر" 3، أن يصلي صلاة الصبح والفجر قد أضاء وانتشر حتى لا يشك فيه أحد والله أعلم قال الشافعي: "والوقت للصلاة وقتان: وقت مقام ورفاهيه ووقت عذر وضرورة"4 فالمقام الاقامة في الحضر والرفاهيه الفسحه والدعه يقال: فلان رافه وخافض ووادع إذا كان مقيما حاضرا غير مسافر ولا ظاعن وفلان في رفاهه من العيش ورفاهيه ورفهنيه إذا كان في خفض ودعة.

_ 1- هو: توبة بن الحمير. 2- البيت من قصيدة له في "ليلى الأخيلية" وهي في "أمالي القالي" "1/130 - 131" والأغاني "10/69 - طبعة بولاق" وتزين الأسواق "1 / 115" والشعر والشعراء "1 / 357" واللسان [برقع] وذم الهوى "430 – لابن الجوزي" والفاضل للمبرد "24" وغيرها من المصادر. ونسب إلى الشماخ في "الزهرة" "1/324" وليس له. ونسب لمجنون ليلى ضمن كلمة له من "12" بيتا في "ديوانه" "القصيده" برقم "132" والأرجح أنه لتوبة. وأول هذه القصيدة: نأتك بليلى دارها لا تزورها ... وشطت نواها واستمر مريرها وتقدم منها بيت انظر هامش رقم "54".. 3- صحيح: أخرجه أبو داود "424" والترمذي برقم "154" والنسائي "1/272" وأبن ماجه "672" وأحمد "3/465" والطيالسى "959" كلاهما في "المسند" وغيرهم من حديث رافع بن خديج. 4- مختصر المزنى: "1/55".

باب الأذان

باب الاذان الأذان: اسم من قولك آذنت فلانا بأمر كذا وكذا اوذنه ايذانا أي: اعلمته وقد أذن يأذن أنذنا إذا علم فالاذان: الإعلام بالصلاة يقال: أذن المؤذن تأذينا وأذانا أي: اعلم الناس بوقت الصلاة فوضع الاسم موضع المصدر وقال الله عز وجل: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى النَّاسِ} 1 أي اعلام وأصل هذا من الأذن كأنه يلقي في آذان الناس بصوته ما إذا سمعوه علموا انهم ندبوا إلى الصلاة. وأما قول المؤذن في الاذان: حي على الصلاة وحي على الفلاح فمعنى حي: هلم وعجل إلى الصلاة والفلاح هو الفوز بالبقاء والخلود في النعيم المقيم ويقال للفائز: مفلح ولكل من أصاب خيرا: مفلح وقال عبيد بن الأبرص: أفلح بما شئت فقد يدرك ... بالضعف وقد يخدع الأريب2 يعني: إبق بما شئت من حمق أو كيس ويقال للسحور الذي يستعين به الصائم على صومه فلاح وفلح لأنه سبب للبقاء وعن ابي ذر انه قال: "صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خشينا أن يفوتنا الفلح". وأما التثويب في صلاة الصبح: فهو أن يقول المؤذن بعد قوله حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين سمي ذلك تثويبا لأنه دعاء بعد دعاء فكأنه دعا الناس إلى الصلاة بقوله: حي على الصلاة ثم عاد إلى دعائهم مرة أخرى بقوله: الصلاة خير من النوم وكل من عاد لشيء فعله فقد ثاب إليه، ومنه

_ 1- سورة التوبة, الآية 3 2- البيت في "ديوانه" "ص 14 – نصار" وشرح القصائد العشر "159 – للتبريزي" وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي "225" وغيرها من مجمهرته التي أولها: أفقر من أهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب وأفلح: عش, من الفلاح أي: البقاء والمعنى: عش كيف شئت فقد يدرك الضعيف بضعفه مالا يدرك القوي, وقد يخدع الأريب العاقل عن عقله والأريب: العاقل.

قول الله عز وجل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} 1، فالبيت بيت الله الحرام جعله الله مثابة للناس لانهم يثوبون إلى زيارته حاجين ومعتمرين مرة بعد أخرى أي يعودون إليه. ومثابة مفعلة من ثاب يثوب ولوقيل مثاب بغير هاء كان جائزاً. وانشد الشافعي - رحمه الله - بيتا في هذا المعني: مثابا لأفناء القبائل بعدما ... تخب إليه اليعملات الذوامل2 لافناء القبائل: يعني لجماعتها والذوامل2 يعني بها الضعاف يقال: ذمل2 يذمل2 ذمولا2: إذا ضعف تخب: تسرع وقد يكون التثويب في غير الفجر وهو أن يقول المؤذن بين الاذانين: الصلاة رحمكم الله. وقال عمر - رضي الله عنه – لمؤذنه: "اذا أذنت فترسل ثم ثوب أذانك"

_ 1- سورة البقرة الآية 125. 2- البيت في المخطوط هكذا: مثابا لا فنا القبائل بعدما ... تخب إليه اليعملات الذوابل ففيه كما ترى بعض التحريف والحمد الله صوبتها. والبيت نسب في "اللسان" "ثوب" لأبي طالب وهو خطأ. فالصواب أن البيت لورقة بن نوفل كما أنشده الشافعي نفسه في "الأم" "2/120" والبيت لورقة ضمن أبيات طويلة في "البداية والنهاية" "2 / 297" وقبل البيت ولكن يقافية الحاء المهمله: فمتبع دين الذي أسس البنا ... وكان له فضل على الناس راجح وأسس بنيانا بمكه ثابتا ... تلألا بالظلام المصابح مثابا.............. ... ...... اليعملات الطلائح. والبيت في "تفسير الطبري" "1/420 – بولاق" وتفسير القرطبي "2/100" "وتفسير أبي حيان "1/380". وأفناء القبائل: أخلاطهم ونزاعهم من هنا وهناك وخبت الدابة تخب خبأ: وهو ضرب سريع من العدو واليعملات: جميع يعمله وهي الناقة السريعة المطبوعة على العمل اشتق اسمها من العمل والعمل الإسراع والعجلة والطلائح: جمع طليح ناقة طليح أسفار: جهدها السير وهزلها فهي ذاملة: ناقة ذمول وذاملة: وهي التي تسير سبرا لينا سريعا. 3- في المخطوط: "الذوابل, ذبل يذبل ذبولا" وكل هذا تحريف.

ويقال: ثوب الداعي إذا دعا مرة بعد أخرى وقالت جنوب الهذليه: وكل حي وإن طالت سلامته يوما له من دواعي الموت تثويب1 قال الشافعي: - رحمه الله -: "وأحب أن يكون المؤذن صيتا وأن يؤذن مترسلا بغير تمطيط ولا بغي فيه وأن تكون إقامته إدراجا مبينا"2 فالصيت بوزن السيد والهين وهو الرفيع الصوت وهو فيعل من صات يصوت كما يقال للسحاب الماطر صيب وهو من صاب يصوب ويقال: ذهب صيت فلان في الناس أي ذهب ذكره وشرفه. وأما الصوت فهو الذي يسمعه الناس والمترسل هو الذي يتمهل في تأذينه ويبين كلامه تبيينا يفهمه من يسمعه وهو من قولك جاء فلان على رسله أي: على هينته غير عجل ولا متعب لنفسه. والتمطيط: الافراط في مد الحروف يقال: مط كلامه إذا مده فإذا افرط فيه فقد مططه والبغى فيه أن يكون رفعه صوته يحكى كلام الجبابره والمتكبرين المنفيهقين. وأصل الفهق: والصواب أن يكون صوته بتحزين وترقيق ليس فيه جفاء كلام العرب ولا لين كلام المتماوتين والبغى في كلام العرب الكبر والبغى الظلم والبغى الفساد وكل شيء ترامى إلى فساد فقد [بغى] 3 يقال: قد بغى فلان ضالته إذا طلبها. وأما إدراج الاقامه: فهو أن يصل بعضها ببعض ولا يترسل فيها ترسله في الاذان.

_ 1- رواية البيت في "ديوان الهذليين" وشرح أشعارهم: وكل حي وإن طالت سلامتهم يوما طريفهم في الشر دعبوب وانظر: "ديوان الهذليين" "3 / 124" وشرح أشعارهم للسكرى "578" وتخريج البيت في "1442 – 1443". والدغبوب: الطريق المسلوك الموطوء للناس. 2- مختصر المزنى "1/62". 3- ما بين المعقوفين سقط بالمخطوط واستدركه من سياق الكلام.

وأصل الادراج الطى يقال: ادرجت الكتاب والثوب ودرجتهما ادراجا ودروجا إذا طويتهما على وجوههما. وروى الشافعي حديثا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "الأئمه ضمناء والمؤذنون أمناء" 1. فأما ضمان الأئمه: فان القوم أمروا أن يأتموا بهم ويتبعوهم ولا يبادروهم فان اتم الامام ما ضمن من امامتهم تيسر للمأمومين اتمام صلاتهم على ما أمروا به وإن عجل الامام فارهق المأمومين عن اتمام الركوع والسجود وغيرهما لم يف بما ضمن لهم فعلى الأئمة أن يتحروا اتمام ما ضمنوا في تخفيف وقصد وألا يعجلوا القوم عن اتمام ما يلزمهم. وأما امانة المؤذنين: فانهم ائتمنوا على المواقيت ومراعاتها وامروا الا يفرطوا فيؤخروا الاذان عن وقته ولا يعجلوا فيؤذنوا قبل دخول الوقت حتى لا تجزيهم الصلاة.

_ 1- صحيح: أخرجه الشافعي في "المسند" "1/128" والترمذي "207" وأحمد "2/419" وغيرهم من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

باب القبلة

باب القبله ذكر الشافعي - رحمه الله - قول الله عز وجل: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1 قوله: "ول وجهك" أي: اقبل بوجهك فوجه وجهك وكذلك قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} 2 أي مستقبلها وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: التوليه ها هنا اقبال وقد تكون التوليه ادبارا كقولك: ول عني وجهك أي أدير عني وقد ولى إذا أدبر. وأما قوله تعالى: {شَطْرَ الْمَسْجِدِ} الحرام فشطره: تلقاؤه وجهته ونحوه واصل الشطر النحو3، وقول الناس: فلان شاطر معناه قد اخذ في نحو غير الاستواء ويقال: هؤلاء قوم يشاطروننا أي: دورهم يقابل دورنا كما تقول: هو يناحوننا أي ننحو نحوهم وينحون نحونا وشطر كل شيء نصفه.

_ 1- سورة البقرة الآيات 144, 149, 150 2- سورة البقرة, الآية 148. 3- ومنه قول قيس بن خويلد الهذلي [الرسالة للشافعي: 35] : وإن العسير بها داء مخامرها فشطرها نظر العينين محسور وكذلك قول ابن أحمر [تفسير الطبري 2/14] : تعدو بنا جمع وهي عاقدة قد كارب العقد من إبفادها الحقبا

باب صفة الصلاة ومافيها من الذكر والتسبح والتشهد وغير ذلك

باب صفة الصلاة ومافيها من الذكر والتسبح والتشهد وغير ذلك ... باب صفة الصلاة وما فيها من الذكر والتسبيح والتشهد وغير ذلك قال الأزهري: وفي صفة الصلاة الفاظ كثيره لا يكاد يعرف معانيها الا أهل العلم بها فوجب أن نعني بها ونشرح معانيها ليقف عليها المصلون فانهم إذا فهموها كان احرى أن يخشعوا عند ذكرها فيخلصوا نياتهم للمراد بها ويكون ذلك اعظم لأجورهم وأوفر لثوابهم واعود عليهم إن شاء الله. فأول ذلك: قول المصلي: الله اكبر وفيه قولان لاهل العربيه: أحدهما أن معناه الله كبير وقد جاء افعل نعتا في حروف معدوده منها قولهم: هذا امر اهون أي: هين واني لأوجل أي: وجل وكذلك اني لأوجر - والراء - ومنه قول معن بن أوس: لعمرك ما ادرى واني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول1 أراد: واني لوجل وتقول العرب: المرء بأصغريه - أي بصغيريه - وهما قلبه ولسانه2 فكذلك قول: الله اكبر أي كبير وقال أبو اسحاق الزجاج: هذا غير منكر وقد قاله أبو عبيده قال أبو منصور: قوله المرء بأصغريه أصغراه قلبه ولسانه ومعناه أن فضل الرجل على غيره ببيانه بلسانه وعلمه الذي في قلبه وكل من كان أعلم وأبين لسانا فله الفضل على غيره وقال آخرون: معنى قوله: الله اكبر أي: الله اكبر كبير كقولك هو أعز عزيز ومنه قول الفرزدق:

_ 1- البيت مطلع قصيدة له قالها في صديق يستعطفه وكان معن متزوجا بأخته فطلقها فأقسم أن لا يكلمه. والبيت في "ديوانه" "ص 57" والحماسة بشرح التبريزي "2/132" والكامل "2/212, 307" والنوادر لأبي على القالي "3/218 – ذيل الأمالى" ومعاهد التنصيص "4/4" واللسان "وجل" والمجاز لأبي عبيد "1/240" والجمهرة "3/18" والخزانة "3/505" والأساس "وجل". 2- جني الجنتين للمحبي "ص 20".

ان الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه اعز واطول1 أراد أن دعائمه أعز عزيز، وأطول طويل. وأما قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} 2 ففيه غير قول: أحدها: وهو هين عليه وقال بعضهم: الهاء في عليه راجعة إلى الإنسان المخلوق كأنه قال: وهو أهون على الإنسان من إنشائه النشأة الأولى. وقال أبو اسحاق الزجاج: خاطب الله عز وجل العباد بما يعقلون فأعلمهم إنه يجب عندهم أن يكون البعث أسهل من الابتداء وجعله مثلا لهم فقال تعالي: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 2 أي أن قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} 2 قد ضربه مثلا لكم فيما يصعب ويسهل. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصلاة: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" 3. فالتحريم أصله من قولك: حرمت فلانا عطاءه أي: منعنه اياه وكل ما منع فهو حرم وحرم وحرام وأحرم الرجل بالحج إذا دخل فيما يمنع معه من أشياء كانت مطلقه له مثل: قتل الصيد وقضاء التفث والجماع وإظهار الرفث وغيره مما منع المحرم منه. وفضاء التفث: حلق العانه وقص الشارب ونتف الإبط فكذلك المكبر للصلاة صار ممنوعا من الكلام والعمل الذي هو غير عمل الصلاة،

_ 1- البيت مطلع قصيده له في "دياونه" "ص 489" والبيت في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى "2/121 برقم 696" و "الكامل" للمبرد "2/308" والنقائص "برقم 39" وتفسير القرطبي "14/21" والطبري "21/12" والخزانة "3/ 147, 480" والعيني "4/42 هامش الخزانة" وشأن الدعاء للخطابي "ص 67" ونوادر المخطوطات "مجلد 1/298" ومعاهد التنصيص "1/ 103, 104" واللسان "عزز". 2 سورة الروم، الآية 27. 3-صحيح: أخرجه أبو داود برقم "61" والترمذي برقم "3" وابن ماجه برقم "275" وأحمد "1/ 123, 129" والشافعي في "الأم" "1/87" وغيرهم كثير من حديث على بن أبي طالب, وأوله: "مفتاح الصلاة الطهور". وهو مخرج في كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين برقم "1 – بتحقيقي".

فقيل: للتكبير تحريم لمنعه المصلى عن كل شيء غير عمل الصلاة وما فيها من الذكر والقرآن. وقال أبو زيد: أحرمت الرجل وإذا قمرته وحرم يحرم حرما إذا قمر لأنه منع ما يكون له به الفلج والفوز واحرم الرجل إذا اكبر للصلاه فصار بالتكبير لها مع النيه داخلا فيما منع منه مما كان مباحا له قبل ذلك. وقوله بعد التكبير: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} 1 أي: أقبلت بوجهي إلى الله الذي فطر السموات والارض أي ابتداء خلقهما على غير مثال تقدمهما. وقوله: "حنيفا"2 أي: مستقيما وانتصابه على الحال كاني قلت: وجهت وجهي لله في حال حنيفتي وروى أبو العباس عن ابن نجده عن ابي زيد3 انه قال: الحنيف المستقيم وأنشد: تعلم أن سيهديكم الينا ... طريق لا يجور بكم حنيف4 أي طريق مستقيم وقال أبو اسحاق الزجاج النحوي: سمى الله عز وجل خليله ابراهيم صلى الله عليه وسلم حنيفا لأنه حنف إلى الله عز وجل أي مال إلى الله قال: الحنف في الرجل أن تميل القدمان كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها. وقوله: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} 5، فالصلاة اسم جامع للتكبير والقراءة والركوع والسجود والدعاء والتشهد والثناء على الله عز وجل. والنسك: العبادة، والناسك: العابد الذي يخلص عبادة الله ولا يشرك به، وأصله من النسكة وهي البقرة المذئبة المصقلة من كل خلط.

_ 1- سورة الأنعام الآية 79. 2- رواه مسلم في صحيحه "1/771" كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. 3- في المخطوط: "أبي زيد" وهو تحريف والنص في "اللسان" [حنف] . 4- البيت في "اللسان" [حنف] بلا نسبة. 5- سورة الأنعام الآية 162.

والنسيكه: القربان الذي يتقرب به إلى الله عز وجل وجمعها نسك. وقوله: {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي المستسلمين لامر الله الخاضعين له المنقادين لطاعته وقوله: "اللهم أنت الملك" في تفسير اللهم قولان: للنحويين: قال الفراء: هي في الأصل: يا الله أمنا بخير وكثرت في الكلام واختلطت فقيل: اللهم كما قالوا: هلم وأصله: هل ضم اليها أم ثم تركت منصوبة الميم*. وقال الخليل: اللهم معناه يا الله والميم مشدودة عوض من ياء النداء والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها قال: ولا يقال يا اللهم إنما يقال: اللهم ومعناه يا الله وقوله: "أنت الملك" أي القادر على كل شيء تملك الملك لا شريك لك. وقوله: "سبحانك" معناه: أسبحك أي أنزهك عما يقول الظالمون فيك وسبحان مصدر أريد به الفعل قال الله عز وجل: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} 1 أي سبحوا الله حين تمسون أي صلوا له. وقوله في الركوع سبحان ربي العظيم أي أسبح ربي العظيم وتنزيه الله سبحانه وتعالى تبعيده من الشرك وهو بمعنى التسبيح ومن صفات الله تعالى سبوح قدوس والسبوح: البعيد عن الشكل والنظير والضد والنديد وقيل: سبحان الله أي: براءة الله. وقوله: "وأنا عبدك": أي لا أعبد غيرك كأنه يقول: أبرئ الله عز وجل عن كل ضد وند. وقوله: "وبحمدك" الباء معناها معنى الابتداء كما قال: وبحمدك أبتدئ وحمده الثناء عليه وقد دخل فيه سبحان الله لأنه ثناء على الله تعالى. وقوله: "أنت ربي" أي مالكي ومالك أمري لا مالك لي غيرك. وقوله: "وأنا عبدك" أي لا أعبد غيرك ولا أضمر إلا طاعتك.

_ * انظر مادرة "آله" من "لسان العرب". 1- سورة الروم, الآية 17.

وقوله: "عملت سواءا وظلمت نفسي": اعتراف بالذنب قدمه على مسألة الله عز وجل المغفرة كما علم الله عز وجل ادم - عليه السلام - عند خطيئته أن يقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1. وقال تعالى حكاية عن آدم: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} 2. وقوله: "فاغفر لي ذنوبي": أي استرها بعفوك ولا تؤاخذني بها واهدني لاحسن الاخلاق أي ارشدني لها واليها واصرف عني سيئها أي اصرف عني قبيح الاخلاق. وقوله: "لبيك وسعديك" معنى لبيك: أي اقمت على طاعتك اقامة بعد اقامة يقال: لب بالمكان والب إذا اقام به لبا والبابا فمعنى لبيك لبين فحذفت النون للاضافة واللب الاقامة على الطاعة. وقوله: "وسعديك": أي مساعدة لامرك بعد مساعده ومتابعة لدينك الذي نصبته ولنبيك الذي ارتضيته بعد متابعة واخرج سعديك من سعد لأنه الأصل وان كان المعتاد من الكلام ساعد بهذا المعنى. وسمعت المنذري يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى وسئل عن معنى قوله وسعديك فقال: معناه مساعده لك بعد مساعده لك3. وقوله: "الخير في يديك والشر ليس اليك" حكى اسحاق بن راهويه عن ابن شميل أنه قال: سألت الخليل عن قولهم في الدعاء: "الخير في يديك والشر ليس اليك" قال: وكان مثبتا - يعني للقدر - فقال لي: معناه لا يتقرب بالشر إليك. وقوله: "أنا بك واليك": أي اعتصم بك وأعوذ بك والجأ اليك كأنه قال: بك أعوذ واليك الجأ.

_ 1- سورة الأعراف والآية 23. 2- سورة البقرة الآية 37. 3- في مجالس ثعلب "1/129" و"اللسان" [لبب] . "معنى لبيك: إجابة بعد إجابة لك".

وقوله: "تباركت وتعاليت" قال أبو العباس: تبارك الله أي: تعالى الله والبركه النماء والعلو وقال ابن الأنباري: تبارك الله أي: يتبرك العباد بتوحيده وذكر اسمه والتبرك طلب البركة. وقوله: "وأتوب إليك" أي أرجع إلى طاعتك وأنيب اليك والتائب الراجع إلى طاعة ربه بعد معصيته وخطيئته. والباء في قوله: بسم الله معناها معنى الابتداء أي ابتدائي باسم الله. وقوله: "تعالى جدك" الجد ها هنا العظمه قال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} 1 أي عظمته. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" 2 فالجد ها هنا الحظ في الدنيا والغنى ورجل مجدود أي محظوظ في الدنيا غني والمعنى لا ينفع ذا الغنى وكثرة المال غناه يوم القيامه منك انما ينفعه العمل بطاعتك ولا ينفعه كثرة ماله عن عقوبتك فيفتدى منها به كما ينفعه ذلك في الدنيا. وقوله في التشهد: "التحيات لله" قال الفراء: التحيه: الملك وجمعها التحيات كأنه قال الملك لله وقيل التحيه: البقاء الدائم كأنه قال: البقاء لله عز وجل. وقيل: معنى التحيه السلام أي السلام لله وهي السلامة من آفات الدنيا والآخرة. وقوله: "الصلوات لله" أي العبادات كلها لله وقوله: "الطيبات لله" أي الطيبات من الكلام الذي هو ثناء على الله وحمد لله. وقوله: "السلام عليك أيها النبي" فيه قولان: أحدهما اسم السلام ومعناه اسم الله عليك ومنه قول لبيد:

_ 1- سورة الجن الآية 3. 2- متفق عليه: وهو قطعة من حديث أخرجه البخاري برقم "844" ومسلم "593/ 137 – 138" من حديث البراء بن عازب.

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر1 وقيل معنى قوله: "السلام عليك" أي سلم الله عليك تسليما وسلاما ومن سلم الله تعالى عليه فقد سلم من الآفات كلها. وقوله: "أشهد أن لا اله الا الله" قال أبو بكر بن الأنباري: اشهد ها هنا أعلم وأبين أن لا إله إلا الله ونحو ذلك وقال أبو عبيده في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} 2 معناه بين الله وأعلم الله. وقوله: "أن محمدا3 عبد ورسوله" أي أعلم وأبين أن محمد عبد الله وأنه رسوله والرسول الذي يتابع أخبار من بعثه، أخذ من قولهم جاءت الابل رسلا أي: متتابعه. فأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها رحمة من الله - عز وجل - والصلاة من العباد تضرع ودعاء وهي من الملائكه استغفار. وقوله: "وعلى آل محمد" قال بعضهم: آل محمد عترته الذين ينتسبون إليه صلى الله عليه وسلم وهم أولاد فاطمة عليها وعليهم السلام وقال الشافعي:

_ 1- البيت في "ديوانه" القصيدة رقم "121" البيت السادس ومجاز القرآن "1/16" والطبري "1/40" والقرطبي "1/145 - طبعة دار الغد" والوحشيات لأبي تمام "ص 154 برقم 248" وتأويل مشكل القران "ص 215" واللسان [عذر] وغيرها كثير وهو بلا مسبة في "آمالي الزجاجي" "ص 63" وعجزه في" رسالة في إعجاز الأبيات" للمبرد "1/167". والشعر يقوله لابنتيه إذ قال: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر! ثم أمرهما بأمره فقال قبل بيتنا هذا: فقوما فقولا بالذي قد علمتنا ... ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر وقولا: هو المرء الذي لا خليله ... أضاع، ولا خان الصديق، ولا غدر إلى الحول...................... ... ............................... فقوله: "إلى الحول" أي فعلا إلى أن يحول الحول والحول: السنة الكاملة بأسرها وقوله: "اعتذر" هنا بمعنى أعذر: أي بلغ أقصى الغاية في العذر. 2- سورة آل عمران الآية 18. 3- هكذا رسمت في الأصل بغير ألف جائز وانظر: "شرح ابن يعيش على المفصل" "9/69 - 70" والرسالة للشافعي "ص 59 برقم 198" وهامشه للعلامة أحمد شاكر.

آله ها هنا هم الذين حرم الله عليهم الصدقات المفروضه وهم ذوو القربى الذين جعل لهم بدلها خمس الخمس من الفيء والغنائم وقال غيره: آل الرسول أهل دينه الذين يتبعون سنته كما أن آل فرعون في قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ،1 هم أهل ملته الذين تابعوه على كفره وكأن هذا القول أقربها إلى الصواب. وإذ فسرت ما جاء في افتتاح الصلاة والذكر فيها فإني أفسر فاتحة الكتاب بألفاظ وجيزة ينتفع قارئها بمعرفتها ويتدبر تلاوتها إذا صلى بها فيضاعف الله عز وجل له الحسنات بمنه ورحمته. قول الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فيه قولان لأهل اللغة: أحدهما الثناء لله وحمدت الله أي أثنيت عليه وقيل: الحمد لله معناه الشكر لله على نعمائه والحمد والشكر في اللغة يفترقان فالحمد لله الثناء على الله تعالى بصفاته الحسنى والشكر أن يشكره على ما أنعم به عليه وقد يوضع الحمد موضع الشكر ولا يوضع الشكر موضع الحمد. وقوله: {لِلَّهِ} : أي للمعبود الذي هو معبود جميع الخلق لا معبود سواه ولا إله غيره قال الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرض إِلَهٌ} 2 أي معبود، لا نعبد ربا سواه ولا نشرك به شيئا. {رَبِّ الْعَالَمِينَ} : مالك الخلائق اجمعين الواحد عالم وهو اسم لجميع أشياء مختلفه ومن جعل العالمين الجن والإنس جعل العالم جمعا لأشياء متفقة. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} : صفتان من صفات الله عز وجل ولا يوصف بالرحمن غير الله تعالى فأما الرحيم فجائز أن يقال: فلان رحيم وهو أبلغ من الراحم. وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} : أي ذو الملكة يوم الدين وهو يوم الجزاء بالاعمال ومنه قولهم:

_ 1- سورة غافر الآية 46. 2- سورة الزخرف الآية 84.

...................... .........كما تدين تدان1 أي: كما تفعل. يفعل بك وقيل يوم الدين: يوم الحساب ومن قرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فمعناه: ذو الملك يوم لا تملك نفس لنفس شيئا. وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} معناه: اياك نطيع الطاعه التي نخضع معها لك. {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : أي نطلب منك المعونه على ما امرتنا به من طاعتك فأعنا بفضلك فانه لا يعيننا عليها غيرك. {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} : أي ثبتنا على الهدى وقال بعضهم: زدنا هدى والصراط المستقيم المنهاج الواضح. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} : أي ثبتنا على هدى الذين انعمت عليهم أي بالايمان والهدى. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} : أي صراط غير المغضوب عليهم وهم اليهود. {وَلا الضَّالِّينَ} وهم النصارى. وقولهم: امين هو استجابة للدعاء وفيه لغتان: احداها بقصر الالف بوزن عمين وامين بوزن عامين والميم مخففه في اللغتين يوضعان موضع الاستجابه للدعاء كما أن صه يوضع موضع الاسكات وحقهما من الإعراب الوقف لانهما بمنزلة الأصوات

_ 1- البيت نسب في مجاز القرآن لأبي عبيدة "1/23" والكامل "1/328" وجمهرة الأمثال للعسكري وغيرها إلى يزيد بن الصعق الكلابي ونسب في "اللسان" "زنأ" و "دان" إلى خويلد بن نوفل وكذا "دين" قاله للحارث بن أبي شمر الغساني, وكان قد اغتصب ابنته وكان خويلد غائبا فلما قدم أخبروه فوفد خويلد إليه فوقف بين يديه وقال: يا أيها الملك المقيت أما ترى ... ليلا وصبحا كيف يختلفان؟ هل تستطيع الشمس أن تأتي بها ... ليلا؟ وهل لك بالمليك يدان؟ يا حار أيقن أن ملكك زائل ... واعلم بأن كما تدين تدان ويروي البيت الأخير هكذا: واعلم وأيقن أن ملكك زائل ... واعلم بأنك كما تدين تدان وكما ترى ففي البيت الأخير إقواء. والبيت في "الطبري" "1/53" و"إعراب ثلاثين سورة" لابن خالويه "ص 39" إصدار مكتبة القرآن بلا غزو.

فإن حركهما محرك فتح النون كقوله: آمين فزاد الله ما بيننا بعدا1 وكما فتح كيف واين. وفي حديث آخر جاء في افتتاح الصلاة: "اللهم اني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" قيل: وما همزه ونفخه ونفثه؟ قال: "أما همزه فالموتة وأما نفثه فالشعر وأما نفخه فالكبر"2. قال الأزهري: فأما الموته فهي شبه الجنون الذي يكون معه الصرع سمي همزا لأنه جعل كالنخس والغمز من الشيطان وكل شيء دفعته فقد همزته. والنخس: الدفع بالعنف، وسمي الشعر نفثا لأنه كالشيء ينفثه الإنسان من فيه مثل الرقيه ونحوها وقيل للكبر ينفخه لما يمفخه الشيطان في نفسه من التجبر والزهو. وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح الصلاة فقال: "الله أكبر كبيرا ثلاثا والحمد لله أحمده حمدا كثيرا". والركوع: الانحناء يقال للشيخ إذا انحنى ظهره من الكبر قد ركع ومنه قول لبيد يذكر كبره وانحناءه: أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدب كأني كلما قمت راكع3 والسجود: أصله التطامن والميل يقال: أسجد البعير إذا طامن عنقه

_ 1- عجز بيت صدره: تباعد منى فطحل إذ سألته. 2- حسن: أخرجه أبو داود "775" والنسائي والترمذي وابن ماجه برقم "804" وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري. وانظر: "الإرواء" برقم "341". 3- البيت في "ديوان لبيد" القصيدة "24" الشعر والشعراء "1/199" ومجاز القرآن "1/54" والأغاني "14/96, 134" وغيرها وعجزه في "اللسان" "ركع". والبيت من قصيدته التي قال فيها ابن قتيبة: "من جيد شعره" وفيه يصف حاله. والراكع في شعر لبيد هنا أي: المنحنى.

ليركبه راكبه، ومنه قوله: وقلن له اسجد لليلى فأسجدا1 يعني إماء قلن لبعير ليلى طامن عنقلك لها لتركبك فطامنه وسجدت النخله إذا كثر حملها فمال رأسها إلى الأرض وهي نخل ساجده وسواجد قال لبيد: غلب سواجد لم يدخل بها الحصر2 يصف نخيلا مواقير امالها كثرة حملها يقال: حصر النبت إذا لم ينبت حسنا وذلك أن تكون النخلة في موضع صلب فلا تقدر عروقها أن تجرى فيه ويروي الخصر وهو البرد والنحل لا يوافقها البرد والحصر الضيق ومنه قيل النخيل حصر ومنه قول الله تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} 3, والنخل إذا قورب ما بينها تضايقت عذوقها فلم تثمر وكان سجود العجم لسادتها إمالة الرأس إلى الصدر وسجود الظلال استسلامها لما سخرت له, وقال الاصمعي: قلت لابي عمرو بن العلاء ربنا ولك الحمد لم عطفوا بالواو فقال: يقول الرجل للرجل بعني هذا الثوب فيقول وهو لك أصله يريد هو لك والواو مزيده. قال الشافعي: "ويقرأ مرتلا" يعني بالمرتل المبين وأخبرني المنذري عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال ما اعلم الترتيل في القراءة الا التبيين والتحقيق والتمكين وقال اليزيدي: الترتل والترسل واحد وهو أن يقرأ متمهلا. وذكر الشافعي - رحمه الله - صفة سجود المصلي فقال: "وأحب

_ 1 - الشطر في "اللسان" [سجد] منسوبا للأسدي. 2- عجز بيت للبيد وصدره كما في "الديوان" و "اللسان": بين الصفا وخليج العين ساكنة والبيت في "ديوانه" "60"، وتأويل مشكل القرآن "416"، واللسان "سجد" وغيرها كثير 3- سورة النساء الآية 90.

للساجد أن يخوى" قال: والتخويه: "أن يقل صدره عن فخديه ويجافي مرفقيه وذراعيه عن جنبيه حتى إن لو لم يكن عليه ما يستر ما تحت منكبيه رؤيت عفره إبطيه"، وعفرة ابطيه: بياضهما، وأصل العفرة والعفر لون وجه الأرض. وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى1 جخى في سجوده. والتجخيه والتخويه واحد ورواه بعضهم جخ. وقوله: "اذا قعد في الرابعه أماط رجليه": أي نحاهما وأخرجهما عن وركه اليمنى يقال: مطت أميط وامطت الشيء إن نحيته. قال: "ويقنت في الصبح" والقنوت اصله القيام ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن افضل الصلاة قال: "طول القنوت" 2، أراد به طول القيام ومعنى القنوت في الصبح أن يدعو بعد رفع رأسه من الركوع في الركعة الاخيره قيل لذلك الدعاء قنوت لان الداعي انما يدعو به قائما فسمى قنوتا باسم القيام والقنوت ايضا الخشوع ومنه يقول الله - عز وجل - {وقوموا لله قانتين} 3 أي خاشعين والقنوت الطاعه. وروى المزني4 حديثا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه رأى نغاشا فسجد شكرا لله عز وجل. النغاش: والقصير الشاب الضاوي الصغير الجثه ونصب شكرا لأنه مصدر وفيه يقول آخر انه نصب لأنه مفعول به أراد سجد للشكر حين رأى

_ 1- على هامش المخطوطة: سجد "خ". 2- صحيح: أخرجه النسائي من حديث عبد الله بن حبشي وانظر: "مشكاة المصابيح" برقم "3833" 3- سورة البقرة الآية 238. 4- مختصر المزنى "1/90". والحديث ضعيف جدا أخرجه الدارقطني "1/410" من طريق جابر الجعفي عن أبي جعفر به. وجابر هذا متهم والحديث مرسل وقد وصله يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر مرفوعا بلفظ: "كان إذا رأى الرجل الخلق ساجدا.." الحديث، وهو عند ابن عدى في "الكامل" في ترجمة يوسف هذا وهو متروك الحديث.

نعمة الله عليه في تعديله خلقه وتفضيله إياه عل غيره. قال الشافعي: - رحمه الله -: "ولو صلى رجل وفي ثوبه نجاسه من دم1 أو قيح وكان قليلا مثل دم البراغيث وما يتعافاه الناس لم يعد"2 معنى قوله وما يتعافاه الناس أي يعدونه عفوا قد عفى لهم عنه ولم يكلفوا غسله لعجزهم عن توقيه والتحفظ عنه وقال الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} 3 أي صفح الله عنك فلم يؤاخذك بما سلف منك وأصله من قولك: عفت الريح الرسوم أي محتها ودرستها فعفت تعفو المعتدي واللازم في ذلك سواء وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله العفو والعافيه والمعافاه" 4 والعفو صفح الله عز وجل عن ذنوب عباده ومحوه إياها بتفضيله والعافيه أن يعافيهم من الاسقام والآفات والمعافاة أن يعافى بعضا من شر بعض يقال اعفى الله فلانا وعافاه بمعنى واحد وتعافى الناس ما قدمت ذكره من دم البراغيث ونحوه تسامحهم فيه وتوسعهم في ترك غسله وعدهم إياه مما قد عفا الله عنه ومحا عنهم إثمه فأسقطوا اثمه عنهم أيضا وجعلوه معفوا عنه. قال الشافعي: "وان بال رجل في مسجد أو أرض طهر بان يصب عليه ذنوب من الماء"5 والذنوب الدلو العظيم وهو دون الغرب الذي يكون للسانيه ولا يسمى ذنوبا حتى يكون ملان ماء فالسجل الدلو العظيم مثل الذنوب.

_ 1- في الأصل: "أودر" ولا معنى له والتصويب من المصدر القادم. 2- انظر: "مختصر المزنى" "1 / 93" 3- سورة التوبة: الآية 43 4- ما وجدته هو عن أبي بكر الصديق – رصي الله عنه – مرفوعا بلفظ: "سلوا الله العفو والعافيه" دون "المعافاة" وهو حديث صحيح والحديث أخرجه أحمد برقم "7" والترمذي "3553" وغيرهما وانظر هامش "مسند أبي بكر الصديق" لأبي بكر المروزى برقم "47". 5- مختصر المزنى "1 / 95"

قال الشافعي: "والنهي عن الصلاة في أعطان الابل اختيار"1. والاعطان: جمع العطن وهو الموضع الذي تنحى إليه الابل عن الماء إذا شربت الشربة الأولى فتبرك فيه ثم يملأ الحوض لها ثانيه فتعود من عطنها إلى الحوض لتعل أي تشرب الشربه الثانيه وهو العلل ولا تعطن الابل على الماء الا في حماره القيظ فإذا برد الزمان فلا عطن للابل وموضعها الذي تبرك فيه على الماء يسمى عطنا ومعطنا وقد عطنت تعطن وتعطن عطونا, وأما حديث عمر - رضي الله عنه - أنه دخل على النبى صلى الله عليه وسلم وفي البيت أهب عطنه. فالعطنه: من الجلود التي قد عطنها الدباغ في الدباغ حتى انتنت وامرق عنه صوفها وقد عطنت تعطن عطنا. ومراح الغنم مأواها واحد. تجوز مأواتها بالتاء وهكذا كثيرا مما سمعته من العرب وهي حيث تأوي اليها بالليل. وفي حديث الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها" 2 القرن على وجوه: فقرن رأس الإنسان ناحيته ولكل انسان قرنان في رأسه أي ناحيتان والقرن قرن ذوات القرون من البقر والغنم والاوعال والقرن من الناس الذين كانوا مقترنين في ذلك الوقت والذين يأتون من بعدهم ذوو اقتران آخر فقوله: "الشمس تطلع بين قرني الشيطان" يحتمل أن يكون عنى قرني رأسه وهما ناحيتاه ويحتمل غيره واخبرني المنذري انه سأل ابراهيم يعني الحربي عن معنى هذا الحديث فقال هذا مثل يقول حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها وكذلك الحديث الاخر: "ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" 3 ليس معناه انه يدخل جوفه ولكنه مثل لتزيينه له المعاصي وقال النبي

_ 1- السابق "1 / 98" 2- صحيح: أخرجه مالك في "الموطأ" من حديث عبد الله الصنابحي به وإن كان عبد الله هذا صحابيا فهو صحيح فقد اختلفوا فيه فمنهم من أثبت صحبته ومنهم من نفاها ولكن الغالب أنه صحابي فقد اورده الحافظ ابن حجر في "الإصابة" في "القسم الأول" وهذا الوضع فيه كل من ثبت صحبته. 3- متفق عليه: من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه.

صلى الله عليه وسلم "خير الناس قرنى - أي اصحابي - ثم الذين يلونهم - يعني التابعين - ثم الذين يلونهم يعني اتباع التابعين" 1 قال أبو اسحاق الزجاج: وجائز أن يكون القرن اسما لجملة الأمة وهؤلاء قرون فيها وإنما اشتقاق القرن من الاقتران قال أبو منصور: فجائز أن يكون معنى قوله: تطلع بين قرني الشيطان أي بين جماعته الاولين وجماعته الاخرين وقال الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} 2 أي: من جماعة مقترنة والله أعلم بما أراد. يقال فلان قرن فلان أي: مثله في السن وفلان قرنه في الشجاعه. قال الشافعي: - رحمه الله -: "وأوكد الصلاة بعد الفرض الوتر ويشبه أن تكون صلاة التهجد"3. والوتر: من الاعداد ما ليس بمزدوج ويقع الوتر على الواحد والثلاث والخمس والسبع والشفع ما كان من الاعداد مزدوجا مثل الاثنين والأربعة والستة والتهجد القيام من النوم يقال: هجد الرجل يهجد هجودا إذا نام فهو هاجد وتهجد إذا القى الهجود عن عينيه وهذا كما يقال: حرج واثم إذا فعل فعلا يلزمه الاثم ثم يقال تحرج فلان وتأثم إذا القى الحرج والاثم عن نفسه باجتنابه ما يأثم به ولهذا نظائر في كلام العرب ستراها إن شاء الله. والنوافل من الصلوات واعمال البر التي ليست بمفروضه سميت نوافل لانها زيادة على الأصل فالاصل الفرائض والنوافل زيادة عليها الا ترى انه يقال لولد الولد نافلة لان الأصل هو الولد الذي لصلبه وولد ولده زيادة عن الأصل قال الله تعالى في قصة ابراهيم عليه السلام: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 4 وكذلك يقال: الغنائم إنما هي زيادات على الأصل الفرض الجاري لهم, ويقال لثلاث ليال من بعد الغرر – وهي ثلاث ليال من

_ 1- متفق عليه: من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. 2- سورة الأنعام الآية 6 3- مختصر المزنى "1 / 102" 4- سورة الأنبياء الآية 72

أول الشهر - نفل لان بياضها زيادة على الغرر كأن الغرر واحدتها غرة شبهت بغرة الفرس وهي أقل شيء من البياض في وجهه فلما زاد بياض القمر عليها قيل لها نفل. وأما الفرض في الصلاة وغيرها فإن أحمد بن يحيى روى عن ابن الأعرابي أنه قال: الفرض أصله الحز في القدح وغيره قال: ومنه فرض الصلاة وغيرها إنما هو شيء لازم للعبد كلزوم الحز للقدح قال: والفرض أيضا الهبه والفرض القراءة يقال فرضت جزئي أي قرأته والفرض التبيين قال الله عز وجل: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} 1 أي بين الله لكم كفارتها. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ الواحد" 2 يقال: جاء القوم افذاذا أي افرادا وهذا شيء شاذ فإذا كان نادرا لا مثل له. وقول منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة المطيرة "الا صلوا في الرحال" 3 الرحال ها هنا جماعة الرحل وهو منزل الرجل في بيت مدر أو وبر يقال ما في رحله حذافه أي ما في منزله شيء. وفي حديث آخر: "اذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال" 4 أراد بالنعال الارضين الصلبه واحدها نعل يقول إذا اذا ابتلت الأرض فخفتم زلق الارجل عليها فصلوا في بيوتكم والرحل ايضا مركب للبعير النجيب كالسرج وقد رحل بعيره رحلا إذا شد عليه الرحل.

_ 1- سورة التحريم الآية 2 2- متفق عليه: من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما. 3متفق عليه: أخرجه مالك "1 / 73 برقم 10" والشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما. 4- لا أصل له: قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" "2 / 31": "..لم أره في كتب الحديث وقد ذكره ابن الأثير في "النهاية" كذلك وقال الشيخ تاج الدين الغزاري في "الإقليد: لم أجده في الأصول, وإنما ذكره أهل العربية" اهـ قلت: ويغنى عنه الحديث الذي تقدم آنفا انظر: الهامش السابق ففيه الإرواء.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء" 1 يقال: عشاء – بفتح العين ممدود - الطعام الذي يتعشى به وقت العشاء يقال عشاه يعشوه إذا اطعمه العشاء وعشي يعشى إذا تعشى والضحاء الطعام وقت الضحوه والغداء الطعام يتغذى به غدوة وهذه كلها ممدودة بفتح اولها وأما العشاء من الوقت فبكسر العين. وقال الشافعي: "واذا احس الامام برجل وهو راكع لم ينتظره"2 معنى احس علم ويكون الاحساس الرؤية قال الله عز وجل: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} 3 معناه هل ترى والرؤية توضح موضع العلم تقول: رأيت الله صنع كذا أي علمته. التمتمة والرثة والفأفأة واللثغة: وقوله: "وأكره إمامة من به تمتمة أو فأفأة أو يكون أرت أو الثغ"4 سمعت المنذري يقول: سمعت المبرد يقول التمتمة أن يتردد في التاء والفأفأة أن يتردد في الفاء قال والرته كالريح5 تمنع أو الكلام فإذا جاء منه شيء اتصل به قال والرتة غريزة تكثر في الإشراف قال واللثغة أن يعدل بحرف إلى حرف. قال أبو الفضل: أخبرني ثعلب عن سلمة عن الفراء أنه قال اللثغة بطرف اللسان وهو أن يجعل الراء على طرف لسانه لاما أو يجعل الصاد ثاء قال والارت أن يجعل اللام ثاء وأما الاليغ بالياء قال أبو عمرو: فهو الذي لا يبين الكلام.

_ 1- صحيح: أخرجه الشافعي "1 / 126" وأحمد "6 / 40 – 41" وابن ماجه برقم "935" وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" برقم "231 – 233" وكذا البخاري "5465" ومسلم "558" وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا به. 2- مختصر المزنى "1 / 113" 3- سورة مريم الآية 98. 4- مختصر المزنى "1 / 114" 5- في المخطوط: "كالريح" وهو تحريف والتصويب من "الكامل"

قال المبرد: واللكنه أن يعترض على الكلام اللغة الأعجمية والعقله التواء اللسان عند إرادة الكلام والحبسه تعذر الكلام عند إرادته والألف الذي يدخل حرفا على حرف والغنة أن يشرب الحرف صوت الخيشوم والخنة أشد منها والترخيم حذف بعض الكلمة والعكلة والحكلة العجمة. وقوله: يشرب من الشربه وهو أدنى شيء يخالف معظم اللون منه يقال أشرب فلان حمرة إذا خالط لونه أدنى شيء من حمره. قال الازهري: فهذه جملة ما يقع في اللسان والكلام من الفساد وتكره امامة من به شيء منها1. قال الشافعي: - رحمه الله -: "وان أم امي بمن قرأ اعاد القارئ". اراد الشافعي: بالامى ها هنا الذي لا يحسن قراءة القران والأمي في كلام العرب الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب واكثر العرب كانوا أميين قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} 2 وكان النبي صلى الله عليه وسلم أميا وكان مع ذلك حافظا لكتاب الله عز وجل فكانت آية معجزة ومعنى أميته أنه لم يكن يحسن الكتابه ولا يقرؤها فقرأ على أصحابه العرب أقاصيص الأمم الخالية على ما أنزلها الله عز وجل عليه ثم كررها على فريق بعد فريق بألفاظها لا بمعانيها وليس في عرف الإنسان أن يسرد حديثا أو قصه طويله ثم يعيدها إذا كررها بالفاظها ولكنه يزيد وينقص ويغير الألفاظ وعرف الإنسان عادته وما يعرفها. وقوله: يسرد الحديث أي يتابعه ويقال فلان يسرد الصيام أي يتابعه ومنه سرد الزرد إنما هو وصل بعض الحلق ببعض قال: فاضطرت هذه الآية المعجزة القوم إلى الإقرار بنبوته وإن القران الذي تلاه عليهم من عند الله وأن الله ثبت به فؤاده وحفظه عليه قال الله عز وجل يذكر هذه الآية يلزمهم الحجة بها ويخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم

_ 1- انظر: "الكامل" للمبرد "2 / 221" وما بعدها وخلق الإنسان للأصمعي "197" ولثابت "184" وللزجاج "31" وفقه اللغة "109" والمخصص "1 / 157" وغاية الإحسان في خلق الإنسان "131 – 133" وغيرها كثير. 2- سورة الجمعة الآية 2

{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} 1. يقول: لو كنت يا محمد تخط بيمينك أي تكتب أو كنت ممن يقرأ المكتوب لارتاب فيك من بعثتك اليهم فلما كنت لا تخط ولا تقرأ وتتلو مع ذلك عليهم كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كان ذلك برهانا دالا على أنه تنزيل من حكيم حميد وقيل للذي لا يكتب ولا يقرأ أمي لأنه على حيلته التي ولدته أمه عليها والكتابه مكتسبه متعلمه وكذلك القراءه من الكتاب. وروى عن عائشة - رضي الله عنها – أنها صلت بنسوة العصر فقامت وسطهن. وعن أم سلمة - رضي الله عنها - انها أمتهن فقامت وسطا. قال أبو منصور: اردت أن تقف على الفرق بين وسط ووسط فما كان يبين جزءا من جزء فهو وسط وذلك مثل وسط الصف والحلقة من الناس والسبحه والقلادة يقال في هذا كله وسط وما كان مصمتا لا يبين جزءا من جزء فهو وسط مثل وسط الدار والراحة والبقعة وما اشبهها وقد اجازوا في الوسط التسكين ولم يجيزوا في وسط وسطا فافهمه. قال الشافعي: "واذا سافر الرجل سفرا يكون ستة واربعون ميلا بالهاشمي"2 قال أبو منصور: الميل ماتسع من الأرض حتى لا يكاد يلحق بصر الرجال أقصاها. ويثبت الاعلام في طريق مكة على مقدار مد البصر ووقوعه على رجل في اقصاه من ادناه ثم قيل لثلاثة اميال منها فرسخ. وقوله: "بالهاشمي": أي بالميل الذي ميله بنو هاشم وقدروه واعلموا عليه. قال ابن شميل كل شيء دائم كثير لا يكاد ينقطع فهو فرسخ وقال حذيفة ما بينكم وبين أن يصب عليكم الشر فراسخ الا رجل في عنقه موته فلو قد مات صب عليكم الشر فراسخ أراد بالرجل الذي في عنقه موته عمر

_ 1- سورة العنكبوت الآية 48. 2- مختصر المزنى "1 / 121".

- رضي الله عنه -كأنه حذرهم فتنة تكون بعد موته تمتد أيامها فجعل طول امتداد أيام الفتنه فراسخ يقال انتظرتك فرسخا من النهار أي طويلا. والبريد: اثنا عشر ميلا باميال الطريق وهي اربعة فراسخ واربعة برد ثمانيه واربعون ميلا. وقال ابن المسيب: "من اجمع اقامة اربع اتم". معنى قوله: اجمع عزم وازمع وقال الكسائي: اجمعت المسير واجمعت عليه وازمعت السير ولا يقال ازمعت عليه وفي الحديث: "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل" 1 يريد من لم يعزم عليه ولم ينوه. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "لا صيام الا لمن اجمع فيه" أي تقدم نيته قاله ابن الاعرابي يقال: هو يوم الجمعه وقد قرئ باللغتين وكان يسمى ذلك يوم العروبه في أولية العرب. وقول الله عز وجل: {فَاسَعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} 2 أي فامضوا واقصدوا إلى ذكر الله وليس معنى السعي ها هنا العدو والسعي اصله التصرف في كل عمل والدليل على ذلك قوله عز وجل: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى , ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} 3 أراد أن عمل العبد محفوظ له وعليه ثم يجزى به جزاءه يوم القيامة وقد يكون السعي العدو ومنه قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذا اتيتم الصلاة فلا تأتوها وانتم تسعون" 4 والسعي في هذا الحديث العدو. قال الشافعي: "فان خطب بهم وهم أربعون ثم انفضوا عنه"5. أي تفرقوا وأصله من فضضت الشيء إذا دققته وكسرته والفضيض الماء السائل. وقوله: "ولو صلى بهم ركعة ثم أحدث بنوا وحدانا"6 وحدان

_ 1- صحيح: أخرجه أبو داود برقم "2454" من حديث حفصة رضى الله عنها. وانظر: "إرواء الغليل" برقم "914". 2- سور الجمعة الآية 9. 3- سورة النجم الآيات 40 -41 4- متفق عليه: من حديث أبي قتادة رضى الله عنه. 5- مختصر المزنى "1 / 131". 6- السابق: "1 / 132".

ها هنا بضم الواو وهو جمع الواحد كما يقال: راع ورعيان وباغ وبغيان ويجوز أن يكون ذلك جمع وحيد كما يقال جريب وجربان يقال رجل وحيد ووحد ووحد ورجل فريد وفرد وفرد وقوم فراد1 وفرادى غير مجرى قال ذلك كله الفراء. وقوله: "وينصت الناس ويخطب الامام". الانصات: السكوت مع الاستماع يقال نصت وانصت وانتصت بمعنى واحد قال الطرماح يصف بقرا وحشيا: يخافتن بعض المضغ من خشية الردى ... وينصتن للسمع انتصات القناقن2 جمع قنقن وهو الرجل الماهر المهندس الذي يعرف الماء تحت الأرض قاله أبو عبيد يقال انصته وانصت له بمعنى واحد. قال الشافعي: "ويسع تشميت العاطس" وتشميته: أن يدعو له فيقول: يرحمك الله ويجوز فيه السين والشين وقد سمته وشمته والسين اعرب والشين قد دخلت على السين في حروف يقال اتيته سدفه من الليل وشدفه وسن الماء وشنه وروسم وروشم لما يرسم به والتسميت مأخوذ من السمت وهو القصد والاستقامة. ذكر الحديث في التبكير إلى الجمعه: "من راح الساعة الاولى فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية ثم الثالثه" 3 وفي حديث آخر: "والمهجر كالمهدى بدنة" 4 وقد فسرت معنى الرواح فيما تقدم

_ 1- شبهت بثلاث ورباع كما جاء في "اللسان" [فرد] 2- البيت في "ديوانه" والأساس واللسان [قنن, قنا] واللسان "نصت" وينصتن للسمع أي يسكتن لكي يسمعن. 3- ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في حديث متفق عليه عن أبي هريرة رضى الله عنه انظر: "الجمعة" للنسائي برقم "43 – إصدار مكتبة القرآن" 4- صحيح: أخرجه مسلم "850" والشافعي "1 / 155 , 156" والنسائي "3 / 98" وفي "الجمعة" برقم "41" وابن ماجه "1092" وغيرهم من حديث أبي هريرة.

وأنه الخفة في السير أي وقت سار. وأما المهجر فان ابن شميل روى عن الخليل انه قال التهجير: التبكير قال وهي لغة حجازيه وسائر العرب يقولون: هجر فلان إذا سار وقت الهاجرة والذي جاء في الحديث معناه: التبكير والتبكير اتيان الصلاة لاول وقتها قال النبي صلى الله عليه وسلم بكروا بالمغرب أي صلوها في اول وقتها. قال الشافعي: "واحب ما يلبس إلى البياض فإذا جاوزه فعصب اليمن والقطرى وما اشبهه" العصب من البرود ما يعصب غزله ثم يصبغ ثم ينسج وليس العصب من برود الرقم الموشيه ولا يجمع العصب انما يقال: برد عصب وبرود عصب لأنه مضاف إلى العصب وهو فعل وربما اكتفوا بأن يقولوا عليه العصب لان البرود عرفت بذلك الاسم ويقال للغزال عصاب قال رؤبه: طي القسامى برود العصاب1 القسامى الذي يطوي الثياب أول طيها حتى تكسر على طيها والعصاب الغزال الذي يبيع الغزل وأما القطري فان شمرا قال: البرود القطرية هي حمر لها اعلام فيها بعض الخشونه قال وقال خالد بن جنبة هي حلل جياد تحمل من قبل البحرين. قال الأزهري بسيف البحر بين عمان والبحرين مدينة يقال لها قطر خربها القرامطة وارى البرود القطرية كانت تعمل بها ويقال قطرية وأنشد شمر كساك الحنظلي كساء صوف ... وقطريا فانت به تميد2 تميد: تتحرك وتميل ويروى: تفيد أي تتبختر. المسايقة والملحمة قال الشافعي: في باب صلاة الخوف: "وان كان خوف أشد وهو

_ 1- وقبه: طاوين مجدول الحزوق الأحداب والشطران في اللسان [قسم] والأول في [عصب] 2- البيت في "اللسان" [قطر] بلا عزو.

المسايفه والتحام القتال ومطاردة العدو"1 المسايقة أن يلتقي القوم بأسيافهم ويضرب بعضهم بعضا بها يقال سايفته فسفته اسيفه إذا غلبته بالضرب بالسيف, والتحام القتال قطع بعضهم لحوم بعض والملحمة المقتل وجمعها ملاحم وقال شمر الملحمة حيث تقاطعوا بالسيوف والمطاردة قال أبو عبيد يقال اطردت الرجل إذا نفيته وطردته أي نحيته عنك قال والمطارده في القتال منه أن يطرد بعضهم بعضا واستطرد الفارس للفارس إذا تحرف له لينتهز فرصه يطعنه بها. وقوله عز وجل: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} 2 أي: فصلوا رجالا أو ركبانا ورجالا جمع راجل مثل صحاب جمع صاحب المعنى إن لم تقدروا أن تقوموا قانتين خاشعين موفين الصلاة حقها لخوف ينالكم فصلوا ركبانا ورجالا مستقبلي القبله وغير مستقبليها ثم قال عز وجل: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ} يقول فإذا زال الخوف وامنتم عدوكم فقوموا في الصلاة قانتين مؤدين للفرض كما علمكم الله. وقوله: "ولو رأوا سوادا أو جماعة فظنوهم عدوا"3 السواد الشخص وجمعه أسوده وسواد العسكر ما فيه من الاله وغيرها والسواد بكسر السين – السرار4. وقوله: "ولو غشيهم سيل لا يجدون نجوة صلوا يؤمئون ايماء"5 والنجوه ما ارتفع من الأرض من مسيل السيل يكون فيه فرار من السيل وجمعها نجوات ونجاء وقال عبيد بن الابرض يصف مطر جودا

_ 1- مختصر المزنى "1 / 144" 2- سورة البقرة الآية 239 3- مختصر المزنى "1 / 146" 4- في المخطوط: "السران" وهو تحريف يقال منه ساودته مساودة وسوادا: إذا ساررته واللسان [سود] . 5- مختصر المزنى "1/ 148".

فمن بنجوته1 كمن يعقوته ... والمستكن كمن يمشى بقرواح2 العقوة: الساحة والنجوة: المكان العالي والمستكن: الذي توارى في الكن والقرواح الأرض البارزه الفضاء اخبر انه عم البلاد وهادها ونجادها بسيله وكثرة مائه. قال الشافعي: "ولا اكره لمن كان يعلم من نفسه في الحرب بلاء أن يعلم قد اعلم حمزة يوم بدر"3 البلاء: ممارسة الحرب والاجتهاد فيها وبذل المجهود يقال: لقى فلان العدو فأبلى بلاء حسنا أي جاهد جهادا حسنا والبلاء ايضا النعمة والبلاء الفتنة يقال ابلانا الله بلاء حسنا أي انعم الله علينا نعمة جميلة وهذا كله من قولهم بلوته ابلوه أي اختبرته. ومعنى قوله: أن يعلم أي يجعل لنفسه شعارا يعرف به ويتميز إليه من يخاف شد العدو عليه وإنما يعلم في الحرب أشداء الرجال وشجعانهم الذين يعرفون بالصبر والشده.

_ 1- في المخطوط: "ينجو به" وهو خطأ 2- البيت في ديوانه "ص 36" من قصيدته المشهورة التي يصف فيها حال لهوه وشربه الخمر ولكنه لا بد أنه سيصحوا على نداء الموت كان هذا كله في [5] أبيات الأول ثم انتقل إلى وصف البرق والسحاب والمطر ومنه بيتنا هذا والبيت في "مختارات ابن الشجري" "2 / 48" واللسان [نجا] والبيت من قصيدة أيضا نسبت لأوس بن حجر وهي في "ديوانه" "3" والشعر والشعراء "1 / 136" وغيرهما. 3- مختصر المزنى "1 / 149".

باب العيدين

باب العيدين1 روى2: "ان النبي صلى الله عليه وسلم لبس يوم العيد برد حبرة" وليس حبرة موضعا أو شيئا معلوما انما هو وشى معلوم كقولك ثوب قرمز والقرمز صبغة فأضيف إلى وشيه كما اضيف الاخر إلى صبغة. وعيد الاضحى اضيف إلى الاضاحي وذلك انه يقال للاضحية اضحاة وجمعها اضحى ومن قال ضحيه جمعها ضحايا وايام التشريق سميت بها لتشريقهم لحوم الاضاحي في الشرقه3 وهو تشريرها في الشمس لتجف ويقال تشريقها: تقطيعها وتشريحها ومنه قيل للشاه المشقوقة الاذنين باثنين شرقاء ويقال: بل التشريق صلاة العيد سميت تشريقا لبروز الناس إلى المشرق وهومصلى الناس في العيدين قال أبو ذؤيب: حتى كأني للحوادث مروة4 ... يصفا المشرق كل يوم تقرع5

_ 1- أي في صلاة العيدين. 2- مختصر المزنى "1 / 151". 3- الشرقة: الشمس. 4- غي الأصل: "فروة" وهو تحريف. 5- البيت في "ديوان الهذليين" وشرحه للسكري "1 / 9" وجمهرة أشعار العرب "ص 314" والمفضليات "2 / 221" المقاصد النحوية "3 / 494 – هامش الخزانة" وشرح شواهد المغنى "1 / 263" والشعر والشعراء "2 / 452" والحماسة البصرية _ ص 95" ومعاهد التنصيص "2 / 164" واللسان [شرق] والطبري "2 / 26" وغيرها كثير والبيت من قصيدته البديعة في رثاء أولاده يقول: إن المصائب المتتباعة تركته كهذه الصخرة التي وصفها والشرق: المصلي بمنى.

باب الخوف

باب الخوف ... باب في الخوف سمعت المنذري يقول: سمعت أبا الهيثم يقول: كسفت الشمس إذا ذهب ضوءها وأنشد بيت جرير في مرثية عمر بن عبد العزيز: الشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمر1 وكسف القمر إذا ذهب ضوءه قال وكسف حال الرجل إذا تغيرت قال: وكسفت الشمس وخسفت بمعنى واحد فهي تكسف وتخسف وقال الفراء في قول الله عز وجل: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} 2 وقال: ذهب ضوءه وخسف بالرجل إذا أخذته الأرض فساخ3 فيها. والخاسف من الرجال المهزول الجائع يقال عين خاسفه وهي التي فقئت حتى غارت حدقتها. وقال الليث: الشمس تخسف يوم القيامة خسوفا وهو دخولها في السماء كانها تكورت في حجر.

_ 1- البيت في "ديوان" "ص 304" وأمالي المرتضى "1 / 29" الأزمنة والأمكنة "2 / 313" للمرزوقي – طبعة حيدر آباد" و "الكامل" للمبرد "2 / 273" واللسان "كسف". والبيت من قصيدته المكونة من "3" أبيات في رثاء عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه وقيل البيت يقول: تنعى النعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حج بيت الله واعتمرا حملت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا والبيت في " تأويل مشكل القرآن" "ص 168 – السيد صقر" بلا نسبة. وقوله: " ياعمرا " ندبة أراد: ياعمراه وإنما الألف للندبة وحدها والهاء تزاد في الوقف لخفاء الألف فإذا وصلت لم تزدها تقول: ياعمرا ذا الفضل فإن وقفت قلت ياعمراه فحذف الهاء في القافية لاستغنائه عنها. وانظر: " الكامل" للمبرد "2 / 273" ففيه تفصيل مفيد. أي: أنه خير من حج بيت الله في وقته 2- سورة القيامة الآية 8 3- في الأصل: "فساح" بالحاء المهملة وهو تحريف.

وفي حديث آخر رواه سمره بن جندب: "ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس في المسجد في كسوف الشمس والمسجد يأزز 1. معنى قوله يأزز انه غص باهله حتى لا مزيد فيه لدفع بعضهم بعضا وكثرتهم وهو من قولك اززته أؤزه أزا إذا دفعته وازعجته

_ 1- الحديث أخرجه أبو داود برقم "1184" والنسائي "3 / 140" وأحمد "5 / 16" وابن حبان "597" والطبراني في "كبيره" "ج 7 برقم 6797 – 6798" والحاكم "1 / 329" من حديث سمرة بن جندب. وفي الإسناد ثعلبة بن عباد لم يوثقه الا ابن حبان وجهله ابن المديني. زقال الخطابي في: "إصلاح غلط المحدثين" "ص 39 – إصدار مكتبة القرآن": "رواه غير واحد من المشهورين بالراوية فإذا هو بارز من البروز وهو خطأ ورواه بعضهم: فإذا هو يتأزز" اهـ وانظر اللسان: [أزز] .

باب في الاستسقاء

باب في الاستسقاء قال الشافعي: - رحمه الله -: "وإن كان عليه ساج جعل ما على عاتقه الايسر على عاتقه الايمن"1 والساج الطيلسان المقور ينسج2 كذلك وجمعه سيجان والمقور من قورت البطيخ والجيب. وقوله: "كانت عليه خميصه سوداء"3 قال ابن شميل: الخميصه البرنكان وهو الخميصه السوداء وهي الكساء الأسود المعلم الطرفين وهو قول أهل الحجاز والعرب يقولون البر كان بغير نون مشدد الراء. قال الاصمعي الخميصه كساء من خز وصوف قال أبو عبيد هي كساء اسود مربع له علمان. وقوله في دعاء الاستسقاء: "فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا" أي امنن علينا بستر ما عملنا من الذنوب التي كسبنا قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} 4 أي يعملها. وقوله: "واذا كانت ناحية جدبه وأخرى خصبه"5 فالجدبه التي تمطر ولم يصيبها غيث والخصبه التي قد غيثت فأمرعت يقال جدبت الأرض واجدبت إذا املحت وخصبت واخصبت إذا امرعت. وقوله: "ويصلي صلاة الاستسقاء حيث لا يجمع من بادية وقرية لانها ليست باحالة"6 فرض معناه انها ليست كالجمعة التي كانت ظهرا وهي أربع

_ 1- مختصر المزنى "1 / 163". 2- في الأصل: " يسيح" وهو تحريف. 3- مختصر المزنى "1 / 164". 4- سورة الشورى الآية 23. 5- مختصر المزنى "1 / 165" 6- المصدر السابق.

ركعات فاحيلت جمعة وجعلت ركعتين وسقط الظهر. وقوله: "اللهم سقيا رحمه لا سقيا محق"1 أي أسقنا سقيا رحمة وهو أن يغاث الناس غيثا نافعا لا ضرر فيه ولا تخريب والمحق ذهاب البركة وقلة الخير ويوم ماحق شديد الحر يحرق كل شيء قال الهذلي2: في ماحق من نهار الصيف محتدم3 الآكام والظراب: وقوله: "اللهم على الاكام والظراب وبطون الاودية والتلال". الآكام جمع الاكمة وهو ما ارتفع من الأرض والظراب الروابي الصغار واحدها ظرب وإنما خص الآكام والظراب لأنها أوفق للراعية من شواهق الجبال وبطون الاودية اوساطها التي يكون فيها قرار الماء واحدها بطن والتلال ما ارتفع من الارض.

_ 1- المصدر السابق "1 / 156 – 166" وهذا الحديث ضعيف وهو عند الشافعي في "الأم" "1 / 222" ومختصر المزنى "1 / 165 / 166" ومن طريقة البيهقي "356" من طريق ابراهيم بن محمد حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب مرفوعا به. وهذا إسناد ضعيف جدا فيه علتان: الأولى: ابراهيم هذا – شيخ الشافعي – متروك الحديث بل متهم ثانيا: الإرسال. ولكن قد صحت أحاديث في الاستسقاء كثيرة منها ما في الصحيحين من حديث أنس بلفظ: "اللهم حوالينا ولا علينا, اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر" وانظر: "زاد المعاد" "1 / 456 – 461". 2- هو ساعدة بن جؤية الهذلي, كما في "اللسان" وديوان الهذلين وشرحه. 3- عجز بيت وصدره: ظلت صوافن بالأرزان صاوية والبيت في " ديوان الهذلين " "1 / 197" ضرح أشعارهم "3 / 1128" وتهذيب إصلاح المنطق "2 / 98" والمخصص "9 / 71" والأساس واللسان [محق] وشرح شواهد المغنى "1 / 157" وغيرها كثير من قصيدته الطويلة التي يرثى بها من أصيب يوم معيط وأولها: ياليت شعري ولا منجى من الهرم أم هل على العيش بعد الشيب من ندم؟ ظلت: يعني: بقر الوحش والصوافن: القائمة ويقال هي القائمة على أطرف أيديها والأرزان: موضع تمسك الماءفيها صلابة واحدتها رزن ورزن وصاوية الذابل ويوري: "صادية" بالدال بدلا من الواو وصادية يابسة من العطش ومحتدم شديد الحر.

وقوله: "اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا" أي اسقنا مطرا يغيث الخلق فيرويهم ويشبعهم وقوله "مريئا" أي لا وباء فيه هنيئا أي مسمنا للمال. الغدق والمجلل والسح وقوله: "اجعله غدقا" الغدق والمغدق الكثير الماء والخير ويجوز الغدق قال الله عز وجل: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً, لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} 1 والهنئ المرئ الناجع للمال حتى يسمن عليه ومرؤ الماء إذا كان نميرا والمريع ذو المراعه والخصب وامرعت البلاد إذا اخصبت والمجلل الذي يعم العباد والبلاد نفعه ويتغشاهم خيره والطبق العام الذي قد طبق البلاد مطره والسح الكثير المطر الشديد الوقع على الأرض يقال سح الماء يسح إذا سال من فوق إلى اسفل وساح يسيح إذا جرى على وجه الأرض واللاواء شدة المجاعة يقال اصابتهم لأواء ولولاء وشصاصاء وهي كلها السنه والجهد وقلة الخير وارض جهاد2 لا تنبت شيئا والضنك الضيق وبركات السماء كثرة مطرها ومائها مع الريع والنماء وبركات الأرض ما يخرج الله من نباتها وريعها وزروعها حتى يخصب بها الناس ومواشيهم. وقوله: "أرسل السماء علينا مدرارا" أراد بالسماء ها هنا السحاب وجمعها سمى والمدرار الكثير الدر والمطر.

_ 1- سورة الجن الآيتان 16 , 17 2- أرض جهاد أي: أرض مستوية أنبتت أو لم تنبت. والجهاد أيضا: الصحراء وأيضا: الأرض الصلبة. انظر: " المعجم الوسيط" "1 / 147".

باب في الجنائز

باب في الجنائز يقال للسرير إذا سوى عليه الميت وهيىء للدفن: - جنازة - بكسر الجيم ولا يسمى جنازه حتى يشد الميت مكفنا عليه وأما الجنازه بفتح الجيم1 فهو الميت نفسه يقال ضرب فلان حتى ترك جنازة وقد جنز الميت تجنيزا إذا هيئ امره وجهز وشد على السرير واصل التجنيز تهيئة الميت وتكفينه وشده على السرير. قال الشافعي: "ويغسل الغاسل رأس الميت ولحيته ويسرحهما رفيقا"2 أي يرجل شعرهما ترجيلا رفيقا واصل التسريح الإرسال والشعر يتلبد ويتعقد فيسترسل بالمشط ويقال للمشط المسرح والمرجل وصفحتا العنق وصفقاه ناحيتاه. وقوله: "لا يفغر فاه" أي لا يفتحه يقال فغرت فاه ففغر أي فتحته فانفتح لازم ومتعد والماء القراح الخالص الذي لم يجعل فيه كافور ولا حنوط وفلان يشرب الماء القراح إذا خلا على الماء ولم يجد مأكولا والقراح من الأرض ما لا شجر فيها والقرواح البارز من الأرض الذي ليس فيه شجر ولا بناء يقال هذا مطر يذر منه البقل ولا يقرح فمعنى يذر منه البقل أي يطلع ويظهر وهو يذر من ادنى مطر ولا يقرح البقل الا من ثرى يكون قدر ذراع وتقريحه نبات أصله وظهور عوده. وقوله صلى الله عليه وسلم لهن حين القى اليهن حقوه: "أشعرنها اياه" 3. والحفوة والحقو الازار وجمعه حقى4.

_ 1- وبكسرها أيضا اللسان [جنز] 2- مختصر المزنى "1 / 169 – 170" 3 هو قطعة من حديث متفق عليه عن أم عطية رضى الله عنها. انظر: " أحكام الجنائز" "ص 48 – للشيخ الألباني" 4- ويجمع أيضا على: "أحقاء وأحق وحقاء" انظر: "اللسان" [حقا]

وقوله: "أشعرنها إياه" أي إجعلنه شعارها الذي يلي جسدها والحقو عند العرب الإزار الذي تؤزر به العوره ما بين السره والركبه وازار الليل ملاءة تجلل جسده كله. وقوله في المحرم: "لا تخمروا رأسه" أي لا يغطى ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خمروا آنيتكم" 1 أي غطوها. وقوله في عدد الاكفان: "ثلاثة أثواب بيض رياط"2 فالرياط واحدتها ريطة وهي الملاءة البيضاء التي ليست بملفقه من شقتين. وفي الحديث: "ان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب سحوليه" 3. سحول - بفتح السين 4- مدينه بناحية اليمن تحمل منها ثياب يقال لها السحوليه وأما السحول بضم السين فهي الثياب البيض واحدها سحل وقد يجمع سحلا كما يجمع رهن رهنا وسقف سقفا وقال الشاعر5: كالسحل البيض جلا لونها ... هطل نجاء الحمل الاسول6 الحمل السحاب الأسود والاسول الذي قد استرخت نواحيه على الأرض وقوله جلا لونها أي كشف لونها النجاء جمع النجو وهو

_ 1- هو قطعة من حديث متفق عليه من حديث جابر رضى الله عنه. 2- مختصر المزنى "1 / 173" 3- جزء من حديث متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنه, وانظر: "أحكام الجنائز" "ص 63". 4- في "اللسان" [سحل] :بضم السين والحاء المهملة ومنها قول طرفة بن العبد [ديوانه: 79] : وبالسفح آيات كان رسومها ... يمان وشته ريدة وسحول وريدة وسحول: قريتان باليمين وانظر: معجم البلدان [سحل] 5- هو مدخل الهذلي. 6- البيت في: "ديوان الهذليين" وشرح أشعارهم للسكري "3 / 1258" وتهذيب الألفاظ "366" وأمالي القالي" 2 / 124" والمخصص "4 / 71, 9 / 100" واللسان "حمل – سحل" وعجزة في "الملاحن" لابن دريد "ص 26" وشرح ما يقع فيه التصحيف "ص 277" وشرح الحماسة للمرزوقي "ص 1715 – عبد السلام هارون وآخر" وغيرها. وفي جميع ماتقدم: "سح" بدلا من "هطل".

السحاب الذي قد هراق ماءه وجمعه نجاء وهطله: صبه الماء وقوله: "وتجمر الاكفان بالعود حتى يعبق بها" أي تبخر به على النار حتى تلصق رائحته الطيبه بها يقال عبق به رائحة الطيب أي لصق قال طرفه: ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هداب الازر1 يريد عبق رائحة المسك لا انه عبق نفس المسك به وقول المزني: "هذا أحسن في كرامته من انتهاك حرمته" أي من المبالغه في تناول حرمة عورته وكشفه وهو افتعال من النهك يقال انهكه عقوبه أي بالغ في عقوبته ويدخل في الحنوط الكافور وذريرة القصب والصندل الأحمر والأبيض ويقال للزرع الذي بلغ أن يحصد حنط الزرع واحنط وكذلك الرمث والغضا إذا ابيضا بعد شدة الخضره فهو حانط وأنشد شمر: تبدلن بعد الرقص في حانط الغضا ... أبانا وغلانا به ينبت السدر2 تبدلن يعني الابل كانت في بلد مكلئ ترقص فيه من النشاط فوقعت إلى بلد كرهته. قال الشافعي: 3 - رحمه الله -: "ويوضع الميت من الكفن بالموضع الذي يبقى من عند رجليه منه اقل مما عند رأسه ثم يثنى عليه صنفة الثوب الذي يليه" صنفة الثوب زاويته وكل ثوب مربع له اربع صنفات وهي زوايا الازار والملاءه وقيل صنفة الثوب طرته وروى الشافعي: ان النبي صلى الله عليه وسلم 1- البيت في "ديوانه" "ص 55" ومختارات ابن الشجري "1 / 36" و"البلاغة" للمبرد "ص 84" والبديع لأسامة بم منقذ "223" والعقد الفريد "5 / 359" واللسان "عبق لحف" والمخصص "11 / 204" من قصيدة له يصف أحواله وتنقلة في البلاد ولهوه وأول القصيدة: أصحوت اليوم أم شافتك هر؟ ... ومن الحب جنون مستعر يلحقون الأرض: يغطون الأرض بجر ذيولهم عليها كبرا الهذاب: الخيوط التي تبقى في طرفي الثوب من عرضيه دون حاشيتيه الأرز الواحد: ازار كل ثوب يؤتزر به أي: يستتر به.

_ 2- البيت في "اللسان" [حنط] : بلا نسبة. 3- مختصر المزنى "1 / 174".

سطح قبر ابنه ابراهيم ووضع عليه حصباء من حصباء العرصه, فاما تسطيحه فتسويته مربعا مرفوعا عن وجه الأرض كما يسطح السطح المربع والحصباء ما صغر من الحصى والريح الحاصب التي ترمي بالحصباء والعرصه عرصة الوادي وهي كل جوبة منفتقه يجمع السيل فيها الحصى الصغار. وقوله: "فإن اشتجروا في الكفن فثلاثة اثواب إن كان وسطا ومن الحنوط لا سرفا ولا تقصيرا" اشتجروا يعني الورثه أي تشاحوا واختلفوا وتنازعوا إن كان وسطا إن كان بين الغنى والمقل والسرف ما جاوز القدر المعروف مثله والسرف الخطأ ايضا يقال اردتكم فسرفتكم أي اردت اتيانكم فأخطأتكم. والشهيد: الذي قتله المشركون في المعركه سمى شهيدا لان الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم شهدا له بالجنه قال ابن شميل الشهيد الحي تأول قول الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 1 وقيل: سمى شهيدا لان ملائكة الرحمه تشهده فترفع روحه وقيل بل سمي شهيدا لأنه من جملة من يستشهد يوم القيامة على الامم الخاليه قال الله عز وجل: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} 2 فهو على التأويل شهيد بمعنى شاهد. واما الشهيد من اسماء الله عز وجل فهو الامين في شهادته وقيل هو الذي لا يغيب عنه شيء وقيل سمي شهيدا لسقوطه بالارض والارض تسمى الشاهده يقال استشهد فلان إذا قتل شهيدا. واما قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 3 فمعناه اشهدوا شاهدين يقال استشهدت فلانا إذا سألته اقامة شهادة احتملها لك. ومعترك القتال: مزدحم الحرب والعراك الزحام وذلك أن بعضهم يعرك بعضا ضربا وقتلا.

_ 1- سورة آل عمران الآية 169. 2- سورة البقرة الآية 143. 3- سورة البقرة الآية 282.

قال الشافعي: "ويضع ياسرة السرير المقدمة"1 وإن شئت المقدمة فمن قال المقدمة فمعناها المتقدمة منه قوله عز وجل: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ} 2 أي لا تتقدموا يقال: قدم وتقدم واستقدم بمعنى واحد ومقدمه الجيش بكسر الدال من هذا من قال المقدمه أراد التي قدمت. وقوله في الدعاء للميت: "وقد جئناك راغبين اليك شفعاء له" أصل الشفع الزياده قال الله عز وجل: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} 3 أي يزيد عملا إلى عمل وعين شافعة تنظر نظرين فكأن المصلين على الميت إذا دعوا له طلبوا أن يزاد بدعائهم رحمة إلى ما استوجب منهم بعمله أو بتوحيده. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لاهل الكبائر من امتي" 4 وهي للموحدين الذين ارتكبوا الكبائر يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعفى لهم عن ذنوبهم ويزدادوا كرامة على ما استوجبوا بتوحيدهم خالقهم عز وجل والله اعلم 251 - وقوله الاشحاء من ولده واهله أي الاضناء كانوا بحياته المشفقين عليه واصل الشح البخل وواحد الاشحاء شحيح 252 - وقوله إن عفوت عنه فاهل العفو أنت معناه إن تفضلت بالعفو عن ذنوبه فاهل الفضل انت وقال ابن الاعرابي في قوله سلوا الله العفو والعافيه والمعافاه قال العفو عن الذنوب والعافيه من الاسقام والمعافاة يريد ما بينك وبين الناس من المظالم أي سلوه أن تعفوا عنهم ويعفوا هم عنكم قال والعافيه تكون من الاوجاع وتكون من عذاب جهنم وروى عن جعفر بن محمد رضي الله عنه انه قال العافيه موجودة مجهولة والعافية معدومة معروفة أراد بقوله العافيه موجوده مجهولة أن الناس عرفوا لم يعرفوا قدرها حتى

_ 1- انظر: "مختصر الأم" "1 / 179" 2سورة الحجرات الآية 1 3- سورة النساء الآية 85. 4- صحيح: أخرجه أبو داود "4739" وغيره من حديث أنس وانظر تخريجه في " السنة " لابن أبي عاصم برقم "831 – 832"

يبتلوا و"العافيه معدومه معروفه" يعني المبتلي ببليه يعدم معها العافيه فحينئذ يعرف قدرها. وقوله: "اللهم اشكر حسنته" أي اشكر أعماله الحسنة باثابته عليها أضعافها "واغفر سيئته" أي غطها بغفرانك لها و"اعذه من عذاب القبر" أي اجره وآمنه منه. وقوله: "اللهم اخلفه في تركته في الغابرين" أي كن خليفته فيمن اخلف من أهاليه حيطة وشفقة وقياما بامرهم والغابرون الباقون. وقوله: "وارفعه في عليين" أي ارفعه في منازل الابرار من أهل الجنه التي هي في اعلى المنازل والدرجات والعليون من نعت المنازل واحداها على وجمعت على النون وكان حقها أن تجمع على العلالي لانها غير محدوده الواحد وهو كما يقال اطعمنا مرقة مرقين وقنسرين. وروى الشافعي الحديث المرفوع: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا"1 قال الشافعي: "الهجر يدخل فيه الدعاء بالويل والثبور والنياحه" قال الازهري: الهجر في كلام العرب ما يستفحش من الكلام يقال اهجر الرجل في منطقه اهجارا وهجرا إذا افحش فإذا قالوا هجر يهجر هجرا فمعناه الهذيان2. وقوله والمعول عليه يعذب قال شمر العويل الصياح والبكاء يقال اعول اعوالا وعويلا وعول تعويلا إذا صاح وبكى وانشد: فهل عند رسم دارس من معول3

_ 1- حسن: رواه الحاكم "1 / 376" عن أنس بإسناد حسن 2- ومنه قول الشماخ [دياونه: 135] : ممجدة الأعراق قال ابن ضرة عليها كلاما جا فيه وأهجرا 3- عجز بيت لامرئ القيس وصدره: وإن شفائي عبرة مهراقة والبيت من معلقته وديوانه "ص 31" و "جمهرة أشعار العرب" "124" و "شرح المعلقات السبع" للزوزي "ص 7" و "تفسير الطبري" "3 / 127, 12 / 136" وغيرها كثير. المهراق: المصبوب , المعول: المبكي, والعبرة: الدمع , وانظر شرحه في "المعلقات" وغيره كثير.

أي من مبكي وقيل: من مستغاث ومعتمد وكان أهل الجاهليه يوصون مخلفيهم بالنياحه وشق الجيوب والنعي بذكر مآثرهم فكأنهم استحقوا التعذيب بوصاتهم ويدل على ذلك قول طرفه: اذا مت فانعيني بما انا اهله ... وشقى على الجيب يا ابنة معبد1 والتعزيه: التأسيه لمن يصاب بمن يعزو عليه وهو أن يقال له تعز بعزاء الله وعزاء الله قوله عز وجل: {الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 2 وكقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرض وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} 3 من إلى قوله: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} 4 ويقال: لك أسوة في فلان فقد مضى حميمه واليفه فحسن صبره والعزاء اسم اقيم مقام التعزيه. ومعنى قوله تعز بعزاء لله أي تصبر بالتعزيه التي عزاك الله بها مما في كتابه واصل العزاء الصبر وعزيت فلانا أي أمرته بالصبر.

_ 1- البيت في ديوانه "39" وهو من معلقته وفيه يوصى ابنة أخيه أن تبكيه وتشق جيبها عليه وتشيع خبر موته بالثناء عليه وأن تعدد مفاخرة وفي البيت مخالفات شرعية منها شق الجيوب وقد نهى رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم عن هذه الفعلة القبيحة. 2- سورة البقرة الآية 156. 3- سور الحديد الآية 22 4- سورة الحديد الآية 23.

تفسير غريب مما جاء في أبواب الزكاة

تفسير غريب مما جاء في أبواب الزكاه اذا وضعت الناقه ولدا في اول النتاج فولدها ربع والانثى ربعه وان كان في آخره فهو هبع والانثى هبعه فإذا فصل عن امه فهو فصيل فإذا استكمل الحول ودخل في الثانيه فهو ابن مخاض والانثى ابنة مخاض وهي التي اوجبها النبي صلى الله عليه وسلم في خمس وعشرين من الابل إلى خمس وثلاثين ولا يؤخذ فيها ابن مخاض وواحد المخاص خلفه من غير جنس اسمها وإنما سمى ابن مخاض لان امه قد ضربها الفحل فحملت ولحقت بالمخاص من الابل وهن الحوامل فلا يزال ابن مخاص السنه الثانيه كلها فإذا استكمل سنتين ودخل في الثالثه فهو ابن لبون والانثى بنت لبون وهي التي تؤخذ في الصدقه إذا بلغت الابل ستا وثلاثين فإذا امضت الثالثة ودخل في السنه الرابعه فهو والانثى حقه وهي التي تؤخذ في الصدقه إذا بلغت الابل ستا واربعين سميت حقه لانها استحقت أن تركب ويحمل عليها فإذا دخلت في السنه الخامسة فالذكر جذع والانثى جذعه وهي التي تؤخذ في الصدقه إذا بلغت الابل احدى وستين فإذا دخلت في السنه السادسه فالذكر ثنى والانثى ثنيه والثني والثنيه ادنى ما يجزئ في الاضاحي من الابل والبقر والمعزى فإذا امضت السنه السادسه ودخل في السابعه فالذكر رباع والانثى رباعيه فإذا دخل في الثامنه فهو سدس وسديس لفظ الذكر والانثى فيه سواء فإذا دخل في التاسعه فهو حينئذ بازل والانثى بازل بغير هاء فإذا دخل في العاشره فهو مخلف ثم ليس له بعد ذلك اسم ولكن يقال مخلف عام ومخلف عامين وبازل عام وبازل عامين ويقال انما سمى بازلا لطلوع بازله وهو نابه ثم لا اسم له بعد ذلك1. وقوله: صلى الله عليه وسلم: "فيها حقة طروقة الفحل" 2 الطروقه: التي قد

_ 1- انظر: "فقه اللغة" للثعالبي "62 – طبعة دار مكتبة الحياة" و "كتاب الفرق" لقطرب "100 – 104" وهامشه. 2- جزء من حديث طويل عند أبي داود "1567" وغيره من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو صحيح.

ضربها الفحل واستحقت أن يضربها الفحل يقال طرق الفحل الناقه إذا ضربها يطرقها طرقا والفحل نفسه يسمى طرقا قال الراعي: كانت هجائن منذر ومحرق ... اماتهن وطرقهن فحيلا1 قال الشافعي: - رحمه الله -: "وإن كان الفرضان معيبين بمرض أو هيام أو جرب وسائر الابل صحاح"2 أراد بالفرضين ابنة المخاص وابن اللبون يجب أحدهما فيما فرض فيه فلا يكونان في الابل الا معيبين. والهيام: داء يصيب الابل من ماء تشربه مستنقعا يقال بعير هيمان وناقة هيمى وجمعها هيام وهذا قول ابي الحجاج وقيل الهيام داء يصيب الابل فتعطش ولا تروى وهذا قول ابي الجراح وقال الفراء في قول الله عز وجل: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} 3 قال الهيم الابل التي يصيبها داء فلا تروى من الماء واحدها اهيم والانثى هيماء والجمع هيم. قال الأزهري وأمراض الابل كثيره وتفسيرها يطول. وقوله: "وان وجبت عليه جذعه لم يكن لنا أن نأخذ منه ماخضا الا أن يتطوع"4 والماخض الحامل التي قد دنا ولادها وقرب نتاجها. وقوله: "واذا كانت ابله كرما لم نأخذ منها الصدقه دونها كما لو كانت لئاما كلها لم نأخذ منها كرما"5 فالكرم الإبل الكريمه النجار يقال بعير كرم وناقة كرم وإبل كرم لفظ الواحد والاثنين والجماعة

_ 1- البيت في "جمهرة أشعار العرب" "ص 428" والبيان للجاحظ "3 / 96" وأساس البلاغة واللسان [فحل] واللسان [طرق] والبيت من قصيدة طويلة جدا رواها أبو زيد القرشي في "جمهرة أشعار العرب" "427 – 433" وأولها: ما بال دفك بالفراش مذيلا أقذى بعينك: أم أردت رحيلا؟ المنذر والمحرق: من ملوك الحيرة. 2- مختصر المزنى "1 / 192" 3- سورة الواقعة الآية 55 4- مختصر المزنى "1 / 193" 5- السابق "1 / 194".

والذكر والانثى سواء لان الكرم مصدر كرم كرما والمصدر لا يجمع كما يقال رجل عدل وامرأة عدل ورجلان عدل وقوم عدل. وقوله: "إذا عد الساعي عليه ابله فلم يأخذ منه حتى نقصت"1 الساعي عامل الصدقات وهم السعاه واصل السعى العمل وخص عامل الصدقات بهذا الاسم. وقوله: "ان فرط في دفعها فعليه الضمان"1 فرط أي قصر وهو التفريط وأما الافراط فهو مجاوزة الحد والاسراف وكلاهما مذموم. واما اسنان البقر فجاء في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وامره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل اربعين مسنا. فالتبيع الذي أتى عليه حول من أولاد البقر والمسنه التي قد صارت ثنيه ويجذع البقر في السنه الثانيه ويثنى في السنه الثالثه فهو ثني والانثى ثنيه وهي التي تؤخذ في اربعين من البقر ثم هو رباع في السنه الرابعه وسدس في الخامسه ثم صالغ في السادسه وهو اقصى اسنانه يقال صالغ سنه وصالغ سنتين فما ذاد2. و"الأوقاص في الابل والبقر والغنم ما بين الفريضتين وقد عفى عنها وعن صدقتها" واحدها وقص3 ووقص واول وقص الابل أن فرض خمس من الابل شاه وفي عشر شاتان وما بين الخمس والعشر وقص وكذلك ما بين خمس وعشرين وست وثلاثين وقص وكذلك ما اشبهها في الصدقات كلها وأما أسنان الغنم فان ابا زيد وغيره من أهل العربية قالوا يقال لاولاد الغنم ساعه تضعها امهاتها من الضأن والمعز ذكر كان أو أنثى سخله وجمعها سخال ثم هي بهمه للذكر والأنثى وجمعها بهم فإذا بلغت أربعة

_ 1- مختصر المزنى "1 / 194" 2- انظر "فقه اللغة" "62 – 63" 3- انظر: "اللسان" [قص] .

أشهر وفصلت عن أمهاتها فما كان من أولاد المعزى فهي جفار واحدها جفر والأنثى جفره فإذا رعى وقوى فهو عريض وعتود وجمعها عرضان وعدان وهو في ذلك كله جدي والانثى عناق ما لم يأت عليها الحول وجمعها عنوق جاء على غير قياس والذكر تيس إذا اتى عليه الحول والانثى عنز ثم يجذع في السنه الثانيه فالذكر جذع والانثى جذعه ثم يثنى في السنه الثالثه فالذكر ثني والانثى ثنيه ثم يكون رباعيا في الرابعه وسدسا في الخامسه وصالغا في السادسه وليس من الصالغ سن1 وأما الجذع من الضان فان أهل العلم يحتاجون إلى معرفه اجذاعه لأنه اجبر في الاضاحي وهو يخالف المعزى فاخبرني المنذري عن ابراهيم الحربي انه قال سمعت ابن الاعرابي يقول الجذع من الضان إذا كان ابن الشابين2 فانه يجذع لسة اشهر إلى سبعة اشهر وإذا كان ابن هرمين اجذع لثمانية اشهر قال الحربي وقال يحيى بن ادم انما يجزئ الجذع من الضأن دون المعزى لأنه ينزوفيلقح وإذا كان من المعزى لم يلقح حتى يثنى وروى أبو حاتم3 عن الاصمعي انه قال الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية اشهر أو تسعة اشهر قال والبقر إذا طلع قرنه وقبض عليه يقال له عضب ثم بعده جذع. وروى عن عمر رضي الله عنه انه قال: "لا يأخذ المصدق الاكولة ولا الربى ولا الماخض ولا تيس الغنم" قال: "ويأخذ الجذعه والثنيه". وذلك عدل بين غذاء المال وخياره والاكولة هي التي تسمن للاكل وليست بسائمه واكيلة الذئب والاسد فريسته والربى هي القريبة العهد بالولاده يقال هي في ربابها ما بينها وبين خمس عشره ليله وجمعها رباب وهي من

_ 1- انظر: "فقه اللغة" "63" والفرق لقطرب "104 – 107" وحواشيه للذكور: خليل إبراهيم عطية. 2- في الأصل: "الشاتيين" وهو تحريف والتصويب من اللسان [جذع] . 3- هو: سهل بن محمد السجستاني "165 – 255 هـ" كان تلميذا للأصمعي وقد فرغنا من ترجمته في مقدمة: "كتاب المعمرين والوصايا".

الإبل عائذ وجمعها عوذ ومن ذوي الحافر فريش1 وجمعها فرش ومن الادميات نفساء وجمعها نفاس2 ونفساوات والماخض الحامل التي اخذها المخاض لتضع والمخاض وجع الولادة قال الله عز وجل: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلى جِذْعِ النَّخْلَةِ} 3 أي الجأها وقد مخضت تمخض إذا دنا ولادها والغذاء صغار السخال والبهم واحدها غذي والشارف المسنة الهرمة والبكرة الصغيرة من ذكور الإبل ويلزمه هذا الإسم إلى أن يسن والشافع من الشاء الحامل ويقال: هي التي يتلوها ولدها قال الفراء: ناقة شافع إذا كان في بطنها ولد ويتلوها آخر. وقال عمر للساعي: لا تأخذ حزرات انفس الناس خذ الشارف والبكر والحزرة خيار المال وجمعها حزرات وانشد شمر: الحزرات حزرات القلب ... اللبن الغزار غير اللجب حقاقها الجلاد عند اللزب4 اللبن: جمع اللبون واللجب جمع اللجبه وهي التي لا لبن لها والجلاد صلاب الابل وخيارها وسمانها يقال لخيار المال حزرة النفس وحزرة القلب لان صاحبها يحزرها في نفسه ويقصدها بقلبه سميت حزره لهذا المعنى ونهى عن اخذ تيس الغنم في الصدقه لأنه اكثرها قيمه. قال الشافعي: "ولو نتجت غنمه وهن اربعون قبل الحول اربعين سخلا ثم ماتت الامهات اخذت منهاواحده ومعنى نتجب أي ولدت كمال يقال نتجت الناقه فهي منتوجه ولا يقال نتجت وإنما ينتجها صاحبها أي يلي نتاجها كما تلي القابله ولادة الادميه وانتجت الفرس إذا حملت فهي نتوج

_ 1- انظر الفرق لقطرب ص 89 والفريش من الحافر التي أتى عليها من نتاجها سبعة أيام وانظر لسان العرب مادة فرش. 2- بضم النون وكسرها. 3- سورة مريم الآية 23 4- اللزب تحرفت في الأصل إلى: "اللبن" والأشطار الثلاثة في "اللسان" [حزر] بلا غزو.

ولا يقال منتج هذا في الحافر خاصه وولد البقره عجل وجمعه عجاجيل وعجول اول ما تلده ثم هو تبيع إذا اتى عليه سنه واجناس البقر منها الجواميس واحدها جاموس وهي من انبلها واكرمها واكثرها البانا واعظمها اجساما ومنها الدربانيه وهي التي تنقل عليها الاحمال ومنها العراب وهي جرد ملس1 حسان الالوان الكريمه والمهارى من الابل منسوبة إلى مهرة بن حيدان2 وهم قوم من أهل اليمن وبلادهم الشحر بين عمان وعدن ابين ابلهم المهريه وفيها نجائب تسبق الخيل والارحيبه من ابل اليمن ايضا وكذلك المجيديه 277 - وأما العقيلية فهي نجدية صلاب كرام ونجائها نفيسه ثمينه تبلغ الواحدة ثمانين دينارا إلى مائة دينار والوانها الصهب والادم والعيس والقرمليه ابل الترك والفوالج فحول سندية ترسل في الابل العراب فتنتج البخت الواحد بختي والانثى بختيه. الإغلال والخليطان: قال الشافعي: "ولو غل صدقته عزر إن كان الامام عدلا"3 معنى غلوله صدقته أن يغيبها عن المصدق كيلا تزكى واصله من غلول الغنيمه وهي الخيانه فيها وأما الاغلال فهو الخيانه في الشيء يؤتمن عليه. والخليطان في الماشيه على وجهين: احدهما أن يكونا شريكين لا يتميز مال أحدهما من مال صاحبه لاشتراكهما في اعيانهما. والوجه الثاني أن يكون لكل واحد منهما ابل على حده فيخلطانها ويجمعانها على راع واحد فيكون لما يلزمهما من مئونة الرعي والسقي

_ 1- في الأصل: "وهو جرد ملن" والصواب ما أثبته. 2- في الأصل: "مهرة بن حمدان" وهو تحريف, والتصويب من "جمهرة أنساب العرب" لابن حزام "440 طبعة دار الكتب العلمية" 3- مختصر المزنى "1 / 204".

وغيره والعرب تسميهم الخلطاء والخليطى والخليطي وانشدني بعض العرب: وكنا خليطى في الجمال فاصبحت ... جمالي توالى ولها من جمالكا1 ولها أي تحن إلى ألافها توالى تميز يقال وال الجرب عن الصحاح أي ميزها عنها. قال الشافعي: "واذا جزأت الماشيه عن الماء فعلى المصدق أن يأخذ الصدقه في بيوت اهلها" معنى جزأت أي اكتف بالرطب وهو العشب من بقول الأرض عن شرب الماء2 وذلك أن الابل في الشتاء إذا بكر وسميه وتتابع ودقه3 اعشبت الأرض واخصبت الانعام فاكتفت برطوبة المراعي عن الماء تكون كذلك ثلاثة اشهر أو اربعة اشهر لا تذوق الماء فإذا هاج النبت ويبس البقل واشتد الحر انتقص جزؤها واوردت اعداد4 المياه يقال جزأت واجتزت إذا اكتفت بالرطب عن الماء. وروى في الحديث: "ان النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من رجل بكرا ثم رد عليه جملا رباعيا خيارا" 5 معنى تسلف واستسلف أي استقرض ليرد مثله عليه وقد اسلفته أي اقرضته والسلف القرض واصله من قولهم سلفت القوم أي تقدمتهم ومنه قيل للقرن إذا تقدموا بموت ويخلفهم اولادهم سلف وهو جمع سالف كما يقال خادم وخدم وحارس وحرس والخلف جمع خالف واسلف واسلم بمعنى واحد واستسلاف النبي صلى الله عليه وسلم البكر يدل على جواز السلم في الحيوان لأنه لا يجوز الاستقراض الا فيما له مثل يضبط بالصفد.

_ 1- البيت في "اللسان" [خلط – ولي] بلا نسبة. 2- ومنه قول الشماخ [ديوانه: 331] : إذا الأرطى توسد أبرديه خدود جوازىء بالرمل عين 3- الوسمي: مطر الربيع والودق: المطر كله شديده وهينه. 4- العد: الماء الدائم لا انقطاع له, وجمعه: اعداد. 5- صحيح أخرجه مالك "2 / 680 برقم 89 – طبعة الحلبي" و "ص 422 برقم 89 – طبعة الشعب" ومسلم "1600 / 118 – 119" وأبو داود "3346" وغيرهم كثير من حديث أبي رافع.

السائمة والنواحة: قال الشافعي: - رحمه الله -:ف" سائمة الغنم زكاه وكذلك الابل"السائمة: وهي الراعية غير المعلوفة يقال سامت الماشيه تسوم سوما إذا رعت وأسامها راعيها إذا رعاها والسوام ما رعي من المال قال الله عز وجل: {فِيهِ تُسِيمُونَ} أراد - والله اعلم - بالشجر اصناف المرعى من العشب والخلة والحمض وغيرها مما ترعاها المواشي والنواضح هي السواني وهي التي يستقى بها الماء للمزارع والنخيل واحدها ناضح وناضحه.

باب ماجاء في زكاة الثمار والحبوب

باب ماجاء في زكاة الثمار والحبوب ... ما جاء في زكاة الثمار والحبوب النجد والومد: قال الشافعي: - رحمه الله -: "وثمر النخل يختلف فثمر النخل يجد بتهامه وهي بنجد بسر وبلح"1 يجد أي يصرم ويقطع يقال جاء زمان الجداد والجداد أي وقت قطاف ثمر النخل. قال الجوهري2: هذا زمن الجداد والجداد –بالدال لا غير- مثل الصرام والصرام والقطاف والقطاف وتهامه حاره ومدة يسرع ادراك نخلها. والومد الندى مع الحر ونجد بارد طيب الهواء فادراك ثمر نخله يتأخر بعض التأخر وتهامه هي الغور ومكه تهاميه وهي قريبه من البحر ونجد عاليه مرتفعه عريضه بها الحزن والصمان وضريه واليمامه والدهناء وابان وسلمى وما والاها وثمر النخل ما دام ابيض عن انشقاق كافوره عنه يكون ابيض صغارا ثم يخضر فيصير بلحا ثم يزهو ويقال يزهى فيصفر ويحمر وهو حينئذ بسر ثم يرطب بعد ذلك ثم يثمر. قال الشافعي: "واذا كان آخر اطلاع ثمر نخل اطلعت قبل3 أن يجد فالاطلاع التي بعد بلوغ الاخره كاطلاع تلك النخل عاما اخر لا تضم الاطلاعه إلى العام قبلها"4 ومعنى هذه المسألة أن النخل لا يخرج طلعها في وقت واحد حتى يكون ادراكها في وقت واحد كان لرجل حائطا من نخل فمنها المبكار ومنها المئخار ومنها نخيل يخرج طلعها كله في شهر واحد ومنها نخيل يكون بين اول الاطلاع وآخره وثلاثة اشهر ومنها نخيل كرام ولا تزال تطلع في فصول السنه فإذا كان في اطلاع

_ 1- مختصر المزنى "1 / 224" 2- كذا بالأصل وأراه دخيل من الناسخين فالجوهري توفي سنة 454هـ 3- في الأصل: "قبل نجد" وهو تحريف والتصويب من "مختصر المزنى" 4- السابق "1 / 224 – 225".

النخيل كل هذا التفاوت وجب أن ينظر إلى وقت الصرام1 فكل طلع يخرج إلى ذلك الوقت بعضه فقد دخل في صرام تلك السنه ويضم بعضه إلى بعض ويزكى وان كان بعضه مستأخر الادراك لاستئخار اطلاعه وما اخرجت النخله والنخلات من طلع بعد وقت صرام ما ادرك لم يضم إلى هذه السنة وضم إلى صرام عام قابل. قال أبو منصور: وانما شرحت هذه المسأله هذا الشرح لان من لم يقم في النخيل ولم يمارسها لم يقف على تفاوتها ولم يهتد لتفسيرها والبردى والكبيس من اجود تمران أهل الحجاز والجعرور ومصران الفارة2 وعذق ابن حبيق من اردئها والعذق النخله نفسها بفتح العين والعذق الكباسه ويقال له من العنب العنقود وقوله حين يتموه العنب تموه العنب أن يصفو لونه ويظهر ماؤه ويذهب عفوصه حموضته ويستفيد شيئا من الحلاوه فان كان ابيض حسن قشره الاعلى وضرب إلى البياض وان كان اسود فحين يوكث3 ويظهر فيه السواد والجرين الموضع الذي يجمع فيه الثمر إذا صرم ويشرر ويترك حتى يتم جفافه ثم يكنز في الحلال وأهل البحرين يسمونه الفداء ممدود وأهل البصره يسمونه المربد4. صدقة الزرع والحبوب: واما الحبوب فمنها الحنطه والشعير والذره وهي معروفه والسمراء هي ضرب من الحنطه والعلس جنس من الحنطه يكون في الكمام منها الحبتان والثلاث والسلت حب بين الحنطه والشعبر لا قشر له كقشر الشعير فهو كالحنطه في ملامسته وهو كالشعير في طبعه وبرودته والقمح الحنطه واما القطنيه فهي حبوب كثيره تقتات وتطبخ وتختبز فمنها الحمص بكسر الميم

_ 1- الصرام: جنى الثمر, وأوان النضج. 2- في الأصل: " مصران الفار" وهو خطأ والتصويب من اللسان [مصر] . 3- وكث البسر: وقعت فيه نقطة من الإرطاب. 4- ما يجفف فيه التمر.

وتشديدها - وهي لغة أهل البصره وأما أهل الكوفه فيقولون: حمص - بفتح الميم هكذا قال ثعلب ومنها العدس ويقال له البلس بضم الباء والبلس هو التين ومنها الحلز1 وهو الماش فيما روي ثعلب عن ابن الاعرابي ويقال للماش ايضا الزن ومنها الجلبان وهو الذي يقال له القفص ومنها اللوبياء وهو الدجر والحنبل والاحبل واللياء ومنها الجاروس والدخن وحبهما صغار وهما من جنس الذره غير أن الذره اضخم منها واصولها كالقصب ولها عذوق كبار وهي من اقوات أهل السواد وأهل الساحل ومنها الفول وهو الباقلا وهو الجرجر ما صغر منه حبه والطف الذره. واما الفث 2: فهو حب بري ليس مما ينبته الادميون فإذا قل لاهل الباديه ما يقتاتونه من لبن أو تمر اخذوا الفث فطحنوه ودقوه واختبزوا منه في المجاعات على ما فيه من الخشونه وقلة الخير سميت هذه الحبوب قطنيه لقطونها في بيوت الناس يقال قطن بالمكان قطونا إذا اقام ويقال للارز رز ورنز وهو من القطنيه ايضا وأما الحبوب التي لا تقتات وانما تؤكل تفكها أو يتداوى بها أو تقزح بها القدور فمنها الثفاء وهو الحرف وأهل العراق يسمونه حب الرشاد ومنها التقده بالتاء وهي الكزبره وأما النقده بالنون فهي الكرويا والجلجلان السمسم والتنوم شجره لها حب كحب الشهدانج3. وقال ابن الاعرابي فيما روى عنه ثعلب العبربي: السماق والعربرب ايضا وقال قدر عبربيه وعربربيه أي سماقيه وهو العترب والعترب وقال والقزح والقزح والفحا والفحا والتابل والفرند4: الابزاز وجمعه فراند والإسبيوش الذي يقال له بزر قطونا وأهل البحرين يسمونه حب الزرقه والإحريض حب

_ 1- في اللسان: "الحلز: ضرب من الحبوب يزرع بالشام" مادة [حلز] . 2- في المعجم الوسيط: " الفث: شجر الحنظل واحدته: فئة" "2 / 699" 3- الشهدانج: نبت وهو كما في " المعجم الوسيط" "1 / 517": " بزر القنب ويسمى في مصر بالشرانق أو الشنارق" اهـ 4- على وزن: فعلل.

العصفر والترمس حب يدخل في العقاقير والادويه. قال الشافعي: - رحمه الله -: "ولا تؤخذ زكاة شيء مما ييبس ويدخر حتى يدرس" يدرس أي يداس وينقى يقال جاء زمن الدراس أي زمن الدياس وقد درس الناس حنطهم أي داسوها قال والذره تزرع مره فتخرج فتحصد ثم تستخلف فتحصد مرة اخرى. وقوله تستخلف أي يخرج ثمرها مرة اخرى من الاصول الاولى وكل زرع يزرع بعد زرع اخر في سنته فهو من الخلف واحدتها خلفه. النضح, والغرب: قال الشافعي: "وما سقى بنضح أو غرب ففيه نصف العشر". والنضح: أن يستسى له من ماء البئر أو من النهر بسانيه من الابل أو البقر. والغرب: الدلو الكبير الذي لا ينزعه من البئر الا الجمل القوي يسنى به وجمعه غروب. وفي الحديث: "ما سقى فتحا ففيه العشر" 1 يفسر الفتح على وجهين أحدهما انه الماء يفجر ويجري في النهر إلى الزرع والنخيل والفتوح ايضا امطار تقع واحدها فتح فيجوز أن يكون المعنى انه يفتح الماء من سيول الامطار في اتي تؤتى إلى المزارع فتسقى به. وفي الحديث: "في الرقه ربع العشر". الرقه: الدراهم المضروبه وهي من الحروف الناقصه وتجمع الرقين ونقصانها حذف فاء الفعل من اولها كأن أصل الرقه ورق كما أن أصل الصله وصل واصل الزنه وزن والعرب تقول: "وجدان الرقين يغطى افن الافين"2 أي وجدان الدراهم يستر حمق الاحمق والورق الدراهم المضروبه وقد يخفف فيقال ورق وورق

_ 1- انظر: اللسان" [فتح] . 2- المثل في: "مجالس ثعلب" "2 / 578" و "مجمع الأمثال" للمدياني "3 / 432 برقم 4377" واللسان [وجد , ورق , أفن] . والأفن: الحمق الافين: الأحمق وبالتحريك – ضعيف الرأي والمثل يصرب في فضل الغنى والجدة.

والرقة في غير هذا ورق البقول الناعمة أول ما يخرج ورقها وللعرفج رقة وللصليان رقة فإذا صلبت يقال لها خوصه وكل أوقيه وزنها أربعون درهما وجمعها أواق وأواقى الياء تشدد وتخفف وقال الله عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} 1 أي تتصدقون وقوله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} 2 يقول لا تخرجوا صدقتكم من أردأ الزرع والثمر ومعنى تنفقون أي تتصدقون وقوله تعالي: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} 2 فيقول لا تأخذون هذا الردئ الذي تتصدقون به في بياعاتكم الا أن تأخذوه تأخذونه برخص التبر كساره الذهب والفضه مما يخرج من المعادن وغيرها مأخوذ من تبرت الشيء إذا كسرته. وقوله: "ولو ورث رجل حليا فارصده لهبه أو عاريه" معنى ارصده أي اعده يقال رصدت فلانا رصدا إذا ترقبته وارصدته ارصادا إذا اعددته لامر ما قال ذلك الاصمعي والكسائي3 قال الله عز وجل: {وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 4 كان نفر من المنافقين بنوا مسجد الضرار في طرف من المدينه وقالوا نرصده لرأس من رؤسائهم كان غائبا ترقبوا به مقدمه من غيبته عليهم. وروى عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال في العنبر: هو شيء دسره البحر دسره أي دفعه إلى الشط حتى التقطه ملتقطه ويقال للشرط التي تخرز بها السفن دسر واحدها دسار يقال دسر فلان جاريته دسرا إذا جامعها. قال الشافعي: "ولا يشبه أن يملك مائتي درهم ستة اشهر ثم يشتري بها عرضا للتجارة" فالعرض بتسكين الراء من صنوف الاموال ما كان من غير الذهب والفضه اللذين هما ثمن كل عرض وبهما تقوم الاشياء المتلفة

_ 1- سورة البقرة, الآية 267 2- سورة البقرة, الآية 267 3- هو: أبو الحسن على بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي. انظر ترجمته مفصلة في مقدمة " ماتلحن فيه العامة" تحقيق الدكتور العلامة رمضان عبد التواب – طبعة مكتبة الخانجي – دار الرفاعي. 4- سورة التوبة الآية 107.

يقال اشتريت من فلان عبدا بمائة وعرضت له من حقه ثوبا أي اعطيته اياه عرضا بدل ثمن العبد وأما العرض محرك الراء فهو جميع مال الدنيا يدخل فيه الذهب والفضة وسائر العروض التي واحدها عرض. قال الشافعي: "فاذا نض العرض بعد الحول أي صار نقدا ببيع أو معارضه". فالناض: من المال ما كان نقدا وهو ضد العرض يقال باع فلان متاعه ونضضه فنض في يده اثمانها أي حصل مأخوذ من نضاضه الماء وهي بقيته وكذلك النضيضه وجمعها النضائض. قال الشافعي: "ولو اشترى شيئا للتجاره ثم نواه لقنيه لم يكن عليه زكاه"1 والقنيه المال الذي يؤثله الرجل ويلزمه ولا يبعه ليستغله كالذي يقتني عقدة تغل عليه ويبقى له اصلها واصله من قنيت الشيء اقناه إذا لزمته وحفظته ويقال قنوته اقنوه بهذا المعنى قال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} 2 أي اعطى قنيه من المال يبقى اصلها وتزكو منافعها وريعها كالابل والغنم تقتنى للنتاج وما اشبهها فينتفع مقتنيها بنسلها والبانها وأوبارها وأصلها باق له.

_ 1- مختصر المزنى "1 / 243" 2- سورة النجم الآية 48.

باب في المعادن

باب في المعادن الركاز على وجهين: فالمال الذي وجد مدفونا تحت الأرض ركاز لان دافنه كان ركزه في الأرض كما يركز فيها الوتد فيرسو فيها وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وفي الركاز الخمس" 1 والوجه الثاني من الركاز: عروق الذهب والفضه التي أنبتها الله تعالى في الأرض فتستخرج بالعلاج كأن الله ركزها فيها والعرب تقول اركز المعدن وانال فهو مركز ومنيل إذا لم يحقد المعدن ولم يخب يقال حقد المعدن يحقد إذا لم يخرج شيئا واوشى المعدن إذا كان فيه شيء يسير والسام عروق الذهب والفضه المنسابه تحت الأرض وهو السيب ايضا وجمعه سيوب. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "وفي السيوب الخمس" 2 فإذا حفر الحافر وعمل في المعدن زمانا ولم ينل شيئا قيل حقد المعدن يحقد فهو حاقد واحقد الحافز إذا حقد عليه معدنه وحقدت السماء إذا منعت قطرها والحقد ما يضطغنه المعادى لعدوه من السخيمه سمى حقدا لأنه إذا اعتقده لمعاديه لم ينله خيرا وإذا اصاب الرجل في المعدن قطعه من الذهب فهي ندره وجمعها ندرات وسمى المعدن معدنا لعدون ما انبته الله تعالى فيه أي لاقامته يقال عدن بالمكان يعدن عدونا فهو عادن إذا اقام والمعدن المكان الذي عدن فيه الجوهر من جواهر الأرض أي ذلك كان.

_ 1- متفق عليه: من حديث أبي هريرة انظر: "إرواء الغليل" "812". 2- جزء من حديث وائل بن حجر, ولم أستطع تخريجه وانظر: "البيان والتبيين" "2 / 27", تحقيق عبد السلام هارون.

باب زكاة الفطر

باب زكاة الفطر الزكان زكاتان: زكاة الاموال سميت زكاه لان المال الذي يزكى يزكو أي ينمو أما في الدنيا بأن يبارك الله له فيه وإما في الاخره بان يضاعف له الاجر على ما زكى ويقال للعمل الصالح زكاه لأنه يزكى صاحبه أي يطهره ويرفع ذكره قال الله عز وجل: {خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} 1. واما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} 2 ففيه قولان: أحدهما الذين هم للعمل الصالح عاملون والقول الثاني الذين هم للزكاة مؤتون وأما زكاة الفطر فهي تزكي النفس أي تطهرها وتنمي عملها والاصل في المعنيين من زكا الشيء يزكو إذا نما وكثر. وفي الحديث: "اخرجوا زكاة الفطر عن تمونون" 3 معناه اخرجوا عمن تلزمكم مئونتهم ونفقتهم ممن تعولون يقال منت فلانا أمونه إذا قمت بكفايته وكذلك علته أعوله والأصل في منته الهمز غير أن العرب آثرت ترك الهمز في فعله كما تركوه في ترى ويرى وارى واثبتوه في رأيت كذلك اثبتوا الهمزه في المئونه واسقطوها من الفعل وقد مين فلان يمان مونا إذا قيم بكفايته. قال الشافعي: "بين في السنه أن زكاة الفطر من الثفل" يعني من الاطعمه التي لها ثفل مثل الحبوب التي تختبز ومثل التمر والزبيب. وقوله: "لا تقوم الزكاه ولو قومت كان لو ادى ثمن صاع زبيب ضروع ادى ثمن اصوع حنطه" فالضروع جنس من عنب الطائف كبير الحب يسمى زبيبه ضروعا تشبيها بضروع البقر كما قيل بهراة عندنا لجنس

_ 1- سورة الكهف الآية 81. 2- سورة المؤمنون الآية 4. 3- حسن: أخرجه الدراقطني "2 / 141" ومن طريقة البيهقي في "السنن الكبرى" "4 / 161" من حديث ابن عمر. وانظر تخريجه موضحا بيان حسنه في "الإرواء" برقم "835".

من العنب بستان كأنها ضرع البقر والضروع من خير أعنابهم. قال ابن شميل من ضروب العنب عنب أبيض يقال له أطراف العذارى وعنب يقال له الضروع. وقوله: "لا يخرج زكاة الفطر من مسوس ولا معيب" العامه تقول: حب مسوس للذي دخله السوس وهو خطأ عند أهل اللغة والصواب أن يقال حب مسوس وقد ساس1 ويجوز اساس فهو مسيس ولغه ثالثه ساس الطعام يساس فهو ساس وسائس من السوس وانشد أبو عبيد: قد اطعمتني دقلا حوليا ... مسوسا مدودا حجريا2 وقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقه عن ظهر غنى وليبدأ احدكم بمن يعول" 3 قوله: عن ظهر غنى أي غنى يعتمده ويستظهر به على النوائب التي تنوبه ويفضل من العيال وقوله وليبدأ بمن يعول أي بمن يلزمه عوله والانفاق عليه يقال فلان يعول خمسه أي يمونهم وتلزمه نفقتهم وفي الحديث دلاله أنه لا يجوز للإنسان أن يفرق ما في يده ثم يتكفف الناس.

_ 1- وقع في الأصل: "سـ س" والتصويب من "الكامل" "3 / 390" واللسان [سوس] والأساس] سوس] . 2- الشطران لزرارة بن صعب بن دهر ودهر بطن من كلاب وكان زرارة خرج مع العامرية في سفر يمتارون من اليمامة فلما امتاروا وصدروا جعل زرارة بن صعب يأخذه بطنه فكان يتخلف خلف القوم فقالت العمرية: لقد رأيت رجلا دهريا يمشي وراء القوم سيتهيأ كأنه مضطعن صبيا تريد: أنه قد امتلأ بطنه وصار كأنه مضطعن صبيا من ضخمه وقيل هو الجاعل الشيء على بطنه يضم عليه يده اليسرى فأجابها زرارة قائلا: قد أطعمتني............ الدقل: ضرب رديء من التمر وحجريا يريد أنه منسوب إلى حجر اليمامة وهو قصبتها [اللسان] مادة "سوس". والشطران في "الاساس" [سوس] بلا عزو 3- صحيح: أخرجه أحمد "3 / 329 – 330" وابن حبان في " صحيحه" برقم "826 – موارد" وأبو الجهم في "جزئه" برقم "8 – بتحقيقي" من حديث جابر وانظر جزء أبي الجهم ففيه تخريجه مفضلا.

باب ماجاء منه في الصوم

باب ما جاء منه في الصوم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "لا تصوموا حتى تروه فان غم عليكم فأكملوا العدة" 1 وفي حديث آخر: "فان غمى عليكم" يقال غم علينا الهلال غما فهو مغموم وغمى غمى فهو مغمى وغمى فهو مغمى وكان في السماء غمى مثل غشى وغم فحال دون رؤية الهلال وهو غيم رقيق يقال صمنا للغمى وللغمى وللغمه وللغيمه إذا صاموا على غير رؤية الهلال ويقال غمى عليه إذا غشى عليه ويقال اغمى عليه بمعناه فمعنى قوله: "فان غم عليكم" أي فان ستر رؤيته بغيابه أو غمامه حتى يتعذر رؤيته. وفي حديث آخر: "فإن غم عليكم فاقدروا له" 2 قوله: "اقدروا له" أي قدروا له منازل القمر ومجراه فيها يقال قدر يقدر ويقدر وقدر يقدر بمعنى واحد وفي حديث اخر: "فان غم عليكم فاكملوا العده ثلاثين" يعني قبل الصوم من شعبان حتى تدخلوا في صوم رمضان بيقين وكذلك فاصنعوا في استيفاء ثلاثين يوما من شهر رمضان حتى تكونوا على يقين من الفطر إذا وفيتم عدة رمضان ثلاثين فان قال قائل فما وجه الحديثين وامره مره باكمال العده ومره بالتقدير والحديثان معا صحيحان؟ فالجواب فيه: انه يحتمل معنى قوله: "اقدروا له" احكام العده فيما امر باكماله فاللفظان مختلفان والمعنيان متقاربان وفيه وجه ثان سمعت ابا الحسن السنجاني يقول سمعت ابا العباس بن سريج يقول في توجيه هذين الخبرين أن اختلاف الخطابين من النبي صلى الله عليه وسلم كان على قدر افهام المخاطبين فامر من لا يحسن تقدير منازل القمر باكمال عدد الشهر الذي هو فيه حتى يكون دخوله في الشهر الاخر بيقين وامر من يحسن تقديره من الحساب الذين

_ 1- صحيح: أخرجه البخاري "4 / 102 – 103" من طريق ابن دينار عن ابن عمر به وانظر الفوائد لابن منده برقم "55 – يتحقيقي – إصدار دار الصحابة بطنطا" 2- متفق عليه: من حديث ابن عمر انظر: المصادر السابقه.

لا يخطئون فيما يحسبون وذلك في النادر من الناس بان يحسبوا ويقدروا فان استبان لهم كمال عدد الشهر تسعا وعشرين كان أو ثلاثين دخلوا فيما بعده باليقين الذي بان لهم قال وقال أبو العباس ومما لا يشاكل هذا أن عوام الناس اجيز لهم تقليد أهل العلم فيما يستفتونهم فيه وامر أهل العلم ومن له آلة الاجتهاد بان يحتاط لنفسه ولا يقلد الا الكتاب والسنه وكلا القولين له مخرج والله اعلم. وفي حديث عائشه رضي الله عنها: "ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم وكان املككم لاربه" 1 قال أبو منصور: أي كان املككم لحاجته والارب والأرب والاربه والمأربه والماربه الحاجه المعنى انه كان املك الرجال لحاجته إلى غير القبله لان الله عز وجل عصمه أن يأتي ما نهى عنه ولستم مثله في منع النفس عن هواها فلا تتعرضوا لتقبيل نسائكم في حال صومكم فان ذلك يدعوكم إلى ما لا تملكون من مواقعة الحرام مع غلبة الشهوه. وفي حديث اخر: "ان النبي صلى الله عليه وسلم اتى بعرق من تمر فامر المواقع في شهر رمضان أن يتصدق به"2 قال أبو عبيد: قال الاصمعي العرق السفيفه المنسوجه من الخوص قبل أن تسوى زبيلا فسمى الزبيل عرقا به وكل شيء مضفور فهو عرق وعرقه وانشد: ونمر في العرقات من لم يقتل3

_ 1- متفق عليه: وانظر "الإرواء" برقم "934" 2- متفق عليه: من حديث أبي هريرة, وانظر " الإرواء" "939". 3- عجز بيت لأبي كبر الهذلي وصدره: نغدو فنترك في المزاحف من ثوى ... ونمر.....................يقتل والبيت في "ديوان الهذليين" و "شرح أشعارهم للسكرى" "3 / 1076" والكتاب المأثور عن أبي العميثل "ص 154" واللسان "عرق , ثوى" وغيرها من قصيدة أولها: أزهير هل عن سيئة من معدل ... أم لا سبيل إلى الشباب الأول نمر: نوثق العرفة الجبل المضفور. أي: نأسرهم فنشدهم في العرقات.

قال الشافعي: قال سفيان العرق المكتل وقال الشافعي: والمكتل خمسة عشر صاعا وهو ستون مدا. قال الشافعي: "ولا اقبل على رؤية هلال الفطر الا عدلين" ثم قال فان صحا قبل الزوال افطر وصلى بهم الامام معنى صحا أي عدلا يعني الشاهدين فصحت عدالتهما. قال الشافعي: وللصائم أن ينزل الحوض فيغطس فيه معنى يغطس أي يغمس رأسه فيه يقال هما يتغاطسان في الماء ويتقامسان ويتماقلان بمعنى واحد وفي حديث ابن عباس انه قال في قوله عز وجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} 1 قال المرأة الهمه والشيخ والشيخ الكبير الهم يقال للشيخ إذا ولى وهرم هم وثم وقد انهم وانثم إذا ضعف وانحلت قواه واصله من قولهم انهم الشحم إذا ذاب وقال الله عز وجل: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 2 معنى قوله {شَهِدَ} أي حضر ولم يكن مسافرا ونصب الشهر لأنه جعله ظرفا فالمعنى من كان منكم حاضرا غير مسافر في شهر رمضان فليصمه. قال الشافعي: "واكره للصائم السواك بالعشي لما احب من خلوف فم الصائم" الخلوف بضم: الخاء تغير طعم الفم ورائحته لامساكه عن الطعام والشراب يقال خلف فوه يخلف خلوفا واصل الصوم الامساك عن الطعام والشراب والجماع وقيل للساكت صائم لامساكه عن الكلام قال الله عز وجل: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} 3 أي صمتا. وفي حديث عائشه رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقالت: "انا خبأنا لك حيسا" الحيس: أن يؤخذ التمر ويخلص من نواه ثم يذر عليه أقط4

_ 1- سورة البقرة الآية 184. 2- سورة البقرة الآية 185 3- سورة مريم الآية 26 4- الأقط: اللبن المجفف.

مدقوق وسويق ويدق دقا ناعما حتى يتكتل ثم يؤكل وربما جعل فيه شيء من السمن. قال الشافعي: "أحب للحاج ترك صوم عرفه لأنه حاج مضح مسافر" أراد بالمضحي البارز للشمس لأنه لا يغطي رأسه يقال ضحى يضحي فهو ضاح إذا برز للشمس ولم يتظلل واضحى يضحي إذا دخل في الضحى وهو إذا برز للشمس أو قعد في الضح وهو ضوء الشمس الذي هو ضد الظل ونقيضه وكان في الأصل الضحى فيقال مضح إذا دخل في ضحى الشمس وكلام العرب الجيد أن يقال ضحى للشمس يضحي إذا برز لها قال الله عز وجل: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} 1 أي لا تصيبك الشمس ولا حرها في الجنه والضحى وقت شروق الشمس والضحاء ممدود وقت ارتفاع النهار والضحا ايضا الغذاء وهو الطعام الذي يتضحى به أي يتغدى باب الاعتكاف واصل الاعتكاف الاقامه في السجد والاحتباس يقال عكفته فعكف واعتكف أي حبسته فاحتبس والعاكف والمعتكف واحد قال الله عز وجل: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} 2 أي ممنوعا محبوسا.

_ 1- سورة طه الآية 119. 2- سورة الفتح الآية 25

باب المناسك

باب المناسك الحج في اللغة: القصد وأصله من قولك حججت فلانا أحجه حجا إذا عدت إليه مرة بعد أخرى فقيل حج البيت لأن الناس يأتونه في كل سنة ومن قول المخبل السعدي1: وأشهد من عوف حلولا كثيره ... يحجون سب الزبرقان المزعفرا2 يقول: يأتونه مره بعد أخرى لسؤدده وسبه عمامته يقول وقال ثعلب حججته أي قصدته ومحجه الطريق هي المقصد قال الشيخ وسميت الحجه حجه لانها تحج أي تقصد لان القصد لها واليها وأما العمره فلأهل اللغة فيها قولان يقال اعتمرت فلانا أي قصدته قال العجاج: لقد سما ابن معمر حين اعتمر ... مغزى بعيدا من بعيد وضبر3 معناه: قصد مغزى بعيدا وضبر جمع قوائمه فوثب وقيل اعتمر زار يقال أتانا فلان معتمرا أي زائرا وقال أبو اسحاق انما خص البيت الحرام بذكر اعتمر لأنه قصد

_ 1- هو: ربيع بن مالك بن ربيعة ويكنى أبا زيد ولقبه المخبل وذلك لضعف كان في مفاصله شاعر فحل مخضرم عمر في الجاهلية والإسلام ومات في آخر خلافة عمر بن الخطاب وهو شيخ كبير انظر ترجمته في: " الشعر والشعراء" "420" وهامشه. 2- البيت في "المجهرة" "1 / 31, 49, 3 / 434" "والاشتقاق" "123 , 254" كلاهما لابن دريد والبيان والتبين "3 / 97" وتفسير الطبري "2 / 27 – بولاق" والمعاني الكبير لابن قتيبة "478" وتهذيب الألفاظ "563" وإصلاح المنطق "411" وتهذيبه "2 / 259" والخزانة "3 / 428" والأغاني "12 / 38" وتهذيب اللغة "3 / 388" وشرح أدب الكاتب للجواليقي "313" وللبطليوسي "405" وسمط الآلي "1 / 191" وغيرها كثير. وقبله: فهم أهلات حول قيس بن عاصم ... إذا أدلجموبالليل يدعون كوثرا الحلوب: جمع خلة ويجوز أن يكون جمع حال والسب: العمامة هذا مذهب ابن دريد وابن قتيبة والجاحظ والتريزي أما أبو عبيدة وقطرب فقالا في: "السب": هنا هي: الاست وقولهما هو الصواب وذلك لأن المخبل بذئ اللسان وكان من أهجي العرب 3- الشطران من قصيدة له في مدح عمر بن عبيد الله بن معمر التميمي, ديوانه "19" و "تفسير الطبري" "2 / 27" وغيرهما. وقوله: "مغزى" أي غزوا وضبر: جمع قوائمة لثبت ثم وثب وهو يصف بعده جيش عمر ابن عبيد الله وكان فتح الفتوح الكثيرة وعظم أمره في قتال الخوارج. هامش الطبري "3 / 229 لمحمود شاكر"

بعمل في موضع عامر فلذلك قيل معتمر وقد مر ذكر التلبيه وتفسيرها في ابواب الصلاة. واما قوله: "لبيك إن الحمد والنعمة لك" فانه يجوز كسر الالف من إن الحمد وفتحها فمن كسر فهو استئناف كلام ومن فتحها أراد لبيك بأن الحمد لك والكسر اجودها والاهلال بالحج رفع الصوت بالتلبيه ومنه قيل للصبي إذا فارق امه أهل واستهل لرفعه صوته والاحرام الدخول في حرمة الحج والعمره اللذين يحرم فيهما الطيب والنكاح والصيد ولباس ما لا يحل لبسه. قال الشافعي: في قول الله عز وجل: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} 1. قال: فالاستطاعة لها وجهان أحدهما أن يكون مستطيعا ببدنه واجدا من ماله ما يبلغه والوجه الاخر أن يكون مغصوبا في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب بحال والمغضوب الذي خيل اطرافه بزمانه اصابته حتى منعته عن الحركه واصله من عضبته اعضبه إذا قطعته والعضب شبيه بالخبل ويقال بنو فلان يطالبوننا بدماء حنبل والخبل قطع الايدي والارجل فيما ذكر ابن الاعرابي ومثله العضب ويقال للشلل يصيب الإنسان في يده ورجله عضب قاله ابن برى2 وغيره. وقال شمر: يقال عضبت يده بالسيف إذا قطعتها: ويقال: لا يعضبك الله ولا يخبلك وانه لمعضوب اللسان إذا كان عيبا فدما وفي مثل للعرب: "ان الحاجه ليعضبها طلبها"3 قبل وقتها يقول يفسدها ويقطعها قال وتدعو العرب على الرجل فتقول ما له عضبه الله إذا دعوا عليه بقطع يده ورجله وقول الشافعي: "كان السلف يستحبون التلبيه عند اضطمام الرفاق" أي عند اجتماعهم وانضمام بعضهم إلى بعض وهو افتعال من الضم والرفاق جمع رفقه ورفقه وهي الجماعة

_ 1- سورة آل عمران الآية 97. 2- وفي اللسان: قاله أبو الهيثم 3- المثل في اللسان [عضب] والمراد: يطقعها ويفسدها.

يترافقون فينزلون معا ويحتملون معا ويرتفق بعضهم بمعونة بعض. وقوله وحرم المرأة في وجهها فلا تخمره وتسدل عليه الثوب وتجافيه عنه فتخميرها الوجه تغطيه وقد امرت الا تغطيه ما دامت محرمه وسدلها الثوب عليه أن ترسله ارسالا لا يلصق بوجهها ويكون سترا بينها وبين من ينظر اليها. وقوله: "لا تحرم وهي غفل" أي لا تحرم الا وقد تقدمت قبل الاحرام بالاختضاب بالحناء وارض غفل لا اعلام فيها وبعير غفل لا سمة عليه وكره للمرأه ترك الخضاب لئلا تتشبه بالرجال ويكره لها التطاريف أي لا تخضب اطراف اصابعها ولكن تغمس اليدين في الخضاب غمسا. وقوله: "ويجلس المحرم عند الكعبه وهي تجمر" أي تبخر بالعود قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفة أهل الجنه: "ومجامرهم الألوة" 1 أي بخورهم العود الجيد ويقال للعود نفسه مجمر ومنه قول الشاعر2: لا تصطلي النار الا مجمرا أرجا ... قد وقصت من يلنجوج لها وقصا2 يصف إمرأة لا تصطلى نارا الا موقدة بالعود الهندي. وقوله: أن ابن عباس دخل حمام الجحفه وهو محرم وقال ما يعبأ الله بأوساخكم شيئا معناه ما لأوساخ المحرمين عنده وزن فيبالى بها ومنه قول الله عز وجل: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} 3 المعنى أي وزن لكم لولا دعاؤه اياكم إلى توحيده اعذارا وانذارا ويقال ما عبأت بفلان

_ 1- صحيح: جزء من حديث طويل أخرجه مسلم "2834" وابن ماجه "4333" وأحمد "2 / 253" وغيرهم من حديث أبي هريرة. 2- هو: حميد بن ثور الهلالي والبيت كما في المصادر الآتية: البيت في" ديوانه" "101 – صنعه الميمنى" والمخصص "11 / 23" والإصلاح "87" وتهذيبه "1 / 235" ومجالس ثعلب "1 / 183" واللسان [جمر, قص] . والبيت يصف امرأة لا تصطلي النار حتى يكون على النار ما تتبخر به والأرج: الطيب الريح واليلنجوج: العود الوقص: كسار العيدان. 3- سورة الفرقان الآية 77.

أي ما كان له عندي قدر ولا وزن والعبء الثقل مأخوذ من هذا وعبأت المتاع إذا جعلت بعضه على بعض. وقوله: "المحرم إذا نظر إلى البيت يقول اللهم انت السلام ومنك السلام" فالسلام الاول اسم الله تعالى لان الخلق أجمعين سلموا من ظلمه. وقوله: "ومنك السلام" أى من أكرمته بالسلام فقد سلم فحينا ربنا بالسلام أي سلمنا بتحيتك ايانا من جميع الافات. واستلام الحجر يجوز أن يكون افتعالا من السلام وهو التحيه كأنه إذا استلمه أقترأ منه السلام وهو التحيه فتبرك به وهذا كما يقال لا بد لمن خادم له أن يختدم أي يخدم نفسه وأهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا وهذا يدل على أن استلامه من السلام الذي هو التحيه وكان التقيبي يذهب باستلام الحجر إلى السلام وهي الحجاره واحدتها سلمه وسلمه واستلمت الحجر إذا لمسته كما يقال اكتحلت إذا اخذت من الكحل وادهنت إذا اخذت من الدهن وسمعت المنذري يحكي عن ثعلب عن ابن الاعرابى قال الاستلام اصله استلام مهموز قال وأصله من الملأمه وهو الاجتماع. وقال الشافعي: "استلام الركن باليد وإنما يستلم اليماني ولا يقبله ويقبل الأسود واستلامه واليمانى كأنه يسلم بيده عليه إذا صافحه" وقول الشافعي - رحمه الله - دليل على القول الاول وهو الذي اختاره والرمل في الطواف الجمز والاسراع ولذلك قيل لخفيف الشعر: رمل الملبج والضافر والعاقص: وقال عمر - رضي الله عنه -: "من لبد أو ضفر أو عقص فعليه الحلق" فالملبد الذي لبد شعره يلزوق يجعله عليه حتى يتلبد ويلزق بعضه ببعض لئلا يشعث ولا يصيبه التراب والضافر الذي ادخل شعره بعضه في بعض كأنه نسجه نسجا عريضا كما يضفر الحبل المنسوج. والعاقص الذي لوى شعره ليا وادخل اطرافه في اصوله ومنه قيل للشاه الملتوية القرنين عقصاء وهي

عقائص المرأة وعقاصها واحدتها عقيصه وعقصه وإنما جعل عليه الحلق في هذه الاشياء دون التقصير لان هذه الاشياء تقي شعره من الشعث والغبار فجعل عليه الحلق عقوبة له. "واشعار الهدى أن يطعن في أسنمتها بمبضع أو حديدة حتى يسيل منه الدم". وقيل له اشعار لأنه جعل علامه للهدى وكل شيء اعلمته بعلامه فقد اشعرته يقال للملك إذا اصيب وقتل وقد اشعر وكانت العرب تجعل دية الملك الف بعير إذا قتل ويقولون دية المشعره الف اقرع وكرهوا أن يقولوا قتل الملك فقالوا: اشعر. وشعائر الله متعبداته واحدتها شعاره ويقال شعيره وإنما هي اعلام لطاعته وقيل في قول الله عز وجل: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} 1 انها الهدايا المشعره أي المعلمه بتقليد أو تدمية وغيرها. قال الشافعي: "ويضطبع للطواف" الاضطلاع افتعال من الضبع وهو العضد وكان في الأصل اضتبع فقلبت التاء طاء فقيل اضطبع وهو أن يدخل الرداء الذي يحرم فيه من تحت منكبه الايمن فيلقيه على عاتقه الايسر وهو التأبط والتوشح ايضا وحاشية المطاف ناحيته وقاصيته وحاشية كل شيء طرفه الاقصى وكذلك حشا كل شيء ناحيته وحشا الوادي ناحيته ومنه يقال حاشا لله إذا استثنى حاشا من الحشا وهو الناحيه وإذا استثنى شيئا فقد نحاه عما حلف عليه قاله أبو بكر ابن الانباري {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} 2 بمنزلة معاذ الله وهو مأخوذ منه فيما ذكر أهل اللغة وقولهم اللهم اجعله حجا مبرورا أي حجا متقبلا يقال بر الله حجة يبره أي تقبله واصله من البر وهو اسم لجماع الخير وبررت فلانا ابره برا إذا وصلته وكل عمل صالح بر جعل لبيد البر التقوى فقال:

_ 1- سورة المائدة الآية 2. 2- سورة يوسف الآية 31.

وما البر الا مضمرات من التقى ... وما المال الا معمرات ودائع1 قوله: "المضمرات" يعني به الخفايات من التقى وقوله: "وما المال الا معمرات" أي المال الذي في أيديكم ودائع مدة عمركم ثم يصير لغيركم وأما قول عمرو بن كلثوم: نجذ رءوسهم في غير بر2 فمعناه في غير طاعة قال شمر: الحج المبرور الذي لا يخالطه من المآثم شيء قال والبيع المبرور الذي لا شبهه فيه ولا كذب ولا خيانه ويقال بر الله حجه وابره وبرت يمينه تبر وابرها الحالف إذا لم يحنث فيها وفلان تبرر بعمله ونذره أي يطلب الطاعه لله والخير والفجور نقيض البر والفاجر الجائر عن الطريق وفجر الرجل إذا كذب وانشد: قتلتم فتى لا يفجر الله عامدا ... ولا يجتويه جاره حين يمحل3 أي لا يكذب الله عز وجل عامدا ويقال معناه لا يفجر امره فيميل عنه وجاء في تلبية أهل الجاهيه ... يبرك الناس ويفجرونك ومعنى يبرك الناس أي يطيعونك والاخرون يفجرونك أي يعصونك. وقوله: "اجعله سعيا مشكورا" أي اجعله متقبلا يزكو لصاحبه ثوابه وهو معنى المشكور والسعي بين الصفا والمروه شبيه بالعدو والاسراع يقال سعى يسعى سعيا إذا عدا واسرع والسعي ايضا المشي والمضي ومنه قوله تعالى:

_ 1- البيت من قصيدته برقم "24" وهي من جيد شعره والبيت في: الشعر والشعراء" "1 / 198" واللسان [عمر] . وانظر تخريجه في: "الديوان" "378 – نشر الدكتور إحسان عباس". 2- صدر بيت من معلقته وعجزه: ولا يدرون ماذا يتقونا انظر: شرح المعلقات للزوزني "175" وجمهرة أشعار العرب "187" وغيرهما كثير. 3- البيت في " اللسان " [فجر] بلا نسبة.

{فَاسَعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} 1 أي امضوا ومساعى الرجل أعماله الصالحة واحدتها مسعاة. قال الشافعي: "واذا غربت الشمس يوم عرفه دفع الامام وعليه الوقار فإذا وجد فجوه اسرع" في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وجد فجوة نص وانه اوضع في وادي محسر معنى دفع أي مضى سائرا والفجوه ما اتسع من الأرض وجمعها فجوات وقال ابن الاعرابي رجل افجى وافج وهو المتباعد ما بين الفخذين الشديد الفجج اخبرني بذلك أبو الفضل عن ثعلب عنه قال وأنشد: الله أعطانيك غير أجدلا ... لا هجرعا رخوا ولا مشكلا ولا أصك أو أفج فنجلا2 الفنجل, والأجدل, والنص: الفنجل هو: الأفج أيضا والهجرع الجافي الغليظ والاجدل المائل العنق ومن هذا يقال رجل افجى إذا تباعد ما بين رجليه في مشيته والنص اقصى السير وهو ارفعه وكذلك نص البيان ابينه وارفعه واصله من نص السير وهو ارفعه وانتص الرجل إذا انتصب مرتفعا على الناس ومنه منصة العروس. قوله: "اوضع في وادي محسر" أي: اعدى بعيره وركضه وقد وضع أي عدا يضع وضعا وانشد أبو عبيد: إذا اعطيب راحله ورحلا ... فلم أوضع فقام على ناعى3 قال الشافعي: "يرمي بما يقع عليه اسم حجر مرمر أو يرام أو كذان" فالمرمر الرخام الذي يخرط منه الالواح والعمد وتبلط به الدور وهو من الين الحجاره واقلها خشونه وكل حجر املس لين مرمر ومنه قيل للجاريه الناعمه مرموره ومرماره والبرام جمع البرمه ويجمع برما والذي يسويها يدعى مبرما والكذان الحجاره الرخوه التي تتفتت إذا حتت

_ 1- سورة الجمعة الآية9 2- الشطران الأول والثالث في "اللسان" [فج] بلا نسبة. 3- البيت في اللسان [وضع] بلا عزو

الواحدة كذانه والصوان من الحجارة الذي إذا مسته النار فقع وتشقق وحصى الخذف الصغار مثل النوى يرمى بها بين اصبعين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال: "لا تقتل صيدا ولا ينكأ عدوا" 1واما الحذف بالحاء فهو بالعصا. قال الشافعي: "وان وقعت حصاة على محمل ثم استنت فوقعت في موضع الجمار اجزاه" واستنانها أن تمضي على حموتها من غير أن يدفعها صاحب المحل يقال استن فلان يعدو إذا مضى على سننه فلا يعرج يمينا ولا شمالا ومنه قول الشاعر يصف طعنة فاح دمها: ومستنه كاستنان الخروف ... قد قطع الحبل بالمرود2 اراد بالمستنه طعنه فاحت بدم شديد السيلان غالب والخروف المهر واستنانه مضيه في عدوه مستقيما واستنت الطعنه إذا فارت بدم غالب شديد السيلان. وفي الحديث: "ان النبي صلى الله عليه وسلم امر أم سلمه أن تعجل الافاضه". أي تعجل الدفع من منى إلى مكه للطواف قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} 3 أي ادفعوا سائرين يقال افاض البعير بجرته إذا دفعها وافاض الناس في الحديث إذا اندفعوا فيه والجمرات واحدتها جمره وهي مجتمع الحصى التي ترمى وكل كومه من الحصى جمره وجمرات العرب سميت جمرات لاجتماع كل قبيله منها على حده لا تحالف ولا تجاور قبيله اخرى وقال الاصمعي جمر بنو فلان يجمرون إذا اجتمعوا فصاروا البا على غيرهم وبنو فلان جمره إذا كانوا أهل منعه وشدة يقال عد فلان ابله جمارا إذا عدها مجتمعه وعدها نظائر إذا عدها مثنى مثنى قال ابن أحمر:

_ 1- متفق عليه: من حديث عبد الله بن مغفل. 2- البيت برجل من بني حارث وبعده كما في "اللسان" [خرف] : دفوع الأصابع ضرخ الشمو س نجلاء مؤسة العود والخروف: ولد الفرس إذا بلغ ستة أشهر أو سبعة 3- سورة البقرة الآية 199.

وظل رعاؤها يرعون فيها ... وإن عدت نظائر أو جمارا1 وجمر القائد الجيش إذا جمعهم في ثغر من الثغور فاطال حبسهم ولم يأذن لهم في القفول مأخوذ من هذا قال: نك قد جمرتنا عن نسائنا ... وإومنيتنا حتى نسينا الأمانيا2 وجمر ثوبه إذا بخره واجمر اجمارا إذا عدا عدوا شديدا وجمائر المرأة ضفائرها. والنسيكة: الذبيحة وجمعها نسك والمناسك متعبدات الحجيج واحدها منسك ومنسك قال ابن الاعرابي النسيكة والصليجة السبيكة من الفضة المصفاة ومنه اخذ النسك لأنه صفا من الرياء. وقوله: "ان تدارك عليه رميان" أي تتابعا عليه لتفريط كان في رمى الاول في وقته يقال تدارك القوم واداركوا إذا تتابعوا وهو لازم ومتعد يقال تداركته واداركته أي ادركته قال الله عز وجل: {حَتَّى إذا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً} 3 أي تتابعوا وكذلك ادرك لازم ومتعد وسمي اليوم الذي يلي يوم النحر يوم القر لان الناس يقرون فيه بمعنى لا يبرحونه وقيل لليوم الذي يليه يوم النفر الاول لان من أراد أن يتعجل الصدر نفر في ذلك اليوم نفر ينفر نفرا ونفورا ومن تأخر نفر في اليوم الثاني ويوم النفر الثاني بعد الاول ويوم القر بين يوم النحر ويوم النفر الاول سمي يوم القر لان الحجيج يوم الترويه وعرفه والنحر في تعب من الحج في الذهاب والمجيء فإذا كان الغد من يوم النحر قروا بمنى فلهذا سمي يوم القر وسميت المزدلفه مزدلفه لان الحاج إذا رفعوا من عرفه

_ 1- البيت في اللسان [جمر] معزوا إليه. والنظائر: أن تعد مثنى مثنى والجمار: جماعة. 2- البيت في "اللسان" [جمر] بلا عزو. ورواية صدره في اللسان هكذا: وجمرتنا تجمير كسرى جنوده 3- سورة الأعراف الآية 38.

نزلوا بها وتزلفوا أي تقدموا اليها يقال زلفت القوم ازلفهم زليفا إذا تقدمتهم. وفي الحديث: "ان النبي صلى الله عليه وسلم اتى ببدنات خمس فطفقن يزدلفن" أي يقتربن ويتقدمن إليه وقال الله عز وجل: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} 1 أي قدمنا وقربنا وزلف الليل ساعات اوله واحدتها زلفه ويقال للمزدلفه جمع ايضا ووداع البيت سمي وداعا لأنه اسم وضع موضع المصدر من ودعت وداعا وتوديعا واصل التوديع ترك الشيء قال الله عز وجل: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} 2 أي ما تركك ولا ابغضك والعرب قلما تقول ودعته بالتخفيف أي تركته ولكنهم يقولون دعه ولا تدعه ثم يقولون تركته بدل ودعته فالحاج يودع البيت ومشاعره بعد فراغه من مناسكه أي يتركها وينصرف إلى اهله وسميت حجة الوداع لان النبي صلى الله عليه وسلم حج تلك الحجه ولم يعد إلى مكة بعدها. البدنة والأشيب والهدى: والبدنه سميت بدنه لسمنها وعظمها يقال بدن الإنسان يبدن فهو بادن إذا سمن وبدن يبدن تبدينا إذا اسن ويقال للرجل المسن بدن ومنه قوله: هل لشباب فات من مطلب ... ام ما بكاء البدن الاشيب3 الأشيب: يقول إذا شاب رأس الرجل بكى على شبابه لنفار النساء عنه فقال أي منفعة في البكاء على الشباب. والهدى أصله الهدى مشدد من هديت الهدى أهديه فهو هدى ثم خفف

_ 1- سورة الشعراء الآية 64. 2- سورة الضحى الآية 3. 3- رواية عجز البيت في الديوان هكذا: أم ما بكاء البائس الأشيب والبيت في دياونه "8" والاقتضاب "374" والصحاح "5 / 2077" ومقاييس اللفة "1 / 211" وأدب الكاتب "120" والمخصص "1 / 44" وإصلاح المنطق "364" وتهذيبه "2 / 185" وسمط اللآلئ "2 / 939" واللسان "بدن" ومعنى البيت: هل يطلب الشباب الماضي أحد على جهة التوجع والتفجع لفقد الشباب وقاتل البيت يعاتب نفسه على تحسرها على فقد الشباب.

فيقال هدى والواحد هديه وكلام العرب اهديت الهدى اهداء وهديت العروس هداء فهي هدى واهديت الهديه اهداء والبدنه لا تكون الا من الابل خاصة فأما الهدى فإنه يكون من الإبل والبقر والغنم. المراهق: قال الشافعي: "والمراهق إذا وطئ قبل عرفة ثم احتلم اتم حجه ولم يجز عنه" المراهق الذي قارب الحلم ولما يحتلم بعد وهو مأخوذ من قولك رهقت الشيء إذا غشيته ودنوت منه وقال الاصمعي في فلان رهق أي غشيان للمحارم وقال الفراء رهقني الرجل رهقا أي لحقني وغشيني والمرهق المتهم في النساء والمرهق المعجل ومنه قول الله عز وجل: {وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} 1 أي لا تعجلني ويقال أيضا أرهق فلان صلاته إذا أخرها وقال الفراء: رهقني الرجل: لحقني. الصرورة قال: "ولا يحج الصرورة عن الرجل" الصرورة الرجل الذي لم يحج يقال رجل صرورة وامرأة صرورة إذا لم يحجا ويقال ايضا للرجل إذا لم يتزوج ولم يأت النساء صرورة قال النابغه: لو انها عرضت لاشمط راهب ... عبد الاله صرورة متهجد2 وقيل للذي لم ينكح صرورة لصره على ماء ظهره وابقائه اياه وقيل للذي لم يحج صرورة لصره على نفقته التي يتبلغ بها الحج. وقال: "في جزاء الصيد في الارنب عناق" وهي الأنثى من أولاد

_ 1- سورة الكهف الآية 73. 2في الديوان:....... صرورة متعبد والبيت في "ديوانه" "41" واللسان "صرر" والشعر والشعراء "1 / 96" و "ماتلحن فيه العامة" للكسائي "125" وغيرها من قصيدة أولها: امن آل مية رائح أو مغتد ... عجلان ذا زاد وغير مزود وهي في وصف المتجرده امرأة النعمان. الراهب: العابد والأشمط: الذي خالطه الشيب والصرورة الذي لم يتزوج.

المعزى قبل استكمالها الحول والجفره من اولاد المعزى التي فصلت عن امها والذكر جفر والحلان الذكر من اولاد المعزى إذا قوى وهو بمنزلة الجدي وقال بعضهم الحلان الحمل والارويه الأنثى من الوعول وجمعها اروى. قال الشافعي: "في الارويه عضب ذكرا كان أو أنثى"1 العضب العجل الذي قد طلع قرنه وقيض عليه ولم يجدع وإنما يجذع الثور لتمام سنتين. وقال في الظبي تيس من الغنم والتيس من اولاد المعزى الذي اتت عليه سنه وقوى على الضراب وإذا اثنى فهو تيس ايضا وذكر عن عثمان رضي الله عنه انه قضى في أم حبين بجدى صغير وفي حديث آخر انه قضى فيها بحلان والحلان والجدي واحد وأما أم حبين فهي دابه من حشرات الأرض تشبه الضب ورأيت الاعراب يعافون أكلها وهي الأنثى من الحرابى سميت أم حبين لعظم بطنها وقال رجل من الحاضره لبدوي ما تأكون قال نأكل دب ودرج الا أم حبين قال لتهنأ أم حبين العافيه والأحبن من الناس الذي به السقى. وقال الشافعي: - رحمه الله -: "في الأصل إن كانت العرب تأكل الوبر ففيه جفره" قال ابن الاعرابي الوبر الذكر والانثى وبره وهي في عظم الجرذ الا انها انبل واكرم وهي كحلاء لها اطباء* وجمعها وبار وهي من جنس بنات عرس قال والجرذ الضخم من الفأر يكون في الفلوات ولا يألف البيوت. قال الشافعي: "والحمام كل ما عب وهدر وان تفرق به اسماء فهو الحمام واليمام والدباسي والقماري والفواخت وغيرها" قال أبو عبيد سمعت الكسائي يقول الحمام هو البري الذي لا يألف البيوت قال وهذه التي تكون في البيوت هي اليمام قال:

_ 1- متفق عليه: من حديث عائشة رصى الله عنها انظر "الإرواء برقم "1036" فقد أفاد وأجاد. * طحلاء: الطحل: هو لون بين الغبرة والبياض بسواد كلون الرماد أطباء: جمع طبي وطبى: وهي للحيوان الحلمات وعند الأنثى من الناس الثدي.

وقال الاصمعي كل ما كان ذا طوق مثل القمرى والفاخته واشباهها فهو حمام قال الأزهري ولا يهدر الا هذه المطوقات هديره تغريده ترجيعه صوته كأنه يسجع ولذلك يقال سجعت الحمامه إذا طربت في صوتها وأما عب الحمام فان البري والاهلي من الحمام يعب إذا شرب وهو أن يجرع الماء جرعا وسائر الطيور تنقر الماء نقرا وتشرب قطره قطره وتقول العرب إذا شربت الماء فاغنث ولا تعب معنى فاغنث أي اشرب نفسا من نفس ولا تعب أي لا تشربه بجرعة واحده لا تتنفس. وفي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمحرم في قتل الحداء والكلب والعقور" فالحداء بكسر الحاء مقصور مهموز الواحده حدأه وهو هذا المصرصر الذي يصيد الفأر ويقع على الجيف ويقال عقاب ملاع ايضا والحدأه حد الفأس بفتح الحاء وجمعها حدأ والرخمه طائر يأكل العذره ولا يصيد صيدا وجمعها رخم ولا يأكله احد ولا يجزيه المحرم إذا قتله والكلب العقور كل سبع يعقر مثل الاسد والنمر والفهد والذئب وذكر الحلم انه لا يجزى يقال للقراد اول ما يكون وهو صغير قمقام ثم يصير حمنانا ثم يصير قرادا ثم حلمه إذا سمن وكبر وجمعها حلم. وقول الله عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 1 قال أهل اللغة يقال للرجل الذي يمنعه الخوف أو المرض من التصرف قد أحصر فهو محصر ويقال للذي حبس قد حصر فهو محصور وقال الفراء لو قيل للذي يمنعه المرض أو الخوف قد احصرلانه بمنزلة الذي قد حبس لجاز ولو قيل للذي حبس احصر لجاز كلام العرب هو الاول وعليه أهل اللغة وقول ابن عباس: "لا حصر الا حصر العدو"2

_ 1- سورة البقرة الآية 196. 2- الخبر في "تفسير الطبري" "4 / 24 – طبعة دار المعارف"

ويدل على ما قاله الفراء1. قال الشافعي: "إن كان الهدى شاة قلدها خرب القربة" خرب القربة والمزاده عراها واحدها خربة ويقال للثقب المستدير في الاذن خربة أيضا تشبيها بخربة المزادة قال ذو الرمة: او من معاشر في آذانها الخرب2 وقول الله عز وجل: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} 3 فكلوا منها يقول إذا نحرت البدن وذبح الهدى واسبطرت للموت وسقطت جنوبها فكلوا منها يقال وجب الحائط يجب وجبه إذا سقط ووجب القلب يجب وجيبا إذا اضطرب من الفزع ووجب البيع يجب وجوبا إذا انعقد.

_ 1- اسمه: أبو زكياء يحي بن زياد بن عبد الله الديلمي الفراء كان أبرع الكوفين في عملهم توفي سنة 207 هـ. انظر: "طبقات النحويين" للزبيدي "131 – 133" و "معجم الأدباء" لياقوت "20 / 9 – 14" وغيرهما. 2- عجز بيت, وصدره: كأنه حبشي يبتغى أثرا والبيت ضمن قصيدة طويلة جدا وهي من الملحمات انظرها في ديوانه وجمهرة أشعار العرب "435 – 449" والبيت في "اللسان" [خرب] وغيرها. 3- سورة الحج الآية 36.

ومن كتاب البيوع

ومن كتاب البيوع ... من كتاب البيوع العرب تقول بعت بمعنى بعت ما ملكته من غيري فزال ملكي عنه وتقول بعت بمعنى اشتريت ويقال لكل واحد منهما بائع وبيع ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" 4 وانشد أبو عبيد: وباع بنيه بعضهم بخشاره ... وبعت لذبيان العلاء بمالكا

_ 4- متفق عليه: من حديث حكيم بن حزام انظر: الإرواء "1281".

فمعنى بعت لذبيان العلاء أي اشتريت لهم الشرف بمالك الذي سمحت به وكذلك شريت تكون بمعنيين متضادين وإنما اجيز ذلك لان الثمن والمثمن كلاهما مبيع إذا تبايع المتبايعان قال الله عز وجل: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} 1 فجعل الثمن مشترى كسائر السلع. وقال الشافعي - رحمه الله -: "اذا عقد المتبايعان بيعا بما يجوز فافترقا عن تراض لم يكن لأحدهما رده الا بعيب أو بشرط خيار" وشرط الخيار في هذا الموضع أن يشترط احد المتبايعين خيار ثلاثة ايام أو اقل على ما وردت به السنه وهذا غير الخيار الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم للمتبايعين ما لم يتفرقا لان هذا خيار يجب لهما ما لم يتفرقا وان لم يشترطاه والاول خيار مشترط يكون للذي اشترطه منهما بعد تفرق الابدان مدة محصوره بالسنه وإنما بينت وجوه الخيار لئلا يلتبس على المتفقه وقد اختلف لفظان في هذا الحديث فاردت أن اعرفك ما قال في الفرق بينهما أهل اللغة لتقف عليه وهو قوله: "ما لم يتفرقا". وقوله:"ما لم يفترقا". قال أبو عمر غلام ثعلب2: سئل أحمد بن يحيى عن الفرق بين الافتراق والتفرق فقال اخبرني ابن الاعرابي عن المفضل قال فرقت بين الكلامين مخففا فافترقا وفرقت بين اثنين مشددا فتفرقا فاراه جعل الافتراق في القول والتفرق بالابدان ووجه من الخيار ثالث جاء في السنه المأثوره وهو أن يعقد المتبايعان بيعا صحيحا ثم يخير أحدهما صاحبه قبل افتراقهما فيقول له اختر انفاذ البيع أو رده فان لم يختر رده بعد هذا التخيير فقد وجب البيع وان لم يتفرقا وقد جاء تفسير ما ذكرته في حديث حدثناه الحسين بن ادريس املاء حدثنا محمد بن رمح عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم

_ 1- سورة البقرة الآية 41. 2- اسمه: محمد بن عبد الواحد يعرف بغلام ثعلب يكنى أبا عمر المطرز توفي سنة 345 هـ انظر: "طبقات اللغوين" "209".

يتفرقا الا بيع الخيار" 1 وحديث الليث اوضح الفاظا واظهر بيانا. قال الشافعي: "والمتبايعان قبل العقد يكونان متساومين ثم يكونان متبايعين" والتساوم بين الرجلين في السلعه أن يعرض البائع سلعته بثمن ما ويطلبه الاخر بثمن دونه ويقال سمت السلعه أي عرضتها وسمتها بكذا إذا طلبتها ويقال استمتها في الطلب وكل جائز والعرب تقول عرض فلان على سوم عاله وذلك إذا عذر في عرضه الطعام على من نزل به كعرض العاله من الابل على الماء وذلك انها إذا علت بعد النهل لم تشرب فالذي يعرضها على الماء لا يبالغ في عرضه وفي حديث طاوس: "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير رجلا بعد البيع فقال الرجل عمرك الله ممن انت؟ 2. قال أبو عبيد قال الكسائي معنى عمرك الله نصب على معنى عمرتك الله أي سألت الله عمرك وتعميرك قال: ويقال إن عمرك الله يمين بغير واو كأنه قال وعمرك والله ويقال معناه وعبادتك الله ويقال فلان يعمر ربه أي يصلي ويصوم. قال الشافعي: "وكل متبايعين في سلعة وعين وصرف وغيره فلكل واحد منهما فسخ البيع حتى يتفرقا" هكذا رواه المزنى عن الشافعي وعبارته في الام خلاف ما رواه المزنى لان الشافعي قال: "فكل متبايعين في سلف إلى اجل أو دين أو عين أو صرف أو غيره". فقوله في سلف إلى اجل أي في سلم إلى اجل معلوم واسلفت واسلمت بمعنى واحد وقد يكون السلف بمعنى القرض. وقوله: "او دين" أي أو في دين أي باع أحدهما من صاحبه سلعه بدين أي بمال مؤجل من دراهم أو دنانير.

_ 1- متفق عليه: أخرجه البخاري "4 / 326" ومسلم "10 / 173 نووي" وغيرهما من طرق عن ابن عمر. وانظرفي: "الأربعون" للسيةطي برقم "40" إصجار دار الصحابة بطنطا وتحقيق أبي الفضل الحويني. 2- ضعيف: وذلك لأنه مرسل.

وقوله: "أو عين" أي كان تبايعهما السلعة بنقد حاضر يقال اشتريت أحد هذين العبدين بالدين والاخر بالعين أي اشتريت أحدهما بمال مؤجل والاخر بالنقد الحاضر والعين في غير هذا الموضع الدنانير الخاصه يقال عند فلان عير كثير أي دنانير كثيره والورق الدراهم خاصه والعين في كلام العرب على وجوه كثيره سوى الوجهين اللذين فسرنا1 فالعين الاصابه بالعين يقال عنته اعينه عينا إذا اصبته بالعين والعين التي تبصر بها الناظر والعين الربيئه وهي الطليعه وعين المال خياره وعين الشيء نفسه يقال لا اقبل الا درهمي بعينه والا مالي بعينه والعين التي يخرج منها الماء والعين مطر ايام لا يقلع والعين ما عن يمين قبله العراق ويقال في الميزان عين إذا رجحت احدى كفتيه على الاخرى والعين عين الشمس في السماء. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد" 2 ومعنى قوله الا سواء بسواء أي لا يجوز الا مستويا بمستو لا فضل في أحدهما على الاخر قال الله عز وجل: {لَيْسُوا سَوَاءً} 3 أي ليسوا مستوين وكذلك قوله تعالى: {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 4 أي مستويا وهذا مصدر وضع موضع الفاعل فاستوى الجميع والواحد والذكر والانثى فيه ويكون السواء ايضا بمعنى العدل والنصفه قال الله عز وجل: {تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 5 أي كلمة عدل لا جور فيها والسواء يكون بمعنى الوسط قال الله عز وجل: {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} 6 أي في وسطها. وقوله عينا بعين أي حاضرا بحاضر وقوله يدا بيد أي

_ 1- انظر: "كتاب المأثور عن أبي العميثل" "ص 63. طبعة مكتبة النهضة". 2- جزء من حديث صحيح, ومن حديث عبادة بن الصامت عند مسلم "5 / 44" وأحمد "5 / 320" وغيرهما. 3- سورة آل عمران الآية 113 4- سورة فصلت, الآية 10 5- سورة آل عمران الآية 64 6- سورة الصافات الآية 55

يعطي بيد ويأخذ بالاخرى. وقال الفراء العرب تقول باع فلان غنمه باليدين يريدون سلمها بيد واخذ ثمنها بيد قال ويقال ابتعت الغنم اليدين أي بثمنين مختلفين اخبرني بذلك المنذري عن ابي طالب عن ابيه عن الفراء. وقوله: "من زاد وازداد فقد اربى" يقول من زاد صاحبه على ما اخذ أو ازداد لنفسه على ما دفع فقد اربى أي دخل في الربا المنهي عنه وتقول للرجل إذا اعطيته شيئا هل تزداد أي هل تطلب الزياده على ما اعطيتك والنسيئه التأخير وهو اسم على فعيل وفعيله يقوم مقام الانساء والنسء يقال نسأ الله فلانا اجله بغير الف نسيئه ونسئا وانسأ في اجله انساء ونسيئه. قال الشافعي: "وانما انظر في التبر إلى اصله" فالتبر من الدراهم والدنانير ما كان غير مصوغ ولا مضروب وكذلك من النحاس وسائر الجواهر ما كان كسارا رفاتا غير مصنوع آنية ولا مضروب فلوسا واصل التبر من قولك تبرت الشيء أي كسرته جذاذا وذكر العجوه وهو جنس من التمر معروف وهي الوان وهذا الصيحاني* الذي يحمل من المدينه من العجوه. قال الشافعي: "ولا خير في مد حنطه فيها قصل أو زؤان بمد حنطه لا شيء فيها" قال أبو عبيد عن الفراء يقال في الطعام قصل وزؤان ومريراء1 ورعيداء وغفا2 منقوص وكل هذا مما يخرج منه فيرمى به وتبعيض الصفقه أن يشتري الرجل عبدين بمائة دينار فيجد بأحدهما عيبا فيرده على البائع بحصته من الثمن وتفسير ذلك أن يقوم المعيب بمائة دينار والذي

_ 1- المريراء – كما جاء في القاموس – حب أسود في الطعام يرمى به. 2- الرعيداء: ما يرمى من الطعام إذا نفى, كالزوان ونحوه واختلف فيها أهي بالعين أم بالغين والغفا: التبن. * الصيحاني: هو نوع من تمر المدينة.

لا عيب فيه مائتي دينار فاذ قص الثمن وهو مائة دينار على قيمتهما اصاب المعيب ثلث الثمن فيرده ويرجع على البائع بثلث الثمن إن شاء وكذلك إن قوم المعيب من العبدين عشرين دينارا والصحيح خمسين دينارا رد المعيب بسبعي الثمن. قال الشافعي: "ولو راطل مائة دينار عتق مروانيه ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار من ضرب وسط" معنى راطل أي وازن والرطل يكون كيلا ويكون وزنا ذكر الشافعي حديث النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للبائع الا أن يشترطها المبتاع" 1 تأبير النخل واباره تلقيحه فلا يؤبر النخل الا بعد انشقاق الطلع وظهور الاغريض الذي في جوفه وذلك أن الطلع اول ما يخرج يكون الكافور وهو الجف والقشر مكمما له أي مغطيا فإذا انشق عنه الكافور ظهر العذق وحبه يومئذ يكون صغارات مثل الحمص أو دونه ويقال الذي يلقح به النخل من طلع الفحاحيل حرق وكش2. وقول الله عز وجل: {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} 3 يعني بالاكمام ما غطى الثمر من الكوافير وكل شجره تخرج ثمرا مكمما فهي ذات اكمام الطلعه كمها قشرها ولا تؤبر النخله الا بعد انشقاق الاكمام عن ثمرها وظهوره لعين الناظر إليه يقال أبرت النخل أبرها أبرا وأبرتها تأبيرا وإنما تؤبر لئلا ينفض بسرها ولا ينتشر ثمرها جعل الله صلاح التمر في رؤس النخل بالابار وإذا كان لحائط النخل فحاحيل في ناحية الصبا وهبت الصبا وقت الابار فان الاناث تتأبر برواءح طلع تلك الفحاحيل ولا تنفض بسرها ومنه قول الراجز في صفة نخل له

_ 1- حديث متفق عليه: من حديث عبد الله بن عمر – رضى الله عنهما – انظر تخرجيه وبيان طرقه في "الإرواء" برقم "1314". 2- هو قول ابن الإعرابي, انظر "اللسان" [كشش] 3- سورة الرحمن الآية 11.

تأبرى يا خيره الفسيل ... تأبرى من حنذ فشولي اذ ضن أهل النخل بالفحول1 الحنذ اسم نخل والكرسف القطن ويقال له الكرسوف والبرس والحداد والجداد صرام النخل إذا اينع ثمرها واللقاط أن يلقط الخارف من عذوقها ما اينع ويدع ما لم يونع يكون معه زبيل يقال له الملقط يلقط فيه يانعه. وقوله: "وهكذا القول فيمن باع قرطا جز" والقرط هو هذا القت الذي يسميه أهل هراه القورى وهو لا يستخلف إذا جز كما يستخلف القت الصغار الورق وجز القت حصده. وفي الحديث: "نهى عن بيع الثمار حتى تزهو" 2 وفي بعض الحديث: "حتى تشقح" يقال للنخل إذا ظهرت الحمره أو الصفره في ثمره قد ازهى يزهى وهو الزهو والتشقيح بمعنى الازهاء وإذا احمرت البسره فهي شقحه وإذا ظهر فيها نقط من الارطاب فهي موكته فان كان ذلك من قبل ذنبها فهي مذنبه فإذا بلغ الارطاب ثلثيها فهو بسر محلقن فإذا لانت الرطبه فهي ثعده ثم هي معوه وقد امعى النخل والبلح ما دام اخضر ثم يصير يسرا ثم زهوا إذا تلون3 والرانج الجوز الهندي وهو النارجيل والجوائح جمع الجائحه وهي الافه تصيب الثمر من حر مفرط أو صر أو برد أو برد يعظم حجمه فينقص الثمر ويلقيه.

_ 1- الرجز لأحيحة بن الجلاح كما في "تهذيب إصلاح المنطق" "1 / 250" واللسان [شول] والصحاح "5 / 1789" ومعجم ما استعجم "2 / 471" وبلا نسبة في الصحاح "2 / 563" والإصلاح "93 , 94" واللسان _ حنذ" وغيرها كثير. والرجز في وصف نخل بحذاء حنذ – موضع قريب من المدينة – يتأبر دون أن يؤثر أي يتلقح دون أن يلقحه بشر. شولى: أي: ارتفعى وطولى إذا ضن أهل النخل بالفحول أي لم يعطوه طلع الفحول وهو ما يلقح به انظر: "اللسان" [حنذ] . 2- صحيح: أخرجه مسلم "5 / 11 – نووري"وأبو داود "3368" وغيرهما كثير من حديث ابن عمر. 3 - انظر: أدب الكاتب لابن قتيبة "80 – طبعة دار الكتب العلمية".

المحاقلة والمزابنة قال الشافعي: "المحاقله والمزابنه" فالمحاقله أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من حنطه والمزابنه أن يبيع التمر في رؤس النخل بمائة فرق من تمر واصل المحاقله مأخوذ من الحقل وهو القراح والمزرعه والاقرحه يقال لها المحاقل كما يقال المزارع وأما المزابنه فهي مأخوذه من الزبن وهو الدفع وذلك أن المتبايعين إذا ما وقفا فيما تبايعا على غبن أراد المغبون أن يفسخ البيع وأراد الغابن امضاءه فترابنا أي تدافعا واختصما وإنما خصوا بيع الثمر في رؤس النخل بالتمر باسم المزابنه لأنه غرر لا يحصر المبيع بكيل ولا وزن وخرصه حدس وطن مع ما يؤمن فيه من الربا المحرم وبيع العنب في الكرم بالزبيب داخل في المزابنه لأنه مثله. وأما تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "انه رخص العرايا" 1 فان النبي صلى الله عليه وسلم حرم المزابنه وهو بيع الثمر في رؤس النخل بالتمر رخص من جملة المزابنه في العرايا فيما دون خمسة اوسق وهو أن يجيء الرجل إلى صاحب الحائط فيقول له بعنى من حائطك ثمر نخلات باعيانها بخرصها من التمر فيبيعه اياها ويقبض التمر ويسلم إليه النخلات ياكلها ويتمرها وجماع العرايا كل ما افراد ليؤكل خاصه سميت عرايا لانها عريت من جمله الحائط وصدقتها وما يخرص على صاحبه من عشرها فعريت من جملة ذلك أي خرجت فهي عريه فعيله بمعنى فاعله والصنف الثاني أن يحضر رب الحائط رجال محتاجون فيعطى الرجل منهم ثمر النخله أو النخلتين عريه يأكلونها وهي في معنى المنحه: "وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ويصنع فيه ما يشاء" قال أبو عبيد: قال الاصمعي استعرى الناس في كل وجه إذا اكلوا الرطب اخذه من العرايا وقال أبو العباس العرايا أن يقول الغني للفقير ثمر هذه النخله أو النخلات لك واصلها لي قال أبو منصور: وهذا قريب مما فسرناه. وذكر الشافعي المصراه ففسرها أنها الناقة تصر أخلافها ولا تحلب أياما

_ 1- متفق عليه: أخرجه البخاري "2173 , 2184" ومسلم برقم "1539" من حديث زيد بن ثابت.

حتى يجتمع اللبن في ضرعها فإذا حلبها المشتري استغزرها. قال أبو منصور: جائز أن تكون سميت مصراه من صر اخلافها كما قال الشافعي: وجائز أن تكون سميت مصراه من الصرى وهو الجمع يقال صريت الماء في الحوض إذا جمعته ويقال لذلك الماء صرى وقال أبو عبيد: يا رب ماء صرى وردته ... سبيله خائف جديب1 ومن جعله من الصر قال: كانت المصراه في الأصل مصرره فاجتمعت ثلاث راءات فقلبت احداها ياء كما قالوا تظنيت من الظن وكما قال العجاج: تقضى البازى إذا البازى كسر2 والمحفله معناها: المصراه قال أبو منصور: روى ابن ابي ذئب عن مخلد بن خفاف3 قال كان بيني وبين شركائي عبد فاقتويناه فيما بيننا وكان منهم غائب فقدم فاحتصمنا إلى هشام فقضى أن يرد العبد وخراجه فاخبر عروه عن عائشه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالخراج بالضمان"4.

_ 1- لم أهند إليه والبيت وزنه مختل. 2- وقبه كما في الديوان: إذا الكرام ابتدروا الباع ابتدر والشطر في " الديوان " "28" والاقتضاب "43 , 138" وأدب الكاتب "318" ومجاز القرآن "2 / 300" والطبري "30 / 135" والكامل "3 / 47" وإعراب ثلاثين سورة "120 – إصدار مكتبة القرآن" وتهذيب اللغة "3 / 29 , 8 / 252" وإصلاح المنطق "334" وتهذيبته للتريزي "2 / 141" والقلب والإبدال "59" والأضداد لابن الأنباري "149" و "المعجم في بقية الأشياء" للعسكري "147" والتنبيهات "307" وسمط الآلئ "2 / 790" وغيرها كثير من أرجوزة يمدح فيها عمر بن مهمر التيمي يقول: إذا الكرام ابتدروا فعل المكارم بدرهم عمر وأسرع كانقضاض البازي في طيرانه وذلك أسرع ما يكون من الطيران ومعنى: كسر ضم جناحيه. 3 - في الأصل: "مخلد بن جفاف" وهو تحريف والصواب ما أثبته كما في ترجمته وانظر: "تهذيب ابن حجر" "10 / 67". وقد شكك ابن حجر في سماع ابن أبي ذئب من مخلد وإسناد الحديث ضعيف. 4- حسن: أخرجه أحمد "6 / 49 , 80 , 116 , 161" وأبو داود "3508 – 3510" والترمذي "1285" والنسائي "7 / 254 – 255" وابن ماجه برقم "2243" وابن حبان برقم "1226 – موارد" والحاكم "2 / 15" وغيرهم من طريق عن عروة به وانظر "الإرواء" برقم "1315".

سمعت المنذري يقول سالت ابا الهيثم عن الاقتواء في السلعه فقال يقال اقتويت وتقاويت وقاويت واصله أن تشترك نت وآخر في السلعه ثم تشترى نصيبه بشيء من الربح فتقول اقتويت السلعه قال والمقاواه والاقتواء المزايده في السلعه بين الشركاء وأما الخراج بالضمان فالخراج الغله يقال خارجت غلامى إذا واقفته على شيء وغله يؤديها اليك كل شهر ويكون مخلى بينه وبين كسبه وعمله وإذا اشترى الرجل عبدا بيعا فاسدا فاستغله أو اشتراه ببيع صحيح فاستغله زمانا ثم عثر منه على عيب فرده على صاحبه فان الغله التي استغلها من العبد وهي الخراج طيبة للمشترى لان العبد لو مات مات من ماله لأنه كان في ضمانه فهذا معنى الخراج بالضمان. قال الشافعي: - رحمه الله -: "وحرام التدليس ولا ينقض به البيع". التدليس أن يكون بالسلعه عيب باطن فلا يخبر البائع المشتري لها بذلك العيب الباطن ويكتمه اياه والتدليس مأخوذ من الدلسه وهي الظلمه فإذا كتم البائع العيب ولم يخبر به فقد دلس ويقال فلان لا يدالس ولا يوالس1 أي لا يوارب ولا يخادع وما في فلان دلس ولا ولس أي ما فيه خب ولا مكر ولا خيانه. قال الشافعي: "واذا اشترى جاريه من رجل لم يكن لواحد منهما مواضعه". ومعنى المواضعه أن توضع الجاريه على يدي عدل ليستبرئها ولكن تسلم الجاريه إلى مشتريها وعليه الا يطأها حتى يستبرئها بحيضه قال الشافعي: "وليس للمشتري أن يأخذ من البائع حميلا بعهده". والحميل: الكفيل والعهده ضمان عيب كان معهودا عند البائع أو استحقاق يجب ببينه تقوم لمستحقها فتسلم السلعه إليه ويرجع المشترى على البائع بما أدى إليه من الثمن يقال استعهدت من فلان فيما اشتريت أي

_ 1- في الأصل: "لايدالس , ولا يدالس" وهذا خطأ انظر: اللسان [2 / 1408 – دلس] .

أخذت كفيلا بعهده السلعه إن استحقت أو ظهر بها عيب. قال الشافعي: "ولو قال رجل لرجل بعني هذه الصبره كل إردب بدرهم" فالصبره الكومه المجموعه من الطعام سميت صبره لإفراغ بعضها على بعض ومنه قيل للسحاب تراه فوق السحاب صبيرة. وأما الإردب فهو أربعة وعشرون صاعا وهو أربعة وستون منا بوزن بلادنا والقنقل نصف الإردب والكر ستون قفيزا والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف وهو ثلاث كيلجات والصاع خمسة أرطال وثلث رطل والمد ربع الصاع والفرق ثلاثة أصوع وهي ستة عشر رطلا وأخبرني المنذري عن المبرد قال القسط وزن أربعمائة وأحد وثمانين درهما والبهار وزن ثلاثمائة رطل والوسق ستون صاعا والكر: إثنى عشر وسقا, والوسق: الحمل. قال الشافعي: "ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل" 1 قال أبو عبيد: العسب في الأصل ضراب الفحل ثم قيل للكراء الذي يأخذه صاحب الفحل على ضرابه عسب لتسمية العرب الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه كما قالوا للمزاده الراويه وإنما الروايه في الأصل البعير الذي يستقى عليه وإنما "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اخذ الكراء على ضراب فحله" 2 لأنه غير معلوم وقد يلقح وقد لا يلقح فهو غرر. وذكر الشافعي حبل الحبله وقال: "كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقه ثم تنتج التي في بطنها". قال الازهري: وهكذا فسره غيره وروى ثعلب عن الاثرم3 عن ابي عبيده قال المجر بيع ما في بطن الناقة

_ 1- صحيح: أخرجه الدارقطني وعنه البيهقي "5 / 339" من حديث أبي سعيد الخدري. وانظر "الإرواء" "1476". 2- انظر: السابق. 3- في الأصل: "الأثرر" وهو تحريف.

قال: وحبل الحبلة بيع ولد التي في بطن الناقة الثاني حبل الحبلة قال والثالث الغميس وهكذا قال أبو زيد في المجر وحبل الحبله فيما روى أبو عبيده قال الامجار أن تلقح الشاه أو الناقه فتمرض أو تجرب فلا تقدر أن تمشي فربما شق بطنها واخرج ما فيه وانشد: تعوى كلاب الحي من عوائها ... وتحمل الممجر في كسائها1 وقال أبو عمرو الغدوى أن يباع البعير بما يضرب هذا الفحل في عامه. قال وكان بعضهم يقول غذوى بالذال قال أبو عبيده2: كل ما في بطون الحوامل غدوى3 - بالدال غير معجمه - من الابل والشاه وانشد ارجو ابا طلق بحسن ظنى ... كالعدوى يرتجى ليغنى4 وانشد اعطيت كبشا وارم الطحال ... بالغدويات وبالفصال وعاجلات آجل السخال ... ي حلق الارحام ذي الاقفال5 فواثبت لنا عن ابي العباس عن ابن الاعرابي انه قال المجر الولد الذي في بطن الناقه والمجر الربا والمجر القمار قال والمزابنه والمحاقله مجر. وفي حديث اخر: "انه نهى عن بيع المضامين والملاقيح" والمضامين ما في اصلاب الفحول والملاقيح الاجنه في بطون الاناث واحدتها ملقوحه سميت لان امها لقحتها أي حملتها واللاقح الحامل وسمى ما في ظهور الفحول مضامين لان الله عز وجل اودعها ظهورها فكأنها ضمنتها وقال: ان المضامين التي في الصلب ... ماء الفحول في الظهور الحدب ليس بمغن عنك جهد اللريب6

_ 1- الشطران في اللسان [مجر] بلا نسبة. 2- في الأصل: "أبو عبيد" وهو خطأ والتصويب من اللسان [غدا] . 3- في الأصل: "عدوى" وهو تحريف. 4- الشطران في "اللسان" [غدا] بلا غزو. 5- الأشطار في " اللسان" [غدا] بلا نسبة. 6- الشطران الأول والثاني في اللسان [ضمن] بلا نسبة.

وأما الملامسة والمنابذة وبيعتان في بيعة والنجش ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يبع حاضر لباد فان الشافعي - رحمه الله - قد فسرها كلها تفسيرا مقنعا يستغنى به عن الزياده في شرحه. قال الشافعي: "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف وعن سلف جر منفعه" وقد فسرت السلف فيما تقدم واعلمتك أن السلف يكون قرضا ويكون بمعنى السلم تقول اسلفت فلانا مائة أي اقرضته اياها ومتى شئت طالبته بها وإذا دفع الرجل دراهم أو دنانير إلى رجل في حب أو تمر مضمون إلى اجل معلوم فجائز أن يقال اسلفت في كذا واسلمت في كذا وكذلك سلمت وسلفت معناها كلها واحد. ومعنى قوله: "نهى عن سلف وبيع" أن يقول اسلفك مائة درهم أي اقرضكما على أن تشتري مني هذه السلعه بمائة درهم فهذا سلف وبيع وفيه وجه آخر وهو أن تقول اشتريت دارك هذه بمائة انقدكها على أن اسلفك مائة قرضا والوجهات معا منهى عنهما. قال الشافعي: "واذا ادان العبد باذن سيده" معناه استدان أي اخذ الدين أو اشترى سلعه بدين وقال: اندان أم نعتان أم ينبري لنا ... فتى مثل نصل السيف هرت مضاربه1 وقوله: ينبري لنا أي يعرض لنا يقال هذا البعير يبارى هذا البعير أي يعارضه في السير وفلان يباري الريح في سخائه إذا عارضها لانها تهب على كل انسان يقال برى له وانبرى بمعنى واحد. وقوله نعتان: أي ناخذ العينه وهو أن يشترى سلعه بثمن معلوم إلى اجل مسمى ثم يبيعها من بائعها بالنقد دون الثمن الذي اشتراها به وهذا مأخوذ من العين وهو النقد الحاضر وقيل لهذا البيع عينه واعتيان لان مشترى السلعه إلى اجل يأخذ بدلها نقدا حاضرا وهذا حرام إذا اشترط المشتري على البائع أن يشتريها منه بثمن يتواصفانه بينهما شرط,

_ 1- البيت في "اللسان" [دين] بلا غزو.

فقد اختلف العلماء قديما وحديثا فيها فمنهم من حرمها ومنهم من اجازها وكان الشافعي يذهب إلى اجازتها إذا تعرت من الشرط وروى عن ابن عباس وعائشه رضي الله عنها فيها النبي وقال بعض الفقهاء العينه اخت الربا قال ابن الاعرابي يقال دنت وانا ادين إذا اخذت دينا وهو بمعنى استدنت وانشد: ادين وما ديني عليكم بمغرم ... ولكن على الشم الحلاد القراوح1 اراد بالشم: النخيل والقرواح التي لا تبالي الزمان قال ابن الاعرابي ورجل مديان وهو بمعنيين يكون الذي يقرض كثيرا ويكن الذي يستقرض كثيرا قال والدائن الذي يستدين والدائن الذي يقضي الدين ويرده على من ادانه. قال أبو زيد: جئت اطلب الدينه قال وهو اسم الدين وما أكثر دينته أي دينة ويقال ادنت الرجل فهو مدان ويقال رجل مدان ومدين ومديون ودائن ومدان كل ذلك الذي عليه الدين ودنت الرجل إذا اقرضته ومنه رجل مدين ومديون. واما الزرنقه2: فهو أن يشتري الرجل سلعه بثمن إلى اجل ثم يبيعها من غير بائعها بالنقد وهذ 1 جائز عند جميع الفقهاء وروى عن عائشه رضي الله عنها انها كانت تأخذ من معاويه عطاءها عشره الف درهم وتأخذ الزرنقه مع ذلك وهي العينه الجائزه وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن مهر البغى وحلوان الكاهن" 3.

_ 1- البيت لسويد بن الصامت كما في "سمط اللآلئ" "1 / 361" واللسان "قرح , رجب" واللإصابة "2 / 99 – نقلا عن طبقات دعبل" وأدب الكاتب "231" والاقتضاب "375" والأساس "قرح". ومعنى البيت: آخذ بدين على أن أؤدية من مالي وما يرزق الله من ثمرة نخلى ولا أكلفكم قضاء ديني عني. والشم: الطوال والجلاد: الصابرات على العطش والحر والبرد والقرواح: التي انجرد كربها واحدها: قرواح وكان في الأصل قراويح فحذف الياء للضرورة. 2- الزرنقة: العينه, وهي البيع بالأجل بأكثر من الثمن الأصلي وانظر: اللسان مادة [زرنق] . 3- متفق عليه: وهو جزء من حديث أبي مسعود الأنصاري المشكاة [2764] .

والبغى المرأة الفاجره تكرى نفسها وجمعها بغايا وحلوان الكاهن ما يأخذه على كهانته يقال حلوته احلوه حلوانا والبسله اجر الراقى والكلب الضارى هو الكلب الذي كلب وعلم اخذ الصيد وامساكه على صاحبه فضرى في الصيد واعتاده والضراوه العاده والدربه والاناء الضارى هو الذي جعل فيه الخمر حتى تربت به وصار يدرك فيه النبيذ سريعا وكذلك إذا ضرى الاناء بالخل وتربى به فهو ضار بالخل والبغاث من الطير ما لا يصيد ولا يرغب في صيده.

باب السلم

باب السلم السلم والسلف واحد يقال سلم واسلم وسلف واسلف بمعنى واحد وهذا قول جميع أهل اللغة الا أن السلف يكون قرضا ايضا وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم " انه تسلف بكرا" 1 معناه انه اقترضه ليرد مثله وكذلك استسلفه. قال: "واشترى ابن عمر راحله باربعه ابعره" الراحله: البعير النجيب الذي يركبه سراه الناس في اسفارهم ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تجدون الناس كابل مائه ليس في لها راحله"2. وذلك أن الراحله تعز في الابل لفراهتها ودلها وجودتها وادبها وصبرها على تعب السير السريع وكذلك الرجل الفاضل المهذب الاخلاق الطاهر من ادناس الدنيا والاغترار بزخرفها نادر في الناس عزيز الا ترى أن فقهاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتتاموا عشرين وكذلك زهادهم كانوا دون العشرين مع توافرهم وكثرة عددهم فاراد النبي صلى الله عليه وسلم انكم تجدون الخير الفاضل نادرا في الناس كالراحله النجيبه في الابل المائه. وفصح النصارى: عيد لهم معروف وقال الشافعي - رحمه الله - في صفة الحنطه "اذا اسلم فيها يصفها بالحداره والدقه" فحدارتها امتلاء حبها وسمنها ومنه يقال غلام حادر إذا سمن وامتلأ وقول الله عز وجل: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} 3 بالدال معناه مودون في السلاح كأنه لما لبس السلاح فخم وعظم فقيل له حاذر. وقال في صفة الرقيق خماسى أو سداسي فالخماسي الذي يكون طوله خمسة اشبار وقال ابن شميل غلام خماسي ورباعي قال خمسة اشبار واربعة اشبار وإنما يقال خماسى ورباعى فيمن يزداد طولا ويقال في الثوب سباعى.

_ 1- صحيح: أخرجه مالك "2 / 680 برقم 89 – طبعة عبد الباقي / الحلبي" ومسلم "5 / 54" وأبو داود "3346" وغيرهم من حديث أبي رافع موليى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2- متفق عليه: من حديث ابن عمر رضى الله عنهما. 3- سورة الشعراء الآية 56.

قال أبو منصور: والسداسي في الرقيق والوصائف جائز ايضا. والوضيء الأبيض الحسن الوجه يقال وضؤ يوضؤ وضاءه فهو وضيئ. وقوله في صفة النعم: "ثنى غير مودن" فالثنى الذي قد اثنى أي طلعت ثنيتاه وذلك حين يطعن في السنه السادسه والمودن الناقص الخلق السيء العذلة. وقوله: "سبط الخلق مجفر الجنبين" فالسبط المديد القامه والوافي الاعضاء الكامل الخلقه والمجفر الجنبين هو الذي انتفخت خواصره واتسعت وانضمام البطن عيب فيه والرباعى الذي طلعت رباعيتاه وذلك حين يطعن في السابعه والسدس والسديس الذي قد طعن في الثانية. البازل والمنقى والأعجف: والبازل الذي قد طلع نابه وطعن في التاسعه والمنقى الذي قد سمن واصله من النقى وهو المخ الذي في القصب يقال بعير منق وناقه منقيه والاعجف المهزول والانثى عجفاء وجمعها عجاف. وقوله: "لبن ابل عواد أو اوراك أو حمضيه" فالعوادى هي التي ترعى العدوه وهي الخله من الكلأ مثل النصى والصليان والحلمه وما اشبهها والاوراك: المقيمه في الحمض لا تبرحه ومنه قول كثير: وان الذي ينوي من المال اهلها ... اوراك لما تأتلف وعوادى1 واذا رعى البعير الحمض قلت: حامض فإذا نسبته إلى الحمض حمضى وابل حمضيه والحمض ما كان فيه ملوحه من النبات. التولية, ولإقالة, والمقايلة: والتوليه في البيع أن يشترى الرجل سلعه بثمن معلوم ثم يولى رجلا آخر تلك السلعة بالثمن الذي اشتراها به ولا يجوز أن يوليه اياها باكثر مما اشتراها أو باقل بهذا اللفظ لان لفظ التوليه يقتضى دفعها إليه بمثل ما اشتراها

_ 1- البيت في "الإصلاح" "342 , 403" وتهذيب "2 / 156" واللسان "عدا" والبيت ذكر امرأة أهلها يطلبون من المهر مالا يمكن , كما لا تأتلف هذه الأوارك والعوادي.

به وكذلك الاقالة لاتجوز باقل مما اشتراها به أو باكثر الا أن التوليه بيع والاقاله فسخ البيع بين البائع والمشترى وهي من اقالة العثره. وأما القايله والمقايضه في المبادله من قوله تقيل فلان اباه وتقيضه إذا نزع إليه في الشبه وهما قيلان وقيضان أي مثلان. وقال الشافعي في كتاب البيوع في باب السلف في الزبد: "وليس للمستسلف أن يعطى المسلف زبدا نجيخا". والنجيخ أن ياخذ اللبن الرائب فيصب عليه لبنا حليبا فتتخرج الزبده فشفاشه ليس لها صلابه زبد المخيض قال ابن السكيت النجيخ زبد رقيق يخرج من السقاء إذا حمل على بعير بعد ما نزع زبده الاول فيمتخض فيخرج زبدا رقيقا. قال الشافعي في باب السلم في الرطب: "وليس له أن يعطيه رطبا متشدخا أو معيبا بغفر الأغفار" والغفر عيب في التمر وأن تحرق السموم الرطب فيركب ظاهره قشور كانها اجنحة الذبان وتذهب حلاوته يقال اغفر الرطب فهو مغفر والغفاء مثله.

كتاب الرهن

كتاب الرهن الرهن اثبات وثيقة في يدي صاحب الحق المرتهن يقال رهنته شيئا في ثمن سلعه ارهنه رهنا إذا جعله في يده وكل شيء ثبت فقد رهن والرهن الشيء الثابت الدائم وأما الارهان بالالف فلا يجوزأنيقال ارهنته ولكن يقال ارهنت بالسلعه إذا غاليت بها قال أبو الحسين قد سمع ارهنته بمعنى رهنته وأما زيادة الرهان والمرأةنه فلا يكونان الا في سباق الخيل. قال الشافعي: "ولو رهنه ارضا من ارض الخراج فالرهن مفسوخ" أراد الشافعي بارض الخراج الارضين التي افاءها الله على المسلمين فوقفت رقبتها لجماعة أهل الفيء من المسلمين مثل ارض السواد وغيرها سميت ارض الخراج معناه الغله فالفلاحون الذين يعملون فيها قد

أكثروها بغلة معلومة والغلة تسمى خراجا كقوله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان"1 قال الشافعي: "وأن رهن دابة فاحتاج إلى توديج أو تبزيغ أو تعريب فليس للمرتهن منعه من ذلك" فأما التوديج للدابة فهو مثل الفصد للإنسان يقال ودج دابته توديجا إذا قطع ابجله أو ودجه حتى يسيل الدم والودجان عرقان غليظان عريضان عن يمين ثغرة النحر ويسارها. والوريدان بجنب الودجين وهما ينبضان ابدا من الحيوان وكل عرض ينبض فهو من الاورده التي فيها مجرى الحياه ولا يجري فيها الدم والودجان من الجداول كالاكحل والصافن والابجل وهي العروق التي تفصد والاورده مجارى النفس بالحركات ولا دم فيها وأما التبزيغ فهو النقب عن الرهصه في الحافر يقال بزع البيطار الرهصه وبزغها وقال الطرماح: كبزغ البيطر الثقف رهص الكوادن2 الكوادن, والرهصة, والتعزيب: الكوادن البراذين واحدها كودن والرهصه نزول الماء في الحافر. واما التعريب فهوأنيشرط البيطار اشاعر الدابه شرطا خفيفا لا يضر بالعصب ثم يعالجه يقال عرب فلان فرسه إذا فعل ذلك به. وفك الرهن وافتكاكه اداء الرهم ما لزمه من الحق واخراجه الرهن من يد المرتهن واصل الفك الاطلاق والفتح وكل شيء اطلقته فقد فككته ومنه فلك الرقبه وهو اطلاقها من الرق وفك الخلخال والسوار تفريج طرفيهما حتى تنفرجا.

_ 1- صحيح: أخرجه أحمد "6 / 49 , 208 , 227" وأبو داود برقم "3508" والترمذي برقم "1285 – 1286" والنسائي "7 / 254 – 255" وابن ماجه "2243" وغيرهم من حديث عائشه. 2- وقبله: يهز سلاحا لم يرثها كلالة ... يشك بها منها أصول المغابن يساقطها تترى بكل خميلة ... كبرغ............... يصف الطرماح ثورا طعن الكلاب بقرينه وهما سلاحه ونسب الجوهري هذا البيت للأعشى وليس بصحيح وانظر: لسن العرب "1 / 276 – بزاغ".

قال الشافعي: "ولو رهنه نخلا على أنما اثمرت كان داخلا في الرهن كان النخل رهنا دون الثمر" معنى اثمار النخل اطلاعها قال ابن الاعرابي يقال ثمر الشجر فهو ثامر بغير الف إذا نضج فامكنك أن تأكل من ثمره واثمر الشجر إذا طلع ثمره اول ما يخرجه فهو مثمر. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تغلق الرهن الرهن من رهنه له غنمه وعليه غرمه" 1. قال الشافعي: "لا يغلق الرهن أي لا يستحقه المرتهن بأن يدع الراهن قضاء حقه" قال أبو منصور: وهذا كما قال الشافعي - رحمه الله - في العربيه ومعنى لا يغلق لا ينغلق ولا يستغلق فلا يفك أي لا يطلق من الرهن بعد ذلك يقال غلق الباب وانغلق واستغلق إذا عسر فتحه واغلقته انا وغلقته والغلق في الدهن ضد الفك فإذا فك الراهن الرهن فقد اطلقه من وثاقه عند مرتهنه وليس للمرتهن أن يستحق الرهن لتفريط الراهن في فكه ولكنه يكون وثيقه في يده إلى أن يفكه. وجاء في حديث آخر: "لا طلاق في اغلاق" 2. معنى الاغلاق الاكراه كأنه إذا ضيق الزوج امره اضطر إلى تطليق امرأته فقد اغلق عليه باب المخرج مما الجئ إليه فوضع الاغلاق موضع الاكراه كالرجل يغلق على محبسه فلا يجد سبيلا إلى التخلص منه. وقوله: "الرهن ممن رهنه" هذا كلام منفصل من الاول وهو تأكيد لما وصل به وفائدته أن ملك الرهن لمن رهنه لان الشيء إذا كان منه فهو له ومن ها هنا بمعنى لام الملك كقول الشاعر: امن آل ليلى عرفت الديارا ... بجنب العقيق خلاء قفارا اراد ألآل ليلى عرفت الديار

_ 1- ضعيف: وذلك لأنه مرسل وقد أخرجه الشافعي "324" ومن طريقه البيهقي "6 / 39" من مرسل سعيد بن المسيب. وانظر " الإرواء" برقم "1406" ففيه فوائد جمة. 2- حسن: أخرجه أحمد "6 / 276" وأبو داود "2193" وابن ماجه "2046" وغيرهم من حديث عائشة وانظر تخريج الشيخ العلامة الألباني في "الإرواء" برقم "2047".

وقوله: "له غنمه وعليه غرمه" أي للراهن الرهن وما يكون فيه من زياده ومنفعه من لبن وغله ونتاج وعليه غرمه له معنيان: احدهما عليه غرم ما يفك به وهو دفع الحق إلى مرتهنه. والمعنى الثاني أن عليه غرمهإنضاع أو تلف والغرم الخسران والنقص وقد يكون الغنم بمعنى الربح والفضل والغرم بمعنى الهلكه يقال للذي عليه الدين غريم وللذي له الدين غريم ورجل مغرم بالنساء أي مولع بهن.

باب التفليس

باب التفليس التفليس: أن تتوى بضاعة الرجل التي يتجر فيها فلا يفي ما بقي منها في يده بما بقي من الديون فإذا ثبت عند الحاكم ذلك وسأله الغرماء الحجر عليه ومنعه من التصرف فيما بقي في يديه فلسه ومأخذه من الفلوس التي هي اخس مال الرجل الذي يتبايع به كأنه إذا حجر عليه منعه من التصرف في ماله الا في الشيء التافه الذي لا يعيش الا به وقد افلس الرجل إذا اعدم وتفالس إذا ادعى الافلاس. قال الشافعي: "فان أراد الغرماء بيع الزرع الذي للمفلس بقلا فلهم ذلك" أراد بيعه اخضر قبل أن يدرك ونصب بقلا على الحال يقال اخضر باقل والبقل عند العرب كل زرع ناعم اخضر وكذلك كل عشب رطب وعوام والناس إنما يعرفون من البقول ما يزرع من مثل الكراث والخس والنعنع والهندباء1 والبقل في كلام العرب ما فسرته لك واللعاعه عندهم كل بقله بريه تنبت في آخر الشتاء مثل البسباس وهو نبت طيب يحمل من بلاد الهند والجرجير البري والحماص والحمصيص وما اشبهها من البقول التي تطبخ. قال الشافعي: "وذو العسره نظره إلى ميسره" أراد ذو العسره له نظره أي انظار وامهال إلى أن يوسر يقال انظرته انظارا ونظره والنظره الاسم يوضع موضع المصدر الحقيقي والميسره اليسار. قال فان مات كفن من رأس ماله وحفر قبره ومين بأقل ما يكفيه. قوله مين أي تحمل مئونة دفنه جاء على ما لم يسم فاعله على فعل وكسرت الميم من اجل الباء كما قال الله عز وجل: {وَغِيضَ الْمَاءُ} 2

_ 1- الهندباء: بقل زراعي حولي ومحول من الفصيلة المركبة يطبخ ورقه, أو يجعل في الشلطة وانظر صورته في "المعجم الوسيط" "2 / 997 – هندبا". 2- سورة هود الآية 44.

و {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} 1 وبهم و {سِيءَ} بهم وما اشبهها يقال منت فلانا امونه إذا قمت بمئونة طعامه وغيره مما يقتاته. وقوله حتى تقوم بينه أن قد افاد مالا معناه استفاد والافاده في كلام العرب له معنيان متضادان يقال افاد غيره مالا إذا اعطاه وافاد مالا أي استفاده لنفسه والمفيد المعطى والمفيد المستفيد. وذكر الشافعي في كتاب التفليس حديثا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "نفس المؤمن معلقه بدينه" 2. نفس الإنسان لها ثلاثة مواضع احدها بدنه قال الله عز وجل: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} 3. والنفس الروح الذي إذا فارق البدن لمن تكون بعده حياه وهو الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "نفس المؤمن معلقة بدينه" كأن روحه تعذب بما عليه من الدين حتى يؤدى عنه والنفس الدم الذي في جسد الحيوان وقال أبو اسحاق ابراهيم بن السرى4: لكل انسان نفسان أحدهما نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام فيزايله عقله يتوفاه الله تعالى كما قال والاخرى نفس الحياه التي إذا نام الإنسان تنفس بها وتحرك بقوتها وإذا توفى الله تعالى نفس الحياه توفى معها نفس التمييز وإذا توفى نفس التمييز لم يتوقف معها نفس الحياه وهو الفرق بين توفى انفس النائم وتوفى انفس الخي وسميت النفس نفسا لتولد النفس منها ومعنى الحجر المنع في كلام العرب يقال حجر الحاكم على المفلس ماله إذا منعه من التصرف فيه وقيل للحرام حجر لأنه شيء ممنوع منه وهو بمعنى المحجور كما يقال طحن للمطحون وقطف للمقطوف.

_ 1- سورة الزمر الآية 73. 2- صحيح: أخرجه الترمذي "1079" وابن ماجه "2413" وغيرهما من حديث أبي هريرة وهو مخرج في "قرة العين" للإمام العراقي برقم "68 / بتحقيقي". 3- هكذا جاء لفظ الكتاب المخطوط, والصواب: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [سورة المائدة: الآية 45] 4- هو: الزجاج العالم المعروف.

وقوله عز وجل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} 1 معناه فإن علمتم منهم رشدا أي صلاحا في امر دنياه ودينه واصل الايناس الابصار فوضع موضع العلم كما وضعت الرؤيه موضع الابصار واصل الايناس من انسان العين وهي الحدقه التي يبصر بها. وقوله عز وجل: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً} 2, فالسفيه القليل العقل الضعيف التمييز والضعيف العين الذي يعجز عن الاملاء لضعف بيانه والعرب تقول للذي لا بصر له ضعيف وللذي لا نطف له ضعيف وللذي لا عقل له ضعيف. وقال في باب الصلح: "ولا انظر إلى من إليه الدواخل ولا الخوارج ولا انصاف اللبن ولا معاقد القمط" ومعنى الدواخل والخوارج أي ما خرج من اشكال البناء إلى الناحيه التي لا يملكها صاحب البناء مخالف لاشكال ما يلي ناحيته وذلك تحسين وتزيين لا يدل على ملك يثبت وحكم يجب. ومعاقد القمط تكون في الاخصاص التي تبنى وتسوى من الحصر وسفائف الخوص والقمط هي الشرط وهي حبال دقاق تسف بها الحصر التي تسقف بها الاخصاص وحواجزها فلا نحكم بمعاقدها في دواخلها وخوارجها لانها لا تثبت ملكا وان كان العرف جرى أن ما دخل يكون احسن مما خرج. قال: "وله أن يبيع زرعه اخضر ممن يقصله" أي يقطعه ويجزه من ساعته والقصيل ما جز ويقال سيف مقصل وقصال إذا كان قاطعا. .htm'

_ 1- سورة النساء الآية 6. 2- سورة البقرة الآية 282.

باب في الحوالة والحمالة

باب في الحوالة والحمالة روى النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "مطل الغنى ظلم وإذا اتبع احدكم على مليء فليتبع" 1 وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اذا احيل احدكم على مليء فليحتل" وفي حديث آخر: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" 2. اللي المطل يقال لواه بدينه يلويه ليا وليانا إذا مطله ودفعه والمطل اطالة المدافعه وكل مضروب طولا من جديد وغيره فهو ممطول والواحد الموسر يقال رجل واجد بين الجده والوجد إذا كان غنيا والمليء بالهمز الغني وقد ملؤ ملاءه. وقوله: "اذا اتبع احدكم على مليء فليتبع" أي إذا احيل بماله على رجل آخر مليء فليحتل عليه وليطالبه بحقه قال الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} 3 أي فمطالة بالمعروف وقال الله عز وجل: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً} 4 اي لا تجدوا من يتبعنا بانكار ما نزل بكم ولا من يتبعنا أي يطالبنا بأن نصرفه عنكم. وقال الفراء التبيع بمعنى التابع أي تابعا بطلب الثأر وقال الاخفش5 تبيعا مطالبا. وقوله: "لا توى على مال مسلم" كقولك لا تلف على ماله

_ 1- متفق عليه: من حديث أبي هريرة انظر تخريجه في "الإرواء" "2418". 2- صحيح: أخرجه أبو داود والنسائي من حديث الشريد وإسناده صحيح المشكاة "2919 / 21". 3- سورة البقرة الآية 178 4- سورة الإسراء الآية 69. 5- هو: أبو الحسن سعيد بن مسعدة فارسي النسب عالم فذ عده التبريزي في "شرحه لحماسة أبي تمام" "506 – الطبعة الأوربية" من شيوخ علم العروض. انظر: "إنباه الرواة" "2 / 58" وهامشه.

ولا هلكه والحمالة الكفالة والحميل الكفيل يقال حملت به حمالة وزعمت به زعامة وصبرت به اصبر إذا كفلت به فأنا حميل وزعيم وصبير أي كفيل يقال اكفلت فلانا المال اكفالا إذا ضمنته إياه فكفل به كفالة ويقال تحمل فلان عن فلان دينا للمحمول له إذا تكفله وضمن له أن يوفيه اياه. فاما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رجل تحمل بحماله" فهو الرجل يتحمل ديات قتلي قتلوا بين فريقين اقتتلا ليصلح بينهم ويحقن دماءهم يقال فلان كفيل وكافل وضمين وضامن بمعنى واحد وأراد الشافعي بكفالة الوجه الكفاله بالبدن وكان يضعفها.

باب في الشركة

باب في الشركه والشركه من وجوه فمنها شركة العنان ومنها شركة المفاوضه ومنها شركة القراض فاما شركة القراض فسترى مفسدة في بابه. وأما شركة العنان فان الفراء زعم انها سميت شركة العنان لانهما اشتركا في مال خاص كأنه عن لهما أي عرض لهما فاشتركا فيه وقال غيره سميت شركة العنان لان كل واحد منهما عان صاحبه أي عارضه بمال مثل ماله وعمل مثل عمله يقال عارضت فلانا اعارضه معارضة وعاننته معانة وعنانا إذا فعلت مثل فعله وحاذيته في شكله وعمله والعنن الاعتراض وعنان اللجام مأخوذ من هذا لان سيريه تعارضا فاستويا وأما شركة المفاوضه فهي أن يشترك الرجلان في جميع ما ملكاه ويملكانه ويستفيدانه من ميراث وغيره ولا يجيز هذه الشركه غير الكوفيين وهي عند الحجازيين باطله, والوكيل الذي تكفل بما وكل به فكفى موكله القيام بما اسند إليه والوكيل صفه من صفات الله عز وجل فقيل معناه الكفيل ونعم الكفيل بأرزاقنا. ومعنى قوله: "في بركة" أي مع بركة والبركه الصدر وهو البرك ايضا ومثله قوله: "يدفع عنها الجوع كل مدفع خمسون بسطا في خلايا اربع" أراد خمسون بسطا مع اربع من الخلايا والبسط الناقه التي معها ولدها لا تعطف على ولد غيرها تسمى بسطا وبسوطا والخليه التي ذبح ولدها وظئرت على ولد بسوط فتيخلى أهل البيت بلبنها ويكون لبن البسوط لولدها. قال الشافعي: "ولو ضمن له عهده دار اشتراها وخلاصها" فالعهده أن يضمن ما يلزم البائع من رد ثمن لاستحقاق حق في المبيع أو لعيب قامت البينه انه كان معهودا فيما باعه وهو في يده. واما الخلاص: فله معنيان أحدهما التخليص يقال خلصت

تخليصا وخلاصا إذا خلص السلعة لمبتاعها ودفع عنها من حال بين المشتري وبين قبضها والخلاص المثل ايضا يقال عليك خلاص هذه السلعه إن استحقت أي عليك مثلها وهذا روى عن شريح ولا يقول اليوم به احد من الفقهاء ولكنا نجعل رد الثمن خلاصا للمشتري إذا استحق ما في يده. وفي حديث عبد بن زمعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش" 1. معناه: الولد لصاحب الفراش كما قال الله عز وجل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 2 أي سل أهل القرية والعرب تكنى عن المرأة بالفراش والبيت والنعجه والازار والبغل وفراش الرجل امرأته أو جاريته التي يفترشها ويغشاها. وقوله: "وللعاهر الحجر" 3 أي ليس له في نسب المولود شيء ولا حق وهذا كما يقال له التراب أي لا حق له فيه والعاهر الزاني.

_ 1- متفق عليه: من حديث ابن عباس, البخاري "5 / 371" ومسلم "1457 – 1458" وغيرهما كثير. 2- سورة يوسف الآية 82. 3- انظر: هامش رقم [1]

باب العارية

باب العارية العارية: مأخوذة من عار الشيء يعير إذا ذهب وجاء ومنه قيل للغلام الخفيف عيار لخفته في بطالته وكثرة ذهابه ومجيئه فيها فان قال قائل فلم شددت الياء من العاريه وأصلها من عار. قيل: العاريه منسوبه إلى العاره وهو اسم من قولك أعرته المتاع اعارة وعارة فالعاره الاسم والاعاره المصدر الحقيقي يقوم الاسم مقامه كما يقال اجبته اجابة وجابه واطقته اطاقة وطاقة واطعته اطاعة وطاعة وأعرتة إعارة وعارة.

باب في الغضب

باب في الغضب ... باب في الغصب قال: "ولو كسر لرجل اناء أو رضضه" الترضيض أن يدقه دقا لا يلتئم ورضاض كل شيء دقاقه ومنه قيل للحصى الصغار رضراض. 514 - وذكر الحديث الذي جاء فيه: "وليس لعرق ظالم حق" 1 والعرق الظالم أن يجيء الرجل إلى ارض رجل فيغرس فيها غراسا ليسحقها أو يستغلها فتقوم البينه لمالكها بصحة الملك فيؤمر الغارس بقلع غراسه وليس لعروق تلك الغراس حق في الأرض لان الغارس كان ظالما وإذا كان ظالما فعرق ما غرس ظالم واصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه. قال الشافعي: "ولو زوق رجل دار ردل كان فه نزع التزويق" وتزويقها تزيينها بالطين والحصى وغيرهما وهذا مأخوذ من الزاووق وهو الزئبق ويستعمل في تزيين البناء. وقوله: "اذا لم تبن الدار بطوب اثر لا عين" الطوب الاجر بلغة أهل مصر واحدتها طوبه واراها قبطيه معربه. وقوله: "فان تمحق الصبغ فلم تكن له قيمه" معنى تمحق أي بطلت قيمته وذهبت منفعته وكل شيء بطلت منفعته فقد امحق ومحاق القمر أن يدق بعد امتلائه فلا يرى جرمه ولا يضيء شيئا وقال الله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} 2 أي يستأصله ويذهب نماءه وبركته.

_ 1- صحيح: ورد عن جمع من الصحابة منهم: سعيد بن زيد وعائشة وسمرة وعبادة وغيرهم. حديث سعيد: أخرجه أبو داود "3073" والترمذي وغيرهما. وحديث عائشة: عند الطيالسي برقم "1440" وحديث سمرة عند أبو داود "3077" وأحمد "5 / 12 , 21" وحديث عبادة عند أحمد "5 / 326 – 327" وانظر "الإرواء" "1520" فقد خرجه الألباني فأفاد وأجاد. 2- سورة البقرة الآية 276

قال: "ولو حل زقا أو زاويه فاندفقا" أي سال ما فيهما وانصب يقال دفقت الماء وكل شيء ذائب سائل فاندفق أي صببته فانصب قال الله عز وجل: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} 1 أي من ماء ذي دفق وقيل من ماء مدفوق أي مراق. قال: "ولو أن مجوسيا اشترى غنما فوقذها ليبيعها فاحرقها مسلم". الوقذ: أن يقتلها بشيء لا حد له ثقيل مثل حجر أو عصى غليظة وما أشبهها وكل شيء أثقلك فقد وقذك والموقوذة في القرآن هي التي قتلت بما لا ذكاة له يقال وقذني النعاس أي أثقلني وخثرني2.

_ 1- سورة الطارق الآية 6 2- خثرني: الخثر: هو الإحساس بالفتور.

باب الشفعة

باب الشفعة قال أبو منصور: سمعت أبا الفضل يقول سئل أحمد بن يحيى عن اشتقاق الشفعة في اللغة فقال هي الزيادة وهو أن يشفعك فيما أشترى حتى تضمه إلى ما عندك فيزيده وتشفعه به أي أنه كان واحدا فضممت إليه ما زاد وشفعته به1. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "انما جعلت الشفعه فيما لم يقسم فإذا حدت الحدود فلا شفعه" 2. قال أهل العربيه انما تقتضي ايجاب شيء ونفي غيره كقولهم: "انما المرء باصغريه"3 بقلبه ولسانه معناه أن كمال المرء بهذين العضوين وان صغر لا يروائه ومنظره وكذلك معنى الحديث أن الشفعه تجعل فيما لم يقسم ولا تجعل فيما قسم. واما الحديث الاخر: "الجار احق بسقبه" 4. فان أحمد بن يحيى روى عن ابن الاعرابي انه قال الجار في كلام العرب على وجوه كثيره فالجار الذي يجاورك بيت بيت قال والجار النفيح وهو الغريب والجار الشريك في العقار المقاسم والجار الشريك في النسب بعيدا كان أو قريبا والجار الخفير والجار الحليف والجار الناصر والجار الشريك في التجاره فوضى كانت أو عنانا والجار امرأه الرجل يقال هي جار بغير هاء والجار فرج المرأة والجاره الطبيجه* والجار ما قرب من المنازل من الساحل5.

_ 1- نقله صاحب اللسان في مادة [شفع] 2- متفق عليه: من حديث جابر, انظر "الإرواء" "1532". 3- انظر: جنى الجنتين لمحمد أمين بن فضل الله المحبى "20 ". 4- صحيح أخرجه البخاري "2 /47 , 4 / 346" وأبو داود "6 / 35" وغيرهما من حديث أبي رافع وهو مخرج في " مكارم الأخلاق" للخرائطي يسر الله إتمامه بالصاد المهملة وكلا الوجهين صحيح. 5- انظر: المسائل والأجوبة لابن قتيبة نص رقم "4 – بتحقيقي". * الطبيحة: الاست.

قال أبو منصور: فاجتمال اسم الجار لهذه المعاني يوجب الاستدلال بدلاله تدل على المعنى الذي يذهب إليه الخصم ودلت السنه المفسده أن المراد بالجار الشريك وهو قوله: "انما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم" من حديث معمر عن الزهرى عن ابي سلمه عن جابر. واما السقب أو الصقب فهو القرب يقال فلان جارى مساقي ومصاقبي أي عمود بيته بحذاء عمود بيتي والصقوب العمد التي تعمد بها بيوت الاعراب واحدها صقب. وقول الشافعي: "لا شفعه الا في مشاع" أي في مختلط غير متميز وإنما قيل له مشاع لان سهم كل واحد من الشريكين اشيع أي اذيع وفرق في اجزاء سهم الاخر لا يتميز منه ومنه يقال شاع اللبن في الماء إذا تفرق اجزاؤه في اجزائه حتى لا يتميز. الفناء, المنقبة, الركع, الرهو: وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "لا شفعه في فناء ولا طريق ولا منقبه ولا ركح ولا رهو" 1 فالفناء الساحه المتصله بدور القوم وجمعه افنيه فإذا باع احدهم داره بحقوقها دخل حقه في الفناء في البيع ولم يكن للشركاء في الفناء شفعه لأنه غير منقسم وكذلك الطريق بين القوم إلى دورهم فيما يتبع الدار المبيعه من تلك الطريق كما قلنا في الفناء. والمنقبه الطريق الضيقه بين الدارين أو بين الدور والنقب الطريق الضيق بين الجبلين والركح ناحية البيئت من ورائه وربما كان فضاء لا بناء فيه هو مرفق للدار تابع لها لأنه من حقوقها إذا بيعت. والرهو الجوبة تكون في محلة القوم يسيل اليها ماء المطر أو غيره

_ 1- انظر: الأم للشافعي "5 / 50"

والجوة مثل الرهو إذا كانت مغيضا لمسايل دور القوم. ومعنى الحديث أن من كان شريكا في هذه المواضيع فلا شفعه له فيها إذا بيعت الدور التي هي تبع لها ومن حقوقها. البئر, الفحل, الأرف: ومثله ما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال لا شفعه في بئر ولا فحل نخل والارف تقطع كل شفعه وتأويل البئر أن تكون بين نفر لكل واحد منهم حائط على حده يسقيه من ماء تلك البئر فالبئر بينهم مشتركه وحائط كل واحد منهم مفروز فإذا باع احدهم حائطه لم يكن لشركائه في البئر شفعه في نصيبه من البئر من اجل شركتهم لانها لا تنقسم وإنما الشفعه تجب فيما ينقسم فاما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه. واما الفحل فان القوم إذا كانت لهن نخيل في حائط توارثوها فاقتسموها ولهم فحل نخل يلقحون منه نخيلهم فإذا باع احدهم نصيبه المقسوم من ذلك الحائط بحقوقه من الفحال وغيره فلا شفعة للشركاء في الفحال في حقه منه لأنه لا ينقسم أيضا كالبئر سواء يقال لجمع الفحل فحول ومن قال فحال فجمعه فحاحيل. والارف هي: الحدود بين المواضع المقسومه واحدتها ارفه ويقال لها ارثه بالثاء وجمعها ارث يقال ارفت الأرض تاريفا إذا قسمتها بين قوم أو بين شريكين فجعلت بينهم جدرا وحدودا فتميز ما فرز لكل واحد منهم نصيب صاحبه.

باب القراض

باب القراض القراض: أن يدفع الرجل إلى الرجل عينا أو ورقا ويأذن له بأن يتجر فيه على أن الربح بينهما على ما يتشارطانه واصل القراض مشتق من القرض وهو القطع وذلك أن صاحب المال قطع للعامل فيه قطعه من ماله وقطع له من الربح فيه شيئا معلوما والقرض الذي يدفعه المقرض إلى الرجل الذي يستقرضه مأخوذ من هذا لان المقرض يجعله مقروضا من ماله للمستقرض أي يجعله مقطوعا وخصت شركة المضاربه بالقراض لان لكل واحد منهما في الربح شيئا مقروضا أي مقطوعا لا يتعداه. وقرض الفأره: قطعها الثوب وقد يوضع القرض موضع المعارضه والموازاه يقال قرضت فلانا وقارضته إذا حاذيته ويقال قارضت فلانا وقرضته إذا ساببته وقطعت عرضه بالسب. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عباد الله رفع الله الحرج الا من اقترض عرض امرئ مسلم فذلك الذي حرج" يريد الا من سب عرض امرئ مسلم وقطعه بالذم وسوء القول. ومنه قول ابي الدرداء: "ان قارضت الناس قارضوك وان تركتهم لم يتركوك" وقد يكون التقارض والمقارضه في الثناء والمدح وذلك أن يمدح الرجل رجلا فيمدحه الممدوح بمثل مدحه له ويقال هما يتقارضان الثناء وهذا مأخوذ من القرض الذي هو بمعنى المحاذاه والمعارضه وسميت هذه الشركه مضاربه لان العامل يضرب المال الذي اخذه من صاحبه في الأرض يتجر فيه يقال ضرب في الأرض إذا سافر فأهل الحجاز يسمونها قراضا وأهل العراق يسمونها مضاربة ومعناهما واحد والأصل فيهما ما أعلمتك.

قال الشافعي: "فان كان القراض فاسدا فاشترى العامل بعين المال فهو فاسد" أراد انه لما اشترى السلعه قال اشتريتها بهذا المال واشار إليه ولم يقل اشتريته بكذا وكذا دينار ضمنها في ذمته وعين كل شيء نفسه. وقوله: "الربح له والوضيعه عليه" أراد بالوضيعة الخسران يقال وضع فلان في تجارته إذا خسر فيها.

باب المساقاة

باب المساقاه والمساقاه في النخيل والكروم كالمخابره في الارضين فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المخابره1 وهي المزارعه على الثلث والربع واجاز المساقاه. والمساقاه: أن يدفع الرجل إلى الرجل حائط نخل على أن يقوم بسقيها وقضابها وابارها وعمارتها ويقطع له سهما معلوما مما يخرج من ثمارها اخذت المساقاه من السقي لان سقيها من اهم امرها وكانت النخيل بالحجاز تسقى نضحا فتعظم مئونتها. التقن, الجريد, والتشنيب: قال الشافعي: "وكل ما كان فيه مستزاد لثمره من اصلاح الماء وطريقه وتصديف الجريد وابار النخيل جاز شرطه على العامل" فاما اصلاح الماء وطريقه فحفر جداوله وتنقية انهاره من التقن ورسابة الطين التقن هو الطين الذي يجتمع في قعر النهر فيحفر بعد ذلك ويستخرج ما فيه حتى يجرى الماء وأما تصريف الجريد فالجريد سعف النخيل وتصريفه أن بشذبه من سلائه ويذلل العذوق فيما بين الجريد لقاطفه والتشذيب تشنيخ شوكه عنه وتنقيحه مما يخرج من شكيره الذي يضر به إنترك عليه, والتشنيج تنحية الشوك عن الشجر والتنقيح مثله. قال الشافعي: "فاما سد الحظار فلا مستزاد به لصلاح الثمر". والحظار: ان يؤخذ ما يقضب من جرائد النخل الطوال فيحظر به وبغيره من الشجر على النخل تحظيرا يمنع من الدخول فيه. وقوله: "ولو ساقاه على حائط فيه اصناف من دقل وعجوه وصيحاني". فالدقل الوان من ردئ التمر يكون منه الأسود والاحمر والقسب والعجوه جنس على حده وهو أنواع الصيحاني من خيار العجوة.

_ 1- متفق عليه: من حديث ابن عمر, وانظر "الإرواء" "1478".

باب الإجارات

باب الإجارات ذكر الشافعي أمر موسى عليه السلام وأجارته نفسه وما حكى الله عز وجل عن صاحبه إذا قال له: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} 1 والاجر اصله الثواب وسمى الله تعالى المهر اجرا فقال: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 2 ومعنى قوله {أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} 1 أن تجعل مهر ابنتي رعيك غنمي ثماني حجج فكأنه قال تثيبني من بضعها رعى الغنم يقال اجرت فلانا من عمله كذا وكذا أي اثبته منه قال الله عز وجل: "يأجر العبد من عمله" أي يثيبه. ومعنى الثواب العوض واصله من ثاب أي رجع كأن المثيب يعوض المثاب مثل ما اسرى اليه. قال الشافعي:" وكراء الدواب جائر للمحامل والزوامل والحموله". والحموله والحمول الاحمال واحدها حمل ويقال للهوادج ايضا حمول كان فيها نساء أو لم يكن وأما الحموله بفتح الحاء فهي الابل العظام الاجسام التي يحمل عليها. والزامله: البعير الذي يحمل الرجل عليه زاده واداته وماءه ويركبه والزومله الجماعه من الناس يقال مات فلان وخلف زومله من العيال أي جماعه وجمع الزومله والزامله زوامل. قال: "فان اكراه محملاه وقال معه معاليق" فان المعاليق ما يعلق على البعير من سفره وقربه واداوه وما اشبهها مما يتفق به المسافر وواحد

_ 1- سورة القصص, الآية 27. 2- سورة النساء الآية 25.

المعاليق معلوق وأما العلائق فجمع العليقة وهو البعير الذي يدفعه الرجل الضعيف إلى جماعة ينهضون بركابهم إلى بعض القرى مياره فيحملون على بعيره العليقه ما سأل أن يحمل له عليه من الميره. قال: "وان اكترى دابه فكبحها باللجام فماتت". كبحها أي ثنى رأسها وكفها كفا عنيفا والاعناب أن يحمل على الدابه ما لا تحتمله حتى يضر بها ذلك وجملة معاني العنت المشقه والضرر ويقال عنتت الدابه عنتا إذا ظلعت ظلعا ذا مشقه واكمه عنوت أي شاقه. العاقلة, التعزير: "وان عزر الامام رجلا فمات فالديه على عاقلته". عاقلة الرجل عصبته من قبل ابيه وهم اخوته وبنوهم وبنو بنيهم ثم اعمامه وبنوهم وبنو بنيهم والتعزير شبه التأديب واصل العزر الرد والمنع كأنه يؤدبه تأديبا يمنعه عن ارتكاب مثل ما ارتكب. ويقال للنصر تعزير ايضا لان من نصرته فقد منعت عنه عدوه.

كتاب المزارعة

كتاب المزارعه العاثور, الغيل: قال الشافعي:"اذا تكارى الأرض ذات الماء أو عثريا أو غيلا على أن يزرعها". والعثرى من الزروع والنخيل ما يؤتى إليه ماء السيل في عواثير يجرى الماء اليها وواحد العواثير عاثور وهو اتى يسوى على وجه الأرض يجرى فيه الماء إلى الزروع من مسايل السيل سمى عاثورا لان الإنسان إذا مر به ليلا تعقل به فعثر وسقط ومن هذا يقال وقع فلان في عاثور شر إذا وقع في امر شديد والبعل من النخل ما شرب بعروقه من غير سقى سماء ولا نضح وذلك أن تغرس النهل في مواضع قريبه من الماء فإذا انغرست وتعرقت استغنت بعروقا الراسخه في الماء عن السقي وأما الغيل والغلل فهو الماء الجاري على وجه الارض. قال الشافعي:"واذا اكترى الأرض التي لا ماء لها انما تسقى بنطف سماء أو سيل أن جاء فلا يصح كراؤها الا أن يكريه اياها ارضا بيضاء لا ماء لها". والنطف القطر يقال نطف ماء السحاب ينطف نطفا إذا قطر قطر وكل قاطر ناطف والنطفه الماء القليل وجمعه نطف وقال ذو الرمه: تقطع ماء المزن في نطف الخمر* 1 وربما قللت العرب ماء البحر فسمته نطفه قال قائل منهم قطعنا اليكم نطفة البحر وأما النطف بفتح النون والطاء فهو أن يدبر ظهر البعير حتى يخلص الدبر إلى جوفه فيقال نطف ينطف نطفا إذا ذوى جوفه منه. ومنه قيل

_ 1 - عجز البيت, صدره: يقطع موضوع الحديث ابتسامها والبيت في "ديوانه" "264" وأمالي القالي "1 / 76" والسمط "1 / 255" واللسان [قطع] وعجزة في "اللسان" [نظف] من كلمة له مدح بلال بن أبي بردة الأشعري. موضوع الحديث: حغضه, والمزن: قطع السحاب.

للرجل الذي لا يعف عن الريبه نطف وللذي اضمر على سخيمه نطف ايضا والمخابره استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها قال أبو عبيد الخبير الاكار ومخابره الأرض مأخوذه من هذا يقال خابرت الأرض أي واكرت واخبرني المنذري عن الصيداوي عن الرياشي قال الخبير الاكار والخبير الديه وانشد: نجذ رقاب الاوس في غير كنهه ... كجذ عقاقيل الكروم خبيرها1 رفع قوله خبيرها باضمار الفعل أراد جذها خبيرها. الموات: يقال للارض التي ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عماره ولا ينتفع بها الا أن يجرى اليها ماء أو تستنبط فيها عين أو يحفر بئر موات وميته وموتان بفتح الميم والواو وكل شيء من متاع الأرض لا روح له فهو موتان يقال فلان يبيع الموتان وما كان ذا روح فهو الحيوان وارض ميته إذا يبست ويبس نباتها فإذا سقاها المساء صارت حيه بما يخرج من نباتها ورجل موتان الفؤاد إذا كان غير ذكي ولا فهم وقع في المال موتان وموات وهو الموت الذريع وعفو البلاد ما لا مالك لها ولا عماره بها وموات الارضين تكون في عفو البلاد التي لا يرى فيها أن ولا عين وقال الشاعر: قبيله كشراك النعل دارجة ... ان يهبطوا العفو لا يوجد لهم اثر2 يقول: إذا نزلوا لقلتهم بعفو البلاد التي لم ينزل بها احد لم يبن فيها لقلتهم وذلتهم اثر وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمولاه هنى: "ضم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم" معنى ضم الجناح اتقاء الله وخشيته والا يمد يده إلى ما لا يحل له قال الله عز وجل: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} 3 وجناحا الرجل عضداه ويداه.

_ 1- البيت في "مجالس ثعلب" "1 / 76" واللسان "خبر , عقل" بلا نسبة. والعقاقيل: ما عقل وعرش. وخبيرها, فاعل "جذ". 2- البيت للأخطل, ديوانه "192" واللسان "عفا" من كلمة جعلته ناطقا بلسان تغلب ابن كعب بن جعيل. كشراك: أي كوجه النعل والدراجة البالية, العفو: الأرض الصعبة.. 3- سورة القصص الآية 32.

الصريمة, الغنيمة, الكراع: وقوله في الحى: "ادخل رب الصريمه والغنيمه" فالصريمه تصغير الصرمه وهي من الابل خاصه ما جاوز الذود إلى الثلاثين والذود من الابل ما بين الخمسه إلى العشره والغنيمه ما بين الاربعين إلى المائه من الشاء والغنم ما يفرد لها راع على حده وهي ما بين المائتين إلى اربعمائه والكراع اسم جامع للخيل وعدتها وعدة فرسانها. وقوله: "لا حمى الا لله" يقول ليس لاحد أن يحمى من مراعى الكلأ التي الناس فيها سواء حمى يستأثر برعيه لماشيته ودوابه ثم قال: "الا لله ولرسوله"1 يقول الا أن يحميه للخيل التي تركب في سبيل الله والركاب التي يحمل عليها في سبيل الله فترجع منافعها إلى جماعة المسلمين وكانت سادة العرب في جاهليتها تستأثر بأنف الكلأ وانيق المرتع فتحميها ولا يدخل عليهم فيها غيرهم فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل فعلهم وامر بألا يحمى شيء من مراتع المسلمين لعزيز أو شريف الا أن يرجع نفعة إلى جماعة أهل الاسلام. الانتجاع, النشر: قال الشافعي: "وكان الرجل العزيز إذا انتجع بلدا مخصبا اوفى بكلب على نشز فاستعواه وحمى مدى عوائه مما حواليه". والانتجاع: المذهب في طلب الكلأ وقوله اوفى بكلب على نشز أي اشرف به على رابيه من الأرض مرتفعه وجمعه انشاز. وقوله: "من اقطع ارضا أو تحجرها" يريد من اقطعته ارضا مواتا أي جعلتها له قطيعة. وقوله أو تحجرها أي حوط عليها وأصله من الحجر وهو المنع

_ 1- صحيح: أخرجه البخاري من حديث الصعب بن جثامة. انظر: "المشكاة" برقم "2992".

كانه لما بنى حولها ما أبانها به عن غيرها بالبناء الذي رفعه فيها فقد تحجرها. وفي الحديث: "أن الأبيض بن حمال المازني قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي بمأرب1 فاقطعه إياه فلما ولى قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتدري ما أقطعته انما أقطعته الماء العد قال فرجعه منه 2. والعد الماء الدائم الذي لا انقطاع له مثل ماء الركايا والعيون وجمعه اعداد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاث الماء الكلأ والنار" 3 أراد بالماء ماء السماء وماء العيون التي لا مالك لها وأراد بالكلأ مراعي الارضين التي لا يملكها أحد وأراد بالنار الشجر الذي يحتطبه الناس فينتفعون به والملاحه التي ليست في أرض مملوكه كالماء العد لأنه ما يجمد فيصير ملحا وللناس أن يأخذوا منه حاجتهم وليس لأحد أن يتملكه فيمنع الناس عنه. وقوله عمر – رضي الله عنه -: "على نطف السماء أو بالرشاء". أراد بنطف السماء قطره وبالرشاء البئر التي يستقى منها بالرشاء وهو الحبل.

_ 1- غير مهموز على وزن ضارب موضع بصنعاء. 2- ضعيف: أخرجه أبو داود "3064 – 3066" والترمذي "1395" والدرامي "2614" وقال الترمذي: "حديث غريب" أي: ضعيف. وانظر: "التخليص الحبير" "3 / 64 – 65". 3صحيح: أخرجه أحمد "5 / 364" وأبو داود "3477" وأبو عبيد الهروى في " الأموال" "728" والبيهقي في "السنن الكبرى" "6 / 150" من حديث رجل من الصحابة. وانظر: "الإرواء" "1552".

باب الحبس

باب الحبس الحبس بضم الحاء والباء جمع الحبيس وهي الأرض الموقوفه يقال حبستها ووقفتها بمعنى واحد واكثر الكلام حبست واحبست. وأما الحبس التي قال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم باطلاقها فهي المحرمات التي كان أهل الجاهليه يحرمونها وقد احلها الله عز وجل وهي التي قال الله تعالى في اطلاقها: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} 1. وحدث أبو الاحوض الجشمي عن ابيه عوف بن مالك انه قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "ارب ايل انت أم رب غنم؟ " فقلت: من كل قد آتاني الله فاكثر فقال: "هل تنتج ابلك وافيه آذانها فتعمد إلى الموسى فتقطع بها آذانها وتقول هذه بحر وتشق طائفه وتقول هذه وصل فتحرمها على اهلك وعيالك؟ " قال بلى قال: "فان ما آتاك الله حل لك" 2 وقوله تنتجها وافيه آذانها يريد انها تلد فتلى نتاجها وليس في آذانها قطع ولا حز يقال نتجت ناقتي إذا وليت نتاجها كما تولد المرأة المرأة عند ولادتها إذا قبلت ولدها. وقوله: "وافيه آذانها": أي تامة الاذان لا حز فيها ولا شق يقال وفي شعره طال فهو واف واوفيته انا وأما البحر فهو جمع البحيره قال محمد بن اسحاق البحيره بنت السائبه والسائبه الناقه تتابع بين عشر بطون اناث فإذا فعلت ذلك سيبت ولم تركب ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها الا ضيف. قال: "فان ولدت أنثى بعد ذلك شقوا أذنها وبحروها ثم خلى سبيلها"3. واصل البحر الشق ومنه سمى البحر بحرا لان الله

_ 1- سورة المائدة الآية 103. 2- انظر: الأم للشافعي [117] . 3- ضعيف: أخرجه ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" "2 / 108 – الحلبي" من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص به. وأبو إسحاق مدلس وقد عنعه.

تعالى خلقه مشقوقا في الأرض شقا وسميت الام سائبه لانها سيبت فسابت في الأرض تمنع عن كلا ولا ماء ولا مرتع. والوصيله: الشاه إذا اتامت عشر اناث عناقيين عناقين ليس فيهن ذكر جعلت وصيله وجعلوا ما ولدت بعد ذلك للذكور دون الاناث. واما الحام فهو الفحل ينتج من صلبه عشرة ابطن يقال حمى ظهره ويخلى ولا يركب. والعمرى أن يقول اللرجل للرجل هذه الدار لك عمرى أو عمرك فان مت قبلي رجعت إلى وان مت قبلك فهي لك. والرقبى كذلك والعمرى مأخوذه من العمر والرقبى مأخوذه من المراقبه كأن كل واحد منهما يراقب موت صاحبه فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم الشرط في هذه الهبات وأجاز الهبات لمن وهبت له ونهاهم عن اشتراط هذه الشروط واعلمهم انهم إن ارقبوا أو اعمروا بطلت الشروط وجازت الهبات وإذا قال الرجل للرجل داري هذه لك سكنى فهي عاريه متى شاء صاحبها اخذها وإذا قال داري هذه لك عمرك أو عمري فقد ملكها المعمر ولا ترجع إلى المعمر وكذلك إذا قال داري هذه لك رقبى وقال الشافعي في نهيه الوالد عن تفضيله بعض ولده عل بعض: "فان القرابه تنفس بعضها بعضا ما لا ينفس العداء". أراد أن ذوي القرابه يحسد بعضا حسدا لا تفعله العدى وهم الغرباء الذين ليس بينهم قرابه وأما العدى بضم العين فهم الاعداء والتنافس التحاسد واصله التراغب قال الله عز وجل: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} 1 أي فليتراغب المتراغبون ويقال للذي يصيب الناس بعينه نافس ونفوس لأنه من شدة الحسد والرغبه فيما يراه لغيره يكاد يصيبه بالعين حتى يهلكه ويقال هذا مال منفوس ونفيس أي مرغوب فيه والنفس العين يقال اصابه اصابه نفس أي عين. والنحل والنحله العطيه عن طيب نفس وتطوع بها.

_ 1- سورة المطففين الآية 26.

وقال أبو بكر لعائشه رضي الله عنهما في مرضه الذي مات منه اني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا وبودي انك كنت حزتيه فاما اليوم فهو مال الوارث أراد انه كان نحلها من نخيله يصرم منه إذا جد في كل سنه عشرون وسقا وانها لم تقبض حتى حضره الموت فلم يجز لها ذلك النحل وقال جاد عشرين وسقا ومعناه ما يجد منه فأخرجه بلفظ الفاعل ومعناه المفعول وقوله حزتيه أي قبضتيه ولو قال حزته كان افصح اللغتين والاولى جائزه.

باب في اللقطة

باب في اللقطه روى الليث عن مظفر عن الخليل انه قال اللقطه الذي يلقط الشيء بتحريك القاف واللقطه ما يلتقط بسكون القاف قال أبو منصور: وهذا الذي قاله قياس لان فعله في أكثر كلامهم جاء فاعلا وفعل جاء مفعولا غيرأن كلام العرب جاء في اللقطه على غير القياس واجمع أهل اللغة ورواة الاخبار على أن اللقطه هو الشيء الملتقط روى أبو عبيد عن الاحمر1 أنه قال هي اللقطه والقصعه وكذلك قال الفراء وابن الاعرابي والاصمعي وأما اللقيط فهو الطفل المنبوذ الملقوط. العفاص والوكاء: واما قوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ عفاصها ووكاءها" 2 فان العفاص هو الوعاء الذي تكون فيه النفقه إن كان من جلد أو خرقه أو غير ذلك ولهذا سمى الجلد الذي يلبس رأس القاروره عفاصا لأنه كالوعاء لها وليست بالصمام وإنما الصمام الذي يسد به فم القاروره من خشبه كانت أو من خرقه مجموعه والوكاء الخيط الذي يشد به العفاص يقال عفصتها عفصا إذا شددت العفاص عليها واعفصتها اعفاصا إذا جعلت لها عفاصا. واما قوله في ضالة الابل: "مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها" فانه أراد بالحذاء اخفافها ومناسمها وانها تقوى بها على قطع البلاد الشاسعه وورود المياه النائيه وأراد بسقائها انها إذا وردت الماء شربت منه ما يكون فيه ريها لظمئها وهي من اطول البهائم ظمأ لكثرة ما تحمل من الماء يوم ورودها. وأما الحديث الآخر أن رجلا قال لرسول الله إنا نصيب هوامى

_ 1- اسمه: على بن المبارك , كان مؤدب محمد بن هارون الأمين. مات سنة 194 هـ. انظر: "إنباء الرواء" "2 / 317 – وهامشه". 2- متفق عليه: من حديث زيد بن خالد الجهني رضى الله عنه. وانظر: "الإرواء" برقم "1564".

الإبل قال: "ضالة المؤمن حرق النار" 1 وفي حديث آخر انه قال: "لا يأوى الضاله الا ضال" 2 فالضاله لا تقع الا على الحيوان فاما الامتعه من الموتان فلا يقال لها ضاله ولكنها تسمى لقطه يقال ضل الإنسان وضل البعير وغيره من الحيوان وهي الضوال جمع ضاله وأما الهوامى فهي الضوال التي تهمى على وجه الأرض ويقال لها الهوافى واحدتها هاميه وهافيه وهي الهوامل وقد همت وهفت وهملت إذا ضلت فمرت على وجوهها بلا راع ولا سائق. وقوله: "ضالة المؤمن المؤمن حرق النار" حرقها لهبها المحرق المعنى أن ضالة المؤمن إذا آواها اخذها لينتفع بها اداه فعله يوم القيامه إلى لهب النار. وقوله لا يأوى الضاله الا ضال هكذا رواه المحدثون وكان أبو الهيثم ينكر آويته بقصر الالف بمعنى آويته وروى أبو عبيد عن اصحابه اويته وآويته بمعنى واحد قال أبو منصور: سمعت اعرابيا من بني نمير وكان فصيحا واسترعى ابلا جربا فلما اراحها بالعشى نادى العريف من بعيد الا اين اوى هذه الموقسه؟ 3 فامره بتنحيتها عن الصحاح ولم يقل اين اووى. واما قوله صلى الله عليه وسلم في لقطة مكه: "انها لا تحل الا لمنشد"4. فانه

_ 1- صحيح: أخرجه أحمد "5 / 80" والدارمي "2 /266" وغيرهما من حديث الجارود وانظر "الصحيحة" برقم "620" ففيه مزيد من التخرج. 2- ضعيف أخرجه أحمد "4 / 360" وابن ماجه "2503" والبيهقي "6 / 190" من حديث المنذر بن جرير عن أبيه به. وفيه الضحاك بن منذر قال ابن المديني: "لا يعرفونه". انظر ترجمته في: "تهذيب ابن حجر" "4 / 399". 3- في المخطوط: "المرقشة" وهو تحريف والتصويب من لسان العرب [أوا] والموقسة: هي الإبل المصابة بالجرب. 4 - متفق عليه: من حديث أبي هريرة رضى الله عنه.

فرق بهذا القول بين لقطة مكة ولقطة سائر البلدان وأراد أن لقطة مكه لا يلتقطها الا من ينشدها أي يعرفها أبدا ما عاش وأما لقطة سائر البلدان فإن ملتقطها إذا عرفها سنه حل له بعد ذلك الانتفاع بها يقال نشدت الضاله انشدها إذا طلبتها وانشدتها انشدها إذا عرفتها ويقال عرفت اللقطه فجاء رجل يعترفها أي يصفها صفه تدل على انه صاحبها لصحة معرفته واحاطته بها ويقال اعترفت القوم إذا سألتهم عن غائب أو ضاله وقال بشر ابن ابى خازم يخاطب غلامه: اسائله عميره عن ابيها ... خلال الركب تعترف الركابا؟ 1 وقول الشافعي: "ولو وجد اللقيط رجلان أحدهما قروى والاخر بدوي دفع إلى القروي لان القرويه خير له من الباديه". أراد بالقرويه الحاضره الذين هم من أهل القرى وبالباديه أهل البدو ويقال لأهل البدو باديه ولأهل القرى قرويه وحاضره.

_ 1- البيت أول قصيدة له, وهي في " مختارات ابن الشجى" "2 / 32" انظرها وانظر قصتها في المختارات.

باب المواريث

باب المواريث قال الشافعي: في باب من لا يرث "ومن عمى موته فانه لا يرث". معناه: الرجل يسافر فيفقده ولا يوقف له على موت ولا حياة فيموت له موروث لم يورث المفقود الذى عمى موته منه ونحو ذلك قال محمد بن الحسن فيما حدثنا محمد ابن اسحاق عن علي بن خشرم انه سمع محمد بن الحسن يقول: "المفقود حي في ماله ميت في مال غيره"1 وهذا هو المعنى الذي ذهب إليه الشافعي. والعصبة سموا عصبة لأنهم عصبوا بنسب الميت أي احاطوا به واستداروا فالاب طرف والابن طرف والعم جانب والاخ جانب والعرب تسمى قرابات الرجل اطرافه ولما احاطت به هؤلاء الاقارب قيل قد عصبت به وواحد العصبه عاصب على القياس مثل طالب وطلبه وظالم وظلمه وعصب القوم بفلان إذا استكفوا به وكل شيء استدار حول شيء واستكف به فقد عصب به ومنه قيل للعمامه عصابه لانها استكفت برأس المعتم والكلاله من دون الوالد والولد من القرابات يدخل فيهم الاخوه والاخوات والاعمام وبنو الاعمام ثم من دونهم من سائر العصبات سموا كلاله لتكللهم النسب يقال للواحد كلاله للجماعه كلاله لانهم سموا بالمصدر وتقع الكلاله على الوارث والموروث. قال الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} 2 نصب كلالة على الحال المعنى إن مات رجل في حال كلالته أي لم يخلف والدا ولا ولدا وورثه أخ أو أخت أو ماتت إمرأة كذلك وورثها أخ وأخت فلكل واحد منهما السدس وكذلك قوله عز جل: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} 3

_ 1- إسناده ضعيف: وذلك لتدليس ابن اسحاق.. 2- سورة النساء الآية 12. 3- سورة النساء الآية 176.

يعني من أب وأم {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} 1 فكل من مات عن ورثة ولم يخلف فيهم أبا ولا ولدا فهو كلالة والكلالة في هاتين الآيتين الميت لا الوارث وقد يقال للورثه الذين يرثون الميت وليس فيهم أب ولا ولد كلالة أيضا الا ترى أن جابر بن عبد الله قال مرضت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقلت إني رجل لا يرثني الا كلالة2 فجعل الكلالة ورثته فأما الآيتان فالكلالة فيهما الموروث لا الوارث وهذه آيه غامضه وقد أوضحت لك من غامضها وجملة تفسيرها ما يقف بك على تفهمها إن شاء الله. قال الشافعي: "وأكثر ما تعول به الفريضه ثلثاها". أصل العول الارتفاع والميل فالفريضه لما ارتفع حسابها عن أصلها وزادت على جذرها سميت عائله يقال عال الميزان يعول عولا إذا شال ومال قال أبو طالب يتميز وإن صدق لا يعل شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل. ومعنى قوله إن أكثر ما تعول به الفريضه ثلثاها إنها ترتفع من السته إلى العشرة فالأربعة الزائدة على الستة ثلثا السته ويقال عالني الشيء يعولني أي غلبني ومنه قولهم عيل صبره أي غلب صبره وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "يقسم المال بين أهل الفرائض فما بقي فهو لاولى رجل ذكر" 3 أراد لاقرب رجل من ذكران الورثه إلى الميت والولاء والقرب4 وليس قوله لاولى من قولهم هو أولى بهذا من فلان أي أحق.

_ 1- سورة النساء الآية 176. 2- انظر البخاري "5651 – كتاب المرضى – باب عيادة المغمى عليه" ومسلم "1616 / 5" وأبو داود "2886" والترمذي "2097" وتفسير النسائي برقم "154" وهامشه رواية جابر 3- متفق عليه: من حديث عبد الله بن العباس رضى الله عنهما وانظر تخريجه في "الإرواء" برقم "1690". 4- فراغ بالمخطوطة مقدار كلمة. لعلها: "واحد".

باب الوصية

باب الوصيه الوصية مأخوذه من وصيت الشيء أصيه إذا وصلته وسميت الوصية وصية لأن الميت لما أوصى بها وصل ما كان فيه من امر حياته بما بعده من امر مماته يقال وصى واوصى بمعنى واحد قال ذو الرمه: نصى الليل بالايام حت صلاتنا ... مقاسمه يشتق انصافها السفر1 أي نصل الليل بالايام ويقال أوصى الرجل ايضا والاسم الوصية والوصاه وأما قولهم استوصى فلان بامر فلان فعمناه انه قام بامره متبرعا دون أن أوصى بما قام به. قال الشافعي: "ولو قال رجل لفلان ضعف ما يصيب ولدى اعطيته مثله مرتين فان قال ضعفين فان كان نصيبه مائه اعطيته ثلاثمائه فاكون قد اضعفت المائه التي تصيبه مره ثم مره. قال أبو منصور: ذهب الشافعي بمعنى الضعف إلى التضعيف وهذا هو المعروف عند الناس والوصايا تمضي على العرف وعلى ما ذهب إليه في الاغلب وهم الموصى لا على ما يوجبه نص اللغة الا ترى أن ابن عباس لما سئل عن رجل أوصى ببدنه أتجزئ عنه بقرة أجاب السائل فقال نعم ثم تدارك السائل فقال ممن صاحبكم يعني الموصي فقال من بني رياح فقال ابن عباس ومتى اقتنت بنو رياح البقر إنما البقر لعبد القيس إلى الابل ذهب وهم صاحبكم فذهب ابن عباس إلى أن البدنه عند الموصى إذا كان من أصحاب الابل منها وأنه لو كان من عبد القيس جازت البقرة لأنها عنده بدنه. وأما الضعف من جهة اللغة فهو المثل فما فوقه إلى عشرة أمثاله وأكثر وأدناه المثل قال الله عز وجل: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا

_ 1- البيت في ديوانه واللسان [وصى] وغيرهما. يقول: رجع صلاتنا من أربعة إلى اثنين في أسفارنا لحال السفر..

الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} 1 أراد والله اعلم أنها تعذب مثلي ما يعذب به غيرها من نساء المسلمين الا تراه يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} 2 فكان أبو عبيده من بين أهل اللغة ذهب في قوله عز وجل: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} 1 إلى أن يجعل الواحد ثلاثة امثاله وذهب في هذا إلى العرف كما ذهب الشافعي في الوصايا إلى العرف والحكم في الوصايا غير الحكم فيما أنزله عز وجل نصا وقال أبو اسحاق النحوي في قوله عز وجل: {فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} 3 أي عذابا مضاعفا لأن الضعف في كلام العرب على ضربين أحدهما المثل والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء وقال في قوله جل ثناؤه: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} 4 أي جزاء التضعيف الذي قال الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 5 والضعف عند عوام الناس أنه مثلان فما فوقهما فأما أهل اللغة فالضعف عندهم في الأصل المثل فإذا قيل ضعفت الشيء وضاعفته واضعفته فمعناه جعل الواحد اثنين ولم يقل احد من أهل اللغةفي قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} إنه يجعل الواحد ثلاثة أمثاله غير ابي عبيدة وهو غلط عند أهل العلم باللغة والله اعلم. قال الشافعي: "ولو قال اعطوا فلانا بعيرا أو ثورا لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ولا بقرة" قال أبو منصور: ذهب الشافعي بالبعير إلى الجمل دون الناقة لأنه المعروف في كلام الناس فاما العرب العاربه فالبعير عندهم بمنزلة الإنسان يقع على الرجل والمرأة والجمل بمنزلة الرجل لا يكون الا ذكرا ورأيت من الأعراب من يقول حلب فلان بعيره يريد ناقته والناقة عندهم بمنزلة المرأة لا تكون الا أنثى والقلوص عندهم والبكره بمنزلة الفتاة والبكر بمنزلة الفتى

_ 1- سورة الأحزاب الآية 30. 2- سورة الأحزاب الآية 31. 3- سورة الأعراف الآية 38. 4- سورة سبأ الآية 37. 5- سورة الأنعام الآية 160.

وهذا كلام العرب المحض ولا يعرفه الا خواص أهل العلم باللغة والوصايا يجري حكمها على العرف لا على الأسماء التي تحتمل المعاني. قال الشافعي: "وإذا أوصى لرجل بقوس لم يعط قوس نداف ولا جلاهق واعطى قوس نبل أو نشاب أو حسبان". فالجلاهق: التي يرمى عنها الطير بالطين المدور وقوس النبل هي العربيه وقوس النساب هي الفارسيه والحسبان مرامي صغار لها نصال دقاق يرمي بها الرجل في جوف قصبه ينزع في القوس ثم يرمي بعشرين منها فلا تمر بشيء الا عقرته من صاحب سلاح أو غيره وقوسها فلا فارسيه صلبه فإذا نزع في القصبه خرجت الخسبان كانها غبيه مطر فتفرقت في الناس واحدتها حسبانه ومنه قول الله عز وجل: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} ."1" شبه الله ما أرسل من عذابه على تلك الجنة بهذه المرامي. وقال محمد بن الحسن: إذا أوصى الرجل لاختانه دفع إلى ازواج بنات الرجل واخواته وكل من يحرم عليه من ذات رحم محرم. قال: وإذا أوصى لاصهاره فهم كل ذي رحم محرم من الرجال والنساء لامرأة الرجل الموصى مثل ابوى المرأة واخوتها واخواتها وعماتها وخالاتها. قال أبو منصور: وهذا الذي قال محمد بن الحسن هو المعروف عند عوام الناس وقد قال الاصمعي وابن الاعرابي اختان الرجل ذوو محارم امرأته من الرجال والنساء الذين تحرم عليهم وتضع جمارها عندهم قالوا والاحماء مثل الاختان من أهل بيت الرجل والاصهار تجمع الفريقين فيقع على قرابات الزوج وقرابات المرأة وقال أبو العباس أحمد بن يحي أبو بكر وعمر كانا ختنى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو منصور: ولو أن رجلا من أهل خراسان أوصى لاختانه بوصية أجرى على ما قاله محمد بن الحسن لأنه العرف عندهم لا على ما قاله أهل اللغة. قال الشافعي: "ومن المخوف الحمى تدأب صاحبها"

_ 1سورة الكهف، الاية 40

معنى تدأب: بصاحبها أي تلازمه وتغبط عليه فلا تفارقه وكل ذي عمل إذا دام عليه فقد دأب يدأب دأبا وأدأب الرجل السير إذا لم يفتر فيه قال الله عز وجل: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} "1".أي تظاهرهم على النبي صلى الله عليه وسلم كتظاهر آل فرعون على موسى عليه السلام وقيل عادتهم في كفرهم كعادة آل فرعون. قال الشافعي: "فان استمرت الحمى ربعا فهي غير مخوفه". والربع: أن يحم الرجل يوما ولا يحم يومين ثم يحم اليوم الرابع. واذا أوصى الرجل لاهل بيته فاني سمعت المنذري يقول سمعت أحمد بن يحي وسئل عن أهل بيت الرجل فقال ابوه ثم الادنى فالادنى من قرابته وقال في قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ} "2". قال: الادنى فالادنى من النبي صلى الله عليه وسلم قال وسئل أيدخل النساء في أهل البيت؟ قال: نعم. قال أبو منصور: وإذا قال الرجل ثلثى لموالى فاني لا اعلم الشافعي ذكر هذه المسأله والموالى تجمع فرقا مختلفين يقال للمعتق مولى وللمعتق مولى وللحليف مولى وعصبة الرجل مواليه واحدهم مولى قال الله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي} "3". يريد عصبته ومولى الموالاه الذي يسلم على يديك ومولى النعمه عتيقك، وإذا كان للرجل الموصى مواليه من هؤلاء الاصناف كلهم فالعرف أن يدفع الوصية إلى مواليه عتاقه دون بني عمه ومولى موالاته وحليفه ومعتقه. وإذا قال ثلثي لعترتي فقد اختلف أهل اللغةفي العتره فقال بعضهم عترته عشيرته الادنون وقال ابن الاعرابي عترة الرجل ولده وذريته وعقبه من صلبه دون عشيرته. واذا أوصى الرجل لذريته فهم ولده وولد ولده الذكور والاناث. واذا قال ثلثي لوالد فلان فهو لجميع اولاده الذكور والاناث دون أولاد اولاده.

_ 1سورة إل عمران، الاية11، وسورة الأنفال، الاية 52، 54 2سورة الاحزاب، الاية33 3سورة مريم، الاية 5

واذا قال: ثلثي لقبيلتي أو لبطني أو لفخذي أو لعمارتي فان المنذري اخبرني عن ابي العباس انه قال وضعت القبائل على خلقة الجسد فاكبرها الشعب وشعب الرأس يجمع قبائله الملامسة بعضها إلى بعض كل قطعة منها قبيله وهي اربع قبائل وجمع الشعب الشعوب والقبيله دون الشعوب ثم بعد القبيله العماره وهي من الإنسان الصدر وهي دون القبيله ثم البطن دون العماره ثم الفخذ ثم الفصيله وهي القطعه من اعضاء الجسد. قال أبو العباس: وفسر ابن الكلبي"1" القبائل كلها فوضعها على خلقة الجسد وما احسن ما وصف.

_ انظر: اللسان "شعب".1

باب الوديعة

باب الوديعه يقال: أودعت الرجل وديعه إذا أقررتها في يده على سبيل الأمانة وسميت وديعه بالهاء لأنهم ذهبوا بها إلى الأمانة، يقال ودع الشيء يدع إذا سكن واستقر وودع الرجل يدع إذا صار إلى الدعة والسكون. وروى أبو عبيد عن الكسائي: اودعت الرجل مالا إذا دفعته إليه يكون وديعه عنده واودعته قبلت وديعته. قال أبو منصور: والمعروف في كلام العرب اودعت الرجل إذا استودعته وديعه يحفظها لك. وأما أودعته: قبلت وديعته فليست بمعروفه. وأنشدني المنذري أن ثعلبا أنشده: وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال الا مسحت أو مجلف"1"

_ 1 البيت للفردق، كما في "ديوان" "386" وفيه: "مجرف" بدلا من: "مجلف"، ومجاز القران "2/21 برقم 543"، والطبرى "6/135"، والاشتقاق "509"، والخزانة "2/347" وطبقات فحول الشعراء "1/21"، والموشع "101"، وشرح المفضليات للأنبارى "395"، وغيرها كثير. المسحت: المستأصل، والمجلف: الذى قد بقيت منه بقية. وانظر: "فحول الشعراء".

باب القسمة والفئ

باب القسمة والفئ ... باب القسمة والفيء القسمة "1": ما أوجف عليه بالخيل والركاب فاخذ عنوه والايجاف مأخوذ من وجف الفرس يجف وجيفا إذا عدا واحضر واوجفته ايجافا والركاب: الرواحل التي تعد للركوب والغنيمه إذا حصلت عزل عنها الخمس لاهل الخمس المسمين في كتاب الله عز وجل واربعة اخماسها تكون للموجفين وهم المقاتله للفارس ثلاثة اسهم وللراجل سهم يقال غنم القوم الغنيمه يغنمونها غنما والغنم عند العرب ضد الغرم والاصل في الغنم الربح والفضل وللغنيمه عند العرب اسماء شتى منها الخباسه والهباله والغنامى والجدافاه يقال اختبست خباسه واهتبلت هباله واغتنمت غنيمه. واما الفيء فهو المال الذي افاء الله على المسلمين ففاء اليهم أي رجع اليهم بلا قتال وذلك مثل الجزيه وكل من صولح عليه المسلمون من اموال من خالف دينهم من الارضين التي قسمت بينهم أو حبست عليهم بطيب من انفسهم وعلى من بعدهم من أهل الفيء كالسواد وما اشبههه وخراج السواد من الفيء واصل هذا من فاء يفيء إذا رجع ومنه قيل للظل من آخر النهار فيء لان الشمس فاءت عنه إذا رجعت والظل بالغداه وهو ما لم تنله الشمس. واخبرني المنذري عن ابن فهم عن ابن سلام عن ابي عبيده قال قال رؤبه كل ما كانت عليه الشمس فهو فيء وظل وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل يعني الظل بالغداه وجمع الفيء افياء وفيوء. واما الانفال فهي على ضربين سمى الله عز وجل الغنائم التي اوجف عليها المسلمون بخيلهم وركابهم انفالا واحدها نفل قال الله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} "2". وهي الغنائم

_ 1 المراد: قسم الغنيمة. 2 سورة الأنفال، الاية.

ها هنا وإنما سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كانت حراما على من كان قبلهم كانت تنزل نار فتحرقها فأحلها الله تعالى لهذه الأمة تفضلا منه وتطولا"1" ولذلك سماها أنفالا لأن أصل النافلة والنفل ما تطوع به المعطى مما لا يجب عليه ويقال تنفلت بالصلاة إذا تطوعت بها. والضرب الثاني من الأنفال ما نفل النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين من سلبهم وقد نفل السرايا بعيرا بعيرا من الغنائم سوى سهمانهم ويقال أن تنفيله السرايا كان من خمسه وكل ذلك من فضل الله عز وجل فلذلك سميت انفالا، ورجل نوفل إذا كان كثير العطايا وأنشد أبو عبيده: يأبى الظلامة منه النوفل الزفر"2" الزفر: الذي يحمل الحمالة. وفي حديث أبي قتادة أنه بارز رجلا من المشركين فضربه على حبل عاتقه ضربة فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم سلبه قال فابتعت به مخرفا وأنه لأول مال تأثلثه. حبل العاتق عرق يظهر على عاتق الرجل ويتصل بحبل الوريد في باطن العنق وهما وريدان وقوله ابتعت به مخرفا يعني نخلا والمخرف في غير هذا الموضع الطريق ومنه قوله:"عائد المريض على مخارف الجنة".3 وقوله: "إنه لأول مال تأثلته" أي اقتنيته واتخذته عقده تغل على ويبقى لي أصلها واثله كل شيء أصله. وأفادني أبو الفضل عن ثعلب إن سئل عن قول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} ."4"وعن قوله: {وَاللَّهُ

_ 1 على هامش المخطوطة. تفاؤلا. 2 عجز بيت لأعشى باهلة، وصدره: أخو رغائب يعطيها ويسألها والبيت فرغنا منه في "الاشتقاق" للأصمعى.. 3 صحيح: أخر مسلم "2568"، وأحمد "5 / 284،283،279،277،276 "، من حديث ثوبان. والمخرفة: سكة بين صفين من نخل يجتنى من أيهما شاء. 4 سورة الأنفال، الاية 41

وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} "1". فقال: ادخل الله رسوله فيه تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم الا ترى أنه يقول: {أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} "1". والسلب: ما على القتيل من سلاحه واداته وإنما سمى سلبا لان قاتله يسلبه فهو مسلوب وسلب كما يقال نفضت ورق الشجر وخبطته والورق المخبوط خبط ونفض. وقوله: "ويرضخ من الغنيمه قبل القسم لاهل الذمه والنساء وغير البالغين من المسلمين أي يعطيهم شيئا قليلا دون سهام المقاتلين" وهو ماخوذ من الشيء المرضوخ وهو المرضوض المشدوخ. قال الشافعي: "وينبغي للامام أن يتعاهد الخيل فلا يدخل الا شديدا ولا يدخل حطما ولا قحما ضعيفا ولا ضرعا ولا اعجف رازحا". يقول: لا يدخل في الخيل التي يقسم لها الا فرسا ذا غناء يقاتل صاحبه عليه والحطم: الذي تحطم هزالا والفخم: الذي قد كبر حتى ضعف فصار كالشيخ الهم الذي لا حراك به والضرع الصغير الضعيف والرازح الذي هزل حتى لا حراك به. وقوله: "وكلهم ردء لصاحبه" أي عون له وقد اردأته أي اعنته قال الله عز وجل: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً} "2". أي عونا. قال: "ويعطى المنفوس شيئا ثم يزداد كلما كبر على قدر مؤنته".اراد بالمنفوس المولود ساعة تضعه امه ويقال لامه نفساء وللمولود منفوس لانها وضعته نفسا أي دما. وقوله: "وقد يكون الاخوه منفاضلي الغناء عن الميت فيسوى بينهم في الميراث وكذلك يسوى القسم بين من حضر الوقعة وان كان فيهم من يغني غاية الغناء".والغناء بفتح الغين والمد الكفايه والاجزاء يقال غنيت عنك مغنى فلان ومغناته وأجزأت عنك مجزأ فلان ومجزاته أي كفايته

_ 1 سورة التوبة، الاية 62 2 سورة القصص، الاية 34

وبلاءه والغزو: أصله الطلب يقال ما مغزاك من هذا الامر أي ما مطلبك منه وسمى الغازي غازيا لطلبه العدو وجمع الغازي غزاه وغزى على فعيل وغزى على فعيل وقد اغزى الرجل غيره بماله ونفقته إذا جهزه واغزاه إذا حمله على الغزو ويقال للناقه التي تلقح آخر الابل وتنتج آخرهن مغزيه لا تحمل صاحبها وقت النتاج على لبن غيره. اوالسريه: سميت سريه لانها تستخفي في قصدها فتسري ليلا وهي فعليه بمعنى فاعله يقال سرى الرجل بالليل واسرى لغتان ولا يكون السرى الا بالليل.. ولما حمل إلى عمر رضي الله عنه كنوز كسرى نظر اليهم فقال اللهم اني اعوذ بك أن اكون مستدرجا فاني اسمعك تقول: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} "1". قيل في تفسير قوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} . أي سنأخذهم قليلا قليلا ولا نباغتهم وأصله من درج الغلام يدرج إذا مشى قليلا أول ما يمشي وقال أبو الهيثم امتنع فلان من كذا وكذا حتى جاء فلان فاستدرجه أي خدعه حتى حمله على أن درج في ذلك كما يدرج الصبي إذا دب واستدرجت الريح الحصى إذا هبت بها حتى صيرتها تدرج على وجه الأرض من غير أن ترفعه يقال درجت الريح بالحصى واستدرجته وفيه وجه آخر وهو أن يجعل الاستدراج من الادراج وهي الطي يقال ادرجت الثوب ادراجا يطوى على وجهه فكأن الكافر إذا عصى ربه واغتبط بما هو فيه فتح الله عز وجل عليه الدنيا وزينتها وطوى عنه خبر عاقبته وما اعد له من عقوبه فأخلد إلى الدنيا وسكن اليها ونسي الاخره وهو مسوق إلى اجله فطوى عنه خبر انقضاء مدته فذلك استدراجه. قال الشافعي: "وانفق عمر رضي الله عنه على أهل الرماده حتى احيوا".الرماده: سنه مجاعه كانت في خلافة عمر لقبت الرماده لما رمد فيها من الناس والحيوان أي هلك والرمد الهلاك يقال: رمد

_ 1 سورة الأعراف، الاية 182، سورة القلم، الإية 44

القوم وارمدوا إذا هلكوا وقال أبو وجزه"1": صببت عليكم حاصبي فتركتكم ... كاصرام عاد حين جللها الرمد"2". الرمد: الهلاك. وقوله: "حتى أحيوا" يقال للقوم إذا غيثوا ومطروا قد حيوا وذلك إذا عاشوا بالحيا وهو المطر فإذا اردت أن مواشيهم عاشت بالحيا وسمنت قيل احيوا. قال الشافعي: قال الله عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} "3". أما الشعوب والقبائل فقد مر تفسيرها والمعنى انا خلقناكم من آدم وحواء وكلكم بنو أب واحد وام واحده اليهما ترجعون في انسابكم. ثم قال: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} "3" يقول لم نجعلكم كذلك لتتفاخروا بآبائكم الذين موضوا في الشعوب والقبائل وإنما جعلناكم كذلك لتتعارفوا أي ليعرف بعضكم بعضا وقرابته منه وتوارثه بتلك القرابه ولما لكم من معرفة القبائل من المصالح في معاقلكم، ثم قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} أي ان أرفعكم منزلة عند الله أتقاكم، وفي هذه الآية نهى عن التفاخر بالانساب وحض على معرفتها ليستعان بها على حيازة المواريث ومعرفة العواقل في الديات والله اعلم. وذكر الشافعي - رحمه الله - أن معنى قوله: {لِتَعَارَفُوا} أي ليتعارف الناس في الحروب وغيرها فتخف المئونه عليهم باجتماعهم. قال أبو منصور: وما قاله الشافعي داخل في مصالح التعارف ولا يخرج منها ما قدمنا ذكره.

_ 1 في الأصل: "أبو وخرة"، وهو تحريف، والصواب ماأثبته، وهو: يزيد بن عبيد من بنى سعد ابن بكر بن هوازن، كان شاعر مجيدا، وكان ثقة قليل الحديث، انطر ترجمته في "الشعر والشعراء" "2/591"، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان برقم "566". 2 البيت في "إصلاح المنطق" "56"، وتهذيبه "1/160"، واللسان "رمد"، وغيرها. يريد: أنه صيب عليهم الهجاء فأهلكهم بت كما هلكت عاد، وجعل هجاءه كالحاصب، وهى الريح التى فيها حصى صغار، وجللها الرمد: أى عمها الهلاك، وأصرام جمع صرم، أى بيوت مجتمعة، والرمد: يكون في العين. 3 سورة الحجرات، الاية 13

وذكر الشافعي بني أسد بن عبد العزى وانهم من المطيبين وقال بعضهم هم حلفاء من الفضول. قال أبو منصور: روى الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "شهدت حلف المطيبين وما احب أن انكثه وان لي به حمر النعم" 1 قال شمر: سمعت ابن الاعرابي يقول المطيبون هم خمس قبائل عبد مناف كلها وزهره واسد بن عبد العزى وتيم والحارث بن فهر. قال: والاحلاف خمس قبائل عبد الدار وجمح وسهم ومخزوم وعدى بن كعب سموا بذلك لان بني عبد مناف لما ارادوا اخذ ما في ايدي بني عبد الدار من الحجابه والرفاده"2" واللواء والسقايه وابت بنو عبد الدار عقد كل قوم علىامرهم حلفا مؤكدا على الا يتخاذلوا فاخرجت بنو عبد مناف جفنه مملوءة طيبا فوضعوها لاحلافهم عند الكعبه ثم غمس القوم ايديهم فيها وتعاقدوا ثم مسحوا الكعبه بايديهم توكيدا فسموا المطيبين وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤهم حفا آخر مؤكدا على الا يتخاذلوا فسموا الاحلاف وقال الكميت يذكرهم: نسبا في المطيبين وفي الاحلاف ... حل الذؤابه الجمهورا"3 وقال غير ابن الاعرابي حلف المطيبين وحلف الفضول واحد وسمي ذلك الحلف حلف الفضول لأنه قام به رجال من جرهم اسم كل واحد منهم الفضل وهم الفضل بن الحارث والفضل بن وداعه والفضل بن فضاله والفضول جمع فضل كما يقال سعد وسعود.

_ 1 صحيح: أخرجة أحمد "1/ 190، 193"، والبخارى في "الأدب المفرد" برقم "567"، والبزار برقم "1000"، والحاكم "2/219 - 220"، والشاشى في "مسنده" برقم "238" من طرق عن الزهرى به.0 2 في المخطوط: "الوقارة"، وهو تحريف، انظر اللسان "حلف". 3 البيت في اللسان "2/964/منسوبا له" مادة "حلف".

باب قسم الصدقات

باب قسم الصدقات قال أبو منصور: ذكر الشافعي ـ رحمه الله ـ قول أبي بكر رضي الله عنه: "لو منعوني عناقا مما ادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها" وفي حديث اخر: "لو منعوني عقالا"1 فاما العناق: من اولاد المعزى فهي الأنثى التي لم تستكمل سنه ولم تجدع وجمعها عنوق ومن رواة عقالا فله معنيان أحدهما أن العقال في كلامهم صدقه عام يقال اخذ منا عقال هذا العام أي اخذ منا صدقة عامنا على مواشينا وقال عمرو بن العداء في ذلك: سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين؟ "2" والمعنى الثاني في العقال أن المصدق كان إذا اخذ فريضة من الإبل أخذ من صاحب الإبل عقالها ليعقلها به وقت نزوله لأنها إن لم تعقل نزعت إلى الافها فرجعت اليها فذكر العقال تقليلا لما يقاتل عليه توكيدا. وذكر الشافعي آية الصدقات وفسر الاصناف الثمانيه تفسيرا مقنعا غير اني رأيت أن اذكر ما قال فيها أهل اللغة لتزداد بما فسروه بصيره، سمعت أبو الفضل المنذري يقول سمعت ابا العباس أحمد بن يحيى ثعلبا وسئل عن تفسير الفقير والمسكين فقال قال أبو عمرو بن العلاء رواه عنه الاصمعي الفقير الذي له ما يأكل والمسكين الذي ليس له شيء وانشد للراعي: اما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد"3"

_ 1 متفق عليه: أخرجه البخارى برقم "1399"، ومسلم برقم "32/20" من حديث أبى هريرة 2 وبعده كما في اللسان "عقل" لأصبح الحى أوبادا ولم يجدوا ... عند التفرق في الهيجا جمالين 3 البيت في "طبقات فحول الشعراء "2/511"، والمفضليات "235"، وأدب الكاتب "ص 34"، والمخصص "12/285"، والتنبيهات "316"، وشرح أدب الكاتب للجواليفى "144"، والإصلاح "360"، وتهذيبه"2/182"، واللسان "فقر، وفق"، و "سكن" وغيرها كثير، واستشهدوا بت على أن الفقير الذى يكون له بعض مايقيمه، والمسكين: الذى لاشئ له. والحلوية: الناقة التى تحلب، ووفق العيال: أى لها لبن قدر كفايتهم. وقوتهم لافضل فيه، ولم يترك له سبد: أى لم يترك له شئ، لايستعمل إلا في الجلد، وأصل السبد: الوبر، والبيت من كلمة له يمدح فيها عبد الملك بن مروان، ويشكو إليه السعاة وتجاوزهم ما يجب أخذه من الصدقات.

فجعل له حلوبة وسماه فقيرا. قال: وأخبرني الحسين بن فهم عن محمد بن سلام عن يونس قال الفقير الذي يكون له بعض ما بقيمه والمسكين الذي لا شيء له وقال يونس قلت لاعرابي مرة أفقير أنت فقال لا والله بل مسكين. قال: وسمعت أبا الهيثم يقول كأن الفقير سمى فقيرا لزمانه تصيبه مع حاجة شديدة تمنعه الزمانه عن الكسب قال ويقال اصابته فاقره أي نازله فقرت فقاره وهو خرز ظهره قال والزمانه كل داء ملازم يزمن الإنسان فيمنعه عن الكسب كالعمى والاقعاد وشلل اليدين قال وقد يسمى الأخرس الأصم زمنا وقد يكتسب وهو غير سوى قال الله عز وجل: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} "1" قالوا من غير خرس والأخرس ليس يسوى وأنشد بعضهم في الفقير: لما رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل"2" لبد: آخر نسور لقمان وجعل لقمان بن عاد عمر سبعة نسور ولبد آخر نسوره وأراد بالفقير المكسور الفقار يضرب مثلا لكل ضعيف لا ينفذ في الأمور. قال أبو منصور: وقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر ودعا فقال: "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين".3 وقد يكون المسكين في هذا الحديث المتواضع المخبت لان المسكنة مفعلة من السكون يقال تمسكن الرجل لربه إذا تواضع وخشع وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الفقر المرب وهو الفقر اللازم الذي لا يفارقه من أرب بالمكان إذا أقام

_ 1 سورة مريم، الاية 10 2 البيت للبيد كما في "ديوانه" "ص34"، والعمرين "3"، والحيوان "6/326"، واللسان "فقر"، وثمار القلوب "476"، وبلا نسبة في "مجالس ثعلب" "1/303". وانظر ثمار القلوب رقم "771"، وهامش ثعلب. 3 صحيح: ورد عن أنس، وأبى سعيد الخدرى، وعبادة بن الصامت، وابن عباس، وانظر تخريجهم في "الإرواء" برقم "861" ولكن فيه: "زمرة" بدلا من كلمة: "جملة"، وعلى هذا قلت: إنه صحيح، أما يهذا اللفظ فلا يصح، والله أعلم.

به. وفي القرآن ما يدل على أن المسكين قد يكون له الشيء اليسير قال الله عز وجل: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} "1". سماهم الله مساكين ولهم سفينه لها قيمة. وأنشد أحمد بن يحيى قال أنشدني ابن الاعرابي: هل لك في أجر عظيم تؤجره ... تغيت مسكينا قليلا عسكره عشر شياه سمعه وبصره ... قد حدث النفس بمصر يحضره يخاف أن يلقاه نسر ينسره"2" ينسره يضربه بمنسره قال ابن الاعرابي عسكره جماعه ماله فسمى نفسه مسكينا وله بلغه وهي السياه العشر. قال أبو منصور: فهذه جمله ما قاله أهل اللغة في الفرق بينهما والذي عندي فيهما أن الفقير والمسكين تجمعهما الحاجه وان كان لهما ما يتقوتانه إما لكثرة عيال أو قلة ما بايديهما والفقر اشدهما حالا لأنه مأخوذ من الفقر وهو كسر الفقار وهو فعيل بمعنى مفعول فكأن الفقير لا ينفك من زمانه اقعدته عن التصرف مع حاجته وبها سمى فقيرا لأنه غاية الحاجه الا يكون له مال ولا يكون سوى الجوارح مكتسبا والعرب تقول للداهيه الشديده فاقره وجمعها فواقر وهي التي تكسر الفقار قال الله عز وجل: {ظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} "3". قال الشافعي: - رحمه الله - "اذا كان العدو بموضع منتاط لا تناله الجيوش الا بمئونه عظيمه".المنتاط البعيد وفي الحديث "اذا انتاطت المغازي" أي بعدت واصله من النوط وهي التعليق وقال الاصمعي يقال رماه الله بالنيط وهو الموت يقال انتاط وانتطى إذا بعد وهذا على القلب والنطى البعيد اصله نيط فقلب كما قالوا اعتام واعتمى وانتاق وانتقى إذا اختار. وقال خول الله تعالى المسلمين اموال المشركين. أي غنمهم واعطاهم اياها وقال أبو اسحاق النحوي في قول الله عز وجل: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً

_ 1 سورة الكهف، الاية 79 2 الأشطار عدا الأخير في "اللسان" "سكن" بلا نسبة. 3 سورة القيامة، الاية25

إِلَيْهِ ثُمَّ إذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ} "1". قال: {خَوَّلَهُ} أعطاه ذلك تفضلا منه وكل من أعطى شيئا على غير جزاء فقد خول ويقال لخدم الرجل خوله لأنهم من عطاء الله عز وجل. قال: "والغارمون صنفان: صنف أدانوا في مصلحة معاشهم وصنف أدانوا في صلاح ذات بين".دانوا أي استدانوا يقال للذي ركبه الدين دائن ومديون وصلاح ذات البين صلاح حاله الوصل بعد المباينه والبين يكون فرقه ويكون وصلا وهو ها هنا بمعنى الوصل ومنه قوله عز وجل: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} "2". أي تقطع وصلكم وقولهم في الدعاء: "اللهم اصلح ذات البين" أي اصلح الحال التي بها يجتمع المسلمون. وقال الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} "3". قال الزجاج حقيقة وصلكم قال والبين الوصل وقال ثعلب أراد الحاله التي للبين ولذلك أنث فقال ذات يقال اتيته ذات ليله وكذلك اتيته ذات العشاء أي الساعه التي فيها العشاء. قال الأزهري - رحمه الله - فيما املى ها هنا ذات تأنيث ذا وذا اشاره إلى شيء متراخ عنك وذات اشاره إلى شيء مؤنثه ثم يكنى بذات عن حقيقة الشيء وغايته وهو معنى قول المتكلمين الصفات الذاتيه وهذا على قول من يجعل بعض الصفات غير ذاتيه وهي عندنا كلها ذاتيه ليس منها شيء محدثا وقول العرب لقيته ذات العشاء أي الساعه التي فيها العشاء. وأما حديث قبيصه بن المخارق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حرمت المسألة الا في الثلاث رجل تحمل بحمالة ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل ورجل اصابته فاقه فشهد له ثلاثه من ذوي الحجى أن به فاقه".4فاما تحمل الحماله فانه في الحرب تكون بين فريقين تقع فيها الدماء والجراحات فيتحملها رجل ليصلح بذلك بينهم ويحقن دماءهم فيسأل فيها حتى يؤديها والعرب تسمي الذين يتحملون الحماله الجمه واصل الحماله الكفاله والحميل الكفيل. وأما الجائحه فهي المصيبه تحل بالرجل في ماله فتجتاحه كله حتى لا يبقى له شيء فإذا كان للرجل زرع أو ثمر نخل أو كرم فاصابتها عاهه اذهبتها فهي جائحة أما أن

_ 1 سورة الزمر، الاية8 2 سورة الأنعام، الاية 94 3 سورة الأنفال، الاية 1 4 صحيح: أخراجه مسلم "1044"، وأبو داود "1640"، وغيرهما.

ينقطع عنها الماء فيتعذر سقيها فتفسد أو يصيبها حر مفرط أو صر مفسد فيهلكها كل ذلك من الجوائح. وقوله: "حتى يصيب سدادا من عيش".أي يصيب مالا يسد خلته وكذلك سداد القاروره بالكسر وسداد الثغر سده بالخيل والرجل ليمنعوا العدو من أن يهجم على المسلمين قبله وأما السداد بالفتح فهو الاصابه في المنطق والتدبير والرأي. وأما الحديث الآخر: "تحل المسأله في الفتق"، والفتق هو الحرب تقع فيها الدماء والجراحات يقال وقع بينهم فتق عظيم، وجعل الشافعي احد معنبي الغارمين في آية الصدقات الذين تحملوا الحمالات فغرموا مغارمها. قال الشافعي: "وتفض جميع السهمان على اهلها".أي تفرق عليهم والفض اصله الكسر وانفض القوم إذا تفرقوا. وقوله: "فان الفقراء يغترقون سهمهم كفافا يخرجون به من حد الفقر إلى حد الغنى اعطوه". يغترفونه: أي يستوعبونه كله كفافا أي لا يبقى منه شيء ولكنه على قدر ما يخرجهم من حد الققر إلى ادنى الغنى يقال لفلان كفاف من العيش أي مقدار ما يتبلغ به فيكفيه عن السؤال والحاجه إلى الناس. والاغتراف افتعال من الغرق وهو بمعنى يستغرقون السهم حتى يغرق في حاجتهم فيذهب ويهلك ومنه قول ابن الخطيم في جارية فاترة الطرف: تغترق الطرف وهي لاهية ... كأنما شف وجهها نزف."1" قال الشافعي: - رحمه الله - "ويعطى الغازي الحموله والسلاح".اراد بالحموله الظهر الذي يركبه ويحمل عليه زاده واداته والحموله من الابل ما يحمل عليها. وقوله: "ولو كانوا من باديتهم بالطرف وكانوا الزم له قسم بينهم" اراد بالطرف من باديتهم اقصى ناحيه منها وجمع الطرف اطراف. وقوله: "واذا استوى في القرب أهل نسبهم وعدى قسمت على أهل نسبهم

_ 1 البيت في "اللسان". و "أساس البلاغة" "غرق" منسوبا إليه، وانظر "ديوانه" بتحقيق ناصر الدين الأسد، ومراجعه هناك.

دون العدى وان كان العدى اقرب منهم دارا وكان أهل نسبهم على سفر تقصر فيه الصلاة قسمت على العدى". والعدى هم الذين لا قرابه بينهم وبين هؤلاء الذين جاوروهم، وأهل نسبهم ذوو القرابات فان جمع الجوار ذو القرابه والعدى قسمت على ذوي القرابه لان لهم حقين حق القرابه وحق الجوار، فان كان العدى الذين لا قربة لهم مجاورين لهم وذوو القرابه لا يجاورونهم فالعدى احق لجوارهم"1" والنعجه: المذهب في طلب الكلأ وإذا نزلت البوادي على اعداد المياه فهم حاضره ومنازلهم محاضرهم فإذا احتملوا عن المحاضر وتتبعوا مساقط الغيث في الباديه فهم منتجعون وناجعون ومنازلهم التي في النجعه مناجعهم ومقام أهل الباديه على اعداد المياه والمحاضر اقل السنه وإنما يقيمون علهيا شهورالقيظ واكثرها اربعه اشهر ثم يبدون منتوين المناجع يشربون الكرع من الغدران والدحلان والكرع ماء السماء وإذا ابطأ عليهم الغيث ارتووا من اعداد المياه لشفاههم وخيلهم وارادوا إبلهم ما بين الخمس والعشر وهذا لاصحاب النعم، فان كانوا شاويين فمقامهم أكثر السنه على الماء العد فإذا كثرت الامطار وامتلأت التناهى وامرعت البلاد بدوا حينئذ وذلك لأنهم لا روايا لهم يرتوون بها فيتهيأ لهم المقام في المناجع البعيدة عن الماء وتعجز شاؤهم عن ورود الماء البعيد الا ترى النبي صلى الله عليه وسلم وكيف خص الإبل بأن معها حذاءها وسقاءها فتبدى الشاويين اقل السنه ومحضر النعميين الماء أقل السنه لما أعلمتك. وقول الشافعيه: "وآل محمد صلى الله عليه وسلم الذين جعل لهم الخمس عوضا من الصدقه المفروضه هم أهل الشعب وهم صليبه بني هاشم وبني المطلب". اراد باهل الشعب الذين ينزلون شعب مكه وهم قريش البطاح والذين ينزلون في غير شعب مكة يقال لهم قريش الظاهرة. والظاهرة البادية وأهل الشعب هم حاضره لا يبرحون الشعب وروى عن معاذ انه قال: "ايما رجل انتقل

_ 1 وفي الطبقات الوسطى لابن السبكى كما في "هامش طبقات الشافعية الكبرى" "5/65- ومابعدها" كلاما مفيدا حول هذا الموضوع، فانظره غير مأمور.

من مخلاف عشيرته إلى مخلاف غير عشيرته فصدقته إلى مخلاف عشيرته". المخاليف لاهل اليمن كالرساتيق لنا واحدها مخلاف وهي قرى مجتمعه يجمعها اسم المخلاف ولكل قريه اهلون على حده. وقوله: "وهم فوضى مختلطون". يقال متاعهم بينهم فوضى ونعمهم فوضى إذا كانت مختلطه. وقوله: "حيث كانت الحاجه أكثر فهم به أسعد" أي احق وأولى. والابل الجلة المسان العظام مثل البزل والربع والسدس فأما بنات اللبون والحقاق فليست من الجلة.

باب في النكاح

باب في النكاح قال الشافعي: - رحمه الله - "واحب للرجل والمرأة أن يتزوجا إذا تاقت انفسهما اليه" أي نزعت انفسهما إليه واشتهته. وذكر الله عز وجل: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} "1".وهن اللواتي لا يرجون نكاحا والواحده قاعد بغير هاء وهي التي قعدت عن الزوج أي لا تريده ولا ترجوه وقيل القواعد اللاتي قعدن عن الحيض. وقوله تعالي: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} "2". أي لا يبدين الزينه الباطنه نحو المخنقه والخلخال والدملج"3" والسوار والذي يظهرن الثياب والوجه. وقوله تعالي: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} "2".كانت المرأة ربما اجتازت وفي رجلها الخلخال والجلاجل فضربت برجلها ليعلم انها ذات خلخال وزينه فنهيت عن ذلك لأنه يحرك الشهوه واسماعها صوته بمنزله ابدائه. وقال: لما ذكرت عائشه رضي الله عنها: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" 4 وفي ذلك دلالات منها أن للولى شركه في البضع لا يتم النكاح الا به ما لم يعضلها. قال أبو العباس أحمد بن يحيى اختلف الناس في البضع فقال قوم هو الفرج نفسه وقال قوم هو الجماع نفسه. قال أبو منصور: وقوله: "ما لم يعضلها" أي ما لم يمنعها عن التزويج يقال عضل الرجل ايمه إذا منعها من النكاح الذي أباحه الله عز وجل لها.

_ 1 سورة النور، الاية 60 2 سورة النور، الاية 31 3 الدملوج: سورا يحيط بالعضد. المخنقة: القلادة. 4 صحيح: أخراجه أحمد "6/47،165"، وأبو داواد "2083"، والترمذى، وابن ماجه برقم "1879"، وغيرهم من حديث عائشة مرفوعا به.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها" 1، أحق في كلام العرب له معنيان: أحدهما: استيعاب الحق كله كقولك فلان أحق بماله من غيره أي لا حق لاحد فيه سواه. والثاني: على ترجيح الحق وإن كان للآخر فيه نصيب وهو معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم جعلها أحق بنفسها في الا يفتات عليها الولي فيزوجها دونها ولم ينف هذا اللفظ حق الولي بأنه هو الذي يعقد عليها وينظر لها وهذا كقولك فلان احسن وجها من فلان وليس في هذا نفي حسن الوجه عن الاخر ولكنه على وجهه التفضيل والترجيح. وقوله: "أمر نعيما أن يؤامر أم ابنته" أي يشاورها. قال الشافعي: "ولو اذن لعبده أن يتزوج حره بالف درهم فتزوجها وضمن لها السيد الالف لزمه لها الالف". قال: "فان باعها زوجها قبل الدخول بتلك الالف بعينها فالبيع باطل من قبل إن عقد البيع والفسخ وقعا معا". اراد إن باع السيد هذا العبد منها بالالف الذي تزوجته عليه بطل البيع لان عقد البيع وفسخه وقعا معا فاقام الالف واللام مقام الكنايه وذلك أن الثمن بطل للفراق الذي وقع قبل الدخول وإذا بطل الثمن بطل البيع ولم يرد بقوله والفسخ فسخ النكاح لان النكاح منعقد بحاله لانها لم تملكه. واما قوله: "ولو باعها اياه بالف لا بعينها كان البيع جائزا وعليها الثمن والنكاح مفسوخ من قبلها وزمن قبل السيد". أراد به باعها اياه بالف في ذمتها لا بالف المهر الذي تزوجته عليه فجاز البيع لان الثمن لم يبطل لأنه في الذمه وانسفخ النكاح في هذا الوجه لجواز البيع وملكها اياه. وقال يحضر السلطان اقرب ولاتها ويقول هل تنقمون شيئا، أي هل تكرهون شيئا أي هل تكرهون شيئا من نقص كفاءة وغيرها يقال نقمت منه كذا وكذا أي بلغت مني الكراهة لفعله منتهاه.

_ 1 صحيح: أخرجه مالك "2/524 برقم 4"، وعند مسلم برقم "4121/66"، وأبو داود "2098"، وبقية أهل السنن من حديث ابن عباس رضى الله عنهما.

قال: "فان كان الابن مجبوبا أو مخبولا رد نكاحه".والمخبول: الذي ذهبت اعضاؤه وبطلت بلقوه أو فالج أو قطع أو شلل والمجبوب الذي قطع مذاكيره والمعتوه الذي لا يميز له ولا عقل بمنزلة المجنون. قال: "وزوجت عائشه بنت عبد الرحمن بن ابي بكر وهو غائب فقال: امثلي يفتات عليه في بناته".يفتات يفتعل من الفوت وهو السبق ومعناه لا يستبد بالرأي في تزويجها دونه فيسبق إلى تزويجها. وفي الحديث أن رجلا تفوت على ابيه في ماله فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "اردد على ابنك ماله فانما هو سهم من كنانتك". ومعنى تفوت على ابيه اي سبقه واذنه بالاحتكام في ماله والاحداث فيه قبل أن اونس منه رشده فامر النبي صلى الله عليه وسلم الاب برد ما فعل الابن دونه. وقال أبو عبيد في قوله: "امثلي يفتات عليه في بناته"، أي افات بهن وكل من احدث دونك شيئا فقد فاتك وانشد: فان الصبح منتظر قريب ... وانك بالملامه لن تفاتي"1". أي لن تستبقي يخاطب امرأته وكانت قد سلطت عليه بلسانها ليلا حتى اضجرته فامرها بالكف إلى أن تصبح. واحسن ما جاء في تأويل حديث عائشه رضي الله عنها وتزويجها ابنه عبد الرحمن دونه أن عائشه كان رأيها أن الولى الاقرب إذا غاب فللولى الابعد أن يزوج وانها احضرت اخا هذه الجاريه فعقد عليها وعائشه حاضره وبامرها كان العقد فنسب التزويج اليها، ودل على هذا ما رواه ابن جريج عن القاسم بن محمد أو غيره قال كانت عائشه إذا هوى الفتى من أهل بيتها فتاه من أهل بيتها احضرت الولى وخطبت ثم قالت للولي زوج فان النساء لا يلين من العقد شيئا فإذا صح هذا التأويل لم تهن روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ايما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل". فان قال قائل فان الشافعي لا يجيز نكاح الولى الابعد إذا كان الاقرب غائبا. قيل: هذا موضع اجتهاد وعائشه اجتهدت رأيها فرأت ما فعلت وخالفها غيرها من

_ 1 البيت لمعن بن أوس يعاتب امرأته، والبيت في "ديوانه" صنعة القالى، والأغانى ترجمته، ومعاهد التنصيص "4/25"، واللسان "فوت".

الفقهاء في هذه المسأله فمال إليه الشافعي. قال الشافعي: "ولا يتسرى العبد"، أي لا يشترى أمة ليطئها كما يفعل الحر واصل يتسرى يتسرر فكثرت الراءات فقلبت احداها ياء كما قالوا تظنيت من الظن والاصل تظننت في حروف كثيره قد ذكرتها فيما تقدم. والسريه: فعليه من السر وهو الجماع قال الله عز وجل: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} "1". وقيل للجماع سر لأنه في السر يكون وغيروا الحرف لما نسبوا فقالوا سريه ولم يقولوا سريه لانهم خصوا الامه بهذا الاسم فولدوا لها لفظا فرقوا به بين المرأة التي تنكح وبين الامه التي تتخذ للجماع كما قالوا للرجل الذي اتى عليه الدهر دهري ليفرقوا بين الشيخ والمعطل وكان أبو الهيثم يقول السر السرور فقالوا لها سريه لانها سرور مالكها وهذا احسن القولين والقول الأول أكثر. قال الشافعي: "وإن طلب زوج امته أن يبوئها معه بيتا لم يكن ذلك عليه". ومعنى يبوئها معه أي ينزلها معه بيتا يسكنانه يقال تبوأ فلان بيتا أو دارا إذا اتخذ دارا للسكنى والنزول فيها واصل هذا من المباءه وهو المنزل قاله الاصمعي ومباءة الابل مأواها الذي تأوى إليه بالليل وتبرك فيه. وقوله: "وإن لم يحبلها فعليه عقرها". العقر للامه بمنزلة مهر المثل للحره في النكاح الفاسد. قال وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي لا ترد يد لامس قال: "طلقها"2. أراد انها لا ترد عن نفسها كل من أراد أن يجامعها فكنى عن الجماع باللمس كما يكنون عنه بالمس والمسيس. قال الشافعي: "وإن تزوج امرأه ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له امها لانها مبهمه وحلت له ابنتها لانها من الربائب". يذهب كثير من الناس إلى انه قيل لها مبهمه لأنه ابهم امرها فلم يبين ايهن امهات اللاتي دخل بهن أو امهات اللاتي لم يدخل بهن

_ 1 سورة البقرة، الاية 235 2 إسناده ليس بثابت: أخرجه أبو داود برقم "2049" من حديث ابن عباس، وفيه الحسين اين واقد مدلس، وقد عنعنه، وانظر: المشكاة برقم "3317".

أو أمهات اللاتي لم يدخل بهن فلما وقع هذا الابهام لم تحل وهذا غلط وليس معنى الابهام فيها بمعنى الاشكال وإنما المبهمات من النساء اللاتي حرمن بكل حال فلا يحللن ابدا كالامهات والبنات والاخوات والعمات والخالات وبنات الاخ وبنات الاخت فهذا يسمى التحريم المبهم لأنه تحريم من كل جهه كالفرس البهيم الذي لا شيه فيه وهو المصمت الذي له لون واحد وكذلك المبهمات من النساء من اللاتي لا يحللن ولهن حكم واحد. فاما أم امرأ لم يدخل بها زوجها فظاهرها الابهام لان الله عز وجل لم يشترط فيها غير التحريم حين قال: {أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} . وإنما الشرط في الربائب، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الام إذا لم يدخل بالبنت يحل نكاحها وان الشرط الذي في آخر الآية ينتظم الربائب والامهات فاباح نكاح الامهات إذا لم يكن ازواج بناتهن دخلوا بالبنات وابى ذلك أكثر أهل العلم والمفتون في البلدان ورد أهل العربيه ذلك وقالوا إن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا لا يجيز النحويون مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات ولهذا شرح يطول وصفه وفيما ذكرناه مقنع. وقوله تعالي: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} "1". من المبهمات وحليله بمعنى محله في قول بعضهم وبعضهم يقول سميت حليله لانها تحال حليلها فهما فعيلان بمعنى مفاعلان كما قيل لها قعيده لانها تقاعده ورفيقه لانها ترافقه. قال الشافعي: "جعل الله عز وجل النكاح الحلال نسبا وصهرا وأوجب به حقوقا". قال الفراء في قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} "2". فاما النسب فهو النسب الذي لا يحل نكاحه وأما الصهر فهو الذي يحل نكاحه كبنات العم والخال وما اشبههن من القرابه التي يحل تزويجها ورد على الفراء قوله وخطئ فيما ذهب اليه. قال ابن عباس: حرم الله عز وجل النساء سبعا نسبا وسبعا صهرا.

_ 1 سورة النساء، الاية 23 2 سورة الفرقان، الاية 54

فأما النسب فقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... } "1". إلى قوله: {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} "1". وهن سبع. وأما الصهر فقوله: {أُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} "1". {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} "1" فهؤلاء ست والسابعه قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} "2". فهؤلاء سبعة. الصهر، والأصهار من النسب فلا يجوز تزوجهن كما لا يجوز تزوج ذات النسب والصهر اسم يشتمل على قرابات النساء ذوات المحارم وذوي المحارم مثل ابويها واخواتها وعماتها وخالاتها وبنات اخواتها واعمامها واخوالها هؤلاء اصهار زوجها من كان من قبل الزوج من ذوي قرابته المحارم فهم اصهار المرأة والمنصوص بالتحريم منهم من ذكره الله تعالى. قال الشافعي: "ويجبر امرأته الذميه على التنظيف والاستحداد". الاستحداد أخذها شعر عانتها مأخوذ من الحديدة التي تحتلق بها. وقوله: "لانه يجد طولا لحره". الطول: الفضل وأراد انه يجد من المال ما يصدق به حره، وقول الشاعر: كذبت لقد اصبى على المرء عرسه ... وأمنع عرسي أن يزن بها الخالى"3" أي أحملها على أن تصبو إلى وتميل الىهواي وعرسه امرأته أن يزن بها الخالى أي يتهم بها الرجل العزب يقال أزننته بسوء أي اتهمته. وقوله: "اما أبو جهنم فلا يرفع عصاه عن عاتقه"4 وروى في

_ 1 سورة النساء، الاية 23 2 سورة النساء، الاية 22 3 الأبيات لامرئ القيس كما ورد في الأم "3/286". 4 قطعة من حديث طويل متفق عليه من حديث عائشة، انظر البخاري "5189"، ومسلم برقم "92- فضائل الصحابة"، وانظر شرحه في "عشرة النساء" للنسائى برقم "252".

حديث آخر أنه أوصى رجلا في أهله فقال: "أنفق على أهلك من طولك ولا ترفع عصاك عن أهلك".قال أبو عبيد: لم يرد العصا التي يضرب بها ولا امر احدا بذلك وإنما تقدم إليه بمنعها عن الفساد ويقال للرجل إذا كان رفيقا حسن السياسه لما ولى أنه للين العصا وأنشد: عليه شريب وادع لين العصا ... يساحلها جماته وتساجله"1" والعصا توضع موضع الاجتماع والائتلاف ومنه قيل للخوارج شقوا عصا المسلمين أي فرقوا جماعتهم ويقال للرجل إذا اطمأن واقام بالمكان قد ألقى عصاه. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة في أبي جهم خاطبها: "لا يرفع عصاه عن عاتقه". فمعناه انه شديد على اهله خشن الجانب في معاشرتهن مستقص عليهن في باب الغيرة والله اعلم. ذكر قول الله عز وجل: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} 2 ولم يفسره والعنت في اللغة: المشقة الشديدة بقال: أكمة عنوت إذا كانت شاقة قال المبرد: العنت هاهنا الهلاك المعنى: ذلك لمن خشي أن تحمله الشهوة على مواقعة الزنا فيهلك في ذلك بالحد في الدنيا والاثم العظيم ولكن ذا العشق يلقى عنتا وقال الفراء هو الفجور هاهنا قال الأزهري: والآية نزلت فيمن لم يستطع طولا أي فضل ما ينكح به حرة فله أن ينكح أمة، ثم قال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} 2 وهذا يدل على أن من لم يخش العنت لم يحل له أن ينكح الأمة، وإذا شق على الرجل العزبة وغلبته الشهوة ولم يجد ما يتزوج به حرة فله أن ينكح أمة لأن غلبة الشهوة واجتماع الماء في الصلب ربما أديا إلى العلة الصعبة التي تكون سببا للموت والله أعلم. ذكر الشافعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله عن اتيان النساء فقال: "في

_ 1 البيت لمعن بن أوس المزنى، انظر اللسان "عصا". 2 سورة النساء، الاية 25.

أي الخربتين؟ أو في الخصفتين وقد روى في أي الخرزتين" 1 أراد بخربتيها: مسلكيها واصل الخربه عروة المزاده شبه الثقب بها وأما الخرزه: فهو الثقب الذي يثقبه الخراز بسراده ليخرزه كنى به عن المأتى وكذلك الخصفتان من قولك خصفت الجلد على الجلد إذا خرزته عليه مطارقا والسراد يقال له المخصف وقال والشغار أن ينكح الرجل رجلا حريمته التي يلي امرها على أن ينكحه الاخر حريمه له. وأخبرني أبو الفضل عن أحمد بن يحيى أن اصله من شغر الكلب برجله إذا رفع رجله فبال معناه أي رفعت له رجلي عما أراد فأعطيته اياه ورفع رجله عما اردت فأعطانيه. وحكى الأصمعي عن أبي عمرو بن أبي العلاء أنه قال كنت سئلت عن حرف فأخطأت فيه لو ضربت بسوط كان اهون على منه حتى إذا كثر علي شعرت برجلي أي رفعت رجلي عنه وتركته. المتعه: في النكاح المنهى عنه. سميت متعه لانتفاع المرأة بما يعطيها الرجل وانتفاعه منها بقضاء حاجته وشهوته وتأول بعض الروافض قول الله عز وجل: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 2 انه في المتعه التي اجمع أهل العلم على تحريمها. ومعنى قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} 2 فما نكحتموه منهن على الشريطه التي جرت في الآية آية الاحصان أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين أي عاقدين التزويج فما استمتعتم به منهن أي فما انتفعتم به منهن على عقد التزويج الذي جرى ذكره فآتوهن أجورهن أي مهورهن فان استمتع بالدخول بها اتم لها المهر وان استمتع بالعقد آتاها نصف المهر وكل ما انتفع به من شيء فهو متاع قال الله عز وجل: {وَمَتِّعُوهُنَّ} أي اعطوهن ما ينتفعن به.

_ 1 انظر: الأم للشافعي. 2 سورة النساء، الآية24.

وروى الشافعي بإسناد له عن ابن عباس أنه قال: أربع لا يجزن في النكاح الا أن تسمى الجنون والجذام والبرص والقرن ورواه غيره أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح الا أن تسمى البرصاء والمجنونه والمجذومه والعفلاء قال شمر قال ابن الاعرابي العفل نبات لحم ينبت في قبل المرأة وهو القرن وانشد: ما في الدوائر من رجلي من عقل ... عند الرهان وما اكوى من العفل ... والدوائر عيوب تكون بالبهائم ثم كأن هذا القائل تكلم عن لسان البهائم قال أبو عمرو الشيباني والقرن في الناقه مثل العفل في المرأة والعفلاء والقرناء واحد والعفل شيء مدور يخرج من الفرج قال والعفل لا يكون في الابكار انما يصيب المرأة بعد ما تلد قال الشافعي: والقرن هو المانع للجماع. وأما العفلاء فهو من العفل وهو اللحم الزائد في الفرج حتى يرتتق فلا ينفذ فيه الذكر وهي الرتقاء ايضا وهي المتلاحمه. واصل العفل شحم خصيتي الكبس وما حوله قال بشر بن ابي خازم يصف رجلا بالسمن ويذمه جزيز القفا شبعان يربص حجره ... حديث الخصاء وارم العفل معبر1 شبهه بتيس قد جز قفاه لسمنه وترك عليه شعر سائر جسده والمعبر الذي ترك عليه شعره سنوات وقال بعضهم العفل ورم يكون في اللحمه التي تكون بين مسلكي المرأة يتضيق عنها فرجها حتى لا ينفذ فيه الذكر قال الشافعي: والجنون والخبل الذي لا يكون معهما تأدية حق. وروى ثعلب عن سلمه عن الفراء انه قال الخبل الجن والخبل الجنون والخبل جودة الحمق بلا جنون مثقل في جميعه الخبل والعنين سمي عنينا لان ذكره يعن أي يعترض إذا أراد ايلاجه والعنن الاعتراض يقال عنن الرجل عن امرأته وقال أبو الهيثم افادنيه عنه المنذري سمى العنين عنينا لأنه يعن لقبل المرأة من عن يمينه وشماله فلا يقصده قال ويقال وعن ولى الرجل يعن إذا اعترض لك من احد جانبيك من يمينك وعن شمالك بمكروه يقال عن له يعن عنا وعننا والعن المصدر والعنن اسم الموضع الذي يعن في العنان.

_ 1 اللسان خصا.

وسمي العنان من اللجام عنانا لأنه يعترضه من ناحيته ولا يدخل فيه منه شيء والمجبوب: الذي قد جب ذكره أي قطع أصله والمعصوب: الذي يشد بالقد حتى يسقط والسلول: الذي سل انثياه فإذا رضت انثياه فهو موجوء وهو الوجاء ممدود فإذا نزعت الخصيتان نزعا خصى وبصى. قال الشافعي: إذا اصاب الحر البالغ امرأته أو اصيبت الحره البالغه بنكاح فهو احصان في الاسلام والشرك. قال أبو منصور: واصل الاحصان المنع يقال: حصنت المرأة فهي حاصن وحصان واحصنت فرجها ونفسها فهي محصنه إذا منعت نفسها من الفجور وحصنت الشيء واحصنته إذا منعته ومدينة حصينه أي ممنوعه ودرع حصينه لا ينكى فيها السلاح. ويقال للمراة ذات الزوج: محصنه لان زوجها قد احصنها وللعفيفه محصنه لان عفتها قد أحصنتها عن الفجور ويقال للحرة: محصنه لان حريتها منعتها عن البغاء الذي تقدم عليه البغي وهي الامه الفاجره وقول الله عز وجل: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} 1 أي متزوجين غير زناه. وقول تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} هن ذوات الازواج وهي العفائف. ومن قرأ {وَالْمُحْصَنَاتُ} بكسر الصاد ذهب إلى انهن اسلمن فحصن فروجهن. قال الشافعي: - رحمه الله - فان اصدق امرأه نخلا وسلمه اليها ثم طلقها قبل الدخول بها والنخل مطلعه فاراد اخذ نصفها بالطلع لم يكن له ذلك فان شاءت المرأة أن تدفع إليه نصف النخل لم يكن له الا ذلك الا أن ترقل النخيل وتصير قحاما فلا يلزمه اخذها2 معنى قوله ترقل أي تصير طوالا يقال للنخله إذا طالت جدا وذلك عند هرمها رقله وجمعها رقل ورقال وهي الصوادي والسحق والظريف واحدتها صاديه وسحوق وظريفه قال كثير:

_ 1 سورة النساء، الاية24. 2 انظر: المجموع شرح المهذب 16/360وما بعدها ففيه فصل صاحب تتمة المجموع هذا الرأي وفنده، فانظره غير مأمور.

حزيت لي بحزم فيدة تحدى ... كاليهودي من نطاة الرقال حزيت يعني الظعن أي رفع شخوصها وقوله كاليهودي أي كنخل اليهودي الرقال من نخيل نطاة وهي عين بخيبر عليها نخيل. وقوله: وتصير قحاما: يعني النخل أي تكبر فيقل سعفها ويدق اسفلها والقحم الشيخ الكبير قال ولو جعل الزوج ثمر النخل في قوارير وجعل عليها صقرا من صقر نخلها كان له اخذه ونزعه من القوارير والصقر ما سال من الرطب نيئا كالعسل يصب على التمر الجيد يجعل في القوارير يتربى بذلك الصقر ويشتد بحلاوته وأما الرب فهو الدبس المطبوخ بالنار. واذا تزوج الرجل المرأة البالغه الثيب المالكه لامرها برضاها بغير مهر فهو التفويض سمي تفويضا لان المرأة فوضت امرها إليه واجازت فعله وقوله في مهر مثل المرأة ينظر جمالها وصراحتها صراحة نسبها أن تكون عربيه خالصه لا هجنه فيها ولا اقراف فالصريح ابن عربيين والهجين: الذي ولدته امة وابوه عربي والفلنقس الذي ابوه مولى وأمه عربيه وهذا قول شمر ورده عليه أبو الهيثم فقال الفلنقس الذي ابواه عربيان وجدتاه من قبل أبيه وأمه امتان والمذرع: الذي امه اشرف من ابيه والمقرف: الذي دانى الهجنه من قبل ابيه وقول الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 1 نزلت في المرأة تطلق قبل الدخول بها فلها نصف ما سمى لها الزوج من الصداق الا أن يعفون يعني النساء أي يتفضلن فيتركن للازواج النصف الذي وجب لهن أو يعفو الزوج أي يتفضل فيتم للمرأه جميع الصداق تطوعا وكل ما تطوعت به متفضلا فهو عفو يستوي فعل جماعة النساء وجماعة الرجال يعفون فتقول للنساء يعفون وللرجال يعفون والاصل في الرجل يعفوون فحذفت احدى الواوين استثقالا للجمع بينهما وان كانت المرأة نضوا فامتنعت من الدخول على الزوج، أي كانت مهزوله قليلة اللحم.

_ 1 سورة البقرة، الآية 237.

قال ولو أفضاها فلم تلتئم فعليه ديتها افضاها: أي صير مسلكيها شيئا واحدا حتى التقيا وهي المفضاه والشريم والاتوم وقوله لم تلتئم أي لم تبرأ ولم تلتحم. وقوله حتى: تبرأ برءا إن عاد لم ينكأها أي لم يقرحها يقال نكأت القرحه إذا قرفتها حتى تستقرح ومنه قوله: إن نكأ القرح بالقرح أوجع قال: الوليمة التي تعرف طعام العرس ثم قال وكل دعوة على املاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور ودعي اليها الناس فاسم الوليمه يقع عليها قال أبو عبيد سمعت ابا زيد يقول سمى الطعام الذي يصنع عند العرس الوليمه وحكي ثعلب عن ابن الاعرابي قال اولم الرجل إذا اجتمع عقله وخلقه قال واصل الولمه تمام الشيء واجتماعه قال ويقال للقيد ولم قال أبو منصور: فسمي طعام العرس وليمه لاجتماع الرجل وامرأته واخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمه عن الفراء قال الخرس طعام الولاده والذي يسوى للنفساء نفسها خرسه والعقيقه للصبي والعذيره للختان والشنداخى طعام البناء وكل طعام صنع لدعوة فهو مأدبه والنقيعه طعام القادم من السفر قال أبو زيد النقيعه طعام الاملاك والاملاك التزويج يقال املكنا فلانا أي زوجناه فملك أي تزوج والنشوز: كراهة احد الزوجين معاشرة صاحبه يقال نشزت المرأة ونشصت ونشز الرجل ونشص مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض وقوله عز وجل: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} 1 أو في النوم معهن فانهن إن كن يحببن ازواجهن شق عليهن الهجران في المضاجع وان كن مبغضات لأزواجهن وافقهن ذلك فكان ذلك دليلا على نشوزهن. وقوله: ذئر النساء على أزواجهن أي اجترأن عليهن فأظهرن العصيان لهم وقال عبيد:

_ 1 سورة النساء، الآية 34.

ولقد أتانا عن تميم أنهم ... ذئروا لقتلى عامر وتغضبوا 1 والشقاق بين الزوجين مخالفة كل واحد منهما صاحبه مأخوذ من الشق وهو الناحيه كأن كل واحد منهما قد صار في ناحيه وقيل للعداوه شقاق لهذا المعنى. قال الأزهري: وسمى الله تعالى الخلع في القرآن افتداء وما تفتدى به المرأة من مالها فدية يقال فديت فلانا بأبي وأمي وفديته بمالي قال الله عز وجل: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} 2 وفاديت الاسير بالالف إذا دفعت اسيرا من المشركين واخذت اسيرا من المسلمين وفديته بمالي أي اشتريته وخلصته وإنما قالت العرب في افتداء المرأة من زوجها بمالها اختلعت اختلاعا وقد خلعها زوجها لان المرأة جعلت لباسا لزوجها والزوج لباسا لها ومن ذلك يقول الرجل للمرأه شاعريني أي باشريني حتى يكون كل واحد منا شعارا لصاحبه والشعار الثوب الذي يلي الجسد قال الله عز وجل: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} 3 فإذا فارق الرجل امرأته على عوض يصل إليه منها فكأنه خالع للباسها عن لباسه أي بدنها عن بدنه فسمي خلعا لهذا المعنى والله اعلم. واذا قلت ابتنى معناه اقطعني منك. فالبت: القطع يقال: طلقها فبت طلاقها وقد تبتها الواحده والثلاث الا أن ظاهر البته الثلاث لأنه القطع الذي لا رفاء له ولا رفع والواحده تبت بانقضاء العدة. وقوله: أبنى أي اجعلني بائنه منك مفارقه لك بالطلاق. ومعنى قوله: بارئيني: أي أبرأ مني وأبرأ منك فلا يكون بيننا عصمة

_ 1 البيت في ديوانه ص6-نصار والنقائص1/245، وغيره. انظر تخريجه في: الديوان ص2. وانظر تخريجه في: الديوان ص2. ذئروا: غضبوا ونفروا، أو: أنكروا. وانظر: سمط اللآلىء 1/502- 503. 2 سورة الصافات، الآية 107. 3 سورة البقرة، الآية 187.

نكاح. ويقال: زئيم الام الولد فدرت عليه أي عطفت فنزل لبنها ورئم الولد امه إذا الفها وهو الرأم والرئمان واستمرأ الولد لبن امه إذا نجع فيه لبنها فصلح حاله عليه والسراح اسم وضع موضع المصدر قال الله عز وجل: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} 1 أي شلوهن محليات2 فيسرحن سروحا ويقال سرحت الماشيه بالغداه اسرحها سرحا فسرحت إذا ارسلتها ترعى قال الله عز وجل: {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} 3 والسرح ما رعى من المال وهي السارحه يقال طلقت المرأة فطلقت واطلقت الناقه من العقال فطلقت هذا الكلام الجيد ويجوز طلقت في الطلاق والاجود طلقت ومن طلقت وهو وجع الولاده طلقت طلقا وطلقت البلاد إذا تركتها، قال الشاعر: مراجع نجد بعد فرك وبغضه ... مطلق بصرى اشعث الرأس جافلة4 يقال: جفل رأسه إذا شعث وتفرق وانتشر شعره وخلية من كنايات الطلاق ومعناها أنها خلت منه وخلا منها فهي خلية فعليه بمعنى فاعله ويقال خلا الرجل على بعض الطعام إذا اقتصر عليه وخلا عليه الطعام وقال الراعي يصف ناقة: رعته اشهرا وخلا عليها ... فطار النى فيها واستغارا5 أي اكتنز مأخوذ من قولك اغرت الحبل إذا شددت فتله فاستغار أي اشتدت غارته ومعنى بريه انها برئت منه وبرئ منها. واذا قال لها: أنت على حرام. فمعناه انها ممنوعة منه وحرام في الأصل مصدر فلذلك وضع موضع محرمه كما يقال رجل حرام أي محرم وأنت بائن بغير هاء كما قالوا طالق أي بنت منى وفارقتني والبين الفراق.

_ 1 سورة الأحزاب، الآية49. 2 والشلو: التفرقة. 3 سورة النحل، الآية 6. 4 البيت لأبي الربيس الثعلبي كما في اللسان فرك، وهو بلانسبةفي طلق. 5 البيت في تاويل مشكل القرآن لابن قتيبة 397- صقر، واللسان خلا.

وقوله: البتة بدعة فدينوه قال شمر: دينوه أي ملكوه أمره من قولك دنته أي ملكت أمره وقال الحطيئة يهجو أمه: لقد دينت امر بنيك حتى ... تركتهم ادق من الطحين1 يعني ملكت ويقال معنى قوله دينوه أي قلدوه امر دينه والاول اصح وقولهم حبلك على غاربك كان أهل الجاهليه يطلقون بها وبقولهم اذهبي فلا انده سربك فاما قولهم حبلك على غاربك فاصله أن يفسح خطامه عن انفه ويلقى طرف الخطام على غاربه وهو مقدم سنام البعير ويسيب في المراعى لأنه إذا ترك مخطوما لم يهنأه المرتع وأما قولهم اذهبي فلا انده سربك فالنده الزجر والنهي والسرب ما رعي من المال يقول لا ارعى ابلك ولا اردها عن مرتع تريده لانك لست لي بزوج فاذهبي مع مالك حيث شئت. قال الشافعي: في كتاب الرجعة إذا قال لامرأته أفلحي واستفحلي واغربي واشربي يريد به طلاقا كان طلاقا ومعنى افلحي واستفلحي أي فوزي بامرك واستبدي بامرك فقد ملكت نفسك ومعنى اغربي أي تباعدي ومعنى اشربي وذوقي هما حرفان يوضعان موضع المساءه والتبكيت قال الله عز وجل: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} 2 وأنشدني بعض مشايخنا عن حرمله أن الشافعي انشده: اشرب بكأس كنت تسقى بها ... أمر في الحلق من العلقم قال الشافعي: ولو قال لها اسقيني أو اطعميني أو زوديني لم يكن طلاقا وإن أراد به الطلاق لأنه لا يشبه الطلاق قال الشافعي: ولو قال أنت طالق إذا لم اطلقك أو متى ما لم اطلقك فسكت مدة يمكنه فيه الطلاق طلقت ولو كان قال إن لم اطلقك لم يحنث حتى انه لا يطلقها الا بموته أو بموتها ومعنى إذ في كلام العرب وقت لما مضى وإذا لم يستقبل،

_ 1 البيت في ديوانه، وشرح ما يقع في التصحيف للعسكري ص139، وانظر تخريجه في ديوانه. 2 سورة الدخان الآية 49.

وربما وضع إذا موضع إذ واذ موضع إذا لمقاربة ما بينهما وأما إن فهي كلمه مجازاه محضه ويمتد امرها وتقتضي الشرط فلذلك فرق بين إذ وإن. وقال أبو يوسف ومحمد مثل قوله في إذا ووافقه أبو حنيفه في إن فجعله ممدودا وقال إن عنى باذ إن فالقول قوله: وسأل البردعي ثعلبا فقال إذا قال لامرأته إن دخلت الدار إن كلمت اخاك فأنت طالق متى تطلق قال إذا فعلتهما جميعا قال لم قال لأنه جاء بشرطين قال له فإذا قال لها انت طالق إن احمر البسر. قال هذه مسألة محال لان البسر لا بد أن يحمر فالشرط باطل قال فإذا قال انت طالق إذا احمر البسر قال هذا شرط صحيح تطلق إذا احمر البسر. قال أبو منصور: ففرق ثعلب بين إن وإذا كما ترى. قال الشافعي: قال الله عز وجل في المطلقات: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} 1. وقال: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} 2. قال: فدل سياق الكلامين على افتراق البلوغين فأحدهما مقاربه بلوغ الاجل فله امساكها أو تركها فتسرع بالطلاق المتقدم قال والبلوغ الاخر انقضاء الاجل. ورد بعض الناس هذا عليه فقال: معنى قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} : أي امسكوهن بنكاح جديد أو سرحوهن أي اتركوهن مسرحات وانكر أن يكون للبلوغ معنيان على ما وجههما الشافعي والذي قاله الشافعي: صحيح معروف في كلام العرب سمعتهم يقولون وهم يسيرون بالليل: سيروا فقد اصبحتم وبينهم وبين الصبح وانفجاره بون بائن ومعناه قاربتم انفجاره ومن هذا قول الشماخ يصف ناقه وكلالها:

_ 1 سورة الطلاق، الآية 2. 2 سورة البقرة، الآية 232.

وتشكو بعين ما أكل ركابها ... وقيل المنادي أصبح القوم ادلجى1 فأمرهم بالإدلاج وهو سير الليل وهو يقول: أصبح القوم ومعناه قرب صباحهم والرجعة بعد الطلاق أكثر ما يقال بالكسر والفتح جائز رجعه ويقال جاءتني رجعة الكتاب ورجعانه أي جوابه وفلان يؤمن بالرجعه بالفتح لا غير يعني بالرجوع إلى الدنيا ويقال باع فلان ابله فارتجع منها رجعة صالحه بالكسر أي اشترى غير ما باع وقال الكميت يصف الاثافي: جرد جلاد معطفات على ال ... اوراق لا رجعة ولا جلب أي ليست بمرتجعه بدل ابل اخرى ولا هي مجلوبه للبيع باب المطلقه ثلاثا وذكر الحديث: "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" 2. العسيله كنايه عن لذاذة الجماع فكل من جامع حتى يلتقي الختانان فقد ذاق واذاق العسيله وسمعت ابا الفضل يحكي عن أحمد ابن يحيى قال انما صغر العسيله بالهاء لأنه جعلها قطعه منها ومنه كما يقال كنا في لحمه ونبيذه وعسله فجعل البضعه منه ومنها في حلاوته ولذاذته إذا التقيا كالعسل وقال غيره انت العسيله لان العسل يذكر ويؤنث وهذا قول القتيبي والقول ما قاله ثعلب والايلاء مصدر إلى يؤلى إذا حلف وهي الاليه والالوه والالوه والالوه ومعنى التربص في الآية الانتظار وظاهر الآية يدل على أن ايلاءه الا يجامعها لم يكن طلاقا وانه جعل له انتظار تمام اربعة اشهر لا يطالب فيها بالفيء فلم تطلق المرأة ولم يطلق الزوج ولا نوى طلاقا ولم تملك امرها وقد جعل إلى زوجها عزيمة الطلاق ولما يطلق والذي يقول عزيمة الطلاق انقضاء اربعة اشهر من يوم إلى فإن كانت النيه طلاقا دل عليها انقضاء اربعة اشهر فينبغي أن تعتد من يوم إلى وهذا خارج من اللسان وظاهر التنزيل ويقال ائتلى وتألى إذا حلف قال الله عز وجل: {وَلا يَأْتَلِ

_ 1 البيت في ديوانه 77، والمالي للقالي 2/57، والسمط 1/202، وادب الكاتب 31، واللسان دلج، صبح، والأقتضاب 300، وشرح أدب الكاتب للجواليقي 136، وغيرها. 2 متفق عليه: من حديث عائشة رضي الله عنها وانظر الأرواء برقم 1887، ففيه تخريجه مفصلا.

أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} 1 وقال صلى الله عليه وسلم: "من يتأل على الله عز وجل يكذبه" 2 فائتلى افتعل من الألية وتألى تفعل منها والفيء هو الرجوع إلى الجماع الذي حلف الا يفعله. والعزم على الطلاق أن يعزم عليه بقلبه فيمضيه بلسانه ولا يكون طلاق بالنية دون فعل اللسان أبدا.

_ 1 سورة النور، الاية 22. 2 الأم للشافعي 4/18.

باب الظهار

باب الظهار قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} 1 معنى يظاهرون ويتظاهرون واحد إذا ادغمت التاء في الظاء فصيرتا ظاء مشددة فقيل يظاهرون واصل الظهار مأخوذ من الظهر وخصوا الظهر دون البطن والفخذ والفرج وهي اولى بالتحريم لان الظهر موضع الركوب والمرأة مركوبه إذا غشيت فكأنه إذا قال أنت علي كظهر أمي أراد ركوبك للنكاح حرام علي كركوب أمي للنكاح فأقام الظهر مقام الركوب لأنه مركوب وأقام الركوب مقام النكاح لأن الناكح راكب وهذا من استعارات العرب في كلامها. وأما قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} فقد اختلف أهل العلم في تفسيره فمنهم من قال أن الظهار كان طلاق أهل الجاهليه فنهوا في الإسلام عن الطلاق باللفظ الجاهلي وأوجب عليهم الكفارة إن طلقوا بالظهار. ومعنى قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} في الجاهليه من الظهار وهذا حسن وكلام مستقيم ولكن سياق الكلام يدل على غير هذا وذلك أن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} ولم يقل: والذين كانوا يظاهرون من نسائهم ثم يعودون. ومعنى الكلام والله اعلم والذين يظاهرون منكم يا معشر المسلمين من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة فأوجب الكفارة بالظهار المبتدأ في الاسلام والعود لما قالوا واختلف الناس في العود فمنهم من قال إذا جامع فقد عاد لما حرم وعليه الكفارة والله تعالى أمر بالتكفير قبل الجماع فهو ناقض لما تأول غير مستقيم فيه الا أن يكون العود لما قال غير الجماع وهو ما قال الشافعي: - رحمه الله - من أن الظهار من المظاهر تحريم بالقول باللسان والعود لما قال امساك المرأة لأنه رجوع إلى ما حرم بالقول ويعودون لما قالوا وإلى

_ 1 سورة المجادلة الآية3.

ما قالوا واحد بمعناه الرجوع إلى ما قالوا من التحريم بالظهار بأن يمسك المرأة ولا يطلقها والتأويل الرجوع إلى ما حرموا وقال بعض الناس انه إذا ظاهر لم تجب الكفارة حتى يقول ثانية انت علي كظهر امي وهذا قول من لا يعرف العربيه ولا يعرج عليه وفيه قول الاخفش وهو أن يجعل لما قالوا من صله فتحرير رقبه والمعنى عنده والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبه لما قالوا أي من اجل ما قالوا ويجعل لما قالوا مقدما معناه التأخير وهذا القول جائز في اللغة الا أن فيه استكراها للتقديم والتأخير الذي يقع فيه. وقوله عز وجل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} 1 فيه إضمار أي فعليهم تحرير رقبة وكأن الظهار من طلاق أهل الجاهليه فأمر المسلمون بالا يطلقوا نساءهم بهذا اللفظ وابيح لهم تخليتهن باسم الطلاق والفراق والسراح واعلموا أن من طلق بلفظ الظهار في الاسلام فهو محرم لها بلا طلاق يقع عليها فإن اتبع الظهار طلاقا فقد طلق كما امره الله ولا شيء عليه وان امسكها ولم يطلقها لزمه لتحريمه اياها الكفارة للاثم الذي ركبه في تحريمه اياها بلفظ الظهار المنهى عنه. وقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 1 الذين بالابتداء وخبره فعليهم تحرير رقبه ولم يذكر عليهم لان في الكلام دليلا عليه وقوله من قبل أن يتماسا كناية عن الجماع.

_ 1 سورة المجادلة الآية 3.

باب اللعان

باب اللعان قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} 1 معناه والذين يرمون بالزنا. وقوله عز وجل: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} 1 ويقرأ اربع شهادات بالنصب فمن رفع اربع فقوله: {وَالَّذِينَ} ابتداء واربع غير الابتداء الذي قبله وهو قوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} ويكونان معا يسدان مسد خير الابتداء الاول وهو قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} . ومن نصب اربع فالمعنى فعليهم أن يشهد احدهم اربع شهادات بالله وان شئت قلت انه على معنى والذي يدرأ عنهم العذاب أن يشهد احدهم اربع شهادات بالله ومعنى الشهادات: الايمان. وإنما قيل لهذا لعان لما عقب الايمان من اللعنه والغضب إن كانا كاذبين واصل اللعن الطرد والابعاد يقال لعنه الله أي باعده الله. قال الشماخ: ذعرت به القطا ونفيت عنه ... مقام الذئب كالرجل اللعين2 أي الطريد المبعد والتعن الرجل إذا لعن نفسه من تلقاء نفسه فقال عليه لعنة الله إن كان كاذبا والتلاعن واللعان لا يكونان الا من اثنين يقال لاعن امرأته لعانا وملاعنه وقد تلاعنا والتعنا بمعنى واحد وقد لاعن الامام بينهما فتلاعنا ورجل لعنه إذا كان يلعن الناس كثير ورجل لعنه بسكون العين إذا كان يلعنه الناس وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن واعدوا النبل" 3 أي اتقوا الطرقات والقعود عليها للتحدث سميت ملاعن اللعن المادة من قعد عليها وأحدث فيها.

_ 1 سورة النور، الآية 6. 2 البيت في ديوانه 321، وتفسير الطبري 2/328 وغيرهما كثير. انظر تخريجه في ديوانه ص346. 3 انظر: الم 5/278.

قال الشافعي: وأصمتت امامة بنت أبي العاص أي أصابتها سكته اعتقل منها لسانها وذلك الداء يقال له السكات والصمات. وقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" 1، معناه الولد لصاحب الفراش سميت المرأة فراشا لأن زوجها يفترشها فتكون تحته وهو فوقها كما يفترش فراشه الذي يبيت عليه وقول الله عز وجل: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} 2 أراد والله اعلم وذوات فرش مرفوعه والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً} 3 أراد انا أنشأنا ذوات الفرش المرفوعه التي تقدم ذكرها. وقوله: "وللعاهر الحجر" أي وللزاني الذي ليس بصاحب الفراش الخيبه لا شيء له في الولد وليس معنى الحجر الرجم انما هو كقولهم له التراب أي الخيبه وكذلك قوله: بفيه الكثكث4 والاثلب يقال عهر فلان بفلانه إذا زنى بها والزانيه يقال لها العيهره وهي العاهره والمعاهره والمسافحه والبغى والخريع والمومسه كل هذا من اسماء الفاجرة. وسمى الزنى سفاحا لاباحة الزانيين ما امرا بتحصينه ومنعه وتصييرهما اياه كالماء المسفوح والشيء المصبوب ومن قال إن الزنى سفاحا لسفح لزانيين نطفتيهما فقد ابطل لان المتناكحين يسفحانها يسفحها الزانيان والقول الاول قول أحمد بن يحيى ثعلب. وقوله: لزمهم الا يجيزوا لعان الاعميين البخيقين. البخيق: الذي عور عينه حتى لا يظهر شيء من الحدقه وقد بخق يبخق بخقا فهو ابخق قال رؤبه وما بعينيه غوائر البخق

_ 1 تقدم وهو حديث صحيح.. 2 سورة الواقعة، الآية 34. 3 سورة الواقعة، الآيات 35- 37. 4 الكثكث: دقاق التراب وفتات الحجارة او التراب عامة..

وقوله: إن جاءت به أسحم أدعج. الدعج والدعجه: شدة سواد العين واللون ورجل ادعج وامرأة دعجاء. وفي الحديث: "إن جاءت به اثييج حمش الساقين فهو لزوجها وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين فهو للذي رميت به". الاثييج: تصغير الاثبج وهو الناتئ الثبج والثبج ما بين الكاهل ووسط الظهر. والحمش: الدقيق الساقين والاورق: الذي لونه بين السواد والغبره قال أبو عمرو وابن الاعرابي الاورق من كل شيء الذي يضرب لونه إلى السواد الا الإنسان فإن الاوراق الاسمر من بني ادم والورقه السمره والخدلج: الغليظ الساقين والجمالي: العظيم الخلق شبه بالجمل ويقال ناقه جماليه إذا اشبهت الفحول في عظم الخلق. ومنه قول الاعشى يصف ناقه جماليه تغتلي بالرداف ... اذا كذب الاثمات الهيجرا1 وفي الحديث: "ان جاءت به كأنه وحرة" 2 الوحره من حشرات الأرض تشبه الحرباء حمراء كالعظاءه وبها شبه وحر الصدر وقوله: احذري أن تبوئي بغضب من الله، معناه احذري أن ترجعي بغضب من الله وقال أبو عبيده باء فلان بذنب إذا احتمله وصار عليه قال ويكون باء بكذا إذا اقر به قال الله عز وجل: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ} 3 يقال زنا في الجبل يزنا زنئا إذا صعد فيه وقالت امرأة من العرب ترقص بنيا لها اشبه ابا امك أو اشبه حمل ... ولا تكونن كهلوف وكل

_ 1 البيت في ديوانه ص 109، وغيره من كلمة له في مدح هوذة بن علي الحنفي، والأثمات: النوق الهذيلة. 2 الوحرة: وزغة تكون في الصحارى أصغر من العظاءة على شكل سام أبرص تعدو في الجبابين لها ذنب دقيق تضرب به إذا عدة وهي بيضاء منقطة بحمرة وهي قذرة عند العرب، وانظر الحديث في الأم 278. 3 سورة المائدة، الآية 29.

يصبح في مضجعه قد انجدل ... وارق إلى الخيرات زنئا في الجبل1 حمل: اسم رجل والهلوف: الرجل الجافي الخلق والوكل الضعيف انجدل سقط إلى الجداله وهي الارض. يقال: زنى يزني من الزنى مقصور وقد مده بعض الشعراء ويقال زنا عليه إذا ضيق عليه مهموزه مثقله الزناء الضيق وربما ترك فيه الهمز وانشد ابن الاعرابي: لا هم أن الحارث بن جبله ... زنا على ابيه ثم قتله وركب الشادخه المحجله2 يعني الفضيحه ذات الشهره أراد زنا فخفف الهمزه وقال العجلاني حين قذف امرأته ما قربتها مذ عفار النخل وهو اصلاح النخل وتلقيحها وقد عفروا نخلهم يعفرون قرب يقرب بكسر الماضي قال الله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} 3 وأما قرب المكان يقرب فبرفع الراء قال الشافعي: وإذا زعم الزوح انه راها تزني فبين انها قد وترته في

_ 1 الأشطار في لسان العرب زنأ لقيس بن عاصم المنقري يرقص صبيا أخذه من امه واسمها،: منفوسة بنت زيد الفوارس والصبي هو: حكيم ابنه. وردت أمه على أبيه فقالت: أشبه أخي أو أشبهن أباكا أما أبي فلن تنال ذاكا تقصر أن تناله يداكا والخبر والرجز في تهذيب إصلاح المنطق 1/385منسوبا لامرأة من العرب والصواب أنه لقيس كما تقدم وانظر هامش إصلاح المنطق واللسان زنأ، هلف. 2الرجز لابن العيق العبدي وبعده كما في اللسان زنأ: وكان في جارته لا عهد له وأي أمر سيء لا فعله 3 سورة الإسراء، الآية 32.

نفسه بأعظم من أن تأخذ ماله وتشتم عرضه لما يبقى عليه من العار في نفسه وولده منها معنى وترته في نفسه أي نقصته في نفسه بما الزمته من العار ومنه قول الله عز وجل: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} 1 أي لن ينقصكم ووتره حقه إذا نقصته. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله" 2 أي نقص أهله وماله وأصل هذا من الوتر وهو ان يجنى الرجل على الرجل جنايه فيقتل له قتيلا أو يذهب بماله واهله وولده. قال الشافعي: وقد متع الله عز وجل من قضى بعذابه ثلاثا. أراد قول الله عز وجل: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثلاثة ايام} 3 معناه أنتفعوا بالبقاء والمهله في داركم ثلاثة أيام وأصل المتاع المنفعة.

_ 1 سورة محمد، الآية 35. 2 صحيح: اخرجه الطياليسي 1237، واحمد 5/429، والنسائي 1/238، وابن حبان 1466، وغيرهم من حديث نوفل بن معاوية. 3 سورة هود، الآية 65.

باب العدد

باب العدد قال الله عز وجل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1 فجعل الشافعي - رحمه الله - القروء الاطهار واحتج فيه بما روى عن عائشه وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وباللسان وما ذكره من حججه قال أبو منصور: من جعل القروء من قولك قرأت الناقه أي حملت كما قال عمرو بن كلثوم: هجان اللون لم تقرأ جنينا 2 وكما قال حميد بن ثور اراها غلاماها الخلا فتشذرت ... مراحا ولم تقرأ جنينا ولا دما3 أي لم تحمل علقه ولا جنينا فقد جعل القرء طهرا وكذلك المرأة إذا طهرت حملت الدم الذي يرخيه الرحم فجمعته فسمى الطهر قرءا ذات الرحم الدم وجعل الاعشى الاقراء اطهارا في شعره حيث يقول: مورثة مالا في الحي رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا4 فهذا هو الاكثر في كلام العرب واشعار المشهورين من الشعراء ومن جعل الاقراء حيضا ذهب بها إلى الوقت يقال هبت الريح لقرئها وقارئها أي لوقت مهبها فجعل القرء حيضا لأنه يجيء لوقته واحتج بالحديث المروى عن

_ 1 سورة البقرة الآية 228. 2 عجز بيت وصدره: ذراعي عيطل او ما بكر ... وهو من معلقته المشهورة النظر: شرح المعلقات للزوزنى ص 140 وغيره كثير. 3 انظر قصيدته الميمية بأول ديوانه صنعة العلامة عبد العزيز الميمني رحمه الله تعالى وهناك تجد تخريجه. 4 البيت في ديوانه 134، ومجاز القرآن 1/74، وتفسير الطبري 4/512- شاكر، وغيرهما كثير من كلمة له في مدح هوذة بن علي الحنفي، وقد ذكر فيها من فضائله ومآثره ما ذكر. ويقول له في هذا البيت: تعزيت عن كل متاع فهجرت نسائكفي وقت طهرهن فلم تقربهن وآثرت عليهن الغزو، فكانت غزواتك غنى في المال ورفعة في الذكر وبعدا في الصيت.

النبي صلى الله عليه وسلم: "دعي الصلاة ايام أقرائك أي ايام حيضك" 1. وأخبرني المنذري عن ابن فهيم عن محمد بن سلام عن يونس بن حبيب انه سأله عن ثلاثة قروء فاختار الاطهار وقال أبو عبيد الاقراء من الاضداد في كلام العرب تكون الحيض وتكون الاطهار وقال أبو عبيده القرء يصلح للحيض والطهر قال واظنه من أقرأت النجوم إذا غابت وذكر عن ابي عمرو ابن العلاء قال القرء الوقت وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر قال ويقال هذا قارئ الرياح لوقت هبوبها وأنشد: شنئت العقر عقر بني شليل ... اذا هبت لقارئها الرياح2 والذي عندي من حقيقة اللغة أن القرء هو الجمع وان قولهم قريت الماء في الحوض وان كان قد الزم الياء فهو بمعنى جمعت والقرء اجتماع الدم في البدن وإنما يكون ذلك في الطهر وقد يجوز أن يكون اجتماعه في الرحم وكلاهما حسن ليس بخارج عن مذاهب الفقهاء فإن كانت الاقراء تكون طهرا كما قال أهل الحجاز فإن الكتاب والسنه يدلان على انه اريد بها الاطهار لان الله عز وجل قال: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 3 وامر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يطلق امرأته حين تطهر حتى يكون مطلقا للعده كما امر الله عز وجل. واخبرني المنذري عن ابي الهيثم انه قال القرء والعده والاجل في كلام العرب واحد وهذا الذي قاله أبو الهيثم صحيح بدلالة الكتاب والسنه واللغة المعروفه عند العرب فإن قال قائل انما امر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يطلق امرأته في طهرها لان المرأة لا تستوعب الحيضه الاولى من حيضها حتى يتقدمها طهر وامر الله عز وجل بثلاثة قروء ولفظ الثلاثه يوجب استيعاب القروء بكاملها ومن جعل ذلك الطهر قرءا فقد خالف الكتاب وما توجبه اللغة من استيعاب

_ 1 الأم للشافعي 5/192. 2 البيت لمالك بن الحارث الهذلي، كما في ديوان الهذليين 3/81، وشرح أشعارهم للسكري 1/239، وتخريجه في 3/1400. وشنئت: أبغضت، وشليل: جد جرير بن عبد الله البجلي، لقارئها: لوقتها، والعقر: القصر. 3 سورة الطلاق، الآية 1.

القروء الثلاثة لان المعتدة على قوله تعتد بقرأين كاملين وبعض قرء قال ولا يشبه قوله: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} قوله: {أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} لان لفظ العدد يقتضي الكمال ولو قال ثلاثة اشهر كانت كوامل. فالجواب لما قال هذا القائل أن أهل النحو والعربيه من الكوفيين والبصرين اجمعوا أن الاوقات خاصه وان حصرت بالعدد جائز فيها ذهاب البعض وذلك كقولك له اليوم ثلاثة ايام مذ لم اره وإنما هو يومان وبعض الثالث وكذلك تقوم له اليوم يومان مذ لم اره وإنما هو يوم وبعض يوم وهذا غير جائز في غير المواقيت. وقال الفراء في كتابه في معاني القران واعرابه في قول الله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} 1 قال وهي شوال وذو القعده وعشر من ذي الحجة. قال وإنما جاز أن يقال اشهر وإنما هو شهران وعشر من ثالث لان العرب إذا كان الوقت الشيء جعلوه. بالتسميه للثلاثه وللاثنين إن كانا كما قال الله عز وجل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ} 2 وإنما يتعجل في يوم ونصف وكذلك هو في اليوم الثالث من ايام التشريق ليس فيها شيء تام قال وكذلك تقول له اليوم يومان مذ لم اره وإنما هو يوم وبعض آخر قال وهذا ليس بجائز في غير المواقيت لان العرب قد تفعل الفعل في اقل من ساعه ثم يوقعونه على اليوم وعلى العام والليالي والأيام والايام فيقال زرته العام وأتيتك اليوم. قال أبو منصور: فأرى الفراء لم يفرق بين الأشهر المتعريه من العدد وبين الثلاثه والأثنين وعلى هذا قول أهل النحو وهو قول الشافعي - رحمه الله - وكان ابن داود ادخل على الشافعي في الثلاثة الاشهر ما قدمت ذكره وخالفه أهل اللغة فخطئوه فيما ذهب إليه وقول الشافعي بحمد الله صحيح من جهة اللغة وجهة الكتاب

_ 1 سورة البقرة، الآية 197، وانظر: الطبري4/114-121. 2 سورة البقرة، الآية 203.

والسنة ولو لم يكن فيه الا ما قالت عائشة - رضي الله عنها -: أتدرون ما الاقراء؟ إنما هي الاطهار لكان في قولها كفايه لان الاقراء منأمر النساء وكانت رضي الله عنها من العربيه والفقه بحيث برزت على أكثرأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظا وعلما وبيانا وفهماأنار الله برهانها ولقاها واباها رضوانه ومغفرته قال الشافعي: ولا تنكح المرتابه وان أوفت عدتها لانها لا تدري ما عدتها وان نكحت لم نفسخ ووقفنا أمرها فإن برئت من الحمل فهو ثابت وقد أساءت وإن وضعت بطل النكاح. قال أبو منصور: أراد بالمرتابه: التي طلقت فشكت في حملها وحاضت في ذلك ثلاث حيض وهي مع ذلك مرتابه بالحمل فليس لها أن تنكح ما لم تدر ما عدتها لانها إن كانت حاملا فعدتها وضع الحمل وان لم تكون حاملا فعدتها الاقراء فما لم تستيقن البراءه من الحمل لم تتزوج. واما قول الله عز وجل: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 1 فهذا الارتياب غير الارتياب الذي قدمنا ذكره وقال أهل التفسير أنهم سألوا فقالوا قد عرفنا عدة التي تحيض فما عدة التي لا تحيض والتي لم تحض بعد فقيل لهم إن ارتبتم أي إذا ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر والارتياب على هذا السؤال للمستفتين، وقال مالك وقد روى عن عمر رضي الله عنه نزل هذا في المرأة ينقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها فعدتها ثلاثة اشهر وذلك بعد أن تمكث تسعة اشهر بمقدار الحمل ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة اشهر فإن حاضت في هذه الثلاثه اتمت ثلاث حيض والا فقد انقضت عدتها ولها أن تتزوج. وقول أهل التفسير أنها نزلت في التي لا تحيض من صغر أو كبر أصوب وبظاهر القران أشبه والله اعلم. والاستبراء للأمة بحيضة إنما هو طلب براءتها من الحمل فإذا حاضت

_ 1 سورة الطلاق، الآية4.

علم أنها برئت من الحمل الا أن يقع ارتياب بالحمل لعلامه تظهر من حركه في البطن مع الحيض فحينئذ تؤمر بالاحتياط والا تتزوج حتى تستيقن البراءه من الحمل. واحداد المتوفى عنها زوجها هو منعها نفسها من الزينه والطيب وكل من منعته من شيء فقد حددته ومنه الحدود بين الارضين والحدود التي أنزل الله عز وجل تنكيلا للجانين وقيل للبواب حداد لمنعه الناس من الدخول. قال الشافعي: وتنتوي البدويه حيث ينتوي أهلها لان سكنى أهل الباديه أنما هي سكنى مقام غبطه وظعن غبطه1 وانتواؤها انتقالها مع أهلها إذا انتجعوا مرعى بعد مرعى يقال: حدت المرأة واحدت فهي حاد ومحد بغير هاء. روى الشافعي في كتاب العدد في حديث عن مالك باسناد له أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينيها افتكحلهما؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا مرتين أو ثلاثا انما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت أحداكن في الجاهليه ترمي بالبعرة على رأس الحول" قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ قالت لزينب: كانت المراة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولم تمس طيبا حتى تمر بها سنه ثم تؤتى بدابة فتقبص به فقلما تقبص بشيء الا مات2. قال أبو منصور: هكذا رواه الشافعي3 تقبص بالباء والصاد. قال الشافعي: الحفش البيت الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره والقبص أن تأخذ من الدابه موضعا باطراف اصابعها والقبض الاخذ بالكف كلها

_ 1 نص الأم: وإن كان المتوفى عنها أو المطلقة طلاقا بائنا بدوية لم تخرج من منزل زوجها حتى ينتوي أهلها فإن انتوى أهلها انتوت وذلك أن سكن أهل البادية إنما سكنهم سكن مقام ما كان المقام غبطة. 2 الام 5/212، 213، وانظر: فتح الباري 9/399- 400. 3 انظر مسند الشافعي ص300- 301، والموظأ لمالك ص597- 598، وهو حديث صحيح، ومتفق عليه.

وروى عن الشافعي هذا الحرف عن مالك في هذا الحديث: فتفتض به فقلما تفتض بشيء الا مات بالتاء والضاد. وسمعت المنذري يقول: سئل ثعلب عن قوله: تفتض بدابة إن شاة فقلما تفتض بشيء الا مات فقال ثعلب هذا كلام مستو ومعناه من الفض وهو الكسر يقول قلما تفتض بشيء أي تمسه وتنظر إليه بخروجها فتفضه بذلك الا مات. وقال القتبي: سألت الحجازيين عن الافتضاض فذكروا أم المعتدة كانت لا تغتسل ولا تقلم ظفرا وتنتف شعرا من وجهها ثم تخرج بعد الحول باقبح منظر ثم تفتض بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش كأنها تكون في عدة من زوجها فتكسر ما كانت فيه وتخرج منه بالدابة. واخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الاعرابي قال الحفش البيت الصغير القريب السمك من الارض. قال: وتحفشت المرأة على زوجها أي أقامت عليه ولزمته. قال الأزهري: والدرج الصغير يقال له الحفش شبه البيت الصغير به. وقول صلى الله عليه وسلم: "الا جلس في حفش أمة" من هذا. قال الشافعي: وكل كحل كان زينة فلا خير فيه قال وكذلك الدمام. يقال للمرأه إذا طلت حول عينها بصبر أو زعفران قد دمت عينها تدمها دما وكذلك إذا طلت غير موضع العين وقال: تجلو بقادمتي حمامة أيكة ... بردا تعل لثاته بدمام1 يعني النوور أنها طليت به حتى رسخ ويقال للقدر إذا طليت بالدم أو الطحال بعد الجبر قد دمت تدم دما وهي قدر مدمومة.

_ 1 البيت في اللسان دمم بلا نسبة.

باب الرضاعة

باب الرضاعه قال الشافعي: - رحمه الله - بين في السنه أن لبن الفحل يحرم كما تحرم ولادة الاب وتأويل لبن الفحل: ما روى عن ابن عباس أنه سئل عن رجل له امرأتان فأرضعت احداهما غلاما والاخرى جاريه فهل يتزوج الغلام الجاريه فقال لا اللقاح واحد أخبر أنهما صارا ولدين لزوجهما لان اللبن الذي در للمرأتين كان بالقاح الزوج إياهما واللقاح اسم وضع موضع الالقاح يقال ضرب الفحل الناقة فإلقحها القاحا ولقاحا وهذا كما تقول أصلحت الامر إصلاحا وصلاحا وأفسدته إفسادا. ويقال: لقحت الناقه تلقح لقاحا ولقاحا ولقحا إذا حملت فهي لاقح وإذا وضعت فهي لقحه ولقوح واللقحه جمعها لقح وجمع اللقوح لقاح وكان عمر رضي الله عنه يوصي عماله إذا بعثهم فيقول ادروا لقحة المسلمين يريد به اعدلوا في أهل الفيء حتى يكثر الفيء ويحتمل أن يكون قوله اللقاح واحد معناه أي الحمل واحد أي إنه لملقح واحد أراد حمل المرأتين أن ولديهما اللذين در لبنهماهما لرجل واحد وكلا القولين صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم الاملاجة ولا الاملاجتان" 1. الاملاجة: أن تمص المرأة الصبي الرضيع لبنها فيملجها ملجا إذا رضعها رضعا. وأما حديث المغيرة ابن شعبة: "لا تحرم العنقة"2 فإن أبا عبيد قال أراها العفة وهي بقية اللبن في الضرع بعد ما يمتك3 أكثر ما فيه وهي العفافه4 ايضا قال أبو منصور: والعنقة صحيحة والرواة لم يختلفوا فيها وكأنها مأخوذة من عقت الشيء أعاقه.

_ 1 صحيح أخرجه مسلم 1451/18، وابن ماجه 1940، واحمد 6/339، وغيرهم من حديث أم الفضل. 2 أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ج20برقم 965، وقال الهيثمي في المجمع 4/261: ورجاله رجال الصحيح"اهـ. 3 تمتك الشراب: شربه قليلا قليلا. 4 العفافة: القليل من اللبن في الضرع قبل كثرته، او بعد ان يحلب.

باب النفقات

باب النفقات ذكر قول الله عز وجل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} قال الشافعي: أي لا يكثر من تعولون. قال أبو منصور: ذهب أكثر أهل التفسير إلى أن قوله تعالى: {أَلَّا تَعُولُوا} معناه الا تجوروا ولا تميلوا واخرج ابن داود الأصبهاني على الشافعي في جملة حروف نسبة إلى الخطأ فيها من جهة اللغة وكان في جملة الحروف قوله - رحمه الله - في الاقراء وما ذهب إليه وقد مضى فيها من الحجج ما يقنع وتبين فيها ما كشف خطأ ابن داود واتفاق أهل اللغة على غير ما ذهب اليه. وأما ما قاله الشافعي في قوله: {أَلَّا تَعُولُوا} بمعنى لا يكثر من تعولون فإن أحمد بن يحيى ثعلبا روى عن سلمه عن الفراء عن الكسائي أنه قال سمعت كثيرا من العرب يقول عال الرجل إذا كثر عياله ثم قال واعال أكثر من عال وإذا قال مثل الكساني في كثرته وثقته في عال انه يكون بمعنى كثر عياله ولم بخالفه الفراء ولا أحمد بن يحيى فهو صحيح ولغات العرب كثيره والشافعي لمن يقل ما قاله حتى حفظه وقد روى عن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم مثل قوله والذي يقرب عندي في قول الشافعي: لا يكثر من تعولون انه أراد ذلك ادنى الا تعولوا عيالا كثيرا تعجزون عن القيام بكفايتهم وهو من قولك فلان يعول عياله أي ينفق عليهم ويمونهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "وابدأ بمن تعول". فحذف العيال الكثير لان في الكلام دليلا عليه لان الله -عز وجل- بدأ بذكر: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} ثم قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} 1 جماعة تعجزون عن كفايتهن وهو معنى ما قاله الشافعي فلا مطعن لابن داود عليه فيه بحمد الله ومنه.

_ 1 سورة النساء الاية 3.

وقوله: "يفرض لها في الصيف درع وملحفة". اراد بالملحفه: ازار تلتحفه بالليل مثل الملاءه يقال تلحف فلان بملاءته إذا اشتمل بها ولم يرد الملحفة المحشوه فاعلم. وقوله: "فإن كانت رغيبه فلها كذا وان كانت زهيده فعلت كذا" فالرغيبه الكثيرة الاكل والرزء من الطعام والرزء الاصابه من الطعام يقال انا أرزأ يوم رغيفا أي اصيب والرغب كثرة الاكل ورجل رغيب وامرأة رغيبه الموسع الكثير المال والمقتر القليل المال في قوله عز وجل: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} 1 وأما قوله جل ذكره: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} 2 فمعناه انا جعلنا بينها وبين الأراضي سعة. وقوله ولو أعطيناها بقول النساء ثم انفش اليس قد اعطيناها من ماله ما لم يجب عليه معنى انفش أي ذهب الريح الذي كان في البطن يقال للقربة إذا كان فيها لبن اوكيت عليه فامتلأت ريحا فششتها افشها فشا أي أخرجت ريحها منه وقد انفشت القربة إذا ذهب ريحها. وقوله "إذا كانوا لا يغنون انفسهم". أي لا يكفونها والغناء الكفايه. وقوله: "ومن أجبرناه على النفقه بعنا فيها العقار": العقار خيار المال من الضياع والنخيل ومتاع البيت ويقال انشدني عقار هذه القصيده أي انشدني خيار ابياتها وعقر الدار اصلها وعقرها ايضا واخبرني أبو الفضل المنذري عن ثعلب عن ابن الاعرابي قال عقار البيت ونضده متاعه الذي لا يبتذل الا في الاعياد والحقوق الكبار قال ويقال بيت حسن الاهره والظهره والعقار وكلام العرب في العقار ما وصفته ولا انكر أن يكون الشافعي أراد بقوله بعنا فيها العقار أي الضياع والدور دون متاع البيت فإنه اشبه بكلام المفتين في هذا الباب. وقوله: "ويكون الولد مع أمه لأن الأم أحنى عليه معناه أشفق عليه واعطف والحنو الشفقه والعطف والحدب.

_ 1 سورة البقرة، الآية236. 2 سورة الذاريات، الآية47.

وقوله: "والجواري إذا كانت لهن فراهة وجمال". معنى الفراهه: ها هنا الوضاءة سمعت عن بعض العرب يقول فلانة أفره من فلانة عنى به صباحة وجهها وكذلك في الغلمان فلان افره غلماننا أي اوضؤهم وجها وجوار فرهه إذا كن ملاحا حسانا ولم ارهم يستعملون هذه اللفظه في الحرائر ويجوز أن يكون الاماء قد خصصن بهذا اللفظ كما خص البراذين والبغال والهجن دون عراب الخيل بالفاره والفراهه لا يقال للفرس العربي فاره ولكن يقال جواد وإنما يقال يرذون فاره وبغله فارهه والطعام الجشب الغليظ الذي لم يؤدم وقوله صلى الله عليه وسلم: "اذا كفى احدكم خادمه طعامه وولى حره ودخانه فليدعه فليجلسه معه فإن ابي فليروغ له لقمه" 1 قال أبو منصور: بلغني أن بعض من لا يعرف العربيه سئل عن قوله فليروغ له ذهب به إلى معنى الروغان ومعنى ترويغ اللقمه ترويتها بالسمن أو بالدسم قال أبو عمرو الشيباني يقال للرجل إذا روى دسم الثريده قد سغسغها وصغصغها وسغبلها وروغها ومرغها ولغلغها ومعمغها ورولها وأهنأها ومرطلها قال أبو منصور: وليس في هذه الحروف اعرف من روغها الا يتكلف تفسيره بما يشينه وقوله "إذا أكل النقى2 والوان الدجاج". أراد بالنقى الحواري3 ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامه على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقى ليس فيها معلم لأحد" 4 العفراء البيضاء ليست شديدة البياض وقال: يطعم الناس إذا ما امحلوا من نقى فوقه ادمه أي من خبز محور. وقوله: "ولا يجعل على امته خراجا الا أن تكون في عمل واجب".

_ 1 الأم للشافعي 5/90. وتمامه: فليناوله إياه. 2 النقي الخالص والمراد: البر سمن وجري فيه الدقيق. 3 الحواري: الدقيق الجيد. 4 متفق عليه: أخرجه البخاري 6521، ومسلم 4/2150 برقم279، وغيرهما من حديث سهل بن سعد.

اراد بالخراج صريبة يضربها عليها لا يرضى منها بدونها كالضرائب المضروبه على ارض الخراج والخراج اصله الغله. والعمل الواجب: الدائم أراد صناعة يخرج منها على الدوام ما توفره على مالكها مثل الخياطه والخرازه وغيرهما. وقوله: إذا اجدبت الأرض فلم يكن فيها متعلق امر صاحب الماشيه ببيعها أو ذبحها. العلقة والعرقة: من الشجر ما له أصل تتبلغ به المواشي في الجدوبه.

باب في الديات

باب في الديات قال الشافعي: - رحمه الله – "وإذا تكافأ الدمان من الاحرار المسلمين أو الاحرار المعاهدين" التكافؤ الاستواء بالاسلام والحريه والمعاهدون هم أهل الذمه والذمه يقال لها العهد ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا ذو عهد في عهده1" اي لا يقتل ذو ذمه من المعاهدين في ذمته أي ما دام متمسكا بذمته والعهد ايضا الامان فيحتمل أن يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم ولا ذو عهد في عهده أي لا يقتل رجل من المشركين أو من إلى وقت معلوم ما دام في عهده أي في ايام عهده وايام أمانه التي وقتت له والاصل في هذا قول الله عز جل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 2 أي استأمنك فآمنه والذمه هي الامان ايضا ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يسعى بذمتهم ادناهم" 3 أي بأمانهم وأهل الذمه أومنوا على جزيه يؤدونها فبه سموا أهل الذمه والمعاهد الذمى وهما سيان الا أن أحدهما عهده إلى مدة وعهد الاخر بلا مدة ما أدى الجزية. وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل سبعة نفر برجل قتلوه غيلة وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم4. الغيلة هي أن يغتال الرجل فيخدع بالشيء حتى يصير إلى موضع كمن له فيه الرجال فيقتل والفتك أن يأتي الرجل الرجل وهو غار مطمئن لا يعلم بمكان من قصد لقتله

_ 1 صحيح: وهو قطعة من حديث طويل أخرجه أبو داود 4530، والنسائي 8/19، 24. وابن أبي تمام في الديات برقم 122، والحاكم 2/141، وغيرهم من حديث علي بن أبي طالب مرفوعا به. 2 سورة التوبة، الآية 6. 3 قطعة من حديث متفق عليه: اخرجه البخاري 4/81، ومسلم في الحج برقم 467. وغيرهما من حديث علي. 4 الأم للشافعي 5/96.

حتى يفتك به فيقتله. فإذا آمن رجلا ثم قتله فهو قتل الغدر فإذ اسر رجلا ثم قدمه وقتله وهو لا يدفع عن نفسه فهو قتل الصبر. وقوله: "لو تمالأ عليه أهل صنعاء". أي تظاهروا وتعاونوا واجتمعوا والملأ الجماعة من أشراف الناس كلمتهم واحدة. وقوله: ولو جرحه جراحات فلم يمت ولم يبرأ حتى عاد إليه فقتله صارت الجراح نفسا. أي صار حكم الجراحات حكم الدم الواحد الموجب للدية الواحدة والنفس ها هنا الدم والنفس روح النفس الحية والنفس في كلام العرب على وجوه أخر حكى ثعلب عن ابن الاعرابي أنه قال النفس الدم والنفس العين التي تصيب المعين والنفس قدر دبغه من القرظ والنفس العظمة والكبر والنفس العزة والنفس الهمة والنفس الانفة والنفس عين الشيء وكنهه وجوهره والنفس الماء ومنه. قوله اتجعل النفس التي تدير في جلد شاة ثم لا تسير. قال والنفس البعد ومنه قوله الله عز وجل: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} 1 والنفس الروح والنفس العقل قال والنفس الروح والنفس الفرج من الكرب والعقل: الديه، والقود: أن يقتل الرجل بالرجل. وقوله: انبخقت عينه أي عورت والبخق اسوأ العور، وشفرا المرأة اسكاتها وهما حرفا مشق فرجها ويفترقان في أن الاسكتين هما ناحيتا الفرج والشفران طرفا الناحيتين، وأرى الشافعي - رحمه الله - أرد ناحيته لا طرفي ناحيته وأما الركب فهو أعلى الفرج والذي يلي الشفرين الاشعران. وأما قول الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} الآية2 فإن ابن عباس قال العفو أن يأخذ الديه وهذا دليل على أنه أراد بقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ولي الدم لا القاتل وأنه لم يرد بقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} العفو عن الدم وإنما أراد

_ 1 سورة المائدة، الآية 116. 2 سورة البقرة، الآية178.

بالعفو الديه التي جعلها الله - عز وجل- عفوا أي فضلا لولي الدم ولا يجوز في تفسير هذه الآية غير ما قاله ابن عباس رضي الله عنه حدثنا والعرب تقول عفا فلان بماله لفلان أي أفضل له وعفو العطاء مالا يجهد صاحبه وعفو المال ما يفضل عن حاجة صاحب المال والمعنى على ما تأول ابن عباس محملا في قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} 1 أي ولي الدم الذي أخذ الديه بدل اخيه المقتول وهو فضل جعله الله عز وجل لهذه الامه عفوا منه وفضلا ولم يكن لامة من الامم قبلها فأمر ولي الدم عند اختياره هذا العفو الذي جعل له وهي الديه أن يتبع بالمعروف أي يطلبها بالمعروف وامر القاتل بادائها إليه باحسان ثم قال الله جل ثناؤه: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} أي اخذ ذلك المال الذي جعل بدل الدم تخفيف عن هذه الامه من ربكم وفضل خصها به ورحمة للقاتل في حقن دمه ثم قال: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ومعنى قوله عز وجل: {مِنْ أَخِيهِ} أى بدل أخيه وهو كقولك عرضت لفلان من حقه ثوبا أي بدل حقه ومثله قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ} 2 بدلكم ملائكة في الأرض يخلفونكم فيها فيكونوا فيها مكانكم. وقال الشافعي: في قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} يعني من عفى له عن القصاص ومعنى قول الشافعي إن الله عز وجل عفا لولي الدم عن القصاص شاء أو أبى وجعل له إن شاء أخذ الدية حتى يكون موافقا لما تأوله ابن عباس. والذي روى عن ابن عباس في تفسير هذه الآية صحيح من طريق النقل رواه عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس. وما رأيت أحدا فسر وأوضح من في هذه الآية تفسير ابن عباس ما أوضحته فتأمله تجده كما بينته فإنه من أصعب معنى في مشكل القرآن والله اعلم

_ 1 سورة البقرة، الآية 178. 2 سورة الزخرف، الآية60.

باب الشجاج ومافيها

باب الشجاج وما فيها قال أبو منصور: الأزهري - رحمه الله - جملة ما افسره في هذا الباب فهو من كتاب السنن للشافعي وما جمعه أبو عبيد للأصمعي وغيره ومن كتاب شمر في غريب الحديث ولم يفسر أحد منهما ما فسره شمر فأول الشجاج عندهم الحارصه وهي التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ومنه قيل حرص القصار الثوب ويقال لها الحرصه ويقال لباطن الجلد الحرصيان بالحاء لا غير وهو فعليان من الحرص وهو الشق والعسر. ثم الدامعة وهي التي تدمع بقطره من دم. ثم الدامية وهي أكثر من الدامعه. ثم الباضعة وهي التي تشق اللحم تبضعه بعد الجلد. قال ابن الأعرابي ثم الملطئة وهي التي تخرق اللحم حتى تدنو من العظم وغير ابن الاعرابي يقول هي الملطاه. قال الشافعي: - رحمه الله - ثم الموضحه وهي التي يكشط عنها ذلك القشر حتى يبدو وضح العظم. قال وليس في شيء من الشجاج قصاص الا في الموضحه وأما غيرها من الشجاج ففيها الديه. ثم بعد الموضحه الهاشمه وهي التي تهشم العظم أي تفته وتكسره. وكان ابن الأعرابي يجعل بعد الموضحه المقرشه قال وهي التي يصير منها في العظم صديع مثل السعرة1 ويلمس باللسان لخفائه.

_ 1 السعرة: لون يضرب على السواد فويق الأدمة.

قال: والوفر الهزم في العظم حتى يخالط جوفه قال والهزم من اثر الحجر والعصا حتى يخالط المخ. قال الشافعي: وابو عبيد ثم بعد الهاشمه المنقله وهي التي تنقل منها فراش العظام وهو مارق منها ثم بعدها الامه وهي التي تبلغ أم الرأس ويقال لها المأمومه. قال ابن شميل: وام الرأس الخريطه التي فيها الدماغ وقال بعضهم الدامغه هي التي تخسف الدماغ ولا بقيه لها أي لا حياه بعدها. قال أبو زيد الشجاج تكون في الوجه والرأس ولا تكون الا فيهما. قال عبد الوهاب بن جنبه رواه عنه شمر أهون الشجاج المنتبره وهي التي تنتبر ولا يخرج منها دم وذلك إذا ورمت حتى يرى لها نبرة كأنها بعرة والنبرة الورمة. وقال ابن الأعرابي حججت الشجة سبرتها وقستها. وقال ابن شميل: الحج أن يفلق الهامة فينظر هل فيها وكس أودم والوكس أن يقع في أم الرأس دم أو عظام أو يصيبها عنت وأنشد ابن السكيت: يحج مأمومه في قعرها لجف ... فاست الطبيب قذاها كالمغاريد1 اللحف شبه الغار يقال: لجف فلان في حفر البئر إذا اخذ يمينا وشمالا المغاريد صغار الكمأه يقول إذا عالجها الطبيب احدث من هولها ويقال سلعته في رأسه أي شججته قال شمر إذا تشظت العظام في اللحم فذلك الخلص قال وذلك في قصب العظام في اليد والرجل يقال خلص العظم يخلص خلصا إذا برئ وفي خلله شيء من اللحم قال وإذا سمع صاحب الامه الرعد أو الطحن فرخ إلى الأرض أي لزق بها وقد يفرخ فرخا قال ويقال أقلحته وقفحته وسلعته وقلعته إذا أوضحته.

_ 1 البيت لعذار بن درة الطائي، يصف طبيبا يداوي شجة بعيدة القعر فهو يجزع من هولها بالقذى يتساقط من استه كالمغاريد: والمغاريد: والمغاريد: جمع مغرود وهو صمغ معروف ويحج: يصلح، وانظر اللسان حجج.

قال أبو منصور: والقصاص مأخوذ من القص وهو القطع ويقال اقص الحاكم فلانا من قاتل وليه فاقتص منه ويقال للمقراض مقص وقاصصت فلانا من حقه إذا قطعت له من مالك مثل حقه ووضع القصاص موضع المماثله القود مأخوذ من قود المستقيد القاتل بحبل وغيره إلى القتل وقيل لديه الجوارح والاعضاء ارش يقال ذلك لما قل منها وكثر واصله من التاريش وهو التحريش ويقال له النذر ايضا يقال نذر هذه الشجه كذا وكذا بعيرا أي ارش ديتها وهو معروف في كلام العرب وقد قاله الشافعي - رحمه الله - في كتاب جراح العمد. قال الشافعي: وان قلع سن من قد ثغر قلع سنه أراد الشافعي بقوله قد ثغر سنه أي سقطت رواضعه ثم نبتت فقلعت قال أبو زيد يقال للصبي إذا سقطت رواضعه قد ثغر فهو مثغور فإذا نبتت اسنانه بعدها قيل اثغر واثغر لغتان وقيل للموضع المخوف بينك وبين العدو ثغر لأنه كالثلمه بينك وبينه ومنه يهجم عليك العدو وثغرت سنه فهو مثغور إذا كسرت سنه. قال: "ولا يقاد الا بحديدة حادة" أي بحديد ذي حد رقيق ولا يقاد بحديد كليل لا حد له فيكون تعذيبا وقد ذكرنا تفسير اسنان الابل في كتاب الزكاه بما يكتفي به عن اعادته. والحلفة: الحامل من الأبل وجمعها مخاض كما تجمع المرأة بالنساء وهو من غيرلفظها وديات النفوس والجراح وغيرها وثغرة النحر نقرته ووقبته التي في وسطه. وقوله "إذا رأيته يتبع الشخص بصره ويطرف". يقال طرف الرجل يطرف طرفا إذا جلى بصره للنظر والطرف النظر ومنه قوله: تحسب الطرف عليها نجده ... يا لقومي للشباب المسبكر1 يقال: يشتد عليه النظر لترفتها وفتور في عينيها والنجدة: الشده في

_ 1 البيت لطرفة بن العبد كما في الديوان ص51، ومختارات ابن الشجري 1/34- طبعة محمود حسن، واللسان نجد، وغبيرهم كثير والنجدة: الشدة، يريد أنها لا تكاد ترفع طرفها لفتوره فإذا كلفت ذلك اشتد عليها لنعمتها المسبكر: الممتد أي التام والبيت يص فيه طرفة جارية.

هذا البيت وجفون العين التي تنطبق على الحدقة وأشفار العيون واحدها شفر وهو حرف الجفن والهدف والهدب: الشعر النابت على الشفر. قال: وفي الأنف إذا أوعى مارنه الديه. والمارن ما لان من لحم الأنف دون القصبه التي في أعلاه ومعنى أوعى أي استؤصل قطعه وكذلك أوعب واستوعب واستوعى كل ذلك حسن جيد ولكل إنسان ثنيتان في مقدم فيه ثم رباعيتان تليهما ثم نابان تليان الرباعيتين ثم الأضراس بعدها. قال الشافعي: وقدم الأعرج ويد الأعسم إذا كانتا سالمتين فيهما الدية. قال ابن الاعرابي: العسم: اعوجاج الرسغ من اليد وقال غيره هو انتشار الرسغ والمعنيان متقاربان والرسغ مفصل ما بين الكف والساعد وقال امرؤ القيس: ايا هند لا تنكحي بوهة ... عليه عقيقته احسبا مرسعة وسط ارباعه ... به عسم يبتغي ارنبا ليجعل في رجله كعبها ... حذار المنيه أن يعطبا1 والحلمه: من الرجل والمرأة الهنيه الشاخصه من ثدي المرأة وثندوة الرجل واللوعه السواد حول الحلمه وجمعها الواع واستشحاف الاذنين يبسهما وقلة مائهما مأخوذ من حشف التمر وهو سارده الذي يبس على الشجر قبل ادراكه فلا يكون فيه لحم ولا له طعم. والعين القائمه التي بياضها وسوادها صافيان غير أن صاحبها لا يبصر بها. قال: وان جبر فانجبر معيبا بعجر أو عرج فالعجر تعقد وزياده يظهر في موضع الكسر واحدتها عجره وعجرة السره نتوء فيه وتعجرت العروق اذا

_ 1 الأبيات في ديوانه ص74، البوهة: البومة العظيمة، العقيقة: الشعر الذي يولد به الطفل الأحسب: من ابيضت جلدته من داء ففسد شعره فصار أبيض وأحمر، مرسعه: أي وضضع له الرسع بين أرساغه، وهو تميمة تقيه العين والموت، والرسغ: المفصل ما بين الساعد والكف، او الساق والقدم، والعسم: يبس في مفصل الرسغ تعوج منه اليد أو القدم.

نتأت وقال أبو عبيدة العجر العروق المتعقدة وقال ابن الاعرابي العجرة نفخة في الظهر فإذا كانت في السره فهي بجرة. قال: ثم تنقل إلى الهموم والاحزان ومنه قول علي كرم الله وجهه لما طاف ليلة وقعة الجمل على القتلى فوقف على طلحه بن عبيد الله رضي الله عنه وبكى ثم قال عز علي ابا محمد أن اراك معفرا تحت نجوم السماء إلى من اشكو عجري وبجري أي همومي وأحزاني1. وقال الأصمعي: العجرة الشيء يجتمع في الجسد كالسلعة والبجرة نحوها واصطدام الراكبين أن يلتقيا في حموة الركض فيصدم كل واحد منهما صاحبه فربما ماتا ودوابهما من ذلك وأصل الصدم الضرب الشديد. والعقل: الدية وكانوا يؤدون في الدية الابل وجاء حكم الاسلام بها فقيل للدية عقل لان الذي يؤديها يعقلها بفناء المقتول ويقال عقلت فلانا إذا اعطيته ديته وعقلت عن فلان إذا غرمت عنه ديه جنايته فيقال للذي يدفع الديه عاقل لعقله الابل بالعقل وهي الحبال التي تثنى بها ايديها وجمع العاقل عاقله ثم عواقل جمع الجمع والمعاقل الديات ايضا وبنو فلان على معاقلهم الاولى أي على ما كانوا يؤدون قديما. قال الشافعي: ولا يعقل الحلفاء الا أن يكون مضى بذلك خبر. والحلفاء: هم الذين تعاقدوا على التناصر والتمالؤ على من خالفهم وقد فسرت لك حلف المطيبين وحلق الاحلاف فيما تقدم وكان الناس توارثوا بالحلق والنصره ثم نسخ ذلك بالمواريث. قال: ولو وضع حجرا في ارض فمر به رجل فتعقل به أي عثر به فسقط إلى الارضو منه الاعتقال بالرحل في باب الصرع. وفي الحديث أن حمل بن مالك قال للنبي صلى الله عليه وسلم اني كنت بين جارتين لي فضربت احداهما الاخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا وماتت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المقتوله على عاقلة القاتله وجعل في الجنين غرة عبدا أو امة2.

_ 1 انظر قول علي – رضي الله عنه في المعجم الوسيط 2/585. 2 انظر الطبراني الكبير برقم 3482- مسند حمل بن مالك، وهامشه لحمدي السلفي.

فاما المسطح: فهو عود من عيدان الخباء والفسطاط وأما الغرة فانه عبد أو امة قيل لكل واحد منهما غرة لان غرة كل شيء خياره ويقال للفرس ايضا غره لأنه خير مال الرجل. وقوله: بين جارتين أي بين ضرتين. وفي حديث اخر أن امرأة ضربت فاملصت ولدها معناه انها ازلقته فاسقطته وكل ما زلق من يدك فقد ملص قوله وان استهل الولد حين سقط أي صرخ وصاح ورفع صوته فقد تم عقله.

باب في القسامة

باب في القسامة يقال: قتل فلان بالقسامة وودى بالقسامة وذلك إذا اجتمعت الجماعة من أهل القتيل فادعوا قبل رجل انه قتل صاحبهم ومعهم دلائل جون البينه فحلفوا خمسين يمينا أن المدعي عليه قتل صاحبهم فهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم هم القسامه سموا قسامه بالاسم الذي اقيم مقام المصدر من اقسم وقسما وقسامه وفي حديث حويصه ومحيصه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب" 1، أي يعلموا بنقضنا العهد بيننا وبينهم واقتبالنا الحرب معهم يقال آذنته بكذا أي أعلمته. واللوث: البينه الضعيفه غير الكاملة ومنه قيل للرجل الضعيف العقل الوث وفيه لوثة أي حماقة والولث: العهد الضعيف أيضا ومنه قولهم ولثتنا السماء ولثا أي أمطرتنا مطرا ضعيفا وقتل الخطأ مأخوذ من أخطأ يخطئ أخطاء وخطأ مهموز مقصور إذا لم يتعمد الجنايه فان تعمد الاثم قيل خطئ يخطأ خطئا وأما الخطأ بفتح الخاء فانه اسم وضع موضع المصدر قال الله عز وجل: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} 2 فهذا هو العمد وقال الله عز وجل: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} 3 فهذا من أخطأ واحدهما ضد الاخر والخاطئ المذنب والمخطئ الذي لم يصبه.

_ 1 متفق عليه: أخرجه البخاري ومسلم 3/1294- 1295. من حديث سهل بن أبي حثمة. 2 سورة افسراء، الآية 31. 3 سورة النساء، الآية 92.

باب في قتال اهل البغي

باب في قتال اهل البغي ... باب قتال أهل البغي ذكر قول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} 1 إلى قوله {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} قال: إن طائفتان ثم قال اقتتلوا ولم يقل اقتتلتا ولو قاله لكان جائزا لان كل طائفه منهما جماعه وقوله: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} أي اعتدت وجارت والبغي الظلم والباغية التي تعدل عن الحق وما عليه أئمة المسلمين وجماعتهم ويقال بغى الجرح إذا ترامى إلى فساد وبغت المرأة إذا فجرت والبغى الفاجره حتى تفيئ إلى امر الله أي ترجع إلى امر الله وقوله تعالي: {وَأَقْسِطُوا} أي عدلوا يقال اقسط فهو مقسط إذا عدل وقسط فهو قاسط إذا جار. قال الشافعي: ولم يذكر الله عز وجل في ذلك تباعة في دم ولا مال أي مطالبه واستدراكا وكذلك قوله: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} 2 أي مطالبة بالمعروف والتباعه الاسم من الاتباع وقوله وما حووا في البغي من مال رد على صاحبه إذا وجد بعينه حووا أي جمعوا وقبضوا عليه بعينه. وقوله: "عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها"3. أي امسكوها ومنعوها فاعتصمت بحبل الله أي تمسكت به وقوله: الا يا اصبحينا قبل نائرة الفجر أي اسقينا الصبوح من خمر أو لبن يقال صبحته اصبحه إذا سقيته ونائرة الفجر ضوءه وانفلاقه وهو التنوير ايضا يقال: نار وانار واستنار بمعنى واحد.

_ 1 سورة الحجرات، الآية 9. 2 سورة البقرة، الآية 178. 3 وانظر: السلسلة الصحيحة برقم 409.

وقوله: كرام على العزاء في ساعة العسر العزاء: شدة الزمان والمحل واستعز بالرجل إذا ثقل عند الموت. وقوله: ما كان فينا بقية. أي قوة، ويجوز أن يكو أراد ما بقي لهم جماعة يمنع مثلها العدو. وقوله عز وجل: {أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ} 1 قيل أولو دين وطاعه وقيل أولو تمييز وعقل. وقوله: نابذوا الامام العادل، أي خالفوه وشاقوه2 وانتبذوا ناحية عنه يقال جلست نبذة ونبذة أي ناحيه. وقوله: فينبغي أن يسألوا ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت. ما نقموا: كقولك ما عتبوا وما سخطوا وما كرهوا ومعناه المبالغه في الكراهه والمظلمه والظلامه والظلم واحد. قال: ونادى منادي علي الا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح أي لا يجهز على جريح ولا يتمم بالقتل يقال ذففت على الجريح إذا عجلت قتله وكذلك اجهزت عليه ورجل خفيف ذفيف أي سريع وكذلك فرس جهيز أي سريع العدو وكل ذلك من الاسراع والتعجيل. قال: ومعاويه يقاتل جادا في ايامه أي مجدا مجتهدا يقال جاد ومجد بمعنى واحد وقوله: أو منتصفا أي يفعل كما يفعل به وينال من جيش على ما ينالون منه ومن جيشه او مستعليا أي عاليا.

_ 1 سورة هود، الآية 116. 2 أي انشقوا عليه.

باب في الردة والكفر والفاظها

باب في الردة والكفر والفاظها قال أبو منصور: الإلحاد الميل عن طريق الإسلام قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} 1 أي يجوزون ويعدلون وذلك مثل ما روي عن الكفار انهم قالوا في قول الله عز وجل: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} 2 جاء في التفسير أن العرب لما سمعت ذكر الرحمن قالوا ايدعونا إلى اثنين إلى الله والى الرحمن واسم الرحمن في الكتب الاول المنزله على الانبياء فاعلم الله عز وجل دعاءهم الرحمن ودعاءهم الله يرجعان إلى الواحد جل جلاله فقال: {أَيّاً مَا تَدْعُوا} معناه أي اسماء الله تدعوا فله الاسماء الحسنى. وملحدوا زماننا هذا هؤلاء الذين تلقبوا بالباطنيه، وادعوا أن للقرآن ظاهرا وباطنا وان علم الباطن فيه معهم فأحالوا شرائع الاسلام بما تأولوا فيها من الباطن الذي يخالف ظاهر العربيه التي بها نزل القرآن وكل باطن يدعيه مدع في كتاب الله عز وجل يخالف ظاهر كلام العرب الذي خوطبوا به فهو باطل لأنه إذا جاز لهم أن يدعوا فيه باطنا خلاف الظاهر جاز لغيرهم ذلك وهو ابطال للاصل وإنما زاغوا عن انكار القرآن ولاذوا بالباطن الذي تأولوه ليغروا به الغر3 الجاهل ولئلا ينسبوا إلى التعطيل والزندقه. يقال لحد الرجل والحد إذا حاد عن عن القصد وكان الأحمر فيما روى عنه أبو عبيد يفرق بينهما ويقول الحدث ما ريت وجادلت ولحدت جرت والالحاد في الحرم استحلال حرمته وقال شمر: اللحد واللحد حرف الشيء وناحيته وانشد للعجاج قلتان في لحدى ضفا منقور

_ 1 سورة فصلت، الآية 40، 2 سورة الإسراء، الآية 110، 3 غر الرجل غرارة، وغرة، جهل الأمور وغفل عنها فهو غر.

وقال ابن الأعرابي: قبر ملحد وملحود إذا كان خلاف الضريح وأنشد الأخطل أما يزيد فاني لست ناسيه ... حتى يغيبني في الرمس ملحود1 أي حتى يغيبني في التراب قبر ملحود. قال الفراء: ركيه لحود أي زوراء مماله عن جول الركية. ويقال: التحد الرجل إلى كذا إذا التجأ إليه والملجأ يقال له الملتحد. واما الكفر فله وجوه واصله مأخوذ من كفرت الشيء إذا غطيته ومنه قيل لليل كافر لأنه يستر الاشياء بظلمته وقيل للذي لبس درعا ولبس فوقه ثوبا كافر لأنه غطى درعه بالذي لبسه فوقها وفلان كفر نعمة الله إذا سترها فلم يشكرها وقال بعض أهل العلم الكفر على اربعة أوجه كفر انكار وكفر جحود وكفر معانده وكفر نفاق وهذه الوجوه الاربعه من لقى الله بواحد منها لم يغفر له. فاما كفر الانكار: فهو أن ينكر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} 2 أي كفروا بتوحيد الله وانكروا معرفته. وأما كفر الجحود: فانه يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه فهذا كفر جاحد ككفر ابليس وما روى عن اميه بن ابي الصلت وبلعم بن باعورا. وكفر المعاندة: هو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه ويأبى أن يقبل الايمان ككفر ابي طالب فانه قيل فيه آمن شعره وكفر قلبه أي كفر هو مثل قوله" ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير اديان البريه دينا لولا الملامه أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك مبينا وأما كفر النفاق: فان يقر بلسانه ويكفر بقلبه ككفر المنافقين.

_ 1 البيت في ديوانه 79، وغيره. والرمس: القبر. 2 سورة البقرة، الآية 6،

قال أبو منصور: ويكون الكفر بمعنى البراءه كقول الله عز وجل: حكاية عن الشيطان: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} 1 أي تبرأت وأما الكفر الذي هو دون ما فسرنا فالرجل يقر بالتوحيد والنبوه ويعقتدهما وهو مع ذلك يعمل اعمالا بغير ما انزل الله من السعي في الأرض بالفساد وقتل النفس المحرمه وركوب الفواحش ومنازعة الامر اهله وشق عصا المسلمين والقول في القرآن وصفات الله تعالى بخلاف ما عليه أئمة المسلمين واعلام الهدى والراسخون في العلم بالتأويلات المستكرهه واعتماد المراء والجدل واقصر قولي فيهم على هذا المقدار وآكل امرهم إلى الله عز وجل. وأما كفر الذي يعطل الربوبيه وينكر الخالق سبحانه وتعالى عما قالوا فانه يسمى دهريا وملحدا وإذا ارادوا معنى السن قالوا دهرى والذي يقول الناس زنديق فان أحمد بن يحيى زعم ان العرب لا تعرفه قال ويقال زندق وزندقي إذا كان بخيلا وروى عن عطاء انه قال كفر دون كفر وفسق دون فسق وظلم دو ظلم وهو كما قال. قال الشافعي: ولا يسبي للمرتدين ذرية، يعني صعار اولادهم واختلف أهل العربيه في تسميتهم ذريه فقال بعضهم اصلها ذرميه فترك فيها الميم وقال بعضهم اصلها فعليه من الذر لان الله تعالى اخرج الخلق من صلب آدم كالذر واشهدهم على انفسهم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} 2. قال بعض النحويين ذرية كان في الأصل ذروره على وزن فعلوله ولكن التضعيف لما كثر ابدلوا من الراء الاخيره ياء فصارت ذرويه ثم ادغمت الواو في الياء فصارت ذريه.

_ 1 سورة إبراهيم، الآية 22. 2 سورة العراف، الآية 172.

باب في الحدود

باب في الحدود قال الشافعي: إذا زنى وهو بكر وكان نضو الخلق ضرب باثكال النخل اتباعا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. الاثكال والعثكال والعثكول: هو العرجون الذي فيه أغصان الشماريخ التي عليها البسر والتمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها" 1. والجذمور والعرجون والاهان أصل عودها الذي يستقوس إذا عتق يشبه به الهلال إذا دق المتغتكل العذق ذو العثاكيل فأما المتيخه التي جاءت في الحديث أنه ضرب سكران بها فإن أحمد بن يحي ثعلبا روى عنه أنه روى عن أبي زيد أنه قال يقال للعصا المتيحة والمتيخة ومن رواها المنيحة فقد صحف. قال أبو منصور: وسمعت العرب تقول للسوط الملوى من القد عصا وربما سموا السيف عصا ويقولون عصيت بالسيف أي ضربت به واثبت لنا عن ابي عبيد عن الكسائي قال عصوته بالعصا يعني ضربته بها قال وكرهها بعضهم وقال عصيت بالعصا حتى قالوها في السيف تشبيها بالعصا وقال جرير: تصف السيوف وغيرهم يعصى بها ... يا ابن القيون وذاك فعل الصيقل2 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذا زنت امة احدكم فليجلدها ولا يثرب" 3. معنى التثريب التقريع والتوبيخ. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا قطع في ثمر ولا كثر" 4. اراد ثمر نخله غير محرزه بحائط حصين وكثر النخل جماره وهو الجذب أيضا وحريسة

_ 1 انظر: التلخيص الحبير 58/59. 2 البيت في ديوانه 447- الصاوي، واللسان العصا. 3 متفق عليه: أخرجه البخاري، ومسلم 1703/30 من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعا به. 4 إسناده ضعيف: أخرجه مالك وأحمد وأصحاب السنن من حديث رافع بن خديج وفيه سعد بن سعيد المقبري، ضعيف الحديث. انظر: التلخيص الحبير4/65.

الجبل ما سرق من سارحة ترعى في الجبل والمحترس السارق وهي الحرائس للشاء المسروقة. وقوله قطعت يده ثم حسمت. أي كويت بالنار حتى ينقطع الدم واصل الحسم القطع ومنه قول الله عز وجل: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} 1 أي متتابعه كما يتابع الكي على المقطوع حتى يحسم الدم وبعضهم يقول أن معنى الحسوم انها تحسمهم وتفنيهم وتقطع دابرهم وسيف حسام: أي قطع. وروى الشافعي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اتى بشارب فقال: "اضربوه" ثم قال: "نكتوه2" التنكيب: أن يقابل في وجهه بما يكرهه من الكلام ويقرع بابلغ لوم وتأنيب. قال وارسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى امرأه ففزعت فأجهضت ذا بطنها اجهضت أي ازلقت واسقطت وذو بطنها حملها. قال وإذا كانت برجل سلعة فأمر السلطان بقطعها فعليه القود في المكرة. السلعه نبرة تنتبر كالبعرة واكبر منها في رأس الإنسان وجسده وأما السلعة بفتح السين فهي الشجة. والاغلف والاعرم والاغرل والارغل الاقلف الذي لم يختن والجميع غلف وعرم وغرل ورغل وقلف ويقال عذر الغلام فهو معذور ويقال اعذر فهو معذر إذا ختن ويقال خفضت الجارية فهي مخفوضة والخفض الختان والخافضة الختانة والخفض الانحطاط بعد العلو والخفض العيش الطيب والمقام في الرفاهية وقوم خافضون إذا كانوا في دعة غير مسافرين وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم عطية: "اذا خفضت فاشمى فإنه أسرى للوجه" 3. أي اكشف وأنور، ويقال

_ 1 سورة الحاقة، الآية 7، 2 ضعيف: أخرجه الشافعي في مسنده ص 285، وغيره من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر والزهري لم يسمع منه. وانظر التلخيص الحبير 4/75. 3 صحيح: إنظر أبو داود 5271، وتحفة المودود 129- إصدار مكتبة القرآن، وكتاب العيال لابن أبي الدنيا.

للغلام إذا اشتكى حلقه فغمزت لحمة في لهاته قد عذر فهو معذور وذلك الوجع يقال له العذره وعذرة الغلام قلفته وللجاريه عذرتان احداهما ما تقطعه الخافضه من نواتها والاخرى موضع الخاتم من البكر والدغر غمز حلق المعذور وهو الاعلاق ايضا وقد جاء اللفظان معا في الحديث وهما شيء واحد. قال: "فإذا أصاب أهل البغي من المسلمين على نائره صمنوا ما اصابوا" والنائرة العداوة وهي الوتر والدعث والحسيفة والحسيكة والضبة والكتيفة1. ويقال جمل صول وجمال صول لفظ الواحد والجميع سواء إذا كان يصول على الناس فيأكلهم وهذا كما يقال رجل زور ورجال زور وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنيته ايدع يده في فيك تقضمها كأنها في فى فحل القضم العض بالثنايا فإذا كان بأقصى الاضراس فهو خضم يقال قضم يقضم قضما وخضم يخضم خضما. قال الشافعي: فان عض قفاه لم تنله يداه فنتر رأسه من فيه نتره: أي انتزعه وسله والعرب تقول ضرب هبر وطعن نتر ورمى سعر قال ابن السكيت معنى النتر أن يختلسه اختلاسا قال والهبر أن يلقي قطعة من اللحم بالسيف إذا ضربه بها قال فان بعج بطنه بسكين أي شقه بها والبعيج المشقوق وقد تبعج وتبزل إذا تشقق. وقال علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه في الذي قتل رجلا وادعى انه وجده يزني بامرأته إن جاء بأربعة شهداء والا فليعط برمته. يقول: إن اقام بينه على ما ادعى من زناه بها والا سلم إلى ولى المقتول حتى يقتله. قال ابن الانباري في قوله: والا فليط برمته أي يسلم إلى ولى المقتول في حبل قلده وقيد فيه إلى الولى حتى يقتص منه وأصل الرمة الحبل البالي يقلد بها البعير ثم صار مثلا للشيء يدفع بأصله وكليته ومنه قول ذي الرمة وبها سمى ذا الرمة:

_ 1 وكلها بمعنى الحقد والبغضاء والعداوة.

اشعث مضروب القفا موقود ... فيه بقايا رمة التقليد1 قال: ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل قد وضع عينه على ثقب باب داره وفي يده مدرى يحك بها رأسه. والمدرى: الحديدة التي يدري بها الشعر أي يسوى ويلوي بها الشعر ويحك بها الرأس ايضا ويشبه بها قرن البقره الوحشيه ويقال لها مدريه قال الشاعر: تتقى الريح بمدرية ... كالحماليج بأيدي التلام2 الحماليج منافخ الصاغة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البئر جبار والمعدن جبار والعجماء جرحها جبار" 3 فأما البئر فهي الركية العادية بالعلاء يطيح فيها الإنسان فيموت فدمه هدر باطل وكذلك المعدن ينهاد4 على حافره فيقتله فدمه هدروالعجماء البهيمه تنفلت فتصيب انسانا في انفلاتها فتقتله فدمه هدر. والنفش بالتحريك الفاء: أن ينتشر الابل بالليل فترعى وربما رعت مزارع الناس فأفسدتها وقد أنفشتها إذا أرسلتها ليلا ترعى وهي إبل نفاش قال الله عز وجل: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} 5 أى رعت في الحرث ليلا وأما النفش ساكن الفاء فهو نفش الصوف.

_ 1 انظر: ديوانه 155، والشعر والشعراء 438- 439 والسمط 1/81- 82 وهامشه. 2 البيت للطرماح يصف بقرة انظر: ديوانه 100، واللسان تلم، وتأويل مشكل القرآن 307، والمعاني الكبير 2/764، 791، ونوادر المخطوطات 1/223. التلام: أراد التلاميذ يعني: غلمان الصاغة والمدرية: القرون.. 3 متفق عليه: اخرجه البخاري ومسلم 3/1335، من حديث أبي هريرة مرفوعا به. 4 النهد: الشيء المرتفع. 5 سورة الأنبياء، الآية 78.

باب الجهاد

باب الجهاد قال عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} 1 أي ذو كره وإنما كرهوه على جهة غلظه عليه ومشقه لا انهم كرهوا فرض الله عز وجل وهو الكره والكراهه والكراهيه. قال الشافعي: في كتاب الجزيه: وليس للامام أن يجمر الغزى فان جمرهم فقد اساء ويجوز لكلهم خلافه والرجوع. واخبرني المنذري عن الصيداوي عن الرياشي قال إذا حبس الجيش عن النساء فقد جمروا وانشد وانك قد جمرتنا عن نسائنا ... ومنيتنا حتى نسينا الامانيا والا تدع تجميرنا عن نسائنا ... نعد لك اياما تشيب النواصيا قال أبو منصور: واصل التجمير أن يجمع الغزاه في الثغر ولا يؤذن لهم في القفول إلى اهاليهم وكل شيء جمعته فقد جمرته وجمرته ومنه جمرات منى وجمرات العرب وقد تقدم تفسيره والغزى جمع غاز مثل حاج وحجيج قال ومن كان من أهل الكتاب قوتلوا حتى يعطوا الجزيه عن يد وهم صاغرون قيل معنى عن يد أي عن ذل وقهر واستسلام كما يقال اعطى بيده إذا ذل واعترف بالانقياد وقيل عن يد عن قهر وذل كما تقول اليد في هذا لفلان أي الامر النافذ لفلان وقيل عن يد أي عن انعام عليهم بذلك لان قبول الجزيه وترك انفسهم نعمة عليهم ويد من المعروف جزيله وقيل عن يد أي يعطيها بيده ولا يتولى اعطاءها عنه غيره فان ذلك ابلغ في صغاره وقيل حتى يعطوا الجزيه عن يد أي عن جماعه لا يعفى عن ذي فضل منهم لفضله يقال المسلمون يد على من سواهم أي كلمتهم واحدة. قال الشافعي: ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابي عزه الجمحي على الا يقاتله فاخفره الاخفار نقض العهد والخيس به وهذا من اخفرت

_ 1 سورة البقرة، الآية 216.

بالألف إخفارا. فأما خفرت الرجل وخفرت به فمعناها أن يكون له خفيرا يمنعه وقال الهذلى: يحفرني سيفي إذا لم اخفر1 وتخفرت بفلان إذا استجرت به وسألته أن يكون لك خفيرا والخفير المانع ومنه قوله: من أن يضام خفير وقوله عز وجل: {إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ} وقال {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} 2 يعني يوم حربهم ونصب متحرفا ومتحيرا على الحال معناه أن يتحرف لان يقاتل مستطردا وهو إذا رأى فارسا تعمد أن يستطرد له متحرفا عن قتاله لكي يتبعه فيجد فرصه فيكر عليه ومتحيزا إلى فئه أي الا أن يكون منفردا فينحاز مع فئه وحيزهم أي ناحيتهم والاصل في متحيز متحيوز فقلبت الواو ياء ثم أدغمت في الياء. قال الشافعي: وعقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم احد فاكتسعت به فرسه فسقط عنها فرأى ابن شعوب حنظله فقتله واستنقذ ابا سفيان فقال أبو سفيان: فلو شئت نجتنى كميت رحيله ... ولم احمل النعماء لابن شعوب وعقر به: أي عرقب به دابته فأكسعت أي ركبت عرقوبي رجليها راجعة وراءها يقال كسعه إذا ضرب مؤخره فاستنفذ أبا سفيان أي نجاه وخلصه والكميت الرحيله التي لا تخفى لصلابة حوافرها والنعماء انعامه عليه باستنقاذه. وقتل دريد بن الصمة في شجار. الشجار والمشجر مركب النساء دو ن الهودج. وقوله: "وهم يد على من سواهم"3 يعني المسلمين يقول: جميعا

_ 1 عجز بيت لأبي جندب الهذلي وصدره: ولكنني جمر الغضا من ورائه. والبيت في ديوان الهذليين 3/91، وشرح أشعارهم 358، واللسان خفر. 2 سورة الأنفال، الآية 16. 3 جزء من حديث صحيح: أخرجه ابن حبان عن ابن عمر، وعن غيره. انظر: التلخيص الحبير 4/118 برقم 1902.

كلهم كلمتهم ونصرتهم واحدة على جميع الملل المحاربة لهم ويتعاونون على ذلك ويتناصرون ولا يخذل بعضهم بعضا. وقوله: "ويسعى بذمتهم أدناهم" الذمه ها هنا الامان يقول إذا اعطى الرجل منهم العدو امانا جاز ذلك على جميع المسلمين ليس لهم أن يخفروه وان كان الذي امنهم ادناهم أي اخسهم مثل أن يكون عبدا أو امرأه والدنيء الخسيس الدون من الناس. وقال رجل من الانصار للنبي صلى الله عليه وسلم مالي إن قتلت صابرا محتسبا قال: "الجنه" فانغمس في العدو فقتلوه1. قوله: صابرا محتسبا أي لا افر واصابر محتسبا أي طالبا للثواب وللاجر يقال فلان يحتسب كذا أي يطلبه ويريده. وقوله: فانغمس في العدو أي تخلل جماعتهم وتغيب فيهم كما ينغمس الإنسان في الماء أي يغيب فيه والعدو جمع ها هنا. قال: وعار لابن عمر فرس فأحرزه المشركون عار: أي ذهب وانفلت وركب رأسه ويقال سمى العير عيرا لذهابه في الفلاه متوحشا لا يلوى على شيء وقيل سمى عيرا لنتوئه على وجه الأرض ومنه قيل لبؤبؤ العين2 عير لأنه لا يكاد يهدأ ومنه قيل للغلام الذي خلع عذاره وذهب حيث شاء عيار ومنه قولهم قبل عير وما جرى أي قبل طرف العين وجريه أي وجريه في النظر وفرس معار إذا كان مضمرا وذلك انه ركب حتى عار أي ذهب وجاء فضمر وقال الشاعر: اعيروا خيلكم ثم اركبوها3 أى ضمروها ثم اركبوها، وأنشد ثعلب والمبرد:

_ 1 حسن: أخرجه أحمد 4/350، وغيره من حديث محمد بن عبد الله بن جحش وسنده حسن. 2 بؤبؤ العين: وسطها وهو ما يتحرك داخل العين. 3 بلا نسبة في اللسان عير.

وجدنا في كتاب بني تميم ... احق الخيل بالركض المعار1 قال ثعلب اختلف الناس في المعار فقال بعضهم هو الفرس المحذوف الذنب وقال بعضهم هو المضمر المقدح وقال ابن الاعرابي هو من العاريه وقال بعضهم هو السمين. قال الشافعي: وإذا سبى الطفل وليس معه ابواه فهو مسلم قال: ومن عتق منهم فلا نورث حميلا الا أن تقوم بنسبه بينه من المسلمين. يقول: هذا الطفل إذا سبى دون ابويه إذا عتق فجاء رجل فادعى انه نسيبه لم يورث المدعي منه دون بينه يقيمها لأنه حميل أي محمول النسب ومولاه الذي اعتقه احق بميراثه ممن ادعى بينه وبينه قرابه وقال الكميت في الحميل وجعله بمنزلة الدعى: علام نزلتم من غير فقر ... ولا ضراء منزلة الحميل؟ 2 يعاتب قضاعه في تحويلهم إلى اليمن بانسابهم انزالهم انفسهم منزلة الادعياء.

_ 1 البيت للطرماح كما في اللسان عير، وخالف ابن بري من قال هذا فقال: هذا البيت يروى لبشر بن أبي خازم اهـ، والصواب أنه لبشر وهو في قصيدة له المفضليات ص676 بشرح ابن الأنباري ومع ذلك وضعه محقق ديوان الطرماح في ملحق الديوان 573. وانظر الكتاب 2/65، وشرح أبياته لابن السيرافي 2/323. 2 انظر: اللسان حمل.

باب في المبارزة

باب في المبارزة وقال الشافعي- رحمه الله -: فان بارز مسلم مشركا على الا يقاتله غيره وفي له بذلك فان ولى عنه المسلم أو جرحه فاثخنه أي تركه رقيدا لا حراك به مجروحا لا يقوم هذا معنى الاثخان. قال: ولا يقتل مبارز المشركين الا أن يستنجدهم أي يطلب معونة المشركين على المسلمين يقال استنجدني فانجدته أي استعان بي فاعنته. قال الشافعي: ولما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى هوازن واموالهم جاءت هوازن وكلموه وسألوه أن يمن عليهم وقالوا انا لو كنا ملحنا من نأى نسبه عنا لنظر لنا وانت احق المكفولين فخيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بين السبي والمال فقالوا خيرتنا بين احسابنا واموالنا فنختار احسابنا1. أما قوله: لو كنا ملحنا فمعناه ارضعنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم مسترضعا في هوازن فدكروه حق الملح وهو الرضاع فأجابهم إلى ما طلبوا. وقوله: انت احق المكفولين أي احق من كفل في صغره وارضع وربى حتى يشأ قال الله عز وجل: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} 2 أي يقوم بأمرها وقوله خيرتنا بين احسابنا واموالنا فاخترنا احسابنا فالاحساب جمع الحسب وهو مأثرة الرجل وما يعد من مكارمه سمى ذلك حسبا لان المفاخر منهم إذا ذكر مفاخره عدها فالحسب بمنزلة المحسوب كالعدد بمنزلة المعدود كالخبط والنفض بمنزلة المخبوط والمنفوض وكان في السبي اطفال

_ 1 صحيح: أخرجه البخاري 2/62- 63، وأحمد 4/326، وأبو داود 2693. عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة. 2 سورة آل عمرآن، الآية 44.

اولادهم وحرمهم ولو اختاروا اموالهم عليهم لعيروا بذلك فعدوا استنقاذهم من الاسار مفخرا لهم ومأثره تحسب لهم ولذلك قالوا نختار احسابنا على اموالنا. وقال ابن السكيت الحسب والكرم يكونان في الرجل وان لم يكن له آباء لهم شرف ورجل حسيب كريم بنفسه وقال والمجد والشرف لا يكونان الا بالاباء يقال رجل شريف ورجل ماجد له آباء متقدمون في الشرف ويقال افعل ذلك على حسب ذلك أي على قدر ذلك. قال الشافعي: انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله عز وجل محمد صلى الله عليه وسلم فدانت دين أهل الكتاب فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزيه من اكيدر دومه وكان من كنده ومن أهل نجران وفيهم عرب. معنى انتوت أي انتقلت من باديتها إلى أهل القرى فدانت بدين أهل القرى من اليهوديه والنصرانيه فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم منهم الجزيه وتركهم على دينهم كما ترك أهل التوراه والانجيل من بني اسرائيل قال الأزهري دومه ودومه لغتان1. قال وان آوى أهل الجزيه عينا للمشركين في بلاد المسلمين أي طلعيه لهم وحاسوسا يتجسس الاخبار ليؤديها اليهم والهدنه والهدون السكون وإذا سكنت الفتنه بين2 فريقين كانا يقتتلان على شرط تراضيا به ومدة جعلا لها غايه على الا يهيد واحد منهم صاحبه فذلك المهادنه واصله من الهدون وهو السكون. قال الشافعي: وان ظهر من مهادنين ما يدل على خيانتهم نبذ اليهم عهدهم وابلغهم مأمنهم ثم هم حرب. قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} 3 ومعنى الآية والله اعلم يقول اذا

_ 1 بفتح الدال عند أهل الحديث وبضمها عند أهل اللغة. 2 فراغ مقدار كلمتين. 3 سورة الأنفال، الآية 58.

كان بينك وبين قوم من المشركين مهادنه وعهد إلى مدة فخفت خيانتهم أي نقضهم العهد فلا تسبقهم انت إلى مثل ما ارادوا من الغدر ولكنك تنبذ اليهم عهدهم وتعلمهم أن لا عهد بينك وبينهم فإذا استويتم في علم نقض العهد فحينئذ إن اردت الايقاع بهم فعلته. قال ولما نزل النبي صلى الله عليه وسلم المدينه وادع يهود كافه على غير جزيه. أي هادنهم على الا يؤذوه ولا يؤذيهم ويتركهم ودينهم ويتركوه واصل الموادعه من قولك ودع يدع إذا سكن ووادعته فاعلته من السكون مثل هادنته ورجل وادع ساكن رافه والدعه الرفاهيه وفرس وديع ومودع إذا اعفى ظهره عن الركوب وقال ذو الاصبع العدواني: اقصر من قيده واودعه ... جتى إذا السرب ريع أو فزعا 1 قال الأزهري والمهاوده مثل الموادعه ايضا والسرب ما رعي من المال

_ 1 انظر: اللسان ودع.

باب الصيد والذبائح

باب الصيد والذبائح ... ما جاء في الصيد والذبائح قال الشافعي: وكل معلم من كلب وفهد ونمر فكان إذا اشلى استشلى وإذا اخذ حبس ولم يأكل فهو معلم. معنى اشلى أي دعى واستشلى أي اجاب كأنه يدعوه للصيد فيجيبه ويعدو على الصيد قال أبو عبيد اسدت الكلب ايسادا أي هيجته واغريته واشليته دعوته قال الشاعر: اشليتها باسم المراح فأقبلت ... رتكا وكانت قبل ذلك ترسف1 يصف ناقة دعاها فأقبلت نحوه يقال رتك يرتك رتكا إذا اسرع وروى اعن ابن عباس انه قال كل ما اصميت ودع ما انميت الاصماء أن يأخذه الكلب بعينك وانت تراه يصيده وينيب فيه ويسيل دمه فتلحقه وقد قتله فهذا يؤكل والاصل في الاصماء من الصميان وهو السريع الخفيف والمعنى كل ما قتله كلبك وانت تراه ومعنى ما انميت أي غاب عن عينك ولم تره فلست تدري أمات بصيدك أو عرض له عارض اخر فقتله يقال نمت الرميه إذا مضت والسهم فيها وانميتها انا. وقال الحارث بن وعله: قالت سليمى قد غنيت فتى ... فالان لا تصمى ولا تنمى قال أبو منصور: قوله: قد غنيت فتى قد عشت حدثا تصمى إذا رميت أي تقتل على المكان والان قد شخت فليس فيك اصماء للصيد ولا انماء والانماء أن يرمي الصيد فيغيب عن عينه ثم يدركه ميتا. وقول الله عز وجل: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} 2 أي الا ما ادركتم ذكاته من هذه التي وصفتها ومعنى التذكيه: أن يدركها وفيها بقية تشخب معها الاوداج وتضطرب اضطراب الذي ادركت ذكاته.

_ 1 البيت في اللسان شلا لحاتم الطائي وليس في ديوانه الذي بين يدي. 2 سورة المائدة، الآية 3.

وأصل الذكاء في اللغة تمام الشيء وكماله، ومن ذلك الذكاء في السن والفهم تمامها وفرس مذك إذا استتم قروحه وذلك تمام قوته ورجل ذكي أي تام الفهم سريع القبول وذكيت النار اتممت وقودها وكذلك قوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} أي ذبحتموه على التمام. وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: "انا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى فبأي شيء نذبح"؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "انهروا الدم بما شئتم الا الظفر والسن وسأحدثكم أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبش" 1. وفي حديث عدي انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم انا نصيد الصيد ولا نجد ما نذكي به الا الظرار2 فقال "امر الدم بما شئت" 3. وقال ابن عباس كل ما افرى الاوداج غير مثرد4. فاما قوله: انهروا الدم بما شئتم فمعناه سليوه حتى يجري كالنهر الذي يجري فيه الماء ومعناه قطع الاوداج والمبالغه في استيعاب قطعها وكل شيء وسعته فقد انهرته ومنه قول الشاعر يصف طعنة: ملكت بها كفى فانهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها5 والسن والظفر كل سن وكل ظفر كانا منزوعين أو غير منزوعين لا يجوز الذكاة بهما والظرار واحدتها ظرر وهو حجر محدد صلب ويجمع الظرر ظرانا ومنه قول لبيد بن ربيعة: بجسره تنجل الظران ناحية ... اذا توقد في الديمومة الظرر

_ 1 متفق عليه: من حديث رافع بن خديج، وانظر إرواء الغليل برقم 2522. 2 الظرار: حجر مضرس له حد كحد السكين. واحدته ظرة. 3 حسن لغيره: أخرجه أبو داود 2824، والنسائي، وابن ماجه 3177، وغيرهم، وانظر المصدر السابق 8/166. 4 الثرد: الذبيحة ذبحها بحجر أو عظم أو حديدة غير حادة فقتلها من غير أن يقطع أو داجها. 5 البيت لقيس بن الخطيم 3، وديوان المعاني 2/51، وتأويل مشكل القرآن 174، وحماسة أبي تمام بشرح التبريز 1/178، وبشرح المرزوقي 1/184، والبحر المحيط 8/184، واللسان نهر، وغيرها. وفي الديوان: ترى قائما من خلفها بدلا من: يرى قائم من دونها.

وقوله: امر الدم بما شئت أي سيله واجره ومنه قيل مريت الناقه فانا امريها إذا مسحت ضرعها ليدر ومن روى امر الدم فمعناه اجعله كاللبن المرى تشخب إذا حلبت وقد رواه بعضهم امر الدم بما شئت أي اجره واسله يقال مار يمور مورا إذا جرى وسال وامرته انا وقال: سوف تدنيك من لميس سبنتا ... امارات بالبول ماء الكراض1 الكراض: جمع الكرضه وهي حلقة الرحم للناقه والسبنتي: النمر والسبنتاء: الجزية. قال: ان الذي مارت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد2 يقول كل الذين قتلوا بفلج وفلج قريه من قرى اليمامه ومارت دمائهم أي سالت على الأرض من كثرتها يقال: امرت الدم اميره أي اسلته فمار أي سال. وقوله: هم القوم كل القوم هذا تعجب من كرمهم وفضلهم وقوله الذي معناه الذين وقوله: كل ما افرى الاوداج غير مثرد يقول كل شيء من الظرار وشقة العصا إذا افرى الاوداج اي شقها وسيل دمها فهو غير مثرد والمثرد ما قتل بثقله وهشمه ولم يقتل بحده وشقه يقال افريت الثوب وغيره وإذا شققته وافريت الجلد إذا شققته تشقيقا ليس على وجه الصلاح والتقدير فإذا قدرت وقطعت على وجهه الصلاح فقد فريت وقال زهير: ولأنت تفرى ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفرى3

_ 1 البيت للطرماح كما في ديوان 81، والكامل 1/167، واللسان كرض، وغيرها كثير. 2 البيت لأشهب بن رميلة، كما في اللسان فلج والمؤتلف والمختلف للآمدي 38، ومجاز القرآن 2/190، والبيان والتبيين 4/55، وسمط اللآئي 1/35، والخزانة 2/508، وتأويل مشكل القرآن 361، والكتاب 1/69، وشرح شواهد المغني 2/517، وغيرها كثير. وبعده: هم ساعد الدهر الذي يتقي به وما خير كف لا ينوء بساعد 3 البيت في ديوانه 88، ومختارات ابن الشجري 2/10، والكتاب 2/289، 300، وشرح أبياته للنحاس 188، وتأويل مشكل القرآن 507، والصناعتين 386، والحيوان 3/383، وتفسير الطبري 18/9، والبحر المحيط 1/93، 2/465، واللسان فرا، وغيرها كثير.

خلقت: قدرت يقول: إذا قدرت شيئا سويته ثم قطعته وغيرك لا يفعل كذلك. قال: ولو وقع الصيد على جبل فتردى عنه كان مترديا لا يؤكل. والتردي: أن يقع من رأس جبل أو يطيح في بئر واصله من رديت أي رميت اردى رديا. والمداة: حجر يرمى به ويكون تردى بمعنى هلك، من ردى يردى ردى، والمترديه في القرآن من رديت أي طرحت فتردى أي سقط، والموقوذة والوقيذة التي تقتل بشيء ثقيل مثل الحجر المدملك والعصا الضخمه.

باب الضحايا

باب الضحايا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "انه ضحى بكبشين املحين واقرنين" 1. قال أحمد بن يحيى: قال ابن الاعرابي الاملح: الأبيض النقي البياض قال وقال أبو عبيده الاملح: الأبيض الذي ليس بخالص البياض فيه عفره قال الاصمعي: والاملح الأبيض بسواد رواه أبو نصر عنه قال ثعلب والقول ما قاله الاصمعي قال واخبرني عمرو بن ابي عمرو عن ابيه قال الاملح الاعرم وهو الابلق بسواد وافق الاصمعي. قال أبو منصور: وروى أبو عبيد قال قال الكسائي وابو زيد الاملح: الذي فيه بياض وسواد ويكون البياض أكثر وانشد: لكل دهر قد لبست اثوبا ... حتى اكتسى الرأس قناعا اشيبا املح لا لذا ولا محببا2 قال الشافعي: - رحمه الله - والعفراء أحب إلى من السوداء أراد بالعفراء البيضاء. وروى عن عمر رضي الله عنه انه قال: لا تعجلوا الانفس أن تزهق ونهى عن النخع أراد بالانفس ها هنا الارواح التي بها تكون حركة الحيوان واحدها نفس وزهوقها خروجها من الابدان وذهابها يقال زهقت نفسه تزهق زهوقا وزهق فلان بين ايدينا يزهق إذا سبقنا وزهق الدابه إذا سمن مثله وليس في شيء منها زهق. وأما النخع فهو قطع النخاع وهو الخيط الأبيض الذي مادته من الدماغ في جوف الفقار كلها إلى عجب الذنب وإنما تنخع الذبيحه إذا أبين رأسها

_ 1 متفق عليه: من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وانظر: الإرواء 1137. 2 الأبيات ضمن أبيات عديدة في مجالس ثعلب 2/371- 372، والأشطار لمعروف ابن عبد الرحمن، وانظر مجالس ثعلب، بتحقيق العلامة عبد السلام هارون – طبعة دار المعارف.

فان ذبحت من قفاها فهي القفينه1. قال الشافعي: وإن ولدت الضحيه لم يشرب من لبنها الا الفضل عن ولدها وما لا ينهك لحمها النهك أن يبلغ منه فقده لبن امه مبلغا يهزله وينضيه2، والعقيقه: التي تذبح عن المولود سميت عقيقه باسم عقيقه شعر المولود الذي يكون على رأسه حين يولد وإنما سميت الذبيحه عقيقه لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند ذبحها ولذلك جاءت في الحديث: اميطوا عنه الاذى3. يعني بالاذى ذلك الشعر الذي امر بحلقه وهذا من تسميه العرب الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه وقال زهير يذكر حمارا وحشيا: اذلك أم اقب البطن جأب ... عليه من عقيقته عفاء4 ويروى فراء وقال امرؤ القيس ايا هند لا تنكحي بوهة ... عليه عقيقته احسبا5 يعني شعره الذي ولد وهو على رأسه تركه لحمقه فلم يحلقه، والاحسب الذي في لون شعره حمره تضرب إلى البياض. وروى الشافعي في حديث العقيقه عن أم كرز قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اقروا الطير على مكناتها" 6. أراد بمكانتها امكنتها التي تجثم

_ 1 القفينة: الشاة أو الناقة تذبح من قفاها. 2 النضو: المجهد والمهزول من الحيوان. 3 صحيح: أخرجه احمد 4/18، 214، وأبو داود 2839، والترمذي والبيهقي 9/ 299، وغيرهم من حديث سلمان بن عامر الضبي، وانظر الأرواء برقم 1171. 4 البيت في دوانه صفحة 39، وغيره، الشتيم: الكريه الوجه، والجأب: الغليظ، والعفاء: الشعر والوبر، والمعنى: أذلك الظليم تشبه ناقتي أم غير شتيم الوجه؟ 5 تقدم الكلام عليه. 6 صحيح: أخرجه أحمد 6/381، والحميدي برقم 347، والطحاوي في مشكل الآثار 1/343. من طرق عن سفيان بن عيينة، وهذا في جزئه برقم 22- بتحقيقي- طبعة دار الصحابة. وانظر الكلام عليه في جزء سفيان.

عليها بالليل وكانت العرب أهل زجر وطيره فإذا غدا احدهم فمر بجاثم الطير1 اثارها يزجر اصواتها يستفيد منها ما يمضي به في حاجته أو ينصرف عنها وهذا هو الطيره المنهى عنها فنهوا أن يتطيروا وامروا أن يقروا الطير على مجاثمها وقال ابن الاعرابي فيما روى الطوسى عنه نزل القوم على سكناتهم ومكناتهم ونزلاتهم أي على مكانهم وهذا احسن مما ذهب إليه أبو عبيد أن المكنات بيضها وان اصلها للضباب فاستعيرت في الطير. قال الشافعي: وتترك العرب اللحكاء والعظاء والخنافس فلا تأكلها. قال أبو منصور: فأما اللحكاء فهي دويبه كأنها سمكه تكون في الرمل إذا رآها الإنسان غاصت في الرمل وتغيب فيه والعرب تسميها بنات النقا لسكونها نقيان الرمال وتشبه انامل الجواري بها للينها ومنه قول ذي الرمه: بنات النقى تخفى مرارا وتظهرا قال أبو منصور: وسمعت الاعراب يسمونها الحكأه واللحكه والحلكه ولغة الشافعي اللحكاء وكأنها لغة أهل الحجاز. واما العظاء فهي هنيه ملساء تعدو وتتردد كثيرا تشبه سام ابرص الا انها لا تؤذي وهي احسن منه. وقال وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الضب مشويا فعافه أي لم تطب نفسه لاكله لأنه قذره لا من جهة التحريم.

_ 1 جاثم الطير: أي لزم الطير مكانه، أو لصق بالأرض.

باب في السبق والرمي

باب في السبق والرمي النضال في الرمي والرهان في الخيل والسباق يكون في الرمي في الخيل والسبق مصدر سبق يسبق سبقا والسبق محرك الباء الشيء الذي يسابق عليه. وحكى ثعلب عن ابن الاعرابي قال السبق: والخطر والندب والقرع والوجب كله الذى يوضع في النضال والرهان فمن سبق أخذه قال ويقال فيه كل فعل مشددا إذا اخذ يقال سبق إذا اخذ السبق وسبق إذا اعطى السبق قال وهذا من الاضداد وهو نادر وقال يعقوب بن السكيت فيما اخبرني المنذري عن ابي شعيب الحراني عنه الندب الخطر وانشد لعروه بن الورد: ايهلك معتم وزيد ولم اقم ... على ندب يوما ولي نفس مخطر1 ورجل ندب إذا كان خفيفا فيما ينتدب له من الحوائج الاول محرك وهذا مخفف والندب ايضا مصدر ندبت القوم للنهوض اندبهم ندبا في غزو أو مهم فانتدبوا انتدابا وأما صفة السهام التي ترمي بها فهي الخاسق والخازق وهما معا المقرطس الذي إذا اصاب القرطاس أو الشن خزقه أي ثقبه والخزق الثقب ويقال خذق الطائر ومرق إذا رمى بذرقه خذق بالذال لا غير وأما الحابي من السهام فهو الذي يقع على الأرض ثم يزحف إلى الهدف يقال حبا الصبي يحبوا حبواوزحف يزحف زحفا اول ما يتحرك على استه وبطنه فإذا مشى على رجله اول ما يمشي فهو دارج ومنه قوله: يا ليتني علقت غير خارج ... أم صبي قد حبا ودارج2 فاذا اصاب السهم القرطاس أو الشن المنصوب فنفذ منه ومضى ولم يؤثر فيه فهو صادر وجمعه صوارد وجمع الحابي جواب كما يرى وقد صرد السهم يصرد صردا واصردته انا والصرد الطعن النافذ وقال المنقرى:

_ 1 البيت في افصلاح 44، وتهذيبه 1/128، واللسان ندب وخطر، وغيرها. ومعتم وزيد: قبيلتان، يقول في هذا البيت: أتهلك هاتان القبيلتان ولم أخاطر بفسي في الحرب من أجلها وأنا ممن يصلح لذلك يوبخ نفسه بذلك. 2 الشطران بلا نسبة في اللسان درج.

فما بقيا على تركتماني ... ولكن خفتما صرد النصال1 وأما الطامح والقاحز من السهام فهو الذي يشخص عن كيد القوس ذاهبا في السماء يقال لشد ما فحز سهمك وشخص فإذا لم يجيء صاعدا قيل جاء سهمه قاصدا داقا والخاصل الذي قد اصاب القرطاس وقد خصله إذا اصابه وكان ابن عمر رضي الله عنه يرمي فإذا اصاب خصله قال انا بها أي انا صاحبها وراميها والخصله الاصابه في الرمي يقال خصلت مناضلي اخصله خصلا وخصالا إذا نضلته وسبقته وقال الكميت يمدح رجلا: سبقت إلى الخيرات كل مناضل ... واحرزت بالعشر الولاء خصاله2 واخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الاعرابي قال المعظعظ السهم الذي يميل يمينا وشمالا قال أبو منصور: وهو الصائف ايضا يصيف عن الهدف يمينا وشمالا وأما المعصل فهو الذي يلتوي إذا رمى به والعصل السهام المعوجه واحدها اعصل وقال لبيد: فرميت القوم رشقا صائبا ... ليس بالعصل ولا بالمقتعل3 والرشق الوجه من السهام ما بين العشرين إلى والثلاثين يرمى بها رجل واحد والرجلان يتسابقان وأما الرشق فهو الرمي نفسه يقال رشقت رشقا أي رميت رميا وما ارشق هذه القوس أي ما اخفها قال ابن شميل وسهم زاهق إذا رمى فجاوز الهدف من غير أن اصابه وسهام زواهق والحائص الذي يقع بين يدي الرامي قاله الاصمعي وابو زيد

_ 1 البيت في الوحشيات لأبي تمام 63، وطبقات الجمحي 2/403، وطبقات ابن قتيبة 1/407، وجالس ثعلب 2/587، والخزنة 1/531، والحيوان 1/256، واللسان صرد وفيه يخاطب جريرا والفرزدق. 2 البيت في اللسان خصل منسوبا إليه. 3 البيت في ديوانه 16، والإصلاح 9، وتهذيبه 1/58، وشرح مقامات الحريرى 2/195، واللسان عصل، وغيرها.

ويقال للسهم إذا التوى في الرمي عاصد ايضا وقد عصد والعصد اللوى. والدابر: الذي يخرج من الهدف وقد دبر يدبر دبورا وهو المارق ايضا وجمعه موارق قال: مرق السرا من هدف النصال وواحد السراء سروه وسروه والسراء نصال دقاق يرمى بها الاهداف والاغراق والطرح في الرمي أن يبالغ الرامي في تمغيط1 القوس ومد وترها حتى يبعد السهم عن الهدف يقال نزع السهم في قوسه فاغرق وقوس طروح يجاوز نفوذ السهم عنها المقدار والطرح البعد قال الاعشى: وترى نارك من ناء طرح2 والطرح اخذ من الطرح لا من طرح الشيء والهدف ما رفع وبنى من الأرض والقرطاس ما وضع في الهدف ليرمى والغرض ما نصب في الهواء ويقال نفس قوسه إذا حط وترها وحظرت قوسه إذا شد توتيرها وسمي القرطاس هدفا وغرضا على الاستعاره والمرتدع الذي اصاب الهدف وقوله انفضخ عوده أي انشدخ وتكسر وانشق والخارم الذي يصيب طرف القرطاس فلا يثقبه ولكن يخرق الطرف ويخرمه وهو غير الخاسق. قال الشافعي: ولا بأس أن يصلي متنكبا القوس والقرن". وتنكب القوس تعليقها في المنكب والقرن الجعبه المشقوقه وقال: فكلهم يمشي بقوس وقرن وانما تشق لتصل الريح إلى الريش فلا يفسد ويقال للفرس الذي يسبق في الرهان سابق واقل سبقه أن يسبق بهاديه وهو عنقه والذي يلي السابق يسمى مصليا لأنه جاء ورأسه عند صلوى السابق وصلوله ما عن يمين ذنب

_ 1 يقال: مغط الرجل القوس: إذا مدها بالوتر. 2 عجز بيت له وصدره كما في اليوان 90: تبني المجد، وتجتاز النهى من كلمة قالها في مدح إياس بن قبيصة الطائي.

السابق وشماله ويقال للذي يجيء آخر الخيل السكيت والسكيت وهو الفسكل والفسكول وقال الاخطل: أجميع قد فسلكت عبدا تابعا ... فبقيت أنت المفحم المكعوم1 قوله أجميع يريد يا جميع فسكلت أي أخرت فكنت تابعا لا متبوعا والمفحم الذي لا يقول الشعر والمكعوم الذي قد شد فمه بالكعام2 والنشاب السهم الذي يرمي به عن القسى الفارسيه والنبال التي يرمى بها عن العربيه. وأما الحسبان فقد فسرتها في كتاب الوصايا والمحاطه: في الرمي أن يشترط الراميان المتناضلان عشرين خاسقا في ارشاق معلومه فكلما رميا رشقا حسب خاسق كل واحد منهما فلأيهما كان الفضل حسب وحط خاسق من قصر عنه وان استويا طرح جميع ما اصابا واستأنفا رشقا آخر على أن يحط صائب المقصر عن الذي له الفضل فلا يزالان كذلك يرميان رشقا بعد رشق حتى يحصل لصاحب الفضل عشرون خاسقا. وأما المبادره: فان ينتضلا في رشق معلوم بينهما ويقولا اينا اصاب الهدف بعشرة فقد سبق صاحبه وذلك في قرع معلوم بينهما قد استبقا عليه.

_ 1 البيت في ديوانه 309، واللسان فسكل وغيرها وجميع: رجل من كلب. 2 الكعام: ما يجعل على فم الحيوان لئلا يعض أو يأكل.

باب في الأيمان والنذور

باب في الإيمان والنذور سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحلف بأبيه فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" 1 فقال عمر والله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا. آثرا أي محدثا عن غيره حاكيا عنه انه قال وابي يقال أثرته آثرته أثرا إذا حدثت قال الاعشى: ان الذي فيه تماريتما ... بين للسامع والآثر2 بين أي تبين وقوله حنث في يمينه قال ابن الاعرابي الحنث الرجوع في اليمين ومعنى الرجوع في اليمين أن يفعل غير ما حلف عليه أن يفعل وقال ابن الاعرابي والحنث الادراك والبلوغ يقال بلغ الغلام الحنث وإنما أصل الحنث الاثم والحرج وما لم يبلغ لم يكتب عليه الاثم فلذلك قيل بلغ الحنث قال والحنث الميل من باطل إلى حق أو من حق إلى باطل يقال حنثت أي ملت إلى هواك علي وقد حنثت أي ملت مع الحق على هواك قال ويقال فلان يتحنث أي يتعبد ومعناه انه يلقى الحنث وهو الاثم عن نفسه بعبادته قال الشافعي: فان قال لعمر الله فان لم يرد بها يمينا فليست بيمين عمر الله بقاؤه ولا يجوز ضم العين لأنه لم يجى عن العرب الا مفتوحا وإنما يجعله يمينا لأنه يحتمل أن يكون أراد لبقاء الله دائم ويجوز أن يذهب بالعمر إلى العباده فيقول لعبادة الله واجبه وقال أبو عبيد سألت الفراء لم ارتفع لعمر الله ولعمرك فقال على اضمار قسم ثان به كأنه قال وعمر الله فلعمره عظيم وكذلك لحياتك.

_ 1 متفق عليه: من حديث ابن عمر انظر: الإرواء 2560. 2 البيت في ديوانه 189، واللسان أثر من كلمة له في هجاء علقمة بن علاثة ومدح عامر بن الطفيل.

قال وصدقة1 الأحمر قال والدليل على ذلك قول الله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} 2 كأنه قال والله ليجمعنكم فأضمر القسم قال أبو منصور: وعلى هذا المعنى جعل الشافعي لعمر الله يمينا إذا نوى به اليمين والاستثناء في اليمين ردها بمشيئة يشترطها ولا يعلم اشاء الله أم لا فيسقط اليمين بها واصل الاستثناء من قولك ثنيت وجه فلان إذا عطفته وصرفته وثنى فلان وجوه الخيل إذا كفها وردها والثنيا والمثنويه اسمان مبنيان من ثنيت أي صرفت ورجعت قال الله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} 3 الا معناه التنبيه ومعنى يثنون صدورهم أي يسرون عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك انهم يسترون ما يضمرونه ويغطونه فكأنهم قد ثنوه أي ردوه عن ضميرهم بالظاهر الذي اظهروه من الاسلام وهم كاذبون وقد تكون الثنيه بمعنى الاستثناء والثني والكف والرد والمنع واحد معناها. قال الشافعي: فان غبي عنا حتى مضى الوقت حنث. معنى غبى ثفى يقال غبيت الشيء وغبى الشيء إذا اخفى عليك امره وغبى فلان رأسه إذا احفى حره واستأصله والتغابي بمنزلة التغافل وان لم يكن غافلا والغباوه الغفله. وتكفير اليمين: تغطية ذنبها بالكفاره وهي الطعام أو الكسوه أو العتق أو الصيام سميت كفاره لانها تكفر الاثم أي تستره وتغطيه ومن هذا قيل للاكار كافر لأنه يكفر البذر أي يغطيه بالتراب وقيل لليل كافر لأنه يكفر الاشياء بظلمته. قال الشافعي: وان حلف لا يسكن بيتا وهو بدوي أو قروي ولا نية له فاي بيت من أدم أو شعر أو خيمه أو بيت حجاره أو مدر أو ما يقع عليه اسم بيت سكنه حنث.

_ 1 فراغ بالأصل. 2 سورة النساء، الآية87. 3 سورة هود، الآية 5.

اخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الاعرابي قال الخيمه لا تكون الا من اربعة اعواد ثم تسقف بالثمام ولا تكون الخيمه من ثياب والمظله وقال غيره المظله تكون من ثياب قال والخباء بيت صغير من صوف أو شعر فإذا كان اكبر من الخباء فهو بيت ثم مظله وإذا كان بيتا ضخما من شعر فهو دوح فإذا كان من أدم فهو طراف قال ابن السكيت الخيام اعواد تنصب تجعل ابرد من الاخبيه قال أبو منصور: الخيام تكون للعبيد والاماء وربما سويت للروايا تظلل بها والنواطير يسوونها ويتظللون بها ويراعون الثمار من اخصاصها قال: ولوحلف لا يأكل خبزا فماثه فشربه لم يحنث. ماثه أي مرسه في الماء ثم شرب الماء وكذلك ميثه ودافه والضغث: قبضه من عيدان تجمعها في يدك وجمعه اضغاث وهو مقدار ما تقبض عليه اليد

باب الأقضية

باب الاقضية القضايا في الأصل الشيء والفراغ منها. قال الشاعر يرثي عمر بن الخطاب رضي الله عنه-: قضيت امورا ثم غادرت بعدها ... بوائج في اكمامها لم تفتق1 أي احكمت امورا وامضيتها وخلفت بعدك دواهي خافيه كامنه ويكون القضاء امضاء الحكم ومنه قول الله عز وجل: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ} 2 أي امضينا وانهينا وقيل للحاكم قاض لأنه يمضي الاحكام ويحكمها ويكون قضى بمعنى اوجب فيجوز أن يسمى قاضيا لايجابه الحكم على من يجب عليه وسمي حاكما لمنعه الظالم من الظلم يقال حكمت الرجل وحكمته واحكمته إذا منعته وقال الشاعر3: أبنى حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن اغضبا4 أي امنعوهم من السفه وحكمة اللجام سميت حكمه لمنعها الدابه عن ركوب رأسها والحكمه سميت حكمه لمنعها النفس عن هواها قال وإذا بان له من احد الخصمين لد نهاه فان عاد زبره اللدد التواء الخصم في محاكمته واصله من لديدي الوادي وهما ناحيتاه وفلان يتلدد يمينا وشمالا واللد الوجور في احد شقي الفم ومن هذا قيل للخصم الجدل الشديد الخصام الد لأنه لا يستقيم على وجهه واحدة،

_ 1 نسب هذا البيت للشماخ وهو في ملحق ديوانه ص 449، واللسان كمم، والاشتقاق 199، وتفسير القرطبي 2/87، والبحر المحيط 1/355، ونسب لغيره وانظر تعليق محقق ديوان الشماخ فإنه مفيد للغاية. 2 سورة الإسراء، الآية 4. 3 هو جرير بن عطية الخطفي. 4 البيت في ديوانه 50- الصاوي، والكامل 3/26، وشأن الدعاء للخطابي 61، والأساس واللسان مادة حكم مع بيت آخر: أبني حنيفة إنني إن أهجكم ... أدع اليمامة لا توارى أرنبا

ويقال له الالوى لالتوائه وقال: وجدتني ألوى بعيد المستمر1 يعني بعيد الاستمرار والمعنى فيما يريد الحجج وقوله ولو جاز الاستحسان لجاز أن يشرع في الدين. معنى قوله: يشرع: في الدين أي يسن فيه ما لم ينزله الله عز وجل وبينها قال الله عز وجل: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} 2 أي شرع لكم ولمن كان قبلكم اقامة الدين وترك الفرقه والاجتماع على اتباع الرسل وقوله: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} أي هو الذي شرع ما اوحينا اليك أي هو الذي شرع3 ما امر به ابراهيم وموسى وهو قوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} على معنى هو أن اقيموا الدين أي الطاعه على ما شرع ولا تتفرقوا فيه فتشرعوا خلاف ما شرع والاصل في قول الله عز وجل: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} أي بين واوضح ونهج قال الله عز وجل {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} 4 أي طريقا واضحا امرنا بالاستقامه عليه والعرب تقول شرع السالخ اهاب الذبيحه إذا شق ما بين الرجلين وفتحه ولم يزقق ولم ينجل ولم يرجل وهذه ضروب من السلخ اثبتها الشرع فالشرع هو الابانه والله تعالى هو الشارع لعبادة الدين وليس لاحد أن يشرع فيه ما ليس منه الا أن يشرع نبي بأمر الله تعالى فان شرع النبي هو شرع الله عز وجل لأنه قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 5 ويقال شرعت الابل الشريعه إذا وردته فكرعت فيه وقال بعض أهل اللغة في قول الله عز وجل: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً

_ 1 الشطر في مجمع الأمثال 3/114، واللسان لوى، وبعده: أحمل ما أحمل من خير وشر وانظر قصته في مجمع الأمثال عند: لتجدن فلانا لأوى يعيد المستمر. 2 سورة الشورة، الآية 13. 3 كذا بالأصل ويبدوا أنه تكرار من الناسخ 4 سورة المائدة، الآية 48. 5 سورة الحشر، الآية 7.

وَمِنْهَاجاً} 1 فالشرعه ابتداء الطريق والمنهاج معظمه. قال ويتولى القاضي ضم الشهادات ورفعها في قمطر. والقمطر: دفاتر الحساب وغيرها تضبر وتجمع في مكان واحد وتعبى وتشد يقال قمطرت الحساب قمطره إذا عبيتها وشددتها. قال الشافعي: ولا يقسم صنف من المال مع غيره ولا عنب مع نخل ولا نضح مضموم إلى عين ولا عين مضمومه إلى بعل فالنضح ماء البئر الذي يستقى بالسوانى والعين الماء الجاري على وجه الأرض والبعل من النخل ما رسخ عروقه في الماء والعثرى ما سقى بالعواثير من ماء السبيل. وينسخ الخصم اسماء من شهد عليه ويطرده جرحهم فان جاء بجرحهم والا حكم عليه. ينسخه اسماءهم أي يجعل له نسخه بأسمهائهم ويطرده جرحهم أي يجعل له ذلك مستطردا ويأذن له في ذلك فان جاء بما يجرحهم والا حكم عليه. قال وان كان شاهد الزور من أهل قبيل وقفه في قبيله فالقبيل الجماعات الذين لا يكونون بني اب واحد والقبيله بالهاء بنو اب واحد وقول الله عز وجل {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 2 أي لا تقولن في شيء ما لا تعلم يقال قفوت الشيء اقفوه قفوا إذا اتبعت اثره فالتأويل لا تتبعن لسانك من القول ما ليس لك به علم وكذلك من جميع العمل وقرئ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} باسكان الفاء وضم القاف من قاف يقوف بمعنى قفا يقفو. وقوله تعالى: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} 3 فيه قولان قال بعضهم لا يضار كاتب أي لا يضار أي لا يكتب الا بالحق ولا يشهد الشاهد الا بالحق. وقال قوم: لا يضار كاتب ولا شهيد الا يضار 4ولا يدعي وهو

_ 1 سورة المائدة، الآية 48. 2 سورة الإسراء، الآية، 36. 3 سورة البقرة، الآية 282.. 4 فراغ بالأصل.

مشغول لا يمكنه ترك شغله الا بضرر يدخل عليه وكذلك لا يدعى1 الشاهد ومجيئه للشهاده يضربه والاول ابين لقوله تعالى: {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} 2 ومن كذب في الشهاده وحرف الكتاب فهو اولى بالفسوق ممن دعا كاتبا ليكتب وهو مشغول أو شاهدا ليشهد وهو مشغول ذكر حدثنا عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه انه رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال اعلى دم فقالوا لا فقال لقد خشيت أن يبها الناس بهذا المقام معنى أن يبها أي أن يستخف به يقال بهأت بالشيء فانا ابهأ به وبسأت به وبسئت إذا أنست به حتى تذهب هيبته من قلبك وكل شيء انسب به فان هيبته تنقص من قلبك. وكتب ميمون بن مهران إلى يونس بن عبيد أن الناس قد بهئوا بكتاب الله واستخفوا عليه احاديث الرجال يقول انسوا به حتى ذهب هيبته من قلوبهم - والحداء ويقال له الحداء ما ينشده الحادي خلف الابل من زجر وشعر وغيره والقياس فيه الحداء لان أكثر الاصوات جاءت على فعال مثل الرغاء والثغاء والخوار والجؤار وقد جاء بالكسر مثل النداء والغناء. قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل معك شيء من شعر أمية"؟ قال نعم قال: "هيه" 3 فانشده بيتا قال: هيه والعرب تقول في الاستزاده من عمل أو حديث ايه وربما قلبوا الهمزه هاء فقالوا هيه فإذا وصلوا فقالوا ايه حدثنا وقال ذو الرمه: وقفنا فقلنا ايه عن أم سالم ... وما بال تكليم الديار البلاقع4

_ 1 فراغ بالأصل. 2 سورة البقرة، الآية 282. 3 صحيح: أخرجه مسلم 2255، واحمد 4/390، والحميدي 809، والنسائي في اليوم والليلة 998 وغيرهم كثير، من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه. 4 البيت من كلمة له في مدح عبد الملك بن بشر بن مروان الأموي كما في ديوانه 58- طبعة دار الحياة، واللسان إيه، وكذا في أساس البلاغة، ومجالس ثعلب 1/228، وقال الأصمعي: أخطأ ذو الرمة إنما كلام العرب إيه اهـ. أي أنه ترك التنوين في الوصل واكتفى بالوقف- وانظر اللسان 1/195- إيه والبلاقع: التي لا شيء فيها كالجراد.

هي بنون وقد وصل لأنه نوى الوقف فإذا اسكته وكففته قلت: ايها عنا فإذا اغريته بالشيء قلت ويها فإذا تعجبت من طيب شيء قلت واها له ما اطيبه قال الشافعي: - رحمه الله - وإذا كان الرجل ممن يماظ الناس ردت شهادته يماظ الناس أي يشارهم ويشاقهم وينازعهم وهي المماظه والمظاظ يقال ماظظت فلانا اماظه مظاظا أي شاررته ولاججته. قال والشاعر إذا شبب بامرأة بعينها وابتهرها بما يشينها ردت شهادته والابتهار أن يقذفها بنفسه فيقول فعلت بها كاذبا فان كان قد فعل فهو الابتيار ومنه قول الكميت: قبيح بمثلي نعت الفتاة ... أما ابتهارا وأما ابتيارا1 يقال ابتهر فلان إذا بالغ في الشيء ولم يأل جهدت وابتهر في الدعاء إذا تحوب وجهد وابتهل في الدعاء مثله والابتهار في الفريه أن يبالغ فيها وكذلك في كل باطل وقال الزاجر في امرأة ولا ينام الضيف من حذارها ... وقولها الباطل وابتهارها2 والبهر التتعيس يقال بهرا له أي تعسا له والاستمناء: انزال المنى بغير المجامعه في الفرج. وذكر حديثا انه رجلين تداعيا دابه واقام كل واحد منهما البينه انه نتجها فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بها للذي هي في يده نتجها أي ولى نتاجها حين ولدتها امها3 والناتج للناقه مثل القابله والمولده للمرأة. قال: فان اشترى عبدا فادعى أن به داء أو غائله أو خبثه. والداء:

_ 1 البيت في اللسان، بهر، بور. 2 الشطران في اللسان بهر، أنشده عجوز من بني دارم الشيخ من الحي في قعيدته. 3 ضعيف: أخرجه أبو داود 3613- 3615، والنسائي، وابن ماجه 2329، وغيرهم من حديث أبي موسى، وسنده ضعيف، وانظر تحقيق ذلك في الإرواء برقم 2656، والتلخيص الحبير 4/209- 210.

عيب باطن من مرض غير ظاهر والغائله أن يكون بائعه غصبه أو سرقه فباعه سمى ذلك غائله لأنه إذا استحق كان في ذلك ما اغتال الثمن الذي اداه المشترى أي استهلكه. وأما الخبث: فان يكون حر الأصل أو اخذ من اولاد قوم لهم عهد لا يجوز أن يسبوا والسبى الطيبه ضد الخبثه. والاستسعاء: مأخوذ من السعى وهو العمل كأنه يؤاجر أو يخارج على ضريبة معلومه ويصرف ذلك في قيمته. والرقيق: المماليك اسم لهم والرق الملك يقال رققت العبد ارقه فهو مرقوق أي ملكته وقد رق يرق إذا صار عبدا وارققته فهو مرق إذا جعلته عبدا ورجل عتيق وامرأه عتيقه إذا عتقا من الرق وقد عتق يعتق عتقا وعتاقا وعتاقه واصله مأخوذ عندي من قولهم عتق الفرس إذا سبق ونجا وعتق فرخ الطائر إذا طار فاستقل كأن العبد لما فكت رقبته من الرق تخلص فذهب حيث شاء. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "الولاء لحمه كلحمة النسب لا يباع ولا توهب" 1 قال ابن الاعرابي لحمة القرابه ولحمة الثوب مفتوحان واللحمه ما يصاد به الصيد وعامة الناس يقولون لحمه في الاحرف الثلاثه. ومعنى الحديث: الولاء قرابة كقرابة النسب وإنما أراد ولاء مولى النعمه ولاء مولى الموالاه ومولى الحلف والميراث يجب بولاء النعمه وهو أن ينعم على عبده فيعتقه وجر الولاء أن المملوك إذا تزوج حره مولاة لقوم اعتقوها فولدت له اولادا فهم موال لموالى امهم ما دام الاب رقيقا مملوكا فإذا عتق الاب جر الولاء فكان ولاء ولده لمواليه وإنما قيل لمن اعتق نسمه اعتق رقبه وفك رقبه فخصت الرقبه دون سائر الاعضاء لان ملك السيد لعبده كالحبل في الرقبه وكالغل فإذا اعتق فكأنه اطلق من ذلك والمدبر من العبيد والاماء مأخوذ من الدبر لان السيد اعتقه بعد مماته والممات دبر الحيات ومنه يقال:

_ 1 صحيح: أخرجه الشافعي برقم 1232 من حديث ابن عمر ومن طريق الشافعي أخرجه الحاكم 4/341، والبيهقي 10/292، وله شواهد ومتابعات انظرها غير مأمور في إرواء الغليل، برقم 1668.

اعتقه عن دبر أي بعد الموت ولا تستعمل هذه اللفظه في كل شيء بعد الموت من وصية ووقف وغيره لان التدبير لفظ خص به العتق بعد الموت يقال دابر الرجل فهو مدابر إذا مات. والمكاتبة لفظه وضعت لعتق على مال منجم إلى اوقات معلومه يحل كل نجم لوقته المعلوم وإنما سميت نجوما لان العرب في باديتها واوليتها لم يكونوا أهل حساب وكانوا يحفظون اوقات السنه وفصولها التي يتوزعهم فيها النجع ويرجعون فيها إلى محاضرهم ويرسلون فيها الفحول وينتظرون فيها النتاج بالانواء في طلوع نجم وسقوط رقيبه وجميع تلك النجوم ثمانية وعشرون نجما كلما طلع منها طالع سقط ساقط وهي جعلت منازل القمر قال الله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} 1 فعنى العرب بمعرفة مطالعها ومساقطها ومراعاتها وتسميتها لانهم كانوا اميين لا يحسبون ولا يكتبون ولم يحفظوا حلول الحقوق في مواقيتها الا بهذه النجوم فكانوا يقولون في الديه تلزم الرجل نجموها عليه ليكون ارفق به ومن ذلك قول زهير: ينجمها قوم لقوم غرامة ... ولم يهريقوا بينهم ملء محجم2 فكان اللازم للحق الضامن له يقول إذا طلع نجم الثريا اديت من حقك كذا وكذا وإذا طلع بعده الدبران وفيتك كذا وسميت الكتابه كتابه في الاسلام لان المكاتب لو جمع عليه المال في نجم واحد لشق عليه فكانوا يجعلون ما يكاتب عليه نجوما شتى في اوقات شتى ليتيسر عليه تمحل شيء بعد شيء ويكون اسلم من الغرور واصل الكتب ضم الشيء إلى الشيء يقال كتبت البغله إذا ضممت ما بين شفري حيائها بحلقة أو سير واكتبت القربة

_ 1 سورة يس، الآية 39. 2 البيت من معلقته وهي في ديوانه 24، وغيره. الغرامة: ما يلزم اداؤه من دية وغيرها، والمحجم: كأس الحجام.

إذا ضممت فمها فاوكيت عليه فلما كانت الكتابه متضمنه لنجم بعد نجم سميت كتابه لكتب النجم إلى النجم ولذلك قال الفقهاء لا يجوز الكتابه على اقل من نجمين لان اقل الجماعه اثنان وهو أن يجمع شيء إلى شيء ويستدل بهذا التفسير على صحة قول الشافعي - رحمه الله - أن الكتابه لا تصح إذا كانت على اقل من نجمين. والكتيبه من الخيل سميت كتيبه لتتابعها واجتماعها فافهم. يقال ادى المكاتب نجما من نجوم مكاتبته فتأداه المكاتب واستأداه أي قبضه. قال: وان عجل المكاتب نجما من نجوم مكاتبته لمكاتبة فانى قبوله فان كان النجم حموله لها مئونه أو كانا في طريق خرابه أو كان شيئا يتغير فله الا يقبله. الحمولة: الاحمال واحدها حمل، والحمولة بالفتح الابل التي يحمل عليها والخرابة: التلصص يقال للص: خارب وجمعه خراب وقطاع الطريق الزم لهذا الاسم في غيرهم والعرب تقول للسلال بالليل خارب ويقال في فلان خربة أي فساد في الدين وأما الخربة فهي كالثقبة في الاذن ويقال لعروة المزادة خربه وجمعها خرب والنهب ما انتهت من المال بلا عوض يقال انهب فلان ماله إذا اباحه لمن اخذه ولا يكون نهبا حتى تنتهبه الجماعة فيأخذ كل واحد شيئا وهي النهبة. وقوله: فوارثه فيه يمثابته. أي يمنزلته ومثابة الرجل منزله سمى مثابة لأنه يثوب إليه أي يرجع اليه. قال وان اوقف الحاكم مال المكاتب لكثرة دينه ادى إلى سيده والى الناس شرعا سواء. يقال: الناس في هذا الامر شرع أي سواء. تم الكتاب والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وأزواجه الطاهرين الطيبين.

§1/1