الروض المعطار في خبر الأقطار

الحميري، ابن عبد المنعم

مقدمة

مقدمة ورد ذكر الروض المعطار في طبعة فلوجل من كشف الظنون مرتين (1) : مرة على أن مؤلفه هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الحميري المتوفى سنة 900 ومرة أخرى على أن المؤلف هو المؤلف هو أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم الحميري (دون ذكر لسنة الوفاة) ، وقد كان هذا محيراً للأستاذ ليفي بروفنسال حين أقدم على نشر القسم المتعلق بالأندلس من الروض، وتعبر مقدمته التي كتبها للترجمة الفرنسية (La Peninsule Iberique au Moyen - Age) عن هذه الحيرة من ناحيتين: أولاهما لماذا هذا الاختلاف في اسم المؤلف، والثانية: إذا كان قد توفي سنة 900 - كما يقول حاجي خليفة - فهذه قضية تقف في وجهها حقيقتان بارزتان: 1 - كيف يمكن أن تتأخر وفاة مؤلف الروض المعطار إلى هذا التاريخ، ونحن نجد أن القلقشندي صاحب صبح الأعشى المتوفى سنة 821 والذي انتهى من تأليف كتابه سنة 814 يعتمد الروض المعطار واحداً من مصادره الجغرافية؟ 2 - هنالك كتاب بعنوان " جني الأزهار من الروض المعطار " يوحي بأنه ملخص من كتاب الروض، وهو منسوب للمقريزي المتوفى سنة 845. وإلى جانب هاتين الحقيقتين تقف حقيقة ثالثة، فقد وجد بروفنسال في ختاك إحدى النسخ التي اعتمد عليها من نسخ الروض هذه العبارة: " هذا آخر الجزء الثاني من الروض المعطار في خبر الأقطار للشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي محمد عبد الله بن عبد المنعم ابن [عبد المنعم الحمير] ي رحمة الله عليه، وتتمامه جميع الكتاب في صبح يوم الجمعة السابع عشر من شهر صفر الخير أحد شهور سنة ست وستين وثمان مائة بساحل جدة المعمور؟ ".

_ (1) لاحظ الأستاذ رتزيتانو أن طبعة استانبول من كشف الظنون لم تورد ذكر الروض إلا مرة واحدة، انظر " منتخبات من كتاب الروض المعطار خاصة بالجزر والبقاع الإيطالية ". (نشرت بمجلة كلية الآداب - جامعة القاهرة، المجلد 18/1956، ص 129 - 181) .

وقد فهم بروفنسال من هذه العبارة أن المؤلف قد انتهى من تأليف كتابه سنة 866، وهذا يقوي القول بأن يكون تاريخ وفاته سنة 900 صحيحاً. وهذه الحقائق مجتمعة دفعت بروفنسال إلى افتراض مؤلفين كل منهما ينتسب إلى حمير قام أولهما بكتابة صورة أولى من " الروض المعطار " وقام الثاني بانتحال عمل الأول، وربما أضاف إليه شيئاً، دون أن يذكر ما للمؤلف الأول من فضل عليه. وعند مناقشة الحقائق التي واجهت بروفنسال لا تبقى هناك حاجة إلى هذا الفرض الذي وضعه: 1 - أما أن صاحب صبح الأعشى ينقل عن الروض المعطار، فتلك حقيقة لا نستطيع إنكارها، وهي وحدها تثبت أن المؤلف لا يمكن أن يكون قد عاش حتى سنة 900، وأنه على هذا لابد من أن يكون من أبناء القرن الثامن. 2 - وأما أن المقريزي لخص الروض المعطار في كتاب سمّاه " جني الأزهار من الروض المعطار " فتلك مسألة ما كان لبروفنسال أن يتمسك بها، فقد أثبت فولرز (Vollers) سنة 1889 ثم بلوشيه (Blochet) سنة 1925 أن هذا الكتاب المسمى " جني الأزهار " إنما هو تلخيص لنزهة المشتاق (1) . وعندما كنت في برلين سنة 1970 صورت النسخة البرلينية من " جني الأزهار " (2) لأستعين بها في تحقيق الروض المعطار، ولدى عودتي قمت بدراستها - قبل أن أطلع على ما كتبه فولرز وبلوشيه - ولم يخامرني أدنى شك في أنها تلخيص لنزهة المشتاق، أما لماذا سميت " جني الأزهار من الروض المعطار " فربما كان هذا يتطلب إيجاد " روض معطار " آخر غير الموجود في أيدينا. 3 - إن بروفنسال قد سمح لتصحيف الناسخ بأن يسيطر على وهمه، فالنص الذي قرأه في آخر النسخة المشار إليها، يجب أن يقرأ على النحو الآتي " هذا آخر الجزء الثاني من الروض المعطار؟ وبتمامه [تم] جميع الكتاب في صبح يوم الجمعة السابع عشر من شهر صفر الخير أحد شهور سنة ست وستين وثمان مائة " - وهذا التاريخ هو تاريخ النسخة التي نقل عنها الناسخ الثاني، وكان نقله سنة 1049؛ فنحن إزاء تاريخين لنسختين، ولا يعد الأول منهما تاريخياً للتأليف بأية حال؛ وقد تنبه الأستاذ رتزيتانو إلى ناحية جديرة بالتوقف حين قال: " وحتى إننا لو افترضنا جدلاً أن السنة المذكورة تعتبر تاريخياً لانتهاء المؤلف من وضع الروض المعطار، فليس من المعقول أن يصف نفسه بعبارات التفخيم والمديح على الصورة الواردة في هذا النص (يريد قوله: الشيخ الفقيه

_ (1) K. Vollers، Note sur Manuscrit arabe attribue a Maqrizi، Bull. Soc. Khed. de Geogr. du caise، III Serie Num. 2. 1889 pp. 131 - 139 R. Blochet، Catalogue des ms. arabes des nouvelles acquisitions (1882 - 1914) ، paris 1925 N. 5919. وانظر مقدمة وتزيتانو المشار إليها ص: 131، 132. (2) في دار الاكتب المصرية نسخة أخرى من هذا الكتاب، رقم: 458.

مؤلف الروض المعطار

العدل.. ") . وحسناً فعل الأستاذ رتزيتانو لو أنه استشهد هنا بما جاء في هذه العبارة من قوله " رحمة الله عليه "، فإنها تشير إلى عمل الناسخ لا إلى عمل المؤلف. أين نقف بعد ذلك من هذا كله؟ 1 - لدينا كتاب اسمه " الروض المعطار في خبر الأقطار " وتتفق النسخ المتباعدة - مكاناً وزماناً - على أن مؤلفه هو " أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله بن عبد المنعم بن عبد النور الحميري "، وعلى هذا الكتاب يعتمد القلقشندي، فلابد أن يكون مؤلف هذا الكتاب ممن عاش قبل مطلع القرن التاسع (في أقل تقدير) . 2 - إن ذكر حاجي خليفة له مرتين يعني اطلع على نسختين: إحداهما ذكرت اسمه كاملاً والأخرى اسمه مؤخراً، ولما كان حاجي خليفة - وهو منسق ببليوغرافي - غير مسؤول عن تحقيق الفرق بين الاسمين، فإثباته ما أثبته أمانة دقيقة منه في عمله. 3 - ذكر حاجي خليفة سنة 900 تاريخاً لوفاة المؤلف، وقد حاول غودفري - ديمومبين أن يقول إن هذا خطأ شائع في المخطوطات العربية بين " تسعمائة " و " سبعمائة " ووافقه على ذلك الأستاذ رتزيتانو (1) ؛ ولكن الحقيقة أن عام " سبعمائة " لا يصلح لتقرير سنة وفاة المؤلف، " إذن " فإن الراجح أن حاجي خليفة اطلع على نسخة من الروض كتبت سنة 900، ثم اضطرب عليه الأمر فظنها سنة وفاة المؤلف، وهذا غير عجيب عند حاجي خليفة، فقد قال عند ذكر الإمتاع والمؤانسة إن التوحيدي توفي سنة 380 وقال حين ذكر المقابسات " المتوفى بعد سنة أربعمائة تقريباً "، فأيهما نصدق؟ إذن فإن الأخذ الحرفي بما يقوله حاجي خليفة أمر مضلل، دون ريب. مؤلف الروض المعطار من هو مؤلف الروض المعطار إذن؟ كل الدلائل ترجح أنه هو الذي وجد بروفنسال نفسه ترجمته في " الإحاطة " - ووجدها رتزيناتو في الدرة الكامنة لابن حجر، وهو ينقل عن الإحاطة - وهذا ما يقوله لسان الدين ابن الخطيب عنه (2) : 1 - ترجمة المؤلف " محمد بن عبد المنعم الصنهاجي الحميري، يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن عبد المنعم، من أهل سبتة الأستاذ الحافظ.

_ (1) انظر مقدمة " صفة جزيرة الأندلس " - الترجمة الفرنسية ص: 15 ومقدمة رتزيتانو: 133. (2) مقدمة بروفنسال: 27 - 28 والإحاطة النسخة الكتانية بالرباط رقم: 2704 ورمزها (ك) ، الصفحة: 54 وانظر الدرر الكامنة 4: 151 رقم 3950 (ط. القاهرة) وبغية الوعاة: 69 وكلاهما ينقل عن ابن الخطيب.

حاله

حاله من عائد الصلة (1) : كان رحمه الله رجل صدق (2) ، طيب اللهجة سليم الصدر تام الرجولة، صالحاً عابداً، كثير القرب والأوراد في آخر حاله، صادق اللسان. قرأ كبيراً وسنه تنيف على سبع وعشرين، فشأى (3) أهل الدءوب (4) والسابقة، وكان من صدور الحفاظ (5) ، لم يستظهر أحد من زمانه من اللغة (6) ما استظهره، فكان (7) يستظهر كتاب التاج للجوهري وغيره، آية تتلى ومثالاً يضرب (8) ، قائماً على كتاب سيبويه يسرده بلفظه، اختبره الفاسيون في ذلك غير ما مرة، طبقة في الشطرنج يلعبها محجوباً (9) ، مشاركاً في الأصول، آخذاً في العلوم العقلية مع الملازمة (10) للسنة، يعرب أبداً كلامه ويزنه (11) . مشيخته أخذ (12) ببلده عن الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، ولازم [الأستاذ] أبا القاسم ابن الشاط وانتفع به وبغيره من العلماء. دخوله غرناطة قدم (13) غرناطة مع الوفد [الذين قدموا] من أهل بلده (14) [سبتة] عندما صار إلى إيالة (15) الملوك من بني نصر لما وصلوا بالبيعة. وفاته كان من الوفد الذين استأصلهم الموتان (16) ، منصرفهم عن باب السلطان ملك المغرب (17) ، باحواز تيزى (18) ، حسبما وقع التنبيه على بعضهم (19) .)) 2 - تعليق على هذه الترجمة 1 - تقول هذه الترجمة إن ابن عبد المنعم سبتي. غير أن المقري صاحب نفح الطيب يقول وهو ينقل عنه: " ولنرجع إلى كلام صاحب الروض المعطار فإنه أقعد بتاريخ الأندلس إذ هو منهم، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه " (20) . فهل هو سبتي أو أندلسي؟ إن اهتمامه بجغرافية

_ (1) ك: من العائد. (2) ك: رجلاً صدوقاً. (3) ك: ففات. (4) بروفنسال: الدرب. (5) ك: كان ثم الدحول صالحاً حافظاً عابداً. (6) من اللغة: سقطت من ك. (7) ك: يكاد. (8) ك: آية متلوة ومثل يضرب. (9) ك: مجموماً. (10) ك: ملازمة. (11) ويزنه: سقطت من ك. (12) ك: قرأ. (13) ك: دخل. (14) ك: من بلاده. (15) ك: حين صارت لايالة. (16) ك: الموت. (17) ك: عن باب الملك المغربي. (18) ك: تازه. (19) ك: حسبما يقع التنبيه عليه. (20) النفح 4: 362 (تحقيق إحسان عباس، ط بيروت 1968) .

الأندلس وأحداثها، في كتابه، يجعل المرء يظن، ولو كان هو المقري المهاجر البعيد عند الأندلس والمغرب، أن مؤلف الروض المعطار أندلسي، فالخطأ هنا ليس خطأ صاحب الروض، الذي كان سبتياً دخل الأندلس، وإنما هو خطأ الذين ظنوا أنه أندلسي النسبة لإسرافه في الحديث عن الأندلس. وقد أكد نسبته إلى سبتة محمد بن القاسم الأنصاري السبتي حين ذكر أنه مقبور بمقبرة المنارة بسبتة وأنه من أهلها في قوله: " قبر الشيخ اللغوي الحافظ الأنبل المتفنن في المعارف، أوحد زمانه في ذلك، وإمام عصره، أبي عبد الله ابن عبد المنعم الصنهاجي من أهل سبتة " (1) . 2 - وتمدنا هذه الترجمة بصورة فيها شيء من التفصيل عن منجي ثقافته وضروب براعته إذ تصوره متضلعاً في الحديث واللغو والنحو، مضيفاً إلى ذلك كله إطلاعاً على العلوم العقلية، ومهارة خارقة في الشطرنج. ويؤكد ابن القاسم الأنصاري ما قاله ابن الخطيب حول تضلعه في القراءة والحفظ واللغة، وتفرده في هذه الشؤون حتى أصبح " أوحد زمانه في ذلك وإمام عصره ". ومما يؤكد ذلك طبيعة الاتجاهات التي سار فيها أساتذته الذين درس عليهم، وقد ذكر منهم ابن الخطيب اثنين وهما: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي (- 716) ، وشيخ النحاة والقراء بسبتة، فقد كان يتقن كتاب سيبويه، ولعل ابن عبد المنعم أخذه عنه، كما صنف كتاباً في قراءة نافع وآخر في شرح الجمل (2) أما أستاذه الثاني فهو أبو القاسم، القاسم بن عبد الله بن الشاط (- 723) فقد كان يقرئ الأصول والفرائض بمدرسة سبتة، وكان حسن المشاركة في العربية، متقدماً في الفقه ريان من الأدب (3) . وقد طبعت هذه الثقافة شخصية ابن عبد المنعم بطابعها، فقد كان الرجل على جانب غير قليل من التدين، وفي آخر عمره كان كثير " القرب والأوراد "، معروفاً بالصلاح بين معاصريه، سليم الصدر، كما يمكن أن يتصوره من يقرأ كتاب " الروض المعطار "، مهتماً بإعراب كلامه، وفي هذا من المشقة عليه وعلى معاصريه ما فيه. وفي كتاب الروض ما يشير من بعيد إلى ملامح من شخصيته، فهو من ناحية التقوى لا يدع أحداً من الصحابة دون أن يقرن اسمه ب؟ " رضي الله عنه "، ولو مر في الصفحة الواحدة عدة مرات - وهذا ليس من صنيع النساخ فيما اعتقد - وهو يحب أن يقف عند أمجاد المسلمين الأوائل، ولهذا تجده مغرماً بنقل أخبار الفتوح؛ وقد أحس هو نفسه أنه أسرف في النقل، حين تحدث عن معركة الزلاقة، فشفع ذلك بقوله: " قال مؤلف هذا الكتاب [رحمة الله عليه] : قد خالفت بشرح هذه الوقيعة شرط الاختصار لحلاوة الظفر في وقت نزول الهموم ووقوعها في الزمن الخامل، والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء وهو المستعان ". ولعلها الملاحظة الوحيدة التي سمح لنفسه بتقييدها تعبيراً عن مشاعره الذاتية.

_ (1) اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار: 5 (ط. باريز، 1932) تحقيق إ. لافي بروفنسال؛ وقد فرغ المؤلف من جمع كتابه سنة 765. (2) انظر ترجمته في الدرر الكامنة 1: 13 وبغية الوعاة: 177 وكلاهما يعتمد على الذهبي؛ ودرة الحجال 1: 176 وغاية النهاية 1:18. (3) الإحاطة: 358 (النسخة ك) والديباج المذهب: 225.

3 - وهذه الثقافة وتلك الشمات المحببة في شخصيته كسبت له تقدماً في مدينة سبتة، ولهذا نجده يشارك في حياتها السياسية مرتين: الأولى عندما ذهب في الوفد إلى غرناطة ليقرر تبعية سبتة لبني نصر، وقد عرفنا لسان الدين إلى اثنين آخرين كانا في ذلك الوفد، وهما أستاذه أبو القاسم ابن الشاط، ومحمد بن علي بن هانئ اللخمي السبتي " - 733 " (1) ؛ وقد كان انتماء سبتة إلى حكم بني نصر سنة 705، وعودتها إلى المرينيين سنة 709 (2) ، وعلى هذا تكون الوفادة قد تمت في أوائل تلك المرحلة بين هاتين السنتين. 4 - وتقول هذه الترجمة إن وفاة ابن عبد المنعم كانت إثر عودته من زيارة لسلطان المغرب - باحواز تازه - بسبب انتشار موتان. وقد أراد بروفنسال أن يفهم من لفظة " موتان " أنها تعني وبأ جارفاً، ولكن الصيغة في النسخة الكتانية من الإحاطة وردت على النحو التالي: " الذين استأصلهم الموت "؛ غير إن استئصال الموت لوفدٍ يعني أنهم ربما تعرضوا لوبأ جارف، ولما كان الوبأ الذي اكتسح المشرق والمغرب قد حدث سنة 749، فهل ذلك مما يجعلنا نقول بوفاة ابن عبد المنعم في حدود ذلك العام؟ كان ذلك ممكناً لولا إن ابن حجر ذكر في الدرر الكامنة أن وفاة ابن عبد المنعم كانت سنة 727، وليس هناك من سبب يجعلنا نرد هذا التاريخ، وإن لم تحدثنا المصادر عن " موتان " ألم بالمغرب في ذلك العام. 5 - ومع ذلك كله يبقى سؤال لابد من الإجابة عليه لتوضيح الموقف: في سنة 728 كانت سبتة تشهد قدوم السلطان أبي سعيد المريني إليها لإخضاعها، وتقويم زيغها عن الطاعة للمرنيين، وقد استجابت سبتة لإرادة السلطان، " فاحتل بقصبتها وثقف جهاتها ورم منثلمها وصلح خللها واستعمل كبار رجالاته وخواص مجلسه في أعمالها " (3) فما هي الغاية - إذن - من الوفد في السنة السابقة؟ أليس من الطبيعي أن يكون ذهاب الوفد بعد هذه الإجراءات التي قام بها أبو سعيد المريني؟ أن القطع بتاريخ وفاة ابن عبد المنعم ليس أمراً سهلاً، ولكن سنظل نقبل ما جاء في الدرر الكامنة، إلى أن تعين المصادر التي سيتكشف عنها المستقبل، تاريخ ذلك " الموتان " الذي يشير إليه لسان الدين. 6 - ولكن هذه الترجمة لم تقل أي شيء يتعلق بنشاطه في التأليف. هل كان إحسانه لما يحسن قاصراً على رغبة في المعرفة لا تتجاوز الكسب إلى العطاء؟ هل درس وتخرج على يديه عدد من التلامذة؟ هل ألف؟ هل كانت تشمل شؤون الجغرافيا - أعني هل نسلم بأن معرفته للعلوم العقلية كانت تشمل أيضاً إطلاعه على المصادر الجغرافية؟ هل قول ابن القاسم " المتفنن

_ (1) الإحاطة: 63 (النسخة ك) . (2) انظر بروفنسال، مقدمة الترجمة: 18. (3) الاستقصا 3: 115 (ط. الدار البيضاء: 1954) .

في المعارف " يضم حرصه على أن يكون عارفاً بشؤون البلدان؛ ثم هل يمكن أن يتجاوز ما يتقنه في اللغة والنحو والقراءات فلا يؤلف فيها، ويكون مؤلفه " الوحيد " كتاباً جغرافياً؟ لماذا - وهذا الكتاب من أبرز ما يمثل جهده - لم تذكره الكتب التي ترجمت له؟ 7 - كل هذه التساؤلات التي أثرناها تضعنا في حيرة إزاء العلاقة بين ابن عبد المنعم و " الروض المعطار ". ومما يجعل هذا الموقف أشد عسراً أن كل محاولة لمعرفة مؤلف الروض من خلال كتابه - عدا تلك الإشارات الصغيرة العامة التي ألمحت إليها من قبل - تبوء بالإخفاق الذريع: لنأخذ الحقيقة الأولى وهي أن المؤلف سبتي: فماذا نجد؟ ليس حديثه عن سبتة إلا من خلال الآخرين، فإنه ينقل ما يقوله الإدريسي وصاحب " الاستبصار " وليس لديه كلمة واحدة - من عند نفسه - يقولها في سبتة. أما اهتمامه بأبي العباس الينشتي (1) الذي استقل في سبتة في أواخر عصر الموحدين فإنه لا يختلف عن اهتمامه بأحداث القرن السابع جملة، وهو شيء يرجع الفضل فيه - فيما اعتقد - إلى المصدر الذي اعتمده لا إلى معرفته الذاتية العيانية. وهل يعقل أن يقول ابن سبتة المغربي وهو يتحدث عن " سلا " (المدينة الواقعة إلى جانب الرباط) ثم عن " سلى " التي في بلاد السودان: " ولا أدري هل هذه سلا التي ذكر أنها على ضفة البحر " ثم يذكر بعد قليل أن هذه " سلى " - الثانية - " من عمالة التكروري "؟ أقول: هل يعقل أن لا يعرف بأن سلا الواقعة في منطقة الدولة المرينية ليست هي الواقعة في عمالة التكروري؟ ومثل ذلك أن يقول في " الزهراء ": " مدينة في غربي قرطبة؟ كذا قالوا، ولا أدري أهي الزاهرة المتقدمة الذكر أو غيرها ". ربما كانت المدينتان في عصره قد اندثرتا، ولكن أليس يدل هذا على أن معلوماته التاريخية - حتى عند الأندلس - كانت قاصرة، وأن المقري كان مخطئاً حين تصور أن رب البيت أدرى بالذي فيه، إذ كان قد فصل بين الماضي والحاضر عندئذ مضيق متباعد العبرين، أوسع بكثير من بحر الزقاق. 8 - وليس في كتاب الروض ما يشارف مطالع القرن الثامن - أو يتعداها قليلاً - إلا حادثتان: الأولى في مادة " أيلة " حيث جاء " ثم أصلحها السلطان [الأشرف قانصوه الغوري آخر ملوك الجراكسة من جملة ما أصلح في طريق الحجاج في أواخر عمره قبل العشرين والسبعمائة] والثانية في مادة " لوجارة " حين تحدث عمن بقي من المسلمين بها ثم قال: " وآل أمرهم في هذا العهد القريب إلى أن أجلاهم عنها صاحب صقلية الآن ". وقد بين الأستاذ رتزيتانو أن ذلك الإجلاء قد تم على يد الملك شارل الثاني سنة 700. وحين نقف عند هاتين الروايتين نجد أن العبارة الأولى وردت مبتورة في نسخة بيرم باشا، كاملة في نسخة الشيخ محمد نصيف؛ وهي إلى ذلك قد تضمنت هفوة جسيمة: إذ كيف يكون قانصوه

_ (1) انظر مادة " ينشته " في الكتاب.

الغوري آخر ملوك الجراكسة في حدود سنة 720 ونحن نعلم أنه توفي سنة 922؟ إذن هنا يجب أن نقف عند الخطأ التقليدي للنساخ حين يضعون سبعمائة بدل تسعمائة (أو العكس) ونقول: الصواب " قبل سنة 920 " وإما أن نعتقد أن اسم قانصوه الغوري وقع سهواً في موضع الناصر محمد الذي أصلح طريق العقبة فعلاً قبل سنة 720 (كان ذلك سنة 719) ؛ قال ابن تغري بردي: " وفي هذه السنة (أي 719) مهد السلطان ما كان في عقبة أيلة من الصخور ووسع طريقها حتى أمكن سلوكها بغير مشقة، وأنفق على ذلك جملاً مستكثرة " (1) . وأي الفرضين اخترنا وجدنا أن الإشارة إلى هذه الحادثة لا يمكن أن تكون من عمل المؤلف، فلو قلنا أن قانصوه الغوري وقع سهواً بدلاً من الناصر محمد لكانت هذه الهفوة من عمل إنسان آخر عاش حتى عرف من هو قانصوه الغوري؛ ولو قلنا أن التاريخ الصحيح هو سنة 920 لكان ذلك تجاوزاً لأقصى تاريخ حددته المصادر لوفاة ابن عبد المنعم، وهو سنة 900 كما جاء عند حاجي خليفة، وعلى كلتا الحالين نجد أنفسنا إزاء عبارة مقحمة لا دخل لابن عبد المنعم بها، وهي تتعارض من حيث الزمن مع كون الروض المعطار مصدراً للقلقشندي المتوفى سنة 821 - كما تقدم القول - وسيزداد رفضنا لها عندما نناقش العبارة الثانية التي تدور حول إجلاء المسلمين من لوجارة: فهذه العبارة الثانية أقوى من سابقتها بكثير، وليس من المستبعد أن تكون الإشارة فيها إلى تلك الحادثة من صنيع المؤلف نفسه، وكان الذي حدا بالأستاذ رتزيتانو إلى ربطها بعام 700 شيئان: وقوع الحادثة حسب المصادر الأخرى سنة 700 وورد عبارة " هذا العهد القريب " ولفظة " الآن " فيها، (وما دام ابن حجر في الدرر يحدد وفاة المؤلف بعام 727 فلا مانع إذن من هذا الربط) وما دامت المصادر الموثوقة قد تحدثت عن حدوث ذلك الجلاء عام 700، فمن المغالاة أن نحيطها بالشك، خصوصاً وأن التاريخ المذكور، يمكن أن يشير إليه مؤلف طعن في القرن الثامن بعدة سنوات. ولكن أحب أن أشير إلى أن لفظة " الآن " لا تعني المعاصرة أبداً لدى صاحب الروض، فإنه إذا وجدها عند مؤلف سابق أبقاها على حالها، فإذا لم ينتبه القارئ لهذه الحقيقة جاءت مضللة. مثال ذلك قوله في مادة (طيبة) : وهي الآن عليها سور حصين منيع من التراب بناه قسيم الدولة الغزي؟ " وهذا كلام الإدريسي حرفياً؛ وذلك يكفي في تبيين نقل المؤلف عمن سبقه دون تصرف، فقد ورد هذا في غير موضع من كتابه؛ فإذا كانت عبارة " هذا العهد القريب " ذات معنى، فإنها تعني القرب من أوائل القرن الثامن، وهي بذلك تنفي الحديث الذي جاء في العبارة الأولى عن قانصوه الغوري وإصلاحه طريق العقبة قبل سنة 920. 9 - إذن، ليس هناك من الناحية الزمنية، ما يعطل نسبة الروض المعطار إلى ابن عبد المنعم الحميري، وإن لم يحاول فيه أن يبرز موقفه، من ناحية الأحداث، أو منتماه السبتي (أو المغربي

_ (1) انظر النجوم الزاهرة 9: 60 أما عن صلة قانصوه الغوري بإصلاح طريق العقبة فانظر بدائع الزهور لابن اياس 4:133، 152؛ 5:95 (ط. القاهرة: 1961) .

كتاب الروض المعطار

بعامة) ، أو مشاهدته الخاصة لبلد ما، ولو كان هذا البلد هو سبتة نفسها، أو علاقاته الشخصية ببعض الناس المقاربين لعصره أو المعاصرين له. إننا لن نجد إنساناً شديد الحرص على إنكار ذاته، كما نجد الحميري، وكأنه يقول بلسان الحال: أريد أن أرتب معجماً جغرافياً، معتمداً في ذلك على الانتقاء من عدد من المصادر، دون أن يكون لي أي رأي ذاتي أو عرض لتجربة خاصة. كتاب الروض المعطار 1 - اسم الكتاب ورد اسمه في المخطوطتين المعتمدتين: " الروض المعطار في خبر الأقطار " وكذلك ذكرته المخطوطات التي راجعها بروفنسال، وذكر في طبعة فلوجل من كشف الظنون مرة باسم " الروض المعطار في أخبار الأقطار " (1) ومرة أخرى باسم " روض المعطار في خبر الأقطار ". وحين نقل عنه صاحب نفح الطيب جعل اسمه " الروض المعطار في ذكر الأقطار "؛ وواضح أن التسمية التي اتفقت عليها المخطوطات هي الوجه الأرجح. 2 - خطة المؤلف في كتابه بين المؤلف في مقدمة كتابه حدود الخطة التي ألتزمها في تأليفه، فقد أراد أن يصنع معجماً جغرافياً مرتباً على حروف ليسهل على الطالب كشف اسم الموضع الذي يريده؛ ولما كان استقصاء المواضع جميعاً أمراً عسيراً، فقد وضع نصب عينيه: (1) أن يكون المكان مشهوراً. (2) أن يكون مما اتصل به " قصة أو حكمة أو خبر طريف أو معنى مستملح مستغرب ". ولهذا فهو يعدل عن ذكر الأمكنة الغريبة التي لا تتعلق بذكرها فائدة أو خبر يحسن إيراده. ومعنى ذلك أنه يريد من كتابه أن يكون معجماً جغرافياً تاريخياً - جغرافياً يصف الأقطار وما تتميز به، وتاريخياً بذكر الأخبار والوقائع المتصلة بتلك البلدان. وقد قاس كتابه إلى كتاب " نزهة المشتاق " فوجده أكثر فائدة، لأن نزهة المشتاق يوجز حتى في وصف البلدان، ويكثر القول في ذكر المسافات، ولا يهتم كثيراً بالأحداث التاريخية، وليس فيه إيراد لما يستملح أو يستغرب إلا في مواطن قليلة. كذلك فإن الحميري جعل الإيجاز - أو حاول أن يجعله - أساس خطته في ذلك الكتاب.

_ (1) في طبعة استانبول من كشف الظنون: 920 (الروض المعطار في أخبار الأقطار " الأمصار ") على أن تحل إحدى اللفظتين الأخيرتين محل الأخرى.

وقد كان الحميري وفياً لجانب كبير من هذه الخطة، فهو حقاً قد صنف معجماً جغرافياً تاريخياً، (أو إن شئت فقل معجماً تاريخياً جعلت الجغرافيا مدخلاً إليه) مرتباً على حروف المعجم، حسب ترتيبها المشرقي، ولا ندري لم اتبع هذا الترتيب مع أنه في داخل الحرف الواحد، حاول أن يتمشى على الترتيب المغربي، (هل يمكن أن نفترض أن النساخ المشارقة أعادوا ترتيبه على النحو الذي يألفونه؟) ثم هو أضرب عن ذكر عدد كبير جداً من البلدان، وحاول في الأغلب أن يكون ما يذكره مشهوراً متصلاً بحادثة أو قصة أو معنى مستملح مستغرب ولكنه إلى جانب ذلك ذكر أماكن لا شهرة لها. ولا يتعلق ذكرها بخبر طريف أو غريب؛ وربما لم يزد التعريف بها عن سطر أو سطرين، وكثيراً ما خرج من حيز الخبر المستطرف إلى الخبر العجيب، وغلبت عليه الروح " العجائبية " التي ظلت ترافق كثيراً من الجغرافيين في شتى العصور؛ أما مقايسته كتابه بنزهة المشتاق فإنها مقايسة في غير موضعها، لأن الإدريسي اقتصر إلى حد كبير على " المفهوم الجغرافي " وحاول أن يقلل ما استطاع من الشؤون العجائبية، ولذا فإن الحميري حاول أن يفرض مفهوماً جديداً هو مفهوم " المتعة والعبرة "، وذلك ربما كان في أكثر خارجاً عن مفهوم مؤلف مثل الاصطخري والحوقلي والإدريسي. أما قضية الإيجاز فربما كان فرضها خطأ منذ البداية لأن من شاء أن " يمتع " القراء بالأخبار لا يستطيع دائماً أن يتحكم في إيرادها، وفي مرات أحس ابن عبد المنعم أنه يتجاوز حدود الإيجاز فاعتذر عن ذلك (كما فعل في مادة الزلاقة والأندلس) ؛ ولكنه لم يحاول أن يوجز حين تحدث عن إرم والأهرام وسرد قصة بعض الفتوحات في صدر الإسلام أو حين تحدث عن حرب البسوس ومعركة ذي قار. كما أن قاعدة الإيجاز اختلت لديه لأسباب أخرى منها: 1 - عدم سبكه المادة المنقولة من مصادر جغرافية مختلفة، وإنما هو يوردها تباعاً، وقد يكون المنقول عن البكري مثلاً تكراراً - بأسلوب آخر - لما سبق أن نقله عن الإدريسي أو عن الاستبصار. 2 - تكراره المعلومات الواحدة في مادتين مختلفتين، ما يصلح أن يكتب في مادة " الدامغان " قد يعاد نصاً من مادة " الزرادة " يجيء لبعض ما ذكر في مادة " جنابا ". 3 - تكراره ذكر الموضع الواحد لأن اسم البلد ورد في شكلين مختلفين مثل: لياج - الياج، طرابنش - أطرابنش؛ وشقة - وشكة، وهكذا. ثم إن تأليف معجم جغرافي مرتب على حروف المعجم لم يكن بالنسبة لابن عبد المنعم الذي لم يرحل ولم يكتب عن مشاهدة - أو حتى عن سماع - محوطاً بكثير من التوفيق، فقد ضخم الترتيب الهجائي من أخطائه - وهي أخطاء لا يمكن أن تظهر بهذا الوضوح في مؤلف جغرافي عام، لأنها تحمل على الناسخ في الأغلب لا على المؤلف، غير أنها تظهر واضحة في معجم مرتب على حروف الهجاء وقد كان الحميري يعتمد في تصنيفه على الكتب، وكان يقرأ اسم البلد حسبما

3 - مصادر الكتاب

يراه في المخطوط الذي لديه، دون أن يستطيع تمييز الخطأ من الصواب؛ فلم تضعف لديه الدقة الجغرافية لهذا وحده، بل لأنه كان يحاول أن يتجنب في السياق ذكر أسماء الأماكن والأنهار لئلا يقع في الخطأ، وكثيراً ما نجده إذا أعياه قراءة اسم شخص أو اسم بلدة وضع بدله " فلان " و " فلانة " ولا أظن أن هذا كان من عمل النساخ. 3 - مصادر الكتاب لا يصرح الحميري باسم المصدر الذي ينقل عنه إلا في القليل النادر، وإذا انتقل من اقتباس إلى آخر، ابتدأ بلفظة تعميمية هي: " قالوا "؛ ومصادره متنوعة وإن لم تكن كثيرة، فهي جغرافية وتاريخية وأدبية. ويبدو أنه كان يجهل المصادر الجغرافية المشرقية، وكل ما عنده عن كتاب البلدان لليعقوبي ربما كان بالواسطة؛ إلا أنه لا يعرف - قطعاً - ابن حوقل والاصطخري والمقدسي ومعجم ياقوت؛ ولهذا اقتصر في باب المعلومات الجغرافية على المصادر المغربية، ورغم تهوينه من شأن نزهة المشتاق للإدريسي، سيطر هذا الكتاب على معجمه سيطرة بالغة، حتى إن كثيراً من المواد لا تعدو أن تكون إعادة لما قاله الإدريسي. ومثل هذا موقفه من البكري، فقد اعتمد بإسراف على كتابيه " معجم ما استعجم " و " المسالك والممالك "، غير أنه في كثير من الأحيان يرتاح إلى كتاب " الاستبصار في عجائب الأمصار " إذا وجده يلتقي مع البكري في الحديث عن بلد واحد، وكثيراً ما ينقل عن الكتابين في المادة الواحدة، وبعد هذه المؤلفات الأربعة تجيء رحلة ابن جبير، غير أن الحميري لم يذكر مؤلف هذه الرحلة أبداً، وإنما أشار إليه مرة بقوله: قال بعضهم، ومرة ثانية بأنه أحد الأدباء. أما المصادر التاريخية فلم تقتصر على مؤلفات المغاربة، وإن كانت هذه تيسرت الإفادة منها أقرب إلى الحميري، فقد أبدى في كثير من مواد كتابه إطلاعاً على سيرة ابن إسحاق كما هذبها ابن هشام، وقد يلتقي في أخبار الفتوح من تاريخ الطبري - على نحو حرفي أحياناً -، وكذلك مع كتاب فتوح الشام لمحمد بن عبد الله الأزدي البصري ولكني أعتقد أن مصدره المباشر هو كتاب المغازي لعبد الرحمن بن حبيش (- 584) (1) ، كما أن مصدره عن تباشير البعثة النبوية وعن حروب الردة لمؤلف مغربي أيضاً، وهو كتاب الاكتفاء في مغازي الرسول والثلاثة الخلفاء " لأبي الربيع الكلاعي. وهو مغرم بأخبار القرن السابع، وعلى وجه الخصوص بأخبار

_ (1) ترجمته في التكملة لابن الأبار (رقم: 1617) والعبر للذهبي 4: 252 وشذرات الذهب 4: 280 وكتابه في المغازي وصف بأنه عدة مجلدات، وأن الناس كتبوه وتداولوه؛ ولم أطلع على هذا الكتاب ولكني وجدت مقارنة تقول الروض بالطبري أنها أقرب إلى ما يرمز إليه محققو تاريخ الطبري ب؟ (I.H) . وعند الاستقراء وجدت أن هذا الرمز يعني، نسخة ليدن من تاريخ ابن حبيش، ورقمها 343.

4 - أثر الكتاب وقيمته

الموحدين في المغرب والأندلس، وأخبار الغزو التتري لمدة المشرق. ولا ريب أن مصدر النوع الأول من الأخبار مغربي، وإن لم تسمح مصادرنا بتعيينه، وكذلك لم استطع تعيين المصدر الذي استمد منه أخباره عن التتر. ولديه اهتمام بارز أيضاً عن تلك الطريق - أعني من خلال البكري، وإن كانت نقوله عن مروج الذهب - في الأخبار التاريخية لا في الحديث عن البحار والجزر وما فيها من عجائب - توحي لدى المقارنة بأنها مأخوذة رأساً - لا بالواسطة - عن ذلك الكتاب - فأما فيما يتعلق بالحديث عن عجائب البحار وعن بعض الجزر وما إلى ذلك، فإنها مأخوذة عن المسالك والممالك للبكري الذي يعتمد كثيراً على أخبار الزمان ومروج الذهب. وأما مصادره الأدبية والمتعلقة بالتراجم فتشمل الأغاني وكتاباً لابن سعيد الأندلسي لعله " المشرق في حلى المشرق " وبعض الدواوين الشعرية، وبخاصة ديوان أبي العلاء المعري مشروحاً، وديوان الأعمى التطيلي أو على الأقل قصيدته التي مطلعها " قفا حدثاني عن فل وفلان "، ومقصورة ابن دريد (مشروحة) ، فأما معرفته بشعر بعض شعراء القرن السابع كابن الآبار وابن عربية وابن مجبر أو برسائل بعض أدباء ذلك القرن مثل أبي المطرف ابن عميرة، فإنها تعتمد في أغلب الظن على المصدر التاريخي - أو المصادر التاريخية التي ينقل عنها - أكثر من الاعتماد على دواوين هؤلاء الشعراء أو مجموعات رسائلهم. وقد كشف في مادة " صفين " عن نوع آخر من المصادر لا ينتمي إلى الأنواع الثلاثة السابقة، فهو ينقل عن كتاب الإمامة لعبد القاهر البغدادي، وعن القاضي أبي بكر ابن الطيب الباقلاني، وربما عن غير هذين أيضاً، كما أشار إلى " الرياض النضرة " للمحب الطبري إشارة عارف به. ومن الممكن أن يتساءل المرء: هل ظهرت ثقافة ابن عبد المنعم الإمام في الحديث واللغة والنحو في هذا الكتاب؛ والجواب على هذا أنها لم تظهر مستقلة، أي أن المؤلف لم يحاول أن يؤكد لنفسه دوراً واضحاً في هذه الثقافات، وإنما ظهرت في بعض المواقف وجاءت من طبيعة المناسبة، فهو ينقل عن صحيح مسلم والبخاري وسنن النسائي وكتاب الطبراني، أو يشير إليها، ولكن في كثير من الأحيان نجد إشارته إلى الحديث أو إيراده له اتباعاً للبكري، مع ميله للاختصار الشديد في الإسناد، وكثيراً ما يكون الضبط اللغوي أو القاعدة النحوية نقلاً عن مصدر جغرافي سابق بل ربما قلنا إن ابن عبد المنعم يحاول أن يقلل من الضبط قدر المستطاع، طلباً للإيجاز، أو ضيقاً بالتدقيق في التفصيلات. 4 - أثر الكتاب وقيمته لا أعرف أحداً اعتمد الروض المعطار مصدراً قبل القلقشندي (- 821) في كتابه

" صبح الأعشى "، وكان أكثر اعتماده عليه في التعريف بالبلاد الشامية وبلدان الجزيرة العربية ومصر، ولم يعتمد عليه كثيراً في المغرب (اقتصر على ذكر: تونس، فاس، سبتة، مراكش) وإفريقية وراء الصحراء (دنقله - غانة - كوكو - تكرور) وأقل من ذلك البلاد الأوروبية (القسطنطينة، رومة، اقريطش) وأقل الجميع الأندلس، حيث أشار إشارة عابرة إلى طرطوشة، وتحدث عن ملوك الأباريين نقلاً عما ورد في مادة " أندلس " من الروض. ولا ندرس سبباً لذلك، فإن جعل الروض المعطار - ومؤلفة مغربي - أساساً في المعلومات الجغرافية عن مناطق المشرق (الجزيرة العربية - الشام - مصر) وعدم الاهتمام بمعلوماته عن بلدان المغرب والأندلس يعد عكساً للوضع الصحيح. هل كان القلقشندي يعدّ الحميري مشرقياً؟ إن نسبة " الصنهاجي " لا توجد في مخطوطات الورض المعطار، ولعل القلقشندي ذهب بسبب ذلك إلى هذا التصور فظنه مشرقياً. ومن بعده توقف عنده السمهودي (- 911) صاحب " وفاء الوفاء " في كتابه الموجز الذي لخص فيه مؤلفه الكبير، فنقل عنه، مع أنه ليس لدى صاحب الروض - فيما يتصل بالمدينة - مادة يستقل بها، وأكثرها مأخوذ عن البكري، وقد كان البكري من مصادر المسهودي، بحيث يغنيه عن الورض المعطار. وفي القرن الحادي عشر ظل الكتاب موضع اهتمام، فنجد المقري يعرفه وينقل عنه خبر وقعة الزلاقة (1) ؛ ثم نجد محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي (- 1239) ينقل عنه كثيراً في رحلته، مع إدراكه تمام الإدراك بأن الحميري " لم يكن معه تحقيق في أخبار الأقطار وإنما [ينقل] من غيره، ولم يجل في الأمصار " (2) ، وآخر من نجده يعرف الروض المعطار معرفة وثيقة هو صاحب الترجمانة الكبرى، أبو القاسم الزياني المتوفى سنة 1249. ويبدو أن التوجه إلى النقل عن الروض إنما تم لسهولة الحصول على نسخ منه، ولما فيه من الترتيب المعجمي الذي لا يتوفر في كتاب مؤلف على الأقاليم؛ وإلا فإن بعض ما أخذ عليه إنما كان نقلاً المصادر المبكرة، وخاصة ما أخذه عن البكري؛ والبكري ممن وقع في أخطاء عديدة في كتابيه معجم ما استعجم والمسالك؛ ورغم الاحترام الوافر الذي يكنه العبدري له فإنه تعقب بعض أخطائه في رحلته، كقول البكري إن إيليا تحيط بها الجبال وأنها هي في نشز من الأرض؛ وأن قصر لجم (الأجم في الروض) في دوره نحو من ميل، بينما هو أصغر من ذلك بكثير، وقوله في سرت أنها مدينة كبيرة على ساحل البحر بها حمام وأسواق ولها بساتين ونخل، وإنما هي قصير صغير لا نخل حوله أبداً؛ وقوله في نفيس أنها مدينة في المغرب بينها وبين البحر مسيرة يوم، وإنما نفيس اسم نهر؛ وقوله في تادمكة أن تاد تعني الهيئة، وليس الأمر كذلك بل إن " تاد " تعني

_ (1) من أطرف ضروب الاهتمام بالروض المعطار في عصر المقري ما صنعه أحمد بابا التنبكي صاحب نيل الابتهاج بتطريز الديباج، فقد استعار نسخة منه مكتوبة بخط مشرقي عتيق صحيح كانت في حوزة الفقيه محمد بن إبراهيم التمروجتي الدرعي سنة 1016، وغادر المغرب إلى تنبكت، وظلت النسخة معه خمسة عشر عاماً، وصاحبها يكاتبه مطالباً بردها، وأخيراً أرسل إليه سنة 1031 نسخة منقولة عنها (انظر مقدمة بروفنسال: 11) . (2) رحلة الناصري، الورقة: 215.

5 - هل وصلنا كتاب الروض كاملا

لفظ الإشارة " هذه " (1) . ومن يراجع الروض المعطار يجد أن عض هذه الأمور قد رددها الحميري أيضاً نقلاً عن البكري، فليس الخطأ من عنده، وإنما مصدره ثقته فيما يقرؤه لغيره. ولكن الخطأ يشيع بالنقل، وتصبح أخطاء الحميري نفسه مظنة قبول عند من ينقلون عنه مضافةً إلى أخطاء غيره؛ فقد ذكر مثلاً " حبرون " في " جيرون "، فلما نقل عنه القلقشندي أثبت " حبرون " وضبطها، ثم قال: وفي كلام صاحب الروض المعطار ما يدل على إبدال الحاء بجيم والباء الموحدة بمثناة تحت، فإنه ذكرها في حرف الجيم في سياقه الكلام على تسمية دمشق جيرون (2) . على أية حال ليس من الضروري أن نغالي في تقييم الروض المعطار، فإن مهمته لا تتعدى شيئين: أنه يشبه أن يكون نسخة ثانية من كل مصدر نقل عنه، وهو في هذه الحالة يصحح أحياناً بعض النصوص في تلك المصادر، كما أنه احتفظ بمادة غزيرة تدور حول أحداث القرن السابع، ربما طال بنا الزمن قبل العثور على مصادرها، وبمادة مما لا يزال مفقوداً من مسالك البكري، وخاصة فيما يتصل بجغرافية القارة الأوروبية والأندلس. 5 - هل وصلنا كتاب الروض كاملاً؟ أورد القلقشندي في صبح الأعشى التعريف ببلدين، وصرح بأنه ينقل عن الروض المعطار، فقال عند التصدي لذكر مرمرا (3) قال: " قال في الروض المعطار: والروم تسمي الرخام مرمرا فسميت بذلك ". ونقل عن الروض المعطار وصفاً لمدينة تعز جاء فيه (4) : " قال في الروض المعطار، ولم تزل حصناً للملوك؛ قال: وهو بلد كثير الماء بارد الهواء كثير الفاكهة؛ قال: ولسلطانهم بستان يعرف بالينعات فيه قبة ملوكية ومقعد سلطاني، فرشمها وأزرهما من الرخام الملون، وبهما عمد قليلة المثل يجري فيها الماء من نفثات تملأ العين حسناً والأذن طرباً، بصفاء نميرها وطيب خريرها، وترمي شبابيكهما على أشجار قد نقلت إليه من كل مكان؛ يجمع بين فواكه الشام والهند ولا يقف ناظر على بستان أحسن منه جمعاً، ولا أجمع منه حسناً، ولا أتم صورة ولا معنى. ولم ترد هاتان المادتان في نسختي الروض اللتين اعتمدت عليهما، كما أن وصف تعز - على هذا النحو الأدبي - ليس مألوفاً عند الحميري إلا حين ينقل عن ابن جبير؛ ولكن ربما كانت نسخ الكتاب متفاوتة، فقد احتفظت النسختان المعتمدتان بقطعة كبيرة عن " بجانة " إحدى مدن الأندلس أخلت بها النسخ الأربع التي اعتمد عليها بروفنسال، أو ربما سها القلقشندي في نسبته هاتين القطعتين إلى الروض المعطار.

_ (1) رحلة العبدري، تحقيق محمد القاسمي (158 - 159) ط. المغرب 1968، وليس العبدري محقاً في كل مآخذه، فأنه لا يراعي تطور الزمن وما يصيب الأماكن من تغير، ولكنا نأخذ نقده نموذجاً وحسب. (2) صبح الأعشى 4: 102. (3) صبح الأعشى 5: 344. (4) صبح الأعشى 5:9.

تحقيق الكتاب

تحقيق الكتاب اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسختين (1) نسخة مكتبة بيرم باشا التابعة لنور عثمانية، ورقم المخطوطة فيها (44) وقد رمزت لها بالحرف (ع) . وتقع في 409 ورقات، مسطرتها (22× 32سم) وعدد السطور في الصفحة الواحدة 31 سطراً، ومعدل الكلمات في السطر التام: 12 كلمة، وهي مكتوبة بخط نسخي شديد الوضوح، وفيها قلة عناية بالاعجام، وتصحيف كثير في أسماء الأعلام على وجه الخصوص، ويكثر فيها سقوط عبارات كاملة، والناسخ يضرب على ما يريد حذفه بالقلم متقيد بالطريقة التقليدية في الترميج. وقد ورد في آخرها أن ناسخها هو محمد بن زين الدين الجيزي الشافعي، وأن الفراغ من تعليقها تم في " عصر اليوم الثاني، ثاني الثاني من ثامن أول تاسع العاشر من الهجرة النبوية "، وهذا اللغز إذا رددناه إلى الأرقام كان يعني أن نسخها قد تم في الثاني من شهر صفر سنة 981. (2) نسخة حديثة رمزت لها بالحرف (ص) ، كانت في ملك المرحوم الشيخ محمد نصيف بجدة، وقد نقلت عن نسخة مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة (وكان الانتهاء من نق نسخة المدينة 971) فجاءت في 643 صفحة مكتوبة بخط رقعة حديث في الأكثر ومسطرتها 26.5×34 سم وعدد السطور في الصفحة 24 سطراً ومعدل الكلمات في السطر الواحد 18 كلمة وقد جاء في آخرها تاريخان مختلفان: إذ ذكر أن الفراغ من نسخها في مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت قد تم في 11 شعبان سنة 1360 وبعده يذكر الناسخ مصطفى بن عمر بصرى قاروت أن الفراغ من نسخ الكتاب تم على يده في 15 رجب الفرد سنة 1364، وهو أيضاً تاريخ دخول هذه النسخة في ملك الشيخ محمد نصيف بن حسين بن عمر أفندي نصيف، بجدة، وقد اطلع الأستاذ عبد الرزاق آل حمزة على هذه النسخة وقابلها على أصلها المنقولة عنه، " وهو كثير التحريف والغلط والتصحيف " فاجتهد بقدر الطاقة في معرفة ما هو أقرب إلى الصحة، وكتب بازائه حرف (ظ) مختصر " الظاهر " أو " المظنون "؛ وفرغ من ذلك ضحوة 24 شعبان 1364 بقبة الساعات بالمسجد الحرام، بمكة المكرمة. وإذا كان الأصل الذي نقلت عنه النسخة " كثير التحريف والغلط والتصحيف " فإن هذه الصورة المنسوخة عنه لم تخفف مما فيه من أخطاءه؛ ورغم بعض التنبيهات المفيدة التي ذكرها الأستاذ آل حمزة في بعض حواشي النسخة، فإنها ما تزال نسخة سقيمة، لا يمكن الاعتماد عليها وحدها بأية حال، غير أنها سلمت من السقط الذي يكثر في النسخة السابقة، ومن هنا كانت ذات فائدة غير قليلة، أما في قراءة النص نفسه فلم يكن الاعتماد عليها إلا للوقوف على مدى اطراد ذلك النص وانسجامه في النسخة (ع) .

على أن النسختين تتقاربان بعد ذلك كثيراً، وخاصة في الهفوات المشتركة بينهما، كما قال الأستاذ أمبرتو رتزيتانو (1) ، وهذا قد يشير إلى أنهما اعتمدتا على أصل واحد. ولم يكن في الإمكان إقامة نص سليم في معظمه اعتماداً على هاتين النسختين وحدهما، فإن غلبة التصحيف على الأعلام من قبل الناسخين ولمؤلف قد كان يجعل كل محاولة من هذا القبيل مخفقة لولا اعتمادي على المصادر الجغرافية التي نقل عنها المؤلف نفسه، كذلك فإن ما قام به الأستاذان بروفنسال ورتزيتانو في تحقيق الأماكن الأندلسية والصقلية، قد سهل جانباً من العمل فيما يتعلق بأسماء تلك الأماكن، على أن العالمين المذكورين قد توقفا عند بعض الأعلام التي أوردها المؤلف مصحفة، فلم يستطيعا أن بيتا في أمرها بشيء حاسم. وقد سرت في تقييد الملاحظات والحواشي على خطة الإيجاز والاقتصاد، وهاهنا أمر يحسن تنبيه القارئ إليه؛ فحين أقول في الحاشية - مثلاً - نزهة المشتاق: 120 أو السيرة 2: 36، أعني أن المؤلف ينقل مادته من هذا المصدر (مباشرة أو بالواسطة) ، حتى إذا انتهى النقل بدأت فقرة جديدة، على هذا جرى تقسيم الفقرات في المادة الواحدة إلا أن أشير منذ البداية إلى أن المادة كلها منقولة عن المصدر الفلاني، وإلا المادة التي نشرها بروفنسال من قبل، فإن تقسيمها إلى فقرات ينظر في الأكثر إلى الوحدات المتوالية. أما إذا صدرت العبارة في الحاشية بقولي: انظر أو قارن فمعنى ذلك أنني أحاول أن أربط ما ورد في الروض بما ورد في المصادر الأخرى دون أن يكون هناك نقل، إذ المقارنة أو الإحاطة هنا إلى مصدر آخر تكون غايتها توثيق التسمية أو ضبط الاسم، أو وجود شبه قوي بين المادتين، أو وجود فرق واضح بينهما. ولم يكن همي في هذا اللون من الحواشي أن أقيم لكل مادة دراسة تطورية حتى أضعها في ضوء المعلومات الجغرافية الحديثة - فذلك ربما كان أمراً معجزاً - وإنما حرصت دائماً أن أضع مادة الروض المعطار بين موضحين: بين المصادر التي نقل المؤلف عنها، وبين المصادر التي نقلت عنه؛ كل ذلك رغبة في ضبط النص على وجه يرضى عنه المحققون والدارسون. على أني وقفت إزاء بعض الأسماء عاجزاً عن استبانة الوجه الصحيح فيها، فأما أشرت إلى ذلك، في الحاشية، معلناً أني لم أجد شيئاً عنها في المصادر، وإما تركتها عابراً دون إشارة وفي النفس منها شيء. وحيث وقع المؤلف في التصحيف فكتب " خجنده " في حرف الجيم (جخندة) ووضع " علوة " في باب الغين (غلوة) وجعل " باب " و " بابة " في مادة الياء " ياب " و " يابة ".. الخ ما وقع فيه من تصحيفات، فقد أبقيت هذه الأعلام حيث وضعها وأشرت إلى خطأه، ولكني أعتزم - إن شاء الله - أن أجعل الفهرست كفيلاً بردها إلى وجه الصواب. إذ أثبت هنالك مثلاً (غلوة: صوابها علوة فانظره، وهكذا) ؛ أما إذا كان التصحيف في الباب نفسه مثل: وبدار

_ (1) مجلة كلية الآداب: 136.

(التي أوردها بعد وبار) ظناً منه أن ما بعد الواو باء موحدة، وصحتها وندار أو الزيدان (التي أوردها في باب الزاي المشفوعة بالياء وهي الزبداني) فقد كنت أصححه في المتن، لأن المادة لا تستدعي نقلاً من حرف إلى حرف. أما الفروق في القراءات فلم أثبت منها إلا ما وجدته ضرورياً أو هاماً، وأضربت عما كان وهماً خالصاً من الناسخين، وكذلك صنعت في عرض الكتاب على مصادره، إذ كان المؤلف في كثير من الأحيان يوجز بالحذف أو التلخيص، كذلك فإني أفدت من الزيادات التي أوردها الأستاذ بروفنسال إذ اعتبرت نشرته بمثابة نسخة أخرى في هذا الصدد وحده ولم أشر إلى ما صوبته في نصه من قراءات أو ما استدركته عليه لنقص في النسخ التي اعتمدها، فذلك يثقل الحواشي بما لا ضرورة له. وليس بين ما نشره الأستاذ رنزيتانو وبين القراءات التي اعتمدتها إلا فروق يسيرة جداً لأنه إنما كان اعتماده على مخطوطة بيرم باشا وعلى أصل النسخة (ص) . وربما كان الاطلاع على مزيد من النسخ كفيلاً بإبراز فروق أخرى، ولكن ذلك مما لم تتحه لي الظروف التي عملت أثناءها في تحقيق هذا الكتاب. وفي ختام هذه الكلمة أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لصديقي العلامة الحجة الأستاذ الشيخ حمد الجاسر، فقد كان له الفضل في تنبيهي إلى اعتماد كل من الناصري في رحلته والسمهودي في ملخص وفاء الوفا على الروض المعطار، كما تلطف - حفظه الله - بمراجعة قسم من مواد الكتاب، وزودني بتعليقاته العلمية المفيدة؛ وجزيل شكري لصديقي اعالم الكبير الأستاذ زهير شاويش الذي أذن بتصوير نسخة (ص) حين كانت في حوزته بموافقة الشيخ محمد نصيف رحمه الله، فإنه كان أسخى الناس في تشجيع الأعمال العلمية، وكل ما أتمناه أن يكون ما بذلته من جهد في إخراج هذا الكتاب وفاء بفضل كبير تلقيته من هذين الصديقين العزيزين ومن سائر أصدقائي الذين كانوا يتطلعون إلى روية الكتاب مشمولاً بهذه العناية المتواضعة، والله الموفق. بيروت في شهر أيار (مايو) 1974 إحسان عباس

بيان بالرموز المستعملة في هذا الكتاب

بيان بالرموز المستعملة في هذا الكتاب ع نسخة بيرم باشا الملحقة بمكتبة نورعثمانية. ص نسخة المرحوم الشيخ محمد نصيف بجدة. نزهة المشتاق: نسخة كواريللي رقم 955 تمثل الكتاب كله، ونسخة طوبقبو رقم 3502 وهي نصف الكتاب. الإدريسي (د) : صفة المغرب وأرض السودان والأندلس من نزهة المشتاق تحقيق دوزي ودي خويه (أمستردام 1969) . الإدريسي (ب) : وصف أفريقيا الشمالية والصحراوية من نزهة المشتاق تحقيق هنري بيريس (الجزائر: 1957) . الإدريسي (م) : صفة البلاد التي هي الآن المملكة الإيطالية، من نزهة المشتاق، تحقيق أماري وسكياباريللي (رومة 1878) . OG: (Opus Geographicum) وهو الطبعة الجديدة من نزهة المشتاق (روما - نابلي 1970) وقد ظهر منها فصلتان تشملان الإقليم الأول والثاني. البكري: المغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب وهو جزء من المسالك والممالك، تحقيق دي سلان (الجزائر 1857) . البكري (ح) : جغرافية الأندلس وأوروبا من كتاب المسالك والممالك، تحقيق الدكتور عبد الرحمن الحجي (بيروت 1968) . البكري (مخ) : كتاب المسالك والممالك، نسخة خطية في لاله لي رقم 2144.

حرف الهمزة

حرف الهمزة آمد مدينة من كور الجزيرة من أعمال الموصل والجزيرة ما بين دجلة والموصل، وآمد بمقربة من ميافارقين فتحها عياض بن غنم بعد قتال على مثل صلح الرها، فإنه لما أتى الرها خرج إليه أهلها فقاتلوه فهزمهم المسلمون حتى ألجأوهم إلى المدينة فطلبوا الأمان والصلح، فأجابهم عياض إليه وكتب لهم (1) : " بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من عياض بن غنم لأسقف الرها إنكم إن فتحتم لي باب المدينة على أن تؤدوا لي عن كل رجل منكم ديناراً أو مد قمح فأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم، عليكم ارشاد الضال وإصلاح الجسور والطرق ونصيحة المسلمين شهد الله وكفى بالله شهيداً ". فعلى مثل هذا الصلح صالح أهل آمد وأهل ميافارقين وكفر توثا بعد قتال أيضاً على مثل صلح الرها. ومدينة آمد كبيرة حصينة على جبل في غربي دجلة وهي كثيرة الشجر والجبل عليها مطل نحو مائة قامة وعليها سور بحجارة الأرحى السود، ولها داخل سورها مياه جارية ومطاحن على عيون تطرد وأشجار وبساتين، وبينها وبين ميافارقين مرحلتان، ولها أربعة أبواب: باب التل وباب الماء وباب الجبل وباب الروم، وفي شمالها سوران، وفي قبليها برج كبير يسمى برج الزينة، وعلى باب الروم برجان، وقصبة السلطان في شرقها. والمدينة مستعلية على شرف، وهي أكبر من ميافارقين، وداخل آمد عين ثرة. وتأتيها دجلة من شمالها وتخرج من شرقيها، وبساتينها غرباً وقبلة عنها إلى دجلة، وفي صحن جامعها أوتاد حديد قائمة معترضة من بلاط إلى بلاط ارتفاع الظاهر منها فوق الأرض ذراعان قد عقد بها كلها سلسلتان من حديد يذكر أهلها أن السرج كانت تقد عليها في سالف الأزمان. ومن العجائب (2) جبل بآمد فيه صدع فمن انتضى سيفه وأولجه فيه وهو قابض عليه اضطرب السيف في يده وارتعد هو ولو كان أشد الناس وأعجوبة أخرى أنه من حد بذلك الجبل سكيناً أو سيفاً وحمله على الابر والمسال جذبها أكبر من جذب المغنيطس، والحجر نفسه لا يجذب الحديد ولو بقي يحد عليه مائة عام لكانت تلك القوة فيه قائمة، وهو أقوى من حجر المغنيطس لأن الثوم يذهب قوة المغنيطس، وهذا مثل الذي بحوز مورور من الأندلس من أعمال قرطبة، وأخبر من حد به سيفاً في الحجر مكانه من الجبل وقد تقادم عهده فوجده يجذب من تحت غمده وتعلق الابر بالغمد، وذكر صاحب هذا السيف أنه قد صقله مراراً فما زالت تلك القوة فيه. ومن آمد إلى ميافارقين خمسة فراسخ. وفي سنة (3) ست وثمانين ومائتين نزل المعتضد أمير المؤمنين خليفة بغداد على آمد بعد وفاة أحمد بن عيسى بن الشيخ وقد تحصن بها ولده محمد بن أحمد بن عيسى، فبث جيوشه حولها وحاصرها، فحدث شعلة بن شهاب اليشكري قال: وجهني المعتضد إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن الشيخ لأخذ الحجة عليه، قال: فلما صرت إليه واتصل الخبر بأم الشريف أرسلت إلي فقالت: يا ابن شهاب، كيف خلفت أمير المؤمنين؟ فقلت: خلفته والله ملكاً جزلاً وحكماً عدلاً أماراً بالمعروف فعالاً للخير متعززاً على الباطل متذللاً للحق لا تأخذه في الله لومة لائم، قال: فقالت لي: هو والله أهل ذاك ومستحقه ومستوجبه، وكيف لا يكون كذلك وهو ظل الله الممدود على بلاده، والخليفة المؤتمن على عباده، أعز به دينه وأحيا به سنته

_ (1) فتوح البلدان: 106. (2) ابن الفقيه: 67، 134. (3) المروج 8: 134، والمنتظم 6: 16.

وثبت به شريعته، ثم قالت لي: وكيف رأيت صاحبنا، تعني ابن أخيها محمد بن أحمد، قال فقلت: رأيت غلاماً حدثاً معجباً قد استحوذ عليه السفهاء فاستمد بآرائهم ونصت لأقوالهم يزخرفون له الكلام ويوردونه الندم، فقالت لي: فهل لك أن ترجع إليه بكتاب فلعلنا أن نحل ما عقد السفهاء، قال قلت: أجل، فكتبت إليه كتاباً حسناً لطيفاً أجزلت فيه الموعظة وأخلصت فيه النصيحة، وكتبت في آخره هذه الأبيات: اقبل نصيحة أم قلبها وجع ... عليك خوفاً وإشفاقاً وقل سددا واستعمل الفكر في قولي فإنك إن ... فكرت ألفيت في قولي لك الرشدا ولا تثق برجال في قلوبهم ... ضغائن تبعث الشنآن والحسدا مثل النعاج خمول في بيوتهم ... حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا وداو داءك والأدواء ممكنة ... وإذ طبيبك قد ألقى إليك يدا وأعط الخليفة ما يرضيه منك ولا ... تمنعه مالاً ولا أهلاً ولا ولدا واردف أخاً يشكر ردءاً يكون له ... ردءاً من السوء لا تشمت به أحدا قال: فأخذت الكتاب وصرت به إلى محمد بن أحمد، فلما نظر فيه رمى به إلي ثم قال: يا أخا يشكر ما بآراء النساء تساس الدول، ولا بعقولهن يساس الملك، ارجع إلى صاحبك، فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته الخبر على حقه وصدقه، فقال: وأين كتاب أم الشريف؟ فأظهرته، فلما عرض عليه أعجبه شعرها وعقلها ثم قال: والله إني لأرجو أن أشفعها في كثير من القوم. فلما كان من فتح آمد ما كان ونزول محمد بن أحمد على الأمان لما عمهم القتال وجه إلي أمير المؤمنين فقال: يا شعلة بن شهاب هل عندك علم من أم شريف؟ قال، قلت: لا والله يا أمير المؤمنين، قال: فامض مع هذا الخادم فإنك تجدها في جملة نسائها، قال: فمضيت، فلما بصرت بي أسفرت عن وجهها وأنشأت تقول: ريب الزمان وصرفه ... وعدته كشف القناعا وأذل بعد العز من؟ ... االصعب والبطل الشجاعا ولقد نصحت فما أطع؟ ... ت وكم حرصت بأن أطاعا فأبى بنا المقدار إ ... لا أن نقسم أو نباعا يا ليت شعري هل نرى ... يوماً لفرقتنا اجتماعا ثم بكت وضربت بيدها على الأخرى وقالت: يا ابن شهاب كأني والله كنت أرى ما أرى فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال فقلت: إن أمير المؤمنين قد وجهني إليك وما ذاك إلا لحسن رأيه فيك، قال فقالت لي: فهل لك أن توصل إليه كتابي هذا بما فيه؟ قلت: نعم، فكتبت إليه بهذه الأبيات: قل للخليفة والإمام المرتضى ... وابن الخلائف من قريش الأبطح بك أصلح الله البلاد وأهلها ... بعد الفساد وطال ما لم تصلح وتزحزحت بك قبة العز التي ... لولاك بعد الله لم تتزحزح وأراك ربك ما تحب فلا ترى ... ما لا تحب فجد بعفوك واصفح يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها ... هب ظالمين ومفسدين لمصلح قال: فأخذت الكتاب وصرت به إلى أمير المؤمنين، فلما عرضت عليه الأبيات أعجبته، فأمر أن تحمل إليها تخوت من ثياب وجملة من المال وإلى ابن أخيها محمد بن أحمد بن عيسى مثل ذلك، وشفعها في كثير من أهلها ممن عظم جرمه واستحق العقوبة. ومن العلماء المنسوبين إلى آمد المتأخرين السيف الآمدي

آزمور

أبو الحسن علي بن أبي الحسن (1) الفقيه الأصولي الناظر الحافظ مصنف " أحكام الأحكام " و " منتهى السول " و " أبكار الأفكار " والجدل والخلافيات وغيرها من تصانيفه، وفيه يقول القائل: إني نصحت لأهل العلم إن قبلوا ... وكل قابل نصح سوف ينتفع لا تلتقوا السيف يوماً في مناظرة ... فكل من يلتقيه السيف ينقطع آزمُّور (2) مدينة في بلاد المغرب فيها صنف الأديب الكاتب أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن زنون الكتاب المسمى " الفرائد التؤام والفوائد التوام في أسماء الخيل المشاهير الأعلام " صنفه لصاحب سبتة أبي علي الحسن ابن خلاص (3) سنة تسع وثلاثين وستمائة، وهو كتاب حسن مفيد مليح في فنه، وقال في آخره: صنفه مؤلفه علي بن محمد بن علي بن زنون بمدينة آزمور. وحدث محمد بن عقيل بن عطية قال: كانت بيني وبين الأديب أبي عبد الله محمد بن حماد صحبة ومودة ثم اجتزت عليه بمقربة من آزمور مقدماً للقضاء فوجدته في حمام قد حجر، مباح الدخول فيه لسلطانه، فحاولت الدخول إليه فمنعت، فنسبت ذلك إلى سوء أدب الخدام، فانتظرته بباب الحمام، فلما خرج وصافحته أنكر مني ما ألف، وجهل من حقي ما عرف، فكتبت إليه: ألا أيها القاصي الذي خلت عهده ... تحول الليالي وهو ليس يحول أجدك هل أيقنت أني طالب ... جداك فلم يمكن لديك قبول وهل خلتني آتيك أشفع شافعاً ... وذلك شيء ما إليه سبيل فلم نؤت لما أن أتيت بجانب ... وأعرضت عني حين حان وصول ووالله ما أقضي للقياك حاجة ... سوى رعي عهد والوفاء قليل وما كنت إلا زائر البيت ليلة ... ويحفزني من بعد ذاك رحيل ولو قلت للشعرى أترضين أن أرى ... نزيلك قالت طاب منك نزيل فكيف ولم أعرض بشيء يخصني ... ولا في طباعي أن يقال دخيل ولي في مناديح الرئاسة مذهب ... أبيت على وعد بها وأقيل وقد كان لي لب بذكرك عامر ... وظن على طول البعاد جميل فلما تلاقينا تلاشت مبرة ... ويا ليت أني قبل ذاك عليل آمُل بضم الميم بعد المد وآخره لام، مدينة من مدن خراسان بينها وبين مرو على شط نهر جيحون ست مراحل خفاف تكون مائة ميل وأربعة وعشرين ميلاً، وبين آمل وجيحون ثلاثة أميال وهي مدينة حسنة متوسطة القدر لها بساتين وعمارات وفيها ناس وتجارات وحمامات، ومن آمل إلى مدينة خوارزم المسماة الجرجانية اثنتا عشرة مرحلة. وحكى البكري أن آمل من بلاد طبرية وأن منها محمد بن جرير الطبري الإمام ولعلها مدينة أخرى تسمى كذلك (4) . وفي سنة ست عشرة ومائة ظفر أسد بن عبد الله وهو أخو خالد بن عبد الله القسري بخداش صاحب الدعوة فقطع يده ورجله وشخص به إلى آمل فقطع بها لسانه وسمل عينيه وصلبه، وكان خداش قد غير وبدل ورخص في أشياء لا تحل ونقش خاتماً

_ (1) ابن خاكان 3: 293 (رقم: 432) . (2) بفتح الزاي وتشديد الميم وضمها، ومعناها باللغة البربرية: ((الزيتون البري) . (3) تولى سبتة سنة 637 ثم ثار على الموحدين سنة 641 وأعلن تبعيته للأمير أبي زكريا الحفصي صاحب تونس، وكانت وفاته سنة 646 (البيان المغرب 3: 359 وديوان ابن سهل، طبع بيروت 1967. واختصار القدح المعلى: 98) (4) قال ياقوت (آمل) عن الطبري: أصله ومولده من آمل؛ والصواب أن يقول المؤلف ((طبرستان)) لا طبرية، وإن كانت النسبة غلى طبرستان ((طبري)) .

أبال

على خاتم الإمام وأظهر كتباً مفتعلة ووجدت له كتب فيها خداش الروح وفيها سأريكم دار الفاسقين بني أمية فنيل بما نيل به، وظفر أسد بعد بجماعة من الشيعة فضرب وقطع وكسر الثنايا. قال البكري: آمل هي المدينة العظيمة المتواصفة من مدائن طبرستان وبها كان بنو الخليل وهم قوم من أشراف العجم لهم بها نعم جليلة. وكان إبراهيم ومروان ابنا الخليل يركبان عند السفر إلى الديلم في ثمانمائة من مماليكهما سوى الموالي والخول والأتباع، وإنما كانوا أصحاب ضياع لم يدخلوا في عمل السلطان قط. أمْسِيول (1) هو جبل بجاية، ويأتي ذكره عند ذكر بجاية إن شاء الله تعالى. أبَّة (2) في البلاد الإفريقية وهي على اثني عشر ميلاً (3) من مدينة الأربس في غربيها، وكان بها من الزعفران ما يضاهي الزعفران الأندلسي كثرة وجودة. وبوسط أبة عين ماء جارية منها شرب أهلها، عذبة (4) ماؤها غزير، وكان على أبة فيما سلف من الزمان سور مبني بالطين، وأسعارها رخيصة، وأكثرها الآن خراب. أُبَّذة (5) مدينة بالأندلس بينها وبين بياسة سبعة أميال، وهي مدينة صغيرة وعلى مقربة من النهر الكبير، ولها مزارع وغلات قمح وشعير كثيرة جداً، وفي سنة تسع وستمائة مالت عليها جموع النصرانية بعد كائنة العقاب وكان أهلها قد أنفوا من إخلائها كما فعل جيرانها أهل بياسة، ولم ترفع تلك الجموع يداً عن قتالها حنى ملكتها بالسيف، وقتل فيها كثير، وأسروا كثيراً ووقع على ما كان فيها بين أجناس النصارى خصام آل إلى الشحناء والافتراق وكفى الله المسلمين بذلك شراً كثيراً، وكان بعضهم قد طلب أبذة فتنافسوا فيها ولم يأخذها أحد منهم وخربوا أسوارها. أُبَال (6) حصن بالأندلس في شمال قرطبة وعلى مرحلة منها، وهو الحصن الذي فيه معدن الزئبق، وفيه يعمل الزنجفور (7) ومنه يتجهز بالزئبق والزنجفور إلى جميع أقطار الأرض، ويخدم هذا المعدن أزيد من ألف رجل فقوم للنزول وقطع الحجر، وقوم لنقل الحطب لحرق المعدن، وقوم لعمل أواني السبك والتصفية، وقوم لبنيان الأفران والحرق، ومن وجه الأرض إلى أسفله فيما حكي أكثر من مائة قامة (8) . أبواطا جزيرة في إقليم برذيل وهي بازاء موضع نهر برذيل وأبواطا يأوي إليها المجوس بمراكبهم عند ارتجاج البحر، فإذا ركدت الريح وسكن البحر وأمكنهم الفرصة دخلوا النهر فجأة فيغيرون في ضفتيه حيثما أمكنهم ثم يرجعون إليها؛ وفي هذه الجزيرة آثار بنيان ومعالم عمران، وهي كثيرة الشعراء ملتفة الأشجار بها مياه عذبة ومزارع جمة، وإذا اتصلت بهم أهوال الشتاء فامتنعوا من ركوب البحر وأصابهم الجهد عمدوا إلى نوع من الشجر يكثر بهذه الجزيرة فيقتاتون به الشهر والشهرين. الأبْواء (1) قرية جامعة بين مكة والمدينة شرفهما الله تعالى وسطاً من المسافة، ومعنى (10) الأبواء أخلاط من الناس، وفي واديها من نبات الطرفاء ما لا يعرف بواد أكثر منه، وهي قرية حصينة كثيرة الأهل وماؤها من الآبار، والبحر منها قريب، وبينها وبين السقيا سبعة وعشرون ميلاً، وبها ماتت آمنة بنت وهب (11) أم النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين، وكانت قدمت به صلى الله عليه وسلم المدينة على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فكان صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم. قال ابن إسحاق (12) : وخرج رسول صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ودان وهي غزوة الأبواء يريد قريشاً وبني ضمرة وبني بكر بن عبد مناة فصالح بعضهم ثم رجع ولم يلق كيداً وذلك بعد اثني عشر شهراً من مقدمه المدينة صلى الله عليه وسلم. أَبان (13) بفتح أوله، جبل، وهما أبانان الأبيض والأسود،

_ (1) الإدريسي (ب بيربس) مسيون، ص: 62، وفي بعض أصول الإدريسي (د دوزي) : 90: أمسينون. (2) النقل عن الإدريسي (ب/ د) : 86/ 117، وأنظر أيضاً البكري: 53. (3) البكري: ستة أميال، وهو مخالف لما عند الإدريسي. (4) الإدريسي: غدقة. (5) الإدريسي (د) : 203 وبروفنال: 11 والترجمة: 15 (Ubada) . (6) الإدريسي (د) : 213 وبروفنال: 10 والترجمة: 15 (Owejo) . (7) دوزي: الزنجفر. (8) الإدريسي (د) : مائتي قامة وخمسين قامة. (1) الإدريسي (ب بيربس) مسيون، ص: 62، وفي بعض أصول الإدريسي (د دوزي) : 90: أمسينون. (10) في ع ص: وفي (11) ابن هشام 1: 168 (12) ابن هشام 1: 591. (13) معجم ما استجمع 1: 95.

أبرق العزاف

فالأبيض لبني فزارة والأسود لبني والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بينهما فرسخ، وإياهما عنى مهلهل بقوله يعني ابنته: انكحها فقدها الأراقم في ... جنب وكان الحباء من أدم لو بأبانين جاء يخطبها ... ضرج ما أنف خاطب بدم أبرق العزاف (1) واد بالحجاز يقال إنه لا يتوارى جنه، قال خريم بن فاتك الأسدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ألا أحدثك كيف كان بدء إسلامي، قال: بلى، قال رضي الله عنه: خرجت في طلب إبل لي ... وبقية الحكاية في حرف الخاء من ابن عساكر " خريم بن فاتك " فانظره (2) . الأبطح (3) بمكة شرفها الله تعالى، وقريش فريقان: قريش البطاح وقريش الظواهر، فقريش البطاح هم الذين ينزلون بطحاء مكة وهم بنو عبد مناف وبنو عبد الدار وبنو عبد العزى وبنو عدي بن قصي بن كلاب وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم وبنو مخزوم وبنو سهم وبنو جمح، وقريش الظواهر الذين ينزلون حول مكة وهم بغيض بن لؤي وبنو الأدرم بن غالب ومحارب والحارث ابنا فهم، وسائر قريش الذين ليسوا من الأباطح ولا من الظواهر هم: سامة بن لؤي وخزيمة بن لؤي وبنو عوف بن لؤي، ويقال لرسول صلى الله عليه وسلم الأبطحي لأنه من ولد عبد مناف، وكان يقال لعبد المطلب سيد الأباطح. وقال أبو رافع، وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأمرني أن أنزل بالأبطح ولكن ضرب قبته فنزله. أبهر بلد ما بين قزوين وزنجان، من قزوين إليها اثنا عشر فرسخاً ومنها إلى زنجان خمسة عشر فرسخاً. قالوا: وأبهر أيضاً في أصبهان ينسب إليها أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري الفقيه المالكي (4) جمع بين القراءات وعلو الأسانيد وتفقه ببغداد وشرح مختصر ابن عبد الحكم، وانتشر عنه مذهب مالك رحمه الله في البلاد. ومولده قبل التسعين والمائتين، ومات سنة خمس وسبعين وثلثمائة. أبيوود من مدن خراسان، فيها ولد الفضيل بن عياض الزاهد بمكة سنة سبع وثمانين ومائة، قال سفيان بن عيينة (5) : دعانا الرشيد فدخلنا عليه ودخل الفضيل آخرنا مقنعاً رأسه بردائه، فقال: يا سفيان أيهم أمير المؤمنين؟ فقلت: هذا، فقال: أنت يا حسن الوجه الذي أمر هذه الأمة كلها في عنقك؟ لقد تقلدت أمراً عظيماً، فبكى الرشيد، ثم أتي كل رجل منا ببدرة فكل قبلها إلا الفضيل، فقال الرشيد: يا أبا علي إن لم تستحل أخذها فخذها فأعطها ذا دين وأشبع بها جائعاً واكس عارياً وفرج بها عن مكروب، فاستعفاه منها، فلما خرج قلت له: يا أبا علي أخطأت ألا أخذتها وصرفتها في أبواب البر، فأخذ بطرف لحيتي ثم قال: يا أبا محمد أنت فقيه البلد والمنظور إليه وتغلط هذا الغلط! لو طابت لأولئك لطابت لي، قال سفيان: فصغر والله إلي نفسي. ومن أهل أبيورد محمد بن أحمد الأموي أبو المظفر الأبيوردي (6) أوحد عصره في معرفة اللغة والأنساب وغير ذلك له تصانيف كثيرة، منها " تاريخ ابيورد ونسا " و " المختلف والمؤتلف " و " طبقات العلم في كل فن " و " ما اختلف وائتلف في أنساب العرب "، وله في اللغة مصنفات ما سبق إليها، وكان متصرفاً في فنون جمة، فصيح الكلام حاذقاً بالتصنيف وافر العقل، سئل عن أحاديث الصفات فقال: بعر وتمر، وقال في قوله صلى وسلم الله عليه " ليس لعرق ظالم حق "، العروق أربعة: عرقان ظاهران وعرقان باطنان، فالظاهران الغرس والبناء والباطنان البئر والمعدن (7) وله: تنكر لي دهري ولم يدر أنني ... أعز وأحداث الزمان تهون فظل يريني الخطب كيف اعتداؤه ... وظلت أريه الصبر كيف يكون وله:

_ (1) معجم ما استجمع 2: 940. (2) تهذيب ابن عساكره 5: 128 - 132، والقصة طويلة، وخلاصتها أنه سمع هاتفاً يهتف باسم الرسول ويعدعوه إلى الرشد فتوجه إلى المدينة وأسلم. (3) معجم ما استجمع 1: 257 (البطحاء) ، 1: 97. (4) الديباج المذهب: 255. (5) انظر القصة في ابن خكان 4: 47 (رقم: 531) . (6) ابن خلكان 4: 444 (رقم: 674) . (7) قال ابن الأثير في النهاية (3: 86 - 87) في تفسير الحديث: هو أن يجيء الرجل غلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرساً غصباً ليستوجب به الأرض، وانظر إرشاد الساري 4: 184، ونقل عن ابن شعبان في الزاهي قوله: العروق أربعة: عرقان ظاهران، وعرقان باطنان، فالظاهران البناء والغراس والباطنان الآبار والعيون.

الأبلة

فيا ويح نفسي لا أرى الدهر منزلاً ... لعلوة إلا ظلت العين تذرف ولو دام هذا الوجد لم يبق عبرة ... ولو أنني من لجة البحر أغرف وله: بأبي ريم تعرض لي ... عن رضا في طيه غضب فأراني صبح وجنته ... بظلام الصدغ ينتقب فأتى بالكأس مترعة ... كضرام النار يلتهب فهي شمس في يدي قمر ... وكلا عقديهما الشهب ولها من ذاتها طرب ... فلهذا يرقص الحبب وتوفي سنة سبع وخمسمائة بأصبهان. الأبلة (1) بضم الهمزة والباء واللام المشددة، مدينة بالعراق بينها وبين البصرة أربعة فراسخ ونهرها الذي في شمالها، وجانبها الآخر على غربي دجلة، وهي صغيرة المقدار حسنة الديار واسعة العمارة متصلة البساتين عامرة بالناس المياسير وهم في خصب من العيش ورفاهية. وهي في قول محمد بن سيرين القرية التي مر بها موسى والخضر عليهما السلام فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما، قالوا: وهم أبخل أهل قرية وأبعدها من السخاء، ويحكى أن أهلها رغبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أن يثبت في المصحف: فأتوا أن يضيفوهما بالتاء المثناة بدل الباء وقالت فرقة: بل القرية انطاكية، وقيل: هي برقة، ويقال: إنها الجزيرة الخضراء بالأندلس. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أمر بحفر نهر الأبلة فلما ولي عثمان رضي الله عنه جعل نصف النفقة على أهل الخراج والنصف الثاني على بيت المال، فمدوه إلى البصرة. والأبلة مدينة قديمة عامرة فتحها عتبة بن غزوان في زمن عمر رضي الله عنه (2) ، ولما نزل عتبة الخريبة وبالأبلة خمسمائة من الأساورة وكانت مرفأ الصين وما دونها، خرج إليه أهل الأبلة فناهضهم عتبة، وأمر رجلين من أصحابه فقال لهما: كونا في عشرة فوارس في ظهورنا فتردان المنهزم وتمنعان من أرادنا من ورائنا، ثم التقوا فاقتتلوا مقدار جزر جزور وقسمها، ثم منحهم الله تعالى أكتافهم فولوا منهزمين حتى دخلوا المدينة، ورجع عتبة إلى عسكره فأقاموا أياماً وألقى الله عز وجل في قلوبهم الرعب، فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف وعبروا الفرات وخلوا المدينة، فدخلها المسلمون فأصابوا متاعاً وسلاحاً وسبياً وعيناً فاقتسموا العين، وولي نافع بن الحارث أقباض الأبلة فأخرج خمسه ثم قسم الباقي بين من أفاء الله عليه، وشهد فتح الأبلة مائتان وسبعون. قالوا (3) : ولما خرج الناس لقتال أهل الأبلة قالوا للعدو: نعبر إليكم أو تعبرون إلينا؟ فقالوا: اعبروا إلينا، فأخذوا خشب العشر وأوثقوه وعبروا، فقال المشركون: لا نأخذ أولهم حتى يعبر آخرهم، فلما صاروا على الأرض كبروا تكبيرة ثم كبروا الثانية فقامت دوابهم على أرجلها ثم كبروا الثالثة فجعلت الدابة نضرب بصاحبها الأرض وجعلنا ننظر إلى رؤوس تندر لا نرى من يضربها، وفتح الله على أيديهم المدينة. وقال سلمة بن فلان (4) : شهدت فتح الأبلة فوقع في سهمي قدر نحاس، فلما نظرت إذا هي ذهب فيها ثمانون ألف مثقال، وكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب أن يحلف سلمة بالله لقد أخذتها يوم أخذتها وهي عنده نحاس فإن حلف سلمت إليه، وإلا قسمت بين المسلمين، فحلفت فسلمت لي، قال: فأصول أموالنا اليوم منها. وقال خالد بن عمير: شهدت فتح الأبلة مع عتبة بن غزوان فأصبنا سفينة مملوءة جوزاً فقال رجل منا: ما هذه الحجارة؟ وكسرناها فأكلنا منها فقلنا هذا طعام طيب. وقال علي بن سعيد: كان فخر الدين علي بن الدامغاني قدمه الخليفة المستنصر على ديوان الزمام، قال: وصحبته من مدينة السلام إلى أسافل دجلة لجمع الأموال فانحدرنا إلى البصرة وحللنا بين نهر معقل ونهر الأبلة، فنصب فخر الدين هناك خيمة وتزاحم الوفود عليه من المسلمين واليهود والنصارى والصابئة والمجوس، فقلت له: ما بين نهر الأبله ... وبين معقل حله

_ (1) انظر ياقوت (الإبلة) ونزهة المشتاق: 121. (2) الطبري 1: 2384. (3) الطبري 1: 2387. (4) هو سلمة بن المحبق كما في الطبري.

أبطير

قد حلها كل جود ... وأمها كل مله بدت لديها بدور ... دارت عليها الأهلة يمم ذراها لتلقى ... بأفقها المجد كله فاستحسن ذلك فخر الدين، قال: وكان نزولنا في جنوبي نهر معقل وبينه وبين نهر الأبلة في الجنوب فرسخ، ويخرج من أعلى هذا النهر فيض ومن أصل النهر الآخر فيض يختلطان فيصير منهما النهر الذي يمتد مع البصرة في شرقيها، ويجمع ذلك المكان أصناف الزهر وأشتات الرياحين والنخل، فأنشد فخر الدين: انظر إلى نهرين قد أخرجا ... من دجلة ما لهما من مثيل وإن تشا قلت أرى دارغاً ... في كل كف منه سيف صقيل والنخل والأدواح قد أحدقت ... تحكي رعيلاً قد تلاه رعيل ولما دخل الططر مدينة السلام أبقوه على جباية البلاد لمعرفته بها ثم قدموه للشنق سنة تسع وخمسين وستمائة لأنهم اتهموه بمواطأة صاحب مصر عليهم. أبطير (1) حصن بالأندلس بمقربة من بطليوس من بناء محمد بن أبي عامر، من جليل الصخر داخله عين ماء خوارة، وهو اليوم خال، وعلى مقربة منه بنحو ثلاث غلاء (2) قبر في نشز من الأرض قد نحت في حجر وقد نضد عليه صفائح الحجارة ويعرف بقبر الشهيد ولا يعلم له وقت لقدمه، يرفع عنه بعض تلك الصفائح فيرى صحيح الجسم لم يتغير، نابت الشعر. أبركاوان جزيرة في البحر بينها وبين سيراف مائة وخمسون فرسخاً وفيها قلاع شتى وفيها أجوان كثيرة ومستقى ومحتطب كثير، وفيها معادن الحديد، وطولها اثنا عشر فرسخاً، وبينها وبين ساحل بحر فارس فرسخان. ابرشهر هي مدينة نيسابور، وقصدها غازياً الأحنف بن قيس من قبل ابن عامر فلقيه الهياطلة فقاتلهم فهزمهم، ثم أتى ابن عامر نيسابور فافتتح مدينة ابرشهر هذه، قيل صلحاً وقيل عنوة، وفتح ما حولها: طوس وبيورد ونسا وسرخس، ولما افتتحها ابن عامر أعطوه جاريتين من آل كسرى. أبيض المدائن ويقال له القصر الأبيض، وهو الذي لا يدرى من بناه وهو من المدينة العتيقة من المدائن دار ملك الأكاسرة بالعراق، وهو المشار إليه في حديث النسائي (3) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول بيده وقال: " بسم الله " فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة، قال صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأنظر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا "، قال: ثم ضرب أخرى وقال: " بسم الله " وكسر ثلثاً آخر وقال: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأنظر قصر المدائن الأبيض "، ثم ضرب ثالثة وقال: " بسم الله " فقطع بقية الحجر وقال: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأنظر باب صنعاء "، وهذا الحديث أوضح في المعنى من حديث سلمان رضي الله عنه الذي في السير (4) ، وذلك أن المدائن على مسافة يوم من بغداد ويشتمل مجموعها على مدائن متصلة مبنية على جانبي دجلة شرقاً وغرباً، ودجلة تشق بينها ولذلك سميت المدائن: الغربية منها تسمى بهرسير، والمدينة الشرقية تسمى العتيقة، وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه، ويتصل بهذه المدينة العتيقة المدينة الأخرى التي كانت الملوك تنزلها، وفيها إيوان كسرى العجيب الشأن الشاهد بضخامة ملك بني ساسان، ويقال إن سابور ذا الأكتاف منهم هو الذي بناه وهو من أكابر ملوكهم وقد ذكر أبو عبادة البحتري هذا القصر الأبيض وما كان مصوراً فيه من الصخور العجيبة والتماثيل البديعة في قصيدته السينية البارعة الفريدة (5) : حضرت رحلي الهموم فوجه؟ ... ت إلى أبيض المدائن عنسي أتسلى عن الحظوظ وآسى ... لمحل من آل ساسان درس ذكرتنيهم الخطوب التوالي ... ولقد تذكر الخطوب وتنسي

_ (1) برفنسال: 11 والترجمة: 16 ولم يعرف بها. (2) الغلاء: جمع غلوة، وهي رمية السهم. (3) سنن النسائي؛ باب الجهاد (6: 43) وليس فيه رواية عن البراء بن عازب، وإنما الرواية عن البراء في مسند احمد 4: 303 قريبة الشبه بما أورده المؤلف. (4) انظر ابن هشام 2: 219. (5) ديوان البحتري: 1152.

أباغ

وهم خافضون في ظل عال ... مشرف يحسر العيون ويخسي حلل لم تكن كأطلال سعدى ... في قفار من المهامه ملس ومساع لولا المحاباة مني ... لم تطقها مسعاة عنس وعبس لو تراه علمت أن الليالي ... جعلت فيه مأتماً بعد عرس وهو ينبيك عن عجائب قوم ... لا يشاب البيان فيهم بلبس فإذا ما رأيت صورة انطاكي ... ة ارتعت بين رومٍ وفرس والمنايا مواثل وأنوشروان يزجي ... الصفوف تحت الدرفس في اخضرار من اللباس على أخ؟ ... ضر يختال في صبيغة ورس وعراك الرجال بين يديه ... في خفوت منهم واغماض جرس من مشيح يهوي بعامل رمح ... ومليح من السنان بترس تصف العين أنهم جد أحيا ... ء لهم بينهم إشارة خرس يغتلي فيهم ارتيابي حتى ... تتقراهم يداي بلمس أبيار (1) بفتح أوله، قرية من كور البلاد المصرية منها أبو الحسن علي بن إسماعيل الصنهاجي الفقيه شارح " البرهان ". الأبلق الفرد هو حصن السموأل بن عاديا، قالوا: إذا خرجت من المدينة وأنت تريد تيماء فتنزل الصهباء ثم تنزل كذا ثم تنزل العين ثم كذا ثم تسير ثلاث ليال في الجناب ثم تترل تيماء وهي لطيء (2) . وبتيماء حصن الأبلق الفرد الذي كان ينزله السموأل، والعرب تضرب المثل بهذا الأبلق الفرد في الحصانة والمنعة فتقول: تمرد مارد وعز الأبلق (3) . وزعموا أنه من بنيان سليمان عليه السلام. وكان الحارث بن أبي شمر الغساني بلغه أن امرأ القيس أودع سلاحاً وكراعاً عند السموأل فبعث إليه رجلاً من أهل بيته يقال له الحارث بن مالك فلما دنا من حصنه أغلق بابه وسأله ما الذي جاء به؟ فقال له الحارث: جئتك لتدفع إلي كراع امرئ القيس، فأبى عليه، وكان للسموأل خارج الحصن ابن يقتنص يومه فلما رجع قال له الحارث: إن لم تعطني ما سألتك قتلت ابنك هذا، فقال: لا سبيل إلى ذلك فاصنع ما أنت صانع، فقتل ابنه، فضربت به العرب المثل في الوفاء وقالت: أوفى من السموأل، وفي ذلك يقول أعشى قيس (4) : كن كالسموأل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كهزيع الليل جرار بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدار خيره خطتي خسف فقال له ... مهما تقولن فإني سامع دار فقال ثكل وغدر أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظ لمختار فشك غير طويل ثم قال له ... اقتل أسيرك إني مانع جاري أباغ (5) عين أباغ في طرف أرض العراق مما يلي الشام فيها أوقع الحارث الغساني وهو يدين لقيصر بالمنذر بن المنذر وبعرب العراق وهم يدينون لكسرى وقتل المنذر يومئذ. وقال الرياشي: عين أباغ بين بغداد والرقة وأنشد: بعين أباغ قاسمنا المنايا ... فكان قسيمها خير القسيم وبعين أباغ مات صالح بن علي بن عبد الله بن العباس عم أبي جعفر المنصور وهو يريد الشام، وروي أن صالحاً هذا ظفر ببشر بن عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك فقال: انه قد كان من بلاء أبي هذا عندنا وإحسانه إلينا ما يوجب حفظه، فقال له بشر: فلينفعني هذا عند الأمير اليوم، فقال: أما قتلك فلا بد منه لكتاب أمير المؤمنين إلي بذلك وأنه لا سبيل إلى مخالفته، ولكني أقدم الذي سعى بك فأضرب عنقه بين يديك وأكافئ الذي آواك، ففعل ذاك.

_ (1) ياقوت: (أبيار) وانظر ترجمة الأبياري في الديباج: 213 وكانت وفاته سنة 616، والبرهان من مؤلفات الجويني. (2) معجم ما استعجم 1: 329 والنص بتمامه: فتنزل الصهباء لأشجع ثم تنزل أشمذين لأشجع ثم تنزل العين ثم سلاح لبني عذرة ثم تسير ثلاث ليال في الجناب.. الخ. (3) فصل المقال: 130 - 131 والميداني 1: 84 والعسكري 1: 179. (4) ديوان الأعشى: 126. (5) معجم ما استعجم 1: 95.

اثل

أبين (1) باليمن، قيل فيه بكسر الألف وفتحها، وهو اسم رجل في الزمن القديم إليه تنسب عدن أبين من بلاد اليمن وبينها وبين عدن اثنا عشر ميلاً. وفي كلام شق في تفسير رؤيا ربيعة بن نصر: أحلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان فليغلبن على كل طفلة البنان وليملكن ما بين أبين إلى نجران، إلى آخر أسجاعه. الأثيل واد في حيز بدر طوله ثلاثة أميال، بينه وبين بدر ميلان حيث كانت الوقعة المباركة بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش سنة اثنتين، وكانت بدر موسماً من مواسم العرب ومجمعاً من مجامعهم في الجاهلية، وبها قصور وبئار ومياه تستعذب بأرض يقال لها الأثيل ويقرب منها ينبع والصفراء والجار والجحفة (2) ، وإياها أرادت قتيلة بنت الحارث وكان رسول الله صلى وسلم الله عليه أمر بقتل أخيها النضر هنالك، فقالت (3) : يا راكباً إن الأثيل مظنة ... من صبح رابعة وأنت موفق أبلغ بها ميتاً بأن تحية ... ما إن تزال بها الركائب تخفق مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بدرتها وأخرى تخنق الأبيات إلى آخرها. اثل (4) هي مدينة الخزر وقصبتها باب الأبواب ومنها إلى سمندر أربعة أيام في عمارة، ومن سمندر إلى اثل أربعة أيام، واثل مدينتان عامرتان من ضفتي النهر المسمى بها والملك يسكن في المدينة التي في الضفة الغربية من النهر، والتجار والسوقة وعامة الناس يسكنون المدينة التي في الضفة الشرقية، وطول مدينة اثل نحو ثلاثة أميال، ويحيط بها سور منيع، وأكثر أبنيتها قباب يتخذها الأتراك من لبود، وجلتهم يبنون بالتراب والطين، وقصر ملكها مبني بالآجر، ولا يبني أحد هناك بالآجر خوفاً من الملك. والخزر نصارى ومسلمون وفيهم عباد أوثان، ولا يغير أحد على أحد في أمر دينه، وزراعات أهل اثل على ما جاور النهر من الأرضين، فإذا زرعوا وحان الحصاد خرجوا إليه، قريباً كان أو بعيداً، فحصدوه ثم نقلوه بالمراكب في النهر، وأكثر طعامهم السمك والأرز، ونهر اثل مبدؤه من جهة المشرق من ناحية الأرض الخراب حتى يقع في بحر الخزر، ويقال إنه يتشعب منه نيف وسبعون نهراً، ويبقى عمود النهر فيجري إلى بحر الخزر، وهذه المياه المفترقة إذا اجتمعت في أعلى النهر تزيد على مياه جيحون وبلخ كثيراً كبراً وغزر مياه وسعة على وجه الأرض. ويركب هذا البحر التجار بأمتعتهم من أرض المسلمين إلى أرض الخزر وهو فيما بين الران والجبل وطبرستان وجرجان، وقد يسافر أهل اثل إلى جرجان، والخزر بلاد أمم كثيرة، ولهم بلاد ومدن منها سمندر والباب والأبواب وبلنجر وغيرها، وكل هذه البلاد بناها كسرى أنوشروان، وهي الآن قائمة عامرة. أجا (5) يهمز ولا يهمز، أحد جبلي طيء وهما أجأ وسلمى سميا برجل وامرأة فجرا فصلبا عليهما، أما أجأ فهو ابن عبد الحي وأما سلمى فهي سلمى بنت حام. وفي شعر امرئ القيس (6) : أبت أجأ أن تسلم العام جارها ... وفي السير (7) في غزوة تبوك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له "، ففعلوا إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الذي ذهب لحاجته فخنق على مذهبه، وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ألم أنهكم أن يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه "، ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي، وأما الذي وقع بجبلي طيء فإن طيئاً أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة. وفي شعر ابن هانئ الأندلسي (8) : سلوا طيء الأجبال أين خيامها ... وما أجأ إلا حصان ويعبوب أجدابية مدينة في حيز برقة وهي آخر ديار لواتة، وهي في صحصاح من حجر مستو، وكان لها فيما سلف سور ولم يبق

_ (1) معجم ما استعجم 1: 103. (2) حدد مؤلف المناسك موقع الأصيل في أسفل وادي الصفراء؛ وهو المكان المعرف اليوم بالجديد ويبعد عن بدر بمسافة من عشرة كيلومترات (أنظر تعليقات الشيخ حمد الجاسر على ديوان كثير: 551) . (3) ابن هشام 2: 42 وقد أورد منها سبعة أبيات أخرى. (4) نزهة المشتاق: 271. (5) رحلة الناصري: 208. (6) عجز البيت: فمن شاء فلينهض لها من مقاتل؛ وانظر معجم ما استعجم 1؛ 110. (7) ابن هشام 521. (8) ديوان ابن هانئ: 21.

أجرسيف

منه الآن إلا قصران في الصحراء، والبحر منها على أربعة أميال ولا شيء حولها من النبات، وفيها يهود ومسلمون ويطيف بها خلق من البربر، وليس بها ماء جار إنما مياههم في المواجل والسواني التي يزرعون عليها الشعير وقليل الحنطة وضروباً من القطاني. وممن ينتسب إليها علي بن عبد الله بن عبد الرحمن الأجدابي أحد فقهاء القيروان الجلة، روى عن أبي الفضل محمد بن يحيى بن عباس قال: كان حي من الجن يقال لهم بنو أسد يزجرون الطير فأرادوا أن يختبروا علم بني أسد من الأنس في زجر الطير فتمثلوا ثلاثة أشخاص وأتوا إلى بني أسد من الأنس فسلموا عليهم وقالوا: إنا قوم ذهبت لنا لقاح فابعثوا معنا من يزجر الطير لعلنا نجدها، فبعثوا صبياً صغيراً منهم فما مشى إلا يسيراً إذ نظر إلى عقاب قد ضمت جناحاً وفتحت جناحاً، فرجع الصبي إلى قومه وهو يبكي ويقول للأشخاص الثلاثة: ضمت جناحاً وفتحت جناحاً، فأحلف بالله صراحاً، ما أنتم بانس ولا تبغون لقاحاً. ومن المنسوبين إلى أجدابية أيضاً أبو إسحاق الأجدابي الأديب (1) صاحب " الكفاية " و " شحذ القريحة " و " العروض ". وأجدابية (2) مدينة كبيرة في الصحراء وأرضها صفا وآبارها منقورة في ذلك الصفا، طيبة الماء والهواء وبها عين ثرة غدقة وبساتين ونخل يسير، وبها جامع حسن بناه الشيعي وله صومعة مثمنة بديعة العمل، وبها حمامات وفنادق كثيرة وأسواقها حافلة مقصودة، وأهلها ذوو يسار وأكثرهم أنباط وبها نبذ من صرحاء لواتة، وليس لمبانيها سقوف خشب إنما هي أقباء من طوب لكثرة الرياح بها، كذا كانت أول الأمر ثم أتى عليها من الأمر ما قدمناه. أجرسيف (3) مدينة في أحواز تلمسان من أرض المغرب كبيرة لها بساتين كثيرة وهي على نهر ملوية وهو نهر كبير من الأنهار المشهورة، وكانت أجرسيف قرية كبيرة على النهر المذكور حتى خرج الملثمون من الصحراء فنزلوها ومدنوها وبنوا عليها سوراً من طوب. أجنادين بفتح الهمزة والنون والدال، بعدها ياء ونون على لفظ التثنية، موضع بالشام من بلاد الأردن، قال كثير (4) : فإلا تكن بالشام داري مقيمة ... فإن بأجنادين مني ومسكن مشاهد لم يعف التنائي قديمها ... وأخرى بميافارقين فموزن مسكن بالعراق وهو موضع معسكر مصعب وبه قتل، يخبر كثير أنه كان مع عبد الملك في حروبه تلك، وبأجنادين كانت الوقعة بين المسلمين والنصارى في آخر خلافة الصديق رضي الله عنه، وهي أول وقعة عظيمة كانت بالشام، وكانت (5) سنة ثلاث عشرة قبل وفاة أبي بكر رضي الله عنه بأربع وعشرين ليلة، قتل المسلمون منهم في المعركة ثلاثة آلاف واتبعوهم يقتلونهم ويأسرونهم، وخرج كل الروم إلى ايليا وقيسارية ودمشق وحمص فتحصنوا في المدائن العظام، وكتب خالد بن الوليد رضي الله عنه بالفتح إلى أبي بكر رضي الله عنه: أخبرك أيها الصديق أنا لقينا المشركون وقد جمعوا لنا جموعاً جمة بأجنادين وقد رفعوا صلبهم ونشروا كتبهم وتقاسموا بالله لا يفرون حتى يفنونا أو يخرجونا من بلادهم، فخرجنا إليهم واثقين بالله متوكلين عليه، فطاعناهم بالرماح شيئاً ثم صرنا إلى السيوف فقارعناهم بها قدر جزر جزور، ثم إن الله أنزل نصره وأنجز وعده وهزم الكافرين فقاتلناهم في كل فج وشعب وغائط، فالحمد لله على إعزاز دينه وإذلال عدوه وحسن الصنع لأوليائه والسلام. وفتوح الشام متضمنة لبسط هذا الخبر المجمل. أجياد بفتح أوله وإسكان ثانيه وبالياء أخت الواو والدال المهملة كأنه جمع جيد، أحد جبال مكة وهو الجبل الأخضر العالي بغربي المسجد الحرام، وفي رأسه منار يذكر أن أبا بكر رضي الله عنه أمر ببنائه ينادي عليه المؤذنون في رمضان، يقابل من الكعبة الركن اليماني يخرج إليه من باب إبراهيم عليه السلام ويقابل قعيقعان من ناحية الغرب، وقال عمر بن أبي ربيعة (6) : هيهات من أمة الوهاب منزلنا ... إذا حللنا بسيف البحر من عدنِ

_ (1) انظر رحلة التجاني: 262 وتاريخ ليبيا: 213. (2) البكري: 5. (3) الاستبصار: 177 وعند الإدريسي (د) : 172: آقر سيف. (4) ديوانه: 250 - 251. (5) فتوح الأزدي: 79. (6) ديوانه: 413.

الأجم

واحتل أهلك أجياداً فليس لنا ... إلا التذكر أو حظ من الحزن وتفاخر رعاء الإبل (1) ورعاة الغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوطاهم رعاء الإبل غلبة وقالوا: ما أنتم يا رعاء النقد هل تخبون أو تصيدون؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت وأنا راعي غنم أهلي بأجياد. فغلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبأجياد نزل السميدع بقطورا في الزمن الأقدم وكان يعشر من دخل مكة من أسفلها، قالوا: سمي بذاك لخروج جياد الخيل مع السميدع حين قاتل عمرو بن مضاض الجرهمي في خبر مشهور. الأجم (2) قصر الأجم هو المعروف بقصر الكاهنة وبينه وبين المهدية من البلاد الإفريقية ثمانية عشر ميلاً، وذكر أن الكاهنة حصرها عدوها في هذا القصر فحفرت سرباً في صخرة صماء من هذا القصر إلى مدينة سلقطة يمشي فيه العدد الكثير من الخيل (3) وبينهما ثمانية عشر ميلاً، ويقال إن أخت الكاهنة كانت في سلقطة فكان الطعام يجلب إليها في ذلك السرب على ظهور الدواب، وهذا القصر عجيب البنيان قد أحكم بحجارة طول الواحد منها ستة وعشرون شبراً، وارتفاع القصر في الهواء أربع وعشرون قامة، وهو من داخله كله مدرج إلى أعلاه، وأبوابه طاقات بعضها فوق بعض. وكان عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما بعثه عثمان إلى إفريقية غازياً لقي جرجير صاحب سبيطلة، وقاتله فقتله عبد الله بن الزبير وشن الغارات على سبيطلة، وأصاب الروم رعب شديد، ولجأوا إلى الحصون والقلاع، فاجتمع أكثر الروم بقصر الأجم فطلبوا من عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلثمائة قنطار من ذهب على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم وقبض المال، وكان في شرطه ان ما أصاب المسلمون قبل الصلح فهو لهم وما أصابوه بعد الصلح ردوه لهم. أحد جبل بظاهر مدينة النبي صلى الله عليه وسلم في شمالها على مقدار ستة أميال وهو أقرب الجبال إليها، وهو مطل على أرض فيها مزارع وضياع كثيرة لأهل المدينة، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذا جبل يحبنا ونحبه ". ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة أحد نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل عسكره وظهره إلى أحد؛ قيل سمي بهذا الاسم لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هنالك؛ قيل: أراد بقوله صلى وسلم الله عليه " يحبنا ونحبه " أهله وهم الأنصار، وقيل: لأنه كان ينشرح إذا رآه عند قدومه من أسفاره بالقرب من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب؛ وقيل: بل حبه حقيقة وضع الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود عليه السلام وكما وضعت الخشية في الحجارة التي قال الله تعالى فيها " وان منها لما يهبط من خشية الله " وفي بعض الآثار المسندة أن أحداً يوم القيامة عند باب الجنة من داخلها، وفي بعضها أنه ركن لباب الجنة. وعند أحد كانت الوقعة بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش في سنة ثلاث في شوال بعد بدر بسنة، حضرها من المسلمين ستمائة رجل وكانت قريش في ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، وقتل فيها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، قتله وحشي، وحكى وحشي بعد أن أسلم، قال: جئت فشهدت شهادة الحق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اجلس فحدثني "، فحدثته كيف قتلت حمزة، فقال: " غيب وجهك عني فلا أراك "، وفي قصة أحد نزلت الآيات من سورة آل عمران " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " إلى آخر الآيات، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة رضي الله عنه، وقد مثل به، فقال صلى الله عليه وسلم: " لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع فيكون أعظم لأجره وأفضل لدرجته في الجنة " ثم بكى حتى اغرورقت عيناه واخضلت لحيته من دموعه، وبكى الناس لبكائه وكثر الضجيج، فهبط جبريل عليه الصلاة والسلام فعزاه به وقال: يا محمد قد بكى لبكائك أهل السموات ولعنوا قاتل عمك، والله عز وجل يقول " وللآخرة خير لك من الأولى " و " العاقبة للمتقين "، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم وجعل يضع تسعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات ثم يرفعون ويترك حمزة رضي الله عنه، ثم يجاء بتسعة

_ (1) معجم ما استعجم 1: 115. (2) سماه البكري: 31 قصر لجم ولعل فيه إدغاماً كما يقولون ((لربس)) و ((الأربس)) وكلاهما صحيح. والنص هنا متابع في بعضه لما ورد عند البكري، وأنظر كذلك رحلة التجساني: 58 - 59، وتصحف في الاستبصار: 118 غلى ((قصر لخم)) . (3) زيادة من البكري، غير وادة أيضاً في الاستبصار.

الأحساء

كذلك حتى فرغ منهم صلى الله عليه وسلم، فلما دخل صلى الله عليه وسلم المدينة سمع النياحة في دور الأنصار والبكاء، فقال: لكن حمزة لا بواكي له، فمن أجل ذلك يبدأ في المدينة ومكة بحمزة قبل ميتهم. الأحساء (1) مدينة على البحر الفارسي تقابل جزيرة أوال وهي بلاد القرامطة، والأحساء مدينة صغيرة وبها أسواق تقوم بها (2) . وكان أبو القاسم بن زكرويه القرمطي صاحب الشامة ينتهي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وخرج أيام المكتفي بجهة السماوة سنة تسع وثمانين ومائتين، فقوي أمره واشتدت شوكته ثم قتل على مقربة من دمشق، فخرج بعده أخ له فصار يعترض الحجاج وبعث رجلاً ليحارب بصرى وأذرعات، فبعث إليه الخليفة الحسين بن حمدان بن حمدون التغلبي فآل الأمر إلى أن قتل وصلب ببغداد فرجمه الناس. وقيل لهم القرامطة لأنهم نسبوا إلى قرمط بن الأشعث لأنه كان يقرمط خطه أو مشيه على ما ورد، أي يقارب خطوه، وكان أخذ أصل مقالته من رجل يقال له الفرج بن عثمان النصراني كان يزعم أنه داعية المسيح وأنه الكلمة وأنه الدابة المذكورة في القرآن والناقة وروح القدس ويحي بن زكريا والمهدي المنتظر، وزعم أن الصلاة أربع ركعات: ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وأن القبلة إلى المقدس والحج إليه، والصوم يومان: المهرجان والنيروز، والجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيه شغل، وأن النبيذ حرام والخمر حلال ولا غسل من الجنابة ولا وضوء لصلاة، في تخليط كثير ذكره الناس، وفيه يقول أبو العلاء المعري (3) : يرتجي القوم أن يقوم إمام ... ناطق في الكتيبة الخرساء كذب القوم لا إمام سوى العق؟ ... ل مشيراً في صبحه والمساء كالذي قام يجمع الزنج بالبص؟ ... رة والقرمطي بالأحساء الأحاسي جزيرة الأحاسي على نحو عشرة أميال من المهدية بإفريقية ذات أحساء بينها وبين البر مجاز قريب كان نزل به الرجار طاغية صقلية في أسطول له أو من ناب عنه متوسلاً إلى المهدية وبلاد المسلمين، وطمع في أن يصادف في المسلمين غرة وينتهز منهم فرصة، وذلك في عام سبعة عشر وخمسمائة، فعكس الله تعالى عليه مقصوده ونصر المسلمين عليه وذلك في سلطان الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس صاحب المهدية، ويكفي في التعريف بخبر هذه الكائنة كتاب الحسن هذا إلى بعض الجهات معلماً بما سناه الله من الفتح (4) فيه " إن الرجار صير أسطوله المخذول نحو المهدية، حماها الله تعالى، في نحو من ثلثمائة مركب حمل على ظهورها ثلاثة آلاف راكب وزهاء ألف فارس، وكان الرجار قد رام إخفاء كيده ومكره فمنع السفر إلى سواحل المسلمين فسقط إلى الساحل مركب من حمالة أسطوله عرفنا من ركابه سريرة حاله، ولم نكن قبل ذلك مهملين لما يقتضيه هذا الحادث من التأهب والاستعداد، واستضمام الأجناد إلى الأجناد، والتحريض على مفترض الجهاد، فاستظهرنا باستضمام العرب المطيفة بنا فأقبلوا أفواجاً أفواجاً، وجاءوا مجيء السيل يعتلج اعتلاجاً، ويتدفق أمواجاً، وكلهم على نيات من الجهاد خالصة، وعزمات غير معردة في مواقف الموت ولا ناكصة، ووصل الأسطول المخذول ونزلوا على عشرة أميال من المهدية بجزيرة هنالك ذات أحساء، بينها وبين البر مجاز متداني العبرين قريب ما بين الشطين، هين مرامه، سهل على الفارس والراجل خوضه واقتحامه، فتبرع إليهم من جندنا ومن انضاف إليهم من العرب المنجدة لنا طائفة أوسعت أعداء الله طعناً وضرباً، وملأت قلوبهم خوفاً ورعباً، فلما عاينوا ما نزل بهم أنزلوا عن ظهور مراكبهم ما كان أبقاه الغرق من أفراسهم وكانت نحو ستمائة فرس، وظنوا أنهم إن امتطوا متونها مستلئمين وصدموا بها جيوش المسلمين أمكنهم بعدها انتهاز فرصة، فأكذب الله ظنونهم وخيب آمالهم وجعل الدائرة عليهم وولوا أدبارهم يرون الهزيمة غنيمة والهرب غلباً، وتركوا أفراسهم ومضاربهم وكثيراً من أسلحتهم وعددهم نهباً مقسماً وفيئاً مغتنماً. والحمد لله الذي أيد الإسلام ونصره، وأعلاه وأظهره ". الأحقاف هي منازل عاد قيل كانت بالشام، وقيل هي بلاد رمل بين مهرة وعدن، وقيل في بلاد الشحر الموصلة للبحر اليماني، وقيل هي من حضرموت وعمان، والصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت إرم ذات العماد، والأحقاف جمع حقف وهو

_ (1) نزهة المشتاق: 121. (2) النزهة: تقوم بها في تصرفها. (3) اللزوميات: 1: 48 - 49. (4) أورد التجاني هذه الرسالة في رحلته: 337، وانظر المكتبة الصقلية: 397 وفي النصين بعض اختلاف؛ وهذه المادة نشرها الأستاذ رتزيتانو مع ما نشره من مواد متصلة بصقلية.

اخميم

الحبل المستطيل من الرمل، وقيل هي الرمال العظيمة، وكثيراً ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرمل لأن الريح تصنع ذلك، وفي ذلك قال الله تعالى " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف " ونبيهم هود عليه السلام ولما قال قائلهم " هذا عارض ممطرنا " قيل لهم " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم " وذلك أن عاداً (1) بغت في الأرض وملكها الخلجان ابن الدهم، كانوا يعبدون الأصنام فبعث الله تعالى إليهم هوداً فلم يجيبوا، فمنعوا المطر ثلاث سنين وأجدبت الأرض فم يدر لهم ضرع وكانت في نفوسهم مع ذلك هيبة الصانع والتقرب إليه بالتماثيل وعبادتها لأنها في زعمهم مقربة إليه، وكانوا يعظمون موضع الكعبة وكان بربوة حمراء، فوفدت عاد إلى مكة وفداً يستسقون لهم ويستغيثون وكان بمكة يومئذ العمالق، فأتى الوفد مكة فأقبلوا على الشراب واللهو حتى غنتهم الجرادتان قينتا معاوية بن بكر بشعر فيه حث لهم على ما وردوا من أجله، وهو: ألا يا قيل قم عجلاً فهينم ... لعل الله يسقينا غماما فيسقي أرض عاد إن عاداً ... قد أمسوا لا يبينون الكلاما وإن الوحش تأتي أرض عاد ... فلا تخشى لعادي سهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما فاستيقظ القوم من غفلتهم وبادروا إلى الاستسقاء لقومهم، فكان من أمرهم في مجيء السحب واختيارهم لما اختاروه منها ما هو مشهور، وذلك أن الله تعالى أنشأ سحائب: بيضاً وحمراً وسوداً ثم نادى مناد من السحاب: يا قيل اختر لقومك، وكانوا قالوا: اللهم إن كان هود صادقاً فاسقنا، فقال: اخترت السحابة السوداء، فقيل له: اخترت رمداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً ولا ولداً، إلا جعلته همداً، وساق الله تعالى السحابة السوداء بالنقمة إلى عاد، وفيهم يقول مرثد بن سعد: عصت عاد رسولهم فأضحوا ... عطاشاً ما تبلهم السماء ألا قبح الإله حلوم عاد ... فإن قلوبهم قفر هواء فأرسل الله تعالى عليهم الريح العقيم كما قال عز وجل " ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم " خرجت عليهم من واد لهم، فلما رأوا ذلك قالوا " هذا عارض ممطرنا " وتباشروا بذلك، فلما سمع هود ذلك من قولهم قال " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم "، فأتتهم الريح يوم الأربعاء فلم تأتهم الأربعاء الثانية ومنهم حي، فمن أجل ذلك قيل: أربعاء لا تدور ثم انفرد هود ومن معه من المؤمنين، وفي ذلك يقول شاعرهم: لو أن عاداً سمعت من هود ... واتبعت طريقة الرشيد ما أصبحت عاثرة الجدود ... صرعى على الآناف والخدود وروى الكلبي (2) عن رجاله عن الأصبغ بن فلان (3) ، قال: كنا عند علي رضي الله عنه في خلافة عمر رضي الله عنه، فسأل رجل من حضرموت فقال: أعالم أنت بحضرموت؟ فقال: إذا جهلتها فما أعلم غيرها، فقال: أتعرف موضع الأحقاف؟ قال: كأنك تسأل عن قبر هود عليه السلام، قال: نعم، قال: خرجت وأنا غلام في أغيلمة من الحي نريد أن نأتي قبره لبعد صيته، فسرنا في وادي الأحقاف أياماً وفينا من قد عرف الموضع، حتى انتهينا إلى كثيب أحمر فيه كهوف، فانتهى بنا ذلك الرجل إلى كهف منها فدخلناه وأمعنا فيه فانتهينا إلى حجرين قد أطبق أحدهما فوق الآخر وفيه خلل يدخل منه النحيف متجانفاً، فرأيت رجلاً على سرير شديد الأدمة كث اللحية قد يبس على سريره وإذا لمست شيئاً من جسده وجدته صلباً، وعند رأسه كتابة بالعربية: أنا هود الذي آمنت بالله وأسفت على عاد لكفرها وما كان لأمر الله من مرد، فقال علي رضي الله عنه: كذلك سمعته من أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. اخميم (4) مدينة في البلاد المصرية في الجانب الشرقي من النيل لها ساحل، وهي مدينة كبيرة قديمة فيها أسواق وحمامات ومساجد كثيرة وفيها من البرابي وعجائب المباني والآثار ما يعجز الوصف عنه وهي بصعيد مصر. وكان سوريد بن سهلون (5) صاحب الأهرام ملكاً عاقلاً عالماً أوتي علماً

_ (1) ورد خبر عاد في عدة مصادر، انظر الطبري 1: 231 - 244 وأخبار الزمان: 81 - 82، وكتب التفسير (سورة الأحقاف) وكتب الأمثال، والبكري (مخ) : 10. (2) قارن بمعجم ما استعجم 1: 119. (3) الأصبغ بن نباتة عند البكري. (4) الاستبصار: 84. (5) أخبار الزمان (108) : فيلمون؛ حسن المحاضرة: سهلوق؛ الاستبصار: 52 شوندين بن سلمون.

وحكمة، فكان يتعهد مصالح رعيته، واتخذ مرآة من أخلاط أقامها على منار في وسط قصره بمكان ينظر فيها جميع الأمم والأقاليم ويقابل ذلك بما يصلحه، وقد كان عهد إلى رئيس كهنته أن يأمرهم بالنظر في كل يوم فيما يحدث في العالم ويخلد ذلك في كتاب، فجمع إليه العلماء والكهناء والمنجمين من جميع الأقطار وعملوا له ما أراد من جميع الطلسمات وغير ذلك. وفي أيامه بنيت الأهرام (1) التي بأرض مصر بسبب أن هذا الملك كان رأى رؤيا هالته: رأى الكواكب البابانية (2) في صور طير بيض كأنها تخطف العالم وتلقيهم بين جبلين وكأن الجبلين انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة كاسفة كلها، فأخبر بذلك كهانه وعلماءه، فأولوا ذلك على أنه يدل على آفة نازلة من السماء مفسدة للأرض وأهلها وحيوانها وقالوا له: هي آفة محيطة بأقطار الأرض إلا اليسير، وذلك إذا نزل قلب الأسد في أول دقيقة من السرطان وتكون الشمس والقمر في أول دقيقة من الحمل، فقدر الملك أن ذلك غرق يأتي على الأرض ومن فيها، فأمر ببناء الأهرام والبرابي لتخليد علومهم وصناعاتهم وسير ملوكهم وسنتهم في رعيتهم، وأمر ببناء أعلام عظام تكون خزائن أموالهم وكنوزهم وذخائرهم وقبوراً لهم تحفظ أجسادهم من الفساد، وأمر أن يكون ذلك كله في حجر صلد لا تغيره الدهور ولا يفسده الطوفان، وقيل أمر ببناء هذه الأهرام والبرابي من حجارة ومن طين، فإن كان هذا الحادث ماء ذهبت التي هي من طين وبقيت التي هي من حجارة، وإن كانت ناراً ذهبت التي هي من حجارة وبقيت التي هي من طين، فكان ذلك الحادث ماء فذهبت الطين وبقيت الحجارة، ثم اختار موضعاً لبناء تلك الأعلام، بقرب النيل في الجانب الغربي منه، وجعل طول حائط الهرم مائة وخمسين ذراعاً في عرض مثل ذلك، وارتفاعه في السماء أربعمائة ذراع وعمقها تحت الأرض مثل ارتفاعها فوق الأرض، وعرض الحائط عشرين ذراعاً. فلما تم بنيان الأهرام والبرابي أمر الملك أن يكتب على حيطان البرابي وسقوفها جميع الأشياء وغوامض الأمور ودلائل النجوم وعللها وسائر الطبائع وعمل الأدوية وتأليفها ومعرفة العقاقير وأسماؤها وصورها وعلم صنائع الكيمياء وغيرها مما ينفع ويضر، كل ذلك ملخصاً مفسراً لمن عرف كتابتهم، وفهمها، ونقش في حيطانها وسقفها جميع الطلسمات، وكتب على كل طلسم خاصيته ونفعه وضرره ولما وضع، وجعل في تلك الأهرام فنوناً من الذهب والفضة والكيمياء وحجارة الزبرجد الرفيعة والجواهر النفيسة، فلما تمت هذه الأهرام والبرابي على ما أراد الملك قال لهم: انظروا هل تفسد هذه الأعلام؟ فنظروا فوجدوها باقية لا تزول، فقال لهم: هل يفتح فيها موضع أو يدخل إليها؟ فنظروا وقالوا: يفتح في الهرم الفلاني في الجانب الشمالي منه، فقال: حققوا النظر في معرفة الموضع نفسه، فنظروا وعرفوه أنه يكون لمدة أربعة آلاف دورة للشمس، والدورة سنة، فقال لهم: انظروا مقدار ما ينفق في فتح هذا الموضع، فنظروا فعرفوه فقال: اجعلوا في الموضع الذي يوصل إليه من داخل الهرم ذهباً مقدار ما ينفق على فتحه، ثم حثهم على الفراغ من بناء الأهرام والبرابي ففرغوا منها في ستين سنة، وأمر أن يكتب عليها: بنينا هذه الأهرام في ستين سنة فليهدمها من يريد هدمها في ستمائة سنة على أن الهدم أهون من البناء، ثم قال لهم: انظروا هل يكون بمصر بعد هذه الآفة آفة أخرى، فنظروا فإذا الكواكب تدل على وقت نظرهم على آفة أخرى نازلة من السماء تكون في آخر الزمان وهي ضد الأولى: نار محرقة لأقطار العالم، فقال لهم: هل توقفونا على أمر آخر بعد هذه الأمور؟ فنظروا فقالوا: إذا قطع قلب الأسد ثلثي دورة وهو آخر دقيقة من العقرب لم يبق من حيوان الأرض متحرك إلا تلف، فإذا استتم أدواره تحللت عقد الفلك. فقال لهم: في أي يوم تنحل عقد الفلك؟ فقالوا له: اليوم الثاني من حركة الفلك، فعجب من ذلك وأمر بتخليد ما قاله العلماء من هذه الحكم في الكتب وأن تستودع في تلك الأهرام، فيقال ان فيها علوم الأولين والآخرين. قالوا (3) : فلما كان في زمن المأمون بن الرشيد أراد هدم الأهرام، فعرفه بعض شيوخ المصريين أن ذلك غير ممكن ولا يحسن بأمير المؤمنين أن يطلب شيئاً لا يبلغه، فقال: لا بد أن أعلم ما ما فيها، ثم أمر بفتح هرم من أعظمها، ففتح فيه ثلم في جانبه الشمالي لقلة دوام الشمس على من يعمل فيه، فعملوا فيه فوجد حجراً صلداً يكل فيه الحديد، فكانوا يقدون النار عند الحجر

_ (1) ورد الحديث عن الأهرام في كثير من المصادر، وأنظر بخاصة تحفة الألباب: 74 - 77 وخطط المقريزي 1: 30، وحسن المحاضرة 1: 29 - 34،وكثير مما أورده السيوطي أيضاً، ولعل المؤلف ينظر في النقل غلى كتاب الاستبصار: 52 وما بعدها. (2) كذا في ص ع؛ وفي الاستبصار: الكوكب المعروف بالبانية. (3) متابع للاستبصار: 56.

فإذا حمي رش بالخل ورمي بالمنجنيق بزبر الحديد، وأقاموا على ذلك أياماً حتى فتحوا الثلمة التي فيها الآن، فدخلوا ذلك الهرم فوجدوا بنيانه بالحديد والرصاص، ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعاً، ووجدوا بالقرب من الموضع الذي فتحوا مطهرة من حجر أخضر فيها مال، فقال المأمون: زنوه، فوزنوا الجملة فوجدوا، فيها مالاً معلوماً، وكان المأمون فطناً فقال: ارفعوا ما أنفقتم على فتح هذه الثلمة، فوجدوه موازياً لما وجد من المال، فعجب المأمون من معرفتهم بالموضع الذي يفتح على طول الزمان، وازداد بعلم النجوم غبطة، ووجد المأمون في الهرم صنماً أخضر ماداً يده وهو قائم فلم يعلم خبره، ونظر إلى الزلاقة والبئر التي في الهرم وأمر بالنزول فيه، فأفضوا إلى صنم أحمر عيناه من جزعتين سواد في بياض كأنهما حدقتا إنسان ينظر إليهم، فهالهم أمره وقدروا أن له حركة فجزعوا منه وخرجوا، ويقال إنه وجد فيها مالاً كثيراً. وسأل المأمون من وجد بمصر من علمائها هل لهذه الأهرام أبواب فقيل لها أبواب تحت الأرض في آزاج مبنية بالحجارة كل واحد منها عشرون ذراعاً له باب من حجر واحد يدور بلولب إذا أطبق لم يعرف أنه باب، وصار كالبنيان لا يدخل إليه الذر ولا يوصل إليه إلا بكلام وقرابين وبخورات معروفة، وإن في هذه الأهرام فنوناً من الذهب والفضة والكيمياء وحجارة الزبرجد الرفيع والجواهر النفيسة ما لا يسعه وصف واصف، وفيها من الكتب المستودعة فيها طرائف الحكمة وكمال الصنعة ومن التماثيل الهائلة من الذهب الملون على رؤوسها التيجان الفاخرة مكللة بالجواهر النفيسة ما يستدل به على عظم ملكهم، وجعلوا على ذلك من الطلسمات ما يمنع منه ويدفع عنه إلى أوقات معلومة، وقصدوا بذلك أن تكون تلك الأشياء ذخيرة لأعقابهم ولمن يكون بعدهم ليروا عظيم مملكتهم، ووضعوا أساس تلك الأعلام وقت السعادة، وجعلوا في أساس كل علم منها صنماً، وزبروا في صدورها دفع المضار والآفات عنها، وفي يد كل صنم منها آلة كالبوق وهو واضعه على فيه، والخبر عن هذه الأهرام والبرابي مذكور في المطولات. ويقال (1) إن ذا النون الإخميمي الزاهد إنما قدر على ما قدر عليه من علوم البربى حتى عمل الصنعة الكبيرة لأنه خدم راهباً كان بإخميم مدة صباه فعلمه قراءة الخط الذي في البربى وعلمه القربان والبخور واسم الروحاني وأوصاه أن يكتم ذلك، فلما علم ذا النون ما علم من علم الكيمياء وغيرها عمد إلى طين الحكمة فطمس به على صنعة الكيمياء حتى لا يبلغ إليها أحد غيره وهو طين لا ينقلع أبداً. وفي (2) بعض الأخبار أن قوماً قصدوا الأهرام فنزلوا في تلك الآبار وطلبوا أن يدخلوا من تلك المضايق التي تخرج منها تلك الرياح، واحتملوا معهم سرجاً في أواني زجاج، فلما حصلوا في تلك المضايق التي تخرج منها الرياح، خرجت عليهم ريح شديدة فأخرجتهم منها، وأطفأت أكثر سرجهم، فأخذوا أحدهم وكان أقواهم جأشاً وأشدهم عزماً وأصلبهم قلباً، فربطوا وسطه بالحبال وقالوا له: ادخل فإن رأيت شيئاً تكرهه جذبناك، فلما دخل المغرور وزاحم تلك الرياح انطبق عليه الفتح فجذبوه فانقطعت حبالهم وبقي ذلك الرجل في ذلك الشق وهم لا يعلمون له خبراً، فصعدوا هاربين حتى خرجوا من تلك البئر واغتموا لما أصاب صاحبهم، فجلسوا عند الثلمة مفكرين في أمر صاحبهم وفي أمرهم وما أقدموا عليه، فبينا هم كذلك إذ انفرجت من الأرض فرجة كالكرة وأنارت لهم ذلك الرجل عرياناً مشوه الخلق جامد العينين وهو يتكلم بكلام عجيب لا يفهم، فلما فرغ من كلامه سقط ميتاً، فازداد وجلهم وتضاعف حزنهم، وعلموا أنهم خلصوا من أمر عظيم، فاحتملوا صاحبهم واتصلت أنباؤهم بوالي مصر وهو يومئذ ابن المدبر وفي أيام المتوكل، فسألهم عن أمرهم فأخبروه، فعجب من ذلك وأمر أن يكتب الكلام الذي قاله ذلك الرجل الذي مات حسبما قاله، وأقام ابن المدبر يطلب من يفسره له، إلى أن وجد رجلاً يعرف شيئاً من ذلك اللسان، ففسره: هذا جزاء من طلب ما ليس له وأراد الكشف عما لم يخبأه، فليعتبر من رآه قال: فمنع حينئذ ابن المدبر أن يتعرض أحد للأهرام. وفي خبر آخر (3) أن جماعة دخلوا الهرم فوجدوا في بعض البيوت زلاقة إلى بئر، فنزلوا فيها، فوجدوا سرباً فساروا فيه نصف يوم حتى انتهوا إلى حفير عميق وفي عدوته باب لطيف، فكانوا يتبينون فيه شعاع الذهب والفضة والجواهر النفيسة، ومن رأس الحفير مما يليهم إلى ذلك الباب المحاذي لهم الذي فيه الذهب والجوهر عمود حديد قد ألبس محوراً من حديد يدور عليه ولا يستمسك

_ (1) الاستبصار: 58. (2) الاستبصار: 59. (3) المصدر نفسه: 60.

أخسيكث

في دورانه، فاحتالوا في وقوفه وذهاب حركته فلم يقدروا على ذلك، فربطوا أحدهم في حبل وتعلق بالعمود ليصل إلى الجانب الآخر فدار به المحور فتحير وسقط وانقطع الحبل الذي كان فيه فخرجوا هاربين لا يلوون على شيء. وقال بعضهم (1) : رأيت في بربى إخميم صورة عقرب، فألصقت عليها شمعاً فلم أتركها في موضع إلا انحاشت إليها العقارب من كل مكان وموضع، وإن كانت في تابوت اجتمعت حول التابوت وتحته، قال فطلبها بعض إخواني فأخذها، فرجعت إلى إخميم فوجدت تلك الصورة قد نقرت وأفسدت. ومن المتعارف عند أهل إخميم أنه كان في البربى التي عندهم شيطان قائم على رجل واحدة وله يد واحدة وقد رفعها إلى الهواء، وفي جبهته وحواليه كتاب، وله إحليل ظاهر ملتصق بالحائط، فقيل إنه من احتال لذلك الإحليل حتى ينقب عليه وينزعه من غير أن يتكسر ويعلقه في وسطه لم يزل منعظاً إلى أن ينزعه ويجامع ما أحب، ولا ينكسر ما دام عليه. ولما ولي فلان (2) ببلد إخميم أخبر بذلك، فطلب تلك الصورة في البربى فلم يجد منها غير واحدة كانت بقرب سقف البربى فاحتال عليها حتى أخذ الإحليل، فكان يستعمله فيخبر عنه بعجب. ومنه أنه كان في البربى صور كثيرة فلم تزل تؤخذ حتى نفدت، وكانت في هذه البرابي عجائب من الطلاسم في فنون شتى قد درس أكثرها وتهدم أكثر البرابي. وأما الأهرام فباقية على حالها ما اختل منها شيء، فيقال إن كل ما تهدم من هذه الهياكل وتغير سببه أن المنجمين تركوا الاستقصاء في أخذ الطالع وتصحيحه في وقت وضع الأساس وكذلك ما بقي منها فلقرب الطالع من التصحيح والقول في هذه الأهرام والبرابي على الاستقصاء في الكتب، وفيما ذكرناه كفاية. الأخدود المذكور في قوله تعالى: " قتل أصحاب الأخدود " (البروج: 4) (3) ، كان في قرية من قرى نجران، وأصحاب الأخدود قيل إنهم قوم كانوا على دين حق، كان لهم ملك يزني بأخته ثم حمله بعض نسائه أن يسن في الناس نكاح الأخوات والبنات، فحمل الناس على ذلك فأطاعه كثير وعصته فرقة، فخد لهم أخاديد، وهي حفائر طويلة كالخنادق، وأضرم لهم ناراً وطرحهم فيها، ثم استمرت المجوسية بمن أطاعه وعلى هذا فقوله تعالى: " قتل أصحاب الأخدود " إخبار بأن النار قتلتهم، وقيل بل المعنى: فعل الله عز وجل بهم، ذلك لأنهم أهل له، فهو على جهة الدعاء بحسب كلام البشر، وقيل في أصحاب الأخدود أن ملكاً من ملوك حمير كان بمذارع من اليمن اقتتل هو والكفار مع المؤمنين ثم غلب في آخر الأمر فحرقهم على دينهم إذ أبوا دينه، وفيهم كانت المرأة ذات الطفل التي تلكأت فقال لها الطفل: امضي في النار فإنك على الحق، وعن علي رضي الله عنه قال: إن نبي أصحاب الأخدود كان حبشياً وأن الحبشة بقية أصحاب الأخدود، وقيل صاحب الأخدود ذو نواس في قصة عبد الله بن الثامر، وهي مذكورة مشروحة في أول سير ابن إسحاق (4) وقيل كان أصحاب الأخدود في بني إسرائيل. أخسيكث (5) هي مدينة فرغانة، كان أنوشروان بناها ونقل إليها من كل بيت قوماً وسماها، وقيل إن أخسيكث اسم الكورة، وقيل هي قصبة فرغانة وأخسيكث على شط نهر الشاش في أرض مستوية، بينها وبين الجبل نحو نصف فرسخ وسيأتي ذكرها في حرف الفاء (6) إن شاء الله تعالى وفرغانة (7) اسم الإقليم ومدينته أخسيكث مدينة جليلة على شمال النهر ولها ربض عامر وأسواقها في مدينتها ولها مياه تخترق أزقتها جارية في حياض كبيرة وأمامها إذا عبرت نهر الشاش مروج ومزارع كثيرة ورمال ومنها إلى قبا ثلاث مراحل. الأخشبان (8) جبلا مكة ويقال إن جبل أبي قبيس أحد الأخشبين، وفي الحديث قال جبريل عليه الصلاة والسلام: يا محمد إن شئت جمعت الأخشبين عليهم، فقال صلى الله عليه وسلم: " دعني أنذر أمتي "، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كنت بين الأخشبين من منى - ونفح بيده نحو المشرق - فإن هناك وادياً يقال له السرر، به سرحة سر تحتها سبعون نبياً ".

_ (1) الاستبصار: وقال الوصيفي. (2) الاستبصار: ابن الغمر. (3) أنظر الروايات في قصة أصحاب الأخدود في الثعلبي: 436 - 439. (4) أنظر سيرة ابن هشام 1: 34. (5) أنظر ابن حوقل: 420. (6) يعني غرناطة. (7) نزهة المشتاق: 218. (8) قارن بمعجم ما استعجم 1: 123 - 124.

أذرعات

الاخوان (1) منزل بين القيروان والمهدية فيه قتل أبو يزيد (2) النكاري ميسرة الفتى في ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، قال علي ابن علي بن ظفر يمدح أبا يزيد هذا: هذا وكم من وقعة مشهورة ... أبقيتها مثلاً لكل ممثل بثنية الأخوين يوم تركتهم ... متوسدين وسائداً من جندل أذرعات (3) من بلاد دمشق بالشام يصرف ولا يصرف، والتاء في الحالين مكسورة ويقال لها يذرعات بالياء، وقال الخليل: من كسر الألف لم يصرف. ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام تلقاه أبو عبيدة رضي الله عنه، فبينما هو يسير تلقاه المقلسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان، فقال عمر رضي الله عنه: مه ردوهم، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين هذه سنة العجم، إنك إن منعتهم منها يرون أن في نفسك نقضاً لعهدهم، فقال عمر رضي الله عنه: دعوهم، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة، وتنسب إليها الخمر الجيدة، ومر سحيم بن المخرم وهو شاعر بدوي نجدي بأذرعات فتذكر وطنه وحن إليه فقال: ألا أيها البرق الذي بات يرتقي ... ويجلو دجى الظلماء ذكرتني نجدا وهيجتني في أذرعات ولا أرى ... بنجد على ذي حاجة طرب بعدا ألم تر أن الليل يقصر طوله ... بنجد وتزداد الرياح به بردا ومن أهل أذرعات أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأذرعي من أهل أذرعات (4) مدينة بالبلقاء، وهو أحد الثقات وعباد الله الصالحين قال: خلوت في بعض الأوقات ففكرت وقلت: ليت شعري إلى ما نصير؟ فسمعت قائلاً يقول: إلى رب كريم. وكان به إدرار البول فكانت القارورة لا تفارقه (5) فأعطاها مرة إلى من يغسلها أو يريق ما فيها واحتاج إليها ولم يحضره من يناوله إياها، فقال: أسأل من حضر من إخواننا المسلمين والجيران (6) يناولونيها، فنوولها. وقال: سألت الله تعالى أن يقبض بصري فعميت فاستضررت في الطهارة، فسألته إعادته فأعاده بفضله. قال ابن عساكر: ولي دمشق في أيام المعتمد على الله في سنة ست وخمسين ومائتين وال يقال له ماحوز وكان صارماً شجاعاً لا يقطع في عمله الطريق فوجه مرة فارساً إلى أذرعات فمر باليرموك فصادفه أعرابي، فنتف من سبال الجندي خصلتين من شعره، فلما رجع الفارس واتصل بماحوز وأخبره ما فعل الأعرابي، حبس الفارس وقال لكاتبه: اطلب لي معلماً يعلم الصبيان، فجاءه معلم، فقال له: ها أنا أعطيك نفقة واسعة واخرج إلى اليرموك فقل إني معلم صبيانكم، فإذا تمكنت فارصد الأعرابي وارتقب بها مدة طويلة، فإذا وافى الأعرابي القرية فخذ هذا الكتاب الذي أعطيك وادفعه لأهل القرية حتى يقرأوه، وأعطاه طيوراً وقال له: أرسل إلي بهذه الطيور بالخبر، ففعل المعلم ذلك، وأقام باليرموك ستة أشهر حتى وافى الأعرابي القرية، فلما رآه المعلم أخرج الكتاب إلى أهل القرية وفيه: " الله الله في أنفسكم اشغلوا الأعرابي حتى أوافيكم، فإن جئت ولم أوافه خربت القرية وقتلت الرجال "، وأطلق المعلم الطيور إلى دمشق بالخبر، فلما وصل الخبر إلى ماحوز ضرب البوق وخرج من وقته حتى وافى اليرموك في أسرع وقت، فأخذ الأعرابي وأردفه خلف بعض غلمانه ووافى به دمشق، فلما أصبح دعا به فقال: ما حملك على ما فعلت برجل من أولياء السلطان لم يؤذك ولم يعارضك؟ قال: كنت سكران أيها الأمير لم أعقل ما فعلت، فدعا بحجام وقال له: لا تدع في وجه هذا الأعرابي ولا في رأسه ولا في سائر بدنه شعرة إلا نتفتها، فبدأ بأشفار عينيه ثم بحاجبيه ثم بلحيته ثم بشاربه ثم برأسه ثم بذقنه فما ترك عليه شعرة إلا نتفها، ثم قال: هاتوا الجلادين، فضربه أربعمائة سوط ثم

_ (1) قارن بما عند البكري: 31. (2) في النسختين أبو أيوب؛ ولا يلتئم مع ما بعده. (3) أوله عن معجم ما استعجم 1: 131 حتى قوله: ((وفي طاعة أبي عبيدة)) ؛ وصبح الأعشى 4: 105. (4) تهذيب ابن عساكر 2: 427، وكانت وفاة الأذرعي سنة 344 وهو ابن نيف وتسعين سنة. (5) زيادة من ص. (6) التهذيب: من الجن.

أذنة

حبسه، فلما كان من الغد ضربه ثم قطع يديه، وفي اليوم الثالث قطع رجليه، وضرب رقبته في اليوم الرابع وصلبه، ثم أخرج الجندي من الحبس فضربه مائة عصا وأسقط اسمه وقال له: أنت ليس فيك خير حيث رأيت أعرابياً واحداً فخضعت له حتى فعل بك ما فعل، كيف يكون لي فيك خير إذا احتجت إليك؟ ثم طرده. ورؤي ماحوز هذا بعد موته في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، قيل له: بماذا؟ قال: بضبطي أطراف المسلمين وطريق الحاج. أذنة مدينة بالشام بينها وبين المصيصة اثنا عشر ميلاً بناها هارون الرشيد وأتمها الأمين وبها كانت منازل ولاة الثغور لسعتها، وهي على نهر جيحان (1) وليس للمسلمين عليه إلا أذنة هذه بين طرسوس والمصيصة، وأهل أذنة أخلاط من موالي الخلفاء وغيرهم، ومن أذنة إلى طرسوس اثنا عشر ميلاً، وهي مدينة جليلة عامرة ذات أسواق وصناعات وصادر ووارد، وهي ثغر سيحان، ونهر سيحان في قدره، دون قدر نهر جيحان وعليه قنطرة عجيبة طويلة جداً. وبالزاب من أرض إفريقية مدينة اسمها أذنة (2) أيضاً على مقربة من المسيلة بينهما اثنا عشر ميلاً وبينها وبين مدينة طبنة مرحلتان، وأذنة هذه أخربها علي بن حمدون المعروف بابن الأندلسي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وهي كثيرة الأنهار والعيون العذبة، وهي مدينة رومية قديمة، وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية للروم كلها عامرة، وهي كانت مملكة الروم بالزاب وكان عقبة بن نافع، رحمه الله، حين قدم إفريقية غازياً بعد انفصاله عن تلمسان ومحاربته لأهلها دخل يريد الزاب، فسأل عن أعظم مدينة به فقيل له: مدينة يقال لها أذنة، وهي دار ملكهم، فتوجه إليها، فلما بلغهم قدوم المسلمين هربوا إلى حصنهم وإلى الجبال، فلما قدمها نزل على واد بينها وبينه نحو ثلاثة أميال في وقت المساء فكره قتالهم بالليل، فتواقف القوم الليل كله لا راحة لهم ولا نوم، فسماه الناس إلى اليوم وادي سهر لأنهم سهروا عليه، فلما أصبح قاتلهم قتالاً عظيماً حتى يئس المسلمون من أنفسهم، ثم هزم الله الروم وقتل فرسانهم وأهل النكاية منهم واستولت الهزيمة على بقيتهم، وفي هذه الغزوة ذهب عز الروم بالزاب. وكان المنصور بالله العبيدي في حروبه مع أبي يزيد النكاري ركب متنزهاً إلى أذنة في أربعة آلاف فارس وركب معه زيري بن مناد في خمسمائة من صنهاجة، وكان النكار بالقرب منها فلما رأوا كثرة العسكر سكنوا، فلما ولى منصرفاً ركبوا ساقته وقامت الصيحة، فعطف عليهم والتحم القتال، ونزل أبو يزيد من الجبل وبين يديه ثلاثة بنود ومعه خلق عظيم ولم يعلم بمكان المنصور بالله، وكان موضعاً كثير التلال والروابي، فأرسل المنصور إليه عسكره وأخرجت الطبول والبنود وقصدوا إلى أبي يزيد، فلما رأى المظلة ولى فركبتهم السيوف فقتل منهم مقتلة عظيمة، وكانت القتلى منهم تزيد على عشرة آلاف. أذربيجان هي كورة تلي الجبل من بلاد العراق وهي مفتوحة الألف وتلي كور أرمينية من جهة المغرب، ينسب إليها أذربي، وفي خبر الصديق رضي الله عنه أنه قال حين حضرته الوفاة وعزم على استخلاف عمر رضي الله عنه لمن كره ذلك: فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان، يشير إلى ما كان من الاتساع في الدنيا. والصوف الأذربي منسوب إلى أذربيجان ينسب إلى أذربيجان أبو عبد الله الحسن بن جابر الأزدي صاحب كتاب " اللامع " في أصول الفقه، وأهل أذربيجان مشهورون بالإكباب على العلم والاشتغال به، وفيهم يقول الحافظ أبو الطاهر السلفي: ديار أذربيجان في الشرق عندنا ... كأندلس في الغرب في النحو والأدب فلست ترى في الدهر شخصاً مقصراً ... من أهلها إلا وقد جد في الطلب وكان عمر رضي الله عنه قد فرق أذربيجان بين بكير بن عبد الله وبين عتبة بن فرقد وأمر كل واحد منهما بطريق غير طريق صاحبه، ثم جمع عمر رضي الله عنه أذربيجان كلها لعتبة بن فرقد وعادت أذربيجان سلماً، وكتب عتبة بينه وبين

_ (1) في النسختين: جيحون. (2) البكري (144) : أذنة - بالدال المهملة.

أذاخر

أهلها كتاباً (1) : هذا ما أعطاه عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان، سهلها وجبلها وحواشيها وشعابها وأهل مللها كلهم، على الأمان على أنفسهم وأموالهم وشرائعهم على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم، ليس ذلك على صبي ولا امرأة ولا زمن ليس في يديه من الدنيا شيء ولا متعبد متخل ليس في يديه من الدنيا شيء، لهم ذلك ولمن سكن معهم، وعليهم قرى المسلم من جنود المسلمين يوماً وليلة ودلالته، ومن حشر منهم في سنة رفع عنه جزاء تلك السنة، ومن أقام فله مثل ما لمن أقام في ذلك ومن خرج فله الأمان حتى يرجع إلى حرزه. ثم غزا الوليد بن عقبة رضي الله عنه أذربيجان وأرمينية في السنة التي بويع فيها عثمان رضي الله عنه، وقيل سنة خمس وعشرين بعدها، وقيل سنة ست، فصالحهم على ثلاثمائة ألف درهم وعلى التي صالح عليها حذيفة بن اليمان أيام عمر رضي الله عنهما. وفي سنة سبع عشرة وستمائة نزل الططر على أذربيجان وهو إقليم جليل آهل المدن خصيب الضياع كثير الخيرات فداراهم سلطانه ابن البهلوان عن مدينة المراغة ومدينة توريز (2) بعدما فتكوا فيما مروا عليه (3) وهذه المدينة هي المراغة، وسيأتي لها ذكر في حرف الميم إن شاء الله. أذاخر (4) ثنية بين مكة والمدينة، وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة. أذرح (5) بحاء مهملة على وزن أذرع، مدينة في أداني الشام وقيل بفلسطين، وبها بايع الحسن بن علي معاوية رضي الله عنهم وأعطاه معاوية مائتي ألف دينار، ولما انفصل علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهم إلى الشام اعتزل أذرح ونزل الحميمة وبنى بها قصراً لأن أذرح افتتحت صلحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من بلاد الصلح التي كانت تؤدي الجزية وكذلك دومة الجندل والبحران وهجر، وفي الصحيح (6) : " أمامكم حوضي كما بين جرباء إلى أذرح ". الأردن بضم أوله، نهر بالشام وهو نهر طبرية عليه مدن، وكل من على جنبيه أردني، وكان ملك داود عليه السلام في الأردن وفلسطين، وكان عسكره ستين ألفاً أصحاب درق وسيوف وفي سير ابن إسحاق (7) أن أبا جهل قال للذين بيتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم للفتك به وهم على بابه: إن محمداً يزعم أنكم إن بايعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها، وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: " نعم أنا أقول ذلك، أنت أحدهم "، وأخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم، إلى آخر الخبر. وفي حديث مكحول (8) : لما فتحت جزيرة العرب قال رجل عند ذلك: أبهوا الخيل والسلاح فقد وضعت الحرب أوزارها، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد قوله وقال: " لا تزالون تقاتلون الكفار حتى يقاتل بقاياكم الدجال بقطر الأردن (9) ، أنتم من غربيه والدجال من شرقيه " قال الراوي: ما كنت أدري ما الأردن حتى سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالوا: احتاج الوليد بن عبد الملك إلى رصاص حين بنى مسجد دمشق فقيل له: إن بالأردن منارة فيها رصاص فبعث إليها، فذهب رجل يضرب بمعوله فأصاب رجلاً فسال دمه فقيل: هذا طالوت. وكان أهل الأردن قد رفضوا (10) بيعة ابن الزبير رضي الله عنهما.

_ (1) الطبري 1: 2662 (حوادث سنة: 22) . (2) يعني تبريز. (3) ابن الأثير 12: 347 وصاحب أذربيجان هو أوزبك بن بهلوان، قال: فلم يخرج إليهم ولا حدث نفسه بقتالهم لاتشغاله بما هو بصدده من أدمان الشرب ليلاً ونهاراً لا يفيق، وإنما أرسل إليهم وصالحهم على مال وثياب ودواب ... الخ. (4) معجم ما استعجم 1: 128، وأوجر المؤلف كثيراً. (5) معجم ما استعجم: 130. (6) شرح النووي على صحيح مسلم 15: 61. (7) سير ابن هشام 1: 483. (8) معجم ما استعجم 1: 137. (9) معجم البكري: ببطن. (10) ص ع: توقعوا.

أريس

أريس (1) بئر أريس، بفتح الألف وكسر الراء، على ميلين من المدينة وكانت من أقل تلك الآبار ماء، وفيها تفل النبي صلى الله عليه وسلم فعاد ماؤها عذباً وكان أجاجاً، وفيها سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله عنه فلم يوجد إلى الآن على قلة مائها وذلك سنة ثلاثين. قال ابن عمر: لبس خاتم النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر بعده ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم حتى وقع من عثمان في بئر أريس فلم يقدر عليه. أباض (2) قرية من قرى اليمامة لبني حنيفة فيها كانت وقعة خالد بن الوليد رضي الله عنه ومسيلمة. وسيأتي (3) لها ذكر في حرف العين في لفظ عقربا إن شاء الله تعالى. إرم ذات العماد من الناس من قال: إرم قبيلة عاد وهو قول مجاهد وقتادة، وعليه أنشدوا لابن قيس الرقيات (4) : مجداً تليداً بناه أوله ... أدرك عاداً وقبلها إرما وقال زهير (5) : وآخرين ترى الماذي عدتهم ... من نسج داود أو ما أورثت إرم قال ابن إسحاق: فإرم أبو عاد كلها، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وقال جمهور المفسرين: إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن، وقال محمد بن كعب: هي الإسكندرية، وقال سعيد بن المسيب: هي دمشق، قال البكري: دمشق هي ذات العماد، وكذلك روى هوذة عن عوف بن خالد وقاله عكرمة، وحكى البلاذري قال: حدثني محمد بن موسى الصانع عن جعفر بن محمد العطار بمدينة السلام، قال حدثني علي بن داود القنطري وأبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي عن أبي صالح عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث بن سعد، قال حدثني عبد الله بن لهيعة بن علقمة الحضرمي عن خالد بن أبي عمران عن وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة قال: أنه خرج في إبل له شردت، فبينما هو في صحارى عدن أبين والشحر يطلب إبله في تلك الفلوات إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن، حول ذلك الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال، فلما دنا منها ظن أن فيها أحداً يسأله عن إبله، فإذا لا خارج يخرج من باب حصنها ولا داخل يدخل منه، فلما رأى ذلك نزل عن ناقته وعقلها ثم استل سيفه ودخل من باب الحصن، فلما خلف الحصن بشيء إذا هو ببابين عظيمين لم ير في الدنيا أعظم منهما ولا أطول، وإذا خشبهما مجمر يعني عوداً، وفي ذينك البابين نجوم من ياقوت أبيض وياقوت أحمر، يضيء ذانك البابان فيما بين الحصن والمدينة فلما رأى ذلك الرجل أعجبه وتعاظم الأمر، ففتح أحد البابين ودخل، فإذا هو بمدينة لم ير الراءون مثلها قط، وإذا هي قصور كل قصر معلق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت، ومن فوق كل قصر منها غرف، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وكل مصاريع تلك القصور وتلك الغرف مثل مصراعي باب المدينة، كلها مفصص بالياقوت الأبيض والياقوت الأحمر مقابلة بعضها ببعض، ينور بعضها من بعض، مفروشة تلك القصور وتلك الغرف كلها باللؤلؤ وبنادق من مسك وزعفران، فلما عاين الرجل ما عاين ولم ير فيها أحداً هاله ذلك وأفزعه، ثم نظر إلى الأزقة فإذا هو بالشجر في كل زقاق منها قد أثمرت تلك الأشجار كلها، وإذا تحت تلك الأشجار أنهار مطردة يجري ماؤها في قنوات من فضة، كل قناة منها أشد بياضاً من الشمس، تجري تلك القنوات تحت الأشجار، فداخل الرجل العجب مما رأى وقال: والذي بعث محمداً بالحق ما خلق الله عز وجل مثل هذه في الدنيا وإن هذه للجنة التي وصفها تقدست أسماؤه، ما بقي مما وصف الله العزيز شيء إلا وهو في هذه المدينة، هذه الجنة، الحمد لله الذي أدخلناها فبينما هو يؤامر نفسه ويتدبر رأيه إذ دعته نفسه أن يأخذ من لؤلؤها وياقوتها وزبرجدها ثم يخرج حتى يأتي بلاده ثم يرجع إليها، ففعل، فحمل معه من اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها شيئاً ولا من ياقوتها لأنه مثبت في أبوابها، وكان ذلك اللؤلؤ والبنادق والمسك والزعفران منثوراً في تلك القصور والغرف كلها، فأخذ ما أراد وخرج حتى أتى ناقته وحل عقالها

_ (1) معجم ما استعجم 1: 143 - 144. (2) في ص ع: إراص، والتصحيح عن الهمداني: 162، وانظر ياقوت: أباض. (3) لها: يريد وقعة خالد، وإلا فإن ((أباض)) لا ترد في مادة عقربا. (4) ديوانه: 155. (5) ديوانه: 158.

وركبها ثم سار راجعاً يقفو أثر ناقته حتى رجع إلى اليمن، فأظهر ما كان معه، وأعلم الناس أمره وما كان من قصته، وباع بعض اللؤلؤ، وكان ذلك اللؤلؤ قد اصفر وتغير من طول كرور الأيام والليالي عليه، فلم يزل أمر ذلك الرجل ينمي ويخرج حتى بلغ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فأرسل رسولاً وكتب إلى صاحب صنعاء يأمره بالبعثة بالرجل إليه يسأله عما كان من أمره، فخرج به رسول معاوية رضي الله عنه من اليمن حتى قدم به الشام، فأمر صاحب صنعاء الرجل أن يخرج معه ببعض ما جاء به من متاع تلك المدينة، فسار الرجل ورسول معاوية رضي الله عنه معه حتى قدم على معاوية رضي الله عنه، فخلا به معاوية رضي الله عنه وساءله عما رأى وعاين فقص عليه أمر المدينة وما رأى فيها شيئاً فشيئاً، فأعظم ذلك معاوية رضي الله عنه وأنكر ما حدثه به وقال: ما أظن ما قلته حقاً، فقال الرجل: عندي من متاعها الذي هو مفروش في قصورها وغرفها وبيوتها، قال: ما هو قال: لؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فقال له معاوية رضي الله عنه، هات حتى أراه، فأراه لؤلؤاً أصفر من أعظم ما يكون من اللؤلؤ وأراه تلك البنادق فشمه معاوية رضي الله عنه فلم يجد له ريحاً فدق بندقة من تلك البنادق فسطع ريحها مسكاً وزعفراناً، فصدقه معاوية رضي الله عنه عند ذلك، وقال: كيف لي أن أعلم ما اسم هذه المدينة ومن بناها ولمن كانت، فوالله ما أعطي أحد مثل ما أعطي سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، وما ملك سليمان مثل هذه المدينة، فقال بعض جلساء معاوية رضي الله عنه: إنك لن تجد خبر هذه المدينة عند أحد من أهل الدنيا في زماننا هذا إلا عند كعب الأحبار، فإن رأيت أن تبعث إليه وتأمر أن يغيب هذا الرجل عنه فإنه سيخبر بأمرها وأمر هذا الرجل إن كان دخلها، لأن مثل هذه المدينة على مثل هذه الصفة لا يستطيع هذا الرجل دخولها إلا أن يكون قد سبق في الكتاب دخوله إياها، فابعث إلى كعب فإنه لم يخلق الله عز وجل أحداً على ظهر الأرض أعلم منه، ولا شيء مضى من الدهر ولا يكون بعد اليوم إلا وهو في التوراة مفسراً منصوباً معروفاً مكانه، فليبعث إليه أمير المؤمنين فإنه سيجد خبرها عنده، قال: فأرسل معاوية رضي الله عنه إلى كعب الأحبار فأتاه، فلما أتاه قال له معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق إني دعوتك لأمر رجوت أن يكون علمه عندك، قال كعب: على الخبير سقطت فسلني عما بدا لك، قال: أخبرني يا أبا إسحاق هل بلغك أن في الدنيا مدينة مبنية بالذهب والفضة وعمدها زبرجد وياقوت، وحصباء قصورها وغرفها لؤلؤ فيها جناتها وأنهارها في الأزقة تجري تحت الأشجار؟ قال كعب: والذي نفسي بيده لقد ظننت أني لأتوسد يميني قبل أن يسألني أحد عن تلك المدينة وما فيها ولمن هي، ولكن أخبرك بها ولمن هي ومن بناها، أما تلك المدينة فهي حق على ما بلغك ووصف لك، وأما صاحبها الذي بناها فشداد بن عاد، وأما المدينة فإرم ذات العماد التي وصف الله عز وجل في كتابه المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " التي لم يخلق مثلها في البلاد "، وهي كما وصف لك لم يبن مثلها في البلاد، قال معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق حدثني حديثها يرحمك الله، قال: أخبرك أن عاداً الأولى ليس عاد قوم هود، ولكن عاد الأولى إنما هود وقوم هود ولد لذلك، فكان عاد له ابنان أحدهما شديد والآخر شداد، فهلك عاد فبغيا وتجبرا، وملكا فقهرا البلاد وأخذا أهلها عنوة وقهرا حتى دان لهما جميع الناس، ولم يبق أحد من الناس في زمانهما إلا وهو في طاعتهما لا في مشرق الأرض ولا في مغربها، وأنه لما صفا لهما ذلك وقر قرارهما مات شديد بن عاد وبقي شداد وحده لم ينازعه أحد، ودانت له الدنيا كلها بأجمعها، وكان مولعاً بقراءة الكتب الأول وكلما مر فيها بذكر الجنة وما يسمع ما هو فيها من البنيان والياقوت واللؤلؤ دعته نفسه إلى أن يفعل تلك الصفة، فلما قر ذلك في لبه أمر بصنعة تلك المدينة وأمر على صنعتها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان، ثم قال: انطلقوا إلى أطيب بلاد الأرض وأوسعها فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد، وعلى المدينة قصور، ومن فوق تلك القصور غرف، واغرسوا تحت القصور في أزقتها أصناف الثمار كلها وأجروا فيها الأنهار حتى تكون تحت الأشجار، فإني أستمع في الكتاب صفة الجنة فأحب أن أجعل مثالها في الدنيا أتعجل سكناها، فقال له قهارمته وكانوا مائة قهرمان: كيف لنا أن نقدر على ما وصفت لنا من الزبرجد والياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة ينبني منه مدينة من المدائن كما وصفت لنا، ومتى نقدر على هذا الذهب كله وهذه الفضة؟ فقال لهم شداد: أليس تعلمون أن ملك الدنيا كله بيدي؟ قالوا: بلى، قال: فانطلقوا إلى كل معدن من معادن الزبرجد والياقوت أو بحر فيه لؤلؤ أو معدن ذهب أو معدن فضة قوم رجلاً يخرج لكم ما كان من كل معدن في تلك البلاد، ثم انظروا إلى ما كان في أيدي الناس فخذوه سوى ما يأتيكم به

الأربس

أصحاب المعادن. قال: فخرجوا من عنده إلى كل ملك في الدنيا يأمره أن يجمع له ما في بلاده من جوهرها ويحضر معادنها، فانطلق أولئك القهارمة فبعثوا إلى كل ملك من الملوك بكتاب في أخذ ذلك وأخذ الفعلة في طلبهم له موضعاً كما أراد ووصفه لهم من البساتين وإجراء الأنهار وغرسهم الأشجار، وعملوا في ذلك عشر سنين، فقال معاوية رضي الله عنه: وكم عدد الملوك الذين كانوا تحت يده؟ قال: مائتان وستون ملكاً قسمها بينهم كل ملك على حدة وما عليه من الخراج، قال: فخرج القهارمة فشدوا في الصحراء ليجدوا ما يوافقه، فلم يجدوا ذلك حتى وقعوا على صحراء عظيمة نقية من التلال والجبال، فإذا هم بعيون مطردة، فقالوا: هذه صفة إرم التي أمرنا بها، فأخذوا بقدر الذي أمرهم من العرض والطول ثم جعلوا ذلك حدوداً محدودة ثم عمدوا إلى مواضع الأزقة التي فيها الحدود فأجروا فيها قنوات لتلك الأنهار ثم وضعوا الأساس من صخور الجزع اليماني وصبوا طين ذلك الأساس من مر ولبان ومحلب، فلما فرغوا مما وضعوا من الأساس وأجروا القنوات أرسلت إليهم الملوك بالزبرجد والياقوت والذهب والفضة واللؤلؤ والجوهر، كل ملك قد عمل ما كان في معدنه، فمنهم من بعث بالعمد مفروغاً منها، ومنهم من بعث بالذهب والفضة مفروغاً منها مصنوعاً، فدفعوه إلى أولئك القهارمة والوزراء، فأقاموا فيها حتى فرغوا من بنائها وهي على تلك العمد، وهي قصور وفوق القصور غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة والزبرجد والياقوت، وأقاموا في بنائها إلى أن فرغوا منها ثلثمائة سنة، وكان عمر شداد تسعمائة سنة، قال كعب: فلما أخبروه بفراغهم منها قال: انطلقوا فاجعلوا عليها حصناً واجعلوا حول الحصن ألف قصر يكون في كل قصر وزير من وزرائي وألف ناطور، قال: فخرجوا فعملوا تلك الحصون والقصور ثم أخبروه بالفراغ مما أمرهم به، قال: فأمر ألف وزير من خاصته أن يتهيئوا للنقلة إلى إرم ذات العماد، وأمر لتلك الأعلام برجال يسكنونها وأمر لهم بالعطاء والأرزاق والجهاز إلى تلك القصور، فأقاموا في جهازهم إليها عشر سنين، فسار الملك فيمن أراد وخلف من قومه في عدن أبين والشحر أكثر ممن سار، فلما صار منها على مقربة من يوم وليلة بعث الله تعالى العظيم عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكهم جميعاً ولم يبق منهم أحد، ولم يدخل ذات العماد منهم أحد، ولم يقدر على دخولها أحد منهم حتى الساعة، فهذه صفة ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك هذا ويرى ما فيها ويحدث بذلك فلا يصدق، قال له معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق هل تصفه لنا؟ قال: نعم، رجل أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج ذلك الرجل في طلب إبل له في تلك الصحارى فيقع على ذات العماد، فيدخلها ويحمل مما فيها والرجل جالس عندك، فالتفت كعب فرأى الرجل فقال: هذا ذلك الرجل قد دخلها فسله عما حدثتك به، فقال معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق إن هذا من خدمي، قال: فقد دخلها وإلا فسيدخلها أو يدخلها أهل هذا الدين في آخر الزمان، فقال معاوية رضي الله عنه: لقد فضلك الله يا أبا إسحاق على غيرك من العلماء، ولقد أعطيت من علم الأولين، والآخرين ما لم يعط أحد، فقال كعب: والذي نفس كعب بيده ما خلق الله عز وجل شيئاً إلا وقد فسره في التوراة لعبده موسى وكفى بالله وكيلاً. بها، فأخذوا بقدر الذي أمرهم من العرض والطول ثم جعلوا ذلك حدوداً محدودة ثم عمدوا إلى مواضع الأزقة التي فيها الحدود فأجروا فيها قنوات لتلك الأنهار ثم وضعوا الأساس من صخور الجزع اليماني وصبوا طين ذلك الأساس من مر ولبان ومحلب، فلما فرغوا مما وضعوا من الأساس وأجروا القنوات أرسلت إليهم الملوك بالزبرجد والياقوت والذهب والفضة واللؤلؤ والجوهر، كل ملك قد عمل ما كان في معدنه، فمنهم من بعث بالعمد مفروغاً منها، ومنهم من بعث بالذهب والفضة مفروغاً منها مصنوعاً، فدفعوه إلى أولئك القهارمة والوزراء، فأقاموا فيها حتى فرغوا من بنائها وهي على تلك العمد، وهي قصور وفوق القصور غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة والزبرجد والياقوت، وأقاموا في بنائها إلى أن فرغوا منها ثلثمائة سنة، وكان عمر شداد تسعمائة سنة، قال كعب: فلما أخبروه بفراغهم منها قال: انطلقوا فاجعلوا عليها حصناً واجعلوا حول الحصن ألف قصر يكون في كل قصر وزير من وزرائي وألف ناطور، قال: فخرجوا فعملوا تلك الحصون والقصور ثم أخبروه بالفراغ مما أمرهم به، قال: فأمر ألف وزير من خاصته أن يتهيئوا للنقلة إلى إرم ذات العماد، وأمر لتلك الأعلام برجال يسكنونها وأمر لهم بالعطاء والأرزاق والجهاز إلى تلك القصور، فأقاموا في جهازهم إليها عشر سنين، فسار الملك فيمن أراد وخلف من قومه في عدن أبين والشحر أكثر ممن سار، فلما صار منها على مقربة من يوم وليلة بعث الله تعالى العظيم عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكهم جميعاً ولم يبق منهم أحد، ولم يدخل ذات العماد منهم أحد، ولم يقدر على دخولها أحد منهم حتى الساعة، فهذه صفة ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك هذا ويرى ما فيها ويحدث بذلك فلا يصدق، قال له معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق هل تصفه لنا؟ قال: نعم، رجل أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج ذلك الرجل في طلب إبل له في تلك الصحارى فيقع على ذات العماد، فيدخلها ويحمل مما فيها والرجل جالس عندك، فالتفت كعب فرأى الرجل فقال: هذا ذلك الرجل قد دخلها فسله عما حدثتك به، فقال معاوية رضي الله عنه: يا أبا إسحاق إن هذا من خدمي، قال: فقد دخلها وإلا فسيدخلها أو يدخلها أهل هذا الدين في آخر الزمان، فقال معاوية رضي الله عنه: لقد فضلك الله يا أبا إسحاق على غيرك من العلماء، ولقد أعطيت من علم الأولين، والآخرين ما لم يعط أحد، فقال كعب: والذي نفس كعب بيده ما خلق الله عز وجل شيئاً إلا وقد فسره في التوراة لعبده موسى وكفى بالله وكيلاً. أربونة (1) مدينة هي آخر ما كان بأيدي المسلمين من مدن الأندلس وثغورها مما يلي بلاد الإفرنجية، وقد خرجت عن أيدي المسلمين سنة ثلاثين وستمائة مع غيرها مما كان في أيديهم من المدن والحصون. الأربس (2) مدينة بينها وبين قيروان إفريقية مسيرة ثلاثة أيام وبينها وبين باجة مرحلتان، وهي في وطاء من الأرض، بوسطها عين جارية لا تجف منها شرب أهلها وماؤها صحيح، وبها معدن حديد ولا شجر بها إنما هي مزارع الحنطة والشعير ويدخر منها الكثير، وهي مدينة مسورة ولها ربض كبير وبأرضها يكون أطيب الزعفران، وتعرف ببلد العنبر، وإليها سار إبراهيم بن الأغلب حين خرج من القيروان، وفي سنة ست وتسعين ومائتين زحف إليها أبو عبد الله الشيعي فنازلها وبها جمهور أجناد إفريقية مع إبراهيم ففر عنها إبراهيم في جماعة من القواد والجند إلى طرابلس، ودخلها الشيعي أبو عبد الله عنوة، ولجأ أهلها ومن بقي فيها من الجند إلى جامعها وقيل إنه قتل بداخل المسجد ثلاثون ألفاً وذلك من وقت صلاة العصر إلى آخر الليل، فكانت ولاية بني الأغلب بإفريقية مائة سنة وإحدى عشرة سنة، ومدينة الأربس في وطاء من

_ (1) روفنسال: 11 - 12 والترجمة: 16 (Narbonne) . (2) الإدريسي (د) : 117، ونزهة المشتاق: 86، والبكري: 46 (اربس) .

أرشذونة

الأرض (1) وعليها سور تراب وهي على اثني عشر ميلاً من مدينة أبة وهي بغربي الأربس. أرشذونة (2) بالأندلس وهي قاعدة كورة ريه ومنزل الولاة والعمال، وهي بقبلي قرطبة تسقي أرضها وتطرد في نواحيها عيون غزار وأنهار كبار وهي برية بحرية، سهلها واسع وجبلها مانع وسورها الآن مهدوم، ولها حصن فوق المدينة ولها مدن كثيرة وبها آثار قديمة، ومن مدنها مالقة بينهما ثمانية وعشرون ميلاً. أريحا مدينة من أجل بلاد الغور بالشام، وفي الخبر أن عمر رضي الله عنه أجلى اليهود إلى أريحا وكانوا طلبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين غلب عليهم أن يقرهم على أن لهم نصف الثمر فقال: " نقركم متى شئنا "، فبقوا كذلك خلافة أبي بكر رضي الله عنه وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنه ثم أجلاهم إلى أريحا، ذكره مسلم بن الحجاج. ؟ أرجان مدينة بين فارس وأهواز، بناها قباذ بن فيروز ملك الفرس وهو أنوشروان وأسكن فيها سبي همدان، وفيها قبر يوحنا الحواري صاحب عيسى، عليه الصلاة والسلام، وهي المذكورة في قول المتنبي: أرجان أيتها الجياد فانه ... عزمي الذي يذر الوشيج مكسرا ومنها أحمد بن الحسين الأرجاني (3) أبو بكر فاضل شاعر ورد بغداد ومدح خليفتها المستظهر بالله، ومن شعره: ولما بلوت الناس أطلب منهم ... أخا ثقة عند اعتراض الشدائد تطلعت في حالي رخاء وشدة ... وناديت في الأحياء هل من مساعد فلم أر فيما ساءني غير شامت ... ولم أر فيما سرني غير حاسد ومنها: تمتعتما يا ناظري بنظرة ... وأوردتما قلبي أمر الموارد أعيني كفا عن فؤادي فإنه ... من البغي سعي اثنين في قتل واحد ذكره ابن السمعاني وأثنى عليه في ذيل كتاب الخطيب وأطنب في ذكره والثناء عليه. الرملة (4) إحدى مدن الشام وهي مدينة عامرة بها أسواق وتجارات ودخل وخرج، ومنها إلى يافا التي على ساحل البحر نصف يوم، ومن الرملة إلى نابلس يوم، ومنها إلى قيسارية مرحلة. أريانة قرية من عمل قرطاجنة إفريقية بمقربة من تونس مسندة إلى الحنية العادية، منها كان العابد محرز بن خلف التميمي المؤدب العابد المشهور، قبره بتونس بداره (5) يتبرك به، وتوفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وله أخبار مصنفة (6) . ارمينية بكسر أوله وإسكان ثانيه بلد معروف يضم كوراً كثيرة، سميت بكون الأرمن فيها، وهي أمة كالروم وغيرها فتحت في زمان عثمان رضي الله عنه، فتحها سلمان بن ربيعة الباهلي سنة أربع وعشرين، قالوا (7) : وفي السنة التي بويع فيها عثمان رضي الله عنه غزا الوليد بن عقبة رضي الله عنه أذربيجان وارمينية لمنع أهلها ما صالحوا عليه أيام عمر رضي الله عنه، فدعا الوليد سلمان بن ربيعة الباهلي فبعثه أمامه مقدمة له، وخرج الوليد في جماعة الناس يريد أن يمعن في أرض ارمينية فمضى حتى دخل أذربيجان، وبعث سلمان بن ربيعة إلى ارمينية في اثني عشر ألفاً فسار في أرضها فقتل وسبى وغنم وانصرف مملوء اليد إلى الوليد، فانصرف

_ (1) كذلك أورده مكرراص، وكله عن نزهة المشتاق. (2) بروفنال: 12 والترجمة: 17 (Archidona) . (3) ابن خلكان 1: 151؛ وديوانه: 86. (4) هذا وهم من المؤلف، فقد حسب الألف واللام أصليتين في الكلمة، وسورد الرملة في حرف ((الراء)) . (5) بداره: سقطت من: ص. (6) نشرت مناقبه مع مناقب أبي إسحاق الجبنياني في كتاب واحد (باريس: 1959) . (7) الطبري 1: 2804.

أرشقول

الوليد وقد ظفر وأصاب حاجته، فلما دخل الموصل راجعاً أتاه كتاب عثمان رضي الله عنه بأن معاوية رضي الله عنه كتب إليه بأن الروم قد أجلبت على المسلمين بجموع عظيمة وقد رأيت أن نمدهم بأخوانهم من أهل الكوفة وحكى الواقدي أن عثمان أمر معاوية، رضي الله عنهما، باغزاء حبيب بن مسلمة في أهل الشام ارمينية، فوجهه إليها معاوية، فبلغ حبيباً أن الموريان الرومي قد توجه نحوه في ثمانين ألفاً من الروم والترك، وكان حبيب صاحب كيد، فأجمع على أن يبيت الموريان، فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية يذكر ذلك فقالت له: فأين موعدك؟ فقال: سرادق الموريان أو الجنة، ثم بيتهم فقتل من أشرف له، ثم أتى السرادق فوجد امرأته قد سبقت فكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها سرادق، ثم مات عنها فخلف عليها الضحاك بن قيس الفهري فهي أم ولده. قلت: وارمينية من الثغور الجزرية، وقيل سميت ارمينية باسم ارمين قومس ياشور الملك فسمي البلد باسمه وسميت المراحل بأسماء بنيه: اردبيل وورثان ودبيل وبيلقان بني أرمين، وفي بعض الأخبار أن الرشيد خرج ذات يوم إلى الصيد ببلاد الموصل وعلى يده باز أبيض فاضطرب على يده فأرسله فلم يزل يحلق حتى غاب في الهواء، ثم أقبل بعد اليأس منه وقد علق بدابة شبه الحية أو السمكة ولها ريش كأجنحة السمك، فأمر الرشيد فوضعت في طست، فلما عاد من قنصه أحضر العلماء فسألهم: هل تعلمون للهواء ساكناً؟ فقال مقاتل: يا أمير المؤمنين روينا عن جدك عبد الله بن العباس رضي الله عنهما أن الهواء معمور بأمم مختلفة الخلق سكان فيها أقربها منا دواب بيض في الهواء تفرخ فيه يرفعها الهواء الغليظ ويربيها حتى تنشأ كهيئة الحيات أو السمك لها أجنحة ليست بذات ريش تأخذها بزاة بيض تكون بارمينية فأخرج الطست إليهم بالدابة وأجاز مقاتلاً. وفي سنة تسع وتسعين احتفر عدي بن عدي نهراً بأرمينية يقال له اليوم نهر عدي. ومن عجائب ارمينية واد لا يقدر أحد أن ينظر إليه ولا يشرف عليه ولا يدرى ما فيه وإذا وضعت القدر على شفيره غلت ونضج ما فيها. وبارمينية ماء حامض يعرف بالحمض إذا أخذ ورفع في إناء عذب وشرب. أردبيل من الثغور الجزرية بينها وبين المراغة نحو أربعين فرسخاً، سميت باسم اردبيل بن أرمين كما سميت ارمينية باسم أبيه ارمين، وهي مدينة حسنة كبيرة، وهي دار الإمارة وبها الأجناد والعسكر، وتكون أعمالها تسعين ميلاً في مثلها، وأبنيتها بالطين والآجر، وأسعارها راخية، ولها بساتين كثيرة، ونزل عليها الططر سنة ثمان عشرة وستمائة فقتلوا أهلها عن آخرهم وتركوها يباباً (1) وكان أهلها مشهورين بالدعارة. أرديس مدينة بينها وببن ميافارقين خمسين ميلاً وهي في تخوم بلاد الروم وبينها وبين حصن زياد شجرة لا يعرف أحد ما هي ولا ما اسمها ولها حمل شبيه باللوز يؤكل بقشره وهو أحلى من الشهد (2) . أرزن مدينة بينها وبين ميافارمين سبعة فراسخ، فتحها عياض بن غنم على مثل صلح الرها (3) ، وهي مدينة كبيرة كثيرة الأسواق والعمران سهلية جبلية. أرمية بضم أوله مدينة في ديار بكر وكانت ارمية وخوي وسلماس من فتوح الموصل، وكان خراجها يجبى إلى الموصل ثم حولت ينسب إليها أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الحافظ الأرموي وتاج الدين (4) مختصر الحاصل من محصول الإمام الفخر بن الخطيب الذي في أصول الفقه. اربل أظنها من أعمال الشام (5) . أرجونة (6) مدينة أو قلعة بالأندلس إليها ينسب محمد بن يوسف بن الأحمر الأرجوني من متأخري سلاطين الأندلس. أرشقول (7) مدينة في ساحل تلمسان من أرض المغرب بينهما فحص طوله خمسة وعشرون ميلاً، ومدينة أرشقول على نهر تافنا

_ (1) انظر معجم ياقوت (أردبيل) في الحديث عما صنعه التتر بها. (2) قارن بما أورده ابن الفقيه: 287، ونزهة المشتاق: 267. (3) البلاذري: 208: على مثل صلح نصيبين. (4) سماه صاحب كشف الظنون (1615) سراج الدين، وهو ابو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي المتوفى 682. (5) أربل: تقع بين الزابين، وكانت تعد من أعمال الموصل. أنظر وصفها في معجم ياقوت وآثار البلاد: 290. (6) بروفنال: 12 الترجمة: 17 (Arjona) . (7) انظر الإدريسي (د) : 172، والنص عن البكري: 77 - 78، والاستبصار: 134.

أرنيط

يقبل من قبليها ويسير بشرقيها تدخل فيه السفن اللطاف من البحر إلى المدينة وبينهما ميلان، وهي مدينة مسورة، وبها جامع حسن فيه سبع بلاطات وفي صحنه جب كبير، وصومعته متقنة البناء، وفيها حمامان أحدهما قديم، وسعة سورها ثمانية أشبار وأمنع جهاتها جوفيها، وبها آبار عذبة لا تغور تقوم بأهلها وبمواشيهم، ولها ربض من جهة القبلة ويقابله جزيرة في البحر تسمى جزيرة أرشقول بينها وبين البر قدر صوت رجل جهير في سكون البحر والريح. أرم آسك هل هي بالراء أو بالزاي (1) ، وهي مدينة على نهر تستر وهي متحضرة ولها سوق متحركة وبها بيع وشراء، وهي رصيف متوسط لمن جاء من فارس يريد العراق، ويحاذيها من خلف النهر قرية آسك، وفيها جنات كثيرة وقصبة طويلة من القبلة إلى الجوف عالية منيعة. أركنده (2) هي آخر مدن فرغانة مما يلي دار الترك، وهي نحو ثلثي مدينة أوش ولها بساتين ومياه جارية وليس فيما وراء النهر أكثر قرى من فرغانة وربما بلغ حد القرية مرحلة لكثرة أهلها وانتشار مواشيهم ومراعيهم. الأرك (3) هو حصن منيع بمقربة من قلعة رباح أول حصون أذفونش بالأندلس، وهناك كانت وقيعة الأرك على صاحب قشتالة وجموع النصارى على يد المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي ملك المغرب في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، وكان بلغ المنصور يعقوب أن صاحب قشتالة شن الغارات على بلاد المسلمين بالأندلس شرقاً وغرباً في يوم واحد، وعم ذلك جهات اشبيلية ونواحيها، فامتعض من ذلك، ثم تحرك من حاضرته مراكش إلى الأندلس واستقر باشبيلية فأعرض الجند وأعطى البركات، ثم نهض في الحادي عشر من جمادى الأخرى ووصل قرطبة فروح بها، والتقى الجمعان بحصن الأرك والتحم القتال، فانهزم العدو وركبهم السيف من ضحى يوم الأربعاء تاسع شعبان إلى الزوال وانتهب محلة الروم وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفاً، واستشهد من المسلمين دون الخمسمائة، وأفلت أذفونش واجتاز على طليطلة لا يعرج على شيء في عشرين فارساً وحصر المسلمون فلهم بحصن الأرك وكانوا خمسة آلاف فصالحوا بقدرهم من أسارى المسلمين. وسمعت من يحدث أن هذا الفتح كان اتفاقياً بسبب إحراز الروم بعض رايات المسلمين وذهابهم بها قائمة منتصبة وانبعاث حفائظ بعض القبائل لما عاينوا راية إخوانهم مقدمة على العدو، إذ ظنوا أن أصحابهم حملوا على العدو فأوغلوا وهم لا يعلمون الحال، وكيف ما كان فهو فتح مبين ونصر مؤزر. ثم رجع المنصور إلى اشبيلية ظافراً فأقام مدة ثم غزا بلاد الجوف فحاصر ترجاله ونزل على (4) بلنسية ففتحها عنوة وقبض على قائدها يومئذ مع مائة وخمسين من أعيان كفارها ووجههم إلى خدمة بناء الجامع الكبير بسلا مع أسرى الأرك، ثم انتقل إلى طلبيرة ومكادة فخربهما ثم برز على طليطلة فشن عليها الغارات، ثم نازل مجريط وشرع في القفول فأخذ على جيان إلى قرطبة إلى استجة إلى قرمونة، ووصل إلى اشبيلية في رمضان. وبإفريقية بقرب تيفاش مدينة أركو (5) بها جنات وعيون ومياه وبساتين وغلات وخير واسع. أرنيط (6) مدينة بالأندلس أولية بينها وبين تطيلة ثلاثون ميلاً، وحواليها بطاح طيبة المزارع، وهي قلعة عظيمة منيعة من أجل القلاع، وفيها بئر عذبة لا تنزح قد انبطت في الحجر الصلد، وهذه القلعة مطلة على أرض العدو وبينها وبين تطيلة ثلاثون ميلاً (7) وبينها وبين سرقسطة ثمانون ميلاً. ارغون (8) هو اسم بلاد غرسية بن شانجة يشتمل على بلاد ومنازل وأعمال. أركش (9) حصن بالأندلس على وادي لكه وهو مدينة أزلية

_ (1) يبدو أن صوابها بالزاي، كذلك وردت عند ياقوت: ((وأزم منزل بين سوق الأهواز ورامهرمز)) ، والتساؤل - هل هي بالراء أو بالزاي - إن كان من المؤلف فإنه مستغرب، ولعله مقحم وضعه أحد المعلقين. (2) عند ابن حوقل: 421 أوزكندة، وكذلك عند ياقوت وهو الصواب، وبعضه منقول عن ابن حوقل: 420، وانظر نزهة المشتاق: 149 (اوركندة) . (3) بروفنسال: 12 والترجمة: 18 (Alarcos) وتسمى اليوم: Santa Maria de Alarcos. (4) ص ع: ونازل أهل. (5) الإدريسي (د) : 120. (6) بروفنسال: 14 والترجمة: 20 (Arnedo) . (7) كذا مكرراً. (8) بروفنسال: 12 والترجمة: 17 (Aragon) . (9) بروفنسال: 14 والترجمة: 20 (Arcos de la Frontera) .

اطراغي

قد خربت مراراً وعمرت وعندها زيتون كثير. أرزاو (1) مدينة فحص سيرات وبينها وبين وهران أربعون ميلاً وهي في جبل فيه قلاع ثلاث مسورة ورباط يقصد إليه، وفي هذا الجبل معدن الحديد والزئبق وإذا أرسلت في شجرة منه النار فاحت منه رياح طيبة. أزقار (2) موضع قوم رحالة في بلاد السودان ألبانهم غزيرة وهم أهل نجدة وقوة ويسالمون من سالمهم ويميلون على من حاولهم، وأهل أزقار يذكر أهل المغرب الأقصى أنهم أعلم الناس بعلم الخط المنسوب إلى دانيال عليه الصلاة والسلام ليس يدرى بجميع بلاد البربر على كثرة قبائلها أعلم بهذا الخط من أهل أزقار، ولأن الرجل منهم صغيراً كان أو كبيراً إذا تلفت له ضالة أو عدم شيئاً من أموره خط لها في الرمل خطاً فيعلم بذلك موضع ضالته فيسير حتى يجد متاعه كما أبصر في خطه، وربما سرق الرجل منهم متاع صاحبه ويدفنه في الأرض بعيداً أو قريباً فيخط الرجل الذي فقد متاعه ويقصد موضع الخبيئة ويخط بازائه خطاً ثانياً حتى يقصد موضع الخبيئة فيستخرج منه متاعه وما ضاع له ويعلم مما خطه الرجل الذي أخذ متاعه، ويجمع أشياخ القبيلة فيخطون له خطاً فيعلمون بذلك البريء من الفاعل، وهذا عندهم مشهور، ولقد أخبر بعضهم أنه رأى رجلاً من هذه القبيلة في سجلماسة وقد خبئت له خبيئة فخط لها خطاً وقصد موضعها فاستخرجها وأعيد عليه العمل بذلك ثلاث مرار فاستخرجها في كلها، وهذا شيء عجيب من قوتهم على هذا العلم على كثرة جهلهم وغلظ طباعهم. أزكي (3) مدينة بالمغرب وهي أول مراقي الصحراء، ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة ومنها إلى نول لمطة سبع مراحل، وليست بالكبيرة ولكنها متحضرة، وإذا بلغت المرأة التي لا زوج لها منهم أربعين سنة تصدقت بنفسها على من أرادها فلا تدفع عن نفسها من يريدها، ولا بد من الدخول على هذه المدينة لمن أراد تكرور وغانة من بلاد السودان. اطراغي (4) مدينة بالصين كبيرة على بركة ماء عذب لا يوجد لوسطها قعر وماؤها مائل إلى الدكنة، وبها سمك وجوهها كوجه البومة على رؤوسها شبه قلانس يزعمون أنها تفعل بالرجال ما يفعله السقنقور من كثرة الانعاظ. اطرابنش (6) بجزيرة صقلية مدينة قديمة أزلية على ساحل البحر، والبحر يحدق بها من جميع جهاتها وإنما يسلك إليها على قنطرة على باب شرقيها، ومرساها بالجانب الجنوبي منها، وعلى نحو عشرة أميال منها جبل يدعى بجبل حامد والصعود إليه هو من إحدى جهاته، وهم يرون أن منه يكون فتح هذه الجزيرة ولا يتركون مسلماً يصعد إليه، ولذلك أعدوا فيه ذلك المعقل فلو أحسوا بحادثة حملوا حريمهم فيه وقطعوا القنطرة، واطرابنش هذه في البسيط لا ماء لها إلا من بئر على البعد منها. إلبيرة من كور الأندلس جليلة القدر نزلها جند دمشق من العرب وكثير من موالي الإمام عبد الرحمن بن معاوية، وهو الذي أسسها وأسكنها مواليه ثم خالطهم العرب بعد ذلك، وجامعها بناه الإمام محمد على تأسيس حنش الصنعاني، وحولها أنهار كثيرة. وكانت حاضرة إلبيرة من قواعد الأندلس الجليلة والأمصار النبيلة فخربت في الفتنة وانفصل أهلها إلى مدينة غرناطة فهي اليوم قاعدة كورها، وبين إلبيرة وغرناطة ستة أميال، ومن الغرائب أنه كان بناحية مدينة إلبيرة فرس قد نحت من حجر صلد قديم هناك لا يعلم واضعه فكان الغلمان يركبونه ويتلاعبون حوله إلى أن انكسر منه عضو فزعم أهل إلبيرة أن في تلك السنة التي حدث فيها كسره تغلب البربر على مدينة إلبيرة فكان أول خرابها. ومدينة إلبيرة بين القبلة والشرق من قرطبة، ومنها إبراهيم بن خالد سمع من يحيى بن يحيى وسعيد بن حسان وسمع من سحنون وهو أحد السبعة الذين اجتمعوا في إلبيرة في وقت واحد من رواة سحنون، ومنها أبو إسحاق بن مسعود الإلبيري صاحب القصيدة الزهدية التي أولها (7) :

_ (1) في الأصلين: ارزار، والتصويب عن البكري: 70 والإدريسي (د) : 100 والنص عن البكري وكتب في الاستبصار: 178 أزواوا. (2) كتبه آزقار - بالمد - في الإدريسي (د) : 36 وانظر الإدريرسي (ب) : 22. (3) كتبت بمد الألف في طبعة دوزي من الإدريسي: 59 - 60 والإدريسي (ب) : 37 وتكتب أيضاً بالقاف. (4) نزهة المشتاق: 133 وربما قرئت: ((أطراغن)) . (6) بروفنسال: 29 والترجمة: 37 (Elvira) والعذري: 88. (7) ديوانه: 63.

أليس

تفت فؤادك الأيام فتا ... وتنحت جسمك الساعات نحتا وهي طويلة جداً، وهو القائل (1) : من ليس بالباكي ولا المتباكي ... لقبيح ما يأتي فليس بزاك القصيدة بطولها، وهو القائل (2) : ما أميل النفس إلى الباطل ... وأهون الدنيا على العاقل آه لسر صنته لم أجد ... خلقاً له قط بمستاهل هل يقظ يسألني علني ... أكشفه لليقظ السائل لو شغل المرء بتركيبه ... كان به في شغل شاغل وعاين الحكمة مجموعة ... ماثلة في هيكل ماثل يا أيها الغافل عن نفسه ... ويك أفق من سنة الغافل وبساحل إلبيرة كان نزول الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الداخل إلى الأندلس حين عبوره إليها. أليس على صلب (3) الفرات، فتحها خالد بن الوليد رضي الله عنه، قالوا (4) : لما أصاب خالد من أصاب يوم الولجة من بكر بن وائل الذين أعانوا أهل فارس غضب لهم قومهم فكاتبوا الأعاجم وكاتبهم الأعاجم، فاجتمعوا إلى أليس وعليهم عبد الأسود العجلي، وكتب ازدشير إلى بهمن أن سر حتى تقدم أليس بجيشك إلى من اجتمع بها من فارس ونصارى العرب، فقدم بهمن أمامه جابان وأمره بالحث وقال له: كفكف نفسك وجندك عن قتال القوم حتى ألحق بك إلا أن يعجلوك، فسار جابان إلى أليس وانطلق بهمن إلى ازدشير ليستأمره فيما يريد، ومضى جابان حتى انتهى إلى أليس فنزل بها واجتمعت إليه المسالح التي كانت بازاء العرب وعبد الأسود في نصارى بني عجل، فنهد إليهم خالد وليست له همة إلا من تجمع لهم من عرب الضاحية ونصاراهم، ولما طلع على أليس قالت الأعاجم لجابان: أنعاجلهم أو نغدي الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم ثم نقاتلهم بعد الفراغ؟ فقال جابان: إن تركوكم والتهاون بهم فتهاونوا ولكن ظني أن سيعاجلوكم ويعجلوكم عن طعامكم، فعصوه، وبسطوا البسط ووضعوا الأطعمة، فلما وضعت توجه خالد إليهم، ووكل خالد بنفسه حوامي تحمي ظهره، ثم برز أمام الناس فنادى أين أبجر أين عبد الأسود، أين مالك بن قيس؟ فنكلوا عنه جميعاً إلا مالكاً، فبرز له، فقال له خالد: يا ابن الخبيثة ما جرأك علي من بينهم وليس فيك وفاء، وضربه فقتله، وأجهض الأعاجم عن طعامهم قبل أن يأكلوه، فقال لهم جابان: ألم أقل لكم يا قوم، والله ما دخلتني من رئيس وحشة قط حتى كان اليوم، فقالوا تجلداً حيث لم يقدروا على الأكل: ندعها حتى نفرغ منهم ثم نعود إليها، فقال جابان: وإنما أظنكم والله لهم وضعتموها وأنتم لا تشعرون فالآن فأطيعوني وسموها، فإن كانت لنا فأهون هالك، وإن كانت علينا كنا قد صنعنا شيئاً وأبلينا عذراً، فقالوا: لا إلا اقتداراً عليهم، فاقتتلوا قتالاً شديداً، والمشركون يزيدهم كلباً وشدة ما يتوقعون من قدوم بهمن، فصابروا المسلمين للذي في علم الله تعالى أن يصيرهم إليه، وحرب المسلمون عليهم، وقال خالد رضي الله عنه: اللهم لك إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحداً قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم، ثم إن الله تعالى كشفهم للمسلمين ومنحهم أكتافهم، فأمر خالد رضي الله عنه مناديه فنادى في الناس: الأسر، الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع. وأقبلت الخيول بهم أفواجاً مستأسرين يساقون سوقاً، وقد وكل بهم خالد رضي الله عنه رجالاً يضربون أعناقهم في النهر، ففعل ذلك بهم يوماً وليلة، وطلبوهم الغد وبعد الغد حتى انتهوا بهم إلى النهر فضرب على النهر أعناقهم، وكانت على النهر أرحاء فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر ثلاثة أيام، وهو ثمانية عشر ألفاً ويزيدون، ولما رجع المسلمون من طلبهم ودخلوا عسكرهم وقف خالد رضي الله عنه على الطعام الذي كان المشركون قدموه لغدائهم فأعجلوا عنه، فقال للمسلمين: قد نفلتكموه فهو لكم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على طعام مصنوع نفله، فقعد الناس على ذلك الطعام لعشائهم بالليل وجعل من لا يرد الأرياف ولا يعرف الرقاق يقول: ما هذه الرقاق البيض؟ وجعل من قد عرفها يجيبهم ويقول لهم مازحاً: هل سمعتم برقيق العيش؟ فيقولون: نعم، فيقولون: هذا هو فسمي الرقاق.

_ (1) ديوانه: 76. (2) ديوانه: 102. (3) ص: خلف. (4) الطبري: 1: 2032.

أمج

وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الناس يوم خيبر الخبز والطبيخ والشواء وما أكلوا غير ذلك في بطونهم غير متأثليه. وبعث خالد رضي الله عنه بالخبر مع رجل من بني عجل كان دليلاً صارماً، فقدم على أبي بكر رضي الله عنه بالخبر بفتح أليس وبقدر الفيء وبعدة السبي وبما حصل من الأخماس وبأهل البلاء من الناس، وبلغت قتلاهم يوم أليس سبعين ألفاً. وقال خالد رضي الله عنه: لقد قاتلت يوم مؤتة وانقطع في يدي تسعة أسياف وما لقيت قوماً كقوم لقيتهم من أهل فارس، وما لقيت من أهل فارس قوماً كأهل أليس. ألش (1) بالأندلس، إقليم ألش من كور تدمير بينه وبين اريولة خمسة عشر ميلاً، وألش مدينة في مستو من الأرض يشقها خليج يأتيها من نهرها يدخل من تحت السور ويجري في جهاتها ويشق أسواقها وطرقاتها، وهو ملح سبخي. ومن ألش إلى لقنت خمسة عشر ميلاً أيضاً، ومن الغرائب أن بساحل ألش بمرسى يعرف بشنت بول حجراً يعرف بحجر الذئب، إذا وضع على ذئب أو سبع ويكن له عدوان وفارق طبعه في الفساد. الياج (2) موضع بجزيرة صقلية بالقرب من مدينة قطانية، وبالقرب منه جبل النار (3) ، وهو جبل عظيم منيف كثير الثمار ويقطع فيه عدد السفن من خشب الشوع والأرجل (4) الضخمة وغير ذلك ويذكر أهل صقلية أنه انفجر من جبل النار نهر جار (5) فجرى أياماً يراه الناس، وبقي أثره هناك إلى الأبد متحرقاً أسود لا ينبت شيئاً من النبات. وفي جبل النار هوة عظيمة كأنها ثغر (6) يخرج منها ريح شديدة، ويذكرون أنه قذف فيها حجر قد لف في كساء فبقي هاويا ساعة ثم رفعت الريح ذلك الكساء إلى أعلى العنق وذهب الحجر سفلاً، وفي هذا الجبل طائر تسميه العامة عقعق الجبل، يتعلق برجليه من الشجر ويدلي رأسه ويسمع له صوت يتأدى إلى سامعه منه قول القائل اقع اقع، وإذا قرب منه المرء طار ثم نزل على غصن وسمع له صوت يتأدى إلى سامعه منه: قرقرت بك قرقرت بك. وتسير من الياج إلى مسيني. أمج (7) بفتح أوله وثانيه وبالجيم، قرية جامعة، ما بين مكة والمدينة على أميال من قديد لها سور (8) وهي كثيرة المزارع وأهلها خزاعة، وبها آثار كثيرة وبها نخل، وهي محلة بني نمرة وجماعة من الناس وفيها حوانيت وسوق، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة حتى إذا كان بالقديد بين عسفان وأمج أفطر. ومرت بأمج هذه أم جعفر بنت جعفر بن الزبير بن العوام، فقالت لحاضريها: أبي والله الذي يقول: هل في ادكار الحبيب من حرج ... أم هل لهم الفؤاد من فرج أم كيف أنسى مسيرنا حرماً ... يوم حللنا بالنخل من أمج يوم يقول الرسول قد أذنت ... فأت على غير رقبة فلج أقبلت أهوي إلى رحالهم ... أهدى إليها بريحها الأرج وقال عبد الله بن حية: طفت مع سعيد بن جبير فمر بنا رجل يقال له حميد الأمجي فقلت: أتعرف هذا قال: لا فقلت: هذا الذي يقول فيه الشاعر: حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع علاه المشيب على شربها ... وكان كريماً فلم ينزع فقال: وكان سفيهاً فلم ينزع، فقلت: يا أبا عبد الله ليس هكذا، فقال: والله لا كان كريماً وهو مقيم عليها. وحدث مالك بن أنس عن ابن شهاب، قال: تقدم قوم

_ (1) برفنسال: 31 والترجمة: (Elche) والإدريسي (د) : 193. (2) (Aci) الإدريسي (م) : 28، وتكتب ((لياج)) بإسقاط الهمزة غالباً، وسيذكرها المؤلف في باب اللام. (3) انظر مادة ((البركان)) . (4) هذه قراءة ص؛ وفي ع: الأجل. (5) ص: حار. (6) ص: لا لها قعر؛ وصورة ذلط في ع أيضاً: لا لها. (7) معجم ما استعجم 1: 190. (8) معجم البكري: بها سوق.

أمويي

إلى عمر بن عبد العزيز فقالوا: إن أبانا مات، وإن لنا عماً يقال له حميد الأمجي أخذ مالنا، فدعا به عمر وقال: أنت الذي يقول فيه الشاعر: حميد الذي أمج داره ... وأنشد البيتين، قال: نعم، قال: أنا آخذك بإقرارك، قال: أيها الأمير ألم تسمع إلى قول الله عز وجل " والشعراء يتبعهم الغاوون " فقال عمر: أنت رجل سوء وكان أبوك صالحاً، فقال حميد: وكان أبوك رجل سوء وأنت رجل صالح، فقال: دع هذا وأين مال بني أخيك هؤلاء؟ فقال: سلهم مذ كم فقدوا أباهم فقالوا: منذ عشرين سنة، قال: فهل فقدتم إلا رؤيته؟ فقال عمر: وما ذاك وقد أخذت مالهم، فدعا حميد غلامه فعرفه موضع المال فجاء به بخواتيم أبيهم وقال: أنفقت عليهم من مالي وهذا مالهم بأسره، فصدقوه في كميته، فقال له عمر: لقد دخلت وأنت أبغض الناس إلي ولتخرجن وأنت أحب الناس إلي، اردد المال إليك، فقال: لا، والله لا يعود إلي أبداً، وتركه ومضى. ذو أمر (1) بفتح أوله وثانيه وتشديد الراء المهملة أفعل من المرارة، موضع بنجد، وهي التي سار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث عام أحد في أربعمائة وخمسين رجلاً يريد غطفان فأقام بنجد شهراً، ثم رجع ولم يلق كيداً. أمويي (2) بخراسان على فرسخ من جيحون بينها وبينه مروج وغياض وبالقرب منها موضع يسمى بالخسب (3) فيه ثلثمائة منزل في كل منزل الأقل ألف إنسان والأكثر عشرة آلاف، ولهم مدنية عظيمة ونجدة معروفة وبسالة موصوفة. أمغيشيا قصر على الفرات كالحيرة، لما فرغ (4) خالد بن الوليد رضي الله عنه من وقعة أليس نهض فأتى أمغيشيا وقد أعجلهم عما فيها، وتفرقوا في السواد، فأمر خالد رضي الله عنه بهدمها وهدم كل شيء كان في حيزها، وكان فرات بادقلى ينتهي إليها وكانت أليس من مسالحها فأصابوا فيها ما لم يصيبوا قط قبله مثله، بلغ سهم الفارس ألفاً وخمسمائة سوى الأنفال التي نفلها أهل البلاء، ولما بلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه قال: يا معشر قريش عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراديله، أعجز النساء أن ينفسوا بمثل خالد. أنقرة موضع في بلاد الروم من أرض الشام به مات امرؤ القيس بن حجر منصرفه من قيصر وكان توجه إليه ليستنصره على بني أسد قاتلي أبيه، فلما أوغل في بلاد الروم وصاحبه وهو الذي قال فيه: بكى صاحبي لما رأى الحرب دونه ... وهو عمرو بن قميئة، فلما وصل إلى قيصر قرب مجلسه وأدناه وكان جميل الوجه، وكانت لقيصر بنت جميلة فرأته فراسلته وفيها يقول: فقالت سباك الله إنك فاضحي ... فكساه قيصر حلة مسمومة فلما لبسها سقط بدنه حتى كان يحمل في محفة، ثم نزل إلى جنب جبل وإلى ناحية منه قبر فسأل عنه فقيل هو قبر ابنة لقيصر ملك الروم، قال: فما جاء بها إلى هاهنا؟ فقيل له: إنها ترهبت في دير لها فماتت بحيث يرى الملك ذلك، فقال: أجارتنا إن الخطوب تنوب ... وإني مقيم ما أقام عسيب أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب فإن تصلينا فالمودة بيننا ... وإن تهجرينا فالغريب غريب أجارتنا ما فات ليس بآيب ... وما هو آت في الزمان قريب وليس غريباً من تناءت دياره ... ولكن من زار التراب غريب فلما أيقن بالموت قال: كم طعنة مثعنجرة وخطبة مسحنفرة

_ (1) معجم ما استعجم 1: 192. (2) ص: أموني، ولعلها ((آمويه)) عند ياقوت، وهي آمل جيحون. (3) ع: بالحسب. (4) الطبري 1: 2036.

الأنصاريين

وجفنة مدعثرة، قد غودرت بأنقرة. مثعنجرة: منصبة، ومدعثرة: منكسرة. قال المأمون (1) : مررت بأنقرة فرأيت صورة امرئ القيس فإذا هو رجل مكلثم الوجه، يريد مستدير الوجه وكانت الروم اتخذت صورة امرئ القيس بأنقرة كما يفعلون بمن يعظمونه. وبظهر الكوفة موضع آخر يقال له أنقرة أسفل من الخورنق وفي قصيدة الأسود بن يعفر: نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد ولما حاصر المعتصم عمورية وفتحها سنة ثلاث وعشرين ومائتين وقتل بها مقتلة عظيمة وسبى سبياً كثيراً وخرب ما مر به من قراها خرب في غزوته تلك أنقرة. أنطابلس هي برقة فانظرها في حرف الباء إن شاء الله تعالى. أندرين (2) قرية بالشام، وقيل بالجزيرة وهي المذكورة في قول الشاعر في مطلع قصيدة (3) : ألبرق لائح من أندرين ... شرقت عيناك بالماء المعين الأنصاريين (4) بإفريقية، من الأربس إلى مدينة الأنصاريين مسيرة يوم، تنسب إلى قوم نزلوها من الأنصار من ولد جابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وهي طيبة الأرض كثيرة الزرع (5) ، وحنطتها أجل حنطة بإفريقية. انجيمي (6) مدينة صغيرة جداً من كاكم بينها وبين مانان ثمانية أيام، وأهلها قليل وهم في أنفسهم أذلاء، وهم يجاورون النوبة من جهة الشرق، وبين أنجيمي والنيل ثلاثة أيام في جهة الجنوب وشرب أهلها من الآبار. الأندلس (7) هذه الجزيرة في آخر الإقليم الرابع إلى المغرب، هذا قول الرازي، وقال صاعد بن أحمد في تأليفه في طبقات الحكماء (8) : معظم الأندلس في الإقليم الخامس وجانب منها في الرابع، كاشبيلية ومالقة وقرطبة وغرناطة والمرية ومرسية. واسم الأندلس في اللغة اليونانية اشبانيا والأندلس بقعة كريمة طيبة التربة كثيرة الفواكه، والخيرات فيها دائمة وبها المدن الكثيرة والقواعد العظيمة وفيها معادن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد والزئبق واللازورد والشب والتوتيا والزاج والطفل. والأندلس آخر المعمور في المغرب لأنها متصلة ببحر أقيانس الأعظم الذي لا عمارة وراءه. ويقال إن أول من اختط الأندلس بنو طوبال بن يافث بن نوح سكنوا الأندلس في أول الزمان، وملوكهم مائة وخمسون ملكاً. ويقال إن الأندلس خربت وأقفرت وانجلى عنها أهلها لمحل أصابهم فبقيت خالية مائة سنة، ثم وقع ببلاد إفريقية محل شديد ومجاعة عظيمة فرقت أهلها، فلما رأى ملك إفريقية ما وقع ببلده اتخذ مراكب شحنها بالرجال وقدم عليهم رجلاً من إفريقية ووجههم، فرمى بهم البحر إلى حائط إفرنجة وهو يومئذ مجوس، فوجههم صاحب إفرنجة إلى الأندلس. وقيل اسمها في القديم ابارية ثم سميت بعد ذلك باطقة ثم سميت اشبانية من اسم رجل ملكها في القديم كان اسمه اشبان، وقيل سميت بالاشبان سكنوها في الأول من الزمان وسميت بعد ذلك بالأندلس من أسماء الأندليش الذين سكنوها. وسميت جزيرة الأندلس جزيرة لأنها شكل مثلث وتضيق من ناحية شرق الأندلس حتى يكون بين البحر الشامي والبحر المظلم المحيط بالأندلس خمسة أيام ورأسه العريض نحو من سبعة عشر يوماً، وهذا الرأس هو في أقصى المغرب في نهاية انتهاء المعمور من الأرض محصور في البحر المظلم، ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم ولا وقف منه بشر على خبر صحيح لصعوبة عبوره وإظلامه وتعاظم موجه وكثرة أهواله وتسلط دوابه وهيجان رياحه حسبماً يرد ذلك في موضعه اللائق به إن شاء الله تعالى. وبلد الأندلس مثلث الشكل كما قلناه ويحيط بها البحر

_ (1) معجم ما استعجم 1: 204. (2) معجم ما استعجم 1: 198. (3) هذا الشاعر هو ابن مقانا الأشبوني، أنظر المغرب 1: 413 وفيها يمدح إدريس بن يحيى الحمودي. (4) البكري: 46. (5) البكري: الربع. (6) الإدريسي (د/ب) : 12/ 13 وفي الأصل: أنجيني. (7) بروفنسال: 1 - 10، والترجمة: 1، والبكري (ح) : 57. (8) طبقات صاعد: 63.

من جميع جهاتها الثلاث، فجنوبها يحيط به البحر الشامي وجوفيها يحيط به البحر المظلم وشمالها يحيط به بحر صنف (1) من الروم. وطول الأندلس من كنيسة الغراب التي على البحر المظلم إلى الجبل المسمى هيكل الزهرة ألف ميل ومائة ميل وعرضها ستمائة ميل. والأندلس أقاليم عدة ورساتيق جملة وفي كل إقليم منها عدة مدن، والركن الواحد من أركانها الثلاثة هو الموضع الذي فيه صنم قادس بين المغرب والقبلة، والركن الثاني شرقي الأندلس بين مدينة نربونة (2) ومدينة برذيل بازاء جزيرتي ميورقة ومنورقة، والركن الثالث حيث ينعطف البحر من الجوف إلى الغرب حيث المنارة في الجبل الموفي على البحر وفيه الصنم العالي المشبه بصنم قادس وهو في البلد الطالع على بلد برطانية. والأندلس شامية في طيبها وهوائها يمانية في اعتدالها واستوائها هندية في عطرها وذكائها أهوازية في عظم جناتها صينية في جواهر معادنها عدنية في منافع سواحلها. وفيها آثار عظيمة لليونانيين أهل الحكمة وحاملي الفلسفة، وكان من ملوكهم الذين أثروا الآثار بالأندلس هرقلش (3) وله الأثر في الصنم بجزيرة قادس وصنم جليقية والأثر في مدينة طركونه الذي لا نظير له. وفي غربي شنترين على مقدار خمسين ميلاً فيما بين الأشبونة وشنترة في جبل هناك كان حصناً فيما مضى يوجد الحجر المعروف بالحجر اليهودي، وهو على شكل البلوط سواء ومن خاصيته تفتيت الحصا التي تكون في المثانة والكلية ويقع في الأكحال وفي جوفي بطليوس على قدر أربعين ميلاً معدن المها. والأندلس دار جهاد وموطن رباط قد أحاط بشرقيها وشمالها وبعض غربها أصناف أهل الكفر، وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه كتب إلى من انتدب إلى غزو الأندلس: أما بعد، فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن فتحتموها كنتم شركاء من يفتحها في الأجر والسلام. وعن كعب الحبر أنه قال: يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة. ودخل الأندلس رجل واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: قال عبد الملك بن حبيب: اسمه المنيذر الإفريقي وإنه يروي عنه عليه السلام أنه قال: " من قال رضيت بالله رباً إلى آخرها فأنا الزعيم لآخذن بيده فأدخله الجنة "، ودخلها من التابعين حنش بن عبد الله الصنعاني وهو الذي أسس جامع سرقسطة وكان مع علي رضي الله عنه بالكوفة، فلما قتل علي رضي الله عنه انتقل إلى مصر، وقبره بسرقسطة معروف، ومنهم علي بن رباح اللخمي وعمرو بن العاصي وعلقمة بن عامر وأبو عبد الرحمن عبد الله بن زيد الحبلي الأنصاري، وعياض بن عقبة الفهري وموسى بن نصير، يقال بكري ويقال لخمي، ويقال إن نصيراً من سبي عين التمر أعتقه صبيح مولى أبي العاص بن أمية، يقال أصابه خالد في علوج عين التمر وادعوا أنهم من بكر بن وائل فصار نصير وصيفاً لعبد العزيز بن مروان وأعتقه فمن أجل هذا يختلف فيه، وعقد الوليد لموسى على إفريقية سنة ثلاث وثمانين وكان مولد موسى سنة تسع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه وكان معاوية رضي الله عنه قد جعل نصيراً أبا موسى على حرسه فلم يقاتل معه علياً رصي الله عنه، فقال له معاوية رضي الله عنه: ما منعك من الخروج على علي رضي الله عنه ولم تكاف يدي عليك، قال: لم يمكن أن أشكرك بكفر من هو أولى بشكري منك، قال: ومن هو؟ قال: الله عز وجل. ومسافة ما يملكه المسلمون من الأندلس ثلاثمائة فرسخ طولاً في ثمانين فرسخاً عرضاً والذي يملك منها النصارى مثل ما يملك المسلمون أو أشف. ثم حدث فيها من تغلب الثوار ما أضاع ثغورهم وأذهب أكثر بلادهم ولم يبق من تلك إلا الأقل، وبها الجبال المشهورة والحمامات الكثيرة. قال الرازي: أول من سكن الأندلس بعد الطوفان على ما يذكره علماء عجمها قوم يعرفون بالأندلش بالشين معجمة بهم سمي البلد ثم عرب، وكانوا أهل تمجس فحبس الله تعالى عنهم المطر حتى غارت عيونها ويبست أنهارها فهلك أكثرهم وفر من قدر على الفرار منهم، فأقفرت الأندلس وبقيت خالية مائة عام وملكهم أشبان بن طيطش وهو الذي غزا الأفارقة وحصر ملكهم بطالقة (1) ، ونقل رخامها إلى اشبيلية وبه سميت فاتحذها دار مملكة وكثرت جموعه فعلاً في الأرض وغزا من اشبيلية ايليا بعد سنتين من ملكه، خرج إليها في السفن وهدمها وقتل من اليهود مائة ألف واسترق مائة ألف وفرق في البلاد مائة ألف، وانتقل رخام ايليا وآلاتها إلى الأندلس، والغرائب التي أصيبت في مغانم الأندلس

_ (1) بروفنسال: بحر الانقليشيين، ص ع: ضيق. (2) في الأصل: قرمونة. (3) في الأصل: هرقاش. (1) بروفنسال: بحر الانقليشيين، ص ع: ضيق.

كمائدة سليمان التي ألفاها طارق بن زياد بكنيسة طليطلة، وقليلة الدر التي ألفاها موسى بن نصير بكنيسة ماردة وغيرهما من الذخائر كانت مما حازه صاحب الأندلس من غنيمة بيت المقدس إذ حضر فتحها مع بخت نصر. وذكروا أن الخضر وقف بأشبان هذا وهو يحرث الأرض بفدن له أيام حداثته، فقال له: يا أشبان إنك لذو شان وسوف يحظيك زمان ويعليك سلطان فإذا أنت تغلبت على ايليا فارفق بورثة الأنبياء. فقال له أشبان: أساخر رحمك الله أنى يكون هذا وأنا ضعيف مهين فقير حقير، فقال: قدر ذلك لك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه، فنظر أشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت فريع لما رأى، وذهب الخضر عنه وقد قر ذلك الكلام في نفسه والثقة بكونه، فترك الامتهان وداخل الناس وصحب أجل الناس، وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيماً، وكان ملكه عشرين سنة، واتصلت مملكة الأشبان بعده إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكاً، ثم دخل عليهم من حجر رومة أمة أخرى تعرف بالشبونقات وذلك زمان مبعث المسيح عليه السلام، فملكوا الأندلس وإفرنجة معها واتخذوا دار مملكتهم مدينة ماردة واتصلت مملكتهم إلى أن ملك منهم أربعة وعشرون ملكاً، ويقال إن منهم كان ذو القرنين. ثم دخل على هؤلاء الشبونقات أمة القوط فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من يومئذ عن صاحب رومة وانفردوا بسلطانهم واتخذوا مدينة طليطلة دار سلطانهم، وخنشوش (1) ملك القوط هو أول من تنصر من هؤلاء فدعا الحواريين ودعا قومه إلى النصرانية وكان أعدل ملوكهم وأحسنهم سيرة، وهو الذي أصل النصرانية، والانجيلات والمصاحف الأربعة من انتساخه وجمعه وتثقيفه، فتنافست ملوك القوط بالأندلس بعده حتى غلبهم عليها العرب، وعدد من ملك منهم إلى آخرهم وهو لذريق ستة وثلاثون ملكاً، ولذريق لم يكن من أبناء الملوك ولا بصحيح النسب في القوط وإنما نال الملك من طريق الغصب والتسور، ولما مات غيطشة الملك وكان أثيراً لديه فاستصغر أولاده واستمال طائفة من الرجال مالوا معه، فانتزع الملك من ولد غيطشة، وغيطشة آخر ملوك القوط بالأندلس ولي سنة سبع وسبعين من الهجرة فملك خمس عشرة سنة. وكانت طليطلة دار المملكة بالأندلس حينئذ وكان بها بيت مغلق متحامى الفتح، يلزمه من ثقات القوط قوم قد وكلوا به لئلا يفتح قد عهد الأول في ذلك إلى الآخر كلما ملك منهم ملك زاد على البيت قفلاً فلما ولي لذريق عزم على فتح الباب والاطلاع على ما في البيت، فأعظم ذلك أكابرهم وتضرعوا إليه في الكف فأبى وظن أنه بيت مال، ففض الأقفال عنه ودخله فأصابه فارغاً لاشيء فيه إلا تابوتاً عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً لا شيء فيه إلا شقة مدرجة قد صورت فيها صور العرب على الخيول وعليهم العمائم متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها كتابة بالعجمية فقرئت فإذا هي: إذا كسرت هذه الأقفال عن هذا البيت وفتح هذا التابوت فظهر ما فيه من هذه الصور فإن الأمة المصورة فيه تغلب على الأندلس وتملكها، فوجم لذريق وعظم غمه وغم العجم وأمر برد الأقفال وإقرار الحراس على حالهم. وكان من سير الأعاجم بالأندلس أن يبعث أكابرهم بأولادهم إلى بساط الملك ليتأدبوا بأدبه وينالوا من كرامته، حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضاً استئلافاً لآبائهم وحمل صدقاتهم وتولى تجهيز إناثهم، فاتفق أن فعل ذلك يليان عامل لذريق على سبتة، وجه ابنة له بارعة الجمال تكرم عليه، فوقعت عين لذريق عليها فأعجبته فاستكرهها على نفسها، واحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سراً بمكاتبة خفية، فأحفظه شأنها وقال: ودين المسيح لأزيلن سلطانه، فكان امتعاضه من فاحشة بنته السبب في فتح الأندلس للذي سبق من قدر الله سبحانه ثم إن يليان ركب بحر الزقاق من سبتة في أصعب الأوقات في شهر ينير، وأقبل حتى احتل بطليطلة حضرة لذريق، فأنكر عليه مجيئه في ذلك الوقت، وسأله عن السبب في ذلك، فذكر له أن زوجته اشتد شوقها إلى ابنتها التي عنده وتمنت لقاءها قبل الموت وألحت عليه في إحضارها وأحب إسعافها بها، وسأل الملك إخراجها إليه وتعجل إطلاقه للمبادرة بها ففعل، وأجاز الجارية وتوثق منها بالكتمان عليه وأفضل على أبيها، فانقلبت عليه. وذكر أنه لما دخل عليه قال له لذريق: إذا أنت قدمت علينا فاستفره لنا من الشذانقات، فقال له: أيها الملك، والمسيح لأدخلن عليك شذانقات ما دخل عليك بمثلها قط يعرض له بما أضمر من السعي في إدخال رجال العرب الأندلس عليه وهو لا يفطن فلم يتنهنه يليان إذ وصل سبتة أن تهيأ للمسير نحو موسى بن نصير، فأتاه بإفريقية، فحرضه على غزو الأندلس،

_ (1) كذا، وعند بروفنسال: ودخشوش.

ايذج

ووصف له حسنها وفوائدها وفضلها وهون عليه حال رجالها، فعاقده موسى على الانحراف إلى المسلمين وسامه مكاشفة أهل ملته من أهل الأندلس، ففعل يليان ذلك وحل بساحل الجزيرة الخضراء فقتل وسبى وغنم وأقام بها أياماً يشن الغارات، وشاع الخبر عند المسلمين، فآنسوا بيليان، وذلك عقب سنة تسعين. وكتب موسى إلى الوليد يعلمه بما دعاه إليه ليليان ويستأذنه في افتتاح الأندلس، فكتب إليه الوليد أن خضها بالسرايا حتى تختبر شأنها ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال، فراجعه أنه ليس ببحر وإنما هو خليج يتبين للناظر ما وراءه، فكتب إليه: وإن كان فلا بد من اختباره بالسرايا فبعث موسى عند ذلك رجلاً من مواليه من البربر اسمه طريف بن مالك المعافري يكنى أبا زرعة، في أربعمائة رجل يغير بهم، ونزل في الجزيرة المنسوبة إليه ثم أغار على الجزيرة الخضراء ونواحيها، فأصاب شيئاً لم ير موسى وأصحابه مثله حسناً وأصاب مالاً جسيماً وأمتعة، وذلك في شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين. فلما رأى ذلك الناس تسرعوا إلى الدخول، فدعا موسى مولى له كان على مقدماته يسمى طارق بن زياد، قيل هو فارسي وقيل هو من الصدف وقيل ليس بمولى وقيل هو بربري من نفزة، فعقد له وبعثه في سبعة آلاف من البربر (1) والموالي ليس فيهم عربي إلا القليل، فهيأ له يليان المراكب وحل بجبل طارق يوم سبت في شعبان من سنة اثنتين وتسعين وهو من شهور العجم شهر أغشت، وقيل في رجب من السنة، في اثني عشر ألفاً غير ستة عشر رجلاً لم يكن فيهم من العرب إلا قليل (2) . وأصاب طارق عجوزاً من أهل الجزيرة قالت: إنه كان لي زوج عالم بالحدثان وكان يحدث عن أمير يدخل بلدنا هذا ويصفه ضخم الهامة، وأنت كذلك، ومنها أن بكتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت بك هذه الشامة فأنت هو، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة على كتفه كما ذكرت العجوز، فاستبشر بذلك هو ومن معه. وذكر عن طارق أنه كان نائماً في المركب فرأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة يمشون على الماء حتى مروا به فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد، وفي حكاية أنه لما ركب البحر غلبته عينه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف وتنكبوا القسي فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا طارق تقدم لشأنك "، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدامه، فهب من نومه مستبشراً وبشر أصحابه ولم يشك في الظفر، فنزل بالجبل شاناً الغارات في البسائط ولذريق يومئذ غائب في غزاة له واتصل به الخبر فعظم عليه أمره وفهم الخبر الذي منه أتي مع يليان، وأقبل مبادراً في جموعه حتى احتل بقرطبة أياماً والجنود تتوافى عليه، وكان لحينه ولى ششبوت بن الملك غيطشة ميمنته وأخاه ميسرته وهما موتوران قد سلبهما ملك أبيهما، فبعثا إلى طارق يسألانه الأمان إذا مالا إليه عند اللقاء بمن معهما وعلى أن يسلم إليهما ضياع والدهما غيطشة إن ظفر، فأجابهما طارق إلى ذلك، وعاقدهما عليه فلما التقى الجمعان انحاز هذان الغلامان إلى طارق فكان ذلك سبب الفتح، وكان الطاغية لذريق في ستمائة ألف فارس. وقد خرجت عن حكم الاختصار الذي التزمت في هذا الوضع فلنقتصر على هذا القدر، وأما ذكر بلاد الأندلس فتأتي في مواضعها اللائقة بها إن شاء الله تعالى. وافتتحت الأندلس في أيام الوليد بن عبد الملك فكان فتحها من أعظم الفتوح الذاهبة بالصيت في ظهور الملة الحنيفية، وكان عمر بن عبد العزيز معتنياً بها متهمماً بشأنها وهو الذي قطعها عن نظر والي إفريقية وجرد لها عاملاً من قبله. ايذج (3) مدينة من عمل خوزستان بينها وبين العسكر في جهة المشرق أربع مراحل، وهي مدينة عجيبة فرجة البقعة بسيطة المكان متاخمة للجبل المتصل بأصبهان وبها متاجر وصنائع وأموال وأسواق نافقة بما جلب إليها. انكال (4) قرية انكال بأرض المغرب بقرب وادي أم ربيع ويقال لها دار المرابطين وبها عين ماء، وهي حسنة في موضعها كثيرة الزرع والمواشي والإبل والبقر والغنم، وبها فحص طويل قد انحشرت إليه طيور النعام فهي في أكنافه سارحة وهي آلاف لا تحد وأهل تلك النواحي يصيدونها طرداً بالخيل فيأخذون منها جملاً كثيرة صغاراً وكباراً، وأما بيضها الموجود في الفحص فلا يحاط به كثرة ومنه يحمل إلى كثير من البلاد وطعامها وخيم يفسد المعدة

_ (1) في الأصل: الأوس. (2) كذا بتكرار واختلاف، فقد ذكر قبل قليل أن عددهم كان سبعة آلاف. (3) في ص ع: أندخ، أند خ؛ ووضعها في باب الهمزة والنون يعد وهما من المؤلف، وانظر ايذج في ياقوت. (4) الإدريسي (د/ ب) 71/ 47، وفيهما: آنفال - بالمد والقاف -.

الأنبار

ولحومها حارة يابسة وشحومها نافعة عندهم من الصمم تقطيراً ومن سائر الأوجاع البدنية. الأنبار (1) بفتح الهمزة، في العراق بينها وبين بغداد ثلاثة عشر فرسخاً، وهي مدينة صغيرة متحضرة لها سوق وفيها قلعة وفواكه كثيرة وهي على رأس نهر عيسى، وكان فيما سلف قبل الإسلام لا تصل مياه الفرات إلى دجلة وإنما كان مغيضها في البطاح دون أن يتصل شيء منها بدجلة، فلما جاء الإسلام احتفر نهر عيسى حتى وصل به إلى بغداد، وهو الآن نهر كبير تجري فيه السفن إلى بغداد. والأنبار حد بابل، وسميت بهذا تشبيهاً لها ببيت التاجر الذي ينضد فيه متاعه وهي الأنبار، وقيل الأنبار بالفارسية الأهراء لأن أهراء الملك كانت فيها ومنها كان يرزق رجاله، وقال في تحديد العراق: هو ما بين الحيرة والأنبار وبقة وهيت وعين التمر. وفيها بويع بالخلافة لأبي جعفر المنصور يوم مات السفاح أخوه، وهي ذات العيون. وأتاها (2) خالد بن الوليد رضي الله عنه في تعبئته التي خرج فيها من الحيرة على مقدمته الأقرع بن حابس، فلما نزل الأقرع المنزل الذي يسلمه إلى الأنبار نتج قوم من المسلمين إبلهم فلم يستطيعوا العرجة ولم يجدوا بداً من الإقدام ومعهم بنات مخاض تتبعهم، فلما نودي بالرحيل صروا الأمهات واحتقبوا المنتوجات لأنها لم تطق السير فانتهوا ركباناً إلى الأنبار وقد تحصن أهلها وخندقوا عليهم فأشرفوا على حصنهم وعلى الجنود التي قبلهم شيرازاذ صاحب ساباط وكان أعقل أعجمي يومئذ وأسوده فتصايح عرب الأنبار وقالوا: صبح الأنبار شر جمل يحمل جميله وجمل يسير به عود، فقال شيرازاذ وقد سأل عما يقولون فأخبر به: أما هؤلاء فقد قضوا على أنفسهم والله لئن لم يكن خالد مجتازاً لأصالحنه. فبينما هم كذلك قدم خالد على المقدمة وأطاف بالخندق وأنشب القتال وكان قليل الصبر عنه إذا رآه وسمع به وتقدم إلى رماته فأوصاهم وقال: إني أرى أقواماً لا علم لهم بالحرب فارموا عيونهم ولا توخوا غيرها، فرموا رشقاً واحداً ثم تابعوا ففقئت ألف عين يومئذ فسميت تلك الوقعة ذات العيون، وتصايح القوم: ذهبت عيون أهل الأنبار، فراسل شيرازاذ خالداً في الصلح على أمر لم يرضه خالد، فرد رسله، وأتى خالد أضيق مكان في الخندق فنحر رذايا الجيش ثم رمى بها فأفعمه، ثم اقتحموا الخندق والرذايا جسورهم، فاجتمع المسلمون والمشركون في الخندق وأرز القوم إلى حصنهم، وأرسل شيرازاذ في الصلح على مراد خالد، فقبل منه على أن يخليه ويلحقه بمأمنه في جريدة خيل ليس معهم من المتاع والمال شيء، فخرج شيرازاذ، فلما قدم على بهمن جاذويه وأخبره الخبر، لامه، فقال له شيرازاذ: إني كنت في قوم ليست لهم عقول، وأصلهم من العرب فسمعتهم مقدمهم علينا يقضون على أنفسهم وقل ما قضى قوم على أنفسهم قضاء إلا وجب عليهم، ثم قاتلهم الجند ففقؤوا فيهم وفي أهل الأرض ألف عين، فعرفت أن المسالمة أسلم وأن قرة العين لهم وأن العيون لا تقر منهم بشيء. وفي خبر البلاذري (3) : لما سار خالد رضي الله عنه إلى الأنبار تحصن أهلها ثم أتاه من دله على سوق بغداد وهو السوق العتيق وكان عند الصراة، فبعث خالد رضي الله عنه المثنى بن حارثة فأغار عليه، فملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء وما خف حمله من المتاع، فلما رأى أهل الأنبار ما نزل بهم صالحوا خالداً رضي الله عنه على شيء رضي به فأقرهم. ويقال إن صلح الأنبار كان في خلافة عمر رضي الله عنه على يدي جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه على أربعمائة ألف عباءة قطوانية في كل سنة، ويقال على ثمانين ألفاً والله أعلم. وبعدها افتتح خالد رضي الله عنه عين التمر. والأنبار من المنازل التي عمرت على سالف الأزمان، ولما (4) اطمأن خالد رضي الله عنه بالأنبار والمسلمون وأمن أهل الأنبار وظهروا رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها، فسألهم: ما أنتم؟ فقالوا: قوم من العرب نزلنا على قوم من العرب قبلنا كانت أوائلهم نزلوها أيام بخت نصر حين أباح العرب فلم نزل عنها. قال الأصمعي: سئلت قريش: من أين لكم الكتابة قالوا: من الحيرة، وقيل لأهل الحيرة: من أين لكم الكتابة قالوا: من الأنبار، وقيل للأنبار: من أين تعلمتم الكتابة قالوا: تعلمنا الخط من إياد، وأنشدوا قول الشاعر:

_ (1) نزهة المشتاق: 198. (2) الطبري 1: 2059. (3) فتوح البلدان: 301. (4) عاد غلى النقل عن الطبري 1: 2061.

انباره

قومي إياد لو أنهم أمم ... أو لو أقاموا فتهزل النعم قوم لهم باحة العراق إذا ... ساروا جميعاً والخط والقلم ثم إن أهل الأنبار نقضوا فيما كان يكون بين المسلمين والمشركين من الدول. وحكى المبرد في كامله (1) أن خيلاً لمعاوية رضي الله عنه وردت الأنبار وقتلوا عاملاً لعلي رضي الله عنه يقال له حسان بن حسان، فخرج علي رضي الله عنه مغضباً يجر رداءه فرقي رباوة من الأرض، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال الخطبة بطولها وهي في أول الكامل. ومن أهل الأنبار أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن الحسن الأنباري (2) ، قال أبو علي البغدادي: كان يحفظ فيما ذ كر ثلثمائة ألف بيت شاهد في القرآن، وله أوضاع شتى كثيرة، ولم يكن له عيال، وكان ثقة ديناً صدوقاً، وكان ذا يسار وحال وافرة وكان شحيحاً مسيكاً ما أكل له أحد قط شيئاً، ووقف عليه يوماً بمدينة المنصور أبو يوسف المعروف بالاقسامي فقال له: يا أبا بكر قد أجمع أهل بغداد على شيء فأعطني درهماً حتى أخرق الإجماع، قال: وما هذا الإجماع يا أبا يوسف؟ قال: أجمع أهل البلد على أنك بخيل، فضحك ولم يعطه شيئاً. قالوا: وكان أحفظ من تقدم من الكوفية، توفى سنة سبع وعشرين وثلثمائة بيوم الأضحى. وقال البلاذري (3) : لما سار خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الأنبار فحاصر أهلها فتركهم أتاه من دله على سوق بغداد، وهي السوق العتيقة عند قرن الصراة وكانت سوقاً عظيمة ليس في شيء من النواحي مثلها، فبعث خالد رضي الله عنه المثنى بن حارثة فأغار عليها. ويقال: أتاها خالد رضي الله عنه بنفسه فأغار عليها فملأ المسلمون أيديهم ولم يأخذوا إلا الصفراء والبيضاء وما خف محمله من متاع، ثم بات المسلمون بالسيلحين فعرض لهم أسدان فقتلوهما بعد أن عقرا رجلاً منهم ومشوا من الغد متوجهين نحو الأنبار، فلما وصلوا حصروا أهلها وحرقوا في نواحيها، فصالحوا أهلها على الجلاء ثم أعطوه ما رضي به منهم فأقرهم، وأتى خالداً رضي الله عنه رجل فدله على سوق تجتمع فيه قضاعة وبكر بن وائل وغيرهم فويق الأنبار فوجه إليها المثنى بن حارثة فأغار عليها فأصاب ما في السوق وقتل وسبى. الإنبار بكسر الهمزة (4) مدينة بجوزجان من عمل خراسان وهي من أكبر من مرو الروذ ولها مياه وكروم وخصب ومساكن وبناؤها بالطين، منها علي بن عيسى الأنباري، من حديثه عن عبد الله قال: شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الولد، فأمره بأكل البصل. وبإنبار يقم أميرها في الشتاء ويصيف بالجوزجان من العمل المذكور. انباره (5) بلد بقرب غانة من بلاد السودان ملكها معاند لأهل غانة، وهي مدينة كبيرة ولأهلها بأس شديد في الحروب، وبينها وبين مدينة كوغة تسعة أيام. انبذوشة (6) جزيرة في البحر بينها وبين أقرب بر من إفريقية حيث قبودية مجريان، وبها مرسى مأمون يكن من كل ريح ويحمل الأساطيل الكثيرة، وليس فيها شيء من الثمار ولا من الحيوان، وهي جزيرة خالية من العامر، ومكمن للعدو، وسافر من تونس سفين إلى الإسكندرية فلما لجج في البحر وقارب هذه الجزيرة اختل بعض ألواحه وعمل الماء وخاف الغرق فلجأوا إلى هذه الجزيرة ونزلوها وبلغ الأمير الأجل أبا زكريا ملك إفريقية خبرهم فبعث إليهم واستنقذهم وكانوا أشرفوا على الهلاك، وفي ذلك يقول أبو عمرو عثمان بن عتيق، ابن عربية (7) ... انكمرده (8) مدينة من أرض الهند أو الصين من دخلها من المسافرين استوطنها ولم يرد الخروج منها لطيب ثراها وكثرة

_ (1) الكامل 1: 19. (2) ابن خلكان 4: 341 ونور القبس: 345 وإنباه الرواة 3: 201. (3) قد تكرر بعضه في هذه المادة نفسها، وفي اضطراب ونقل عن غير البلاذري. (4) ضبطها ياقوت بفتح الهمزة. (5) البكري: 179. (6) البكري: 85 انبدوشت؛ وفي الإدريسي (م) : 19 لنبذوشة. (7) كان ابن عربية من شعراء المهدية وعلمائها حافظاً للحديث، توفي سنة 659 (وأنظر له ارجمة مسهبة في رحلة التجاني 375 - 380) ولم يرد الشعر في الأصل. (8) كذا ورد هذا الاسم، وعند ابن خرداذبه (70، 170) : ألشيلا، مع اختلاف في صور الاسم في النسخ، والنص مأخوذ عن نزهة المشتاق: 33، والاسم هناك أنكره، قال: وهي مدينة في ((السيلا)) - بالسين المهملة -.

أندراب

خيرها، والذهب بها كثير جداً حتى أن أهلها يتخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب وفي جزائر الواق واق مثل ذلك، والتجار يرحلون إليها ويسبكون الذهب فيها ويخرجونه من هناك مسبوكاً. أندراب (1) مدينة من عمل بلخ ينسب إليها الحسن بن أحمد الأندرابي، من حديثه عن الزهري أنه قال: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فم يرض فهو شيطان. انطاكية (2) بتخفيف الياء، مدينة عظيمة بالشام على ساحل البحر، قالوا: وكل شيء عند العرب من قبل الشام فهو انطاكية، ويقال ليس في أرض الإسلام ولا أرض الروم مثلها. وهي مدينة حسنة الموضع كريمة البقعة ليس بعد دمشق أنزه منها داخلاً وخارجاً بناها بطليموس بن هيفلوس الثاني من ملوك اليونانيين، وقيل نسبت إلى الذي بناها انطيخين ولما عربت غيرت صورتها (3) ، وهي إحدى عجائب العالم مسافة سورها اثنا عشر ميلاً وعدد شرفاتها أربعة وعشرون ألفاً وأبراجها مائة وستة وثلاثون، أسكن كل برج منها بطريقاً برجاله وخيله، فمرابط الخيل في أسفله وأعلاه طبقات وطاقات للرجال، كل برج منها كالحصن عليه أبواب الحديد، وأنبط فيها عيوناً وأجرى الماء في شوارعها، وماؤها يستحجر فيه الثفن في مجاريه فلا يؤثر فيه الحديد ولا يكسره، وهذا الماء يحدث في الأجواف الريح القولنجية. وقد أراد الرشيد (4) سكنى انطاكية فقيل له ما فيها من ترادف الصدإ على سلاحها وزوال (5) ريح الطيب منها، فامتنع من سكناها والنصارى يدعونها مدينة الله ومدينة الملك وأم المدائن لأنها أول بلد أظهر فيه دين النصرانية، وبها كرسي بطرس ويسمى شمعون وشمعان وهو خليفة إيشوع الناصري المرأس على تلامذته الاثني عشر والسبعين وغيرهم. وفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة تغلب العدو على أهل انطاكية، وخيروا أهلها بين المقام على أداء الجزية أو الخروج إلى أرض الشام فرضي بالجزية خلق كثير ولما جاء البشير بذلك نقفور عاقبه وغمه ذلك لأنه كان عنده في علم الحدثان أن الذي تفتح انطاكية في أيامه يهلك سريعاً فقتله الله تعالى سنة تسع وخمسين قتل في قصره وعلى سريره عملت على قتله امرأته التي كانت قبله لرومانس على يد ابن الشمشكي فقتلوه ليلاً وكان سبب ذلك أن ابنها من رومانس واسمه باسيلي لما أدرك أراد نقفور أن يخصيه ويلزمه الكنيسة العظمى لينفرد هو بالأمر فلما علمت أمه بعزمه على ذلك سعت في قتله فتم لها ذلك وولي ابن الشمشكي ودانت له النصرانية ثم ولي بعده باسيلي المذكور وهو الملقب بالملك الرحيم. وانطاكية كثيرة المياه متسعة الأسواق والطرقات وبساتينها اثنا عشر ميلاً وفي داخل سورها أرحاء وبساتين وخانات وبها أسواق ومبان ويعمل بها من الثياب المصمتة الجياد العتابي والتستري والأصبهاني شيء كثير وبينها وبين أذنة شمالاً ثلاث مراحل وعليها سور حجارة وفي داخلها البساتين والمزارع ويقال لها مدينة حبيب النجار وبها الكف التي يقال أنها كف يحيى بن زكريا عليهما السلام في كنيسة هناك وهي قاعدة القياصرة وكان بانطاكية فرعون من الفراعنة فبعث الله تعالى إليهم رسلاً وفيهم نزل " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون " وأسماؤهم صادق وصدوق والثالث شلوم ويقال إنهم من الحواريين ولم يكونوا من الأنبياء والذي جاء يسعى رجل اسمه حبيب بن مري وكان يعمل الحرير فلما قال لهم " يا قوم اتبعوا المرسلين " وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه على دبره فأدخله الله تعالى الجنة حياً يرزق فيها فذلك قوله " يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي " وصلب الكافر لعنه الله المرسلين منكوسين فأهلكهم الله تعالى جميعاً فذلك قوله " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ". ويستحجر الماء في مجاري انطاكية ويتراكم طبقات حتى يمنع الماء من الجريان فلا يعمل الحديد في كسره. ويقال إنها بنيت في اثنتي عشرة سنة وإن النفقة في سورها انتهت مائة وخمسين وقراً من دنانير الذهب ويقال إن يحيى عليه السلام دفن في كنيسة بانطاكية، وإنه قتل في شهر آب.

_ (1) سقط الاسم من ع وكتب في ص: اندراق، وأنظر الباب (الأندرابي) . (2) نزهة المشتاق: 195، والمروج 2: 282، والبكري (مخ) : 58، وصبح الأعشى 4: 129. (3) ص ع: ولما عرب غير سورها؛ وأنظر التنبيه والإشراف: 116. (4) ياقوت: ((أنطاكية)) ، وابن الفقيه: 116. (5) وزوال: قراءة غير مؤكدة، ويقابلها في المروج: وعدم بقاء ... الخ.

انقولاية

وفي سنة ثلاث وتسعين غزا العباس بن الوليد أرض الروم فافتتح انطاكية. ويقال إن انطاكية لا تمر عليها سحابة إلا مطرتها وان ذلك لبقية من رضاض ألواح موسى عليه السلام في غار في جبل من جبالها ورضاض من تابوت السكينة. وفي سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة غزا نقفور انطاكية فأخذها وأخذ مدينة طرسوس واقريطش فكان من أمره ما قدمناه، وهي الآن في يد الروم. ومن أنطاكية فر هرقل حين انهزمت جموعه وقتلت باليرموك خرج منها حتى أتى الرها ثم منها كان خروجه إلى القسطنطينية، فلما خرج استقبل الشام وقال: السلام عليك يا سورية سلام مودع لا يرى أنه يرجع إليك أبداً، وكان لما جاء المخبر بالهزيمة، وقتل من قتل من عظماء الروم قال المخبر: تلكؤك أخبث وألأم وأكفر، متى تذب عن دين أو تقاتل عن دنيا، ثم قال للشرطة: أنزلوه، فأنزلوه وجاءوه به فقال: ألست كنت أشد الناس علي في أمر محمد نبي العرب حين جاءني كتابه ورسوله وكنت أردت أن أجيبه إلى ما دعا إليه وأدخل في دينه فكنت أنت من أشد الناس علي حتى تركت ما أردت من ذلك فهلا قاتلت الآن قوم محمد وأصحابه دون سلطاني وعلى قدر ما كنت لقيت منك إذ منعتني من الدخول في دينه، اضربوا عنقه، فضربوا عنقه ثم نادى في أصحابه بالرحيل. وتسير من انطاكية ستة فراسخ في صحراء وجبال فيها مزارع وأشجار البلوط، وعلى يسار الطريق بحيرة يكون مقدارها ستة فراسخ فيها يجتمع ماء انطاكية حتى ينتهي إلى قرية يقال لها بغراس (1) . انطالية فرضة بلاد قونية، وفي سنة ثلاث وستمائة وقعت فتنة بين فرنجها ورومها كانت سبباً لأن صارت دار إسلام لأن الخبر بلغ غياث الدين كيخسرو فأرسل إليها عسكراً غلبت عليها باشتغال الفريقين بالقتال واستقر الصلح على أن تكون مدينتين بينهما سور، إحداهما للمسلمين والأخرى للنصارى (2) . أنقلش (3) بلد الأنقلش وهم جنس من الأتراك نزلوا مصاقبين للصقالبة، وحد مدينتهم في المغرب مدينة بويرة (4) وفي الجوف منهم الروس، وهم قوم ليس لهم معبود دون الله تعالى، وهم يقرون بصاحب السماء وأنه واحد قهار، ويجتنبون أكل لحم الخنزير ويقربون قرابين، فإذا وضع بين يدي أحدهم طعام أجج ناراً وأخذ من أفضل خبزه وطعامه فيلقيه في النار ويدعو باسم أحب وزرائه إليه، ويعتقدون أن الدخان يرقى إلى السماء فيكون ذخراً للميت بين يدي الله عز وجل ليفوز بذلك عنده، وهم ناقلة من خراسان، والإسلام هناك فاش وهؤلاء الأتراك يفادون المسلمين واليهود إذا أسروا في جهة من الجهات التي تليهم، ويحسنون قرى الضيفان، وهم على أحوال مرضية إلا في إباحة نسائهم لعبيدهم وأضيافهم وكل من أراد الخلوة بهن، وانهم بذلك في منزلة الكلاب. انكلاس (5) هي أكبر بلاد كوار قطراً وأكثرها تجارة وعندهم معادن الشب الخالص المتناهي في الطيب وأهل هذه المدينة يتجولون حتى ينتهوا إلى بلاد وارقلان وسائر أرض المغرب الأقصى، وأهلها يلبسون ثياب الصوف ويربطون على رؤوسهم كرازية ويتلثمون بفواضلها ويسترون أفواههم وهي عادتهم يتوارثونها. وهذا الشب الذي يكون في بلد كوار بالغ في نهاية الجودة وهو كثير الوجود ويتجهز به في كل سنة إلى سائر البلاد بما لا يحصى كثرة ومعادنه لا تنقص كبير نقص، وأهل تلك الناحية يذكرون أنه ينبت نباتاً ويزيد في كل حين بمقدار ما يؤخذ منه مع الساعات ولولا ذلك لأفنوا الأرض كلها لكثرة ما يخرج منه ويتجهز به، إلى جميع الأرض. انقولاية (6) هو حصن بينه وبين حصن علمريه (7) في آخر ممالك الروم خمسون ميلاً وهو في فحص فيه سبعة أجبل في كل جبل حصن يسمى الطلائع، وأهله لا يحرثون ولا يزرعون إلا يسيراً ولا ينتشرون على بعد، إنما معايشهم من أشجار كروم عوالي الحصون. وحصن انقولاية على نهر بينه وبين البحر ثلاثة أيام وبناؤه أحسن بناء وليس يسكنه إلا الرهبان ونفر من اليهود، والمقدم عليهم يسمى البطرباج كبطرباج بيت المقدس ويعظمه النصارى ويوقرونه وينقادون له ولم يزل ملوك القسطنطينية يبعثون بالأموال

_ (1) ع: نقراسن؛ ص: فقراسن. (2) أنظر رحلة ابن بطوطة: 284. (3) البكري (ح) : 150 ولم يرد إلا بعض ما أورده المؤلف هنا. (4) ع: مويرة؛ ص: مويرة. (5) الإدريسي (د/ ب) 39/ 25، وأنظر أيضاً: 26 عن الشب الكواري عامة. (6) لم اهتد غلى تحقيق هذه المادة. (7) كذا ورد هذا الاسم.

أنصنا

إلى البطرباج بحصن انقولاية ويعظمونه في كتبهم، واليهود في حصن انقولاية في ذل وصغار عظيم إنما هم أقل من العبيد يشتم المرء منهم ويضرب فلا ينطق بلفظة، والحنطة وجميع الحب الذي يختبز قليل بحصن انقولاية إنما تكثر عندهم الفواكه والأشربة. أنصنا (1) مدية في البلاد المصرية قديمة شرقي النيل وهي حسنة البساتين والمتنزهات كثيرة الثمار والفواكه ويقال إن سحرة فرعون كانوا منها، وجلبهم منها يوم الموعد للقاء موسى عليه السلام، ويقال إن التمساح لا يضر بعدوة أنصنا، ويقال إنها مطلسمة وإنها بها بقية من السحر. وحكى ابن هشام (2) أن مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية منها من حفن من كورة أنصنا. وأكثرها الآن خراب وكان بها بربى لم يبق منه اليوم إلا بيت واحد كأنه من صخرة واحدة، وقيل إن مرسى أنصنا لا يقربها التمساح والناس منه آمنون هنالك وأكثر ما يكون عدواناً بالشاطئ الذي يقابل أنصنا فإذا صارت التماسيح في حد أنصنا تحولت على ظهرها حتى تجاوز حدها وكذلك تصنع بفسطاط مصر فوق المدينة بعشرة أميال حتى تخرج من حد المدينة بمثل ذلك. أنطالة حصن عظيم ومعقل منيع من حصون جزيرة صقلية فيه تحصن محمد بن عباد (3) القائم بأمر المسلمين في جزيرة صقلية، فلما كانت سنة ست عشرة وستمائة عقد الصلح مع الأنبرور طاغية جزيرة صقلية وغيرها على أن يدخل تحت طاعته ويأخذ جميع أمواله وذخائره ويجهزه في قطائع إلى ساحل إفريقية ولا يقتله، وأبت ابنته أن تدخل في هذا الصلح وامتنعت في هذه القلعة وقالت لأبيها: أنا فداك فإن لقيت خيراً اتبعتك وإن كان غير ذلك فلا بد أن أنكي أعداءك وآخذ بثأرك على قدر الاستطاعة. ولما جذفت به القطائع وغابوا عن العيون قال له الموكلون به: إن السلطان قد وفى لك ولم يحنث في يمينه وها نحن قد توجهنا إلى إفريقية وهو لم يقتلك ونحن نغرقك ونريح دين المسيح منك، فالذي صنعت في هذه الجزيرة مثله لا ينسى، ثم غرقوه وعادوا بجميع أمواله إلى الأنبرور وحمدت ابنته رأيها وزادت بصيرة في الامتناع بذلك المعقل المعانق للسحاب، وجعلت تغادي شن الغارات وتراوحها بمن خاف غدر الأنبرور من فرسان المسلمين ورجالهم، ثم أرسلت في سنة تسع عشرة إلى الأنبرور: إني امرأة وقد بليت بمحاربة الرجال ومداراتهم وقد ضقت ذرعاً بالأولياء منهم والأعداء وضعفت نفسي ومعي من صناديد الأبطال من لا ينقاد بمرادي فأرحني وأرح نفسك وأهل مملكتك من هذا النصب الدائم بأن توجه لي ثلثمائة من أبطالك الذين لا يهابون ولا ينخدعون لأدخلهم ليلاً إلى هذا الحصن ويحتوون عليه فإذا ملكوه ودخلت أنا بعد ذلك في طاعتك لم يكن بعد ذلك شيء يتوقع منه عائد، فأفكر فيما خاطبتك به والله يخير ويختار قال: وكان الأنبرور قد طالت إقامته وإقامة جموعه على حصارها فرأى ذلك غنيمة لا يجب أن يؤخر انتهاز الفرصة فيها، فاختار ذلك العدد وأرضاهم وأنفذهم في الليل ففتحت لهم باب قلعتها وفرقتهم على أبطاله بحيل تمت عليهم، فلما ولى الظلام وتبينت الوجوه ركب الأنبرور إلى جهة الحصن يطلع إلى أعلامه كيف هي على سوره فإذا برؤوس أبطاله معلقة ما بين شرفاته، وأعلام المسلمين منشورة وطبولهم عاملة وكلمتهم عالية، فسقط في يده، ونظر الفرنج إلى ما لم يكن في حسابهم ولا خطر لهم أنه يتم في المنام بالأحلام، قال: فأراد الأنبرور أن يبلغ (4) في هذه القضية غرضه بحيلة تتوجه عليها، فأرسل إليها: أنت قد عشت ولا أبالي من مات من أهل ملتي وقد ظهر لي أن ما في الدنيا امرأة تصلح أن يكون لي منها ولد غيرك فتعالي حتى نتم ذلك، فأنت إن بقيت على ما أنت عليه وحصلت في أيدي الفرنج قطعوك عضواً عضواً، فاختاري لنفسك ما ترينه مصلحة. فأجابت: وصلني كتابك وفهمت حقه وباطله. وأبلغني بعض عيوني الذين لم أزل أبثهم عليك أنك قلت: إن هذا عجب امرأة تمكر بثلثمائة رجل، وليس هذا بعجب وقد أنزل في الكتاب المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ذكر النساء " إن كيدهن عظيم " فهذا من ذلك، وإنما العجب مني ومنك

_ (1) نزهة المشتاق، الورقة: 45، والاستبصار: 85. (2) ابن هشام 1: 7. (3) أنظر قصة محمد بن عباد في التاريخ المنصوري: 144 ب وما بعدها، وهذا النص الذي أورده المؤلف يحتوي على معلومات لم أعثر عليها عند غيره، وقد أستخرج بروفنسال هذا النص ونشره مترجماً بمجلة (Orienete Moderno) 1954 (ص 383 - 388) وأنطالة هي (Entella) . (4) ع: يتبع.

أنداره

إذ أنا مقيمة في نشزة من الأرض ولا ناصر، وأنت تملك مسيرة نصف شهر ولك الجيوش التي تغص بها الأرض والخزائن والأموال والخواص أصحاب الآراء وقد أثر فيك توقفك وشغلتك عن مهمات أمورك وقدرت عليك أكثر مما قدرت علي وأنكيت فيك أشد من نكايتك في، وها أنا أقطع عليك السلاسل في الحيل، فتكفي حيلتك في أبي ثم حيلتي في أبطالك، ومن الآن فايئس أن أحصل لك في يد وفي جسدي روح، وأنا مقاتلتك ومكايدتك حتى تفنى ذخائري التي بهذا الحصن ويعجز أهل حمايتي، فإذا انتهيت إلى هذا الحد فعلت ما سيبلغك، قال: فيئس الأنبرور منها وقال ما لهذه إلا المطاولة، فبنى حصناً في مرابطة حصنها وصار جنده يترددون على ذلك الحصن كلما كلت طائفة استجد غيرها إلى أن بلغت الحد الذي وعدت به فسمت نفسها. انده (1) مدينة من كور بلنسية. أنداره (2) مدينة عظيمة في شرق الأندلس خربت في فتنة البربر. انمو (3) هي مدينة الملك بالصين وبينها وبين ساحل البحر الحبشي مسيرة ثلاثة أشهر، وقيل بل مدينة الصين العظمى التي ينزلها ملكهم تسمى جمدان، وهي مذكورة في حرف الجيم، ولما سار الجمهور من ولد عامور على ساحل البحر الحبشي حتى انتهوا إلى أقاصيه من بلاد الصين تفرقوا في تلك الجهات وقطنوا تلك الديار وعمروها ومصروا الأمصار واتخذوا للملك مدينة انمو. أنيشة (4) بالشين المعجمة والجيم معاً، موضع على مقربة من بلنسية وبالقرب من بنشكلة من أرض الأندلس، وعقبة أنيشة جبل معترض عال على البحر والطريق عليه، ولا بد من السلوك على رأسه وهو صعب جداً. وفيه كانت الوقيعة بين المسلمين من أهل بلنسية وبين النصارى، واستشهد فيها الأديب المحدث العلامة أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي (5) مصنف كتاب الاكتفاء في سير النبي صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء وكانت هذه الوقعة في سنة أربع وثلاثين وستمائة، وكان خطيباً راوية ناظماً ناثراً، ورثاه الكاتب أبو عبد الله بن الأبار القضاعي بقصيدة طويلة أولها: الما بأشلاء العلى والمكارم ... تقد بأطراف القنا والصوارم أحسن فيها ما شاء، وفيها: سقى الله أشلاء بسفح أنيشة ... سوافح تزجيها ثقال الغمائم وفيها (6) : سلام على الدنيا إذا لم يلح بها ... محيا سليمان بن موسى بن سالم ورثاه أيضاً الفقيه الكاتب أبو المطرف أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزمي فقال من قصيدة: وأعظم ميت فجعنا به ... حليف الندى الماجد الواهب وذاك سليمان لا غائب ... إذا الأمر جد ولا لاعب فلله من حقه جانب ... وللصحب من أنسه جانب فأي امرئ صار نحو الردى ... كما صمم الصارم القاضب وأي مناقب ملء الزمان ... يلم بها بعده النادب فيا نور علم تبدى لنا ... شهاب لناظره ثاقب (7) ويا طود علم تخف الحلوم ... وهو على حاله راسب ألا في سبيل هداة السبيل ... مضاؤك حين نبا الهائب هربت إلى الله في موطن ... على عاره حصل الهارب وغودرت نهب عفاة الفلا ... فنال الذي شاءه الناهب إذا كان للدود ميت القبورل ... فللذئب أكرم والناعب فلقاك ربك رضوانه ... وجادك منه الحيا الساكبُ

_ (1) بروفنسال: 31 والترجمة: 39 (Onda) . (2) المصدر نفسه (Ondara) . (3) المروج 1: 297 (4) المصدر السابق: 32 والترجمة: 40 وهي تقابل ما يسمى (El Puig) على بعد 20 كيلومتراً شمال بلنسية. (5) ترجمة في الذيل والتكملة 4: 83 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى. (6) زاد في طبعة بروفنسال بيتاً هذا هو: أضاعهم يوم الخميس حفاظهم ... وكرهم في المأزق المتلاحم (7) بروفنسال: هو سائخاً.

أصيلة

وإن الذي نلت من قربه ... لأفضل ما يطلب الطالب عليك السلام إلى غاية ... من الموت كل لها ذاهب أندرش (1) مدينة من أعمال المرية، هي من أنزه البلدان، وفيها يقول أبو الحجاج ابن عتبة الاشبيلي الطبيب الأديب الشاعر وقد مر عليها: لله أندرش لقد حازت على ... حسن تتيه به على البلدان النهر منساب سرت خلجانه ... في الروض بين أزاهر الكتان فكأنما انسابت هناك أراقم ... قد عدن راجعة عن الثعبان أصيلة (2) بلد بقرب طنجة ويقال فيه أزيلة بالزاي، وهي مدينة كبيرة قديمة عامرة آهلة كثيرة الخير والخصب، وكان لها مرسى مقصود، وكان سبب خرابها أن المجوس لما خرجوا من البحر الكبير أول ما يلقاهم مدينة أصيلة فينزلون مرساها ويخربون ما قدروا عليه منها فيجتمع البرابر ويحاربونهم فكانوا معهم على ذلك حتى خلت مع ما كان بين أهل تلك البلاد من الفتن. ويقال إن المجوس قصدوا إليها مرة فاجتمع البرابر لقتالهم فقالوا لهم: ما جئنا لقتال وإنما لنا ببلدكم أموال وكنوز فتنحوا عنا حتى نستخرجها لكم ونشاطركم فيها، فرضي البربر بذلك واعتزلوا عن الموضع الذي ذكروه لهم، فحفر المجوس موضعاً من تلك المواضع التي زعموا فوجدوا مطامير من الدخن فاستخرجوه، فلما نظر البربر من بعيد إلى صفرة الدخن ظنوه تبراً فبدروا إليهم ونقضوا عهدهم وهرب المجوس إلى مراكبهم، فلما أصاب البربر الدخن ندموا ورغبوا إلى المجوس أن يرجعوا إلى استخراج المال، قالوا لهم: قد رأينا منكم نقض العهد فلا نأمنكم أبداً. وأصيلة أول مدن العدوة من جانب الغرب، وهي في سهل من الأرض وحولها رواب لطاف والبحر بغربيها وجوفيها، وكان عليها سور له خمسة أبواب، ولجامعها خمس بلاطات، وإذا ارتج البحر بلغ الموج إلى حائط الجامع، وسوقها حافل يوم الجمعة، وماء آبار المدينة شريب، وبخارجها آبار عذبة، ومرساها مأمون، والمدخل إليها من الشرق، ويستدير بالمرسى من ناحية الجوف جسر من حجارة مخلوقة تطيف على السفن المرساة فيه، وهي مدينة محدثة، وكان سبب بنائها أن المجوس نزلوا مرساها مرتين، أما الأولى، فانهم أتوا وزعموا أن لهم بها أموالاً وكنوزاً فاجتمع البربر لقتالهم على ما قدمناه، وذلك في أيام الإمام عبد الرحمن بن الحكم وأما خروجهم الثاني فإن الريح قذفتهم في ذلك المرسى منصرفهم من الأندلس وعطبت لهم على باب المرسى من ناحية المغرب مراكب كثيرة، ويعرف ذلك الموضع بباب المجوس إلى اليوم، فاتخذ الناس موضع أصيلة رباطاً فأتوه من جميع الأمصار، وكانت تقوم فيه سوق جامعة ثلاث مرات في السنة، وهو وقت اجتماعهم وذلك في شهر رمضان وفي عشر ذي الحجة وفي عاشوراء، وكان الموضع ملكاً للواتة فابتنى فيه قوم من كتامة واتخذوه سوقاً جامعاً وتسامع الناس أمرها من الأندلس وأهل الأمصار فقصدوها في الأوقات المذكورة بضروب السلع، ثم بنوا شيئاً بعد شيء فعمرت فقدمها القاسم بن ادريس فملكها وبنى سورها ومصرها وبها قبره، ووليها إبراهيم ابنه ثم حسين بن إبراهيم ثم صار أمرها إلى حسن الحجام منهم ثم استولى عليهم ابن أبي العافية (3) وكان الحجام يستعمل عليها الولاة. قالوا وتفسير أصيلة جيدة، وبقبلي أصيلة قبائل لواتة وبنو زياد من هوارة وبين القبلة والغرب منها عين تعرف بعين الخشب ثرة، وأصيلة بغربي طنجة (4) . ومن أصيلة أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (5) أصله من كورة شذونة من بلاد الأندلس وكان جده من مسالمة أهل الذمة ورحل أبوه إبراهيم إلى أصيلة من بلاد العدوة ثم رحل في طلب العلم وجال في الآفاق وأوغل في بلاد المشرق ولقي الرجال، وتفنن في الرأي والحديث، وكان من جلة العلماء وصنف كتباً كثيرة نفاعة، وسمع بخبره أمير المؤمنين الحكم وكان معتنياً بهذا الشأن

_ (1) بروفنسال: 31 والترجمة: 40 (Andarax) . (2) تكتب أيضاً: أصيلاً او أريلاً، بالألف، والنص بالبكري: 111 والاسبتصار: 139. (3) في الأصل: ابن أبي القاسم. (4) غلى هنا ينتهي النقل عن البكري. (5) الجذوة: 239 (والبغية رقم: 906) ، وابن الفرضي 1: 290، وترتيب المدارك 4: 642.

اصبهان

فاستجلبه من العراق فأقبل إلى الأندلس، فلما وصل إلى المرية مات الحكم فانعكس أمله وبقي حائراً، وكان مقلاً ثم نهض إلى قرطبة حضرة السلطان ونشر بها علمه، فشرق فقهاؤها بمكانه وبقي مدة مضاعاً حتى هم بالانصراف إلى المشرق، ثم علق بحبل محمد بن أبي عامر قيم الدولة الهشامية وكان عرف مكانه في العلم وبعد أثره فيه، فرغب في اصطناعه وأجرى عليه الرزق فنعشه (1) به ثم أخرج أمر السلطان بتقديمه للشورى ثم ولي قضاء سرقسطة، وكان من حفاظ مذهب مالك إلا أنه على مذهب العراقيين من أصحابه، ومن تواليفه " الدلائل على أمهات المسايل " توفي سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة على أثر موت ابن أبي عامر. اصبهان ليست هذه الباء بخالصة ولذلك يكتبها بعض الناس بالفاء وهي مكسورة الأول، سميت بأصبهان بن نوح وهو الذي بناها، وقيل سميت اصبهان لأن اصبه بلسان الفرس البلد وهان الفرس، معناه بلد الفرسان. ولم يكن يحمل لواء الملك منهم إلا أهل اصبهان لنجدتهم وكانوا معروفين بالفروسية والبأس، وهي من بلاد فارس، وهما مدينتان بينهما مقدار ميلين إحداهما تعرف باليهودية وهي أكبرهما، والثانية تعرف شهرستان وفي كل واحد منهما منبر، واليهودية مثلاً شهرستان في المساحة، وهما أخصب مدن الجبال وخراسان. وذكر ابن سعيد أن اصبهان اثنتا عشرة مدينة (2) بعضها قريب من بعض والمتميزة منها بالشهرة جي وشهرستان واليهودية. وكان الططر قد قاسوا عليها زحوفاً لم يقاسوها على غيرها من بلاد الإسلام إلى أن نشأ بين رئيس الشفعوية ورئيس الحنفية فتنة فقتل الشفعوي الحنفي وسما ابن الحنفي لطلب الثأر فسار إلى الططر وضمن لهم أن الحنفية معه، فأرسلوا معه جمعاً عظيماً فكان ذلك سبباً لأن غلبوا عليها فأبقوا على الحنفية وأفنوا الشفعوية وهدموا ديارهم وأحرقوا أملاكهم. وكور أصبهان ثمانون فرسخاً في مثلها وهي بضعة عشر رستاقاً، والرستاق الإقليم بلغتهم، وفي كل رستاق ثلاثمائة وستون قرية، وليس بالعراق إلى خراسان بعد الري مدينة أكبر من اصبهان ومنها يرتفع العتابي والوشي وسائر ثياب الابريسم والقطن إلى الآفاق، وبقرب اصبهان معدن الكحل وهو الاثمد مصاقب لفارس، ومن اصبهان يتجهز به إلى كل بلد ومدينة اصبهان أكثر البلاد يهوداً، وفي الخبر: يتبع الدجال من مدينة اصبهان أكثر من أربعين ألفاً عليهم الطيالسة. ومن أهل اصبهان داود بن علي بن خلف الأصبهاني (3) قيل كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وكان من المتعصبين للشافعي، وصنف كتابين في فضائله، وإليه انتهت رياسة العلم ببغداد. ومنها أيضاً أبو الفرج الأصبهاني صاحب الكتاب الكبير في الأغاني كان عالماً حافظاً. وبأصبهان لقي قحطبة أحد أكابر قواد السفاح عامر بن ضبارة فقتله في سنة إحدى وثلاثين ومائة وكان في مائة ألف وخمسين ألفاً، وكان قحطبة في اثنين وثلاثين ألفاً فبلغت عدد الرؤوس من السبي التي جمعت لقحطبة من أصحابه عشرين ألفاً وصار في يديه من ذراريهم عشرون ألفاً إلى غير ذلك من الأمور الجليلة. اصطخر مدينة من كور فارس ولها نواح، وهي مدينة كبيرة جليلة كثيرة الأرزاق والتجارات بناؤها بالطين والحجارة والجص، وهي أقدم مدن فارس وأشهرها اسماً، وكانت دار ملوكها إلى أن ولي ازدشير الملك فنقل ملكهم إلى جور وجعلها دار الملك. ويروى أن سليمان عليه السلام كان يسير من طبرية إليها في غدوة أو عشوة، وبها مسجد يعرف به، وباصطخر قنطرة تسمى قنطرة خراسان وهي قنطرة حسنة، وخارج القنطرة أبنية ومساكن بنيت في عهد الإسلام، ومن اصطخر إلى شيراز ستة وثلاثين ميلاً، وهواء اصطخر فاسد وخيم، وبها تفاح يكون نصف التفاحة حلواً صادق الحلاوة والنصف الآخر حامضاً صادق الحموضة وفي الأخبار المشهورة التي ينقلها الناس أن سليمان عليه السلام كان يغدو من اصطخر فيتغدى ببيت المقدس ويروح من بيت المقدس فيتعشى باصطخر، وذكر أن منزلاً بناحية دجلة مكتوب فيه: نحن نزلناه وما بنيناه ومبنياً وجدناه عدونا من اصطخر نقلناه ونحن رائحون فآتون الشام إن شاء الله تعالى. وكان باصطخر بيت نار معظم والناس يذكرون أنه مسجد

_ (1) ع ص: فبعثه. (2) نص قول ابن سعيد (بسط الأرض: 94) وهي 12 محلة كل محلة منها كالمدينة المفردة. (3) ابن خلكان 2: 255.

سليمان عليه السلام وهو على نحو فراسخ من اصطخر، وهو بنيان عجيب وهيكل عظيم وفي أعلاه صور محكمة من الصخر من الخيل وسائر الحيوان، يحيط بذلك كله سور عليه صور الأشخاص يزعم من جاور هذه المواضع أنها صور الأنبياء، وفي جوف هذا الهيكل الريح غير خارجة منه في ليل ولا نهار لها هبوب وحفيف يذكر من هناك أن سليمان عليه السلام حبس الريح فيه وأنه كان يتغدى ببعلبك من الشام ويقيل بتدمر ثم يتعشى بهذا المسجد، فقال يوماً للريح: تيامني أو تياسري، فسارت إلى أرض فيها قصر أبيض فسارع من كان مع سليمان عليه السلام، فدخلوا القصر فإذا ليس فيه أحد يسألونه عن حال القصر وعن الباني له وإذا على القصر نسر واقع، فقال سليمان عليه السلام للنسر: من بنى هذا القصر؟ فقال النسر: يا نبي الله لا أدري من بناه وأنا عليه مذ ثمانمائة عام، هكذا أصبته، فسارع بعض من كان مع سليمان عليه السلام فكتب على القصر: غدونا من قرى اصطخ؟ ... ر للقصر فقلناه فمن يسأل عن القصر ... فمبنياً وجدناه يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه فلا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه فكم من جاهل أردى ... حليماً حين آخاه ونقل من خط أبي بكر ابن عروة أن سليمان عليه السلام رأى يوماً في الصحراء بناء فأمر الريح فأمت به ذلك البناء فإذا قصر مبني من النحاس عليه شرفات وله سبعة أبواب على كل باب سبعة أقفال، فقرأ كتباً على حيطان القصر فوقع على المفاتيح فاحتفر فأخرجها وفتح القصر فإذا عتبة الباب من الذهب الأحمر وعليها كتابة باللازورد: من برجيس رحلنا، وبالقصر قلنا ومن يسأل عن القصر فمبنياً وجدنا فقال: لا إله إلا الله إن هذا لأمر عجب، رحل هؤلاء من برجيس غدوة ولحقتهم القائلة هنا وبين برجيس وهذا الموضع مسافة طويلة. ثم دخل فأصاب فيه مقاصير كثيرة فأقبل يفتح وينظر ما فيها من العجائب، ثم إنه فتح مقصورة فأصاب فيها رجلاً مدرجاً في أكفانه على سرير من الحديد الصيني طوله أربعون ذراعاً ملقى على قمحدوته، فوضع يده على صدره فصار رماداً من طول ما أتى عليه من الأزمنة والدهور، فقال: لا إله إلا الله لكأن هذا الشخص لم يعمر في الدنيا قط، وإذا بحربة من ذهب مركوزة عن يمين السرير، وعن شماله أخرى مكتوب في إحداهما: إنما الدنيا ساعة ويوم، ... ورقدة بينهما ونوم، ... يعيش قوم ويموت قوم، ... والدهر يمضي ما عليه لوم. ... وفي الأخرى: ملكنا وقدرنا، وقهرنا وتركنا ... وقضى الموت علينا، بعد هذا فذهبنا ... وإذا بلوح من ذهب مكتوب فيه: إذا الحادثات بلغن المدى ... وكادت لهن تذوب المهج وحل البلاء وبان العزاء ... فعند التناهي يكون الفرج وإذا تحت السرير مائدة من الحديد الصيني عليها ملح جريش وعليها مكتوب: أكل على هذه المائدة سبعون ألف ملك أعور سوى الأصحاء والبصراء وسوى الراقد على هذا السرير، ثم خرج من القصر وأصحابه، ورد مفاتيحه إلى موضعها، فإذا نداء من قبل الله عز وجل: يا سليمان إنما كانت المسئلة قبل أن يعطيك الله الملك ألا ينبغي لأحد من بعدك فأما من كان قبلك فبلغ أكثر من ذلك. وذكر الطبري (1) أن فتح اصطخر الأخير كان سنة ثمان وعشرين وسط إمارة عثمان رضي الله عنه على يد الحكم بن أبي العاص، فأما فتحها الأول (2) ففي أيام عمر رضي الله عنه قصدها عثمان بن أبي العاص فالتقى هو وأهلها بجور فاقتتلوا ما شاء الله تعالى ثم فتح الله عز وجل على المسلمين حور واصطخر ودعاهم عثمان إلى الجزية فأذعنوا، وجمع عثمان ما أفاء الله فخمسه وبعث بالخمس إلى عمر رضي الله عنه وقسم الباقي في الناس وعف الجند

_ (1) الطبري 1: 2827، 2698. (2) الطبري 1: 2626.

اصطبة

عن النهاب وأدوا الأمانة فجمعهم عثمان وقال لهم: إن هذا الأمر لا يزال مقبلاً (1) وأهله معافون مما يكرهون ما لم يغلوا فإذا غلوا رأوا ما يكرهون. ثم إن سهرك (2) خلع في آخر إمارة عمر رضي الله عنه وسطا على فارس ودعاهم إلى النقض فوجه إليه عثمان بن أبي العاص ثانية (3) وأمده بالرجال واقتتلوا، وقتل من المشركين مقتلة عظيمة وولي قتل سهرك الحكم بن أبي العاص أخو عثمان بن أبي العاص. وذكر المبرد (4) أن المهلب بن أبي صفرة كتب إلى الحجاج وهو مواقف للأزارقة يسأله أن يتجافى عن اصطخر ودرابجرد لأرزاق الجند ففعل، وقد كان هدم قطري بن الفجاءة رأس الخوارج اصطخر لأن أهلها كانوا يكاتبون المهلب بأخباره، وأراد مثل ذلك بمدينة فسا واشتراها منه آزاد مرد ابن الهربذ بمائة ألف درهم فلم يهدمها فوافقه المهلب فهزمه فنفاه إلى كرمان واتبعه المغيرة ابنه. وإلى اصطخر فر كسرى حين دخل عليه المسلمون المدائن وغلبوه عليها فأخذت أمواله ونفائس عديدة، وأخذت له خمسة أسياف لم ير مثلها، أحدها سيف كسرى ابرويز وسيف كسرى أنوشروان وسيف النعمان بن المنذر الذي كان استلبه منه حين قتله غضباً عليه وألقاه إلى الفيلة فخبطته بأيديها حتى مات وقال الطبري: أنه مات في سجنه في الطاعون الذي كان في الفرس وسيف خاقان ملك الترك وسيف هرقل وكان تصير إلى كسرى أيام غلبته على الروم في المدة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه في قوله " الم غلبت الروم في أدنى الأرض " وفي رواية أخرى: فتح أبو موسى الأشعري رضي الله عنه اصطخر سنة ثلاث وعشرين، وخبرها في آخر السابع من " الاكتفاء " بعد ذكر توج. اصادة (5) مدينة اصادة قرب سبتة من أرض المغرب فيها آثار الأول، وهي ذات أعناب وأشجار كثيرة، وهي بقبلي يجاجين هنالك بينهما ستة أميال، ويجاورها على الطريق أربعة أصنام. اصطبة (6) مدينة بالأندلس على خمسة وعشرين ميلاً من قلشانة، ومن قلشانة وهي قاعدة شذونة إلى قرطبة أربعة أيام ومن الأميال مائة ميل وعشرة أميال. اضم (7) واد دون المدينة المكرمة، وفي السير عن عبد الله بن أبي حدرد قال: بعثنا رسول الله في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس فخرجنا حتى إذا كنا ببطن اضم مر بنا عامر بن الأضبط على قعود له معه متبع له ووطب من لبن، فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره وأخذ متبعه، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا " إلى آخر الآية. اغرناطة (8) مدينة بالأندلس بينها وبين وادي آش أربعون ميلاً وهي من مدن إلبيرة، وهي محدثة من أيام الثوار بالأندلس وإنما كانت المدينة المقصودة إلبيرة فخلت وانتقل أهلها إلى اغرناطة ومدنها وحصن أسوارها وبنى قصبتها حبوس الصنهاجي ثم خلفه ابنه باديس بن حبوس، فكملت في أيامه وعمرت إلى الآن، ويشقها نهر يسمى حدرة وبينها وبين إلبيرة ستة أميال، وتعرف بأغرناطة اليهود لأن نازلتها كانوا يهوداً، وهي اليوم مدينة كبيرة قد لحقت بأمصار الأندلس المشهورة، وقصبتها بجوفيها وهي من القصاب الحصينة. وجلب الماء إلى داخلها من عين عذبة تجاورها، والنهر المعروف بنهر فلوم ينقسم عند مدينتها قسمين: قسم يجري في أسفل المدينة وقسم يجري في أعلاها يشقها شقاً فيجري في بعض حماماتها وتطحن الأرحاء عليه خلال منازلها، ومخرجه من جبل هناك، وتلقط في جرية مائه برادة الذهب الخالص، ويعرف بالذهب المدني. ومقبرة أغرناطة بغربيها عند باب إلبيرة. وفحص إلبيرة أزيد من مسافة يوم في مثله يصرفون فيه مياه الأنهار كيف شاءوا كل أوان من جميع الأزمان، وهو

_ (1) ص ع: فضلاً. (2) الطبري 1: 2697. (3) ص: نائبه. (4) الكامل 3: 389. (5) البكري: 114. (6) بروفنسال: 23 والترجمة: 29 (Eatepa) وهي على 23 كيلومتراً غلى الشرق من أشونة. (7) معجم ما استعجم 1: 166، وابن هشام 2: 626. (8) بروفنسال: 23 والترجمة: 29 (Granada) ، والإدريسي (د) : 203.

اغنا

أطيب البقاع بقعة وأكرم الأرضين تربة لا يعدل به مكان غير غوطة دمشق وساحة (1) الفيوم، ولا يعلم شجرة تستعمل وتستغل إلا وهي أنجب شيء في هذا الفحص، وما من فاكهة (2) توصف وتستطرف إلا وما هناك من الفاكهة يفوقها، ويجود فيها من ذلك ما لا يجود إلا بالساحل من اللوز وقصب السكر مما أشبههما، وحرير فحص إلبيرة هو الذي ينتشر في البلاد ويعم الآفاق، وكتان هذا الفحص يربي جيده على كتان النيل ويكثر حتى يصل إلى أقاصي بلاد المسلمين، وبإلبيرة معادن جوهرية من الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص والتوتياء، وجبل الثلج هو جبل يشرف على جبل إلبيرة. اغنا (3) بجزيرة سرنديب، وتعرف اغنا هذه بجزيرة القصر (4) وهي دار ملك سرنديب، وسيأتي ذكرها في حرف السين المهملة إن شاء الله تعالى. اغمات بأرض المغرب بقرب وادي درعة وبينها وبين نفيس مرحلة، وبينها وبين أغمات (5) ست مراحل في قبائل البربر المصامدة وأهل أغمات (6) تجار مياسير يدخلون بلاد السودان بقناطير الأموال من النحاس الملون والأكسية وثياب الصوف والعمائم وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار وضروب الأفاويه والعطر وآلات الحديد المصنوع، ولم يكن في دولة الملثمين أكثر أموالاً منهم، ولأبواب منازلهم علامات تدل على مقادير أموالهم، وتغيرت بعد ذلك أحوالهم لإتيان المصامدة على أكثر أموالهم وفيهم مع هذا نخوة واعتزاز وبها ضروب من الفواكه وأنواع من النعم. واغمات مدينتان إحداهما تسمى اغمات وريكة والأخرى اغمات هيلانة (7) وبينهما نحو ثمانية أميال، وبأغمات وريكة تسكن الأعيان وبها ينزل التجار على القديم لأنها كانت دار التجهز للصحراء، وهي في فحص أفيح طيب التراب، والمياه تخترقها يميناً وشمالاً وحولها جنات وبساتين وأشجار ملتفة، وبها نهر جريته من القبلة إلى الجوف يشق المدينة بعضه، وماؤه زعاق وعليه أرحاء وحوله بساتين كثيرة، وهي بلد متسع كثير الرخاء والخصب إلا أنه وخيم الهواء (8) وألوان أهله مصفرة والعقارب القتالة فيه كثيرة، وبينه وبين البحر مسافة أربعة أيام وأقرب المراسي إليه مرسى بلد ركراكة وهو أحد مراسي سواحل الغرب يقرب من البحر المحيط تنزل فيه السفن ولا تخرج إلا بالرياح العاصفة في زمن الشتاء عند تكدر الهواء وتحمل السفن من مدينة نفيس تفاحاً جليلاً يباع بها منه وقر بعير بنصف درهم. وكانت إمارة أهل اغمات دولاً بينهم يتولى الرجل منهم عن تراض واتفاق. وهذا النهر المذكور يدخل المدينة يوم الخميس والجمعة والسبت والأحد، وباقي الجمعة يأخذونه لسقي جنانهم. وهذه المدينة يكنفها جبل درن وثلوج جبل درن تسيل في اغمات، وربما جمد نهرها في وسط المدينة حتى يجتاز الأطفال عليه. وفي سنة تسع وأربعين وأربعمائة غزا عبد الله بن ياسين اغمات واستولى على بلاد المصامدة سنة خمسين، وقتل ببلد برغواطة سنة إحدى وخمسين وعلى قبره اليوم مشهد مقصود ورابطة معمورة، ولم يقتل عبد الله بن ياسين حتى استولى على سجلماسة وأعمالها والسوس كله وأغمات ونول لمطة والصحراء. وبأغمات قبر أبي القاسم محمد بن عباد جلبه إليها يوسف بن تاشفين فلم يزل بها حتى مات وقبره هنالك معروف، وإياه عنى شاعره في تأبينه بقوله من قصيدة (9) : " وقل لعالمها السفلي " قد كتمت ... سريرة العالم العلوي أغمات من قصيدة مشهورة. ويسكنها (10) يهود تلك البلاد، وكان علي بن يوسف منع اليهود من سكنى مراكش فلا يدخلها أحد منهم إلا نهاراً ثم ينصرفون في العشية، وليس دخولهم إياها إلا لأموره وما يختص

_ (1) بروفنسال: وشارحة. (2) في الأصل: والفاكهة توصف ... الخ. (3) نزهة المشتاق: 49. (4) ص: العقود. (5) كذا هو الصواب: وبين مدينة السوس وأغمات ست مراحل (الإدريسي - د: 63) . (6) الإدريسي (د) : 66 - 67، والاستبصار: 207، وهو حديث خاص بأغمات وريكة، ولم يفرق المؤلف في هذه المادة بينهما. (7) الإدريسي والبكري: إيلان. (8) قارن بالبكري: 152. (9) هو ابن اللبانة، والقصيدة في القلائد: 29. (10) أي أإمات إيلان (الإدريسي - د: 69) .

إفريقية

به، ومتى عثر على أحد منهم بات بها استبيح ماله ودمه. افرندين موضع بالعراق بناحية المدائن. قال أنس بن الحليس (1) : بينا نحن محاصرون بهرسير أشرف علينا رسول فقال: إن الملك يقول لكم: هل إلى المصالحة سبيل على أن لنا ما بين دجلة وحملها ولكم ما يليكم من دجلة إلى حملكم، أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم. فبدر الناس الأسود بن قطبة وقد أنطقه الله عز وجل بما لا يدري ما هو ولا نحن، فأجابه بالفارسية ولا يعرف منها شيئاً ولا نحن، فرجع ورأيناهم يقطعون إلى المدائن، فقلنا: يا فلان ما قلت له؟ قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما أدري ما هو إلا أني غلبتني سكينة وأرجو أن أكون أنطقت بالذي هو خير وأتى الناس يسألونه حتى سمع ذلك سعد، فجاء فقال: يا أسود ما قلت لهم فوالله انهم لهراب، فحدثه مثل حديثه إيانا، فنادى بالناس ثم نهد بهم فما ظهر على المدينة أحد ولا خرج إلينا إلا رجل نادى بالأمان فأمناه، فقال: ما بقي أحد فيها فما يمنعكم، فتسورها الرجال وافتتحناها، فسألناهم وذلك الرجل لأي شيء هربوا، فقال: بعث إليكم الرجل فعرض عليكم الصلح، فأجبتموه أنه لا يكون بيننا وبينكم صلح أبداً حي نأكل عسل افرندين بأترج كوثى، فقال الملك: يا ويلاه ألا أرى الملائكة تكلم على ألسنتهم فترد علينا وتجيبنا عن العرب، والله لئن لم يكن كذلك ما هو إلا شيء ألقي على في هذا الرجل لننتهي، فأرزوا إلى المدينة القصوى. إفريقية (2) عمل كبير عظيم في غرب ديار مصر، سميت بافريقس بن أبرهة ملك اليمن لأنه غزاها وافتتحها، قيل كان بالشين المعجمة ثم عرب بالسين وقال قوم: معنى إفريقية صاحبة السماء، وقيل سميت بافريق بن إبراهيم عليه السلام من زوجه قطورا، وقيل أهل إفريقية من ولد فارق بن مصر. وطول إفريقية من برقة شرقاً إلى طنجة غرباً وعرضها من البحر إلى الشرق وبها يصاد الفنك الجيد ورووا عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ففصلوا فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شدة البرد الذي أصابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكن إفريقية أشد برداً وأعظم أجراً "، وفي رواية أخرى " إن البرد الشديد والأجر العظيم لأهل إفريقية "، وفي خبر آخر أنه عليه السلام قال: ينقطع الجهاد من البلدان كلها فلا يبقى إلا بموضع في المغرب يقال له إفريقية فبينما القوم بازاء عدوهم نظروا إلى الجبال قد سيرت فيخرون لله تبارك وتعالى سجداً فلا ينزع عنهم أخفافهم إلا خدامهم في الجنة ". وغزا إفريقية (3) عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وعشرين ومعه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر ومروان بن الحكم رضي الله عنهم وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسميت غزوة العباد أو العبادلة، وبرز جرجير ملك إفريقية لابن الزبير فقتله ابن الزبير رضي الله عنهما وحوى المسلمون غنائم كبيرة وبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، وغلبوا على كل مدينة فيها وفتحوها عنوة، وكان سلطان جرجير من طرابلس إلى طنجة، وكان جرجير لما عزم على لقاء المسلمين أخرج ديدبانه وهو منظر من خشب، وأمر ابنته فصعدت الديدبان وسفرت عن وجهها وكان معها أربعون خادماً في الحلي والحلل، وقدم كراديسه وهو تحت الديدبان وقال: والمسيح لا قتل عبد الله بن سعد رجل منكم إلا زوجته إياها وسقت إليه ما معها من الخدم والنعمة وأنزلته مني المنزلة التي لا يطمع فيها أحد عندي، وبلغ خبره عبد الله فقال لأهل عسكره: وحق محمد النبي صلى الله عليه وسلم لا قتل أحد منكم جرجير إلا نفلته ابنته وما معها، وكان في عشرين ألفاً وجرجير في عشرين ومائة ألف، وتزاحف الناس، ورأى ابن الزبير رضي الله عنهما عورة من جرجير - رآه خلف أصحابه منقطعاً عنهم على برذون أشهب معه جاريتان تظللانه بريش الطواويس - فدخل على عبد الله بن سعد من كسر خبائه وهو مستلق على فراشه يفكر في أمره فقال له: عورة من عدونا وخشيت الفوت فاخرج فاندب الناس، فخرج فقال: أيها الناس انتدبوا مع ابن الزبير إلى عدوكم، قال: فتسرع إلي جماعة أخذت منهم ثلاثين فارساً قلت: إني حامل فاصرفوا عن ظهري من أرادني فإني سأكفيكم ما أمامي إن شاء الله تعالى: ثم حمل في الوجه الذي هو فيه، وذبوا عنه وابتغوه، فخرق الصفوف إليه فحسب أنه رسول فلما رأى السلاح ثنى برذونه هارباً، وأدركته، قال: فطعنته فسقط ميتاً فرميت بنفسي عليه

_ (1) الطبري 1: 2429، وفيد افريذين، وفي النسخ والمصادر صور أخرى للكلمة (حاشة الطبري ص: 2430) . (2) البكري: 21. (3) قارن بما عند ابن عذاري 1: 9، وابن عبد الحكم: 183.

إفراغة

وألقت جاريتاه أنفسهما فقطعت يد إحداها، وأجهزت عليه ورفعت رأسه على رمحي، وجال أصحابه وحمل المسلمون في ناحيتي وكبروا فقتلوهم كيف شاءوا، وثارت الكمناء من كل ناحية وسبقت خيول المسلمين ورجالهم إلى حصن سبيطلة فمنعوهم من دخوله وركبهم المسلمون يميناً وشمالاً في السهل الوعر، فقتلوا أنجادهم وفرسانهم وأكثروا فيهم الأسر حتى لقد كنت أرى في الموضع الواحد ألف أسير. وذكر أشياخ من أهل إفريقية أن ابنة جرجير لما أشرفت على العرب في عسكرهم قالت لأبيها: لا تسرف في قتل هؤلاء ونفلنيهم، قال: قد نحلتك إياهم. فلما قتل أبوها تنازع الناس في قتله وهي تنظر، فقالت: ما للعرب يتنازعون؟ قيل لها: يتنازعون في قتل أبيك، فبكت وقالت: قد رأيت الذي أدرك أبي فقتله، فقال لها عبد الله بن أبي سرح الأمير: هل تعرفينه؟ قالت: إذا رأيته عرفته، فأخذ عبد الله الناس بالعرض فمروا بين يديها حتى مر عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فقالت: هذا قاتل أبي، فقال له ابن أبي سرح: كتمت عني قتلك أباها يا أبا بكر، فقال: قد علمه الذي قتلته له، فنفله ابن أبي السرح ابنة الملك فاتخذها أم ولد، وكان ابن الزبير رضي الله عنهما في ذلك الوقت ابن بضع وعشرين سنة، ونزل ابن أبى سرح على باب المدينة فحصرها بمن معه حصاراً شديداً حتى فتحها، فأصاب فيها شيئاً كثيراً وأصاب أكثر أموالهم الذهب والفضة، وهو الذي افترع إفريقية، فكانت توضع بين يديه أكوام الذهب والفضة، فقال للأفارق: من أين لكم هذا؟ فجعل رجل منهم يلتمس شيئاً في الأرض حتى جاء بنواة زيتون فقال: من هذا أصبنا الأموال لأن أهل هذا البحر ليس لهم زيت فكانوا يأتوننا يشترون الزيت منا، وكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار هرقلي وسهم الراجل ألف ديار وبث ابن أبي سرح السرايا والغارات من مدينة سبيطلة فبلغت خيله قصور قفصة فسبوا وغنموا وحازوها إلى مرماجنة، فأذلت تلك الوقعة الروم بإفريقية وأصابهم رعب شديد، فلجأوا إلى الحصون والقلاع، واجتمع أكثرهم بقصر الأجم، فطلبوا من عبد الله بن أبي سرح أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار ذهباً على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم، فقبل ذلك منهم وقبض المال، وكان في شرط صلحهم أن ما أصاب المسلمون من قبل الصلح فهو لهم وما أصابوه بعد الصلح ردوه لهم. ودعا عبد الله بن سعد الأمير عبد الله بن الزبير فقال: ما أحد أحق بالبشارة منك فبشر أمير المؤمنين والمسلمين بالمدينة بما أفاء الله تعالى عليهم، فتوجه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فبعض الناس يقول: دخل المدينة من سبيطلة في ثماني عشرة ليلة، ومنهم من يقول: وافى المدينة في أربعة وعشرين يوماً من خروجه من سبيطلة. ثم انصرف ابن أبي سرح من إفريقية بعد إقامته بها ستة أشهر راجعاً إلى مصر ووصل إلى المدينة فبيع المغنم، فصفق مروان بن الحكم على الخمس وهي خمسمائة ألف دينار فوضعه عثمان رضي الله عنه، فكان ذلك من أسباب القول في عثمان رضي الله عنه وآل الأمر إلى قتله وما تبع ذلك من الفتن، وأصاب الناس ما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى عنه عمرو بن العاص رضي الله عنه من دخول إفريقية في عهده لأنها مفرقة غير مجمعة وأن ماءها قاس ما شربه أحد من المسلمين إلا اختلفت قلوبهم، فلما دخلوها وشربوا ماءها قتلوا خليفتهم عثمان رضي الله عنه، ثم كانت الفتن. وقال أبو عبيد: لما فتح عمرو بن العاص رضي الله عنه طرابلس كتب إلى عمر رضي الله عنه بما فتح الله عليه وأنه ليس أمامه إلا إفريقية، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: إذا ورد عليك كتابي هذا فاطو دواوينك ورد علي جندي، ولا تدخل إفريقية في شيء من عهدي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إفريقية مفرقة لأهلها غير مجمعة، ماؤها قاس ما شربه أحد من المسلمين إلا اختلفت قلوبهم "، فأمر عمرو بن العاص رضي الله عنه العسكر بالرحيل قافلاً وفي رواية ان عمر رضي الله عنه كتب إليه: إنها ليست بإفريقية ولكنها المفرقة غادرة مغدور بها لا يغزوها أحد ما بقيت. إفراغة (1) مدينة بغربي لاردة من الأندلس بينهما ثمانية عشر ميلاً، وهي على نهر الزيتون حسنة البناء لها حصن منيع لا يرام وبساتين كثيرة لا نظير لها. وحاصرها العدو في جمع كثيف وآلى زعيمهم ابن رذمير على نفسه ألا يبرح حتى يأخذها عنوة، وذلك سنة ثمان وعشرين وخمسمائة في شهر رمضان منها، فنهد إليه يحيى بن علي بعزمة صادقة ونية صحيحة في جموعه فلقاه الله تعالى بركتها وأجناه

_ (1) (Fraga) .

أفسيس أو أفسميس أو أفسبين

ثمرتها وهزمه بعد أن قتل أكثر رجاله والجملة التي بها كان يصول من أبطاله، وفر اللعين وسيوف المجاهدين تأخذ منه، وعزيمتهم لا تقلع عنه، إلى أن أوى إلى حصن خرب في رأس جبل شاهق مع الفل الذي بقي معه بعد الامساء وأحدق المسلمون تلك الليلة بذلك الحصن يرقبونه ولما أيقن أنه سيصطلم إن أقام هناك تسلل في ظلمة الليل من ذلك الموضع واتخذ الليل جملاً، وإذا رأى غير شيء ظنه رجلاً، وانصرف المسلمون مغتبطين بغنيمتهم وأجرهم، وكان ذلك سبباً لبقائها بأيدي المسلمين إلى أن ينقضي أجل الكتاب ففي صفة الحال يقول شاعر الشرق في وقعة يحيى بن علي هذه أبو جعفر ابن وضاح المرسي من قصيدة يمدحه بها: شمرت برديك لما أسبل الواني ... وشب منك الأعادي نار غيان دلفت في غابة الخطي نحوهم ... كالعين يهفو عليها وطف أجفان عقرتهم بسيوف الهند مصلتة ... كأنما شرقوا منها بغدران هون عليك سوى قوم قتلتهم ... من يكسر النبع لم يعجز عن البان أودى الصميم وعاقت عن بقيتهم ... مقادر أغمدت أسياف شجعان وقفت والجيش عقد منك منتثر ... إلا فرائد أشياخ وشبان والخيل تنحط من وقع الرماح بها ... كأن تصهالها ترجيع ألحان في أبيات غير هذه. أفسيس أو أفسميس أو أفسبين (1) مدينة في رستاق من عمل من الأعمال التي دون خليج القسطنطينية من جهة بلاد الأرمن، وكانت مدينة أفسيس هذه على البحر الرومي فبعد البحر عنها وخربت وأحدثت مدينة على نحو ميل منها، فبعض الناس يقول أصحاب الكهف غير أصحاب الرقيم وكلا موضعيهما بأرض الروم. وذكر محمد بن موسى المنجم (2) حين أنفذه الواثق إلى بلاد الروم أنه أشرف على أصحاب الرقيم بخرمة (3) من بلاد الروم، ويقال إن أفسيس هذه هي مدينة أصحاب الكهف، قالوا: وهم في كهف في رستاق بين عمورية ونيقية، وهذا الكهف في جبل علوه (4) أقل من ألف ذراع وله سرب من وجه الأرض ينفذ إلى الموضع الذي فيه أصحاب الكهف، وفي أعلى الجبل شبيه بالبئر ينزل فيها إلى باب السرب ويمشي فيه مقدار ثلثمائة خطوة ثم يفضي منه إلى ضوء، وهناك رواق على أساطين منقورة فيه عدة أبيات منها بيت مرتفع العتبة مقدار القامة، عليه باب حجارة منقورة وفيه الموتى وهم أصحاب الرقيم وعددهم سبعة، وهم نيام على جنوبهم، وهي مطلية بالصبر والمر والكافور، عند أرجلهم كلب دائر في استدارة رأسه عند ذنبه ولم يبق منه إلا القحف وأكثر أعظمه باقية حتى لا يخفى منه شيء. قال مؤلف نزهة المشتاق (5) : ووهم أهل الأندلس في أصحاب الرقيم حين زعموا أن أصحاب الرقيم هم الشهداء الذين هم في مدينة لوشة، قال ورأيت القوم في هذا الكهف عام عشرة وخمسمائة فنزلنا إليهم من فم بئر عمقها نحو من قامة وزائد، ومشينا في سرب فيه ظلمة خطوات قلائل ثم اتسع الغار فألفينا هناك الموتى وهم رقود على جنوبهم وعددهم سبعة وعند أرجلهم كلب ملتو، وقد ذهب لحمه وجلده وبقيت عظامه في فقاراته كما هي في الحياة، ولا يعلم أحد في أي زمن دخلوا هذا الكهف أو ادخلوا إليه، وأول رجل يلفى منهم له خلق عظيم ورأس كبير، وأهل الأندلس يقولون إن هؤلاء القوم الذين في هذا الكهف هم أصحاب الكهف، والصحيح ان أصحاب الكهف من قدمنا ذكرهم وفي ذكرنا في الرقيم في حرف الراء بعض خبرهم أيضاً فتأمله.

_ (1) في الأصل: أقشين أو أمشين أو أقشبين، وانظر ابن خرداذبه: 106، وعند ياقوت: أفسوس، وفي نزهة المشتاق: أقسمين. (2) انظر ياقوت: ((الرقيم)) ، وابن خرداذبه: 106، والتنبيه: 134. (3) ع: بحارطي، وسقطت من: ص، المروج: حارمي؛ التنبيه: خارمي. (4) ابن خرداذبه: قطر أسفله. (5) نزهة المشتاق: 256.

إفرنجة

إفليل مدينة برأس عين من أرض الجزيرة ما بين دجلة والموصل منها أبو القاسم إبراهيم بن محمد الإفليلي (1) من ولد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، كان صدراً في علم الأدب يقرأ عليه ويختلف فيه إليه، وله رواية. افرن بناحية الأربس (2) من البلاد الإفريقية، وهما: افرن الكبرى وافرن الصغرى، وإلى الكبرى منهما انتهى أحمد بن مرزوق (3) الثائر بإفريقية في طلب عبد العزيز بن ابراهيم فوجد الجموع وأخلاط الناس قد سبقوا إليه وأحاطوا به فقتلوه ونهبوا المحلة ورجع أحمد هذا غانماً إلى تونس. إفرنجة (4) في وسط الإقليم الخامس، هواؤها غليظ لشدة بردها، ومصيفها معتدل، وهي بلاد كثيرة الفاكهة غزيرة الأنهار المنبعثة من ذوب الثلج، ومدائنها متقنة الأسوار محكمة البناء، وآخر حدودها بحر الشام (5) والبحر المحيط بجوفها وتتصل ببلاد رومة أيضاً من ناحية القبلة، وتتصل أيضاً من ناحية الجوف ببلاد القالبة بينهما شعراء ملتفة مسيرة الأيام الكثيرة، وتتصل في الشرق بالقالبة أيضاً، وتتصل في الغرب بالبش كنس، وتتمادى أعمال إفرنجة في الطول والعرض مسيرة شهرين في شهرين، ويحجز بين بلاد إفرنجة وبلد الصقالبة من الجوف والشرق الجبل المعترض بين البحرين، فيتمادى بلد الأفرنج مع ساحل البحر الشامي حتى يلزق بجزيرة رومة (6) ، ويتمادى مع الجبل المعترض في الجوف إلى البحر المحيط ويتصل بالصقالبة بلاد المجوس المعروفين بالانقلش (7) ، وسيوف افرنجة تفوق سيوف الهند، ومنها يرد الرقيق النفيس وإليها يرد الرقيق من بلاد الصقالبة (8) ولا يكاد يرى ببلد افرنجة زمن ولا ذو عاهة، والزنا في غير ذوات الأزواج عند الافرنج غير منكر، وإذا حلف أميرهم أو كبيرهم حانثاً استهانوه ولم يزالوا يعيرونه بذلك، وأبناء الأشراف عندهم يسترضعون في الأباعد ولا يعرف الابن أبويه حتى يعقل وإذا عقل رد إليهما فيراهما كالسيدين ويكون لهما كالعبد. وكانت مملكتهم مجتمعة وأمرهم ملتئماً حتى ثار على (9) رجل منهم يسمى قارله، قومس (10) يقال له ردبيرت (11) وذلك في عهد الإمام عبد الله، فحشد له قارله وزحف بعضهما إلى بعض فقتله قارله وأسر أصحاب ردبيرت قارله فمكث عندهم أسيراً أربعة أعوام ثم هلك بأيديهم فافترق ملكهم واقتسم. والافرنجة من ولد يافث هم والجلالقة والصقالبة والنوكبرد والاشبان والترك والخزر وبرجان واللان ويأجوج ومأجوج، والافرنجة تدين بدين النصرانية برأي الملكية منهم، ودار ملكهم الآن بويرة (12) وهي مدينة عظيمة ولهم من المدائن نحو من خمسين ومائة مدينة، وقد كانت مملكتهم قبل ظهور الإسلام بإفريقية وجزيرة صقلية وجزيرة اقريطش، والافرنجة أكثر هذه الأمة عدة وأحسنهم انقياداً لملوكهم وأكثرهم مدداً وأول ملوكهم قلوديه (13) وهو أول من تنصر، وكانوا مجوساً، فنصرته امرأته واسمها قلوطلد (14) . ويحكى أن موسى لما غزا الأندلس أراد أن يخرق ما بقي عليه من بلاد افرنجة ويفتح الأرض الكبيرة حتى يتصل بالناس إلى الشام مؤملاً أن يتخذ مخترقه تلك الأرض طريقاً مهيعاً يسلكه أهل الأندلس في مسيرهم ومجيئهم من المشرق وإليه على البر لا يركبون بحراً وأنه أوغل في بلاد افرنجة حتى انتهى إلى مغارة كبيرة وأرض سهلة ذات آثار فأصاب فيها صنماً عظيماً قائماً كالسارية مكتوباً فيه بالنقر كتابة عربية قرئت فإذا هي: يا بني إسماعيل انتهيتم فارجعوا فهاله ذلك وقال: ما كتب هذا إلا لمعنى، وشاور أصحابه في الإعراض عنه وجوازه إلى ما وراءه، فاختلفوا عليه، فأخذ برأي جمهورهم وانصرف بالناس وقد أشرفوا على قطع البلد وتقصي الغاية.

_ (1) ابن خلكان 1:51. (2) في الأصل: الأرسن. (3) أحمد بن مرزوق: أكبر الظن أنه الثائر الذي ادعى أنه الفضل بن الواثق الحفصي وقد بويع بتونس في 27 شوّال 681 وقتل سنة 683، وقد أنخى عليه ابن قنفذ فيكتابه: الفارسية 143 - 145، وانظر أيضاً تاريخ الدولتين: 37 وما بعدها. (4) بروفنسال: 26 والترجمة: 32 والبكري (ح) : 137. (5) بروفنسال: بحر الشام بقبليها. (6) زاد في بروفنسال: وبلاد لنقبرذية. (7) زيادة في بروفنسال. (8) روفنسال: ومنها يرد الرقيق من بلاد الصقالبة. (9) في الأصل: عليهم. (10) زاد في بروفنسال: مع ملك. (11) في الأصل: رد بينرت، وهو روبرت الأول الذي توج في ريمس سنة 922 (بروفنسال) . (12) في الأصل: نويرة، وعند بروفنسال: لوذون (Lyon) . (13) قلوديه: (Clovis) . (14) في الأصل: عرطله، وهي: (Clotide) .

اقنت

افكان (1) مدينة بين تلمسان وتنس وبها أرحاء وحمامات وقصور وفواكه كثيرة وعليها سور تراب تهدم وبقي الآن أثره، وواديها يشقها بنصفين ويمضي منها إلى تيهرت. اقريطش (2) جزيرة في البحر الشامي، وهي جزيرة عامرة كثيرة الخصب وبها مدن عامرة ودورها خمسة عشر يوماً وبينها وبين ساحل البحر يوم وليلة، وقال هرشيوش: طولها مائة واثنان وسبعون ميلاً في عرض خمسين ميلاً، وقال غيره: دور أقريطش ثمانمائة ميل. وقال آخرون: طولها من الشرق إلى الغرب ثلثمائة ميل ويقال هي مجريان ونصف وبينها وبين الأرض الكبيرة ستون ميلاً من ناحية الغرب ومن شرقيها إلى الأرض الكبيرة يومان، والأرض الكبيرة هي أرض الروم التي تتصل بالشام. ونظر اقريطش إلى صاحب القسطنطينية، وبينها وبين جزيرة صقلية مسيرة تسعمائة ميل وفيها من المدن مدينة ربض الخندق، وبها معدن ذهب وأشجار وفواكه وفي أجبلها الوعول الكثيرة وقيل طولها من الشرق إلى الغرب اثنا عشر يوماً في ستة أيام. وبين اقريطش وجزيرة قبرس أربعة مجار، وسميت اقريطش لأن أول من عمرها رجل يقال له قراطي، وتسمى أيضاً اقريطش البتربلش وترجمته مائة مدينة، وكذلك كان بها مائة مدينة وباقريطش أول ما استنبطت صناعة الموسيقى، وهي كثيرة المعز وليس بها إبل ولا سبع ولا ثعلب ولا غيرها من الدواب الدابة بالليل ولا فيها حية وإذا دخلت فيها ماتت في ذلك العام، وهي كثيرة الكروم والأشجار، ومراسيها من ناحية الشرق مرسى الفتوح وهو مرسى مشتى لا نظير له في موضع، ومراس كثيرة لا حاجة إلى ذكرها. وذكر عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة، ان عبد الله بن سعد بن أبي سرح افتتح جزيرة اقريطش وكان غزا بامرأته قتيلة بنت عمرو بن عبد كلال في البحر، فرأت في المغانم خاتماً أعجبها فسألت عبد الله بن سعد أن يعطيها الخاتم فقال: لا أستطيع إنما هو للمسلمين ولكن إن أردت أن تشتريه فاشتريه. ولما جرى على أهل الأندلس من الربض أيام الحكم بن هشام ما جرى خرج منهم عدد عظيم فنزل منهم طوائف ساحل البربر واستوطنوها، وذهبت أيضاً منهم فرق نحو المشرق فلحقوا بمدينة الإسكندرية وهم أزيد من عشرة آلاف ولهم هناك أثر باق إلى اليوم فثاروا بالإسكندرانيين ثورة أهلكت منهم خلقاً كثيراً، وتملك الأندلسيون الإسكندرية، وكان سبب ثورة الأندلسيين بهم أن قصاباً منهم رمى وجه رجل من الأندلسيين بكرش فأنفوا من ذلك وصاروا إلى ما صاروا إليه، ثم صالحهم عامل من عمال العباسية بمصر على أن ينزلوا حيث شاءوا من أطراف الإسكندرية ومصر فاختاروا جزيرة اقريطش فتحملوا إليها ونزلوها وتملكوها، وكان الأمير منهم أبو حفص عمر بن عيسى وولده بعده فكانت مدة تملكهم لها نحو ثمانين سنة، وغزاها الطاغية سنة خمس وأربعين وثلثمائة، فغلب على مدينتها بعد حصار طويل، وامتنعت عليه منها حينئذ حصون كثيرة ثم استولى على جميعها بعد حين، فجميع من بقي باقريطش من المسلمين إنما هم تحت حكم النصارى. وكان باقريطش علماء جلة من الأندلسيين منهم الفتح بن العلاء قاضيها وإسحاق بن سالم وموسى بن عبد الملك ومحمد بن عمر أخو يحيى بن عمر المعروف بابن أبي الدوانق ثم خرج إلى مصر وبها توفي، وإسماعيل بن بدر وابنه محمد وابن ابنه إسماعيل ابن محمد، وهلك إسماعيل هذا في الحصار وأصاب العدو أهله وماله. وممن شهر بالعلم من ذرية أبي حفص: عمر بن عيسى بن محمد بن يوسف بن أبي حفص وله كتاب في معاني القرآن وغرائبه، ألفه في حبس القسطنطينية يدل على علمه باللسان واتساع باعه في العلم. وباقريطش الافثيمون الذي لا يعدل به ولا عوض عنه في جميع البلاد. اقنت (3) مدينة في أرض الحبشة على الساحل في الجنوب وهي صغيرة وأكثرها خراب وأهلها قليل وأكلهم الذرة والشعير وسمكهم موجود وصيدهم كثير، وعامة أهلها يعيشون من لحوم الصدف المتكون في أقاصير بحرهم يملحونه ويصيرونه إداماً لهم. اقليش (4) مدينة لها حصن في ثغر الأندلس، وهي قاعدة كور شنتبرية وهي محدثة بناها الفتح بن موسى بن ذي النون وفيها كانت ثورته وظهوره في سنة ستين ومائة، ثم اختار اقليش داراً

_ (1) الإدريسي (ب/ د) : 56/ 82. (2) نزهة المشتاق: 193 وياقوت ((اقريطش)) ، وصبح الأعشى 5: 371. (3) الإدريسي (د) : 25. (4) بروفنسال: 28 والترجمة: 35 (Ueles) .

اقليبيا

وقراراً فبناها ومدنها وهي على نهر منبعث من عين على رأس المدينة فيعم جميعها ومنه ماء حمامها ومن العجائب البلاط الأوسط من مسجد جامع اقليش فإن طول كل جائزة من جوائزه مائة شبر وأحد عشر شبراً وهي مربعة منحوتة مستوية الأطراف. اقليبيا (1) مدينة كبيرة قديمة على ساحل البحر بأقصى جزيرة شريك قبلي مدينة تونس إلا أنها خربت ولم يبق منها الآن إلا قلعتها في قنة جبل وبقية سورها القائم على الساحل ظاهر اليوم وبينه وبين القلعة مسافة، وهي على نظر واسع وعمل كبير وعمارات عريضة وجبايات واسعة، والسفن تقصدها للميرة ولها مرسى، وجبل ادار قريب منها. أقش (2) مدينة هي كانت قاعدة الجليقيين بينها وبين ليوزذال ثلاثون ميلاً، وكانت أقش قبل هذا منسوبة إلى غرسية بن لب، وهي مبنية بالصخر المربع الكبير، وهي على نهر كبير يدخل منه المجوس بمراكبهم إليهم، وفي المدينة حمة غزيرة الماء واسعة الفضاء يستحم أهلها في جنباتها على بعد من عنصرها لشدة سخونته. اقيانس (3) هو اسم لبحر الظلمات ويقال له البحر الأخضر والمحيط الذي لا يدرك له غاية ولا يحاط بمقداره ولا فيه حيوان، وهو الذي يخرج منه البحر الرومي الذي هو بحر الشام ومصر والمغرب والأندلس، فإنه خليج يخرج من هذا البحر وقد خاطر بنفسه خشخاش من الأندلس، وكان من فتيان قرطبة، في جماعة من أحداثها فركبوا مراكب استعدوها ودخلوا هذا البحر وغابوا فيه مدة ثم أتوا بغنائم واسعة وأخبار مشهورة. وإنما يركب من هذا البحر ما يلي المغرب والشمال وذلك من أقاصي بلاد السودان إلى برطانية وهي الجزيرة العظمى التي في أقصى الشمال، وفيه ست جزائر تقابل بلاد السودان تسمى الخالدات ثم لا يعرف أحد ما بعد ذلك، وستأتي إن شاء الله تعالى حكاية أخرى عمن دخل هذا البحر أطول من هذه في موضعها في ذكر الأشبونة. اسكر (4) قرية من أعمال مصر، ويقال إنها القرية التي ولد فيها موسى بن عمران عليه السلام قال حسين بن الاسكري المصري (5) : كنت في جلاس تميم بن أبي تميم ومن يخف عليه جداً قال: فأرسل إلى بغداد فابتيعت له جارية رائقة فائقة الغناء، فلما وصلت إليه دعا جلساءه وكنت فيهم ثم مدت الستارة وأمر بالغناء فغنت: وبدا له من بعدما اندمل الهوى ... برق تألق موهناً لمعانه يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه وبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظراً إليه وصده سجانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سحت به أجفانه فطرب الأمير تميم ومن حضره، ثم غنت: سيسليك عما فات دولة مفضل ... أوائله محمودة وأواخره ثنى الله عطفيه وألف شخصه ... على البر مذ شدت عليه مآزره قال: فطرب تميم أشد من الأول، ثم غنت: أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه قال: فاشتد طرب تميم وأفرط جداً ثم قال لها: تمني ما شئت فقالت: أتمنى عافية الأمير وسعادته، فقال: والله لا بد لك من التمني، قالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى قال: نعم،

_ (1) اقليبية (بالتاء المربوطة) عند البكري: 45 والإدريسي (د) : 125. (2) بروفنسال: 28 والترجمة: 35، ويبدو من وصف المؤلف لهذه المدينة أنها تقابل (Lugo) البلدة الرئيسية في مقاطعة جلقية، وكانت في القديم تسمى (Lucus Augusti) وربما قرئت ((لقش)) . (3) بروفنسال: 28 والترجمة: 36، والبكري (مخ) : 34. (4) ترد بالشين ((أشكر)) في بعض المصادر. (5) جذوة المقتبس: 66 والمطرب: 62.

استجة

فقالت: أتمنى أن أغني هذه النوبة ببغداد، قال: فامتقع لون تميم وتغير وجهه وتكدر المجلس، وقام وقمنا، قال ابن الاسكري: فلحقني بعض خدمه وقال: ارجع فالأمير يدعوك، فرجعت فوجدته جالساً ينتظرني، فسلمت وقمت بين يديه، فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به! فقلت: نعم أيها الأمير، قال: لا بد لنا من الوفاء وما أثق في هذا بغيرك فتأهب لتجلبها إلى بغداد فإذا غنت هناك فاصرفها، قلت: سمعاً وطاعة، قال: ثم قمت وتأهبت، وأمرها بالتأهب وأصحبها جارية لها سوداء تخدمها وأمر بناقة ومحمل فأدخلت فيه وحملتها معي وسرت إلى مكة مع القافلة فقضينا حجنا ثم دخلنا قافلة العراق وسرنا، فلما وردنا القادسية أتتني السوداء فقالت: تقول لك سيدتي أين نحن؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية، فانصرفت إليها فأخبرتها، فلم أنشب أن سمعت صوتها قد ارتفع بالغناء تقول: لما وردنا القادسية حيث مجتمع الرفاق ... وشممت من أرض الحجاز نسيم أنفاس العراق ... أيقنت لي ولمن أحب بجمع شمل واتفاق ... وضحكت من فرح اللقاء كما بكيت من الفراق ... ما بيننا إلا تصرم هذه السبع البواقي ... حتى يطول حديثنا بصنوف ما كنا نلاقي ... فتصايح الناس من أقطار القافلة: بالله أعيدي، قال: فما سمع لها كلمة، قال: ثم نزلنا الياسرية وبينها وبين بغداد خمسة أميال في بساتين متصلة ينزل الناس بها فيبيتون ليلتهم ثم يبكرون لدخول بغداد، فلما كان قرب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورة فقلت: ما لك. قالت: إن سيدتي ليست بحاضرة، فقلت: ويلك وأين هي؟ قالت: والله ما أدري، قال: فلم أحس لها أثراً بعد ذلك. ودخلت بغداد وقضيت حوائجي بها وانصرفت إلى تميم فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه واغتم له ثم ما زال بعد ذلك واجماً عليها. استجة (1) بين القبلة والمغرب من قرطبة، بينهما مرحلة كاملة، وهي مدينة قديمة لم يزل أهلها في جاهلية وإسلام على انحراف وخروج عن الطاعة، ومعنى هذا الاسم عندهم جمعت الفوائد، وفي أخبار الحدثان انه كان يقال: استجة البغي مذكورة باللعنة والخزي، يذهب خيارها ويبقى شرارها. وكانت هيئتها التي ألفاها عليها طارق بن زياد أن سورها كان قد عقد بسورين أحدهما صخر أبيض والثاني صخر أحمر بأجمل صنعة وأحكم بناء، وردم بينهما وسوي ووضع في موضع الشرفات من المرمر صور بني آدم من كل الجهات تواجه القاصد نحوها فلا يشك الناظر أنها رجال وقوف. وكان لها من الأبواب: باب القنطرة شرقي، باب اشبونة قبلي، باب رزق غربي، باب السويقة جوفي، وغير ذلك من الأبواب، والمدينة مبنية على الرصيف الأعظم المسلوك عليه من البحر إلى البحر، وكانت استجة واسعة الأرباض ذات أسواق عامرة وفنادق جمة وجامعها في ربضها مبني بالصخر له خمس بلاطات على أعمدة رخام وتجاوره كنيسة للنصارى. وباستجة آثار كثيرة ورسوم تحت الأرض موجودة، وهي منفسحة الخطة عذبة الأرض زكية الريع كثيرة الثمار والبساتين نضيرة الفواكه والزروع، ولها أقاليم خمسة. وكان أهل استجة ممن خلع وخالف فافتتحها عبد الرحمن بن محمد على يد بدر الحاجب سنة ثلاثمائة فهدم سورها ووضع بالأرض قواعدها وألحق أعاليها بأسافلها وهدم قنطرة نهرها وفي ذلك يقول أحمد بن محمد بن عبد ربه: ألا انه فتح يقر له الفتح ... فأوله سعد وآخره نجح سرى القائد الميمون خير سرية ... تقدمها نصر وتابعها فتح ألم تره أردى باستجة العدى ... فلاقوا عذاباً كان موعده الصبح فلا عهد للمراق من بعد هذه ... يتم لهم عند الإمام ولا صلح تولوا عباديداً بكل ثنية ... وقد مسهم قرح وما مسنا قرح وبين استجة ومرشانة عشرون ميلاً وكذلك بينها وبين قرمونة.

_ (1) بروفنسال: 14 والترجمة: 20 (Ecija) .

إسكندرية

إسكندرية (1) مدينة عظيمة من ديار مصر بناها الإسكندر بن فيلبش فنسبت إليه، وهي على ساحل البحر الملح، وذلك أن الإسكندر لما استقام له الملك في بلاده وهي رومة وما والاها من بلاد الروم وكان رومياً فيما يقال خرج يختار أرضاً صحيحة الهواء والتربة والماء ليبني فيها مدينة يسكنها فأتى موضع الإسكندرية فأصاب فيها أثر بنيان وعمد رخام منها عمود عظيم عليه مكتوب بالقلم المسند وهو القلم الأول من أقلام حمير وملوك عاد: أنا شداد بن عاد، شددت بساعدي الواد، وقطعت عظيم العماد، وشوامخ الجبال والأطواد، وبنيت إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وأردت أن أبني هنا مدينة كإرم، وانقل إليها كل ذي قدم، من القبائل والأمم، فأصابني ما أعجلني، وعما ذهبت إليه قطعني، فارتحلت عن هذه الدار، لا لقهر ملك جبار، ولا لخوف جيش جرار، ولكن لتمام المقدار، وانقطاع الآثار، وسلطان العزيز الجبار، فمن رأى أثري، وعرف خبري، وطول عمري، فلا يغتر بالدنيا بعدي. فلما رأى الإسكندر طيب أرض ذلك المكان وصحة هوائه ومائه عزم على بناء مدينة في ذلك الموضع، فبعث إلى البلاد فحشد الصناع واختط الأساس واستجلب العمد الرخام وأنواع المرمر الملون والأحجار في البحر من جزيرة صقلية وبلاد إفريقية واقريطش، فبناها على آزاج وطبقات قد عمل لها مخاريق ومتنفسات للضوء يسير الفارس وبيده رمح فيه فلا يضيق عليه منها طريق من تلك الآزاج حتى يدور جميع بلد الإسكندرية وكانت أسواقها مقنطرة كلها فلا يصيب أهلها المطر، وبنى أسوارها من أنواع الرخام الأبيض والملون وكذلك جميع قصورها ودورها فكانت تضيء بالليل بغير مصباح لشدة بياض الرخام وربما علق على أسوارها وقصورها شقق الحرير الأخضر لاختطاف بياضها أبصار الناس، وبنى عليها سبعة أسوار أمام كل سور خندق وسور فصيل، فيقال إنها كانت أعظم مدينة بنيت في معمور الأرض وأغربها بنياناً. وبنى المنار الذي ليس على قرار الأرض مثله على طرف اللسان الداخل في البحر من البر وجعله على كرسي من زجاج على هيئة السرطان في جوف البحر، وجعل طوله في الهواء ألف ذراع وجعل في أعلاه المرآة، وكانت المرآة قد ركبت من أخلاط عجيبة غريبة فيبصر فيها ما يأتي من مراكب العدو على مسيرة أيام فيتأهب لهم فإن قربت المراكب من البلد عملت أخلاط بأدهان يعرفونها وطليت بها المرآة وعكس شعاعها على تلك المراكب فأحرقها وجعل في المنار تماثيل من نحاس وطلاسم كثيرة تمنع وتدفع ولها خواص، منها تمثال مشير بيده نحو العدو فإذا صار منه على مقدار ليلة فإن دنا وأمكن أن يرى بالبصر سمع لذلك التمثال صوت هائل على ميلين وثلاثة، وتمثال آخر كلما مضى من الليل أو من النهار ساعة سمع له صوت طرب بخلاف الصوت الذي كان منه قبل ذلك، فمن الناس من يرى أن هذه المنارة من بناء الإسكندر ومنهم من يرى أن دلوكة الملكة بنتها ومنهم من يرى أن جيرون الملك بناها، وقيل إن الذي بنى الأهرام بمصر بناها، وقيل الذي بنى رومة بناها وبنى الإسكندرية، قال: وإنما أضيفت إلى الإسكندر لسكناه بها وغلبته على ممالك الأرض، وقيل إن الإسكندر كان لا يخاف أن يطرقه عدو في البحر ولا يهاب ملكاً فيجعل لذلك مرقباً وحراساً، وقيل إن أول من ملك الإسكندرية فرعون واتخذ فيها مصانع ومجالس وهو أول من عمرها ثم تداولتها الملوك من بعده، وأن سليمان عليه السلام اتخذها مسكناً وبنى فيها قصوراً ومصانع عجيبة من بناء الجن له وبنى في المنار مسجداً متقناً هو باق إلى الآن، والأصح أن الإسكندر بناها من أولها واختط أساسها وبنى المنار فيها وعمل المرآة في أعلاها، فيقال إنه ما ظهر العدو في البحر إلا بعد زوال تلك المرآة، وكان ملك الروم أعمل الحيلة في زوال المرآة من المنار: فبعث خادماً من خواص خدمه ذا دهاء ومعرفة، فجاء مستأمناً إلى بعض الثغور فحمل إلى الوليد فأعلمه أنه كان من خواص ملك الروم وأنه أراد قتله لموجدة لم يكن لها حقيقة وأنه هرب منه ورغب في الإسلام، فأسلم بين يدي الوليد وأظهر له النصح في أشياء خدمه فيها ثم إنه استخرج له دفائن في دمشق وغيرها من بلاد الشام بكتب كانت عنده، فلما رأى ذلك الوليد شرهت نفسه وتمكن طمعه وباحثه عما عنده من هذا الفن فقال: إن الإسكندر استولى على ممالك العالم واحتوى على الأموال والذخائر التي كانت لشداد بن عاد وغيره من ملوك العرب والعجم فبنى لها الآزاج والسرادب والأقباء وأودعها تلك الذخائر والأموال والجواهر ثم بنى فوقها تلك المنارة التي بالإسكندرية فلو هدم ذلك المنار لاستخرج من تحته من الأموال والذخائر التي كانت لشداد بن عاد. فصدق ذلك الوليد وطمع فيه وبعث من خواصه من يقف معه على هدم المنار، وأمر صاحب الإسكندرية

_ (1) الاستبصار: 91 وما بعدها والمصادر في الحاشية.

أن يعينه على جميع ما يريد، فهدم ذلك الرومي قدر نصف المنار فأزال المرآة التي كانت غرضه وأراد هدم الكل فضج أهل الإسكندرية وعلموا أنها مكيدة وحيلة، فلما استفاض ذلك خشي الرومي على نفسه فهرب في الليل في مركب كان قد أعده لذلك الوقت، وبقيت المنارة على ذلك المقدار. وارتفاع هذا المنار ثلثمائة ذراع بالرشاشي (1) وهو ثلاثة أشبار، وأمر الإسكندرية ومنارها أشهر من أن يطال الكتاب بذكره، وبين الإسكندرية والمنارة في البحر ميل وفي البر ثلاثة أميال. والإسكندرية من عمالة مصر قاعدة من قواعدها، وأرض مصر تتصل حدودها من جهة الجنوب ببلاد النوبة ومن جهة الشمال بالبحر الشامي ومن جهة الشام بفحص التيه ومن جهة الشرق ببحر القلزم ومن جهة الغرب ببلاد الواحات. فأما المنار اليوم فهو ثلاثة أحزم، الأول مربع البناء قد عمل أحسن عمل بحجارة مربعة قد أخفي الصاقها حتى صارت كالحجر الواحد لم يغيره الزمان، وارتفاعه ثلثمائة ذراع وعشرون ذراعاً ثم ترك في أعلاه قدر غلظ الحائط وهو ثمانية أشبار ونحو عشرة أذرع سوى الغلط ورفع ما بقي من البناء مثمن الشكل طوله ثمانون ذراعاً ثم ترك غلظ حائطه وهو أقل من غلظ الأسفل وهو ثمانية اذرع سوى ذلك، ثم أقيم عليه بناء مربع الشكل ارتفاعه خمسون ذراعاً أو نحوها، وفي أعلى ذلك مسجد ينسب لسليمان عليه السلام وفي الناحية الشمالية من البناء كتابة بالنحاس لم يقدر أحد على فكها ولا معرفة ما هي، وباب المنار من حديد لا يعلم له عهد ويرقى إلى الباب من أسفل المنار في علوة لا تتبين وكذلك إلى أعلى الحزام الأول في طريق يمشي فيه فارسان متواكبان (2) في أرض سهلة لا يعلم الراقي فيه هل هو راق أو ماش، وفي كل عطف من هذا العقد باب دار في داخلها بيوت مربعة، سعة كل بيت منها من عشرين ذراعاً إلى عشرة أذرع قد فتح لها مضاو ومنافس للهواء لئلا تهدمها الرياح، وعدد ما في المنار من البيوت ثلثمائة وأربعة وستون بيتاً، وعطف مطالعها من أسفلها إلى أعلاها اثنان وسبعون عطفاً في كل عطف اثنتا عشرة درجة، وبيوتها كلها آزاج معقودة، وبناء المنار كله معقود بخشب الساج، وعدد أبوابه الظاهرة اثنان وعشرون باباً فتحت لتخترقه الرياح ولولا ذلك لهدمته وهذا المنار من دخله ولم يعرف مسالكه تاه فيه وضل لأن فيه طرقاً تؤول إلى أسفله وإلى البحر، ويقال إن جيش صاحب المغرب حين وصل الإسكندرية وذلك في خلافة المقتدر دخل جماعة منهم المنار على خيولهم ليروا ما فيه من الغرائب فتاهوا وتهوروا هم ودوابهم وفقد منهم عدد كبير. وكان البحر أثر في أسفل المنارة من غربيها كالكهف العظيم فسد بعض أمراء مصر ذلك الثلم بأساطين الرخام بعضها فوق بعض، فالبحر يضرب اليوم في تلك الأساطين فلا يوثر فيها شيئاً. وفي جهة الشمال من المنار، بناء عظيم عريض قد ارتفع من فم البحر حتى ظهر على وجه الماء يدل على أنه كانت عليه مصانع قد ذهبت، ويسمى ذلك البنيان الفاروس، وتحته مرسى السفن لأنه يكف عنها الريح والموج، وقد زعم قوم أن ذلك الظاهر ليس ببناء وإنما هو هدم من حجارة المنار الذي ذكرناه. ولهذه المنارة بالإسكندرية مجمع في العام يسمونه بخميس العدس، وهو أول خميس من شهر نيسان لا يتخلف في الإسكندرية عن الخروج إلى المنار ذلك اليوم أحد، وقد أعدوا لذلك الأطعمة والأشربة، ولا بد في ذلك الطعام من العدس، فيفتح بابها للناس ويدخلون فيها، فمن ذاكر لله تعالى ومصل ومن لاه متفرغ، فيقيمون إلى نصف النهار ثم ينصرفون، ومن ذلك اليوم بعينه يحترس البحر. وفي المنارة قوم مرتبين يوقدون النار بالليل كله في الحزام الأول، ليؤم أهل السفن سمت تلك النار من جميع البلاد، ويوقد صاحب السفينة النار في سفينته، فإذا رأى المحترسون النار في البحر زادوا في وقود النار وأوقدوها من جهة المدينة، فإذا رأى ذلك محرسو المدينة ضربوا الأبواق والأجراس حذراً من العدو. وكان حول المنار مغايص يستخرج منها أنواع الأحجار، يتخذ منها فصوص الخواتم، وكان حول المنارة من تلك الجواهر كثير، فيقال إن الإسكندر غرق ذلك حول المنار ليوجد هناك إذا طلب فيكون ذلك الموضع أبقى لها ويرى الناس على مر الدهر عظم ملكه وما قدر عليه من وجود ما عز عند غيره، وقيل إنها كانت آلات شراب الإسكندر فلما مات كسرتها أمه ورمتها في تلك المواضع غيرة أن لا تصير لأحد بعده. والقصر الأعظم الذي بالإسكندرية الذي لا نظير له في معمور الأرض اليوم خراب، وهو على ربوة عظيمة بازاء باب الموسم، طوله خمسمائة ذراع وعرضه على النصف من ذلك، ولم يبق منه إلا بعض سواريه، وبابه من أعظم بناء وأتقنه كل عضادة منه

_ (1) الذراع الرشاشي نسبة غلى الرشاش الذي اتخذ ذراعه وحدة للقياس (انظرابن الفرضي 1: 196) . (2) الاستبصار: متناكبان.

إسكندرونة

حجر واحد وعتبته حجر واحد فيه نحو مائة اسطوانة وفي نحو الشمال منه اسطوانة عظيمة لم يسمع بمثلها، غلظها ستة وثلاثون شبراً وهي في العلو بحيث لا يدرك أعلاها قاذف حجر، وعليها رأس محكم الصناعة يدل على أن بناء كان عليها، وتحتها قاعدة حجر أحمر بديع الشكل محكم عرض كل ضلع من أضلاعه عشرون شبراً في ارتفاع ثمانية أشبار، والاسطوانة منزلة في عمود من حديد قد خرقت به الأرض، فإذا اشتدت الرياح رأيتها تتحرك وربما جعلت تحتها الحجارة فتطحنها لشدة حركتها، وهذه الاسطوانة من عجائب العالم، ويقال إن الجن صنعتها لسليمان عليه السلام، وكانت في وسط قبة وحولها أساطين، وعلى الكل قبة شبه الصحفة من حجر واحد رخام أبيض بأحسن صنعة وأغرب إتقان، فلما مات سليمان رفعت الجن تلك القبة ورمت بها في البحر فإنها كانت من أغرب ما عملت الجن لسليمان عليه الصلاة والسلام. ودخل بعض ملوك مصر الإسكندرية ورأى قصرها فرآه عجيب الشان غريب البنيان فدعا الصناع وسألهم أن يبنوا له مثله فقالوا: لا نقدر على ذلك، فعزم عليهم، فقام إليه شيخ فقال: أنا أبني لك مثله وأحسن منه إن فعلت لي ما أريد، قال: بلى، قال: ايتوني بثورين مطيقين وعجلة فأمر له بذلك، فدخل مقابر الأولين فيها واحتفر قبراً منها واستخرج جمجمة عظيمة فوضعها في العجلة فما جرها الثوران إلا بعد مشقة وجهد فجاءه بها فقال: أصلح الله الملك إن أعطيتني من تكون رؤوسهم مثل هذا الرأس بنيت لك مثل هذا القصر، فعلم أنه لا يقدر على ذلك. ورئي بالإسكندرية قصاب عنده ضرس إنسان يزن به اللحم زنته ثمانية أرطال. وكان بالإسكندرية دار ملعب قد تهدم أكثرها، وكانت قد بنيت بضروب من الحكمة، وكانوا يجلسون فيها لقضاء حوائجهم وأخذ آرائهم، فكان كل جالس فيها إنما جلوسه تلقاء وجه صاحبه لا يخفى على أحد منهم شيء من حال غيره يتساوى قريبهم وبعيدهم في ذلك، وكان لهم يوم مهرجان يجتمعون فيه في هذا الملعب ويحضره رؤساؤهم وأبناء ملوكهم وعامتهم ويلعب فيها الفتيان بالصوالج وبينهم كرة فإن دخلت تلك الكرة كم رجل ممن حضر ذلك اليوم فلا بد له من ولاية مصر، كان هذا عندهم معروفاً لا ينكره أحد. وكان عمرو بن العاصي رضي الله عنه قد سافر إلى الإسكندرية في الجاهلية تاجراً بالقطن والأدم فحضر ذلك الملعب في ذلك اليوم، فلعبوا فيه بالكرة، فدخلت كم عمرو بن العاصي رضي الله عنه، فعجبوا من ذلك وقالوا: ما كذبتنا هذه الكرة قط إلا اليوم، فكان ما قدر الله تعالى من مجيء الإسلام وولاية عمرو بن العاصي رضي الله عنه مصر ثلاث مرات. والإسكندرية تعجب كل من رآها لبهجتها وحسن منظرها وارتفاع مبانيها وإتقانها وسعة شوارعها وطرقاتها، وهي برية بحرية وفيها من النعم والأرزاق والفواكه ما ليس ببلد، مع طيب هوائها وتربتها. ومن المفسرين من قال إنها إرم ذات العماد، وقال عوف بن مالك حين دخل الإسكندرية لأهلها ما أحسن مدينتكم، فقالوا له: إن الإسكندر حين بناها قال: أبني مدينة إلى الله فقيرة وعن الناس غنية، فبقيت بهجتها على الدهور، وكان الفرما أخوه قال: أبني مدينة غنية عن الله فقيرة إلى الناس فذهبت بهجتها ولا يزال ينهدم كل يوم فيها شيء. وأمر ملك الروم مرة باحصاء ملوك الإسكندرية ورؤسائها خاصة، فوجدهم ستمائة ألف ملك، وأخبار هذا الصقع كثيرة مستقصاة في المطولات فلنقتصر على هذا القدر. إسكندرونة (1) مدينة أو حصن بينه وبين انطاكية خمسة وأربعون ميلاً، وهو حصن على ساحل البحر فيه نخيل وزروع كثيرة وغلات، وبينها وبين المصيصة أربعون ميلاً. اسبيجاب (2) مدينة متصلة ببلاد الشاش لها قهندز وربض ودار الإمارة والجامع في المدينة الداخلة، وفي ربضها مياه وبساتين، وهي مدينة في مستو من الأرض، وهي ذات خصب وسعة، وليس بخراسان كلها وما وراء النهر منها بلد لا خراج عليه إلا اسبيجاب. أسطور (3) مدينة من مدن الكيماكية، وهم بشر كثير وخلق عظيم من المجوس يعبدون النار، وأسطور عامرة بالأتراك ممتدة الزراعات ومياهها كثيرة وغلاتهم الحنطة والأرز، وبها معدن الحديد ويصنع الصناع بها منه كل عجيبة، وأهلها أنجاد لهم عزم ولذلك لا يمشون إلا وهم حذرون شاكون في سلاحهم وهم أشجع

_ (1) نزهة المشتاق: 195. (2) يكتبها ياقوت: أسفيجاب، وانظر ابن حوقل: 418. (3) كذا في الأصل، وفي نزهة (225) : أمطور، وترد ((بالسين)) في بعض المواضع.

اسنخوا

الترك نفوساً وأنفذهم عزماً وأنجحهم طلباً، ولهم عند ملوكهم حظوة وإعزاز ولهم أموال واسعة. ومدينة ملكهم خاقان مدينة عظيمة لها أسوار حصينة وأبواب حديد، وللملك بها أجناد وعساكر والملوك بها تهاب سلطانه وتخاف سطوته، وهو ملك عظيم لا يتولى الملك فيهم إلا وهو من أهل الملك. وملك الكيماكية يلبس عليه (1) الذهب وقلنسوة الذهب ويظهر لأهل مملكته في أربعة أوقات من السنة، وله حاجب ووزراء ودولة عادلة، وأهل دولته يحبونه لإحسانه إليهم ونظره في أمورهم، وله قصور ومبان شامخة ومنتزهات وهمم عالية وكرم طبع، وأهل مدينة أسطور، لا يقولون بالهموم ولا تجدها قلوبهم ولا يكترثون بالمصائب، وهم أخصب أهل البلاد وأطيبهم معايش وأكثرهم انفاقاً وأعلاهم همماً ولباسهم الحرير الأحمر والأبيض، ولا يلبس هذا النوع منهم إلا الخاصة، والمياه تخترق أزقتهم وأسواقهم، ومنهم من يدين بدين الصابئة. اسفرايين هي مهرجان (2) في آخر عمل نيسابور من خراسان وبينهما خمس مراحل وقيل اثنان وثلاثون فرسخاً، وهي مدينة كبيرة فيها أسواق ومياه جارية وخانات. اسفي مرسى اسفي في أقصى المغرب، وفي بعض الأخبار أن الشيطان نزغ بين بني حام وبني سام أو ساسان، فوقعت بينهم مناوشات وحروب كانت الدائرة فيها لسام وبنيه، وكان آخر أمر حام أن هرب إلى ناحية مصر وتفرق بنوه، ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى إلى السوس الأقصى إلى موضع يعرف اليوم باسفي، وهو آخر مرسى تبلغه المراكب من عند الأندلس إلى ناحية القبلة وليس بعده للمراكب مذهب، وخرج بنوه في أثره يطلبونه فكل طائفة من ولده بلغ موضعاً وانقطع عنهم خبره أقامت بتلك الناحية وتناسلوا فيه، ولما مات دفنوه بنوه في حجر منقور في جبل أصيلا. ووقوف المراكب عند اسفي (3) لأنه آخر مرسى تصل إليه المراكب كان فيما سلف، وأما الآن فهي تجوزه بأربعة مجار. واسفي عليها عمارات وبشر كثير من البربر، والمراكب تحمل منها أوساقها في وقت السفر وسكون حركة البحر المظلم، ومن مرسى اسفي إلى مرسى ماست مائة وخمسون ميلاً وقد أوردنا في ذكر اشبونة خبر القوم المغررين الذين ركبوا البحر المظلم ليقفوا على نهايته انهم صيروا إلى موضع اسفي، وأن جماعة من البربر رأوهم فتعرفوا أمرهم فقال زعيمهم وا أسفي تحسراً عليهم لما قاسوه، فسمي المكان إلى اليوم اسفي بتلك الكلمة. اسنخوا (4) مدينة بالصين، وهي على بطحاء أرض ممتدة لا ينبت بها شيء إلا الزعفران غرساً ومن ذات نفسه برياً، ومنها يتجهز بالزعفران إلى سائر أمصار الصين ويباع بها منه ما يعم الكل كثرة وطيباً، وقد يعمل بهذه المدينة الحديد (5) والغضار، وليس في بلاد الصين صنعة أجمل من الفخار والرسم، لا يقدمون على الرسم والتصوير صنعة، وإنما تلحق بها في الفضل عندهم صنعة الفخار حتى إنهم يسمون الفخار خالقاً صغيراً والمصور خالقاً كبيراً، ولا يفوق الرسم عندهم صنعة، وملوك الهند والصين لا يتركون الرسم بل يقولون به ويتعلمونه، لا يدني الملك من أولاده إلا أرسمهم وأمهرهم في صنعة الرسم. أسوان (6) في الصعيد آخر بلاد مصر، وفي بلادهم من الجبال والأوعار التي تحول بينهم وبين النوبة ولولا هي لأفسدت النوبة بلاد مصر، والنيل إنما يهبط من بلاد النوبة على صخور وأوعار لا يدخل ذلك الموضع مركب، وأسوان من ثغور النوبة إلا انهم في أكثر الأوقات مهادنون، وكذلك مراكب مصر لا تصعد في النيل إلا إلى مدينة أسوان فقط وهي في آخر الصعيد الأعلى. وإلى أسوان تصعد المراكب من فسطاط مصر وعلى أميال منها جبال وأحجار يجري النيل في وسطها وهذا الموضع فارق بين سفن الحبشة في النيل وسفن المسلمين. وأسوان مدينة صغيرة كثيرة الحنطة وسائر أنواع الحبوب والفواكه والبطيخ الأخضر وسائر البقول، وبها اللحوم الكثيرة من البقر والغزلان والمعز وغيرها من صنوف اللحم العجيبة البالغة في الطيب والسمن وأسعارها أبداً رخيصة، وبها تجارات وبضائع تحمل منها إلى بلاد النوبة، وليس يتصل بأسوان من جهة المشرق

_ (1) النزهة: حلة. (2) مهرجان اسمها القديم، كما ذكره ياقوت. (3) قارن الإدريسي (د/ ب) : 74/ 49. (4) نزهة المشتاق: 148. (5) نزهة: الحرير. (6) الإدريسي (د) : 21، ونزهة المشتاق: 27، والمروج 3: 40.

أسيوط

بلد للإسلام، وعلى مقربة من أسوان، جنوباً من النيل، جبل في أسفله معدن الزمرد وفي برية منقطعة من العمارة، ولا يوجد الزمرد في شيء من الأرض بأجمعها إلا فيه وله طلاب كثيرة، ومن هذا المعدن يخرج ويتجهز به إلى سائر البلاد؛ وأما معدن الذهب فمن أسوان إليه نحو خمسة عشر يوماً من شرق وشمال، ويتصل بأسوان من جهة المغرب الواحات وهي الآن خالية لا ساكن بها وكانت فيما سلف عامرة والمياه تخترق أرضها وبها معز وغنم قد توحشت فهي تتوارى من الناس وتصاد كما يصاد الحيوان البري. ومن أسوان الطريق إلى عيذاب، وعيذاب مدينة على ضفة البحر المغربي المعروف ببحر القلزم، ومن عيذاب يعبر إلى ساحل الحجاز إلى جدة، ومن عيذاب يسلك إلى اليمن والهند وغير ذلك من البلاد. وأهل أسوان عرب من قحطان وربيعة ومضر وقريش ناقلة من الحجاز، وهو خصيب كثير النخل توضع النواة في تربته فتنبت نخلة تثمر لسنتين تمراً، وببلاد البصرة وغيرها لا يغرس النخل إلا من الفسيل وما يخرج من النواة فليس يثمر، وكان لقمان عليه السلام عبداً نوبياً أسود ذا مشافر، ومن النوبة النساء المعروفات بالمقورات لا يقدر أحد على افتضاض أبكارهن ولا مباشرتهن حتى يفتق القوابل من قبلها بقدر ما يحتاج للوطء، وهن أطيب النساء خلوة، فإذا حملت المرأة منهن وأقربت زاد القوابل في شق ذلك المكان فإذا وضعت حملها عادت تلك الزيادة بالأدوية الملحمة حتى يلتئم، أخبر بذلك الثقات. اسلي (1) مدينة في شرقي ارشجول وبمقربة من وهران من أرض المغرب، وهي مدينة قديمة عليها سور صخر وكانت حصينة، ولها نهر يسقي بساتينها وثمارها. أسيوط (2) مدينة على الضفة الغربية من نيل مصر وهي كبيرة عامرة آهلة جامعة لضروب المحاسن كثيرة الجنات والبساتين واسعة الأرضين جميلة حسنة بينها وبين اخميم صاعداً من النيل نصف مجرى. اسقيريا (3) مدينة من مدن الصين على نهر، وهي عامرة وبها ملوك وسادات وجلة وعمال، وبها مجمع أموال الصين التي تصل إلى ملكها الأكبر بعد تخليصها من جميع النوايب، لأن جميع التجارات (4) المجموعة في بلاد الصين براً وبحراً يصل بها عمالها إلى مدينة اسقيريا هذه فيدفعونها هنالك إلى عمال وأمناء يخلصونها ويحاسبون بها وعليها ثم ينصرف العمال إلى بلادهم، فإذا اجتمعت الأموال. بمدينة اسقيريا وكان الوقت المعلوم من العام المؤرخ عندهم جمعت تلك الأموال بأسرها ورفعت إلى مدينة باجة، وهي مدينة الملك الأعظم (5) فيستودع هنالك المال الذي جيء به في خزائن الملك البغبوغ، وهذه سيرة دائمة لا تنقطع، ولا يصل إلى بيت مال الملك شيء يحتاج فيه إلى الإخراج منه إنما يوصل إليه ما كان مخلصاً من جميع النوائب. وأهل اسقيريا يرمون موتاهم في النهر ولا يدفنونهم ألبتة. اشبيلية (6) مدينة بالأندلس جليلة بينها وبين قرطبة مسيرة ثمانية أيام ومن الأميال ثمانون، وهي مدينة قديمة أزلية يذكر أهل العلم باللسان اللطيني ان أصل تسميتها اشبالي معناه المدينة المنبسطة ويقال إن الذي بناها يوليش القيصر وإنه أول من تسمى قيصر، وكان سبب بنيانه إياها أنه لما دخل الأندلس ووصل إلى مكانها أعجبه كرم ساحته وطيب أرضه وجبله المعروف بالشرف، فردم على النهر الأكبر مكاناً وأقام فيه المدينة وأحدق عليها بأسوار من صخر، وبنى في وسط المدينة قصبتين متقنتين عجيبتي الشأن تعرفان بالأخوين، وجعلها أم قواعد الأندلس واشتق لها اسماً من اسمه ومن اسم رومية فسماها رومية يوليش. ويقال إن اشبانية اسم خاص ببلد اشبيلية الذي كان ينزله اشبان بن طيطش وباسمه سميت الأندلس اشبانية، ولم تزل معظمة عند العجم من ذلك الوقت، وقد كان فيها رجال ولوا قيادة العجم العظمى

_ (1) الاستبصار: 134. (2) الإدريسي (د) : 48. (3) نزهة المشتاق: 69، وفي الأصل ((اسفيريا)) بالفاء، وتكتب في نزهة المشتاق أيضاً ((اسقيرا)) . (4) نزهة: الجبايات. (5) نزهة: العظمى. (6) بروفنسال: 18 والترجمة: 24 (Sevilla) والبكري (ح) : 107.

والمملكة بمدينة رومية، وروي (1) أن المرأة التي قتلت يحيى بن زكريا عليه السلام من اشبيلية من قرية طالقة. وهي كبيرة (2) عامرة لها أسوار حصينة وسوقها عامرة وخلقها كثير وأهلها مياسير، وجل تجاراتهم الزيت يتجهزون به إلى المشرق والمغرب براً وبحراً، يجتمع هذا الزيت من الشرف، وهو مسافة أربعين ميلاً كلها في ظل شجر الزيتون والتين، أوله مدينة اشبيلية وآخره مدينة لبلة، وسعته اثنا عشر ميلاً وفيه ثمانية آلاف قرية عامرة بالحمامات والديار الحسنة، وبين الشرف واشبيلية ثلاثة أميال. ومدينة اشبيلية موفية على النهر وهو في غربيها. ويذكر في بعض الأخبار أن اشبان بن طيطش من ذرية طوبيل بن يافث بن نوح كان أحد أملاك الاشبانيين خص بملك أكثر الدنيا وان بدء ظهوره كان من اشبيلية فغلظ أمره وبعد صيته وتمكن في كل ناحية سلطانه، فلما ملك نواحي الأندلس وطاعت له أقاصي البلاد خرج في السفن من اشبيلية إلى إيليا فغنمها وهدمها وقتل بها من اليهود مائة ألف وسبى مائة ألف وفرق في الأرض مائة ألف، وانتقل رخامها إلى اشبيلية وماردة وباجة، وانه صاحب المائدة التي الفيت بطليطلة وصاحب الحجر الذي وجد بماردة وصاحب قليلة الجوهر التي كانت بماردة أيضاً على حسب ما ذكر في فتح الأندلس، وأنه حضر خراب بيت المقدس الأول مع بخت نصر وحضر الخراب الذي كان مع قيصر بشبشيان، واذريان قيصر يذكر أنه من طالقة اشبيلية. وفي سنة عشرين من دولته اتفق بنيان إيليا، وكان من مضى من ملوك الأعاجم يتداولون بمسكنهم أربعة من مدن الأندلس: اشبيلية وماردة وقرطبة وطليطلة، ويقسمون أزمانهم على الكينونة بها. وكان سور اشبيلية من بناء الإمام عبد الرحمن بن الحكم بناه بعد غلبة المجوس عليها بالحجر، وأحكم بناءها، وكذلك جامعها من بنائه، وهو من عجيب البنيان وجليلها، وصومعته بديعة الصناعة غريبة العمل، أركانها الأربعة عمود فوق عمود، إلى أعلاها، في كل ركن ثلاثة أعمدة فلما مات عبد الرحمن بن إبراهيم بن حجاج في محرم سنة إحدى وثلثمائة قدم أهلها أحمد بن مسلمة وكان من أهل البأس والنجدة فأظهر العناد وجاهر بالخلاف، فأخرج إليه عبد الرحمن قائداً بعد قائد حتى افتتحها عليه بدر الحاجب سنة إحدى وثلثمائة واستعمل عليها سعيد بن المنذر المعروف بابن السليم، فهدم سورها وألحق أعاليه بأسفله وبنى القصر القديم المعروف بدار الإمارة وحصنه بسور حجر رفيع وأبواب منيعة، وبني سور المدينة في الفتنة بالتراب. وباشبيلية آثار للأول كثيرة، وبها أساطين عظام تدل على هياكل كانت بها. واشبيلية من الكور المجندة، نزلها جند حمص ولواؤهم في الميمنة بعد لواء جند دمشق، وهي من أمصار الأندلس الجليلة الكثيرة المنافع العظيمة الفوائد. ويطل على اشبيلية جبل الشرف، وهو شريف البقعة كريم التربة دائم الخضرة، فراسخ في فراسخ طولاً وعرضاً لا تكاد تشمس منه بقعة لالتفاف زيتونه واشتباك غصونه، وزيته أطيب الزيوت كثير الرفع (3) عند العصر لا يتغير على طول الدهر، ومن هناك يتجهز به إلى الآفاق براً وبحراً. وكل ما استودع أرض اشبيلية وغرس فيها نمى وزكا وجل، والقطن يجود بأرضها ويعم بلاد الأندلس ويتجهز به التجار إلى إفريقية وسجلماسة وما والاها، وكذلك العصفر بها يفضل عصفر الآفاق. وبقبلي مدينة اشبيلية بساتين تعرف بجنات المصلى وبها قصب السكر، وفي آخر نهر اشبيلية من كلتا جانبيه جزائر كثيرة يحيط بها الماء كلأها قائم لا يصوح لدوام ندوتها ورطوبة أرضها، ويصلح نتاجها وتدوم ألبانها ويمتنع ما فيها من الحافر والظلف على العدو فلا يصل إليه أحد، وهذه الجزائر تعرف بالمدائن وبعضها يقرب من البحر. وفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة في جماداها الآخر كان السيل العظيم الجارف باشبيلية المربي على كل سيل وهو مذكور في الثاني من " جالي الفكر " في أول ورقة منه سنة سبع وتسعين وخمسمائة فانقله من هناك.

_ (1) بروفنسال: وروى ابن وضاح. (2) الإدريسي (د) : 178. (3) ص ع: الدفع.

أشونة

وفي سنة ست وأربعين وستمائة تغلب العدو على مدينة اشبيلية في شعبان منها بعد أن حوصرت أشهراً حتى ساءت أحوال أهلها وخافوا ويئسوا من الاعانة، فأصفق رأيهم على إسلامها للعدو والخروج عنها فكان ذلك، وأجلهم الفنش ريثما يستوفون احتمال ما استطاعوا حمله من أموالهم ثم خرجوا عنها وأقامت خالية ثلاثة أيام وسرح معهم الطاغية خيلاً توصلهم إلى مأمنهم وكان صاحب أناة وسياسة، ويقال إنه لما مات دفن في قبلة جامعها الأعظم. اشكلطورية أرض في ناحية من ايطالية (1) بأرض افرنجة فيها عين ماء من شرب منها من الخلق ارتكبه الهم وخبثت نفسه ولا يزال حزيناً مغموماً فاتراً عابساً. اشروسنة (2) في بلاد خراسان من سمرقند إليها خمس مراحل مشرقاً، واشروسنة اسم للإقليم وليس باسم لمدينة كما أن العراق اسم للأرض والشام مثله وكذلك الصغد وفرغانة والشاش كلها أسماء أرضين فيها عدة بلاد كثيرة، واشروسنة أرض يحيط بها من إقليم ما وراء النهر من شرقيها بعض فرغانة، ومن غربيها بلاد الصغد والصغانيان، وشمالها بلاد الشاش ولأشروسنة مدن كثيرة ومملكتها واسعة جليلة ويقال إن فيها أربعمائة حصن ولها واد عظيم يأتي من نهر سمرقند، وتوجد في ذلك الوادي سبائك الذهب وبين اشروسنة وفرغانة مرحلتان، وأكبر مدن اشروسنة بومنجكث وفيها سكنى الولاة ولها سوران سور على مدينتها وسور على ربضها، وللمدينة بابان: باب الأعلى وباب المدينة، وداخل المدينة المسجد الجامع مع القهندز ودار الإمارة في الربض. وفي المدينة الداخلة نهر كبير عليه رحى، والسجن في قهندزها، والجامع خارج القهندز، وأسواقها في المدينة والربض جميعاً، وسور الربض يشتمل على بساتين وكروم وهو مقدار فرسخ. اشير (3) بلدة أو حصن بينها وبين المسيلة مرحلة، من بلاد الزاب بناها زيري بن مناد الصنهاجي وتعرف بأشير زيري، وكانت مدينة قديمة فيها آثار عجيبة وإنما بنى زيري سورها وحصنها وعمرها فليس في تلك الأقطار أحصن منها، وهي بين جبال شامخة محيطة بها، وداخل المدينة عينان لا يبلغ لهما غور ولا يدرك لهما قعر من بناء الأول، وبالقرب من المدينة بنيان عظيم عجيب يعرف بمحراب سليمن ولم ير بنيان أعظم منه ولا أحكم، فيه من الرخام والأعمدة والنقوش ما يقصر عنه الوصف، وهي جليلة حصينة، وفيها يقول عبد الملك بن عيشون: يا أيها السائل عن غربنا ... هذا وعن محل اشير عن دار فسق ظالم أهلها ... قد شيدت للكفر والزور أشمخها الملعون زيريها ... فلعنة الله على زيري أشتبين (4) حصن بالأندلس على يسار الطريق تحت أصل جبل ممتنع لا يدركه لمقاتل طمع، بنى عليه بعض الملوك حصوناً كثيرة، وحوصر مدة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، وبعد لأي ما افتتح وذلك في عقب سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة. أشك (5) قرية عامرة على طريق من جاء من فارس، بها حدائق نخل كثيرة وزراعات وغلات جمة، ومنها تحمل الأدياس المنسوبة إلى أشك، وتعمل منها الحصر بالعراق، وهذا الديس مفضل على كل ديس، وبهذه القرية كانت وقعة الأزارقة وكانوا أربعين رجلاً من الشراة امتنعوا في مكان منها فخرج إليهم من الجند ألفا رجل فقتلتهم الازارقة حتى أتوا على آخرهم. أشونة (6) من كور استجة بالأندلس بينهما نصف يوم، وحصن أشونة ممدن كثير الساكن. أشكوني (7) بالأندلس من كور تدمير معروف، ومن الغرائب أن من أراد أن يتخذ فيه جناناً صرف إلى الموضع العناية بالتدمين والعمارة والسقي من النهر فتنبت الأرض هناك بطبعها شجر التفاح

_ (1) في الأصل: أنطاكية. (2) نزهة المشتاق: 415، وابن حوقل: 314. (3) البكري: 60، والإدريسي (ب/ د) : 59/ 58. (4) بروفنسال: 22 والترجمة: 28 (San Estaban) . (5) صواب اللفظة ((آسك)) كما أثبتها ياقوت، وانظر ما تقدم. (6) بروفنسال: 23 والترجمة: 29 (Osuna) . (7) بروفنسال: 22 والترجمة: 28، ولم يستطع أن يعين موقع هذا المكان.

الأهواز

والكمثرى والتين والرمان وضروب الفواكه حاشا شجر التوت، من غير غراسة ولا اعتمال. اشبونة (1) بالأندلس من كور باجة المختلطة بها، وهي مدينة على طريق العساكر فإن الطريق من باجة إلى الأشبونة يعترض مدينة الأشبونة، والأشبونة بغربي باجة، وهي مدينة قديمة على سيف البحر تتكسر أمواجه في سورها واسمها قودية، وسورها رائق البنيان بديع الشان، وبابها الغربي قد عقدت عليه حنايا فوق حنايا على عمد من رخام مثبتة على حجارة من رخام، وهو أكبر أبوابها، ولها باب غربي أيضاً يعرف بباب الخوخة مشرف على سرح فسيح يشقه جدولا ماء يصبان في البحر، ولها باب قبلي يسمى باب البحر تدخل أمواج البحر فيه عند مده وترتفع في سوره ثلاث قيم، وباب شرقي يعرف بباب الحمة، والحمة على مقربة منه ومن البحر بمائين: ماء حار وماء بارد، فإذا مد البحر واراهما، وباب شرقي أيضاً يعرف بباب المقبرة. والمدينة (2) في ذاتها حسنة ممتدة مع النهر لها سور وقصبة منيعة، والأشبونة على نحر البحر المظلم، وعلى ضفة البحر من جنوبه قبالة مدينة الأشبونة حصن المعدن ويسمى بذلك لأن عند هيجان البحر يقذف بالذهب التبر هناك، فإذا كان الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء، وهو من عجائب الأرض. ومن مدينة الأشبونة كان خروج المغررين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه، ولهم باشبونة موضع بقرب الحمة منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين، وذلك أن ثمانية رجال كلهم أبناء عم اجتمعوا فابتنوا مركباً وادخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية فجروا بها نحواً من أحد عشر يوماً، فوصلوا إلى بحر غليظ الموج كدر الروائح كثير التروش قليل الضوء، فأيقنوا بالتلف فردوا قلعهم في اليد الأخرى وجروا في البحر في ناحية الجنوب اثني عشر يوماً، فخرجوا إلى جزيرة الغنم، وفيها من الغنم ما لا يأخذه عد ولا تحصيل، وهي سارحة لا ناظر لها ولا راعي فقصدوا الجزيرة ونزلوها فوجدوا عين ماء جارية عليها شجرة تين بري، فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها فوجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد على أكلها فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب اثني عشر يوماً إلى أن لاحت لهم جزيرة فنظروا فيها إلى عمارة وحرث، فقصدوا إليها ليروا ما فيها فما كان إلا غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق فأخذوا وحملوا في مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر فأنزلوا بها في دار فرأوا بها رجالاً شقراً زعراً شعورهم سبطة وهم طوال القدود، لنسائهم جمال عجيب، فاعتقلوا في بيت ثلاثة أيام ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي، فسألهم عن حالهم وفيم جاءوا وأين بلادهم، فأخبروه بكل خبرهم فوعدهم خيراً وأعلمهم أنه ترجمان، فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم احضروا بين يدي الملك فسألهم عما سألهم عنه الترجمان، فأخبروه بما أخبر به الترجمان بالأمس وأنهم اقتحموا البحر ليروا ما فيه من العجائب وليقفوا على نهايته، فلما علم الملك ذلك ضحك وقال للترجمان: أخبر القوم أن أبي أمر قوماً من عبيده يركبون هذا البحر وأنهم جروا في عرضه شهراً إلى أن انقطع عنهم الضوء وانصرفوا من غير فائدة تجدي، ثم وعدهم خيراً وصرفوا إلى موضع حبسهم إلى أن بدأ جري الريح الغربية فعمر بهم زورقاً وعصبت أعينهم وجرى بهم في البحر برهة من الدهر، قال القوم: قدرنا أنه جرى بنا ثلاثة أيام بلياليها حتى جاء بنا إلى البر فأخرجنا وكتفنا إلى خلف وتركنا بالساحل إلى أن تضاحى النهار وطلعت الشمس ونحن في ضنك وسوء حال من شدة الكتاف حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناس فصحنا بجملتنا، فأقبل القوم إلينا فوجدونا بتلك الحال السيئة، فحلوا وثاقنا وسألونا فأخبرناهم بخبرنا وكانوا برابر، فقال لنا أحدهم: أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم؟ فقلنا: لا، فقال: مسيرة شهرين، فقال زعيم القوم: وا أسفي، فسمي المكان إلى اليوم اسفي، وهو المرسى الذي في أقصى المغرب. الأهواز (3) مدينة متصلة بالجبل، فتحها حرقوص بن زهير السعدي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والأهواز هي خوزستان وهي رام هرمز، وبين الأهواز وأصبهان خمسة وأربعون فرسخاً، قالوا: ومن أقام بالأهواز حولاً ثم تفقد عقله فإنه يجد فيه نقصاً بيناً. وقصبة الأهواز تغلب كل من نزل بها من الأشراف إلى طبائع أهلها، ولا يوجد بها أحد له وجنة حمراء،

_ (1) بروفنسال: 16 والترجمة: 22 (Lisbonne) . (2) من هنا عن الإدريسي (د) : 184. (3) انظر آثار البلاد: 152، وياقوت: ((الأهواز)) ، ولطائف المعارف: 175.

أوطاس

والحمى بها دائمة، وزعم الجاحظ أن عدة من قوابل الأهواز أخبرنه أنه ربما قبلن المولود فوجدنه محموماً، وجمعت مع ذلك كثرة الأفاعي في جبلها المطل عليها وكثرة العقارب. وكان صاحب الأهواز الهرمزان وفتحها وما يليها حرقوص بن زهير كما قدمناه وكانت له صحبة، بعث به عتبة بن غزوان من البصرة بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وحكى البلاذري (1) أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه غزا سوق الأهواز في ولايته حين شخص عتبة بن غزوان من البصرة آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة فقاتله البيروان (2) دهقانها ثم صالحه على مال ثم إنه نكث، فغزاها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حين ولي البصرة بعد المغيرة وفتح سوق الأهواز عنوة وفتح نهر تيرى عنوة وولي ذلك بنفسه في سنة سبع عشرة. وروي أنهم غدروا وافتتحت رام هرمز عنوة في آخر أيام أبي موسى، وفتح أبو موسى سرق على مثال رام هرمز. والأهواز موضع يجمع سبع كور، وبلغ عمر رضي الله عنه أن حرقوصاً نزل جبل الأهواز والناس يختلفون إليه والجبل كؤود يشق على الناس، فكتب إليه: بلغني أنك نزلت منزلاً كؤوداً لا يؤتى إلا على مشقة، فأسهل ولا تشقق على مسلم ولا معاهد وقم في أمرك على رجل تدرك الآخرة وتصف لك الدنيا ولا تدركنك فترة ولا عجلة فتكدر دنياك وتذهب آخرتك. أهناس (3) موضع في صعيد مصر، قال الجاحظ: ولد عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم بكورة أهناس، ونخلة مريم قائمة بأهناس إلى اليوم. أوطاس (4) وادي ديار هوازن فيه اجتمعت هوازن وثقيف، إذ أجمعوا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتقوا بحنين ورئيسهم عوف بن مالك النضري، وقال لهم دريد بن الصمة وهو في شجار يقاد به بعيره: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا لين دهس، وهي قصة حنين بطولها، وفيها قال الله تعالى " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً " وقد استوفى خبر هذه القصة ابن إسحاق (5) . أوارة (6) موضع لبني تميم كانت فيه قصة لعمرو بن هند عم النعمان بن المنذر على بني دارم، وكان أسعد بن المنذر أخا عمرو بن هند، وكان مسترضعاً في بني تميم في بني دارم في حجر حاجب بن زرارة، وقيل في حجر زرارة، فخرج يوماً متصيداً فلم يصب شيئاً فمر بإبل سويد بن ربيعة الدارمي فنحر منها بكرة فقتله سويد فقال عمرو بن لقيط الطائي يحرض عمرو بن هند: من مبلغ عمراً بأ ... ن المرء لم يحلق صباره وحوادث الأيام لا ... تبقى عليهن الحجاره ها إن عجزة أمه ... بالسفح أسفل من أواره تسفي الرياح خلال كش؟ ... حيه وقد سلبوا أزاره فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أوفى من زراره فنذر عمرو بن هند، وكان شديد البأس، أن يقتل من بني تميم مائة من خيارهم بدل ذلك المقتول، فغزاهم يوم القصيبة ويوم أوارة ثم أقسم ليحرقن منهم مائة رجل فلهذا سمي محرقاً، فأخذ له منهم تسعة وتسعون رجلاً، فقذفهم في النار، وأراد أن يبر قسمه بعجوز منهم ليكمل العدة التي أقسم عليها، فلما أمر بها قالت: ألا فتى يفدي هذه العجوز بنفسه، ثم قالت: هيهات، صارت الفتيان حمماً (7) وأقبل رجل من البراجم كان أبصر الدخان ووجد قتار لحومهم على بعد فظن أنه طعام يصنع للناس، فلما بلغ ورأى ما رأى جزع فقال عمرو: انظروا ممن الرجل، فأتي به إليه، فقال: ممن أنت: قال: من البراجم، فقال عمرو: إن الشقي وافد البراجم (8) ألقوه في النار ليتم نذري، فتم نذره بالبراجم من بني تميم، وفي ذلك يقول جرير يعير الفرزدق وينسب بني تميم إلى الشره والنهم: أين الذين بنار عمرو حرقوا ... أم أين اسعد فيكم المسترضع

_ (1) فتوح البلدان: 464. (2) فتوح البلدان: البيرواز. (3) انظر ياقوت: ((أهناس)) . (4) معجم ما استعجم 1: 212. (5) ابن هشام 2: 437. (6) شرح النقائض: 652 - 654، 1084 - 1087. (7) مجمع الأمثال 1: 266 - 267. (8) مجمع الأمثال 1: 7.

أوثان

وقال الطرماح (1) : ودارم قد قذفنا منهم مائة ... في جاحم النار إذ ينزون بالجدد ينزون بالمشتوى منهم ويوقدها ... عمرو ولولا شحوم القوم لم تقد فلطمع البرجمي في الأكل عيرت تميم بحب الطعام، وقال الشاعر: إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجئ بزاد الأبيات. وقد ذكر ابن دريد في مقصورته هذه القصة في قوله (2) : ثم ابن هند باشرت نيرانه ... يوم أوارات تميماً بالصلى أوال (3) جزيرة في بلاد البحرين بين اليمامة والبصرة وعمان، وهذه الجزيرة بينها وبين الساحل مجرى يوم وهي كثيرة النخل والموز والجوز والأترج والأشجار والزرع والأنهار. وأوال جزيرة طويلة مسيرة ستة عشر يوماً وفيها معادن اللؤلؤ ولذلك قال أبو العلاء المعري في قصيدة له (4) : فإن صلحت للناظرين دموعنا ... فأنتن منها والكثيب حوالي جهلتن أن اللؤلؤ الذوب عندنا ... رخيص وأن الجامدات غوالي فلو كان حقاً ما ظننتن لاغتدت ... مسافة هذا البر سيف أوال وكانت هذه الجزيرة حبساً لكسرى، وأكثر أهلها يمانيون ومن أهل اليمامة، وإليها لجأ من أفلت من أهل هجر عند محنتهم مع القرمطي، وإليها فر أهل اليمامة والبحرين، وبينها وبين هجر اثنا عشر فرسخاً في البر وعشرة فراسخ في البحر. أوثان (5) جبل في البحر في طريق الإسكندرية من إفريقية وهذا الطرف الخارج منه في البحر هو طرف أوثان وهو ما بين طرابلس والإسكندرية، وإذا رآه الناس المسافرون استبشروا بالسلامة، ويقال إنه طرف جبل درن المشهور في الغرب. أوزاع اسم قرية على مقربة من باب الفراديس من دمشق، وإليها ينسب الأوزاعي. أونبة (6) من مدن جبل العيون بالأندلس، وهي مدينة ممتنعة بين جبال ضيقة المسالك، وهي قديمة بها آثار للأول فيها ماء مجلوب في قناة واسعة قد خرق بها الجبال الشامخة حتى وصل الماء إلى أسفل هذه المدينة فيسقي بعض بساتينها، ولا يدرى من أين أصل هذا الماء، وشرقي هذه المدينة كنيسة كبيرة معظمة عندهم يزعمون أن أحد الحواريين بها، وما أكثر ما يوجد في حفائر هذه المدينة آثار عجيبة، وهذه المدينة برية بحرية بينها وبين البحر نحو ميل وبينها وبين لبلة ستة فراسخ. أودغشت (7) مدينة بين صحراء لمتونة والسودان، وهي مدينة عظيمة آهلة لكنها صغيرة، وفي صحرائها ماء قليل، وهي بين جبلين شبه مكة في الصفة، وليس بها تجارة كبيرة ولأهلها جمال منها يعيشون، ومنها إلى غانة اثنتا عشر مرحلة وكذلك من أودغشت إلى مدن واركلان إحدى وثلاثون مرحلة، وفي أودغشت أمم لا تحصى، ولها بساتين كثيرة ونخل كثير ويزدرعون فيها القمح بالحفر بالفؤوس ويسقونه بالدولاب، وكذلك يسقون بساتينهم، وإنما يأكل القمح عندهم الملك وأهل اليسار منهم، وسائر أهلها يأكلون الذرة، والمقاثي تجود عندهم، والبقر والغنم عندهم أكثر شيء وأرخصه فيشترى في أودغشت عشرة أكبش بدينار وأكثر من ذلك، وهم أرباب نعم جزيلة وأموال جليلة، ولهم أسواق حافلة عامرة الدهر كله لا يكاد يسمع الإنسان فيها

_ (1) ديوانه: 163. (2) شرح المقصورة: 81. (3) البكري (مخ) : 68. (4) شروح السقط: 1202 - 1203. (5) عند الإدريسي (ب/ د) : 34، 140/ 64، 138 تفصيلات أخرى عن أوثان. (6) بروفنسال: 35، والترجمة: 44 (Huelva) . (7) البكري: 158 وأول المادة من الإدريسي (ب/ د) : 19/ 32، وانظر الاستبصار: 215؛ وترد بالسين المهملة أحياناً.

أوليل

صوت جليسه لكثرة غوغاء الناس، وتجاراتهم إنما هي بالتبر ليست عندهم فضة. وبأودغشت مبان حسنة رفيعة، وأهلها أخلاط من جميع الأمصار قد استوطنوها لكثرة خيرها ونفاق أسواقها وتجاراتها، هكذا حكي وكأنه مناقض لما سبق، ولعل ذلك في وقتين مختلفين. وحريم أودغشت لا يوجد مثله في بلد، يجلب منها جوار بيض الألوان رشيقات القدود لطاف الخصور ضخام الأرداف واسعات الأكتاف ضيقات الفروج، المستمتع بإحداهن كأنما يستمتع ببكر أبداً من غير أن ينكسر لإحداهن ثدي طول عمرها، وأخبرني (1) من رأى امرأة منهن بمدينة أودغشت راقدة على جنبها وكذلك يفعلن في أكثر أحوالهن اشفاقاً من الجلوس على أردافهن ورأى ابناً لها طفلاً يلعب حواليها، وهو يدخل تحت خصرها ويخرج من الجهة الأخرى من غير أن تتجافى له، وذلك لعظم ردفها ودقة خصرها. وبين مدينة بريسي (2) وأودغشت اثنتا عشرة مرحلة، وليس في بلاد السودان شيء من الفواكه الرطبة ولا اليابسة إلا ما يجلب إليها من التمر من بلاد سجلماسة أو بلاد الزاب يجلبه إليهم أهل واركلان الصحراء. والنيل يجري في هذه الأرض من المشرق إلى المغرب وينبت على ضفتيه شجر الأبنوس والشمشار والخلاف والطرفاء والأثل غياضاً متصلة وبها يستظلون عند شدة الحر وحمارة القيظ، وفي غياضها الأسد والزراريف والغزلان والضبعان والأرانب والقنافذ، وفي النيل أنواع من السمك وضروب من الحيتان الكبار والصغار، ومنه طعام أكثر السودان يتصيدونه ويملحونه وهو في غاية الحسن والغلظ. وأسلحة أهل هذه البلاد القسي وعليها عمدتهم ويتخذون الدبابيس من شجر الأبنوس ولهم فيها حكمة وصناعة متقنة، وأما قسيهم فمن القصب وحليهم النحاس وخرز الزجاج. وهي بلاد حر ووهج شديد، وأهل المدن منها يزرعون البصل والقرع والبطيخ ويجلب منها سودانيات طباخات محسنات تباع الواحدة منهن بمائة دينار كبار وأزيد لحسن عمل الأطعمة الطيبة ولا سيما أصناف الحلاوات مثل الجوزينيات واللوزينجات والقاهرات والكنافات والقطائف والمشهدات وأصناف الحلاوات فلا يوجد أحذق بصنعتها منهن. ومنها تجلب الدرق الجيدة فإن اللمط بأرض أودغشت كثير جداً ويجلب أيضاً منها العنبر الطيب لقربها من البحر المحيط، ويجلب منها الذهب الإبريز الخالص خيوطاً مفتلة، وذهب أودغشت أطيب ذهب الأرض وأصحه، وكان صاحب أودغشت في عشر خمسين وثلاثمائة (3) رجلاً من صنهاجة وكانت له جيوش كثيرة فدانت له أزيد من عشرين ملكاً من ملوك السودان كلهم يؤدون إليه الجزية، وكان عمله مسيرة شهرين في مثلها في عمارة متصلة، وكان يعتد في أزيد من مائة ألف نجيب فإن الخيل في تلك البلاد قليلة، فيقال إنه غزا ملكاً من ملوك السودان فدخل بلده وأحرقه وقتل جنده والملك في قصره ينظر إليه، فلما رأى ما حل ببلده هان عليه الموت فخرج ورمى بدرقته إلى الأرض وقاتل حتى قتل، فلما عاين نساؤه ذلك تردين في الآبار وقتلن أنفسهن بضروب القتل أسفاً على ملكهن وأنفة أن يملكهن البيضان. وبين أودغشت وسجلماسة نحو خمسين مرحلة ومنها إلى غانة نحو عشرين مرحلة. أسكر (4) قرية على شط النيل في البلاد المصرية، وهي على الضفة الشرقية من النيل مياسرة للصاعد، يذكر أن فيها مولد موسى الكليم صلوات الله عليه. أوجلة (5) مدينة بينها وبين برقة في البر عشر مراحل، وهي مدينة صغيرة متحضرة، وهي في ناحية البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها، ومنها يدخل إلى كثير من أرض السودان، والوارد عليها والصادر عنها قليل، وأرض أوجلة وبرقة واحدة، وشرب أهلها من المواجل. أوليل (6) جزيرة في الإقليم الأول من أرض السودان على مقربة من الساحل وبها ملاحة مشهورة ولا يعلم في بلاد السودان ملاحة غيرها، ومنها يحمل الملح إلى جميع بلاد السودان، ومن هذه الجزيرة إلى مدينة سلى ست عشرة مرحلة.

_ (1) هذا ما قاله البكري. (2) في الأصل: برسين، والتصويب عن نزهة المشتاق، وقد عاد غلى النقل عنه، انظر الإدريسي (ب) : 5، والنزهة: 12 (نسخة آياصوفيا) . (3) في الأصل: وخمسمائة. (4) ص ع: أو سكون، وهو خطأ متابعه لابن جبير: 57؛ وقد مرت أسكر: 52. (5) الإدريسي (ب/ د) : 99/ 133. (6) الإدريسي (ب/ د) : 3/ 2.

أوراس

أوراس (1) هو جبل قريب من باغاية بإفريقية بينه وبين نقاوس ثلاث مراحل وهو المتصل بالسوس، ويقال إنه قطعة من جبل درن بالمغرب ومتصل به وطوله نحو اثني عشر يوماً، ومياهه كثيرة وعمارته متصلة وفي أهله نخوة وتسلط على من جاورهم من الناس. ومن هذا الجبل قام أبو يزيد مخلد بن كيداد الزناتي النكاري في سنة ثلاث وثلاثمائة واستفحل أمره وعظم شأنه واستولى على كثير من البلاد الإفريقية، وعظمت فتنته وأكثر القتل في الناس فكانت فتنته شنيعة وأمره عظيماً إلى أن قتل واستراح المسلمون منه ومن خبائث سيره وقبيح أفعاله على ما سيرد إن شاء الله تعالى. وفي جبل أوراس كانت الملكة المعروفة بالكاهنة المقتولة في الفتح الأول على يدي المسلمين، فروي أن حسان بن النعمان الغساني لما أغزاه عبد الملك بن مروان إفريقية سنة تسع وستين في جيش فيه نحو من ستة آلاف فارس لما وصل إفريقية قصد قرطاجنة فوافقه أهلها فقتل رجالهم وفرسانهم فهربوا في البحر في سفن كانت لهم إلى الأندلس وإلى صقلية ثم دخلها بالسيف وأرسل إلى ما حولها من العمران فاجتمعوا له مسرعين خوفاً منه فأمرهم بهدم قرطاجنة وقطع القناة عنها ثم رجع إلى روم سطفورة فقاتلهم فهزم الله تعالى الروم بعد بلاء عظيم ثم سأل عن أعظم ملك بإفريقية ومن إذا قتل دانت إفريقية لقاتله، ويئس البربر والروم من أنفسهم، فقيل له ليس بإفريقية أعظم قدراً ولا أبعد صيتاً ولا أشد حزماً من امرأة يقال لها الكاهنة، وهي في جبل أوراس وجميع من بإفريقية خائفون منها، والروم سامعون لها مطيعون، فإن قتلتها يئس الروم والبربر أن تكون لهم دولة. فلما سمع ذلك حسان خرج إليها بجيوشه، فلما بلغ مجانة نزل بها، وكانت قلعتها لم تفتح فتحصن فيها الروم فمضى وتركهم، وبلغ الكاهنة أمره فرجعت إليه من جبل أوراس في عدد لا يعلمه إلا الله تعالى فنزلت مدينة باغاي فأخرجت من بها وظنت أن حسان يريد حصناً يتحصن به، ثم أقبل حسان وزحفت الكاهنة فانتهوا إلى نهر كان حسان ومن معه يشربون من أعلاه وكانت الكاهنة ومن معها يشربون من أسفله، وأبى حسان أن يقاتلها ليلاً فوقف كل فريق على مصافهم، فلما أصبح زحف بعضهم إلى بعض ثم اقتتلوا قتالاً شديداً وقتل من العرب خلق عظيم وانهزم حسان بعد بلاء عظيم وسمي النهر نهر البلاء، واتبعته الكاهنة بمن معها حتى حد قابس، فأسلم إفريقية ومضى على وجهه وأسرت من أصحابه ثمانية رجال، وقيل ثمانين، فيهم خالد بن يزيد العبسي وكان رجلاً مذكوراً، فلما فصل من قابس كتب إلى عبد الملك يخبره بما نزل من البلاء بالمسلمين من قبل الكاهنة وترفق في السير طمعاً في لحاق أصحابه، فكتب إليه عبد الملك: أقم حيث يأتيك كتابي ولا تبرح حتى يأتيك أمري، فأتاه كتابه وهو بالموضع الذي يقال له اليوم قصور حسان فابتنى هناك قصراً لنفسه وأقام بمن معه ثلاث سنين وملكت الكاهنة إفريقية كلها وأرسلت من معها من أسرى المسلمين إلا رجلاً واحداً يقال له خالد بن يزيد العبسي، فإنها حبسته عندها، وعمدت إلى دقيق الشعير وهم يسمونه البسيسة، ثم دعت خالد بن يزيد وابنين لها فأمرتهم فأكلوا ثلاثتهم منها، وقالت لهم: أنتم الآن قد صرتم إخوة وذلك عند البربر من أعظم العهد في جاهليتهم إذا فعلوه، ثم بعث حسان إلى خالد بن يزيد وهو عند الكاهنة يقول له: ما منعك من الكتاب إلي بخبر الكاهنة فكتب إليه مع رسوله في خبزة ملة قد أنضجها ليظن من رأى الخبزة أنها زاد للرجل فلم يغب شخص الرسول عنهم حتى خرجت الكاهنة ناشرة شعرها تقول: يا معشر بني هلاككم فيما يأكل الناس، كررت ذلك ثلاث مرات. ومضى الرسول حتى قدم على حسان بالكتاب فيه كل ما احتاج إليه من خبرها، وفيه أن البربر تجتمع عساكرهم بالنهار ويفترقون بالليل وليس لهم حزم في رأيهم، وإنما ابتلينا بأمر أراده الله عز وجل وأكرم به من أراد منا بدرجة الشهادة، فإذا نظرت في كتابي فاطو المراحل وجد في السير فإن الأمر لك ولست أسلمك إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم كتب خالد بن يزيد بعد ذلك إلى حسان بخبر ما قبله، وعمد إلى قربوس فنقره ثم وضع فيه الكتاب وأطبق عليه وأخفى مكان النقر ثم حمل رسولاً على دابة بالكتاب إلى حسان، فلما فصل خرجت الكاهنة ناشرة شعرها تقول: يا بني هلاككم في شيء من نبات الأرض، وكانت من أعلم أهل زمانها بالكهانة، ومضى الرسول حتى قدم على حسان، فلما علمت الكاهنة أن حسان يقيم بقصوره لا يبرح قالت للبربر والروم: إنما

_ (1) أول المادة عن الإدريسي (ب/ د) : 66/ 94 ثم عن البكري: 50، 144، وقارن قصة حسان والكاهنة بما عند ابن عذاري 1: 34 - 39، والمالكي 1: 32 - 36.

أوش

يطلب حسان من إفريقية المدائن والذهب والفضة والشجر ونحن إنما نريد منها المراعي والمزارع فما أرى لكم إلا خراب إفريقية، فوجهت البربر يقطعون الشجر ويهدمون الحصون، قالوا: وكانت إفريقية من طرابلس إلى طنجة ظلاً واحداً وقرى متصلة فأخربت ذلك كله، فخرج من النصارى ثلاثمائة رجل مستغيثين بحسان مما نزل بهم من الكاهنة من خراب الحصون وقطع الشجر، وكان قد وجه إليه عبد الملك بن مروان يأمره بالنهوض إلى إفريقية قبل أن تخربها الكاهنة، فوافق ذلك قدوم الروم عليه وقدوم رسول خالد بن يزيد عليه، فرجع بجميع عسكره إلى إفريقية؟ فيقال إن الكاهنة خرجت ناشرة شعرها تقول: يا بني انظروا ماذا ترون، فقالوا: نرى شيئاً من سحاب أحمر، قالت: بلى وإلهي ما هو إلا رهج خيل العرب قد أقبلت إليكم، ثم قالت لخالد بن يزيد الذي كانت أسرته: إنما كنت تبنيتك لمثل هذا اليوم، أما أنا فمقتولة ولكن أوصيك بأخويك هذين خيراً، تريد ولديها، فانطلق بهما إلى العرب فخذ لهما أماناً. فانطلق بهما خالد بن يزيد فأخذ لهما أماناً، ولقي حسان وهو مقبل يريد الكاهنة، فوصل إلى قابس فلقيته الكاهنة، وكانت مع حسان جماعة من البربر فولى عليهم الأكبر من ولدي الكاهنة وأكرمه وأقربه، ولقيته الكاهنة في جيوش عظيمة فاقتتلوا فهزمهم الله تعالى، وانهزمت الكاهنة تريد قلعة بشر لتتحصن بها فأصبحت القلعة لاصقة بالأرض فهربت تريد جبل أوراس ومعها صنم عظيم من خشب كانت تعبده يحمل بين يديها على جمل، فتبعها حسان حتى قرب من موضعها، فلما كان الليل قالت الكاهنة لابنيها: إني مقتولة وإن رأسي تركض به الدواب وتمضي به إلى المشرق من حيث تطلع الشمس وأراه موضوع بين يدي ملك العرب الذي بعث إلينا بهذا الرجل، فقال لها خالد بن يزيد وولداها: فإذا كان الأمر هكذا عندك فارحلي وخلي البلاد، قالت: وكيف أفر وأنا ملكة والملوك لا تفر من الموت فأقلد قومي عاراً إلى آخر الدهر، قالوا لها: أفلا تخافين على قومك قالت: إذا أنا مت فلا أبق الله منهم أحداً في الدنيا، فقال لها خالد بن يزيد وولداها: فما نحن صانعون؟ فقالت: أما أنت يا خالد بن يزيد فستنال ملكاً عظيماً عند الملك الأعظم وأما أولادي فسيدركون بإفريقية ملكاً عظيماً مع هذا الملك الذي يقتلني، ثم قالت لهم: اركبوا فاستأمنوا إليه فركب خالد بن يزيد وولداها بالليل إلى حسان، فلما أصبح حسان زحف إليها، وأقبلت الكاهنة راجعة إليه فلقيت أعنة الخيل خالداً وولديها فسلموا عليهم ومضوا بهم إلى حسان فدخل ابن يزيد على حسان وأخبره بما قالت الكاهنة، وأنها وجهت إليه بولديها فأمر بهما حسان فأدخلهما ووكل بهما قوماً، وقدم خالد بن يزيد على أعنة الخيل، فالتقى القوم ووضعوا السلاح بعضهم على بعض ووقع الصبر، وانهزمت الكاهنة وقتلت عند بئر سماه الناس بئر الكاهنة إلى اليوم، ويقال إنها قتلت عند طبرقة، فنزل حسان على الموضع الذي قتلت فيه وعجب الناس من خلقها وكانت الأترجة تجري فيما بين عجيزتها وأكتافها. ثم إن الروم تحزبوا بعد ذلك وأجمعوا على قتال حسان فقاتلهم فهزمهم الله تعالى، وخافته البربر فاستأمنوا إليه فلم يقبل منهم حتى أعطوه من جميع قبائلهم اثني عشر ألف فارس يكونون مع العرب فأجابوه وأسلموا على يديه، وعقد لولدي الكاهنة بعد إسلامهما لكل واحد منهما ستة آلاف فارس من البربر، وأخرجهم مع العرب يفتتحون إفريقية ويقتلون الروم، فمن أجل ذلك صارت الخطط بإفريقية للبربر فكان يقسم الفيء بينهم والأراضي، وحسنت طاعتهم له، فدانت له إفريقية ودون الدواوين. أوش (1) من مدن فرغانة بينها وبين قبا عشرة فراسخ، وهي مدينة عامرة، وقهندزها عامر ودار الإمارة والحبس في القهندز، وعلى ربضها سور وهي ملاصقة للجبل الذي عليه مرقب الأتراك الذي تحرس منه ولها ثلاثة أبواب. أولية السهلة (2) بالأندلس قريبة من قرطبة تعرف بالرملة وهي أم الأقاليم، كثيرة الأهل واسعة الخطة مثمرة الأرضين، بها ديار للعجم متقنة البنيان في إحداها أربع سوار مجزعة من نفيس الرخام في نهاية العظم والطول عليها الناقوس. أوريط (3) مدينة قديمة بالأندلس كانت عظيمة مذكورة مع طليطلة، وهي معها في حد واحد من مدن قسطنطين، وإنما عمرت قلعة رباح وكركي بخراب أوريط.

_ (1) انظر ياقوت: (أوش) ، وابن حوقل: 420. (2) بروفنسال: 34،والترجمة: 43. (3) بروفنسال: 33، والترجمة 42 (Oreto) .

أوفة

أورشين (1) مدينة صغيرة من مدن الهند على الساحل، وجزيرتها عظيمة المقدار كثيرة الجبال والأشجار، وفيها فيلة كثيرة وبها تصاد ويتجهز بأنيابها منها، وللناس في صفة صيدها أقوال، منهم من يقول إن الصائدين لها يقصدون إلى مواضع مبيتها والأماكن التي تأوي إليها فيحفرون لها حفائر كما تفعله عربهم (2) في صيد الأسود، ويكون أعلاها واسعاً وأسفلها ضيقاً، ويسترونها بالخشب الرقاق والحشيش ويسوى بالتراب فوق ذلك حتى تخفى الحفرة، فإذا جاءت الفيلة إلى مواضعها التي اعتادت المبيت فيها وفي طرق مائها الذي اعتادت الشرب منه سقطت في الحفرة على رأسها وفر باقي الفيلة على وجوهها وصائدوها يكونون هناك في أماكن لهم ينظرون منها إلى ما يسقط في الحفرة من الفيلة فإذا رأوا ذلك أسرعوا إلى ما سقط في الحفرة وفتحوا خواصرها وبطونها واستخرجوا أنيابها وأخذوا كعوبها. قالوا: وهي تمشي قطاراً وتبيت في الغياض اثنين في واحدة، وثلاثة وأربعة في واحدة وصفة رقادها أن تقصد الشجر فتورك على أصولها فيورك بعضها على بعض وتنام وقوفاً لغلظ أرساغها وطول مفاصلها فيأتي الصائدون إلى تلك الأشجار بالنهار فيقطعون أكثرها، ويتركون الشجر قائمة مستهلكة، فإذا جن الليل وأتت الفيلة على عادتها إلى تلك الأشجار التي عادتها الرقاد بالاعتماد عليها فلا يزال يثقل بعضها على بعض إلى أن تسقط الشجر وتسقط الفيلة مع سقوطها فلا تقدر أن تقوم، فيثب الصيادون إليها بالخشب فيضربون رؤوسها إلى أن تموت وتستخرج أنيابها وتباع من التجار بأموال كثيرة وتحمل إلى البلاد وتصرف في كثير من الأعمال والترصيع، ويكون في النابين الكبيرين من الفيلة ستة عشر قنطاراً إلى ما فوقها ودونها قالوا: والإناث منها تلد أولادها في المياه الراكدة فإذا وضعت أولادها سقطت في الماء فتسرع الأمهات إليها وتقيمها في الماء على سوقها وتخرجها منه وتديم لحسها إلى أن تجف وتستدرجها إلى أن تكمل تبارك الله أحسن الخالقين. ولا يدرى في الحيوانات أفهم من الفيل ولا أقبل منه للتعليم، ومن خواصه أنه لا ينظر إلى عورة الإنسان، وتتنافس ملوك الهند في اقتناء الفيلة وتتغالى في أثمانها وتحافظ عليها وتجلب إلى مرابطها عندهم صغاراً فتنشأ على التأنس بالناس ويقاتلون عليها لأن الفيل الكبير يقاتل على ظهره اثنا عشر رجلاً بالحجف والسيوف والدبابيس الحديد، ويقف على رأس كل فيل رجل يسوقه بمخاطف، ويضرب على رأسه بخشبة ويحمل بعضها على بعض فيمر الأقوى على الأضعف، ولها كرات ورجعات، كل ذلك من أمر الفيلة مشهور في بلاد الهند. وقد عاين ذلك المسلمون في صدر الإسلام وفي حروب القادسية، والفيلة في جزيرة أورشين كثيرة ويستولدونها وتخرج منها إلى سائر البلاد من الهند وغيره، وفي هذه الجزيرة معدن الحديد، وينبت في أكثر جبالها الراوند، والذي يجلب منه من الصين أفضل لأنه أصلب جسماً وأصبغ لوناً وأبلغ فيما يراد منه من إصلاح الكبد وجملة منافعه، وفي هذه الجزيرة شجر يسمونه الشهكير (3) على صفة الخروع كثير الشوك بارزه له عروق سود، وملوك الهند والصين تدبر منه سم ساعة، وأهل الهند والصين لا يقتلون أحداً من ذوي محارمهم ولا من خدامهم إلا بالسم. أوفة (4) مدينة من مدن هراة وهي أصغر قدراً من هراة، ولها أسواق عامرة وعمارات وتجارات كثيرة وبساتين وجنات وكروم. أوريولة (5) حصن بالأندلس وهو من كور تدمير وأحد المواضع التي صالح عليها تدمير بن غندرس عبد العزيز بن موسى بن نصير حين هزمه عبد العزيز ووضع المسلمون السيف فيهم فصالحه على هذه المعاقل على أداء الجزية، وكان حصن أوريولة قاعدة تدمير وذلك مشروح في ذكر قرطاجنة. وبين أوريولة وألش خمسة عشر ميلاً وقيل عشرون ميلاً، ومدينة أوريولة قديمة أزلية كانت قاعدة العجم وموضع مملكتهم، وتفسيرها باللطيني الذهبية ولها قصبة في غاية من الامتناع على قنة جبل، ولها بساتين وجنات فيها فواكه كثيرة وفيها رخاء شامل وأسواق وضياع، وبينها وبين مرسية اثنا عشر ميلاً، وبينها وبين قرطاجنة خمسة وأربعون ميلاً، ولي قضاءها أبو الوليد الباجي.

_ (1) نزهة المشتاق: 143 (نسخة آيىصوفيا) ، والإدريسي (ق) : 76، وكتبها: أوريسين، وهذا الشكل يرد في مخطوطة آياصوفيا أيضاً ومعه ((لوريشن)) ، وفي مخطوطة كوبريللي " أورسين، أوربسين، لورسيق، على التوالي. (2) نزهة المشتاق: البرابر. (3) في الأصل: الهسكير. (4) انظر ابن حوقل: 267. (5) بروفنسال: 34، والترجمة: 43 (Orihuela) وتقع على بعد 23 كيلومتراً غلى الشمال الشرقي من مرسيه؛ والإدريسي (د) : 193.

إيليا

إيليا (1) ويقال أيليا بفتح الهمزة، مدينة بالشام وهي بيت المقدس، وهي مدينة قديمة جليلة على جبل يصعد إليها من كل جانب، وهي طويلة من المغرب إلى المشرق، وفي طرفها الغربي باب البحر وهذا الباب عليه قبة داود عليه السلام، وفي طرفها الشرقي باب يسمى باب الرحمة وهو مغلق لا يفتح إلا من عيد الزيتون إلى مثله، وفي المشرق منها زقاق شارع إلى الكنيسة العظمى المعروفة بكنيسة القيامة، وهي الكنيسة المحجوج إليها من جميع بلاد الروم التي في مشارق الأرض ومغاربها فيدخل من باب في غربيها فيجد الداخل القبة التي تشتمل على جميع الكنيسة، وهي قالوا من عجائب الدنيا، والكنيسة أسفل ذلك الباب، ولها باب من جهة الشمال ينزل منه إلى أسفل الكنيسة على ثلاثين درجة، ويسمى هذا الباب باب شنتمرية، وعند نزول الداخل إلى الكنيسة تلقاه مقبرة عيسى عليه السلام فيما زعموا ولها بابان، وعليها قبة محكمة البناء، وعلى الباب في يسار الكنيسة منحرفاً بشيء إلى الجنوب الحبس الذي حبس فيه المسيح عليه السلام، والقبة الكبيرة قوراء مفتوحة إلى السماء، وبها دار فيها الأنبياء مصورون، وعلى المقبرة ثلاثة قناديل من ذهب معلقة على المكان. وإذا خرجت من هذه الكنيسة وقصدت شرقاً ألفيت البيت المقدس الذي بناه سليمان بن داود عليهما السلام، وكان مسجداً محجوجاً إليه في أيام دولة اليهود ثم انتزع من أيديهم وأخرجوا عنه إلى مدة الإسلام، فهو معظم في مدة الإسلام وهو المسجد الأقصى وليس في الأرض مسجد على قدره إلا جامع قرطبة، وصحن المسجد الأقصى أكبر من صحن جامع قرطبة. ومدينة إيليا مسورة في نشز من الأرض، والجبال محيطة بها، والمدينة في غربي المسجد، وماء إيليا من الأمطار، ولداود عليه السلام بها حياض مصهرجة فيها مياه الأمطار، وخارجها بساتين ومزارع وأشجار وزيتون وليس بها من شجر النخل إلا واحدة، ويقال إنها المذكورة في التنزيل في شأن مريم، وهي منحنية، ويقال إنها غرست منذ زيادة على ألف سنة. والأرض المقدسة أربعون ميلاً في مثلها، فأما بيت المقدس فأول من بناه وأوري موضعه يعقوب عليه السلام، وقيل إن أول من بناه داود عليه السلام، وكان بناؤه له إلى وقت تخريب بخت نصر له وانقطاع دولة بني إسرائيل أربعمائة سنة وأربع وخمسون سنة، فلم يزل خراباً إلى أن بناه ملك من ملوك الطوائف من الفرس يقال له كوشك، ثم تغلبت ملوك غسان على الشام بتمليك الروم لهم ودخولهم في نصرانيتهم، إلى أن جاء الله بالإسلام، وملك الشام منهم جبلة بن الأيهم ففتح الله الشام على المسلمين في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمير الجيش قد كتب إلى بطاركة إيليا يدعوهم إلى الإسلام أو أداء الجزية فالتووا عليه فنزل عليهم وحاصرهم حصاراً شديداً فلما رأوا أنه غير مقلع عنهم واشتد عليهم الحصار سألوه أن يصالحهم على أن يعطوه الجزية فأجابهم إلى ذلك، فقالوا: فأرسل إلى خليفتك فيكون هو الذي يعطينا العهد ويكتب لنا الأمان فإنا لا نرضى إلا به، فاستوثق منهم أبو عبيدة بالأيمان المغلظة إن قدم أمير المؤمنين فأعطاهم الأمان ليقبلوا ذلك منه، ثم خاطب عمر رضي الله عنه بما دعوا إليه وباستيثاقه منهم، فسار عمر رضي الله عنه نحو إيليا وخرج المسلمون يستقبلونه فخرج أبو عبيدة رضي الله عنه بالناس، وأقبل عمر رضي الله عنه على جمل له عليه رحل ملبس جلد كبش حولي حتى انتهى إلى مخاضة، فأقبلوا يتبادرونه حتى نزل عن بعيره وأخذ بزمامه وهو من ليف، ثم دخل بين يديه حتى صار إلى أصحاب أبى عبيدة رضي الله عنهما فإذا معهم برذون يجنبونه، فقالوا: يا أمير المؤمنين اركب هذا البرذون فإنه أحجى بك وأهون عليك في ركوبه ولا نحب أن يراك أهل الذمة في مثل هذه الهيئة، واستقبلوه بثياب بيض فركب البرذون وترك الثياب، فلما هملج به نزل عنه وقال: خذوا هذا عني فإنه شيطان، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو لبست هذه الثياب البيض وركبت هذا البرذون لكان أجمل في المروءة وأحسن في الذكر، فقال عمر رضي الله عنه: ويحكم لا تعتزوا بغير ما أعزكم الله به فتذلوا، ثم مضى ومضى المسلمون فيهم أبو الأعور السلمي قد لبسوا ثياب الروم من الديباج وغيره، فقال عمر رضي الله عنه: احثوا في وجوههم التراب حتى يرجعوا إلى هيئتنا وسنتنا، وأمر بذلك الديباج فخرق، فقال له يزيد بن أبي سفيان: يا أمير المؤمنين إن الدواب والسلب عندنا كثير والعيش رفيغ والسعر رخيص وحال المسلمين كما تحب فلو أنك لبست هذه الثياب البيض وركبت هذه المراكب الفره وأطعمت المسلمين من هذا الطعام الكثير لكان أبعد في الصيت

_ (1) نزهة المشتاق، الورقة: 216 وما بعدها.

الإيوان

وأعظم في أعين الأعاجم، فقال له عمر رضي الله عنه: يا يزيد لا والله لا أتزين للناس بما يشينني عند الله تعالى ولا أريد أن يعظم أمري عند الناس ويصغر عند الله عز وجل، ثم سار حتى أتى إيليا فخرج إليه أبو الجعيد فصالحه، وكتب له عمر رضي الله عنه كتاباً (1) أمنهم فيه على أنفسهم وذراريهم ونسائهم وأموالهم وكنائسهم واشترطوا أن لا يساكنهم اليهود فيها، فلما قبضوا كتاب الصلح فتحوا للمسلمين أبواب إيليا، فدخل عمر رضي الله عنه والمسلمون معه، وسخر عمر رضي الله عنه أنباط أهل فلسطين في كنس بيت المقدس، وكانت فيه مزبلة عظيمة، وجاء عمر رضي الله عنه ومعه كعب فقال: يا أبا إسحاق أتعرف موضع الصخرة؟ فقال: اذرع من الحائط الذي يلي موضع كذا، كذا وكذا ذراعاً ثم احفر فإنك تجدها، قال: وهي يومئذ مزبلة، فحفروا فظهرت، فقال عمر رضي الله عنه لكعب: أين ترى أن نجعل قبلة المسجد قال: اجعلها خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد صلى الله عليهما وسلم، قال: ضاهيت اليهود يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها. قال: فبنى القبلة في مقدم المسجد، ثم بنى عبد الملك بن مروان مسجد بيت المقدس سنة سبعين، وحمل إلى بنيانه خراج مصر سبع سنين، وبنى القبة على الصخرة وجعل على أعلى القبة ثمانية آلاف صفيحة من نحاس مطلية بالذهب، في كل صفيحة سبعة مثاقيل ونصف من ذهب، وأفرغ على رؤوس الأعمدة مائة ألف مثقال ذهباً وخارج القبة كلها ملبس بصفائح الرصاص، وطول مسجد بيت المقدس بالذراع الملكي ويقال إنه ذراع سليمان عليه السلام وهو ثلاثة أشبار سبعمائة وخمس وخمسون ذراعاً، وفيه من الأساطين ستمائة وأربع وثمانون اسطوانة، والعمد التي في قبة الصخرة ثلاثون عموداً وفيه خمسة آلاف قنديل توقد فيه ليلة كل جمعة. الإيوان هو إيوان كسرى بدار ملك الأكاسرة المدائن من العراق وبالمدينة العتيقة منها التي كان ينزلها ملوك بني ساسان، ويقال إن سابور ذا الأكتاف هو الذي بناه، وهو من أكابر ملوكهم. وهذا الإيوان هو الذي يقول فيه البحتري من قصيدة وصف في أولها القصر الأبيض فأجاد ما شاء ثم قال يصف الإيوان هذا: وكأن الإيوان من عجب الصن؟ ... عة جوب في جنب أرعن جلس يتظنى من الكآبة إذ يب؟ ... دو لعيني مصبح أو ممسي مزعجاً بالفراق عن أنس ألف ... عز أو مرهقاً بتطليق عرس عكست حظه الليالي وبات ال؟ ... مشتري فيه وهو كوكب نحس فهو يبدي تجلداً وعليه ... كلكل من كلاكل الدهر مرس لم يعبه إن بز من بسط الديبا ... ج واستل من سور الدمقس مشمخر تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وقدس لابسات من البياض فما تب؟ ... صر منها إلا غلائل ورس لست تدري أصنع أنس لجن ... صنعوه أو صنع جن لأنس غير أني أراه يشهد أن لم ... يك بانيه في الملوك بنكس وروي أن أبا جعفر المنصور (2) لما أفضت الخلافة إليه هم بنقض هذا الإيوان واستشار في ذلك جلساءه وذوي الرأي عنده من رجاله، فكلهم وافقه على رأيه وأشار عليه بما يطابق هواه إلا خالد بن برمك فإنه قال له: لا تفعل يا أمير المؤمنين فإنه آية الإسلام وإذا رآه من يأتي في مستقبل الزمان علم أن أصحاب مملكته لم يغلبوا عليه إلا بأمر من الله تعالى وتأييد أمد به المسلمين الذين قهروهم، وبقاؤه فخر لكم وذكر ومع ذلك فالمؤونة في هدمه أكثر من العائد منه فاستغشه المنصور في ذلك فقال له: يا خالد أبيت إلا ميلاً مع العجمية ثم أمر بنقض الإيوان،

_ (1) انظر نص الكتاب في الطبري 1: 2405. (2) قارن بما أورده ياقوت، ((الايوان)) .

أيلة

فبلغت النفقة في نقض شيء يسير منه مبلغاً عظيماً، فكتب إليه بذلك فعزم على تركه وقال لخالد بن برمك: قد صرنا إلى رأيك، فقال له خالد: إن رأيي الآن أن تبلغوا به الماء، فقال له المنصور: وكيف ذلك؟ قال: إني آنف لكم أن يكون أولئك بنوا بناء تعجزون أنتم عن هدمه والهدم أسهل من البناء. ففكر المنصور في قوله فعلم أنه قد صدق، ثم نظر فإذا هدمه يتلف الأموال فأمر بالإمساك عنه. وكان بعد يقول: لقد حبب إلي هذا ألا أبني إلا بناء جليلاً يصعب هدمه. وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاستيلاء على مملكة فارس ووعدهم بافتتاح المدائن فضرب صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بمعول أخذه صخرة عظيمة اعترضت عليهم في الخندق، فكسر ثلثها بضربة وقال: " الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة "، ثم ضرب الثانية فكسر ثلثها الثاني وقال: " الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأنظر قصر المدائن الأبيض "، ثم ضرب الثالثة فكسر بقية الحجر وقال: " الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأرى أبواب صنعاء من مكاني الساعة "، فصدق الله وعده وأنجز لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما بشرهم به واستأصل بهم مملكة فارس، وفتح عليهم المدائن في زمان عمر رضي الله عنه. والمدائن على مسافة يوم من بغداد، ويشتمل مجموعها على مدائن متصلة مبنية على جانبي دجلة شرقاً وغرباً، ودجلة يشق بينهما، ولذلك سميت المدائن، فالغربية منها تسمى بهرسير، والمدينة الشرقية تسمى العتيقة وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه ويتصل بهذه المدينة العتيقة المدينة الأخرى التي كانت الملوك تنزلها وفيها إيوان كسرى المتقدم الذكر. ونزل الرشيد مرة على قرب من الإيوان فسمع بعض الخدم من وراء السرادق يقول لآخر: هذا الذي بنى هذا البناء أراد أن يصعد إلى السماء، فأمر الرشيد بضربه مائة عصا وقال لمن حضره: إن الملك نسبة بين الملوك لهم به إخوة وإن الغيرة بعثتني على أدبه لصيانة الملك وما يلحق الملوك للملوك. قالوا: ولما بنى أنوشروان سور الباب والأبواب وفدت عليه الملوك بالهدايا فكان في جملتهم رسول قيصر فنظر إلى الإيوان وحسن بنائه وإعجاب صنعته ورأى تعريجاً في ميدانه واعوجاجاً فسأل عن معنى ذلك فقيل له إن عجوزاً لها منزل في جانب الاعوجاج، وأن الملك أرادها على بيعه وأرغبها فأبت فلم يكرهها فقال الرومي: هذا الاعوجاج الآن أحسن من الاستواء. ولما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتج هذا الإيوان وسقط منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان وهو القائم بأمر الدين عندهم خيلاً عراباً قد قطعت دجلة فأفزع ذلك كسرى أنوشروان، وكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتين وأربعين سنة من ملكه، فكتب أنوشروان إلى النعمان بن المنذر وهو ولاه أمر العرب أن يوجه إليه رجلاً من مشاهير العرب يسأله عما يريد فبعث إليه عبد المسيح بن عمرو إلى آخر القصة وهي مشهورة. وللإيوان بناء عال شديد البياض. أيلة (1) في طريق مكة، حاطها الله، من مصر، وهي أول حد الحجاز، وهي مدينة جليلة القدر على ساحل البحر الملح بها يجتمع حاج مصر والمغرب، وبها التجارة الكثيرة وأهلها أخلاط من الناس. وسميت بأيلة بنت مدين قالوا: وهي القرية التي كانت حاضرة البحر المذكورة في القرآن. قال ابن إسحاق (2) : ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية وكتب له كتاب أمنه هو مذكور في سير ابن إسحاق. وروى أبو حميد الساعدي في خبر تبوك أن صاحب أيلة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه برداً وكتب له. وتسير من أيلة فتلقى العقبة التي لا يصعدها راكب لصعوبتها ولا تقطع إلا في طول اليوم لطولها ثم تسير مرحلتين في فحص التيه، وأيلة حد مملكة الروم في الزمن الغابر وعلى ميل منها باب معقود لقيصر قد كان مسلحة يأخذون عنده المكوس ومن أيلة إلى بيت المقدس ست مراحل، والطور الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام على يوم وليلة من أيلة، وينزلها اليوم قوم من بني أمية وأكثرهم موالي عثمان رضي الله عنه كانوا سقاة الحاج، وبها علم كثير وآداب ومتاجر وأسواق عامرة، وهي كثيرة النخل والزرع واصلح عقبة أيلة فائق مولى خمارويه بن أحمد بن طولون

_ (1) رحلة الناصري: 201 - 202. (2) ابن هشام 2: 525.

إيلاق

وسوى طريقها وردم ما استرم فيها، وبأيلة أسواق ومساجد، وفيها كثير من اليهود يزعمون أن عندهم برد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه وجهه إليهم أماناً وهم يظهرونه رداء عدنياً ملفوفاً في الثياب قد أبرز منه مقدار شبر فقط. ثم أصلحها السلطان الأشرف قانصوه الغوري آخر ملوك الجراكسة من جملة ما أصلح في طريق الحجاج في أواخر عمره قبل العشرين والسبعمائة (1) . الأيكة المذكورة في كتاب الله تعالى: قيل إنها مدين وقيل من ساحل البحر إلى مدين، وقيل هي غيضة نحو مدين وهو مدين بن إبراهيم عليه السلام، ونبيهم شعيب عليه السلام، وفيهم قال الله تعالى " ولقد كذب أصحاب الأيكة المرسلين "، وفي آية أخرى " وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم " ومن ملوكهم أبو جاد وهوز وحطي على تواليها فكان أبو جاد ملك مكة وما يليها من الحجاز، وكان هوز وحطي ببلاد وج وهي الطائف وما اتصل بها من أرض نجد، وكلمن وسعفص وقريشات ببلاد مصر، وفيما لحق بهم من عذاب الله تعالى يقول المنتصر بن المنذر: ملوك بني حطين وسعفص ذي الندى ... وهوز أرباب البنية والحجر هم ملكوا (2) أرض الحجاز بأوجه ... كمثل شعاع الشمس أو صورة البدر وهم قطنوا أرض الحرام وزينوا ... (3) قصوراً وفازوا بالمكارم والفخر وسلط الله على قوم شعيب عليه السلام حراً شديداً أخذ بأنفاسهم ثم بعث الله سبحانه سحابة فوجدوا لها برداً فلما صاروا تحتها أرسلها الله عليهم فذلك قوله تعالى: " فأخذهم عذاب يوم الظلة " فاحترقوا كما يحترق الجراد، وكانوا أهل كفر وبخس في الميزان والمكيال. إيلاق (4) من بلاد خراسان، لها قصبة ونهر وربض، ولهم في الربض والمدينة ماء جار، وبجبل إيلاق معادن ذهب وفضة، ويتصل بهذا الجبل حدود فرغانة، وبها دار ضرب وليس فيما وراء النهر دار ضرب إلا بسمرقند وبخارى وإيلاق، ولإيلاق بضع عشرة مدينة، وإيلاق متصلة ببلاد الشاش وهما جميعاً لا فصل بينهما عمارتهما متصلة متكانفة لا تنقطع، مقدار عرضها مسيرة يومين في ثلاثة أيام، وليس بخراسان وما وراء النهر كورة ولا إقليم على مقدارها في المساحة أكثر منابر وقرى عامرة من هذه الناحية، وآخر حدودها ينتهي إلى وادي الشاش الذي يقع في بحيرة خوارزم وعامة دور مدنها يجري فيها الماء، وقد أهلك ذلك (5) . ايكلي (6) هي قاعدة بلاد السوس الأقصى وهي مدينة كبيرة قديمة في سهل من الأرض على نهر كبير، وهي كثيرة البساتين والتمر وجميع الفواكه ربما بيع فيها حمل التمر بما دون كراء الدابة من الجنان إلى السوق، وقصب السكر بها كثير، وأكثر شرب أهلها إنما هو ماء قصب السكر، ويعمل بها النحاس المسبوك ويتجهز به إلى بلاد السودان. ودخل عقبة بن نافع إلى هذه المدينة عند دخوله بلاد المغرب وافتتحها وأخرج منها سبياً لم ير مثله حسناً، كانت تباع الجارية الواحدة منهن بألف دينار وأكثر لحسنها وتمام خلقها. ويعمل بهذه المدينة زيت اليرجان (7) وشجره يشبه الكمثرى إلا أنه لا يعلو شجر الكمثرى ولا يفوت وأغصانه نابتة من أصله لا ساق لشجرته ولها شوك وثمرته تشبه الأجاص فيجمع ويترك حتى يذبل ثم يوضع في مقلاة فخار على النار فيستخرج دهنه، وطعمه يشبه طعم القمح المقلو وهو حينئذ محمود الغذاء يسخن الكلى ويدر البول. إيكجان (8) جبل بين سطيف وقسطنطينة فيه قبائل كتامة، وبه حصن حصين ومعقل منيع كان قبل هذا من أعمال بني حماد، وتمتد عمارة كتامة بهذه الأرض إلى أن تجاور أرض القل وبونة، وفيهم كرم وبذل طعام لقاصدهم، وهم أكرم الرجال للأضياف حتى استسهلوا مع ذلك بذل أولادهم للأضياف فلا يرون

_ (1) ما بين معقفين سقط من ع، وقد نقله الناصري؛ اقرأ ((والتسعمائة)) . (2) في الأصل: ملوك. (3) انظر هذه الأبيات في التاج (بجد) والمروج 3: 304. (4) معظمه عن ابن حوقل: 417 - 418، 416. (5) كذا ورد في المخطوطتين، ويبدو فيه بتر. (6) كتبها البكري (162) : ايجلي، مما يدل على أن الجيم مصرية النطق. (7) البكري: الهرجان. (8) الإدريسي (ب/ د) : 70/ 98.

ايالي

بذلك عاراً، وبالغت الملوك في عقوبتهم على ذلك فما انتقلوا عنه ولا امتنعوا عن عادتهم، وقد فنوا وكانوا قبل هذا أعداداً لا تحصى. ايالي (1) مدينة على خمسة فراسخ من مدينة الشيرجان عادلاً عن الشمال إلى المغرب، ولها سور عتيق ومسجد وبها منبر ومسجد جامع، وهي مدينة جميلة لها رساتيق يمنة ويسرة وبها معادن صفر وحديد، وعلى أربعة فراسخ منها مدينة الروذان وهي من عمل فارس.

_ (1) لم أجد من ذكرها، ولعل اللفظة تصفحت على المؤلف، وأقرب الصور إليها " اناس " عند ابن حوقل والمقدسي والإدريسي.

حرف الباء

حرف الباء بابل بالعراق، كانت بابل من عظمها واستبشاع أمرها لا تكاد تجعل من عمل الآدميين، وهي المذكورة في قوله تعالى: " وما أنزل على الملكين ببابل " ويقال إن الضحاك أول من بناها، وسكنها العمالقة (1) ، ودخلها إبراهيم عليه السلام، ويقال إن بها مولده، وقيل بل ولد بالسوس من أرض الأهواز، وقيل بكوثى من أرض السواد، وينسب إليها السحر والخمر، ويقال إن بها هاروت وماروت يعذبان إذ اختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة وأنهما معلقان في سرب تحت الأرض كالحبلين، وأن بعض الناس رآهما كذلك، فجادله يهودي بها لرغبته في ذلك، فلما رأى منظرهما رأى منظراً عظيما وأمراً هائلاً أفزعه، هذا سمعته من الفقيه ابن البراء يحكيه عن مجاهد صاحب التفسير ولا أدري أهو الرائي لهما أو غيره فالله أعلم. ويقال إن نمرود أسسها وهي مدينة ضاحكة المنظر جميلة المنصب زاهرة البناء واسعة الفناء قد جمعت إلى حسن المنظر من كل جانب رصانة البنيان وبهاء المنصب، وكانت سهلة بطحاء ديمومة فيحاء مربعة لها في كل تربيع حصنان عظيمان، وسائر ذلك من سورها لا يكاد من يبلغه خبره يصدق بصفته لكثرة ارتفاعه وفرط اتقانه، وكان خمسين ذراعاً عرضاً في ارتفاع مائتي ذراع في دور أربعة وستين ميلاً، مبنياً بالآجر المرصص، وقد خندق حولها بخندق يجري فيه الفرات وفيه مائة باب من نحاس، وسعة السور في أعلاه كسعته في أسفله، وقد بني في أعلاه مساكن للمقاتلة، والجوابي متصلة في جميع دوره. قالوا: وبابل أقدم بناء بني بعد الطوفان وأن منها تفرق ولد نوح عليه السلام، وأن الذي هدمها كسرى الأول ملك الفرس لما تغلب على أرض بابل، وملوك بابل هم النبط، وزعموا أنهم أول ملوك العالم وأن الفرس أخذت الملك منهم كما أخذته الروم من اليونانيين وأول ملوكهم نمرود، وهم الذين شيدوا البنيان ومدنوا المدن وكوروا الكور وشقوا الأنهار ورتبوا الجيوش وجعلوا الألوية والأعلام. قالوا: وأول صنم يعبد من دون الله تعالى ود وكان رجلاً مسلماً من أهل بابل وكان محبباً في قومه، فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه، فلما رأى الشيطان جزعهم عليه تشبه بصورة إنسان وقال: أرى جزعكم على هذا الرجل فهل لكم في أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه، قالوا: نعم، فصنع لهم تمثالاً فجعلوا يقبلون عليه ويعظمونه، حتى اتخذ كل واحد منهم تمثالاً في منزله يعظمه ويتبرك به، ثم تناسلوا على ذلك حتى اتخذوه الهاً يعبدونه من دون الله تعالى. باذغيس في خراسان، من بوشنج إلى باذغيس ثلاث مراحل، افتتحها عبد الرحمن بن سمرة في أيام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. وفي خبر المدائني أن ابن عامر حين صالح أهل مرو وصالح الأحنف أهل بلخ (2) وبعث خليد بن عبد الله الحنفي إلى هراة وباذغيس فافتتحها، ولما رجع الأحنف قال لابن عامر (3) ما فتح الله على أحد ما فتح عليك فارس وكرمان وسجستان وسائر خراسان، فقال: لا جرم، لأجعلن شكري لله تعالى على مثل ذلك أن أخرج معتمراً من موقفي وأحرم بعمرة من نيسابور، فلما

_ (1) ص ع: الشايعة. (2) في الأصل: أهل مرو والتصويب عن الطبري 1: 2904. (3) الطبري: قال الناس لابن عامر.

الباميان

قدم على عثمان رضي الله عنه لامه على إحرامه من خراسان وقال له: ليتك تضبط الميقات الذي يحرم منه الناس. ومنها كانت مراجل أم المأمون بن الرشيد وهلكت بعد مولد المأمون بمديدة ولقبها صواحبها بمراجل لأنها كانت حسنة الشعر مولعة بترجيله وخدمته. الباميان (1) في خراسان، يخرج من جبل الباميان عيون عظام فيمر منها واد إلى القهندار مسيرة شهر، ونهر آخر إلى سجستان، ونهر آخر إلى هراة، ونهر آخر إلى مرو مسافة شهر، ونهر آخر إلى بلخ مسيرة اثني عشر يوماً، ونهر آخر إلى خوارزم مسيرة أربعين يوماً، كل هذه الأنهار تخرج من جبل الباميان لارتفاعه، وفيه معادن نحاس ورصاص وزئبق. والباميان مضافة إلى مرو الشاهجان وبرسمها، وفي سنة إحدى عشرة وستمائة استولى خوارزم شاه على الباميان بجموعه الكثيفة وبها علي بن سام فأناخ عليها حتى ضاق ذرعاً بالحصار فنزل على أن لا يقتله وينزله من بلاده حيث أحب، وحلف على ذلك بمحضر الأمراء والعلماء بالأيمان المغلظة، فلما نزل إليه ودخل للسلام عليه أشار إلى مماليكه الأتراك أن يستعملوا سراً فيما بينهم، فضربه أحدهم بدبوس على الرأس سال منه دماغه فأظهر أنه قتل خطأ فطلب المملوك الذي فعل هذا فهرب، ومر دمه هدراً واستولى على جميع بلاده. بانياس مدينة قريبة من دمشق هي ثغر بلاد المسلمين، وهي صغيرة ولها قلعة يستدير بها نهر يفضي إلى أحد أبواب المدينة ولها مصب تحت أرحاء، وكانت بيد الفرنج فاسترجعها نور الدين رحمه الله، ولها محترث عظيم واسع في بطحاء متصلة. البانس (2) قرية في آخر عمارة الزنج، وهي جامعة آهلة بالناس، وهم يعبدون الرجيم، والرجيم عندهم طبل كالبتية (3) مجلد من جهة واحدة، ويربطون في ذلك الجلد شريطاً يجذبونه به فيكون له صوت هائل يسمع على ثلاثة أميال ونحوها، ومدينة البانس آخر عمالة الزنج وتتصل بها أرض سفالة الذهب، وجميع بلاد الزنج بضائعهم الحديد وجلود النمور الزنجية وهي جلود حمر ناعمة جداً وليس عندهم دواب، إنما يتصرفون بأنفسهم وينقلون أمتعتهم على رؤوسهم وعلى ظهورهم إلى مدينتي منبسة وملندة (4) فيبيعون هناك ويشترون، وليس للزنج مراكب يسافرون بها إنما تدخل إليهم المراكب من عمان وغيرها إلى جزائر الهند فيبيعون هناك متاعهم، وللعرب في قلوب الزنج رعب عظيم ومهابة، فلذلك متى عاينوا رجلاً من العرب تاجراً أو مسافراً سجدوا له وعظموا شأنه وقالوا بكلامهم: هنيئاً لكم يا أهل اليمن (5) ، والمسافرون لبلادهم يسرقون أبناء الزنج بالتمر يخدعونهم به، فينقلونهم من مكان إلى مكان حتى يقبضوا عليهم ويخرجوهم من بلادهم إلى البلاد التي يكونون بها، ويقابل بلاد الزنج الساحلية جزائر تسمى الزابج وهي كبيرة وأرضها واسعة وأهلها سمر جداً وتزرع بها الذرة وقصب السكر وشجر الكافور. باجرا مدينة في الجزيرة من أعمال الموصل بناها عبد الأعلى بن يزيد بن أمية السلمي في الفتنة وبها منزله. باجروان من بلاد الجزيرة أيضاً وهي قرية كبيرة كثيرة الأهل، وهي كثيرة الأسواق والحمامات، وهي على نهر وبها زروع وكروم وبساتين، ومنها إلى الرقة ثلاثة فراسخ. بازبدى مدينة من كور الموصل وعندها يلتقي نهر الخابور الخارج من بلاد ارمينية بدجلة، وهذه الديار ديار بني حمدان، وفيها يقول الشاعر6: بقردى وبازبدى مصيف ومربع ... وعذب يحاكي السلسبيل برود وبغداد ما بغداد أما ترابها ... فجمر وأما حرها فشديد باخرزه (7) من نواحي نيسابور منها علي بن الحسن الباخرزي

_ (1) قال ياقوت: بلدة وكورة في الجبال بين بلخ وهراة وغزنة. (2) نزهة المشتاق: 40؛ وفي نسخة آياصوفيا وبعض المواضع من نسخة كوبريللي (البايس) - بياء تحتية. (3) ص ع: كالبقية. (4) ع: ومادنة؛ ص: ومادونة، والتصويب عن نزهة المشتاق. (5) نزهة المشتاق: يا أهل بلاد التمر، وهو أصوب. (7) أثبتها ياقوت دون هاء، ولكن الهاء موجودة في اسمها الأصلي ((بادهرزه)) .

بادس

الأديب صاحب كتاب دمية القصر، ذكر فيه شعراء عصره وديوان شعره مشهور في الآفاق، وقتل سنة سبع وستين وأربعمائة، أنشد للعميد أبي نصر الحافظ: قد قلت لما فاق خط عذاره ... في الحسن خط يمينه المستملحا من يكتب الخط المليح لغيره ... فلنفسه لا شك يكتب أملحا بادس (1) مدينة بينها وبين تهودة بالمغرب مرحلة، وبادس حصنان لهما جامع وأسواق وبسائط ومزارع جليلة يزدرعون بها الشعير مرتين في العام على مياه سائحة كثيرة، وبها نخل كثير وفواكه وثمار، وهي قديمة فيها آثار للأول وبها مياه وعيون كثيرة، ومن بادس إلى قيطون بياضة (2) وهي أول بلد مطماطة (3) ومنه تفترق الطرق إلى بلاد السودان وإلى طرابلس وإلى القيروان وإلى نفطة ومنها يخرج إلى جميع البلاد، وهي آخر بلاد الزاب. باجة في إفريقية باجة (4) وفي الأندلس وفي الصين، فالتي في إفريقية مدينة كبيرة أولية قديمة فيها آثار للأول ولها حصن حصين قديم مبني بالصخر الجليل أتقن بناؤه يقال إنه من عهد عيسى عليه السلام، وباجة على جبل شديد البياض يسمى الشمس لبياضه، وهي في وطاء من الأرض، وبين باجة وطبرقة مرحلة وبعض أخرى، وهي كثيرة الأنهار والعيون، وإحدى تلك العيون عين كبيرة تسمى عين الشمس، وهي تحت سور المدينة وباب المدينة بازاء العين ويسمى الباب باب عين الشمس، وباجة رخيصة الأسعار جداً أمحلت البلاد أو أخصبت، فإذا أخصبت البلاد لم تكن للحنطة فيها قيمة، وتسمى باجة هري إفريقية فإن منها يمتار جميع تلك البلاد عربها وبربرها لكثرة طعامها ورخصه، وباسمها سميت باجة الأندلس، وباجة إفريقية على مقربة من فحص قل المشهور بكثرة الزرع، وأرض هذا الفحص أرض مشققة سوداء يجود فيها جميع البذر ويكون فيه حمص وفول قلما يوجد مثله في موضع، ولباجة نظر كبير وقرى كبيرة عامرة، وكان الولاة يتنافسون في ولاية باجة ويقولون: من يترك قمح عندة وسفرجل زانة وعنب بلطة وحوت درنة؟ ودرنة بحيرة كبيرة بين باجة وطبرقة. وأما باجة الأندلس (5) فهي من أقدم مدائنها بنيت في أيام الأقاصرة، وبينها وبين قرطبة مائة فرسخ، وهي من الكور المجندة نزلها جند مصر وكان لواؤهم في الميسرة بعد جند فلسطين، وهم النازلون بشذونة، فحمل الأمير عبد الرحمن بن معاوية لواءهم وأسقط جندهم وأخمل ذكرهم، وكان سبب ذلك أن العلاء بن مغيث اليحصبي (6) كان رأس جند باجة فثار بها وقام بدعوة بني العباس ولبس السواد ورفع راية سوداء واجتمع إليه فئام من الناس، فقاتله عبد الرحمن بن معاوية في قرية من قرى اشبيلية تعرف بالكرم حتى هزمه الإمام وقتله. ومدينة باجة أقدم مدن الأندلس بنياناً وأولها اختطاطاً وإليها انتهى يوليش جاشر وهو أول من تسمى قيصر وهو سماها باجة، وتفسير باجة في كلام العجم الصلح وحوز باجة وخطتها واسعة ولها معاقل موصوفة بالمنعة والحصانة، ومنها الإمام القاضي أبو الوليد الباجي سليمان ابن خلف (7) شارح الموطأ الفقيه الأديب العالم المتكلم، رحل إلى الحجاز والعراق ولقي العلماء وتجول ثلاثة عشر عاماً وصنف في الأصول والفروع وله: إذا كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن جميع حياتي كساعه فلم لا أكون ضنيناً بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه ذكر ابن عساكر في تاريخه أنه توفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة بالمرية، وقبره في الرباط على حاشية البحر. وأما باجة الصين (8) فهي مدينة البغبوغ، والبغبوغ ملك الصين بأجمعه، وإلى مدينته ينتهي مسافرو بلاد العرب (9) ، وبها جميع

_ (1) البكري: 74 والاستبصار: 175، وعند البكري ((بادبس)) . (2) الاستبصار: وبالقرب منها قيطون بياضة. (3) البكري والاستبصار: سماطة. (4) في باجة افريقية انظر البكري: 56 والاستبصار: 160. (5) بروفنسال: 36 - 37، والترجمة: 45 (Beja) ، وهي في البرتغال. (6) كانت ثورة العلاء سنة 146، انظر ابن عذاري 2: 51 - 52. (7) انظر نفح الطيب 2: 67 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى في ترجمته، ومنها تاريخ ابتن عساكر (التهذيب 6: 248) . (8) نزهة المشتاق: الورقة: 30. (9) نزهة المشتاق: المغرب.

بانقيا

الفواكه والبقول والحنطة والشعير والأرز، ولا يوجد بجميع بلاد الهند والصين عنب ولا تين البتة، وهذه المدينة دار ملك البغبوغ وموضع رجاله وخزائن أمواله وقصور حرمه وعياله، ولهذا الملك مائة زوجة بمهور وانفاذ، ومن لم يملك منهم هذا العدد لا يسمى عندهم ملك الملوك ولهم الفيلة المعدة للحروب ألف فيل بعدتها وأسلحتها ومن لم يكمل له هذا العدد فليس بملك الملوك، ولا يلي الصين إلا من ورثه عن آبائه وإخوته أو أقاربه، وهم جادون على سنن العدل وطريق الأمان وسيرهم حميدة، وهذه المدينة على ضفة نهر الصين. باشو (1) بلد بجزيرة شريك العبسي كان عاملاً عليها في قديم الزمان، وباشو قبلة مدينة تونس وباشو هذه أم أقاليمها، وكانت مدينة كبيرة آهلة بها جامع وحمامات وثلاث رحاب وأسواق عامرة وبها قصر أحمد بن عيسى القائم على بني الأغلب. وبجزيرة شريك اجتمعت الروم بعد دخول عبد الله بن أبي سرح المغرب وتبادروا منها مدينة اقليبيا وما حولها، ثم ركبوا منها إلى جزيرة قوصرة وهي بين صقلية وإفريقية وكانت إذ ذاك عامرة، فيقال إنهم أقاموا بها إلى خلافة عبد الملك بن مروان، فاغتزى عبد الملك بن قطن في البحر ففتح ما كان هناك من الجزائر والقصور وخربها وقفل ظافراً. ومن تونس إلى منزل باشو مرحلة وبينهما قرى كثيرة، ويقال إن سواري جامع منزل باشو نقلت إلى تونس فبني عليها جامع القصبة بتونس، ومدينة باشو اليوم خراب لم يبق منها إلا مكانها وفيه قصر معمور وكانت أراضيها مباركة طيبة ذات شجر وزيتون وعمارات متصلة. بانقيا (2) أرض بالنجف دون الكوفة وكان إبراهيم الخليل ولوط عليهما السلام نزلا بها يريدان بيت المقدس مهاجرين وكانت تزلزل في كل ليلة وكانت ضخمة، فلما باتا بها لم تزلزل في تلك الليلة، فمشى بعضهم إلى بعض تعجباً من عافيتهم في ليلتهم فقال صاحب منزل إبراهيم عليه السلام: ما رفع عنكم إلا شيخ يبات عندي كان يصلي ليله ويبكي فاجتمعوا إليه فسألوه المقام عندهم على أن يجمعوا له من أموالهم فيكون أكثرهم مالاً فقال: لم أؤمر بذلك وإنما أمرت بالهجرة، فخرج حتى أتى النجف فلما رآه رجع أدراجه فقال لمن تلك الأرض بعد النجف قالوا: هي لنا (3) ، قال: فتبيعونها؟ قالوا: هي لك فوالله ما تبت شيئاً قال: لا أحب إلا أن يكون شراء، فدفع إليهم غنيمات كن معه، والغنم يقال لها بالنبطية نقيا. باغاية (4) مدينة بإفريقية أولية جليلة بقرب مسكيانة ذات أنهار وثمار ومزارع ومسارح، وهي على مقربة من جبل أوراس المتصل بالسوس، وبهذا الجبل قام أبو يزيد مخلد بن كيداد النفزي الزناتي النكار على أبي القاسم بن عبيد الله الشيعي وبه كان مستقر الكاهنة، وكانت حين نهدت إلى حرب حسان بن النعمان الغساني حين أغزاه عبد الملك بن مروان إفريقية اجتازت على باغاية فأخربتها وأخرجت من فيها وظنت أن حسان يريد أن يتحصن بها إلى أن كان من أمرها ما ذكرناه في حرف الألف عند ذكر أوراس. ورأيت في موضع آخر أنه مسيرة سبعة أيام وفيه قلاع كثيرة يسكنها قبائل هوارة ومسكيانة وهم على رأي الخوارج الاباضية. وباغاية (5) مدينة كبيرة عليها سوران من حجر، وربض وعليه سور، وكانت الأسواق فيه وأما الآن فالأسواق بالمدينة والأرباض خالية بإفساد العرب لها، ولها واد يجري إليها من جهة القبلة منه شربهم، ولهم أيضاً آبار عذبة وكانت لها بواد وقرى وعمارات والآن قل ذلك فيها، وحولها عمارات برابر،، وغلاتهم الحنطة والشعير، وقبض مغارسها لأشياخها. وعلى أميال منها جبل أوراس المذكور، وهو يشق بلاد الغرب وبلاد إفريقية، فطرفه من البحر الغربي حيث البحر المحيط حيث انتهى عقبة المستجاب رحمه الله، وطرفه الثاني في البحر الشرقي بقرب الإسكندرية وهو المسمى بطرف أوثان الذي إذا عدته المراكب استبشرت بالسلامة، مبدؤه هو الذي بالمغرب وهو جبل المصامدة المسمى بدرن وهو جبل جزولة المسمى بانكسيت، وهو جبل أوراس هذا، ويسكنه لواتة وهو جبل نفوسة، ويدخل طرفه في البحر نحو مائة ميل وأزيد، وله جون عظم، فإن أدخلت

_ (1) البكري: 45. (2) انظر ياقوت: (بانقيا) . (3) زيادة من ياقوت، سقطت من الأصل. (4) البكري: 50، وبعض النص من الصفحة: 144، ومتفق في أكثره مع الاستبصار: 163. (5) من هنا عن الإدريسي (ب/ د) : 74/ 103.

الباب والأبواب

الرياح سفينة في هذا الجون عدمت الرياح التي تخرجها منه فلا تجد هناك قرية (1) لأنه جبل صلد وهو أملس مثل الحائط وهذا الجون أعجب عجائب الدنيا. وبقرب باغاية قبر مادغوس (2) وهو قبر مثل الجبل العظيم مبني بآجر رقيق معقود بالرصاص وبنيت فيه طبقات (3) صغار وصورت فيه جميع الصور من الإنسان والطير والوحوش وهو مدرج النواحي، وقد رام كثير من الناس هدم هذا القبر فلم يقدروا على ذلك، ولا يعلم على الحقيقة ما هو، هل هو قبر أو هيكل، إنما هو بناء قديم لا يعلم له حقيقة وهو مجمع لكل طائر ويقال إن لهم هناك طلاسم. ويسكن فحص هذه المدينة قبائل من لواتة وضريسة. وإلى مدينة باغاية لجأ البربر والروم وبها تحصنوا من عقبة بن نافع القرشي فدارت بينهم حروب وكانت الدبرة على أهل باغاية فهزمهم عقبة وقتلهم قتلاً ذريعاً ولجأ فلهم إلى الحصن وغنم منهم خيلاً لم يروا في مغازيهم أصلب منها ولا أسرع، من نتاج خيل أوراس، فرحل عنهم ولم يقم كراهية أن يشتغل بهم عن غيرهم. وأهلها اليوم كلهم على رأي الاباضية، وكان حماد عتب على أهل باغاية وشن عليهم الغارات، حكي عنه أنه قال: ما تداهى قط أحد علي ولا خدعني إلا امرأة وكعاء من البربر، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال (4) : إن صاحباً لي كان بالقيروان نشأ معي نشأة واحدة لم يفرق بيننا مكتب ولا مشهد، كنت قد خلطته بنفسي وجعلته انسي، فلم يزل على ذلك حتى صرت إلى ما أنا فيه ففقدته، فجعلت أتفقده فلا أقدر عليه ولا أجد سبيلاً إلى الوصول إليه، فلما أن عتبت على أهل باغاية وشننت عليهم الغارات لم أنشب في صبيحة ذلك اليوم أن سمعت منادياً ينادي: أنا بالله والأمير، فقلت: ما لك ومن أنت؟ قال: أنا فلان ابن فلان، فإذا هو صاحبي المطلوب قد حبسه عني نسكه وتغلب على هواه، وأظهرت البشر بمكانه ولو شفع في أهل باغاية لشفعته، فجعلت ألطفه وأؤنسه وهو كالولهان، فسألته عن أمره فقال إنه فقد ابنته في من فقد من النساء فقلت: والله لو خرجت إلي بالأمس لحقنت دماء أهل بلدك لحرمتك عندي، فقال: القدر غالب والمحروم خائب، قال حماد: ثم أمرت القواد فأحضروا جميع ما كان في جيوشهم من النساء فعرف فيهن ابنته، قال: فأمرت بسترها وحملها مع أبيها فرفعت صوتها قائلة: لا بالله يا حماد لا رجعت مع أبي ولا رجعت مع الذي غصبني، قلت: فما تريدين؟ قالت: إني لا أصلح إلا للملوك فلا حاجة لي في السوق، قال: فلما سمعت ذلك منها أمرتها أن تكن ما في نفسها، وظننت أنها قد فتنت أو فسدت، قال حماد: ومن، أين تصلحين للملوك؟ قالت: لأن عندي علماً لا أشارك فيه ولا يدعيه غيري، قلت: ألا أريتنا شيئاً من ذلك؟ قالت: نعم، تأمر بقتل إنسان وتحضر أمضى سيف عنك وأتكلم عليه بكلمات تمنع من تأثيره ويعود بيد حامله أكل من قائمه، قال حماد: إن الذي يجرب فيه لمغرور، قالت: أو يتهم أحد أنه يريد قتل نفسه؟ قلت: لا، قالت: إني أريد أن تجرب ذلك في، فتكلمت على سيف اختاره، ومدت عنقها فضربها السياف ضربة أبان رأسها فاستيقظت من غفلتي وعلمت أنها تداهت علي وكرهت الحياة بعد ما جرى عليها واستبان لأبيها من ذلك مثل الذي بان لي، فجعل يلقي نفسه عليها ويتمرغ في دمها حزناً لما حل به وأسفاً لما رأى من عظيم أنفتها واحتيالها في الموت على ما نزل بها، وكانت الكلمات التي تكلمت بها الشهادة. الباب والأبواب (5) قالوا: جبل القبج جبل عظيم وصقع مشتمل على كثير من الأمم فيه اثنتان وسبعون أمة، كل أمة لها ملك ولغة مخالفة لغيرها، ومدينة باب الأبواب على شعب من شعابه بناها كسرى أنوشروان وجعلها حاجزاً بين بلاده وهذه الأمة لما كان من إفسادهم، فجعل مبدأ السور من جوف البحر على مقدار ميل ماراً في البحر، بناه بالصخر والحديد والرصاص المفرغ على أزقاق البقر المنفوخة، فكلما ارتفع البنيان نزلت تلك الأزقاق إلى أن استقرت في قرار البحر، ولما ارتفع السور غاصت الرجال حينئذ بالخناجر على تلك الأزقاق فثقبتها وتمكن السور على الأرض في قعر البحر، ثم مد السور في البر ما بين جبل القبج والبحر ماراً في أعالي الأرض ومنخفضاتها نحواً من أربعين فرسخاً

_ (1) الاستبصار: مرسى. (2) البكري: 50 والاستبصار: 164. (3) البكري: طيقان. (4) وردت القصة في الاستبصار: 169، والبكري: 187. (5) ياقوت: (باب الأبواب) وقال: يقال له الباب غير مضاف، وهو الدربند، دربند شروان، وانظر نزهة المشتاق: 498، 502 وابن حوقل: 291، وآثار البلاد: 506، ومروج الذهب 2: 1 - 6.

باغه

إلى أن انتهى إلى قلعة طبرستان، وجعل على كل ثلاثة أميال من هذا السور باباً من حديد، وأسكن من داخله أمة تراعيه وتحرس ما يليه، وجعل لكل أمة ملكاً، وحول هذا السور أمم لا يحصيهم إلا خالقهم، ولم يبنه (1) أنو شروان إلا عن استيلاء عليهم، وحينئذ أذعنت له ملوك الآفاق وهادنته وراسلته. وكان ملك الباب والأبواب في بعض أعصار الإسلام محمد بن يزيد من ولد بهرام جور وكانت مملكته نحواً من شهر، وكان أهلها أسلموا حين دخلها مسلمة بن عبد الملك، وكان محمد هذا غلب على كثير من ممالك القبج وهو الذي يقال له شروان، قالوا: ولولا هذا السور بالباب والأبواب لغزت الأمم التي خلفه بلاد برذعة: الران والبيلقان واذربيجان وقزوين وهمذان والدينور ونهاوند وغيرها، ولوصلت إلى الكوفة والبصرة والعراق، لا سيما مع ضعف الإسلام في هذا الزمان. وهذا الجبل تكون مسافته طولاً وعرضاً نحواً من شهرين بل أكثر، وعليه وحوله أمم لا يحصيهم إلا الخالق جل وعز، والمدينة على بحر الخزر وفي وسطها مرسى للسفن وعلى فم هذا المرسى كالسد من جانبيه، وهناك سلسلة تمنع الداخل والخارج إلا بأمر من صاحب البحر، وهذان السدان من الصخور المحكمة أفرغ بينها الرصاص. وهي مدينة كبيرة بساتينها يسيرة وفواكهها قليلة وأكثر ذلك يجلب إليها من غيرها، وعليها سور حجارة وآجر وهي في نهاية (2) من المنعة، وهي فرضة بحر الخزر والسرير وسائر بلاد طبرستان وجرجان، وتصنع بها ثياب الكتان وأهلها يلبسونها دون سائر البلدان وبلاد ارمينية واذربيجان، والأبواب التي ينسب إليها البلد هي أفواه شعاب في الجبال فيها حصون منها باب صول وباب اللان وباب صاحب السرير وباب فيلان شاه، وغيرها، ومن أهل هذه المدينة معتمر بن أحمد البابي أنشد في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ": سألتك حاجة وعلمت أني ... ألاقي في سؤالكها نجاحا لقول نبينا إذ قال حقاً ... وصرح في مقالته صراحا سلوا الحاجات أحسنكم وجوهاً ... ولا تسلوا اللئام ولا القباحا وفي سنة ثمانين ومائة جاشت الخزر وخرجوا من الباب والأبواب وقتلوا من المسلمين وأهل نعمهم مائة ألف وأربعين ألفاً وفضحوا المسلمات وانتهكوا أمراً عظيماً لم يسمع بمثله في الإسلام. وكان فتح الباب (3) في خلافة عمر رضي الله عنه على يد سراقة بن عمرو، وكان بكير بن عبد الله بازاء الباب قبل قدوم سراقة، وكان ملك الباب يومئذ شهربراز (4) ، رجل من آل شهربراز الملك الذي أفسد بني إسرائيل وأعرى منهم الشام، وكان عمر رضي الله عنه جعل على مقدمة سراقة: عبد الرحمن بن ربيعة فقدم سراقة عبد الرحمن بن ربيعة وخرج في الأثر، حتى إذا خرج من أذربيجان نحو الباب قدم عليه بكير في أداني الباب، فلما أطل عبد الرحمن على الباب كاتبه شهربراز واستأمنه على أن يأتيه فأمنه عبد الرحمن على (5) ذلك فأتاه فقال: إني بازاء عدو كلب وأمم مختلفة لا ينتسبون إلى حسب وليس ينبغي لذي الفضل والحسب أن يعين أمثال هؤلاء ولا يستعين بهم على ذوي الأحساب والأصول، وذو الحسب قريب من ذي الحسب حيث كان، ولست من القبج في شيء ولا من الأرمن، وإنكم قد غلبتم على بلادي، وأمتي، فأنا اليوم منكم، يدي مع أيديكم، وصغوي معكم، فمرحباً بكم وبارك الله لنا ولكم، وجزيتنا إليكم ولكم النصر والقيام بما تحبون، ولا تذلونا بالجزية فتوهنونا لعدوكم، فقال عبد الرحمن: فوقي رجل قد أظلك فسر إليه فجوزه، فسار إلى سراقة بمثل ذلك، فقال له سراقة: قد قبلت ذلك في من كان معك على هذا ما دام عليه، ولا بد من الجزاء على من يقيم ولا ينهض، فقبل ذلك شهربراز وصارت سنة فيمن يحارب العدو من المشركين وفي من يستنفر من أهل الجزية فتوضع عنه جزية تلك السنة التي استنفر فيها، وكتب سراقة بذلك إلى عمر رضي الله عنه فأجازه وحسنه. باغه (6) قالوا على بحر باب الأبواب وهو بحر الخزر والديلم وجرجان وأنواع الترك مما يلي الباب والأبواب الموضع المسمى

_ (1) ص: ينته. (2) ع، وهي في نهاية من نهاية. (3) الطبري 1: 2663. (4) ص ع: شهريار، والتصويب عن الطبري. (5) سقط من: ع. (6) هكذا يكتبها المؤلف، وهي ((باكو)) عند الكرخي: 112؛ وباكويه عند ياقوت.

البثنية

باغة وهي النفاطة ومن هناك يحمل النفط الأبيض، وهناك آطام، وهي عيون النيران تظهر من الأرض وترى من الليل على مسافات كأطمة صقلية، وأطمة وادي برهوت من وادي الشحر وحضرموت، وأطمة أشك (1) بين بلاد فارس والأهواز ترى في الليل عن مسافة أربعين فرسخاً، والأطمة العظيمة التي في مملكة المهراج ملك جزائر الزابج (2) ، والمهراج سمة لكل من ملكها، يلحق لهب هذه الأطمة بأعنان السماء لذهابها في الجو ويسمع لها كأشد ما يسمع من أصوات الرعود، وربما ظهر منها صوت عجيب يفزع من يسمعه من البلاد النائية ينذر بموت بعض ملوكهم، وربما كان أخفض من ذلك ينذر بموت بعض رؤسائهم، قد عرفوا ذلك بطول التجارب والعادة على قديم الزمان. ببشتر (3) بالأندلس حصن منيع بينه وبين قرطبة ثمانون ميلاً، وهو حصن تزل عنه الأبصار فكيف الأقدام على صخرة صماء منقطعة لها بابان، ويتوصل إلى أعلاها من شعب يسلكه الداخل الخفيف، وطريقه عند الطلوع والهبوط على النهر، وأعلى الصخرة سهلة مربعة ذات مياه كثيرة، يقطع الحجر فينبعث الماء العذب وتنبط فيها الآبار بأيسر عمل وكد وحصن ببشتر كان قاعدة العجم، كثير الديارات والكنائس والدواميس، ولهذا الحصن قرى كثيرة وحصون خطيرة وما حوله كثير المياه والأشجار والثمار والكروم وشجر التين وأصناف الفواكه والزيتون وما بها الآن نبذ مما كان فإن فتنة ابن حفصون أتت على أكثر ذلك. البثنية (4) مدينة بالشام، قالوا كان نبي الله أيوب كثير المال وكانت له البثنية والجابية من الشام كلها بما فيها، وكان له فيهما ما لا يحصى من العبيد والغنم والدواب، وابتلاه الله تعالى في ماله وولده فصبر ثم ابتلاه في جسمه وبقي مطروحاً على كناسة سبع سنين وأشهراً فصبر، قالوا: ومدينة البثنية هي اذرعات من عمل دمشق. بجانة (5) بفتح الباء وبعدها جيم مفتوحة مشددة بعدها ألف وبعد الألف نون، مدينة بالأندلس كانت في قديم الدهر من أشرف قرى أرش اليمن، وإنما سمي الإقليم أرش اليمن لأن بني أمية لما دخلوا الأندلس أنزلوا بني سراج القضاعيين في هذا الإقليم وجعلوا إليهم حراسة ما يليهم من البحر وحفظ الساحل، فكان ما ضمنوا منه من مرسى كذا إلى مرسى كذا يسمى أرش اليمن أي عطيتهم ونحلتهم. وبقرب بجانة كان جامع الإقليم الأعظم إلا أنها كانت حارات مفترقة حتى نزلها البحريون وتغلبوا على من كان فيها من العرب وصار الأمر لهم فجمعوها وبنوا سورها وامتثلوا في ذلك ببنية قرطبة وترتيبها، وجعلوا على أحد أبوابها صورة تشاكل الصورة التي على باب القنطرة فأمها الناس من كل جهة وانجفلوا إليها من كل ناحية فارين من الفتن التي كانت إذ ذاك شاملة فكانت أمناً لمن قصدها وحرماً لمن لجأ إليها، وكانت الميرة تجلب إليها من العدوة وضروب المرافق والتجارات، وكان ذلك أيضاً من الأسباب الداعية إلى قصدها واستيطانها، وصار حولها أرباض كثيرة، ويدخلها من النهر جدولان أحدهما بأعلى المدينة من جانب المشرق يسقي بساتينها كلها، والثاني يشق الأرباض الجوفية ويخرج عنها إلى الأرباض القبلية حتى يقع في النهر هناك، وجامعها داخل المدينة بناه عمر بن أسود وفيه قبو على قبة فيها إحدى عشرة حنية منصوبة على أربعة عشر عموداً، منقش أعاليه بنقوش عجيبة، وبشرقي القبو ثلات بلاطات وبغربيه أربع بلاطات أوسع من الشرقية على عمد صخر، وفي الصحن بئر عذبة. وكان بمدينة بجانة أحد عشر حماماً وطرز حرير ومتاجر رائجة، وكان يذهب الوادي الآتي من شرقيها كثيراً من أرباضها وأسواقها عند حمله. وبشرقي بجانة على ثلاثة أميال جبل شامخ فيه معادن غريبة وفيه الحمة العجيبة الشأن ليس لها نظير في الأندلس في طيب مائها وعذوبته وصفائه ولدونته ونفعه وعموم بركته يقصدها أهل الأسقام والعاهات من جميع النواحي فلا يكاد يخطئهم نفعها، وعليها بناء للأول صهريج إلى جانب العين مربع واسع كانوا قد بنوا على شرقيه قبوين فأعلاهما هناك ظاهر إلى اليوم، والجدر الباقية حواليه واتخذوا على ذلك الماء قرية كثيرة الزيتون والأشجار وضروب الثمار يسقى جميعها من ذلك الماء تعرف بقرية الحمة، وما فضل عن سقي هذه القرية يجتمع أسفلها في صهريج عظيم من بناء الأول أيضاً، فإذا تكامل فيه الماء سرب إلى قرية متخذة تحته

_ (1) مر التعريف ب؟ ((أشك)) وذكر هناك أن صوابه ((آسك)) . (2) ع: الرانج والهراج، ص: الرنج والمهراج؛ وانظر المروج 1: 342. (3) بروفنسال: 37، والترجمة: 46 (Bobastro) . (4) انظر ياقوت: (البثنة، والثنية) . (5) بروفنسال: 37، والترجمة: 47 (Pechina) .

بجاية

تسمى آبله فسقيت بذلك الماء، وبجوفي مدينة بجانة حمة أخرى أغزر من الحمة الأولى إلا أن الأولى أنجع في الأسقام وأصلح للأبدان، وهم يزعمون أن جرية الأولى على الكبريت وجرية هذه على النحاس، وتذكر الأعاجم أن ملك تدمير وملك ريه في غابر الدهر خطبا ابنة ملك أرش اليمن وما يليه فشرطت ابنة الملك أن من بلغ ماء إحدى الجهتين حتى يدخله في دار سكنى أبيها، وكانت في موضع مدينة بجانة اليوم، أنه أحق ببضعها، فجد كل واحد منهما في ذلك وجهد جهده، وبنيا قنياً يجلبون الماء فيها فاعترض صاحب الحمة الجوفية خندق ولم يكن بد من بناء قناطر عليه فشغله ذلك حتى بلغ صاحب الحمة الشرقية ماءه، فزوجه الملك ابنته، وأثر ما حاولاه من ذلك باق في الجانبين إلى اليوم. وبين بجانة والمرية خمسة أميال أو ستة أميال، وكانت بجانة في القديم هي المدينة المشهورة قبل المرية فانتقل أهلها إلى المرية فعمرت وخربت بجانة، ولم يبق منها الآن إلا آثار بنيانها ومسجد جامعها قائم بذاته، وحول بجانة جنات وبساتين ومتنزهات وكروم وأموال كثيرة، وعلى ستة أميال منها حصن الحمة، والحمة في رأس جبل، ذكر المسافرون أنه لا نظير لهذه الحمة في معمور الأرض إتقان بناء وسخانة ماء، والمرضى يقصدونها من جميع الجهات ويقيمون عليها حتى يشفوا من أمراضهم، ويرحل إليها أهل المرية في فصل الربيع بنسائهم وأولادهم باحتفال في المطاعم والمشارب والتوسع في الإنفاق، فربما بلغ المسكن في الشهر بها ثلاثة دنانير مرابطية وأقل وأكثر. وكان السبب في نزول البحريين مدينة بجانة أنه لما اشتدت شوكة بني ادريس بن ادريس الحسنيين بالمغرب أمر خلفاء بني أمية بضبط السواحل وألا تجري في البحر جارية إلا تحت نظر وإشراف، وكان لا يخرج خارج من الأندلس إلا بسراح ولا يدخل أحد حتى يعرف خبره ومن حيث ورد ما الذي أورده ولا تظهر في البحر جارية إلا استخبر أمرها وعرف شأنها ومتى ألفي في البحر قارب يزيد على اثني عشر ذراعاً ممسوح العجز نقض ورد إلى المقدار المذكور، فلم يزل الأمر كذلك إلى أن تحركت الفتن بالأندلس ووقعت الفترة في احتراس البحر وسواحله، فاتخذ قوم من أوباش الأندلس مراكب وكانوا يأتون بها السواحل الخالية ويحملون الناس إلى كل جهة وهم المسمون بالبحريين وكان عظم نزولهم نواحي طرطوشة، فلما قوي أمرهم وكثر جمعهم غزوا أهل مرشانة وأخفروا العهد الذي كان بين الأمير وبينهم، فأصابوا فيهم شيئاً، فلما صدروا بغنائمهم لم يأمنوا على أنفسهم إن نزلوا سواحل الأندلس، فكانوا ينتجعون هناك البلاد وينتهزون الفرص في المراكب إذا أمكنتهم ويغزون سواحل افرنجة، وغيرها، ثم أجمعوا على الانصراف إلى الأندلس واستيطان موضع منها، ثم نزلوا شرقي وادي أرش اليمن وهو خلاء قفر، فخرجوا هنالك ولاطفوا من بإزائه من العرب وهادوهم بتحف المشرق وطرائفه وأوسعوهم براً فأذنوا لهم في النزول فانتشروا على وادي أرش اليمن، وافترقوا في قراه على وجه التصنيف والتجارة، وأظهروا أحسن المعاملة وأداء الطاعة، ثم كثروا وتلاحق بهم من كان تخلف عنهم واشتدت شوكتهم وعظمت على تلك الناحية مضرتهم، حتى تغلبوا على مدينة بجانة وطردوا عنها مشاهير عربها ومن تقدمت له رياسة بها، وفرقوهم في البلاد وابتنوا مدينة بجانة على هيئة مدينة قرطبة واستأذنوا الإمام محمد بن عبد الرحمن في ذلك ورغبوا إليه أن يسجل لرجل منهم ويعقد له بالتأمير عليهم، وكان الأمير محمد مشغولاً بقيام ابن مروان وعمر بن حفصون وغيرهما، فعقد لهم ما أرادوا وكان ذلك في سنة ست وسبعين ومائتين (1) فأحسنوا مجاورة أهل بجانة وأظهروا العدل فيهم، وكان عربها قد أساءوا مجاورتهم وأكثروا الجور فيهم، فتسامع الناس بأمرهم وما بسطوه من عدلهم فأموا مدينة بجانة من الأقاليم القاصية والأقطار النائية وصارت حرماً لمن سكنها وأمناً لمن أوطنها واتخذوا حولها حصوناً كثيرة فلم تزل الولاية تتردد فيهم إلى أن كان آخرهم ولاية عبد الرحمن بن مطرف بن عبد الرحمن بن أصبغ الطائي وكان صالحاً ورعاً قد حج حجات، عقد له الولاية على أهل بجانة أمير المؤمنين عبد الرحمن سنة ثلاث وثلاثمائة ثم اختلفت عليها الولاة بعد ذلك إلى أن فسد النظام واختل الترتيب كما في سائر البلاد. بجاية (2) قاعدة الغرب الأوسط، مدينة عظيمة على ضفة البحر يضرب سورها، وهي على جرف حجر ولها من جهة الشمال جبل يسمى امسيول (3) وهو جبل سام صعب المرتقى، وفي أكنافه جمل من النبات المنتفع به في صناعة الطب مثل البرباريس

_ (1) لابد أن يكون هذا في عهد المنذر لأن الأمير محمداً توفي سنة 273، ونقل بروفنسال عن مباهج الفكر أن هذا الاستيطان تم سنة 271، وهو الأصوب فيما يبدو. (2) الاستبصار: 128، والإدريسي (ب/ د) : 62 - 64/ 90 - 92. (3) الإدريسي: مسيون، وقد تقدم أمسيول في باب الهمزة من الروض.

والقنطوريون والراوند والاسفيوس وغير ذلك من الحشائش، وفي هذا الجبل عقارب صفر الألوان قليلة الضرر، وهي عين بلاد بني حماد والسفن إليها متكررة، والسفر إليها براً وبحراً والسلع إليها مجلوبة وأهلها تجار مياسير، ولها بواد ومزارع، والحنطة والشعير بها والتين كثير وسائر الفواكه، وبها دار صناعة لإنشاء الأساطيل لأن الخشب في أوديتها وجبالها كثير، ويجلب إليها من أقاليمها الزيت الطيب والقطران، وبها معادن الحديد الطيب وبها من الصناعات كل غريبة، وعلى نحو ميل منها نهر يأتي إليها من جهة المغرب وهو نهر عظيم يجاز عند فم البحر بالسفن، وكلما بعد عن البحر كان ماؤه قليلاً ويجوزه من شاء في كل موضع. وهي قطب لكثير من البلاد، وهي محدثة بناها ملوك صنهاجة أصحاب قلعة أبي طويل المعروفة بقلعة حماد، وكان سبب بنائها أن العرب لما دخلوا إفريقية وأفسدوا القيروان وأكثر مدن إفريقية وهرب منهم صاحب القيروان المعز بن باديس إلى المهدية وكان ابن عمه صاحب القلعة المنصور بن بلكين بن حماد أشد شوكة من صاحب القيروان وأكثر جيشاً فخرج لنصرة ابن عمه وجيش جيشاً كبيراً، فلقيته العرب بجملتها بفحص سبيبة على مقربة من القيروان، فكان بينهم يوم عظيم حتى هزم المنصور وقتل أخوه وأكثر صنهاجة، وذلك أن أخاه كان أسن منه فنهاه عن مقاتلة العرب وقال له: أنت ببلادك فابعث إليهم وصانعهم يأتوك خاضعين طامعين في حبائك فهذا من خلق العرب قديماً فأبى إلا لقاءهم، فلما كان ذلك اليوم وهزم قال له أخوه: ألم أنهك أن تلقاهم بنفسك ولكن أعطني تاجك والراية اقيم على الجيش وانج بنفسك، فإن كانت السلامة فمن الله تعالى وإلا بقيت أنت للناس فليس منك الخلف، وهذا من أغرب ما يفعله الأخ مع أخيه والمولى مع وليه، وأعطاه عمامته ورايته وكانت مشهورة، فسار بالجيش حتى لحق وقتل. وكانت لملوك صنهاجة عمائم شرب مذهبة يغالون في أثمانها تساوي العمامة منها خمسمائة دينار وستمائة دينار وأزيد، وكانوا يعممونها بأتقن صنعة فتأتي كأنها تاج، وكان ببلادهم صناع لذلك، يأخذ الصانع على تعميم عمامة منها دينارين وأزيد، وكانت لهم قوالب من عود في حوانيتهم يسمونها الرؤوس يتعممون عليها تلك العمائم، فلما جاء المنصور إلى تلك القلعة نزلت عليه جيوش العرب وضيقوا بلاده وكان يصانعهم حتى ضاق ذرعاً بهم، وكان لا يقدر على التصرف في بلاده فطلب موضعاً يبني فيه مدينة لا يلحقه فيها العرب، فدل على موضع بجاية وكان مرسى، ويقال إنه كانت فيه آثار قديمة، وإنها كانت مدينة فيما سلف، فبناها المنصور وسماها المنصورية، وانتقل ملكهم من القلعة إلى بجاية واتخذوها دار ملكهم. وبينها وبين قلعة حماد أربعة أيام، وهي مدينة عظيمة ما بين جبال شامخة قد أحاطت بها والبحر منها في ثلاث جهات في الشرق والغرب والجوف، ولها طريق إلى جهة المغرب يسمى المضيق على ضفة النهر المسمى بالوادي الكبير، وطريق في القبلة إلى قلعة حماد على عقاب وأوعار، وكذلك طريقها إلى الشرق، وليس لها طريق سهلة إلا من جهة الغرب، ولذلك قال الشاعر يعنيها: بجاية كلها عقاب ... حل لمن حلها عقاب فلم يكن للعرب إليها سبيل، ولا كان يدخل من العرب إلا من يبعث عند الملك لمصانعة على بلاد القلعة وغيرها فيدخلها أفذاذ وفرسان دون عسكر، فبقي صاحب بجاية في ملك شامخ فإنها على نظر كبير وفائد عظيم لكن إنما عمرت بخراب القلعة التي بناها حماد بن بلكين التي تنسب دولة بني حماد إليها، وهي كانت دار الملك قبل بجاية وفيها كانت ذخائرهم وأموالهم. ورأيت في خبر آخر أن الناصر بن عالناس (1) صاحب قلعة حماد هو الذي بنى بجاية وصيرها دار ملكه ولهذا تسمى الناصرية وأظن ذلك سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وبجاية معلقة من جبل قد دخل في البحر يضرب فيه، ولها دار لصناعة المراكب وإنشاء السفن، وبينها وبين صقلية ثلاثة مجار، وهي مرسى عظيم تحط فيه السفن من كل جهة، وبجاية كثيرة الفواكه والخيرات، وهي مشرفة نزهة مطلة على البحر وعلى فحص قد أحاطت به جبال، ودوره نحو عشرة أميال، وتسقيه أنهار وعيون وفيه أكثر بساتينهم، ولها نهر كبير يقرب منها نحو الميلين أو دونهما عليه كثير من جنانهم، وقد صنعت عليه نواعر تسقي من النهر، وله منتزه عظيم. وفي بجاية موضع يعرف باللؤلؤة وهو أنف من الجبل قد خرج في البحر، متصل بالمدينة فيه قصور من بناء ملوك صنهاجة غاية في الحسن فيها طاقات مشرفة على البحر عليها شبابيك الحديد والأبواب المخرمة المحلاة والمجالس المقرنصة المبنية حيطانها بالرخام

_ (1) هذا الاسم يكتب أيضاً: ((علنّاس)) و ((أعلى الناس)) .

بلاد البحرين

الأبيض من أعلاها إلى أسفلها قد نقشت أحسن نقش وأنزلت بالذهب واللازورد، وكتب فيها الكتابات الحسنة بالذهب، وصورت فيها الصور الحسنة فجاءت من أحسن القصور وأتمها جمالاً وهذا الجبل أمسيول الذي فيه بجاية جبل عظيم عال قد ذهب في الجو وخرج في البحر وفيه مياه سائحة وعيون كثيرة وبساتين، وهو كثير القردة ويكون فيه الحيوان المشوك المسمى بالذرب. وكان هجم على بجاية علي بن إسحاق بن حمو المشهور بابن غانية فملكها سنة ثمانين وخمس مائة في أول ولاية المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ثم انتقل إلى قسنطينة فحاصرها ولم يقدر عليها فتوغل في صحراء بلاد الجريد وعاث وسفك الدماء ومات على توزر، سنة أربع وثمانين وخمسمائة. بلاد البحرين (1) هي بلاد واسعة شرقيها ساحل البحر، وجوفها متصل باليمامة، وشمالها متصل بالبصرة، وجنوبها متصل ببلاد عمان، وقاعدتها هجر، وأهلها عبد القيس ومن بلاد البحرين الأحساء والقطيف وبيشة والزارة والخط الذي تنسب إليه الرماح الخطية وغيرها. وهي بلاد سهلة كثيرة الأنهار والعيون عذبة الماء ينبطون الماء على القامة والقامتين، والحناء والقطن على شطوط أنهارها بمنزلة السوسن، وهي كثيرة النخل والفواكه، ولها تمر إذا انتبذ وشرب اصفرت الثياب من عرقه، وبساتينهم على نحو ميل منها ولا يأتونها إلا غدواً أو رواحاً لافراط حر الرمضاء وإن حوافر الدواب تسقط فيها إذا احتدمت، وهي مخصوصة بتعظيم الطحال ولذلك قال بعض الشعراء: ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ... ويغبط بما في بطنه وهو جائع ولها مدن كثيرة وبلاد البحرين منهالة الكثبان جارية الرمل حتى يسكروه (2) بسعف النخل وربما غلب عليهم في منازلهم، فإذا أعياهم حملوا النقوض وتحولوا، وقد كان من البحرين إلى عمان طريق فغلب عليه الرمل ومنع من سلوكه فلا يوصل اليوم من البحرين إلى عمان إلا في البحر. وفي البحرين على طريق البصرة جزائر مسيرة يومين وثلاثة وفيها آثار وبناء وخرابات يرفئ فيها أصحاب السفن إذا هاجت الرياح وفي تلك الجزائر صيد كثير وفي جزيرة خارك منها جزر غليظ يقطع بالقدوم لغلظه، وميرة البحرين تجلب إليها من فارس، ويقال إن اليمامة والبحرين والقريتين وما يليها كانت لطسم وجديس، وفي اليمامة كانت زرقاء اليمامة، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى في حرف الياء. ولما سار حسان بن تبان أسعد أبو يكرب ملك اليمن بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم حتى إذا كانوا بالبحرين كرهت حمير وقبائل اليمن المسير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم إلى آخر الخبر، ذكره ابن إسحاق (3) . وبها كان خروج أبي فديك الخارجي تغلب عليها سنة اثنتين وسبعين، ووجه إليه عبد الملك بن مروان عشرين ألفاً من أهل البصرة والكوفة وكانت بينهم معركة عظيمة وحمل إليه أهل المصرين حتى استباحوا عسكر الخوارج وقتلوا أبا فديك وحصروهم في المشقر فنزلوا على الحكم فقتل منهم ستة آلاف وأسر ثمانمائة (4) . بخارى (5) من بلاد خراسان، وهو بلد واسع يشف على المدن كبراً ومحاسن وكثرة أشجار، وهي في مستو من الأرض وبناؤها خشب مشتبك ويحيط بهذا الخشب المشتبك في البناء من القصور والبساتين والسكك والقرى المتصلة ما يكون طوله ستة وثلاثين ميلاً في مثلها، ويحيط بجميعها سور يجمع هذه القصور والمساكن التي تمتد (6) من القصبة ويسكنها من يكون من أهل القصبة شتاء وصيفاً، وداخل هذا السور سور آخر يكون عرضه نحو ثلاثة أميال في مثلها، وداخل هذا السور (7) مدينة حسنة لها سور مجصص ولها قصبة خارج المدينة متصلة بها تكون كالمدينة الصغيرة وفيه (8) قلعة ومسكن حسن وقصور يروق الأبصار منظرها ينزلها الولاة. ولبخارى ربض طويل فسيح المحلات، وأكثر أسواقها في هذا الربض، والمسجد الجامع بها معدوم المثال كثير الاحتفال، وببخارى بشر كثير لا يحصيهم العدد وجل أهلها

_ (1) البكري (مخ) : 68. (2) ص: يستروه؛ البكري: يسكرونه. (3) ابن هشام 1: 28. (4) خبر أبي فديك في الطبري 2: 852 - 853 (حوادث سنة 73) ، وما هنا ملخص عنه. (5) نزهة المشتاق: 213. (6) نزهة المشتاق: تعد. (7) زيادة من نزهة المشتاق. (8) ص: وفيها.

مياسير ويشق ربضها (1) نهر الصغد ويخترق أكثر ديارها وشوارعها وأسواقها ولأهل بخارى عليه أرحاء عدة، وبضفتيه المنازه والبساتين والجنات والحدائق المتسعة والأشجار والمزارع، ويقع فاضل هذا النهر في بحيرة كبيرة هناك، ولبخارى هذه مدن عدة. وافتتح بخارى (2) سعيد بن عثمان بن عفان في زمن معاوية رضي الله عنه ثم خرج عنها يريد سمرقند فامتنع أهلها فلم تزل مغلقة حتى افتتحها سلم بن زياد في أيام يزيد بن معاوية ثم انتقضت وامتنعت حتى صار إليها قتيبة بن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك فافتتحها. قال أهل العلم بالممالك (3) : لم ير ولم يسمع بظاهر بلد أحسن من ظاهر بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء فكأن السماء مكبة زرقاء على بساط أخضر تلوح القصور فيما بين ذلك كالكواكب العلوية بياضاً ونوراً، بين أرض وضياع كوجه المرآة استواء وكطلعة الحسناء بهاء قد جمعت إلى بعد المسافة وسعة المساحة عذاء التربة وكمال حسن المنتزه قالوا: والمشار إليه من متنزهات الأرض صغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق وسواد العراق. وببخارى (4) دار الإمارة على جميع خراسان، وهي مدينة في مستو من الأرض ويحيط بها من القصور والبساتين والمسالك والقرى المتصلة والسكك المشتبكة ما يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها ويحيط بذلك كله سور يجمع تلك القرى والقصور ولا يرى من أضعاف ذلك قفر ولا خراب، ومن دون هذا السور على القصبة وما يتصل بها من القصور والمحال التي تعد من القصبة سور آخر هو فرسخ في مثله، ومدينة داخل هذا السور وتحيط بها حصون ولها قهندز خارج المدينة متصل بها وهو مقدار مدينة صغيرة وبها قلعة بها مسكن ولاة خراسان، ولها ربض عريض طويل، والمسجد الجامع على باب القهندز في المدينة، ولها سبعة جوامع وأسواقها في ربضها وليس بخراسان ولا ما وراء النهر ما هو أشد اشتباكاً من بخارى ولا أكثر أهلاً، وفي ربضها نهر الصغد يشق الربض وأسواقها، وهو آخر نهر الصغد ويصير إلى طواحن وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء هناك، وللمدينة سبعة أبواب حديد وللقهندز بابان ولربضها دروب كثيرة وليس في مدينتها ولا قهندزها ماء جار لارتفاعهما (5) ، وتنبعث من نهرها الأعظم أنهار، وليس في داخل حدود بخارى جبل ولا نشز إلا موضع المدينة ولهم خارج المدينة ملاحات. وأهل بخارى (6) يتفاوضون فيما بينهم ويتعارفون أنه ما عقد في قلعتهم لواء ولا خرجت منه راية فهزمت ولا غلب فيها وال قط وهذا من الاتفاق العجيب. ولسان بخارى لسان الصغد يحرف بعضه قليلاً، وزيهم الأقبية والقلانس كزي ما وراء النهر لأنها مستقيمة على كور ما وراء النهر، ويرجع أهلها من العفة والدماثة والأمانة وحسن السيرة وحسن المعاملة وقلة الشر وإفاضة الخير وبذل المعروف وسلامة النية إلى ما يفضلون به سائر الناس. ويكفي أن من بخارى الإمام محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري (7) رحمه الله مؤلف الكتاب الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عليه معول أهل السنة في جميع بلاد المسلمين وغير ذلك من تصانيفه، ومناقبه لا تحصى توفي سنة ست وخمسين ومائتين وعاش اثنتين وستين سنة. وفي سنة ست عشرة وستمائة (8) وقعت كائنة الططر العظمى، كان فيها المصاف بين الملك خوارزم شاه وجنكزخان بين نهر سيحون ونهر جيحون ودام القتال ثلاثة أيام بلياليها وقتل من الفريقين ما لا يحصى ولم ينهزم المسلمون ولا الكفار، فلما كانت الليلة الرابعة افترق كل فريق منهما تحت الليل وفر خوارزم شاه وقد انقطع قلبه مما شاهد من صبر (9) العدو وأيقن بذهاب دولته على

_ (1) ص: بعضها. (2) الطبري 2: 179، 393 - 394، 1198؛ وانظر أيضاً تاريخ بخارى للترشخي. (3) هذا النص أورده ياقوت نقلاً عن كتاب الصور؛ مع بعض اختلاف. (4) من هنا يتفق النص مع ابن حوقل: 398 والكرخي: 399 وهو أقرب غلى ابن حوقل، وقد سها المؤلف أن ما نقله عن نزهة المشتاق بجمع كثيراً من الحقائق التي وردت في هذه الفقرة، إذ ليس نص الإدريسي إلا نص ابن حوقل او الكرخي مع تحوير يسير. (5) في الأصلين: لارتفاعها. (6) متابع لابن حوقل: 404 والكرخي: 176 مع تصرف وزيادة. (7) ترجمته في تاريخ بغداد 2: 4 - 36، وطبقات الحنابلة 1: 271،وابن خلكان 3: 188، والوافي 3: 232، وتذكرة الحفاظ: 555، وتهذيب التهذيب 9: 47، والشذرات 2: 134، وإرشاد الساري 1: 31. (8) ابن الأثير 12: 364 (حوادث 617) ، ولكن مؤلف الروض ينقل عن مصدر آخر. (9) ص: قير؛ ع: غير، والترجيح من ناسخ ص.

البخراء

على أيديهم، وقيل إن منجمه قال له: لا تتعب نفسك فما لك معهم طالع وهم الغالبون على البلاد لا محالة، فشغل نفسه بالفرار حتى مات، فلما استراح الططر ساروا إلى بخارى فقاتلوها ثلاثة أيام وكان فيها عشرون ألف فارس فهربوا (1) تحت الليل، فخرج إلى الططر أكابر البلد وأخبروهم أن جند السلطان قد فروا وقالوا: نحن رعية من ملكنا فإن حلفتم لنا وأمنتمونا مكناكم من المدينة فحلفوا بأيمانهم وبذلوا لهم الأمان ووصلوا بخارى يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة فقاتلوا القلعة المعروفة بالقهنداز اثني عشر يوما ثم دخلوها عنوة فقتلوا جميع من فيها حتى الكلاب والقطط وضربوا برؤوس الأطفال الحيطان وقالوا: كذا نصنع بكل من امتنع منا وأغلق باباً في وجوهنا، ثم إنهم أمروا أهل بخارى بالخروج إلى ظاهرها بنسائهم وأولادهم بعد ما أخذوا جميع سلاحهم، فلما أخرجوا الجميع قالوا: ميزوا فقراءكم من أغنيائكم، فلما تميزوا اقتسموا الأغنياء وأحالوا على الفقراء السيف وأبقوا على أرباب الصنائع من ينتفعون به وفجروا بالنساء أمام الرجال فكان من الناس من ذهب عقله ومنهم من خطف دبوساً أو سيفاً وقاتل حتى قتل ثم انهم عذبوا الأغنياء على الأموال حتى ودوا أنهم ماتوا، ودرى (2) الططر أنهم لم يبق عندهم شيء فقتلوهم عن آخرهم. بختة (3) بلدة في بلاد البجة من أرض الحبشة وهي مسكونة وبها سوق وإليها تنسب الجمال البختية وليس يوجد على وجه الأرض جمال أحسن منها ولا أصبر على السير ولا أسرع خطى وهي بديار مصر معروفة بذلك. البخراء (4) منزل من منازل البحرين بين البصرة والاحساء، وقيل هي أرض بالشام سميت بذلك لعفونة تربتها ونتن ريحها. وكان الوليد بن يزيد توجه إليها يغتذي بها ويشرب ألبان اللقاح يتطلب الصحة ويستبعد من الوباء وكان ماجناً سفيهاً مستخفاً بأهل الدين، وأخباره في ذلك مشهورة، فأقبل إليه يزيد بن الوليد بن عبد الملك من دمشق في المعتزلة وصلحاء القدرية منكرين لفعل الوليد فقتلوه بالبخراء سنة ست وعشرين ومائة، وكان معطلاً وله أخبار قبيحة. بدر (5) ماء على ثمانية وعشرين فرسخاً من المدينة في طريق مكة، وبين مدينة الجار إلى بدر نحو المشرق إذا أردت المدينة عشرون ميلاً وهناك قرية فيها حدائق نخل، وببدر عين فوارة، وموضع القليب الذي كانت بازائه الوقيعة المباركة الإسلامية هو اليوم نخيل وموضع الشهداء خلفه، وببدر عينان جاريتان عليهما الموز والعنب والنخل قيل كان قريش بن بدر بن الحارث بن مخلد (6) بن النضر بن كنانة وكيل بني كنانة في تجاراتهم وكان يقال قدمت عير قريش فسمت قريش به قال: وهو صاحب بدر الذي لقي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي قريش أنبط هنالك بئراً فنسب إليه، وقيل سميت بدراً لأنه كان ماء لرجل من جهينة اسمه بدر، وهو موضع الوقيعة المباركة التي لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها صناديد قريش وأشرافهم فأوقع بهم فقتل الله تعالى طغاتهم وأكابرهم، وهي أول غزواته صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها وهي بدر الكبرى وفيها قال الله تعالى " لقد نصركم الله ببدر "، وقال أمية ابن أبي الصلت يرثي من أصيب ببدر من المشركين من قصيدة (7) : ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازبة جحاجح (8) وكانت وقيعة بدر يوم الخميس صبيحة سبع عشرة من رمضان على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه المدينة صلى الله عليه وسلم وقيل لسنة ونصف من مقدمه، وقال ابن شهاب: في شهر رمضان من سنة اثنتين. وبدر موسم من مواسم العرب ومجمع من مجامعهم في الجاهلية وبها قلب ومياه وآبار ورياض يقال لها الأثيل منها ينبع والصفراء والجار والجحفة. وهذه الوقيعة التي رفع الله بها قوماً في الدنيا والآخرة وخفض بها آخرين وأيد الله رسوله والمؤمنين بملائكته فقاتلت معه، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: رأيت عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن

_ (1) ع: فهزموا. (2) ص: ورأى. (3) الإدريسي (د) : 27. (4) معجم ما استعجم 1: 230، والطبري 2: 1796 - 1804، وقال ياقوت: ماء منتنة على ميلين من القليعة في طرف الحجاز. (5) بعضه من معجم ما استعجم 1: 231؛ رحلة الناصري: 219. (6) البكري وياقوت: يخلد، وأورد ياقوت أيضاً ((مخلد)) . (7) القصيدة في السيرة 2: 30. (8) العقنقل: الكثيب من الرمل، والمرازبة: جمع مرزبان وهو الرئيس، والجحاجح: السادة.

بذونة

يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال لم أرهما قبل ولا بعد وقال جبريل عليه الصلاة والسلام: يا محمد أي أصحابك أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم: " الذين شهدوا بدراً "، قال: كذلك الملائكة أفضلهم الذين شهدوا بدراً، وقصة الوقيعة على الشرح والإيضاح في كتب المغازي. وببدر جبل عظيم من رمل شديد البياض كان بياضه إذا طلعت عليه الشمس يعشي الأبصار وهم يسمعون من ذلك الجبل دوياً فيدل ذلك على خصب العام عندهم ويرى على بدر في الليل الغاسق نور ساطع لا يرى على سواه. بذونة (1) في أرض الحبشة على الساحل، وهي خراب قليلة العمارة وحشية المساكن قذرة البقاع وعيش أهلها من السمك ولحوم الصدف والضفادع والأحناش والفيران والورل وأم حبين وغير ذلك من الحيوانات التي لا تؤكل، وهم يتصيدون في البحر عوماً بشباك يصنعونها ويربطونها بأرجلهم وهم أهل فاقة وفقر وضيق حال، وهم في طاعة الزنج. البذندون (2) على طريق طرسوس، كان المأمون بن الرشيد خرج إلى الصائفة على طريق طرسوس فمرض بعين يقال لها عين البذندون وذلك سنة ثماني عشرة ومائتين فمات في رجب، وكان لما خرج عهد إلى سائر حصون الروم ودعاهم إلى الإسلام وخيرهم ببن الإسلام والجزية والسيف وذلل النصرانية، وأجابه خلق من الروم إلى الجزية، فلما نزل البذندون جاءه رسول ملك الروم فقال له: إن الملك يخيرك بين أن يرد عليك نفقتك التي أنفقتها من بلدك إلى هذا الموضع وبين أن يخرج كل أسير من المسلمين في بلد الروم بغير فداء: لا درهم ولا دينار (3) ، وبين أن يعمر لك كل بلد للمسلمين قد أخربته النصرانية ويرده كما كان وترجع عن غزاتك هذه، فقام المأمون ودخل إلى خيمته وصلى ركعتين واستخار الله عز وجل وخرج وقال للرسول: قل له أما قولك ترد علي نفقتي فإني سمعت الله عز وجل يقول في كتابه: " وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون. فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون " وأما قولك إنك تخرج كل أسير من المسلمين في كل بلد الروم فما في يدك إلا أحد رجلين إما رجل طلب الله عز وجل والدار الآخرة فقد صار إلى ما أراد وإما رجل طلب الدنيا فلا فك الله أسره، وأما قولك إنك تعمر كل بلد للمسلمين قد خربه الروم فلو أني قلعت أقصى حجر في بلاد الروم ما اعتضت بامرأة عثرت (4) في حال أسرها فقالت: وامحمداه، عد إلى صاحبك فليس بيني وبينه إلا السيف، يا غلام اضرب الطبل، فرحل فلم ينثن عن غزاته حتى فتح أربعة عشر حصناً وانصرف من غزاته فنزل عين البذندون المعروفة بالقشيرة وأقام هناك حتى ترجع رسله من الحصون، فوقف على العين ومنبع الماء فأعجبه برد مائها وصفاؤه وحسن بياضه وطيب الموضع وكثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال فبسطت على العين كالجسر وجلس عليه والماء تحته، وطرح في الماء درهم فقرأ كتابته وهو في قرار الماء لصفائه، ولم يقدر أحد يدخل الماء من شدة برده، فبينما هو كذلك إذ لاحت سمكة نحو الذراع كأنها سبيكة فضة فأمر من أخرجها فلما صارت على حرف العين أو على الخشب اضطربت وانملست من يد الفراش فوقعت في الماء كالحجر فنضحت الماء على صدر المأمون ونحره وترقوته فبلت ثوبه ثم أخذها الفراش ثانية فوضعها بين يدي المأمون في منديل تضطرب فقال المأمون: تقلى الساعة، ثم أخذته رعدة من ساعته لم يقدر يتحرك من مكانه فغطي باللحف والدواويج وهو يرعد كالسعفة ويصيح: البرد.. البرد، ثم حول إلى المضرب ودثر وأوقدت النيران حوله وهو، يصيح: البرد، ثم أتي بالسمكة وقد فرغ من قليها فلم يقدر على ذوقها وشغله ما هو فيه عن تناول شيء منها، ولما اشتد الأمر عليه سأل المعتصم بختيشوع وابن ماسويه عنه وهو في سكرات الموت ما الذي يدل عليه علم الطب من أمره وهل يمكن برؤه، فتقدم ابن ماسويه فأخذ إحدى يديه وبختيشوع الأخرى وأخذا المجسة من كلتا يديه فوجدا نبضه خارجاً عن الاعتدال منذراً بالفناء والتزقت أيديهما ببشرته لعرق كان يظهر في سائر جسده كالرب أو كلعاب الأفاعي فأنكرا معرفة العرق وذكرا أنهما لم يجداه في شيء من الكتب وأنه دال على انحلال الجسد، وأفاق المأمون من غشيته وفتح عينيه وأمر بإحضار ناس من الروم

_ (1) نزهة المشتاق: 22. (2) في ياقوت: البذندون - بذل منقوطة، ودال مهملة، وهي بمهملتين في أكثر المصادر الجغرافية، وتاريخ الطبري، وفي الأصلين: البدبدون في هذا الموضع، وانظر وفاة المأمون في الطبري 3: 1134. والقصة كما وردت هنا منقولة عن مروج الذهب 7: 94. (3) زيادة ضرورية من المسعودي. (4) في الأصلين: عشرت؛ وفي المروج: عثرت عثرة.

برشلونة

فسألهم عن اسم الموضع فأحضر له عدة من الأسرى والأدلاء فقيل لهم: ما تفسير هذا الاسم وهو القشيرة فقالوا: تفسيره مد رجليك، فلما سمعها المأمون اضطرب من هذا الفأل وتطير به فقال: سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية، فقالوا: الرقة، وكان فيما عمل من مولد المأمون أنه يموت بالموضع المعروف بالرقة، فكان يحيد عن المقام بمدينة الرقة خوفاً من الموت، فلما سمع هذا من الروم علم أنه الموضع الذي وعد فيه فيما تقدم من مولده وأن فيه وفاته، والبذندون تفسيره مد رجليك، فلما ثقل المأمون قال: أخرجوني أشرف على عسكري وأنظر إلى رجالي وأتبين ملكي وذلك بالليل، وأخرج فأشرف على الخيم والجيش وانتشاره وكثرته وما قد أوقد من النيران فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، ثم رد إلى مرقده وأجلس المعتصم رجلاً يلقنه الشهادة لما أثقل فرفع الرجل بها صوته ليقولها المأمون، فقال ابن ماسويه: لا تصح فوالله ما يفرق الآن بين ربه وبين ماني، ففتح المأمون عينيه وبها من العظم والتورم والاحمرار ما لم ير مثله قط وأقبل يحاول البطش بابن ماسويه ورام مخاطبته فعجز عن ذلك فرمى بطرفه نحو السماء وقد امتلأت عيناه دموعاً وانطلق لسانه من ساعته فقال: يا من لا يموت ارحم من يموت، وقضى من ساعته وذلك لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين وحمل إلى طرسوس فدفن بها. ماسويه ورام مخاطبته فعجز عن ذلك فرمى بطرفه نحو السماء وقد امتلأت عيناه دموعاً (1) وانطلق لسانه من ساعته فقال: يا من لا يموت ارحم من يموت، وقضى من ساعته وذلك لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين وحمل إلى طرسوس فدفن بها. براغة (2) هي مدينة مجاورة لبلاد الأتراك مبنية على نهر هناك بالحجر والجيار، وهي تصغر عن المدن وتكبر عن القرى وبها سوق تجمع المرافق السفرية والحضرية في أعلاها قلعة كبيرة حصينة وبها عين ماء معينة يخترق ماؤها بسيط بطحائها، وهي أكثر البلاد متاجر تأتيها من مدينة كراكو (3) الروس والصقالبة بالمتاجر ويأتيهم من بلاد الترك والإسلام اليهود والترك بالمتاجر أيضاً والمثاقيل البرقطية (4) يحملون من عندهم الدقيق والقصدير وضروب الأوبار، وهي أطيب بلاد أهل الجوف وأزكاها معيشة يباع عندهم من القمح بقنشار ما يكتفي به المرء شهوراً، ويبلغ عندهم بقنشار من الشعير علف أربعين ليلة لدابة، ويباع عندهم عشر دجاجات بقنشار، وبمدينة براغة تصنع السروج واللجم والدرق المستعملة في بلادهم. برقعيد (5) مدينة بينها وبين نصيبين سبعة وعشرون ميلاً، وهي مدينة حصينة كبيرة كثيرة الخير والخصب ويسكنها قوم من تغلب. برهوت في نحر (6) بلاد حضرموت من بلاد الشحر في جهة اليمن ببلاد عمان، فيها أطمة يسمع صوتها كالرعد من أميال كثيرة تقذف من قعرها بجمر كالجبال وقطع من الصخر سود حتى يرتفع ذلك في الهواء ويدرك حسها من أميال كثيرة ثم تنعكس سفلاً فتهوي إلى قعرها وحولها. برذال (7) مدينة من إقليم برغش كاملة شاملة بضروب النعم كثيرة الفواكه، بينها وبين البحر اثنا عشر ميلاً. برك الغماد (8) بالغين المعجمة، وهو المذكور في قصة غزو بدر وهو في أقاصي هجر، وهذه الغين المعجمة تضم وتكسر، وفي خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجراً إلى أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال: أخرجني قومي وأريد أن أسيح في الأرض أعبد ربي، قال ابن الدغنة: مثلك لا يخرج إنك لتكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ارجع واعبد ربك في بلدك، فرجع وذكر باقي الحديث، وقال الهمداني (9) : برك الغماد في أقصى اليمن. برشلونة (10) مدينة للروم بينها وبين طركونة خمسون ميلاً، وبرشلونة على البحر ومرساها ترش لا تدخله المراكب إلا عن معرفة،

_ (1) وأقبل يحاول ... دموعاً: سقط من ص. (2) البكري (ح) : 161، وتكتب أيضاً ((افراغة)) . (3) في الأصلين: كراكر. (4) البكري: المرقطية. (5) انظر معجم البلدان حيث يذكر ياقوت أن برقعيد كانت في زمنه صغيرة حقيرة، ولكن المؤلف هنا يتابع ما قاله الإدريسي في نزهة المشتاق: 199. (6) في الأصلين: بحر؛ وبرهوت بئر، او وادٍ (راجع ياقوت ومعجم ما استعجم، وليس ما هنا نقلاً عن أحداهما) . (7) نزهة المشتاق: 234، وبروفنسال: 41. (8) معجم ما استعجم 1: 243. (9) صفة جزيرة العرب: 204. (10) بروفنسال: 42، والترجمة: 53 (Barcelona) ، ونزهة المشتاق: 231.

برذعة

ولها ربض وعليها سور منيع، والدخول إليها والخروج عنها إلى الأندلس على باب الجبل المسمى بهيكل (1) الزهرة ويسكن برشلونة ملك افرنجة وهي دار ملكهم وله مراكب تسافر وتغزو وللافرنج شوكة لا تطاق، وبرشلونة كثيرة الحنطة والحبوب والعسل واليهود بها يعدلون النصارى كثرة وربضها خارج عنها، وهي في القسم الثالث من الأندلس وهي مسورة كبيرة (2) . برزة مدينة بالشام من عمل الغوطة كان من أهلها رجل صالح وكان أعور، قال الراوي: قلت له: ما سبب ذهاب عينك؟ فقال: أمر عجيب، وامتنع أن يخبرني شهوراً، ثم حدثني قال: جاءني وأنا شاب رجلان فدفعا إلي ثمن غرارة قمح وقالا: اعجن لنا كل يوم ربعاً وأنفق لنا خمسة دراهم في لحم وشيء من الحلوى، فأقاما عندي جمعة ثم قالا لي: في قرية برزة واد، قلت: نعم، فخرجا إليه نصف الليل وأخذاني معهما ونزلا إلى الوادي وكانت معهما دابة محملة فحطا عنها وأخرجا خمس مجامر وأوقدا فيها ناراً وجعلا فيها بخوراً كثيرا وأقبلا يعزمان والحيات تقبل إليهما من كل مكان فلا يعرضان إليها إلى أن جاءت حية نحو ذراع وعيناها تقدان مثل الدينار، فلما رأياها استبشرا وقالا: الحمد لله من أجلها جئنا من خراسان، ثم قبضا عليها ثم أدخلا في عينيها ميلاً واكتحلا به، فقلت لهما: اكحلاني كما اكتحلتما، فقالا: ما يصلح لك، فقلت: لا بد من ذلك، قالا: يا هذا ما لك فائدة فيها، فقلت: والله لا زايلتكا أو تكحلاني أو لأصرخن بالوادي حتى يخرج فيؤخذ كل ما معكما، فلما لم يريا لهما مني مخلصاً قالا: فنكحل عينك الواحدة، فكحلا عيني اليمنى، فحين وقع ذلك في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة انظر ما تحتها كما تؤدي المرآة، ثم قالا لي: سر معنا قليلا، فسرت معهما وهما يحدثاني حتى إذا بعدنا عن القرية كتفاني ثم أدخل أحدهما اصبعه في عيني فقلعها ورمى بها وتركاني ملقى ومضيا فكان آخر العهد بهما ولم أزل مكتفاً إلى الصبح حتى جاءني نفر من الناس فحلوني، فهذا ما كان من خبر عيني. برذعة (3) هي مدينة ارمينية، وقد تقدم ذكرها، وطول برذعة ثلاثة أميال في عرض مثلها وهي نزيهة حصينة ذات أنهار وأشجار ومياه كثيرة وهي أم بلاد الران (4) كلها، وهي مدينة كبيرة جداً وهي من أنزه البلاد بقعة وأوفرها نعمة وبها خصب زائد وكروم وبساتين وأشجار وعلى ثلاثة أميال موضع يسمى الأندراب مسيرة يوم في مثله جميعه بساتين مشتبكة وعمارات متصلة وفواكه دائمة وجنات كثيرة ومتاجر عظيمة، وبها من البندق والشاه بلوط ما يربي على ما في الشام كبراً وطيباً. ولبرذعة باب يعرف بباب الأكراد له سوق مقدار ثلاثة أميال وهي سوق عظيمة يجتمع الناس إليها في كل يوم أحد ويقصدون إليها من كل جهة ويبتاع فيها من صنوف الأمتعة وجميع المصنوعات الشيء الكثير. وببرذعة مات يزيد بن مزيد، قالوا أهديت إلى يزيد هذا جارية حسناء فوافقته حين رفع يده من الطعام فواقعها فما سقط عنها

_ (1) في الأصلين: بشكل، والتصويب عن نزهة المشتاق، وزاد فيها ((أن اسم الهيكل بالرومية (البرتبير)) ) . (2) زاد بروفنسال من مخطوطة للبكري النص التالي، وهو غير واد في الأصلين اللذين اعتمدتهما، كما أنه لم يرد في النسخ التي اعتمدها بروفنسال ولهذا أوردته في الهامش: وصاحب برشلونة اليوم راي منذ بن بلنقر بن بريل، وكان خرج يريد بيت المقدس سنة 446، فنزل في مدينة نربونة على رجل من كبراء أهلها، فتعشق امرأته وتعشقته، ثم تمادى في سفره حتى وصل بيت المقدس، ثم كر راجعاً حتى أتى نربونة، فنزل على ضيفه بها وليس إليه هم إلا امرأته، فحكم ذلك التعشق بينهما، واتفق معها على أن تعمل الحيلة في الهروب إليه من بلدها، فيزوجها من نفسه؛ فلما وصل غلى برشلونة أرسل إليها قوماً من اليهود في ذلك، ودخل صاحب طرطوشة في الأمر، فأوصلهم في الشواني غلى نربونة، فلم تتوجه لليهود الحيلة في أمرها، وأحس زوجها ببعض شأنها، وكان بها كلفاً فثقفها، فكان تثقيفه لها سبباً لمعونة أهلها على مرادها. فوصلت مع قوم منهم غلى برشلونة، فنزل راي منذ عن امرأته وتزوج النربونية، فلبست الأولى المسوح، وخرجت مع جماعة من أهل بيتها غلى رومة حتى أتت عظيمها وصاحب الدين بها، وهو الذي يسمونه البابه، فشكت إليه ما صنع زوجها، وأنه تركها بغير سبب، وهو أمر لا يحل في دينهم، وأنهم لا يجوز لهم فعله، وإنما حمله على ذلك عشقه لها، وشهد لها شهود قبلهم، فحرم البابه على صاحب برشلونة دخول الكنائس وأمر أن لا يدفن له ميت، وأن يتبرأ منه جميع من يعتقد النصرانية. فلما علم ذلك، علم أنه لا حيلة له معه، ولا بقاء في أفق يكون فيه لنصراني حكم؛ فبذل الأموال ودس مشاهير الأساقفة والقسيسين، وأوطأهم على الشخوص غلى البابه، وأن يشهدوا له أنه تقضى عن نسب المرأة التي ترك، فوجدها منه بقربى تحرمها عليه، وأن النربونية فرت من زوجها لذلك، لأنها كانت منه بنسب، وكان يكرهها على المقام معه. فنفذ القوم إلى البابه، وشهدوا للقومس ما أوصاهم عليه، فقبلهم، وأباح له دخول الكنائس ودفن من مات له وسائر ما حجر عليه. (3) بردعه، بالدال المهملة وبالذال أيضاً؛ وبعض المادة التي أوردها المؤلف هنا عند الكرخي: 109 وياقوت (عن الكرخي) ، والفقرة الأولى في هذه المادة منقولة عن نزهة المشتاق: 265. (4) توفي يزيد سنة 285، وانظر الأغاني 18: 325 - 326، وابن خلكان 6: 327 - 329.

برشك

إلا ميتاً فقبره ببرذعة وقال أبو قدامة القشيري: كنا مع يزيد بن مزيد بأرمينية فإذا صائح في الليل يصيح: يا يزيد بن مزيد، قال: فأتي به يزيد فقال له: ما حملك على هذا الصياح؟ قال: نفقت دابتي ونفدت نفقتي وسمعت قول الشاعر: إذا قيل من للمجد والجود والندى ... فناد بصوت يا يزيد بن مزيد فأمر له بفرس أبلق كان معجباً به وبمائة دينار. برغش (1) في بلاد الروم بالقرب من مدينة ليون، وهي مدينة كبيرة يفصلها نهر، ولكل جزء منها سور والأغلب على الجزء الواحد منها اليهود، وهي حصينة منيعة ذات أسوار وتجار وعدد وأموال وهي رصيف للقاصد والمتحول (2) ، وهي كثيرة الكروم ولها رساتيق وأقاليم معمورة. برشك (3) بين تنس وبرشك في الساحل ستة وثلاثون ميلاً، وبرشك مدينة صغيرة على تل وعليها سور تراب وهي على ضفة البحر، وشرب أهلها من عيون وماؤها عذب، وبها فواكه وجملة مزارع وحنطة كثيرة وشعير، ومنها إلى شرشال (4) عشرون ميلاً وكان طاغية صقلية (5) أخذها واستولى عليها. برلي جزيرة في بحر الهند فيها الكافور الذي ليس في الدنيا مثله يكون في الشجرة الواحدة منه عشرة أجناس ينساب كل عرق منها بجنس منه، وكافور هذه الجزيرة يحمل إلى الصين، قالوا: ويلي هذه الجزيرة ستة آلاف جزيرة لا يحيط علماً بما فيها إلا خالقها منها جزيرة بروان (6) يخرج منها مائتا مركب محاربة وهم أهل بأس ونجدة وشجاعة وشدة يقاتلون من يليهم لاستحلالهم البنات والأخوات، ومنها جزيرة تسمى سواكن يحارب أهلها ملك قمار وشريرة وفنصور (7) ، وأخذوا مرة سفينة كبيرة للمسلمين في ناحية كله وسبوا من فيها من الرجال والنساء ثم أتوا بهم بعد أعوام إلى بلاد جاوه وهم منهم على مسيرة ستين يوما فأخبروا أولئك النسوة أنهم لم يعترضوا منهم واحدة، ووجدوا الأبكار منهم بخواتيمهم (8) . بريانة (9) بالأندلس بقرب عقبة أنيشة، وهي مدينة جليلة عامرة كثيرة الخصب والأشجار والكروم، وهي في مستو من الأرض وبينها وبين البحر ثلاثة أميال، وهي قريبة من بلنسية. برشانة (10) بالأندلس أيضاً وهي حصن على مجتمع نهرين وهو من أمنع الحصون مكاناً وأوثقها بنياناً وأكثرها عمارة. بريسا (11) في بلاد السودان على النيل وهي كثيرة الخيرات بها معدن للذهب عظيم مشهور في بلاد السودان، ومن العجائب أن في هذه المدينة معزى قصاراً وعندهم شجر معلوم تحتك هذه المعزى إليها فتلقح من غير ذكر ويذبحون ذكران المعز ويستحيون الإناث لاستغنائهم عن الفحل، حدث بذلك من دخل بلادهم من ثقات التجار وهذا مثل ما حكاه المسعودي عن جزيرة النساء. وليس على بريسا سور وأهلها تجار يتجولون وأهلها كالقرية الحاضرة وهم طاعة للتكروري. برطاس (12) بلاد برطاس ويقال بلاد برداس فيما بين الخزر وبلغار، بينها وبين الخزر مسيرة خمسة عشر يوما، وهي طاعة لملك الخزر ليس لهم ملك سواه إلا أن لهم في كل محلة حاكماً يتحاكمون إليه فيما نابهم، وهم حرب لبلغار والبجاناكية ودينهم شبيه بدين الغزية، ولهم أرض واسعة سهلة كبيرة وأرضهم مسيرة نصف شهر في مثلها، وينتهي عددهم نحو عشرة آلاف فارس،

_ (1) نزهة المشتاق: 231 والمؤلف ينقل عنه، وابن حوقل: 290، وبروفنسال: 44 والترجمة: 55 (Burgos) . (2) نزهة المشتاق: والمتجول. (3) الإدريسي (د/ ب) : 88/ 61. (4) في الأصلين: شوشال. (5) يعني الملك رجار النورماندي. (6) ص: بروادة. (7) ص: وسيعور، ع: يسعور غير معجمة الياء. (8) كذا بضمير الجمع المذكر. (9) الإدريسي (د) : 191، وبروفنسال: 44، والترجمة: 56 (Buriana) . (10) بروفنسال: 42، والترجمة: 53 (Purchena) . (11) ذكر الإدريسي (د/ ب: 2، 4/ 3، 5) بريسي وقال: ومدينة بريسي على النيل، مدينة صغيرة لا سور لها غير أنها كالقرية الحاضرة، وأهلها تجار متجولون وهم في طاعة التكروري، وفي ص ع: برسنا أو (برسني) . (12) تشترك هذه المادة مع ما ورد في نزهة المشتاق: 309، والكرخي: 130، 131، وياقوت (عن الكرخي) ، ولكن ما ورد فيها من تفصيلات يشير إلى أن المؤلف ينقل عن مصدر آخر، والنظر أيضاً: ابن حوقل: 333، 335، وتقع برطاس على روافد الفولجا.

بردى

وأكثر أشجارها الخلنج وأكثر أموالهم العسل والوبر، ولهم سوائم كثيرة من البقر والغنم ومزارع واسعة، وطائفة منهما يحرقون موتاهم وأخرى تدفنها، وإذا أدركت الجارية عندهم لم يكن لأبيها عليها حكم بل تختار لنفسها من شاءت من الرجال وتصنع ما أحبت؛ وهم أصحاب جمم ولهم قلانس يشدونها على رؤوسهم، ولباسهم القمص والقواطن والجباب، ولهم مزارق وأترسة وقسي ودروع، وبرطاس مدينة متصلة ببلاد الروس، وكان لأهل برطاس لسان غير لسان الروس وغير لسان الخزر، وكانوا مسلمين ولهم مساجد وجوامع، وأخبر بعضهم ممن كان يخطب لهم ويصلي بهم أن عدد المسلمين فيها كان ينتهي عشرين ألفاً وأن الليل يكون عندهم في وقت ما من السنة يعدل ما يسير المرء فرسخين وأن مساكنهم خلت بتغلب الروس على مدينتهم وأجلوهم عنها فشتتوا في البلاد. برطانية جزيرة توازي حد الأندلس الأقصى وهي مستطيلة من القبلة إلى الجوف طولها ثمانمائة ميل وعرضها مائة ويتصل حدها ببلد الصقالبة، وهي طيبة الهواء معتدلة الحر كثيرة الثمرات والخيرات وعند أهلها حكمة وفلسفة وبصر بحد المنطق، وهي من ممالك افرنجة وبأيدي ملوكها، وبجوفي برطانية في البحر المحيط الجزائر المعروفة بجزائر أرطاوس وهي ثلاث وثلاثون جزيرة يسكن المجوس الأردمانيون (1) في اثنتي عشرة منها وباقيها خالية لفساد هوائها. بردى (2) نهر يقال له بالفارسية بهردان وهو نهر دمشق ينبعث من جبالها فيجتازها فيقسمها ويشق غوطة دمشق ثم يصب في البحر (3) ، وإياه عنى حسان في قصيدته التي يمدح فيها آل جفنة، يقول فيها (4) : لله در عصابة نادمتهم ... يوماً بجلق في الزمان الأول يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل برونة (5) هي مدينة من مدن انقبردية وهي مبنية بالصخر الجليل بناء متقناً يشبه بنيان طركونة ومبانيها كلها حسنة شريفة، وفيها دار ملعب عجيب البنيان واسع الفناء، وهي مدينة واسعة الأحواز كثيرة الحصون سابغة النعم، وهي على (6) نهر يصب في بحر بناحية على يومين منها، ومن برونة إلى حصن غاردة (7) عشرون ميلاً وهو معقل حصين إلى أبعد غاية. البركان (8) هو اسم الاطمة التي يخرج منها النار كالتي بجزيرة صقلية، وهو بركان عظيم لا يعلم في العالم أشنع منظراً منه ولا أغرب خبراً وهو في جزيرتين شمالاً من مدينة بلرم، وإذا هبت الريح الجوفية سمع لها دوي هائل كالرعد القاصف فتخرج النار منها وإنما تظهر بالليل ناراً حمراء ذات ألسن تصعد في الجو، وكان برفريوس (9) الفيلسوف قد شخص من مدينة صور إلى صقلية لينظر إلى البركان فيعاين فعل الطبيعة هنالك ويخبر عنه وعن العلة فيه بقول واضح فمات بها وقبره معروف، وقبر جالينوس أيضاً هنالك معلوم، وكان شخص من مدينة رومة يريد الشام ليلقى أصحاب عيسى عليه السلام. قالوا: وفي ملك بطليموس أحد ملوك اليونانيين وصاحب علم الفلك وواضع المجسطي (10) ظهرت جزيرة البركان بصقلية. وقالوا أيضاً: إذا صرت من قطانية إلى كذا ففي المغرب منه جبل النار وهو جبل عظيم منيف كثير الثمار وتقطع منه عدد السفن من خشب الشرع والأرجل الضخمة وغير ذلك، ويذكر أهل صقلية (11) أنه انفجر من جبل النار نهر جار فجرى أياماً يراه الناس وبقي أثره هنالك إلى الأبد متحرقاً

_ (1) في الأصلين: الأرمانيون؛ والاردمانيون او النورمانديون هم أهل الشمال. (2) انظر ياقوت: ومعجم ما استعجم 1: 240. (3) هذا وهم من المؤلف، فإن بردى يصب في بحيرة المرج. (4) ديوان حسان: 74 (تحقيق الدكتور وليد عرفات) . (5) (Verona) ، والانقبردية (وفي ع: انقبردنة) هي منطثة لمبارديا بإيطاليا. (6) في الأصلين: بحر. (7) ص ع: غادرة، وستأتي غاردة (Garda) في الغين. (8) نظر عن البركان وجزيرة البركان، نزهة المشتاق: 176، والمكتبة الصقلية: 86، 142، 145، 149، ويبدو أن المؤلف ينقل نقلاً مباشراً عن البكري (ح) : 214. (9) هو فرفوريوس الصوري صاحب إياغوجي او المدخل إلى علم المنطق. (10) في هذا وهم، لأن صاحب المجسطي هو غير بطليموس الملك. (11) قد سبق ذكر هذا في مادة ((ألياج)) .

بربشتر

أسود، ويذكرون أنه قذف فيها حجر في كساء فبقي هاوياً ساعة ثم رفعت الريح ذلك الكساء إلى أعلى العنق وذهب الحجر سفلاً، قالوا: وجبل النار بصقلية شأنه عجيب فإن ناراً خرجت منه في بعض السنين كالسيل العرم لا تمر بشيء إلا حرقته حتى تنتهي إلى البحر فتركت تتجه طائرة على صفحته حتى تغوص فيه. برذيل (1) في بلاد جليقية، وإقليم برذيل من أشرف أقاليم تلك الناحية وهو كثير الكروم والفاكهة والحبوب (2) ، وهو مدينة كبيرة مبنية بالكلس والرمل، وهو على نهر عجاج يسمى جرونة (3) وربما عطبت مراكب المجوس فيه عند الأهوال لاتساعه وانخراقه وبين هذه المدينة وموقع نهرها في البحر مائة وخمسون ميلاً، وأهل برذيل في أخلاقهم ولباسهم على أخلاق الجليقيين، وبجوفي مدينة برذيل بنيان منيف على سوار سامية جليلة هو قصر طيطس وفي سواحل هذه المدينة يوجد العنبر. برطايل (4) جزيرة في بحر الصين الذي في جزائره مملكة المهراج قيل إنه يسمع بها في الليل والنهار الضرب والطبول، ويقال إن فيها الدجال، وقال بعضهم: هي جبال مسكونة وجوه أهلها مثل المجان المطرقة آذانهم مخرمة، وفيها أشجار القرنفل ويشتريه التجار من قوم لا يرونهم إنما يضعونه أكواماً على الساحل فيأخذه التجار ويترك هناك العوض، وقيل إن التجار يتركون البضائع على الساحل ويعودون إلى مراكبهم فإذا أصبح من غد ذلك اليوم جاءوا فوجدوا إلى جانب كل بضاعة كوماً من القرنفل فإن رضيه أخذه وترك البضاعة ولها أخذ بضاعته وترك القرنفل، وإن أخذهما معاً لم تقدر مراكبهم على المسير حتى يرد القرنفل، وربما طلب أحدهم الزيادة فيترك البضاعة والقرنفل فيزاد فيه، وشجر القرنفل على نهر هناك يعرف بنهر القرنفل لم يدخل قط إليه أحد ولا ذكر أنه رأى شجره، وزعم بعضهم أن الجن يبيعونه من التجار، وذكر بعضهم أنه دخل الجزيرة وأمعن فيها فرأى قوماً في زي النساء مرداً بغير لحى ذوي شعور مرسلة فغابوا عنه وأن التجار أقاموا بعد ذلك مدة يخرجون إلى ساحل الجزيرة فلا يجدون شيئاً من القرنفل فعلموا أن ذلك من أجل من نظر إليهم، ثم عادوا بعد سنتين إلى ما كانوا عليه. ويقال إنه إذا كان رطباً حلو الطعم ويأكلون منه فلا يمرضون ولا يهرمون، وليس لهذا البحر حد يعرف، ورأسه يخرج من الظلمة الشمالية ويمر على بلاد الواق واق. بربشتر (5) هي مدينة من بلاد بربطانية (6) بالأندلس، وهي حصن على نهر مخرجه من عين قريبة منها، وبربشتر من أمهات مدن الثغر الفائقة في الحصانة والامتناع وقد غزاها على غرة وقلة عدد من أهلها وعدة، أهل غاليش والروذمانون وكان عليهم رئيس يسمى ألبيطش، وكان في عسكره نحو أربعين ألف فارس فحصرها أربعين يوما حتى افتتحها وذلك في سنة ست وخمسين وأربعمائة فقتلوا عامة رجالها وسبوا فيها من ذراري المسلمين ونسائهم ما لا يحصى كثرة، ويذكر أنهم اختاروا من أبكار جواري المسلمين وأهل الحسن منهن خمسة آلاف جارية فأهدوهن إلى صاحب القسطنطينية، وأصابوا فيها من الأموال ما يعجز عن الوصف وتخلفوا فيها من جلة رجالهم وأهل البأس منهم من وثقوا بضبطه لها ومنعه إياها واستوطنوها بالأهل والولد وجعلوها ثغراً من ثغورهم ثم انصرفوا عنها، وفي ذلك يقول الفقيه الزاهد ابن العسال من قصيدة: ولقد رمانا المشركون بأسهم ... لم تخط لكن شأنها الإصماء هتكوا بخيلهم قصور حريمها ... لم يبق لا جبل ولا بطحاء جاسوا خلال ديارهم فلهم بها ... في كل يوم غارة شعواء ماتت قلوب المسلمين برعبهم ... فحماتنا في حربهم جبناء كم موضع غنموه لم يرحم به ... طفل ولا شيخ ولا عذراء

_ (1) برفنسال: 41، والترجمة: 53، وبرذيل هي مدينة (Bordeaux) . (2) في الأصلين: والجنود. (3) في الأصلين: برونة. (4) البكري (مخ) : 37، وفي نخبة الدهر: 158، وابن الوردي: 68 برطائيل. (5) (Barbastro) بروفنسال: 39، والترجمة 50. (6) في الأصلين: برطانية.

البراقة

ولكم رضيع فرقوا من أمه ... فله إليها ضجة وبغاء ولرب مولود أبوه مجدل ... فوق التراب وفرشه البيداء ومصونة في خدرها محجوبة ... قد أبرزوها ما لها استخفاء وعزيز قوم صار في أيديهم ... فعليه بعد العزة استخذاء لولا ذنوب المسلمين وانهم ... ركبوا الكبائر ما لهن خفاء ما كان ينصر للنصارى فارس ... أبداً عليهم فالذنوب الداء فشرارها لا يختفون بشرهم ... وصلاح منتحلي الصلاح رياء ثم تداعت لأخذها ممالك الأندلس وجمع أحمد بن سليمان بن هود صاحب سرقسطة وجهاتها أهل الثغور ونهد إليها في جمع كثيف ذوي حد وجد ففتحها الله عز وجل على يديه عنوة فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية ودخل منها سرقسطة نحو خمسة آلاف سبية مختارة ونحو ألف فرس وألف درع وأموال كثيرة وثياب جليلة وعدة وسلاح، وكان افتتاحه لها لثمان خلون من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وأربعمائة ومذ ذاك تسمى بالمقتدر بالله، وكانت مدة ملك النصارى لها تسعة أشهر (1) . البراقة (2) مدينة في جزيرة الصريف في بحر الصنف حيث مملكة المهراج، وهي مدينة لطيفة من حجر أبيض براق يسمع فيها صياح وضوضاء ولا يرى بها ساكن وربما نزل بها البحريون وأخذوا من مائها فوجدوه زلالاً حلواً (3) فيه روائح الكافور. برقة (4) مدينة كبيرة قديمة بين الإسكندرية وإفريقية بينها وبين البحر ستة أميال وهي مرج أفيح وتربة حمراء افتتحها عمرو بن العاصي رضي الله عنه سنة إحدى وعشرين، وفيها آثار للأول كثيرة، ومن حمرة تربتها تحمر ثياب ساكنيها والمتصرفين فيها، وعلى ستة أميال منها جبل كثير الخصب والفواكه والمياه السائحة، وتصلح السائمة في نواحيها، وأكثر ذبائح أهل مصر والإسكندرية من أغنامها لعظم خلقها وكثرة شحمها ولذة لحمها وقد تقدم ذكرها في ذكر انطابلس فلا نكرره، وبرقة أول منبر ينزلها القادم من ديار مصر إلى القيروان، ولها كور عامرة، وهي في بقعة فسيحة وأرضها حمراء خلوقية كما تقدم وبحمرة ثياب أهلها يعرف أهلها، والصادر عنها والوارد عليها كثير، وهي برية بحرية، وكان من غلاتها فيما سلف القطن الطيب، وبها ديار لدباغ الجلود البقرية والنمور الواصلة إليها من أوجلة وتتجهز منها المراكب إلى الإسكندرية وأهل مصر بالصوف والعسل، ويخرج منها التربة المنسوبة إليها يتعالج الناس بها مع الزيت للجرب والحكة ولها رائحة كريهة كرائحة الكبريت. ويذكر أن في بعض جوانب برقة وآثارها القديمة داراً منقورة في حجر صلد عليها باب من حجر صلد وذلك من أغرب ما يكون في الدنيا لا تدخل الذرة بين العضادة والباب ولا ينفتح الباب إلا للداخل ولا يقدر أحد على الخروج منه إلا أن يدخل عليه آخر ويقال إنه كان مفتحاً لا قفل له ودخلها رجل ليراها فرأى داراً منقورة في حجر صلد وفيها من عظام الناس كثير فهاله ذلك، فلما أراد الخروج وجد الباب قد انغلق فلم يقدر على فتحه فأيقن بالهلكة حتى طلبه بعض أصحابه فجاء إلى ذلك الباب فسمع صوته يستغيث ففتح الباب فخرج الرجل. بزنة أظنها بذنة بالذال (5) قلعة في الهند كان صاحبها يعد من أعيان كفارهم وينسب إلى زيادة الاستظهار بالمال والرجال، وغزاه محمود سلطان خراسان فحين شاهد غبار طلائعه نجا بنفسه وحيداً وترك عساكره وأتباعه في حصنه للقتل والأسر حصيداً وقذف الله في قلوبهم الرعب فلاذوا بطلب الأمان وحقنوا دماءهم بقبول الإيمان وأسلم زهاء عشرين ألف نفس من عباد الأوثان، وقع الاحتواء على ثلاثين فيلاً من كبار الفيلة.

_ (1) في حادثة بربشتر، انظر الذخيرة (القسم الثاني - المخطوط) ، والبيان المغرب 3: 225: ونفح الطيب 4: 449. (2) البكري (مخ) : 37. (3) ص: زلالاً صافياً حلواً. (4) الاستبصار: 143، والإدريسي (د/ ب) : 31/ 98، والبكري: 4. (5) وقعت هذه العبارة بعد لفظة ((زيادة)) في ع، وسقطت من ص.

بزاخة

بزليانة (1) قرية على ساحل البحر قريبة من مالقة وهي قرية أشبه بالمدينة في مستو من الأرض، وأرضها رمل وبها الحمام والفنادق ويصاد بها الحوت الكثير ويحمل منها إلى الجهات المجاورة لها، وبينها وبين مالقة ثمانية أميال. بزاخة (2) موضع كانت فيه الوقيعة بين خالد بن الوليد رضي الله عنه وبين طليحة، وكان قد ارتد عن الإسلام وادعى النبوة، ولما انتهى خالد رضي الله عنه بالمسلمين إلى عسكر طليحة وقد ضربت له قبة من أدم وأصحابه حوله معسكرون، وانتهى خالد رضي الله عنه ممسياً فضرب عسكره على ميل أو نحوه من عسكر طليحة وتدانيا فاختلطت الصفوف واختلفت السيوف وضرس خالد رضي الله عنه في القتال فجعل يقحم فرسه ويقولون له: الله الله فانك أمير القوم ولا ينبغي لك أن تقدم، فيقول: والله إني لأعرف ما تقولون ولكني والله ما رأيتني أصبر، وأخاف هزيمة المسلمين، وأخرج طليحة أربعين غلاماً جلداً من جنده جرداً مرداً فأقامهم في الميمنة فقال: اضربوا حتى تأتوا الميسرة وإذا وصلتم الميسرة فافعلوا مثل ذلك، وانهزم المسلمون، فقال خالد رضي الله عنه لما كان ذلك: يا معشر الأنصار، الله الله، واقتحم وسط القوم وكر عليه أصحابه وحينئذ اختلفت الصفوف، ونادى رجل من طيء: يا خالد عليك بسلمى وأجا، فقال: بل إلى الله الملجأ، ثم حمل، فوالله ما رجع حتى لم يبق من أولئك الأربعين رجل واحد، فخرج طليحة منهزماً وحمل امرأته وراءه فنجا بها، وعمل خالد رضي الله عنه اخدوداً أضرم فيه النار ثم أحرقهم أحياء، فقيل لبعض أهل العلم: لم حرق هؤلاء من بين أهل الردة؟ قال: بلغه عنهم مقالة سيئة شتموا النبي صلى الله عليه وسلم. بزقطة من سقي الفرات منها أبو الفضل محمد بن أحمد البزقطي كان يعلم علي بن الخليفة الناصر، حكى ابن سعيد (3) أنه لما استخلف المستنصر صيره في ديوان الإنشاء وتوفي معه في سنة واحدة (4) وأنشد له: (5) وأهيف مثل خوط البان قداً ... تجول على معاطفه الرياح أبيت ولي بلثمي عارضيه ... ورشفي راح ريقته ارتياح ولي من ليل طرته اغتباق ... ولي من صبح غرته اصطباح (6) بزوان (7) مدينة من أرض التبت وهي تلول وعلى ضفة بحيرة هناك طولها أربعون فرسخاً وعرضها اثنان وسبعون ميلاً وماؤها حلو وبها سمك كثير يصيده أهل بزوان وأهل أوج، وبين بزوان وأوج خمسة أميال وقدرهما في الكبر سواء وهما بلدان قائمان بأنفسهما وبهما أسواق وصناعات تكفيهما، وبضفة بحيرة (8) بزوان أنهار كثيرة كبار في كل جهة منها وعلى مقربة من بزوان جبل معطوف على هيئة الدال لا يصل أحد إلى أعلاه إلا عن جهد وطرفاه يتصلان ببلاد الهند وفي بحبوحته أرض وطية فيها قصر مبني مربع لا باب له فمن قصده أو مشى نحوه وجد في نفسه فرحاً وطرباً مثل ما يجد شارب الخمر، ويقال إن من تعلق بهذا القصر وصعد إلى أعلاه لم يزل ضاحكاً، وهذا خبر عظيم مستفيض في الناس. البطائح تقع في الفرات بين الخابور الذي في أرض الجزيرة حيث قرقيسيا (9) ، وفي البطائح مجمع هذه المياه وهي ثلاثون فرسخاً في ثلاثين فرسخاً وهي خزانة أهل البصرة تجتمع فيها مياههم وتنبت القصب لحطبهم ومنافعهم ومنها سمكهم وفي نواحيها مزارعهم وأشجارهم، وقد اجتمعت من هذه البطائح أنهار منها نهر المرأة ونهر ابن عمر، وهو عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، في أسفل البطائح مما يلي قصر أنس بن مالك رضي الله عنه وطوله أربعة فراسخ من أسفل البطائح إلى فيض البصرة، ونهر مرة وهو مرة بن أبي عثمان مولى عبد الرحمن بن أبي بكر كتبت عائشة رضي الله عنها إلى زياد بالوصاة عليه وأقطعه ذلك النهر، وفيض البصرة

_ (1) الإدريسي (د) : 200، وبروفنسال: 44، والترجمة، 56، وهي تقابل (ventas de Bezmiliana) . (2) الاكتفاء (تاريخ الردة) : 32، 34. (3) في الأصلين: ابن سعد. (4) توفي المستنصر سنة 640. (5) في الأصلين: بدا. (6) في الأصلين: صباح. (7) نزهة المشتاق: 152. (8) نزهة المشتاق: ويصب في بحيرة. (9) هذه الجملة الموضوعة بين معقفين تجعل التعريف بالبطائح مضطرباً، إذ البطائح بين الكوفة وواسط، ولا علاقة لها بالخابور وقرقيسيا.

بكة

يقع في نهر الأبلة حتى يخرج إلى دجلة العوراء حتى يقع في بحر الهند، وفيض البصرة هو نهرها الذي البصرة عليه. بطليوس (1) بالأندلس من إقليم ماردة بينهما أربعون ميلاً، وهي حديثة بناها عبد الرحمن بن مروان المعروف بالجليتي بإذن الأمير عبد الله له في ذلك، فأنفذ له جملة من البناة وقطعة من المال فشرع في بناء الجامع باللبن والطابية وبنى صومعته خاصة بالحجر واتخذ مقصورة وبنى مسجداً خاصاً بداخل الحصن وابتنى الحمام الذي على باب المدينة وأقام البناة عنده حتى ابتنوا له عدة مساجد، وكان سور بطليوس مبنياً بالتراب، وهو اليوم مبني بالكلس والجندل وبني، في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. وهي (2) مدينة جليلة في بسيط من الأرض ولها ربض كبير أكبر من المدينة في شرقها خلا بالفتن وهي على ضفة نهرها الكبير المسمى الغؤور لأنه يكون في موضع يحمل السفن ثم يغور تحت الأرض حتى لا توجد منه قطرة فسمي الغؤور لذلك، وينتهي جريه إلى حصن مارتلة ويصب قريباً من جزيرة شلطيش، ومن بطليوس إلى اشبيلية ستة أيام ومنها إلى قرطبة ست (3) مراحل. بطروش (4) بالأندلس أيضاً في طريق قرطبة، وهو حصن كثير العمارة شامخ الحصانة، لأهله جلادة وحزم على مكافحة أعدائهما، ويحيط بجبالهم وسهولهم شجر البلوط الذي فاق طعمه كل بلوط على وجه الأرض، ولهم اهتمام بحفظه وخدمته وهو لهم غلة وغياث في سني الشدة والمجاعة. بطن مر (5) بالحجاز بالقرب من عسفان وبينهما أربعة وثلاثون ميلاً، وهي قرية عظيمة كثيرة الأهل حسنة المنازل كثيرة النخل والزرع فيها بركة يجري الماء فيها من الجبل، فإذا خرجت من بطن مر فعلى أربعة أميال قبر ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك على ستة أميال مسجد عائشة رضي الله عنها، ثم إلى بكة ستة أميال، يحرم أهل مكة ويخرجون إلى ذلك الموضع وهو حد الحرم من ذلك الوجه، وحول الحرم أعلام منصوبة من جوانبه، ومن بطن مر إلى بكة ستة عشر ميلاً، وبطن مر متسع وفيه، قرى كثيرة وعيون ومنه تجلب الفواكه إلى مكة شرفها الله تعالى. بكة (6) هو اسم من أسماء مكة شرفها الله تعالى تبدل الميم من الباء، قال تعالى: " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ". قيل سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئا، وقيل بكة اسم لبطن مكة لأنهم كانوا يتباكون فيها أي يزدحمون، وقيل بكة موضع البيت ومكة ما حواليه، وقيل بكة ما ولي البيت ومكة ما حواليه، والذي عليه أهل اللغة أن بكة ومكة شيء واحد، وهي مدينة قديمة البناء أزلية معمورة مقصودة من جميع الأراضي الإسلامية وإليها حجهم، وهي بين شعاب الجبال، وطولها من جهة الجنوب إلى الشمال نحو ميلين، ومن أسفل جبل أجياد إلى ظهر جبل قعيقعان مثل ذلك، والمدينة مبنية في وسط هذا الفضاء وبنيانها بالحجارة والطين، وأحجارها من جبالها، وأسواقها قليلة؛ وفي وسط مكة مسجدها الجامع المسمى الحرم وليس لهذا الجامع سقف إنما هو دائر كالحظيرة، والكعبة هو البيت المسقف في وسط الحرم، وهذا البيت طوله من خارجه من ناحية المشرق أربع وعشرون ذراعا وكذلك طول الشقة التي تقابلها من جهة المغرب، وبشرقي هذا الوجه باب الكعبة وارتفاعه عن الأرض نحو القامة. وسطح الكعبة من داخل مساو لأسفل الباب وفي ركنه الحجر الأسود، وطول الحائط الذي من جهة الشمال وهو الشامي ثلاث وعشرون ذراعا وفيه حجر أبيض يقال إنه قبر إسماعيل عليه السلام، وفي الجهة الشرقية من الحرم قبة العباس وبئر زمزم. وما استدار بالكعبة كله حطيم توقد فيه بالليل المصابيح، وللكعبة سقفان وماء السقف الأعلى يخرج عنه إلى خارج البيت في ميزاب من الخشب وذلك الماء يقع على الحجر الذي قيل إنه قبر إسماعيل عليه السلام، والبيت كله من خارج على استدارته مكسو ثياب الحرير العراقية فلا يظهر منه شيء، وهذه الكسوة معلقة فيه بأزرار وعرى يرسلها خليفة بغداد في كل سنة وتزال الأخرى عنها ولا يقدر أحد أن يكسوها غيره فيما سلف والآن يرسلها صاحب مصر، وارتفاع سمك البيت سبع وعشرون ذراعا، ويقال إن الكعبة كانت خيمة لآدم مبنية بالطين والحجارة

_ (1) (Badajos) ، بروفنسال: 46، والترجمة: 58. (2) قارن بما في الإدريسي (د) : 181. (3) في الأصلين: سنة. (4) (Pedroche) الإدريسي (د) : 213، وبروفنسال: 45، والترجمة: 57. (5) صبح الأعشى 4: 260، ورحلة الناصري: 232. (6) معجم ما استعجم 1: 269، ونزهة المشتاق: 50، وصبح الأعشى 4: 250 - 255.

بلنجر

فهدمها الطوفان وبقيت مهدمة إلى مدة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فأمرهما الله تعالى ببنيانها فتعاونا على بنائها. ومياه مكة زعاق لا تسوغ لشارب وأطيبها ماء زمزم وهو شروب لا يمكن إدمان شربه، وليس لصاحب مكة عسكر خيل إنما هم الرجالة تسمى الحرابة. ولمكة موسمان ينفق فيهما كل ما جلب إليها، أحدهما أول رجب، والثاني موسم الحجيج، ولأهلها أموال فاشية ولا زرع بها ولا حنطة إلا ما جلب إليها من سائر البلاد. والتمر يأتي إليها كثيرا مما حولها والعنب يجلب إليها من الطائف. ومن مكة إلى المدينة على الجادة نحو عشر مراحل (1) . وعن وهب بن منبه قال: إن الله تعالى لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض حزن واشتد بكاؤه على الجنة فعزاه الله تعالى بخيمة من خيام الجنة فوضعها له بمكة في موضع الكعبة وكانت الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة فيها قناديل من ذهب ونزل معها الركن وهو ياقوتة بيضاء وكان كرسياً لآدم عليه السلام يجلس عليه، فلما كان الغرق زمن نوح عليه السلام رفع ومكثت الكعبة خراباً ألفي سنة حتى أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يبني بيته فبنى هو وإسماعيل البيت ولم يجعلا له سقفاً وحرس الله تعالى البيت بالملائكة، والحرم مقام الملائكة يومئذ، وهو أول بيت وضع للناس، وبنته قريش قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. وفي خبر آخر أن البيت انهدم بعد إبراهيم عليه السلام فبنته العمالقة ثم انهدم فبنته جرهم ثم انهدم فبناه قصي بناء لم يبن أحد مثله. ثم احترقت (2) الكعبة واحترق الركن الأسود وضعفت جدرانها حتى إن الحمام ليقع عليها فتتناثر حجارتها، ففزع أهل مكة لذلك والحصين بن نمير محاصر لابن الزبير رضي الله عنهما، فهدمها ابن الزبير بعد مشاورة الناس واختلافهم عليه، فلما أراد هدمها خرج أهل مكة إلى منى خوف أن ينزل العذاب وما اجترأ على هدمها أحد، فعلاها ابن الزبير بنفسه وأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمي حجارتها، فلما رأوا أنه لم يصبه شيء اجترءوا وهدموا وأرقى ابن الزبير رضي الله عنهما عبداً من الحبش يهدمها رجاء أن يكون فيهم صفة الحبشي الذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة "، فما ترجلت الشمس حتى ألحقها كلها بالأرض. وقال ابن الزبير رضي الله عنهما: أشهد لسمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قومك استقصروا في بناء الكعبة وعجزت بهم النفقة فتركوا في الحجر أذرعاً ولولا حداثة عهد قومك بالكفر لهدمت الكعبة وأعدت ما تركوا منها ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها " قالت، قلت: لا. قال صلى الله عليه وسلم: " تعززاً لئلا يدخلها إلا من أرادوا فكان الرجل إذا كرهوا أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد يدخل دفعوه فسقط فإن بدا لقومك هدمها فهلمي لأريك ما تركوا في الحجر منها " فأراها قريباً من سبع أذرع، فلما هدمها ابن الزبير رضي الله عنهما وسواها بالأرض وكشف عن أساس إبراهيم عليه السلام وجد داخلاً إلى الحجر نحواً من ست أذرع وشبر كأنه أعناق الإبل آخذ بعضها ببعض كتشبيك الأصابع تحرك الحجر من القواعد فتتحرك الأركان كلها، فأشهد ابن الزبير رضي الله عنهما الناس على ذلك الأساس وأدخل بعضهم عتلة في ركن من أركان البيت فتزعزعت الأركان كلها ورجفت مكة رجفة شديدة حين تزعزع الأساس وخاف الناس خوفاً شديداً حتى ندم من أشار على ابن الزبير بهدمها وسقط في أيديهم، ثم وضع ابن الزبير رضي الله عنهما البناء على ذلك الأساس، ولما قتل ابن الزبير رضي الله عنهما ودخل الحجاج مكة كتب إليه عبد الملك أن ابن الزبير قد زاد في بيت الله ما ليس فيه وأحدث باباً آخر، فهدم الحجاج منه ست أذرع وشبراً مما يلي الحجر وبناها على أساس قريش، وآخر من زاد في الكعبة أمير المؤمنين المهدي سنة أربع وستين ومائة فهو على ذاك الآن، وهذا باب يتسع القول فيه فليقتصر على هذا القدر. بلنجر (3) مدينة في بلاد الروم شهد فتحها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، قال زهير بن القين البجلي: غزوت بلنجر وشهدت فتحها فسمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: أفرحتم بفتح الله تعالى عليكم فإذا أدركتم شباب آل محمد صلى الله عليه وسلم فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معهم، فلما سمع زهير بخروج الحسين بن علي رضي الله عنهما تلقاه فكان في جملته وقتل معه بكربلاء، وكان عمر رضي الله عنه جعل سلمان بن ربيعة الباهلي، وهو الذي كان يلي لعمر رضي الله عنه الخيل وهو سلمان الخيل، على مقاسم مغانم

_ (1) إلى هنا ينتهي النقل عن نزهة المشتاق. (2) البكري (مخ) : 71. (3) انظر ياقوت (بلنجر) وفتوح البلدان: 240، والطبري 1: 2289.

فحص البلوط

المسلمين حين افتتحوا بلاد العجم وعلى قضائهم فهو أول قاض لعمر رضي الله عنه، وافتتح سلمان ما بين أذربيجان إلى الباب والأبواب من الخزر، وجاز الباب حتى بلغ مدينتهم بلنجر، ومات هناك بالخزر، والترك تعرف فضله وتستسقي بقبره من القحوط وتستشفي به من الأسقام وله صحبة. وقيل غزا عبد الرحمن بن ربيعة الذي يقال له ذو النور في السنة التاسعة من إمارة عثمان رضي الله عنه بلنجر فحصرها ونصب عليها المجانيق والعرادات فكان لا يدنو منها أحد إلا أعنتوه وقتلوه وأسرعوا في الناس ثم إن الترك توافوا إليهم فاقتتلوا فأصيب عبد الرحمن فاحتازه المشركون فحملوه في سفط، فكانوا يستشفون به ويستسقون به. وقيل بلنجران بزيادة ألف ونون وهي جزيرة سرنديب تكون هذه الجزيرة ستين فرسخاً في مثلها وفيها جبل واسم (1) الذي أهبط عليه آدم عليه الصلاة والسلام. فحص البلوط (2) بالأندلس من ناحية قرطبة منه القاضي أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي كان متفنناً في ضروب من العلوم وكانت له رحلة لقي فيها جماعة من العلماء في الفقه واللغة وكان كثير المناقب والخصال الحميدة غير مدافع مع ثبات جنان وجهارة صوت وحسن ترتيل، وله تفسير على الكتاب العزيز. ومما جرى له مع عبد الرحمن الناصر أمير المؤمنين أنه بنى قبة واتخذ قراميد القبة من فضة وبعضها مغشى بالذهب وجعل سقفها نوعين صفراء فاقعة وبيضاء ناصعة يستلب الأبصار شعاعها، فجلس فيها إثر تمامها لأهل مملكته وقال لقرابته ووزرائه مفتخراً عليهم: رأيتم أو سمعتم ملكاً كان قبلي صنع مثل ما صنعت فقالوا له: لا والله يا أمير المؤمنين وإنك لأوحد في شأنك، فبينا هم على ذلك دخل منذر بن سعيد واجماً ناكساً رأسه، فلما أخذ مجلسه قال له ما قال لقرابته، فأقبلت دموع القاضي تتحدر على لحيته وقال له: والله يا أمير ما ظننت أن الشيطان لعنه الله يبلغ منك هذا المبلغ ولا أن تمكنه من قيادك هذا التمكين مع ما آتاك الله تعالى وفضلك به على المسلمين حتى ينزلك منازل الكافرين، فاقشعر عبد الرحمن من قوله وقال: انظر ما تقول، كيف أنزلني منازلهم؟ قال: نعم أليس الله تعالى يقول " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون " فوجم الخليفة عبد الرحمن ونكس رأسه ملياً ودموعه تتحدر على لحيته خشوعاً وتذمماً مما جرى ثم أقبل على منذر بن سعيد فقال له: جزاك الله عنا وعن الدين خيراً وكثر في الناس أمثالك فالذي قلت والله هو الحق، وقام من مجلسه ذلك يستغفر الله تعالى وأمر بنقض سقف القبة وأعاده قرمداً على صفة غيرها. ومن أخباره أن الناصر لدين الله أمره بالخروج للاستسقاء، فخرج واجتمع له الناس في مصلى الربض بقرطبة بارزين إلى الله في جمع عظيم ثم قام منذر بن سعيد باكياً خاشعاً لله تعالى، فخطب فقال: " سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، قال: فضج الناس بالبكاء وارتفعت أصواتهم بالاستغفار والتضرع إلى الله تعالى بالسؤال، فما تم النهار حتى أرسل الله تعالى السماء بماء منهمر. وكان رحمه الله تعالى على متانة دينه وجزالته في أحكامه حسن الخلق كثير الدعابة ربما ارتاب بباطنه من لا يعرفه حتى إذا رام أن يصيب من دينه ثار به ثورة الليث العادي، قيل له إن قوماً من جيران أحد المتحاكمين من أهل ربض الرصافة قد تألبوا معه على خصمه وأعانوه بشهادة مدخولة وهم غادون بها عليك وكان كثيرا ما تأتيه عيونه بمثل ذلك فغدوا عليه بمجلس نظره وكانت أسماء جميعهم متفقة في الوزن على مثال فعلون فأخذوا مواضعهم وقام الذين يشهدون له، فلما رأى القاضي أسماءهم قال رافعاً صوته: يا ابن صيفون ويا ابن زيدون ويا ابن سحنون من الربض الملعون ألقوا ما أنتم ملقون، فلما سمعوا قوله لاذوا عن الشهادة وخرجوا متسللين فكفي شأنهم. وكان نظاراً لا يقنع بالتقليد، ومن قوله في استقصار هذه الفرقة: عذيري من قوم إذا ما سألتهم ... دليلاً يقولوا هكذا قال مالك

_ (1) سيأتي في حرف الواو. (2) بروفنسال: 140، والترجمة: 168 وهو يقابل (Los Pedroches) ، وسيورد المؤاف التعريف بفحص البلوط مرة أخرى في حرف الفاء.

بلخ

فإن زدت قالوا قال سحنون مثله ... وقد كان لا تخفى عليه المسالك فإن قلت قال الله ضجوا وأعولوا ... علي وقالوا أنت خصم مماحك ونوادره كثيرة. بلخ (1) هي مدينة خراسان العظمى وهي في مستو من الأرض، ودار مملكة الأتراك والملك بها لازم، وبها العساكر والأجناد والملك والقواد والعمال والأسواق العامرة والمتاجر والأموال الواسعة والأحوال الصالحة، وبناؤها بالطين واللبن، ولها سبعة أبواب وربض عامر كثير المساكن، وبها أسواق وصناعات، ومسجد جامعها في وسط المدينة والأسواق دائرة به، وهي على ضفة نهر متوسط مقدار ما يدير ماؤه عشر أرحاء، وهو جار على باب النوبهار ويسقي رساتيق وقد أحاط بجميعها من كل الجهات الكروم والجنات والبساتين والمباني والمنتزهات، وبها مدارس للعلوم ومقامات للطلاب والأرزاق جارية على من أراد شيئا من ذاك، وبهذه المدينة أموال وملوك مياسير وتجار وأحوال صالحة. ويتصل بها من جهة جنوبها بلاد طخارستان، وهي قطب ومدار لما جاورها (2) . ولها كور ومدائن وفتحها عبد الله بن سمرة في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. ومدينة بلخ (3) يتصل بعملها طخارستان والختل وعمل الباميان وهي مدينة في بساط من الأرض وبينها وبين أقرب الجبال إليها أربعة فراسخ وهي مع ربضها نحو فرسخ في مثله، واسم نهرها دهاس، وهي قديمة تجمع ضروب التجارات وتقصد بالأمتعة من كل الجهات، ويغلب على أهلها تدقيق النظر في العلوم الغامضة ويرتفع من بلخ النوق البخاتي التي لا نظير لها في قطر من الأقطار، ومن بلخ إلى مدينة مرو مائة وستة وعشرون فرسخاً. قال أصحاب المغازي (4) : بعث عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس إلى بلخ فسار إليهم من مرو الروذ فحاصرهم فصالحه أهلها على أربعمائة ألف فرضي بذلك ومضى إلى خوارزم فأقام حتى هجم الشتاء فقال لأصحابه: ما ترون؟ فقال له حصين: قد قال عمرو بن معدي كرب: إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع فأمر الأحنف بالرحيل ثم انصرف إلى بلخ وقد قبض ابن عمه ما صالحهم عليه ووافق مهرجانهم وهو يجبيهم فأنفذوا إليه هدايا من آنية الذهب والفضة ودنانير ودراهم ومتاع ودواب فقال: هذا لم نصالحكم عليه، قالوا: لا، ولكن هذا شيء نصنعه في هذا اليوم لمن ولينا نستعطفه به، قال: ما أدري ما هذا وإني لأكره أن أرده ولعله من حقي، ولكني أقبضه وأعزله حتى أنظر، وقدم الأحنف فأخبره فسألهم عنه فقالوا مثل ما قالوا له، فقال الأحنف: آتي به الأمير، فحمله إلى ابن عامر وأخبره به فقال: اقبضه يا أبا بحر فهو لك، قال: لا حاجة لي فيه، فقال ابن عامر: ضمه إليك، قال: وكان مضماً. وفي سنة ثمان عشرة (5) وست مائة نزل الططر على مدينة بلخ وقد انتهت حينئذ في العمارة والجلالة، فقاتل أهلها وصبروا حتى قتل منهم ومن الططر خلق، وكان تحصل عند الططر من المسلمين من بلاد خراسان عدد كثير فأضافوهم لمن جلبوه معهم وقدموهم أمامهم وزحفوا بهم لقتال بلخ لتقع فيهم السهام وحجارة المنجنيق، وتكاثر الططر واشتد القتال وطال، وكانت أسوارها متشعثة لاستمرار العافية، فدخلوها عنوة ولم يبقوا فيها عيناً تطرف، وتركوها أكوام تراب تعوي فيها الذئاب ثم ساروا إلى أختها نيسابور. بلابية مدينة في العدوة الشامية من مدينة برذيل بناحية الأندلس من جهة بلاد الافرنجة وهي مبنية بالحجر كثيرة الكروم، وبينها وبين برذيل عشرون ميلاً في السفن مع جرية الماء. البلقاء (6) مدينة بالشام من عمل دمشق سميت بالبلقاء بن سورية

_ (1) نزهة المشتاق: 145، وابن حوقل: 373، والكرخي: 155. (2) إلى هنا ينتهي النقل عن نزهة المشتاق. (3) يبدأ النقل عن مصدر آخر، وفيه تكرار لبعض ما مر، وبعضه عن ابن حوقل. (4) الطبري 1: 2903. وانظر فتوح البلدان: 504. (5) تختلف الأخبار هنا عما أورده ابن الأثير 12: 390 في استيلاء التتر على مدينة بلخ. (6) صبح الأعشى 4: 106.

بلنسية

من بني عبيل بن لوط وهو بناها، وبها كان اجتماع الحكمين: أبي موسى وعمرو بن العاصي رضي الله عنهما فكان من أمرهما ما كان، وقيل كان ذلك بدومة الجندل على عشرة أيام من دمشق. وفي بعض أخبار يوم اليرموك عن حنظلة بن جؤية قال (1) : والله إني لفي الميسرة إذ مر بنا رجال من الروم وهم أشبه شيء بنا فلا أنسى قول قائل منهم: يا معشر العرب الحفوا بوادي القرى ويثرب ويقول: في كل يوم خيلنا تغير ... نحن لنا البلقاء والسدير ... هيهات، يأبى ذلك الأمير ... والملك المتوج المحبور ... قال: فحملت عليه وحمل علي فاضطربنا بسيفينا فلم يغنيا شيئا ثم اعتنقنا فخررنا جميعا فاعتركنا ساعة ثم إنا تحاجزنا فنظرت إلى ما بدا من عنقه فوالله ما أخطأته، فقطعته فصرع فضربته حتى قتلته، وأقبلت إلى فرسي وقد كان عار، وإذا بقومي قد حبسوه علي فأقبلت حتى ركبته. وبالبلقاء مات يزيد بن عبد الملك بن مروان سنة خمس ومائة وبويع لأخيه هشام بن عبد الملك. بلنسية (2) في شرق الأندلس بينها وبين قرطبة على طريق بجانة ستة عشر يوما وعلى الجادة ثلاثة عشر يوما، وهي مدينة سهلية وقاعدة من قواعد الأندلس في مستو من الأرض عامرة القطر كثيرة التجارات وبها أسواق وحط وإقلاع، وبينها وبين البحر ثلاثة أميال، وهي على نهر جار ينتفع به ويسقي المزارع وعليه بساتين وجنات وعمارات متصلة والسفن تدخل نهرها، وسورها مبني بالحجر والطوابي، ولها أربعة أبواب، وهي من أمصار الأندلس الموصوفة وحواضرها المقدمة، ولأهلها حسن زي وكرم طباع والغالب عليهم طيب النفوس والميل إلى الراحات، وهي في أكثر الأمور راخية الأسعار كثيرة الفواكه والثمار جامعة لخيرات البر والبحر، ولها أقاليم كثيرة، وهي في الجزء الرابع من قسمة قسطنطين. وكان الروم تغلبوا على بلنسية قديماً ثم أحرقوها عند خروجهم منها سنة خمس وتسعين وأربعمائة فقال أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة (3) : عاثت بساحتك العدا يا دار ... ومحا محاسنك البلى والنار فإذا تردد في جنابك ناظر ... طال اعتبار فيك واستعبار أرض تقاذفت النوى بقطينها ... وتمحضت بخرابها الأقدار فجعلت أنشد خير سادة أهلها ... " لا أنت أنت ولا الديار ديار " (4) وقال الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن خلصة البلنسي (5) : وروضة زرتها للأنس مبتغياً ... فأوحشتني لذكرى سادة هلكوا تغيرت بعدهم حزناً وحق لها ... مكان نوارها أن ينبت الحسك لو أنها نطقت قالت لفقدهم ... " بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا " (6) ثم في سنة ست وثلاثين وستمائة ملك الروم بلنسية صلحاً واستولى عليها ملك أرغون جاقه (7) ، وأكثر أدباؤها بكاءها والتأسف عليها نظماً ونثراً، فمن ذلك قول الكاتب أبي المطرف

_ (1) فتوح الأزدي: 203 - 204. (2) الإدريسي (د) : 191، وبروفنسال: 47، والترجمة: 59. (3) ديوانه: 354. (4) تضمين من أبي تمام، وعجز البيت ((خف الهوى وتولت الأوطار)) (ديوانه 2: 166) . (5) ترجمته في الجذوة: 49، والتكملة: 395. (6) تضمين من زهير، وعجز البيت: ((وزودوك اشتياقاً أية سلكوا)) (ديوانه: 164) . (7) كذا في الأصلين: وهو Jacque الأول أو (خايمي Jaime) ملك أواغون (1213 - 1276) ، وجعله بروفنسال: جاقمه، انظر الترجمة 61 والحاشية: 1.

ابن عميرة (1) خاطب بها الكاتب أبا عبد الله بن الأبار جواباً عن رسالة: طارحني حديث مورد جف، وقطين خف، فيالله لأتراب درجوا، وأصحاب عن الأوطان خرجوا، قصت الأجنحة وقيل طيروا، وإنما هو القتل أو الأسر أو تسيروا، فافترقوا أيدي سبا، وانتثروا على الوهاد والربا، ففي كل جانب عويل وزفرة، وبكل صدر غليل وحسرة، ولكل عين عبرة، لا ترقأ من أجلها عبرة داء خامر بلادنا حين أتاها، وما زال بها حتى سجى موتاها وشجا بيومها الأطول كهلها وفتاها، أنذر في القوم بحران أنيجة (2) يوم أثاروا أسدها المهيجة فكانت تلك الحطمة طل الشؤبوب، وباكورة البلاء المصبوب، أثكلتنا إخواناً أبكانا نعيهم، ولله أحوذيهم وألمعيهم ذاك أبو ربيعنا (3) ، وشيخ جميعنا، سعد بشهادة يومه، ولم ير ما يسوءه في أهله وقومه، وبعد ذاك أخذ من الأم (4) بالمخنق، وهي بلنسية ذات الحسن والبهجة والرونق، وما لبث أن أخرس من مسجدها لسان الأذان، وأخرج من جسدها روح الإيمان، فبرح الخفاء، وقيل: على آثار من ذهب العفاء، وانعطفت النوائب مفردة ومركبة كما تعطف الفاء، فأودت الخفة والحصافة، وذهب الجسر والرصافة، ومزقت الحلة والشملة، وأوحشت الحرة (5) والرملة، ونزلت بالجارة وقعة الحرة، وحصلت الكنيسة من جآذرها وظبائها على طول الحسرة، فأين الخمائل ونضرتها، والجداول وخضرتها، والأندية وأرجها، والأودية ومنعرجها، والنواسم وهبوب مبتلها (6) والأصائل وشحوب معتلها (7) دار ضاحكت الشمس بحرها وبحيرتها، وأزهار ترى من أدمع الطل في أعينها ترددها وحيرتها، ثم زحفت كتيبة الكفر بزرقها وشقرها (8) ، حتى أحاطت بجزيرة شقرها فآه لمسقط الرأس هوى نجمه، ولفادح الخطب سرى كلمه، ويا لجنة أجرى الله النهر تحتها، وروضة أجاد أبو إسحاق (9) نعتها وإنما كانت داره التي فيها دب، وعلى أوصاف محاسنها أكب، وفيها أتته منيته كما شاء وأحب، ولم تعدم بعده محبين قشيبهم إليها ساقوه، ودمعهم عليها أراقوه. وله من رسالة أخرى في المعنى. ثم ردف الخطاب الثاني بقاصمة المتون، وقاضية المنون، ومضرمة نار الشجون، ومذرية ماء الشؤون، وهو الحادث في بلنسية دار النحر، وحاضرة البر والبحر، وطمع أمل السيارة، ومطرح شعاع البهجة والنضارة، أودى الكفر بإيمانها، وأبطل الناقوس صوت أذانها، ودهاها الخطب الذي أنسى الخطوب، وأذاب القلوب، وعلم سهام الأحزان أن تصيب ودمع الأجفان أن يصوب، فيا ثكل الإسلام، وشجواً للصلاة والصيام، يوم الثلاثاء وما يوم الثلاثاء يا ويح الداهية الدهياء وتأخير الإقدام عن موقف العزاء: أين الصبر وفؤادي أنسيه ... لم يبق لقومه على الرمي سيه هيهات يحور ما مضى من أنسيه ... (10) من بعد مصاب حل في بلنسيه يا طول هذه الحسرة، ألا جابر لهذه الكسرة، أكل أوقاتنا ساعة العسرة، أخي أين أيامنا الخوالي، وليالينا على التوالي، ولاية عيش نعم بها الوالي، ومسندات أمس (11) يعدها الرواة من العوالي (12) : بعداً لك يا يوم الثلاثا من صفر ... ما ذنبك عندي بشيء يغتفر قد أشمت بالإسلام حزب من كفر ... (13) من أين لنا المفر كلا لا مفر كل رزء في هذا الرزء يندرج، وقد اشتدت الأزمة فقل لي متى

_ (1) راجع عن ابن عميرة كتاب الدكتور محمد بنشريفه (الرباط: 1965) وهذه النصوص نقلها صاحب النفح: 490 - 499. (2) أيجه او أنيشه، وكانت عندها موقعة قتل فيها أبو الربيع ابن سالم الكلاعي سنة 634، وقد تقدم ذلك في حرف الهمزة. (3) ابو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي، انظر الذيل والتكملة 4: 83 وفي الحاشية مصادر أخرى. (4) في الأصلين: الأيام. (5) النفح وبروفنسال: الجرف. (6) في الأصلين: منتهاها. (7) في الأصلين: معناها. (8) جزيرة شقر القريبة من بلنسية، مسقط رأس أبي المطرف وكذلك ابن خفاجة. (9) هو ابن خفاجة. (10) قد أبقيت هذين السطرين كما وردا في النسخة ع، على أنهما رجز، وفي الشطر الأول بعض خلل طفيف، وقد وردا عند بروفنسال في ردج الكلام. (11) بروفنسال: أنس، وهي رواية جيدة أيضاً. (12) في الأصلين وبروفنسال: الغوالي، وإنما العوالي من الأحاديث المسندة، والعبارة كلها ناظرة غلى مصطلح الحديث. (13) هذان السطران يمكن ادراجهما في نطاق الكلام المسجوع ولكن النسخة ع أوردتها في صورة رجز، وذلك شيء لا بأس به.

تنفرج، كيف انتفاعنا بالضحى والأصايل إذا لم يعد ذلك النسيم الأرج (1) ليس لنا إلا التسليم والرضا بما قضاه الخلاق العظيم. وقال في رسالة أخرى في المعنى: وأجريت خبر الحادثة التي محقت بدر التمام، وذهبت بنضارة الأيام، فيا من حضر يوم البطشة، وعزي في أنسه بعد تلك الوحشة، أحقاً أنه دكت الأرض، ونزف المعين والبرض، وصوح روض المنى، وصرح الخطب وما كنى، أبن لي كيف فقدت رجاحة الأحلام، وعقدت مناحة الإسلام، وجاء الخطب العسر، وأوقدت نار الحزن فلا تزال تستعر: حلم ما نرى بل ما رأى ذا حالم ... طوفان يقال عنده لا عاصم من منصفنا من الزمان الظالم ... (2) الله بما يلقى الفؤاد عالم بالله أي نحو تنحو، ومسطور تثبت أو تمحو، وقد حذف الأصلي والزائد وذهبت الصلة والعائد، وباب التعجب طال، وحال البائس لا تخشى الانتقال (3) ، وذهبت علامة الرفع وفقدت سلامة الجمع، والمعتل أعدى الصحيح، والمثلث أردى الفصيح، وامتنعت العجمة من الصرف، وأمنت زيادتها (4) من الحذف. ومالت قواعد الملة، وصرنا إلى جمع القلة، فللشرك صيال وتخمط، ولقرنه في شركه تخبط، وقد عاد الدين إلى غربته، وشرق الإسلام بكربته، كأن لم تسمع بنصر بن نصير، وطرق طارق بكل خير، ونهشات حنش (5) وكيف أعيت الرقى، وأبانت ليل السليم من نوم الملتقى (6) ولم تخبر عن المروانية وصوائفها، وفتى معافر (7) وتعفيره الأوثان وطوائفها، لله ذاك السلف لقد طال الأسى عليهم والأسف. وقال في رسالة أخرى: وما الذي نبغيه، أو أي أمل لا نطرحه ونلغيه، بعد الحادثة الكبرى والمصيبة التي كل كبد لها حرى، وكل عين من أجلها عبرى، لكن هو القضاء لا يرد، ولله الأمر من قبل ومن بعد. ومما قاله في ذلك من المنظوم قوله: ما بال دمعك لا يني مدراره ... أم ما لقلبك لا يقر قراره أللوعة بين الضلوع لظاعن ... سارت ركائبه وشطت داره أم للشباب تقاذفت أوطانه ... بعد الدنو وأخفقت أوطاره أم للزمان أتى بخطب فادح ... من مثل حادثه خلت اعصاره بحر من الأحزان عب عبابه ... وارتج ما بين الحشا زخاره في كل قلب منه وجد عنده ... أسف طويل ليس تخبو ناره أما بلنسية فمثوى كافر ... حفت به في عقرها كفاره زرع من المكروه حل حصاده ... عند الغدو غداة لج حصاره وعزيمة للشرك جعجع بالهدى ... أنصارها إذ خانه أنصاره قل كيف تثبت بعد تمزيق العدا ... آثاره أم كيف يدرك ثاره ما كان ذاك المصر إلا جنة ... للحسن تجري تحته أنهاره

_ (1) ناظر إلى قول الشاعر: وكيف انتفاعي بالأصائل والضحى ... إذا لم يعد ذاك النسيم الذي هبا (2) يمكن اعتبار هذين السطرين جزءاً من الكلام المسجوع أو افرادهما لانتظام الإيقاع. (3) سقط من الأصلين، وزدناه من بروفنسال. (4) وأمنت زيادتها: هذه هي القراءة التي وردت عند بروفنسال، وفي الأصلين: وأساقوها، عدها، ولم أتبين لها وجهاً. (5) هو حنش الصنعاني، ويقال إنه دخل الأندلس، وشارك في الفتح. (6) بروفنسال: وأذالت بليل السليم يوم الملتقى. (7) هو المنصور بن أبي عامر.

طابت بطيب نهاره آصاله ... وتعطرت بنسيمه أشجاره أما السرار فقد عداه وهل سوى ... قمر السماء يزول عنه سراره قد كان يشرق بالهداية ليله ... والآن أظلم بالضلال نهاره ودجا به ليل الخطوب فصبحه ... أعيى على إبصاره إسفاره ومما صدر عن الكاتب أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الابار في ذلك قوله من رسالة: وأما الأوطان المحبب عهدها بحكم الشباب، المشبب فيها بمحاسن الأحباب، فقد ودعنا معاهدها وداع الأبد، وأخنى عليها الذي أخنى على لبد، أسلمها الإسلام، وانتظمها الانتثار والاصطلام، حين وقعت أسعدها الطائرة، وطلعت أنحسها العاثرة فغلب على الجذل الحزن، وذهب مع المسكن السكن. كزعزع الريح صك الدوح عاصفها ... فلم يدع من جنى فيها ولا غصن واهاً وآهاً يموت الصبر بينهما ... (1) موت المحامد ببن البخل والجبن أين بلنسية ومغانيها، وأغاريد ورقها وأغانيها، أين حلى رصافتها وجسرها، ومنزل عطائها ونصرها، أين أفياؤها تندى غضارة، وذكاؤها تبدو من خضارة، أين جداولها المنساحة وخمائلها، أين جنائنها النفاحة وشمائلها، شد ما عطل من قلائد أزهارها نحرها، وخلعت شعشعانية الضحى بحيرتها وبحرها فأية حيلة لا حيلة في صرفها مع صرف الزمان، وهل كانت حتى بانت إلا رونق الحق وبشاشة الإيمان،، ثم لم يلبث داء عقرها أن دب إلى جزيرة شقرها، فأمر عذبها النمير، وذوى غصنها النضير، وخرست حمائم أدواحها، وركدت نواسم أرواحها، ومع ذلك اقتحمت دانية، فنزحت قطوفها وهي دانية،،ويا لشاطبة وبطحائها، من حيف الأيام وأنحائها، والهفاه على تدمير وتلاعها، وقرطبة وبواديها، وحمص وواديها، كلها رعي كلؤها ودهي بالتفريق والتمزيق ملؤها، فأغص الحصار أكثرها، وطمس الكفار عينها وأثرها وتلك إلبيرة بصدد البوار، وريه في مثل حلقة السوار، ولا مرية في المرية وخفضها على الجوار، إلى بنيات لواحق بالأمهات، ونواطق بهاك لأول ناطق بهات، ما هذا النفخ بالمعمور، أهو النفخ في الصور، أم النفر عارياً من الحج المبرور فيا للأندلس أصيبت بأشرافها، ونقصت من أطرافها، قوض عن صوامعها الأذان، وصمت بالنواقيس فيها الأذان، أجنت ما لم تجن الأصقاع، أعقت الحق فحاق بها الإيقاع، كلا بل دانت للسنة، وكانت من البدع في أحصن جنة، هذه المروانية مع اشتداد أركانها وامتداد سلطانها، ألقت حب آل النبوة في حبات القلوب، وولت ولم تظفر من خلعة ولا نقلة بمطلوب (2) ، إلى المرابطة بأقاصي الثغور، والمحافظة على معالي الأمور، والركون إلى الهضبة المنيعة، والروضة المريعة، من معاداة الشيعة وموالاة الشريعة، فليت شعري بما استوسق تمحيصها، ولم يعلق بعموم البلاء تخصيصها. اللهم غفراً طال ما ضر ضجر، ومن الأنباء ما فيه مزدجر، جرى بما خط في اللوح المقدور، فما عسى أن ينفث المصدور، وربنا الحكيم العليم، فحسبنا التفويض والتسليم. ويا عجباً لبني الأصفر، أنسيت يوم الصفر (3) ورميها يوم اليرموك بكل أغلب غضنفر، دع ذا فالعهد به بعيد، ومن اتعظ بغيره فهو سعيد، هلا تذكرت العامرية وغزواتها، وهابت العمرية وهبواتها. ومما قاله في ذلك من المنظوم قصيدته السينية التي أولها: أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... يقول فيها: يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا ... للحادثات وأمسى جدها تعسا يا للمساجد عادت للعدى بيعاً ... وللنداء يرى أثناءها جرسا

_ (1) ما بين معقفين في هذا النص سقط من ص ع وزدناه من بروفنسال. (2) بروفنسال: وألوت ... ولا قلعة. (3) يعني مرج الصفر حيث قهر الروم في فتح الديار الشامية.

بلخشان

لهفاً عليها إلى استرجاع فائتها ... مدارساً للمثاني أصبحت درسا كانت حدائق للأحداق مونقة ... فصوح النضر من أزهارها وعسا وحال ما حولها من منظر عجب ... يستجلس الركب أو يستركب الجلسا محا محاسنها طاغ أتيح لها ... ما نام عن هضمها حيناً ولا نعسا ورج أرجاءها لما أحاط بها ... فغادر الشم من أعلامها خنسا مدائن حلها الإشراك مبتسماً ... جذلان وارتحل الإيمان مبتئسا وصيرتها العوادي العائثات بها ... يستوحش الطرف منهم ضعف ما أنسا وفي بلنسية منها وقرطبة ... ما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا وهي طويلة. وفي بلنسية بقول أبو عبد الله ابن عياش (1) : بلنسية بيني عن القلب سلوة ... فإنك روض لا أحن لزهرك وكيف يحب المرء داراً تقسمت ... على صارمي جوع وفتنة مشرك وامتعض من هذا القول أبو الحسن ابن حريق فأجاب (2) : بلنسية نهاية كل حسن ... حديث صح في شرق غرب فإن قالوا محل غلاء سعر ... ومسقط ديمتي طعن وضرب فقل هي جنة حفت رباها ... بمكروهين من خوف وحرب بلخشان (3) موضع على مقربة من غزنة إحدى مدن خوارزم بينهما مسيرة ستة أيام فيها معدن البلخش جبل يحتفره أهل العلم بذلك وعليه الأمناء والحفظة والضبط والحراسة، فيخرجون منه، بعد الحفر الكثير والبحث الطويل، صخرة تنقض عن حجارة البلخش من دقاق وجلال أطباقاً كحب الرمان، بينها في تلك الصخرة فصول كشحم الرمان، بقدرة العزيز الحكيم، فتخرج حجارة البلخش صداء غير براقة فإذا جليت عادت كجمر المصطلي لمعاناً وتوقداً، يستأثر السلطان منها بما عظم وجل ويباع من الناس ما دق وقل. بلغار (4) بلاد بلغار متاخمة لبلاد برداس بينهما مسيرة ثلاثة أيام، ومنازلهم على شاطئ نهر أثل، وهم بين برداس والصقلب، وهم قليلو العدد نحو خمسمائة أهل بيت، وهم ينتحلون الإسلام وعندهم المساجد والمؤذنون، ومنهم من يسجد لمن يعظمه كما يفعل أهل الأوثان، والخزر تتاجرهم وتبايعهم. بلرم (5) هي قاعدة بلاد جزيرة صقلية ومدينتها العظمى وهي المدينة المسماة بالمدينة حسبما عناه ابن رشيق في قوله في ذكر هذه البلدة: أخت المدينة في اسم لا يشاركها ... فيه سواها من البلدان والتمس

_ (1) انظر زاد المسافر: 94، والنفح 1: 175، ومادة (بلنسية) عند ياقوت حيث نسبهما لابن حريق. (2) توفي ابن حريق سنة 622، انظر زاد المسافر: 22، ومقصورة حازم 1: 142، والنفح 1: 180 ومواطن أخرى متفرقة. (3) ذكر الزهري: 245 مدينة بلخشان وأطنب في الحديث عن الحجر البلخشي، ولكن المؤلف ينقل من مصدر آخر، وانظر كتاب الجماهر للبيروني ((اللعل البدخشي)) : 81 وما بعدها. (4) عن البغار تراجع رحلة ابن فضلان، وياقوت (بلغار) وهو ينقل عن ابن فضلان، ومادة ((بلغار)) في الموسوعة الإسلامية. (5) (Palermo) : انظر صفحات متفرقة من المكتبة الصقلية، وبخاصة ابن حوقل: 113، والإدريسي (م) : 22.

بلكين:

وعظم الله معنى ذكرها قسماً (1) قلد إذا شئت أهل العلم أو فقس وبلرم هذه دار الملك بصقلية في مدة الإسلام ومدة الروم، ومنها كانت تخرج الأساطيل للغزو، وهي على ساحل البحر والجبال محدقة بها ولها ساحل حسن، وفيها من المباني الحسنة ما هو مشهور، وفيها المساجد والفنادق والحمامات وحوانيت التجارة، وبها الجامع الأعظم الذي كان في الزمن القديم وفيه من البنايات وغرائب الصنعة وأجناس التزويق والكتابات (2) كل شيء حسن، ولها ربض هو مدينة أخرى تحدق بالمدينة من جميع جهاتها، وبها المدينة القديمة المسماة بالخالصة التي كان بها سكنى السلطان والخاصة في أيام المسلمين وباب البحر ودار الصناعة. والمياه بجميع جهات مدينة صقلية مخترقة جارية متدفقة وفواكهها كثيرة ومبانيها ومتنزهاتها حسنة رائقة. وكان إبراهيم بن أحمد بن الأغلب أمير إفريقية نزل على بلرم هذه حين توجه إلى صقلية غازياً ففتح بلرم هذه ودخلها سنة سبع وثمانين ومائتين وقتل من أهلها بشراً عظيماً ثم عفا عنهم، وكان المتولي لحربها ابنه أبو العباس الذي كان ولي عهده وتخلى له عن التدبير عندما أظهر التوبة وأنه يريد الحج ثم أظهر أنه يخاف ابن طولون صاحب مصر ولا يمكنه الجواز عليه بمصر، فصرف وجهه وجده إلى الجهاد وأزال المظالم ونادى مناديه بردها وحضور المتظلم إلى مجلسه، ومات وهو محاصر كشنته (3) من صقلية وكان منع من النوم وبه زلق الأمعاء فوصف له دواء عمله وعرض له الفواق، فقيل: الانطلاق والفواق علتان مفنيتان، ولم يشرب ذلك الدواء، واشتغل إبراهيم بنفسه وزادت به العلة فمات في ذي القعدة من سنة تسع وثمانين ومائتين، وأدى أهل كشنته الجزية وهم لا يعلمون بموته، وحمل إلى المدينة بلرم بعد أن صبر فدفن بها، وقبره في بلرم مشهور. بلكين (4) : جبل بلكين في جزيرة صقلية وفيه المغارة العظيمة التي فيها الدفين المكنوز الذي وضعه هناك صاحب قطانية، وقد أعجزت الناس الحيلة في الوصول إليه. قال محمد بن سعيد الأنصاري الأرجواني إنه أتى هذا الغار في نفر أرادوا الوقوف عليه ومعاينة ما فيه، قال: وكان ديراً للرهبان يسكنونه وله باب واسع يكون طوله مائتي ذراع في مثله، وله مما يلي القبلة باب آخر صغير، قال: فنزلت أنا وصاحب لي فيه فإذا بين أعلاه وقعره نحو ستين قامة وأنزلنا مع أنفسنا سرج الشمع وبقي سائر أولئك النفر في أعلى الغار ينتظرون تحريكنا للحبال التي أرسلونا بها فيجذبونها، قال: ثم سرنا في الغار منحدرين في طريق يسلك تجاه الجنوب حتى أفضينا إلى بئر عمقها نحو ست قيام فنزلنا إليها فإذا بطريق يشرع فيها فسرنا مدة منحنين نحو نصف ميل أيضاً ثم لم تزل تقصر علينا حتى سلكناه حبواً حتى وصلنا إلى مجلس كبير مملوء بحجارة قدر كل حجر نصف القنطار، فنظرنا في إخراج تلك الحجارة فعلمنا إن أخرجنا منها حجراً واحداً فما زاد سد المسلك الذي دخلنا منه، قال: ورأيت للمجلس المذكور من خلل الحجارة باباً آخر من جهة القبلة مرتفعاً عن أسفله بنحو القامتين ومنه أدخلت إليه تلك الحجارة والله أعلم. قال: وقد صنع أمام ذلك المجلس طاق محفور في ناحية المغارة وله فتح قصير يكون شبرين في مثلهما لا يدخل فيه الداخل إلا بتعب شديد ومشقة مجهدة، يذكرون أنه ينزل منه إلى مكان صعب ينزل فيه بحيلة ولطف يوصل منه إلى سماط عظيم يكون طوله نحو مائة ذراع في عرض سبعين ذراعاً وعلوه كثير وفيه عجائب عظيمة من حياض مملوءة بضروب من مياه الحكمة وصور قد وضعت لفنون من المنفعة، قال: فأردنا الدخول إليه والوقوف على عجائبه فخشينا أن ينفد الشمع الذي كان معنا فنهلك، قال: فانصرفنا من حيث دخلنا وكان دخولنا إثر صلاة الصبح، فما وصلنا إلى موضع الحبال التي توازي باب المغارة إلا بعد هزيع من الليل فتعلقنا بالحبال وخرجنا، وقد كان أصحابنا أيسوا منا. ويقال إن صاحب قطانية أدخل هذا الدفين هناك من أسفل غربي الجبل من مغارة أخرى كانت تنفذ إلى هذه ثم سد بابها بطين الحكمة فالله أعلم، ويذكر أن محمد بن سعيد هذا وجد هناك مالاً عريضاً وأصاب فيه خيراً كثيراً.

_ (1) يشير غلى أن معنى صقلية ((التين والزيتونة)) وبهما أقسم عز وجل، وسيأتي ذكر ذلك في مادة صقلية. (2) ع: والحنايات، ولعله يريد ((الحنيات)) أو ((الحنايا)) . (3) في الأصلين: لشنته، والمقصود مدينة (Cosenza) في قلورية بإيطاليا لا بصقلية، وقد جرى المؤلف على تصحيفها ولذلك أدرجها في حرف اللام ((لشنته)) . (4) المعلومات التي يوردها المؤلف ليس لها ما يماثلها في المصادر المتيسرة لدينا، ويذكر الأستاذ رتزتانو أن أقرب الأسماء إلى هذا الاسم (Monte Pellegrion) وهو الذي يرد عند الإدريسي (م) : 8 باسم بلقرين.

بلزمة:

بلاطة (1) : فحص بلاطة بالأندلس بين أشبونة وشنترين، يقول أهل أشبونة وأكثر أهل المغرب إن الحنطة تزرع بهذا الفحص فيقيم في الأرض أربعين يوماً فتحصد وان الكيل الواحد منها يعطي مائة كيل وربما زاد ونقص. بلزمة (2) : هي حصن اولي في الشرق من قبر مادغوس وهي في القرب منه وبمقربة من بلد قسطنطينة وبينهما يومان، وهو حصن لطيف وفي أهله عزة ومنعة وله ربض وسوق وآبار طيبة الماء وهو في بساط من الأرض كثير المزارع والقرى، وفي قراه حصون كثيرة وتسير منه إلى مدينة نقاوس، وبناؤه بالحجارة الكبار القديمة، ويذكر أهل تلك الناحية أنه من أيام عيسى عليه السلام، والمدينة في ذاتها مردومة بالتراب والأحجار، ويرى الراءون سورها من خارجها عالياً فإذا دخلوا المدينة لم يروا لها سوراً لأن أرض الحصن مساو لشرفاته ردماً وهذا من غريب البناء. بليونش (3) : قرية كبيرة عند سبتة آهلة كبيرة وكان يوسف بن عبد المؤمن (4) ملك المغرب أمر بجلب الماء من هذه القرية إلى سبتة في سنة ثمانين وخمسمائة على مسافة ستة أميال في قناة تحت الأرض وشرع في عمل ذلك ثم عاقت عنه عوائق فترك. وقرية بليونش على جبل عظيم فيه القردة، وتحته عبر موسى بن نصير إلى ساحل طريف فسمي به، ولبعضهم: بليونش جنة ولكن ... طلوعها يقطع النياطا وقد ذكرها أبو العباس الينشتي الذي كان صاحب سبتة في قوله، وهو ببغداد، يتشوق إلى سبتة (5) فقال: تذكرت من بغداد أقصى المغارب ... فجال نجي الفكر بين الترائب فصبرتها نفساً تكاد من الأسى ... تسرب ما بين الدموع السوارب وقلت لئن كابدت ترحة راحل ... فسوف يريك الله فرحة آيب فلا تيأسي من بعد قصة يوسف ... ولو كنت قد جاوزت سد مآرب ويا جفن كم تجفو المنام حفيظة ... وكم أنت معقود برعي الكواكب لعل الذي ترعاه ليس بحافظ ... لعهدك والأيام ذات عجائب فكم منزل بدلته بعد منزل ... وكم صاحب عوضت عنه بصاحب ولكن سأرعى من يخون مودتي ... ورعي الهوى في البعد أوجب واجب وأذكر أوطاناً نعمت بظلها ... معاهد أحباب ومعني حبايب أبليونش لا جانبت روضك الصبا ... (6) وجاد على مغناك صوب السحائب فما شعب بوان ولا الغوطة التي ... زهت برياض بينها ومذانب بأحسن من مرآك والبحر معرض ... وقد جال فيه الطرف من كل جانب لقد طفت في شرقي البلاد وغربها ... فجانب طرفي غير تلك الجوانب وما عهد أويات لدي مذمم ... ولا ذكر ميمات علي بذاهب فكم لي بها من لذة مع معشر ... يحيون بالريحان يوم السباسب كرام نمتهم للمعالي أكارم ... حسان الوجوه والحلى والضرائب

_ (1) الإدريسي (د) : 186، وبروفنسال: 46، والترجمة: 59. (2) الإدريسي (د/ ب) 99/ 78، والبكري: 50. (3) الاستبصار: 137، والبكري: 106. (4) في ص ع: عبد الملك. (5) حينما خلع أهل سبتة طاعة الموحدين سنة 630هـ؟ قدموا عليهم الحاج أبا العباس اليناشتي (630 - 635) فلما عادوا إلى الطاعة، قبضوا عليه (البيان المغرب 3: 338 - 340ط. تطوان) وسيذكره في ((ينشتة)) . (6) في الأصلين: العجائب.

بلطش:

سلام عليهم ما حييت فإنني ... أزيد لهم حباً بطول التجارب بلطش (1) : بالأندلس إقليم من أقاليم سرقسطة، ونهر هذا الإقليم يسقي مسافة عشرين ميلاً، وبقرب بلطش موضع يتفجر بالماء العذب أول ليلة من شهر أغشت ومن الغداة إلى حد الزوال ثم يبدو فيه القلوص والنقصان، فإذا غربت الشمس جف إلى تلك الليلة من العام المستقبل، هذا دأبه أبداً. بم (2) : مدينة من أرض كرمان كبيرة ذات أسواق وعمارات وأموال كثيرة ولها نخل وكروم وقرى كثيرة وهي أصح هواء من جيرفت ولها قلعة منيعة حصينة مشهورة مذكورة في جميع بلاد كرمان، وأهلها تجار مياسير وبها صناعات قائمة وطرز منصوبة ويعمل بها ثياب القطن الحسنة والمتاع الكثير يتجهز به إلى سائر الأقطار وتصنع عندهم الطيالسة الفاخرة التي يساوي الطيلسان منها ثلاثين ديناراً، ويتجهز به إلى العراقات والشامات وديار مصر وتصنع أيضاً بها العمائم الرفيعة، تبقى مع الدهر والملوك يتنافسون في ثيابها وجيد متاعها ويدخرونه في خزائنهم، ومن بم إلى جيرفت مرحلتان. وفي بم يقول الطرماح (3) : ألا أيها الليل الذي طال أصبح ... ببم وما الإصباح فيك بأروح لئن مر في كرمان ليلي فربما ... حلا بين تلي بابل والمضيح المضيح جبل بناحية الكوفة، ويقال مر الشيء وأمر من المرارة. بنشكلة (4) : حصن بالأندلس وبالقرب من طركونه. منيع على ضفة البحر وهو عامر آهل وله قرى وعمارات ومياه كثيرة وبه عين ثرة تريق في البحر، ويقابل مرسى بنشكلة من بر العدوة جزائر بني مزغناي (5) بينه وبينها ستة مجار. بنجهير (6) : في بلاد الختل وهي على جبل مشتمل على نحو عشرة آلاف رجل ويغلب على أهلها العبث والفساد، ولهم نهر وبساتين وليس لهم مزارع، وهي متصلة ببلاد التبت. بنزرت (7) : بإفريقية وهي أم بلاد عمل صطفورة، وهي مدينة صغيرة عامرة حصينة بها مرافق وأسواق وعليها سور قديم حصين، وبحيرتها المعروفة بها طولها ستة عشر ميلاً وعرضها ثمانية أميال، وهي متصلة بالبحر وكلما أخذت في البر اتسعت، وهذه البحيرة من أعاجيب الدنيا فيها اثنا عشر نوعاً من السمك يؤخذ منه في كل شهر نوع لا يمتزج بغيره من أصناف السمك فإذا تم الشهر جاء صنف آخر من السمك وفقد الأول، وهكذا في كل شهر طول شهور العام. بنبلونة (8) : مدينة بالأندلس بينها وبين سرقسطة مائة وخمسة وعشرون ميلاً بها كانت مملكة غرسية بن شانجة (9) سنة ثلاثين وثلثمائة، وهي بين جبال شامخة وشعاب غامضة قليلة الخيرات أهلها فقراء جاعة لصوص، وأكثرهم متكلمون بالبشقية (10) ، لا يفهمون، وخيلهم أصلب الدواب حافراً لخشونة بلادهم، ويسكنون على البحر المحيط في الجوف. بنبايش (11) : مدينة في بلاد الإفرنجة عظيمة كثيرة الأهل، سورها مبنى بالآجر والكلس، وبها نحو من خمسمائة حداد يعملون الدروع والسيوف والبيضات والرماح، وهو بلد واسع الخطة كثير الخير، وتنتهي أحوازها في الجوف إلى البحر المحيط مسيرة ثلاثة أيام، وأهل بنبايش يزعمون أنهم من الإفرنج ويشبهونهم في صفتهم وملابسهم وهيئتهم وأخلاقهم.

_ (1) بروفنسال: 47، والترجمة: 59 (Pleitas) وهي قرية بمنطقة سرقسطة على بعد 30 كيلومتراً من (Alumnia Dona Goding) على نهر (Jalon) . (2) ياقوت (بم) ، والكرخي: 99، وابن حوقل: 271، ونزهة المشتاق: 132، والمؤلف ينقل أكثر مادته عنه. (3) ديوان الطرماح: 100. (4) الإدريسي (د) : 181، والبكري: 82، وبروفنسال: 56، والترجمة: 71 (Peniscola) وهي قرية صغيرة على جزيرة صغيرة تتصل بالبر بلسان من الرمل، في مقاطعة قشتليون دي لا بلانا. (5) في ص ع: بني زغبان؛ وجزائر بني مزغتاي هي المعروفة اليوم باسم مدينة ((الجزائر)) . (6) في الأصل: ينجهر، وفي الكرخي: 156: بنجهير، والمؤلف ينقل عنه، وانظر نزهة المشتاق: 146 وفيه ((بنجهير)) أيضاً. (7) الإدريسي (د/ ب) : 114/ 83، والبكري: 58، والاستبصار: 125. (8) (Pamplona) بروفنسال: 55، والترجمة: 70. (9) ع: سالج، ص: شالج. (10) أي لغة الباسك (Basque) (البشكنس) . (11) عند بروفنسال: 55 بنبانش.

البصرة:

البصرة: بالعراق، وهي كانت قبة الإسلام، ومقر أهله، بنيت في خلافة عمر رضي الله عنه سنة أربع عشرة واختط عتبة بن غزوان المنازل بها وبنى مسجداً من قصب، ويقال بل كان ذلك سنة سبع عشرة. وعتبة أول من اختطها ونزلها في ثمانمائة رجل وهو الذي فتح الأبلة. وبالبصرة خطب عتبة بن غزوان خطبته المشهورة وهي ثابتة في صحيح مسلم (1) ، أولها: أما بعد فإن الدنيا آذنت بصرم وولت حذاء، إلى آخرها ... قالوا: وبشرقيها مياه الأنهار منفرشة، وهي نيف على ثمانية آلاف نهر، وهي في مستو من الأرض لا جبال فيها. وقيل كان فيها سبعة آلاف مسجد ثم خلا أكثرها وما بقي فيها إلا ما دار بالمسجد الجامع الذي فيها. وبالبصرة نهر يعرف بنهر الأبلة طوله اثنا عشر ميلاً وهو مسافة ما بين البصرة والأبلة، وعلى جانبي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحد ويحويها حيط واحد، وينصب إلى هذا النهر عدة أنهار مما يقاربه أو يماثله في الكبر، وجميع نخيلها في اعتدال قدوده ونضارة فروعه كأنها أفرغت في قالب واحد وغرس سائره في يوم واحد، وجميع أنهار البصرة المحيطة بشرقيها يصب بعضها في بعض، وينشعب بعضها من بعض وأكثرها يدخله المد والجزر من البحر، فإذا دخل المد تراجعت مياه الأنهار فصبت في البساتين والمزارع وسقتها، وإذا كان الجزر عادت الأنهار جارية على حسب عادتها. وحكى الخليل فيه ثلاث لغات: ضم الباء وفتحها وكسرها. ولها نهران أحدهما يعرف بنهر ابن عمر - وجه عمر بن الخطاب ابنه عبد الله رضي الله عنهما لحفره فنسب إليه والآخر يعرف بنهر حسان وهو حسان النبطي صاحب خراج العراق، وبين البصرة والكوفة ثمانون فرسخاً. وسبب بنائها أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو على حرب العراق يستنبئ ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم، فكتب إليه أن العرب غير ألوانها وخومة المدائن ودجلة، فكتب إليه أن العرب لا يوافقها إلا ما يوافق إبلها من البلاد فابعث سلمان وحذيفة رضي الله عنهما، وكانا رائدي الجيش، ليرتادا منزلاً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، فبعث سعد حذيفة وسلمان رضي الله عنهم حتى أتيا الأنبار، فسار سلمان رضي الله عنه في غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة، وسار حذيفة رضي الله عنه في شرقيه حتى أتى الكوفة فأكبا عليها وفيها ديارات ثلاثة منها، دير حرقة بنت النعمان، فأعجبتهما البقعة، فنزلا فصليا وقال كل واحد منهما: اللهم رب السموات وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما حوت، بارك لنا في هذا الكوفة واجعله منزل ثبات ثم رجعا إلى سعد رضي الله عنه بالخبر. وفي رواية أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد رضي الله عنه أن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما يصلح الشاة والبعير وسأل من قبله عن هذه الصفة فأشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب وعلمائها باللسان لسان البر الذي أدلعه في الريف، وهو نهر الكوفة فكتب عمر إلى سعد رضي الله عنهما يأمره بنزوله، وبين هذا اللسان وبين القادسية ثمانية فراسخ، فارتحل سعد رضي الله عنه من المدائن بالناس حتى عسكر في الكوفة سنة سبع عشرة. واستقر أيضاً بأهل البصرة منزلهم اليوم فاستقرا في قرارهما في شهر واحد،، قيل بصرت البصرة سنة أربع عشرة وكوفت الكوفة سنة سبع عشرة، فبصر البصرة لعمر رضي الله عنه عتبة بن غزوان ثم استعمل عليها المغيرة بن شعبة، ثم عزله عمر رضي الله عنه واستعمل أبا موسى رضي الله عنه، ثم إن القوم استأذنوا عمر رضي الله عنه في بنيان القصب فقال: العسكر أجد لحربكم وما أحب أن أخالفكم فشأنكم، فابتنى أهل المصرين بالقصب. ثم إن الحريق وقع بالكوفة والبصرة وكان أشدهما حريقاً الكوفة، احترق فيها ثمانون عروساً ولم تبق فيها قصبة فبعث سعد إلى عمر رضي الله عنهما منهم نفراً يستأذنونه في البناء باللبن ويخبرونه عن الحريق فأذن لهم وقال: لا يزيد أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولون في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة، وعهد عمر رضي الله عنه إلى الناس وتقدم إلى الناس لا يرفعوا بنياناً فوق القدر، قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم عن القصد. ولما بلغ عمر رضي الله عنه أن سعداً وأصحابه رضي الله عنهم قد بنوا بالمدر قال: قد كنت أكره لكم ذلك فأما إذا فعلتم فعرضوا الحيطان وأطيلوا السمك وقاربوا الخشب، وعلى الجملة

_ (1) صحيح مسلم 2: 368.

فالبصرة والكوفة مصرا الإسلام وقرارة الدين ومحال الصحابة والتابعين والعلماء الصالحين وجيوش المسلمين والمجاهدين، ثم نشأت بين أهل المصرين مفاخرة ومفاضلة، فقال من فضل البصرة: كان يقال الدنيا والبصرة. ووقف شيخ دهقان فقال، وهو يتأمل البصرة - أنهارها وكلاءها وأسواقها ومسجدها الأعظم ومجالسها -: قاتلك الله، فوالله ما استجمعت هكذا حتى أخربت بلاداً وبلاداً. وقال بعضهم: مررت ببعض طرق الكوفة فإذا برجل يخاصم جاراً له، فقلت: ما لكما تختصمان؟ فقال أحدهما: لا والله إلا أن صديقاً زارني فاشتهى علي رؤوساً فاشتريت له رأساً فتغدينا به فأخذت عظام الرأس فوضعتها على باب داري أتجمل بها في جيراني فأخذها هذا من بابي فوضعها على بابه وقال: أنا اشتريته. وأنشدوا لبعض أصحاب الضياع: زرعنا فلما سلم الله زرعنا ... ووافى عليه منجل لحصاد بلينا بكوفي حليف مجاعة ... أضر علينا من دبا وجراد وقال الأحنف لأهل الكوفة: نحن أعذى منكم برية وأكثر منكم بحرية وأبعد منكم قرية وأكثر منكم سرية. وزعم أهل الكوفة أن البصرة أسرع الأرض خراباً وأخبثها تراباً وأبعدها من السماء وأسرعها غرقاً. قال البصريون: كيف تكون أسرع غرقاً ومغيض مائها في البحر ثم يخرج ذلك إلى البحر الأعظم ثم إذا جاوز الأبلة بعدة فراسخ يصب في دجلة سامرا ودجلة عبادان ولم يدخل البصرة ماء قط. وعن إياس بن معاوية: مثلت الدنيا على صورة طائر فالبصرة ومصر الجناحان والشام الرأس والجزيرة الجؤجؤ واليمن الذنب، وليس في الحديث ذكر الكوفة. وسئل بعض الناس عن فقهاء الكوفة فقال: أبحث الناس لصغير وأتركه لكبير، يتكلف أحدهم القول في الدور والدين والعين وهو لم يحكم طلاق السنة. وعاب بعض الكوفيين فقهاء البصريين فقال: كان الحسن أزرق وقتادة أعمى وابن أبي عروبة أعرج وهشام أعمى وواصل أحدب وعبد الوارث أبرص ويحيى بن سعيد أحول، فقال بعض البصريين: كان علقمة أعرج وإبراهيم أعور وسليمن أعمش ورشيد أعرج وأبو معاوية أعمى ومسروق مفلوجاً وشريح سناطاً. وقال أبو عبيدة: سعوا بالوليد ثم جاءوا يعتذرون إليه وقالوا: ما رأينا بعدك خيراً منك، قال: لا والله ما رأيت أنا بعدكم شراً منكم، فلما أسهبوا في الثناء وأطنبوا في التقريظ قال: حبكم كلف وبغضكم تلف وطبعتم على الزيادة في الأشعار والتوليد في الآثار وطبعنا على حذف الفضول والتمسك بالأصول، وقال النجاشي: إذا سقى الله قوماً صوب غادية ... فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا السارقون إذا ما جن ليلهم ... والدارسون إذا ما أصبحوا السورا وأرسل الريح تذري في وجوههم ... حتى إذا لم يروا عيناً ولا أثرا ألقى العداوة والبغضاء بينهم ... حتى يكونوا بمن عاداهم جزرا وقال اليعقوبي: أهل الكوفة على قلة أمولهم أهل تجمل وستر وكفاف وعفاف ليس في البلدان أشد عفافاً منهم ولا أشد تجملاً وهي طيبة الهواء عذبة الماء، ماؤها ماء الفرات الأعظم، وهي دار العرب ومادة الإسلام ومعدن العلم، بها أئمة القراء الفصحاء الذين ترجع عامة الناس إلى قراءتهم وفقهاؤها الفقهاء الذين عليهم المعتمد، وهم أهل العلم بالشعر وفصيح اللغة لأن أهلها عرب كلهم لم تخالطهم الأنباط ولا الفرس ولا الخزر ولا السند ولا الهند، ولا تناكحوا في هذه الأجناس فيفسدوا لغاتهم، وإن أصل الرواية ومعرفة اللغة كان فيهم، ومن رواتهم صار إلى أهل البصرة وغيرها لأن أهل الحيرة كانوا أول من دون الشعر وكتبه في أيام آل المنذر اللخميين ملوكها وكانت شعراء الجاهلية تفد عليهم مثل الأعشى والنابغة وعبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة والمتلمس وطرفة وغيرهم، فكان آل المنذر يأمرون كتابهم من أهل الحيرة أن يكتبوا أشعارهم فأخذه الناس عنهم. قال الجاحظ: والكتب الموضوعة في محاجة أهل الشام لأهل العراق وأهل الكوفة لأهل البصرة وأهل الجزيرة لأهل الشام وبغداد والبصرة، وهذا الشكل أهون من محاجة أهل المدينة لأهل مكة والحسنية للحسينية والمهاجرين للأنصار على ما في هذا من الخطأ

فإن الله تعالى لم يفرق في القرآن بين المهاجرين والأنصار كما لم يفرق بين الصلاة والصيام وبين الجنة والنار، كذلك القول في الحسنية والحسينية لأنهما سبط واحد وكنفس واحدة، قال: وأصحاب الفضول كثير فقد رأيت من يزعم أن منكراً أفضل من نكير ويأجوج أشرف من ماجوج وهاروت خير من ماروت، وللأمور حدود الوقوف عندها أصوب. وسنستوفي خبر الكوفة عند الوصول إلى رسمها إن شاء الله تعالى فلنرجع الآن إلى ذكر البصرة. واختطت البصرة في موضعها اليوم على اختلاف الناس في وقت ذلك كما تقدم فبنوا بالقصب ومكثوا كذلك يسيراً حتى أذن لهم عمر رضي الله عنه في البناء باللبن لما وقعت النار بالكوفة واحترق فيها ثمانون عروساً كما ذكرنا، فبنى الناس تزجية وبلغة لما تقدم إليهم عمر رضي الله عنه ألا يرفعوا فوق القدر، وكان عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد رضي الله عنه أن ابعث عتبة بن غزوان إلى فرج الهند يرتاد موضعاً يمصره وابعث معه ثمانين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج عتبة من المدائن سنة ست عشرة من الهجرة في سبعمائة حتى نزل على شاطئ دجلة بحيال جزيرة العرب فبنى ولم يبدأ بأول من المسجد فاختطوه ثم رموا من حواليه كله باسهم، واختطوا ما وراء منتهاها على حسب ما فعلوه بمسجد الكوفة، وأول ما بني بالبصرة سبع دساكر منها الخريبة اثنتان والزابوقة واحدة، وفي بني سليم اثنتان وفي الازد اثنتان وبني مسجدها بالقصب ثم بناه ابن عامر باللبن لعثمان بن عفان رضي الله عنه ثم بناه زياد بالآجر لمعاوية رضي الله عنه، وبنى جنبتيه وأتمه عبيد الله بن زياد، ويذكر أن المسجد الحرام أكبر من مسجد البصرة ببضع عشرة ذراعاً. وكسرت البصرة أيام خالد القسري فوجد طولها فرسخين في مثلهما والكوفة ثلثا البصرة. وأول مولود ولد فيها عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنهما فنحر يومئذ جزوراً وأطعم أهلها وكانوا ثلثمائة أو ثلاثين ومائة. ولأهل البصرة ثلاثة أشياء ليس لأحد من أهل البلدان أن يدعيها ولا يشركهم فيها وهي النخل والشاء والحمام الهدي، أما النخل فهم أعلم قوم بها وأحذقهم بغراستها وتربيتها وإصلاحها وإصلاح عللها وأدوائها وأعرفهم بأحوالها من حين تغرس إلى حين تكمل وتستوي وأبصرهم بالتمر وخرصه وتمييزه وحزره وخزنه، وهي تجارتهم العظمى وعدتهم الكبرى، وفي البصرة من أصناف النخيل ما ليس في بلد من بلاد الدنيا. وأما الشاء فانهم اصطفوا منها العبدية المنسوبة إلى عبد القيس، وذكروا أن رجلاً من وفد عبد القيس يقال له عبادة بن عمرو الشني قال للنبي صلى الله عليه وسلم عند وفادتهم عليه ودعائه لهم: يا رسول الله إني رجل أحب الشاء، فدفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلاً جليلاً من المعز وقبض بيده على أصل أذن ذلك الفحل حتى استدارت أصابعه الكريمة فصار في أذنه كالسمة، فقدم به عبادة بلاده فأطرقه شياهه فجاءت بالشاء العبدية فحملها أهل البصرة من البحرين، وهم يذكرون أن ما من شاة موصوفة كريمة منها إلا وفي أذنها حلقة كالسمة فإذا وجدوها كذلك رغبوا فيها وغالوا فيها، تبلغ الشاة منها خمسين ديناراً، وإذا كان في التيس مثل ذلك تنوفس فيه وبلغ عدة دنانير، وأخبر يحيى بن الفضيل أنه رأى تيساً بالبصرة عظيماً قد حملت عليه مزادة ماء وهي الراوية التي تحملها البغال، فبلغ بها منزل صاحبه، واشتري بأربعمائة دينار، وللشاء عندهم أنساب معروفة ويشهدون على ذلك العدول في الصحف فيقولون: شاة بني فلان أمها فلانة شاة آل فلان، وأبوها تيس آل فلان، وجدتها الفلانية، ويوصف مقدار ما تحلب من اللبن. وأما الحمام فالأمر بالبصرة جل فيه وتجاوز الحد وبلغت الحمام عندهم في الهدي أن جاءت من أقاصي بلاد الروم ومن مصر إلى البصرة وتنافسوا في اقتنائها ولهجوا بها حتى بلغ ثمن الطائر منها سبعمائة دينار، قال: وهذا ما حضرته ورأيته وشهدته. وقيل إنه بلغ بالبصرة ثمن لطائر منها جاء من خليج القسطنطينية ألف دينار، وكانت تباع البيضة من الطائر المشهور الذي قد أتاهم وأبوه من الغاية بعشرين ديناراً وعندهم دفاتر بأنساب الحمام كأنساب العرب، وكان لا يمتنع الرجل الجليل ولا الفقيه ولا العدل من اتخاذ الحمام والمنافسة فيها والاخبار عنها والوصف لأمرها والنعت لمشهورها حتى وجه أهل البصرة إلى بكار بن قتيبة البكراني قاضي مصر وهو منهم، وكان في فضله وعقله ودينه وورعه على ما لم يكن عليه قاض، بحمامات لهم مع قوم ثقات وكتبوا إليه يسألونه أن يتولى إرسالها بنفسه ففعل، وكان الحمام عندهم متجراً من التجارات لا يرون بذلك بأساً. قال الطبري (1) : وفي سنة مائتين وست وسبعين انفرج تل في نهر البصرة يعرف بتل بني شقيق عن سبعة قبور فيها سبعة أبدان صحيحة وحوض من حجر في لون المسن فيه كتابة لا يدرى ما هي وعلى تلك الأبدان أكفان جدد لينة تفوح منها رائحة المسك، أحدهم

_ (1) الطبري 3: 2116.

شاب له جمة وجميع أعضائه صحاح وكأنه قد كحل بالكحل وبلت شفتاه بالماء من صحة بشرته وبه ضربة في خاصرته. قال محمد بن جرير: وحدثني بعض أصحابنا ممن شهد أمره أنه جذب شعرة من شعر بعضهم فوجده قوي الأصل نحو قوة شعر الحي. وفي شوال سنة ثمان وخمسين ومائتين غلب على البصرة الدعي وكان قد حصرهم في شعبان ورمضان وقتل من أهلها مائة ألف رجل وقتل بعد أن دخلها مائتي ألف وحرق عامتها وهدم المسجد الجامع وحرقه، وكان أصل هذا الدعي الثائر من البصرة وبها قرأ وتأدب وكان يعلم القرآن والأدب لبعض أبنائها إلى أن كان من أمره ما كان، وخرج في خلافة المعتمد وقيل في خلافة المهتدي فلم يخرج إليه المعتمد وبعث إليه الجيوش فهزمها العلوي الدعي واسمه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وعن من انتمى إليهم، وكان الذي طاوله في تلك الحروب طلحة بن جعفر المتوكل المعروف بالموفق رحمه الله، ثلاث سنين وثمانية أشهر، إلى أن قتله وسيق رأسه إلى بغداد وطيف به. قال بعضهم: رأيت ذلك اليوم فما رأيت مثله حسناً، سار الأمير والجيش أمامه وخلفه والرأس بين يديه محمول على الرمح، وصاعد الوزير معه. وكان قيام هذا الدعي في شوال سنة خمس وخمسين في خلافة المهتدي بالله، وقيل في صفر سنة سبعين كذا في تاريخ القضاعي، وفي تاريخ محمد بن سهل أنه قتل سنة إحدى وسبعين ومائتين وهو خارج من مدينته التي سماها المختارة وهي على دجلة على مسيرة يوم من البصرة بالقرب من عبادان، وسكنها بسودانه الذين جيشوا معه من عبيد أهل البصرة وغيرهم، كان خرج إليهم من البصرة إلى بواديهم وألفهم فأقام معهم بها يقاتل البصرة إلى أن هدمها وحرقها، وكانت مدته إلى أن قتل ست عشرة سنة، وكان موته بسهم أصابه في نحره بين الصفين وهو ينشد: لميتة يلقها الإنسان واحدة ... خير له من لقاء الموت تارات ولما ظفر الموفق بصاحب الزنج قال ابن الرومي يمدح صاعداً الوزير بقصيدة عددها أربع مائة بيت أولها: أبين ضلوعي جمرة تتوقد ... على ما مضى أم حسرة تتجدد قال الصولي: ولا نعلم أحداً مدح رجلاً بأنه لا يحضر الحرب وينفذ كيده فيها نفوذ الأقدار بأحسن مما قاله ابن الرومي: يظل عن الحرب العوان بمعزل ... وآثاره فيها وإن غاب تشهد كما احتجب المقدار والحكم حكمه ... عن الناس طراً ليس عنه معرد ولقد أحسن وإن كان نقله من قول بشار: الدهر طلاع بأحداثه ... ورسله فيها المقادير محجوبة تنفذ أحكامها ... ليس لنا عن ذاك تأخير ثم مدح ابن الرومي فيها صاعداً مشيراً إلى هذه القصة فأحسن. قالوا: وأقام الرواة يروون حرفاً مصحفاً: تهلك البصرة بالريح بعد مائتي سنة حتى جاء صاحب الزنج فعلموا أن صوابه بالزنج بالزاي والنون والجيم. ولصاحب الزنج أشعار أكثرها في الفخر ووجوب القيام لإزالة الظلم وتغيير المنكر. وفيما بين طنجة وفاس من أرض المغرب مدينة يقال لها البصرة (1) أيضاً كبيرة هي أوسع تلك النواحي مرعى وأكثرها زرعاً ولكثرة ألبانها تعرف بقصر الذبان، وتعرف ببصرة الكتان، وكانوا يتبايعون في بدء أمرها جميع تجاراتهم بالكتان، وتعرف أيضاً بالحمراء لأنها حمراء التربة وسورها مبني بالحجارة وهي بين شرفين ولها عشرة أبواب وجامعها سبع بلاطات وبها حمامان (2) ومقبرتها الكبرى في شرقيها في جبل، وماء المدينة زعاق وشرب أهلها من بئر عذبة على باب المدينة تعرف ببئر ابن ذلفاء، وخارجها في جناتها عيون كثيرة وآبار عذبة. ونساء البصرة مخصوصات بالجمال الفائق والحسن الرائق ليس بأرض المغرب أجمل منهن. قال أحمد بن الفتح المعروف بالخراز (3) التاهرتي يمدح أبا العيش بن إبراهيم بن القاسم:

_ (1) البكري: 10، والاستبصار: 189. (2) ص: حمامات. (3) البكري: بابن الخراز.

بعلبك:

قبح الإله اللهو إلا قينة ... بصرية في حمرة وبياض الخمر في لحظاتها والورد في ... وجناتها والكشح غير مفاض في شكل مرجي ونسك مهاجر ... وعفاف سني وسمت إباضي تاهرت أنت خلية وبرية ... عوضت منك ببصرة فاعتاضي لا عذر للحمراء في كلفي بها ... أو تستفيض بأبحر وحياض (1) ما عذرها والعيش عيشي إذ بها ... ملك الملوك ورائض الرواض ومدينة البصرة هذه محدثة أسست في الوقت الذي أسست فيه أصيلة أو قريباً منه، وبين البصرة وفاس مرحلتان أو ثلاث. بصنا (2) : مدينة من كور خوزستان بينها وبين مدينة السوس مرحلة، وهي صغيرة خلقها كثير، وبها طرز للسلطان يعمل بها الستور المنسوبة إليها في جميع الأرض المكتوب على تطريزها " مما عمل ببصنا "، وقد يعمل بغيرها من المدن ستور تكتب عليها " بصنا ". بصرى: من أرض الشام من أعمال دمشق وهي مدينة حوران وفي شرقي هذه المدينة بحيرة تجتمع فيها مياه دمشق وتسير منها في صحراء ورمال مقدار خمسة عشر فرسخاً فتدخل دمشق. وفي الخبر أن آمنة لما حملت بالنبي صلى الله عليه وسلم رأت كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام، روي ذلك عنه صلى الله عليه وسلم. بعلبك (3) : مدينة بالشام بينها وبين دمشق في جهة الشرق مرحلتان، وهي حصينة في سفح جبل وعليها سور حصين بالحجارة سعته عشرون شبراً، والماء يشق في وسطها ويدخل كثيراً من ديارها وعلى هذا النهر أرحاء ومطاحن، وهي كثيرة الغلات نامية الإصابات والفواكه كثيرة الكروم والأشجار رخيصة الأسعار، وبها من عجيب الآثار الملعبان، والكبير بني في أيام سليمان بن داود عليهما السلام، وطول الحجر من حجارته عشرة أذرع على عمد شاهقة يروع منظرها (4) وبهذه المدينة من الهياكل شيء عجيب. وهذه المدينة هي المذكورة في قول امرئ القيس: لقد أنكرتني بعلبك وأهلها ... ولابن جريج في قرى حمص أنكرا وهي قديمة البناء جداً حتى إن عوام أهلها يزعمون أن سورها من بنيان الشياطين لا يغيره زمان ولا يؤثر فيه حدثان، ولكثرة بساتينهم يشترى عندهم من الفواكه بدانق ما يأكل جماعة أهل البيت ويفضلون منه. قيل النسبة إليها بعلبكي وإن شئت قلت بعلي أو بكي وفتحت بصلح في زمان عمر رضي الله عنه سنة أربع عشرة، وإلى أهل بعلبك بعث الله تعالى الياس النبي عليه السلام، وكان لأهل بعلبك صنم يدعى بعلاً والبعل بلغة اليمن الرب، فسميت بعبادة أهلها بعلاً واسم الموضع بك. بعاث (5) : بضم أوله وبالعين المهملة والثاء المثلثة موضع على ليلتين من المدينة النبوية فيه كانت الوقيعة واليوم المنسوب إليها بين الأوس والخزرج قبل الإسلام، قالت عائشة رضي الله عنها: كان يوم بعاث يوماً قدمه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملأهم وقتلت سراتهم وجرحوا فقدمه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم الإسلام. بغداد (6) : دار مملكة خلفاء بني العباس، وفيها أربع لغات: بغداد بدالين مهملتين، وبغداذ معجمة (7) الأخيرة، وبغدان بالنون، ومغدان بالميم بدلاً من الباء، وتذكر وتؤنث. قالوا: وبغداذ بالفارسية عطية الصنم لأن بغ صنم وداذ عطية، ولذلك

_ (1) البكري: والبحر عيسى ربها، وذلك يشير إلى أن الممدوح اسمه ((عيسى)) . (2) انظر الكرخي: 64، وابن حوقل: 231، وياقوت (بصنا) . (3) نزهة المشتاق: 116، وصبح الأعشى 4: 109. (4) نزهة المشتاق: والمعلب الصغير قد تهدم أكثره وذهبت محاسنه وبقي منه الآن حائط قائم طوله عشرون ذراعاً وارتفاعه على الأرض عشرون ذراعاً ... (5) معجم ما استعجم 1: 259. (6) معجم ما استعجم 1: 261، وياقوت (بغداد) ، وابن حوقل: 215، والكرخي: 58، وتاريخ بغداد 1: 25 - 127. (7) ص ع: مهملة.

كره الأصمعي هذه التسمية. وكانت قرية من قرى الفرس فأخذها أبو جعفر غصباً فبنى فيها مدينة وقال الجرجاني: باغ بالفارسية هو البستان الكثير الشجر، وداذ: معطي، فمعناه معطي البساتين. قال أبو عثمان النهدي (1) : كنا نسير مع جرير بن عبد الله البجلي حتى انتهى إلى موضع فقال: أي موضع هذا؟ قالوا: قطربل، فحرك دابته ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: تبنى مدينة بين دجلة والدجيل والصراة وقطربل يجبى إليها خراج كل أرض وتجمع إليها جبابرة الأرض، وفي رواية يخسف بها. كذا أحسب. وسميت بغداد لأنه أهدي إلى كسرى خصي من المشرق وكان له صنم يقال له بغ فقال الخصي: بغداذي أي أعطاني إلهي يعني الصنم، ولهذا كان المتورعون يكرهون أن يسموا بغداذ بهذا الاسم ويقولون بغداد بالدال المهملة. وكان أبو جعفر المنصور بعث رجالاً سنة خمس وأربعين ومائة يطلبون له موضعاً يبني فيه مدينة فطلبوا فلم يرضوا موضعاً حتى جاء موضعاً بالصراة وقال: هذا موضع أرضاه تأتيه الميرة من الفرات ودجلة والصراة. وكان أبو جعفر هذا وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بنى مدينة بين الكوفة والجزيرة سماها الهاشمية فأقام بها مدة إلى أن عزم على توجيه ابنه محمد المهدي لغزو الصائفة في سنة أربعين ومائة فصار إلى بغداد فوقف بها وقال: ما اسم هذا الموضع؟ فقيل: بغداد، فقال: هذه والله المدينة التي أعلمني أبي محمد بن علي أني أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي من بعدي، ولقد غفلت عنها الملوك في الجاهلية والإسلام حتى يتم تدبير الله تعالى وحكمه في وتصح الروايات وتبين الدلالات والعلامات تأتيها الميرة في الدجلة والفرات من واسط والأبلة والأهواز وفارس وعمان واليمامة وما يتصل بذلك، وكذلك ما يأتي من الموصل وديار ربيعة وأذربيجان وأرمينية والرقة والشام والثغور ومصر والمغرب وأصفهان وكور خراسان فالحمد لله الذي ذخرها لي وأغفل عنها كل من تقدمني والله لأبنينها ثم أسكنها أيام حياتي ويسكنها ولدي من بعدي ثم لتكونن أعمر مدينة في الدنيا ثم لأبنين بعدها أربع مدن لا تخرب واحدة منهن أبداً فبناها وبنى الرافقة ولم يستتمها وبنى ملطية والمصيصة والمنصورة، فوجه في حشر الصناع والفعلة من الشام والموصل والجبل والكوفة وواسط والبصرة وأمر باختيار قوم من أهل الفضل والعدالة والعفة والأمانة والمعرفة بالهندسة، وكان فيمن أحضر الحجاج بن ارطاة وأبو حنيفة فكان أول ما ابتدئ ببنيانها في سنة خمس وأربعين ومائة ثم قسم الأرض أربعة أقسام وقلد القيام بكل ربع رجلاً من قواده ورجلاً من مواليه ورجلاً من المهندسين ونظر عند بنائها من أخذ الطالع فكان المشتري في القوس فدلت النجوم على طول ثباتها وكثرة عمارتها وانصباب الدنيا إليها، قال المخبر: ثم قلنا يا أمير المؤمنين وخلة أخرى فيها تدل النجوم على أنه لا يموت فيها خليفة، فتبسم وقال: الحمد لله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك قال بعض مداح المنصور: إن خير القصور قصر السلام ... إذ به حل سائس الإسلام منزل لا يزال من حل فيه ... آمناً من حوادث الأيام ولهذا قالوا: نزل بغداد سبعة خلفاء: المنصور والمهدي وموسى الهادي وهارون الرشيد ومحمد الأمين وعبد الله المأمون والمعتصم فلم يمت بها واحد منهم إلا محمد الأمين فإنه قتل خارج باب الأنبار عند بستان طاهر، وانتقل المعتصم سنة ثلاث وعشرين ومائتين إلى سر من رأى، فهذا مصداق ما دلت عليه النجوم. وإنما سميت مدينة السلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السلام فقيل لبغداد مدينة السلام. وقيل لأنهم أرادوا مدينة الله واسمها الأول عند الناس الزوراء لانعطافها بانعطاف دجلة، وتسمى القوس زوراء لانعطافها، وكان بعضهم يسميها الصيادة لأنها تصيد قلوب الرجال، وقال رجل من أهل البصرة: مررت ببغداد في السحر فأعجبني كثرة الأذان فيها فهتف بي هاتف: ما الذي يعجبك منها، لقد فجر فيها البارحة سبعون ألفاً. ورأى أبو بكر الهذلي سفيان بن عيينة ببغداد فقال: بأي ذنوبك دخلتها؟ وقيل لرجل: كيف رأيت بغداد؟ فقال: الأرض كلها بادية وبغداد حاضرتها. وقال آخر: لو أن الدنيا خربت وخرج أهل بغداد لعمروها. وكان فراغ المنصور من بنائها ونقل الخزائن إليها والدواوين وبيوت الأموال سنة ست وأربعين ومائة وكان استتمامه لجميع أمر المدينة سنة تسع وأربعين.

_ (1) انظر الحديث في تاريخ الخطيب: 28 وما يشبه ثم تبيان الخطيب لفساد أمثال هذه الأحاديث.

وقال أحمد بن أبي يعقوب (1) : بغداد وسط العراق، والمدينة العظمى التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ولا في مغاربها سعة وجلالة وكبراً وعمارة وكثرة مياه وصحة هواء، سكنها أهل الأمصار والكور وانتقل إليها من جميع البلدان القاصية والدانية وآثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم، يجري في حافتيها النهران الأعظمان دجلة والفرات، فتأتيها التجارات والميرة براً وبحراً بأيسر السعي حتى تكامل فيها كل متجر من المشرق والمغرب من أرض الإسلام ومن غير أرض الإسلام، فإنه يحمل إليها من الهند والسند والصين والتبت والترك والديلم والخزر والحبشة وسائر البلدان القاصية والدانية حتى يكون بها من التجارات أكثر مما في البلدان التي خرجت التجارات منها إليها، وهي مدينة بني هاشم ودار مملكتهم ومحل سلطانهم، لم يستبد بها أحد قبلهم ولم يسكنها سواهم، وهي وسط الدنيا لأنها من الإقليم الرابع، وهو الإقليم الأوسط الذي يعتدل فيه الهواء في جميع الأزمان والفصول، فيكون الحر شديداً في أيام القيظ، والبرد شديداً في أيام الشتاء ويعتدل الفصلان الربيع والخريف. قال: وباعتدال الهواء وطيب الثرى وعذوبة الماء حسنت أخلاق أهلها ونضرت وجوههم وانفتقت أذهانهم حتى فضلوا الناس في العلم والفهم والنظر والتمييز والتجارات والحذق بكل مناظرة وإحكام كل مهنة وإتقان كل صناعة، فليس عالم أعلم من عالمهم ولا أروى من رواتهم ولا أجدل من متكلمهم ولا أعرب من نحويهم ولا أفصح من قارئهم ولا أمهر من طبيبهم ولا أحذق من مغنيهم ولا ألطف من صانعهم ولا أكتب من كاتبهم ولا أبين من منطيقهم ولا أعبد من عابدهم ولا أورع من زاهدهم ولا أفقه من حاكمهم ولا أخطب من خطيبهم ولا أشعر من شاعرهم ولا أفتك من ماجنهم. وكانت بغداد في أيام الأكاسرة قرية من قرى طسوج بادوريا، ومدينة الأكاسرة إذ ذاك المدائن، من مدن العراق وهي من بغداد على سبعة فراسخ وبها إيوان كسرى انوشروان، ولم تكن بغداد إلا ديراً على مصب الصراة، ولم يكن ببغداد لملك أثر قديم ولا حديث، أما ملك العرب فبدأ أولاً بالحجاز ثم استقر بدمشق من أيام معاوية رضي الله عنه لا يعرف بنو أمية غيرها، فلما جاء أبو العباس السفاح عرف فضل العراق وتوسطها في الدنيا وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله العباس فنزل الكوفة أول مدة ثم انتقل إلى الأنبار فبنى بأعلى شاطئ الفرات الهاشمية وتوفي قبل أن تستتم المدينة ثم كان من بنيان أبي جعفر لبغداد ما كان، ووضع الأساس وضرب اللبن العظام وحفرت الآبار، وعملت القناة التي من نهر كرخايا وهو الآخذ من الفرات وأجريت إلى داخل المدينة للشرب ولضرب اللبن، وجعل للمدينة أربعة أبواب: باب الكوفة وباب البصرة وباب خراسان وباب الشام، بين كل باب منها إلى الآخر خمسة آلاف ذراع بالذراع السوداء، وعلى كل باب منها بابا حديد عظيمان جليلان لا يغلق الباب الواحد منهما ولا يفتحه إلا جماعة رجال، يدخله الفارس بالعلم والرمح الطويل من غير أن يثنيه ولا يميله، وجعل عرض أساس السور تسعين ذراعاً ثم ينخرط حتى يصير في أعلاه خمس وعشرون ذراعاً وارتفاعه ستون ذراعاً مع الشرفات، وحول السور فصيل عظيم بين حائط السور وحائط الفصيل مائة ذراع، وبالفصيل أبرجة عظام وعليه الشرفات المدورة، وحد لهم أن يجعلوا عرض الشوارع خمسين ذراعاً وان يبنوا في جميع الأرباض والدروب من الأسواق والمساجد والحمامات ما يكتفي به أهل كل ناحية ومحلة، وأمرهم أن يجعلوا قطائع القواد والجند ذرعاً معلوماً وللتجار ذرعاً معلوماً يبنونه وينزلونه، ولسوقة الناس وأهل البلدان، وآخر ما بنى القنطرة الجديدة وبها أسواق كثيرة فيها سائر التجارات مادة متصلة ثم ربض وضاح مولى أمير المؤمنين المعروف بقصر وضاح حاجب خزانة السلاح وهناك أسواق، وأكثر من كان فيه في هذا الوقت القريب (2) الوراقون أصحاب الكتب فإن به أكثر من مائة حانوت للوراقين، والكرخ السوق العظمى مادة من قصر وضاح إلى سوق الثلاثاء طولاً مقدار فرسخين، وكل تجارة لها شوارع معلومة في تلك الشوارع حوانيت، وليس يختلط قوم بقوم ولا تجاور تجارة تجارة، وأحصيت الدروب والسكك فكانت ستة آلاف درب وسكة، وأحصيت المساجد فكانت ثلاثين ألف مسجد سوى ما زاد بعد ذلك، وأحصيت الحمامات عشرين ألف حمام سوى ما زاد بعد ذلك، وحفرت القناة التي تأخذ من الفرات في عقود وثيقة من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فتدخل المدينة وتنفذ في أكثر شوارعها، وشوارع الأرباض صيفاً وشتاء قد هندست هندسة لا ينقطع الماء منها في وقت، وقناة أخرى من دجلة على هذا المثال سماها دجيلاً، وجر لأهل الكرخ وما اتصل به نهراً يسمى نهر الدجاج لأن أصحاب الدجاج كانوا يقعدون عنده،

_ (1) كتاب البلدان (مع الأعلاق النفيسة) : 233، والمؤلف يوجز أحياناً في النقل. (2) يعني وقت اليعقوبي، إذ لا يزال المؤلف يلخص ما يورده عنه.

البغيبغة:

ونهر عيسى الأعظم الذي يأخذ من معظم الفرات تدخل فيه السفن العظام التي تأتي من الرقة يحمل فيها الدقيق والتجارات من الشام ومصر، وتصير إلى فرضة عليها الأسواق وحوانيت التجار لا تنقطع صيفاً ولا شتاء، ولهم الآبار التي يدخلها الماء من هذه القنوات، وإنما احتيج إلى هذه القنوات لكبر البلد وسعته، ولها فهم بين دجلة والفرات من جميع النواحي تتدفق عليهم المياه حتى غرسوا النخل الذي حمل من البصرة وغيرها فصار ببغداد أكثر منه بالبصرة والكوفة والسواد، وغرسوا الأشجار فأثمرت ثمرات عجيبة وكثرت البساتين والجنات في أرض بغداد من كل ناحية لطيب المياه وطيب الأرض، وعمل فيها كل ما يعمل في بلد من البلدان، لأن حذاق أهل الصناعات انتقلوا إليها من كل بلد وأتوها من كل أفق ونزعوا إليها من الأداني والأقاصي، فهذا الجانب الغربي من بغداد وهو جانب الكرخ وجانب الأرباض، وفي كل طرف منه مقبرة وقرى متصلة وعمارات مادة، والجانب الشرقي من بغداد نزله المهدي بن المنصور وهو ولي عهد أبيه وابتدأ بناءه سنة ثلاث وأربعين ومائة، واختط المهدي قصوره بالرصافة إلى جانب المسجد الجامع الذي بالرصافة وحفر نهراً يأخذ من النهروان سماه نهر المهدي يجري في هذا الجانب، واقطع المهدي اخوته وقواده بعد من اقطع في الجانب الغربي وهو جانب مدينته، وقسمت القطائع في هذا الجانب، وتنافس الناس في النزول مع المهدي لمحبتهم له ولتوسعته عليهم ولأنه كان أوسع الجانبين أرضاً. وفي الجانب الشرقي الذي نزله المهدي أربعة آلاف درب وسكة وخمسة عشر ألف مسجد سوى ما زاد الناس وخمسة آلاف حمام سوى ما زاد الناس بعد ذلك. قود وثيقة من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فتدخل المدينة وتنفذ في أكثر شوارعها، وشوارع الأرباض صيفاً وشتاء قد هندست هندسة لا ينقطع الماء منها في وقت، وقناة أخرى من دجلة على هذا المثال سماها دجيلاً، وجر لأهل الكرخ وما اتصل به نهراً يسمى نهر الدجاج لأن أصحاب الدجاج كانوا يقعدون عنده، ونهر عيسى الأعظم الذي يأخذ من معظم الفرات تدخل فيه السفن العظام التي تأتي من الرقة يحمل فيها الدقيق والتجارات من الشام ومصر، وتصير إلى فرضة عليها الأسواق وحوانيت التجار لا تنقطع صيفاً ولا شتاء، ولهم الآبار التي يدخلها الماء من هذه القنوات، وإنما احتيج إلى هذه القنوات لكبر البلد وسعته، ولها فهم بين دجلة والفرات من جميع النواحي تتدفق عليهم المياه حتى غرسوا النخل الذي حمل من البصرة وغيرها فصار ببغداد أكثر منه بالبصرة والكوفة والسواد، وغرسوا الأشجار فأثمرت ثمرات عجيبة وكثرت البساتين والجنات في أرض بغداد من كل ناحية لطيب المياه وطيب الأرض، وعمل فيها كل ما يعمل في بلد من البلدان، لأن حذاق أهل الصناعات انتقلوا إليها من كل بلد وأتوها من كل أفق ونزعوا إليها من الأداني والأقاصي، فهذا الجانب الغربي من بغداد وهو جانب الكرخ وجانب الأرباض، وفي كل طرف منه مقبرة وقرى متصلة وعمارات مادة، والجانب الشرقي من بغداد نزله المهدي بن المنصور وهو ولي عهد أبيه وابتدأ بناءه سنة ثلاث وأربعين ومائة، واختط المهدي قصوره بالرصافة إلى جانب المسجد الجامع الذي بالرصافة وحفر نهراً يأخذ من النهروان سماه نهر المهدي يجري في هذا الجانب، واقطع المهدي اخوته وقواده بعد من اقطع في الجانب الغربي وهو جانب مدينته، وقسمت القطائع في هذا الجانب، وتنافس الناس في النزول مع المهدي لمحبتهم له ولتوسعته عليهم ولأنه كان أوسع الجانبين أرضاً. وفي الجانب الشرقي الذي نزله المهدي أربعة آلاف درب وسكة وخمسة عشر ألف مسجد سوى ما زاد الناس وخمسة آلاف حمام سوى ما زاد الناس بعد ذلك. وانتقل المعتصم إلى سر من رأى في سنة ثلاث وعشرين ومائتين واتصل مقامه بها مدة حياته وأيام الواثق والمتوكل ولم تخرب بغداد ولا نقضت أسواقها لأنهم لم يجدوا منها عوضاً ولأنه اتصلت العمارة والمنازل بين بغداد وسر من رأى. قال أحمد بن أبي الطاهر: أخذ الطول من الجانب الشرقي من بغداد الأمير الناصر لدين الله عند دخوله مدينة السلام فوجد مائتي حبل وخمسين حبلاً وعرضه مائتي حبل وخمسة أحبل تكون ستة وخمسين ألف جريب ومائتين وخمسين جريباً، ووجد طول الجانب الغربي مائتين وخمسين حبلاً وعرضه خمسين حبلاً يكون ذلك سبعة عشر ألف جريب وخمسمائة جريب، فجميع ذلك ثلاثة وسبعون ألف جريب وسبعمائة جريب وسبعون جريباً. وحكى الهيثم بن عدي (1) أن المنصور لما جلس في قصره بباب الذهب أذن لرسل ملك الروم فدخلوا عليه فقال لرسول ملك الروم: هل ترى عيباً؟ قال: نعم عيوباً ثلاثة، قال: ما هي؟ قال: النفس خضراء ولا خضرة عندك، والحياة في الماء ولا ماء عندك، وعدوك مخالطك ومطلع على سرك، قال: أما الماء فحسبي منه ما بلغ الشفة، وأما الخضرة فللجد خلقت لا للعب، وأما السر فلا أبالي علم سري رعيتي أم ولدي وخاصتي، فأمسك الرومي عن الكلام. ثم تعقب أبو جعفر الرأي فرأى أن القول ما قال، فاتخذ العباسية وأجرى القناة من دجلة وأخرق السوق عن المدينة، فلما فعل ذلك وجلس في قصره بالخلد نظر إلى التجار من البزازين والصيرفي والقصاب وطبقات السوقة فتمثل بهذين البيتين: كما قال الحمار لسهم رام ... لقد جمعت من شتى لأمر جمعت حديدة وجمعت نصلاً ... ومن عقب البعير وريش نسر ثم قال: يا ربيع إن هذه العامة تجمعها كلمة وترأسها السفلة ولا أرينك معرضاً عنها فإن إصلاحها يسير وإصلاحها بعد إفسادها عسير فاجمعها بالرهبة واملأ صدورها بالهيبة وما استطعت من رفق بها وإحسان إليها فافعل. وفي هذا الذي ذكرناه من أولية بغداد كفاية وهي أعظم مما قيل وأشهر حالاً مما ذكر فلنقتصر على هذا القدر. ثم إن دولة بني العباس استمرت بها من مبايعة السفاح بالكوفة يوم الخميس لثلاث عشرة خلون من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة إلى أن ملكها الططر حين دخلوا العراق واستولوا على تلك الآفاق وقتلوا الخليفة المستعصم. البغيبغة: على التصغير، ضيعة وعين كانت لعلي بن أبى طالب رضي الله عنه ثم وقفها هي وعين أبي نيزر ونص كتاب الوقف: هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين (2) تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء المدينة وابن السبيل ليقي

_ (1) تاريخ بغداد 1: 78. (2) أول المادة سقط من ص ع، وقد أكملته اعتماداً على ما ورد في معجم ما استعجم 1: 658 وياقوت (يغيبغة) ، والكامل للمبرد 3: 206 - 209.

البقيع:

الله وجهه بهما حر النار يوم القيامة، لا تباعا ولا تورثا حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين إلا أن يحتاج إليهما الحسن والحسين رضي الله عنهما فهما طلق لهما ليس لأحد غيرهما. قال: فركب الحسين رضي الله عنه دين فحمل إليه معاوية رضي الله عنه في عين أبي نيزر مائتي ألف دينار فأبى أن يبيعها وقال: إنما تصدق بهما أبي ليقي الله بهما وجهه حر النار. وفي حديث الزبير رضي الله عنه بين أن الحسين رضي الله عنه نحل البغيبغة أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما حين رغبها في نكاح ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر وقد خطبها معاوية رضي الله عنه على ابنه يزيد. فلم تزل هذه الضيعة بأيدي بني جعفر حتى صار الأمر إلى المأمون فعوضهم منها وردها إلى ما كانت عليه وقال: هذه وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال موسى بن إسحاق بن عمارة: مررنا بالبغيبغة مع محمد بن عبد الله بن حسن وهي عامرة فقال: أتعجبون لها والله لتموتن حتى لا يبقى فيها خضراء ثم لتعيشن ثم لتموتن، قالوا: وكانت البغيبغة وغيقة وأذناب الصفراء مياهاً لبني غفار وبني ضمرة. البقيع (1) : وهي بقيع الغرقد، وهو مدفن أهل المدينة النبوية وفيه مدافن أكثر أهل المدينة، وهناك قبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو يلي باب المدينة الذي في جهة الشرق الذي وراء دار عثمان بن عفان رضي الله عنه وفيه يخرج إلى بقيع الغرقد هذا، قال الأصمعي: قطعت غرقدات في هذا الموضع حين دفن فيه عثمان بن مظعون رضي الله عنه فسمي بقيع الغرقد لهذا وقال الخليل: البقيع من الأرض موضع فيه أروم شجر وبه سمي بقيع الغرقد، والغرقد شجر كان ينبت هناك. وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما أوصى أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يخاف أن يراق في ذلك محجم من دم، فمنعه مروان حتى كادت الفتنة أن تقع وأبى الحسين رضي الله عنه إلا أن يدفن مع جده صلى الله عليه وسلم فكلمه عبد الله بن جعفر والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما فدفنه بالبقيع. بسطة (2) : مدينة بالأندلس بالقرب من وادي آش، وهي متوسطة المقدار حسنة الوضع عامرة آهلة حصينة ذات أسوار وبها تجارات وفعلة بضروب الصناعات وبينها وبين جيان ثلاث مراحل. وهي من كور جيان، وشجر التوت فيها كثير وعلى قدر ذلك غلة الحرير والزيتون وسائر الثمار بها على مثل ذلك من الكثرة، وأرضها عذاة كثيرة الريع، وبها كانت طرز الوطاء البسطي من الديباج الذي لا يعلم له نظير. وببسطة بركة تعرف بالهوتة (3) لا يدرك لها قعر وماؤها على قامة من شفيرها وبها جبل يعرف بجبل الكحل لا يزال ينشر منه كحل أسود يزيد بزيادة القمر وينقص بنقصانه لم يزل على ذلك من قديم الدهر. ومن بسطة إلى قوليه وهي آخر حوز جيان وأول أحواز تدمير، قال البكري (4) : جعلت بسطة مدينة مفردة من الجزء الرابع من قسمة قسطنطين، وهي مشهورة بالمياه والبساتين، وكان الأديب أبو الحسن على بن محمد بن شفيع (5) البسطي يقول: لو طبعت على الزهد لحملني حسن بلدي على المجون والعشق والراحات، وكان شاعر بسطة. بشام (6) : مدينة باليمن تخرح من ذمار على قرى متصلة حتى تأتي مدينة بشام وهي المنزل، وهي مدينة طيبة بها بيوت منقورة في صخرة طويلة طولها ثلثمائة ذراع في مثلها ثم تخرج منها فتنزل وادياً يقال له علان تقطعه حتى تأتي الجند. بست: مدينة من أعمال سجستان منها أبو الفتح البستي الأديب وإياها عنى بعض الشعراء بقوله: أكتاب بست كم تناحركم على ... كتابة بست وهي سخنة عين وخف حنين دون ما تطلبونه ... فكم بينكم في ذاك حرب حنين بسكرة (7) : من بلاد الزاب بأرض المغرب، وهي قاعدة تلك البلاد، وهي كبيرة كثيرة النخل والزيتون وأصناف الثمار، وعليها سور وخنادق وبها جامع ومساجد كثيرة وحمامات وحواليها بساتين كثيرة، وهي في غابة كبيرة مقدار ستة أميال، فيها أجناس من

_ (1) بعضه من معجم ما استعجم 1: 265. (2) بعضه عن الإدريسي (د) : 202؛ بروفنسال: 44، والترجمة: 56. (3) بروفنسال: بالقوبة. (4) ومن بسطة ... البكري: لم يرد عند بروفنسال. (5) ص: بن منيع. (6) البكري (كخ) : 67؛ ولعلها ((شبام)) . (7) البكري: 25، والاستبصار: 173.

بشرى:

التمر منها جنس يعرف بالكسبا وهو الصيحاني يضرب به المثل لفضله على غيره، وجنس آخر يعرف بالياوي (1) أبيض أملس، وكان عبيد الله الشيعي صاحب القيروان يأمر عماله بالمنع من بيعه ويبعث ما هناك منه إليه لطيبه وحسنه، وتعرف هذه البلدة ببسكرة النخل، ويشق غابة بسكرة نهر كبير ينحدر من جبل أوراس يسقي بساتينها ونخيلها وهو نحو ستة أميال في غابة متصلة بالمدينة سوى غابات كورها وقراها. وحول بسكرة أرباض خارجة عن الخندق. وبسكرة دار فقه وعلم كثير وفيها العلماء وأهلها على مذهب أهل المدينة ولها من الأبواب باب المقبرة، وباب الحمام، وباب ثالث يسكنه المولدون. وحولها من قبائل البربر سدراتة ومغراوة. وداخل بسكرة آبار عذبة منها في الجامع بئر لا تنزف وداخل المدينة جنان يدخل إليها الماء من النهر، وبها جبل ملح يقطع منه كالصخر الجليل ومنه كان عبيد الله الشيعي وبنوه يستعملون في أطعمتهم وتعرف ببسكرة النخل (2) . ومن قرى بسكرة قرية ملشون منها كان أبو عبد الملك الملشوني، كان فقيهاً عالماً يحمل عنه العلم وهو الذي أخبر أن في طريق بسكرة جبلاً فيه كهف فيه رجل قتيل لم يعرف أحد من أي عهد هو ولم تغيره الدهور ولا تقادم الأزمان كأنما جراحه تقطر دماً، ويخبر الكافة عن الكافة والخلف عن السلف أنهم كذا عرفوه مذ كانوا، وقد نقله أهل تلك النواحي ودفنوه بأفنيتهم تبركاً به ثم لم يلبثوا أن وجدوه في الكهف على حاله، حدث بذلك ثقات أهل تلك النواحي، ويقال إنه من الحواريين، قيل إن هذا القتيل في شق جبل في شرقي عين أوبار (3) وهي عين عظيمة بين مدينة مرماجنة ومدينة سبيبة، وذكر أنه بجبل لواتة وأنه كأنما ذبح من يومه وأنه هناك من قبل فتح إفريقية. بسطام (4) : من عمل قومس مدينة حسنة عليها سور تراب، وبها أسواق عامرة وجبايات قائمة، ومنها أبو يزيد البسطامي واسمه طيفور بن عيسى بن شوشان، كان من قدماء مشايخ القوم، له كلام حسن في المعاملات وأحوال سنية وفراسة حادة ورياضة لأصحابه حسنة؟ قال الجنيد: كان الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا. ومات سنة إحدى وستين ومائتين ابن ثلاث وتسعين سنة وله أخوان آدم أكبر منه وعلي أصغر منه وكانا أيضاً زاهدين عابدين. بشنتار (5) : مدينة بالصين فيها رئيس من قبل البغبوغ وله خيول ورجال وحشم وعبيد وملك عظيم وهو يقاتل الترك الداخلين إليه، ممن يجاوره منهم. بشرى (6) : من مدن نفزاوة وهي مدينة مسورة قديمة لها غابة كبيرة، وهي كثيرة النخل والزيتون وجميع الفواكه. بهرسير (7) : بالعراق، والمدائن على مسافة يوم من بغداد ويشتمل مجموعها على مدائن متصلة مبنية على جانبي دجلة شرقاً وغرباً، ودجلة يشق بينها ولذلك سميت المدائن فالغربية منها هذه التي تسمى بهرسير والشرقية تسمى العتيقة وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه، ويتصل بهذه المدينة العتيقة المدينة الأخرى التي كانت الملوك تنزلها وفيها إيوان كسرى العجيب الشأن الشاهد بضخامة ملك بني ساسان، ويقال إن سابور ذا الأكتاف منهم هو الذي بناه. بهنسى (8) : مدينة بصعيد مصر في الجهة الغربية من الخليج الخارج من معظم النيل، وهي عامرة بالناس جامعة لأمم شتى، ومن هذه المدينة إلى مصر سبعة أيام، وبهذه المدينة تعمل الستور البهنسية وتنسج الطرز والمقاطع السلطانية والمضارب الكبار والثياب المتخيرة ويقيم بها التجار الستور الثمينة طول الستر ثلاثون ذراعاً وأزيد وأنقص، قيمة الاثنين منها مائتا مثقال وأكثر من ذلك وأقل، ولا يصنع فيها شيء من الستور والأكسية وسائر الثياب من الصوف والقطن إلا وفيها اسم المتخذ له (9) مكتوباً على ذلك مطرزاً (10) جيلاً بعد جيل، وهذه الأكسية والفرش مشهورة في جميع الأرض.

_ (1) البكري والاستبصار: باللياري. (2) هكذا كرره هنا. (3) البكري: عين أربان، الاستبصار: عين أوبان. (4) ياقوت (بسطام) والكرخي: 124. (5) كذا وردت، وفي نزهة المشتاق: 71 بشهيار، وكذلك هي في جنى الأزهار: 21. (6) عند اليعقوبي: 350 بشرة؛ والمؤلف متابع للاستبصار: 157. (7) راجع في ما تقدم مادة ((أبيض المدائن)) . (8) الإدريسي (د) : 50، وجتى الأزهار: 10. (9) الإدريسي: إلا وفيها اسم الطرز المتخذة بها كانت من طرز الخاصة أو من طرز العامة سمة مكتوبة فعلها الجيل المتقدم وتبعهم على ذلك من خلفهم. (10) ص ع: مصراً.

بورى:

بورى (1) : في أسفل الديار المصرية، في سنة عشر وستمائة وصل العدو إليها بشوانيه فسباها كما فعل في قره، وكان حلق رشيد قد حرس بالقطائع المصرية فعدل عنها إلى هذا المكان. بونة (2) : من بلاد إفريقية قريبة من فحص قل وهي مدينة قديمة من بناء الأول وبها آثار كثيرة، وهي على ساحل البحر في نشز من الأرض مشرف على البحر وعلى فحوصها وقراها، وهي من أنزه البلاد وأكثرها لبناً ولحماً وعسلاً وحوتاً، والبحر يضرب في سورها وفيها بئر على ضفة البحر منقورة في حجر صلد وماؤها أعذب ماء وأنقعه (3) منها يشرب أكثر أهلها لعذوبته، وبغربي هذه المدينة ماء سائح يسقي بساتينها وأرضها، وموضع جناتها متنزه حسن مشرف على البحر، ويطل على بونة جبل زغوغ وهو كثير الثلج والبرد، وببونة مساجد وأسواق وحمام، وهي ذات ثمر وزرع، وقد سورت بونة بعد الخمسين والأربعمائة. ومن العجائب أن في هذا الجبل مسجداً لا ينزل عليه من ذلك الثلج شيء وإن عم الجبل كله. وأكثر لحمان أهل بونة البقر إلا أنها يصح بها السودان ويسقم البيضان. وحول بونة قبائل كثيرة من البربر مصمودة وأوربة وغيرهما، وأكثر تجارها أندلسيون. ومستخلص بونة غير جباية بيت المال عشرون ألف دينار. وبغربي مدينة بونة بركة في دورها نحو عشرة أميال فيها سمك جليل كثير، وفيها طائر يعرف بالكيكل وهو يعشش على وجه الماء ويفرخ، فإن أحس بحيوان في البر أو إنسان يروم أخذه أخذ عشه بفراخه برجليه حتى يصير في وسط البركة حيث يأمن، وهو طائر حسن وهو الذي يسمى بمصر الغطاس (4) ، وتتخذ مصر من جلوده الفراء لأمنها (5) وجمالها وتباع بالأثمان الغالية. ومرسى بونة من المراسي المشهورة، وبونة في جون من البحر يسمى جون الأزقاق وهو صغير ربما عطبت فيه المراكب، وتسمى بونة بلد العناب لكثرة العناب فيها، ومنه خشب سقوفهم ووقودهم ومنه جميع ما يتصرفون فيه. وفي بونة دفن ملك إفريقية الأمير الأجل أبو زكريا ابن الشيخ الأجل المجاهد أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص رحمه الله (6) وإنه كان تحرك من حضرته تونس في تاسع صفر من سنة سبع وأربعين وستمائة ومعه ولي عهده ابنه أبو عبد الله محمد المستنصر بالله أمير المؤمنين فلما انتهى إلى قسنطينة مرض بها المرض الذي توفي منه وكان أبل منه وطمع له في البرء، وكتب بذلك إلى تونس وتوجه إليه منها الطلبة وغيرهم يهنئونه بالبرء من مرضه وقالت الشعراء في ذلك ثم عاوده مرضه فمات منه ليلة يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وستمائة وصلي عليه عصر يوم الجمعة فقرر أخوه أبو عبد الله اللحياني الولاية لابنه المستنصر فبايعه الناس هناك بيعة مجددة ثم جهز إلى روضته وحمل إلى بونة فدفن بجامعها بازاء قبر الشيخ الصالح الولي أبي مروان الفحصلي وهو ابن تسع وأربعين سنة وفي ذلك قال أبو عمرو عثمان بن عربية (7) : ليت شعري عن الخليفة يحيى ... وإلى ليت يستريح الحزين قفل الجيش سالمين ويحيى ... بالمصلى من بونة مدفون وقيل في ذلك من المراثي والأقوال المبكية نظماً ونثراً ما لا يسعه المختصر. البونت (8) : هي قرية من أعمال بلنسية ينسب إليها صاحب الوثائق المجموعة عبد الله بن فتوح بن عبد الواحد (9) . بونية (10) : هي قاعدة مدن لنقبردية، وهي مدينة مبنية بالحجر والآجر والكلس كبيرة جداً كثيرة الأهل تنفجر داخلها العيون وهي على نهر يجتمع تحتها بمقدار نصف ميل بنهر آخر، وفي هذه المدينة قصر حسن على بابه صورة فارس من نحاس متناهية

_ (1) خطط المقريزي 1: 181 - 182، واليعقوبي: 338 (بورة) وكذلك الإدريسي (د) : 157، وقاموس رمزي 1: 176. (2) الاستبصار: 127، والبكري: 54، والإدريسي (د/ ب) : 116/ 85. (3) ع: وامنعه؛ ص: وامتعه، الاستبصار: وأنفقه. (4) الاستبصار: الخواص. (5) الاستبصار: للينها، وهي غير واضحة في ص. (6) انظر الفارسية 107 - 114، وتاريخ الدولتين: 24، والبيان المغرب 3: 393 (تطوان) . (7) هو أبو عمرو عثمان بن عتيق به عثمان القيسي المعروف بابن عربية، ولد بالمهدية سنة 600 وتوفي بتبرسق سنة 659 (رحلة التجاني 375 - 379) . (8) ص ع، البونة؛ بروفنسال: 56، والترجمة: 71. (9) ترجمة في الصلة؛ 271، وكانت وفاته سنة 462. (10) كذا في ع: وفي ص: بوية، ولعل الصواب: بوبيه، وهي التي ترد عنه الإدريسي باسم بابيه (Pavia) ، وقد كانت هذه المدينة عاصمة اللمبارديين (لنقبردية) .

البويب:

العظم بعثها في الدهر القديم ملك القسطنطينية إلى بلد لنقبردية. وبهذه البلدة ثلثمائة فقيه من المسلمين وعندهم يتحاكم أهل لنقبردية وهم يعقدون لهم وثائق أشريتهم وبيوعهم، وفيها من المسلمين تجار أغنياء عددهم أزيد من أربعمائة ولهم مبان سرية ومتاجر قوية ولذلك صار المتوجهون من التجار والحاج إلى رومة لا بد لهم من بونية. بوليه: مدينة على البحر الشمالي، وهو بحر لا يركبه أحد لغلظ جوهر مائه وظلمته وتكاثف الهواء عليه. البويب (1) : موضع بالعراق قريب من الكوفة فيه كانت وقيعة بين المسلمين والأعاجم أيام عمر رضي الله عنه بعد وقعة جسر أبي عبيد رحمه الله، فإنه لما بلغ عمر والمسلمين مقتل أبي عبيد والمسلمين يوم الجسر أهمهم ذلك وحركهم، فاستخلف عمر رضي الله عنه على المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وخرج فنزل بصرار يريد أرض فارس وقدم طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فنزل الأعوص فدخل عليه العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم فأشاروا عليه بالمقام وقالوا: شاور الناس، فكتب إلى علي وطلحة رضي الله عنهما فقدما عليه فجمع الناس وقال: إني نزلت منزلي هذا وأنا أريد العراق فصرفني عن ذلك قوم من ذوي الرأي منكم، وقد أحضرت هذا الأمر من خلفت ومن قدمت فأشيروا علي، فقال علي رضي الله عنه: أرى أن ترجع إلى المدينة وتكتب إلى من هناك من المسلمين أن يدعوا من حولهم ويحذروا على أنفسهم، وقد قدم قوم من العرب يريدون الهجرة فقدمهم إليهم فتكون دار هجرة لهم حتى إذا كثروا وليت أمرهم رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل السابقة والقدم. فانصرف عمر رضي الله عنه إلى المدينة وكتب إلى المثنى بن حارثة بأن يدعو من حوله ولا يقاتل أحداً حتى يأتيه المدد وقدم من الأزد وبارق وغامد وكنانة سبعمائة أهل بيت فسيرهم إلى العراق فشخصوا إلى الكوفة فقدموا على المثنى بن حارثة فأقبل بهم حتى نزلوا العذيب وقدم أربعمائة أهل بيت من كندة والسكون فيهم الأشعث بن قيس ومعاوية بن حديج وشرحبيل بن السمط وقدم ألف أهل بيت فيهم ثلثمائة بيت من النخع، ثم قدم المدينة ألف أهل بيت من همدان فقالوا لعمر رضي الله عنه: خر لنا، قال: أرض العراق، قالوا: بل الشام، قال: بل العراق، فصرفوا ركابهم إلى العراق وقدمت بجيلة فيهم جرير بن عبد الله وهم أربعة آلاف وقيل ألفان، ففصلوا إلى العراق ممدين إلى المثنى بن حارثة ثم تتابعت الإمداد فنزلوا العذيب بالعيال وهم قبائل اليمن والحجاز والأزد ثم حضرموت وكندة، ثم النخع ومراد ثم همدان ثم بجيلة ثم جاءت قبائل الحجاز وأهل البوادي من تميم وبكر، وجاءت طيء عليها عدي بن حاتم، وجاءت أسد وقيس والرباب وضبة وحنظلة وطوائف من سعد والنمر بن قاسط. ووجه يزدجرد مهران بعد وقعة الجسر وأمره أن يبث المسالح إلى أدنى أرض العرب ويقتل كل عربي قدر عليه، فخرج مهران في الجنود يريد الحيرة، وبلغ المثنى الخبر وهو معسكر بمرج السباع ما بين القادسية وخفان، فاستبطن فرات باذقلى، وأرسل إلى جرير رضي الله عنه ومن معه: قد جاءنا أمر لن نستطيع معه المقام حتى يقدموا علينا فعجلوا اللحاق بنا وموعدكم البويب ومهران من وراء الفرات بازائه. واجتمع عسكر المسلمين على البويب مما يلي موضع الكوفة اليوم وعليهم المثنى وهم بازاء مهران وعسكره، فكاتبه مهران إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم، فقال المثنى: اعبروا، فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات، فقال المثنى للناس: انهدوا لعدوكم، فتناهدوا ومهران في ثلاثة عشر ألف معه ثلاثة فيلة، فقدموا فيلتهم واستعدوا للحرب، وأقبلوا إلى المسلمين في ثلاثة صفوف، مع كل صف فيل ورجلهم أمام فيلهم وجاءوا لهم زجل، فقال المثنى للمسلمين: إن الذي تسمعون فشل فالزموا الصمت وائتمروا همساً، والمسلمون أربعة آلاف وثمانمائة، وقيل ستة آلاف، وعبأ المثنى الجيش فصير مضر وربيعة في القلب وصير اليمن ميمنة وميسرة وقال: يا معشر المسلمين قد قابلت العجم والعرب بمائة من العرب كانوا أشد علي من ألف من العجم، إن الله تعالى قد أذهب مصدوقتهم وأوهن كيدهم فلا يهولنكم سوادهم، إن للعجم قسياً بحاً وسهاماً طوالاً هي أغنى سلاحهم عندهم، فلو قد لقوكم رموكم بها فإذا أعجلوا عنها وأنفدوها فهم كالبهائم أينما وجهتموها توجهت فتترسوا والزموا مصافكم واصبروا لشدة أو شدتين ثم أنتم الظاهرون إن شاء الله تعالى. وركب يومئذ فرساً ذنوباً أدهم يدعى الشموس للين عريكته وطهارته، وكان لا يركبه إلا لقتال ويودعه ما لم يكن قتال، ومر على الرايات يحض القبائل، وقد صفوا صفوفهم، وقال: الزموا الصمت فإني مكبر ثلاث تكبيرات فإذا كبرت الثالثة فاحملوا، ومر على الرايات

_ (1) بعض هذه المادة في الطبري 1: 2184 وما بعدها، ولكن المؤلف ينقل عن مصدر آخر.

بويرة:

راية راية يحرضهم ويهزهم بأحسن ما فيهم ويكلمهم، وأنصف في القول والفعل، وخالط الناس في المكروه والمحبوب، فلم يستطع أحد أن يعيب له قولاً ولا عملاً، وانه ليحضهم إذ شدت كتيبة من العجم على الميسرة فيها بكر وكندة، فقال المثنى: إن الخيل تنكشف ثم تكر، يا معشر طيء الزموا مصافكم واغنوا ما يليكم واعترض الكتيبة التي كشفتهم بخيل كانت معه فمنعهم من اتباعهم وقاتلهم فثارت عجاجة بينهم ورجع أهل الميسرة فأقبلت الميمنة نحو المثنى وقد انكشف العدو عنه وسيفه بيده وقد جرح جراحات وهو يقول: اللهم عليك تمام النصر، هذا منك فلك الحمد، وكانت هزيمة المشركين فاتبعهم المسلمون حتى انتهوا إلى نهر بني سليم، ثم كروا على المسلمين وركدت الحرب بينهم ملياً فما تسمع إلا هرير الرجال وحمل المثنى على مهران فأزاله حتى دخل في ميمنته، ثم خالطوهم واجتمع القلبان وارتفع الغبار والمجنبات تقتتل لا يستطيعون أن يفرغوا لنصر أميرهم لا المسلمون ولا المشركون وأوجع قلب المسلمين في قلب المشركين والمجنبات قد هد بعضها بعضاً، فلما رآه المسلمون قد أزال القلب وأفنى أهله قويت مجنبات المسلمين على المشركين وجعلوا يردون الأعاجم على أدبارهم، وجعل المثنى والمسلمون في القلب يدعون لهم بالنصر ويرسل إليهم من يذمرهم ويقول: إن المثنى يقول لكم عادتكم في أمثالهم، انصروا الله ينصركم حتى هزموا القلب ودارت بينهم رحى الحرب (1) ، وأخذت جرير بن عبد الله رضي الله عنه الرماح فنادى: واقوماه، أنا جرير، فقاتلت عنه جماعة من قيس حتى خلص، وأحصي يومئذ مائة من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة في المعركة، وأبصر جرير بن عبد الله رضي الله عنه مهران يقاتل فحمل عليه جرير والمنذر بن حسان فقتلاه، طعنه المنذر فأرداه عن دابته وقد وقذه فنزل إليه جرير رضي الله عنه فاحتز رأسه، وقيل في قتله غير هذا، وهزم المشركون فأتوا الفرات فاتبعهم المسلمون فانتهوا إلى الجسر وقد عبرت طائفة من المشركين الجسر فحالوا بين الباقين وبينه فأخذوا يميناً وشمالاً فقاتلهم المسلمون حتى أمسوا واقتحم طائفة الفرات فغرق بعضهم ونجا بعض، ورجع المسلمون عنهم حين أمسوا فلما أصبحوا عقدوا الجسر وأكثروا القتل فيهم حتى جعلوهم جثاً فما كانت وقعة أبقى رمة منها، وكانوا يحزرونها مائة ألف. ز رأسه، وقيل في قتله غير هذا، وهزم المشركون فأتوا الفرات فاتبعهم المسلمون فانتهوا إلى الجسر وقد عبرت طائفة من المشركين الجسر فحالوا بين الباقين وبينه فأخذوا يميناً وشمالاً فقاتلهم المسلمون حتى أمسوا واقتحم طائفة الفرات فغرق بعضهم ونجا بعض، ورجع المسلمون عنهم حين أمسوا فلما أصبحوا عقدوا الجسر وأكثروا القتل فيهم حتى جعلوهم جثاً فما كانت وقعة أبقى رمة منها، وكانوا يحزرونها مائة ألف. بورة (2) : مدينة على ضفة البحر الهندي، وهي آخر بلاد الكفرة الذين لا يعتقدون شيئاً بل يدهنون الأحجار بدهن السمك ويسجدون لها فهذه عبادتهم، وهي كثيرة النخل والتجارات متصلة العمارات وافرة الحنطة وبها أرز وشجر مقل شهي للأكل. بويرة (3) : مدينة عظيمة من مدن الأفرنج، قالوا: ولهم من المدن نحو من مائة وخمسين مدينة غير العمائر والكور، وقد كانت مملكتهم قبل ظهور الإسلام بإفريقية وصقلية واقريطش. والافرنجة أكثر الناس عدة وأحسنهم انقياداً لملوكهم وأكثرهم مدناً، والافرنجة والصقالبة والنوكبرد وأشبان ويأجوج ومأجوج والترك والخزر وبرجان واللان والجلالقة كل هؤلاء من ولد يافث بن نوح. وبويرة (4) أيضاً في تيماء، قالوا: أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع زهو البويرة فنزل الله تعالى: " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله " وقال حسان: لهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير بوصير (5) : قرية من قرى الفيوم بصعيد مصر، إليها انهزم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر خلفاء بني أمية فقتله عامر بن إسماعيل من أهل خراسان سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وكان قال حين وصل إلى بوصير: نحن ببوصير والى الله المصير. وكان صالح بن علي دخل في طلب مروان ومعه عامر بن إسماعيل المذحجي فلحقوه بمصر وقد نزل بوصير فهجموا على عسكره وضربوا الطبول وكبروا ونادوا: يا ثارات إبراهيم، فظن من في عسكر مروان أن قد أحاط بهم سائر المسودة فقتل مروان، قتله عامر بن إسماعيل وأراد الكنيسة التي فيها بنات مروان ونساؤه فإذا بخادم لمروان شاهر السيف يريد الدخول عليهن، فأخذوا الغلام

_ (1) ص ع: القلب. (2) في نزهة المشتاق: 22 بروة. (3) البكري (ح) : 138، 137. (4) معجم ما استعجم 1: 285. (5) مروج الذهب 6: 76، وصبح الأعشى 3: 377.

بوشنج

فسئل عن أمره فقال: أمرني مروان إذا هو قتل أن أضرب رقاب بناته ونسائه فلا تقتلوني فإنكم والله إن قتلتموني ليفقدن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: انظر ما تقول، قال: إن كذبت فاقتلوني، هلموا فاتبعوني، فأخرجهم من القرية إلى موضع رمل فقال: اكشفوا هاهنا، فكشفوا فإذا البرد والقضيب وقعب ومخصر قد دفنها مروان لئلا تصير إلى بني هاشم، فوجه بها عامر بن إسماعيل إلى عبد الله بن علي، فوجه بها عبد الله بن علي إلى أبي العباس السفاح فتداولتها خلفاء بني العباس إلى أيام المقتدر، فيقال إن البرد كان عليه يوم قتل. ثم وجه عامر بن إسماعيل ببنات مروان وجواريه والأسارى إلى صالح بن علي، فتكلمت ابنة مروان الكبرى فقالت: يا عم أمير المؤمنين حفظ الله لك من أمرك ما تحب حفظه وأسعدك في الأمور كلها بخواص نعمه وعلمك بالعافية في الدنيا والآخرة، نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمك فليسعنا من عدلكم ما وسعكم من جورنا، قال: إذاً لا نستبقي منكم أحداً رجلاً ولا امرأة، قالت: يا عم أمير المؤمنين فليسعنا عفوكم إذاً، قال: أما العفو فنعم قد وسعكم، فإن أحببت زوجتك من الفضل بن صالح بن علي وزوجت أختك من أخيه، قالت: يا عم أمير المؤمنين وأي أوان عرس هذا فلتلحقنا بحران، قال: أنا أفعل ذلك إن شاء الله تعالى، فألحقهن بحران. واتصل بأبي العباس السفاح ما كان من عامر بن إسماعيل وقتله لمروان ببوصير وقد قيل إن ابن عم لعامر يقال له نافع قتله في تلك الليلة في المعركة وهو لا يعرفه وان عامراً لما احتز رأسه واحتوى على عسكره دخل الكنيسة التي كان فيها مروان فقعد على فرشه وأكل من طعامه، فخرجت إليه ابنة مروان الكبرى وتعرف بأم مروان، فقالت: يا عامر، إن دهراً أنزل أمير المؤمنين عن فرشه حتى أقعدك عليه فأكلت من طعامه واحتويت على أمره وحكمت في مملكته لقادر أن يغير مآربك، فاغتاظ السفاح من ذلك وكتب إليه: ويلك، أما كان لك في أدب الله عز وجل ما يزجرك عن أن تأكل من طعام مروان وتقعد على مهاده وتتمكن من وساده!! أما والله لولا أن أمير المؤمنين تأول ما فعلت على غير اعتقاد منك لذلك والشهوة لمسك من غضبه وأليم أدبه ما يكون لك زاجراً ولغيرك واعظاً، فإذا أتاك كتاب أمير المؤمنين فتقرب إلى الله عز وجل بصدقة تطفئ بها غضبه وصلاة تظهر بها الاستكانة وصم ثلاثة أيام ومر جميع أصحابك أن يصوموا مثل صيامك. فلما جيء برأس مروان ووضع بين يدي أبي العباس السفاح سجد فأطال ثم رفع رأسه فقال: الحمد لله الذي لم يبق ثأري قبلك وقبل رهطك، الحمد لله الذي أظفرني بك وأظهرني عليك، ثم قال: ما أبالي متى طرقني الموت وقد قتلت بالحسين وبني أبيه من بني أمية مائتين وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي وقتلت مروان بأخي إبراهيم، وتمثل: لو يشربون دمي لم يرو شاربهم ... ولا دماؤهم جمعاً ترويني ثم حول وجهه إلى القبلة فأطال السجود ثم جلس وقد أسفر وجهه وتمثل بقول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه من أبيات له: أيا قومنا إن تنصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما تدرين من أشياخ صدق تقدموا ... بهن إلى يوم الوغى متقدما إذا خالطت هام الرجال تركنها ... كبيض نعام في الوغى قد تحطما بوصا: جزيرة بأرض الهند أهلها ألوانهم إلى البياض، وفي نسائهم جمال، وفيهم نجدة وبأس شديد. وربما قطعوا على الناس في مراكب لهم سابقة في الجري؛ وإنما يفعلون ذلك إذا كانوا مع الصينيين في خلاف ولم تكن بينهم هدنة. بومنجكث (1) : هي أعظم مدن أشروسنة، وهي مدينة جليلة، وينزلها الولاة والعمال، وعليها سور حصين ولها في وسطها نهر كبير عليه أرحاء. ومعظم أسواقها في الربض الخارج عنها، وسور الربض مشتمل على ثلاثة أميال، وعلى ذلك بساتين وزروع وكروم، ولها مسجد جامع. وموضع هذه المدينة في ظهر جبل من اشروسنة وبومنجكث قاعدتها. بوشنج (2) من مدن هراة، وهي في القدر نصف هراة. وهراة في مستو من الأرض وفيها من المدن خركود وغيرها. وبوشنج نصف مدينة هراة ومنها إلى الجبل نحو فرسخين، وإذا

_ (1) نزهة المشتاق: 216، وابن حوقل: 413 - 414 بومجكث. (2) نزهة المشتاق: 142، وابن حوقل: 368.

بيانة:

مررت من بوشنج إلى هراة سرت في سواد بوشنج، وقرى متصلة، إلى أن تقرب من هراة. بوغرات (1) : مدينة في آخر عمل غانة من بلاد السودان، فيها فخذ من صنهاجة، قالوا: وفي هذا البلد طائر يشبه الخطاف يفهم من صوته كل سامع إفهاماً لا يشوبه لبس: قتل الحسين، قتل الحسين يكررها مراراً. ثم يقول: بكربلا، مرة واحدة، وهذا مشهور عندهم. بيانه (2) : بالأندلس من أعمال قرطبة، وهي من مدن قبرة وعلى يمين الطريق الذاهب من قرطبة وشرقي قبرة، بينهما عشرة أميال، وهي على ربوة من الأرض طيبة التربة، كثيرة المياه السائحة، ولها حصن منيع، وبها جامع بناه الإمام عبد الرحمن ومنبر. وكانت قبل الفتنة من غرر البلدان، وكان بها أسواق عامرة وحمامات. وهي كثيرة البساتين والكروم والزيتون، وهي على نهر مربلة يأتيها من جهة القبلة، وهو نهر كبير، عليه الأرحاء الكثيرة. ومن بيانة قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف بن ناصح بن عطاء البياني مولى الوليد بن عبد الملك، سمع بقرطبة من بقي بن مخلد وغيره، وبمكة من جماعة، وبالعراق من أحمد بن زهير بن حرب وهو ابن أبي خيثمة، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة ومحمد بن يزيد المبرد وثعلب وغيرهم. البيلقان (3) : مدينة دون برذعة على طريق العراق وهي من عمل الران، دخلها الططر عنوة سنة ثمان عشرة وستمائة، فلم يبق الططر على كبير منهم ولا صغير ولا امرأة، وكانوا إذا رأوا امرأة حسناء فجروا بها ثم قتلوها. بيانة (4) : مخفف، قرية من قرى البصرة منها أحمد بن عبد الله البياني، قال: أنشدني الزبير بن بكار: عتاب ليس ينقطع ... وعذر ليس يستمع ومقتدر على قتلي ... وهجراني له ولع يواصل ثم يهجرني ... ويدنو ثم يمتنع بيهق (5) : مدينة من أعمال نيسابور، سرح ابن عامر إليها الأسود بن كلثوم العدوي من عدي الرباب، ففتحها. وهي من أبرشهر على ستة عشر فرسخاً، وقتل الأسود، وكان فاضلاً في دينه، وكان بعضهم (6) يقول: ما أسفي من العراق على شيء إلا على ظمأ الهواجر، وتجاوب المؤذنين واخوان مثل الأسود بن كلثوم. ومنها البيهقي الإمام والمحدث. وقصبة بيهق يقال لها خسروجرد. بينون (7) وسلحين وغمدان: من حصون اليمن التي كان هدمها أرياط ملك الحبشة، ولم يكن في الناس مثلها، وفيها يقول ذو جدن الحميري: هونك لن يرد الدمع ما فاتا ... لا تهلكن أسفاً في اثر من ماتا أبعد بينون لا عين ولا أثر ... وبعد سلحين يبني الناس أبياتا بيسان (8) : مدينة بالشام صغيرة جداً وتنسب الخمر الطيبة إليها، قال الأخطل (9) : وجاءوا ببيسانية هي بعدما ... يعل بها الساقي ألذ وأسهل ويقال إن الموضع الذي قتل فيه جالوت كان بيسان من أرض الغور من بلاد الأردن. ومنها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني كاتب صلاح الدين يوسف بن أيوب والغالب عليه، ذو الترسل البليغ. وينبت ببيسان السامان الذي تعمل منه الحصر السامانية لا يوجد نباته إلا بها وليس في سائر الشام شيء منه. وقال عطية بن قيس الكلابي: وافقني زرعة بن إبراهيم اليهودي فنزلنا بيسان فقال:

_ (1) البكري: 181. (2) بروفنسال: 59، والترجمة: 74 (Baena) . (3) انظر ابن الأثير 12: 382، وياقوت (البيلقان) ، ومعجم ما استعجم 1: 297. (4) انظر ياقوت (بيان) . (5) الطبري 1: 2887. (6) هو عامر بن عبد الله (أو عبد قيس) العنبري. (7) البكري (مخ) : 65 وانظر الإكليل 8: 54، 48، 3، وياقوت (بينون) . (8) معجم ما استعجم 1: 292، وياقوت (بيسان) . (9) ديوان الأخطل: 3.

بيشة:

ألا أريك شيئاً حسناً، فانحدر إلى البحر فأخذ ضفدعاً، فجعل في عنقها شعرة من ذنب فرس، فحانت مني التفاتة فإذا هو خنزير، في عنقه حبل؛ ثم مشى، فدخل به بيسان، فباعه من بعض الأنباط بخمسة دراهم، ثم ارتحلنا، فسرنا غير بعيد، فإذا الأنباط يتعادون في أثرنا، فقلت: قد أتاك القوم، قال: فأقبل منهم رجل جسيم، فرفع يده فلكمه في أصل لجيته، فصرعه عن الدابة، فإذا برأسه معلق بجلده من رقبته، وأوداجه تشخب دماً. فقلت: قتلتم الرجل. فمضى القوم يتعادون هاربين. فقال لي الرأس: انظر، مروا؟. فقلت: نعم، قال: انظر، أمعنوا؟ فذهبت أنظر إليهم، ثم التفت فإذا هو جالس ليس به بلية. وبيسان (1) : أيضاً بالحجاز. وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بماء يقال له بيسان في غزوة ذي قرد، فسأل عنه فقيل: اسمه بيسان، وهو ملح. فقال: " هو نعمان وهو طيب "، فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وغير الله تعالى الماء، واشتراه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ثم تصدق به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنت يا طلحة إلا فياض " فبذلك سمي الفياض. وقال جابر بن حيوة لعروة بن رويم: اذكر لي رجلين صالحين من أهل بيسان، فبلغني أن الله تعالى اختصهم برجلين من الأبدال لا ينقضي منهم رجل إلا أبدل الله تعالى مكانه رجلاً، لا تذكر لي متماوتاً ولا طعاناً على الأئمة فإنه لا يكون منهم الأبدال. بيشة (2) : واد من أودية تهامة. وبيشة السماوة مأسدة معروفة. بيش (3) : من قواعد بلاد الروم، مشهورة الذكر، كثيرة القطر، عامرة الأسواق والديار، كثيرة البساتين والجنات، متصلة الزراعات، معاقلها كثيرة، وأرضها خصبة، ومياهها مغدودقة، وآثارها عجيبة، ولأهلها مراكب واستعداد لركوب البحر وقصد البلاد. وهي على نهر يأتي إليها من جبل بناحية انكبرده وهو نهر كبير عليه الأرحاء والبساتين. بياش (4) : موضع أو قرية بالبلاد الإفريقية بين القيروان وتونس. فيه كان قتل محمد بن سليمان القوبع التجيبي (5) الخارج بتونس على محمد بن الأغلب، وكان ولاه عليها، فنبذ طاعته، وخالف عليه، وشرع في قتل الجند، فكتب إليه محمد بن الأغلب يعظه ويحضه على الطاعة، فلم يقبل. فوجه إليه جيشاً عليهم محمد بن موسى معه فيه جماعة من وجوه الجند فيهم تمام بن تميم التميمي، فلما صاروا إلى الموضع المعروف بطبريق زحف إليهم القوبع من تونس، فالتقوا وعثر بتمام فرسه، فسقط وأخذ أسيراً، فأتي به القوبع، فأحب أن يستبقيه، فلما رأى ذلك ابنه ضربه بحربة في صدره، فسقط ميتاً، وانهزم عسكر محمد بن الأغلب، ثم حشد الناس ووجوههم مع خفاجة بن سفيان مولاه. فلما صاروا إلى جبل شعيب من حد صطفورة التقوا فاقتتلوا اقتتالاً شديداً، وقتل من الفريقين عدد كبير. ثم انهزم القوبع وأصحابه، وقتل منهم ما لا يحصى كثرة ومضى المنهزمون يريدون تونس، ولحق القوبع رجل من الجند، فطعنه فأرداه عن فرسه، وهو لا يعرفه، ونزل إليه، فأخذ درعه وسيفه، ولحقه رجل نظر إلى حسن الدرع والسلب، فسأل عن صاحبه، فأشار إليه، فنظر: فإذا هو القوبع، فبدر إليه فضرب عنقه، ومضى برأسه إلى ابن الأغلب، فوصله وأحسن إليه، وكان ذلك في بياش هذه، في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ومائتين. وبعث إلى أهل تونس، فأمنهم ورغبهم في العافية، وأمرهم بإخراج أخي القوبع وابنه، فأبوا من ذلك، فقاتلهم على أبواب الخنادق قتالاً شديداً، ورموا بأنفسهم عليهم في خندقهم حتى دخلوا عليهم عنوة، وهرب ابن القوبع في قارب، فوجهت إليه القوارب، فأخذوه، فلما أتي به إليه قال لسلمة بن تميم: انزل فاقتله بأخيك، فنزل إليه سلمة فقال له: لا تجزع يا بني، فإنما هو دين يقضى، فضرب عنقه. البيضاء (6) : هي أكبر مدن اصطخر من أرض فارس، لها حصن وربض عامر، وسميت البيضاء لأن قلعتها بيضاء يرى بياضها من بعد، وهي في الكبر تضاهي اصطخر، ولها حروث متسعة وخصب زائد، وأكثر ميرة شيراز منها، وأهلها مياسير وزيهم زي العراقيين في اللباس والعمائم.

_ (1) معجم ما استعجم 1: 292. (2) معجم ما استعجم 1: 293، 294. (3) (Piza) الإدريسي (م) : 72. (4) ص: بياس، ولم أجد لهذا الموضع ذكراً في المصادر المتيسرة. (5) هكذا سماه هنا وهو عند ابن عذاري (1: 110) عمرو بن سليم التجيبي، وفي ثورته على ابن الأغلب راجع L Emirat Aghlabide للطابي ص: 242 - 248 ويسميه ((القوبيع)) ، وهو في ص ع أحياناً بالباء الموحدة وأحياناً ((القويع) بالياء المثناة. (6) نزهة المشتاق: 132.

بيران:

بيران (1) : حصن من حصون الأندلس، ومن قصيدة لابن الأبار يمدح بها السيد أبا زيد (2) عند انقياد أهل بيران لابنه السيد أبي يحيى أبي بكر سنة اثنتين وعشرين وستمائة: لله قلعة بيران وعزتها ... على الأعاصير في ماضي الأعاصير عنت ودانت على حكم المنى فرقاً ... من سطو مرهوب أعلى السطو محذور وأذعنت وهي الشماء ذروتها ... على حجاج لها من قبل مذكور ولو أصرت على الإعراض ثانية ... لأصبحت بين تخريب وتدمير مدت إليك أبا زيد بطاعتها ... يداً مخافة صول منك مشهور وأكدت في الرضى والصفح رغبتها ... كما تقدم تأييد المقادير فجدت جودك بالنعمى بما سألت ... من الأمان لها طلق الأسارير بياسة (3) : بالأندلس أيضاً، بينها وبين جيان عشرون ميلاً، وكل واحدة منهما تظهر من الأخرى. وبياسة على كدية من تراب مطلة على النهر الكبير المنحدر إلى قرطبة، وهي مدينة ذات أسوار وأسواق ومتاجر وحولها زراعات، ومستغلات الزعفران بها كبيرة. وفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة (4) ملك الروم بياسة في يوم عرفة من ذي حجتها، وكان صاحب جيان إذ ذاك عبد الله بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن قد تغير له عبد الله العادل بن المنصور صاحب إشبيلية فخافه، فخرج إلى بياسة فدخلها وكلم أهلها لمساعدته وامتناعه بهم إلى أن يأخذ لنفسه الأمان، فساعدوه على مراده ومنعوه ممن رامه، فجهز إليه العادل العساكر وقدم عليهم ادريس بن المنصور، فلما نزلوا بظاهر بياسة مكثوا عليها أياماً، والزمان شات، فلم يغنوا شيئاً، وأراد عبد الله صاحب بياسة تفريق ذلك الجمع بما أمكن، فداخله بأن صالحه على أن يدفع له ابناً صغيراً ليكون رهينة لديه بطاعته، فوجد إدريس السبيل إلى الانصراف عنه، وكان أكبر همه، إذ قد جهده وأصحابه شدة البرد ونزول المطر إلى ما كانوا يخافونه من مد النهر ووصول روم طليطلة الذين كانوا أولياء لصاحب بياسة وأنصاراً له، فخاف أن يدعو بهم فيلبوه، إذ كان حل من أنفسهم محلاً كثيراً لشجاعته، فارتحل أبو العلا لذلك ورأى أنه قد صنع شيئاً وأنه قد قام عذره، فلما وصل إلى اشبيلية استقصر فعله واستهجن رأيه وبقي عندهم كالخامل المتخوف. ثم جهزوا بعده جيشاً آخر إلى بياسة قدموا عليه عثمان بن أبي حفص، فسار حتى بلغ قبلي بياسة، فبرز إليهم دون المائة فارس من فرسان عبد الله صاحب بياسة ومن الروم الذين معهم، فلما رأوهم انهزموا وولوا الأدبار ولم يجتمع منهم أحد مع أحد، وبقي صاحب بياسة ببلده ولا أحد يرومه إلى أن تملك قرطبة ومالقة وغيرهما وكاد يستولي على الأمر لو ساعده المقدار، وخرج فأوقع بأهل اشبيلية بفحص القصر سنة اثنتين وعشرين وستمائة وقتل منهم نحو ألفي رجل وانصرف عنها مكسوراً مفلولاً. وقد كان أدخل الروم قصبة بياسة وأسكنهم فيها، والمسلمون معهم في سائر المدينة، وكان دفعه القصبة إليهم على سبيل الرهن في مال كان لهم تعين عليه، فبقوا في القصبة ساكنين، والمسلمون في البلد يداخلونهم ويعاملونهم، وهو إذ ذاك في قرطبة مقيم، فلما غزا اشبيلية وانصرف عنها مفلولاً مكسوراً ثار به أهل قرطبة، إذ توهموا أنه يريد إدخال النصارى مدينتهم، فخرج عنها فاراً إلى الحصن المدور، فأقام هناك وبقيت بياسة بيد الروم، وغلق

_ (1) بروفنسال: 60، والترجمة 75: (Bairen) وهي في مقاطعة بالنسية، وخرائبها تسمى اليوم قلعة سان خوان. (2) هو عبد الرحمن بن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن وهو أخو أبي محمد ابن أبي عبد المعروف بالبياسي وأخو أبي دبوس، وكان أبو زيد حاكماً على بلنسية وشاطبة ودانية وجزيرة شقر (حوالي 620) ، وقد خضع لخايمه ملك أرجون وأصبح تابعاً له، وبقي حتى ثار عليه أبو جميل مردنيش وطرده من بلنسية سنة 627 (انظر البيان المغرب 3: 248، وكتاب هويسي ميرنده HIsstoria Musulmana de valencia ج؟ 3 ص: 227 وما بعدها) . (3) بروفنسال: 57، والترجمة: 72 (Baeza) ، والفقرة الأولى عن الإدريسي (د) : 203. (4) انظر البيان المغرب 3: 249 (تطوان) ، وروض القرطاس: 181.

بيغو:

الرهن، وأحب أهل بياسة إخراج الروم عن قصبتهم فداخلوا صاحب جيان: عمر بن عيسى بن أبي حفص بن يحيى وسألوه المسير إليهم في جموعه، فجاءهم بحشوده ومعه محمد بن يوسف المسكدالي، فدخلوا بياسة، وأما من كان بالقصبة من الروم فلم يبالوا شيئاً، وأما من كان منهم بالمدينة فأتى عليه القتل بعد أن أبلوا في الدفاع، إلا أنهم غلبوا بالكثرة، وبقي أهل القصبة لا يستطيع أحد الوصول إليهم لحصانتها، ولو أراد الله تعالى لوفق هذا الوالي إلى المقام، فإن أهل القصبة لم يكن عندهم شيء يقتاتونه إلا ما يأتيهم من المدينة مياومة، فلو مكث عليها يوماً أو يومين لضاقوا وخرجوا، ولم يكن أهل ملتهم نصروهم إلا في مدة بعيدة لبعد المسافة، ولكن أبى المقدار إلا أن يفرغ في يومه ذاك ولم يجسر على المبيت ليلة واحدة، وظن أن الفجاج ترميه بالخيل والرجال، فقال لأهل البلد: أنا راجع فمن أحب أن يخرج فليخرج ومن أحب أن يقعد فليقعد، فرغبوا أن يمكث يوماً أو يومين فأبى عليهم إلا الرجوع في يومه، فلم يكن لأهل البلد بد من فراق بلدهم والخروج عن نعمتهم، فتفرقوا في البلاد وبقي الروم في جميع المدينة وملكوها كلها. ومن أهل بياسة الأديب التاريخي أبو الحجاج يوسف بن إبراهيم البياسي (1) مصنف كتاب " الإعلام بحروب الإسلام " وغيره من تصانيفه. بيغو (2) : مدينة بالأندلس من عمل غرناطة، كان عبد الله صاحب بياسة من بني عبد المؤمن وهو المعروف بالبياسي استدعى عدو الدين لما نزل عليه العادل ببياسة، فحاصره فأقلع عنه دون شيء، فلما لم يجد في المسلمين كبير إعانة استدعى النصارى فوصلوا إليه، فسلم إلى ألفنش بياسة وجازى أهلها شر الجزاء، بعد ما آووه ونصروه، فأخرجهم منها وسار مع الفنش ليأخذ معاقل الإسلام باسمه، فدخل قيجاطة من عمل جيان بالسيف، فقتل العدو فيها خلقاً كثيراً وأسر آخرين، وكان حديثها شنيعاً تنفر منه القلوب والأسماع، ثم نهض أيضاً ومعه العدو إلى لوشة من عمل غرناطة، فاعتصم أهلها بسورها الحصين وقاتلوا أشد القتال، وأسمعوه ما أهاج غيظه، فلما تمكن منها سلط عليهم عدوهم في الدين ففتكوا بهم أشد الفتك، ثم ساروا إلى بيغو هذه فأطال مع الفنش حصارها إلى أن دخل البلد بعد شدة وصالحه أهل القلعة، وما زال أمره يقوى إلى أن احتوى على قرطبة ومالقة وكثير من معاقل هاتين القاعدتين وبلادهما، فخاف منه العادل باشبيلية وجمع من عنده من الجند ونظر في كفه عن جهته، وكان ذلك في سنة اثنتين وعشرين وستمائة. بيروذ (3) : مدينه بين نهر تيرى ومناذر من ناحية فارس فتحت على يد أبي موسى في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. بيروت (4) : في ساحل الشام وهي مرابط دمشق، وفيها كان أبو الدرداء رضي الله عنه نازلاً، قال الأوزاعي: كان عندنا ببيروت عجائب، ذكر عن رجل ممن يوثق به أنه رأى رجلاً راكباً جرادة، وذكر من عظم الرجل وعظم الجرادة، قال: وعليه خفان طويلان أحمران، وهو يقول: الدنيا باطل وباطل ما فيها، ويقول بيده هكذا فحيثما أشار انساب الجراد إلى ذلك الموضع. قال: وكان عندنا رجل صياد يسافر يوم الجمعة ولا يأتي الجمعة، قال: فخرج يوماً فخسف به وببغلته فلم يبق منها إلا أذنها، قال محمد بن بشر: ورأيت موضع مكانه ببيروت يلقى فيه التراب. وفي رواية أخرى قال الأوزاعي: رأيت ببيروت ثلاث عجيبات: رأيت رجلاً من جراد في الماء وإذا رجل راكب على جرادة مسلك بالحديد وفي يده عصا وهو يومئ بيده وهو يقول: الدنيا باطل، يرددها. ورأيت رجلاً يكتب المصاحف بخط جيد في ستة أيام، فكتب مصحفاً فقال: كتبته في ستة أيام وما مسنا من لغوب، فجفت يمينه، ورأيت رجلاً شاباً كان يأوي في المسجد حسن العبادة حسن الصمت قليل الكلام، فكان يلزم المسجد، فخرج ذات يوم من المسجد بعد أن أغلقت الأبواب فجاء إلى باب المدينة فوقف عليه ساعة، فإذا هو قد انفتح له وخرج وخرجت معه حتى وقف على شجر بلوط كثير، فصعد شجرة فجعل يأكل ويرمي إلى الأرض فما يسمع صوت شيء يقع في الأرض، فجئت إليه فقلت: السلام عليكم، فقال: وعليك السلام أبا عمرو، أتحب؟ قلت: نعم، فأخذ ملء كفه فدفعها إلي فإذا هو رطب، فأكلت ثم غاب عني فلم أره.

_ (1) له ترجمة في ابن خلكان 7: 237 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى، وكانت وفاة البياسي سنة 653 بمدينة تونس. (2) بروفنسال: 60، والترجمة: 76 (Priego) بين غرناطة وقرطبة. (3) الطبري 1: 2708. (4) قارن بصبح الأعشى 4: 111.

بيونة:

وعلى بيروت (1) سور حجارة، وبمقربة منها جبل فيه معدن حديد جيد يقطع، ويستخرج منه الكثير ويحمل إلى بلاد الشام، وبها غيضة أشجار صنوبر تتصل إلى جبل لبنان وتكسير هذه الغيضة اثنا عشر ميلاً في مثلها، وشرب أهلها من الآبار، ومنها إلى دمشق يومان. بيونة (2) : في بلاد الروم على ساحل البحر وهي بالقرب من مدينة طودة (3) . بيكند (4) : هي أدنى مدن بخارى إلى النهر، ومنها إلى حائط بخارى فرسخان، وهو الحائط المضروب على جميع عمران بخارى، وافتتحها قتيبة بن مسلم سنة سبع وثمانين، وهو حصن حصين مشبه بالأسوار، وفيها مسجد جامع وبيت نار للمجوس يذكرون أن افريدون بناه، وخارج الحصن سبعمائة رباط. بيت لحم (5) : بقرب إيليا من أرض الشام، وهناك كنيسة يقال لها الجسمانية على فرسخ منها مما يلي قبليها في مستو من أرض بيت لحم، وبه ولد المسيح عليه السلام، وبه النخلة التي تساقطت على مريم رطباً جنياً، والسري الذي جعل الله تحتها فشربت منه وتطهرت به، والمهد الذي جعلت فيه المسيح حين ولدته، وهو حوض أبيض غسلته فيه وهو قريب من العين، وإلى جانب بيت لحم كنيسة يقال لها مايان (6) فيها الصبيان الذين قتلوا على اسم الملك من سنه بين سنة إلى ثلاثة أشهر قتلهم ايرديوس (7) الملك، وعلى فرسخين من بيت لحم تجاه القبلة منه قبر إبراهيم عليه السلام وهناك مسجده، ومن بيت المقدس إلى مسجد إبراهيم ثلاثة عشر ميلاً مما يلي القبلة، وحول القبلة التي فيها قبر إبراهيم غياض وأشجار تفاح أحمر، وفي هذه الغياض أعراب يقال لهم بنو زياد يسكنونها، وعلى فرسخين من شرقي بيت لحم ديارات منها دير يقال له طورزيتا، وإلى جانب هذا الدير جبل يصعد في قلته في قدر ستمائة مرقاة، يقال إن هذا الجبل صعد منه المسيح إلى السماء، وهناك قبر راحيل أم يوسف عليه السلام، وعند بيت لحم كنيسة حسنة البناء متقنة العمل مديدة إلى أبعد غاية في وطاء من الأرض، وفي جهة الشمال المغارة التي ولد فيها المسيح عليه السلام. وفي الخبر (8) عن عكرمة قال: لما أسلم تميم الداري رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها فهب لي قريتي من بيت لحم، قال صلى الله عليه وسلم: " هي لك " وكتب له بها، فلما استخلف عمر رضي الله عنه وظهر على الشام جاء تميم رضي الله عنه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه: أنا شاهدك، فأعطاه إياها، فهي بأيدي أهل بيته إلى اليوم. وقال بعض المؤلفين: لأهل طبرية، على ثلاثة عشر ميلاً، قرية تعرف بالناصرة (9) فيها ولد المسيح وان أهلها كانوا عيروا مريم بنت عمران فليس يولد في تلك القرية بكر إلى هذه الكائنة (10) وأهل بيت المقدس يدفعون هذا وينكرونه. البينمان (11) : جزيرة من جزر الهند عامرة فيها مدينة كبيرة، وأكل أهلها النارجيل وبه يأتدمون، وهم أهل شدة ونجدة، ومن سيرتهم التي توارثها الأبناء عن الآباء أن الرجل منهم إذا أراد أن يتزوج المرأة لم يزوجها له أهلها حتى يأتيهم برأس رجل يقتله فيخرج الرجل يطوف في جميع النواحي المجاورة لهم حنى يقتل رجلاً ويأتي برأسه، فإذا فعل ذلك زوج من المرأة التي خطبها وإذا جاء برأسين زوج امرأتين وكذلك إن جاء بثلاثة زوج ثلاث زوجات ولو قتل خمسين زوج خمسين امرأة، وينظر إليه أهل بلده بعين الجلالة ويشهدون له بالنجدة ويوجبون له الفخر، وفي هذه الجزيرة فيلة وبها البقم والخيزران والقصب.

_ (1) نزهة المشتاق: 117، وانظر الأعلاق للخطيرة (قسم لبنان والأردن وفلسطين) : 101. (2) بروفنسال: 61، والترجمة: 77 (Bayona) . (3) ص ع: طليطلة، والتصحيح عن بروفنسال. (4) انظر ياقوت: (بيكند) . ونزهة المشتاق: 213. (5) بعضه عن نزهة المشتاق: 115، وانظر الزيارات للهروي: 29، وياقوت (بيت لحم) . (6) كذا في ع، ص: مامان، وتشيه أن تقابل ((ملكية)) عند الإدريسي. (7) ص ع: ايذربون. (8) معجم ما استعجم 1: 289. (9) ص ع:: بالناصرية. (10) ياقوت: الغاية. (11) نزهة المشتاق: 27، وابن الوردي: 63.

بيارة:

بيارة (1) : مدينة بالأندلس قريبة من بلكونة بينهما عشرة أميال وكان مبناها على النهر الأعظم معقوداً بالرصيف، وكانت المحجة العظمى عليها من باب نربونة إلى بابها إلى باب قرطبة، وحنية بابها باقية لم تتثلم وهي عالية لا يدرك أعلاها فارس بعنانه، وكانت من بناء ركارد بن لويلد (2) ملك القوط وهو الذي جمع الفرق وقطع الشعوب وبث الاختلاف وقدم ثمانين أسقفاً على ثمانين مدينة وكان مستقره طليطلة، وهو الذي بنى الكنائس الجليلة في نواحي الأندلس وهو الذي قال بالتثليث.

_ (1) بروفنسال: 56، والترجمة: 71، ويرجع أن تكون هي (Montoro) على الوادي الكبير. (2) ص ع: كديد بن لوييد.

تاجرا

حرف التاء تاجرا (1) موضع من أحواز قابس في مكان منه يقال له لاقية، وفي تاجرا كانت الوقيعة بين الشيخ المجاهد أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص وبين يحيى بن إسحاق المسوفي الميورقي، وكان سببها أن يحيى بن إسحاق هذا كان تغلب على حصن المهدية في جملة ما تغلب عليه من البلاد الإفريقية، فتحرك إليه صاحب المغرب الملك الناصر أبو عبد الله محمد بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن من مراكش في جمادى الأولى من سنة إحدى وستمائة، فلما فارق بلاد المغرب وأشرف على بلاد العدو، جد في أمره وتدرج حتى أتى المهدية فنزل عليها في صفر من سنة اثنتين وستمائة فحاصرها ونصب عليها المجانيق وواصل حربها، وكان يحيى بن إسحاق ترك بالمهدية نائبه وبقي جوالاً في بلاد إفريقية بعسكره، فلما نزل الناصر على المهدية وجه الشيخ أبا محمد عبد الواحد هذا في أربعة آلاف فارس إلى لقاء يحيى بن إسحاق وأقام الناصر على محاصرة المهدية، وكان أصحاب يحيى بن إسحاق شجعوه وحرضوه على الثبوت فثبت، فالتقى الجمعان بموضع يقال له لاقية من تاجرا، وأمر يحيى أصحابه فعقلوا الإبل وأوقفوا الهوادج إزاءها، وأمر الشيخ أبو محمد عبد الواحد أصحابه بالإعراض عن تلك الإبل والهوادج ومشوا على تعبئة، وصدر الرماة وقدم الطلائع فصدقوا الدفاع ودارت بين الفريقين رحى الحرب ثلاث ساعات من النهار وحمل يحيى حملات وبعد ذلك انهزم أصحابه وركبهم السيف إلى الأصيل، وأجلت الحرب عن قتل جبارة أخي يحيى وكاتبه علي بن اللمطي وعامل له يقال له الفتح بن محمد وبعض الأعراب وجماعة من الجند، وفر يحيى في شرذمة قليلة وتفرقت حشوده وأعرابه وأخذت رايته السوداء وأحاط الموحدون بعسكره وأمواله وما كانوا حازوا من طرابلس إلى منتهى بجاية، وقفل الشيخ أبو محمد غانماً مظفراً وساق معه المتاع والكراع وسائر الغنائم. حكي أنه كان في محلة يحيى نحو ثمانية عشر ألف جمل محملة بالأموال والرجال والنساء وغير ذلك وسلم جميعها وفر، ولم يقتل من جيش الموحدين إلا أربعة نفر، وكان يحيى أنفذ عياله وأولاده وحاشيته مع ثقات أصحابه إلى موضع نحو خمسة فراسخ من محلته فلما فر أخذهم في صدره ولولا ذلك ما سلم له أحد منهم، ومات في عسكر يحيى نحو المائة نفس سوى من قتل في المعركة من الفرسان واستنقذ السيد أبا زيد وجماعة من الأسرى الذين كانوا في يد يحيى أسرى، ورجع الشيخ أبو محمد بجميع ذلك إلى الناصر وهو محاصر للمهدية ومعه الغنائم والأسرى الذين استنقذهم، وقدم الحرسي الذي كان على نكال السيد أبي زيد على قتب سام إشهاراً له وبيده راية سوداء وطيف بذلك كله على المهدية. وكانت هذه الهزيمة في الثاني عشر من ربيع الأول من سنة اثنتين وستمائة وكان بين فتح الموحدين ميورقة وبين هزيمة تاجرا نحو من ثلاثة أشهر وثلاثة أيام، ورفع حماد المالقي وهو مشهور بالإبداع هذين البيتين إلى الناصر في قطع الكاغد: رأى يحيى إمام الخلق يأتي ... ففر أمام من يأتي إليه فشبهت الشقي بياء يفري ... ولام الأمر قد دخلت عليه

_ (1) رحلة التجاني: 120، 357، 358، وابن خلدون 6: 248.

تاهرت:

وكمل التبريز بالغنائم على ملاحظة من المحصورين بالمهدية وهم مع ذلك متجلدون مواظبون على القتال بصرامة وشدة شكيمة معلنون بالتكذيب بهزيمة يحيى وينوعون السب ويفحشون، وألح الملك الناصر في قتالهم وجمع المجانيق والآلات على جهة واحدة من السور حتى كثر فيهم الموتان والجراحة، وتحققوا بعد ذلك بانهزام يحيى فسقط في أيديهم وطلبوا الأمان فأسعفهم به، ونزل علي بن الغازي صاحب المهدية وهو ابن عم يحيى وأتباعه وشيعته على أن يخلى سبيله ويسلموا البلد، وكان ذلك في التاسع من جمادى الأولى أو في السابع والعشرين منه من سنة اثنتين وستمائة، فكان بين هزيمة تاجرا وببن فتح المهدية شهران وستة وعشرون يوماً. تاهرت (1) : مدينة مشهورة من مدن الغرب الأوسط على طريق المسيلة من تلمسان، وكانت تاهرت فيما سلف مدينتين كبيرتين إحداهما قديمة والأخرى محدثة، فالقديمة منهما ذات سور على قنة جبل ليس بالعالي وبها ناس وجمل من البرابر ولهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة وبأرضها مزارع وضياع جمة وبها من نتاج البراذين والخيل كل شيء حسن، وبها البقر والغنم كثير جداً وكذلك العسل والسمن وسائر غلاتها كثيرة، وبها مياه متدفقة وعيون جارية تدخل أكثر ديارهم ولهم على هذه المياه بساتين وأشجار تحمل ضروباً من الفواكه الحسنة، ولها سور صخري وبها قصبة منيعة مشرفة على سوقها المسماة بالمعصومة. وتاهرت (2) في سفح جبل يسمى قزول (3) وعلى نهر كبير يأتيها من ناحية الغرب ولها نهر آخر يجري من عيون يجتمع منه شرب أرضها وبساتينها، وسفرجلها لا نظير له حسناً وطعماً وشماً، ولها ثلاثة أبواب: باب الصفا وهو باب الأندلس وباب المنازل وباب المطاحن، وهي شديدة البرد كثيرة الغيوم والثلج، قال بكر بن حماد وكان ثقة مأموناً حافظاً للحديث يصف برد تاهرت: ما أصعب البرد وريعانه ... وأطرف الشمس بتاهرت تبدو من الغيم إذا ما بدت ... كأنما تنشر من تحت فنحن في بحر بلا لجة ... تجري بنا الريح على السمت نفرح بالشمس إذا ما بدت ... كفرحة الذمي بالسبت ونظر رجل من تاهرت إلى توقد الشمس بالحجاز فقال: احرقي ما شئت فوالله انك بتاهرت لذليلة. وتاهرت الحديثة (4) في قبليها لواتة وهوارة في قرارات، وبغربيها زواغة وبجوفيها مطماطة وزناتة ومكناسة، وفي شرقيها حصن هو تاهرت القديمة. وكان صاحب تاهرت ميمون بن عبد الرحمن بن رستم بن بهرام من ولد سابور ذي الأكتاف الفارسي، وكان ميمون اباضياً وكان يسلم عليه بالخلافة، وتعاقب مملكة تاهرت بنو ميمون وبنو إخوته إسماعيل وعبد الرحمن بن الرسمية إلى سنة ست وتسعين ومائتين، فوصل أبو عبد الله الشيعي إلى تاهرت فدخلها بالأمان ثم قتل ممن فيها من الرسمية عدداً كثيراً وبعث برؤوسهم إلى أخيه أبي العباس وطيف بها في القيروان ونصبت على باب رقادة، وملك بنو رستم تاهرت مائة وثلاثين سنة. وكان عبد الرحمن بن رستم خليفة لأبي الخطاب (5) عبد الأعلى بن السمح بن عبيد بن حرملة على إفريقية، فلما قتل محمد بن الأشعث الخزاعي أبا الخطاب في صفر سنة أربع وأربعين ومائة هرب عبد الرحمن بأهله وما خف من ماله وترك القيروان، فاجتمعت إليه الاباضية واتفقوا على تقديمه وبنيان مدينة تجمعهم، فنزلوا موضع تاهرت اليوم وهو غيضة أشبة، ونزل عبد الرحمن منه موضعاً مربعاً لا شعراء فيه وأدركتهم صلاة الجمعة فصلى بهم هناك، فلما انقضت الصلاة ثارت صيحة شديدة على أسد ظهر في الشعراء فأخذ حياً وأتي به إلى الموضع الذي صلوا فيه وقتل هناك، فقال عبد الرحمن بن رستم: هذا بلد لا يفارقه سفك دم ولا حرب أبداً، وانتدبوا من تلك الساعة فبنوا في ذلك الموضع مسجداً وقطعوا خشبه من تلك الشعراء فهو كذلك إلى اليوم، وهو مسجد جامعها وهو من أربع بلاطات. وبتاهرت أسواق عامرة وحمامات كثيرة يسمى منها نحو

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 87/ 60. (2) البكري: 66، والاستبصار: 178. (3) البكري: جزول؛ الاستبصار: قرقل. (4) البكري: 67 - 68. (5) ع ص: لأبي الخطار.

تاجه:

اثني عشر حماماً، وحواليها من البرابر أمم كثيرة (1) . وفي سنة خمس وستمائة (2) كانت وقعة تاهرت ليحيى بن إسحاق الميورقي على السيد أبي عمران موسى بن يوسف بن عبد المؤمن، فإنه لما فر من إفريقية أمام صاحبها الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص الموالي عليه الهزائم تمرس بجهة تلمسان، فكتب أبو محمد إلى أبي عمران بأن لا يعرض له فإنه في اتباعه بالقوم الذين دربوا على قتاله، فقال أولياء السيد: إن هذه لذلة عظيمة نقعد كالنساء في البيوت حتى يأخذه صاحب إفريقية من أيدينا، فخرج إليه السيد من تلمسان بمن اجتمع إليه وساروا إلى جهة تاهرت، فأقبل الميورقي حين أبعدوا من منازلهم بشرذمته التي هي بقايا الحتوف وطرائد السيوف، فحمل عليهم حملة فلم يثبتوا لها وقتل السيد في المعركة وأسر ولده وأقاربه وخواصه، وكان القتلى من عسكره ألفاً وسبعمائة، واحتوى الملثمون على ما أقال عثرتهم من نكبتهم، ورجعوا إلى إفريقية، ففك الأسرى وأخذ الغنائم صاحبها أبو محمد عبد الواحد من أيديهم على عادته، ولما خلت تلمسان من حكام لجهاتها ومصلح لما فسد من أحوالها اختير لها أبو زيد بن يوجان الهنتاتي الذي كان وزير المنصور يعقوب فهو الذي فتح باب الفتنة الآتية على دولتهم، فيالله ماذا فعل وما فعل به وصنع. تاجه (3) : نهر عظيم يشق طليطلة قصبة الأندلس في الزمان الأقدم يخرج من بلاد الجلالقة ويصب في البحر الرومي، وهو نهر موصوف من أنهار العالم، وعليه على بعد من طليطلة قنطرة عظيمة بنتها ملوك سالفة وهي من البنيان الموصوف. تانسيفت (4) : نهر على ثلاثة أميال من مراكش ليس بالكبير لكنه دائم الجري وإذا كان زمن الشتاء حمل بسيل كبير لا يبقي ولا يذر، وكان أمير المؤمنين علي بن يوسف بنى عليه قنطرة عظيمة متقنة البناء بعد أن جلب إلى عملها صناع الأندلس وجملة من أهل المعرفة بالبناء فشيدوها وأتقنوها حتى كملت، ثم لم تلبث بعد أعوام يسيرة حتى أتى عليها السيل فاحتمل أكثرها وحل عقدها وهدمها ورمى بها إلى البحر. وهذا النهر يأتي إليها من عيون ومياه منبعثة من جبل درن من ناحية مدينة اغمات ايلان. تارنانا (5) : مدينة بالمغرب قريبة من ندرومة كبيرة مسورة على ساحل البحر كانت محطاً للسفن ومقصداً لقوافل سجلماسة وغيرها، وكان سكانها من قبائل البربر مطغرة وهم أعدل من هناك من البربر، وعلى هذا الساحل مدن كثيرة قد خربت وكانت في سالف الدهر آهلة كثيرة الخصب. تابحريت (6) : مدينة بينها وبين تارنانا عشرة أميال، وهي مدينة مشهورة على ساحل البحر بها مسجد جامع متقن البناء يشرف على البحر، ولها أسواق جامعة، وهي محط للسفن ومقصد لقوافل سجلماسة وغيرها، وفي الشرق من تابحريت مدينة مسكاك (7) بينهما نحو ثلاثة أميال وهي أقدم من تابحريت وإنما جددت مدينة تابحريت بعد العشرين والأربعمائة (8) وهي ساحل وجدة. تادلى (9) : من بلاد المغرب، وهي مدينة قديمة أزلية فيها آثار للأول، بنى الملثمون فيها حصناً منيعاً هو الآن معمور وفيه الأسواق والجامع، والبلد كله كثير الخيرات والأرزاق أحاطت به القبائل من جميع الجهات. وهي بلد أحمد بن عبد السلام الجراوي (10) الشاعر الباقعة، يقال إنه مدح عبد المؤمن وولده يوسف وولده يعقوب وولده محمداً الناصر ومات عام العقاب، وهو عام تسعة وستمائة، واستوطن مدينة فاس وقرأ بها وكان لا يسلم أحد من لسانه، وكان مسلطاً على بني الملجوم أعيان فاس واستطرد بهجاء قومه وبلده إليهم فقال:

_ (1) إلى هنا ينتهي النقل عن البكري. (2) انظر ابن خلدون 6: 278. (3) بروفنسال: 62، والترجمة: 78 (Tajo) . (4) دوزي (د/ ب) : 69/ 44. (5) الاستبصار: 135 وقد ضل المؤلف بهذا النقل، فإن أكثر ما جاء في هذه المادة إنما ذكره البكري: 87 عن تابحريت (انظر المادة التالية) ؛ وأما ترنانا فقد جاء فيها عند البكري: 80 ((وهي مدينة مسورة ولها سوق ومسجد جامع وبساتين كثيرة وبينها وبين ندرومة ثمانية أميال، ويسكن مدينة ترنانا فخذ من بني دمر يسمون بني يلول ... )) . وانظر الإدريسي (د/ ب) : 80/ 54. (6) البكري: 87، وفي ص ع: تابحرت. (7) البكري: مصكاك. (8) ذكر البكري أن الذي جددها هو الحاج بن مرامر. (9) الاستبصار: 200. (10) ترجمته في التكملة: 128، والغصون اليانعة: 98، وابن خلكان 7: 12، 136 - 137.

تامزغران:

يا ابن السبيل إذا مررت بتادلى ... لا تنزلن على بني غفجوم قوم طووا طنب السماحة بينهم ... لكنهم نشروا لواء اللوم يا ليتني من غيرهم ولو أنني ... من أهل فاس من بني الملجوم تامدلت (1) : في بلاد السوس، مدينة كبيرة أسسها عبد الله (2) بن ادريس العلوي وتوفي بايكلي وبها قبره. وتامدلت مدينة سهلية كثيرة العمارة حافلة الأسواق على نهر عنصره من جبل على نحو عشرة أميال منها، وما بينهما عمائر وبساتين متصلة، وهذا النهر هو نهر درعة، ومدينة تامدلت على رأس النهر وبينها وبين درعة مسيرة ستة أيام في عمارة متصلة، وعليها سور طوب وحجر وبها حمامان وسوق عامرة، ولأهلها أربعة أبواب وعلى نهرها أرحاء كثيرة وأرضها أكرم أرض وأكثرها زرعاً تعطي الحبة مائة، وبها معدن فضة غزير كثير المادة. تامللت (3) : هو حصن عظيم جداً من حصون جبل درن بالمغرب وهو منيع صعب المرتقى يمسكه أربعة من الرجال، وكان الإمام المهدي زاد في تحصينه وجعل فيه مخازن أمواله وبه الآن قبره، فإنه لما مات بجبل الكواكب حملوه أصحابه فدفنوه في هذا الحصن وقبره هناك يزار وعليه كالقبة العالية، وفي ذكر جبل درن طرف من هذا. تامدوت (4) : مدينة لطيفة بينها وبين اوفرجي مرحلة وبين اوفرجي (5) وبين مراكش مرحلة، وتامدوت طيبة الهواء والماء، ومنها يرتقى إلى جبل درن، ويقال إنه أكبر جبال الدنيا وأنه يتصل بجبل المقطم الذي في بلاد مصر، وفيه قبائل كثيرة من المصامدة ويقال إنهم من العرب دخلوا تلك البلاد وسكنوها في الفتنة الواقعة عند هزيمة ميسرة التي تسمى غزوة الأشراف (6) وكان البربر يطلبون المغرب فتوغلوا في تلك الجبال وتناسلوا. تازا (7) : من بلاد المغرب، أول بلاد تازا حد ما بين المغرب الأوسط وبلاد المغرب في الطول، وفي العرض البلاد الساحلية مثل وهران ومليلة وغيرهما، وقد بني فيها في هذا العهد القريب مدينة الرباط أعني في جبال تازا، ومدينة الرباط هذه كبيرة في سفح جبل عال مشرفة على بسائط تشقها جداول المياه العذبة عليها سور عظيم، وهي في فسحة من نحو ستة أميال ما بين جبال، تنصب إليها من تلك الجبال مياه كثيرة وأنهار تسقي جميع بساتينها، ولها نظر كبير كثير الزرع والفواكه وجميع الخيرات، وسورت هذه المدينة سنة ثمان وستين وخمسمائة، وهي على طريق المار من المغرب إلى المشرق وتسمى مكناسة تازا، ومكناسة قبيلة من البربر سكنوا هناك فسمي الموضع بهم. تامزغران (8) : مدينة بالمغرب بقرب مصب نهر شلف في البحر، بينها وبين مستغانم ثلاثة أميال، وهي مدينة مسورة لها مسجد جامع، وعلى مقربة منها قلعة هوارة وهي قلعة في جبل لها ثمار وزرع. تانكرمت (9) : حصن على الساحل من حصون تلمسان، ولهم مزارع واسعة وبسائط خصيبة. تامسامان (10) : بقرب بلد نكور من البلاد الغربية من أعمال تلمسان، وهي مرسى مشهور. تادمكة (11) : في بلاد السودان، وهي أشبه بلاد الدنيا بمكة شرفها الله تعالى، ومعنى تاد عندهم هيئة أي على هيئة مكة، وهي منيعة كبيرة بين جبال وشعاب وهي أحسن بناء من مدينة غانة وكوكو. وأهل تادمكة بربر مسلمون، وهم يتنقبون كما يتنقب بربر الصحراء وعيشهم من اللحم ومن اللبن ومن حب تنبته الأرض من غير اعتمال،

_ (1) البكري: 163، والاستبصار: 213. (2) ع: عبيد الله. (3) الإدريسي (د/ ب) 64/ 41 (تانمللت) . (4) تامرورت عند البكري: 160. (5) البكري: افيقن. (6) كانت هذه الغزوة سنة: 123. (7) الاستبصار: 186. (8) ص ع: تاعرمان، والتصويب عن البكري: 69. (9) ع: تاكرميت؛ ص: تاكرمنت، وأثبتنا ما في البكري: 79. (10) البكري: 90، 91 تمسامان، قال: وبين مرسى تمسامان ومدينة تكور عشرون ميلاً. (11) البكري: 181، والاستبصار: 223.

تبالة:

وتجلب إليهم الذرة وسائر الحبوب من بلاد السودان، ويلبسون الثياب المصبغة من القطن والصوف وغير ذلك، وملكهم يلبس عمامة حمراء وقميصاً أصفر، ودنانيرهم تسمى الصلع لأنها ذهب محض غير مختومة، ونساؤهم فائقات الجمال لا يعدل بهن نساء بلد حسناً، والزنا عندهم مباح وهن يتلقين التجار إذا أقبلوا إلى بلدهم ويتقارعن على الرجل أيتهن تحمله إلى منزلها، وبين تادمكة وغانة نحو خمسين مرحلة، وبينهما مدن وعمائر للسودان والبربر. تاكررت (1) : قلعة منيعة بينها وبين تلمسان مسيرة يوم بها تحصن يغمراسن بن زيان صاحب تلمسان من بني عبد الوادي في سنة ست وأربعين وستمائة حين توجه إليه ملك المغرب علي بن أبي العلا ابن المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب مراكش الملقب بالسعيد وصعد إليه فقتل علي هنالك وذهبت محلته وفسد أمره واختلت حاله كلها، وربما أوردت طرفاً من خبره في ذكر تلمسان. تاكرنا (2) : مدينة بالأندلس بمقربة من استجة، وهي مدينة أولية إليها تنسب الكورة وبها بلاط من بنيان الأول لم يتغير. وإقليم تاكرنا منضاف إلى إقليم استجة، ومن مدن تاكرنا مدينة رندة وهي قديمة ولها آثار كثيرة، وسنذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى. تامسنا (3) : إقليم تامسنا في بلاد المغرب، وهناك مات الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز الصنهاجي صاحب المهدية سنة ست وستين وخمسمائة وكان انتقل إلى المغرب بأهله وولده فمات بإقليم تامسنا بموضع يقال له ابارزلو (4) وسكن المهدية ثمانية أعوام أو نحوها تحت لواء الموحدين. تبالة (5) : في الحجاز في طريق مكة من اليمن وبينهما أربع مراحل، وهي قرية صغيرة وبها عيون متدفقة ومزارع ونخل وفيها مسجد جامع ومنبر والماء من العيون والآبار، وهي في أسفل أكمة من تراب، وفيها جاء المثل: " أهون من تبالة على الحجاج " وكانت أول عمل وليه، فلما جاءها قيل له هي خلف هذه الأكمة، فقال: لا خير في بلدة تسترها هذه الأكمة، وولى راجعاً. وكان بتبالة في الجاهلية صنم لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب يقال له ذو الخلصة، وقال الشاعر (6) : لو كنت يا ذا الخلص الموتورا ... مثلي وكان شيخك المقبورا ... لم تنه عن قتل العداة زورا ... وكان أبوه قتل فأراد الطلب بدمه فأتى ذا الخلصة فاستقسم عنده بالأزلام فخرج السهم بنهيه عن ذلك فقال هذه الأبيات. وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عكرمة على صدقات عامر فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم (7) انحاز إلى تبالة في أناس من العرب ثبتوا على الإسلام فكان مقيماً بتبالة من أرض كعب بن ربيعة فجاءه كتاب أبي بكر رضي الله عنه، وكان أول بعث بعثه إلى أهل الردة، أن سر في من قبلك من المسلمين إلى أهل دبا فسار إليهم، الخبر بطوله. تبسا (8) : من بلاد إفريقية بقرب وادي ملاق، مدينة قديمة أزلية فيها آثار كثيرة للأول ومبان عجيبة ما بإفريقية بعد قرطاجنة أعظم منها، وبها دار ملعب قد تهدم أكثره أغرب ما يكون من البناء، وفيها هيكل يظن الرائي له أنه كما رفعت اليد عنه ما تكاد تعرف الفرق بين أحجاره، ولو غرزت الإبرة بين حجرين من حجاره ما وجدت منفذاً، وفي داخله أقباء معقودة وبعضها فوق بعض وبيوت تحت الأرض وأدراج كثيرة ولها منظر هائل، ويقال إن ذلك الهيكل كان لاستنزال الروحانيات لأن فيه أثر الدخن وفيه صور جميع الحيوانات وصور شاذة لا يعلم ما هي، وفي وسط المدينة هيكل عظيم مبني على سواري رخام، وقد صور

_ (1) لعلها هي التي ترد عند أبي زيد ابن خلدون 1: 21 باسم تاجرارت، فالكاف هنا جيم مصرية النطق، وفي تاريخ عبد الرحمن بن خلدون 7: 82 تامزردكت؛ وفي ص ع: تاكرت. (2) بروفنسال: 62، والترجمة: 78. (3) ابن خلدون 6: 162. (4) ص: ابازراو، واللفظة عند ابن خلدون ((اباررلو)) . (5) بعضه عن نزهة المشتاق: 54؛ وانظر ياقوت ومعجم ما استعجم في مادة ((نبالة)) . (6) هو امرؤ القيس: انظر ياقوت ((الخلصة)) . (7) ابن سعد 5: 444، وياقوت (دبا) . (8) البكري: 49، 145، والمؤلف ينقل عن الاستبصار: 162.

تبريز:

خارج حيطان هذا الهيكل من خارج صور جميع الحيوانات بأغرب ما يكون من التصوير، ويقال إنها كلها طلاسم قال بعضهم (1) : أعطاني إنسان من أهلها طلسماً وهو صورة أسدين س نحاس أحمر عجز الواحد منهما إلى عجز الآخر قد صورا أعجب ما يكون من التصوير، وكانت هذه البلدة لا يدخلها عقرب ولو أدخل فيها مات حتى حفر إنسان أساس دار فوجد قدر نحاس فيه عقارب من نحاس فسبكها وصرفها فيما احتاج إليه فدخلت العقارب المدينة وأضرت بالناس فيها. والمسكون اليوم من تبسا إنما هو قصرها وعليه سور من حجر جليل متقن العمل كأنما فرغ منه بالأمس، وهو حصن حصين، وفي مدينة تبسا أقباء تدخلها الرفاق بدوابهم أيام الشتاء، يسع القبو منها ألفي دابة وأكثر. وبقرب مدينة تبسا وادي ملاق وهو يقل في أيام الصيف وهو صعب المجاز كثير الدهس وعر المخاض، وعليه جبل يسمى قلب ملاق يرى على مسيرة أيام لعلوه وذهابه في الجو، وعلى مقربة من تبسا جبل يعرف بالمكتف (2) وفي أعلاه مغارة لا يقدر على الوصول إليها لا من فوق الجبل ولا من أسفله، ويقال إن فيها مالاً عظيماً وإن الطير إذا نزلت في تلك المغارة أو طارت عنها سقطت منها دنانير كبار من ذهب نفيس، وهذا متعارف في تلك البلاد، وبمدينة تبسا بساتين كثيرة وفواكه عجيبة ويجود فيها الجوز حتى يضرب به المثل في إفريقية. تبريز (3) : في خراسان من عمل أذربيجان. تبوك (4) : بين الحجر وأول الشام، وشرب أهلها من عين ماء خرارة وبها نخيل كثير، ويقال إن أصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب النبي عليه السلام كانوا بها، وكان شعيب من مدين. وتبوك أقصى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي أنه جاء في غزوة تبوك وهم يبوكون حسيها بالقدح أي يدخلونه فيه ويحركونه ليستدير ماؤه، فقال صلى الله عليه وسلم: " ما زلتم تبوكونها " فسميت تبوك، وفي تسع غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الروم في تبوك فكانت أقصى أثره، وبنى بها مسجداً وهو بها إلى اليوم، وقصة تبوك مستوفاة في سيرة ابن إسحاق (5) . تبت (6) : في بلاد الترك، وهي مملكة متميزة من بلاد الصين والغالب عليهم حمير، رتبهم بعض التبابعة، ولهم حضر وبدو، وبواديهم ترك لا يقوم لهم أحد من بلاد الأتراك، وهم معظمون في سائر أجناس الترك لأن الملك كان فيهم في قديم الزمان، وعند سائر أجناس الترك أن الملك سيعود إليهم، وهم قوم يداخلون أهل فرغانة ويتجهزون بالحديد والفضة والحجارة الملونة والجلود النمرية والمسك التبتي المنسوب إليها، وهي مدينة على نشز عال، وفي أسفلها سور منيع، وملكها ينزل فيها، وتصنع بها ثياب غلاظ حسنة لدنة (7) يباع الثوب منها بدنانير كثيرة لأنها حرير في قز، ويتجهز منها أيضاً بالرقيق والمسك إلى بلاد فرغانة وإلى بلاد الهند، وليس على معمور الأرض أحسن ألواناً ولا أرق بشراً ولا أجمل خلقاً ولا أنعم أبداناً من رقيق الترك، يسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار، وقد يبلغ ثمن الجارية منهن ثلثمائة دينار. ولبلد التبت خواص عجيبة في هوائه ومائه وأرضه وسهله وجبله، ولا يزال الإنسان به ضاحكاً فرحاً مسروراً لا تعرض له الأحزان ولا الهموم ولا الأفكار، ولا تحصى عجائب أنواع ثماره وزهره ومروجه وأنهاره، وهو بلد تقوى فيه طبيعة الدم على الحيوان الناطق وغيره من الحيوان، ولا تكاد ترى في هذه البلاد شيخاً حزيناً ولا عجوزاً بل الطرب في الشيوخ والكهول والشبان والأحداث عام، وفي أهله رقة طبع وبشاشة وأريحية تبعث على كثرة استعمال الملاهي بالمعاقرة وأنواع الرقص، حتى إن الميت إذا مات لا يكاد يداخل أهله كثير حزن، ولهم تحنن كثير بعضهم على بعض، والتبسم فيهم عام. والمشهور أنه تبت بالتاء المثناة، وقال المسعودي (8) : سمي هذا البلد بمن ثبت فيه ورتب له من رجال حمير فقيل ثبت لثبوتهم، وقد افتخر دعبل بن علي الخزاعي بذلك في قصيدته التي يناقض فيها الكميت ويفخر بقحطان على نزار:

_ (1) روى هذا صاحب الاستبصار عن نفسه ((ولقد دخلتها فأعطاني إنسان ... الخ)) . (2) الاستبصار: الكتف. (3) أوجز المؤلف كثيراً في هذه المادة، انظر ياقوت (تبريز) وعده تبريز من خراسان فيه تجوز كبير. (4) معجم ما استعجم 1: 303. (5) ابن هشام 2: 515 وما بعدها. (6) انظر ياقوت (تبت) ، ونزهة المشتاق: 151، والبكري (مخ) : 48، وابن الوردي: 32. (7) النزهة: ممدنة. (8) مروج الذهب 1: 351.

تدمر:

وهم كتبوا الكتاب بباب مرو ... وباب الصين كانوا الكاتبينا وهم سموا سمرقنداً بشمر ... وهم غرسوا هناك الثبتينا وبلاد التبت متاخمة لبلاد الصين وأرضها من إحدى جهاتها ولأرض الهند وخراسان ومفاوز الترك، ولهم مدن وعمائر كثيرة ذوات منعة وقوة، وكانوا في قديم الزمان يسمون ملوكهم تبعاً بتبع ملك اليمن، ثم إن لغاتهم تغيرت عن الحميرية وحالت إلى لغة تلك البلاد بمن جاورهم من الأمم. والأرض التي بها ظباء المسك من التبتي والصيني أرض واحدة متصلة، وإنما بان فضل المسك التبتي على الصيني لأن ظباء التبت ترعى السنبل وأنواع الأفاويه وظباء الصين ترعى الحشيش، ولأن أهل التبت لا يعرضون لإخراج المسك من نوافجه ويتركونه على ما هو عليه، وأهل الصين يخرجونه من النوافج ويلحقه الغش بالدم وغيره، ولو سلم المسك الصيني من ذلك كله لكان كالتبتي، وأجود المسك وأطيبه ما خرج من الظبي بعد بلوغه وتناهيه في النضج، والنافجة اسم فارسي معناه السرة، وأما ما يصاد من الظباء فتقطع منها نوافجها فإنه تكون فيه سهوكة فيبقى زماناً حتى تزول عنه تلك الرائحة، وإنما ذلك كالثمر إذا لم ينضج. وممن ينسب إلى تبت محمد بن محمد التبتي حدث بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الجماعة على خمس وعشرين من صلاة الواحد، وصلاة التطوع حيث لا يراه أحد مثل خمس وعشرين صلاة على أعين الناس ". تثليث (1) : موضع في بلاد بني عقيل، وقيل تثليث واد بنجد وهو على يومين من جرش في شرقيها إلى الجنوب وعلى ثلاث مراحل ونصف من نجران إلى ناحية الشمال، وقالوا: وتثليث لبني زبيد وهم فيها إلى اليوم، وبها كان سكنى عمرو بن معدي كرب، وقال الشاعر (2) : وراكب جاء من تثليث معتمر ... تخارستان: ويقال طخارستان بالطاء، من بلاد خراسان على مقربة من بلخ، وهي في مستو من الأرض، وهي كثيرة الأنهار والأشجار والجبال. تدمر (3) : من مدن الشام بالبرية، أولية يقال إن الجن بنتها لسليمان عليه السلام، وإلى ذلك يشير قول النابغة: ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد ومن حلب إليها خمسة أيام وكذلك من دمشق إليها وكذا من الرقة إليها وكذا من الرحبة إليها، ولها حصون لا ترام يسكنها فلال الناس واليهود واباق العبيد، وإليها يقصد كل قاطع سبيل وحامل نهب، ومتاجرة أهل تدمر فيه، وجبل لبنان بالقرب من هذا الموضع. وكانت الزباء الملكة تصيف بتدمر وتربع بالنجار، وسميت بتدمر بنت حسان بن أذينة، وهي بنتها وفيها قبرها وإنما سكنها سليمان بعدها. وعن عبد الله القسري قال: كنت مع مروان بن محمد فهدم ناحية من تدمر فإذا جرن من رخام طويل فاجتمع قوم فقلبوا عنه الطبق وظن مروان أن فيه كنزاً، وإذا فيه امرأة على قفاها قد ألبست سبعين حلة ولها غدائر سابغة قد ردت على صدرها وفي بعضها صفيحة ذهب مكتوب فيها: أنا تدمر بنت حسان بن أذينة الملك خرب الله بيت من خرب بيتي. فما لبثنا إلا قليلاً حتى جاء عبد الله بن علي لقتل مروان. تدمير (4) : من كور الأندلس سميت باسم ملكها تدمير ونسخة كتاب الصلح (5) الذي صالحه عليه عبد العزيز بن موسى

_ (1) معجم ما استعجم 1: 304. (2) هو أعشى باهلة، وصدر البيت: وجاشت النفس لما جاء فلّهم. (3) معجم ما استعجم 1: 307، والبكري (مخ) : 29. (4) بروفنسال: 62، والترجمة: 78. (5) وردت صورة من هذا الكتاب في بغية الملتمس: 259.

ترنكة:

نصير: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من عبد العزيز بن موسى ابن نصير لتدمير بن غندرس (1) أنه نزل على الصلح وأن له عهد الله وذمته وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يقدم له ولا لأحد من أصحابه ولا يؤخر ولا ينزع من ملكه، وانهم لا يقتلون ولا يسبون ولا يفرق بينهم وبين أولادهم ولا نسائهم ولا يكرهوا على دينهم ولا تحرق كنائسهم، ولا تشع عن ملكه ما تعبد ونصح وأدى الذي اشترطنا عليه، وأنه صالح على سبع مدائن اوريولة وبلنتله ولقنت ونوله (2) وبلانة (3) ولورقة وأله (4) ، وأنه لا يؤوي لنا آبقاً ولا يخيف لنا آمناً ولا يكتم خبر عدو، وأن عليه وعلى أصحابه ديناراً كل نسمة (5) وأربعة أمداد شعير وأربعة أقساط طلا وأربعة أقساط خل وقسطي عسل وقسطي زيت، وعلى العبد نصف ذلك، وكتب في رجب سنة أربع وتسعين من الهجرة. تدلس (6) : مدينة كبيرة بحرية بين بجاية والجزائر وبينها وبين مرسى الدجاج أربعة وعشرون ميلاً وهي على شرف متحصنة لها سور حصين وآثار ومتنزهات، وبها من رخص الفواكه والأسعار والمطاعم والمشارب ما لا يوجد في غيرها، والبقر والغنم بها موجودة كثيرة رخيصة الأثمان، وبينها وبين بجاية في البر تسعون ميلاً، وكان يحيى بن إسحاق الميورقي دخلها دخلة منكرة وفعل فيها أفعالاً مشهورة بالتخريب وهتك الأستار. ترمذ (7) : في خراسان، منها الترمذي محمد بن عيسى بن سورة الحافظ صاحب كتاب " الجامع " توفي سنة سبع وتسعين ومائتين، وترمذ على الضفة الشرقية من جيحون وهو يضرب سورها، ولها ربض كبير يحيط بها، ودار الإمارة في قصرها، ولها أسواق وعمارات، وأسواقها في مدينتها، وهي مدينة حسنة عامرة آهلة مفروشة الأزقة في الشوارع بالآجر، وهي فرضة لتلك النواحي التي على جيحون، وشرب أهلها من جيحون، وبينها وبين بلخ مرحلتان وبينها وبين مدينة الصغانيان خمس مراحل، وهي أكبر من الترمذ، والترمذ أكثر أهلاً. وفي سنة إحدى عشرة وستمائة سار خوارزم شاه بجموعه الكثيفة إلى صاحب الترمذ وراء نهر جيحون حتى أخذه وقتله كما فعل بصاحب الباميان واستولى على بلادهما ولم يبق له في تلك الجهات من ملوك الإسلام مجاور، وصار كلما فتح مملكة ولى عليها مملوكاً من مماليكه فخلت الممالك من الذخائر وعدمت تدبير الملوك وصار ذلك توطئة لخراب البلاد. ترشيش: هو اسم لتونس، ونؤخر الكلام عليها إلى موضع ذكر تونس إذ هو الاسم الأشهر لها. ترنكة (8) : من بلاد السودان تلي مدينة قلنبو (9) ، وترنكة مدينة كبيرة على نظر (10) واسع، وبها تصنع الأزر المسماة بالشنكيات (11) وهي من القطن، وليس بهذه المدينة قطن كثير وإنما هو مجلوب إليها وهم يتبركون بشجره، فقل ما عندهم منزل ولا دار إلا وفيه شجرة قطن. وحكم أهل هذه البلاد في السارق أن يخير صاحب السرقة في بيع السارق أو قتله، وحكمهم في الزاني أن يسلخ من جلده. ومن مدينة ترنكة تصل بلاد السودان إلى بلد راكنو (12) وهم من البرابر وهم يعبدون ثعباناً عظيماً له عرف وذنب ورأسه كرأس البخت، وهو في مغارة في أصل جبل وعلى فم المغارة عريش وحوله مواضع يتعبدون فيها لذاك الثعبان، ويعلقون نفيس الثياب والمتاع على تلك المغارة، ويصنعون لذلك الثعبان جفان الطعام وعساس اللبن والشراب، فهم إذا أرادوا خروجه إلى ذلك العريش تكلموا كلاماً معلوماً عندهم وصفروا تصفيراً كذلك فيبرز إليهم، فإذا هلك وال من ولاتهم جمعوا أولاده إن كان له ولد ومن يصلح للملك بعده وقربوهم من ذلك الثعبان فلا يزال يشمهم رجلاً رجلاً حتى ينفخ أحدهم بأنفه، ثم يولي ذلك الثعبان راجعاً إلى مغارته فيتبعه ذلك الرجل والثعبان مسرعاً إلى المغارة والرجل يجهد في الجري خلفه بأشد ما يقدر عليه فيجذب من ذنبه أو عرفه شعرات فتعد

_ (1) ص: عبدوش؛ البغية: غبدوش. (2) بروفنسال: ومولة. (3) ص ع: وفلانة وفلانة، وفي موضعهما في البغية: وبقسرة وأية، فكأن المؤلف كنى عنهما حين لم يستطع قراءتهما. (4) أله: (Ello) ، وقد عينها بعض الباحثين في منطقة مرسية، وفي قراءة البغية أيه، وذهب آخرون إلى أنها (Ojos) وهي أيضاً في مقاطعة مرسية. (5) البغية وبروفنسال: سنة. (6) الإدريسي (د/ ب) : 90/ 62. (7) نزهة المشتاق: 145، وابن حوقل: 394، والكرخي: 166، وياقوت (ترمذ) . (8) الاستبصار: 218، والبكري: 173 (ترنقة) . (9) ص ع: قلنيق. (10) ص ع: بطن. (11) الاستبصار والبكري: الشكيات. (12) الاستبصار: زافون؛ البكري: زافقوا.

ترجالة:

ويعلمون أنه يملك قومه عدد تلك الشعرات سنين لا يخطئهم ذلك بزعمهم، وهذه سنة استنتها ركاكة عقولهم، عصمنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن (1) . ترنوط (2) : فحص على ستة أميال من المدينة منه زاحف أبو يزيد مخلد بن كيداد النكار المهدية وبه كانت محلته أيام حصاره لها، وفي كتب الحدثان: إذا ربط الخارجي خيله بترنوط لم يبق لأهل السواد محلول ولا مربوط - أهل السواد أهل الساحل -، وفيها: ويل لأهل السواد من مخلد بن كيداد. توبوت (3) : في بلاد كتامة مدينة بقرب تيجس ويسمى هذا الطريق بالجناح الأخضر. ترجالة (4) : مدينة بالأندلس كالحصن المنيع لها أسوار وأسواق عامرة وخيل ورجل يقطعون أعمارهم في الغارات على بلاد الروم والأغلب عليهم التلصص والخداع. وفي سنة ثلاثين وستمائة نزل الروم على ترجالة فحاصروها، فخرج إليهم محمد بن يوسف بن هود طامعاً في انتهاز فرصة فيهم فلم يمكنه ذلك فرحل إلى اشبيلية وأخذ منها ميراً حمله إلى ترجالة فجاءه الخبر بأخذ الروم لها فرجع إلى اشبيلية. وكان تملك الروم لترجالة في ربيع الأول من هذه السنة. تطيلة (5) : مدينة بالأندلس في جوفي وشقة، وبين الجوف والشرق من مدينة سرقسطة، ويطيف بجنات تطيلة نهر كالش، وهي من أكرم تلك الثغور تربة يجود زرعها ويدر ضرعها وتطيب ثمرتها وتكثر بركتها، وأهل تطيله لا يغلقون أبواب مدينتهم ليلاً ولا نهاراً قد انفردوا بذلك من بين سائر البلاد. ومن الغرائب المستطرفة أنه كان بتطيلة، بعد الأربعمائة من الهجرة أو على رأسها، امرأة لها لحية كاملة كلحى الرجال وكانت تتصرف في الأسفار وسائر ما يتصرف فيه الناس فلا يؤبه لها حتى أمر قاضي الناحية بنسوة من القوابل بالنظر إليها، وأحجمن عن تلك المعاينة من منظرها فألزمهن النظر إليها فإذا بها امرأة كسائر النساء، فأمر القاضي بحلق لحيتها وأن تتزيا بزي النساء ولا تسافر إلا مع ذي محرم. ومن بنات تطيلة مدينة طرسونة، ومن تطيلة الشاعر المجيد التطيلي الأعمى صاحب القصيدة المشهورة التي أولها (6) : ألا حدثاني عن فل وفلان ... لعلي أرى باق على الحدثان تكريت (7) : بالعراق بين دجلة والفرات، وقيل هي من كور الموصل، من سر من رأى إلى تكريت، وهي مدينة قديمة كبيرة واسعة الأرجاء جميلة الأسواق كثيرة المساجد غاصة بالأهل، أهلها أحسن أخلاقاً وقسطاً في الموازين من أهل بغداد، ودجلة منها في جوفها ولها قلعة حصينة على الشط هي قصبتها المنيعة ويطيف بالبلد سور، وهي من المدن العتيقة، وهي على شاطئ دجلة في الجانب الغربي ينزلها قوم يقال لهم الجرامقة وبها تجار مياسير، ومنها تأخذ فوهة النهر الإسحاقي (8) الذي حفره المعتصم إلى الضياع التي استنبطها في الجانب الغربي بسر من رأى، وبين تكريت والموصل ثلاث مراحل، والغالب على أهل تكريت أنهم نصارى وأبنيتهم بالجص والآجر، ومن تكريت يشق نهر دجيل الآخذ من الدجلة فيشق ربضها ويمر إلى سواد سر من رأى فيعبره إلى قرب بغداد. قال الخبريون (9) : كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر رضي الله عنهما باجتماع أهل الموصل إلى الانطاق وإقباله بهم إلى تكريت حتى نزل بها وخندق عليه ليحموا أرضه، فأمر عمر سعداً رضي الله عنهما أن يسرح إلى الانطاق عبد الله بن المعتمر (10) ففصل إليه عبد الله من المدائن في آلاف، فسار إلى تكريت حتى

_ (1) زيادة من ص. (2) البكري: 31. (3) ع: تربوت، ص: ترحوت؛ وأثبتنا ما في البكري: 54، ويبدو أن المؤلف وجدها بالراء ولهذا أدرجها في مادة التاء المتبوعة براء. (4) بروفنسال: 63، والترجمة: 79 (Trujillo) ، وعند ياقوت: ترجيلة، بضم التاء. (5) بروفنسال: 64، والترجمة: 80 (Tudela) وبعض المادة عن الإدريسي (د) : 187، وتطيلة اليوم في مقاطعة نافار (نبره) على بعد 78 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من سرقسطة. (6) انظر ديوانه: 224، وراجع عن حياته مقدمة الديوان. (7) بعضه عند ابن جبير: 232. (8) نسبة غلى إسحاق بن إبراهيم صاحب شرطة المتوكل (انظر بسط الأرض: 91) . (9) الطبري 1: 2474. (10) الطبري: المعتم؛ وفي بعض أصوله ((المعتمر)) .

تكرو:

نزل على الأنطاق ومعه الروم وتغلب وإياد والنمر (1) وقد خندقوا فحصرهم أربعين يوماً وتزاحفوا أربعة وعشرين زحفاً في كلها يهزم الله تعالى المشركين ولا يخرجون خرجة إلا كانت عليهم، فلما رأت الروم ذلك تركوا أمراءهم ونقلوا متاعهم إلى السفن. وقد كان عبد الله بن المعتمر وكل بالعرب ليدعوهم إليه وإلى نصرته على الروم رجالاً من تغلب وإياد والنمر فكانوا لا يخفون عنه شيئاً، فأقبلت إليه العيون منهم بما فعلته الروم وسألوه للعرب السلم وقد أخبروه أنهم قد استجابوا، فأرسل إليهم: إن كنتم صادقين فاشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقروا بما جاء به من عند الله ثم أعلمونا رأيكم (2) ، فردوا إليه رسله بالإسلام، فأرسل إليهم إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا قد نهدنا إلى الأبواب التي تلينا لندخل عليهم منها فخذوا بالأبواب التي تلي دجلة (3) وكبروا وقاتلوا واقتلوا من قدرتم عليه، فانطلقوا حتى واطأوهم على ذلك، ونهد عبد الله والمسلمون لما يليهم وكبروا وكبرت تغلب وإياد والنمر وقد أخذوا بالأبواب، فحسب القوم أن المسلمين أتوهم من خلفهم فابتدروا الأبواب التي أمامهم، فأخذتهم سيوف المسلمين مستقبليهم وسيوف الذين أسلموا ليلتئذ من خلفهم، فلم يفلت من أهل الخندق إلا من أسلم من تغلب وإياد والنمر، واقتسم المسلمون بتكريت ما أفاء الله عليهم على أن لكل سهم ألف درهم: للفارس ثلاثة آلاف وللراجل ألف، وبعثوا بالأخماس مع فرات بن حيان وبالفتح مع الحارث بن حسان، وولي حرب الموصل ربعي بن الأفكل والخراج عرفطة (4) بن هرثمة. وقد ملح بعض المتأخرين في تسفيه رأي أميره والتهكم به في رميه الغرض الأقصى وهو مقصر عن أدناه في قوله (5) : تكريت تعجزنا ونحن لسخفنا ... نمضي لنأخذ ترمذاً من سنجر والحيص بيص أمير جمع وافر ... وأنا بشعوذتي طبيب العسكر تكرو (6) : مدينة بالمغرب بينها وبين البحر نحو عشرة أميال، وهي بين رواب وجبال ولها نهران أحدهما يعرف بتكرو، به سميت ومخرجه من الجبل الذي ينبعث منه النهر المعروف بورغه، وهو نهر كبير من أنهار المغرب. ومدينة تكرو كثيرة البساتين طيبة الفواكه لا يوجد في بلد مثل رمانها وكمثراها، وهي قديمة افتتحها سعيد بن ادريس بن صالح الحميري المعروف بالعبد الصالح في أيام الوليد بن عبد الملك قبل دخول موسى بن نصير، وعلى يديه أسلم بربر تلك الجهات ثم ارتدوا ولما تثبت عليهم شرائع الإسلام، وتجاور جبل غمارة. تكرور (7) : مدينة في بلاد السودان بقرب مدينة صنغانة على النيل، وهي أكبر من مدينة سلى وأكثر تجارة، وإليها يسافر أهل المغرب الأقصى بالصوف والنحاس والخرز ويخرجون منها بالتبر والخدم، وطعام أهل سلى وأهل تكرور السمك والذرة والألبان، وأكثر مواشيهم الجمال والمعز، ولباس عامة أهلها الصوف وعلى رؤوسهم كرازي الصوف ولباس خاصتهم القطن والمآزر، ومن مدينة سلى وتكرور إلى سجلماسة أربعون يوماً بسير القوافل وأقرب البلاد إليها من بلاد لمتونة الصحراء أزقى وبينهما خمس وعشرون مرحلة. تل (8) : من بلاد الجزيرة بقرب مدينة سميساط، وهي كبيرة آهلة وأهلها أنباط، وبها سوق عظيمة، وهي كثيرة الكروم والزروع. تلعفر: هي مدينة مصاقبة لسنجار منها الموفق التلعفري مظفر بن محمد كان متفنناً في العلوم القديمة والحديثة رقيق الشعر، وكتب من شعره على تقويم صنعه لقطب الدين صاحب سنجار:

_ (1) ص ع: واليمن. (2) ص ع: أعلموا ما رأيكم. (3) ص ع: دجيلة. (4) ص ع: والجراح بن عرفطة. (5) هذا الشاعر هو ابن القطان البغدادي، توفي ببغداد سنة 585 (انظر ابن خلكان 6: 53 والمنتظم 10: 207، وابن أبي أصبيعة 1: 283 - 290، ومصادر أخرى مذكورة في حاشية ابن خلكان) . (6) وردت هذه المادة في الاستبصار: 136 تحت اسم ((نكر)) ، وبعضها عند البكري: 90 واسم المدينة عنده: تكور؛ وقال الإدريسي (د) : 171، ومن مدينة باديس غلى مرسى بوزكور 20 ميلاً، وكانت مدينة فيما سلف لكنها خربت ولم يبق لها رسم وتسمى في كتب التاريخ نكور. وقد تصحفت لفظة ((نكور)) في أصول نزهة المشتاق التي اعتمدتها فجاءت في صور أخرى أقربها غلى ما أثبته صاحب الروض ((تكوز)) ؛ وهذا يد على أن المؤلف نقل الاسن عن بعض أصول الاستبصار (أو نزهة المشتاق) . (7) الإدريسي (د/ ب) : 3/ 4، وانظر الاستبصار: 217، والبكري: 172، وصبح الأعشى 5: 286. (8) المألوف أن تضاف لفظة ((تل)) غلى ما بعدها مثل تل موزن، تل باشر ... الخ، ويبدو أن المؤلف أسقط هنا الإضافة، فلم يعد تحديد الموضع ممكناً.

تلمسان:

تضمن حسبان مجرى النجوم ... وكاد يبوح بسر الفلك فما كان شراً فللحاسدين ... وما كان خيراً وبشرى فلك تلمسان (1) : قاعدة المغرب الأوسط، وحد المغرب الأوسط من واد يسمى مجمع وهو في نصف الطريق من مدينة مليانة إلى أول بلاد تازا من بلاد المغرب، وبلاد المغرب في الطول والعرض من البحر الذي على ساحله مدينة وهران ومليلة وغيرهما إلى مدينة سول (2) وهي مدينة في أول الصحراء وهي على الطريق إلى سجلماسة وواركلان وغيرهما من بلاد الصحراء. ومدينة تلمسان مدينة عظيمة قديمة فيها آثار للأول كثيرة تدل على أنها كانت دار مملكة لأمم سالفة، وبينها وبين وهران مرحلتان وهي في سفح جبل أكثره شجر الجوز وكان لها ماء مجلوب من عمل الأول من عيون تسمى لوريط (3) بينها وبين المدينة ستة أميال، ولها نهر كبير يسمى سطفسيف. وكانت تلمسان دار مملكة زناتة في هذه العصور القريبة وحواليها قبائل كثيرة من زناتة وغيرهم من البربر. وهي كثيرة الخصب والرخاء كثيرة الخيرات والنعم، ولها قرى كثيرة وعمائر متصلة ومدن كثيرة ترجع إلى نظرها. ولها خمسة أبواب ثلاثة منها في القبلة: باب الحمام وباب وهيب (4) وباب الخوخة وفي الشرق باب العقبة وفي الغرب باب أبي قرة، وفيها بقية من النصارى ولهم بها كنيسة معمورة. ولها (5) سور متقن الوثاقة، وهي مدينتان في واحدة، ولها نهر يأتيها من جبلها المسمى الصخرتين ونهر شرقي المدينة وعليه أرحاء كثيرة، ومزارعها كثيرة وفواكهها جمة ولحومها شحمة، ولم يكن في بلاد المغرب بعد أغماك وفاس أكثر من أهلها أموالاً ولا أرفه حالاً وفاس أكبر من تلمسان نظراً وأجل قدراً وأكثر خيراً ومالاً وأعلى همة في المباني واتخاذ الديار الحسنة. ومدينة تلمسان أول بلاد المغرب، وهي على طريق الداخل والخارج منه ولا بد من الاجتياز عليها على كل حال. ونزلها (6) محمد بن سليمان بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ومن ولده عيسى أبو العيش بن ادريس بن محمد بن سليمان الذي بنى جراوة وكان أميرها وبها توفي. ولم تزل تلمسان داراً للعلماء والمحدثين وأهل الرأي على مذهب مالك. وفي الجنوب من تلمسان قلعة ابن الجاهل وهي قلعة منيعة كثيرة الثمار والأنهار ويتصل بها جبل تارني وهو وما يليه جبال مصمودة، وهو جبل كبير معمور فيه القرى الكثيرة والعمائر المتصلة. وفي الشمال من مدينة تلمسان قرية كبيرة تسمى باب القصر فوقها جبل يسمى جبل الفضل (7) ينبعث من أسفله نهر سطفسيف ويصب في بركة عظيمة من عمل الأول ويسمع لوقوعه فيها خرير شديد هائل على مسافة ثم ينبثق من تلك البركة بحكمة مدبرة إلى موضع يسمى المهراز (8) فيسقي هناك مزارع وأولاجاً كثيرة تسمى أولاج الجنان (9) وتلك المواضع من أجل بقاع تلك البلاد ثم يصب في نهر تافنا وهو النهر المتصل بمدينة أرشقول، ولتلمسان فحص طوله خمسة وعشرون ميلاً، ومدينة أرشقول على نهر تافني يقبل من قبليها ويسير بشرقيها، تدخل فيه السفن اللطاف من البحر إلى المدينة، وبينهما ميلان. وكان هذا الغرب الأوسط قد تملكه العلويون (10) من بني ادريس وتسموا بالخلافة، ولم تزل تلمسان على قديم الزمان مخطوبة مرغوباً فيها، وكانت امتنعت على عبد المؤمن بن علي فتوجه إليها بالعساكر صاحبه الشيخ المعظم أبو حفص صاحب الإمام المهدي، فنزل عليها وحاصرها حتى فتحها غب مطاولات ومجاولات، وبعد لأي ما انقادوا وحسنت طاعتهم وذلك في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وقصدها (11) يحيى بن إسحاق في سنة خمس وستمائة لما والى صاحب إفريقية عليه الهزائم الإفريقية ويئس منها وقال لأصحابه:

_ (1) الاستبصار: 176، والبكري: 76. (2) البكري: تيزل؛ والاستبصار: تنزل. (3) الاستبصار: بوريط؛ وجعله اسماً للنهر لا للعيون؛ وعند البكري ((لوريط)) باللام. (4) البكري: وهب. (5) الإدريسي (د/ ب) : 80/ 54. (6) عاد إلى النقل عن البكري: 77. (7) البكري: البغل. (8) البكري: المهاز. (9) البكري: ولج الحنا. (10) ص ع: العلوي. (11) انظر تفصيل الخبر عن هذه الكائنة في البيان المغرب 3: 229 (تطوان) .

تماجر:

ما بقي لكم طمع فيها فهلموا إلى بلاد المغرب ففيه ما يجبركم، فوصل في هذه السنة بحشوده إثر الوقيعة التي كانت عليه بوادي الدبوسي من سفح جبل نفوسة مع الشيخ المجاهد أبي محمد عبد الواحد قاصداً إلى صاحب تلمسان موسى بن يوسف بن عبد المؤمن، وخرج إليه موسى بجموعه ومن صحبه من فرسان زناتة فالتقوا بتاهرت في شوال سنة خمس المذكورة، فانهزم أصحاب موسى وأخذهم السيف وأثخن فيهم وقتل موسى وأسر أحد أولاده، وأحاط يحيى بن إسحاق بعسكره ولم تبق له باقية، وكان هذا اليوم من غرر أيام يحيى شفى فيه غيظه وأخذ بثأره وانصرف ظافراً غانماً، وبقي ولد موسى أسيراً في يد الأعراب حتى فداه صاحب إفريقية، وفقد من محلة موسى نحو من ألف وسبعمائة إنسان، وانبسطت جموع يحيى في تلك الجهات وعاثوا فيها وارتاع أهل تلمسان وأغلقوا بابهم وأذهلتهم فجأة هذا الأمر، ودام عيث أصحاب يحيى في أقطارها وجهاتها حتى امتلأت أيديهم بالأسباب والأمتعة والأموال، فكانت هذه الوقيعة شبيهة بوقيعة عمرة الكائنة في مدة المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن. ولما بلغ الملك الناصر بمراكش خبر هذه الوقيعة ومقتل موسى وجه أبا زيد بن يوجان (1) وزير أبيه في عسكر في طلب هذا العدو وقد انكمش لائذاً بصحراء طرابلس. وكان (2) صاحب تلمسان يغمراسن بن زيان من بني عبد الوادي قد تمادى في غيه ونبذ طاعة ملك إفريقية الأمير أبي زكريا وأعلن بالخلاف فتحرك إليه من تونس في عساكره وحشوده، فخرج من تونس في السادس والعشرين من شوال سنة تسع وثلاثين وستمائة، وجعل يتلوم عليه ويأمر من يندبه إلى مراجعة الطاعة إلى أن انتهى إلى تلمسان فنزل عليها، فكان بنو عبد الوادي يخرجون كل يوم فيطاردون العسكر ثم يرجعون إلى مدينتهم، وصابروهم إلى أن ضاق مجالهم وانحجزوا في مدينتهم ورجعوا إلى النشاب وأغلقوا الأبواب فأحرق بعضها ودخلت عليهم البلدة عنوة وخرج يغمراسن من أحد أبوابها فاراً لا يلوي على شيء، وملك الأمير أبو زكريا البلد وأنهبها ثم أمنها بعد ذلك، وعفا عن الناس، ثم عفا عن يغمراسن وأمنه وأذن له في الرجوع إلى بلده، وكان فتحها في العاشر من صفر سنة أربعين وستمائة، وخافه صاحب مراكش يومئذ عبد الواحد بن أبي العلا ادريس بن المنصور يعقوب الملقب بالرشيد، وكان بمراكش يوم تحقق دخوله في طريق إفريقية أفراح عظيمة، وقالت الشعراء في ذلك وأكثرت، من ذلك قول الأديب الكاتب أبي عبد الله محمد بن الأبار من قصيدة: دنت غمرات الموت من يغمراسن ... فأجفل كالخرقاء يعتسف الخرقا فأين الذي كان ادعى من زعامة ... لمعشره يا شد ما اجتنب الصدقا وفروا وكان المكر فيهم سجية ... ومن ذا يطيق الطعن والضرب والرشقا سلا عن سلا هل طلها العارض الذي ... أطل على مراكش يحمل الصعقا وهل سكنت فاس وسبتة بعده ... أم اصطكتا كالخافقين له خفقا وهل أخذت روم الجزيرة حذرها ... من الفتكة النكراء تمحقهم محقا لفتح تلمسان على الشرك عنوة ... أشق بحكم القسر منه على الأشقى رمت للإمام المرتضى بقيادها ... فأحرزها علقاً وأوسعها عتقا وأسرف أهلوها معاصي أوبقت ... فما زاد أن أغضى حناناً وأن أبقى تماجر (3) : بين القيروان والمهدية من القيروان إليها مرحلة، وتماجر كبيرة آهلة بها جامع وأسواق وفنادق وحمام وماؤها زعاق، وفي وسطها غدير ماء وحولها غابة زيتون وأعناب، وبين تماجر والمهدية الوادي المالح الذي كانت فيه الوقيعة المشهورة بين أبي يزيد وأبي القاسم (4) قتل فيها من أصحاب أبي القاسم عدد لا يحصى، وهي مدينة كبيرة قديمة.

_ (1) ص ع: أبا زيد بن موسى وجان. (2) انظر تاريخ الدولتين: 21، والفارسية: 109. (3) البكري: 29. (4) يعني بين مخلد بن كيداد وأبي القاسم العبيدي.

تنيس:

تنور: قال المفسرون في قوله تعالى: " وفار التنور " كان في موضع مسجد الكوفة اليوم، وانظر ما قاله المفسرون في ذلك (1) . تنيس (2) : من مدن مصر، وهي مدينة كبيرة أولية فيها آثار كثيرة للأول، وأهلها ذوو يسار وثروة وأكثرهم حاكة وبها تحاك ثياب الشروب التي لا يصنع مثلها في الدنيا، ويصنع فيها لصاحب مصر قميص لا يدخل فيه من الغزل سدى ولحمة غير أوقيتين وينسج (3) من الذهب أربعمائة دينار قد أحكمه صانعه حتى لم يخرج إلى تفصيل ولا خياطة غير الجيب واللبات تبلغ القيمة فيه ألف دينار، وكذلك إلى الآن يصنع لكل ملك يملك مصر هذا الثوب في كل عام ويسمى هذا القميص البدنة، وليس في جميع الدنيا طراز ثوب كتان يبلغ الثوب منه وهو ساذج دون ذهب مائة دينار عيناً غير طراز تنيس ودمياط. ويسكن بجزيرة تنيس ودمياط نصارى تحت الذمة. وأهل تنيس يصيدون السمانى وغير ذلك من الطير على أبواب دورهم، والسمانى طائر يخرج من البحر فيقع في تلك الشباك، ويقال (4) إن بحيرة تنيس بها كانت الجنتان المذكورتان في القرآن كانتا لرجلين أحدهما مؤمن والآخر كافر فافتخر الكافر بكثرة ماله وولده فقال له أخوه: ما أراك شاكراً على ما رزقت، فنزع ذلك منه، ويقال إنه دعا عليه فغرق الله تعالى جميع ما كان للكافر في البحر حتى كأنها لم تكن في ليلة واحدة. وهذه البحيرة قليلة العمق يسار فيها بالمعادي وتلتقي فيها السفينتان هذه صاعدة وهذه نازلة بريح واحدة وقلع كل واحدة منهما مملوء بالريح، سيرهما في السرعة مستو، وكانت تنيس أخصب بلاد الله تعالى وأكثرها ثماراً وفاكهة، وكانت مقسومة بين ملكين أخوين كان أحدهما مؤمناً والآخر كافراً، فأنفق المؤمن أمواله في وجوه البر حتى باع من أخيه الكافر حصته من تنيس وزاد فيها الكافر غروساً وأنهاراً وبنى فيها مصانع فاحتاج أخوه إلى ما في يده فمنعه وسطا عليه بماله وحشمه واحتقره لفقره، فقال له أخوه المؤمن: ما لي أراك غير شاكر لله تعالى على ما رزقك ويوشك أن ينتزع ذلك منك ويغير نعمته عندك، فأرسل الله تعالى على جناته ومصانعه الماء فأصبحت خاوية على عروشها فهما اللذان عنى الله عز وجل في سورة الكهف: " واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً " إلى آخر الآية، وتركب السفن من تنيس إلى الفرما وهي على ساحل البحر. وحكى الحافظ محمد بن طاهر المقدسي (5) وكان أحد الرحالين في طلب الحديث والحذق بالتصنيف قال: أقمت في تنيس مدة أقرأ على أبي محمد الحداد ونظرائه فضاقت حالي ولم يبق معي غير درهم وكنت في ذلك اليوم أحتاج إلى خبز وأحتاج إلى كاغد وكنت أتردد إن صرفته في الخبز لم يكن لي كاغد، وإن صرفته في الكاغد لم يكن لي خبز، ومضى على هذا ثلاثة أيام بلياليها لم أطعم فيها، فلما كان بكرة اليوم الرابع قلت في نفسي: لو كان في اليوم كاغد لم يمكني أن أكتب فيه شيئاً لما بي من الجوع، فجعلت الدرهم في فمي وخرجت لأشتري الخبز فبلعته، ووقع علي الضحك، فلقيني بعض الناس فقال لي: ما أضحكك؟ قلت: خير، فألح علي فأبيت أن أخبره، فحلف بالطلاق لتصدقني فأخبرته، فأخذ بيدي وأدخلني منزله وتكلف لي طعمة، فلما كان وقت الظهر خرجت أنا وهو إلى الصلاة فاجتمع به بعض وكلاء عامل تنيس يعرف بابن قادوس فسأله عني وقال: إن صاحبي منذ شهر أمرني أن أوصل إليه في كل يوم عشرة دراهم قيمتها ربع دينار وسهوت عنه، فأخذت منه ثلثمائة درهم وكان بعد ذلك يصلني ذلك المقدار إلى أن خرجت إلى الشام. وفي خبر (6) ابن طولون صاحب مصر أنه لما استدعى القبطي الذي كان ساكناً بصعيد مصر وسأله عن بحيرة تنيس ودمياط قال: كان موضع البحيرة أرضاً لم يكن بديار مصر مثلها في طيب

_ (1) قال ابن الجوزي في زاد المسير 4: 105 واخلتفوا في المكان الذي فار منه التنور على ثلاثة أقوال: أحدها أنه فار من مسجد الكوفة ... وكان الشعبي يحلف بالله ما كان التنور إلا بناحية الكوفة، والثاني أنه فار بالهند.... والثالث: أنه كان في أقصى دار نوح، وكانت بالشام في مكان يقال له: عين وردة. (2) الاستبصار: 87، والإدريسي (د) : 156، وصبح الأعشى 3: 304، 383. (3) بعدها بياض بمقدار أربع كلمات أو خمس، وليس هناك بياض في الاستبصار. (4) انظر الخطط 1: 176. (5) هو ابو الفضل المعروف بابن القيسراني، توفي سنة 557، انظر ترجمته في ابن خلكان 4: 287، ومصادر أخرى ذكرت في حاشية ابن خلكان. (6) المروج 2: 374، وانظر مادة ((صعيد)) .

التنعيم:

التربة وزكاء الريع، قال: وكانت جناناً متصلة ولم يكن بمصر كورة يقال إنها تشبه الفيوم إلا هي وحدها، وكانت أكثر فاكهة منه وكان الماء ينحدر إلى قرى موضع البحر صيفاً وشتاء يسقون منه متى شاءوا، وفضل الماء ينصب في البحيرة. وكان بين العريش وقبرس طريق مسلوكة في تنيس وبينهما اليوم سير طويل في البحر، فلما كان قبل افتتاح المسلمين البلاد المصرية بمائة سنة طغى ماء البحر وزاد فأغرق القرى التي كانت في موضع البحيرة فما كان منها في البقاع المرتفعة، فهي باقية إلى الآن وقد أحاط بها الماء. وأذكر حكايته في حرف الصاد في رسم صعيد وبقية الخطاب في قصة له هي مذكورة هناك (1) . تنس (2) : مدينة بقرب مليانة بينها وبين البحر ميلان، وهي مسورة حصينة وبعضها على جبل وقد أحاط به السور، وبعضها في سهل الأرض، وهي قديمة أزلية، وشرب أهلها من عين بها، وبها فواكه وخصب وإقلاع وانحطاط، ولها أقاليم وأعمال ومزارع، وبها حنطة ممكنة وسائر الحبوب بها موجودة، ويخرج عنها إلى كل الآفاق في المراكب وبها من السفرجل الطيب مما لا يوجد في غيرها، وداخلها قلعة صعبة المرتقى ينفرد بسكناها عامل تنس لمنعتها، وبها مسجد جامع وأسواق جميلة (3) كثيرة وهي على نهر يسمى نتاتين (4) يأتيها من جبال على مسيرة يوم فيأتيها من القبلة ويستدبرها من جهة الشرق والجوف، ويصب في البحر، وبها حمامان (5) وهي كثيرة الزرع رخيصة الأسعار منها يحمل الطعام إلى الأندلس وإلى أكثر بلاد إفريقية والمغرب لكثرة الزرع عندهم ولكنها وبيئة يكاد من يدخلها لا يسلم من المرض وكثيراً ما يموت بها الغرباء، وتنس هذه هي التي تسمى الحديثة، وعلى البحر حصن يذكر أهل تنس أنه كان المعمور قبل هذه الحديثة، وتنس الحديثة أسسها وبناها البحريون من أهل الأندلس سنة اثنتين وستين ومائتين، ولها بابان إلى القبلة وباب البحر وباب ابن ناصح وباب الخوخة ويخرج منه إلى عين تعرف بعين عبد السلام ثرة عذبة، وفيها يقول الشاعر: أيها السائل عن أرض تنس ... بلد اللؤم لعمري والدنس بلدة لا ينزل القطر بها ... للندى في أهلها حرف درس فصحاء النطق في لا أبداً ... وهم في نعم بكم خرس فمتى يلمم بها جاهلها ... يرتحل عن أرضها قبل الغلس ماؤها من قبح ما خصت به ... نجس يجري على أرض نجس فمتى تلعن بلاداً مرة ... فاجعل اللعنة دأباً لتنس ومن تنس علي بن الملثم التنسي، جيء به إلى المعتمد والي دمشق وادعي عليه أنه كشف وجه غلام جميل من أبناء عمال الديوان وقد خرج من الحمام فقبله فهم الوالي بضربه، فقال: لا تعجل علي حتى تسمع ما قلت، ثم أنشد: أتواني حملت في الفلك الدا ... ئر أم جال بي كرى من خيال أم تعالت أرض وحطت سماء ... أم رقى الجن بي لأقصى منال بيدي هذه كشفت حجاب ال ... سجف حتى لثمت وجه الهلال فاستظرفه وسأل والد الغلام فخلى سبيله. التنعيم (6) : موضع بين مر وسرف، بينه وبين مكة فرسخان، وإنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمينه يقال له نعيم والذي عن يساره يقال له ناعم، والوادي نعمان. ومن التنعيم يحرم من أراد العمرة. وهو الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن

_ (1) ص ع: وأذكر حكاية في حرف الحاء في رسم حمدية الحساب قصة ... (2) الإدريسي (ب/ د) : 83/ 57، وبعضه عن الاستبصار: 133، والبكري: 62. (3) الاستبصار: حفيلة. (4) الاستبصار: تامن، ص: بتاتين. (5) البكري: حمامات. (6) معجم ما استعجم 1: 321، وصبح الأعشى 4: 256.

تقيوس:

أبى بكر رضي الله عنهما أن يعمر منه عائشة رضي الله عنها فقال: " يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فاعمرها من التنعيم، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة متقبلة ". وفي الخبر أن ابن الزبير رضي الله عنهما لما فرغ من بناء الكعبة خلقها من داخلها وخارجها، من أعلاها إلى أسفلها وكساها القباطي وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج فليعتمر من التنعيم ومن قدر أن ينحر بدنة فليفعل ومن لم يقدر على بدنة فليذبح شاة، وخرج الناس معه مشاة حتى اعتمروا من التنعيم شكراً لله عز وجل ولم ير يوم كان أكثر عتيقاً وعتيقة ولا أكثر بدنة منحورة ولا شاة مذبوحة ولا صدقة مبذولة من ذلك اليوم ونحر ابن الزبير رضي الله عنهما مائة بدنة، فلما طاف بالكعبة استلم الأركان الأربعة جميعاً وقال: إنما كان ترك استلام هذين الركنين الشامي والغربي لأن البيت لم يكن على قواعد إبراهيم، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير رضي الله عنهما حتى قتل، ودخل الحجاج مكة فهدم منه ست أذرع بإذن عبد الملك وشبراً مما يلي الحجر، وبناها على أساس قريش وسد الباب الذي في ظهرها وترك سائرها، وآخر من زاد في الكعبة كرمها الله، المهدي سنة أربع وستين ومائة، فهي على ذلك إلى الآن. تنومة (1) : جزيرة من جزر الهند عامرة لباس أهلها الأزر، وبها مياه عذبة وأرز وقصب سكر ونارجيل، وبها مغايص الجوهر (2) وبها يوجد العود الهندي والكافور، وأصول العود تستخرج في وقت لا يكون في غيره بعد أن يتقدم في قطع أغصانه قبل ذلك بأشهر ثم ينحت أعلاها ويزال رخوها وتؤخذ قلوبها الصلبة فتجرد بالاسكرفاج وهو مبرد العود حتى تنقى ثم تجرد بالزجاج ثم توضع في أوعية الخيش وتصقل صقلاً كثيراً ثم تخرج من تلك الأوعية وتباع من التجار الواصلين هناك ويخرجه التجار إلى جميع البلاد. تعشار (3) : قيل فيه تعشار بكسر أوله وروي فيه الفتح، موضع في بلاد بني تميم وقيل جبل في بني ضبة، وقيل ماء لبني ضبة بنجد وقيل تعشار أرض لكلب، وأنشد للنابغة: وبنو جذيمة حي صدق سادة ... غلبوا على خبت إلى تعشار وحدث لبطة بن الفرزدق عن أبيه قال: خرجنا حجاجاً فلما كنا بالصفاح إذا بركب عليهم اليلامق ومعهم الدرق، فلما دنوت منهم إذا بالحسين فقلت: أين أبو عبد الله؟ قال: يا فرزدق ما وراءك قلت: أنت أحب الناس إلى الناس والعطاء في السماء، والسيوف مع بني أمية. قال: ودخلنا مكة فقلنا لعبد الله بن عمرو خبر حسين فقال: إما إنه لا يحيك فيه السلاح، قال: ثم خرجنا إلى موضع يقال له تعشار فجعلنا لا يمر بنا ركب إلا سألناه عن حسين، حتى مر بنا ركب فناديناهم: ما فعل حسين؟ قالوا: قتل، فقلت: فعل الله بعبد الله بن عمرو وفعل قال سفيان: ذهب الفرزدق إلى غير المعنى، إنما معنى لا يحيك فيه السلاح أي لا يضره القتل مع ما قد سبق له. تفليس (4) : أول حدود أرمينية بينها وبين قالي قلا أربع مراحل، وهي على نهر، وبها سوران من طين، وهي في غاية من الرفه والخصب، وأهلها أهل مروات ولها حمامات مثل حمامات طبرية مياهها حامية من غير أن يوقد عليها نار، أسعارها رخيصة والعسل والسمن بها كثيران جداً. وفي سنة ثمان عشرة وستمائة استولى الططر على مدينة تفليس وكانت قبل للمسلمين وأكثر منازلها من خشب فأطلقوا فيها النار حتى صارت جمرة واحدة. تقيوس (5) : في بلاد قسطيلية، وهي أربع مدن متقاربة عليها أسوار يكاد يكلم بعض أهلها بعضاً لتقاربها، ولهم غابات كثيرة النخل والزيتون وجميع الفواكه وهي أكثر بلاد قسطيلية زيتوناً وأكثر جباية وفيها العيون الكثيرة العذبة والمياه السائحة. وبينها (6) وبين الحمة عشرون ميلاً وهي مدينة عامرة بها

_ (1) نزهة المشتاق: 30. (2) نزهة المشتاق: اللؤلؤ. (3) معجم ما استعجم 1: 314. (4) نزهة المشتاق: 267. (5) الاستبصار: 156. (6) هذه الفقرة عن الإدريسي (د/ ب) : 104/ 75.

تستر:

غلات الحناء والكمون والكراويا وبها تمر حسن وجملة بقول طيبة. وكان أبو يزيد مخلد بن كيداد النكار الخارج على بني عبيد الله الشيعي في بلاد المغرب ينزل تقيوس في أول أمره ويعلم أطفالهم القرآن على بابها. تستر (1) : مدينة بالأهواز بينها وبين عسكر مكرم ثمانية فراسخ، وفتحها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، وبينها وبين مدينة سابور ثمانية فراسخ، وهي مرتفعة الأرض والماء يرتفع في الشاذروان إلى بابها، وبها وجد أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبر دانيال وكان أهل الكتاب يديرونه بينهم على مجامعهم يتبركون به ويستسقون به المطر إذا أجدبوا وأخذه أبو موسى رضي الله عنه، وشق النهر إلى أعلى باب السوس خلجانات جعل فيها ثلاثة قبور مطوية بالآجر ودفن تابوته في أحد القبور ثم استوثق منها كلها وعماها ثم فتح عليها الماء حتى اختلط الثرى الكثير على ظهور القبور هناك. ومن أهل تستر كان نافع مولى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أصابه عبد الله في غزواته ومات سنة سبع عشرة ومائة، وقال: دخلت مع ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم فأعطي في اثني عشر ألفاً فأبى أن يبيعني وأعتقني أعتقه الله من النار. وكان (2) أبو موسى الأشعري رضي الله عنه سار بعد فتح الأهواز والسوس إلى تستر وبها شوكة العدو وحده وكتب إلى عمر رضي الله عنه يستمده، فكتب عمر إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه يأمره بالمسير إليه في أهل الكوفة، فقدم عمار جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وسار أبو موسى رضي الله عنه حتى أتى تستر وعلى ميمنته البراء بن مالك وعلى ميسرته مجزأة بن ثور السدوسي وعلى الخيل أنس بن مالك رضي الله عنه وعلى ميمنة عمار البراء ابن عازب الأنصاري رضي الله عنهما وعلى الميسرة حذيفة بن أبي اليمان رضي الله عنه وعلى خيله قرظة بن كعب الأنصاري وعلى رجالته النعمان بن مقرن المزني، فقاتلهم أهل تستر قتالاً شديداً وحمل أهل الكوفة وأهل البصرة حتى بلغوا باب تستر، فقاتلهم البراء بن مالك على الباب حتى استشهد رضي الله عنه، ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة بشر حال وقد قتل منهم في المعركة تسعمائة وأسر ستمائة وضربت أعناقهم بعد وكان الهرمزان قد حضر وقعة جلولاء مع الأعاجم، ثم إن رجلاً من الأعاجم استأمن إلى المسلمين على أن يدلهم على عورة العدو، فأسلم واشترط أن يفرض له ولولده، فعاقده أبو موسى على ذلك، ووجه معه رجلاً من بني شيبان يقال له أشرس بن عوف فخاض به دجيلاً على عرق (3) من حجارة ثم علا به المدينة وأراه الهرمزان ثم رده إلى العسكر، فندب أبو موسى رضي الله عنه أربعين رجلاً مع مجزأة بن ثور وأتبعهم مائتي رجل وذلك في الليل والمستأمن يتقدمهم فأدخلهم المدينة فقتلوا الحرس وكبروا على سور المدينة، فلما سمع ذلك الهرمزان هرب إلى قلعته وكانت موضع خزانته وأمواله، وعبر أبو موسى رضي الله عنه حين أصبح حتى دخل المدينة فاحتوى عليها، وجعل الرجل من الأعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم في دجيل خوفاً من أن يظفر بهم العرب (4) ، وطلب الهرمزان الأمان فأبى أبو موسى أن يعطيه ذلك إلا على حكم عمر رضي الله عنه فنزل على ذلك. وقتل أبو موسى من كان في القلعة ممن لا أمان له وحمل الهرمزان إلى عمر رضي الله عنه فاستحياه وكان الذي قدم عليه به أنس بن مالك رضي الله عنه فاستشار عمر أنساً فيه فقال: يا أمير المؤمنين تركت خلفي شوكة شديدة وعدواً كلباً وإن قتلته يئس القوم من الحياة، فاستحياه وأسلم وفرض له عمر رضي الله عنه ثم إنه اتهم بممالأة أبي لؤلؤة على قتل عمر رضي الله عنه، فقال له عبيد الله بن عمر رضي الله عنهما: امض بنا ننظر إلى فرس فمضى وعبيد الله خلفه فضربه بالسيف فقتله. ويقال (5) إن أجناد المسلمين لما نزلوا على تستر وبها الهرمزان وجنود أهل فارس وأهل الجبال والأهواز فحاصروهم أشهراً وأكثروا القتل فيهم، وقتل البراء بن مالك رضي الله عنه في ما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح الله على المسلمين مبارزة مائة سوى من قتل في غير المبارزة، وقتل مجزأة بن ثور مثل ذلك وكعب بن سور وأبو تميمة كل واحد منهم مثل ذلك وهؤلاء من أهل البصرة، وفعل جماعة من الكوفيين مثل ذلك، وزاحفهم المشركون في أيام تستر ثمانين زحفاً تكون عليهم مرة ولهم أخرى، حتى إذا كانوا في آخر

_ (1) نزهة المشتاق: 123. (2) فتوح البلدان: 467. (3) العرق: الصف. (4) ص ع: العدو. (5) الطبري 1: 2553.

تشومس:

زحف منها واشتد القتال قال المسلمون: يا براء أقسم على ربك ليهزمهم، فقال البراء بن مالك: اللهم اهزمهم لنا واستشهدني، فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم وأرزوا إلى مدينتهم فأحاط المسلمون بها وضاقت المدينة بهم وطالت حربهم، فخرج رجل إلى النعمان واستأمنه على أن يدله على مدخل يدخل منه إلى المدينة ويكون منه فتحها فأمنه النعمان فدلهم على مخرج الماء فنهدوا إلى ذلك المخرج فدخل منه من دخل وكبر المسلمون من خارج وفتحت الأبواب، ورضي الهرمزان أن ينزل على حكم عمر رضي الله عنه فشدوه وثاقاً واقتسموا ما أفاء الله عليهم فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف والراجل ألفاً، وخرج المسلمون بالهرمزان إلى المدينة وقد هيئوه في هيئته فألبسوه كسوته من الديباج ووضعوا على رأسه تاجاً مكللاً بالياقوت كيما يراه عمر رضي الله عنه في هيئته، ثم خرجوا به على الناس يريدون عمر في منزله فلم يجدوه فسألوا عنه فقيل لهم جلس في المسجد لوفد قدموا عليه، فانطلقوا إلى المسجد فلم يجدوه إلى أن دلوهم عليه في جهة من المسجد نائماً، فكان من أمره مع الهرمزان وإسلام الهرمزان ما هو مشهور، وفي الخبر طول. تشومس (1) : مدينة في المغرب في جهة أصيلة وهي مدينة قديمة فيها آثار كثيرة للأول، وهي على نظر واسع كثير الخصب والزرع والضرع وهي تمير (2) بلاد الأندلس، وبقربها بحيرة كبيرة تسمى أمسنا يصب فيها ماء البحر سبعة أعوام وتصب هي في البحر سبعة أعوام وينقطع البحر فتظهر فيها جزائر بينها غدران يتصيد فيها أنواع السمك، وبين البحر والبحيرة مسجد مقصود معظم يسكن حوله النساك وأهل الخير وأمرهم مشهور بتلك الناحية معروف. تهامة: في " مختصر العين " تهامة: مكة، والنازل متهم، والصحيح أن مكة من تهامة كما أن المدينة من نجد، وقيل (3) أرض تهامة قطعة من اليمن وهي جبال مشتبكة أولها في البحر القلزمي ومشرفة عليه وحدودها في غربيها بحر القلزم وفي شرقيها جبال متصلة من الجنوب إلى الشمال، وطول أرض تهامة من الشرجة إلى عدن على الساحل اثنتا عشرة مرحلة، وفي شرقيها مدينة صعدة وجرش ونجران، وفي شمالها مكة وجدة وفي جنوبها صنعاء نحو عشرين مرحلة. وسميت تهامة لتغير هوائها من قولهم تهم الدهن وتمه إذا تغير ريحه. وينسب إلى تهامة علي بن محمد التهامي الشاعر (4) صاحب القصيدة الرائعة المشهورة في رثاء ابنه التي أولها (5) : حكم المنية في البرية جار ... ما دارك الدنيا بدار قرار بينا يرى الإنسان فيها مخبراً ... حتى يرى خبراً من الأخبار يقول فيها: يا كوكباً ما كان أقصر عمره ... وكذاك حكم كواكب الأسحار وهي طويلة، وكان التهامي هذا الشاعر من مشهوري دولة الحاكم صاحب مصر، ورام التوثب على الملك وقال (6) : سأطلب العلاء بكل ليث ... له زأر بذكر الله وحده له مما تصوغ الهند ناب ... ومما حاكه داود لبده يرد الرمح أزرق ذا احمرار ... كمقلة أزرق كحلت برمده ثم تجول في أمراء أعراب الشام، ومدح ولاة الحاكم ومدح الوزير ابن المغربي وعرض بالحاكم وسارت له أشعار أحقدت قلب الحاكم فوضع له من زين له الوصول إلى مصر، فعندما وقعت العين عليه حبس في خزانة البنود حتى مات، قالوا: وهو أشعر من

_ (1) كذا هي عند البكري: 114، وفي الإدريسي (د) : 169، والاستبصار: 140 تشمّس. (2) الاستبصار: تشبه. (3) ابن حوقل: 43، والكرخي: 26، والنزهة: 52. (4) ابن خلكان 3: 387، وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى. (5) ديوانه: 47 (الطبعة الثانية: 1964) . (6) الديوان: 230.

تهودة:

أخرجته مكة فيما قرب من الزمان وبعد بلا استثناء، ومن مفرداته (1) : أملت فيه الغنى من قبل رؤيته ... فالآن أكبرته عن ذلك الأمل علا فما يستقر المال في يده ... وكيف تقبل ماء قنة الجبل وقوله (2) : أفدي الكتاب بناظري فبياضه ... ببياضه وسواده بسواده وقوله (3) : أهتز عند تمني وصلها طرباً ... ورب أمنية أحلى من الظفر تجني علي وأجني من مراشفها ... ففي الجنى والجنايات انقضى عمري وأما قول المتنبي لممدوحه من قصيدة: وأشهر آيات التهامي انه ... أبوك وأجدى ما لكم من مناقب فعنى بالتهامي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه العبارة تقتضي جهله أو قلة أدبه، فض الله تعالى فاه. تهودة (4) : من بلاد الزاب بالقرب من بسكرة، وهي مدينة أولية بنيانها بالحجر الجليل وعليها سور عظيم، ولها ربض ويدور بجميعها خندق، ولها نهر كبير ينصب إليها من جبل أوراس، فإذا كان بينهم وبين أحد حرب وخافوا النزول عليهم أجروا ماء ذلك النهر في الخندق المحيط ببلدهم فامتنعوا به وشربوا منه، وهي كثيرة البساتين والنخيل والزرع وجميع الثمار. وفي هذه المدينة حديث مشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه شهر بن حوشب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سكنى هذه البقعة الملعونة التي هي تهودة وقال: " سوف يقتل بها رجال من أمتي على (5) الجهاد في سبيل الله تعالى ثوابهم كثواب أهل بدر وأهل أحد وانهم مابدلوا حتى ماتوا "، وكان شهر بن حوشب رضي الله عنه يقول: واشوقاه إليهم. قال شهر رضي الله عنه: سألت جماعة من التابعين عن هذه العصابة التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذلك عقبة بن نافع وأصحابه قتلهم البربر والنصارى بمدينة يقال لها تهودة فمنها يحشرون يوم القيامة وسيوفهم على عواتقهم حتى يقفوا بين يدي الله عز وجل. قالوا: قدم عقبة بن نافع رضي الله عنه مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه، وعليها عمرو بن العاصي رضي الله عنه، فنزل منزلاً في بعض قرى مصر ومعه جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما، فوضعت بين أيديهم سفرة فيها طعام، فلما تناولوا من الطعام سقطت حدأة على ما بين أيديهم من الطعام فأخذت منه عرقاً، فقال عقبة رضي الله عنه: اللهم دق عنقها، فأقبلت منقضة حتى ضربت بدفيها الأرض فاندقت عنقها، فاسترجع ابن عمرو، فسمعه عقبة فقال: ما لك يا أبا عبد الله، قال: بلغني أن قوماً يغزون إلى هذه الناحية فيستشهدون بها جميعاً، فقال عقبة: اللهم أنا منهم، وكان مستجاب الدعوة. ثم إن عقبة بن نافع رضي الله عنه خرج في أيام يزيد بن معاوية على جيش كبير غازياً إلى بلاد المغرب، فمر على عبد الله بن عمرو بمصر فقال له: يا عقبة لعلك من الجيش الذي يدخل الجنة، فقدر أن افتتح عقبة بلاد المغرب حتى وصل إلى أقصاها وهي على ضفة البحر المحيط فأدخل فرسه في البحر حتى بلغ الماء السرج وقال: اللهم إني أطلب السبب الذي طلب عبدك ذو القرنين فقيل له: يا ولي الله وما السبب الذي طلبه؟ فقال: ألا يعبد في الأرض إلا الله وحده. وانصرف إلى إفريقية، فلما دنا منها تفرق أصحابه فوجاً فوجاً، فلما وصل إلى مدينة طبنة من أرض الزاب أذن لسائر جيشه وبقي في عدة يسيرة من أصحابه، وكان في دخوله المغرب خطر على مدينة تهودة وعلى مدينة بادس فرأى فيهما قوة كبيرة من النصارى والبربر، وكانت في ذلك الوقت

_ (1) الديوان: 177، 176. (2) الديوان: 111. (3) الديوان: 41. (4) الاستبصار: 174، والبكري: 72. (5) سقط من ع، وهو ثابت في ص والاستبصار.

تونس:

من أعظم مدن المغرب، فلما رجع قال: أمر على مدينتي تهودة وبادس لأعرف ما يكفيهما من العدة والجيوش، فلما انتهى إلى مدينة تهودة اعتمده كسيلة بن أقدم وكان أميرها في جيش الروم، وكان قد سمع بتفرق جيش عقبة، وأقبلت إليه أيضاً عساكر البربر فلما رآهم عقبة وأصحابه كسروا أجفان سيوفهم وزحفوا إليهم فقاتلوا حتى قتلوا جميعاً رحمة الله عليهم، وقبر عقبة اليوم بتهودة على مقربة منها بمرحلة. توريز: وهي المعروفة في كتب الأدب بتبريز، نزل عليها الططر سنة ثمان عشرة وستمائة فلما قاربوها فارقها سلطان أذربيجان أزبك بن البهلول بنسائه وأهله وما خف من ذخائره واعتصم بقلعة خوي وخلف على توريز نائباً جمع كلمة أهلها وظهر منهم حزم وجلد، وتحالف مع رجال البلد على الموت ووعظهم وحذرهم ما نزل بغيرهم كأهل الطالقان وقزوين وهمذان، فعملوا حساب الموت وفي مدينتهم منعة بالمياه والسباخ التي يحرزونها، وبلغ ذلك الططر فراسلوه في مال وهدايا، فحمل لهم من ذلك ما أرضاهم فرحلوا عنهم إلى إقليم الران. توج: مدينة في أرض فارس كان قصدها مجاشع بن مسعود (1) فيمن معه من المسلمين فالتقوا بتوج مع أهل فارس فاقتتلوا ما شاء الله تعالى، ثم إن الله عز وجل سلط المسلمين على أهل توج فهزموهم وقتلوهم كل قتلة وبلغوا منهم ما شاءوا وغنمهم ما في عسكرهم فحووه ثم دعوا إلى الجزية والذمة فراجعوا وأقروا وخمس (2) مجاشع الغنائم وبعث بجميعها ووفد وفداً. وحدث عاصم بن كليب عن أبيه قال: خرجنا مع مجاشع غازين توج، فحاصرناها وقاتلناها ما شاء الله فلما افتتحناها حوينا نهباً كثيراً وقتلنا قتلى عظيمة وكان علي قميص قد تخرق فنظرت إلى رجل في القتلى عليه (3) قميص فنزعته فأتيت به الماء فجعلت أضربه بين حجرين حتى ذهب ما فيه فلبسته، فلما جمعت الغنائم قام مجاشع خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس لا تغلوا فإنه من غل جاء بما غل يوم القيامة ردوا ولو المخيط فلما سمعت ذلك نزعت القميص فألقيته في الأخماس وفي ذلك يقول مجاشع: ونحن ولينا مرة بعد مرة ... بتوج أبناء الملوك الأكابر لقينا جيوش الماهيان بسحرة ... على ساعة تلوي بأهل الخطائر فما فتئت خيلي تكر عليهم ... ويلحق منهم لاحق غير جائر لدن غدوة حتى أتى الليل دونهم ... وقد عولجوا بالمرهفات البواتر وكان كذاك الدأب في كل كورة ... أجابت لإحدى المنكرات الكبائر تونس (4) : مدينة بإفريقية محدثة إسلامية، سمعت من يحدث أنها أحدثت عام ثمانين، قال بعضهم: لم يقصد بها أول أمرها وضع مدينة، وإنما اجتمع الناس إليها وبنوا وسكنوا وزادوا حتى صارت مدينة وعمرت، وكان أبو جعفر المنصور إذا قدم عليه رسول صاحب القيروان يقول له: ما فعلت إحدى القيروانين يعني تونس تعظيماً لها ويوصف أهلها في قديم الزمان بالقيام على الأمراء. وهي اليوم قاعدة البلاد الإفريقية وأم بلادها وحضرة السلاطين من الخلفاء الحفصيين ومهاجر أهل الأقطار من الأندلس والمغرب وغيرهما فكثر خلقها واتسع بشرها ورغب الناس في سكناها وأحدثوا بها المباني والكروم والبساتين والغروس حتى بلغ ذلك النهاية التي لا توجد في غيرها، وبينها وبين القيروان مسيرة ثلاثة أيام وبينها وبين البحر نحو أربعة أميال وبين تونس وقرطاجنة نحو عشرة أميال وبين تونس ومرساها بحيرة يقال إنها كانت منذ مائتي سنة أرضاً كثيرة الجنات والمياه والزرع طيبة الفواكه فغلب عليها ماء البحر، ولها سور يدور بها ويقال إن دورها أربع وعشرون ألف ذراع، وجامعها مليح الصنعة حسن الوضع متقن البناء مطل على البحر بناه عبيد الله بن الحبحاب هو ودار الصناعة سنة أربع عشرة ومائة وأنفذ إليها البحر. وتونس في سفح جبل وبها مبان عجيبة وجل عضادات أبواب دورها رخام أبيض، لوحان قائمان وثالث معترض مكان العتبة، ومن الأمثال بإفريقية: دور تونس أبوابها رخام وداخلها سخام. قالوا: وهي دار علم وفقه وأكثر البلاد

_ (1) الطبري 1: 2694. (2) ص ع: وجمع. (3) سقطت من ع. (4) الاستبصار: 120، والبكري: 37، وصبح الأعشى 5: 102.

توزر:

باعة وغوغاء، وعلى نحو عشرة أميال منها نهر بجردة وهو على الطريق إلى المغرب، ويقال إن من شرب منه قسا قلبه، فأكثر الناس يجتنبون شربه. وتونس من أشرف مدن إفريقية وأطيبها ثمرة وأنفسها فاكهة، وسميت تونس لأن المسلمين كانوا لما فتحوا إفريقية ينزلون بازاء صومعة ترشيش - راهب كان هناك - ويأنسون بصوت الراهب فيقولون: هذه الصومعة تؤنس، فلزمها هذا الاسم. وامتحن أهل تونس أيام أبي يزيد بالقتل والسبي وذهاب الأموال وقال بعضهم: لعمرك ما ألفيت تونس كاسمها ... ولكنني ألفيتها وهي توحش وبها أصناف من الحوت الذي لا يكون مثله في غيرها ما لا يحصى كثرة (1) ، أجناس كثيرة تجري في البحر مع شهور العجم، فهم منه في لذة موصولة، وفيه صنف يقال له البقونس، ومن أمثالهم: لولا البقونس لم يخالف أهل تونس. ومن تونس علي بن زياد الفقيه صاحب مالك بن أنس، والإمام العابد محرز بن خلف التميمي ذو المناقب المشهورة والآثار المأثورة أخباره مصنفة وقبره بتونس بدار يتبرك به، وبها من الصالحين والأخيار عدة لا تحصى، ويقال إن تونس تقصم الجبابرة وهم ينشدون: وكل جبار إذا ما طغى ... وكان في طغيانه يسرف أرسله الله إلى تونس ... فكل جبار بها يقصف ونزل عليها عبد المؤمن بن علي سنة أربع وخمسين وخمسمائة فحصرها ثم دخلها عليهم، واختلفت عليها ولاة الموحدين إلى أن نزل عليها يحيى بن إسحاق الميورقي فحاصرها أيضاً ثم ملكها وأغرم أهلها مائة ألف دينار وعنف نوابه على التأني في تقاضيها ثم خرج عنها لما بلغه تحرك صاحب المغرب أبى عبد الله محمد بن المنصور يعقوب إليه، ووالى عليه الهزائم كبير أصحابه الشيخ أبو محمد عبد الواحد المرة بعد المرة، ثم ولي تونس بعد انفصال الملك الناصر أبي عبد الله إلى المغرب فساس الناس سياسة طال عهدهم بها، وأمنهم ورعاهم فرأوا من بركات أيامه وحسن رعيته ما غبطهم به وأحبوه الحب الشديد، ووليها بعده الملوك من ولده فاشتهر ذكرها واستوسق أمرها وصارت حضرة الملوك وانعكس أمر المغرب وسقط نجم مراكش. توسيهان: مدينة كانت للروم قديمة بجزيرة أبي شريك فخربت وبقي في مكانها قصر هو بالقرب من نابل (2) . توزر (3) : هي قاعدة كور قصطيلية من البلاد الجريدية، ولها سور عظيم حصين وبها نخل كثير جداً وتمرها كثير يعم بلاد إفريقية وبها الأترج الكثير الطيب، والبقول بها موجودة متناهية في اللذة والجودة، وسعر طعامها غال في أكثر الأوقات لأنه يجلب إليها والحنطة والشعير بها قليلان، وبينها وبين الحمة مرحلة صغيرة. وعليها (4) هلك علي بن إسحاق الميورقي جاءه سهم في ترقوته فقضى نحبه، وكان انتقم من أهلها سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وحصرها مدة وضيق عليها وتحرك إليه صاحب مراكش فكان من أمره ما ذكر. وهي مدينة كبيرة قديمة عليها سور مبني بالحجارة والطوب وحولها أرباض واسعة ولها أربعة أبواب وعليها غابة كبيرة وهي أكثر بلاد الجريد تمراً ومنها تمتار جميع بلاد إفريقية وبلاد الصحراء بالتمر لكثرته بها ورخصه، ولأنها على طرف الصحراء لا يعلم ما وراءها ولا قدر أحد قط على الدخول في الصحراء التي في قبلتها، ويقال إن بتلك الصحراء وادي رمل يجري مجرى المياه وهذا مستفيض، وأهلها من بقايا الروم الذين كانوا بإفريقية قبل الفتح، وكذلك أكثر أهل قصطيلية ببلاد الجريد لأنهم في دخول

_ (1) زيادة من البكري: 41. (2) قال الإدريسي (د) : 118 ومنها (أي جزيرة باشو) قصر على البحر يسمى نابل، وكان بالقرب من هذا القصر في أيام الروم مدينة كبيرة عامرة فخربت وبقي الآن مكانها وهو قصر صغير، وكذلك قصر توسيهان بالقرب منها أثر مدينة كانت عامرة في أيام الروم فخربت وبقي مكانها. (3) المؤلف ينقل عن الإدريسي (د/ ب) : 104/ 75. (4) الاستبصار: 155.

تيطاوان:

المسلمين إفريقية أسلموا على أموالهم، وفيهم من العرب الذين سكنوا فيها من المسلمين عند افتتاحها، وفيهم من البربر الذين دخلوها في قديم الزمان عند خروجهم من بلادهم وانجلائهم عنها، فإن بلاد البربر إنما كانت أرض فلسطين من ديار الشام وما جاور تلك البقاع، وكان ملكهم جالوت الجبار الذي قتله داود عليه السلام، فتفرقوا في البلاد ومضى أكثرهم نحو المغرب حتى وصلوا أقاصي بلاد المغرب على أزيد من ألفي ميل من القيروان فأوطنوها، وكانت بلاد إفريقية للافرنجة فأجلتها البرابر عنها إلى جزائر البحر مثل صقلية وغيرها ثم تراجعت الافرنجة إلى مدنها على موادعة وصلح مع البربر، فاختارت البربر سكنى الجبال والرمال وأطراف البلاد، وصارت الروم إلى المدن والعمائر حتى جاء الإسلام وافتتحت إفريقية فانجلت الروم أمامهما إلى جزائر البحر وغيرها إلا من أسلم وبقي في بلده وعلى ماله، مثل أهل قصطيلية وغيرها من البلاد. وأهل توزر يبيعون زبل مراحيضهم، وهم يعيرون بذلك، لأنهما لا يدخلون المراحيض بالماء لئلا يفسد الزبل، فإذا دخل أحدهم المرحاض مشى إلى أحد السواقي التي تشق مدينتهما أو إلى الوادي فاغتسل، ويمشي عندهم دلال المراحيض بالزبل في الإناء فإذا كان جافاً حرص عليه وإذا كان رطباً زهد فيه، ويصنعون في جناتهم مراحيض على الطرق للعامة لمن كان مضطراً أو غريباً ليس من أهلها، أما البلدي فلو أمسك ذلك يومين ما رماه إلا في مرحاضه وذلك لتدمين أرضهم لأنها في غاية الجفوف لقربها من الصحراء. وتتفاضل بلاد الجريد في رطوبة الأرض ودهنيتها، وتوزر أيبسها. التوبة (1) : جزيرة بالأندلس على البحر المحيط قد أحاط بها خليج وهي مأوى للصالحين ورباط لخيار المسلمين، وبها آبار عذبة يعتملون عليها من أصناف البقول ما يقوم لمعايشهم مع مرافق البحر. تيليت (2) : في بلاد المغرب متوسطة بين القبائل القبلية وفيها تمر القوافل وفيها حصن منيع رتب فيه الجند ويعمره الوالي وحوله الأعناب الكثيرة والثمار والمياه المطردة والعمائر. تيطاوان (3) : بقرب مليلة مدينة قديمة كثيرة العيون والفواكه والزرع طيبة الهواء والماء. تيركى (4) : من عمل غانة من بلاد السودان، وهي مدينة عظيمة لها أسواق حافلة يجتمع فيها أمم كثيرة من بلاد مفترقة من بلد غانة ومن تادمكة، وهي في طاعة صاحب غانة وله يخطبون وإليه يتحاكمون، وبينها وبين غانة ستة أيام. وتعظم السلاحف بأرض تيركى حتى تخرج عن القياس وهي تحفر في الأرض أسراباً يمشي فيها الإنسان وهم يأكلونها فلا يستطيعون استخراج واحد منها من تلك الأسراب إلا بعد شد الحبال فيها واجتماع العدد الكثير عليها. حدث أحد الثقات (5) المسافرين في تلك الطريق أن قوماً نزلوا في بعض طريق تيركى فعرسوا ومعهم متاعهم وبتلك الطريق الأرضة كثيرة وهي تفسد ما وجدت من متاع أو غيره ولها بتلك الطريق أجحار من التراب أكواماً فوق أحجارها، ومن العجب أن ذلك التراب ند والماء هناك غير موجود على أبعد حفر، فلا يضع التجار أمتعتهم إلا على الحجارة المجموعة أو الخشب، فلما نزل أولئك التجار بذلك الموضع ارتاد كل واحد منهم لمتاعه حزناً من الأرض أو حجراً فبدر أحدهم في الليل إلى صخرة عظيمة فيما ظن فأنزل عليها متاعه، وكان وقر بعيرين، ثم نام بقرب رحله، فلما هب من نومه سحراً لم يجد الصخرة ولا ما كان عليها، فارتاع ونادى بالويل والحرب، فاجتمع إليه أهل القافلة يسألونه عن خطبه فقالوا: لو طرقك لص لذهب بالمتاع وبقيت الصخرة، فنظروا فإذا أثر سلحفاة ذاهبة من الموضع فاقتفوا آثارها ومشوا أميالاً حتى أدركوا السلحفاة وحمل المتاع على ظهرها وهي تنهض به من غير تكلف، فانظر هذه السلحفاة العظيمة التي تحمل وقر جملين.

_ (1) بروفنسال: 64، والترجمة: 81. (2) وردت في الاستبصار: 200 ثليث (بثاءين) ، وقال المحقق: لم نعرف شيئاً عن هذه. (3) تكتب أيضاً: تيطاون، تيطوان (وهي المعروفة اليوم في المغرب باسم تطوان) ، انظر الاستبصار: 137. (4) الاستبصار: 222، والإدريسي (د/ ب) : 8/ 9، والبكري: 180، وفي جميعها (تيرقي) . (5) سماء البكري: الفقيه أبو محمد عبد الملك بن نخاس الغرفة.

تيماء

ومدينة تيركى على النيل ومن هناك يرجع نحو الجنوب، ويلي مدينة تيركى إلى ناحية الجنوب مدينة تادمكة من أرض السودان أيضاً. تيسر (1) : صحراء تيسر تلي جبل بنبوان (2) وعليها يدخل المسافرون إلى أودغشت وغانة وغيرهما (3) ، وهذه الصحراء قليلة الأنس لا عامر بها، والماء بها قليل يتزودونه من مجابات معلومة، وفي هذه الصحراء حيات كثيرة طويلة القدود غليظة الأجسام يصيدونها السودان ويقطعون رؤوسها ويطبخونها بالماء والملح ويأكلونها وهي عندهم أطيب طعام يأكلونه. تيفاش (4) : ببلاد إفريقية بينها وبين الأربس مرحلة وهي بقرب ملاق وهي مدينة أولية شامخة البناء وتسمى تيفاش الظالمة، وفيها عيون ومزارع كثيرة، وهي في سفح جبل وفيها آثار للأول كثيرة وعليها سور قديم بالحجر، ولها بساتين ورياضات وأكثر غلاتها الشعير، وإليها ينسب مؤلف كتاب " مشكاة أنوار الخلفاء وعيون أخبار الظرفاء " عمر التيفاشي، وهو كتاب مطول حسن ممتع ضاهى به عقد ابن عبد ربه فأبدع، وله " قادمة الجناح في آداب النكاح " وبأرض تيفاش كانت الوقيعة العظيمة لسلطان إفريقية الأمير أبي زكريا على هوارة في سنة ست وثلاثين وستمائة بمقربة من جبل أوراس، وكانوا طغوا وبغوا وصارت لهم شوكة ومنعوا الحقوق للسلطان. تيمليمن (5) : من مدن نفزاوة، وهو نظر (6) مثل قسطيلية فيه مدن وقصور وعمل كبير، وهذه البلدة تيمليمن مدينة لطيفة حصينة لها أرباض ولها غابة نخل وزيتون وجميع الفواكه فيها قال بعضهم: تيمليمن سبعة أحرف على لطفها وخمول ذكرها ومصر ثلاثة أحرف على عظمها وسمو ذكرها. تيجس (7) : بمقربة من تيفاش بقرب وادي الدنانير عند قصر الإفريقي، وهي مدينة أولية شامخة البناء كثيرة الكلأ والربيع. وفي أيام محمد بن أحمد بن الأغلب المعروف بأبي الغرانيق (8) صاحب القيروان كانت وقيعة تيجس، وذلك أنه قدم محمد بن سالم بن غلبون والياً على باغاية وتيجس فأشار عليه أهل باغاية ألا يمضي إلى تيجس حتى يأخذ رهائنهم ويتوثق منهم فلم يفعل ومضى إلى تيجس فلما توسط البربر وثبوا عليه من كل ناحية فقتلوه وقتلوا أصحابه وأخذوا أثقاله، فلما اتصل ذلك بمحمد بن أحمد أمر بحشد الجند والموالي والأنصار فلما توافوا بعثهم إلى تيجس فقتلوا بربرها قتلاً عظيماً واستباحوا أموالهم. تيماء (8) : من أمهات القرى، على سبع ليال من المدينة المكرمة، ولها سور على شاطئ بحر طوله فرسخ، ويخرج من تيماء إلى الشام على حوران والبثنية وحسمى، وبين تيماء وأول الشام ثلاثة أيام، وبتيماء مياه ونخل، ومنه تمتار البادية وبه تجارات قلائل. وفي تيماء يقول الشاعر (10) في قصة السموأل بن عادياء حين استودع أموال امرئ القيس بن حجر وسلاحه وكراعه فبعث إليه الحارث بن أبي شمر الغساني ليأخذ كل ذلك منه فمنعه ولم يجبه إلى ذلك: بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدار في أبيات، وأظنها قد تقدمت. وكانت (11) أمة من العماليق نزلوا في قديم الزمان الحجاز وكان ملكهم بتيماء يقال له الأرقم بن أبي الأرقم فسكنوا مكة. والمدينة والحجاز كله وعتوا عتوا كبيراً، فلما أظهر الله عز وجل

_ (1) في بعض أصول نزهة المشتاق بالتاء كما أثبته المؤلف، وفي النسخة التي اعتمدتها من نزهة المشتاق: 38 نيسر (بالنون) ، وكذلك وردت عند دوزي: 31، وأثبت بيريس الوجهين: 18. (2) ص: سوان. (3) ص ع: وغيرها. (4) البكري: 53، والإدريسي (د/ ب) : 120/ 88، وانظر ياقوت (تيفاش) . (5) هي ايتملين (أو: إيتمليمن) في الاستبصار: 158. (6) ص ع: بطن. (7) البكري: 53، ولدى البكري تعريف آخر بها ص: 63. (8) ولي أبو الغرانيق سنة 250 وأطلق عليه هذا اللقب لأنه كان يهوى صيد الغرانيق، وتوفي سنة 261هـ؟ (ابن عذاري 1: 114 - 116) . (8) ولي أبو الغرانيق سنة 250 وأطلق عليه هذا اللقب لأنه كان يهوى صيد الغرانيق، وتوفي سنة 261هـ؟ (ابن عذاري 1: 114 - 116) . (10) هو الأعشى الكبير. (11) وفاء الوفاء 1: 111، والبكري (مخ) : 75.

تيكلات:

موسى عليه السلام على فرعون وأهله وجنوده وطئ الشام وأهله وبعث بعثاً من بني إسرائيل إلى الحجاز وأمرهم أن لا يستبقوا منهم أحداً بلغ الحلم فأظهرهم الله عز وجل عليهم فقتلوهم حتى انتهوا إلى مليكهم بتيماء، الأرقم بن أبي الأرقم، فقتلوه وأصابوا ابناً له وكان من أحسن الناس فضنوا به عن القتل وقالوا: نتركه حتى نقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى فيه رأيه، فأقبلوا به، وقبض الله موسى عليه السلام قبل قدوم الجيش فلما سمع بهم الناس تلقوهم فسألوهم عن أمرهم فأخبروهم بفتح الله عليهم وقالوا: إنا لم نستبق منهم أحداً إلا هذا الفتى لنقدم به على نبي الله موسى فيرى فيه رأيه، فقالت لهم بنو إسرائيل: إن هذه لمعصية منكم لما خالفتم أمر نبيكم، لا والله لا تدخلوا علينا أبداً، فحالوا بينهم وبين الشام، فقال الجيش بعضهم لبعض: إن منعتم بلدكم فخير منه البلد الذي قدمتم منه، وكانت الحجاز إذ ذاك أشجر بلاد الله تعالى وأظهره ماء فكان هذا أول سكنى اليهود الحجاز، فكانوا بزهرة بين السافلة والحرة، ونزل جمهورهم بمكان يقال له يثرب يجمع السيول، سيول بطحان والعقيق وسيل قناة مما يلي زغابة (1) وتفرقت هناك قريظة والنضير واتخذوا الآطام والمنازل ونزل بعض قبائل العرب عليهم. قال أصحاب المغازي (2) : قدم الصديق رضي الله عنه خالد بن سعيد بن العاصي حين وجه الجنود إلى الشام، جعله ردءاً بتيماء وأمره أن لا يبرحها وأن يدعو من حوله بالانضمام إليه، فأقام، فاجتمعت عليه جنود كثيرة، وبلغ الروم عظم ذلك العسكر، فضربوا على العرب الضاحية بالشام البعوث إليهم، فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك، فكتب إليه أبو بكر رضي الله عنه أن أقدم ولا تحجم واستنصر الله تعالى، فسار إليهم خالد، فلما دنا منهم تفرقوا وأعروا منزلهم فنزله، ودخل من كان تجمع له في الإسلام، فكتب بذلك إلى أبي بكر، فكتب إليه أبو بكر رضي الله عنه: أقدم فصار في تيماء فيمن كان معه، فسار إليهم بطريق من بطارقة الروم يدعى ماهان (3) فهزمه وفل جنده، فكتب بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه واستمده، فعند ذلك اهتاج أبو بكر رضي الله عنه إلى الشام وعناه أمره. تيكلات (4) : حصن هو ثاني مرحلة للخارج من بجاية وبه المنزل، وهو حصن منيع على شرف مطل على وادي بجاية، وبه سوق قائمة وفواكه ولحوم كثيرة رخيصة، وبحصن تيكلات قصور حسان وجنات ليحيى بن العزيز. تينجة (5) : مدينة صغيرة من عمل بنزرت المسمى عمل صطفورة، ولها بحيرة طولها أربعة أميال وتتصل ببحيرة بنزرت من فم بينهما وفي هاتين البحيرتين أمر عجيب وذلك أن ماء بحيرة تينجة عذب وماء بحيرة بنزرت ملح، وكل واحدة من هاتين البحيرتين تصب في الأخرى ستة أشهر ثم ينعكس جريها فتمسك الجارية عن الجري وتصب الثانية إلى الأولى ستة أشهر فلا بحيرة تينجة تملح ولا بحيرة بنزرت تعذب. التيه (6) : أرض التيه بمقربة من أيلة بينهما عقبة لا يصعدها راكب لصعوبتها، ولا تقطع إلا في طول اليوم لطولها، ثم يسير مرحلتين في فحص التيه الذي تاه فيه بنو إسرائيل حتى يوافي ساحل بحر فاران وهو الذي غرق فيه فرعون، وينسب البحر إلى فاران وهي مدينة من مدن العماليق على تل بين جبلين وفي هذين الجبلين نقوب كثيرة لا تحصى مملوءة أمواتاً، ومن هناك إلى بحر القلزم مرحلة واحدة، والتيه مقدار أربعين فرسخاً في مثلها أو أربعة فراسخ في مثلها، وفيه هام بنو إسرائيل كما قلناه أربعين سنة لم يدخلوا مدينة ولا أووا إلى بيت ولا بدلوا ثوباً، وطول فحص التيه في قول نحو من ستة أيام وفي فحص التيه مات موسى وهارون عليهما السلام. التينات (7) : مدينة بالشام بينها وبين طرابلس مسيرة أيام، منها أبو الخير التيناتي (8) أحد المشايخ الأكابر العارفين بالله تعالى كان صاحب مشاهدة وكان يسمى علام الله من أخباره قال أبو الحسن القرافي أتيت التينات أزوره فوافقت إنساناً جاء يزوره فقال لي: ندخل الآن عليه فيقدم لنا الخبز واللبن وأنا لا آكله فإني

_ (1) تتصحف في عدة وجوه؛ وفي ص ع. رعاية. (2) الطبري 1: 2081. (3) الطبري: باهان. (4) الإدريسي (د/ ب) : 92/ 64 وقد كتب ((تاكلات)) ، ويكتب تيكلات في بعض نسخ نزهة المشتاق. (5) الإدريسي (د/ ب) : 115/ 83. (6) انظر ياقوت (التيه) ، والبكري (مخ) : 77. (7) انظر ياقوت (تنيات) : فرضة على بحر الشام قرب المصيصة، وابن حوقل: 167. (8) سمّاه ياقوت: عباد بن عبد الله.

صفراوي قال: فدخلنا على الشيخ فقام ودخل بيته وجاء على يده قصعة فيها لبن وخبز وقال لي: كل أنت هذا، وفي يده الأخرى رمان حلو وحامض فقال للرجل: كل أنت هذا. وقال عبد العزيز البحراني: قصدت التينات أزوره فسألت صبياً عن مسجده فقال: قد آذيتم الشيخ الزمن، كم تأكلون خبز هذا الضعيف، فوقع في قلبي قوله فاعتقدت أن لا آكل طعاماً ما دمت بتينات، فبت ليلتي ما قدم لي شيئاً ولا عرض علي، فلما خرجت وصرت إلى الزيتون فإذا به يصيح خلفي فالتفت فإذا به، فدفع لي ثلاثة أرغفة ملطوخة بلبن وقال لي: كل، قد خرجت من عقدك، ثم قال لي: أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الضيف إذا نزل نزل برزقه "، فقلت: بلى، فقال: فلم شغلت قلبي بقول صبي. قال القرافي: قدم أبو الخير تنيس فقال لي: قم حتى نصعد السور ونكبر. ثم قلت في نفسي ونحن على السور: هذا عبد أسود بم نال ما هو فيه؟ فالتفت إلي وقال: يعلم ما في نفوسكم فاحذروه، فلما سمعت ذلك فزعت وغشي علي، فمر وتركني، فلما أفقت جعلت أذم نفسي وأستغفر الله، فجاء وقال: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، فقمت معه. وقال: كنت واقفاً أركع فإذا اللعين إبليس قد جاء في صورة حية عظيمة فتطوق بين يدي سجودي فنفضته وقلت: يا لعين لولا أنك نجس لسجدت على ظهرك، وقال: كنت بطرابلس الشام ليلاً فذكرت الحرم وطيبه فاشتقته، فسجدت ورفعت رأسي فإذا أنا في المسجد الحرام. قال إبراهيم بن عبد الله: قصدته في مسجده فإذا هو مع شخص يحدثه فقال لي: يا إبراهيم اخرج ورد الباب، فخرجت وجلست بالباب طويلاً وكانت لي حاجة إليه، فقلت في نفسي: إن كانا في سر فقد فرغا، ففتحت الباب فإذا به جالس وحده، فقلت: وأين الرجل فإنه لم يخرج؟ فقال: يا بني هو لم يخرج من الباب فقلت: من هو؟ قال: الخضر، فبكيت وقلت: لو عرفته لسألته الدعاء. ثم مضت مدة فبعثني الشيخ أبتاع له حوائج فحملتها في كساء على ظهري فلقيت رجلاً في الطريق فسلم علي وقد بقي إلى التينات ستة أميال وقد تعبت فقال: ناولني أحمل عنك، فناولته فحملها وجعل يحادثني بأخبار الصالحين حتى بلغنا باب التينات، فدفعه وودعني وقال: اقرأ على الشيخ السلام فقلت: أقول من؟ فقال: هو يعرف، فلما دخلت على الشيخ قال: يا إبراهيم ما استحيت حملته ستة أميال ما حسدتك، وحسدتني على كلامه، فبكيت فقلت: هو هو؟ فقال: هو هو ولا حيلة، تبكي إذا لم تلقه وتبكي إذا لقيته.

ثرمة

حرف الثاء ثبير هو أعلى جبال مكة وأعظمها يكون ارتفاعه علواً نحو ميل ونصف، وهو الذي عنى امرؤ القيس: كأن ثبيراً في أفانين ودقه ... في بعض الروايات، وهو من الناحية المتصلة بمنى، وثبير وحراء ما بين الشرق والشمال من مكة وهو الذي كانت قريش تعني بقولها: أشرق ثبير كيما نغير. قال البكري (1) : هي أربعة أثبرة: ثبير بمكة وهو هذا، وثبير غينا، والثالث ثبير الأعرج، والرابع ثبير الأحدب. وفي ثبير مكة تقول سبيعة بنت الأحب لابن لها تعظم عليه حرمة مكة وتنهاه عن البغي فيها: ابني لا تظلم بمكة لا الصغير ولا الكبير ... واحفظ محارمها بني ولا يغرنك الغرور ... ابني قد جربتها فوجدت ظالمها يبور ... والله أمن طيرها والعصم تأمن في ثبير ... وفي ثبير هذا خلا إبراهيم عليه السلام بابنه وأضجعه للذبح وذلك في الشعب من ثبير. ثبت على رواية المسعودي قال: لأنه سمي بمن ثبت فيه، وقد تقدم القول فيه في حرف التاء المثناة على ما هو المشهور. الثرثار ماء معروف قبل تكريت، أنشد المبرد (2) : لعمري لقد لاقت سليم وعامر ... على جانب الثرثار راغية البكر قال: أراد أن بكر ثمود رغا فيهم فأهلكوا فضربته العرب مثلاً، وقال الهمداني: الثرثار نهر يصب من الهرماس إلى دجلة، وقال أبو حنيفة: الثرثار بالجزيرة، وبالثرثار قتلت تغلب عمير بن الحباب. ثرمة (3) قلعة في جزيرة صقلية، وهي في الشرق من المدينة (4) وعلى مرحلة منها، وهي، على أكمة مطلة على البحر، وهي من أجل القلاع وعليها سور يطيف بها، وبها آثار أولية، وبها ملعب غريب الصنعة يدل على قدرة بانيه، وبها حصن محدث وحمتان متقاربتان من أجل الحمات، وبها مياه جارية عليها كثير من الأرحاء، ولها بادية ورباع رائقة، ويصنع بها من الأطرية ما يتجهز به إلى كثير من الآفاق من جميع بلاد قلورية وغيرها من بلاد المسلمين وبلاد النصارى وتحمل منها الأوساق الكثيرة، وبها وادي السلة (5) وهو نهر كثير الماء غزيره يصاد به البوري في زمن الربيع والسمك الكبير المعروف بالتن، وفي أسفل البلد قلعة، وحماتها أغنت أهلها عن اتخاذ الحمام، وهي على غاية من الخصب وسعة الرزق، وبينها وبين بلرمة المعروفة بالمدينة خمسة وعشرون ميلاً.

_ (1) معجم ما استعجم 1: 335، والبكري (مخ) : 74، والأزرقي 1: 486. (2) الكامل 1: 5، وهو للأخطل في ديوانه: 133. (3) دوزي (م) : 23 - 24 (Termini) . (4) يعني مدينة ((بلرم)) . (5) ع: السكة؛ وهو المسمى باللاتينية (Flumen sull) .

الثنى:

ثمانين (1) : سوق ثمانين بين الجزيرة وبلاد الموصل حيث جبل الجودي الذي استوت عليه سفينة نوح عليه السلام حين أرسل الله تعالى الطوفان على قومه، وهو قبل بازبدى، وسوق ثمانين أول مجمع بني أو عرش بعد الغرق، ولم توجد تحت الماء قرية سوى نهاوند، وجدت كما هي لم تتغير، وأهرام الصعيد وبرابيها وهي التي بناها هرمس الأول والعرب تسميه ادريس، وكان (2) قد ألهمه الله تعالى علم النجوم فدلته على أن ستنزل بالأرض آفة وأنه ستبقى من العالم بقية يحتاجون فيها إلى علم، فبنى هو وأهل عصره الأهرام والبرابي وكتب علمه فيها. وحدث من دخل الجودي أنه دخل الموضع الذي استوت عليه السفينة وذكر أنه ثلاثة أجبل بعضها فوق بعض، يصعد إلى الأول وفي أعلاه جب للماء ثم يصعد إلى الثاني وفي أعلاه جب للماء أيضاً ثم يصعد إلى الجبل الثالث وهو الذي استقرت عليه السفينة، وهناك حجر يقولون إن عليه نزلت وهو شبيه سفينة، وهناك بيعتان للنصارى ومسجد للمسلمين، وسنذكر ذلك في حرف الجيم إن شاء الله تعالى. وفي أسفل هذا الجبل مدينة ثمانين وهي أول ما ابتنى نوح عليه السلام حين نزل من السفينة فابتنى فيها الثمانون رجلاً الذين كانوا معه ثمانين بيتاً بجنب قرية ثمانين وقيل كان عدد الخارجين من السفينة ثمانين فهذا أصل تسميتها، وليس لهذه المدينة سور، وبها أربعون قبة يذكرون أن في كل قبة منها قبر رجل من أهل السفينة، ولهذه القباب مشهد عظيم يجتمع فيه المسلمون في كل عام ثلاثة أيام. ومدينة ثمانين أرخص بلاد الله لحماً وسمناً، يكون اللحم فيها سبعة أرطال بدرهم، ورطلهم أربعمائة وخمسون درهماً، والتمر أربعة عشر رطلاً بدرهم. الثنى (3) : الثني والمذار بالعراق، وكانت الوقيعة هناك لخالد بن الوليد رضي الله عنه على العجم سنة اثنتي عشرة ويومئذ قال الناس: صفر الأصفار فيه قتل كل جبار على مجمع الأنهار، وهو مذكور في حرف الميم في المذار. ثنية البيضاء (4) : موضع قريب من مكة فيه وجد الحجاج بن علاط بعد فتح خيبر، وكان أسلم فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة ومالاً متفرقاً في تجار أهل مكة فأذن لي يا رسول الله، فأذن له، قال: لا بد يا رسول الله من أن أقول، قال صلى الله عليه وسلم: " قل "، قال الحجاج: فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالاً من قريش يستمعون الأخبار ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغهم أنه سار إلى خيبر وعرفوا أنها قرية الحجاز ريفاً ومنعة ورجالاً فهم يتحسسون الأخبار ويسألون الركبان، فلما رأوني ولم يكونوا علموا بإسلامي قالوا: الحجاج بن علاط عنده والله الخبر، أخبرنا يا أبا محمد، فإنه بلغنا أن القاطع سار إلى خيبر، وهي بلد يهود وريف الحجاز، قلت: قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسر، قال: فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون: ايه يا حجاج، قلت: هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط، وأسر محمد أسراً وقالوا لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فيقتلونه بين أظهرهم بما كان أصاب من رجالهم، قال: فقاموا وصاحوا بمكة وقالوا: قد جاءكم الخبر وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم، قال، قلت: أعينوني على جمع مالي بمكة على غرمائي فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك، فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به، وجئت صاحبتي فقلت: مالي، وقد كان لي عندها مال موضوع، لعلي ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار، قال: فلما سمع العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه الخبر وجاءه عني أقبل حتى وقف إلى جني وأنا في خيمة من خيام التجار فقال: يا حجاج ما هذا الذي جئت به؟ قلت: هل عندك حفظ لما وضعت عندك؟ قال: نعم، قلت: فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء فإني في جمع مالي كما ترى، فانصرف عني حتى أفرغ، قال: حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس رضي الله عنه فقلت: احفظ علي حديثي يا أبا الفضل فإني أخشى الطلب ثلاثاً ثم قل ما شئت

_ (1) معجم ما استعجم 1: 344. وياقوت (ثمانين) وابن حوقل 206. (2) مر هذا عند الحديث عن الأهرام. (3) انظر الطبري 1: 2026 قال: والعرب تسمي كل نهر ((الثني)) ؛ وانظر ياقوت ((الثني)) بكسر الثاء وتسكين النون. (4) سيرة ابن هشام 2: 345.

ثور:

قال: أفعل، قال: فإني والله تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم، يعني صفية بنت حيي، ولقد افتتح خيبر وانتثل ما فيها وصارت له ولأصحابه، قال: ما تقول يا حجاج؟ قلت: أي والله فاكتم عني ولقد أسلمت وما جئت إلا لأخذ مالي فرقاً من أن أغلب عليه، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فهو والله على ما تحب، قال: حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس رضي الله عنه حلة له وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا: يا أبا الفضل، هذا والله التجلد لحر المصيبة، قال: كلا والذي حلفتم به لقد افتتح محمد صلى الله عليه وسلم خيبر وترك عروساً على ابنة ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه قالوا: من جاءك بهذا الخبر؟ قال: الذي جاءكم بما جاءكم به، ولقد دخل عليكم مسلماً وأخذ ماله وانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه، قالوا: يا لعباد الله انفلت عدو الله أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن، ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر بذلك، وقال كعب بن مالك الأنصاري في يوم خيبر: ونحن وردنا خيبراً وفروضه ... بكل فتى عاري الأشاجع مذود جواد لدى الغايات لا واهن القوى ... جريء على الأعداء في كل مشهد عظيم رماد القدر في كل شتوة ... ضروب بنصل المشرفي المهند يرى القتل مدحاً إن أصاب شهادة ... من الله يرجوها وفوزاً بأحمد يذود ويحمي عن ذمار محمد ... ويدفع عنه باللسان وباليد وينصره من كل أمر يريبه ... يجود بنفس دون نفس محمد ؟ ثنية العقاب (1) : بدمشق، سميت بذلك براية لخالد بن الوليد رضي الله عنه تسمى العقاب كان إذا غزا اطلع عليهم بتلك الراية من تلك الثنية وذلك حين نزلها المسلمون. ثنية الوداع (2) : عن يمين المدينة أحسب أنه كان الخارج من المدينة يودعه المشيع من هناك، ولما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في الهجرة لقيته نساء الأنصار يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع ثهلان (3) : جبل باليمن، وقيل بالعالية، والعرب تضرب المثل بهذا الجبل في الثقل فتقول: أثقل من ثهلان. ثور (4) : ويقال ثور أطحل، أحد جبال مكة في الجنوب منها بينه وبين مكة ميلان، وهو جبل مشرف يكون ارتفاعه نحو الميل، وفي أعلاه الغار الذي دخله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وعن عائشة قالت: لحق رسول الله أبو بكر، بغار في جبل ثور، وسيأتي ذكره إن شاء الله في حرف الغين المعجمة. وعن علي رضي الله عنه: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عير إلى ثور، قال: وثور الجبل الذي فيه غار النبي صلى الله عليه وسلم وهو الغار المذكور في القرآن، والبحر يرى من أعلاه، وفيه من كل نبات الحجاز شجرة، وفيه شجر البان، وفيه شجرة من يحمل منها شيئاً لم تلدغه هامة. الثوية (5) : موضع على ميل من الكوفة فيها قبر زياد بن أبيه، وكان طعن في يده فشاور شريحاً القاضي في قطعها فقال له: لك رزق مقسوم وأجل معلوم وأكره إن كانت لك مدة أن تعيش أجذم وإن حم أجلك أن تلقى ربك مقطوع اليد، فإذا سألك لم قطعتها قلت بغضاً للقائك وفراراً من قضائك. فلام الناس شريحاً فقال: إنه استشارني والمستشار مؤتمن ولولا أمانة المشورة لوددت أن الله قطع يده يوماً ورجله يوماً وسائر جسده يوماً.

_ (1) ياقوت: (ثنية العقاب) . (2) ياقوت: (ثنية الوداع) ومعجم ما استعجم 4: 1372. (3) معجم ما استعجم 1: 347، وياقوت (نهلان) ، والهمداني: 146. (4) ياقوت (ثور) ومعجم ما استعجم 1 348، وقد انتقد بعضهم إضافة ثور غلى أطحل (راجع ياقوت) ؛ كذلك هناك نقاش بين العلماء كثير حول الحديث ((حرم ما بين عبر إلى ثور)) فليراجع. (5) في تحديد الثوية انظر معجم ما استعجم 1: 350، وياقوت (الثوية) ، وراجع قصة مرض زياد ونصيحة شريح في العقد 5: 12، وابن خلكان 2: 462.

ثوراب:

قالوا (1) : وكان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره ليعرضهم على أمر علي رضي الله عنه، فمن أبى ذلك عرضه على السيف. قال عبد الرحمن بن السائب: حضرت فصرت إلى الرحبة ومعي جماعة من الأنصار فرأيت شيئاً في منامي وأنا جالس في الجماعة، وقد خفقت، فرأيت شيئاً طويلاً قد أقبل فقلت: ما هذا؟ قال: أنا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر، فانتبهت فزعاً، فما كان إلا مقدار ساعة حتى خرج خارج من القصر فقال: انصرفوا فإن الأمير عنكم مشغول، وإذا به قد أصابه في يده ما أصابه، وفي ذلك يقول ابن السائب: ما كان منتهياً عما أراد بنا ... حتى تأتى له النقاد ذو الرقبه فأسقط الشق منه ضربة ثبتت ... لما تناول ظلماً صاحب الرحبه يعني بصاحب الرحبة علي رضى الله عنه. ولما بلغ ابن عمر رضي الله عنهما موته قال: إيهاً إليك يا ابن سمية لا الدنيا بقيت ولا الآخرة أدركت ومات وهو على المصرين الكوفة والبصرة، ويكنى أبا المغيرة، ودفن في ظهر الكوفة بالثوية، وثم قبر أبي موسى وقبر المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، ورثاه حارثة بن بدر الغداني فقال: صلى الاله على قبر وطهره ... عند الثوية يسفي فوقه المور زفت إليه قريش نعش سيدها ... فثم كل التقى والبر مقبور أبا المغيرة والدنيا مفجعة ... وإن من غرت الدنيا لمغرور قد كان عندك بالمعروف معرفة ... وكان عندك للنكراء تنكير وكنت تغشى وتؤتي المال من سعة ... إن كان بيتك أضحى وهو مهجور الناس بعدك قد خفت حلومهم ... كأنما نفخت فيها الأعاصير ثوراب (2) : مدينة بينها وبين الصغانيان مرحلة بين شرق وجنوب وهي مدينة حسنة كثيرة التجارات والعمارات وأهلها مياسير وبها طرز وصناعات عالية.

_ (1) مروج الذهب 5: 67. (2) ص: ثورات؛ ع: ثورات، وفي نزهة المشتاق: 148 توراب (بالتاء) ؛ ولعلها هي التي ترد عند ابن حوقل: 424 باسم بوارب.

الجار

حرف الجيم جامدة مدينة بالبطاح بين البصرة وواسط، أنشد الثعالبي في اليتيمة (1) لأبي عبد الله الجامدي: مشتاقة طرقت في الليل مشتاقا ... أهلاً بمن لم يخن عهداً وميثاقا أهلاً بمن ساق لي طيف الأحبة بل ... أهلاً وسهلاً وترحيباً بما ساقا يا زائراً زار من قرب على بعد ... أنست مستوحشاً لا ذقت ما ذاقا الجار (2) مدينة بالحجاز على ساحل البحر مما يلي المدينة وهي آهلة عامرة كانت قبل هذا مدينة قريبة من جدة والمراكب إليها قاصدة ومقلعة وليس بها كبير تجارة، ومن الجار إلى جدة نحو عشرة أيام في البر بطول الساحل، والبحر يبعد تارة ويقرب أخرى، وأكثر هذه المراحل في رمال ناشفة وطرق دارسة يستدل فيها بالبحر والجبال. وقالوا: البحر الأعظم من المدينة على ثلاثة أيام وساحلها موضع يقال له الجار، وفيه ترسي المراكب التي تحمل الطعام من مصر ومدينة الجار مدينة مسورة وهي ساحل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وهي حسنة البناء جداً والبحر يضرب سورها، ولها أسواق ومسجد جامع ولها أحساء خارج المدينة يسقون منها ولهم مواجل لماء المطر، ومنها يصعد من أراد مدينة النبي صلى الله عليه وسلم،ويخرج أهلها كل يوم إذا فتح باب مدينتها الشرقي إلى باب محني هناك يسمى باب النبي صلى الله عليه وسلم فيستقبلون بوجوههم المدينة شرقاً ويسلمون ويدعون وينصرفون لا بد لهم من ذلك. ومن الجار إلى بدر نحو المشرق إذا أردت المدينة عشرون ميلاً. وقال يوما عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خطر على قلبي شهوة الحيتان فركب يرفأ راحلة إلى الجار فسار أربعاً وأتى بها، فرأى عمر رضي الله عنه الراحلة فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، والله لا يذوقه عمر. منها سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال كعب (3) لعمر رضي الله عنه: إنا نجدك في كتاب الله تعالى على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها فإذا مت لم يزالوا يقتحمونها إلى يوم القيامة. الجابية بالشام، قال البكري (4) : وهي قنسرين، وبالجابية ضرب أيوب عليه السلام برجله الأرض فنبعت عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى، وبين العين والعين أربعون ذراعاً، وبين الجابية ومنبج أربعة فراسخ، ومن حلب إليها ستة فراسخ، وبالجابية خطب عمر رضي الله عنه حين صار إلى إيليا إذ حاصرها أبو عبيدة رضي الله عنه، فرغب أهلها في الصلح على أن يكون عمر رضي الله عنه هو المتولي لعقده معهم، فكتب إليه بذلك أبو عبيدة رضي الله عنه ورغب إليه في القدوم لما فيه من النظر

_ (1) اليتيمة 2: 373 وفيه " حامدة " - خطأ - وهي بالجيم عند ياقوت. (2) نزهة المشتاق: 51. (3) لا أرى لهذا الخبر علاقة بالمادة إلا أن يكون مما رواه سعد الجاري. (4) ليس هذا في معجم ما استعجم، وقوله " هي قنسرين " غريب، إذ الجابية من عمل دمشق، كما ذكر ياقوت.

جالوس:

لصالح المسلمين فتوجه عمر رضي الله عنه سنة ست عشرة، فلقيه أبو عبيدة رضي الله عنه فترجل كل واحد منهما لصاحبه واعتنقا ولقيه سائر الأمراء فأقام بالجابية عشرين يوماً يقصر الصلاة فقام في الناس فقال (1) : الحمد لله الحميد، المستحمد المجيد الدفاع الغفور الودود الذي من أراد أن يهديه من عباده اهتدى، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، قال: وإذا رجل من القسيسين (2) من النصارى عندهم وعليه جبة صوف، فلما قال عمر رضي الله عنه: من يهد الله فهو المهتدي قال: وأنا أشهد، فقال عمر رضي الله عنه: ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، فقبض النصراني جيبه عن صدره وقال: معاذ الله لا يضل الله أحداً يريد الهدى، فقال عمر رضي الله عنه: ماذا يقول عدو الله هذا النصراني؟ فأخبروه، فرفع عمر رضي الله عنه صوته وعاد في خطبته بمثل مقالته الأولى، ففعل النصراني كفعله الأول، فغضب عمر رضي الله عنه وقال: والله لئن أعادها لأضربن عنقه، فتفهمها العلج فسكت إذ عاد عمر رضي الله عنه في خطبته وقال: من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ثم قال: أما والله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن خيار أمتي الذين يلونكم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل على الشهادة ولم يستشهد عليها، وحتى يحلف على اليمين ولم يسألها، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ولا يبالي شذوذ من شذ " وذكر بقية الحديث. ثم خرج عمر رضي الله عنه من الجابية إلى إيليا فخرج إليه المسلمون يستقبلونه، وخرج أبو عبيدة رضي الله عنه بالناس أجمعين، وأقبل هو على جمل له وعليه فروة من جلد كبش حولي فانتهى إلى مخاضة، فأقبلوا يبتدرونه فقال للمسلمين: مكانكم، ثم نزل عن بعيره وأخذ بزمامه وهو من ليف ثم دخل الماء بين يديه جمله حتى جاز الماء إلى أصحاب أبي عبيدة رضي الله عنه، فإذا معهم برذون يجنبونه فقالوا: يا أمير المؤمنين اركب هذا البرذون فإنه أجمل بك ولا نحب أن يراك أهل الذمة في مثل هذه الهيئة واستقبلوه بثياب بيض، فنزل عمر رضي الله عنه عن جمله وركب البرذون وترك الثياب، فلما هملج به البرذون نزل عنه وقال: خذوا هذا عني فإنه شيطان، وأخاف أن يغير علي قلبي، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو لبست هذه الثياب البيض وركبت هذا البرذون لكان أجمل في المروءة وأحسن في الذكر، فقال عمر رضي الله عنه: ويحكم لا تعتزوا بغير ما أعزكم الله به فتذلوا، ثم مضى ومضى المسلمون معه حتى أتى إيليا فنزل بها وأتاه رجال من المسلمين فيهم أبو الأعور السلمي قد لبسوا ثياب الروم وتشبهوا بهم في هيئتهم، فقال عمر رضي الله عنه: احثوا في وجوههم التراب حتى يرجعوا إلى هيئتنا وسنتنا ولباسنا، وكانوا أظهروا شيئاً من الديباج فأمر به فحرق عليهم. وفي خبر آخر أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لقيه عند مقدمه الجابية في الخيل عليهم الديباج والحرير، فنزل وأخذ الحجارة فرماهم بها وقال (3) : سرعان ما لفتم عن رأيكم، إياي تستقبلون في هذا الزي وإنما شبعتم منذ سنتين، سرعان ما نزت بكم البطنة، والله لو فعلتموها على رأس المائتين لاستبدلت بكم غيركم، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنها يلامقة وإن علينا السلاح، قال: فنعم إذاً. وقال له يزيد بن أبي سفيان: يا أمير المؤمنين إن الثياب والدواب عندنا كثير، والعيش عندنا رفيغ والسعر رخيص، وحال المسلمين كما تحب فلو أنك لبست من هذه الثياب البيض وركبت من هذه الدواب الفره وأطعمت المسلمين هذا الطعام الكثير كان أبعد في الصوت وأزين لك في هذا الأمر وأعظم لك في الأعاجم، فقال له: يا يزيد والله لا أدع الهيئة التي فارقت عليها صاحبي ولا أتزين للناس. بما أخاف أن يشينني عند ربي، ولا أريد أن يعظم أمري عند الناس ويصغر عند الله تعالى، فلم يزل عمر رضي الله عنه على الأمر الأول الذي كان عليه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر رضي الله عنه حتى خرج من الدنيا. ثم بعث إلى أهل إيليا فصالحهم على ما هو مذكور في كتب الأخبار، وفي وقت قدوم عمر رضي الله عنه الشام كان إسلام كعب الحبر. جالوس (4) : جزيرة بالهند وأهلها قوم سود عراة يأكلون الناس وذلك أنه إذا سقط في أيديهم إنسان من غير بلادهم علقوه منكساً وقطعوه قطعاً وذكر بعض رؤساء المراكب أن أهل هذه الجزيرة أخذوا رجلاً من أصحابه فنظر إليهم حتى علقوه وقطعوه قطعاً

_ (1) نقل المادة عن فتوح الأزدي: 226. (2) تهذيب ابن عساكر 7: 347، ونسب هذا الاعتراض إلى الجاثليق. (3) الطبري 1: 2402. (4) نزهة المشتاق: 27، وابن الوردي: 64.

الجاثليق:

وأكلوه، وليس لهؤلاء القوم ملك، وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل وقصب السكر، ولهم مواضع يأوون إليها شبيهة بالغياض والآجام وأكثر نباتهم الخيزران، وهم عراة لا يستترون بشيء وكذلك نساؤهم أيضاً، لا يستترون في النكاح بل يأتونه جهاراً ولا يرون بذلك بأساً، وربما فعل الرجل منهم بابنته وأخته وليس يرى بذلك عاراً ولا قبيحاً، وهم سود مناكير الوجوه مفلفلو الشعور طوال الأعناق والسوق مشوهو الوجوه جداً. جابة (1) : جزيرة من جزر الهند أيضاً تلي جزيرة كله، ولها ملك اسمه جابة وقد تكون سميت به، وهو يلبس حلة الذهب وقلنسوة الذهب مكللة بالدر والياقوت، ودراهمه مطبوعة بصورته، وهو يعبد البد، والبدود هي الكنائس بلغة أهل الهند، وبد الملك حسن البناء والهيئة، وفي داخل البد أصنام من كل جهة مصنوعة من حجارة الرخام وعلى رؤوسها التيجان المكللة بالذهب، وصلاتهم في هذه الكنائس غناء وتلحين وتصفيق لطيف بالأكف وزفن الجواري الحسان ولعبهن فيكون ذلك كله بين أيدي المصلين والمجتمعين في البد، ولكل بد من تلك الجواري عدة يأكلن ويلبسن من مال البد، وإن المرأة إذا ولدت بنتاً حسنة الصورة جميلة القد تصدقت بها على البدود وإذا ترعرعت وشبت كستها أبلغ ما تقدر عليه من الثياب وأخذت أمها بيدها، وحولها أهلها نساء ورجالاً، وسيرتها إلى البد الذي تصدقت بها عليه وتدفعها إلى خدامه وتنصرف، فإذا صارت الطفلة بيد خدام البد دفعوها إلى نساء عارفات بالزفن وجمل اللعب مما تحتاج إليه، فإذا قبلت التعليم لبست أفضل الثياب وحليت بأرفع الحلى ولزمت البد ولم يكن لها خروج عنه ولا زوال، وكذلك سنة الهنديين الذين يعبدون البدود. وبهذه الجزيرة شجر النارجيل كثير والموز المتناهي طيباً وكثرة وبها قصب السكر والأرز. جامة: من بلاد الإفريقية (2) . الجاثليق (3) : من أرض السواد بالعراق وفيه نزل عبد الملك بن مروان حين توجه إلى لقاء مصعب بن الزبير وذلك سنة اثنتين وسبعين، وهو في عساكر مصر والجزيرة والشام، وجاء مصعب في أهل العراق فالتقيا بمسكن، قرية من أرض العراق على شاطئ دجلة، وكاتب عبد الملك رؤساء أهل العراق ممن كان مع مصعب سراً يرغبهم ويرهبهم، وكان إبراهيم بن الأشتر على مقدمة مصعب، فاقتتلوا حتى غشيهم المساء وقتل إبراهيم بن الأشتر بعد أن نكا فيهم، وسار عبد الملك حتى نزل دير الجاثليق ثم تصاف القوم، فأفرد مصعب وتخلى عنه من كان معه من مضر واليمن، وبقي في سبعة نفر منهم إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله وابنه عيسى بن مصعب، فقال له أبوه مصعب: يا بني اركب فرسك والحق بعمك ودعني فإني مقتول، فقال له: لا والله لا تتحدث نساء قريش أني فررت عنك ولا أحدثهم عنك أبداً، فقال له المصعب: أما إذ أبيت فتقدم أحتسبك، فتقدم عيسى فقاتل حتى قتل، وأمر عبد الملك أخاه محمداً أن يمضي إلى مصعب فيؤمنه ويعطيه عنه ما أراد، فمضى محمد فوقف قريباً من مصعب ثم قال: يا مصعب هلم إلي أنا ابن عمك محمد بن مروان، قد أمنك أمير المؤمنين على نفسك ومالك وكل ما أخذت وأن تنزل أي البلاد شئت ولو أراد بك غير ذلك لأنزله بك فأنشدك الله في نفسك، وأقبل رجل من أهل الشام إلى عيسى بن مصعب ليحتز رأسه فعطف عليه مصعب فقده وعرقب فرس مصعب وبقي راجلاً، وأقبل إليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاختلفا ضربتين سبقه مصعب بالضربة إلى رأسه، وكان مصعب قد اثخن بالجراح، وضربه عبيد الله فقتله واحتز رأسه وأتى به عبد الملك فسجد وقبض عبيد الله على قائم سيفه فاجتذبه من غمده حتى أتى على أكثره سلاً ليضرب به عبد الملك حال سجوده ثم تذمم واسترجع، وكان يقول بعد ذلك: ذهب الفتك من الناس إذ هممت ولم أفعل، فأكون قد قتلت عبد الملك ومصعباً ملكي العرب في ساعة واحدة، وتمثل عبيد الله عند مجيئه برأس مصعب رضي الله عنه: نعاطي الملوك الحق ما قسطوا لنا ... وليس علينا قتلهم بمحرم وقال عبد الملك: ما تلد قريش مثل مصعب، فأمر عبد الملك بمصعب وابنه فدفنا بدير الجاثليق. وفي مصرع مصعب بدير الجاثليق يقول عبيد الله بن قيس الرقيات (4) :

_ (1) نزهة المشتاق: 29، وابن الوردي: 67. (2) في ع بياض بمقدار سطرين بعد هذا. (3) حقه أن يرد في باب الدال لأن اسم المكان ((دير الجاثليق)) ، والنص عن مروج الذهب 5: 242. (4) ديوانه: 196.

الجامور:

لقد أورث المصرين عاراً وذلة ... قتيل بدير الجاثليق مقيم ولكنه ضاع الذمار ولم يكن ... بها مضري يوم ذاك كريم جزى الله بصري بذاك ملامة ... وكوفيهم إن المليم مليم جالطة (1) : جزيرة قريبة من جزيرة سردانية تقابل الجانب الشرقي منها بينهما مجاز، وجالطة في حيز بلاد إفريقية تقابل طبرقة من بر إفريقية، وهي جبل منيف كثير الزعفران يأوي إليها الروم والغزاة من المسلمين، وينبت الفول فيها بطبع أرضها من غير فلاحة ولا اعتمال ويحمل منها أخضر ويابساً، وهي كثيرة الوعول. الجامور (2) : جبل في شرقي مرسى بحر تونس كبير غير معمور بينه وبين المرسى نحو سبعين ميلاً، وفيه بئر معينة وآثار قديمة وفيه يختفي عدو البحر إذا رام الوثوب على ما يستفرصه. جباي (3) : من مدن خوزستان ورستاق عظيم مشتبك العمارة بالنخل وقصب السكر وغيرهما من الفواكه، ولأهلها رفاهية وخصب، ومنها أبو علي الجبائي إمام المعتزلة ورئيس المتكلمين في عصره (4) . الجبوبة: جزيرة فيها عين من شرب منها من الخلق ذهب عقله تسمى العين كونياطش. جبريل، بيت جبريل (5) : مدينة قديمة بالشام أهلها قوم من جذام وبها المومياء. جبنيانة (6) : قرية في بلاد إفريقية بقرب سفاقس منها أبو إسحاق الجبنياني الصالح المشهور الكرامات والفضائل، وأخباره ومناقبه مجموعة مصنفة (7) . جبل (8) : بالعراق عند جرجرايا وهي مدينة بها جوامع وأسواق. الجحفة (9) : بالحجاز قرية جامعة لها منبر بينها وبين البحر ستة أميال وبينها وبين مكة نحو ستة وسبعين ميلاً، وهي منزل عامر آهل فيه خلق ولا سور عليه، والجحفة ميقات أهل الشام ومصر والمغرب، وبين الجحفة وعسفان غدير خم وهو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقل وبأ المدينة إلى مهيعة لما استوبأ المهاجرون المدينة. وعن الأصمعي أنه قال: لم يولد بغدير خم مولود فعاش إلى زمن الاحتلام إلا أن يتحول عنها، وبقرب غدير خم موضع خيمتي أم معبد الخزاعية، وبين خيمتي أم معبد وقديد ميلان، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم عرس في غدير خم وقال هناك: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وذلك منصرفه من حجة الوداع، وسميت الجحفة جحفة لأن السيول أجحفتها. وذكر ابن الكلبي أن العماليق أخرجوا بني عبيل وهم أخوة عاد من يثرب فنزلوا الجحفة، وكان اسمها مهيعة، فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة، وفي أول الجحفة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبين الجحفة والبحر نحو ستة أميال. وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق، وهذا الغدير تصب فيه عين وحولها شجر كثير ملتف وهي الغيضة التي تسمى خم، وبين الغدير والعين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عليه

_ (1) جالطة عند ياقوت بالأندلس؛ وعند شيخ الربوة: 142 جالطة أو جزيرة الغنم ((وهذه الأغنام كالوحش نفوراً)) ، قارن هذا بقول المؤلف ((وهي كثير الوعول)) ؛ والوصف عند ابن حوقل: 185 ينطق على مالطة، وانظر الغرناطي (فراند) : 105، 232. (2) الجامور الكبير والجامور الصغير عند البكري: 84 جزيرتان، وهما عند الإدريسي (د) : 124 - 125 جبلان قائمان في البحر، ويرسى بهما عند انقلاب الرياح. (3) المشهور أنها جبي، بالضم ثم التشديد (كما عند ياقوت) ، وكذلك وردت عند ابن حوقل: 231. والنقل عن النزهة: 124. (4) توفي الجبائي سنة 303، راجع ابن خلكان 4: 267 والحاشية في مصادر ترجمته. (5) وردت عند ياقوت في موضعين (بيت جبرين، جبرين) بالنون لغة في جبريل، وقال: بليد بين بيت المقدس وغزة؛ أو حصن بين المقدس وعسقلان. (6) رحلة التجاني: 80. (7) توفي أبو إسحاق الجبنياني سنة 369، وفي أخباره راجع مناقب الجبنياني (ط - باريس) ورحلة التجاني: 80 - 81. (8) ص ع: جب؛ وجبل تقع على تسعة فراسخ جنوب جرجرايا. (9) معجم ما استعجم 2: 368، ونزهة المشتاق: 51، ورحلة الناصري: 228.

جرباتن:

الصلاة والسلام: " اللهم انقل وبأ المدينة إلى مهيعة "، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت عائشة رضي الله عنها: فدخلت عليهما فقلت: يا أبة كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله ... وكان بلال رضي الله عنه إذا أقلعت عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة ... وهل تبدون لي شامة وطفيل قالت عائشة رضي الله عنها: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد وصححها وانقل حماها إلى الجحفة ". جخندة (1) : من مدن فرغانة وعلى نهر يأتي من الجنوب، وهي متاخمة لفرغانة وهي في غربي نهر الشاش، وطولها أكثر من عرضها، وهي منضافة إلى فرغانة إلا أنها منفردة عن الأعمال، وقهندز جخندة وجامعها في المدينة، وهي حسنة المنصب كثيرة المتنزهات طيبة الفواكه وبها رمان لا يعدل به يشف حبه لرقة قشره، وفي أهلها جمال ظاهر ومروءة بواطن وزروعها لا تقوم بأهلها فهي تمار من فرغانة واشروسنة وتنحدر إليهم السفن من نهر الشاش، وهو نهر عظيم تجتمع فيه أنهار من حدود بلاد الترك والإسلام، ووراء جخندة مما يلي الشمال جبل شاهق مطل عليها يسمى شاوعر. جدة (2) : بلد على ساحل مكة شرفها الله تعالى بينهما أربعون ميلاً، وأهلها مياسير وذوو أموال واسعة ولهم موسم قبل وقت الحج مشهور البركة تنفق فيه البضائع المجلوبة والأمتعة المنتخبة، وليس بعد مكة مدينة من مدن الحجاز أكثر من أهلها مالاً، وبها وال من جهة ناحية صاحب مكة يقبض صدقاتها ولوازمها ومكوسها ولها مراكب كثيرة تتصرف إلى جهات كثيرة، ويصاد بها السمك الكثير، والبقول بها ممكنة، وهي من بنيان الفرس بنوا سورها أتقن بناء وكذلك مساكنها ودورها حتى لا يكون بناء أتقن منها، وكان ينزلها ملوك الفرس التجار القادمين من الآفاق فإنها محط السفن من الهند وعدن واليمن وعيذاب والقلزم وغيرها، وبجدة رباط لأبي هريرة رضي الله عنه معروف، وهي مبنية بالآجر والجص وخشب الساج الهندي والأبنوس الجيد الوافي العود من عشرين شبراً إلى أزيد، وهو على أربع طبقات وخمس، وفي دورها مواجل للماء، وفي أعلى منازلها قباب محكمة، ويذكر أهلها أن من بلغ كسبه مائة ألف دينار بنى على داره قبة يعلم بذلك أن كسبه قد بلغ العدد المذكور، وأهلها أغنى الناس وأكثرهم مالاً، وبها دور كبيرة لها ثلاث قباب وأربع، وبجدة نزلت حواء عليها السلام، وبعرفات تعرفت بآدم، وقيل بجدة قبرها، ومن سار إلى القلزم في البحر من جدة لم يفارق الساحل. جرباتن (3) : مدينة بالهند بينها وبين فندرينة خمس مراحل، وهي بلد أرز كثير وحبوب كثيرة، ويذكر أن منها ميرة سرنديب، وفيها ينبت شجر الفلفل كثيراً جداً. جرجرايا: بالعراق مدينة على شرقي دجلة بقرب دير العاقول؛ قالوا (4) : من المدائن إلى واسط خمس مراحل أولها دير عاقول وهي مدينة النهروان الأوسط وبها قوم دهاقين، ثم جرجرايا وهي مدينة النهروان الأسفل وهي ديار الأشراف والفرس (5) وهي مدينة كبيرة وبها مسجد جامع ويسقى زرعها بالزرابيق، وبها تتخذ الثياب الميسانية. وكان محمد بن سيرين من أهل جرجرايا بزازاً وكان مولى أنس بن مالك رضي الله عنه، ومات سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم، وكان أبوه سيرين عبداً لأنس بن مالك كاتبه على

_ (1) أخطأ المؤلف إذ إن الاسم الصحيح هو خجندة - بتقديم الخاء على الجيم، ومن حقها أن يقع التعريف بها في الحرف التالي، وانظر ابن حوقل: 419، ونزهة المشتاق: 218، وياقوت (نقلاً عن الاصطخري) . (2) بعضه عن نزهة المشتاق: 50. (3) في الأصل: جدباش، وما هنا عن نزهة المشتاق: 65، وفي الإدريسي (م) : 35: جربتن. (4) اليعقوبي: 321. (5) اليعقوبي: أشراف الفرس.

جربة:

عشرين ألفاً فأدى الكتابة، وكان من سبي ميسان، وكان المغيرة افتتحها، وقيل كان من سبي عين التمر، وكانت أمه صفية مولاة أبي بكر رضي الله عنه، طيبها ثلاث من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ودعون لها وحضر إملاكها ثمانية عشر بدرياً فيهم أبي بن كعب رضي الله عنه يدعو وهم يؤمنون. ومن أهل جرجرايا أبو القاسم أحمد بن علي بن أحمد الجرجرائي (1) والزير الظاهر وابنه المستنصر خليفتي مصر العبيديين وكان أحد رجال الدنيا دهاء وسياسة وبعد غور قالوا: اشتهى خليفة مصر الشيعي أن يسمع كلام المغاربة فأدخل إليه وزيره الجرجرائي رجلاً يعرف بالدقي فكلمه والخليفة محتجب عنه بحيث يسمع كلامهما، فقال له الوزير الجرجرائي: ما اسمك وبماذا تعرف قال: أنا فلان بن فلان الدقي، فقال له الوزير: وما الدقي، أمن دقة الملح فقال: لا، دقة بينها وبين القيروان مثل ما بين جرجرايا وبغداد، فضحك منه وانصرف. وكان هذا الوزير من أدهى الناس وأشدهم فكرة، بلغه أن ملك القسطنطينية خرج في جمع عظيم مصمماً على بلاد المسلمين بالشام فأعمل الحيلة بالأموال وإفساد قلوب الرجال فلم يفده فنظر نصرانياً عارفاً بلغاتهم وصور له كتاباً مذهباً فيه معاقل الشام ومدنها وترجم عليه وذكر وجوه الحيل في فتحها ودفعه لذلك النصراني واتفق معه بما يرضيه من المال والجاه فتوجه إلى ملك القسطنطينية وهو في سفره مصر على الشام، فقدم له الكتاب، وذكر أنه صنعه لمعرفته بالبلاد وطلباً للأجر في حق النصرانية، فأخذه الملك وغيب النصراني وجهه، والتصقت الأوراق المذهبة فجعل الملك يمد أنامله إلى فيه على العادة في ذلك ويلمس ورقه، وكانت مسمومة، فسرى إليه السم، فهلك وكفى الله شره. ومن طريف أخبار الجرجرائي أن خليفته قطع يده فخرج من فوره فجلس في دسته غير مكترث، وقيل له في ذلك فقال: إن الخليفة قطع يدي عقوبة ولم يعزلني. وقال فيه أبو طالب عبد الله الأنصاري وكان قصده بمصر وتردد إليه فلم يحل منه بطائل، وسمعه كثيراً ما يقول للعمال: أبيتم إلا الخيانة، وكان كثير المصادرة لهم والقبض عليهم، فقال: قل للوزير وقد أبا ... نوا قبل خطته بنانه اغمد لسانك والتزم ... طرق السلامة والصيانه كم ذا تقول أبيتم ... إلا الجناية والخيانه أتراهم قطعوا يد ... يك على النزاهة والأمانه وبلغت الأبيات الجرجرائي، فهرب أبو طالب إلى نيسابور، واتصل بالوزير نظام الملك فرفع له معرضاً بالوزير الجرجرائي: قل للأقيطع قد وصل ... ت لمن له ألفا يد ثنتان جارحتان وال ... باقي لجبر المقصد وتوفي هذا الوزير الجرجرائي في آخر سنة ست وثلاثين وأربعمائة. جربة (2) : جزيرة في بحر إفريقية أقرب بلادها إليها قابس، يسكنها قوم من الخوارج وغيرهم والشر والنفاق موجود في جبلتهم ولا يتكلمون بالعربية وهم أهل فتنة وخروج عن الطاعة، وتغلب عليها طاغية صقلية سنة تسع وعشرين وخمسمائة ثم نبذوا طاعته فغزاهم ثانية ورفع جميع سبيها إلى المدينة، وطول جربة ستون ميلاً من المغرب إلى المشرق، وعرض الرأس الشرقي خمسة عشر ميلاً، ويتصل بها من بعض نواحيها جزيرة زيزو (3) وهي صغيرة جداً ذات نخل وكروم، وبينها وبين البر نحو ميل، وهم نكار خوارج، وجميع أهل هاتين الجزيرتين وهبية لا يماسح ثوب أحدهم ثوب رجل غريب ولا يمسه بيده ولا يؤاكله ولا يأكل له في آنية إلا أن تكون آنية لا يقربها سواه، ورجالهم ونساؤهم يتطهرون في كل يوم عند الصباح ويتوضؤون ثم يتيممون لكل صلاة، وإن استقى عابر سبيل شيئاً من مياههم وعاينوه طردوه واستخرجوا ذلك الماء من البئر، وثياب الجنب لا يقربها الطاهر، وثياب الطاهر لا يقربها الجنب، وهم مع ذلك كله يطعمون الطعام ويندبون إليه ويسالمون الناس في أحوالهم، وفيهم عدالة بينة لمن نزل بهم. وجزيرة زيزو طولها أربعون ميلاً وعرضها نصف ميل، وبعضها معمور بالقصور والكروم والنخيل وبعضها تحت الماء يشف على وجهها نحو قامة وأزيد، وخيرات جربة كثيرة وفواكهها طيبة وأرضها عذاة كريمة.

_ (1) سماه ابن الصيرفي (الإشارة: 36) علي بن أحمد. (2) الإدريسي (د/ ب) : 127/ 95. (3) سيوردها المؤلف ((ريزو)) في الراء.

الجرف:

قالوا (1) : وافتتح رويفع بن ثابت قرية من قرى المغرب يقال لها جربة، فقام خطيباً فقال: يا أيها الناس إني لا أقول لكم إلا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فينا يوم خيبر: قام فينا فقال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب المرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه "، وكان رويفع هذا ولاه معاوية رضي الله عنه طرابلس فغزا منها إفريقية ودخلها وانصرف من عامه فيقال مات ببرقة، ويقال مات بالشام. جرش: باليمن، وهي من البلاد التي كان أهلها اتخذوا الأصنام بعد دين إسماعيل عليه السلام وهم مذحج بن أدد، وهم من الذين قالوا " لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً " قال ابن إسحاق (2) : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي فحسن إسلامه في وفد من الأزد، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن، فخرج صرد يسير بأمر رسول صلى الله عليه وسلم حتى نزل بجرش وهي يومئذ مدينة مغلقة وبها قبائل من اليمن وقد ضوت إليه خثعم، فدخلوا معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم فحاصروهم فيها قريباً من شهر وامتنعوا فيها منه، ثم إنه رجع عنهم قافلاً حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزماً، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلاً شديداً، وكان أهل جرش بعثوا رجلين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران، فبينا هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بأي بلاد الله شكر؟ "، فقام الجرشيان فقالا: يا رسول الله، ببلادنا جبل يقال له كشر (3) ، وكذلك تسميه أهل جرش، فقال لهما: " ليس بكشر ولكنه شكر "، قالا: فما شأنه يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: " إن بدن الله لتنحر عنده الآن "، فجلس الرجلان إلى أبي بكر أو إلى عثمان رضي الله عنهما فقال لهما: ويحكما إن رسول صلى الله عليه وسلم الآن لينعي لكما قومكما، فقوما إليه فسلاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما، فقاما إليه فسألاه ذلك، فقال: " اللهم ارفع عنهم "، فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما فوجداهم أصيبوا يوم أصابهم صرد في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وفي الساعة التي ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر، فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا. الجرف (4) : موضع بقرب ودان، وهو على ثلاثة أميال من المدينة، مر به تبع في مسيره فقال: هذا جرف الأرض فلزمه. وقال الزبير رضي الله عنه: الجرف على ميل من المدينة، وقيل على فرسخ من المدينة، وهناك كان المسلمون يعسكرون إذا أرادوا الغزو وفي حديث أنس رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يأتي الدجال إلى المدينة فيجد على كل نقب من أنقابها صنوفاً من الملائكة فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه فترجف الملائكة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة ". وفي " الموطأ ": خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أرضه بالجرف فرأى في ثوبه احتلاماً فقال: إني بليت بالاحتلام منذ ولينا أمور المسلمين، فاغتسل وغسل ما في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد أن طلعت الشمس. وبالجرف مات المقداد بن الأسود رضي الله عنه وحمل على أعناق الرجال حتى دفن بالبقيع وصلى عليه عثمان رضي الله عنه ولم يكن في بدر إلا فرس المقداد، وكان أبلق. جرف مواز (5) : بالأندلس، على قرطبة جبل يقال له جلطراء يشرف على قرطبة وجميع متنزهاتها وقصورها، وهو وعر في الشتاء مزلة لا يستمسك عليه قدم، وفيه يقول بعض الظرفاء: نشبتي في إخاء من ليس يرعى ... لأخيه الودود حق الإخاء تشبه الجمر والهواء مطير ... في جنوب الأجراف من جلطراء وفي هذا الجبل جرف منقطع عال جداً تحته هواء بعيد مشرف

_ (1) البكري: 19. (2) الطبري 1: 1729. (3) الطبري: كشر. (4) معجم ما استعجم 2: 376، ورحلة الناصري: 309. (5) بروفنسال: 65، والترجمة: 82.

جرجان:

على جميع بساتين رملة قرطبة يعرف بجرف مواز، ومواز رجل أسود من أهل هذه القرية كان يأتي كل غداة فيقف بأعلى هذا الجرف فينادي بأعلى صوته: يا أهل الرملة، ثلاثاً، يسمعهم عن آخرهم بجهارة صوته وإشراف معانيه، فإذا تشوفوا كشف لهم عن دبره ويركع على أربع قابضاً على أصل شجرة كبيرة هناك نابتة يعتصم بها من السقوط، فلما طال ذلك عليهم من فعله دسوا من قطع عروق تلك الشجرة التي كان يتمسك بها وسوى عليها التراب كحالتها الأولى وأتى مواز بالغد فصاح بهم على عادته وصنع كمعهود صنيعه فتهور من أعلى ذلك الجرف فما وصل إلى الأرض إلا ميتاً فضرب به المثل، حتى قال بعض الشعراء: وعدتني وعداً وقربته ... تقريب من يثني بإنجاز حتى إذا قلت انقضت حاجتي ... رميت بي من جرف مواز جرجان (1) : في خراسان، أول من نزلها جرجان بن أميم بن لاوذ بن سام فسميت به، وسار وبار بن اميم أخوه إلى جانب الدهناء مما يلي اليمامة فسميت به أرض وبار. والغالب (2) على أعمال جرجان الجبال والقلاع، وربما بلغت قلاعها تسعمائة قلعة، وجرجان وطبرستان مدينتان من عمل خراسان، والري وجرجان وأعمالها مضافة (3) لطبرستان، وجرجان مدينة كبيرة جداً ليس لها نظير في نواحيها، وبناؤها بالطين وأمطارها دائمة، وهي مدينتان والنهر يشق بينهما، ونهرها كثير الماء وعليه قنطرة معقودة، وجرجان اسم المدينة الشرقية واسم الغربية بكراباذ وهي أصغر من جرجان ولها ضياع وبساتين وزروع وعمارات، وبها كثير من الكروم والتمر الكثير والتين والزيتون وقصب السكر وسائر الفواكه، وفي أهلها مروءة ظاهرة، وفيهم علماء وطلاب الأدب، ونقودهم ونقود أهل طبرستان الدنانير والدراهم، وبجرجان فرضة على البحر تسمى ابسكون (4) وهي مدينة صالحة، ويركب من ابسكون إلى بلاد الخزر وباب الأبواب والجيل والديلم. ومن الري إلى جرجان سبع مراحل، وجرجان على نهر الديلم وافتتحها سعيد بن عثمان في خلافة سليمان بن عبد الملك وجرجان مدينة كبيرة جداً كما قلنا، وهي سهلية جبلية بحرية، الجبل منها يساير الداخل فيها، وفيها قصب السكر، وعلى النهر الذي يشق بين المدينتين جسر معقود. ولا تخلو (5) جرجان وطبرستان مشتى ومصيفاً من الأمطار الدائمة المؤذية القاطعة عن الأشغال. وكان أهل جرجان يأخذون أنفسهم بالتأتي للأخلاق المحمودة، وكانوا أظهر مروءة ووقاراً ويساراً من أهل طبرستان، فبدد شملهم جور السلطان واحتلال العساكر، وافترقوا في البلاد وخربت المدينة إلا الأقل. ولها مياه كثيرة وضياع واسعة ولم يكن بالمشرق بعد أن تجاوز الري والعراق مدينة أجمع ولا أظهر خصباً من جرجان وأصل ابريسم طبرستان من جرجان لأن بزره يؤخذ كل سنة من جرجان ولا يخرج من بزر طبرستان. ومدينة ابسكون المذكورة مدينة صالحة ليس بجميع هذه النواحي فرضة أجل من ابسكون. وكان العجم من الفرس قد حصنوا جرجان بحائط من آجر لا يرام تمنعوا به من الأتراك، وهو حائط طويل أحد طرفيه داخل في البحر أربعة فراسخ والطرف الآخر حيال جبال خراسان، وعلى كل فرسخ حصن، فكانت الترك تأتيهم من ناحية خوارزم فلا يصلون إليهم، ثم إن الترك تحيلوا حتى ظهروا عليهم وتغلبوا عليها، وسمة الملك منهم صول، وأذاقوا أهل خراسان شراً، وتملكوا معها دهستان والبحيرة وهي جزيرة، بينهما ثلاثون فرسخاً، ورامها سابور ذو الأكتاف وخسر بن قباذ وخسر بن هرمز فأعيتهم حتى جاء الإسلام (6) ، فغزاها سويد بن مقرن سنة ثمان عشرة من الهجرة، وصاحبها رزبان صول، فكاتبه رزبان صول فانصرف عنه، ثم غزاها سعيد بن العاصي في خلافة عثمان سنة ثلاثين فصالحوه على مائتي ألف فلم يأتها بعد سعيد أحد، ومنعوا طريق

_ (1) معجم ما استعجم 2: 375. (2) من هنا عن نزهة المشتاق: 208. (3) نزهة المشتاق: مصاقبة. (4) نزهة المشتاق: السكون، ص ع: أةو بسكون (في موضعين فقط) . (5) من هنا متفق مع الكرخي: 125، وابن حوقل: 324 مع اختلافات يسيرة. (6) انظر في فتح جرجان تاريخ الطبري 1: 2657، 2836، 2: 1317 - 1335.

خراسان فلم يسلكه أحد من ناحية قومس إلا على خوف، إنما كان الطريق على فارس إلى كرمان إلى خراسان فأول من صير الطريق من قومس إلى خراسان قتيبة بن مسلم وكان يكتب إلى الحجاج يستأذنه في غزو جرجان فيأبى عليه، ويكتب إليه: الأنوق والعيوق، إياي والورطات، لنا السهل ولهم الجبل، فلما ولي يزيد بن المهلب خراسان أيام سليمان كانت جرجان من همه، فلما انتهى إلى قومس وجد ريحاً منتنة، فقال: ما هذه الريح؟ قيل له: أغار صول التركي على هذه الناحية فقتل هؤلاء فهذه ريح القتلى، فقالا: قبح الله قتيبة، ترك هؤلاء في قبضة المسلمين وهو يغزو المسلمين، فقال له رجل من بني تميم: قد أرادها قتيبة ولكن الحجاج منعه منها فامض إلى خراسان حتى يتمكن أمرك ثم ناهضها. وخرج عن جرجان بعض المرازبة مغاضباً لصول فأتى يزيد فقرب عليه أمر جرجان، فأقبل يزيد في جند الشام وخراسان ودهاقينها في عشرين ومائة ألف يؤم جرجان، فتحول عنها صول إلى البحيرة، فاجتمع الترك في مدخل جرجان، فلقوا يزيد فقاتلهم فهزمهم فبلغت هزيمتهم دهستان، ووضع يزيد بجرجان وضائع من جنده وأتى البحيرة فحصر صولاً فقاتلوه مراراً، وأكثر يزيد فيهم القتل يوماً فدخلوا حصنهم فلم يخرجوا بعد ذلك، وحصر أهل البحيرة ستة أشهر فنزلوا على حكمه على أن يؤمن صولاً وأهله وثلثمائة ممن أحب، ويقال خمسمائة، ولا يعرض لماله وتدفع إليه البحيرة بما فيها ففتحها وسبى أهلها ثم توجه إلى طبرستان فجرت بينه وبين الأصبهبذ صاحبها خطوب كثيرة آل الأمر في ذلك إلى أن صالحه على ألفي ألف وعلى أربعمائة وقر من زعفران وثلثمائة أمير من العرب كانوا هناك وعلى أن يدفع إليه خمسمائة من الأتراك كانوا غدروا بالمسلمين، وكان الذي توسط في الأمر بينهما حيان النبطي، فحمل الأصبهبذ إليه صلحه، وبعث بالأتراك فقتلهم. وخلا لهم الطريق إلى جرجان فمشى يزيد إلى جرجان وأعطى الله عهداً (1) إن ظهر عليهم أن لا يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ويختبز ذلك الطحن فيأكله، فلما بلغ المرزبان بجرجان مسيره تحصن منه في قلعتها وليست تحتاج إلى عدة من طعام ولا شراب وحولها غياض ملتفة وليس يعرف لها إلا طريق واحد، فنزل بها يزيد فأقام سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء ولا يعرف لها مأتى، فبينا هم كذلك إذ خرج الهياج بن عبد الرحمن الأزدي من أهل طوس، وكان مولعاً بالصيد، فرأى ظبية أو وعلاً متوقلاً في الجبل فاتبعها يقفوها في مثل شراك النعل حتى اطلع على قلعتهم من طريق خفي، فلما عاين ذلك انصرف راجعاً وخاف أن يشتبه عليه الطريق فجعل يخرق ما عليه من الثياب ويضعه على الشجر يتخذ ذلك علماً حتى انتهى إلى العسكر فأعلم يزيد فأمر له بجائزة وبعث معه بأربعة آلاف، فقال إن الطريق لا تحمل هذه الجماعة فاتخذ ثمانمائة (2) وقال: لا بد من سلم من جلود فاتخذها وقال له يزيد: متى تصل إليهم؟ قال: غداً عند صلاة العصر، فنهض فلما انتصف النهار من الغد أمر يزيد أن يشعل النار في حطب كان جمعه في حصاره لهم فصار آكاماً فأضرموه فصار حول العسكر أمثال الجبال من النيران، فهال ذلك العدو فخرجوا، وأمر يزيد الناس فجمعوا بين الظهر والعصر، وزحفوا إلى المشركين يقاتلونهم والمشركون آمنون من الوجه الآخر فلم يرعهم بعد العصر إلا التكبير من ورائهم فعطفوا عليهم، وركب المسلمون أكتافهم فأعطوا بأيديهم وفتحوا القلعة ونزلوا على حكم يزيد فقتل المقاتلة وسبى الذرية وقاد منهم اثني عشر ألفاً إلى وادي جرجان وقال: من يطلبهم بثأر فليقتل، وكان الرجل يقتل الأربعة والخمسة في النهر، وجرى الماء بدمائهم فطحن له عليه واختبز من ذلك الطحن وأكل ليبر قسمه وصلبهم نحو فرسخين وبنى مدينة جرجان وقصبتها وكتب يزيد إلى سليمان: إن الله تعالى قد فتح لأمير المؤمنين جرجان ودهستان وطبرستان والبحيرة وقد أعيا ذلك سابور ذا الأكتاف وكسرى بن هرمز وكسرى بن قباذ وأعيا ذلك الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ومن بعدهما من خلفاء الله تعالى، وفتح الله ذلك لأمير المؤمنين كرامة من الله له وزيادة من نعمه عليه، وقد صار في يدي ما أفاء الله على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة عشرون ألف ألف فقال له كاتبه المغيرة بن أبي قرة مولى بني سدوس: لا تفعل أيها الأمير، إن هذا يبقى عليك مخلداً بكتابك في دواوينهم فإن ولي بعده وال فتحامل عليك لم يرض منك إلا بأضعافه وإن عدل عليك أخذ بما في كتابك، فاكتب إلى أمير المؤمنين بالفتح وألغ ذكر المال، فإذا

_ (1) كان أهل جرجان قد نقضوا العهد وغدروا بالجند الذي خلفه يزيد فيها. (2) الطبري: ثلاثمائة.

جراوة مكناسة:

لقيت أمير المؤمنين شافهته بالمال فلا ينعقد عليك ما ينعقد، فأبى يزيد وأمضى الكتاب ومات سليمان قبل أن يصل إليه الكتاب، وطولب يزيد بعد ذلك بالمال، وكأن الذي أشار عليه رأى الغيب من ستر رقيق. وكرز (1) من أهل جرجان أزهد الناس في زمانه حتى قال سفيان بن عيينة: لو كان أحد يكتفي بالتراب قوتاً لاكتفى به كرز، وقبره بجرجان يزار ويقصد، وقال الشاعر: لو شئت كنت ككرز في تعبده ... أو كابن طارق حول البيت والحرم قد حال دون لذيذ العيش خوفهما ... وسارعا في طلاب الفوز والكرم والقاضي الجرجاني هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني (2) قاضي القضاة بالري، وهو صاحب الأبيات المشهورة الشريفة: يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكن نفس الحر تحتمل الظما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لاخدما أأغرسه عزاً وأجنيه ذلة ... إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما الجرجانية (3) : هي المدينة الكبرى والقاعدة العظمى من خوارزم، وهي مدينتان على ضفة النهر يجاز بينهما بالمراكب، واسم المدينة الشرقية منها درغاش والمدينة الغربية هي الجرجانية، وهي كبيرة عامرة ذات أسواق وربض وسور محيط بالربض، والمدينة طولها نحو من تسعة أميال في مثلها، وهي متجر الغزية، ومنها يخرج الرفاق إلى أرض جرجان وكانت تخرج إلى الخزر على مر الأيام وإلى سائر بلاد خراسان. قالوا: ومرو ونيسابور وبلخ مع عظم كل واحدة من هذه تقصر عن الجرجانية بانفرادها وانها كانت سرير السلطان الأعظم صاحب الأقاليم السلطانية ورب العساكر الكثيفة خوارزم شاه. ونزل عليها الططر سنة ثمان عشرة وستمائة وكان بها حينئذ عسكر جليل وأمراء مشهورون فحاصروها الحصار الشديد، فدام عليها الحصار المتصل خمسة أشهر، وقتل من الفريقين خلق عظيم، فأرسل الططر المحاصرون إلى خاقانهم وهو مشغول بثقاف خراسان فأمدهم بعشرين ألف مقاتل، وقاتلهم أهل الجرجانية قتالاً شديداً حتى ظهر في ذلك النساء والصبيان، إلى أن ملك الططر المدينة وقتلوا فيها كل ذي روح، وقيل لهم إن الناس اختفوا في سراديب وأماكن غامضة ففتحوا سكر جيحون وغرقوا المدينة بذلك النهر الأعظم، وتركوا موضعها أجمة فما نجا من أهلها أحد، ومن ذلك الحين عدل جيحون عن الصب في بحيرة خوارزم وسلك غير طريقه في الرمال إلى أن صير في بحر طبرستان بساحل دهستان. جرباذقان (4) : مدينة في داخل المشرق، ذكرها السلفي في الأربعين البلدانية. جراوة مكناسة (5) : مدينة في سهل من الأرض وكان عليها سور مبني بالطوب، وداخلها قصبة، وحولها أرباض من جميع جهاتها وعيون متفجرة، وداخلها آبار عذبة وخمسة حمامات أحدها ينسب إلى عمرو بن العاصي رضي الله عنه، وجامع من خمس بلاطات على أعمدة حجارة. وأسسها أبو العيش عيسى بن ادريس بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة تسع وخمسين ومائتين، وكان لها بابان شرقيان وثالث غربي ورابع

_ (1) كرز بن وبرة: كوفي الأصل سكن جرجان (صفة الصفوة 3: 67) . (2) ترجمته في ابن خلكان 3: 278، وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى. (3) نزهة المشتاق: 212. (4) قال ياقوت: بلدة قريبة من همذان بينها وبين الكرخ واصبهان، وهناك بلدة أخرى بهذا الأسم بين استراباذ وجرجان. (5) البكري: 142.

الجزائر:

جوفي وحواليها بسائط عريضة للزرع والضرع، وحولها عدة من القبائل من البربر مطغرة وبني يفرن وغيرهم، وبينها وبين البحر ستة أميال. ولعل أحمد بن عبد السلام الجراوي (1) شاعر بني عبد المؤمن من هذه المدينة إذ كان يدعى الجراوي، ويقال إنه مدح في صباه عبد المؤمن ثم مدح ابنه يوسف وابنه يعقوب المنصور ومحمداً الناصر بن المنصور، وتوفي في عام العقاب سنة تسع وستمائة، وكان حافظاً وصنف للمنصور يعقوب مجموعاً من أشعار الناس رتبه على أبواب " الحماسة " وكان غيوراً على الشعر حسوداً للشعراء ناقداً عليهم غير مسلم لأحد منهم. الجزائر (2) : من أشير إلى جزائر بني مزغنا، وبين مدينة شرشال والجزائر سبعون ميلاً، والجزائر مدينة جليلة قديمة البناء فيها آثار للأول، ومتيجة (3) قريبة منها، وتدل الآثار العجيبة التي بالجزائر على أنها كانت دار مملكة لسالف الأمم؛ وصحن دار الملعب فيها قد فرش بحجارة ملونة صغار مثل الفسيفساء وفيها صور الحيوان بأحكم عمل وأبدع صناعة لم يغيرها تقادم الأزمان ولا تعاقب القرون، ولها أسواق ومسجد جامع، وكانت بها كنيسة عظيمة بقي منها جدار هو اليوم قبلة شريعة العيدين مفصص كثير النقوش والصور، ومرساها مأمون به عين عذبة يقصدها أصحاب السفن من إفريقية والأندلس وغيرهما. والجزائر (4) على ضفة البحر، وشرب أهلها من عيون على البحر عذبة ومن آبار، وهي عامرة آهلة وأسواقها قائمة، وفي جبالها قبائل البربر وزراعاتهم الحنطة والشعير، وأكثر أموالهم المواشي البقر والغنم، ويتخذون النحل كثيراً والعسل والسمن في بلدهم كثير ولذلك يتجهز به منها إلى الأقطار المجاورة لها والمتباعدة عنها، وأهلها قبائل ولهم حزم وفيهم منعة (5) . ويتصل بجزائر بني مزغنا فحص متيجة وهو فحص عظيم كثير الخصب والقرى والعمائر تشقه الأنهار، وهو نحو مرحلتين في مثلها وقد أحدقت به جبال مثل الاكليل. جزيرة العرب: في الحديث: " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان في جزيرة العرب ". قيل جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة واليمن، والعرج أول تهامة، وقيل جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، وأما العرض فما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة، وحفر أبي موسى على خمس مراحل من البصرة. وقال الأصمعي (6) : جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطرار الشام. قالوا: وكانت أرض العرب خاوية ليس في تهائمها ونجدها وحجازها كثير أحد لإخراب بختنصر إياها وإخلائها من أهلها إلا من اعتصم برؤوس الجبال والشعاب. وبلاد العرب هي التي صارت في قسم من أنطق الله عز وجل باللسان العربي حين تبلبلت الألسن ببابل في زمن نمرود، وإنما سمتها العرب جزيرة (7) لإحاطة البحار والأنهار بها من أقطارها وصاروا منها في مثل الجزيرة، لأن الفرات أقبل من بلاد الروم فظهر بناحية قنسرين ثم انحط عن الجزيرة وهي ما بين الفرات ودجلة وعن سواد العراق حتى وقع في البحر من ناحية البصرة والأبلة، وامتد البحر من ذلك الموضع مغرباً مطيفاً ببلاد العرب منعطفاً عليها فأتى منها على سفوان وكاظمة، ونفذ إلى القطيف وهجر وأسياف عمان والشحر، وسال منه عنق إلى حضرموت وناحية أبين وعدن ودهلك، واستطال ذلك العنق فطعن في تهائم اليمن ببلاد حكم والأشعريين وعك ومضى إلى جدة ساحل مكة، وإلى الجار ساحل المدينة وإلى ساحل تيماء حتى بلغ إلى قلزم بمصر وخالط بلادها، وأقبل النيل في غربي هذا من أعلى بلاد السودان مستطيلاً معارضاً البحر حتى وقع في بحر مصر والشام، وأقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين فمر بعسقلان وسواحلها وأتى على صور ساحل الأردن وعلى بيروت وغيرها من سواحل دمشق، ثم نفذ إلى ساحل حمص وسواحل قنسرين ثم يجيء حتى يخالط الأرض التي أقبل منها الفرات منحطاً عن أطراف قنسرين والجزيرة إلى سواد العراق.

_ (1) تقدم ذكره في مادة ((تادلي)) ، والأغلب أنه منسوب إلى كورايا أو جراوة أو كرواة (بالكاف والجيم المعقودة) وهي قبيلة كانت تقطن ضواحي فاس. (2) البكري: 66، والاستبصار: 132. (3) ص ع: وسبخة؛ ومتيجة فحص سيتحدث عنه المؤلف في هذه المادة نفسها. (4) الإدريسي (د/ ب) : 89/ 62. (5) الإدريسي: ولهم حرمة مانعة. (6) معجم ما استعجم 1: 6، والبكري (مخ) : 2، وصبح الأعشى 4: 294. (7) متابع للبكري وصفة جزيرة العرب: 47 وانظر ياقوت: (جزيرة العرب) .

قالوا (1) : فجزيرة العرب مما يلي الشمال في الخط الذي يخرج من ساحل أيلة فيمر مستقبل الشرق في أرض مدين إلى تبوك ودومة الجندل إلى البلقاء وتيماء ومآب وهي كلها من الشام، ويمضي في وادي شيبان وتغلب وبكر، ويتصل بالكوفة والنجف والقادسية والحيرة، وعن يمين هذا الخط مما يلي الجنوب أرض الحجر ووادي القرى وهي أرض ثمود وما دونها إلى الأغوار والتهائم والنجود إلى أن يصل إلى ساحل حضرموت، كل ذلك من أرض العرب، ومما يلي المشرق، وهو مهب الصبا، بطائح البصرة حتى ينتهي إلى الجزيرة ثم فيض البصرة، وهو نهرها الذي البصرة عليه وكان زياد بن سمية حفره إلى الأبلة، ثم إلى سفوان وكاظمة وقطيف وأسياف البحرين وعمان، ثم ينحدر مع الشمال إلى ساحل البحر حتى يأتي غب عدن، والغب ينزوي فيه الماء شبه الخليج، فينعطف عنق من البحر ويأخذ مع الصبا منعطفاً على جزيرة العرب ويستمر نحو الهند مع الشمال والبحر مع دجلة البصرة، وهذا البحر غربيه يسمى أرض العرب وشرقيه يسمى شاطئ فارس، وما وراء ذلك من شرقي البحر عند منقطع أرض فارس فهو من بلاد الهند، ويتسع البحر ويضيق بالجزائر، وحد جزيرة العرب مما يلي الجنوب ساحل هذا العنق المنعطف مع الصبا، وهذا العنق عن يمين الذاهب منه جزيرة العرب إلى ضفة البحر، وعن يساره بلاد الزنج، وفي ساحل هذا البحر يصاب العنبر، ويمضي ذلك العنق حتى يمر بساحل حضرموت وأبين وينتهي إلى عدن على منتهى هذا العنق، ثم ينعطف هذا العنق من عدن مع الجنوب فيمر منعطفاً على جزيرة العرب وغيرها، ثم يمر العنق ببلاد اليمن على سواحلها حتى يصل إلى جدة وهو ساحل مكة، ثم يصير إلى الجار وهو ساحل المدينة ثم يمضي إلى الحوراء وهو ساحل وادي القرى ويقارب بلاد مصر، ثم ينقطع ذلك العنق ويقف. فصارت (2) بلاد العرب من هذه الجزيرة على خمسة أقسام: تهامة والغور والحجاز والعروض واليمن، لأن جبل السراة وهو أعظم جبال العرب أقبل من أرض اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازاً، لأنه حجز بين الغور وهو هابط وبين نجد وهو ظاهر فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعك وكنانة وغيرها إلى ذات عرق والجحفة وما طابقها وغار من أرضها فهو غور تهامة، وتهامة تجمع ذلك كله، وصار ما دون ذلك الجبل وشرقيه من صحارى النجد إلى أرض العراق والسماوة وما يليهما، ونجد يجمع ذلك كله، وصار الجبل نفسه وما انحجز في شرقيه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيد إلى المدينة ومن بلاد مذحج تثليث وما دونها إلى ناحية فيد حجازاً، والحجاز يجمع ذلك كله، وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاهما العروض، وصار ما خلف تثليث وما قاربها إلى صنعاء وما والاها من البلاد إلى حضرموت والشحر وعمان: اليمن، وفيها التهائم والنجود، واليمن يجمع ذلك كله. وطول جزيرة العرب، من آخر حدود الشام وأول حدود الحجاز إلى عدن أبين، اثنان وخمسون مرحلة بسير الإبل وذلك ألف وخمسمائة ميل، وعرضها من بحر جدة إلى بحر الأبلة على الاستقامة ثلاثون مرحلة بسير الإبل وذلك تسعمائة ميل، وفي مواضع منها يختلف هذا الطول والعرض على حسب دخول البحر في أرضها وخروجه عنها، وقد خالفنا شرط الاختصار في هذا الموضع كما وقع لنا في مواضع أخر منه، فلنقتصر على هذا القدر. وعلى الجملة فكل موضع أحاط به البحر أو النهر أو جوز عن وسطه فهو جزيرة وما بين دجلة والموصل يقال له الجزيرة أيضاً وقاعدة هذا العمل الموصل ولها كور وعمائر وقرى وبلاد واسعة وأعمال كثيرة وتشتمل على ديار ربيعة ومضر، وسيأتي ذكر بلادها أو ما تيسر منها في مواضعه إن شاء الله تعالى. وفي سنة ثمان وعشرين ومائة غلب الضحاك بن قيس الحروري على عامة الجزيرة والموصل والعراق. قالوا (3) : وكان هرقل أغزى حمص في البحر بعد أن غلب عليها المسلمون، واستمد أهل الجزيرة على أبي عبيدة ومن فيها من المسلمين فأجابوه، وبلغت امداد الجزيرة ثلاثين ألفاً سوى امداد قنسرين من تنوخ وغيرهم فبلغوا من المسلمين كل مبلغ، فضم أبو عبيدة إليه مسالحه وعسكروا بفناء مدينة حمص وخندقوا عليها، وكتبوا إلى عمر رضي الله عنه يستصرخونه، فكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن اندب الناس مع القعقاع بن عمرو وسرحهم من يومهم الذي يأتيك فيه كتابي إلى حمص،

_ (1) البكري (مخ) : 22. (2) انظر الهمداني: 49، وياقوت، وكله عند البكري (مخ) . (3) الطبري 1: 2498.

جزيرة القرود:

فإن أبا عبيدة قد أحيط به، وكتب إليه: سرح سهيل بن عدي إلى الجزيرة في الجند وليأت الرقة فإن أهل الجزيرة ثم استطاروا (1) الروم على أهل حمص، فمضى القعقاع في أربعة آلاف من يومهم الذي أتاهم فيه الكتاب، ولما بلغ أهل الجزيرة الذين أعانوا الروم على أهل حمص أن الجنود قد خرجت من الكوفة تفرقوا في بلدانهم خوفاً عليها وخلوا الروم، فقالوا فيما بينهم: إنكم بين أهل العراق وأهل الشام فما بقاؤكم على حرب هؤلاء؟ فرغبوا في الصلح، فقبل منهم وهم أهل الرقة ونصيبين وحران وكلهم دخلوا على الجزية، فكانت الجزيرة أسهل البلدان أمراً. وقال في ذلك سهل بن عدي (2) : فضاربنا العداة غداة سرنا ... إلى أهل الجزيرة بالعوالي ولم نثن الأعنة حين سرنا ... بجرد الخيل والأسل النهال وأجهضنا الأولى ثاروا بحمص ... وقد منوا أماني الضلال أخذنا الرقة البيضاء لما ... رأينا الشهر لوح بالهلال وأزعجت الجزيرة بعد خفض ... وقد كانت تخوف بالزوال وصار الخرج صافيه (3) إلينا ... بأكناف الجزيرة عن قتال والجزيرة أيضاً بالأندلس، وتعرف بالجزيرة الخضراء وسيأتي الكلام عليها في حرف الخاء المعجمة إن شاء الله تعالى. وفي قبلي تونس من إفريقية جزيرة شريك العبسي (4) وكان عاملاً عليها، وأم أقاليمها مدينة باشو، وهي عمل كبير محتو على بلاد وقرى وأنظار كثيرة. وكذلك أعمال صطفورة، وتعرف الآن ببنزرت، من جملة كورها عمل الجزيرة، ويقال جزيرة بنزرت لإحاطة البحر بها ولها أيضاً كور وأقاليم وبلاد وأعمال. جزيرة القرود (5) : بالقرب من جزيرة الرانج وبمقربة من أرض الحبشة، وهي جزيرة كبيرة فيها غياض وشجر وجراف منيعة وبها أنواع من التمر، والقرود بهذه الجزيرة كثيرة تتولد وتتزايد حتى إنها قد تغلبت على هذه المدينة لكثرتها، ويقال إن لها أميراً تنقاد إليه وتحمله على أعناقها ويحكم عليها حتى لا يظلم بعضها بعضاً، وألوان هذه القرود إلى الحمرة، وهي ذات أذناب ولها ذكاء وحدة فهم، وإذا انكسر على جزيرتها مركب أو لجأ إليها أحد من الناس عذبته عذاباً بليغاً بالعض والرجم بالقاذورات وعبثت بمن سقط في أيديها عبثاً عظيماً وربما قتلته سرعاً، وقد يتصيدها الناس ويخرجونها إلى بلاد اليمن فتباع بالثمن الكثير، وتجار اليمن يتخذونها في حوانيتهم حراساً كالعبيد تحرس أمتعة مواليها فلا يقدر أحد على خدعتها ولا على أخذ شيء مما بأيديها لما هي عليه من نهاية الذكاء. جزيرة السامري (6) : في بحر القلزم، ويسكنها قوم من اليهود السامرية، وعلامتهم أن يقول أحدهم إذا لاقى إنساناً: لا مساس، وبهذه اللفظة يعرف أنهم من اليهود المنسوبين إلى السامري صاحب العجل في زمن موسى عليه السلام. وفي هذا البحر من السمك حوت مربع عرضه قريب من طوله، وربما بلغ الواحد منه قنطاراً وهو حوت أحمر شهي الطعم حسن الذوق لا سهك فيه (7) ، وفيه سمك آخر طوله شبر ونصف له رأسان: رأس في موضع رأسه ورأس في موضع ذنبه، وفي كل واحد من هذين الرأسين عينان وفم، وتصرفه في البحر يكون مرة إلى هاهنا ومرة إلى هاهنا، إلى أمام وإلى خلف، ويسمى هذا السمك الخنجر، وفيه سمك يقال له القرش، هو نوع من كلاب البحر، في فمه سبعة صفوف أضراس، فيه ما طوله عشرة أشبار وأكثر وأقل، ومراكب هذا البحر كلها مؤلفة بالدسر، محررة (8) بحبال

_ (1) الطبري: هم الذين استثاروا. (2) هو أخو سهيل بن عدي. (3) ع: إليه. (4) البكري: 45. (5) نزهة المشتاق: 23، وابن الوردي: 63. (6) كلها عن نزهة المشتاق: 49. (7) نزهة المشتاق: ولا شوك به. (8) نزهة المشتاق: مجرورة.

جزيرة البركان:

الليف مجلفطة بدقيق اللبان ودهن كلاب البحر المعد لذلك، ونواتية هذه المراكب لهم آلات محكمة موضوعة في أعلى الصاري (1) الذي يكون في مقدم المركب فيجلس النوتي يبصر ما لاح أمامه من التروش التي تحت الماء مخفية فيقول للماسك: خذ إليك وادفع عنك، ولولا ذلك ما عبره أحد وآفاته كثيرة في المراكب، والمسافرون يأوون كل ليلة إلى مواضع يلجأون إليها خوفاً من معاطبه (2) ، وينزلون بها نهاراً ويقلعون نهاراً، حالاً دائمة سير النهار واقامة الليل، وهو بحر مظلم كريه الريح. جزيرة البركان (3) : هي جزيرة في قطعة من البحر الشامي ليست بالكبيرة فيها جبل يقذف في بعض الأحايين ناراً عظيمة وقليلاً ما تفتر، وإذا هاجت هذه النار قذفت بالحجارة موقدة وسمع لها دوي يرتاع له ويسمع دويها من بعيد كأنما هي رعود قاصفة، وفي هذه الجزيرة معز برية، وبينها وبين أقرب بر من صقلية خمسة عشر ميلاً. جزيرة السعالي (4) : بقرب البحر المظلم الغربي فيها خلق كخلق النساء ولهم أنياب بادية وعيونهم كالبرق وسوقهم كالخشب المحرقة يتكلمون بكلام لا يفهم ويحاربون الدواب البحرية، ولا فرق بين الرجال منهم والنساء إلا بالفروج والذكور لا غير ولا لحى لرجالهم، ولباسهم ورق الشجر. جزيرة المستشكين (5) : بقرب البحر المظلم الغربي أيضاً، عامرة فيها جبال وأنهار وزروع، وعلى المدينة حصن عال، وكان فيها فيما سلف على عهد (6) الإسكندر تنين عظيم يبتلع كل من مر به من إنسان أو ثور أو حمار، فلما دخلها الإسكندر واستغاث به أهلها وشكوا إليه إضرار التنين بهم وأنه قد أتلف مواشيهم وأبقارهم حتى أنهم جعلوا له ضريبة في كل يوم ثورين ينصبونهما بمقربة من موضعه فيخرج إليهما فيبتلعهما ثم يعود إلى موضعه ثم يأتون من الغد فيفعلون له ذلك، فقال لهم الإسكندر: يأتيكم هذا التنين من مكان واحد أو من أمكنة كثيرة. قالوا: من مكان واحد، فقال لهم: أروني مكانه، فانطلقوا به إلى قرب من موضعه ثم نصبوا له الثورين، فأقبل التنين كالسحابة السوداء وعيناه تلمعان كالبرق، فابتلع الثورين وعاد إلى موضعه فأمرهم الإسكندر أن يجعلوا له في اليوم الثاني عجلين وفي الثالث مثل ذاك، فاشتد جوعه، فأمر الإسكندر عند ذلك بثورين عظيمين فسلخا وحشيت جلودهما زفتاً وكبريتاً ونحاساً (7) وزرنيخاً وجعلهما في ذلك المكان فخرج التنين إليهما على عادته فابتلعهما ومضى، فاضطربت تلك الأشياء في جوفه فلما أحس باشتعالها وكان قد جعل في تلك الأخلاط كلاليب حديد، فذهب يتقيأ ذلك من جوفه فتشبكت الكلاليب في حلقه فخر واقعاً وفتح فاه يستروح، فأمر عند ذلك الإسكندر فحميت قطع الحديد وجعلت على ألواح حديد وقذفت في حلق التنين، فاشتعلت الأخلاط في جوفه، فمات وفرج الله تعالى عن أهل تلك الجزيرة، فشكروا الإسكندر عند ذلك وألطفوه وكان فيما حملوه إليه من الألطاف دابة في خلق الأرنب يبرق شعره في صفرة كالذهب في رأسه قرن واحد أسود إذا رأته الأسود وسباع الوحش والطير وكل دابة هربت عنه. جزيرة قلهان (8) : بقرب البحر المظلم أيضاً، فيها خلق كخلق الإنسان إلا أن رؤوسهم مثل رؤوس الدواب يغوصون في البحر ويخرجون ما قدروا عليه من دوابه فيأكلونها. جزيرة الأخوين (9) : بالموضع المذكور، كانا ساحرين، أحدهما شرهام والآخر شرام، كانا بهذه الجزيرة يقطعان على المراكب التي تمر عليهما ويأخذان أهلها وأموالهم، فمسخهما الله تعالى لظلمهما حجرين على ضفة البحر نائمين، ثم عمرت هذه الجزيرة بالناس وهي تقابل مرسى آسفي، ويقال إن الصفاء إذا عم البحر ظهر دخانها من البر. جزيرة لاقة (10) : في البحر المحيط الغربي، يقال إن فيها شجر العود كثيراً ولكنه لا رائحة له، فإذا خرج عنها وحمل في البحر طابت روائحه، وهو في ذاته أسود رزين، وكان التجار يقصدونها ويستخرجون العود منها، فيباع في أرض المغرب الأقصى من ملوكه

_ (1) ص ع: الصواري. (2) ص ع: موضع ... إليه ... معاطبها. (3) الإدريسي (م) : 17. (4) نزهة المشتاق: 73، وابن الوردي: 65. (5) نزهة المشتاق: 73، والبكري (مخ) : 37 جزيرة التنين، وابن الوردي: 60. (6) نزهة المشتاق: من قبل عهد. (7) نزهة المشتاق: وكلساً. (8) نزهة المشتاق: 73، وابن الوردي: 61. (9) نزهة المشتاق: 73، وابن الوردي: 61. (10) نزهة المشتاق: 74، وابن الوردي: 61.

الجزعة:

وبتلك النواحي، وكانت عامرة بالناس فخربت وتغلبت الحيات على أرضها فلا يمكن دخولها لهذا السبب. جزيرة الكلب: بالهند أو بالصين (1) فيها معادن الذهب، ولا يتزوج الرجل منهم بامرأة إلا أن يكون صداقها قحف رأس قتله، فإن كان معه قحفان أو ثلاثة قيل هذا الرجل يرغب فيه ومثله يزوج فإن له بأساً وشدة وجلداً (2) ، ولهم قتال بالحراب، وهم يصطادون الفيلة، ومن وراء هؤلاء الذين في هذه الجزيرة قوم يأكلون الناس يرمونهم بالسهام، فإذا قتلوا الرجل أكلوه، ومأواهم رؤوس الجبال، وهم عراة وألوانهم بيض ولهم جمال وحسن. جزيرة العقل (3) : هي جزيرة بين ساحل اليمن وساحل الحبشة فيها ما يعرف بماء العقل يستقي منه أهل المراكب، ويفعل في القرائح فعلاً عجيباً. الجزعة (4) : موضع في الكعبة، حكي أن الرشيد لما حج ومعه ولداه محمد وعبد الله وذلك في سنة ست وثمانين ومائة مر بالمدينة فأعطى أهل العطاء بها ثلاثة أعطية، وبدأ في العطاء بنفسه، ونودي باسمه ووزن له عطاؤه فجعل ذلك في كمه، وفعل ذلك بالأمين والمأمون ثم بني هاشم وغيرهم، وكانوا يقومون إلى الأمين فيعطيهم عطاء ثانياً، ثم إلى المأمون فيعطيهم عطاء ثالثاً، ثم شخص إلى مكة فأعطى أهلها عطاءين وكتب الشروط بين محمد والمأمون وأشهد عليهما وعلق الشرطين في الكعبة. قال إبراهيم الحجبي: إن الكتاب لما رفع ليعلق بالكعبة وقع، قال: فقلت في نفسي: وقع قبل أن يرفع، إن هذا لأمر سريع انتقاضه قليل تمامه، وذكروا أنهم رأوا الرشيد في الليلة التي علق الشروط فيها أو صبيحتها وهو يطوف بالبيت فعدوا له ثمانين أسبوعاً وأنه لم يزل في ركوع وسجود وبكاء وتضرع وابتهال ليله كله. ولما حلف الرشيد ولده محمداً وأراد الخروج من الكعبة رده جعفر بن يحيى إلى الجزعة وقال له: إن غدرت بأخيك فخذلك الله حتى فعل ذلك ثلاثاً في كلها يحلف له بالخذلان إن غدر، ولهذا السبب اضطغنت أم جعفر على جعفر وقرفته بما قرفته به. جلولاء: بالعراق في أول الجبل، وهي مدينة صغيرة عامرة بها نخل وزروع، ومنها إلى خانقين سبعة وعشرون ميلاً. وعليها كانت الوقيعة أيام عمر رضي الله عنه بالفرس، وكان فتحها يسمى فتح الفتوح قتل فيها من الأعاجم مائة ألف وذلك سنة تسع عشرة، وكانت غنيمة المسلمين فيها أكثر منها يوم القادسية، بلغ السهم ستة آلاف درهم، وأصاب المسلمون اثني عشر ألف جارية كان بعضهن لكسرى، ولما أتي (5) عمر رضي الله عنه بغنائم جلولاء قال: والله لا يظلها سقف دون السماء، فأمر بها فألقيت بين صفتي المسجد وطرح عليها الانطاع وبات عليها الخزان، فلما أصبح غدا ومعه المهاجرون والأنصار، فلما رآها عمر رضي الله عنه بكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ هذا يوم شكر، قال: والله ما أبكي إلا أني أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكرم على الله عز وجل وأحب إليه مني، ولكني قد كنت أعلم أنه قد كان يشتهي أن يصيب من هذا شيئاً يسد به خلة أصحابه، ثم قال: والله ما فتح الله هذا على قوم إلا جعل بأسهم بينهم. قال الحسن: فقسمه والله ما أدخل بيته منه خرصاً، والخرص: الحلقة التي تكون في الأذن. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقة: " كيف بك إذا لبست سواري كسرى "؟ فلما أتي بهما عمر رضي الله عنه دعا سراقة، وكان رجلاً أزب كثير شعر الساعدين، فألبسهما إياه وقال له: قل الحمد لله، فقال: الحمد لله، قال: قل الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول أنا رب السماء وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابياً من بني مدلج. وكان عمر (6) رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن سرح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثني عشر ألفاً واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو، وكان العجم اجتمعوا على مهران، وفصل هاشم من المدائن في اثني عشر ألفاً فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب، فطاولهم أهل فارس وجعلوا

_ (1) ع: وبالصين. (2) انظر معلومات مشابهة في مادة ((البينمان)) . (3) البكري (مخ) : 60 ونخبة الدهر: 120، والمروج3: 35. (4) الأخبار التاريخية في هذه المادة وردت عند الطبري 3: 651، والمسعودي، المروج 6: 326 - 327، وعن الجزعة انظر الأزرقي 1: 312 - 214. (5) الطبري 1: 2466. (6) الطبري 1: 2456.

جلولا:

لا يخرجون إلا إذا أرادوا، وزاحفهم المسلمون ثمانين زحفاً في كل ذلك يعطيهم الله الظفر على المشركين، وجعل سعد رضي الله عنه يمدهم بالفرسان، وبعث الله تعالى عليهم ريحاً أظلمت عليهم البلاد ولم يستطيعوا إلا المحاجزة فتهافتت فرسانهم في الخندق، ورموا حول الخندق مما يلي المسلمين بحسك الحديد لكيلا تقدم عليهم الخيل، فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يقتتلوا مثله ولا ليلة الهرير، إلا أنه كان أكمش وأعجل، وأمر القعقاع منادياً فنادى: يا معشر المسلمين، هذا أميركم قد دخل خندق القوم فأقبلوا إليه ولا يمنعكم من بينه وبينه من دخوله، فحملوا حملة لم يقم لها شيء حتى انتهوا إلى باب الخندق ولا يشكون أن هاشماً به، وإذا هم بالقعقاع قد أخذ بالخندق، وأخذ المشركون في الهزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذي بحيال خندقهم، فهلكوا فيما أعدوه للمسلمين فلم يفلت منهم إلا من بعد، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم، فهي جلولاء الوقعة. وكانت أم عامر الشعبي من سبي جلولاء وكان مولده سنة إحدى وثلاثين. وقال البكري (1) : جلولاء بفتح أوله بالشام وأظنه وهماً وقال: إن جلولاء فتحت يوم اليرموك وهو وهم أيضاً، وقال: إن غنائم جلولاء بلغت ثمانية عشر ألف ألف وأنه قيل إن سعداً رضي الله عنه شهدها. جلولا (2) : أيضاً بإفريقية إلا أن هذه بفتح اللام فيما أظن، وهي قديمة لها حصن وعين ثرة في وسطها، وهي كثيرة البساتين والأشجار غزيرة الفواكه والثمار، والأزهار والرياحين بها كثيرة جداً، وأكثر رياحينها الياسمين، ويطيب عسلها بضرب النحل ياسمينها وجرس نحلها له، وكانت أكثر فواكه القيروان تجلب إليها منها. وفتحها (3) معاوية بن حديج الكندي، وكان وجهه إلى إفريقية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما سنة خمس وأربعين في جيش كثيف فيهم عبد الملك بن مروان ويحيى بن الحكم وكريب بن إبراهيم بن الصباح وخالد بن ثابت الفهمي وأشراف من جند الشام ومصر فقدموا إفريقية، وبعث ملك الروم بطريقاً معه ثلاثون ألفاً فكانوا ما بين قصر الأجم إلى الساحل، ونابذ معاوية أهل جلولا فكان يقاتلهم على باب المدينة صدر النهار، فإذا فاء الفيء (4) انصرف إلى معسكره بموضع يقال له القرن؟ فقاتلهم ذات يوم، فلما انصرف نسي عبد الملك بن مروان قوساً له معلقة بشجرة فرجع إليها فإذا جانب من المدينة قد تهدم، فصاح في الناس فرجعوا وقد رأوا غبرة شديدة فظنوا أن العدو ضرب في ساقتهم، فكان بينهم قتال شديد حتى دخلت العرب المدينة عنوة وغشوا أهل المدينة فانكشفوا، واحتوى المسلمون على ما فيها وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية. وقيل بل كان معاوية بن حديج مقيماً بالقرن وبعث عبد الملك بن مروان في ألف فارس فحاصرها أياماً فلم يقدر عليها فانصرف، ثم رأى في ساقة الناس غباراً كثيراً فظنوا أن العدو تبعهم وتسرع بعضهم في الرهج فإذا مدينة جلولا قد وقع حائطها من جهة واحدة، فانصرف المسلمون إليها فقتلوا من فيها وسبوا وغنموا، وانصرف عبد الملك إلى معاوية بن حديج وهو معسكر بالقرن ينتظره، فلما أتاه بالغنائم اختلفوا فيها، فقال عبد الملك: هي لأصحابي خاصة، وقال معاوية: بل لجماعة المسلمين، ثم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان فعاد جوابه: إن العسكر ردء للسرية فاقسم بين جميعهم، فضربوا للفارس بسهمين وللراجل بسهم فوقع للفارس ثلثمائة دينار. وكان يخرج من جلولا رجل من المشركين على فرس أبيض فيكلم الناس وينال منهم فإذا أرادوه ولى كأنما الريح تحمله، فوقف يوماً على نفر من المسلمين وهم على غدائهم، فقال له بعضهم: كل من غدائنا، وقام له بعراق من لحم، فلما دنا منه أخذ برجله وقلبه فأراد قتله، فمنعه أصحابه وقالوا له: هذا أمان، وخلوا سبيله، فشكر لهم ذلك وكف عن ما كان يتكلم به وقال: يا معشر المسلمين أنتم قوم على حق ولا شك إنكم الغالبون على هذا البلد، فمن اتخذ منكم ضيعة فليخلف هذا الجبل فإنا كنا نسمي هذا الفحص باسم عصفور الشوك لأن صاحبه يطمع فيه ولا يدركه، وكذلك هذا الفحص.

_ (1) معجم ما استعجم 2: 390. (2) البكري: 32، والاستبصار: 119. (3) أخبار الفتح وردت أيضاً عند البكري موجزة، وانظر ابن عذاري 1: 16 - 18 والؤلف ينقل عن مصدر آخر. (4) البكري: فإذا مال الفيء.

جليقية:

ولما وقعت المنازعة بين عبد الملك ومعاوية بن حديج في غنائم جلولا ثقل عبد الملك على معاوية بن حديج وكان يتجهمه ولا يقبل عليه، فرأى حنش الصنعاني عبد الملك منكسراً متغيراً فقال له: ما شأنك؟ قال: إني أبعد قريش مجلساً من الأمير، فقال له حنش: لا تغتم فوالله لتلين الخلافة وليصيرن الأمر إليك، فلما أفضت الخلافة إلى عبد الملك وبعث الحجاج بن يوسف لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وقتل عبد الله أخذ حنشاً الصنعاني أسيراً فبعث به إلى عبد الملك فقال له عبد الملك: ألست الذي بشرتني بالخلافة؟ قال: بلى، قال: فلم ملت عني إلى ابن الزبير؟ قال: رأيته يريد الله تعالى ورأيتك تريد الدنيا فملت إليه، فعفا عنه وأطلقه. جليقية (1) : الجلالقة من ولد يافث بن نوح عليه السلام وهو الأصغر من ولد نوح، وبلدهم جليقية، وهي تلي الغرب وتنحرف إلى الجوف، وكانوا حوالي مدينة براقرة (2) التي في وسط الغرب؛ وبراقرة هذه أولية من قواعد الروم، ودور مملكتهم شبيهة بماردة في اتقان بنائها وصنعة أسوارها وهي اليوم مهدومة الأكثر خالية، هدمها المسلمون وأجلوا أهلها. وبلد الجليقيين سهل، والغالب على أرضهم الرمل وأكثر أقواتهم الدخن والذرة، ومعولهم في الأشربة على شراب التفاح واليشكة (3) وهو شراب يتخذ من الدقيق، وأهلها أهل غدر ودناءة أخلاق لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد، ولا يغسلون ثيابهم منذ يلبسونها إلى أن تنقطع عليهم، ويزعمون أن الوضر الذي يعلوها من عرقهم به تتنعم أجسامهم وتصلح أبدانهم، وثيابهم أضيق الثياب وهي مفرجة يبدو من تفاريجها أكثر أبدانهم. وفيهم بأس شديد، لا يرون الفرار عند اللقاء ويرون الموت دونه. وتنتهي أحواز الجليقيين في الجوف إلى البحر المحيط وفي القبلة إلى أحواز مدينة طلسونة وقاعدتهم مدينة أقش (4) وهي مبنية بالصخر المربع الكبير على نهر لهم يدخل فيه المجوس مراكبهم، وفي المدينة حمة غزيرة واسعة الفضاء يستحم أهلها في جنباتها على بعد من عنصرها لشدة سخونته. جلق: بالشام وهي دمشق. وفي أخبار العجم أن شهريار بنى لدمشوس الملك مدينة جلق وهي مدينة دمشق، وحفر نهرها بردى ونقره في الجبل حتى جرى إلى المدينة. وهناك كانت مساكن آل جفنة الغسانيين الذين مدحهم في الجاهلية حسان بن ثابت رضي الله عنه، وفيهم يقول: لله در عصابة نادمتهم ... يوماً بجلق في الزمان الأول أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول وسنذكر خبر دمشق في موضعها إن شاء الله تعالى. وكان (5) آخر ملوك الشام من الغسانيين جبلة بن الأيهم بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو ممدوح حسان بن ثابت رضي الله عنه، وأسلم جبلة هذا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ثم تنصر بعد ذلك ولحق بالروم، وقد اختلف في سبب تنصره، فقيل إنه مر في سوق دمشق فأوطأ رجلاً فرسه فوثب الرجل فلطمه، فأخذ الغسانيون ذلك الرجل ودخلوا به على أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فقالوا: إن هذا الرجل لطم سيدنا، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: البينة أنه لطمك، قال له جبلة: وما تصنع بالبينة؟ قال: إن كان لطمك لطمته قال: ولا يقتل؟ قال: لا، قال: ولا تقطع يده؟ قال: لا إنما أمر الله تعالى بالقصاص فهي لطمة بلطمة، فخرج جبلة ولحق بأرض الروم وتنصر. وقيل كان سبب ذلك أنه وطئ رجل من بني فزارة على إزار جبلة فلطمه جبلة فأدخله الرجل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه: إنه يلطمك كما

_ (1) البكري (ح) : 71، 80، وبروفنسال: 66، والترجمة: 83. (2) هي (Bracra Augusta) عند الرومان ثم سميت (Braga) . (3) ص والبكري: والبشكة، وعند بروفنسال: أنشيكة، ووردت في بعض أصول الروض تارة النيشكة، وتارة: الينشكة. (4) مرت مادة ((أقش)) وكرر المؤلف هنا بعض ما ذكره هنالك. (5) قارن بما في الأغاني من خبر جبلة 15: 125.

لطمته، قال: وتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة! قال: إما أن ترضيه وإلا أقدته منك، فإنه قد جمعه وإياك الإسلام فما تفضله إلا بالعافية، قال: والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية، قال عمر رضي الله عنه: لا بد من ذلك، قال: إذاً أتنصر، قال: إن تنصرت ضربت عنقك. قال: واجتمع قوم جبلة وبنو فزارة فكادت تكون فتنة، فقال جبلة: أخرني إلى غد يا أمير المؤمنين، قال: ذلك لك، فلما كان جنح الليل خرج هو وأصحابه فلم ينثن حتى دخل القسطنطينية على هرقل فتنصر، وأعظم هرقل قدوم جبلة وسر بذلك وأقطعه الأموال والأرضين والرباع. قال: ويحكى أنه لما بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فأجابه إلى المصالحة على غير الإسلام، فلما أراد أن يكتب جواب عمر رضي الله عنه قال للرسول: ألقيت ابن عمك جبلة هذا الذي ببلدنا يعني جبلة بن الأيهم الذي جاء راغباً في ديننا؟ قال: ما لقيته، قال: القه ثم إيتني أعطك جواب كتابك، قال الرسول: فذهبت إلى باب جبلة فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجمع مثل ما على باب قيصر، قال الرسول: فلم أزل ألطف في الأذن حتى أذن لي، فدخلت فرأيت رجلاً أصهب اللحية ذا سبال وكان عهدي به أسمر أسود اللحية والرأس؛ فنظرت إليه فأنكرته، وإذا به قد دعا بسحالة الذهب فذرها في لحيته حتى عاد أصهب، وهو قاعد على سرير من قوارير قوائمه سود من ذهب، قال: فلما عرفني رفعني معه على السرير فجعل يسائلني عن المسلمين، فذكرت خيراً وقلت: قد أضعفوا أضعافاً على ما تعرف، قال: وكيف تركت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت: بخير، فرأيت الغم في وجهه، قال: فانحدرت عن السرير، قال: لم تأبى الكرامة التي أكرمناك؟ قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، قال: نعم صلى الله عليه وسلم، ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال ما قعدت عليه، فلما سمعته يقول صلى الله عليه وسلم طمعت فيه، وقلت له: ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله؟ قال: بعدما كان مني؟ قلت: نعم، قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت، ارتد عن الإسلام وضرب وجوه المسلمين بالسيف ثم رجع إلى الإسلام، فقبل منه ذلك وخلفته بالمدينة مسلماً، قال: ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته ويوليني الأمر من بعده رجعت إلى الإسلام، قال: فضمنت له التزويج ولم أضمن له الأمر، قال: فأومأ إلى خادم بين يديه فذهب مسرعاً فإذا خدم قد جاءوا يحملون الصناديق فيها الطعام، فوضعت صحاف الذهب وموائد الفضة، فقال لي: كل، فقبضت يدي وقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة، قال: نعم صلى الله عليه وسلم، ولكن نق قلبك وكل فيما أحببت، قال: فأكل في الذهب والفضة وأكلت في الخلنج، قال: فلما رفع الطعام جيء بطساس الفضة وأباريق الذهب، وقال: اغسل يدك فأبيت من ذلك، فغسل في الذهب وغسلت في الصفر، ثم أومأ إلى خادم بين يديه فمر مسرعاً فسمعت حساً فإذا خدم معهم كراسي مرصعة بالجوهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، فسمعت حساً فإذا عشر جوار قد أقبلن مضمومات الشعور متكسرات في الحلي عليهن ثياب الديباج، فلم أر وجوهاً قط أحسن منهن فأقعدهن على الكراسي عن يمينه، ثم خرج عشر من الجواري في الشعور عليهن ثياب الوشي متكسرات في الحلي فأقعدهن على الكراسي عن يساره، ثم سمعت حساً فالتفت فإذا جارية كأنها الشمس، على رأسها تاج، على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه، وفي يدها اليمنى جامة فيها مسك وعنبر فتيت، وفي يدها اليسرى جامة فيها ماء، فأومأت إلى الطائر أو قال: فصفرت بالطائر - فوقع في جامة ماء الورد فاضطرب فيها ثم أومأت إليه فوقع في جامة المسك والعنبر فتمرغ فيها، ثم أومأت إليه فطار حتى نزل في صليب تاج جبلة فلم يزل يرفرف حتى نفض ما في ريشه عليه، وضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري التي عن يمينه فقال لهن: بالله أضحكننا فغنين بخفق عيدانهن وقلن: لله در عصابة نادمتها ... يوماً بجلق في الزمان الأول يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل

جمع:

بيض الوجوه أعفة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: أتدري من قائل هذا؟ قلت: لا والله، قال: قائله حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم التفت إلى الجواري التي عن يساره فقال لهن: بالله أبكيننا، فاندفعن يتغنين: لمن الدار أقفرت بمعان ... بين أعلى اليرموك فالخمان ذاك مغنى لآل جفنة في الده ... ر مخلى لحادث الأزمان قد أراني هناك دهراً مكيناً ... عند ذي التاج مقعدي ومكاني ودنا الفصح فالولائد ينظم ... ن سراعاً أكلة المرجان قال: فبكى حتى جعلت الدموع تسيل على لحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذا؟ قلت: لا أدري، قال: حسان بن ثابت. ثم أنشأ يقول: تنصرت الأشراف من أجل لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنفني فيها لجاج ونخوة ... وبعت بها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قال لي عمر ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر ثم سألني عن حسان رضي الله عنه أحي هو؟ قلت له: نعم تركته حياً، فأمر لي بمال كثير وكسوة وأمر له بمال وكسوة ونوق موقرة براً ثم قال: إن وجدته حياً فادفع إليه هديتي وأقرأه سلامي، وإن وجدته ميتاً فادفعها إلى أهله وانحر الإبل على قبره. فلما قدمت على عمر رضي الله عنه أخبرته خبر جبلة وما دعوته إليه من الإسلام والشرط الذي اشترطه وأني ضمنت له التزويج ولم أضمن له الأمر، قال: فهلا ضمنت له الأمر فإذا فاء الله به إلى الإسلام قضى علينا بحكمه عز وجل، ثم ذكرت له الهدية التي أهداها إلى حسان بن ثابت رضي الله عنه فبعث إليه فأقبل وقد كف بصره وقائده يقوده، فلما دخل قال: يا أمير المؤمنين إني لأجد رياح آل جفنة عندك، قال: نعم هذا رجل أقبل من عنده، قال: هات يا ابن أخي ما بعث إلي معك، قلت: وما علمك؟ قال: يا ابن أخي إنه كريم من عصبة كرام، مدحتهم في الجاهلية فحلف ألا يلقى أحداً يعرفني إلا أهدى إلي معه شيئاً، قال: فدفعت إليه المال والثياب وأخبرته بما كان أمر به في الإبل إن وجد ميتاً، قال: وددت إني كنت ميتاً فنحرت على قبري، قال: ثم جهزني عمر رضي الله عنه إلى قيصر وأمرني أن أضمن لجبلة ما اشترط به فلما قدمت القسطنطينية وجدت الناس منصرفين من جنازته، فعلمت أن الشقاء غلب عليه. قالوا: وكان طوله اثني عشر شبراً. جمع (1) : هي المزدلفة، وكلها مشعر إلا بطن محسر، ومنها تؤخذ حصى الجمرات، وبذلك فسر علي وابن مسعود رضي الله عنهما قوله تعالى: " فوسطن به جمعاً " قالا: يعني المزدلفة، ومسجد المزدلفة أسفل من المسجد الحرام عن يسارك إذا مضيت إلى عرفات، وفيه يجمع بين المغرب والعشاء إذا نفرت من عرفات لقوله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة أمامك "، وهو الذي عنى الشريف الرضي أو غيره بقوله (2) : عارضاً بي ركب الحجاز نسائل ... هـ متى عهده بأيام جمع واستملا حديث من سكن الخي ... ف ولا تكتباه إلا بدمعي فاتني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي

_ (1) معجم ما استعجم 2: 392. (2) ديوان الرضي 1: 657.

جمة:

لهف نفسي على ليال تقضت ... لي بجمع وأين أيام جمع قالوا: وسميت المزدلفة للجمع بين صلاتي المغرب والعشاء فيها، وعن علي رضي الله عنه قال: لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قزح وقال: هذا قزح وهذا الموقف، وجمع كلها موقف وعن جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " وقفت هاهنا بعرفة وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا (1) بجمع وجمع كلها موقف ونحرت هاهنا بمنى ومنى كلها منحر ". جمة (2) : موضع المهدية من البلاد الإفريقية، ولما بنيت المهدية غلب عليها هذا الاسم، وكان عبيد الله بن عبد الله بن سالم صاحب شرطة زياد ومن مواليه، وسالم جده قتله المهدي على الزندقة، وهو الشيعي الملقب بالمهدي، قد سار يرتاد موضعاً يبني فيه لنفسه مدينة، فجاء تونس ودخل قرطاجنة وغيرها فلم يجد موضعاً أحصن من موضع المهدية فبناها وجعلها دار ملكه، وكان ابتداء بنائها سنة ثلاث وثلثمائة وسماها المهدية، وكان قبل ذلك يقال لها جمة. وبين المهدية والقيروان ستون ميلاً والبحر قد أحاط بالمهدية من جميع جهاتها إلا من الجانب الغربي وفيه بابها، ولها ربض كبير يسمى زويلة وفيه الأسواق، ودرس ذلك كله ولم يبق الآن إلا حصن المهدية مبنية بالصخر الجليل، ولها بابان من حديد لا خشب فيهما زنة كل واحد منهما ألف قنطار، طوله ثلاثون شبراً، وهو من أعجب ما عمل في الإسلام، وفي المهدية ثلثمائة وستون ماجلاً لماء المطر سوى ما يجري إليها من القناة التي جلب إليها عبيد الله من قرية مشانس، وهي على مقربة من المهدية، ومرسى المهدية من عجائب العالم فإنه منقور في حجر صلد يسع ثلاثين مركباً، وكان على المرسى برجان بينهما سلسلة حديد من أغرب ما عمل، وإذا أرادوا أن تدخل سفينة أرسل حراس البحر السلسلة حتى تدخل السفينة ثم مدوها كما كانت وذلك تحصيناً لئلا تطرقها مراكب الروم من صقلية وغيرها، كما كان ذلك في أيام الحسن بن علي الصنهاجي إذ نزلها عليه الروم وغلبوه عليها وملكوها حتى استنقذها منهم عبد المؤمن بن علي في طلعته إلى إفريقية سنة أربع وخمسين وخمسمائة. ولابن بشير المهدوي كتاب " الروضة الموشية في شعراء المهدية " (3) ذكر منهم ابن الصبان وأنشد له: بين المصلى وكثيب الحمى ... أجرت دم الأسد لحاظ الدمى قالت لتربيها ولم تعلمن ... وكان من شأني أن تعلما من فيكما بغية هذا الفتى ... بالله قولا لي ولا تكتما أضحى طموح الطرف لا ينثني ... باللحظ عني لا ولا عنكما فقلت والعبرة قد أعربت ... عن سر مكنوني الذي استعجما عيناك قاداني إلى محنتي ... ما آفتي والله إلا هما يا حبذا جمة من منزل ... وحبذا عيشي بها كيف ما ومن متأخري أهلها عثمان بن عتيق المعروف بابن عربية (4) ، له يذكر المهدية ويتشوق إليها أو إلى من بها من أهله بعد انتقاله عنها إلى تونس (5) : أقول لركب قافل عن معرس ... بجمة تردي بالحمول مساحجه لك الله أمتعنا عن البلد الذي ... أكابره أسلافنا وأبالجه

_ (1) سقط من ص ع، وزدته من معجم البكري. (2) انظر افتتاح الدعوة: 91، 275، والبكري: 29، والاستبصار: 117، والإدريسي (د/ ب) : 107/ 78. (3) نسبه في رحلة التجساني: 366 إلى ابن زرشيق، ولعل ابن بشير المهدوي ابن بشير المهدوي المذكور هنا هو ابن بشرون ينقل العماد في الخريدة من كتابه ((المختار في النظم والنثر لأفاضل أهل العصر)) . (4) ع: عبر بها، ص: عرقها؛ والتصويب عن رحلة التجاني: 375، وقد مر التعريف بالشاعر. (5) وردت أبياته في رحلة التجاني: 377، 378.

جنوة:

وعن وطن لولا العلا وطلابها ... لعز على مثواه أني خارجه وما صنع القصر العبيدي والحمى ... وسور المصلى والكثيب وعالجه وشاطئه أنى تنوع حسنه ... وخضرمه أنى تدفع مائجه سلام على المهديتين ففيهما ... أب بنت عنه قاصر الخطو هادجه وهي طويلة، وهو القائل من قصيدة مدح بها الأمير أبا زكريا رحمه الله: ذكرت جمة والذكرى تهيج أسى ... وأين جمة مني والمنستير وما مناي لياليها التي سلفت ... ولا هواي مجانيها المعاطير لكن بها رحم مجفوة يئست ... من أن تقربني منها المقادير فإن رأى من أدام الله نعمته ... لعبده خطة فيها فمأجور عرض له فيها بالرغبة في تقديمه لقضاء المهدية، وفي ذلك أيضاً قال من قصيدة: فأطل يدي وانهض بضبعي وارع لي ... حمداً له علق لديك ثمين وإلى ذرى المهدية اثن أعنتي ... فبموطني أنا مغرم مفتون ؟ جمدان (1) : قيل هي مدينة الصين العظمى التي ينزلها ملكهم، وحوالي هذه المدينة مائة وعشرون قرية في كل قرية ألف رجل مرتبون لحراسة المدينة، والمدينة مقسومة بنصفين: نصف يكون فيه أهل بيت الملك وخاصته وعماله، ونصف يكون فيه عامتهم وأسواقهم وللملك ثلاثمائة وستون مدينة، يحمل إليه كل يوم من كل مدينة خراجها وكسوة لبدنه ولجارية من جواريه، وفي قصر الملك بجمدان مائة وثمانون كوساً منكسة، فإذا كان قبل غروب الشمس قرع منها قرعة واحدة فيتبادر الناس للانصراف إلى منازلهم فلا يبقى أحد بعد غروب الشمس خارجاً عن داره، ثم يخترق عسس الملك السكك والطرق بسيوف منتضاة فمن وجد خارجاً عن داره ضربت عنقه كائناً من كان واحتز رأسه وألقي في موضع قد أعد لذلك وكتب على ظهر المقتول: من رأى هذا فلا يتعد أمر الملك. جنوة (2) : مدينة في بلاد الروم على ساحل بحر الشام، وهي مدينة قديمة البناء حسنة الجهات شاهقة البناء وافرة البشر (3) كثيرة المزارع والقرى والعمارات، وهي على قرب نهر صغير وأهلها تجار مياسير يسافرون براً وبحراً ويقتحمون سهلاً ووعراً، ولهم أسطول ومعرفة بالحيل الحربية والآلات السلطانية، ولهم بين الروم عزة أنفس. جنداسابور (4) : بضم أوله وإسكان ثانيه مثنى مضاف إلى سابور، مدينة من بلاد فارس، وهي تجري مجرى المثنى، يقال هذا جنداسابور ودخلت جندي سابور، وهي (5) من عمل خوزستان في نشز من الأرض، حسنة حصينة منيعة تمير من جاورها بخيرها، وبها نخيل كثيرة وزروع ومياه، وعمارات وخصب وفواكه وأسواق جامعة لضروب من الصنائع، وبينها وبين السوس مرحلة. ولما (6) فرغ أبو (7) سبرة من السوس خرج بجنده حتى نزل في جندي سابور فأقاموا عليها يغادونهم ويراوحونهم القتال فما زالوا مقيمين حتى رمي بسهم الأمان من عبيد (8) المسلمين، وكان فتحها وفتح نهاوند في مقدار شهرين فلم يفجأ المسلمين إلا أبوابها

_ (1) قارن بما ورد في رحلة السيرافي: 75 - 76 وابن الوردي: 34، وهي ((حمدان)) في المروج 1: 313، والبكري (مخ) : 45، وخمدان عند مينورسكي (Chang - an - aaaaaafu) . (2) الإدريسي (م) : 71 - 72. (3) الإدريسي: الثمر. (4) معجم ما استعجم 2: 397. (5) نزهة المشتاق: 124. (6) الطبري 1: 2567. (7) ص ع: ابن. (8) الطبري: عسكر.

جنجالة:

تفتح ثم خرج السرح وخرجت الأسواق وانبث أهلها، فأرسل المسلمون: أن ما لكم؟ قالوا: رميتم لنا بالأمان فقبلنا وأقررنا لكم بالجزية على أن تمنعونا، فقالوا: ما فعلنا، وقال المشركون: ما كذبنا، فإذا عبد يدعى مكنفاً كان أصله منها هو الذي كتب لهم، فقالوا: إنما هو عبد، قالوا: إنا لا نعرف حركم من عبدكم قد جاء أمان فنحن عليه ولم نبدل، فإن شئتم فاغدروا، فأمسكوا عنهم، وكتبوا إلى عمر رضي الله عنه، فكتب لهم إن الله تعالى قد عظم الوفاء أجيزوهم وأوفوا لهم وانصرفوا عنهم، وفي ذلك يقول عاصم بن عمير: لعمري لقد كانت قرابة مكنف ... قرابة صدق ليس فيها تقاطع أجاركم من بعد ذل وقلة ... وخوف شديد والبلاد بلاقع فجاء جوار العبد بعد اختلافنا ... ورد أموراً كان فيها تنازع إلى العدل والوالي المصيب حكومة ... فقال بحق ليس فيه تخالع ولله جندي شاهبور لقد نجت ... غداة بنتها بالبلاد اللوامع وكان سابور (1) بن هرمز ذو الأكتاف أحد ملوك الفرس وباني الإيوان سار نحو بلاد الشام ففتح المدائن وقتل خلائق من الروم، ثم طالبته نفسه بالدخول إلى بلاد الروم متنكراً ليعرف أخبارهم وسيرهم فتنكر وسار إلى القسطنطينية، فصادف وليمة لقيصر قد اجتمع فيها الخاص والعام منهم، فدخل في جملتهم وجلس على بعض موائدهم، وكان قيصر أمر مصوراً أتى عسكر سابور فصوره، فلما جاء قيصر بالصورة أمر بها فصورت على آنية الشراب من الذهب والفضة، وأتي من كان على المائدة التي كان عليها سابور بكأس فنظر بعض الخدم إلى الصورة التي على الكأس وسابور مقابل له على المائدة فعجب من اتفاق الصورتين وتقارب الشبهين، فمال إلى الملك فأخبره، ومثل بين يديه فسأله عن خبره فقال: بل أنا من أساورة سابور استحققت العقوبة لأمر كان مني، فدعاني ذلك إلى الدخول في أرضكم، فلم يقبلوا ذلك منه وقدم إلى السيف فأقر، فجعله في جلد بقرة، وسار قيصر في جنده حتى توسط العراق فافتتح المدائن وشن الغارات وعقر النخل وانتهى إلى مدينة جندي سابور وقد تحصن بها وجوه فارس، فنزل بها، وحضر عيد لهم في تلك الليلة وقد أشرفوا على فتح المدينة في صبيحتها فأغفل الموكلون أمر سابور وأخذ منهم الشراب، وكان بالقرب من سابور جماعة من أسارى الفرس فخاطبهم أن يحل بعضهم بعضاً وأمرهم أن يصبوا عليه زقاقاً من الزيت كانت هناك، ففعلوا، فلان عليه الجلد وتخلص، فأتى إلى المدينة وهم يتحارسون على سورها فعرفوه وأصعدوه بالحبال إليهم وفتح أبواب خزائن السلاح وخرج بهم ففرقهم حول مواضع في الجيش، والروم غارون مطمئنون، فكبس الجيش عند ضرب النواقيس فأتوه بقيصر أسيراً فاستحياه وأبقى عليه وضم إليه من أفلت من القتل من رجاله، فغرس قيصر بالعراق الزيتون بدلاً مما عقره من نخل العراق ولم يكن يعهد بالعراق الزيتون قبل ذلك وعمر ما خرب، وانصرف قيصر نحو الروم. جنجالة (2) : حصن بالأندلس في شمال مرسية، فيها حبس أبو زيد عبد الرحمن بن موسى بن يوجان (3) بن يحيى الهنتاتي الذي كان وزير المنصور من بني عبد المؤمن ثم أنهض في زمان ابنه الناصر إلى ولاية تلمسان وإصلاح الطرق من عيث زناتة. ولما تمكن أبو سعيد بن جامع وزير المستنصر سعى في ولاية تلمسان لعمه السيد أبي سعيد بن المنصور وحبس ابن يوجان، وجعل بنوه يكتبون سطوراً بالبراءة من أفعاله وفرقوها على البلاد. ولما زاد أبو سعيد بن جامع الوزير تمكيناً في سنة سبع عشرة وستمائة بعد تأخيره من الوزارة بلغه أن ابن يوجان شمت به وهو في حبسه بتلمسان وتكلم ورجا التسريح، فما كان عنده خبر حتى وصل إليه من جاز به (4) إلى الأندلس وحبسه في حصن جنجالة. ولما حمل إلى ذلك الثغر السحيق وظنوا أن الداء (5) قد حسم بذلك

_ (1) قارن بالطبري 1: 844. (2) بروفنسال: 67، والترجمة: 84 (Chenchilla) . (3) يرد هذا الاسم في المصادر على صور مختلفة منها وجّان، بوجان، يوجان، وقد بدأ الحميري بالصورة الأولى في بعض المواضع، ثم استمر يكتبه في الصورة الثانية حتى آخر الترجمة. (4) ص ع: خازنه. (5) ص ع: أن ذلك.

جند:

الاقصاء والتفريق، وفرقوا بنيه على البلاد، قضى الله تعالى أن مات أبو سعيد بن جامع، وخلص ابن يوجان من ذلك الحصن، وقلب الدولة وسعى في الفتنة، وذلك أنه لما وصل الخبر إلى مرسية بوفاة المستنصر يوسف بن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن واستخلاف المبارك عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بمراكش والأمر لابن يوجان بالمسير إلى جزيرة ميورقة قرأ قول الله تعالى " ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة " وطلب الاجتماع بالسيد أبي محمد عبد الله بن المنصور صاحب مرسية يومئذ، فلما حضر عنده قال له: أراهم قد أخرجوا الإمامة عن عقد سيدنا المنصور رحمة الله عليه، وأنا أشهد أنه قال: إن لم يصلح محمد فعبد الله فقد نص عليكم وان طلبتموها لم يخالفكم أحد مع كراهية الناس في بني جامع الذين قد اتخذوا الوزارة وراثة، وجعلوا يقصون من الحضرة كل من هو مؤهل لوزارة واستشارة، وقد وطأ الله لكم هذا الأمر بأن جعل إخوتكم الميامين أولاد المنصور بقرطبة ومالقة وغرناطة، فأول ما قدم مخاطبتهم بذلك وتهييج حفائظهم في خروج الإمامة عن بيتهم؛ وكان السيد أبو محمد هذا لم يبايع عمه عبد الواحد بعد، وهو ناظر في البيعة فأصغى إلى ابن يوجان؛ وعلم أنه قد تقدم له في هذا الأمر سابقة بوزارة المنصور وأن الموحدين يصيرون إلى قوله في البرين، فنصب نفسه للإمامة وتلقب بالعادل، وخاطب اخوته فجاوبوه؛ ثم انتقل العادل من مرسية إلى اشبيلية ومعه ابن يوجان وهو غالب على جميع التدابير ناظر في مخاطبات ولاة العدوة والتطلع لأخبار مراكش. ثم إن العادل أراد أن يستريح من ابن يوجان لتفرغ (1) أتباعه إلى تدبير الآراء والاستبداد بحضرته فإنه غم الجميع وكان ابن يوجان إذا احتوى على أمر ضم أطرافه ولم يترك لأحد منه شيئاً، ولذلك رماه أهل الدول عن قوس واحدة، فرسم له العادل ركوب البحر إلى سبتة ليكون بها نائب سلطانه وناظراً في جميع بر العدوة، فركب في القطائع من نهر اشبيلية إلى سبتة؛ وذلك كله في سنة إحدى وعشرين وستمائة، فاشتغل بالنظر في بلاد العدوة. ثم إن العادل خلع واجتمع أهل الحل والعقد وقالوا: نحب أن لا نبيت الليلة إلا بإمام، فقال لهم ابن يوجان: إن رأيتم أن تتربصوا حتى تتحقق أخبار أبي العلا صاحب الأندلس فقد ظهرت نجابته بتلك البلاد، وقد ذاق الاستبداد، وما أظنه يترك هذا الأمر لغيره، فعدلوا عن كلامه وأجمع أبو زكريا ابن الشهيد وأبو يعقوب بن علي على مبايعة أبي زكريا يحيى بن محمد الناصر ثم خاطب أبو العلا المذكور لابن يوجان يدعوه إلى مبايعته فأجابه وكذلك خاطبه هلال بن مقدم أمير الخلط، وعمرو بن وقاريط شيخ هسكورة في شأن مبايعة أبي العلا والتضييق على أهل مراكش الذين انحرفوا عن مبايعة أبي العلا وأخذ رأي ابن يوجان ومشاركته في ذلك، فأجابهما بأن لا يغبا الغارات طرفة عين وأن يجهدا في قطع الطرق حتى تحوج الضرورة أهل مراكش إلى مبايعة أبي العلا وإخراج من لا ينفعهم، فلما تواصلت مصائب العرب وهسكورة على مراكش وصاروا لا يخرج منهم جيش إلا هزموه وغنموه حتى أفنوا كثيراً من رجالها اجتمع أهل الرأي فيها على قتل ابن يوجان إذ كان في اعتقادهم أنه يغري العدو الظاهر بإهلاكهم، فاطلع ابن يوجان (2) ، وابنه الأكبر أبو محمد على ذلك، فاختفى هو في غرفة لبعض أتباعه في جهة ريثما (3) يخفى عن العيون، ووقع ابنه في درب من دروب هرغة، فاختفى في مسجد هناك، ووقع النهب في جميع ما كان لهما، وصار الرمال والسائس والدخاني وأمثالهم يضع كل واحد منهم يده في من وقع له من الحرم وغير ذلك، ولا أحد ينكر، ولا يقدر من ينكر أن يلفظ بذلك، لأنهم كانوا عند العامة مباطنين لأعدائهم، ووقع البحث على الشيخ ابن يوجان وعلى ولده، فأما الشيخ فانتهى إليه جزار فصاح بصاحب له استعان به على جره فجراه وذبحه الجزار وغدا برأسه إلى أبي زيد ابن الشيخ أبي محمد عبد الواحد إذ هو ابن عمه، لأن أبا زيد المقتول هو عبد الرحمن بن موسى بن يوجان بن يحيى الهنتاتي وأبو زيد الواصل بالعسكر هو عبد الرحمن بن عبد الواحد بن أبي حفص بن يحيى، فيحيى يجمع بين أبي حفص وبين يوجان، وجعل الله تعالى بين هذين البيتين ما جعل بين بني هاشم وبني أمية؛ وأما ابنه الوزير أبو محمد فنمي خبره إلى أولاد أبي زكريا ابن الشهيد فوصلوا إليه وأخرجوه وضربوا عنقه على باب المسجد وكان قتلهما في سنة خمس وعشرين وستمائة. جند (4) : مدينة باليمن كبيرة حصينة كثيرة الخيرات، بها قوم

_ (1) ص ع: ليتفرغ. (2) سقط من ع، وهو ثابت في ص وعند بروفنسال. (3) ع وبروفنسال: ربما. (4) عن البكري (مخ) : 67، وقارن بالهمداني: 54، ونزهة المشتاق: 54.

جنبيتة:

من خولان، وبها مسجد جامع بناه معاذ بن جبل رضي الله عنه حين نزلها، وهو الذي يذكر أن ناقته بركت في موضعه فقال: خلوا سبيلها إنها مأمورة، فأمر ببناء المسجد في ذلك الموضع، وهذا كالذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند احتلاله المدينة. ثم بركت في صنعاء أيضاً فبنى المسجد بها. وأهل الجند شيعة كلهم، ومن الجند يجلب إلى مكة وغيرها ملاحف القطن المنسوبة إلى سحول وهو واد بقرب الجند، ومن أهل الجند لطف الله بن الكدرندي كان آباؤه من شرار اليمن، وفيها يقول: الله جاركم يا ساكني الجند ... هذا على انكم أفنيتم جلدي جفوتموني بلا ذنب ولا سبب ... إلا مقالة أهل البغي والحسد ولا أكلفكم ما لا يخف لكم ... منوا علي برد الروح في جسدي ثم افعلوا بعد ما شئتم فلا حرج ... ولا تخافون من عقل ولا قود جنبيتة (1) : مدينة من أرض الحبشة متحضرة في برية بعيدة عن العمارة وتتصل عمارتها وبواديها إلى النهر الذي يمد النيل ويشق في بلاد الحبشة؛ ومنبعه من خط الاستواء، وفي آخر نهاية المعمور من جهة الجنوب، فيمر مغرباً مع الشمال حتى يصل إلى أرض النوبة فيصب هناك في ذراع النيل الذي يحيط بمدينة بلاق، وهو كبير عريض عليه عمارات للحبشة. جنابا (2) : جزيرة في البحر من جزائر البحرين باليمن، منها أبو سعيد الجنابي القائم بدعوة القرمطي الظاهر في بلاد القطيف من بلاد اليمن، حسبما يأتي ذكر ذلك في حرف القاف والزاي إن شاء الله تعالى، ودخل أبو سعيد هذا مدينة هجر من بلاد اليمن سنة سبع وثمانين ومائتين بعد حصار أربع سنين، فدخل على قوم هلكوا جوعاً وهزلاً وبعد أن كان الوباء وقع فيهم فمات منهم خلق، وقتل منهم القرمطي ثلثمائة ألف فطرحهم أحياء في النار، ونجا قليل منهم إلى جزيرة أوال، ولم يبق من أهل هجر يومئذ إلا عشرون رجلاً. جناباذ (3) : مدينة على جادة الطريق من نيسابور، وبينهما ثلاثة عشر فرسخاً، وبجناباذ سور ومسجد جامع، وبنيت أيام عبد العزيز بن السري بسبب الخوارج، ولها قهندز عظيم عتيق كان لمرزبان صرد كرمان وما حواليها من الضياع والرساتيق. جنيارة (4) : مدينة بين فاس وطنجة، فيها (5) قرى كثيرة جامعة عامرة وزرع وضرع في جبل سهل أبيض مثل الطيلسان يسمى الجبل الأشهب، وقل ما تخلف أرض جنيارة لا في خصب ولا في جدب. وسأل رجل أراد أن يقتني ضيعة ببلاد المغرب شيخاً من العارفين فقال له: عليك ببلد جنيارة فإنها مثل الدجاجة إن أصابها ديك أتت بالبيض، وإن لم يصبها ديك أتت بالبيض، تحتك في الغبار وتلد. الجنادل (6) : جبل الجنادل في بلاد السودان، بينه وبين بلاق ستة أيام في البر، وفي النيل أربعة أيام انحداراً وإلى جبل الجنادل تصل مراكب السودان ومنه ترجع لأنها لا تقدر على النفوذ في السير إلى بلاد مصر، لأن الله تعالى جعل هذا الجبل قليل العلو من جهة بلاد السودان، وجعل وجهه الثاني مما يلي ديار مصر عالياً جداً، والنيل يمر من جهة أعلاه فيصب إلى أسفل صباً عظيماً مهولاً، وفي الموضع الذي ينصب إليه الماء أحجار مكدسة وصخور مضرسة، والماء يقع بينها، فإذا وصلت مراكب السودان وجاءت إلى هذا المكان من النيل لم يمكنها عبوره لما فيه من العطب المهلك، فإذا انتهت المراكب بما فيها من التجار والتجارات تحولوا عن بطون المراكب إلى ظهور الجمال وساروا إلى مدينة أسوان في البرية، وبين هذا الموضع وأسوان نحو من اثنتي عشرة مرحلة بسير الجمال. الجعرانة (7) : بتشديد الراء في قول العراقيين، والحجازيون

_ (1) ص ع: جنسيته، والتصحيح عن الإدريسي (د) : 23 OG: 42. (2) البكري (مخ) : 68، وانظر ياقوت (جنابة) والكرخي: 90؛ وصورة الاسم وردت بالألف في خراج قدامة: 242. (3) عند ياقوت: حنابذ، بكسر الباء الموحدة. (4) ع: جنبارة؛ ص: جلنبارة؛ وانظر البكري: 111، 114، والاستبصار: 188. (5) الصواب أن يقول: لها؛ لأن جنيارة ليست مدينة فقط، وإنما هي إقليم. (6) الإدريسي (د) : 20 (OG: 39) وانظر خطط المقريزي 1: 190. (7) معجم ما استعجم 2: 384، وصبح الأعشى 4: 256.

الجعفرية:

يخففونها قال الأصمعي: هي بإسكان العين وتخفيف الراء، وهي ما بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أدنى، وبها قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، ومنها أحرم بعمرته في وجهته تلك. قالوا: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله تعالى ثم أحرم ثم استوى على راحلته، الحديث. الجعفرية (1) : مدينة بالعراق بناها جعفر المتوكل ونقل الناس إليها من سر من رأى، وأراد أن تنسب إليه ويكون له بها بقاء الذكر، فأمر موسى بن محمد المنجم ومن يحضره من المنجمين والمهندسين أن يختاروا له موضعاً، فوقع اختيارهم على موضع يقال له الماحوزة (2) ، وابتدأ النظر فيه في سنة خمس وأربعين ومائتين، ووجه في حفر النهر ليكون وسط المدينة فقدرت النفقة على النهر ألف ألف وخمسمائة دينار، فطاب نفساً بذلك ورضي به وابتدأ الحفر والنفقة الجليلة على ذلك النهر، واختط مواضع قصوره ومنازله فأقطع ولاة عهوده وسائر أولاده وقواده وكتابه وجنده والناس كافة، ومد الشارع الأعظم من دار أشناس التي بالكرخ وهي التي صارت للفتح بن خاقان مقدار ثلاثة فراسخ، وجعل لقصوره ثلاثة أبواب عظام جليلة يدخل منها الفارس برمحه قائماً وأقطع الناس يمنة الشارع الأعظم ويسرته وجعل عرض الشارع الأعظم مائتي ذراع وأمر أن يحفر في جنبتي الشارع نهران يجري فيهما الماء من النهر الكبير الذي يحفره، وبنيت القصور وشيدت الدور، وارتفع البناء، وكان يدور بنفسه فمن رآه قد جد في البناء أجازه وأعطاه، وسمى المتوكل هذه المدينة الجعفرية، واتصل البناء إلى سر من رأى ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه، فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ، وارتفع البناء في مقدار سنة وجعلت الأسواق في موضع معتزل، وبني المسجد الجامع وانتقل المتوكل إلى قصور هذه المدينة أول المحرم سنة سبع وأربعين ومائتين، فلما جلس أجاز الناس جميعاً بالجوائز السنية، وأعطى جميع القواد والكتاب ومن تولى عملاً من الأعمال، وتكامل له السرور فقال: الآن علمت أني ملك إذ بنيت لنفسي مدينة وأسكنتها ولدي ونقلت الدواوين إليها. إلا أن النهر لم يتم أمره ولم يجر فيه الماء إلا جرياً ضعيفاً لم يكن له اتصال ولا استقامة، على أنه قد أنفق عليه نحو ألف ألف (3) دينار لكن كان حفره صعباً جداً إنما كانوا يحفرون حصى وأفهاراً لا تعمل فيها المعاول، وأقام المتوكل نازلاً في قصوره بالجعفرية تسعة أشهر وثلاثة أيام وقتل لثلاث خلون من شوال سنة تسع وأربعين ومائتين في قصره الجعفري، وقصة قتله مشهورة لا نطول بها، فولي ابنه محمد المنتصر فانتقل إلى سر من رأى وأمر الناس جميعاً بالانتقال معه عن الماحوزة وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سر من رأى فانتقل الناس وحملوا نقض المنازل إلى سر من رأى وخربت القصور والجعفري ومنازله ومساكنه وأسواقه في أسرع مدة، وصار الموضع موحشاً لا أنيس به ولا ساكن فيه والديار بلاقع كأن لم تعمر ولم تسكن. وقد ذكر أبو عبادة البحتري هذا القصر الجعفري في قصيدته التي رثى بها المتوكل وكان حاضراً ليلتئذ، اختفى فسلم، ففيها يقول (4) : تغير حسن الجعفري وأنسه ... وقوض بادي الجعفري وحاضره تحمل عنه ساكنوه فجاءة ... فعادت سواء دوره ومقابره إذا نحن زرناه أجد لنا الأسى ... وقد كان قبل اليوم يبهج زائره ولم أنس وحش القصر إذ ريع سربه ... وإذ ذعرت أطلاؤه وجآذره وإذ صيح فيه بالرحيل فهتكت ... على عجل أستاره وستائره ووحشته حتى كأن لم يقم به ... أنيس ولم تحسن لعين مناظره تعرض نصل السيف من دون فتحه ... وغيب عنه في خراسان طاهره أدافع عنه باليدين فلم يكن ... ليثني الأعادي أعزل البأس حاسره

_ (1) اليعقوبي: 266. (2) ص ع: الماحور. (3) سقطت من ع. (4) ديوان البحتري: 1048.

الجسر:

ولو أن سيفي ساعة القتل في يدي ... درى الغادر العجلان كيف أساوره ومات المنتصر بسر من رأى في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين، وولي المستعين أحمد بن المعتصم فأقام بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين، فأقام يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة والمعتز بسر من رأى معه الأتراك وسائر الموالي، ثم خلع المستعين وولي المعتز فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر بعد خلع المستعين، وبويع محمد بن الواثق سنة خمس وخمسين ومائتين فأقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق حتى قتل، وولي أحمد بن المعتمد بن المتوكل فأقام مدة حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن، فسبحان من له البقاء وحده. جفر الأملاك: مكان بين الحيرة والكوفة كان المنذر بن ماء السماء غزا كندة فأصاب منهم وأسر اثني عشر فتى من ملوكهم فقتلوا بمكان بين الحيرة والكوفة يقال له جفر الأملاك، وكان امرؤ القيس بن حجر يومئذ معهم فهرب ولحق بإياد، فأجاره سعد بن الضباب سيد إياد، وفيه يقول امرؤ القيس (1) : يفاكهنا سعد ويغدو لجمعنا ... بمثنى الزقاق المترعات وبالجزر وتعرف فيه من أبيه شمائلاً ... ومن خاله ومن يزيد ومن حجر الجفار (2) : أرض متصلة ببلاد الواحات وهي خالية قفر، وكانت فيما سلف من الزمان متصلة العمارات كثيرة البركات مشهورة الخيرات أكثر زراعة أهلها الزعفران والنيلج والعصفر وقصب السكر، وأما الآن ففيها مدينة الجفار قد أحدقت بها النخيل من كل النواحي وماؤها غزير عذب، ومن الجفار إلى الواحات ثلاثة أيام لا ماء فيها، والواح قرى كثيرة صغار فيها أخلاط من الناس يزرعون النيلج وقصب السكر، وهي على ضفة الجبل الكبير الحاجز بين أرض مصر والصحارى المتصلة بأرض السودان. جسطة (3) : مدينة في جزيرة في البحر الهندي صغيرة يوجد فيها التبر كثيراً وهو غلتهم وشغلهم وإياه يطلبون ومنه معايشهم، وأكلهم السلاحف ولحم الصدف، وعندهم الذرة قليلة، وهم على جون كبير تدخله المراكب وليس لأهل جسطة مراكب ولا دواب يتصرفون عليها إنما يتصرفون بأنفسهم ويستخدم بعضهم بعضاً، وتجار بلاد المهراج يدخلون إليهم ويجالسونهم ويتجرون معهم. الجسر (4) : كانت وقيعة الجسر بالعراق في خلافة عمر رضي الله عنه وكان ندب المسلمين إلى حرب العجم في العراق، وقدم عليهم أبا عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي فكانت بينهم وقائع كلها على العجم، فرجعت المرازبة إلى يزدجرد منهزمين وقد فتح أبو عبيد من بلادهم ما فتح ونزل على الحيرة فشتمهم يزدجرد وأقصاهم ودعا بهمن ذا الحاجب فعقد له على اثني عشر ألفاً وقال له: قدم هؤلاء الذين انهزموا فإن انهزموا فاضرب أعناقهم، فخرج في عدة لم ير مثلها، وبلغ المسلمين مسيرهم إليهم فقال المثنى بن حارثة: إنك لم تلق مثل هذا الجمع ولا مثل هذه العدة، ولمثل ما أتوك به روعة لا تثبت لها القلوب، فارتحل من منزلك حتى تعبر الفرات وتقطع الجسر ويصير الفرات بينك وبينهم، فإن عبروا إليك قاتلتهم واستعنت بالله، قال: إني لأرى هذا وهناً. وأقبل بهمن فنزل قس الناطف بينه وبين أبي عبيد الفرات، وأرسل إلى أبي عبيد إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك، فقال أبو عبيد: نعبر إليكم، فقال المثنى: أذكرك الله والإسلام أن تعبر إليهم، فحلف ليعبرن، ودعا من عقد له الجسر، فقال سليط بن قيس الأنصاري: يا أبا عبيد اذكرك الله ألا تركت للمسلمين مجالاً فإن العرب من شأنها أن تفر ثم تكر، فاقطع هذا الجسر وتحول عن منزلك وانزل أدنى منزل من البر، ونكتب إلى أمير المؤمنين نعلمه ما قد أجلبوا به علينا ونقيم، فإذا كثر عددنا وجاء مددنا زحفنا إليهم وبنا قوة وأرجو أن يظهرنا الله تعالى عليهم قال: جبنت والله يا سليط، قال: والله لأنا أشد منك بأساً وأشجع منك قلباً، ثم تقدم فعبر، فقال المثنى لأبي عبيد: والله ما جبن ولكن أشار بالرأي وأنا أعلم بقتال هؤلاء منك، لئن عبرت

_ (1) ديوان امرئ القيس: 113. (2) الإدريسي (د/ ب) : 44/ 29 (OG: 123) . (3) نزهة المشتاق: 29، (OG: 79) . (4) قارن بالطبري 1: 2174، والمؤلف ينقل عن مصدر آخر.

إليهم في ضيق هذا المطرد ليحرزن المسلمين هذا العدد، فقال المثنى للناس: اجعلوا جبننا بي ولا تعبروا، فقالوا: وكيف نصنع وقد عبر أميرنا وسليط في الأنصار وعبر أناس؛ فقال المثنى: إني لأرى ما يصنعون ولولا أن خذلانكم يقبح ولا أراه يحل ما صحبتكم، ثم عبر فالتقى الناس في موضع ضيق. وكانت دومة امرأة أبي عبيد رأت وهي بالطائف كأن رجلاً نزل من السماء معه إناء فيه شراب فشرب منه أبو عبيد ورجال من أهل بيته، فقصتها على أبي عبيد فقال: هذه الشهادة إن شاء الله، فلما التقوا قال أبو عبيد: إن قتلت فأميركم عبد الله بن مسعود بن عمرو بن عمير يعني أخاه، فإن قتل فجبر بن أبي عبيد يعني ولده، فإن قتل فأميركم فلان، وعد أمراء كلهم شرب من الاناء ثم قال: فإن قتل فأميركم المثنى بن حارثة، وجعل على ميمنته سليط بن قيس وعلى ميسرته المثنى، وقدم ذو الحاجب الجالنوس معه الفيل الأبيض وراية كسرى وقد أحاطت به حماة المشركين، وكانت بين الناس مشاولة يخرج العشرة والعشرون فيقتتلون ملياً من النهار، ثم حمل المشركون فنضحهم المسلمون بالنبل وجثت رجالهم فاستقبلوا بالرماح، فلم يقدروا من المسلمين على شيء فانصرفوا عنهم، ثم حملوا الثانية ففعلوا مثلها، ثم انصرفوا وحملوا الثالثة فصبروا، فلما رأوا أنهم لا يقدرون على ما يريدون من المسلمين جاءوا بالنشاب فوضعوه كأنه آكام وتفرقوا ثلاث فرق، فقصدت فرقة لأبي عبيد في القلب، وفرقة لسليط في الميمنة، وفرقة للمثنى في الميسرة، ثم صاروا كراديس فجعل الكردوس يمر معرضاً بالمسلمين ويرميهم حتى كسرت الجراحات فيهم، وأقبلت الفيلة عليها الجلاجل، والخيول عليها التجافيف، والفرسان عليهم الشعر، فلما نظرت إلى ذلك خيول المسلمين رأت شيئاً منكراً لم تكن ترى مثله، فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم لم تقدم خيولهم وإذا حملت المشركون عليهم بالفيلة والجلاجل فرقت بين كراديسهم فلا تقوم لها الخيل إلا على نفار وخزقهم الفرسان بالنشاب وعض المسلمين الألم، وجعلوا لا يصلون إليهم فنادى سليط بن قيس: يا أبا عبيد أرأيي أم رأيك؟ أما والله لتعلمن أنك قد أضررت برأيك نفسك والمسلمين، ثم قال: يا معشر المسلمين على م نستهدف لهؤلاء المشركين؟ من أراد الجنة فليحمل معي، فحمل في جماعة أكثرهم من الأنصار فقتل وقتلوا، وترجل أبو عبيد وترجل الناس ومشوا إليهم فتكافحوا وصافحوهم بالسيوف، وحمي الناس حتى كثرت القتلى بين الطائفتين جميعاً، وجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم، فنادى أبو عبيد: احتوشوا الفيلة فقطعوا بطنها واقلبوا عنها أهلها. وواثب هو الفيل الأبيض فتعلق بخطامه ووقع الذي عليه وفعل القوم مثل ذلك، فما تركوا فيلاً إلا حطوا رحله وقتلوا أصحابه، وضرب أبو عبيد مشفر الفيل فقطعه؛ واستدبره أبو محجن فضرب عرقوبه فاستدار وسقط بجنبه، وتعاور أبا عبيد المشركون فقتلوه، وقيل خبطه الفيل لما قطع مشفره وقام عليه، فلما بصر الناس بأبي عبيد تحت الفيل خشعت أنفس بعضهم، وأخذ اللواء الذي كان أمره من بعده، فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد فاجتره إلى المسلمين وأحرزوا شلوه ثم تجرثم الفيل فاتقاه الفيل بيده وخبطه الفيل وقام عليه، وتتابع أمراء أبي عبيد الذين عهد إليهم كلهم يأخذ اللواء فيقاتل حتى يموت وصبر الناس حتى قتلوا وصارت الراية إلى المثنى بن حارثة فجاش بها الناس ساعة ثم انهزم الناس وركبهم المشركون ثم حمل المثنى في سبعين من بكر بن وائل أصحاب خيل مقرحة كان يعدها للطلب وللغارة، فقاتلهم حتى ارتفع عنهم المشركون فانضموا إلى إخوانهم من المسلمين، ومضى الناس نحو الجسر وجاءهم المثنى وعروة بن زيد الخيل وجماعة، ونادى المثنى: أيها الناس أنا دونكم فاعبروا على هينتكم ولا تدهشوا فإنا لن نزول حتى نراكم من ذلك الجانب، فانتهى الناس إلى الجسر وقد سبق إليه عبد الله بن مرثد الثقفي، أو غيره فقطعه وقال: قاتلوا من دونكم فخشع الناس فاقتحموا الفرات فغرق من لم يصبر، وأسرع المشركون في من صبر، وأتاهم المثنى بن حارثة فأمر بالسفينة التي قطعت فوصلت بالجسر، وعبر الناس، وقال المثنى للرجل الذي قطع الجسر: ما حملك على ما صنعت؟ قال: أردت أن يصبر الناس، وأصيب يومئذ من المسلمين ألف وثمانمائة وقتل من المشركين ألفان وقيل أكثر من ذلك، وقيل أسرعت السيوف في أهل فارس وأصيب منهم ستة آلاف في المعركة ولم تبق إلا الهزيمة، فلما خبط أبو عبيد وقام عليه الفيل جال المسلمون جولة وركبهم أهل فارس، وقيل هلك يومئذ من المسلمين نحو أربعة آلاف بين قتيل وغريق، وهرب ألفان وبقي ثلاثة آلاف. ولما عبر الناس عبر المثنى وقطع الجسر بعد عبورهم فعقده المشركون، وخرج جابان ومرداشاه في ألف من الأساورة مستخفين ليسبقوا المسلمين إلى الطريق، وبلغ ذلك المثنى فخرج يريدهما في جريدة خيل، فاعترضاه يظنانه (1) ، هارباً فأخذهما أسيرين

_ (1) سقطت من ع.

جوة:

فضرب أعناقهما، وخرج أهل أليس على أصحابهما فأخذوهم فجاءوا بهم إلى المثنى فضرب أعناقهم وعقد بذلك لأهل أليس ذمة، وانهزم المشركون. جو (1) : بفتح أوله وتشديد ثانيه، اسم اليمامة في الجاهلية، حتى سماها الحميري الذي قتل المرأة التي تسمى اليمامة باسمها، وهي زرقاء اليمامة وقصتها مشهورة، وقال الأعشى (2) : وإن امرءاً قد زرته قبل هذه ... بجو لخير منك نفساً ووالدا يعني هوذة الحنفي صاحب اليمامة ويذم الحارث بن وعلة (3) . وفي الخبر (4) أن حسان بن تبع الآخر كان غزا طسماً باليمامة فأهلكها، وكانت طسم وجديس تنزل اليمامة وكان لطسم ملك غشوم سيء السيرة في جديس يعمل فيها بالفواحش، فوثبت جديس على طسم وهي غارة فقتلت منها مقتلة عظيمة وقتلت ذلك الملك، ومضى رجل من طسم إلى حسان بن تبع يستصرخه، فوجه معه جيشاً إلى اليمامة، واسم اليمامة يومئذ جو، وكانت بها امرأة يقال لها اليمامة، فلما كانوا من اليمامة على ثلاثة أيام أخبر الطسمي بخبر اليمامة وما يخاف أن تنذر بهم، فعمدوا إلى الشجر فقطعوها، وجعل كل رجل منهم بين يديه شجرة، فنظرت إليهم وقالت: يا معشر جديس لقد سارت إليكم الشجر. ولقد أتتكم حمير، فقالوا: ما ذاك؟ قالت: أرى الشجر قد أقبلت إليكم وأرى معها رجلاً معه كتف يأكلها أو نعل يخصفها، فكذبوها وقالوا لها: اختلط عليك، فصبحهم حمير فأوقعت بهم وقعة أفنتهم إلا يسيراً ففي ذلك يقول الأعشى (5) : ما نظرت ذات أشفار كما نظرت ... يوماً ولا نظر الذئبي (6) إذ سجعا قالت: أرى رجلاً في كفه كتف ... أو يخصف النعل لهفي أية صنعا فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا جوة (7) : قرية بأرض الحبشة يتخذون الإبل ويكتسبونها (8) ويشربون ألبانها ويستخدمون ظهورها وهي أجل بضاعة عندهم، ويسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار فيخرجونهم إلى أرض مصر في البر والبحر. جور (9) : مدينة من بلاد فارس بناها أزدشير بن بابك، وكان مكانها منقع مياه، فاحتال لخروج ذلك وبنى مدينة جور، وهي مدينة جليلة ولها سور من طين وخلفه خندق، ولها أربعة أبواب، وهي كثيرة البساتين والجنات رحيبة الأفنية والجهات، كثيرة الفواكه والثمر فرجة جداً، وجميع جهاتها الأربع يسير الناس بها بين قصور عالية ومتنزهات سامية طيبة الهواء، وكان بوسطها فيما سلف بنيان يسمى الطربال بناه ازدشير الملك وجعل له من العلو مقدار ما إذا صعد الإنسان على أعلاه يشرف على جميع المدينة ورساتيقها، وكان له في أعلى هذا البناء بيت نار فهدمه المسلمون ولم يبق منه إلا رسم وأثر، وله يوم عيد، وهو على عين هناك عجيبة وإليه متنزهاتهم. ويعمل بجور ماء الورد الكثير الطيب العبق الرائحة وذلك لصحة التربة وصفاء الهواء، وألوان سكانها في غاية الحسن من اعتدال الحمرة والبياض، وبينها وبين شيراز عشرون فرسخاً. الجرزبان (10) : من مدن الجوزجان، وهي بين جبلين أشبه بلد بمكة شرفها الله تعالى وأعزها، وشعابها كشعابها، ومزارعها

_ (1) معجم ما استعجم 2: 407. (2) ديوان الأعشى: 47. (3) زيادة من معجم البكري وديوان الأعشى. (4) قصة طسم وجديس قد وردت في كتب التاريخ والأمثال، وانظر فصل المقال: 116، والحور العين: 15، وشرح ديوان الأعشى: 74، وفي حاشية هذا المصدر إشارة غلى المظان التي وردت فيها القصة. (5) ديوانه: 74. (6) الديوان: حقاً كما صدق الذئبي؛ والذئبي هو الكاهن سطيح. (7) الإدريسي (د) : 26 (OG: 46) . (8) ص ع: ويكسونها. (9) نزهة المشتاق: 116، وانظر أيضاً ياقوت (جور) ، والكرخي: 76، والبكري (مخ) : 29. (10) ص ع: الجورتان، ولجرزبان أحد الوجوه لهذا الاسم، وعند ابن حوقل: 370، وياقوت: الحرزوان، وعند الفرسكرزوان - بالكاف او بالجيم المعقودة -.

جواثى:

قليلة وبساتينها مثل ذلك، وبها مياه جارية وعيون مطردة، وتجلب منها الجلود المدبوغة التي يتجهز بها إلى سائر بلاد خراسان. الجودي (1) : جبل الجودي بالجزيرة وهو المذكور في القرآن، وهو قبل قردى، وحدث من رآه أنه دخل الجودي ودخل الموضع الذي استوت السفينة عليه وقال إنه ثلاثة أجبل بعضها فوق بعض، يصعد إلى الأول في أعلاه جب للماء ثم يصعد إلى الجبل الثالث وهو الذي استوت عليه السفينة، وهناك حجر يقولون ان عليه نزلت وهو شبه سفينة، وهناك بيعتان للنصارى ومسجد للمسلمين، ولهذا الجبل موسمان في العام: موسم في نصف شعبان يقصد إليه الناس من الأقطار البعيدة وموسم في يوم عاشوراء، وينفقون هناك النفقة العظيمة من الصدقات وغير ذلك، وفي أسفل هذا الجبل مدينة ثمانين وقد ذكرناها في حرف الثاء - ويروى أن السفينة استقلت بهم في عاشر رجب واستقرت على الجودي في يوم عاشوراء من المحرم، وروي أن البيت (2) بني من خمسة أجبل أحدها الجودي. جوخى (3) : بفتح أوله وإسكان ثانيه وبالخاء المعجمة، بالعراق وهو ما سقي من نهر جوخى، ولم يكن بالعراق عند الفرس كورة تعدل كورة جوخى وكان خراجها ثمانين ألف ألف دينار (4) . جواثى (5) : بضم أوله وبالثاء المثلثة، مدينة بالبحرين لعبد القيس، قال امرؤ القيس: ورحنا كأنا من جواثى عشية ... نعالي النعاج بين عدل ومشنق يريد كأنا من تجار جواثى لكثرة ما معهم من الصيد، أراد كثرة أمتعة تجار جواثى، بين عدل أي بين معدول في أعدال، ومشنق أي معلق. وأول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواثى من البحرين، نقله البخاري. وكان الصديق رضي الله عنه بعث العلاء بن الحضرمي والياً على البحرين، فسار حتى نزل حصن جواثى فسار إليه من ارتد من أهل البحرين فحصروه ومن معه بجواثى، فقال بعضهم (6) : ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وسكان المدينة أجمعينا فهل لكم إلى نفر يسير ... مقيم في جواثى محصرينا توكلنا على الرحمن إنا ... وجدنا النصر للمتوكلينا ثم إن المسلمين بيتوهم ووضعوا فيهم السلاح فلم يفلت من المرتدة أحد وغنم المسلمون خيولهم ومتاعهم وبعث بمال كثير إلى المدينة، ثم سار العلاء بن الحضرمي إلى الخط. وحدث الأصمعي قال: كان قوم من أهل البحرين من جواثى يتواصلون على العلم والأدب فغاب رجل منهم إلى أكناف العراق فأقام بها برهة ثم عاد فوجد قريبين له قد ماتا فضرب على قبريهما فسطاطاً وأقام حولاً بينهما فلما انقضى الحول قوض فسطاطه ثم قال (7) : خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما أجدكما ما ترحمان متيماً ... مقيماً على قبريكما لا يراكما

_ (1) معظم ما جاء هنا ورد في مادة ((ثمانين)) ، وانظر معجم ما استعجم 2: 403. (2) سقطت من ع. (3) انظر ياقوت (جوخا) بالضم والقصر وقد يفتح. (4) ياقوت: درهم. (5) معجم ما استعجم 2: 401، وياقوت (جواثاء) . (6) الأبيات عند ياقوت، مع بعض اختلاف فيالراوية، والاكتفاء (تاريخ الردة) : 139. (7) هي الحماسية رقم: 289 (شرح المرزوقي: 875) ، وقد ذكر التبريزي في شرحه مناسبة أخرى لها، وأوردها ياقوت في مادة (راوند) والبكري في مادة (خزاق) ، وهي في الخزانة 1: 261 - 268، ويبدو أن (جواثي) و (خزاق) في هذه القصة مصحف أحدهما عن الآخر.

الجوزجان:

أمن طول نوم لا تجيبان داعياً ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما أقيم على قبريكما لست بارحاً ... طوال الليالي أو يجيب صداكما ألم تعلما ما لي براوند كلها ... ولا بجواثى من حبيب سواكما أبكيكما حتى الممات وما الذي ... يرد على ذي عولة إن دعاكما الجوزجان (1) : في بلاد خراسان أوله جيم، وهو يوازي كرمان، والجوزجان اسم للناحية وليس بمدينة بل هو اسم كورة، وأكبر مدن الجوزجان انبار واليهودية وغيرهما، وبانبار يقيم أميرها في الشتاء، ومن الجوزجان إلى بلخ أربع مراحل. وفيها قتل يحيى بن زيد (2) بن علي سنة خمس وعشرين ومائة وصلب فأظهرت شيعة بني العباس لبس السواد بسببه، وأبوه زيد هو المقتول المصلوب بكناسة الكوفة على ما نذكره هناك إن شاء الله تعالى، فلما كان في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك ظهر ابنه يحيى بن زيد هذا بخراسان بالجوزجان منها، فكتب الوليد إلى عامله بالكوفة أن احرق زيداً بخشبه، ففعل ذلك وأذري في الرياح على شاطئ الفرات، وإليه تنسب الزيدية. ولما قام يحيى (3) منكراً للظلم وما عم الناس من الجور صير إليه نصر بن سيار سلم بن أحوز المازني فقتل يحيى في المعركة بقرية يقال لها درغويه (4) ودفن هناك، وقتل بسهم أصاب صدغه فولى أصحابه، واحتز رأسه فحمل إلى الوليد، وصلب جسده بالجوزجان، ولم يزل مصلوباً إلى أن خرج أبو مسلم صاحب الدعوة العباسية فقتل سلم بن أحوز وأنزل جثة يحيى فصلى عليها ودفنت هناك، وأظهر أهل خراسان النياحة على يحيى بن زيد سبعة أيام في سائر عمائرها في حال أمنهم على أنفسهم من سلطان بني أمية، ولم يولد في تلك السنة مولود بخراسان إلا سمي يحيى أو زيد لما دخل أهل خراسان من الحزن عليهم وكان ظهور يحيى في آخر سنة خمس وعشرين أو في سنة ست وعشرين ومائة. وكان فتح (5) الجوزجان على يد الأحنف بن قيس وجهه ابن عامر إلى مرو الروذ فبعث الأحنف إلى الجوزجان الأقرع بن حابس في جريدة خيل مع ما انضاف إليهم فقاتلهم الأقرع بخيله فجال المسلمون جولة فقتل بعض فرسانهم ثم أظفر الله المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم، وأولئك القتلى من فرسان المسلمين عنى أبو كثير النهشلي إذ قال: سقى مزن السحاب إذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان إلى القصرين من رستاق خوط ... أقادهم هناك الأقرعان الجوسق (6) : من مصانع الفرس بالكوفة، قال الشاعر (7) : إني أدين بما دان الشراة به ... يوم النخيلة عند الجوسق الخرب ولما (8) خلع المستعين وبويع محمد بن الواثق سنة خمس وخمسين ومائتين أقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق حتى قتل وولي أحمد بن المعتمد بن المتوكل فأقام بالجوسق من سر من رأى فبنى قصراً سماه المعشوق فنزله وأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن. وفي خبر المعتصم (9) أنه لما عزم على بناء سر من رأى صير إلى كل واحد من أصحابه بناء قصر فصير إلى خاقان أبي الفتح قصر الجوسق الخاقاني فهو الجوسق.

_ (1) ابن حوقل: 370، والكرخي: 153، وياقوت (جوزجان) . (2) انظر الطبري 2: 1770. (3) متابع للمسعودي، المروج 6: 2. (4) ص: ارغوبه؛ المروج: أرغونه. (5) الطبري 1: 2902 (حوادث سنة 32) . (6) ياقوت (الجوسق) ، ومعجم ما استعجم 2: 404. (7) هو قيس بن الاصم الضبي، انظر شعر الخوارج: 56. (8) اليعقوبي: 268. (9) اليعقوبي: 258.

الجوزاء:

الجولان (1) : موضع بالشام معروف كانت حاميم بن عمليق بن لاوذ بن إرم نزلوا الجولان من بلاد حوران والبثنية وذلك بين دمشق وطبرية فانقرضت وأباد الله تعالى جميعها، وفي شعر النابغة: بكى حارث الجولان من فقد ربه (2) ... ويقال الجبل: حارث الجولان. الجوزاء (3) : مدينة الجوزاء في ساحل وادي القرى، ولها مسجد جامع وثمان آبار عذبة وبها ثمار ونخل، وأهلها عرب من جهينة وبلي. ؟ الجيزة (4) : بالزاي اختطها بمصر عمرو بن العاصي رضي الله عنه في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والجيزة قرية كبيرة جميلة البنيان على نيل مصر، لها كل يوم أحد سوق من الأسواق العظيمة يجتمع إليها وبها مسجد جامع فيه الخطبة، ويتصل بهذا المسجد المقياس الذي تعتبر فيه زيادة النيل عند فيضه كل سنة واستشعار ابتدائه في شهر يوليه ومعظم انتهائه اغشت وآخره أول أكتوبر. والمقياس عمود رخام أبيض مثمن في موضع ينحصر فيه الماء عند انسيابه إليه وهو مفصل على اثنين وعشرين ذراعاً كل ذراع مفصل على أربعة وعشرين قسماً متساوية تعرف بالأصابع فإذا انتهى الفيض عندهم إلى أن يستوفي الماء تسعة عشر ذراعاً فهي الغاية عندهم في طيب العام والمتوسط عندهم ما استوفى سبعة عشر ذراعاً وهو الأحسن عندهم من الزيادة المذكورة، والذي يستحق به السلطان خراجه في البلاد المصرية ستة عشر ذراعاً فصاعداً، وعليها يعطي البشارة للذي يراعي الزيادة كل يوم وصعودها في أقسام الذراع المذكورة ويعلم بها مياومة حتى تستوفي الغاية التي تفضي بها وإن قصر عن ستة عشر ذراعاً فلا مجبى للسلطان في ذلك العام ولا خراج. ويقال إن بالجيزة المذكورة قبر كعب الأحبار، وفي صدر الجزيرة المذكورة أحجار رخام قد صورت فيها التماسيح فيقال إن بسببها لا يظهر التمساح فيما يلي البلد من النيل بمقدار ثلاثة أميال علواً وسفلاً. جيان (5) : مدينة بالأندلس بينها وبين بياسة عشرون ميلاً وهي كثيرة الخصب رخيصة الأسعار كثيرة اللحوم والعسل، ولها زائد على ثلاثة آلاف قرية كلها يربى فيها دود الحرير، وبها جنات وبساتين ومزارع وغلات القمح والشعير والباقلى وسائر الحبوب، وعلى ميل منها نهر بلون (6) وهو نهر كبير عليه أرحاء كثيرة جداً، وبها مسجد جامع وعلماء جلة. وجيان في سفح جبل عال جداً وقصبتها من القصاب الموصوفة بالحصانة ومن غر المدن وشريف البقاع، وفي داخلها عيون وينابيع مطردة، منها عين ثرة عذبة عليها قبو من بناء الأول، ولها بركة كبيرة عليها كان حمام الثور فيه صورة ثور من رخام، وحمام الولد، وهما للسلطان، وحمام ابن السليم وحمام ابن طرفة وحمام ابن إسحاق وتسقى بفضلته بسائط عريضة ومن عيونها عين البلاط عليها قبو للأول وماؤها لا ينقص في زمان من الأزمان، على هذه العين حمام يعرف بحمام حسين، وتسقى بها أيضاً أرض كثيرة، ومن عيونها عين سطرون وماؤها غزير نمير وعليها سقي كثير، والأرحاء الطاحنة على أبواب المنازل بجيان والجنات بظهور البيوت، وجامع جيان مشرف يصعد إليه على درج من جميع نواحيه، وهو من خمس بلاطات، على أعمدة رخام وله صحن كبير حوله سقائف، وهو من بناء الإمام عبد الرحمن بن الحكم على يد مسرة عامل جيان. وجبل من جبال جيان إذا تبايع أهلها أموالهم فيه شرطوا أنه في مجرى السحاب لأن هذا الجبل في مكان لا يكاد يخطئه السحاب بالرياح المختلفة فهم يغالون فيه لهذه الخاصية. ولكورة جيان أقاليم عدة وبها أسواق كثيرة وسوقها الجامعة يوم.......... (7) ، وكورتها من أشرف الكور، وهي أشبه الكور بكورة البيرة في طيب بقعتها ووفور غلتها ورفع بذرها وكثرة خيرها، وحريرها يفوق حرير البيرة طيباً، ومن أمثال العامة: يذكر البلدان

_ (1) معجم ما استعجم: 406. (2) عجز البيت: وحوران منه موحش متضائل. (3) هي الحوراء - بالحاء المهملة - عند ياقوت والبكري وغيرهما، وذلك هو الصواب، وما ثبت هنا فهو تصحيف ووهم من المؤلف، وسيذكرها في باب الحاء. (4) صبح الأعشى 3: 392، وانظر خطط المقريزي 1: 205. (5) بروفنسال: 70، والترجمة: 88 (Jean) ، والإدريسي (د) : 202. (6) ص ع: بلور. (7) بياض في الأصل.

جيجل:

ويسكن جيان. ولها أقاليم كثيرة وقرى عامرة وعمائر واسعة. ومن جيان الحافظ أبو علي الجياني الإمام الضابط (1) . وأنشد بعض أهل جيان عند الخروج منها بتغلب العدو عليها: أودعكم وأودعكم جناني ... وأنثر عبرتي نثر الجمان وإني لا أريد لكم فراقاً ... ولكن هكذا حكم الزمان وقال الخطيب بها على المنبر عند العزم على الانفصال عنها في خطبته: وهذه آخر خطبة تقام بجيان ومن أهل جيان الأستاذ أبو ذر مصعب بن محمد بن مسعود بن عبد الله بن مسعود الخشني المعروف بابن أبي ركب (2) ، وهو القائل بعد خروجه من جيان: أجيان أنت الماء قد حيل دونه ... وإني لظمآن إليك وصادي ذكرتك إن هبت شمالاً وإن بدا ... لعيني من تلك المعالم بادي متى ما أرد سيراً إليك تردني ... مخافة آساد هناك عوادي وكان سكن اشبيلية وولي المناكح بها ثم سكن فاس وأقرأ بها ثم ولي قضاء بلده جيان سنة تسعين (3) وخمسمائة، ومن شعره: أيا نخلتي (4) يوماً بالله أسعدا ... غريباً بكى من فقد أهل وجيران يحن إلى ظليكما وفؤاده ... رهين بأظعان حللن بجيان توصل (5) أقصى الغرب والشرق همه ... ويذكر أوطاناً فحن (6) لأوطان وما ذاك عن بغض ولا عن قلى لها ... ولكن عدت (7) عنها تصاريف أزمان عسى من قضى بالبعد عنهم بلطفه ... يسدد من حالي ويصلح من شاني جيجل (8) : مدينة قديمة بينها وبين ميلة من أرض المغرب مرحلة وبين جيجل وبجاية خمسون ميلاً، وهي مدينة صغيرة على ضفة البحر، والبحر يحيط بها ويضرب سورها، وهي على نظر كبير وهي كثيرة التفاح والفواكه، وعنها تحمل إلى بجاية، والعنب والرب، وعلى نحو ميل منها جبل بني زلدوي (9) وهو كثير الخصب وفيه قبائل كثيرة من البربر وفيه كانت دعوة أبي عبد الله الشيعي، وهو جبل كتامة، ولما طرق طاغية صقلية جيجل بنى أهلها في هذا الجبل مدينة حصينة، فهم يسكنون المرسى والساحل في زمن الشتاء فإذا كان زمن الصيف ووقت سفر البحر (10) ارتفعوا إلى حصنهم الأعلى البعيد من البحر، وبقي في الأسفل جمع منهم بأمتعتهم متحرزين من العدو. وبجيجل الألبان والسمن والعسل والزروع الكثيرة والحوت المتناهي طيباً، ولها مرسيان: مرسى في جنوبها وعر الدخول صعب لا يدخل إلا بدليل حاذق، ومرسى في جهة الشمال ساكن الحركة كالحوض لكنه صغير لا يحتمل الكثير من المراكب. وعند جيجل جبل الرحمن، وهي مدينة قديمة على البحر ولها سور قديم يضرب البحر فيه، وهي على نظر كبير كثير

_ (1) هو الحسين بن محمد الغساني المحدث، توفي سنة 498، انظر الصلة: 141، وبغية الملتمس: 429، وتذكرة الحفاظ: 1233، وابن خلكان 2: 180، وأزهار الرياض 3: 149. (2) ترجمته في التكملة: 700، وكانت وفاته بفاس سنة 604. (3) في ص ع: تسع، وهو لا يتفق وتاريخ مولده سنة 533 أو 535. (4) هكذا في ص ع، ولعله اسم مكان في المغرب وقع فيه تحريف، وقد غيره بروفنسال إلى ((جيان)) ، وذلك وهم، لأن الشاعر يخاطب نخلتين في أقصى الغرب فيتذكر وطنه جيان. (5) ص ع: يومل. (6) ص ع: تحن. (7) ص ع: صدت (8) الإدريسي (د/ب) : 97/ 69، والاستبصار: 128. (9) ص ع: زادوي؛ الإدريسي: سوق بني زندوي. (10) الإدريسي: الأسطول.

جيحان:

العنب والتفاح والفواكه، وفيما بين جيجل وبجاية على ساحل البحر موضع يسمى بالمنصورية عليه جبل عظيم مما يلي البر، فيه حافة مثل الحائط، فيها نقب ينبعث منه ماء في غلظ حجر الربع الموزون به في كل وقت من الأوقات المعهودة للصلوات الخمس، يسمع قبل انبعاثه دوي كدوي الرحى الفارغة ثم ينبعث الماء هكذا ليلاً ونهاراً في أوقات الصلوات خاصة، أخبر بذلك من شاهده وسمر عليه الليل كله. جيحان (1) : ويقال جيحون، نهر عظيم مخرجه من بلاد الروم من عيون تعرف بعيون جيحان على ثلاثة أيام من مدينة مرعش، ويخرج إلى البحر الرومي وهو بحر الشام، وليس عليه للمسلمين من المدن إلا المصيصة وكفر بيا ومجراه بينهما، وجيحون (2) هو نهر بلخ، ومن الناس من يقول إنهما نهران وإن جيحان غير جيحون. قالوا (3) : ومنبعث جيحون من بلاد التبت يقبل من المشرق مع الصبا فيمر ببلاد وخان ويسمى هناك جرياب (4) ثم يصير إلى أعلى حدود بلخ مما يلي المشرق، ثم ينعطف إلى ناحية الشمال مع الجنوب إلى أن يصير إلى الترمذ ثم إلى خوارزم فيمر بمدينتها فإذا جاوزها تشعبت منه أنهار وخلجان ذات اليمين وذات الشمال فصارت منه بطائح وآجام ومروج أسفل من مدينة خوارزم بنحو أربعة فراسخ، ثم يمر مستقبل الشمال بين الجرجانية والمزداخكان، أسفل من المدينة بأربعة وعشرين فرسخاً، وهو الموضع الذي يصاد فيه السمك المجلوب من خوارزم إلى النواحي ثم يصير هناك بحيرة دورها نحو مائة فرسخ وقيل مسافتها نحو أربعين يوماً في مثلها وماؤها ملح وليس لها مغيض (5) ظاهر، ويقع فيها نهر جيحون ونهر الشاش وأنهار غيرها كثيرة فلا يغيض ماؤها ولا يزيد، ويشبه والله أعلم أن يكون بينها وبين بحر الخزر خرق ويتصل بمائها، وبين البحرين نحو عشرين مرحلة على السمت. وأضيق أعبار جيحون على رباط بلخ عرضه نحو ميلين. قالوا (6) : فأما نهر بلخ الذي يسمى جيحون فهو غير (7) نهر المصيصة وهو من أعين، يجري فيمر ببلاد الترمذ واسفرايين من بلاد خراسان حتى يأتي بحيرة خوارزم (8) . وليس في العمران بحيرة أعظم منها، لأن طولها مسيرة شهر في نحو ذلك من العرض ودورها أربعمائة فرسخ وإليها ينصب نهر فرغانة والشاش وعليها مدينة للترك يقال لها المدينة الجديدة فيها المسلمون، والسفن تجري في هذه البحيرة، وزعم قوم أنه يصب في مهران السند، وزعم الجاحظ أن مهران السند من نيل مصر واستدل بوجود التمساح فيه. جيرفت: مدينة من بلاد كرمان فيما وراء النهر بينها وبين الشيرجان ست مراحل، وطول جيرفت (9) ميلان، وهي ممتدة آهلة عامرة لها غلات وزروع وكروم وزروعهم على السقي، وماؤهم الذي يشربون منه ويسقون به هو من واديها، وهو نهر صغير شديد الجري وله وجبة وخرير زائد على الصخر لا يستطيع أحد أن يجوزه راكباً، ومقدار مائه ما يدور به خمسون رحى، وبقرب جيرفت جبل يعرف بالميزان فيه جنات وفواكه جمة وفواكه جيرفت وحطبها أكثره يجلب من هذا الجبل، ولأهلها زي حسن وعيش خصيب، وبها متاجر خراسان وسجستان، وتجلب إليها الخيرات والبضائع والتجارات، وهي مدينة كاملة من كل شيء، والتمر بها مائة من بدرهمين، وهم لا يرفعون من تمرهم ما تسقطه الريح بل هو للسابلة دون أربابه، سيرة لهم في ذلك. وعلى جادتها معدن صغير ينزله نحو عشرة آلاف رجل من تجار وصناع ومن بحارة، قوم يعرفون بآل مرزوق أصلهم من البصرة، وهم قوم نبل أصحاب مروءة ظاهرة، ولهم بيوت للضيفان. وجيرفت (10) مدينه عتيقة فيها منبر، ولها نهر يعرف بنهر روذ شديد الجري له وجبة وخرير شديد يجري على الصخور،

_ (1) من المهم التفرقة بين جيحان، أحد أنهار آسيا الصغرى، وجيحون الذي يسميه المؤلف نهر بلخ، والمؤلف يتابع البكري (مخ) : 40 في الخطأ كله. (2) ص ع: وجيحان. (3) ابن رسته: 91. (4) ص ع: جابرود، ويسمى أيضاً وخاب، كما يقول ابن رسته. (5) عن نزهة المشتاق: 213 والبكري. (6) عن البكري، ظناً منه أن يعرف بنهر جيحان، مع أنه بعيد كثيراً مما تقدم ذكره عن نهر جيحون. (7) زيادة ضرورية جداً، وإن لم تكن من شرط المؤلف ومصدره. (8) ص ع: والبكري: بلاد. (9) نزهة المشتاق: 132. (10) أخذ ينقل عن غير الإدريسي، ويكرر بعض ما تقدم، ولكن فيه فوائد لم تذكر قبلاً.

جيزك:

لا يستطيع أحد أن ينزله إلا متوقياً على رجليه من تلك الحجارة، وماؤه بقدر ما يدير خمسين رحى، وهي متجر خراسان وسجستان، وهي ذات نخل وأشجار، والغالب عليها من الأشجار السلم واللوز والأترج وفيها شجر يقال له جم، وهي كشجرة الجوز أصلاً وورقاً وأغصاناً وثمرها ثمر يعرف بثمر جم له نوى مثل نوى التمر، وهو شبيه به في القدر إلا أنه عفص، وليس له طلع كطلع النخلة ولكن عناقيد كعناقيد الكرم، وهو أجود شيء للمبطونين، وفيها أشجار السيسبان والقرظ والحنا والداذي، فأما السيسبان فيشبه ورق السفرجل وحمله مثل عناقيد العنب وله لزوجة مثل الخطمي إذا كان رطباً. وأما الحنا فهي شبيهة بالآس ولها فواغ فإذا كنت على مقدار عشرة أذرع إلى عشرين وجدت منها رائحة عطرة طيبة، فإذا قربت منها لم تجد لها رائحة وأما الداذي فيشبه شجره الدفلى وهي قضبان مستوية تعلو خمس أذرع إلا أن أصله واحد، ومن أسفل الغصن إلى أعلاه أوراق متحاذية على السواء وقد اكتنفت جانبي الغصن، كل ورقة بمقدار الأنملة، فإذا كانت أيام الربيع وقع من أعلى كل ورقة نور أحمر وهو حسن المنظر جداً وقيل الداذي يشبه ورقه ورق الصبر، وله طلع كطلع النخل، ورائحته لا يقدر أحد أن يشمه من حدتها وذكائها، وترعف على المكان شدة حرارتها، ولكن يوضع في البيت فتعبق رائحته من جميع البيت ويعبق ما فيه من الثياب. وبجيرفت في كل شهر غلة حديثة من الحنطة والشعير والأرز والسمسم وسائر الحبوب وضروب الثمار وقصب السكر ومعاصر يعمل فيها الفانيذ، وحرها شديد مؤذ إلا أن الثلج بها موجود يحمل إليها الثلج من جبال البارز. وجيرفت من بناء شاهدار بنت المرزبان، ورثت المرزبة عن أبيها وزوجت نفسها من بعض قراباتها، وهي جيرفت بفتح الجيم وبالراء المهملة بعدها فاء وتاء معجمة باثنتين من فوقها، وبجيرفت اختلفت كلمة الخوارج وقاتل بعضهم بعضاً. جيرون (1) : بفتح الأول وإسكان الثاني بعده راء مهملة، هي مدينة دمشق. قالوا: نزل جيرون بن سعد بن عاد دمشق وبنى مدينتها فسميت باسمه، وهي إرم ذات العماد عندهم، فيقال إن بها أربعمائة ألف عمود من حجارة، وقال الشاعر (2) : طال ليلي فبت كالمحزون ... ومللت الثواء في جيرون وقال آخر (3) : القصر فالنخل فالجماء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون وسنذكر مدينة دمشق في موضعها إن شاء الله تعالى. ويقال إن إبراهيم الخليل عليه السلام دفن في جيرون (4) من أرض الكنعانيين في مزرعة اشتراها إبراهيم وفيها دفنت سارة وإسحاق عليهما السلام، وموضع قبورهم مشهورة على ثمانية عشر ميلاً من بيت المقدس في مسجد هناك يعرف بمسجد إبراهيم عليه السلام. جيزك (5) : من مدن اشروسنة في مستو من الأرض، وهي في أسفل أرض أشروسنة وبها رباط أهل سمرقند وهي متحضرة متوسطة المقدار بها ماء جار وبساتين، ولها رستاق وبها عمارات. جي: بفتح أوله وتشديد ثانيه مدينة بأصبهان ويقال إنها إحدى المدن التي بنى الإسكندر، وكان أجل ملوك الأرض، ويقال إنه ذو القرنين المذكور في القرآن، وبلغ مشارق الأرض ومغاربها وله في كل إقليم أثر فبنى بالمغرب الإسكندرية وبخراسان العليا سمرقند ومدينة الصغد، وبخراسان السفلى مرو وهراة، وبناحية الجبل جي ومدينة أصبهان، وبنى مدناً كثيرة في نواحي الأرض، وجال الدنيا كلها ووطئها فلم يختر منها منزلاً سوى المدائن فنزلها، وبنى بها مدينة عظيمة، وجعل عليها سوراً أثره باق، وهي التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي، ولم تزل مستقره حتى مات بها وحمل منها ودفن بالإسكندرية لمكان والدته فإنها كانت باقية هناك.

_ (1) معجم ما استعجم 2: 408، وصبح الأعشى 4: 91، 102. (2) نسبه في البكري لأبي دهبل الجمحي. (3) هو أبو قطيفة، عمرو بن الوليد بن عقبة، الأغاني 1: 24 - 46. (4) الصواب ((حبرون)) بالحاء المهملة والباء الموحدة، وهذا من أوهام المؤلف. (5) نزهة المشتاق: 217؛ وفي ص ع: جيرك، وهي عند ابن حوقل: 414، والكرخي: 183 ديزك.

جيدان:

وبها (1) قتل عتاب بن ورقاء الرياحي الزبير بن علي رئيس الخوارج وانهزمت الخوارج، وقال الشاعر يمدح عتاباً (2) : ويوم بجي تلافيته ... ولولاك لاصطلم العسكر جيدان (3) : مدينة بينها وبين قلعة ملك السرير اثنتا عشرة مرحلة، ومملكة صاحب السرير (4) هو سرير ذهب كان لملوك الفرس فلما زال ملكهم حمل إلى هذا الموضع مع ذخائر تشاكله. وعن يمين قلعة السرير طريق تفضي إلى جبال شاهقة وغياض كثيرة يسير فيها اثنتي عشرة مرحلة إلى مدينة جيدان هذه وفيها شجرة عظيمة لا تحمل شيئاً من الثمر يجتمع إليها أهل المدينة كل يوم أربعاء فيعلقون عليها أنواع الثياب ويسجدون للشجرة ويقربون عندها القرابين، ولهم ملك يتمسك بثلاثة أديان (5) : الإسلام واليهودية والنصرانية ويصلي مع كل فرقة من هذه الفرق، ويقول: إن كل واحدة منها تدعي أنها على الحق، فيتمسك بجميعها فلا بد أن يصيب الحق.

_ (1) معجم ما استعجم 2: 412. (2) نسبه ياقوت (جي) لأعشى همدان. (3) كذلك وردت أيضاً عند المسعودي، مروج 1: 39، 40. (4) في تعليل هذه التسمية راجع المسعودي: 41، وياقوت (السرير) ، ونزهة المشتاق: 272. (5) قارن يقول المسعودي: وملكهم مسلم يزعم أنه رجل من العرب ... وليس في مملكته مسلم غيره وولده وأهله (سنة 332) .

حامد

حرف الحاء حامد (1) جبل حامد بجزيرة صقلية بينه وبين طرابنش نحو عشرة أميال، وهو جبل عظيم شامخ الذروة عالي القنة حصين منيع، وفي أعلاه أرض سهلة للزراعة، ومياهه كثيرة، والصعود إليه هو من إحدى جهاته، وهم يرون أن منه يكون فتح هذه الجزيرة ولا يتركون مسلماً يصعد إليه، ولذلك أعدوا فيه ذلك المعقل فلو أحسوا بحادثة حملوا حريمهم فيه وقطعوا القنطرة. حاجر (2) : موضع في ديار بني تميم، ومنازل بني فزارة بين النقرة (3) والحاجر، وكان عيينة بن حصن قد نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدخل العلوج المدينة وقال: كأني برجل منهم قد طعنك هنا، ووضع يده تحت سرته، وهو الموضع الذي طعن فيه، فلما طعنه أبو لؤلؤة لعنه الله قال: إن بين النقرة والحاجر لرأياً. الحجاز (4) : سمي الحجاز حجازاً لأنه حجز بين الغور والشام وقيل حجز بين نجد والسراة، وقالوا: بلاد العرب من الجزيرة التي نزلوها على خمسة أقسام: تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن، وجبل السراة هو الحد بين تهامة ونجد، لأنه أقبل من اليمن، وهو أعظم جبال العرب حتى بلغ أطراف بوادي الشام فسمته العرب حجازاً. الحجون (5) : بفتح الحاء، موضع بمكة عند المحصب، وهو الجبل المشرف بحذاء المسجد الذي يلي شعب الجزارين إلى ما بين الحوضين اللذين في حائط عوف، وقيل الحجون مقبرة أهل مكة تجاه دار أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ومن شعر الحارث بن مضاض الجرهمي يتأسف على ما فاتهم من ملك مكة: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والسنون العواثر وفي حكاية طويلة عن إبراهيم بن المهدي أن محمداً الأمين استدعاه وطاهر محاصر له فقال له ولصاحب له: بعثت إليكما لما بلغني مصير طاهر بن الحسين إلى النهروان، وما قد صنع في أمرنا من المكروه لأفرح بكما وبحديثكما، قال: فأقبلنا نحدثه ونؤانسه حتى سلا عما كان يجده، ودعا بجارية من جواريه تسمى ضعفاء، قال: فتطيرت من اسمها، فقال لها: غني، فوضعت العود في حجرها وغنت: كليب لعمري كان أكثر ناصراً ... وأيسر جرماً منك ضرج بالدم فتطير من قولها وقال: اسكتي فعل الله بك وصنع، ثم عاد إلى

_ (1) الإدريسي (م) : 34، وقد ذكر المؤلف ما جاء هنا في مادة ((اطرابنش)) . (2) معجم ما استعجم 2: 416. (3) ص ع: النقر. (4) راجع مادة ((جزيرة العرب)) وصبح الأعشى 4: 246. (5) معجم ما استعجم 2: 427.

الحجر:

ما كان عليه من الغم والقطوب، فأقبلنا نحدثه ونبسطه إلى أن سلا وضحك، ثم أقبل علينا وقال: هاتي ما عندك، فقالت: هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه فأسكتها وزبرها، ثم عاد إلى غمه، فسليناه حتى عاد إلى الضحك، ثم أقبل عليها الثالثة فقال: غني، فغنت: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر فقال لها: قومي عني فعل الله بك كذا وكذا، فقامت فعثرت بقدح كان بين يديه فكسرته وانهرق الشراب وكانت ليلة قمراء ونحن على شاطئ دجلة في قصره المعروف بالخلد، فسمعنا قائلاً يقول: " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " فما قعدنا بعدها معه حتى قتل. الحجر (1) : حطيم الكعبة وهو المدار بالبيت كأنه حجره مما يلي المثعب. وقيل (2) هو كنصف دائرة مفروش الصحن بالرخام الأبيض، وهو من الركن الشامي إلى الركن الغربي، وله باب مما يلي الركن الشامي، وباب مما يلي الركن الغربي، وذرعه (3) من جدار الكعبة الذي تحت الميزاب إلى جدار الحجر سبعة عشر ذراعاً وثماني أصابع، وذرع ما بين بابيه عشرون ذراعاً، وعرض داخله ثمانية وثلاثون ذراعاً، ومن خارج أربعون ذراعاً. وذكر الزهري أنه سمع ابن الزبير رضي الله عنهما يقول: على الميزاب هذا المحدودب قبور عذارى بنات إسماعيل. والحجر هذا هو الذي جلس فيه أبو سفيان وعمير بن وهب وصفوان بن أمية بعد وقيعة بدر فذكروا مصابهم بمن أصيب من قريش يومئذ، الحديث بطوله، وفيه أن عمير بن وهب جاء إلى المدينة للفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي به إليه ملبباً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جلست أنت وفلان وفلان بالحجر فذكرتم أصحاب القليب فقلت أنت كذا وكذا " إلى آخر الحديث وهو بطوله في سير ابن إسحاق (4) . والحجر (5) أيضاً على لفظه بلد ثمود بين الشام والحجاز، وقيل هو من وادي القرى وهو حصين بين الجبال، وبه بيوت منقورة في الحجر، وبها الآن بئر ثمود، ويحيط بالحجر من كل ناحية جبال ورمال لا يكاد أحد يرتقي ذروتها إلا بعد الجهد والمشقة، ومن الحجر إلى تيماء أربع مراحل. والحجر هو المذكور في القرآن في قوله تعالى: " ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين " واجتاز النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك فأمر أصحابه بالإسراع ولا يستقوا من بئرها وقال: " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا وأنتم باكون " (6) وكان نبيهم صالح عليه السلام، وبيوتهم باقية منحوتة في الجبال ورمتهم باقية وآثارهم بادية، وهم بين الشام والحجاز إلى ساحل البحر الحبشي على طريق الحاج إلى الشام، وهم على ناحية تبوك، وكان القوم أصحاب إبل فقال لصالح زعيم من زعمائهم: إن كنت صادقاً فأظهر لنا من هذه الصخرة ناقة سوداء عشراء ذات عرف وشعر ووبر، فتمخضت كما تتمخض الحامل وانشقت عن الناقة ثم تلاها سقبها في نحو صفتها، الخبر بطوله (7) . حجر: بفتح الحاء باليمامة، وهي منازل بني حنيفة وبعض مضر وحجر من اليمامة على يوم وليلة، وفي حجر يقول الشاعر (7) يذكر وقيعة: فلولا الريح أسمع من بحجر ... صليل البيض تقرع بالذكور وكانت الوقيعة في موضع بعيد من حجر، وحجر الآن خراب وبها كانت اليمامة الملكة ساكنة في وقتها. الحديثة: كورة من كور الموصل، قال اليعقوبي: الحديثة

_ (1) معجم ما استعجم 2: 427، وانظر الأزرقي 1: 225. (2) البكري (مخ) : 72. (3) البكري: وعرضه. (4) سير ابن هشام 1: 661 - 662. (5) معجم ما استعجم 2: 426، ونزهة المشتاق: 112. (6) السيرة 2: 522. (7) الطبري 1: 244 - 252. (7) الطبري 1: 244 - 252.

الحرم:

مدينة عامرة آهلة على شاطئ دجلة لها فرض وأسواق، وهي كورة من كور الموصل لها عمارات وقرى، وأهلها أخلاط من العرب والعجم، ولها غلات واسعة وخصب وهي شرقي دجلة، وبها مصب نهر الزاب الكبير، ومنها إلى الموصل مرحلة. وكان محمد بن مروان بن الحكم لما ولي الجزيرة أيام عبد الملك بن مروان بناها وصير فيها جنداً ونقل إليها قوماً من العرب من البصرة وغيرها، والأزد أكثرهم، وكان بنيانها سنة اثنتين وسبعين. ولما اختط هرثمة الموصل وأسكنها العرب أتى الحديثة وكانت قرية بها بيعتان وأبيات للنصارى فمصرها وأسكنها قوماً من العرب، فسميت الحديثة لأنها بعد الموصل. الحديبية (1) : الحجازيون يخففون ياء الحديبية والعراقيون يثقلونها، وقال الأصمعي: هي مخففة الياء الأخيرة ساكنة الأولى، وهو اسم بئر قريبة من مكة وطريق جدة، وفيها كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة المذكورة في القرآن لما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة وصالح كفار قريش على أن يعتمر من العام المقبل، وكانت الشجرة بالقرب من هذه البئر، ثم إن الشجرة فقدت بعد ذلك فلم توجد، كذا قال القضاعي في تاريخه عن أبي عبد الله الحاكم قال سعيد بن المسيب سمعت أبي وكان من أصحاب الشجرة يقول: قد طلبناها غير مرة فلم نجدها وكانت سمرة، وقال ابن المسيب: وقعت الفتنة الأولى - يعني مقتل عثمان رضي الله عنه - فلم تبق من أصحاب بدر أحداً ثم وقعت الثانية - يعني الحرة - فلم تبق من أصحاب الحديببة أحداً ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع وللناس طباخ (2) . الحرم (3) : قال الزبير: أول من نصب أعلام الحرم عدنان بن أد لما خاف أن يدرس الحرم، فأعلام الحرم محيطة بمكة قد نصبت في البقاع والغيطان والتلاع والقيعان، فحد الحرم من ناحية التنعيم على طريق سرف إلى مر الظهران خمسة أميال، ومن طريق جدة عشرة أميال، ومن طريق اليمن ستة، ومن طريق الطائف سبعة، ومن طريق العراق كذلك. وقيل حد حرم مكة من ناحية المدينة ذو طوى على ثلاثة أميال من مكة، وحده من طريق جدة على عشرة أميال، وحده من طريق اليمن على سبعة أميال، وحده من طريق العراق على ستة أميال، وحده من طريق الطائف على أحد عشر ميلاً، فعدد أميال الحرم سبعة وثلاثون ميلاً، ودور الحرم حول الكعبة سبعمائة وثلاثة وثلاثون ميلاً. حراء (4) : بكسر أوله ممدود، جبل بمكة، قال الأصمعي: بعضهم يذكره ويصرفه وبعضهم يؤنثه ولا يصرفه. وفي الخبر (5) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اثبت حراء فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد ". وكان صلى الله عليه وسلم يتحنث في هذا الجبل الليالي ذوات العدد قبل أن يوحى إليه وفيه نزل عليه جبريل عليه السلام أول ما أوحي إليه وفيه بشره بالنبوة. وبينه وبين مكة ميل ونصف، وهو جبل منفرد على طريق حنين من مكة، وهو منيف صعب المرتقى لا يصعد إلى أعلاه إلا من موضع واحد في صفاة ملساء، وهو من جميع نواحيه منقطع لا يرقاه راق، والموضع الذي نزل فيه جبريل عليه السلام في أعلاه من مؤخره إلى شق هناك معروف. حروراء: قرية من قرى الكوفة، بينها وبين الكوفة نصف فرسخ بها اجتمع الخوارج على علي رضي الله عنه فسماهم بالحرورية، ولقي جمعهم هناك فأوقع بهم في تسع وثلاثين، وذلك أنه لما فرغ علي رضي الله عنه من صفين نادى في الناس بالرحيل فرحلوا، فمضى حتى دخل قصر الكوفة، وكان أهلها قد خرجوا مع علي رضي الله عنه إلى صفين وهم متوادون أحباء فرجعوا وهم متباغضون أعداء، ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيهم التحكيم، وأقبلوا في طريقهم يتدافعون ويتشاتمون ويضطربون بالسياط، يقول الخوارج: يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله وحكمتم، ويقول الآخرون: فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا. فلما دخل علي رضي الله عنه الكوفة لم يدخلوا معه وأتوا حروراء فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً، ويسمى هؤلاء بالحرورية لنزولهم بهذه القرية، ومضى إليهم علي رضي الله عنه فجلس إليهم

_ (1) معجم ما استعجم 2: 430، وصبح الأعشى 4: 256. (2) إرشاد الساري 6: 274، والطباخ - بفتح الطاء - العقل او القوة او بقية خير في الدين، والفتنة الثالثة: قيل هي فتنة الازارقة، وقيل هي فتنة أبي حمزة الشاري. (3) البكري (مخ) : 74، وشفاء الغرام 1: 54 - 66، والأزرقي 1: 3510 361، وصبح الأعشى 4: 255. (4) معجم ما استعجم 2: 432، والبكري (مخ) : 74. (5) مجمع الزوائد 9: 55؛ وفي إرشاد الساري 6: 89 اثبت أُحُد.

حران:

وحاجهم ووعظهم، فرجع منهم ستة آلاف، رجعوا إلى الكوفة، وبقي من بقي منهم، ثم اجتمعوا على البيعة لعبد الله بن وهب الراسبي، ومضى القوم إلى النهروان ومضى إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين؟ قالوا: قد كان للمؤمنين أميراً فلما حكم في دين الله تعالى خرج من الإيمان، فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه شك أن يقر على نفسه بالكفر، قالوا: إنه حكم، قال: إن الله تعالى قد أمر بالتحكيم في قتل صيد فقال: " يحكم به ذوا عدل منكم " فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين؟ قالوا: إنه حكم عليه فلم يرض، قال: إن الحكمين لما خالفا نبذت أقاويلهما، كما في الإمامة إذا فسق الإمام وجبت معصيته، فقال بعضهم لبعض: لا تجعلوا احتجاج قريش حجة عليكم فإن هذا من القوم الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: " بل هم قوم خصمون " وقال عز وجل " وتنفر به قوماً لداً "، وقال مصعب بن سعد: سألت أبي عن هذه الآية " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا " أهم أهل حروراء؟ قال: هم اليهود والنصارى كذبوا وكفروا، لكن الحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وكان يسميهم الفاسقين، وآل الأمر إلى أن تجبروا وخرج إليهم علي رضي الله عنه فأوقع بهم بالنهروان، وفي شرح ذلك طول ليس هذا موضعه. حران (1) : مدينة من ديار مضر، قديمة عتيقة، لا يدرى متى بنيت، يقال بناها هران أخو إبراهيم عليه السلام وهو أبو لوط عليه السلام، ويقال هارن، وإليه تنسب حران، وهي مدينة الصابئين ولهم بها تل عليه مصلاهم، وهم يعظمونه وينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام، وهي من غر البلاد لكنها قليلة الماء والشجر ولها رساتيق وعمارات وموضعها في مستو من الأرض، يحيط بها جبل شامخ مسافة يومين. ويزعم الصابئون أن حاران بنى تارح، وهو أخو إبراهيم عليه السلام، مر بها بعد نيف وخمسين سنة فقال: وإنك كعهدك يا عجوز. وحران مدينة مسورة ومسجد جامعها داخل في مدينتها، ولها أربعة أبواب: باب الرقة جنوبي، والشرقي باب يزيد، والشمالي باب يزيد (2) ، والغربي باب الفرات (3) ، ولها في غربيها دويرات وفي شمالها خرب، وليس للمدينة في نفسها بساتين وماؤها من الآبار، ولها قرى متصلة بها، تضم كل قرية خلقاً كثيراً، ولها عمارات واسعة، وفي كل قرية مسجد جامع ومنار، ويزعم الصابئون أن ماني الثنوي من أهل حران وأنه كان أسقفاً بنجران، فوقع عزم من الجاثليق فقال: والله لأفسدن عليه شريعته، فقال باثنين وضارع قول المجوس، وجعل أناجيل وتسمى مسيحاً، فضارع قول النصارى وأفسد الشريعة، وقتله سابور أحد ملوك الفرس على الزندقة وصلبه على باب مدينة أرجان من مدن فارس. ويزعم الصابئون أيضاً أن ديصان الزنديق من أهل حران وأنه ولد زنا وجد منبوذاً على نهر يقال له ديصان فسمي به. وفي مدينة حران مجمع الصابئين وقد درج أكثرهم وبقيت إلى اليوم منهم هناك بقية، وأخبر من رأى بقيتهم وذكر أنهم يستقبلون الكعبة في صلاتهم كما يستقبل المسلمون، وذكر أنهم من ولد صاب بن طاط بن خنوخ، كان من أهل الحكمة والفلسفة والعلم بالنجوم وهو أول من نزل بابل واتخذ بها هيكلاً، وكان فيه كاهن يسمى كرمن ومعناه بلسانهم العالم الكبير، ووضع لأهل العصر نواميس يعملون بها وأحكاماً ينتهون إليها، وكان قد أحكم في الصقع الذي كان نازلاً به من أرض بابل بناء بطالع قد ارتصده ووقت قد اختاره، وأثبت فيه من غوامض العلوم ما بقي أثره للصابئة، ونقش بلاطات الهيكل بضروب الصناعات وصور فيها جميع المهن وصور أهلها، وسن للصابئة أن متى أدرك لأحدهم ابن وصلح أن يتصرف، أتى به والداه إلى ذلك الهيكل وقربا عنه فيه قرباناً ومشى الغلام داخل الهيكل، فإذا كان عند الصباح وفرغ أهل الهيكل من ناموسهم قصد به السادن إلى تلك البلاطات المزبور فيها جميع المهن وأراه إياها، فما مالت إليه نفس الغلام من هذه الصناعات والمهن أمر أبويه أن يسلماه فيها فيحذق في تلك الصناعة. وكان لهم في القرابين أشياء أحدثها لهم صاب من جملة ما

_ (1) نزهة المشتاق: 200، وانظر ابن حوقل: 204، والكرخي: 54، وياقوت (حران) ، والمقدسي: 141، وابن جبير: 244 - 247. (2) كذا ورد. (3) ع: الفدان؛ ص: الغدان.

الحرة:

يقربونه في صلاتهم وتقديسهم من أمور وضعها لهم صاب وهي تهليل وتحميد وتسبيح، ولم يزالوا برهة من زمانهم جارين على ما وضع لهم من ذلك وعاملين بما نهج لهم إلى أن انبعث فيهم مركيون (1) فأحدث لهم أشياء وحد لهم حدوداً ومال بهم نحو الكواكب، فابتدع لهم ضروباً من الهياكل ونصب فيها أصناماً ووقت لهم في الصلوات أوقاتاً، وهيئة صلاتهم هو أن يدخل الهيكل وقد وضع يديه معاً على صدره ثم يستقبل القبلة عليه لباس من صوف القرابين، ثم يبسط يديه معاً مادهما وجامعاً بينهما، ثم يسجد برأسه قائماً ويزمزم، ثم يمشي القهقرى خطى يسيرة ويخرج. وهم يجمعون في مواقيت صومهم ومناسكهم بين الشهور الشمسية والقمرية، ويسمون الشهر الهلالي بما يتفق أن يقع فيه من شهور السريانيين، فيقولون: هلال تشرين الأول، هلال تشرين الثاني، وكذلك في جميعها، ويكبسون في ثلاث سنين شهراً ويجعلونه نصف آذار ويسمونه هلال آذار الثاني فتصير شهور تلك السنة ثلاثة عشر شهراً من أجل الأحد عشر يوماً وربع التي بين الشمسية والقمرية. ووصف بعض البلغاء حران فقال (2) : بلد لا حسن لديه ولا ظل متوسداً برديه، وقد اشتق من اسمه هواؤه، فلا يألف البرد ماؤه، ولا تجد فيه مقيلاً، ولا تتنفس فيه إلا نفساً ثقيلاً، قد نبذ بالعراء، ووضع في وسط الصحراء، يعدم رونق الحضارة، وتعرى أعطافه من ملابس النضارة. ولأبينا إبراهيم عليه السلام بقبليها بنحو ثلاثة فراسخ مشهد مبارك، فيه (3) عين ماء جارية، كان مأوى له ولسارة ومتعبداً لهما. وأهل هذه البلاد من الموصل لديار ربيعة وديار بكر إلى الشام محسنون للغرباء مكرمون للفقراء، وأهل قراها كذلك، ما يحتاجون الغرباء الصعاليك معهم زاداً. ولهذه البلدة أسواق حافلة عجيبة الترتيب مسقفة كلها بالخشب لا يزال أهلها في ظل بارد، ويتصل بأسواقها جامعها وهو في غاية الحسن، له صحن كبير فيه ثلاث قباب مرتفعة على سواري رخام تحت كل قبة بئر عذبة، وبهذه البلدة مارستان، وهي كبيرة وسورها حصين مبني بالحجارة وكذلك منار الجامع. وفتح حران عياض بن غنم أخذها على مثل صلح الرها. وحران فيها من أهل كل بلد ومن أهل كل قبيلة من نزار وقحطان، وهي في مرج أفيح وبقعة حمراء. الحرة (4) : حرة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم تعرف بحرة واقم فيها كانت الوقيعة الشنيعة بأهل المدينة، وذلك أنه لما شمل الناس جور يزيد بن معاوية وعماله وعمهم ظلمهم، وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصاره وما أظهر من شرب الخمور وسار بها فرعونية، أخرج أهل المدينة عامله عليهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان لمروان بن الحكم وسائر بني أمية، وذلك عند تنسك ابن الزبير وإظهاره الدعاء لنفسه سنة ثلاث وستين، وكان إخراجهم لمن ذكرناه عن إذن ابن الزبير، واغتنمها مروان منهم إذ لم يقبضوا عليهم ويحملوهم إلى ابن الزبير، فحثوا السير نحو الشام، ونمي فعل أهل المدينة ببني أمية ومن معهم إلى يزيد فسير إليهم جيوش أهل الشام عليهم مسلم بن عقبة المري الذي أخاف المدينة ونهبها وقتل أهلها، وبايعه أهلها على أنهم عبيد يزيد وسماها نتنة مناقضة لتسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لها طيبة وقال: " من أخاف المدينة أخافه الله "، فسمي مسلم هذا بمجرم ومسرف لما كان من فعله، وقال يزيد حين عرض هذا الجند: أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى ... وأشرف القوم على وادي القرى ... أجمع سكران من القوم ترى ... يريد بهذا القول عبد الله بن الزبير وكان يكنى أبا بكر ويسمى يزيد السكران الخمير، وكتب لابن الزبير: ادع إلاهك في السماء فإنني ... أدعو عليك رجال عك وأشعر

_ (1) ص ع: أمرلون؛ ويكتب عادة ((مرقيون)) . (2) رحلة ابن جبير: 244 - 245. (3) زيادة من رحلة ابن جبير. (4) خبرها في الكتب التاريخية المتصلة بتلك الفترة، ولكن المؤلف هنا يتابع المسعودي، مروج 5: 159 - 167.

الحربية:

كيف النجاة أبا خبيب منهم ... فاحتل لنفسك قبل مأتى العسكر ولما انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرة وعليهم مسلم، خرج إلى حربه أهلها عليهم عبد الله بن مطيع العدوي وعبد الله بن حنظلة الأنصاري، فكانت بينهم وقعة عظيمة قتل فيها خلق من الناس من بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس، وبايع الناس على أنهم عبيد ليزيد ومن أبى ذلك أمره مسلم على السيف غير علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب السجاد وعلي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم، وفي وقعة الحرة يقول محمد بن أسلم: فإن تقتلونا يوم حرة واقم ... فنحن على الإسلام أول من قتل ونحن تركناكم ببدر أذلة ... وأبنا بأسياف لنا منكم نفل ونظر الناس إلى علي بن الحسين السجاد وقد لاذ بالقبر الشريف وهو يدعو فأتي به مسرف وهو مغتاظ عليه متبر منه ومن آبائه، فلما رآه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه وقال له: سلني حوائجك، فلم يسأله في أحد ممن قدم للسيف إلا شفعه فيه وانصرف، فقيل لعلي رضي الله عنه: رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت؟ قال، قلت: اللهم رب السموات السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن ورب العرش العظيم ورب محمد وآله الطاهرين، أعوذ بك من شره وأدرأ بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره وتكفيني شره، وقيل لمسلم: رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه فلما أتي به إليك رفعت منزلته، قال: ما كان ذلك برأي مني ولقد ملىء قلبي منه رعباً. وأما علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما فإن أخواله من كندة منعوه منه وأناس من ربيعة كانوا في جيشه فقال علي رضي الله عنه في ذلك: أبي العباس قرم بني لؤي ... وأخوالي الملوك بنو وليعه هم منعوا ذماري يوم جاءت ... كتائب مسرف وبنو اللكيعه أراد بي التي لا عز فيها ... فحالت دونه أيدي ربيعه ونزل بأهل المدينة من القتل والنهب والسرق والسبي وشبه ذلك أمر عظيم. ثم خرج عنها يريد مكة في جنوده ليوقع بابن الزبير وأهل مكة بأمر يزيد، وذلك سنة أربع وستين، فلما انتهى إلى الموضع المعروف بقديد مات مسرف لعنه الله، فاستخلف على الجيش الحصين بن نمير حتى أتى مكة في محرم سنة أربع وستين، فحاصر مكة وأحاط بها، وعاذ ابن الزبير بالبيت الحرام وسمى نفسه العائذ بالبيت، ونصب الحصين المجانيق والعرادات على مكة والمسجد من الجبال والفجاج، فتواترت أحجار المجانيق والعرادات على البيت ورمي مع الأحجار النار والنفط ومشاقات الكتان فانهدمت الكعبة ووقعت صاعقة فأحرقت من أصحاب المجانيق أحد عشر رجلاً، واشتد الأمر على أهل مكة وابن الزبير إلى أن بلغت الحصين وفاة يزيد بالشام فانحلت العزيمة ثم كانت بينه وبين ابن الزبير مخاطبات فآل الأمر إلى أن انصرف عنه إلى الشام. الحربية (1) : محلة ببغداد بالجانب الغربي منها جماعة محدثون، فيها قبر هشام بن عروة ومنصور بن عمار وبشر الحافي وأحمد بن حنبل وغيرهم ومنها عيسى بن موسى بن أبي خالد الحربي وله حكاية، قال إبراهيم بن المدبر: جاءني يوماً محمد بن صالح الحسني بعد أن أطلق من السجن فقال: أريد أن أتحدث معك اليوم على خلوة، فقلت: افعل، فخلوت معه وأمرت برد دابته، فلما اطمأن بنا المجلس قال لي: أعلمك أني خرجت في سنة كذا ومن معي من أصحابي على القافلة الفلانية فقاتلنا من كان فيها وهزمناهم، وملكنا القافلة، فبينا أنا أحوزها وأنيخ الجمال إذ طلعت علي امرأة من العمارية ما رأيت قط أحسن وجهاً منها ولا أحلى منطقاً، فقالت: يا فتى إن رأيت أن تدعو لي بالشريف المتولي أمر هذا الجيش فإن لي عنده حاجة، فقلت: قد رأيته وسمع كلامك، فقالت: سألتك بحق الله أنت هو؟ فقلت: نعم وحق رسوله، فقالت: أنا حمدونة بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحربي، ولأبي محل من سلطانه، ولنا نعمة إن كنت سمعت بها فقد كفاك ما سمعت، وإن كنت لم تسمع بها فسل

_ (1) انظر ياقوت (الحربية) ، وتقع الحربية عند باب حرب، نسبة غلى حرب بن عبد الله البلخي أحد قواد المنصور.

الحزورة:

عنها غيري، ووالله لا استأثرت عنك بشيء أملكه ولك بذلك عهد الله وميثاقه علي، وما أسألك إلا أن تصونني وتسترني، وهذا ألف دينار معي لنفقتي فخذها حلالاً، وهذا حلي بأغلى من خمسمائة دينار فخذه وضمني ما شئت بعده آخذه لك من تجار المدينة أو مكة ومن أهل الموسم، فليس منهم من يمنعني شيئاً أطلبه، وادفع عني واحمني من أصحابك ومن عار يلحقني. فوقع لقولها من قلبي موضع عظيم، فقلت لها: قد وهب الله عز وجل لك مالك وجاهك ووهب لك القافلة بجميع ما فيها، ثم ناديت في أصحابي: إني قد أجرت هذه القافلة ولها ذمة الله تعالى وذمة رسوله وذمتي، فمن أخذ منها خيطاً أو مخيطاً فقد أذنته بحرب، فانصرفوا معي وانصرفت، فلما أخذت فحبست فبينا أنا ذات يوم في محبسي إذ جاءني السجان فقال: إن بالباب امرأتين تزعمان أنهما من أهلك وقد حظر علي أن يدخل عليك أحد إلا أنهما أعطتاني دملج ذهب وجعلتاه لي إن أوصلتهما إليك، وقد أذنت لهما وهما بالدهليز فاخرج إليهما، فخرجت إليهما فإذا بصاحبتي، فلما رأتني بكت لما رأت من حالي وثقل الحديد علي، فأقبلت عليها الأخرى فقالت: أهو هو؟ قالت: أي والله هو، ثم أقبلت علي وقالت: والله يا سيدي لو استطعت أن أقيك مما أنت فيه بنفسي وأهلي لفعلت وكنت بذلك مني حقيقاً، ووالله لا تركت المعاونة لك والسعي في خلاصك بكل حيلة ومال وشفاعة، وهذه دنانير وثياب وطيب فاستعن بها على موضعك، ورسولي يأتيك في كل يوم بما يصلحك حتى يفرج الله عنك، ثم أخرجت إلي مائتي دينار وكسوة وطيباً، وكان رسولها يأتيني في كل يوم بطعام نظيف ويتواصل برها السجان فلا يمتنع من كل ما أريده حتى من الله بخلاصي، ثم راسلتها فخطبتها فقالت: أما من جهتي فأنا لك سامعة مطيعة، والأمر إلى أبي، فأتيته فخطبتها إليه فردني وقال: ما كنت لأحقق عليها ما قد شاع في الناس عنك في أمرها وقد صيرتها فضيحة، فقمت من عنده منكسراً مستحيياً وقلت في ذلك: رموني وإياها بشنعاء هم بها ... أحق أدال الله منهم معجلا بأمر تركناه ورب محمد ... عياناً فإما عفة أو تجملا فقلت (1) : إن عيسى صنيعة أخي وهو لي مطيع، وأنا أكفيك أمره، فلما كان من غد لقيت عيسى في منزله وقلت: جئتك في حاجة، فقال: مقضية، فقلت: جئتك خاطباً إليك ابنتك، فقال: وهي أمتك وأنا لك عبد وقد أجبت، فقلت: إني خطبتها على من هو خير مني أباً وأماً وأشرف لك صهراً ومتصلاً محمد بن صالح العلوي، فقال: يا سيدي هذا رجل قد لحقنا بسببه ما لم يخف عليك وقيلت فينا أقوال، فقلت: أليست باطلة؟ قال: بلى والحمد لله، ولم أزل أرفق به حتى أجاب، فبعثت إلى محمد بن صالح فأحضرته، وما برحت حتى زوجه وسقت الصداق عنه، فصنع محمد بن صالح في ذلك شعراً، ولما حملت إليه حمدونة شغف بها، وكانت امرأة جميلة عاقلة، وله فيها أشعار حسان. الحزورة (2) : موضع بمكة يلي البيت بفناء دار أم هانئ بنت أبي طالب التي كانت عند الحناطين فدخلت في المسجد الحرام، وقيل بل كانت الحزورة في موضع السقاية التي عملت الخيزران بفناء دار الأرقم، وقال بعضهم: كانت نحو الردم في الوادي، والأثبت أنها كانت من الحناطين وهو الأشهر عند المكيين، وفي الحزورة دفن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله ابن أخي طلحة ابن عبيد الله وكان قتل مع ابن الزبير، فلما زيد في المسجد الحرام دخل قبره في المسجد، ذكر ذلك الزبير بن أبي بكر. وروى الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: " والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت "، وهذا من الأحاديث الصحاح التي أخرجها الدارقطني وذكر أن البخاري ومسلماً أغفلا تخريجها في كتابيهما على ما شرطاه، وهذا الحديث من أقوى ما يحتج به الشافعي في تفضيل مكة على المدينة، قال الدارقطني: والمحدثون يقولون: الحزورة بالتشديد وهو تصحيف إنما هو بالتخفيف. وقال عمرو بن العاصي لمعاوية رضي الله عنهما: رأيت في منامي أبا بكر رضي الله عنه حزيناً فسألته عن شأنه فقال: وكل بي هذان لمحاسبتي وإذا

_ (1) القائل هو ابن المدبر. (2) معجم ما استعجم 2: 411، وبالبكري (مخ) : 74.

الحطيم:

صحف يسيرة، ورأيت عمر رضي الله عنه كذلك وإذا صحف مثل الحزورة، ورأيت عثمان رضي الله عنه كذلك وإذا صحف مثل الخندمة (1) ، ورأيتك يا معاوية وصحفك مثل أحد وثبير، فقال معاوية رضي الله عنه: أرأيت ثم دنانير مصر؟. حزيز: موضع بالبصرة، وأصل الحزيز الغليظ من الأرض. قالوا: لم ير الناس قط هواء أعدل ولا نسيماً أرق ولا أطيب منبتاً من ذلك الموضع. وقال أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد: ما آسى من العراق إلا على ثلاث خلال: ليل الحزيز ورطب السكر وحديث ابن أبي بكرة، وأراد الحجاج التعالج فدله الطبيب على هذا الموضع وأظنه المذكور في مقصورة ابن دريد (2) : حزوى: موضع في ديار بني تميم، وفيه يقول ذو الرمة (3) : خليلي عوجا من صدور الرواحل ... بجمهور حزوى فابكيا في المنازل لعل انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجي البلابل الحطيم (4) : بمكة، وهو ما بين الكعبة وما بين زمزم والمقام. قال الاخباريون: كان من لم يجد من الأعراب ثوباً من ثياب أهل مكة يطوف به رمى ثيابه هناك وطاف عرياناً، فسمي الحطيم. حلوان (5) : من كور الجبل وبمقربة من شهرزور وخانقين، بناها قباذ بن فيروز ملك الفرس والد أنوشروان، وهي بين فارس والأهواز، وحلوان مدينة سهلية جبلية على سفح الجبل المطل على العراق، وسميت بذلك لأن معناها حافظ حد السهل، لأن حلوان أول العراق وآخر حد الجبل، وقيل سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكان نزلها فنسبت إليه، وبناء حلوان بالطين والحجارة، وهي نحو نصف الدينور، والجبل منها على فرسخين، والثلج يكثر بها، وهي حارة الهواء كثيرة النخل والأنهار، ومنها إلى شهرزور أربعة فراسخ، وليس بالعراق بعد الكوفة والبصرة وواسط أعمر منها ولا أكبر ولا أخصب، وجل ثمارها شجر التين. وبها نخلتان يضرب بهما المثل، يقال: أطول صحبة من نخلتي حلوان (6) ، وفيهما يقول الشاعر (7) : أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من صرف هذا الزمان أسعداني وأيقنا أن نحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان وحدث زكريا بن شعبة قال: كان هارون الرشيد يوماً في مقيله إذ رأى في منامه كأن رجلاً وقف على باب مجلسه فضرب بيده إلى عمود الباب ثم أنشأ يقول: كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وأوحش منه ربعه ومنازله وصار عميد القصر من بعد بهجة ... إلى جدث تبكي عليه جنادله فلم يبق إلا ذكره وحديثه ... تبكي عليه بالعويل حلائله ثم خرج إلى طوس فلما نزل حلوان العراق هاج به الدم فاجتمع المتطببون على أن دواءه الجمار فوجه إلى دهقان حلوان فأحضر فسئل عن النخل فقال: ليس بهذه البلدة إلا النخلتان اللتان على عقبة حلوان فوجه إليهما من قطع إحداهما فأكل هارون جمارها فسكن عنه الدم فرحل فمر عليهما فرأى على القائمة منهما كتاباً فيه:

_ (1) ع: الخنذرة، ص: الحديد. (2) جاء في المقصورة: سقى العديد فالحزيز فالملا ... إلى النحيت فالقريات الدنا وقال التبريزي في شرحه: 146، الحزيز والملا والنحيت: مواضع بالبصرة ونواحيها. (3) ديوانه: 576 (ط. دمشق) . (4) صبح الأعشى 4: 254، والبكري (مخ) : 73. (5) بعض هذه المادة عند الكرخي: 61، وابن حوقل: 220، ونزهة المشتاق: 202. (6) الميداني 1: 297. (7) هو مطيع بن إياس، انظر الأغساني 13: 330، وفيه طرف من قصة الرشيد: 332.

حلب:

أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من صرف هذا الزمان أسعداني وأيقنا أن نحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان ولعمري لو ذقتما حرق المو ... ت لأبكاكما الذي أبكاني فقال هارون: عز والله علي أن أكون أنا نحسهما ووالله لو علمت بهذا الكتاب ما قطعتها ولو كانت نفسي فيها. وقد ذكر هاتين النخلتين التطيلي الشاعر الأعمى في قصيدته التي أولها (1) : ألا حدثاني عن فل وفلان ... لعلي أرى باق على الحدثان فقال: وعن نخلتي حلوان كيف تناءتا ... ولم تطويا كشحاً على شنآن وهي طويلة مختارة. وقال إسماعيل بن أبي هاشم: قرأت بحلوان (2) على قصر لعبد العزيز بن مروان: أين رب القصر الذي شيد القص ... ر وأين العبيد والأجناد أين تلك الجموع والأمر والنه ... ي وأعوانهم وذاك السواد أين عبد العزيز أو أين مروا ... ن وأين الحماة والأولاد ما لنا لا نحسهم ونراهم ... أترى ما الذي دهاهم فبادوا قال: وقرأت تحته هذا الجواب: أيها السائل المفكر فيهم ... كيف بادت جموعهم والسواد ثم في القصر والذين بنوه ... أسفاً حين فارقوه وبادوا أين كسرى وتبع قبل مروا ... ن ومن قبل تبع شداد أين نمرود أين فرعون موسى ... أين من قبلهم ثمود وعاد كلهم في التراب أضحى رهيناً ... حين لم تغن عنهم الأجناد إن في الموت يا أخي لك شغلاً ... عن سواه والموقف الميعاد وفي مصر حلوان أيضاً، وهو فوق الفسطاط. الحليفة (3) : ذو الحليفة ما بينه وبين المدينة ستة أميال وقيل سبعة وهو كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لحج أو عمرة، فكان ينزل تحت شجرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة اليوم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له وهو بالمعرس بذي الحليفة إنك ببطحاء مكة، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة. حلب (4) : مدينة بالشام، بينها وبين قنسرين اثنا عشر ميلاً، وسميت بحلب رجل من العمالقة، وهي مدينة عظيمة مسورة بحجارة بيض، ونهر قويق يجري على بابها، وفي جانبها قلعة منيعة بها مقام أميرها، ولها سبعة أبواب، منها باب الجنان وباب أربعين وباب أنطاكية وباب قنسرين وباب اليهود وباب الفراديس والباب الشرقي، ومسجد جامعها داخل المدينة، وأغلب

_ (1) ديوان التطليلي: 224. (2) هذه حلوان التي بمصر، وكان عبد العزيز بن مروان أول من اختطها، وسيشير إليها المؤلف في آخر هذه المادة. (3) معجم ما استعجم 2: 464. (4) صبح الأعشى 4: 116.

الحلة:

أسواق حلب مسقف، وبحلب جماعة من اليهود ونصارى نسطوريون. قال بعضهم (1) : حلب قدرها خطير، وذكرها في كل زمن يطير، لها قلعة شهيرة الامتناع، معدومة الشبيه والنظير في القلاع، ويقال إن هذه القلعة كانت في قديم الزمان ربوة يأوي إليها إبراهيم الخليل عليه السلام بغنيمات فيحلبها هنالك ويتصدق بلبنها فلذلك سميت حلب، وبها مشهد عظيم يقصد الناس التبرك به. ومن فضائل هذه القلعة ماء نابع فيها لا يخاف معه فيها ظمأ، والطعام يصير (2) فيها الدهر كله، وعليها سوران دونهما خندق لا يكاد البصر يبلغ مدى عمقه، وبالجملة القلعة مشهورة بالحصانة والحسن، وأبراج سور البلد كثيرة (3) جداً وأبراجها كلها مسكونة وكلها طيقان وداخلها المساكن السلطانية والمنازل الرفيعة. والبلد حفيل الترتيب بديع الحسن واسع الأسواق وكلها مسقفة بالخشب فهي في ظلال وارفة، وقيساريتها حديقة بستان نظافة وجمالاً مطيفة بجامعها، وجامعها من أحسن الجوامع وأجملها، وفي صحنه بئران معينان (4) وقد استفرغت الصنعة القرنصية جهدها في منبره فما رؤي (5) في بلد منبر على شكله وغرابة صنعته، واتصلت الصنعة (6) الخشبية إلى المحراب فتخللت صفحاته كلها حسناً على تلك الصفة الغريبة، وكل ذلك مرصع بالعاج والأبنوس، واتصل الترصيع من المنبر إلى المحراب مع ما يليهما من جدار القبلة فتجتلي العيون منها أبهى منظر يكون في الدنيا. وحسن هذا الجامع أكثر من أن يوصف، ويتصل به من الجانب الغربي مدرسة تناسب الجامع حسناً وإتقان صنعة، وهذه المدرسة من أحفل ما بني، وجدارها الشرقي مفتح كله بيوتاً وغرفاً فوقها ولها طيقان يتصل بعضها ببعض، وقد امتد بطول الجدار عريش كرم مثمر عنباً، فجعل لكل طاق من تلك الطيقان قسطها من ذلك متدلياً أمامها، فيمد الساكن فيها يده ويجنيه متكياً بلا مشقة. وفي البلد سوى هذه المدرسة أربع مدارس أو خمس، وبها مارستان وأمرها في الاحتفال عظيم، وحسنها كله داخل لا خارج لها إلا نهرها الجاري من جوفها إلى قبليها ويشق ربضها المستدير بها، لأن لها ربضاً كبيراً فيه من الحمامات (7) ما لا يحصى عدة، وبهذا النهر الأرحاء وهي متصلة بالبلد، وبهذا الربض بعض بساتين تتصل بطوله، وعلى الجملة فهي من بلاد الدنيا التي لا نظير لها. وكانت بحلب، سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وقيعة عظيمة على ارمانوس الرومي، وكان قد عسكر عليها في نحو مائة وأربعين ألفاً أتت على أكثرهم، وأسر فيها نحو سبعة آلاف وخمسمائة من كبارهم وبطارقهم، وأمير حلب يومئذ شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس الكلابي، وكانت تجمع له من العرب وكور قنسرين نحو عشرة آلاف، وكانت الوقيعة على ثلاثة فراسخ من حلب، وكثرت الغنائم والسبي بأيدي المسلمين حتى بيع الفرس من سبي الروم بسرجه ولجامه بمثقالين، والغلام منهم بمثقال والجارية بثلاثة مثاقيل. ولبعضهم (8) : حلبت الدهر أشطره ... وفي حلب صفا حلبي الحلة (9) : مدينة كبيرة منيفة على شط الفرات يتصل بها من جانبها الشرقي وتمتد بطوله، وبها أسواق حفيلة جامعة للمرافق المدنية والصناعات الضرورية، وهي قوية التجارة كثيرة الخلق متصلة حدائق النخل داخلاً وخارجاً، ولها جسر عظيم معقود على مراكب كبار متصلة من الشط إلى الشط تحف بها من جانبيها سلاسل من حديد كالأذرع المفتولة عظماً وضخامة تربط في خشب في كلا الشطين، والطريق من الحلة إلى بغداد أحسن طريق وأجملها من بسائط وعمائر تتصل بها القرى يميناً وشمالاً، وبين هذه البسائط مذانب من الفرات تسقيها، وللعين في ذلك مسرح وانشراح.

_ (1) ينقل المؤلف - مباشرة أو بالواسطة - عن رحلة ابن جبير، ولأمر ما يخفي اسم المصدر الذي ينقل عنه. (2) الرحلة: يصبر. (3) سقطت من ع. (4) كذا هو أيضاً في أصل نسخة ابن جبير، وحقه التأنيث. (5) ص ع: رأى؛ وهو عند ابن جبير ((أرى)) لأنه يصفه مشاهدة. (6) زيادة من ابن جبير. (7) الرحلة: الحانات. (8) من أبيات لابن خروف الشاعر الأندلسي أبي الحسن علي بن محمد بن يوسف القرطبي، وقد ورد حلب واستوطنها؛ وقد رفع هذه الأبيات للقاضي بهاء الدين ابن شداد يستجديه فروة (ابن خلكان 7: 94) . (9) بدها سيف الدولة زعيم بني مزيد حوالي سنة 495، ولهذا لا نجد لها ذكراً عند الجغرافيين المتقدمين، قارن بياقوت (الحلة) ، والنص هنا عن ابن جبير: 213، وانظر ابن بطوطة: 220.

حمص:

حمص: مدينة بالشام من أوسع مدنها، ولا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند (1) لأنه اسم أعجمي، سميت برجل من العمالق يسمى حمص، ويقال رجل من عاملة، هو أول من نزلها، ولها نهر عظيم يشرب منه أهلها. وهي (2) مدينة حسنة في مستو من الأرض وهي عامرة بالناس، والمسافرون يقصدونها بالأمتعة والبضائع من كل فن، وأسواقها قائمة وخصبهم تام ومعايشهم رقيقة (3) ، وفي نسائهم جمال وحسن بشرة، وشرب أهلها من ماء يأتيهم في قناة على مرحلة منها مما يلي دمشق، والنهر المسمى بالمقلوب (4) يجري على بابها بمقدار رمية سهم، ولهم عليه قرى متصلة وبساتين وأشجار وأنهار كبيرة، ومنها تجلب الفواكه إلى المدينة، وكانت من أكثر البلاد كروماً فتلف أكثرها، وثراها طيب للزراعات وهواؤها أعدل هواء يكون بمدن الشام، وهي مطلسمة لا تدخلها حية ولا عقرب ومتى أدخلت على باب المدينة هلكت على الحال. وبها على القبة العالية الكبيرة التي في وسطها صنم نحاس على صورة الإنسان الراكب يدور مع الريح كيف ما دارت، وفي حائط القبة حجر عليه صورة عقرب فإذا جاز إنسان ملدوغ أو ملسوع طبع ذلك الحجر الطين الذي يكون معه ثم يضع الطين على اللسعة فيبرأ للحين. وجميع أزقتها وطرقها مفروشة بالحجر الصلد، وزراعاتها مباركة كثيرة، وهي تكتفي باليسير من المطر أو السقي، وبها مسجد جامع كبير من أكبر جوامع الشام، ومنها إلى حلب خمس مراحل. وافتتحها أبو عبيدة بن الجراح (5) صلحاً سنة أربع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وذلك أنه لما تم الصلح بينه وبين أهل بعلبك وكتب لهم كتاباً، خرج نحو حمص فجمع له أهلها جمعاً عظيماً ثم استقبلوه بجومية فرماهم بخالد بن الوليد رضي الله عنه، فلما نظر إليهم خالد قال: يا أهل الإسلام الشدة الشدة، ثم حمل عليهم خالد وحمل المسلمون معه فولوا منهزمين حتى دخلوا مدينتهم، وبعث خالد ميسرة بن مسروق فاستقبل خيلاً لهم عظيمة عند نهير قريب من حمص فطاردهم قليلاً ثم حمل عليهم فهزمهم، وأقبل رجل من المسلمين من حمير يقال له شرحبيل فعرض له منهم فوارس فحمل عليهم وحده فقتل منهم سبعة، ثم جاء إلى نهر دون حمص مما يلي دير مسحل فنزل عن فرسه فسقاه، وجاءه نحو من ثلاثين فارساً من أهل حمص فنظروا إلى رجل واحد وأقبلوا نحوه، فلما رأى ذلك أقحم فرسه وعبر الماء إليهم، ثم ضرب فرسه فحمل عليهم فقتل أول فارس ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس ثم انهزموا وتبعهم وحده، فلم يزل يقتل واحداً واحداً حتى انتهوا إلى دير مسحل وقد صرع منهم أحد عشر رجلاً فاقتحموا جوف الدير واقتحم معهم فرماه أهل الدير بالحجارة حتى قتلوه رحمه الله، وجاء ملحان بن زياد وعبد الله بن قرط وصفوان بن المعطل إلى المدينة فأخذوا يطيفون بها يريدون أن يخرج إليهم أهلها فلم يخرجوا، وجاء المسلمون حتى نزلوا على باب الرستن فزعم النضر بن شفي أن رجلاً من آل ذي الكلاع كان أول من دخل مدينة حمص، وذلك أنه حمل من جهة باب الرستن فلم يرد وجهه شيء فإذا هو في جوف المدينة، فلما رأى ذلك ضرب فرسه فخرج كما هو على وجهه، ولا يرى إلا أنه قد هلك حتى خرج من باب الرستن فإذا هو في عسكر المسلمين. وحاصر المسلمون أهل حمص حصاراً شديداً فأخذوا يقولون للمسلمين: اذهبوا نحو الملك فإن ظفرتم به فنحن كلنا لكم عبيد، فأقام أبو عبيدة رضي الله عنه على باب الرستن بالناس وبث الخيل في نواحي أرضهم فأصابوا مغانم كثيرة وقطعوا عنهم المادة والميرة، واشتد عليهم الحصار وخشوا السبي فأرسلوا إلى المسلمين يطلبون الصلح، فصالحهم المسلمون وكتبوا لهم كتاباً بأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وعلى أن يضيفوا المسلمين يوماً وليلة وعلى أن على أرض حمص مائة ألف دينار وسبعين ألف دينار، وفرغوا من الصلح وفتحوا باب المدينة للمسلمين فدخلوها وأمن (6) بعضهم بعضاً. وقال أدهم بن محرز بن أسد الباهلي: أول راية دخلت أرض حمص ودارت حول مدينتها راية ميسرة بن مسروق، ولقد كانت لأبي أمامة راية ولأبي راية، وإن أول رجل من المسلمين قتل رجلاً من المشركين لأبي وإني أول مولود بحمص وأول مولود فرض له بها وأول من رمى فيها بيده، كنت أختلف إلى الكتاب، ولقد شهدت صفين وقاتلت.

_ (1) يجيز النحويون الصرف في الاسم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط؛ وانظر صبح الأعشى 4: 112. (2) نزهة المشتاق: 117. (3) نزهة المشتاق: رخيصة. (4) يريد نهر ((العاصي)) أو ((الأرنط)) . (5) فتوح الأزدي: 126. (6) ص: في؛ ع: وأبى.

حماة:

وقال عبد الله بن قرط: عسكر أبو عبيدة ونحن معه حول حمص نحواً من ثمان عشرة ليلة وبث عماله في نواحي أرضها واطمأن في عسكره. وبحمص مات خالد بن الوليد رضي الله عنه سنة إحدى وعشرين، وقيل بل مات في المدينة وصلى عليه عمر رضي الله عنه. وبين حمص وسلمية ستة فراسخ، ويقال إن أهل حمص أول من ابتدع الحساب في سالف الزمن، لأنهم كانوا تجاراً يحتاجون إلى الحساب في أرباحهم ورؤوس أموالهم ونفقاتهم، ويقال إنه لا يدخل حمص حية ولا عقرب، وليس لها سور، وفي وسطها حصن مستدير، وأكثر مدينة حمص اليوم خراب، وشرقي مدينتها البرية، ويقال: إن أبقراط الفاضل كان مسكنه مدينة حمص. وقال قتادة: أخبرت أنه نزل حمص خمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل نزلها من بني سليم ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة. وأهل هذه (1) البلدة موصوفون بالنجدة والتمرس بالعدو لمجاورتهم له، وبعدهم في ذلك أهل حلب. وقبليها قلعة حصينة منيعة، وشرقيها جبانة فيها قبر خالد بن الوليد سيف الله المسلول ومعه قبر ابنه عبد الرحمن وقبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهم. وأسوار هذه المدينة غاية في العتاقة والوثاقة مبنية بالحجارة السود وأبوابها حديد سامية الأشراف هائلة المنظر تكتنفها الأبراج الحصينة، وفي داخلها ما شئت من بادية شعثاء، وما ظنك ببلد حصن الأكراد منه على أميال يسيرة وهو معقل العدو، وبها مدرسة واحدة. واشبيلية بالأندلس تسمى حمص أيضاً، ولبعض المتأخرين ينسب عثمان بن عتيق إلى انتحال أشعار الناس: يا أهل ترشيش ألا حاكم ... يحكم في السارق بالنص قد جاءكم من جمة شاعر ... وشعره يأتيه من حمص يعني اشبيلية. حماة (2) : من كور حمص بالشام، وهي مدينة طيبة في وسطها نهر يسمى العاصي، وفيه قيل: ولما جرى العاصي وطيع أدمعي ... لدى الناس قال الناس أيهما النهر وهذا النهر عظيم عليه جسور يعبر عليها، وعليه نواعير كثيرة تخرج الماء إلى ما على جانبيه من غيطان المدينة، وبينها وبين كفر طاب أربعون ميلاً، ومن حمص إلى حماة مثلها، وهي قديمة البناء، وربضها (3) كبير وفيه الحمامات (4) والديار، وبها جامعان وثلاث مدارس ومارستان على شط النهر بازاء الجامع الصغير، وبخارج البلد بسيط فسيح عريض فيه شجر الأعناب والمزارع والمحارث والبساتين على شطي النهر، وهو العاصي لأن ظاهر انحداره من أسفل إلى علو ومجراه من الجنوب إلى الشمال وهو يجتاز على قبلي حمص وبمقربة منها. الحميمة: بلفظ التصغير، قرية من كور دمشق من أعمال البلقاء، أقطعها عبد الملك بن مروان لعلي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهم فكان يسكنها، وفيها كان إبراهيم بن محمد الإمام مستتراً في مدة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية. فإنه لما (5) قوي أمر أبي مسلم داعي بني العباس وغلب على أكثر خراسان وضعف أمر نصر بن سيار وعدم النجدة خرج عن خراسان حتى أتى الري ثم خرج عنها فنزل ساوة بين بلاد همذان والري فمات بها كمداً، وكان لما صار بين الري وخراسان كتب كتاباً إلى مروان يذكر فيه خروجه عن خراسان وإن هذا الأمر الذي أزعجه سيزيد حتى يملأ البلاد، وضمن ذلك هذا الشعر: إنا وما نكتم من أمرنا ... كالثور إذ قرب للباخع

_ (1) من هنا منابع لابن جبير: 258. (2) صبح الأعشى 4: 140. (3) من هنا متابع لابن جبير: 257. (4) ابن جبير: الخانات. (5) النقل عن مروج الذهب 6: 68.

حمة مطماطة:

أو كالتي يحسبها أهلها ... عذراء بكراً وهي في التاسع كنا نرفيها فقد مزقت ... واتسع الخرق على الراقع كالثوب إذ أنهج فيه البلى ... أعيا على ذي الحيلة الصانع فلم يستتم مروان قراءة هذا الكتاب حتى مثل أصحابه بين يديه ممن كان وكل بالطرق رسولاً من خراسان لأبي مسلم إلى إبراهيم بن محمد الإمام يخبره فيه خبره وما آل إليه، فلما تأمل مروان كتاب أبي مسلم قال للرسول: لا ترع كم دفع إليك صاحبك؟ قال: كذا وكذا، قال: فهذه عشرة آلاف درهم وإنما دفع إليك شيئاً يسيراً، فامض بهذا الكتاب إلى إبراهيم ولا تعلمه بشيء مما جرى وخذ جوابه فائتني به، ففعل الرسول ذلك، فتأمل مروان جواب إبراهيم إلى أبي مسلم بخطه يأمره فيه بالجد والاجتهاد والحيلة على عدوه وغير ذلك من أمره ونهيه، فاحتبس مروان الرسول قبله وكتب إلى الوليد بن معاوية بن عبد الملك وهو على دمشق يأمره أن يكتب إلى عامل البلقاء فيسير إلى القرية المعروفة بالكداد والحميمة فيأخذ إبراهيم بن محمد فيشده وثاقاً ويبعث به إليه في خيل كثيفة، فوجه الوليد إلى عامل البلقاء فأتى إبراهيم وهو جالس في مسجد القرية فأخذه وحمل إلى الوليد، فحمله الوليد إلى مروان فحبسه في السجن بحران، فجرى بينه وبين مروان خطب طويل، وأنكر إبراهيم الإمام كل ما ذكر له مروان من أمر أبي مسلم، فقال له مروان: يا منافق أليس هذا كتابك إلى أبي مسلم جواباً عن كتابه إليك، وأخرج له الرسول فقال: أتعرف هذا. فلما رأى ذلك أمسك وعلم أنه أتي من مأمنه. واشتد أمر أبي مسلم، وكان في الحبس مع إبراهيم جماعة من بني هاشم ومن الأمويين كان مروان يخاف أن يخالفوا عليه، فقيل إنه هجم عليهم في الحبس جماعة من موالي مروان من العجم وغيرهم فدخلوا البيت الذي كانوا فيه، فلما أصبح وجدوا قد أتوا عليهم، وكان منهم غلامان صغيران من خدمهم فوجدا كالموتى، قال المخبر: فلما رأونا أنسوا بنا (1) ، فسألناهما عن الخبر فقالا: أما الأمويون (2) فجعلت على وجوههم مخاد وقعدوا فوقها فاضطربوا ثم بردوا، وأما إبراهيم فأدخل رأسه في جراب نورة مسحوقة فاضطرب ساعة ثم خمد، وقيل هدم عليه بيتاً وقيل ألقى عليه قطيفة فقتله غماً وقيل سمه في لبن سقاه إياه. وفي الحميمة ولد المهدي، وولي ابنه الهادي سنة تسع وستين وستمائة. حمراء الأسد (3) : على ثمانية أميال من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة، وإليها انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني من يوم أحد لما بلغه أن قريشاً منصرفون إلى المدينة فأقام بحمراء الأسد يومين حتى علم أن قريشاً قد استمرت إلى مكة وقال: " والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها كانوا كأمس الذاهب ". الحمة (4) : قلعة حصينة شامخة بجزيرة صقلية، هي من أحسن البقاع، والبحر على ثلاثة أميال منها، ولها مرسى عليه حصن يعرف بالمدارج (5) والمراكب سائرة به راجعة عليه ويصاد به التن بالشباك، وسميت هذه القلعة بالحمة لأن فيها حمة حامية يخرج ماؤها من جرف قريب منها، يستحم الناس فيها، وماؤها رطب وبقربها أنهار وأودية عليها أرحاء وبها بساتين وجنات وأبنية ومتنزهات ومزارع طيبة. حمة مطماطة (6) : مدينة في جهة قصطيلية بمقربة من مدينة قابس ماؤها شروب وبها نخل كثير، وأهلها موصوفون بالنجدة والشهامة. وعليها كانت الوقيعة لمنصور الموحدين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب على الموارقة والأغزاز سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، لأن المنصور كان تحرك من مراكش إلى البلاد الإفريقية لما بلغه من سوء آثار العرب والموارقة فيها وتحيفهم لبلادها، فاتصل به وهو بتونس ما نال جماعة أصحابه بوطاء

_ (1) ص ع: فلما رأينا أناساً. (2) ص ع: الأميون؛ وحقه أن يقول: الأمويان: الأمويان، لأنه كان في السجين اثنان من بني أمية. (3) معجم ما استعجم 2: 468. (4) الإدريسي (م) : 24 (والترجمة: 39) وقد وضع أماري مقابلها: Begni Segestani. (5) يقول الأستاذ رتزيتانو إن المدارج تقع اليوم في المنطقة المسماة Castellmare del Lido وكذلك هي عند أماري (ص 39 من الترجمة الإيطالية) . (6) رحلة التجاني: 134 - 138، وأنظر البيان المغرب (تطوان) 162 - 165.

عمرة من الموارقة والأغزاز في هذه السنة، وكانت وقيعة شديدة على الموحدين أثخن فيهم الموارقة والأغزاز وهزموهم، فامتعض المنصور من ذلك واستبد برأيه، وتحرك من تونس في رجب هذه السنة واشتد على من تخلف عنه، وتمادى إلى القيروان فدخلها وتطوف على آثارها وصلى بجامعها وزار مقبرتها، ولما كان على فرسخين من الحمة هذه وجه خيلاً لمنازل الأعراب الذين مع الموارقة فشنوا الغارة هناك مع الصباح واكتسحوهم وساقوا أموالهم وقفلوا، وبلغ ذلك العرب فارفضت جموعهم وتضعضعت محلة الموارقة بسبب ذلك، ثم ناجز القوم وباشر الحرب بنفسه فاستؤصلت الموارقة في المعترك وأفلت قراقش وابن غانية واتبعهم السيف إلى الليل، ثم توجه إلى قابس فاستسلم أهلها وفتحوا له أبوابها، وأسلموا أصحاب قراقش وشيعته، وكان اتخذها حصناً وشحنها بشيعته وأصحابه، وامتنعت شيعته بقصر العروسين منها يومين، ثم نزلوا إليه من الأسوار راغبين في الأمان، فبعث بهم في البحر إلى تونس ووبخ أهل قابس على اتباع كل ناعق، ثم انحفز إلى توزر فأعلنوا له الطاعة. وفي ذلك يقول أبو بكر بن مجبر: أسائلكم لمن جيش لهام ... طلائعه الملائكة الكرام تجاذب خيله اليمن اغتباطاً ... بعصمته وتخطبه الشآم ويعطو المسجد الأقصى إليه ... ويشرف نحوه البيت الحرام ومنها: مضى متقلداً سيفي مضاء ... هما الإلهام والجيش اللهام فسل ما حل بالأعداء منه ... وكيف استؤصل الداء العقام لقد برزت إلى (1) هول المنايا ... وجوه كان يحجبها اللثام وما أغنت قسي الغز (2) عنها ... فليست تدفع القدر السهام كأن الحرب كانت ذات عقل ... صحيح لم يحل به سقام فأفنت كل من دمه حلال ... وأبقت كل من دمه حرام متى يك من ذوي الكفر اعتداء ... يكن من فرقة التقوى انتقام وقال هو أو الجراوي في ذلك أيضاً: رأى الشقاء ابن إسحاق أحق به ... من السعادة والمحدود محدود وكيف يحظى بدنيا أو بآخرة ... محلأ عن طريق الخير مطرود أعمى ونور الهدى باد له وكذا ... من لم يساعده توفيق وتسديد لم يصغ للوعظ لا قلباً ولا أذناً ... وكيف تصغي إلى الوعظ الجلاميد لجت ثمود وعاد في ضلالهم ... ولم يدع صالح نصحاً ولا هود والسيف أبلغ فيمن ليس يردعه ... عن الغواية إيعاد وتهديد أولى له لو تراخى ساعة لغدا ... وريده وهو بالخطي مورود أنحى الزمان على الأعداء (3) واجتهدت ... في قطع دابرهم أحداثه السود يوم جدير بتعظيم الأنام له ... فما يقاس به في حسنه عيد

_ (1) ع: هون. (2) ع ص: العز. (3) البيان المغرب: الأغزاز.

حصن المنار:

أضحت على فضله الأيام تحسده ... إن النبيه الرفيع القدر محسود وسميت المدينة بالحمة لأن بها حمة عظيمة مشهورة. حنين (1) : واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً، والأغلب عليه التذكير لأنه اسم ماء وربما أنث حملاً على البقعة، قيل سمي بحنين بن قاينة بن مهلائيل. وفيه كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوقيعة المذكورة في القرآن على هوازن في شوال سنة ثمان، وجال المسلمون جولة ثم هزم الله المشركين ونفل المسلمين أموالهم، وقصة حنين مشروحة في المغازي (2) . حصن المنار (3) : بالأندلس قريب من مدينة لكة (4) وهي منتهى الركن الثالث من أركان الأندلس التي هي حدودها، وهو على ضفة البحر المحيط من الغرب والجوف وتتصل به الكنيسة المعظمة عندهم المسماة عندهم بشنت ياقوب، وهذا الموضع أضيق ما بين البحرين في حدود الأندلس، وعرضه من البحر إلى البحر ثمانون ميلاً. حصن الكرس (5) : بالأندلس من عمل جيان كان الفنش نزل عليه مدة وفيه القائد أبو جعفر بن فرج فارس مشهور بالشجاعة، فرأى منه ضبطاً وصبراً وحسن دفاع، وكان عند الفنش مهندس من المسلمين المعاهدين بطليطلة فصنع له برجاً عظيماً من خشب ارتفع به على سور الحصن، فلما أكمل المهندس عمله بعث إلى ابن فرج في الباطن: إني صنعت هدا البرج اضطراراً لحفظ دمي وصون من ورائي من الأهل، فاحتل في إحراقه لئلا تكون ذنوب المسلمين في عنقي وعنقك إن تركته وأنت قادر عليه بأنواع الحيل، وقد طليته بدهان خفي يقبل النار بسرعة، فاعرف كيف تكون في الكتم والابقاء علي. فاختار ابن فرج من أنجاد الرجال جماعة ونهض بهم وبأيديهم القطران والكتان والنيران ودفع تحت الظلام بهم نحو البرج فأحرقه حتى صار رماداً ومات من كان فيه ومن حامى عنه ورجع سالماً، فاغتم الفنش وقال: هذا كان رجاؤنا في فتح الحصن وقد طالت عليه إقامتنا ولم يبق إلا أن نعلم قدر ما بقي فيه من الطعام والماء لنبني أمرنا على حقيقة في ذلك، فانتدب لهذا الشأن نصراني ماكر أشقر أزرق أنمش تقضي الفراسة بأنه جامع للشر، فأظهر أنه أسلم وأنه هرب من الوباء والغلاء الواقعين في معسكرهم، فقبله المسلمون وخالطهم حتى اطلع على أنه لم يبق عندهم غير زبيب يقتسمونه بالعدد وماء يتوزعونه بالقسط، فسار ونزل من السور ليلاً إلى أهل ملته فأعلمهم بحقيقة الأمر، فوجه الفنش إلى ابن الفرج: إنا قد اطلعنا على خبياتكم ولم يبق إلا أن تسلموا الحصن وتستريحوا من التعب المفضي إلى العطب، أو نصبر قليلاً حتى نظفر بكم رغماً فنقتل جميعكم، فاشترط ابن الفرج عليه أن يقيم لأهل الحصن سوقاً حتى يبيعوا ما لا يقدرون على حمله، وأن يدفع لهم دواب (6) يحملون عليها أسبابهم إلى جيان، فأوفى لهم بذلك. ولما خرج ابن فرج تعجب الفنش من طوله وعظم خلقته وأنكر عليه كونه سلم عليه بالإشارة ولم يقبل يده، وتكلم معه الترجمان في ذلك فقال: لو كنت أخدمه أكان يجوز أن أقبل يد خصمه؟ فذكر ذلك للفنش فقال: لا يجوز، وضحك الفنش وقال: مثل هذا ينبغي أن تكون الرجال، وأحسن إليه وأعطاه فرسه وسلاحه وقال: يعجبني أن يكون مثلك عند مثلي (7) ، قال: وشغل الله تعالى الفنش مدة طويلة بهذا الحصن عن بلاد الإسلام، وكان الناس يرون ذلك في صحيفة ابن فرج، وكان ذلك في سنة عشر وستمائة. حصن الكرك (8) : هو من أعظم حصون النصارى معترض في طريق الحجاز، وهو من القدس على مسافة يوم أو أقل، وأهله يقطعون على المسلمين الطريق في البر، وله نظر عظيم الاتساع متصل العمارة ينتهي إلى أربعمائة قرية، ونازله السلطان صلاح

_ (1) معجم ما استعجم 2: 472. (2) انظر مغازي الواقدي: 885 وما بعدها. (3) بروفنسال: 185، والترجمة: 223، ولم يستطع تحديد موقعه. (4) لابد أن يكون هنا تحريف، فإن لكه من كورة شذونة في الجنوب، وتحديد المنار أنه متصل بشنت ياقوب وهي في أقصى الشمال، إلا أن يكون ((لكة)) أسماً لموضع آخر. (5) ع: الكرسي؛ بروفنسال: 166، والترجمة: 200 (Alcaraz) على بعد 124 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من أبذة. (6) ص ع: دواباً. (7) ص ع: مثله. (8) ص ع: حصن الأكراد؛ وقد نقل المؤلف الكلام عن حصن الكرك عن ابن جبير: 287 - 288، أما حصن الأكراد فإنه غير هذا تماماً، وانظر تعريفاً مفصلاً به في ياقوت (الحصة والأعلاق الخطيرة (الجزء الخاص بلبنان والأردن وفلسطين) : 15.

حصن منصور:

الدين بعساكره وضيق عليه وطال حصاره له، ومع ذلك فالقوافل تمر من مصر إلى بلاد الإفرنج إلى دمشق غير منقطعة واختلاف المسلمين من دمشق إلى عكة كذلك وتجار النصارى أيضاً لا يمنع أحد منهم ولا يتعرض له، وللنصارى على المسلمين ضريبة يؤدونها في بلادهم، وهي من الأمن على غاية، وتجار النصارى أيضاً يؤدون في بلاد المسلمين على سلعتهم والاتفاق بينهم في ذلك والاعتدال في جميع الأحوال، وأهل الحرب مشتغلون بحربهم والناس في عافية والدنيا لمن غلب، هذه سيرة أهل هذه البلاد في بلادهم في حربهم وفي الفتنة الواقعة بين أمراء المسلمين وملوكهم كذلك. حصن الحمة (1) : بجزيرة صقلية، وهو بلد كبير فيه حمامات كثيرة قد فجرها الله سبحانه وتعالى ينابيع في الأرض وأسالها عناصر لا يكاد البدن يحتملها لإفراط حرها. حصن منصور (2) : مدينة في الثغور الجزرية قريبة من سميساط، وهي مدينة رومية عليها سور حجارة وبها مستقر الولاة، ونسب الحصن إلى منصور بن جعونة بن الحارث العامري تولى بناءها ومرمته (3) وكان يتولى الرها أول دولة بني العباس، فحصرهم المنصور وفتحها فهرب منصور ثم أمن فظهر، فلما بلغ عبد الله بن علي سار معه فولاه شرطته، فلما هرب عبد الله استتر منصور فدل عليه المنصور فقتله بالرقة منصرفه من بيت المقدس، وبنى الرشيد حصن منصور في خلافة المهدي وشحنه بالرجال. حصن ثوبة (4) : باليمن، ويقال إن فيه قبر هود النبي عليه الصلاة والسلام، وقال أبو الطفيل: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: رأيت كثيباً أحمر تخالطه مدرة حمراء وأراك وسدر كثير بناحية كذا من حضرموت هل رأيته؟ قلت: نعم والله إنك لتنعت نعت رجل رآه، قال: لا ولكن حدثت عنه وفيه قبر هود عليه الصلاة والسلام، وعند رأسه سدر أو سلم، وقيل بل قبره بمهرة. وكانت كندة (5) ارتدت بحضرموت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليه وفدهم مسلمين استعمل عليهم زياد بن لبيد الأنصاري فأقام معهم في ديارهم يأخذ صدقاتهم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات ارتدوا، وقاتلهم زياد وكايدهم حتى حكم عليهم وسنذكر ذلك بأبسط من هذا في ذكر النجير وهي فيما ذكر حضرموت أو حصن بها. وزعموا أن بحضرموت النسناس وأنه كمثل نصف الإنسان بيد واحدة ورجل واحدة يثب وثباً ويعدو عدواً شديداً وأنه يغتذي بجميع النبات ويصبر على العطش، ورووا خبراً عن شبيب بن شبة بن الحارث التميمي (6) قال: قدمت الشحر على رئيسها فتذاكرنا النسناس فقال: استعدوا فإنا خارجون في قنصهم، فلما خرجنا ألظ كلبان بواحد منها وله وجه كوجه الإنسان وشعرات في ذقنه (7) ورجلاه كرجلي الإنسان، فجعل يعدو وهو يقول: الويل لي مما به دهاني ... دهري من الهموم والأحزن ... قفا قليلاً أيها الكلبان ... إليكما حتى تجارياني ... لو في (8) شباب ما ملكتماني ... لكن قضاء الملك الرحمان ... يذل ذا العزة والسلطان ... فالتقيا به فأخذاه، فقال قائل من شجرة: سبحان الله ما أشد حمرة دمه، قالوا: نسناس خذوه، فأجاب آخر من شجرة فقال: كان يأكل السماق، فقالوا: خذوه، فأخذوه، وقالوا: لو سكت لم يعلم مكانه، فقال آخر: أنا صامت، فقالوا: نسناس خذوه، فقال آخر: يا إنسان (9) احفظ رأسك، قالوا:

_ (1) عن ابن جبير: 334، وقد نزله هذا الرحالة في طريقه من يلزم غلى طرابنش. (2) قارن بياقوت (حصن منصور) . (3) ص ع: وحرسه. (4) ص ع: مونة، وانظر الهمداني: 87 حيث ذكر أن ثوية قرية بسفلى حضر موت، وقبر هود منها في الكثيب الأحمر، في كهف مشرف في أسفل وادي الأحقاف. وانظر البكري (مخ) : 10. (5) أطنب الطبري في إيراد خبر الردة بحضر موت 1: 1999 وما بعدها. (6) ع: اليمني، والتصحيح عن ص والمسعودي، حيث أورد الخبر في مروج الذهب 4: 12. والبكري (مخ) : 24. (7) ص ع: ذنبه. (8) ص ع: لذي. (9) مروج الذهب: يا لسان.

الحضر:

خذوه، قال المسعودي (1) : ورأيت أهل الشحر وحضرموت يستظرفون أخبار النسناس ويتوهمون أنها ببعض البلاد، وهذا يدل على عدم كونه وأنه من هوس العامة كما وقع لهم خبر عنقاء مغرب. الحضر (2) : بالضاد المعجمة مسكنة، مدينة لطيفة بين دجلة والزاب من بلاد الموصل وهي على نهر الثرثار، وإياها عنى الشاعر بقوله (3) : وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور شاده مرمراً وجلله كل ... ساً فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور قال ابن إسحاق: كان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطرون ملك الحضر فحصره سنتين، فأشرفت بنت الساطرون يوماً فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ وكان جميلاً وسيماً، فدست إليه: أتتزوجني إن فتحت لك باب الحضر؟ قال: نعم. فلما أمسى الساطرون شرب حتى سكر، وكان لا يبيت إلا سكران، فأخذت مفاتيح الحضر من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب، فدخل سابور فقتل ساطرون واستباح الحضر وخربه وسار بها معه فتروجها، فبينا هي نائمة على فراشها ليلاً إذ جعلت تتململ لا تنام، فدعا لها بالشمع ففتش فراشها فوجد عليه ورقة آس فقال لها سابور: أهذا الذي أسهرك. قالت: نعم، قال: فما كان أبوك يصنع بك. قالت: كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقيني الخمر، قال: أفكان جزاء أبيك ما صنعت به. أنت بذلك إلي أسرع، ثم أمر بها فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم ركض الفرس حتى قتلها، وفي ذلك يقول أعشى قيس: ألم تر للحضر إذ أهله ... بنعمى وهل خالد من نعم أقام بها شاهبور الجنود ... حولين يضرب فيها القدم فلما دعا ربه دعوة ... أناب إليه فلم ينتقم هذه رواية ابن إسحاق، وأما غيره فقال: كان صاحب الحضر يسمى الضيزن بن معاوية، وكان من تنوخ من قضاعة، وكان ملك الحضر قبل الساطرون بن اسيطرون وهو ملك السريانيين، قال أبو دواد: وأرى الموت قد تدلى من ال ... حضر على رب أهله الساطرون ولقد كان آمناً للدواهي ... ذا ثراء وجوهر مكنون ويقال: إن الساطرون أبو نصر جد عمرو بن عدي بن نصر الذي كان ملوك الحيرة من ولده، وكان الضيزن قد ملك الجزيرة وما يليها إلى الشام، وأقام سابور على حصنه أربع سنين وقيل سنتين، قال الأعشى: أقام بها شاهبور الجنود ... حولين يضرب فيها القدم وكان أخرج ابنته النضيرة إلى بعض الرياض، وكذلك كانوا يفعلون بنسوانهم، وكانت من أجمل النساء، فعشقت سابور وتعشقها، فقالت له: اكتب بدم جارية بكر زرقاء في رجل حمامة ورقاء مطوقة كتابة ذكرتها وأرسلها فإنها تقع على حائط المدينة فيتداعى، وكان طلسم المدينة، وقيل: قالت له: ايت الثرثار، وهو نهر، فانثر عليه تبناً ثم اتبعه فانظر أين يدخل، فأدخل الرجال منه، فإن ذلك المكان يفضي إلى الحصن، ففتحها عنوة وأباد قضاعة فقال في ذلك بعض شعرائهم:

_ (1) مروج الذهب 4: 15. (2) في الروايات المتصلة بالحضر انظر الطبري 1: 828، ومروج الذهب 4: 81، ومعجم ما استعجم 2: 453، وياقوت (الحضر) ، وابن هشام 1: 71 والروض الانف، والبكري (مخ) : 52، والأغاني 2: 116. (3) هو عدي بن زيد العبادي.

الحساء:

ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت سراة بني العبيد ومقتل ضيزن وبني أبيه ... واحلاس الكتائب من تزيد أتاهم بالفيول مجللات ... وبالأبطال سابور الجنود فهدم من رواسي الحضر صخراً ... كأن ثقاله زبر الحديد فاحتمل النضيرة فأعرس بها بعين التمر فلم تزل ليلتها تتضور وفرشها الخز محشو بالقز، فالتمس سابور ما كان يؤذيها فإذا ورقة آس ملصقة بعكنة من عكنها وكان ينظر إلى مخها ولين بشرتها فقال لها: أي شيء كان يغذوك أبوك؟ فقالت: بالزبد والمخ وشهد فراخ النحل وصفو الخمر، فقال: وأبيك لأنا أحدث عهداً بك، فأمر رجلاً فركب فرساً جموحاً ثم عصب ذوائبها بذنبه ثم همز الفرس فقطعها قطعاً، قال الشاعر: أقفر الحضر من نضيرة فالمر ... باع منها فجانب الثرثار وسابور هذا هو الذي حاصر نصيبين ثم أخذها وكان فيها عدد كثير لقيصر، ثم دخل أرض الروم فافتتح من الشام مدائن ثم انصرف إلى مملكته، وفرق من كان معه من السبي في ثلاث مدن: في جندي سابور وسابور التي بفارس وتستر التي بالأهواز، وهو الثاني من ملوكهم. حفن (1) : من كور أنصنا من البلاد المصرية، منها مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم أم ولده إبراهيم التي أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية. وفي السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الله الله في أهل الذمة أهل المدرة السوداء السحم الجعاد فإن لهم نسباً وصهراً "، يعني أن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام هاجر منهم، وصهرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرى فيهم بمارية أم ولده إبراهيم. الحساء (2) : قيل الحساء موضع في ديار بني أسد، قال بشر بن أبي خازم: عفا منهن جزع عريتنات ... فصارة فالقوارع فالحساء والمشهور أن الحساء في طريق مؤتة، وهي المذكورة في شعر عبد الله بن رواحة، إذ قال يخاطب ناقته وهو متوجه إلى مؤتة: إذا أديتني وحملت رحلي ... مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك فانعمي وخلاك ذم ... ولا أرجع إلى أهلي ورائي ذكر القصة ابن إسحاق (3) . ومن أهل الحساء عثمان بن شطيبة العامري الحسائي، له: تسير وتسري ليلها ونهارها ... بغاد إلى أفق الجلالة رائح وهان عليها أو علي جميع ما ... ألاقي وتلقى إذ تلاقي ابن راجح حش كوكب: موضع في المدينة هو مذكور في حرف الكاف إن شاء الله تعالى. الحوراء (4) : مدينة في ساحل وادي القرى بها مسجد جامع وثماني آبار عذبة، وبها ثمار ونخل، وأهلها عرب من جهينة وبلي. الحوز (5) : بالزاي، محلة بواسط، قال أبو جعفر أحمد الحوزي: سمعت إبراهيم بن عثمان الكولي قال: دعي بنا إلى

_ (1) معجم ما استعجم 2: 458. (2) معجم ما استعجم 2: 446، وياقوت (الحساء) ، قال: والحساء مياه لبني فزارة بين الربذة ونخل. (3) السيرة 2: 376. (4) قد أوردها المؤلف في مادة ((الجوزاء)) وهماً، وانظر صبح الأعشى 3: 389. (5) قال ياقوت: قرية من شرقي مدينة واسط، ويقال لها: حوز برقة.

حوران:

غسل رجل من المسلمين فلما دخلت وكشفت عن وجهه إذا بحية في حلقه سوداء فخرجت، ثم قلت لها: أيها العبد المأمور، إن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في الموتى غسلهم فانصرف حتى نقيم فيه سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ونعود إلى ما أمرت به، فرأيت الحية قد انسابت من تحت الإزار حتى أتت إلى ناحية البيت فتطوقت، فأخذنا في أمر الرجل، فلما فرغنا منه وأدرجناه في أكفانه وأردنا أن نعقد عقدة الرأس انسابت الحية وأنا أراها حتى دخلت بين الكفن، فتطوقت في عنق الرجل كما كانت، ثم إني سمعت صوتاً مثل صوت الآدميين وهو يقول لي: يا إبراهيم بن عثمان: أجزعت مني؟ لست بحية، أنا ملك سلطني الله تعالى على هذا الرجل آكل لحمه كما كان يأكل لحوم الناس. حوران: جبل بالشام، قال النابغة: بكى حارث الجولان من فقد ربه ... وحوران منه موحش متضائل وقال حسان: إذا سلكت حوران من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك وحوران أيضاً من أعمال دمشق، ومدينتها بصرى، تسير في صحراء حوران عشرة فراسخ في منازل ومزارع حتى تصل إلى مدينة بصرى، وهي مدينة حوران، وفي شرقي هذه المدينة بحيرة فيها تجتمع مياه دمشق وتسير منها في صحراء ورمال مقدار خمسة عشر فرسخاً فتدخل دمشق. الحوأب: بزيادة همزة بين الواو والباء، ماء قريب من البصرة على طريق مكة، وهو الذي مرت به عائشة رضي الله عنها في توجهها إلى البصرة يوم الجمل، فلما انتهوا بها في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب نبحت كلابهم الركب، فقالت عائشة رضي الله عنها: ما اسم هذا الموضع؟ فقال السائق لجملها: هذا الحوأب، فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك وقالت: إني لهيه، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب "، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: " لعلك صاحبة الجمل الأذنب تنبحها كلاب الحوأب "، وقالت لهم: ردوني إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا حاجة لي في المسير، فقال الزبير رضي الله عنه: بالله ما هذا الحوأب، ولقد غلط فيما أخبرك به، وكان طلحة رضي الله عنه في ساقة الناس فلحقها وأقسما أن ذلك ليس بالحوأب، وشهد معهما خمسون ممن كان معهما، فكان ذلك أول شهادة زور أقيمت في الإسلام. وكتبت (1) أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما إذ عزمت على الخروج إلى الجمل: من أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أم المؤمنين، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإنك سدة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته، حجابك مضروب على حرمته، وقد جمع القرآن ذيولك فلا تسحبيها، وسكن عقائرك فلا تقدحيها (1) فالله من وراء هذه الأمة، لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك، أما ترين أنه قد نهاك عن الفراطة في الدين، فإن عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال ولا يرأب بهن إن انصدع، جهاد النساء غض الأطراف وضم الذيول. ما كنت قائلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو عارضك ببعض هذه الفلوات ناصة قعودك من منهل إلى منهل، وغداً تردين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقسم لو قيل لي يا أم سلمة ادخلي الجنة لاستحييت أن ألق رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتكة حجاباً ضربه علي. فاجعليه سترك وقاعة البيت حسبك (3) ، فإنك أنصح ما تكونين لهذه الأمة ما قعدت عن نصرتهم، ولو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنهشت نهش الحية الرقشاء المطرقة والسلام. فأجابتها عائشة رضي الله عنها: من عائشة أم المؤمنين إلى أم سلمة، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فما أقبلني لوعظك وأعرفني بحق نصيحتك، وما أنا بمعتمرة بعد تعريج، ولنعم المطلع مطلع فرقت فيه بين فئتين متشاجرتين، فإن أقعد فعن غير حرج، وإن أمض فإلى ما لا غنى لي عن الازدياد منه، والسلام. واستمرت عائشة رضي الله عنها على المشي إلى أن انتهت إلى

_ (1) انظر العقد 4: 316، وبلاغات النساء: 10 - 11، ويقال إن كلثوم بن عمرو العتابي هو الذي صنع هذه المكاتبة والرد عليها. (1) انظر العقد 4: 316، وبلاغات النساء: 10 - 11، ويقال إن كلثوم بن عمرو العتابي هو الذي صنع هذه المكاتبة والرد عليها. (3) العقد: وقاعة البيت حصنك.

الحيرة:

البصرة، فكانت وقعة الجمل بالخريبة بمقربة من البصرة قتل فيها نحو ثلاثة عشر ألفاً، وقتل الزبير وطلحة بن عبيد الله ومحمد بن طلحة المدعو بالسجاد رضي الله عنهم، وهو الذي قال فيه علي رضي الله عنه حين رآه قتيلاً: هذا رجل قتله بره بأبيه. ورمي هودج عائشة رضي الله عنها فجعلت تنادي: يا بني البقيا، يا بني البقيا، ويعلو صوتها، وكانت جهيرة، فأبوا إلا إقداماً، وماج الناس بعضهم في بعض، فصرخ صارخ: اعقروا الجمل، وقال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: أمسيت يوم الجمل وبي سبع وثمان جراحة من طعنة وضربة، وما رأيت مثل يوم الجمل قط ما ينهزم منا أحد وما نحن إلا كالجبل الأسود وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلا قتل. ونادى علي رضي الله عنه: اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا، فضربه رجل فسقط، فما سمعت صوتاً قط كان أشد من عجيج الجمل، وقطع على خطام الجمل سبعون يداً من بني ضبة كلما قطعت يد رجل قام آخر وقال: أنا الغلام الضبي، ورمي الهودج بالنشاب حتى صار كالقنفذ، وقصة يوم الجمل مطولة شهيرة فليقتصر من خبرها على هذا القدر ففيه مقنع. الحيرة: قال الهمداني (1) : سار تبع أبو كرب في غزوته فلما أتى موضع الحيرة خلف هنالك مالك بن فهم بن غنم بن دوس على أثقاله وخلف معه من ثقل من أصحابه في نحو اثني عشر ألفاً وقال: تحيروا هذا الموضع، فسمي الموضع الحيرة، فمالك أول ملوك الحيرة وأبوهم، وكانوا يملكون ما بين الحيرة والأنبار وهيت ونواحيها وعين التمر وأطراف البراري: الغمير والقطقطانة وخفية، وكان مكان الحيرة من أطيب البلاد وأرقه هواء وأخفه ماء وأعذاه (2) تربة وأصفاه جواً. وكانت (3) الحيرة على ثلاثة أميال من الكوفة، والحيرة على النجف، والنجف كان على ساحل البحر الملح، وكان في سالف الدهر يبلغ الحيرة. والحيرة (4) مدينة صغيرة جاهلية حسنة البناء طيبة الثرى، وكانت فيما سلف أكبر من نظرها بعد ذلك لأن أكثر أهلها انتقلوا إلى الكوفة. وبالحيرة (5) منازل بني بقيلة وغيرهم، وبها كانت منازل ملوك بني نصر ولخم وهم آل النعمان بن المنذر، وأول من نزل الحيرة عمرو بن عدي بن نصر واتخذها دار مملكته، وعامة أهل الحيرة نصارى فيهم من قبائل العرب على دين النصرانية من بني تميم آل عدي بن زيد العبادي الشاعر ومن سليم وطيء وغيرهم، والخورنق بالقرب منها مما يلي المشرق، وبينه وبين الحيرة ثلاثة أميال، والسدير في برية بالقرب منها. وقال قتادة (6) : ذكر لنا أن تبعاً كان رجلاً من حمير سار بالجنود حتى حير الحيرة ثم أتى سمرقند فهدمها. والحيرة أرض باردة في الشتاء وهي في الصيف مفرطة الحر حتى إنهم لينزعون ستور بيوتهم مخافة من إحراق السمائم لها ولا يشربون الماء إلا بالسكنجبين والجلاب لأن الماء لا يبلغ أعماق أبدانهم صرفاً. ولم يزل ملوك الحيرة من ذرية عمرو بن عدي بن نصر، وهم النصريون، إلى النعمان بن المنذر فهو آخر ملوكهم، وهو الذي قتله كسرى بزيد بن عدي بن زيد، وكان النعمان (7) لما أراد إتيان كسرى بعد هربه نزل ببني شيبان، فأودع سلاحه وعياله عند هانئ بن مسعود، فلما أتى كسرى على النعمان بعث إلى هانئ يطالبه بتركته فأبى أن يخفر الذمة، فكان ذلك السبب الذي هاج حرب ذي قار. وكانت (8) حرقة بنت النعمان إذا خرجت إلى بيعتها فرش لها طريقها بالحرير والديباج، فلما هلك النعمان نكبها الزمان، وقدم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه القادسية أميراً عليها، فهزم الفرس وقتل رستم، فأتته حرقة بنت النعمان في لمة من نسائها، وعليهن المسوح والمقطعات السود مترهبات، يطلبن صلته، فلما وقفن بين يديه قال: أيتكن حرقة؟ فقالت: ها أنا ذه قال: أنت حرقة؟ قالت: نعم، فما تكرارك لاستفهامي؟

_ (1) معجم ما استعجم 2: 479. (2) ص ع: وأعد له. (3) عن اليعقوبي: 309. (4) عن نزهة المشتاق: 120، وانظر الكرخي: 58، وابن حوقل: 215. (5) عود إلى النقل اليعقوبي؛ وانظر بعضه في ياقوت (الحيرة) . (6) البكري (مخ) : 65. (7) النقل عن المسعودي، مروج الذهب 3: 208، والبكري (مخ) : 65. (8) البكري (مخ) : 65، وقارن بما في المحاسن والأضداد: 114، وانظر مادة ((دير هند)) في معجم ياقوت والديارات ومسالك الأبصار.

إن الدنيا دار زوال لا تدوم على حال تنتقل بأهلها انتقالاً وتعقبهم بعد حالهم حالاً، كنا ملوك هذا المصر (1) يجبى إلينا خراجه ويطيعنا أهله، فلما أدبر الأمر، صاح بنا صائح الدهر، فصدع عصانا وشتت ملانا، وكذلك الدهر يا سعد ليس من قوم بحبرة إلا والدهر يعقبهم عبرة، ثم أنشأت تقول: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف فأكرمها سعد رضي الله عنه وأحسن جائزتها، فلما أرادت فراقه قالت: لا نزع الله تعالى من عبد صالح نعمة إلا جعلك سبباً لردها عليه. وروي أن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله دخل على حرقة ابنة النعمان بن المنذر بالحيرة في بيعتها، وهي في نسوة راهبات فقال لها: كيف رأيت غمرات الملك يا حرقة؟ قالت: هذا خير مما كنا فيه، إنا لنجد في الكتاب أنه ليس من بيت يمتلئ حبرة إلا امتلأ عبرة، وأن الدهر لم يأت قوماً بيوم يحبونه إلا اختبأ لهم يوماً يكرهونه، وإن على باب السلطان كأشباه الجزر من الفتن، وإن واحداً لم يصب منهم شيئاً إلا أصابوا من دينه مثله، قال: فقلت: فكيف صبرك؟ قال: فأقبلت علي بوجهها ثم قالت: يا سبحان الله، تسألني عن الصبر؟ ما ميز أحد بين صبر وجزع إلا أصاب بينهما التفاوت في حالتيهما: أما الصبر فحسن العلانية محمود العاقبة، وأما الجزع فغير معوض عوضاً مع مأثمه، ولو كانا رجلين في صورتهما (2) لكان الصبر أولاهما بالغلبة في حسن صورة وكرم طبيعة في عاجلة من الدنيا وآجلة من الثواب، وكفى ما وعد الله تعالى إذ ألهمناه. قال فقلت: إنا لم نزل نسمع أن الجزع للنساء فلا يجزعن رجل بعدك في مصيبة، فلقد كرم صبرك، فقالت: أما سمعت قول الشاعر: فاصبر على القدر المجلوب وارض به ... وإن أتاك بما لا تشتهي القدر فما صفا لامرئ عيش يسر به ... إلا سيتبع يوماً صفوه الكدر ولم يزل (3) عمران الحيرة يتناقص مذ بنيت الكوفة إلى أيام المعتضد، فإنه استولى عليها الخراب، وكان فيها ديارات كثيرة ورهبان لحقوا بغيرها من البلاد لاستيلاء الخراب عليها، وهم يزعمون أن سعدها سيعود بالعمران. ونزلها جماعة من خلفاء بني العباس لطيب هوائها وصفاء جوهرها وقرب الخورنق والنجف منها. وكانت مدة الحيرة من أول وقت عمارتها إلى أول خرابها عند بناء الكوفة خمسمائة سنة وبضعاً وثلاثين سنة. ولما أقبل خالد بن الوليد رضي الله عنه في سلطان أبي بكر رضي الله عنه بعد فتح اليمامة وقتل كذابها (4) يريد الحيرة تحصن منه أهلها في القصر الأبيض، وفيه كان إياس بن قبيصة، وقصر القادسية وقصر بني بقيلة وقصر بني مازن، وهذه قصور الحيرة، فنزل خالد بالنجف وبعث إليهم أن ابعثوا إلي رجلاً من عقلائكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن حسان بن بقيلة الغساني، وبقيلة هو الذي بنى القصر الأبيض، ودعي بقيلة لأنه خرج يوماً وعليه ثياب خضر فقال قومه: ما هذا إلا بقيلة، وعبد المسيح هذا هو الذي أتى سطيحاً فعبر رؤيا الموبذان وارتجاج الإيوان وما كان من ملوك بني ساسان (5) ، فأتى عبد المسيح خالداً وله يومئذ ثلثمائة سنة وخمسون سنة، فتجاهل عبد المسيح وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف به عنده، فقال له خالد (6) : من أين أقصى أثرك؟ قال: من صلب أبي، قال: فمن أين جئت؟ قال: من بطن أمي، قال: فعلام أنت ويحك؟ قال: على الأرض، قال: أتعقل؟ قال: أي والله وأقيد. قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال: اللهم اخزهم من أهل بلدة فما يزيدوننا إلا عمى، أسأله عن شيء فيجيبني عن غيره، قال: لا والله ما أجيبك إلا عن سؤالك، فسل عما بدا لك، قال: أعرب أنتم أم نبط، قال: نبط استعربنا وعرب استنبطنا، قال: فحرب أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما لهذه الحصون؟ قال: بنيناها للسفيه تمنعه

_ (1) ص ع: القصر. (2) ص ع: صورته. (3) عاد إلى النقل عن مروج الذهب والبكري. (4) ص ع: وقيل كلاهما؛ والإشارة إلى قتل مسيلمة. (5) انظر خبر وفود عبد المسيح على سطيح في العقد 2: 28. (6) تجد هذا الحديث بين خالد وعبد المسيح في البكري (مخ) : 39 وجانباً منه في الطبري 1: 2040 برواية أخرى.

حتى يأتي الحليم فينهاه، قال.: كم سنة أتت عليك؟ قال: خمسون وثلثمائة، قال فما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا النجف بمتاع الهند والصين، وأمواج البحر تضرب ما تحت قدمك، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تأخذ مكتلها فتضعه على رأسها لا تزود إلا رغيفاً فلا تزال في قرى عامرة وعمائر متصلة وأشجار مثمرة ومياه عذبة حتى ترد الشام، وتراها اليوم قد أصبحت يباباً، وكذلك دأب الله تعالى في العباد والبلاد. فوجم خالد لما سمعه وعرف من هو، وكان مشهوراً في العرب بصحة العقل وطول العمر، قال: ومعه سم ساعة يقلبه في يده، فقال له خالد: يا هذا ما معك؟ قال: سم ساعة، فإن يكن عندك ما يسرني ويوافق أهل بلدي قبلته وحمدت الله تعالى عليه، وإن تكن الأخرى لم أكن أول من ساق إلى أهل بلده ذلاً فآكل السم فأستريح، قال له خالد: هاته، فأخذه ووضعه في راحته ثم قال: بسم الله وبالله رب الأرض والسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، ثم استرطه فجللته غشية ثم سري عنه وأفاق كأنما أنشط من عقال، فانصرف العبادي إلى قومه فأخبرهم. بما رأى وقال: يا قوم صالحوهم فإن القوم مصنوع لهم وأمرهم مقبل وأمر بني ساسان مدبر، وسيكون لهذه الأمة شأن ثم يحدث فيها هنات وهنات، فصالحوه، وقال عبد المسيح: أبعد المنذرين أرى سواماً ... تروح بالخورنق والسدير وصرنا بعد هلك أبي قبيس ... كمثل الشاء في اليوم المطير تقسمنا القبائل من معد ... علانية كأيسار الجزور نؤدي الخرج مثل خراج كسرى ... وخرج بني قريظة والنضير كذاك الدهر دولته سجال ... فيوم من مساءة أو سرور ولما فسر سطيح وشق الكاهنان لربيعة بن نصر ملك اليمن رؤياه التي دلت على خراب سد مأرب وتفرق الأزد في البلاد، جهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم، وكتب لهم إلى سابور بن خرزاد ملك فارس فأسكنهم الحيرة، فمن بقية ولد ربيعة بن نصر النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر. قال أبو بكر بن عياش: كنت وسفيان الثوري وشريك النخعي نتماشى فيما بين الحيرة والكوفة فرأينا شيخاً أبيض الرأس واللحية حسن السمت والهيئة، فقلنا شيخ جليل قد سمع الحديث وأدرك الناس فملنا نحوه، فقال له سفيان، وكان أطلبنا للحديث: يا هذا، أعندك شيء من الحديث؟ فقال: أما حديث فلا ولكن عتيق سنين، فنظرنا فإذا هو خمار. وحكى أبو الفرج الأصبهاني (1) أن سليمان بن بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان قال: كان بعض ولاة الكوفة يذم الحيرة في أيام بني أمية، فقال له رجل من أهلها وكان عاقلاً ظريفاً: أتعيب بلدة يضرب بها المثل في الجاهلية والإسلام قال: وبماذا (2) تمتدح؟ قال: بصحة هوائها وطيب مائها ونزهة ظاهرها، تصلح للخف والظلف، سهل وجبل، وبادية وبستان، وبحر وبر، محل الملوك ومرادهم ومسكنهم ومثواهم، وقد قدمتها أصلحك الله، مخفاً فأصبحت مثقلاً، ووردتها مقلاً فأصارتك مكثراً، قال: فكيف يعرف ما وصفتها به من الفضل؟ قال: تصير إليها ثم ادع بما شئت من لذات العيش، والله لا أجوز بك الحيرة قال: فاصنع لي صنيعاً واخرج من قولك، قال: أفعل، فصنع لهم طعاماً فأطعمهم من خبزها وسمكها وما صيد من وحشها من ظباء ونعام وأرانب وحبارى، وسقاهم ماءها في قلالها وخمرها في آنيتها، وأجلسهم على رقمها، وكان يتخذ بها من الفرش أشياء ظريفة ثم لم يستخدم لهم حراً ولا عبداً إلا من مولديها ومولداتها من خدم ووصائف كأنهم اللؤلؤ، لغتهم لغة أهلها، ثم أقعد معهم حنيناً فغناهم هو وأصحابه في شعر عدي بن زيد شاعرهم وأعشى همدان لم يتجاوزهما، وحياهم برياحينها ونقلهم على خمرها وقد شربوا بفواكهها ثم قال له: هل رأيتني استعنت على شيء مما رأيت وأكلت وشربت وافترشت وشممت بغير ما في الحيرة؟ قال: لا والله ولقد أحسنت صفة بلدك وأحسنت نصرته والخروج مما تضمنته، فبارك الله لكم في بلدكم. وحيرة أيضاً قرية من قرى نيسابور.

_ (1) الأغاني 2: 310. (2) ص ع: وبما.

خانفو:

حرف الخاء خانقين (1) : هي من أعمال الجبل بقرب شهرزور، سمي الموضع بذلك لأن النعمان حبس به علي بن زيد وخنقه فيه حتى مات، وهناك حبس النعمان حتى مات، والناس يظنون أنه مات بساباط لقول الأعشى: فذاك بما أنجى من الموت ربه ... بساباط حتى مات وهو محرزق قالوا: ووجه الحجاج إلى مطير بن عمار بن ياسر عبد الرحمن بن مسلم الكلبي، فلما كان بحلوان أتبعه الحجاج مدداً وعجل عليه بالكتاب مع بخيت الغلط، وإنما قيل له ذلك لكثرة غلطه، فمر بخيت بالمدد وهم يعرضون بخانقين، فلما قدم على عبد الرحمن قال له: أين تركت مددنا؟ قال: تركتهم يخنقون بعارضين، قال: أو يعرضون بخانقين؟ قال: نعم، اللهم لا، بخانوق باركين. ولما ذهب يجلس ضرط وكان عبد الرحمن أراد أن يقول له ألا تتغدى، فقال له: ألا تضرط، قال: قد فعلت أصلحك الله، قال: ما هذا أردت، قال: صدقت ولكن الأمير غلط كما غلطنا. وبخانقين نهر كبير قد بنيت عليه قنطرة عظيمة طبقاً بالجص والآجر (2) . ومن خانقين إلى قصر شيرين ستة فراسخ. وبخانقين كان التقاء سفيان بن أبي العالية مع شبيب الخارجي فهزمه شبيب في سنة ست وسبعين. خانك (3) : هي مدينة على يسار خراسان، يقولون إنهم من الترك التغزغز. خانفو (4) : مدينة عظيمة في الصين على نهر عظيم أكبر من الدجلة أو نحوها يصب إلى بحر الصين، وبين هذه المدينة وبين البحر مسيرة ستة أيام أو سبعة، تدخل هذا النهر سفن البحر الواردة من بلاد البصرة وسيراف وعمان ومدن الهند وجزائره بالأمتعة والجهاز، وبهذه المدينة خلائق من المسلمين والنصارى واليهود والمجوس، وغيرهم من أهل الصين، وكان نزل بهذه المدينة في سنة أربع وستين ومائتين ثائر ثار على ملك الصين من غير بيت الملك تبعه أهل الدعارة والفساد، وكثر جنده فقصد هذه المدينة فحاصرها وأتته جيوش الملك فهزمها واستباح الحريم، وافتتح هذه المدينة عنوة وقتل من أهلها خلقاً لا يحصون كثرة، وأحصي من المسلمين واليهود والنصارى ممن قتل وغرق مائة ألف، وإنما أحصي ما ذكرناه من العدد لأن ملوك الصين تحصي من في مملكتها من رعيتها وممن جاورها من الأمم وصار ذمة لها في دواوين لها، وكتاب قد وكلوا بإحصاء ذلك لما يراعون من حياطة من شمله ملكهم، وقطع هذا الثائر ما كان حول مدينة خانفو من غابات التوت إذ كان يحتفظ به لما يكون من ورقه من طعم لدود القز الذي ينتج منه الحرير.

_ (1) معجم ما استعجم 2: 484. (2) ابن رسته: 164: قد بنيت عليه قنطرة عظيمة بجص وآجر وطيقان. (3) ع: خافك، ولم أجد هذه المادة في المصادر. (4) مروج الذهب 1: 302 - 304 (خانقو) وانظر معلومات أخرى عنها في أخبار الصين: 7، 15، والبكري (مخ) : 46، ويرجع بعضهم أن تكون هي (كنتون) .

خانجو:

ومدينة (1) خانقو هي المرقى الأعظم من مراقي الصين، وهي على جون يصعد فيه إلى كثير من بلاد البغبوغ وهو ملك الصين بأسرها لا ملك فوقه بل كل ملوك ذلك المكان تحت طاعته، والذكر له، ويقال إن بالصين ثلثمائة مدينة كلها عامرة وفيها عدة ملوك كلهم تحت طاعة البغبوغ، ويقال له ملك الملوك، وهو حسن السيرة عادل في رعيته، رفيع في همته، قاهر في سلطانه، مصيب في آرائه، حازم في اجتهاده، لطيف في حكته، وهاب في عطائه، ناظر في الأمور القريبة والبعيدة، بصير بالعواقب، وله في قصره مجلس قد أتقن بنيانه وأحكم سمكه وأبدعت مجالسه (2) ، له فيه كرسي ذهب يجلس عليه ووزراءه حوله، وعلى أعلى رأسه جرس معلق تمتد منه سلسلة ذهب إلى خارج القصر ويتصل طرف السلسلة إلى أسفل القصر، فإذا جاء المظلوم بكتاب مظلمته اجتذب طرف السلسلة فتحرك الجرس فيخرج وزير الملك يده من الطاق كأنه يقول للمظلوم اصعد، فيصعد المظلوم إلى المجلس على درج مختص بصعود المظلومين عليه حتى يقف بين يدي الملك فيسجد المظلوم ثم يقف، فيمد الملك يده إلى المظلوم ويأخذ الكتاب فينظر فيه ثم يدفعه إلى وزرائه، ويحكم له بما يوجب له الحكم وبما يقتضيه مذهبه وشرعه (3) من غير تسويف ولا تطويل ولا وساطة وزير ولا حاجب، ومع ذلك فإنه مجتهد في دينه مقيم لشريعته ديان محافظ كثير الصدقة على الضعفاء، ودينه عبادة البدود، وأهل الهند والصين كلهم لا ينكرون الخالق ويثبتونه بحكمته وصنعته الأزلية، ولا يقولون بالرسل ولا الكتب، وفي كل حال لا يفارقون العدل والإنصاف. وبخانقو ملك مهيب له مملكة شامخة وفيلة كثيرة وأجناده يأكلون الأرز والنارجيل والألبان وقصب السكر. ومدينة خانقو مرفأ الصين وهي على نهر عذب يخترقها قد عقد عليه الجسور وعلى أحد جانبيه أسواق العرب والفرس، ومن الجانب الآخر أسواق أهل المدينة، ولهم رواء وأمانة وصدق لهجة، وبها ضياع وقوم يتخذون الغضارات الصينية والحرير الصيني وإذا جن الليل قرع الطبل في الجانبين وانصرف كلا الفريقين إلى مواضعهم فمن وجد بعد ذلك في سوق أدب وغرم. خانجو (4) : مدينة بينها وبين خانفو ثمانية أيام (5) وفيها عامة ما في خانفو. الخابور: نهر يمر بديار ربيعة حتى يصب في الفرات بعد مره على وسط مدينة قرقيسيا، ويسمى الهرماس (6) وهو المذكور في قول عدي بن زيد: وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور والخابور مدينة لطيفة على شاطئ الفرات لها بساتين وحدائق، وبها مات مسلمة بن عبد الملك، وكان يلقب بالجرادة الصفراء. الخانوقة: هي المدينة التي بنتها الزباء صاحبة قصير على الفرات من أرض الجزيرة وأنفقت فيها النفق تحت الفرات إلى الصحراء بالجانب الآخر، وهي مدينة (7) صغيرة آهلة عامرة ولها سوق وتجارات. خارمي: في بلاد الروم، قال المسعودي (8) : الرقيم بالهوتة وهي خارمي بين عمورية ونيقية من بلاد الروم، وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط هذا الفصل في حرف الراء عند ذكر الرقيم. خارك (9) : وفي البحر على طريق البصرة جزائر على مسيرة يوم ويومين وثلاثة، وفيها آثار وبناء وخرابات، يرفأ فيها أصحاب السفن إذا هاجت الرياح، وفي تلك الجزائر صيد كثير، منها جزيرة خارك وهي على أربعة فراسخ من جنابا في البحر، وليس فيها من البناء إلا صومعة راهب، وبها جزر غليظ يقطع بالقدوم لغلظه.

_ (1) من هنا عن نزهة المشتاق: 30 (OG: 84) وأضاف المعلومات الواردة عن البغبوغ، الورقة: 38، وانظر ابن خرداذبة: 69، وابن الوردي: 34؛ وابتداء من هذا الموضع ترد في ع بالقاف (خانقو) . (2) نزهة المشتاق: محاسنه. (3) ص ع: من شرعه. (4) نزهة المشتاق: 30، وابن خرداذبة: 69، وابن الوردي: 34. (5) ثمانية أيام: وقعت في ص ع في آخر الجملة. (6) الهرماس: أحد روافد الخابور. (7) نزهة المشتاق: 198، وقال ياقوت: مدينة على الفرات قرب الرقة. (8) التنبيه والإشراف: 134، ووردت (حارمي) - بالحاء المهملة في المروج 2: 307. (9) لم يفصل المؤلف بين هذه المادة والتي قبلها؛ ويظهر أنه اضطرب في إدراج هذه المادة هنا لأنه سيتحدث عن ((خارك)) بتفصيل بعد مادتين هما ((خاخ)) و ((خازر)) .

خارك:

خاخ (1) : موضع قريب من المدينة وهو الذي ينسب إليه روضة خاخ، ونفى النبي صلى الله عليه وسلم إلى خاخ هيت المخنث فبقي فيه إلى أيام عثمان رضي الله عنه لخبره المشهور مع عبد الله بن أبي أمية إذ قال له: إذا فتح الله عليكم الطائف فاطلب فلانة فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، الخبر بطوله. وقال علي رضي الله عنه: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير بن العوام رضي الله عنهما وكلنا فارس، قال: فانطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، قال: فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا لها: الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فانخناها والتمسناها فلم نر كتاباً، قلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته، فانطلقنا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله قد خان الله ورسوله فدعني فلأضرب عنقه، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله، أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا من له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال: صدق، ولا تقولوا له إلا خيراً، فقال عمر رضي الله عنه: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه، فقال صلى الله عليه وسلم: أليس من أهل بدر، لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو قد غفرت لكم، فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. وهذه المرأة هي سارة مولاة عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف. خازر (2) : نهر بناحية الموصل معروف، عليه التقى إبراهيم بن مالك الأشتر وعبيد الله بن زياد فقتله إبراهيم. وقال الأخفش: خازر هو خازر المدائن، وجازر بالجيم هو نهر الموصل. خارك (3) : جزيرة على أربعة فراسخ من جنابا في البحر، وهي على طريق البصرة، وخارك اسم جزيرة في بلاد البحرين بينها وبين جزيرة أوال مائتا ميل وأربعون ميلاً، وهي ثلاثة أميال في ثلاثة أميال وبها زروع وأرز كثير وكروم ونخل، وهي جزيرة حسنة كثيرة الأعشاب حصينة وبها عيون ماء كثيرة مياهها عذبة، وهي تمر في وسط البلد تطحن عليها الأرحاء، ومنها عين كبيرة قوراء مستديرة الفم في عرض ستين شبراً، والماء يخرج منها وعمقها يزيد على خمسين قامة، وعامة أهل تلك البلاد يزعمون أنها متصلة بالبحر وهو غلط، لأن ماء هذه العين عذب وماء البحر زعاق. وفي هذه الجزيرة أمير قائم بنفسه عادل حسن السيرة، وإذا مات فإنما يلي مكانه من يكون مثله في العدل والقيام بالحق، وفي هذه الجزيرة مغاص اللؤلؤ وهو يعرف بالخاركي، ويسكن في هذه الجزيرة رؤساء الغواصين في البحر، ويقصدها التجار من جميع الأقطار بالأموال الكثيرة، ويقيمون بها الأشهر الكثيرة حتى يكون وقت الغوص فيكترون الغواصين بأسوام معلومة تتفاضل على قدر تفاضل الغوص والأمانة وزمان الغوص شهر أغشت وشتنبر، فإذا كان أول ذلك وصفا الماء للغوص واكترى كل واحد من التجار صاحبه من الغواصين خرجوا من المدينة في أزيد من مائتي زورق (4) ، ويقطعه التجار أقساماً، في كل زورق خمسة أقسام وستة، وكل تاجر لا يتعدى قسمه من المراكب، وكل غواص له صاحب يتعاون به في عمله، وأجرته على خدمته أقل من أجرة الغطاس. ويخرج الغواصون من هذه المدينة وهم جملة في وقت خروجهم ومعهم دليل ماهر، ولهم مواضع يعرفونها بأعيانها بوجودهم صدف اللؤلؤ فيها لأن للصدف مراع (5) يجول فيها وينتقل إليها ويخرج عنها في وقت آخر إلى أمكنة أخر معلومة بأعيانها، فإذا خرج الغواصون تقدمهم الدليل وخلفه الغواصون في مراكبهم صفوفاً، فكلما مر الدليل بموضع من تلك المواضع التي يصاد فيها صدف اللؤلؤ تنحى عن ثيابه وغطس في البحر ونظر، فإن وجد ما يرضيه خرج وأمر بحط قلعه وأرسى زورقه وحطت جميع المراكب حوله وأرست وانتدب كل غواص إلى غوصه. وهذه المواضع يكون عمق الماء فيها من ثلاث قيم إلى قامتين فدونها، وإذا تجرد الغواص عن ثيابه وبقي في ما يستر عورته ووضع في أنفه المنخل (6) وهو

_ (1) (2) معجم ما استعجم 2: 484، وقارن بياقوت (خازر) . (3) نزهة المشتاق: 121. (4) نزهة المشتاق: مائتي دونج، والدونج أكبر من الزورق. (5) كذا في ص ع ونزهة المشتاق. (6) نزهة المشتاق: الخلنجل.

الخالصة:

شمع مذاب بدهن السيرج يسد به أنفه ويأخذ مع نفسه سكيناً ومشنة يجمع فيها ما يجده هنالك من الصدف. ومع كل غواص منهم حجر وزنه ربع قنطار أو نحوه مربوط بحبل رقيق وثيق، فيدليه في الماء مع جنب الزورق ويمسك الحبل صاحبه بيديه، ثم يرسل الحبل من يده دفعة واحدة فينزل الحجر دفعة حتى يصل قعر البحر، والغائص عليه أن يمسك الحبل بيديه، فإذا استقر في قعر البحر جلس وفتح عينيه في الماء ونظر إلى ما أمامه وجمع ما هنالك من الصدف في عجل وكد، فإن امتلأت مشنته كان وإلا تدرج إلى ما قاربه والحجر لا يفارقه ولا يترك يده من الحبل، فإن أدركه الغم صعد مع الحبل إلى وجه الماء واسترد نفسه حتى يستريح، فيرجع إلى غرضه وطلبه، فإذا امتلأت مشنته اجتذبها صاحبه من أعلى الزورق وفرغ المشنة مما فيها من الصدف في قسمه من المركب وأعادها إلى البحر وإلى الغواص إن كان الصدف هنالك كثيراً، وعلى قدر الوجود له يكون طلبه، فإذا أتم الغواص في البحر مقدار ساعتين صعد، فإذا لبسوا ثيابهم وتدثروا وناموا انتدب صاحب الغواص فشق ما معه من الصدف والتاجر ينظر إليه حتى يأتي على آخره فيأخذه التاجر منه ويضمه إليه بعدد مكتوب، فإذا كان عند العصر انتدبوا إلى طعامهم يصنعونه وتعشوا وناموا ليلتهم إلى الصباح ثم يقومون وينظرون في أغذية يأكلونها إلى أن يجيء وقت الغوص فيتجردون ويغوصون، هكذا كل يوم، ومتى فرغوا من مكان أفنوا صدفه انتقلوا عنه ولا يزالون بهذه الحال إلى آخر أغشت ثم ينصرفون إلى جزيرة أوال في الجمع الذي خرجوا فيه وما معهم من الجوهر في صررهم، وعلى كل صرة منها مكتوب اسم صاحبها، وهي مطبوعة بطابع، فإذا نزلوا أخذت تلك الصرر من التجار وصارت في قبض الوالي وتحت يده، فإذا كان في يوم البيع اجتمع التجار في موضع البيع وأخذ كل واحد مكانه، وأحضرت الصرر ودعا باسم كل واحد من أصحابها وفضت خواتمها واحدة واحدة، وصب ما في الصرة من لؤلؤ في غربال موضوع تحت غربال وتحته آخر إلى ثلاثة غرابيل، وتلك الغرابيل لها أعين ومقادير ينزل منها الدقيق والمتوسط ويمسك كل نوع منها في غربال، فلا يبقى على وجه الغربال الأعلى إلا ما غلظ من الجوهر، ولا يبقى على وجه الغربال الثاني إلا اللؤلؤ المتوسط، ويستقر على الغربال الآخر اللؤلؤ الدقيق ثم يعزل كل صنف منها وينادى عليه بسوامه ومستحق أثمانه، فإن أحب التاجر سلعته كتبت عليه وإن شاء بيعها من غيره باعها وقبض ماله. والتاجر إذا اشترى متاعه إنما عليه أن يؤدي اللوازم التي وجبت عليه، وينتصف التجار من الغواصين والغواصون من التجار، وينتصف كل واحد من كل واحد، وينصرف الناس ثم يعودون إلى هنالك من العام المقبل، هكذا أبداً وما وجد من الجوهر العالي النفيس أمسكه الوالي وكتبه على نفسه باسم أمير المؤمنين، والعدل لا يفارقهم في البيع والشراء حتى لا يضام منهم أحد ولا يشكو ظلماً. والجوهر يتكون حبه خلقاً في هذا الصدف على ما يقولونه من ماء مطر نيسان وإن لم يكن مطر نيسان لم يجد الغواصون منه شيئاً في سنتهم تلك، وهذا عندهم مشهور صحيح متفق عليه. والغوص في بلاد فارس صنعة تتعلم وتنفق عليها الأموال في تعلمها، وذلك أنهم يتدربون في رد أنفاسهم، حتى إن الرجل منهم تتألم أذناه وتسيل منها المادة ثم يتعالجون عند ذلك فيبرأون. وأعلاهم أجرة أصبرهم تحت الماء، وكل واحد يميز صاحبه ولا يتعدى طوره ولا ينكر فضل من تقدمه وفاقه في المعركة والصبر. وفي البحر الفارسي جميع مغايص اللؤلؤ وأمكنته، ولكن مغايص بحر فارس أكثر نفعاً وأمكن وجوداً للطلب من سائر البحر. قالوا (1) : ومغاص اللؤلؤ في بلاد خارك وقطر وعمان وسرنديب ولا يوجد اللؤلؤ في غير ذلك، والغاصة لا يتناولون شيئاً من اللحمان إلا السمك، ولا بد من شق أصول آذانهم لخروج النفس لأنهم يجعلون على أنوفهم الذبل، وهو ظهور السلاحف، ويجعلون في آذانهم قطناً فيه دهن فيغوصون من ذلك الدهن اليسير في قعر البحر فيضيء ضياء كثيراً، ويطلون سوقهم وأيديهم بالسواد خوفاً من بلع دواب البحر لهم فينفره السواد، ويتصايحون صياح الكلاب في قعر البحر لينفروها أيضاً وربما خرق الصوت البحر فسمع، والغوص إنما يكون من أول نيسان إلى آخر أيلول. الخالصة (2) : هي كانت دار الإمارة بصقلية مدة المسلمين فيها، ولما تغلب العدو على بعض مدنها ونشأت الفتنة بها واتفق الناس بها على تقديم الحسين بن يوسف فافتتح قلعتين كانتا في

_ (1) البكري (مخ) : 34. (2) انظر ابن حوقل: 114.

خبت:

يدي الروم في يومين متواليين وذلك في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، ثم افتتح مدينتي الإمارة: الخالصة والطاهرية (1) في يومين متواليين أيضاً، وقتل جميع من كان فيها من الروم وهدم الطاهرية يوم الخميس من العام ثم هدم الخالصة ضحى يوم الجمعة من الغد، وفي ذلك يقول صاحب (2) صقلية حينئذ علي بن الخياط الربعي من قصيدة: فتحنا به الحصنين بالسيف عنوة ... وعاد المصلي حيث كان المصلب خبت (3) : بلد دون الجزيرة، وقيل هو ماء لكندة، وقال امرؤ القيس (4) : يا دار ماوية بالحائل ... فالسهب فالخبتين من عاقل وفي شعر حبيب: سلام الله عدة رمل خبت ... الخريبة (5) : من أعمال البصرة، سميت بذلك لأن المرزبان كان ابتناها قصراً خرب بعده فابتناه المسلمون بعد ذلك وسموه الخريبة. وبالخريبة كانت وقعة الجمل لعشر خلون من جمادى سنة ست وثلاثين، وقد مضى من خبر هذه الوقيعة طرف كاف عند ذكر الحوأب. خرخير (6) : هو اسم ناحية تجاور الصين، وهي كثيرة الخصب والمساكن، مياههم كثيرة وأنهارهم جارية تجري إليهم من ناحية تخوم الصين، ولهم على نهرهم الأعظم أرحاء يطحنون بها الأرز والحنطة وسائر الحبوب كذلك، يطحنونها ويخبزونها ويأكلونها وقد يأكلونها طبيخاً دون طحن فيتقولون بذلك. وهذا الوادي ينبت على حافاته شجر العود، وفيه سمك يسمى الشطرون يفعل في الجماع ما يفعله السقنقور الذي يوجد في نيل مصر. والمدينة (7) التي يسنكها ملك خرخير مدينة حصينة لها سور منيع وخندق وفصيل كبير، وبقربها جزيرة الياقوت يحيط بها جبل مستدير صعب الصعود لا يقدر أحد على الوصول إليه إلا بعد جهد، ولا يقدر أحد على النزول إلى الجزيرة وبها حيات قتالة، وبأرضها حصى الياقوت كثير، وأهل تلك الناحية يتصيدون هذه اليواقيت بحيل يعرفونها. ومدن الخرخيرية كلها مجتمعة في موضع واحد من الأرض في، نحو ثلاث مراحل، وهي أربع مدن كبار، ولها أسوار منيعة، وأهلها أهل عدة وقوة وحمية. وتنتج في بلاد الخرخير الخيل والغنم والبقر، وخيلهم قصار الرقاب سمان، وهم يعلفونها للأكل والذبح، وأكثر تصرفهم وانتقالهم على البقر. ونساء الخرخير يتصرفن في جميع الأشغال، وليس للرجال تصرف في أكثر من الحرث والحصاد، والنساء يحجبن أطراف ثديهن لئلا تعظم وفيهن نزالة وشدة مثل الرجال، وهم يحرقون موتاهم ويلقون رمادهم في النهر ومن بعد منهم عن النهر أحرق ميته وذرى رماده في الريح. خراسان: قطر معروف، قال الجرجاني: معنى خر: كل، وسان معناه سهل، أي كل بلا تعب، وقال غيره: معنى خراسان بالفارسية مطلع الشمس. وهو عمل كبير وإقليم جليل معتبر، وفي شعر الحكيم الذي ذكر أقطار الأرض وحكم لها قوله: " والدنيا خراسان "؟ والعرب إذا ذكرت المشرق كله قالوا: فارس، فخراسان من فارس، وعلى هذا يؤول حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " لو كان الإيمان معلقاً بالثريا لنالته رجال من فارس " أنه عنى أهل خراسان، لأنك إن طلبت مصداق هذا الحديث في فارس لم تجده لا أولاً ولا آخراً وتجد هذه الصفة نفسها في خراسان، دخلوا في الإسلام رغبة، ومنهم العلماء والمحدثون والنساك والمتعبدون، وإذا حصلت المحدثين في كل بلد وجدت نصفهم من أهل خراسان ومنهم، البرامكة والقحاطبة وطاهر وبنوه وغيرهم. وأما أهل فارس فإنهم كانوا كنار خمدت لم تبق لهم بقية تذكر إلا ابن المقفع وابنا سهل: الفضل وحسن.

_ (1) ص: والظاهرية. (2) الصواب: شاعر صاحب صقلية، وعن الربعي هذا دراسة في كتابي ((العرب في صقلية)) (دار المعارف 1959) . (3) معجم ما استعجم 2: 486. (4) ديوانه: 119. (5) معجم ما استعجم 2: 495، وقارن بابن الوردي: 55. (6) نزهة المشتاق: 154، وابن الوردي: 55. (7) النقل مستمر عن نزهة المشتاق.

خرم:

وخراسان (1) تشتمل على كور عظام وأعمال جسام، وكانت خراسان تسمى في القديم بلد أشرنيه سميت بأشورين بن سام بن نوح وهو أول من اعتمر الصقع بعد الطوفان، وحدها الذي يحيط بها من شرقيها سجستان وبلد الهند، وغربها مفازة الغزية ونواحي جرجان، وشمالها ما وراء النهر وشيء من بلاد الترك وجنوبها مفازة فارس وقومس إلى نواحي جبال الديلم مع جرجان وطبرستان والري وما يتصل بها، وكور خراسان وأعمالها التي يتفرق فيها الحكام وأصحاب البرد نيف وثلاثون عملاً. وفي خراسان كان خروج رافع بن الليث بن نصر بن سيار سنة تسعين ومائة وقتله سليمان بن حميد عامل علي بن عيسى فوجه علي ابنه عيسى بن علي لمحاربته فالتقيا بسمرقند فهزمه رافع، ويقال إنه عد في دراعة عيسى التي كانت عليه يوم الوقيعة عشرون خرقاً من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بنشاب وإن عيسى قال: من تعرض لهذا عجب في الحياة. قال القتيبي (2) : يتلو العرب في الشرف أهل خراسان فإنهم لم يزالوا لقاحاً لا يؤدون إلى أحد إتاوة، وكانت ملوك العجم قبل ملوك الطوائف تنزل بلخ ثم نزلوا بابل ثم نزل أزدشير بن بابك فارس فصارت دار ملكهم، وصارت خراسان لملوك الهياطلة، وهم قتلوا فيروز بن يزدجرد بن بهرام ملك فارس، وكان غزاهم فكادوه بمكيدة في طريقه حتى سلك سبيلاً معطشة فخرجوا إليه فأسروه وأكثر أصحابه فأعطاهم موثقاً من الله لا يغزوهم أبداً ولا يجوز حدودهم، ونصب حجراً بينه وبين بلدهم وجعله الحد الذي حلف عليه وأشهد الله ومن حضره من قرابته وأساورته فمنوا عليه وأطلقوه، فلما عاد إلى مملكته دخلته الأنفة مما أصابه فعاد لغزوهم ناكثاً لأيمانه غادراً بذمته، وجعل الحجر الذي نصبه أمامه في مسيره، يتأول أنه ما تقدم الحجر، فلما صار إليهم ناشدوه الله واذكروه ما جعل على نفسه من العهد والذمة، فأبى إلا لجاجاً ونكثاً، فواقعوه فقتلوه وقتلوا حماته واستباحوا عسكره وأسروا ضعفته ثم أعتقوهم، وغبروا بعد ذلك زماناً طويلاً ثم قتلوا كسرى بن قباذ بن هرمز، وهذا شيء يخبر به أهل فارس من سيرهم. وبخراسان (3) اعتدال الهواء وطيب الماء وصحة التربة وعذوبة الثمر وإحكام الصنعة وتمام الخلقة وطول القامة وحسن الوجوه وفراهة المراكب من الخيل والإبل والحمير وجودة السلاح والدروع والثياب. وهم يثخنون في الترك القتل ويأسرونهم وبهم يدفع الله عن المسلمين معرتهم، وهم أشد العدو بأساً وأغلظهم أكباداً وأصبرهم على البؤس أنفساً، وقد جاء في الحديث: " اتركوا الترك ما تركوكم ". وجاء في خراسان ما لا يعلم جاء مثله إلا في الحرمين والأرض المقدسة، حكوا عن بريدة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بريدة ستبعث من بعدي بعوث فكن في بعث خراسان ثم كن في بعث أرض منه يقال لها مرة وإذا أتيتها فانزل مدينتها وصل فيها فإنها بناها ذو القرنين، غزيرة أنهارها تجري بالبركة، على كل نقب منها ملك يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة "، فقدمها بريدة رضي الله عنه فمات فيها. ومن خراسان البرامكة لم يقرب أحد السلطان قربهم ولا أعطي عطاءهم ومنهم القحاطبة وعلي بن هاشم، عبد الله بن طاهر حدث بعض قواده بخراسان أنه فرق في مقام واحد بخراسان ألف ألف دينار، وهذا يكبر أن يملك فكيف أن يوهب. وإذا تدبرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) : " لو كان الإيمان معلقاً بالثريا لنالته رجال من أهل فارس " لم تجد مصداق هذا القول في أهل فارس، لأنهم كانوا أعداء الإسلام حتى غلبوا ومزقوا كل ممزق، ولم تجد منهم رجالاً برعوا في العلم ولا عرفوا بحفظ الأثر والتفقه في الدين والاجتهاد والعبادة، وتجد هذه الصفة بعينها في أهل خراسان لأنهم دخلوا في الإسلام رغبة وطوعاً وهم أشد الناس تمسكاً بالدين، فمنهم المحدثون والعلماء والعباد المجتهدون، وكانت خراسان وفارس شيئاً واحداً لأنهما متحاذيان ومتصلان ولسانهما واحد بالفارسية. خرم (5) : موضع بكاظمة، وخرم أيضاً مدينة من مدن بلخ بخراسان وهي آخر المدن الشرقية مما يلي بلخ إلى ناحية التبت، والخرمية هي الطائفة التي تدعى المسلمية القائلة بدعوة أبي مسلم وإمامته، وبابك الخرمي أحد الثوار على المأمون وكان خرج في بلاد أذربيجان

_ (1) أكثره عن ابن حوقل: 358، 360 والكرخي: 145. (2) انظر ياقوت: (خراسان) . (3) ابن الفقيه: 316. (4) ألم بهذا القول في هذه المادة. (5) معجم ما استعجم 2: 493.

والران والبيلقان في سنة إحدى ومائتين، والخرمية قوم من أعداء المسلمين يدينون بالثنوية ورئيسهم بابك وقتلوا من المسلمين عدة (1) آلاف، وقال الفضل بن مروان: إن أبا مسلم داعي بني العباس وبابك الخرمي قتلا ثلاثة آلاف ألف وخمسمائة ألف إنسان، وإن ذلك مثبت في الجرائد باسم قرية قرية وناحية ناحية ووقعة وقعة. واشتد (2) أمر بابك الخرمي ببلاد الران والبيلقان وكثر عيثه في تلك الديار، وسارت عساكره نحو الأمصار، ففرق الجيوش وهزم العساكر وقتل الولاة وأفنى الناس، فصير إليه المعتصم الجيوش عليها الأفشين، وطالت حروبه واتصلت وضايق بابك في بلاده حتى انفض جمعه وقل ماله وامتنع بالجبل المعروف بالبذين من أرض الران، فلما استشعر بابك ما نزل به هرب عن موضعه وزال عن مكانه متنكراً ومعه أخوه وأهله وولده ومن تبعه من خواصه، وقد تزيا بزي السفر وأهل التجارة والقوافل فنزل موضعاً من بلاد أرمينية نزل فيه على بعض المياه بالقرب من أرمينية، وبالقرب منهم راعي غنم، فابتاعوا منه شاة وساموه شراء شيء من الزاد، فأنكرهم ومضى من فوره وخلف غنمه حتى أتى سهل بن سنباط عامل المكان فأخبره بالخبر وقال: هو بابك لا شك فيه. وقد كان الأفشين لما هرب بابك من موضعه وزال عن جبله خشي أن يعتصم ببعض القلاع أو يتحصن ببعض الجبال المانعة أو ينضاف إلى بعض الأمم القاطنة في تلك الديار فيكثر جمعه ويجتمع إليه فلال عسكره فيرجع إلى ما كان من أمره فأخذ الطرق وكاتب البطارقة في الحصون والمواضع من بلاد أرمينية وأذربيجان والران والبيلقان وضمن في ذلك الرغائب، فلما سمع سهل من الراعي ما أخبره به، ركب من فوره في من حضر من عدده وأصحابه حتى أتى الموضع الذي به بابك، فترجل له ودنا منه وسلم عليه بالملك وقال: أيها الملك قم إلى قصرك الذي فيه وليك وموضع يمنعك الله فيه من عدوك، فسار معه حتى أتى به إلى قلعته فأجلسه على سريره ورفع منزلته ووطأ له منزله هو ومن معه، وقدمت المائدة فقعد سهل يأكل معه فقال له بابك بعتوه وجهله وقلة معرفته بما هو فيه وما قد دفع إليه: أمثلك يأكل معي؟ فقام سهل عن الطعام وقال: أخطأت أيها الملك وأنت أحق من احتمل وليه، إذ كان ليس منزلتي منزلة من يأكل مع الملوك، وجاء بحداد فقال: مد رجلك أيها الملك، فأوثقه بالحديد الثقيل، فقال له بابك: أغدراً يا سهل. فقال: يا ابن الخبيثة إنما أنت راعي بقر وغنم وما أنت والتدبير وسياسة الملك وتدبير الجيوش ونظم السياسات؟! وقيد من كان معه، وبعث إلى الأفشين يخبره بالقصة، وإن الرجل في يده، فلما اتصل ذلك بالأفشين سرح إليه أربعة آلاف من رجاله عليهم خليفة له يقال له بوقادة (3) فسلموا بابك ومن معه وأتي به الأفشين ومعه سهل بن سنباط، فرفع الأفشين منزلة سهل وخلع عليه وحمله وتوجه وقاد بين يديه وأسقط عنه الخراج، وأطلقت الطيور إلى المعتصم وكتب إليه بالفتح، فلما وصل ذلك إلى المعتصم ضج الناس بالتكبير وعمهم الفرح وظهر السرور، وكتب الكتب إلى الأمصار بالفتح، وقد كان أفنى عساكر السلطان. وسار الأفشين ببابك وقفل بمن معه من العساكر حتى أتى سامراء وذلك في سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتلقى الأفشين هارون بن المعتصم وأهل بيت الخلافة وأهل الدولة ونزل بالقاطول على خمسة فراسخ من سامراء وبعث إليه بالفيل الأشهب، وكان قد حمله بعض ملوك الهند إلى المأمون، وكان فيلاً عظيماً قد جلل بالديباج الأحمر والأخضر وأنواع الحرير الملون، ومعه ناقة بختية عظيمة مجللة بما وصفنا، وحمل إلى الأفشين دراعة من الديباج الأحمر منسوجة بالذهب قد رصع صدرها بأنواع الياقوت والجوهر، ودراعة دونها، وقلنسوة عظيمة كالبرنس ذات سفاسك بألوان مختلفة، وقد نظم على القلنسوة كثير من اللؤلؤ والجوهر، فألبس بابك الدراعة الجليلة وألبس أخوه الأخرى وجعلت القلنسوة على رأس بابك وعلى رأس أخيه نحوها، وقدم إليه الفيل وإلى أخيه الناقة، فلما رأى صورة الفيل استعظمه وقال: ما هذه الدابة العظيمة؟ واستحسن الدراعة، قال: هذه كرامة ملك جليل لملك أسير بعد العز ذليل، أخطأته الأقدار وزال عنه الجد وأورطته المحن، وإنها لفرحة تعقبها ترحة، وضرب له المصاف صفين في الخيل والرجال والسلاح والحديد والرايات والبنود من القاطول إلى سامرا، وبابك على الفيل وأخوه وراءه على الناقة، والفيل يخطر به بين الصفين، وبابك ينظر ذات اليمين والشمال ويميز الرجال والعدد ويظهر التأسف على ما فاته من سفك دمائهم غير مستعظم لما يرى من كثرتهم، وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين، فلم ير الناس مثل ذلك اليوم ولا أحسن من تلك الزينة. ودخل الأفشين إلى المعتصم فرفع منزلته

_ (1) ص ع: هي. (2) عن مروج الذهب 7: 123. (3) المسعودي: بومادة.

وأعلى مكانه، وأتى ببابك فوقف بين يديه فقال له المعتصم: أنت بابك؟ فلم يجب، وكررها عليه مراراً وبابك ساكت، فقام إليه الأفشين فقال له: الويل للآخر، أمير المؤمنين يخاطبك وأنت ساكت؟ فقال: نعم أنا بابك، فسجد المعتصم عند ذلك، وأمر به فقطعت يداه ورجلاه. وفي رواية أنه قال له: نعم أنا عبدك وغلامك، وكان اسم بابك الحسين واسم أخيه عبد الله، فقال: جردوه، فسلبه الخزان ما كان عليه من الزينة فقطعت يمينه وضرب بها وجهه وفعل بيساره كذلك وثلث برجل وهو يتمرغ في النطع في دمه، وقد كان تكلم بكلام كثير يرغب في أموال عظيمة قبله فلم يلتفت إلى قوله، فأقبل يضرب بما بقي من يديه وجهه، فأمر المعتصم السياف أن يدخل السيف بين ضلعين من أضلاعه أسفل من القلب ليكون أطول لعذابه ففعل ذلك، ثم أمر بحز رأسه وضم أطرافه إلى جسده فصلب ثم حمل رأسه إلى مدينة السلام فنصب على الجسر، وحمل بعد ذلك إلى خراسان فطيف به في مدينة مدينة (1) من مدنها وكورها لما كان في الناس من استفحال أمره وعظم شأنه وكثرة جيوشه وإشرافه على إزالة ملك وقلب ملة وتبديلها، وحمل أخوه عبد الله مع الرأس إلى مدينة السلام ففعل به إسحاق بن إبراهيم أميرها ما فعل ببابك بسر من رأى، وصلبت جثة بابك على خشبة طويلة في أقاصي عمارة سامراء يومئذ، وموضعه مشهور إلى هذه الغاية يعرف بخشبة بابك، فقام في مجلس المعتصم الخطباء فتكلمت بالتهنئة وقالت الشعراء في ذلك، وتوج الأفشين بتاج ذهب مرصع بالجوهر وإكليل ليس فيه إلا الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر قد شبك بالذهب وألبس وشاحين، وزوج المعتصم الحسين (2) بن الأفشين بأترجة بنت أشناس وزفت إليه وأقيم لها عرس يجاوز المقدار في الجمال والحسن وكانت توصف بجمال وكمال، ولما زفت إليه قال المعتصم: أنت بابك؟ فلم يجب، وكررها عليه مراراً وبابك ساكت، فقام إليه الأفشين فقال له: الويل للآخر، أمير المؤمنين يخاطبك وأنت ساكت؟ فقال: نعم أنا بابك، فسجد المعتصم عند ذلك، وأمر به فقطعت يداه ورجلاه. وفي رواية أنه قال له: نعم أنا عبدك وغلامك، وكان اسم بابك الحسين واسم أخيه عبد الله، فقال: جردوه، فسلبه الخزان ما كان عليه من الزينة فقطعت يمينه وضرب بها وجهه وفعل بيساره كذلك وثلث برجل وهو يتمرغ في النطع في دمه، وقد كان تكلم بكلام كثير يرغب في أموال عظيمة قبله فلم يلتفت إلى قوله، فأقبل يضرب بما بقي من يديه وجهه، فأمر المعتصم السياف أن يدخل السيف بين ضلعين من أضلاعه أسفل من القلب ليكون أطول لعذابه ففعل ذلك، ثم أمر بحز رأسه وضم أطرافه إلى جسده فصلب ثم حمل رأسه إلى مدينة السلام فنصب على الجسر، وحمل بعد ذلك إلى خراسان فطيف به في مدينة مدينة من مدنها وكورها لما كان في الناس من استفحال أمره وعظم شأنه وكثرة جيوشه وإشرافه على إزالة ملك وقلب ملة وتبديلها، وحمل أخوه عبد الله مع الرأس إلى مدينة السلام ففعل به إسحاق بن إبراهيم أميرها ما فعل ببابك بسر من رأى، وصلبت جثة بابك على خشبة طويلة في أقاصي عمارة سامراء يومئذ، وموضعه مشهور إلى هذه الغاية يعرف بخشبة بابك، فقام في مجلس المعتصم الخطباء فتكلمت بالتهنئة وقالت الشعراء في ذلك، وتوج الأفشين بتاج ذهب مرصع بالجوهر وإكليل ليس فيه إلا الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر قد شبك بالذهب وألبس وشاحين، وزوج المعتصم الحسين بن الأفشين بأترجة بنت أشناس وزفت إليه وأقيم لها عرس يجاوز المقدار في الجمال والحسن وكانت توصف بجمال وكمال، ولما زفت إليه قال المعتصم: زفت عروس إلى عروس ... بنت رئيس إلى رئيس أيهما كان ليت شعري ... أجل في الصدر والنفوس أصاحب المرهف المحلى ... أم ذو الوشاحين والشموس وكان مازيار بن قاران (3) صاحب جبال طبرستان عصى في أيام المعتصم وكثرت عساكره واتسعت جيوشه، وكتب المعتصم إليه يأمره بالحضور فأبى، فكتب إلى عبد الله بن طاهر يأمره بحربه فسير إليه من نيسابور عمه الحسن بن الحسين بن مصعب فنزل مدينة السارية من بلاد طبرستان بعد حروب كثيرة كانت له مع المازيار، وأتت الحسن بن الحسين عيونه بركوب محمد بن قاران وهو المازيار للصيد في نفر يسير، فبادره الحسن وناوشه الحرب فأسره، وحمل إلى سامراء، فأقر على الأفشين أنه بعثه على الخروج والعصيان لمذهب كانا قد اجتمعا عليه ودين اتفقا عليه من مذهب الثنوية والمجوس، وقبض على الأفشين قبل قدوم المازيار بيوم وأقر عليه كاتب له يقال له سابور، فضرب المازيار بالسوط حتى مات بعد أن شهر، وصلب إلى جنب بابك، وقد كان المازيار رغب المعتصم في أموال كثيرة يحملها إليه إن هو من عليه بالبقاء فأبى قبول ذلك وتمثل: إن الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب ومالت خشبة بابك إلى خشبة المازيار فتلاقت أجسادهما، وقد كان صلب في ذلك الموضع باطس بطريق عمورية وقد انحنى نحوهما لميل خشبته، ففي ذلك يقول أبو تمام من كلمة له (4) : ولقد شفى الأحشاء من برحائها ... أن صار بابك جار مازيار ثانيه في كبد السماء ولم يكن ... لاثنين ثان إذ هما بالغار فكأنما انحنيا لكيما يطويا ... عن باطس خبراً من الأخبار

_ (1) سقطت من ع؛ وفي المسعودي: فطيف به في كل مدينة. (2) المسعودي: الحسن. (3) المسعودي: قارن (انظر ص: 137 وما بعدها) . (4) ديوان أبي تمام: 2: 207.

الخزر:

خركان (1) : في بلاد فارس بينها وبين الترمذ خمسة فراسخ، وفيه شعب بوان المشهور وفيه أشجار الجوز وجميع الفواكه نابتة في الصخر. خرشنة (2) : مدينة في بلاد الروم أظنها في الثغور الشامية، فيها كان أسر أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان، وهو ابن عم سيف الدولة ممدوح المتنبي، قال أبو منصور الثعالبي: لما أدركت أبا فراس حرفة الأدب وأصابته عين في الكمال أسره الروم في بعض وقائعه وهو جريح، وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخناً بخرشنة سنة ثم بقسطنطينية، وتطاولت مدته بها لتعذر المفاداة، وقد قيل: على كل محج رقيب من الآفات. وهو القائل بخرشنة (3) : إن زرت خرشنة أسيراً ... فلقد أجلت بها مغيرا ولقد رأيت النار تن ... هب المنازل والقصورا ولقد رأيت السبي يج ... لب نحونا حواً وحورا من كان مثلي لم يبت ... إلا أميراً أو أسيرا ليست تحل سراتنا ... إلا الصدور أو القبورا قال ابن خالويه (4) : قال لي الأمير أبو فراس: لما حصلت بالقسطنطينية أسيراً أكرمني ملك الروم لما حملت إليه كرامة لم يكرم بها أسير جاء قط، وذلك أن من رسومهم ألا يركب الأسير في مدينتهم دابة قبل لقائه الملك، وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد لله تعالى ثلاث سجدات ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالقدر (5) هذا في من كان له قدر من المسلمين، وأعفاني من ذلك كله ونقلني إلى دار حسنة وجعل فيها برطيسان (6) يخدمني، ونقل إلي من أردته من المسلمين، وبدأ بي المفاداة منفرداً فأبيت من ذلك بعد ما وهب الله لي من العافية ورزقني من الجاه والكرامة، وكرهت أن أختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع الملك في الفداء ولم يكن الأمير سيف الدولة يستبقي أسارى الروم إذا ظفر بهم، وكان في أيديهم يومئذ فضل ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ من الأعمال والدساكر (7) فابتعتهم من الملك بمائتي ألف دينار رومية على أن يوقع (8) الفداء وضمنت المال والمسلمين، وخرجت بهم عن القسطنطينية وتقدمت بوجوههم إلى خرشنة ولم يعقد قط فداء (9) مثل هذا مع أسير قبلي، فقلت في ذلك: ولله عندي في الأسار وغيره ... مواهب لم يخصص بها أحد قبلي حللت عقوداً أعجز الناس حلها ... وما زلت لا عقدي يذم ولا حلي إذا عاينتني الروم كبر صيدها ... كأنهم أسرى لدي وفي كبل وأوسع أيا ما حللت كرامة ... كأني من أهلي نقلت إلى أهلي فقل لبني عمي وأبلغ بني أبي ... بأني في نعماء يشكرها مثلي وما شاء ربي غير نشر محاسني ... وأن تعرفوا ما قد عرفتم من الفضل الخزر (10) : اسم إقليم تسير من بلاد البجاناكية إلى بلاد الخزر

_ (1) هي التي وردت عند ابن خرداذبه: 43 باسم ((كرجان)) وذكر المحقق في الحاشية أنها تكتب أيضاً: الكرخان، كركان، جركان وما أورده المؤلف هنا وجه آخر. (2) ياقوت (خرشنة) : بلد قرب ملطية. (3) ديوانه: 208. (4) ديوان أبي فراس: 323. (5) الديوان: بالنوري. (6) الديوان: برطساناً. (7) ص ع: والعساكر. (8) ص ع: يدفع. (9) ع: لواء، واضطربت اللفظة في ص. (10) انظر رسالة ابن فضلان: 169 وياقوت (الخزر) ، ومروج الذهب 2: 7، والبكري (مخ) : 47، ولكن المؤلف ينقل من مصدر آخر.

خطرنية:

عشرة أيام في مشاجر ومفاوز على غير طريق مسلوكة ومناهج معروفة حتى تنتهي إلى بلاد الخزر، وهي بلاد عريضة يتصل بها من إحدى جنباتها جبل عظيم يمر إلى بلاد تفليس أول حدود أرمينية، ومدينة الخزر العظمى قطعتان على الشرقي والغربي من نهر اثل، وهو نهر يخرج إليهم من الروس ويصب في بحر الخزر، ويحيط بالمدينتين سور ولهما أبواب ولهم حمامات وأسواق ومساجد وأئمة ومؤذنون. والخزر مسلمون ونصارى وفيهم عبدة أوثان، وأقل الفرق منهم اليهود، ومقدار من فيها من المسلمين يزيد على عشرة آلاف ولهم ثلاثون مسجداً، ولا يكون مقامهم في المدن إلا في الشتاء، وفي سائر العام يكونون في المزارع والبساتين، ولهم فواكه ونعم كثيرة وللخزر جمال فائق وحسن ظاهر، والذي يقع من رقيق الخزر هم أهل الأوثان الذين يستجيزون بيع أولادهم واسترقاق بعضهم بعضاً، وليس لملكهم من طاعتهم إلا الدعوة، ومدار أمرهم على إيران شاه وهو الذي يقود جيوشهم ويملك طاعتهم، وإذا خرجوا في وجهة خرجوا بأسلحة كاملة ودروع حصينة وجواشن محكمة وأعلام رفيعة، ولا يخرج أحد من أهل عسكرهم إلا ومعه عدة أوتاد، طول كل وتد ذراعان، فإذا نزلوا غرز كل واحد منهم بحياله تلك الأوتاد وشدوا إليها الأترسة فيصير حول العسكر في ساعة واحدة جدار من التراس، والغالب على قوتهم الأرز والسمك ولباسهم القراطق والأقبية، ولسان الخزر غير لسان الترك والفرس، وهي لغة لا تشاركها لغة من لغات الأمم، وهم ينتهون في مشتبهات أمورهم إلى عظيمهم المسمى خاقان خزر وهو أجل عندهم قدراً من الملك. خطرنية (1) : في سواد الكوفة منها أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم صاحب الدعوة العباسية، كان إذا خرج رفع أربعة آلاف أصواتهم بالتكبير وكان بين طرفي موكبه أكثر من فرسخ، وكان قد قتل في أصناف الناس، فقتل في المضرية حتى كاد يفني من بخراسان منها، ثم قتل في ربيعة واليمن ما لا يحصى، ثم قتل في الأعاجم وبيوت الملك والدهاقنة، وقتل في القضاة والفقهاء والعلماء والشعراء وقتل في أوساط الناس، وقتل في المذاربة والأكراد وأهل الجبال ولم يبق جيل من الأمة إلا قتل فيه، وكان قهرماناً لادريس بن معقل العجلي ثم صار ولاؤه لمحمد بن علي، وكان اسمه إبراهيم ويكنى أبا إسحاق فسماه إبراهيم عبد الرحمن وكناه بأبي مسلم فعظم شأنه، وكان يطعم كل يوم مائة شاة وعشر شياه سوى ما يتبع ذلك من الحملان وصنوف الطعام والفواكه، وكان خافض الصوت في كلامه ومحادثته فصيحاً، راوية للشعر، لم ير ضاحكاً ولا مازحاً ولا خجلاً ولا قطوباً ولا عبوساً، سوطه سيفه، قليل الرحمة يقتل أكيله وجليسه وصديقه وذا المنزلة عنده، لم يشب قال بعضهم: ثلاثة عظم شأنهم وجلت أنباؤهم وتقاربت أسنانهم ولم تطل أعمارهم، كلهم مات دون الأربعين: الحجاج بن يوسف وعبد الرحمن بن مسلم والفضل بن سهل. ولما ولي أبو جعفر المنصور اطلع من أبي مسلم على غش له، ولاعب بعض قواده الشطرنج فتوجهت اللعبة عليه ثم ظفر فضر به فيها الغلب فقال: ذروني ذروني ما قدرت فإنني ... متى ما تهيجوني تميد بكم أرضي وأنهض في سرد الحديد إليكم ... كتائب سوداً طال ما انتظرت نهضي واستدل بذلك على نيته، وساير عيسى بن موسى في اليوم الذي قدم فيه على المنصور، وكان يثق به وبمودته فأنشد عيسى شعراً أنكره أبو مسلم وهو: سيفنيك ما أفنى القرون التي خلت ... وما حل في أكباد عاد وجرهم ومن كان أنأى منك عزاً ومفخراً ... وأنهض بالجيش اللهام العرمرم وقال: أيها الأمير أغدراً مع قرب الضمير بالأمان والعهود والمواثيق، فحلف له عيسى بالطلاق والعتاق أنه ما قصد لما ظن ولا عناه ولا أراده ولكنه شيء جرى على لسانه لم يتعمده، فقال له أبو مسلم: فهذا والله أغلظ له. ولما قدم على المنصور قال له يوم قتله: ما حملك على خلع حلة الوفاء والفخر ولبس رث النفاق والغدر، فقد كان عليك من الأول وسم جمال وصدق ثناء، فقال: يا أمير المؤمنين إن رأيت ألا تكلفني عذراً توجب علي معه ذنباً

_ (1) الطبري 2: 1960، وفي المروج 6: 59 خرطينة؛ ص: خضرية.

الخلد:

فافعل، ولكن استأنف عفواً أجازك عنه شكراً، فقال: تجاوزت فيك قول الله تعالى: " لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " ثم أمر بقتله، وقال الشاعر في قتله (1) : زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاستوف بالصاع أبا مجرم سقيت كأساً كنت تسقي بها ... أمر في الحلق من العلقم الخط (2) : ساحل ما بين عمان إلى البصرة ومن كاظمة إلى الشحر، وقيل الخط قرية على ساحل البحرين فيها الرماح الجياد، وإذا نسبت إليها قلت: رماح خطية - بفتح الخاء - فإذا جعلت النسبة اسماً قلت: خطية - بكسر الخاء - وقيل الخط قرى عمان، والخط لا ينبت القنا ولكن مرسى سفن القنا، كما قيل مسك دارين ولا مسك يوجد بها إنما هي مرفأ سفن الهند. وحكوا أن العلاء بن الحضرمي لما وجهه الصديق إلى البحرين لمحاربة من ارتد بها، أتى إلى الخط حتى نزل على الساحل فجاءه نصراني فقال: ما لي إن دللتك على مخاضة تخوض منها الخيل إلى دارين، قال: وما تسألني؟ قال: أهل بيت بدارين، وتمام الخبر في حرف الدال (3) . الخلد (4) : قصر ببغداد في الجانب الغربي كان ينزله هارون الرشيد، وكان وزيره يحيى بن خالد وابناه: الفضل وجعفر في رحبة الخلد، وكان أبو جعفر المنصور هو الذي بناه حين شرع في بناء بغداد. قال الربيع: جلس المنصور في قصره بالخلد فنظر إلى التجار من البزاز والصيرفي والقصاب وطبقات الناس من السوقة فتمثل: كما قال الحمار لسهم رام ... لقد جمعت من شتى لأمر جمعت حديدة وجمعت نصلاً ... ومن عقب البعير وريش نسر ثم قال: يا ربيع، إن هذه العامة تجمعها كلمة وترأسها السفلة فلا أرينك معرضاً عنها فإن إصلاحها يسير، وإصلاحها بعد فسادها عسير، فاجمعها بالرهبة واملأ صدورها بالهيبة، وما استطعت من رفق بها وإحسان إليها فافعل. وبالخلد كان محمد الأمين لما وصلته وفاة الرشيد أبيه في طوس سنة ثلاث وسبعين ومائة يوم خميس، فكتم الخبر وتحول ليلة الجمعة من الخلد إلى مدينة المنصور وصلى بالناس الجمعة، فلما قضى صلاته صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ونعى الرشيد وعزى نفسه والناس ووعدهم خيراً وبسط الآمال للأسود والأبيض، ومما حفظ من كلامه على المنبر: عندي التنفيس عن المكروبين والتفريج عن المغمومين، والإحسان إلى المحسنين والتغمد لإساءة المسيئين. خلم (5) : مدينة في خراسان من مدن بلخ، ولبلخ سبعة وأربعون منبراً في مدن ليست بالعظام. خلاط: من مدن أرمينية، وتقول: ما خالطت فلاناً وأنت تريد: ما سرت معه إلى خلاط، وفي جنوب (6) خلاط بحيرة ملحة آخذة من المشرق إلى المغرب، طولها سبعة وخمسون ميلاً في سعة سبعة وعشرين ميلاً، ويستخرج من هذه البحيرة سمك صغار يعرف بالطريخ (7) ويملح ويحمل إلى الجزيرة والموصل والرقة والعراق وحران، وفي أطراف هذه البحيرة البورق المحمول إلى العراق وغيره، وبالقرب منها مقاطع يستخرج منها الزرنيخ الأحمر والأصفر ومنها يتجهز به إلى جميع أقطار الأرض. وفي (8) سنة اثنتين وستمائة كانت وقعة عظيمة للمسلمين من أهل خلاط وبلادها على نصارى الكرج حصل فيها ملكهم أسيراً ففدى نفسه من الملك الذي أسره بعشرين ديناراً، فلما تخلص وشاعت القصة علا المسلم الهم فمات.

_ (1) أوردته المصادر لأبي جعفر، ولعله تمثل به. (2) معجم ما استعجم 2: 503. (3) انظر مادة: ((دارين)) . (4) انظر ياقوت (الخلد) . (5) انظر المقدسي: 303، وابن خرداذبه: 212. (6) ابن حوقل: 297، ونزهة المشتاق: 267. (7) ص: بالطويح؛ ع: بالطونح، والتصحيح عن ابن حوقل؛ وفي نزهة المشتاق: الطريح. (8) انظر ابن الأثير 12: 240.

غدير خم:

خلية (1) : هما جزيرتان في أرض جزيرة صقلية في ناحية مسيني وهما جزيرتا البركان، واحدة كبيرة والأخرى صغيرة، وفي هاتين الجزيرتين تتقد النار أبداً، فيرى لهب النار بالليل ودخانه بالنهار، ومن العجائب أن النار في إحدى الجزيرتين حديثة ولم تكن بها قبل وأنها ضعفت في الأخرى مذ ذاك، وهاتان الجزيرتان وما يليهما تسمى جزائر أوليا، سميت باسم أولين (2) الذي ذكرت الفلاسفة الجاهلية أنه كان أميراً في تلك الجزائر وكان يعلم أهلها بما يجد في الرياح لتجارب حفظها فاتخذوه إلهاً. خليج القسطنطينية (3) : من السواحل الشامية يأخذ من بحر مايطس (4) وبحر نيطس ويجري الماء فيه جرياً ويصب إلى بحر الشام، ومسافة هذا الخليج ثلثمائة وخمسون ميلاً، وقيل أقل من ذلك، وعرضه في الموضع الذي يأخذ من بحر مايطس نحو من عشرة أميال، وهناك عمائر ومدينة للروم تدعى مسناة تمنع من يرد من ذلك البحر من مراكب الروس وغيرها، ثم يضيق هذا الخليج عند القسطنطينية فيصير عرضه، وهو موضع العبور من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي الذي فيه القسطنطينية، نحواً من أربعة أميال، وعليه العمائر، وينتهي إلى الموضع المعروف بأندلس. وهنالك جبال وعين ماء كبيرة ماؤها موصوف تعرف بعين مسلمة بن عبد الملك وكان نزوله عليها حين حاصر قسطنطينية، وأتته مراكب المسلمين، وفم هذا الخليج مما يلي بحر الشام ومنتهى مصبه يضيق، وهناك برج يمنع من فيه لمن يرد من مراكب المسلمين في الوقت الذي كانت للمسلمين فيه مراكب تغزو إلى الروم. وأما الآن (5) فمراكب الروم تغزو بلاد الإسلام، قال المسعودي: وأخبرني أبو عمير علي بن أحمد بن عبد الباقي الأزدي وهو من أهل التحصيل، أنه حين عبر إلى القسطنطينية في هذا الخليج، حين دخل لإقامة الهدنة والفداء، كان يتبين جرية هذا الماء وبرده مما يلي بحر مايطس وربما يتبين في الماء الذي مما يلي بحر الشام فيجده فاتراً، وهذا يدل على اتصال ماء هذين البحرين وأنه قد دخل من بحر الروم إلى هذا الخليج أيضاً. قال المسعودي: وسمعت غير واحد من أهل التحصيل ممن غزا غزاة سلوقية مع غلام زرافة، وقد كانوا دخلوا إلى خليج القسطنطينية وساروا فيه مسافة بعيدة، أنهم وجدوا الماء في هذا الخليج يقل في أوقات من الليل والنهار ويكثر كالجزر والمد، وعليه المدن والعمائر، فلما أحسوا بنقصان الماء بادروا بالخروج منه إلى البر الرومي، وإن في مدخله من بحر الروم مدينة تقرب من فم الخليج، والخليج يطيف بالقسطنطينية من جهتين مما يلي الشرق ومما يلي الشمال. غدير خم (6) : بازاء الجحفة، وتقدم ذكره في الجحفة، وقال أبو عبيدة: خم بئر احتفرها عبد شمس بالبطحاء بعد (7) بئره العجول. الخندق: قبل وصولك إلى المدينة المكرمة من جهة المغرب بمقدار غلوة تلقى الخندق الشهير الذي صنعه النبي صلى الله عليه وسلم عند تحزب الأحزاب. وكانت (8) وقعة الخندق في شوال بعد أحد بسنة لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير خرج من اليهود سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع النضريون، وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان، في نفر من بني النضير وبني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدموا مكة على قريش، فاستعدوهم واستنصروهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى حربه وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله فيهم: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً، أولئك

_ (1) ع: خليبة، وعند رتزيتانو: الخالية، وفي نص اضطراب إذ لابد أن يذكر اسم جزيرتين من الجزر التي سماها من بعد جزائر أوليا (Aeolia) باسم ملك الرياح والعواصف (Aeolus) وهي سبع جزر صغيرة بين صقلية وإيطاليا: Euonymos' Hiera' Lipara' Phonicusa' Ericusa' Didyme' Strongyle. وليس فيها اسم مقارب لما ذكره المؤلف. (2) لعل صوابه: أولس (Aeolus) . (3) مروج الذهب 2: 316. (4) ص ع: مانطس. (5) يعني زمن المسعودي. (6) معجم ما استعجم 2: 510. (7) معجم البكري: عند. (8) ابن هشام 2: 214.

خناصرة:

الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا "، " النساء: 51، 52 "، فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى مثل ما دعوا قريشاً إليه، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك. وجعلت يهود لغطفان على الخروج نصف تمر خيبر في كل عام، فهؤلاء القوم الذين سماهم الله الأحزاب. وسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما اجتمعوا عليه فأخذ في حفر الخندق وضربه على المدينة وعمل صلى الله عليه وسلم فيه ترغيباً للمسلمين في العمل فدأب عليه ودأبوا حتى أحكموه، وتسلل عنه رجال من المنافقين. فأنزل الله تعالى: " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه " الآية ونزل " قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً " وكانت في حفر الخندق آيات منها الكدية التي اشتدت عليهم في الخندق، فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية، فانهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأساً ولا مسحاً، ومنها حفنة التمر التي جاءت بها عمرة بنت رواحة أم النعمان بن بشير إلى أبيها وخالها، فمرت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا بنية ما هذا معك "؟ قالت، قلت: يا رسول الله، هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي، بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه، قال صلى الله عليه وسلم: " هاتيه "، قالت: فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فملأتهما، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بثوب فبسط، ثم دحا بالتمر عليه فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: " اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء "، فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب. ومنها قصة شاة جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ذبحها وشواها ثم قال: يا رسول الله صنعت لك شويهة ومعها شيء من خبز هذا الشعير فأحب أن تنصرف معي إلى منزلي، وأنا أريده وحده، فقال صلى الله عليه وسلم: " نعم "، ثم أمر صارخاً صرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فأقبل والناس معه، فجلس وأخرجناها له فبرك وسمى الله تعالى ثم أكل، وتواردها الناس، كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس، حتى صدر أهل الخندق عنها ومنها قصة الناحية التي غلظت في الخندق على سلمان، فأخذ صلى الله عليه وسلم المعول وضرب ضربة لمعت برقة ثم ضرب أخرى فلمعت برقة ثم ضرب الثالثة فلمعت برقة، قال، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت تحت المعول؟ قال صلى الله عليه وسلم: " أو قد رأيت ذلك يا سلمان "؟ قلت: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: " أما الأولى فإن الله تعالى فتح علي بها اليمن، وأما الثانية فإن الله تعالى فتح علي بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله تعالى فتح علي بها المشرق ". وقصة الأحزاب وانصرافهم خائبين مذكورة في سورة الأحزاب، وقد شرح ذلك أصحاب السير. خناصرة (1) : هي بلدة من بلاد الشام، وهي المذكورة في قول المعري (2) : أفل نوائب الأيام وحدي ... إذا جمعت كتائبها احتشادا وقد أثبت رجلي في ركاب ... جعلت من الزماع له بدادا إذا أوطأتها قدمي سهيل ... فلا سقيت خناصرة العهادا قدما سهيل: كوكبان وراءه، يقول: إذا وطئت قدمي سهيل بقدمي وحللت ذروة الشرف فلست أبالي ما حل بالبلاد من صلاح أو فساد، وخص خناصرة بالذكر لقول عدي بن الرقاع: وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحص وجادها الأحص: من ديار بني تغلب. الخندمة (3) : أحد جبال مكة، وهو المستعلي على أبي قبيس

_ (1) معجم ما استعجم 2: 511، وقال ياقوت: بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو البادية، وانظر ابن خلكان في ضبطها وتحديد موقعها (6: 312) . (2) شروح السقط: 570 - 572، والمؤلف يتابع في الشرح نص التبريزي. (3) الاستبصار: 6.

الخضراء:

من ناحية المشرق، وهو جبل أحمر محجر فيه صخرة كبيرة بيضاء كأنها معلقة، وفيه تحصن أهل مكة يوم القرمطي (1) . وكان (2) رجل من قريش يعد سلاحاً فقالت له امرأته: لمن تعد هذا. قال: لمحمد وأصحابه، فقالت: ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء، قال: إني لأرجو أن أخدمك بعض نساء يثرب، وكانت تسر إسلامها، وقال: إن يقبلوا اليوم فمالي عله ... هذا سلاح كامل وأله ... وذو غرارين سريع السله ... وقالت: كأني بك جئت تطلب مختبأ اختبئك (3) فيه لو قد رأيت خيل محمد ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أقبل إليها فقال: ويحك هل من مختبأ؟ فقالت له: فأين الخادم. فقال: دعيني عنك، وأنشد: إنك لو أبصرت يوم الخندمه ... إذ فر صفوان وفر عكرمة ... وضربونا بالسيوف المسلمه ... يقطعن كل ساعد وجمجمه ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة ... الخضراء (4) : مدينة بالمغرب بقرب مليانة، وهي مدينة جليلة كثيرة البساتين ولذلك سميت الخضراء، وهي على نهر إذا حمل دخل بعضها والأظهر أنه شلف لأنه بمقربة منها. وهي (5) مدينة صغيرة حصينة، وبها عمارات متصلة وكروم وبها من السفرجل كل شيء حسن، وبها سوق وحمام، وسوقها يجتمع إليه أهل تلك الناحية، ومنها إلى مليانة مرحلة. والخضراء (6) أيضاً بالأندلس، وهي الجزيرة الخضراء ويقال لها جزيرة أم حكيم، وهي جارية طارق بن زياد مولى موسى بن نصير، كان حملها معه فتخلفها بهذه الجزيرة فنسبت إليها، وعلى مرسى أم حكم مدينة الجزيرة الخضراء، وبينها وبين قلشانة أربعة وستون ميلاً، وهي على ربوة مشرفة على البحر، سورها متصل به، وبشرقيها خندق وغربيه أشجار تين وأنهار عذبة، وقصبة المدينة موفية على الخندق وهي منيعة حصينة سورها حجارة وهي في شرقي المدينة ومتصلة بها، وبالمدينة جامع حسن البناء فيه خمس بلاطات وصحن واسع وسقائف من جهة الجوف، وهو في وسط المدينة في أعلى الربوة، وأسواقها متصلة من الجامع إلى شاطئ البحر، وعلى البحر بين القبلة والشرق من مدينة الجزيرة مسجد سري يعرف بمسجد الرايات ركزت فيه المجوس راياتها فنسب إليها وله باب من خشب سفن المجوس، وبها كان دار صناعة بناها عبد الرحمن بن محمد أمير المؤمنين للأساطيل وأتقن بناءها وعالى أسوارها ثم اتخذها المنتزون بها في الفتنة قصراً. وبغربي المدينة مدخل الوادي في البحر عليه بساتين كثيرة، ومهبطه من حيث تدخله السفن، ومنه شرب أهل الجزيرة ويسمونه وادي العسل، ويمده البحر إلى قدر شطر المدينة، وهو نحو نصف ميل، وتجاهه أثر مدينة الجلندى الملك صاحب قرطاجنة إفريقية بقبلي مدينة الجزيرة، وهي اليوم خربة تزدرع، وبها حائط عريض مبني بالحجارة داخل البحر، ومن هذا الحائط كانت تشحن المراكب وبنى عليه محمد بن فلان برجاً. ومدينة الجزيرة طيبة رفيقة بأهلها جامعة لفائدة البر والبحر، قريبة المنافع من كل وجه لأنها وسطى مدن الساحل وأقرب مدن الأندلس مجازاً إلى العدوة، ومنها تغلب ملوك الأندلس على ما تغلبوا عليه من بلاد إفريقية، ولها ثلاث حمامات، ولها كور كثيرة وكانت جبايتها ثمانية عشر ألفاً وتسعمائة. وأهل الجزيرة هذه هم الذين أبوا أن يضيفوا موسى والخضر عليهما السلام، وبها أقام الخضر الجدار وخرق السفينة، والجلندى هو الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، حكي ذلك عن وكيع بن الجراح. ومرسى الجزيرة مشتى مأمون وهو أيسر المراسي للجواز وأقربها من بر العدوة ويحاذيه مرسى مدينة سبتة ويقطع البحر بينهما في ثلاثة مجار ويتلوه جبل طارق.

_ (1) يعني غزوة أبي طاهر الجنابي سنة 317. (2) البكري (مخ) : 74، ومعجم ما استعجم 2: 512، والأزرقي 1: 479. (3) الأزرقي: محشاص أحشك. (4) الاستبصار: 171. (5) الإدريسي (د/ ب) : 84/ 58. (6) بروفنسال: 73، والترجمة: 91 (Algeciras) .

خولان:

وللخضراء (1) هذه سور حجارة مفرغ بالجير (2) ولها ثلاثة أبواب وبها دار صناعة داخل المدينة، وعلى نهرها المسمى نهر العسل بساتين وجنات بضفتيه معاً، وبالجزيرة الخضراء إنشاء وإقلاع وحط، وأمام المدينة الجزيرة المعروفة بأم حكيم المتقدمة الذكر، والجزيرة الخضراء أول مدينة افتتحت من الأندلس في صدر الإسلام سنة تسعين من الهجرة على يد موسى بن نصير من قبل المروانيين ومعه طارق بن عبد الله بن ونموا الزناتي في قبائل البربر. وعلى باب البحر مسجد يسمى مسجد الرايات يقال إن هناك اجتمعت رايات القوم للرأي، وكان وصولهم أيضاً من جبل طارق، وسمي بذلك لأن طارق بن عبد الله لما جاز بالبربر الذين معه تحصن بهذا الجبل وقدر أن العرب لا تثق به، وأراد أن ينفي عن نفسه التهمة فأمر بإحراق المراكب التي جاز بها فبرئ بذلك مما اتهم به. وبين هذا الجبل والجزيرة الخضراء ستة أميال، وهو جمل منقطع مستدير في أسفله كهوف فيها ماء. ولها من الأبواب الباب الكبير ويعرف بباب حمزة غربي وباب الخوخة قبلي وباب طرفة جوفي، ولها ثلاثة حمامات. وتغلب المجوس (3) عليها في سنة خمس وأربعين ومائتين وأحرقت المسجد الجامع بها، وفي الشرق من مدينة الجزيرة مسجد يقال إنه من بناء صاحب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال إنه أول مسجد بني بالأندلس، ويعرف الموضع الذي فيه بقرطاجنة فإذا أقحط أهل الجزيرة استسقوا فيه فسقوا بفضل الله ورحمته. والجزيرة في شرقي شذونة وقبلي قرطبة، ولها أقاليم عدة. خشك (4) : من مدن كابل من ثغور طخارستان. ذو خشب (5) : موضع متصل بالكلاب على مرحلة من المدينة على طريق الشام. وفيه قال مروان بن الحكم حين طرده ابن الزبير إلى الشام فمر به متأسفاً على أمواله بالمدينة وعقاره: لا مال إلا ما أحرزته العياب. الخشبات (6) : بالعراق، من عبادان إلى الخشبات ستة أميال، وهذه الخشبات على متصل بحر فارس بمصب دجلة، وهى خشبات مغروزة في قعر البحر عليها مناصب من ألواح مهندمة يجلس عليها حراس البحر ومعهم زورق يركبون فيه إلى هذه الخشبات وبه ينزلون إلى الساحل، وهذا البحر الفارسي شطه الأيمن للعرب والآخر الأيسر لفارس، وعرضه من سبعين باعاً إلى ثمانين باعاً. خوي (7) : من أذربيجان، وقيل: خوي والنسار موضع واحد، وبخوي كانت وقعة لبني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة على بني أسد وبني يربوع، وهناك فتك عمرو بن حسان الضبعي بيزيد بن القمارية وهي أمه، وفي ذلك يقول وائل بن شرحبيل: وغادرنا يزيد لدى خوي ... فليس بآيب أخرى الليالي خوار (8) : موضع يجاور مكة تلقاء أجلى أنشد ابن الأعرابي: خرجن من الخوار وعدن فيه ... وقد وازن من أجلى برعن خولان (9) : قرية باليمن قريبة من ذمار، وهي باردة الهواء حسنة البناء فيها حمامات وخانات وفواكه كثيرة، وتدخل منها بين جبال وأنهار وأرض حصباء فتفضي إلى ذمار. خوارزم: من بلاد خراسان، وخوارزم اسم للكورة، وتسمى مدينتها الكبرى قيلاً بالقاف (10) فقيل مدينة خوارزم، وأنشدوا لكعب الأشقري:

_ (1) الإدريسي (د) : 176. (2) الإدريسي: بالجيار. (3) انظر العذري: 118 - 119. (4) انظر ياقوت: (خشك) . (5) معجم ما استعجم 2: 501. (6) نزهة المشتاق: 121 وبعضه عن أبي خرداذبه: 60، وانظر البكري (مخ) : 34. (7) معجم ما استعجم 2: 520. (8) معجم ما استعجم 2: 514. (9) المؤلف ينقل عن البكري (مخ) : 67. (10) قال ياقوت (فيل) : قيل بلفظ الفيل من الدواب الهندية كانت مدينة خوارزم، وكذلك أوردها في مادة خوارزم نفسها؛ وجانب من المادة هنا عند ابن حوقل: 397 - 398، والكرخي: 170، وانظر مادة ((الجرجانية)) ، نزهة المشتاق: 213.

خوزستان:

رمتك قيل بما فيها وما ظلمت ... ورامها قبلك الفجفاجة الصلف وسمرقند وخوارزم كور منقطعة من خراسان ومما وراء النهر، وتحيط بها المفاوز من كل جانب، وحدها يتصل بحدود الغزية مما يلي الشمال والمغرب، وحد جنوبها من شرقيها بلاد خراسان وما وراء النهر، وهي ناحية عريضة وخطة واسعة ومدن كثيرة، وهي آخر عمائر عمل جيحون وليس بعدها عليه عمارة حتى يقع ماء النهر في البحيرة، ومدينتها في الجانب الشمالي من جيحون، ولها من الجنوب مدينة كبيرة تسمى الجرجانية وهي أكبر مدينة بخوارزم بعد قصبتها قيل، وهي متجر الغزية ومنها تخرج القوافل إلى جرجان وكانت تخرج إلى الخزر على مر الأيام وإلى خراسان، وكانت قصبة الجرجانية تعرف باللغة الخوارزمية كاث وكانت أرباضاً (1) وطولها نحو ميل في مثله فابتنوا غيرها من ورائها، وهي الجرجانية اليوم، وقيل مدينة خوارزم. وخوارزم (2) مدينة حصينة كثيرة الطعام والفواكه، والخواص من أهلها قيام على أنفسهم بالمروءة الظاهرة، وهم أكثر أهل خراسان سفراً، وليس بخراسان مدينة إلا وفيها منهم جمع كبير، ولغتهم ممتازة من لغة أهل خراسان، وزيهم القراطق والقلانس المعوجة، وخلقهم لا يخفى بين أهل خراسان ولهم بأس على الغربة ومنعة، وترتفع من خوارزم ثياب القطن والصوف وأمتعة كثيرة، وليس بخوارزم معادن، ويقع إليهم رقيق الصقلب والخزر وما والاها من رقيق الأتراك، ويقع إليهم الأوبار من الفنك والسمور والثعالب (3) والخزوز وغير ذلك. وعرض نهر خوارزم عند المدينة فرسخان، وأول حدود خوارزم مما يلي ارموني بلد يسمى الطاهرية تجد فيها العمارة على جانبي جيحون ونهر جيحون ربما جمد في الشتاء حتى تعبر عليه الأثقال والأحمال والجمال ومن ناحية خوارزم يشتد في جموده، ومن مدن خوارزم غزنة وغيرها، وهم مياسير وأهل مروءة ظاهرة. ونزل الططر على خوارزم في سنة ثمان عشرة وستمائة فأقاموا على مدينة الجرجانية قاعدة خوارزم شاه، قالوا: ومرو ونيسابور وبلخ، مع عظم كل واحدة منها، مجموعها يقصر عن الجرجانية بانفرادها فإنها كانت سرير السلطان الأعظم صاحب الأقاليم السلطانية ورب العساكر الكثيفة، وكان بها يومئذ عسكر جليل وأمراء مشهورون إلى أن ملك الططر المدينة وقتلوا فيها كل ذي روح، والخبر مستوفى في ذكر الجرجانية. خوزستان (4) : في أرض عبادان في شرقي موضع دجلة، وهي بلاد كبيرة وعمل فسيح وماؤها صحيح، وهي سهلة الأرجاء كثيرة المياه، وبلادها عامرة، وقاعدة بلادها الأهواز، ومن بلادها عسكر مكرم وتستر وجنداسابور ورامهرمز وغيرها. وبأرض خوزستان مياه جارية وأودية غزيرة وأنهار سائلة، وأكبر أنهارها نهر تستر، ويسمى دجيل الأهواز، وهو نهر عجيب منبعه من جبال هنالك وعليه الشاذروان الذي أمر بعمله سابور الملك، وهو من العجائب المشهورة فإنه بناء أمام تستر وثيق عال أقيم في صدر الماء سداً وثيقاً بالحجر والعمد، فارتدع به الماء حتى صار أمام تستر، لأن تستر في نشز من الأرض عال والماء، مرتدع بين يديها، ويجري هذا النهر من وراء عسكر مكرم وعليه هناك جسر كبير وتجري فيه السفن الكبار ويتصل بالأهواز. وبين عسكر مكرم والأهواز ثلاثون ميلاً في الماء ولا يضيع شيء من ماء هذا النهر إنما يتصرف كله في سقي الأرض وغلات القصب وضروب الحبوب والنخيل والبساتين والمزارع، وفيه المد والجزر، وأهل خوزستان يتكلمون بالفارسية والعربية ولسان آخر يستعملونه بينهم، وزيهم زي أهل العراق يلبسون القمص والطيالسة والعمائم، وفي أنفسهم وطباعهم الشر والتنافس بعضهم على بعض وفي ألوانهم صفرة وسمرة. الخورنق (5) : تفسيره الموضع الذي يأكل فيه الملك ويشرب، والنجف: البساتين والمتنزهات التي يشرف الخورنق عليها، والخورنق بظهر الكوفة، وهو قصر النعمان بظهر الحيرة، قال عدي بن زيد: وتفكر رب الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللهدى تفكير

_ (1) ص ع: أرباضها. (2) كذا ورد، ولعل (خوارزم) مكررة. (3) سقط من ع. (4) قارن بالكرخي: 62، وابن حوقل: 228. (5) معجم ما استعجم 2: 515.

سره ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرض والسدير السدير: سدير النخل وهو سواده وشخوصه، يقال: سدير إبل وسدير نخل، وقال الأصمعي: السدير بالفارسية: سه دلى، كان له ثلاث شعب، وقيل: السدير النهر، والخورنق (1) : خرنقاه أي الموضع الذي يأكل فيه الملك ويشرب، والنجف: البساتين والمتنزهات التي يشرف الخورنق عليها. وكان سبب (2) بناء الخورنق أن يزدجرد بن سابور الأثيم كان لا يبقى له ولد، فسأل عن منزل صحيح من الأدواء والأسقام، فذكر له ظهر الحيرة، فدفع ابنه بهرام إلى النعمان بن امرئ القيس الأعور، وأمره ببناء الخورنق مسكناً له فبناه في عشرين حجة، وكان الذي بناه رجل يقال له سنمار، فلما فرغ من بنيانه عجب الناس من حسنه وإتقان عمله فقال: لو علمت أنكم توفوني أجري بنيته بناء يدور مع الشمس حيث ما دارت، فقال النعمان: وإنك لتقدر أن تبني أفضل منه فلم تبنه!! فأمر به فطرح من رأس الخورنق، فضربت به العرب المثل في الجزاء بالشر على فعل الخير، وفيه يقول الشاعر: جزى بنوه أبا غيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار وقال آخر: جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار مما كان يفعل قال البكري: والخورنق هو الذي يعني الأسود بن يعفر في قوله: والقصر في الشرفات من سنداد ... وهذا الذي قاله غير صحيح، فإن صدر البيت قوله: أهل الخورنق والسدير وبارق ... وقدم ذكر الخورنق ثم عطف عليه القصر ذا الشرفات، وقال أبو بكر: سنداد كان المنذر الأكبر اتخذه لبعض ملوك العجم، وقال المنخل (3) : فإذا سكرت فإنني ... رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني ... رب الشويهة والبعير وحكي أن أحد الملوك أشرف على النجف من أعلى الخورنق فقال لوزيره أو صاحب كان له: هل رأيت مثل هذا المنظر قط؟ قال: لا لو كان يلوم، قال له: فأين الذي يدوم؟ قال: عند الله في الآخرة حيث لا موت ولا سقم ولا هرم، قال: فبماذا يوصل إلى ذلك؟ قال: بتركك الدنيا وعبادة الله تعالى، فترك ملكه من ليلته ولبس المسوح وترهب وخرج هارباً لا يعلم به فسألوا عنه فلم يجدوه بعد، ففي مثل هذا الوزير الصالح يقول صلى الله عليه وسلم: " من ولي شيئاً من أمر الدنيا فأراد الله به خيراً جعل معه وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه "، وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من رجل من المسلمين أعظم أجراً من وزير صالح مع إمام يطيعه فيأمره بطاعة الله تعالى ". وقال خالد بن صفوان بن الأهتم (4) : أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد أهل العراق، قال: فقدمت عليه وقد خرج متبدياً بقرابته وحشمه وغاشيته وجلسائه، فنزل في أرض قاع صحيح منيف أفيح في عام قد كمل وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض زخرفها على اختلاف ألوان زينتها من نور ربيع مونق فهي في أحسن منظر وأجمل مختبر، بصعيد كأنه قطع الكافور، وقد ضرب له سرادق من حبرة كان يوسف بن عمر صنعه له باليمن فيه فسطاط وفيه أفرشة من خز أحمر مثلها مرافقها، وعليه دراعة من خز أحمر مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم، قال: فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر إلي شبه المستنطق فقلت له: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وسوغكها بشكره وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشداً، وعاقبة ما يؤول إليه حمداً أخلصه لك بالبقاء وكثره عليك بالنماء ولا كدر عليك منه ما صفا ولا خلط سروره بالردى، فقد أصبحت للمؤمنين ثقة ومستراحاً وملجأ، إليك يقصدون في مطالبهم ويفزعون في

_ (1) تكرار لما تقدم في أول المادة. (2) متابع للنقل عن معجم البكري، وانظر الخزانة 1: 142. (3) ص ع: المخبل، والشاعر هو المنخل اليشكري، وقصيدته هي الحماسية رقم: 174 (شرح المرزوقي) . (4) انظر حديث خالد في عيون الأخبار 2: 341 مع اختلافات في الرواية.

أمورهم وما أجد شيئاً يا أمير المؤمنين هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك وما من الله تعالى علي به من مجالستك من أن أذكرك نعم الله تعالى عليك وأنبئك بشكرها، وما أجد في ذلك شيئاً هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك، فإن أذن أمير المؤمنين أخبرته به، قال: فاستوى جالساً وكان متكئاً وقال: هات يا ابن الأهتم، قال، فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكاً من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض ألوان زينتها في ربيع مونق فهي في أحسن منظر وأجمل مختبر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور وكان قد أعطي فتاء السن مع الكبرة والعظمة والقهر، فنظر فأبعد النظر، ثم قال لجلسائه: لمن مثل هذا، هل رأيتم مثل ما أنا فيه؟ وهل أعطي أحد مثل ما أعطيت؟ قال: وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على آداب الحق ومنهاجه، قال: ولم تخل الأرض من قائم لله عز وجل بحجته في عباده، فقال: أيها الملك إنك قد سألت عن أمر فتأذن في الجواب عنه؟ قال: نعم، قال: أرأيت هذا الذي أنت فيه، أهو شيء لم تزل فيه أم صار ميراثاً إليك وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: كذلك هو، قال: فلا أراك إلا أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلاً ثم تغيب عنه طويلاً، وتكون غداً بحسابه مرتهناً، قال: ويحك فأين المهرب وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة ربك على ما ساءك وسرك ومضك وأرمضك، وإما أن تضع تاجك وتلبس أمساحك وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك، قال: فإذا كان السحر فاقرع علي بابي، فإن اخترت ما أنا فيه كنت لي وزيراً لا تعصى، وإن اخترت فلوات الأرض وقعر البلاد كنت رفيقاً لا يخالف، قال: فقرع عليه عند السحر بابه فإذا هو قد وضع تاجه ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة، فلزما والله هذا الجبل حنى أتاهما أجلهما، وهو حيث يقول علي بن زيد أخو بني تميم (1) : أيها الشامت المعير بالده ... ر أأنت المبرأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام بل أنت جاهل مغرور من رأيت المنور خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور وبنو الأصفر الكرام ملوك ال ... روم لم يبق منهم مذكور وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور شاده مرمراً وجلله كل ... ساً فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور وتذكر رب الخورنق إذ أش ... رف يوماً وللهدى تفكير سره ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرض والسدير فارعوى قلبه وقال وما غب ... طة حي إلى الممات يصير ثم بعد الصلاح والملك والأم ... ة وارتهم هناك القبور ثم صاروا كأنهم ورق ج ... ف فألوت به الصبا والدبور قال: فبكى والله هشام حتى اخضلت لحيته وبل عمامته فأمر بنزع أبنيته وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه، ولزم قصره، فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ما أردت إلى أمير المؤمنين، أفسدت عليه لذته ونغصت عليه مأدبته، فقال: إليكم عني، فإني عاهدت الله تعالى عهداً ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل. وهذا الملك الذي ذكره خالد بن صفوان هو النعمان بن امرئ القيس جد النعمان بن المنذر.

_ (1) ديوان عدي: 78 - 90.

خيغون:

خيبر (1) : أرض خيبر على ثمانية برد من المدينة، وبها حصون كبيرة، وأول حد خيبر الدومة وهو واد، وسوق خيبر اليوم المرطة، وكان عثمان رضي الله عنه مصرها، ثم حصن وجدة وبه نخل وأشجار، ثم سلالم ثم الأهيل، جبل فيه آطام لليهود ومزارع وأموال تعرف بالوطيح ثم الكثيبة ثم الصهباء، وحصن خيبر الأعظم القموص، وهو الذي فتح علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأسفله مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك نطاة والشق، وهما واديان تليهما أرض تسمى السبخة، وبالشق عين تسمى الحمة وهي التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة الملائكة يذهب ثلثا مائها في فلج والثلث الآخر في فلج والمسلك واحد، وقد اعتبرت منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، تطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث ثمرات فتذهب اثنتان في الفلج الذي له ثلثا مائها وواحدة في الفلج الثاني، ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث، ومن قام في الفلج الذي يأخذ الثلثين ليرد الماء إلى الفلج الآخر غلب الماء وفاض ولم يرجع إلى الفلج الثاني شيء يزيد على الثلث. والعين العظمى بالنطاة تسمى اللحيحة. وكانت خيبر في صدر الإسلام دار بني قريظة وكان بها السموأل بن عادياء المضروب به المثل في الوفاء. وفي الخبر (2) : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر في سنة سبع، وكان الله تعالى وعده إياها في قوله عز وجل: " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه " يعني صلح الحديبية والمغانم فتح خيبر، ولما أشرف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " قفوا "، ثم قال: " اللهم رب السموات وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها ثم قال: " اقدموا بسم الله "، وكان يقولها لكل قرية دخلها قال: واستقبلنا عمال خيبر غادين قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والخميس معه، فأدبروا هراباً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين "، وذلك لسنة سبع. وفيها سقط ترس علي رضي الله عنه فأخذ باباً عند الحصن فترس به حتى فتح الله عليه ثم ألقاه، قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلقد رأيتني مع سبعة أنا أحدهم نجهد أن نقل ذلك الباب فما قوينا عليه، قال: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم للأموال يأخذها مالاً مالاً ويفتحها حصناً حصناً. وظهرت بخيبر في سنة تسع عشرة نار فسارت في الأرض، فأمر عمر رضي الله عنه الناس بالصدقة فتصدقوا فهمدت. خيغون (3) : بلد من مدن الصين عامرة والقاصد إليها كثير، وبها التجارات الكثيرة، وبأرضها توجد دواب المسك فهي صنف من المعز هي أشبه بالغزلان لكنها صغار، وألوانها ضربت (4) إلى الحمرة، وجلودها لينة المجسة ورعيها أنواع نبات الطيب، ولها صرر يجتمع فيها دم، يكون دمها أول شيء أحمر ثم لا يزال يتغير إلى السواد حتى يكون لونه أسود إلى الشقرة فتتعلق بها الظباء فتحكها وتقرضها تارة بأظلافها وتارة بالعض بأفواهها إلى أن تسقط. وفي برية بلاد التبت جبلان يمر بينهما نهر عذب ينبت فيهما السنبل أو ضرب منه فترعاها الظباء المسكية وتأتي إلى ذلك الماء فتشرب منه فتنتفخ صررها وتمتلئ دماً فتحكها وتقرضها تارة بأظلافها حتى تنقطع. وهذه الدواب تصاد في وقت معلوم فتمسك إلى أن تؤخذ منها الصرر ثم تحمل إلى المواضع التي صيدت فيها فتطلق بها وهي بها مستأنسة لا تنفر كثيراً. وأما دابة الزباد فهي في الإقليم الثاني من أوله إلى آخره موجودة به، وهي دابة تشبه القط لكنها كبيرة وتمسك في أقفاص كبار وتطعم اللحم، فإذا كان في أول الصيف وآخر الربيع ابتدأ الرشح في أخصيتها فمتى نظر إليها وقد اجتمع من الزباد فيها شيء قبض عليها وجرد عنها ما اجتمع على خصاها من الدرن، فذلك الزباد المحض، ثم تعاد إلى أقفاصها إلى أن يجتمع بها الدرن وهكذا إلى آخر الخريف، وهذا الحيوان يكون بالمغرب الأقصى كثيراً في بلاد الملثمين، وهو مشهور عندهم.

_ (1) معجم ما استعجم 2: 521. (2) السيرة 2: 329، 335. (3) هي بالعين في ص ع، وخيفون (بالفاء وأحياناً بالعين) في نزهة المشتاق: 69 وعنها ينقل المؤلف (OG: 203 خيغون) ، وبن الوردي: 34. (4) نزهة المشتاق: صهب.

الخيف:

ومدينة خيعون عليها حصن حصين وجناتها محدقة بها ولا عنب فيها ولا تين، وهي على ضفة خور (1) يصب في بحر الصين. الخيف (2) : اسم يقع مضافاً إلى مواضع كثيرة، ولا يكون خيفاً إلا بين جبلين، وقيل: الخيف ارتفاع وهبوط في سفح جبل أو غلظ، وأشهرها خيف منى ومسجده مسجد الخيف، وقال الشاعر: ولم أر ليلى قبل موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصب وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال، قلت: يا رسول الله أين تنزل غداً في حجتك؟ قال: " هل ترك لنا عقيل منزلاً، نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر "، وذلك أن قريشاً حالفت بني كنانة على بني هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤووهم.

_ (1) ص ع: بحر؛ OG: نهر. (2) معجم ما استعجم 2: 526.

دارا:

حرف الدال دارا (1) : بلد ديار ربيعة بينها وبين نصيبين خمسة فراسخ، صلى بها أبو موسى رضي الله عنه صلاة الخوف، وهي من بلاد الجزيرة، وهي مدينة رومية، وهي بيضاء كبيرة ولها قلعة مشرفة، ويليها بمقدار نصف مرحلة مدينة ماردين، وهي في سفح جبل في قنته قلعة لها كبيرة هي من قلاع الدنيا المشهورة، وكلتا المدينتين معمورتان، وفتحها عياض بن غنم، وهي في سفح جبل عليها سور حجارة، وبها أنهار وكروم وأسواق ومسجد جامع ومنبر، وبينها وبين كفر توثا سبعة فراسخ. وقال الشاعر: ولقد قلت لرجلي ... بين حران ودارا اصبري (2) يا رجل حتى ... يرزق الله حمارا دارين (3) : وبعضهم يقول: دارون قرية في بلاد فارس (4) على شاطئ البحر، وهي مرفأ سفن الهند بأنواع الطيب، فيقال مسك دارين وطيب دارين، وليس بدارين طيب. قال الأصمعي: سأل كسرى عن هذه القرية من بناها، فقالوا: دارين، أي عتيقة بالفارسية، وقيل: بل كسرى قال دارين لما لم يدر أوليتها. ومن قصيدة ابن حمديس المشهورة (5) : وراهبة أغلقت ديرها ... فكنا مع الليل زوارها هدانا إليها شذا قهوة ... تذيع لأنفك أسرارها فما فاز بالمسك إلا فتى ... تيمم دارين أو دارها ولبعض المتأخرين: وإذ تنم وشاة الطيب عنك فلا ... أراك حتى أداري مسك دارين ولما نزل العلاء بن الحضرمي الخط لما وجهه الصديق رضي الله عنه لمحاربة عبد القيس حين ارتدوا جاءه نصراني فقال له ما لي إن دللتك على مخاضة تخوض منها الخيل إلى دارين؟ قال: ما تسألني؟ قال: أهل بيت بدارين، قال: هم لك، فخاض به وبالخيل إليهم فظهر عليهم عنوة وسبى أهلها ثم رجع إلى عسكره فحبس لهم البحر حتى خاضوه، وجازه العلاء وأصحابه مشياً على أرجلهم، وقد كانت تجري فيه السفن قبل، ثم جرت فيه بعد فأظفره الله تعالى بهم وسلموا إليه ما كانوا منعوه من الجزية التي صالحهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويروى أنه كان للعلاء بن

_ (1) قارن بياقوت (دارا) ، والكرخي: 53. (2) ص ع: اعبري، والتصويب عن ياقوت. (3) معجم ما استعجم 2: 538 (دارون) . (4) تابع المؤلف في هذا الوهم أبا عبيد البكري، ودارين كانت على الساحل الشرقي من بلاد العرب. (5) ديوان ابن حمديس: 181.

دار ملول:

الحضرمي ومن معه جؤار إلى الله تعالى في خوض هذا البحر، فأجاب الله تعالى دعاءهم، وفي ذلك يقول أحدهم: ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار إحدى الجلائل دعونا الذي شق البحار فجاءنا ... بأعظم من فلق البحار الأوائل فلما رأى ذلك أهل الردة من أهل البحرين سألوه الصلح على ما صالح أهل هجر. دار ملول (1) : من البلاد الإفريقية. الدامغان (2) : بخراسان بين الري ونيسابور، وهي أقرب إلى نيسابور، وبين الدامغان وسمنان مرحلتان، والدامغان هي مدينة قومس، وهي قليلة الماء متوسطة العمارة وأكثر ما يباع بها الأكسية البيض الطيالسة. وقالوا: قومس بلد جليل القدر واسع، واسم المدينة الدامغان، وهي أول مدن خراسان فتحها عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة ثلاثين، وأهلها قوم عجم، وأحذق قوم بعمل الأكسية البيض الصوف القومسية. دابق (3) : مدينة في أقاصي فارس يذكر ويؤنث، قال الشاعر: بدابق وأين مني دابق ... وقال آخر: لقد ضاع قوم قلدوك ثغورهم ... بدابق إذ قيل العدو قريب وهو مذكور في حديث مسلم بن الحجاج: ينزل الروم بدابق أو الأعماق، أو ما هذا معناه. قال عياض: بفتح الباء جاء في كتاب مسلم. وبدابق توفي سليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين، وقال المسعودي (4) : توفي سليمان بن عبد الملك بمرج دابق من أعمال جند (5) قنسرين. وحدث عمر بن هانئ الطائي قال: خرجت مع عبد الله بن علي في أيام السفاح لنبش قبور بني أمية فاستخرجنا سليمان من أرض دابق فلم نجد منه شيئاً إلا صلبه وأضلاعه ورأسه فأحرقناه، وفعلنا ذلك بغيره من بني أمية. وفي خبر خالد بن معدان: إذا أمر الناس بالغزو، كان فسطاطه أول فسطاط يضرب بدابق. داي (6) : بأرض المغرب، بينها وبين أغمات أربعة أيام وبين داي وتادلى مرحلة، وداي في أسفل جبل خارج من جبل درن، وبها معدن النحاس الخالص الذي لا يعدله غيره من النحاس في أقطار الأرض ولونه إلى البياض، ويدخل في لحام الفضة، وينسب الناس هذا المعدن إلى السوس وليست داي من بلاد السوس بل بينهما أيام، وهي مدينة صغيرة لكنها كثيرة العامر، والقوافل عليها واردة وصادرة، ويزرع فيها القطن الكثير ويسافر به إلى كل الجهات، ولا يحتاجون مع قطنها إلى غيره من القطن المجلوب، وبها أرزاق ومعايش وخصب ونعم شتى، وأهلها أخلاط من البربر. دانية (7) : مدينة بشرق الأندلس على البحر عامرة حسنة لها

_ (1) الإدريسي (د) : 93 - 94 قال: ومن طبنة شرقاً إلى دار ملول مرحلة كبيرة، وكانت فيما سلف من الدهر مدينة عامرة وأسواقها قائمة ولها مزارع وغلات جمة، وفيها حصن مطل فيه مرصد من البلد ينظر إلى محال العرب في بلادهم، ويتطلع منه إلى ما بعد من الأرض ... وبين دار ملول ونقاوس 3 مراحل، وجبل أوراس منها على مرحلة، وكذلك من دار ملول إلى القلعة 3 مراحل. (2) قارن بياقوت (دامغان) قال: وهو قصبة قومس؛ والكرخي: 124، وابن حوقل: 322، ونزهة المشتاق: 208. (3) معجم ما استعجم 2: 531 وقوله ((في أقاصي فارس)) مما يستحق التوقف، إذ دابق - في المشهور - قرية قرب حلب من أعمال عزاز، فهل هناك دابق أخرى في أقاصي فارس؟ (4) التنبيه: 318. (5) لم ترد هذه اللفظة عند المسعودي. (6) ص ع: داي وتادلي؛ ولا لزوم لذكر تادلي هنا؛ والنقل عن الإدريسي (د/ ب) : 74/ 49، وقد ذكر البكري حصن داي: 154 ولكن المؤلف لم يرجع إلى ما قاله. (7) الإدريسي (د) : 192، وبروفنسال: 76، والترجمة: 95 (Denia) .

دارقطن:

ربض عامر وعليها سور حصين، وسورها من ناحية المشرق في داخل البحر قد بني بهندسة وحكمة، ولها قصبة منيعة جداً، وهي على عمارة متصلة وشجر تين كثيرة وكروم، والسفن واردة عليها صادرة عنها، ومنها كان يخرج الأسطول إلى الغزو، وبها ينشأ أكثره لأنها دار إنشائه، وفي الجنوب منها جبل عظيم مستدير (1) تظهر من أعلاه جبال يابسة في البحر. ومن دانية أبو عمرو الداني المقرئ المعروف بابن الصيرفي، له تواليف في القراءات، سمع بالأندلس من محمد بن عبد الله بن أبي زمنين، ووصل إلى المشرق فسمع من جماعة، توفي بدانية سنة أربع وأربعين وأربعمائة. دارقطن (2) : من مدن خراسان، منها الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني، له تواليف كثيرة في علم الحديث، توفي ببغداد سنة خمس وثمانين وثلثمائة. دبا (3) : مثل عصا، موضع بظهر الحيرة، ودبا فيما بين عمان والبحرين، كان وفد الأزد من أهل دبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام، فبعث فيهم مصدقاً منهم يقال له حذيفة بن اليمان (4) الأزدي من أهل دبا، وكتب له فرائض صدقات أموالهم ثم رسم له أخذها من أغنيائهم وردها على فقرائهم، ففعل ذلك حذيفة ورد فاضلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يجد لها موضعاً، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة وارتدوا، فدعاهم حذيفة إلى التوبة فأبوا، وأسمعوه شتم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا قوم أسمعوني الأذى في أبي وأمي ولا تسمعوني الأذى في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبوا إلا ذاك وجعلوا يرتجزون: لقد أتانا خبر ردي ... أمست قريش كلها نبي ... ظلم لعمر الله عبقري ... فكتب حذيفة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه بما كان منهم فاغتاظ أبو بكر عليهم غيظاً شديداً وقال: من لهؤلاء ويل لهم، ثم بعث إليهم عكرمة بن أبي جهل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على سفلى بني عامر بن صعصعة مصدقاً، فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انحاز إلى تبالة في أناس من العرب ثبتوا على الإسلام، فكان مقيماً بتبالة فجاءه كتاب أبي بكر رضي الله عنه، وكان أول بعث بعثه إلى أهل الردة: أن سر فيمن قبلك من المسلمين إلى أهل دبا، فسار عكرمة في نحو ألفين من المسلمين ورأس أهل الردة لقيط بن مالك فلما بلغه مسير عكرمة بعث ألف رجل من الأزد يلقونه، وبلغ عكرمة أنهم في جموع كثيرة فبعث طليعة، وكان لأصحاب لقيط أيضاً طليعة، فالتقت الطليعتان فتناوشوا ساعة ثم انكشف أصحاب لقيط، وبعث أصحاب عكرمة فارساً يخبر عكرمة، فلما أتاه الخبر أسرع بأصحابه ومن معه حتى لحق طليعته ثم زحفوا جميعاً ميمنة وميسرة وسار على تعبئة حتى أدرك القوم فالتقوا فاقتتلوا ساعة، ثم رزق الله تعالى عكرمة عليهم الظفر فهزمهم وأكثر فيهم القتل، ورجعوا منهزمين أجمعين إلى لقيط بن مالك، فأخبروه أن جمع عكرمة مقبل إليهم وأنهم لا طاقة لهم بهم، وفقدوا من أصحابهم بشراً كثيراً، منهم من قتل ومنهم من أسر، فلما انتهوا إلى لقيط مفلولين قوي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه بمن معه من المسلمين فناهضهم وناوشهم، وجاء عكرمة في أصحابه فقاتل معهم فأصابوا منهم مائة أو نحوها في المعركة ثم انهزموا حتى دخلوا مدينة دبا فتحصنوا فيها وحصرهم المسلمون شهراً أو نحوه وشق عليهم الحصار إذ لم يكونوا أخذوا له أهبة، فأرسلوا إلى حذيفة رجلاً منهم يسأله الصلح، فقال: إلا أخيرهم، بين حرب مجلية أو سلم مخزية، قالوا: أما الحرب المجلية فقد عرفناها فما السلم المخزية؟ قال: تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وأن ما أخذنا منكم فهو لنا وما أخذتموه منا فهو رد علينا، وأنا على حق وأنكم على باطل وكفر، نحكم فيكم بما رأينا فأقروا بذلك، فقال: اخرجوا من مدينتكم عزلاً لا سلاح معكم، ففعلوا، فدخل المسلمون حصنهم، فقال حذيفة رضي الله عنه: إني قد حكمت فيكم أن أقتل أشرافكم وأسبي ذراريكم، فقتل من أشرافهم مائة رجل، وسبى ذراريهم، وقدم حذيفة رضي الله عنه بسبيهم إلى المدينة، وهم ثلثمائة من المقاتلة وأربعمائة من الذرية والنساء، وأقام عكرمة بدبا عاملاً عليها لأبي بكر رضي الله عنه، فلما قدم حذيفة رضي الله عنه بسبيهم إلى المدينة اختلف فيهم المسلمون فكان زيد بن أسلم يحدث عن أبيه أن أبا بكر رضي

_ (1) يسمى جبل ((قاعون)) واسمه اليوم: Le Mongo. (2) دار القطن عند ياقوت محلة ببغداد ينسب إليها أبو الحسن الدارقطني، وكذلك قال السمعاني في الأنساب 5: 273 وفيه ترجمة مفيدة للدار قطني. (3) قارن بياقوت: (دبا) ، والإصابة 1: 335، وطبقات ابن سعد 7: 101. (4) ياقوت: حذيفة بن محصن.

دبوسية:

الله عنه أنزلهم دار رملة بنت الحارث، وهو يريد أن يقتل من بقي من المقاتلة، فكان من كلام عمر رضي الله عنه: يا خليفة رسول الله قوم مؤمنون إنما شحوا على أموالهم والقوم يقولون: والله ما رجعنا عن الإسلام ولكن شححنا على أموالنا، فيأبى أبو بكر رضي الله عنه أن يدعهم بهذا القول، ولم يزالوا موقفين بدار رملة حتى توفي أبو بكر رضي الله عنه وولي عمر رضي الله عنه فدعاهم فقال: قد كان من رأيي يوم قدم بكم على أبي بكر رضي الله عنه أن يطلقكم وقد أفضى إلي الأمر فانطلقوا إلى أي البلاد شئتم فأنتم قوم أحرار لا فدية عليكم، فخرجوا حتى نزلوا البصرة، وكان فيهم أبو صفرة والد المهلب وهو غلام يومئذ، وكان في من نزل البصرة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رأي المهاجرين فيهم إذ استشارهم أبو بكر رضي الله عنه كان قتلهم أو فداءهم بأغلى الفداء، وكان عمر رضي الله عنه يرى ألا قتل عليهم ولا فداء، فلم يزالوا محتبسين حتى ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأرسلهم بغير فداء. ويروى عن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى فيهم بأربعمائة، فصار فداء، ثم نظر في ذلك فقال: لا سباء في الإسلام فهم أحرار، والأول أكثر. وعن عروة: لما قدم أهل غزو دبا المدينة قافلين أعطاهم أبو بكر رضي الله عنه خمسة دنانير خمسة دنانير. دبيل (1) : على وزن خليل، مدينة بالسند هي أول مدنها، وهي على ساحل البحر. دبوسية (2) : من بلاد الصغد، مدينة حسنة كثيرة البساتين والثمار، ولها قرى ومزارع وعمارات حسنة، وفيها منبر وأسواق كثيرة، وليس لها كبير قرى ولا رساتيق، ولها سور تراب، وبها مياه جارية. الدثينة (3) : مدينة بينها وبين القلزم أربعة وعشرون ميلاً كانت منزلاً لقوم من العماليق، وبها مصانع تجتمع فيها السيول، وكانت فيما مضى محكمة بأبواب مطبقة تفتح إذا شاءوا أن يسقوا أرضاً فإذا اكتفوا أرسلوا الأبواب فحبسوا الماء، وبين القلزم والدثينة الموضع المعروف بجسر القلزم وهو قنطرة على خليج من البحر تجري فيه قوارب من القلزم يحمل فيها الماء العذب والميرة للحاج، وأول من بناه عمرو بن العاصي وأكمله عبد الله بن أبي سرح ثم بناه عبد الملك بن مروان، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بحفر خليج من النيل إلى القلزم وقال: لا تتركن النساء يفدن إلى البيت، وعلى الجسر درابزين من خشب عن يمين وشمال، ويعبر الناس على القنطرة. دجلة (4) : هي تخرج من بلاد آمد من ديار بكر، وهي من أعين ببلاد خلاط من أرمينية من الإقليم الخامس من موضع يعرف بحصن ذي القرنين، وتصب إليها أنهار سريط وساتيدما الخارجة من بلاد أرمينية: أرزن وميافارقين وتمر بالموصل، وتصب في نهر الخابور الخارج من بلاد أرمينية، والتقاؤه بدجلة في بلاد قردى وبازبدى من بلاد الموصل، وهذه الديار هي ديار بني حمدان، وفيها يقول الشاعر: بقردى وبازبدى مصيف ومربع ... وعذب يحاكي السلسبيل برود وبغداد ما بغداد أما ترابها ... فجمر وأما حرها فشديد وليس هذا نهر الخابور الذي يجري من مدينة رأس عين ويصب في الفرات ثم تمر إلى الداخلة فيصب فيها أسفل من الموصل والحديثة، على فرسخ من الحديثة، من الجانب الشرقي نهر الزاب الأكبر والأصغر الواردان من بلاد أرمينية وأذربيجان، ثم تنتهي الدجلة إلى تكريت وسامراء وبغداد فيصب فيها نهر عيسى، ثم تخرج دجلة من بغداد فتصب فيها أنهار كثيرة مثل نهروان الذي يلي بلاد جرجرايا من مدينة واسط والسيف وتل النعمانية، وإذا

_ (1) معجم ما استعجم 2: 543، وقد وهم البكري وتابعه المؤلف، فإن دبيل بوزن خليل بلد بأرمينية، أو بالشام - كما قال ياقوت - أما البلد الذي في السند فهو ديبل، بتقديم الياء المثناة، انظر فتوح البلاذري: 535 وستأتي ((الديبل)) . (2) عن نزهة المشتاق: 214، وانظر ابن خلكان 3: 48. (3) لعلها الدثنة في الخطط 1: 183 وتلفظ أيضاً ((دفنة)) ، ومن الممكن أن تكون الدفينة (انظر معجم البكري: الدثنية، حيث تلفظ أيضاً الدفنية) ، وقال رمزي في قاموسه: إن مكان دفنة اليوم ((الواقع غربي محطة القنطرة على بعد 13 كيلومتراً منها. (4) البكري (مخ) : 41، وقارن بياقوت (دجلة) والتنبيه والأشراف: 52.

دراورد:

خرجت من مدينة واسط تفرقت أنهاراً آخذة إلى بطيحة البصرة، ومقدار جريان الدجلة ثلثمائة فرسخ وقيل أربعمائة فرسخ. وكانت الدجلة، التي تدعى اليوم العوراء، قبل الإسلام تستقيم من عند المذار، وهي اليوم منقطعة من ثم خرقت الأرض ومرت ذاهبة، وكان كسرى ابرويز قد كسر دجلة عند الخيزرانة ليعود الماء إلى دجلة العوراء وأنفق عليها مالاً عظيماً فأعياه ذلك، ورام خالد بن عبد الله أن يكسرها وأنفق الأموال في ذلك فهدمت دجلة ذلك البنيان وخرقته، وأثار ذلك البنيان ترى، إذا مد الماء دجلة، من آجر وصاروج، وربما عطبت فيه السفن المارة. دجيل (1) : هو قناة من دجلة كان أبو جعفر المنصور حين بنى بغداد أخرج من دجلة دجيلاً ليسقي تلك القرى كلها، حفرها من دجلة في عقود وثيقة من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها معقودة وعليها عقد وثيق، وسماها دجيلاً. وفي دجيل قتل عبد الرحمن بن أبي ليلى والد محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه، وكان عبد الرحمن هذا يروي عن عمر وعلي وعبد الله وأبي هريرة رضي الله عنهم وكان خرج مع ابن الأشعث فقتل بدجيل. دارابجرد (2) : من كور فارس بينها وبين شيراز مائة وخمسون ميلاً، وهي دار الملك ونسبها إلى نفسه، وهي كبيرة عامرة آهلة بها تجار وأسواق وبيع وشراء، وهي مجتمع للتجار المتصرفين في ديار فارس، وعليها سور حصين ويدور به خندق تجتمع فيه فضول المياه التي تسقى بها النخيل وفضالات مياه وعيون جمة، وفيه سمك كثير لا عظم له ولا فلوس عليه، ولها أربعة أبواب، وفي وسطها جبل عال كالقبة (3) ، وبنيانها بالحجارة والطين والجص. قالوا (4) : وكان بدارابجرد بيت نار معظم كان زرادشت أمر يستاسف الملك أن ينقل ناراً كانت بمدينة خوارزم إلى دارابجرد فالمجوس تعظم هذه النار أشد تعظيم، وهي أكرم نيرانهم، والذي بنى دارابجرد هو دارا بن بهمن بن اسبنديار وهو الذي مات أبوه فخلفه حملاً فعقد له التاج في بطن أمه، وهو والد دارا الذي قتله الإسكندر. قالوا: ومن النسب الشاذ قولهم في دارابجرد: دراوردي، وقال الشاعر (5) : أقاتلي الحجاج إن لم أزر له ... دراب وأترك عند هند فؤاديا فإن كان لا يرضيك حتى تردني ... إلى قطري لا إخالك راضيا دراورد (6) : قرية من خراسان منها عبد العزيز بن محمد الدراوردي أصله منها ولكنه ولد بالمدينة ونشأ بها. الدردور (7) : موضع في بحر فارس مما يلي شط البحر حيث جبلا كسير وعوير، وهو موضع يدور فيه الماء كالرحى دوراناً دائماً من غير فترة ولا سكون، فإذا سقط إليه مركب أو غيره فلا يزال يدور حتى يتلف، وهو يضيق على مقربة من جبلي كسير وعوير، تسلكه السفن الصغار ولا تسلكه الكبار، وهذه الدردورات ثلاثة: منها هذا الواحد والثاني بمقربة من جزيرة قمار والدردور الثالث في آخر الصين. درن (8) : جبل بالمغرب مشهور يعرف بسقنقور، وهو جبل عظيم معترض في الصحراء. وحكى البكري أن في الحديث أن بالمغرب جبلاً يقال له درن يزف يوم القيامة بأهله إلى النار كما تزف العروس إلى بعلها، وقل أن يكون في الجبال مثله سمواً وكثرة خصب وطول مسافة واتصال عمارة ومبدؤه من البحر المحيط في أقصى السوس، ويمر مع المشرق مستقيماً حتى يصل إلى جبال نفوسة، ويسمى هنالك بجبل نفوسة،

_ (1) لابد من التمييز بين نهرين يسمى كل منهما دجيلا (انظر ياقوت) . (2) نزهة المشتاق: 126؛ وانظر الكرخي: 76، والمقدسي: 428، وابن حوقل: 245، وقد تسقط الألف الأولى منها. (3) ص ع: كالعمة. (4) مروج الذهب 4: 75. (5) هو سوار بن المضرب السعدي (معجم ما استعجم 2: 549) . (6) قارن بياقوت (دراورد) . (7) انظر ياقوت: (الدردور) ، وابن خرداذبه: 60، والبكري (مخ) : 36، والمؤلف ينقل عن نزهة المشتاق: 56 (OG: 164) . (8) البكري: 160، والإدريسي (د/ ب) : 63/ 40.

دروقة:

ويتصل بعد ذلك بجبال طرابلس ثم يرق هنالك ويخفى أثره، ويقال إن هذا الجبل يصل إلى البحر حيث الطرف المسمى بأوثان. وفي كل هذا الجبل كل طريفة من الثمار وغرائب الأشجار والماء يطرد فيه، ويوجد بوسطه وحوافيه النبات مخضراً في كل الأزمان، وفي أعلاه جمل من قلاع وحصون تنيف على السبعين حصناً، ومنها الحصن المنيع القليل مثله في حصون الأرض بنية وتحصيناً ومنعة، وهو في أعلى الجبل حتى إن أربعة رجال يمسكونه ويمنعون الصعود إليه لأن الصعود إليه، من مكان ضيق وعر المرتقى لا ترتقي إليه دابة إلا بعد جهد ومشقة اسمه تامللت، وهو كان عمدة الإمام المهدي حين ظهر بالمغرب وهو الذي زاد في تحصينه وجعله مدخراً لأمواله، وبه الآن قبره، وعليه بناء متقن كالقبة العالية. وفي هذا الجبل من الفواكه: التين الطيب المتناهي في الطيب البالغ في الحلاوة (1) ، والعنب العسلي والجوز واللوز، ومن السفرجل والرمان ما يباع منه الحمل بقيراط لكثرته، وبه الإجاص والكمثرى والمشمش والأترج والقصب الحلو، وهم لا يتبايعونه بينهم لكثرته، وشجر الزيتون والخرنوب وسائر الفواكه، وبه الشجر المسمى آركان (2) ويعصر منه دهن كثير جداً، وهم يستعملونه كثيراً وبه الصنوبر والأرز والبلوط. وهذا الجبل معترض في الصحراء، ويقال إنه أكبر جبال الدنيا وإنه متصل بجبل المقطم الذي ببلدة مصر وفيه قبائل كثيرة من المصامدة، ويقال إنهم من العرب دخلوا تلك البلاد وسكنوا تلك الشعاب في الفتنة الواقعة عند هزيمة ميسرة التي تسمى غزوة الأشراف فكان البربر يطلبون العرب فتوغلوا في تلك الجبال وتناسلوا. فهم أهلها على الحقيقة، وفي الجبل من المصامدة أمم لا تحصى، وأكثر عيشهم من العنب والزبيب والرب وهم لا يستغنون عن شربه لشدة برد الجبل وثلجه، وخلفه بلد السوس. قال البكري: وهو متصل بجبل أوراس وبجبل نفوسة المجاور لطرابلس. قال: وتسير في هذا الجبل إلى موضع يقال له الملاحة، وفي أعلى الجبل نهر عظيم كبير والجبل كثير الأشجار. قال بعضهم: هذا الجبل فاصل بين الصحراء والساحل، ومنه ينفجر كل نهر هناك، وهم يختلفون في تسميته فأهل فاس وسجلماسة يسمونه درن كما وقع ذلك للمعتمد إذ رآه حين صير إلى تلك البلاد فقال: هذي جبال درن ... قلبي بها ذو درن يا ليتني لم أرها ... وليتها لم ترني والمصامدة ونول لمطة يسمونه جشكو، وهوارة يسمونه أوراس، ومما ينفجر منه نهر نفيس ووادي أغمات وغيرهما. دروقة (3) : مدينة بالأندلس من عمل قلعة أيوب عظيمة في سفح جبل، وعلى مقربة منها كنيسة أبرونية لها ثلاثمائة باب وستون باباً، وهي من إحدى عجائب البنيان. وقيل بين دروقة وبين قلعة أيوب ثمانية عشر ميلاً، وهي مدينة صغيرة متحضرة كبيرة العامر كثيرة البساتين والكروم، وكل شيء بها كثير رخيص، وبينها وبين سرقسطة خمسون ميلاً. درعة (4) : بالمغرب في جهة سجلماسة، وإنما تعرف درعة بواديها فإنه نهر كبير يجري من المشرق إلى المغرب وينبعث من جبل درن، وعليه عمارة متصلة نحو سبعة أيام، وهي مدينة عامرة آهلة بها جامع وأسواق حافلة كثيرة ومتاجر رائجة، ولها يوم الجمعة سوق في مواضع كثيرة، وقديماً كان سوقان في يوم واحد في المواضع المتباينة (5) ، وهي في شرف من الأرض والنهر منها بقبليها، وجريه من المشرق إلى المغرب، ويهبط لها من ربوة حمراء وعليه الجنات الكثيرة فيها جميع الفواكه من النخل والزيتون وغيرهما، والحناء بدرعة كثير، ومنها يجلب إلى جميع البلاد لطيبها، ولها مزية في البيع على سواها، وشجر الحناء بها كثير كبير يحتمل أن يرقى الراقي إليها. وبوادي درعة شجر التاكوت (6) ، وهو شجر يشبه الطرفاء

_ (1) ص ع: التين الطيب المتناهي والعنب العسلي البالغ في الطيب. (2) الإدريسي: آرقان. (3) بروفنسال: 76، والترجمة: 96 (Daroca) ، والإدريسي (د) : 192. (4) الاستبصار: 206 وهو مختلط بالنقل عن البكري: 155. (5) الاستبصار: النائية. (6) ص ع: التاكوت.

الدرب:

وبه يدبغ الجلد الغدامسي، ويوجد بوادي درعة حجارة تسمى تامطغيت (1) تحك باليد فتلين إلى أن تأتي في قوام الكتان فتصنع منها القيود للدواب والإمرة، وتغزل وينسج منها مناديل ولا تؤثر فيها النار مثل السمندل، وقد صنع منها لبعض ملوك زناتة كساء فكان عنده من أعظم الذخائر. وذكر البكري عن من أخبره أنه رأى تاجراً قد جلب منه منديلاً لبعض ملوك الروم، وأخبره أنه منديل كان لبعض الحواريين وجعله في النار أمام الملك فلم تؤثر فيه النار، فوصله ذلك الملك عليه بصلة كان فيها غناه إلى آخر الدهر، ويقال إن ذلك الملك بعثه إلى ملك الروم الأعظم وأخبره بخبره فوضعه في الكنيسة العظمى وبعث إليه بصلة سنية، وأمره أن يتوج بتاج بعثه إليه ورفعه على من سواه. وبين (2) درعة وسجلماسة ثلاث مراحل وليست درعة بمدينة يحوطها سور ولا حفير إنما هي قرى متصلة وعمارات متقاربة ومزارع كثيرة، وفيها أخلاط من البربر، وهي على نهر سجلماسة النازل إليهم وعليه يزدرعون غلات الحناء والكمون والكراويا والنيلج، ونبات الحناء يكبر بها حتى يصير في قوام الشجر يصعدون إليها، ومنها يؤخذ بزره ويتجهز به إلى الجهات، ولا يوجد بزره إلا في هذا الإقليم فقط. وبين درعة والسوس الأقصى أربعة أيام. الدرب (3) : هو جبل بين عمورية وطرسوس، وهو الذي عناه امرؤ القيس بقوله: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وهو حاجز بين بلاد إنطاكية وبلاد طرسوس منتصباً من الغرب إلى الشرق، وفيه أبواب عليها حصون وحراس ترتقب الداخل والخارج، ومن الدرب إلى البذندون، وهو حصن، اثنا عشر ميلاً. درجين (4) : هي آخر البلاد الجريدية، مدينة قديمة بقرب نفطة، وهي كبيرة، والكساء الدرجيني يشبه الكساء السجلماسي في ثوبه ولونه، لكنه دونه في الجودة. دلاية (5) : قرية بالأندلس من عمل المرية. دلوك (6) : بلد من الثغور المتصلة ببلاد الروم وراء الفرات، وقال عدي بن الرقاع: فقلت لها كيف اهتديت ودوننا ... دلوك وأشراف الدروب القواهر دلاص (7) : من البلاد المصرية في الضفة الشرقية من معظم النيل، تصنع بها اللجم الدلاصية، وهي مدينة صغيرة عامرة جليلة وصناعة الحديد فيها قائمة، وهي قديمة أزلية عجيبة البناء فيها غرائب، وهي كانت مجتمع سحرة مصر، وكانت في أيام القبط كبيرة إلا أنها الآن تسلط عليها البرابر من لواتة وشرار العرب فأفنوا عمارات أطراف هذه البلاد وأفسدوها فقل ساكنوها لذلك. دمقلة (8) : في غربي النيل على ضفته، وهي قاعدة ملك النوبة، وأهلها سودان، ومن النيل يشرب أهلها، لكنهم أحسن الناس وجوهاً وأجملهم شكلاً وطعامهم الشعير والذرة، والتمر يجلب إليهم من البلاد المجاورة لهم، وشرابهم المزر المتخذ من الذرة. وبين دمقلة (9) وعمل مصر أربعون يوماً، وهم نصارى يعقوبية ويقرأون الانجيل بلسان الروم الملكانية، وهم يغتسلون من الجنابة، لا يطأون في الحيضة، وملوكهم (10) يتخذون الخيل العتاق، وركوب عوامهم البراذين، ولهم النخل والكروم والذرة والموز والحنطة، والأترج عندهم كثير. وتسير من دمقلة في جبال وشعاب حتى تنتهي إلى صورا وهو آخر بلادهم.

_ (1) ص ع: تامطعت، الاستبصار: تامضغيت. (2) الإدريسي (د/ ب) : 61/ 38. (3) قارن بياقوت (الدرب) . (4) الاستبصار: 159. (5) بروفنسال: 77، والترجمة: 96 (Dalias) ، وانظر ياقوت (دلاية) . (6) معجم ما استعجم 2: 555، وقال ياقوت: بليدة بنواحي حلب بالعواصم. (7) قارن بياقوت (دلاص) وقال إنها بصعيد مصر من كورة البهنا، على غربي النيل، وانظر الاستبصار: 84، والإدريسي (د) : 51، وصبح الأعشى 3: 376. (8) ع: دكة، وتكتب أيضاً ((دنقلة)) ، الإدريسي (د) : 19 (OG: 37) ، وصبح الأعشى 5: 275، والبكري (مخ) : 59. (9) ع: وبين العرب يسمونها اليوم دمقلة ... (10) قارن بمروج الذهب 2: 382.

دمنهور:

ولما افتتحت (1) مصر أمر عمر رضي الله عنه أن تغزى النوبة فوجدهم المسلمون يرمون الحدق فذهبوا إلى المصالحة فأبى عمرو بن العاصي رضي الله عنه من مصالحتهم حتى صرف عن مصر ووليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة إحدى وثلاثين فقاتلوه قتالاً شديداً فأصيبت عين معاوية بن حديج رضي الله عنه وعيون جماعته، فحينئذ سموا رماة الحدق. قال الشاعر: لم تر عيني مثل يوم دمقله ... والخيل تعدو بالدروع مثقله ... ورميهم عن قسي غريبة، ولحومهم لحم (2) الإبل طرياً وملحاً يطبخونه بالنار، والسمك عندهم كثير جداً، وفي بلادهم الزراريف والفيلة والغزلان. دمهرة (3) : وهي جزيرة القمر من جزر الهند، وهذه الجزائر فيها رئيس يجمعهم ويذب عنهم ويهادن على قدر طاقته، وزوجته تحكم بين الناس وتكلمهم ولا تستتر عنهم سترة دائمة لا ينتقلون عنها، وهي تلبس حلة الذهب المنسوج وعلى رأسها تاج الذهب المكلل بأنواع اليواقيت والجوهر والأحجار النفيسة، وتجعل في رجلها نعل الذهب، وليس يمشي أحد في هذه الجزائر بنعل إلا الملكة وحدها، ومتى عثر على أحد أنه يلبس النعل قطعت رجلاه. وتركب هذه الملكة في مدينتها وأعمالها ويركب خلفها جواريها بالزي الكامل من الفيلة والرايات والأبواق، والملك زوجها وجميع الوزراء يتبعونها على بعد منها، ولهذه الملكة أموال تجمعها من جبايات معلومة فتتصدق بهذه الأموال على فقراء أهل بلادها في ذلك اليوم ولا تتصدق بشيء إلا وهي واقفة تنظر، وأهل بلادها يعلقون على طرقها ومواضع سيرها أنواع ثياب الحرير، ولها زي حسن. ونساء هذه الجزيرة يمشين مكشوفات الرؤوس مضفورات الشعور، والمرأة الواحدة تمسك في رأسها عشرة أمشاط وأقل وأكثر، وهي حليهن. دمنهور (4) : مدينة مسورة في بسيط من الأرض أفيح متصل من الإسكندرية إلى مصر والبسيط كله محترث، والقرى فيه يميناً وشمالاً لا تحصى كثيرة. دماميل (5) : مدينة بينها وبين قوص من أرض مصر سبعة أميال، وهي محدثة حسنة البناء طيبة الهواء كثيرة الزراعات ممكنة الحنطة وسائر الحبوب، وأهلها أخلاط والغالب عليهم أهل المغرب والغريب عندهم مكرم محفوظ مرعي الجانب، وفي أهلها مواساة بالجملة. دمشق (6) : هي قاعدة الشام ودار ملك بني أمية، سميت باسم صاحبها الذي بناها وهو دمشق بن قاني بن مالك بن ارفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، وقيل سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان، قال عياض: هي بكسر الدال وفتح الميم، ومنهم من يكسر الميم. وهي ذات العماد في قول عوف بن خالد وعكرمة وغيرهما، وقيل غير ذلك. قال مؤرخو أخبار العجم: في شهر أيار بنى دمشوش الملك مدينة جلق، وهي مدينة دمشق وحفر نهرها بردى ونقره في الجبل حتى جرى إلى المدينة. وحكي أن دمشق كانت دار نوح، ومن جبل لبنان كان مبدأ السفينة، واستوت على الجودي قبل قردى ولما كثر ولده نزلوا بابل السواد في ملك نمرود بن كوش أول ملك كان في الأرض. وسور دمشق تراب، ولها أربعة أبواب: الباب الغربي وهو باب الجابية، والباب الجنوبي (7) ويسمى باب توما ويقال له اليوم باب المصادمة، والباب الشرقي وهو باب الغوطة، ومن الباب الشرقي دخل خالد بن الوليد ومنه فتح دمشق، والباب الشمالي

_ (1) قارن بفتوح مصر: 188، وياقوت: (دمقلة) . (2) ص ع: لحوم. (3) نزهة المشتاق: 25، وعنده أن ((مهره)) اسم الملكة، وكلام الإدريسي يدور حول جزيرة ((أنبوبة)) إحدى جزائر الديبجات، وحول رئيس هذه الجزائر وملكتها؛ ويبدو أن المؤلف وقع في الوهم وأن ((الديبجات)) هي المادة التي يجب أن توضع في موضع ((دمهرة)) . وانظر الإدريسي (ق) : 2 - 4 OG: 69، وتحقيق ما للهند: 169 (Maladives) . (4) قارن بياقوت (دمنهور) ، وابن دقماق 5: 101، وقاموس رمزي 2/ 2: 284. (5) قارن بياقوت (دمامين) ، وابن دقماق 5: 31، والمؤلف ينقل عن الإدريسي (د) : 49. (6) اعتمد المؤلف في أكثر هذه المادة على رحلة ابن جبير: 260 - 289، وقارن بياقوت (دمشق) ، والمجلدين الأولين من تاريخ ابن عساكر، والأعلاق الخطيرة (الجزء الخاص بدمشق) ، والقمدسي: 156، واليعقوبي: 325، والكرخي: 45، وابن حوقل: 160، وابن الفقيه: 104، وابن بطوطة: 84، ومسالك الأبصار 1: 178، وصبح الأعشى 4: 96. (7) عند ابن عساكر وغيره أن باب توما شمالي.

هو باب الفراديس وهو باب كيسان (1) ، ونهرها يحيط بمدينتها من كل ناحية حتى يلتقي من جهة الغوطة، وفي باب توما أربعة أنهار: نهر برزة ونهر ثورا (2) ونهر يزيد ونهر القناة، وتسير في مدينة دمشق حتى تنتهي إلى باب الفراديس مقدار ميل إلى عين حران، وهي ثلاث ديارات، وقصر ابن طولون إلى جانبه، ومما يلي الباب الغربي وهو باب الجابية المصلى، وتسير من المدينة في بساتين إلى باب صغير وعليه خمس صوامع للرهبان. وفي سور دمشق فتح كالأبواب تدخل منها الأنهار إلى المدينة وهي تجري داخل المدينة وتخرق دورها وأسواقها، والأسواق كلها مسقفة على هيئة سقوف المسجد الجامع بها، وأرضها مفروشة. ومسجد جامعها بناه الوليد بن عبد الملك سنة ثمان وثمانين، وهو داخل المدينة وليس (3) على وجه الأرض مثله بناء ولا أحسن صفة ولا أتقن إحكاماً ولا أبدع منه تلميعاً بأنواع الفصوص المذهبة والآجر المحكوك والمرمر المصقول، فمن جاء من ناحية باب جيرون صعد إليه في درج رخام نحواً من ثلاثين درجة، ومن قصده من ناحية باب البريد والقبة الخضراء وباب الفراديس كان مدخله مع الأرض بغير درج. ومن عجيب شأنه أنه لا تنسج به العنكبوت ولا يدخله الطائر المعروف بالخطاف، وفيه آثار عجيبة منها الخزان (4) ، والقبة التي فوق المحراب عند المقصورة يقال إنها من بناء الصابئة، وكان مصلاهم بها، ثم صار في أيدي اليونانيين فكانوا يعظمون فيه دينهم ثم صار بعدهم لعباد الأوثان، فكان موضعاً لأصنامهم، ثم انتقل إلى اليهود فقتل في ذلك الزمان يحيى بن زكريا فنصب رأسه على باب المسجد المسمى بباب جيرون، ثم تغلب عليه النصارى فحولته بيعة يقيمون بها دينهم، ثم افتتحها المسلمون فاتخذوه جامعاً، فلما كان في أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان جعل أرضه رخاماً ومعاقد رؤوس أساطينه ذهباً ومحرابه مذهباً وسائر حيطانه مرصعة بأشباه الجوهر، والسقف كله مكتب بأحسن صنعة وأبدع تنميق، وأنفق في هذا المسجد خراج الشام كله سنتين. وكان (5) بعث إلى ملك الروم بالقسطنطينية يأمره باشخاص اثني عشر ألف صانع من جميع بلاده، وتقدم إليه بالوعيد في ذلك إن توقف عنه، فامتثل أمره مذعناً بعد مراسلة جرت بينهما في ذلك، فشرع في بنائه وبلغ الغاية في التأنق فيه، وأنزلت جدره كلها بفصوص الفسيفساء وخلطت بأنواع من الأصبغة الغريبة وقد مثلت أشجاراً وفرعت أغصاناً منظومة بالفصوص ببدائع من الأصبغة الغريبة، فجاء يعشي العيون وميضاً، وكان مبلغ النفقة حسبما ذكره ابن المعلى الأسدي (6) في بنيانه أربعمائة صندوق، في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار، فكان مبلغ الجميع أحد عشر ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار. والوليد هو الذي أخذ نصف الكنيسة الباقية منه في أيدي النصارى وأدخلها فيه لأنه كان قسمين: قسماً للمسلمين وقسماً للنصارى، وهو الغربي، لأن أبا عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه دخل البلد من الجهة الغربية فانتهى إلى نصف الكنيسة وقد وقع الصلح بينه وبين النصارى، ودخل خالد بن الوليد رضي الله عنه عنوة من الجهة الشرقية وانتهى إلى النصف الثاني وهو الشرقي، فاختاره المسلمون وصيروه مسجداً، وبقي النصف المصالح عليه وهو الغربي كنيسة بأيدي النصارى إلى أن عوضهم منه الوليد فأبوا ذلك فانتزعه من أيديهم قسراً وطلع لهده بنفسه، وكانوا يزعمون أن الذي يهدم كنيستهم يجن، فبادر الوليد وقال: أنا أول من يجن في الله تعالى، وبدأ بالهدم بيده فبادر المسلمون هدمه، واستعدوا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أيام خلافته وأخرجوا العهود التي بأيديهم من الصحابة رضي الله عنهم في إبقائه عليهم فهم بصرفه إليهم فأشفق المسلمون من ذلك، ثم عوضهم من ذلك بمال عظيم أرضاهم به فقبلوه. ويقال إن أول من وضع جداره القبلي هود عليه السلام، وفي أثر أنه يعبد الله تعالى فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة، وذرعه في الطول من المشرق إلى المغرب مائتا خطوة وهما ثلثمائة ذراع، وعرضه من القبلة إلى الشمال مائة خطوة وخمس وثلاثون خطوة وهي مائتا ذراع، فيكون تكسيره من المراجع أربعة وعشرين مرجعاً، وهو تكسير مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن الطول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القبلة إلى الشمال، وبلاطاته المتصلة بالقبلة ثلاث مستطيلة من المشرق إلى المغرب، سعة كل بلاطة ثمان عشرة خطوة، والخطوة ذراع ونصف، وقد قامت على ثمانية وستين عموداً، منها أربع وخمسون

_ (1) صحيح أن باب الفراديس شمالي، ولكن باب كيسان غير باب الفراديس وهو أي باب كيسان قبلي شرقي، وكيسان المنسوب إليه هو مولى بشر بن عبادة اللبي، ويقول ابن عساكر: ((وهو الآن مسدود)) (2: 185) . (2) ص ع: بوران. (3) عن نزهة المشتاق: 116. (4) نزهة المشتاق: الحجران. (5) عن ابن جبير: 261. (6) ص ع: الآمدي.

سارية وثماني (1) أرجل جصية واثنتان مرخمة ملتصقة معها في الجدار الذي يلي الصحن، وأربع (2) أرجل مرخمة أبدع ترخيم مرصعة بفصوص الرخام ملونة قد نظمت خواتيم وصورت محاريب وأشكالاً غريبة قائمة في البلاط الأوسط، دور كل رجل منها اثنان وسبعون شبراً، ويستدير بالصحن بلاط من ثلاث جهات: الشرقية والغربية والشمالية، وسعة الصحن حاشا المسقف القبلي والشمالي مائة ذراع، وعدد شمسيات الجامع الزجاجية المذهبة الملونة أربع وسبعون. وفي الجامع ثلاث مقصورات: مقصورة الصحابة رضي الله عنهم وهي مقصورة معاوية رضي الله عنه، هو أول من وضعها وبإزاء محرابها باب حديد كان يدخل منه معاوية إلى المقصورة، وبإزاء محرابها مصلى أبي الدرداء رضي الله عنه وخلفها كانت دار معاوية رضي الله عنه، وهو اليوم سماط عظيم للصفارين بطول جدار الجامع القبلي (3) . وفي الجامع عدة زوايا يتخذها الطلبة للنسخ والدرس والانفراد عن ازدحام الناس، وهي من جملة مرافق الطلبة. وفي الجدار المتصل بالصحن المحيط بالبلاطات القبلية عشرون باباً قد علتها قسي جصية كلها مخرمة على شبه الشمسيات. وللجامع ثلاث صوامع: واحدة في الجانب الغربي وهي كالبرج المشيد تحتوي على مساكن متسعة وزوايا فسيحة يسكنها أقوام من الغرباء أهل الخير، وبها كان معتكف أبي حامد الغزالي، وثانية بالجانب الغربي،، وثالثة (4) بالجانب الشمالي. وللجامع مال عظيم من خراجات ومستغلات تنيف على الثمانية آلاف دينار في السنة. وكان هذا الجامع ظاهراً وباطناً منزلاً كله بالفصوص المذهبة مزخرفاً بأبدع زخارف البناء فأدركه الحريق مرتين فتهدم وجدد وذهب أكثر رخامه واستحال رونقه. ومحرابه من أعجب المحاريب الإسلامية حسناً وغرابة صنعة يتقد ذهباً كله قد قامت في وسطه محاريب صغار، وفي الركن الشرقي من المقصورة الحديثة في صف المحراب خزانة كبيرة فيها مصحف عثمان الذي وجه به إلى الشام، وتفتح الخزانة كل جمعة إثر الصلاة فيتبرك الناس بلمسه وتقبيله، ويكثر الزحام عليه. وهناك مشهد كبير حفيل كان فيه رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما ثم نقل إلى القاهرة. وعن يمين الخارج من باب جيرون غرفة لها هيئة طاق كبير مستدير فيه طيقان صفر وقد فتحت أبواباً صغاراً على عدد ساعات النهار ودبرت تدبيراً هندسياً، فعند انقضاء ساعة من النهار سقطت صنجتان من صفر من فمي بازيين مصورين من صفر قائمين على طاس صفر تحت كل واحد منهما، أحدهما تحت أول باب من تلك الأبواب والثاني تحت آخرها، والطاستان مثقوبتان. ويستدير بالجامع أربع سقايات في كل جانب سقاية، واحدة منها كالدار الكبيرة محدقة بالبيوت والماء يجري في كل بيت، وإحدى هذه السقايات في دهليز باب جيرون وهي أكبرها، فيها من البيوت نيف على ثلاثين، والبلد كله سقايات قل ما تخلو سكة من سككه أو سوق من أسواقه من سقاية. قالوا: ورأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مدفون بالجامع في البلاط القبلي قبالة الركن الأيمن من المقصورة الصحابية، وعليه تابوت خشب معترض من الأسطوانة إلى الأسطوانة، وفوقه قنديل كأنه من بلور مجوف كالقدح الكبير. وفي الجهة الشمالية من البلد وعلى مقدار فرسخ منه غار مستطيل ضيق قد بني عليه مسجد كبير مرتفع مقسم على مساجد كثيرة كالغرف المطلة، وعليه صومعة عالية، ومن ذلك الغار رأى إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم الكوكب ثم القمر ثم الشمس حسبما ذلك مذكور في الكتاب العزيز، ذكر ذلك ابن عساكر. وهناك مغارة صلى فيها إبراهيم وموسى وعيسى ولوط وأيوب صلوات الله وسلامه عليهم. ولكل مشهد من تلك المشاهد أوقاف معينة. وهناك الربوة المباركة التي أوى إليها المسيح عليه السلام وأمه، وهناك بيت يقال إنه مصلى الخضر، وهذه الربوة رأس بساتين البلد ومنها ينقسم الماء على سبعة أنهار ولهذه الربوة أوقاف من بساتين وأرض بيضاء. وبغربي البلد جبانة تعرف بقبور الشهداء فيها كثير من الصحابة والتابعين والأئمة الصالحين، فمنها قبر أبي الدرداء

_ (1) ص ع: وثمانية. (2) ص ع: وأربعة. (3) أغفل ذكر المقصورتين الأخريين، انظر ابن جبير: 265. (4) ص ع: دباقيها

وزوجته أم الدرداء رضي الله عنهما، وفضالة بن عبيد، وسهل بن الحنظلية، ومعاوية بن أبي سفيان وأخته أم المؤمنين أم حبيبة، وواثلة بن الأسقع، وبلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأويس القرني، وخلفاء بني أمية رضي الله عنهم. ولدمشق ثمانية أبواب: باب شرقي، وهو شرقي المدينة، وفيه منارة بيضاء يقال إن عيسى عليه السلام ينزل فيها كما جاء في الأثر أنه ينزل في المنارة البيضاء شرقي دمشق، ويلي هذا الباب باب توما، ثم باب السلامة، ثم باب الفراديس، ثم باب الفرج، ثم باب النصر، ثم باب الجابية، ثم باب الصغير. والأرباض تطيف بالبلد كله إلا من جهة الشرق مع ما يتصل بالقبلة يسيراً وله أرباض كثيرة، والبلد ليس بمفرط الكبر وهو مائل للطول، وفي داخل البلد كنيسة لها عند الروم شأن كبير تعرف بكنيسة مريم، ليس بعد بيت المقدس عندهم أفضل منها، وهي بأيدي الروم لا اعتراض عليهم فيها. وبالبلد نحو عشرين مدرسة ومارستانان، أحدهما جاريه في اليوم نحو الخمسة عشر ديناراً وله قومة برسم المرضى والنفقة التي يحتاجون إليها في الأدوية والأغذية، والأطباء يبكرون إليه كل يوم ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية، وفيه مجانين معتقلون لهم ما يخصهم من العلاج، وهم في سلاسل موثقون، نعوذ بالله من البلاء. ومن أغرب أحاديثهم أن رجلاً كان يعلم القرآن، وكان يقرأ عليه صبي من أهل البلد اسمه نصر الله هام به المعلم وزاد كلفه به حتى اختل عقله وأوى إلى المارستان، واشتهرت علته وفضيحته بالصبي، فقيل له: اخرج وعد إلى ما كنت عليه من القرآن، فقال متماجناً: وأي قراءة بقيت لي؟ ما بقي في حفظي من القرآن شيء سوى: " إذا جاء نصر الله والفتح " فضحك منه، نسأل الله العافية، وما زال هناك حتى مات، لطف الله به. وأما رباطات الصوفية التي يسمونها الخوانق فكثيرة، وهي قصور مزخرفة، في جميعها الماء يطرد. وهناك ديار موقوفة لقراءة كتاب الله تعالى يسكنونها، ومرافق الغرباء أكثر في البلد من أن تحصى لا سيما لحفاظ كتاب الله تعالى والمنتمين للطلب. وبهذه البلدة قلعة يسكنها السلطان منحازة في الجهة الغربية وهي بازاء باب الفرج، وبها جامع السلطان. وبهذه البلدة قرب مائة حمام، وفي أرباضها نحو أربعين داراً للوضوء يجري الماء فيها كلها، وهي أحسن البلاد للغريب لكثرة المرافق، وأسواقها من أحفل أسواق البلاد وأحسنها انتظاماً ولا سيما قيساريتها. وأهل دمشق يمشون أمام الجنازة بقراء يقرأون القرآن بأصوات شجية وتلاحين مبكية برفيع أصواتهم، وكلهم يمشون وأيديهم إلى خلف، قابضين بالواحدة على الأخرى، ويركعون للسلام على تلك الحالة، والمحتشم منهم من يسحب أذياله على الأرض شبراً ويضع خلفه اليد الواحدة على الأخرى، ويستعملون المصافحة إثر الصلوات لا سيما إثر صلاة الصبح وصلاة العصر. ودمشق (1) جامعة لصنوف المحاسن وضروب الصناعات وأنواع الثياب الحرير كالخز والديباج النفيس ويتجهز به إلى جملة الآفاق، وفي داخل دمشق على أوديتها أرحاء كثيرة جداً، وبها من الحلاوات ما لا يوجد بغيرها، وأهلها في خصب أبداً، وهي أعز البلاد الشامية وأكملها حسناً. وكان الوليد فرش داخل المدينة بالرخام الأبيض المختم باللازورد تختيماً متداخلاً من أصل الحلقة، وحيطان المسجد بالفسيفساء وسقفه لا خشب فيه وهو مذهب كله، وله ثلاث منارات: المنارة الواحدة التي في مؤخر المسجد واثنتان في غربه وشماله والمسجد مذهب كله من أعلاه إلى أسفله ذهباً وفسيفساء، وفي صحن المسجد قبة قد أحكمت صنعتها وأتقنت أشد الإتقان، فيها فوارة من نحاس محكمة العمل يفور منها الماء ويرتفع نحو القامة ثم ينزل في حوض رخام بديع ويستدير بهذه القبة شباك من حديد، وسطح الفوارة فسيفساء فيه صور غزلان وغيرها من الحيوان، فإذا أشرفت على الفوارة وهي مملوءة ماء رأيت منظراً أنيقاً. وعند الباب الشرقي من المسجد قبة في أعلاها قناة رصاص ولها أنابيب من نحاس قد أخرجت من حدود القبة توقد فيها السرج، وفي حيطان المسجد قناة للماء بأقفال ينزل ماؤها في حياض رخام في وسط كل حوض عمود من نحاس يندفع منه الماء مرتفعاً علواً، وفي أعلى مسجد دمشق قبة خضراء مشرفة جداً. وجبانة دمشق في الجنوب منها، يكون طولها ميلاً في مثله. قالوا (2) : ومر الوليد بن عبد الملك حين بنى مسجد دمشق برجل ممن يعمل في المسجد وهو يبكي، فقال: ما قصتك قال:

_ (1) عاد للنقل عن نزهة المشتاق: 116. (2) المسالك 1: 187.

يا أمير المؤمنين كنت رجلاً جمالاً فلقيني رجل فقال: أتحملني إلى مكان كذا وكذا، موضعاً في البرية، قلت: نعم، فلما حملته وسرنا بعض الطريق التفت إلي فقال لي: إن بلغنا الموضع الذي ذكرته لك وأنا حي أغنيك، وإن مت قبل بلوغي إليه فاحملني إلى الموضع الذي أصف لك، فإن ثم قصراً خراباً فإذا بلغته فامكث إلى ضحوة النهار ثم عد سبع شرافات من القصر واحفر تحت السابعة على قدر قامة فإنك ستظهر لك بلاطة فاقلعها، فإنك سترى تحتها مغارة فادخلها، فإنك ترى في المغارة سريرين على أحدهما رجل ميت، فاجعلني على أحد السريرين ومدني عليه وحمل جمالك هذه وحمارتك مالاً من المغارة وارجع إلى بلدتك. قال: فمات في الطريق، ففعلت ما أمرني به، وكان معي أربعة جمال وحمارة فأوسقتها كلها مالاً من المغارة وسرت بعض الطريق وكانت معي مخلاة فنسيت أن أملأها من ذلك المال وداخلني الشره، فقلت: لو رجعت فملأت هذه المخلاة، فرجعت وتركت الجمال والحمارة في الطريق فلم أجد المكان الذي أخذت منه المال، فدرت فلم أعرف، فلما يئست رجعت إلى الجمال والحمارة فلم أجدها، فجعلت أدور في البرية أياماً فلم أجد لها أثراً، فلما يئست رجعت إلى دمشق وقد ذهبت الجمال والحمارة فلم أحصل على شيء، وألجأني الأمر إلى ما ترى يا أمير المؤمنين، فها أنا أعمل كل يوم في التراب بدرهم فكلما تذكرت بكيت، فقال له الوليد: لم يقسم الله لك في تلك الأموال شيئاً وإلي صارت فبنيت بها هذا المسجد. وفي غربي دمشق لأقل من ميل منها قصر الإمارة، وهي مدينة مسورة، ولها بابان كبيران يسمى أحدهما باب الربوة والثاني باب حوران، وبينهما أبواب كثيرة تسمى الخوخات، وفيها مسجد جامع متقن إلا أنه لا يبلغ إتقان مسجد المدينة الكبرى، وفيها أسواق كثيرة، وبين قصر الإمارة والمدينة بساتين وأنهار جارية، وعلى قصر الإمارة قبة حمراء مشرفة، ويحيط بقصر الإمارة نهر من جميع جوانبه، وجبل اللكام جبل شاهق لاصق بمدينة دمشق، وبينهما نهر عليه قنطرة لطيفة، وهي تسقي بساتين الغوطة، وثنية العقاب على مقربة من مدينة دمشق تسير من الثنية في قرى النصارى حتى تفضي إلى باب توما. والخضراء من دمشق كان ينزلها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. ومرابط أهل دمشق بيروت، وهي مدينة على شاطئ البحر وفيها كان أبو الدرداء رضي الله عنه. وفتحت دمشق في زمان عمر رضي الله عنه سنة أربع عشرة بعد أن لقيتهم جموع الروم بمرج الصفر عند طاحونة المرج فهزمت الروم، ويقال إن الطاحونة طحنت في ذلك اليوم من دمائهم وهرب هرقل إلى أنطاكية ثم إلى القسطنطينية. ولعبد الله بن أحمد الكاتب المعدل في ذكر دمشق، أنشده ابن عساكر في كتابه (1) : سقى الله ما تحوي دمشق وحياها ... فما أطيب اللذات فيها وأهناها نزلنا بها فاستوقفتنا محاسن ... يحن إليها كل قلب ويهواها لبسنا بها عيشاً رقيقاً رداؤه ... ونلنا بها من صفوة العيش أعلاها ولم يبق فيها للمسرة بقعة ... يفرح فيها القلب إلا نزلناها وكم ليلة نادمت بدر تمامها ... تقضت وما أبقت لنا غير ذكراها فآهاً على ذاك الزمان وطيبه ... وقل له من بعده قولتي آها فيا صاحبي إما حملت تحيتي ... إلى دار أحباب لنا طاب مغناها فقل ذلك الوجد المبرح ثابت ... وحرمة أيام الهوى ما أضعناها فإن كانت الأيام أنست عهودنا ... فلسنا على طول المدى نتناساها سلام على تلك المحاسن إنها ... محط (2) صبابات النفوس ومثواها رعى الله أياماً تقضت بقربها ... فما كان أهناها لدينا وأمراها

_ (1) تاريخ ابن عساكر، المجلدة الثانية: 177، وانظر ياقوت والأعلاق الخطيرة: 339. (2) ص ع: محيا.

ليالي لا أنفك في عرصاتها ... أنادم بدراً أو أعاتب تياها فمن مترف يستملك اللب حسنه ... وفاتنة يستأسر القلب عيناها إذا عدم الورد الجني أراك ما ... يفوق على الورد المورد خداها وإن غاب نور البدر في حلك الدجى ... أضاء كضوء الصبح نور محياها أحن إليها ثم أخشى رقيبها ... فما زلت أخشاها بوجدي فأغشاها وإن لم ترد طيب الخمور وفعلها ... أقمت مقام الكأس في فعلها فاها ومن أين للصهباء شمس مضيئة ... يعاطيك محياها رحيق ثناياها رعى الله عني عصبة أدبية ... فلم يجر خلق في البلاغة مجراها إذا ذكرتها النفس حنت لذكرها ... وإن ذكرتها العين حنت لرؤياها فلا برحت يستعبد الحر حسنها ... وتستخدم الألفاظ الطاف معناها وقال أبو الفرج عبد الله بن أسعد الموصلي الفقيه الشافعي المعروف بابن الدهان (1) : سقى دمشق وأياماً مضت فيها ... مواطر السحب ساريها وغاديها فللحاظ وللأسماع ما اقترحت ... من وجه شادنها أو صوت شاديها إذا العزيمة عن فرط الغرام ثنت ... قلباً تثنى له غصن فيثنيها ريم إذا جلبت حيناً لواحظه ... للنفس حيا بخديه فيحييها اشتاق عيشي بها قدماً ويذكرني ... أيامي السود بيضاً من لياليها ونحن في جنة لا ذاق ساكنها ... بأساً ولا عرفت بؤساً مغانيها سماء دوح ترد الشمس صاغرة ... عنا وتبدي نجوماً من نواحيها ترى النجوم بها في كل ناحية ... ممدودة للنجوم الزهر أيديها إذا الغصون هززناها لنيل جنى ... صارت كواكبها حصباً أراضيها من كل صفراء مثل الماء يانعة ... تخالها جمر نار في تلظيها لذيذة الطعم تحلو عند آكلها ... بهية اللون تجلى عند رائيها يا ليت شعري على بعد أذاكرتي ... عصابة لست طول الدهر ناسيها عندي أحاديث وجد بعد بعدهم ... أظل أجحدها والعين ترويها كم لي بها صاحب عندي له نعم ... كثيرة وأياد ما أؤديها فارقته غير مختار فصاحبني ... صبابة منه تخفيني وأخفيها رضيت بالكتب بعد القرب فانقطعت ... حتى رضيت سلاماً في حواشيها وقال إسماعيل بن أبي هاشم: قرأت على قصر بدمشق لبنى أمية:

_ (1) الأعلاق الخطيرة: 349، وديوانه: 233.

دندمة:

ليت شعري ما حال أهلك يا قص ... ر وأين الذين علوا بناكا ما لأربابك الجبابرة الأملا ... ك شادوك ثم حلوا سواكا ألزهد يا قصر فيك تحامو ... ك ألا نبني ولست هناكا ليت شعري وليتني كنت أدري ... ما دهاهم يا قصر ثم دهاكا ليت أن الزمان خلف منهم ... مخبراً واحداً فاعلم ذاكا ومن خلف هذا جواباً عنهم: أيها السائل المفكر فيهم ... ما لهذا السؤال قل لي دعاكا أوما تعرف المنون إذا حل ... ت دياراً فلن تراعي هلاكا إن في نفسك الضعيفة شغلاً ... فاعتبر وامض فالمنون وراكا دندمة (1) : مدينة في أرض سفالة صغيرة على ضفة البحر، وأهلها في ذاتهم قلة وليس في أيديهم شيء يتصرفون به أو يعيشون منه إلا الحديد، فإن بلاد سفالة يوجد في جبالها معادن الحديد الكثيرة، وأهل جزائر الرانج وغيرهم من ساكني الجزائر المطيفة بها يدخلون إليهم ويخرجونه من عندهم إلى سائر بلاد الهند وجزائرها، فيبيعونه بالثمن الجيد لأن بلاد الهند أكثر تصرفهم وتجاراتهم بالحديد، ومع أن الحديد موجود في جزائر الهند ومعادنه بها، فإنه في بلاد سفالة أكثر وأطيب وأرطب، لكن الهنديون يحسنون صنعته وتركيب أخلاط الأدوية منه التي يسبكون بها الحديد اللين، فيعود هندياً ينسب إلى الهند. وبها دار لضرب السيوف وصناعهم يجيدونها فضلاً عن غيرهم من الأمم، وكذلك الحديد السندي (2) والسرنديبي والبينماني في كلها تفاضل بحسب هواء (3) المكان وجودة الصنعة وإحكام السبك والضرب وحسن الصقل والجلاء، لا يوجد شيء من الحديد أمضى من الحديد الهندي، وهذا شيء مشهور لا ينكر. ودندمة هذه إحدى قواعد سفالة. وبجميع (4) بلاد سفالة يوجد التبر الذي لا يعدل به طيباً وكثرة وعظماً، وهم مع ذلك يفضلون النحاس على الذهب ومنه حليهم، وهذا التبر الموجود في أرض سفالة يوجد منه في التبرة مثقال ومثقالان وأكثر وأقل، وهم يسبكونه بنار أرواث البقر ولا يحتاجون فيه إلى جمع بزئبق ولا غيره كما يفعله أهل المغرب الأقصى، فانهم يؤلفون أجزاء تبرهم ويجمعونها بالزئبق وبعد ذلك يسبكونه بنار الفحم فيذهب الزئبق بالتراب ويبقى التبر مسبوكاً نقياً، وتبر أرض سفالة لا يحتاج إلى ذلك، يسبك بلا صنعة تدخله. دنباوند (5) : من أعمال الجبل وبالقرب من قاشان، وقيل بين الري وطبرستان، ويقال إن فيه الضحاك الذي يقال له مام، ويقال إنه الذي قال له نوح عليه السلام " يا بني اركب معنا " وهو ذو الأفواه والعجم تدعي الضحاك واليمن تدعيه وتزعم أنه ملك الأرض كلها وملك ألف سنة، ويقال إنه أول من سن الصلب ووضع العشور، ويقال إنه خرج في منكبيه سلعتان كل واحدة منهما كرأس الثعبان تتحركان تحت ثوبه إذا جاع أو غضب، فكان يشتد وجعه حتى يطليهما بدماغ إنسان فكان يقتل لذلك رجلين كل يوم، وكان يقسمهما على الآفاق، وزعموا أيضاً أنه نمرود صاحب إبراهيم عليه السلام، والفرس تزعم أنه بيوراسب الملك الفارسي وأنه ملك الأقاليم السبعة، وزعموا أنه مغلل في جبل دنباوند واتخذ اليوم الذي قيد فيه عيد المهرجان، قيده افريدون رجل من أصحاب أصبهان من أجل ابنين له قتلهما فدعا الناس إلى مجاهدته فأسرعوا إليه ونهدوا إلى الضحاك، فألقى الله الرعب في قلبه وجلا عن منازله. وافريدون أول من ذلل الفيلة وامتطاها ونتج البغال وعالج الترياق. وقد زعم بعضهم أن الضحاك كان في زمن نوح وأنه إليه أرسل.

_ (1) نزهة المشتاق: 25 (OG: 67) . (2) ص ع: الهندي. (3) ص ع: هذا. (4) النقل مستمر عن نزهة المشتاق. (5) قارن بياقوت (دنباوند) وقد يقال دباوند، دماوند؛ وفي قصة الضحاك انظر الطبري 1: 201 وما بعدها.

دستوا:

وجبل دنباوند جبل عظيم، يحكى أن ظله في وقت العصر يطول اثني عشر ميلاً، وعلى رأسه دخان لا يفتر الدهر كله، وهو في نهاية العلو والمنعة، ويقال إنه يرى على مسافة خمسين فرسخاً لارتفاعه ولا يصح أن أحداً ارتقاه، وتنحدر منه مياه كثيرة، وحول قلعته قرى كثيرة. وذكر (1) الحربي أنه ورد في الحديث أن دنباوند بلدة السحرة، وفيها الساحر المحبوس في جبلها يقال إنه يفلت في آخر الزمان فيكون مع الدجال يعلمه السحر ويعمله له، والناس يصحفون هذا الاسم فيقولون: دنياوند يجعلون ثالثه ياء منقوطة من أسفل، وإنما هو دنباوند ثالثه باء منقوطة بواحدة. دنهاجة (2) : من بلاد المغرب بالقرب من البصرة المعروفة بالحمراء، وهو على تل يعرف بقصر عبد الكريم، وكان من أشياخ كتامة القاطنين هناك، رأس واستوطن ذلك الموضع، وكانت فيه آثار قديمة، فبنى فيه داراً سميت قصراً لعدم القصور بتلك الجهة. دغول (3) : قرية من قرى نيسابور، وقيل من قرى طرسوس. دغوطه (4) : جزيرة في آخر بلاد سفالة، وهي على جون كبير، وأهلها عراة لا يستترون بشيء من الثياب لكنهم يستترون بأيديهم عند التقائهم بالتجار الداخلين إليهم من سائر الجزائر المجاورة لهم ونساؤهم محتجبات لا يدخلن (5) الأسواق ولا المحافل لأنهن عراة فمن ذلك يلزمن أمكنتهن التي يأوين إليها، وفي هذه المدينة وبأرضها بوجد التبر مثل ما يوجد بغيرها من بلاد سفالة. دقوقا (6) : مدينة في جهة اربل. وفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة قصدها جلال الدين خوارزمشاه بالخوارزمية فقاتل أهلها قتالاً شديداً إلى أن فتحها الخوارزمية بالسيف، وقتلوا كثيراً من أهلها، فأرسل إليه مظفر الدين صاحب اربل من المال والتحف ما ملأ عينه، وأشار عليه أن يترك بلاد الخليفة ويرسل إليه رسولاً بالطاعة لتقوم بذلك حرمته عند سلاطين البلاد ويسير إلى أذربيجان التي فيها عدوه ابن البهلول، ففعل. دستوا (7) : من كور الأهواز، وقيل صوابه دستو، وإليها ينسب هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهذا من تغيير النسب وإنما قياسه دستوي. الدسكرة: مدينة فيما بين بغداد وبلاد خراسان (8) ، وهي مدينة كبيرة بها قصر من بناء الأكاسرة له سور مشرف، له باب واحد مما يلي المغرب، وليس داخله بناء والطريق من الدسكرة إلى جلولاء بين جبال ورمال ونخيل. دهستان (9) : مدينة على الضفة الشرقية من بحيرة طبرستان وهي من أبسكون على مائة وخمسين ميلاً، وليس في الضفة الشرقية من هذا البحر إلا دهستان. الدهناء (10) : رمال في طريق اليمامة إلى مكة لا يعرف طولها، وأما عرضها فثلاث ليال، وهي على أربعة أميال من هجر، ويقال في المثل: أوسع من الدهناء. دهلك (11) : جزيرة بينها وبين بلاد الحبشة نصف يوم في البحر، وطول هذه الجزيرة مسيرة يومين، وحواليها ثلثمائة جزيرة معمورة أهلها مسلمون، وإذا أتت الحبشة لمناجزتهم صعدوا جبلاً عالياً يقابل جزيرة دهلك وأوقدوا فيه ناراً فيخرج المسلمون إليهم في السفن، وإلى ساحل جزيرة دهلك (12) هاجر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، وفي هذه الجزيرة مساجد جامعة وأحكام عادلة، وقد ولي القضاء فيها بعد الأربعمائة محمد بن يونس، مالكي من أهل الأندلس.

_ (1) معجم ما استعجم 2: 558. (2) قارن بالإدريسي (د) : 78، والبكري: 110. (3) ع: دعول، والمؤلف ينقل عن معجم البكري 2: 553، وزاغول من قرى مرو، ولعلها المقصودة، وذكر طرسوس وهم. (4) نزهة المشتاق: 29 (OG: 79) ؛ ص ع: دغواطة؛ وانظر بسط الأرض: 17. (5) ص ع والنزهة: لا يدخلون. (6) قارن بياقوت (دقوقا) . (7) معجم ما استعجم 2: 549، وقارن بياقوت (دستوا) ، وقد توفي الدستوائي سنة 152. (8) هذا التحديد غير مفيد أبداً، وقد عد ياقوت عدة مواضع باسم ((الدسكرة)) ، وانظر نزهة المشتاق: 202. (9) قارن بابن حوقل: 329، والكرخي، 128، وهذه دهستان غير تلك التي بكرمان والأخرى الواقعة بناحية باذغيس (انظر: ياقوت) . (10) معجم ما استعجم 2: 559. (11) قارن بياقوت (دهلك) ، وابن خلكان 6: 300، وتقويم البلدان: 371، والمؤلف ينقل عن مصدر آخر. (12) سقط من ع.

دومة الجندل:

ومن هذه الجزيرة يحمل العبيد والإماء من الحبشة إلى سائر الآفاق، وأهل اليمن والحجاز ومكة يستحسنون اتخاذ السراري منهم، ويفضلونهن على جميع ما يتخذون، وفي هذه الجزيرة مغاص اللؤلؤ الجيد. دومة الجندل (1) : بضم الدال، ما بين برك الغماد ومكة، وقيل هي ما بين الحجاز والشام، والمعنى واحد، وهي على عشر مراحل من المدينة وعشرين (2) من الكوفة وثمان من دمشق واثنتي عشرة من مصر. قال عياض: هي بضم الدال وفتحها وأنكر ابن دريد الفتح، وهو موضع من بلاد الشام قرب تبوك، وسميت بدومان بن إسماعيل عليه السلام كان ينزلها، ودومة حصن منيع ومعقل حصين وبه عمارة وتتصل به عين التمر. وبعث (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى دومة وأقر عليهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وعممه بيده وقال: " اغد باسم الله فجاهد في سبيل الله تقاتل من كفر بالله، وأكثر من ذكري عسى أن يفتح الله على يديك، فإن فتح فتزوج بنت ملكهم ". وكان الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة ملكهم ففتحها وتزوج بنته تماضر بنت الأصبغ وكان افتتاح دومة صلحاً، وهي من بلاد الصلح التي أدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية وكذلك اذرح وهجر والبحران وأيلة. وقال ابن إسحاق (4) : في سنة تسع فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة وبعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فأتاه بأكيدر دومة، وهو أكيدر بن عبد الملك من كندة، وكان ملكاً عليها وكان نصرانياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: " انك ستجده يصيد البقر "، فخرج حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين وفي ليلة مقمرة صائفة (5) وهو على سطح له ومعه امرأته، فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا والله، قالت: فمن (6) يترك هذه؟ قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه فاستخرج له فركب وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له حسان، فركب وخرجوا معه (7) بمطاردهم، فلما خرجوا لقيتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوه وقتلوا أخاه، وقد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب، فاستلبه خالد رضي الله عنه فبعث به إلى رسول الله قبل قدومه عليه، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم يتعجبون منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتعجبون من هذا، فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن عبادة (8) في الجنة أحسن من هذا ". ثم إن خالداً رضي الله عنه قدم بأكيدر على رسول الله فحقن له دمه وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله، فرجع إلى قريته وكان ذلك في غزوة تبوك. ودومة أيضاً أخرى عند الحيرة، ويقال لما حولها النجف. وأما دومة، بفتح الدال، فأخرى مذكورة في أخبار الردة. وبدومة الجندل اجتمع الحكمان (9) : أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاصي رضي الله عنهما، وذلك في سنة ثمان وثلاثين بعث علي رضي الله عنه، عبد الله بن عباس وشريح بن هانئ الهمداني رضي الله عنهم، في أربعمائة رجل، وفيهم أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، وبعث معاوية بن أبي سفيان بعمرو بن العاصي ومعه شرحبيل بن السمط رضي الله عنهم في أربعمائة رجل فلما دنا القوم من الموضع الذي كان فيه الاجتماع قال ابن عباس لأبي موسى: إن علياً لم يرض بك حكماً لفضل عندك والمقدمون عليك كثير، وإن الناس أبوا غيرك، وإني أظن ذلك لشر يراد بهم، وقد ضم إليك داهية العرب فمهما نسيت فلا تنس أن علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر، وليست فيه خصلة تباعده من الخلافة وليس في معاوية خصلة تقربه من الخلافة. ووصى معاوية عمراً حين فارقه وهو يريد الاجتماع بأبي موسى فقال له: يا أبا عبد الله إن أهل العراق قد أكرهوا علياً على أبي موسى؟ وأنا وأهل الشام راضون بك، وقد ضم إليك رجل طويل اللسان قصير الرأي فأجد الحز وطبق المفصل ولا تلقه برأيك كله. ووافاهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير

_ (1) معجم ما استعجم 2: 564. (2) معجم البكري: وعشر. (3) عاد إلى النقل عن معجم البكري. (4) السيرة 2: 526. (5) ص ع: صادفه. (6) ص ع: لمن. (7) ص ع: معهم. (8) السيرة: سعد بن معاذ. (9) في قصة الحكمين انظر الطبري 1: 3354، والمؤلف ينقل هنا عن مروج الذهب 4: 390.

وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي والمغيرة بن شعبة في ناس. فاستقر جميعهم بدومة الجندل، فالتقى الحكمان (1) ، فقال عمرو بن العاصي: يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوماً؟ قال: أشهد، قال: ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قال: بلى، قال: فإن الله عز وجل قال: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً " فما يمنعك من معاوية ولي عثمان يا أبا موسى وبيته في قريش كما قد علمت، فإن تخوفت أن يقول الناس: ولى معاوية وليست له سابقة فإن لك في ذلك حجة، وجدته ولي عثمان بن عفان المظلوم والطالب بدمه، الحسن السياسة والتدبير، وهو أخو أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صحبه فهو أحد الصحابة رضي الله عنهم. ثم عرض له عمرو بالسلطان فقال: والله إن ولي أكرمك كرامة لم يكرمها خليفة، فقال له أبو موسى: يا عمرو اتق الله، فأما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف يولاه (2) أهله، ولو كان للشرف كان هذا الأمر إلى أبرهة بن الصباح، إنما هو لأهل الدين والفضل، مع إني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفاً أعطيته علياً، وأما قولك إن معاوية ولي دم عثمان فوله هذا الأمر فإني لم أكن لأوليه معاوية وأدع المهاجرين الأولين، وأما تعريضك لي بالسلطان فوالله لو خرج لي من سلطانه ما وليته ولا كنت لأرشى في حكم الله عز وجل، ولكن إن شئت أحيينا اسم عمر، فقال له عمرو: إن كنت تحب بيعة ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصدقه؟ قال: إن ابنك رجل صدق ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة. ثم قال (3) أبو موسى: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبداً وأن أهل الشام لا يحبون علياً أبداً فهلم فلنخلعهما معاً ونستخلف عبد الله بن عمر، وكان عبد الله بن عمر مزوجاً على بنت أبي موسى، قال عمرو: ويفعل ذلك عبد الله؟ قال أبو موسى: نعم إذا حمله الناس على ذلك، فصوب عمرو كل ما قاله أبو موسى وقال له عمرو: هل لك في سعد؟ قال أبو موسى: لا، وعد له عمرو جماعة وأبو موسى يأبى إلا صهره ابن عمر، فقال له عمرو: أرأيت لو رضي أهل العراق بعبد الله بن عمر وأبى أهل الشام أتقاتل أهل الشام. قال أبو موسى: لا، فقال عمرو: ولو رضي به أهل الشام وأبى أهل العراق أتقاتل أهل العراق؟ قال أبو موسى: لا، فقال: أما إذا رأيت الصلاح والخير في هذا للمسلمين فقم فاخطب الناس واخلع صاحبينا جميعاً، وتكلم باسم هذا الذي تستخلف، فقال أبو موسى: بل أنت قم فاخطب فأنت أحق بذلك، فقال عمرو: ما أحب أن أتقدمك، وما قولي وقولك للناس إلا واحد فقم راشداً، فقام أبو موسى، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، إنا نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا في الصلاح ولم الشعث وحقن الدماء وجمع الألفة خلعنا علياً ومعاوية، وقد خلعت علياً ومعاوية كما خلعت عمامتي هذه، ثم أهوى إلى عمامته فخلعها، واستخلفنا رجلاً قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وصحب أبوه النبي صلى الله عليه وسلم فبرز في سابقته، وهو عبد الله بن عمر، وأطراه ورغب الناس فيه ثم نزل، فقام عمرو فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس إن أبا موسى عبد الله بن قيس خلع علياً وأخرجه من الأمر الذي يطلب وهو أعلم به، ألا وإني خلعت علياً معه وأثبت معاوية علي وعليكم، وقد صحب معاوية النبي صلى الله عليه وسلم وصحب أبوه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الخليفة علينا وله طاعتنا وبيعتنا على الطلب بدم عثمان، فقام أبو موسى فقال: كذب عمرو، لم نستخلف معاوية ولكنا خلعناه وعلياً جميعاً، فقال عمرو: بل كذب عبد الله بن قيس قد خلع علياً ولم أخلع معاوية. وفي (4) رواية: أن أبا موسى قال في خطبته: أيها الناس قد أجمعت أنا وصاحبي أن أخلع أنا علي بن أبي طالب ويعزل هو معاوية بن أبي سفيان، ونجعل هذا الأمر لعبد الله بن عمر فإنه لم يخض في الفتنة ولم يغمس يده في دم مسلم، ألا وإني قد خلعت علي بن أبي طالب كما أخلع سيفي هذا، ثم خلع سيفه من عاتقه ثم جلس، وقال لعمرو: قم، فقام عمرو بن العاصي فقال: أيها الناس إنه قد كان من رأي صاحبي ما قد سمعتم، وإنه أشهدكم أنه خلع علي بن أبي طالب كما يخلع سيفه وأنا

_ (1) من هنا يبدأ النقل عن الطبري 1: 3355. (2) ص ع: يوليه. (3) من هنا عاد المؤلف ينقل عن مروج الذهب: 396. (4) من هنا لم يعد متابعاً للمسعودي.

دولاب:

أشهدكم أني قد أثبت معاوية بن أبي سفيان كما أثبت سيفي هذا، وكان قد خلع سيفه قبل أن يقوم إلى الخطبة فأعاده على نفسه. فقال (1) أبو موسى لعمرو: لعنك الله فإنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فقال له عمرو: لعنك الله إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ثم ركل أبا موسى فألقاه لجنبه، فلما رأى شريح بن هانىء الهمداني ذلك قنع عمرواً بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهم، فكان شريح بعد ذلك يقول: ما ندمت على شيء ندامتي على ضرب عمرو بالسوط إلا أن أكون ضربته بالسيف، أتى بعد ذلك الدهر بما أتى. وانخزل أبو موسى فاستوى على راحلته ولحق بمكة ولم يعد إلى الكوفة، وآلى ألا ينظر في وجه علي رضي الله عنه ما بقي، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قبح الله رأي أبي موسى، حذرته وأمرته بالرأي فما عقل. وكان أبو موسى يقول: لقد كان ابن عباس حذرني غدرة الفاسق، ولكني اطمأننت إليه وظننت أنه لا يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة. ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة. وكان السبب في بعث الحكمين أن أهل الشام لما رأوا أهل العراق قد أشرفوا على الفتح رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح تالين: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم " ويقولون: حاكمونا إلى كتاب الله، ونادوا كتاب الله بيننا وبينكم، وكان الأشتر النخعي يومئذ قد أشرف على الفتح، وهو يومئذ كان على الناس، فركنوا إلى ذلك، وعزموا على علي رضي الله عنه في البعث إليه، فأرسل إليه فقال: أحين أشرف على الفتح تبعث إلي؟ فأغلظوا له وألزموه بأن يبعث إليه، فبعث إليه كارهاً فانصرف ووقعت الفتنة والفرقة. دورق (2) : كور الأهواز، ومن سوق الأهواز إليها في الماء ثمانية عشر فرسخاً، وعلى الظهر أربعة وعشرون، ينسب إليها أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي روى عن إسماعيل بن عقبة ومعمر بن سليمان وهاشم ويحيى القطان وأبي ثميلة والأشجعي، روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم والإمامان البخاري ومسلم وغيرهم، سكن بغداد ومات بها في رجب سنة اثنتين وخمسين ومائتين. ودورق أيضاً موضع بالبصرة وإليه ينسب بعضهم أبا يوسف هذا، فالله أعلم. دولاب (3) : بينه وبين الأهواز فرسخان، فيه كانت الوقيعة بين أهل البصرة وبين الخوارج، قتل فيها نافع بن الأزرق رئيس الخوارج الأزارقة، وذلك في سنة خمس وستين، تزاحفوا فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى تكسرت الرماح وعقرت الخيل وكثرت الجراح والقتل وتضاربوا بالسيوف والعمد، وقتل في المعركة مسلم بن عبيس رئيس أهل البصرة ونافع بن الأزرق رئيس الأزارقة، وكانوا اقتتلوا زهاء شهر حتى كره بعضهم بعضاً وملوا القتال، فإنهم لمتواقفون متحاجزون إذ جاءت سرية للخوارج جامة لم تكن شهدت القتال فحملت على الناس فانهزم الناس وقتل أمير البصرة، وقال قطري بن الفجاءة في ذلك: لعمرك إني في الحياة لزاهد ... وفي العيش ما لم ألق أم حكيم من الخفرات البيض لم ير مثلها ... شفاء لذي بث ولا لسقيم لعمرك إني يوم ألطم وجهها ... على نائبات الدهر جد لئيم فلو شهدتني يوم دولاب أبصرت ... طعان فتى في الحرب غير ذميم غداة طفت علماء بكر بن وائل ... وأحلافها من يحمد وسليم ومال الحجازيون نحو بلادهم ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم وكان لعبد القيس أول حرها ... وولت شيوخ الازد فعل هزيم

_ (1) عاد النص مشابهاً لما عند المسعودي والطبري. (2) قارن بياقوت (دورق) ، وانظر ترجمة يعقوب الدورقي في تهذيب التهذيب 11: 381. (3) يتفق بعض ما أورده المؤلف عن وقعة دولاب بما عند الطبري 2: 581 وما بعدها، وقارن بما في كامل المبرد 3: 297، وشرح النهج 4: 144 - 154، وياقوت (دولاب) .

فلم نر يوماً كان أكثر مقعصاً ... يمج دماً من فائظ وكليم وضاربة خداً كريماً على فتى ... أغر نجيب الأمهات كريم أصيب بدولاب ولم تك موطناً ... له أرض دولاب ودير حميم فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنا ... تبيح من الكفار كل حريم رأت فتية باعوا الإله نفوسهم ... بجنات عدن عنده ونعيم ولما أوقع الخوارج بدولاب بأهل البصرة هالهم ذلك وراعهم، ثم بلغهم أن الخوارج متوجهون نحو البصرة ففزعوا إلى الأحنف بن قيس، وقدم المهلب بن أبي صفرة خلال ذلك ومعه عهده بولاية خراسان من قبل عبد الله بن الزبير، فقال الأحنف: ما أرى لهذا الأمر إلا المهلب، وأجمع على ذلك الناس وامتنع المهلب من ذلك، فكتب على لسان ابن الزبير إلى المهلب إن الأزارقة المارقة قد أصابوا جنداً للمسلمين كان عددهم كثيراً وأشرافهم كثيراً، وقد كنت وجهتك إلى خراسان، وقد رأيت لما ذكر أمر هؤلاء الخوارج أن تكون أنت على قتالهم، ورجوت أن تكون ميموناً مباركاً على أهل مصرك، والأجر في ذلك أفضل من المسير إلى خراسان، فسر إليهم راشداً، فقاتل عدو الله وعدوك ودافع عن حقوقك وحقوق أهل مصرك، فإنه لن يفوتك من سلطاننا خراسان ولا غير خراسان إن شاء الله. فانتخب من الناس اثني عشر ألفاً ثم تتام له زهاء عشرين ألفاً، ثم مضى يؤم سوق الأهواز، ثم خندق عليه ووضع المسالح وأذكى العين وأقام الأحراس، ولم يزل الجند على مصافهم والناس على راياتهم وأخماسهم، وأبواب الخنادق عليها رجال موكلون بها، فكانت الخوارج إذا أرادوا بيات المهلب وجدوا أمراً محكماً، فلم يقابلهم قط إنسان كان أشد عليهم ولا أغيظ لقلوبهم منه، والتقى الناس فاقتتلوا كأشد القتال، فصبر بعضهم لبعض عامة النهار، ثم إن الخوارج شدت على الناس في جمعها شدة منكرة فأجفل الناس وانصاعوا منهزمين لا تلوي أم على ولد حتى بلغت البصرة هزيمة الناس، فنادى مناد أن قتل المهلب، ونعي بالبصرة، فنسي الناس رجالهم وأقام أهل كل دار يبكون المهلب لا يسألون عن أحد، وضرب المهلب يومئذ على جبهته، ولم يبق يومئذ أحد من ولده إلا جرح، وأسرع المهلب حتى سبقهم إلى مكان يفاع في جانب عن سنن المهزومين، ثم إنه نادى الناس: إلي عباد الله، فثاب إليه جماعة من قومه من أهل عمان، فاجتمع إليه منهم نحو ثلاثة آلاف، فلما نظرهم رضي جماعتهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الله تعالى ربما يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون وينزل النصر على الجمع القليل فيظهرون، ولعمري ما بكم الآن قلة، إني بجميعكم لراض، وإنكم لأنتم أهل الصبر وفرسان المصر، وما أحب أن أحداً ممن انهزم معكم، لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً، عزمت على كل واحد منكم لما أخذ عشرة أحجار معه أو ما استطاع، ثم امشوا بنا نحو عسكرهم فإنهم الآن من ذلك آمنون وقد خرجت خيلهم في طلب إخوانكم، والله إني لأرجو ألا ترجع إليهم خيلهم حتى تستبيحوا عسكرهم وتقتلوا أميرهم، ففعلوا، ثم أقبل زحفاً فلا والله ما شعرت الخوارج إلا والمهلب يضاربهم بالمسلمين في جانب عسكرهم، ثم استقبلوا عبيد الله بن الماحوز وأصحابه وعليهم الدروع والسلاح كاملاً، فأخذ الرجل من أصحاب المهلب يستقبل الرجل منهم فيستعرض وجهه بالحجارة فيرميه حتى يثخنه ثم يطعنه بعد ذلك برمحه أو يضربه بسيفه، فلم يقاتلهم إلا ساعة حتى قتل عبيد الله بن الماحوز وأخوه عثمان وضرب الله وجوه أصحابه، وأخذوا عسكر القوم وما فيه، وقتل الأزارقة قتلاً ذريعاً، وأقبل من كان من الأزارقة في طلب المنهزمين من أهل البصرة راجعين وقد وضع لهم المهلب خيلاً ورجالة في الطريق تختطفهم وتقتلهم فانكفأوا راجعين مفلولين، فلما أصبح المهلب غدا على القتلى فأصابوا ابن الماحوز مقتولاً، وقال رجل من موالي المهلب: لقد صرعت يومئذ بحجر واحد ثلاثة، رميت به رجلاً فأصبت أصل أذنه فصرعته ثم أخذت الحجر فضربت به آخر على هامته فصرعته، ثم ضربت آخر ثالثاً، وقال رجل من الخوارج: أتانا بأحجار ليقتلنا بها ... وهل يقتل الأبطال ويحك بالحجر ودعا المهلب الرقاد بن عبد وسعيد بن زيد الجهضمي فقال: أمعنا في الأرض فمن لقيتما من الناس فأعلماه حياتي، وامضيا إلى البصرة

الدينور:

فأخبرا أهلها بالظفر، وسبق غلام من بني سعيد إلى البصرة فأتى الأحنف فأخبره حتى انتهى إلى أمر المهلب وما صنع، فبكى الأحنف وقال: يا ابن أخي هلك المهلب وهلك أهل المصرين، فقال الغلام: عهدي والله بعبيد الله وعثمان ابني الماحوز قتيلين، إن الرائد لا يكذب أهله، قال: دعني من الظفر وأخبرني عن أخي المهلب، وكيف كان أمركم، فقال الغلام: نعم، أطبقت الحرب علينا يوماً وليلة لا تثني حداً ولا تزايل منكباً يموج بعضنا ببعض، ونادى مناد: قتل المهلب، فانجلت الغياية عن ابني الماحوز قتيلين في حماة القوم، وبقوا بغير أمير فولوا أمرهم قطرياً، وبقيت بقية وهم قل، ونظرت إلى السيوف قد طيرت قلنسوة المهلب عن رأسه مخضباً بالدماء، فلما رأينا وجهه جهرنا بالتكبير، وتركت رؤوس الخوارج تنغف وهي إليك سراع وأنا منصفك: إن كنت صادقاً فلي حكمي وإن كنت كاذباً فتحكموا في، فقال الأحنف: ما أظنك إلا كاذباً، والقصة أطول من هذا. الدينور (1) : مدينة من كور الجبل ما بين الموصل وأذربيجان، وهي في قبلة همذان، وهي كثيرة الثمار والزروع والبساتين والمياه حصينة، وأهلها أكرم جبلة من أهل همذان، وعلى القرب منها مدينة الصيمرة والشيروان، وابن قتيبة من أهل الدينور، وأبو حنيفة الدينوري اللغوي الإمام صاحب كتاب " النبات ". ديلمايا (2) : موضع بالعراق على دجلة، هو معبر سهل. وفي الخبر أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما نزل بهرسير وهي المدينة الدنيا من المدائن طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى منها، فلم يقدر على شيء ووجد العجم قد ضموا السفن، فأقاموا أياماً يريدونه على العبور فيمنعه الإبقاء على المسلمين، ودجلة قد طما ماؤها يندفق جانباها، فيروى أنه بينا سعد والمسلمون كذلك إذ سمعوا قائلاً يقول: يا معشر المسلمين، هذه المدائن قد غلقت أبوابها وغيبت السفن وقطعت الجسور فما تنتظرون، فربكم الذي يحملكم في البر هو الذي يحملكم في البحر، فندب سعد الناس إلى العبور، فأتاه قوم من العجم ممن اعتقد منه ذمة فقالوا: ندلك على موضع أقل غمراً من هذا، فدلوه على ديلمايا. وقيل إن سعداً رأى رؤيا كأن خيول المسلمين اقتحمت دجلة فعبرتها وقد أقبلت من المد بأمر عظيم، فعزم لتأويل رؤياه على العبور، وفي سنة جود صيبها متتابع، فجمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليهم معه وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا، وليس وراءكم شيء تخافونه، فقد كفاكم الله أهل الآثام وعطلوا ثغورهم، ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم، فقالوا جميعاً: عزم الله لنا ولكم على الرشد فافعل، فقال: من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى يتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم الخروج؟ فانتدب له عاصم بن عمرو أول الناس وانتدب معه ستمائة من أهل النجدات، واستعمل عليهم عاصماً، فسار فيهم حتى وقف على شاطئ دجلة ثم قال: من ينتدب معي لنمنع الفراض من عدوكم حتى يعبروا؟ فانتدب له ستون فجعلهم نصفين على خيول إناث وذكور ليكون أسلس لعوم الخيل، ثم اقتحموا دجلة واقتحم بقية الستمائة على أثرهم، شدوا على خيولهم حزمها وأليافها وقرطوها أعنتها وشدوا عليهم أسلحتهم، فلما رأتهم الأعاجم وما صنعوا أعدوا للخيل التي تقدمت خيلاً مثلها فاقتحموا إليهم دجلة فلقوا عاصماً في السرعان وقد دنا من الفراض، فقال: الرماح، الرماح، أشرعوها وتوخوا العيون، فالتقوا فاطعنوا في الماء، وتوخى المسلمون عيونهم فتولوا نحو البر والمسلمون يشمسون بهم خيولهم حتى ما يملكون منها شيئاً، فلحقوا بهم في البر فقتلوا عامتهم ونجا باقيهم عوران، وجاءت بالمسلمين خيولهم حتى انتفضت على الفراض، وتلاحق باقي الستمائة بأوائلهم الستين غير متعتعين، وسميت هذه كتيبة الأهوال، لما رئي منهم في الماء والفراض، ولما رأى سعد رضي الله عنه عاصماً على الفراض وقد منعها أذن للناس، وهذا الخبر مشروح بأكثر من هذا في حرف الميم في ذكر المدائن. الديبل (3) : مدينة في جنوب البحر الفارسي، وقيل هي في أرض السند، ويقال لها أيضاً الديبلان، وهي مدينة كثيرة الناس جداً، جدبة الأرض قليلة الخصب ليس بها شجر ولا نخل، وجبالها جرد عديمة النبات، وأكثر بنيانهم بالطين والخشب، وإنما سكنها أهلها بسبب أنها (4) فرضة لبلاد السند وغيرها، وتجارات أهلها من وجوه شتى وأسباب متفرقة، وتقصدها أيضاً

_ (1) قارن بياقوت (دينور) ، والكرخي: 117، وابن حوقل: 308 - 309. (2) في الطبري 2: 57 ديلمايا قرية من قرى اسنان بهرسير إلى جانب دجلة كانت لقدامة بن العجلان الأزدي. (3) نزهة المشتاق: 58، وقد ورد ذكرها عند أكثر الجغرافيين. (4) ص ع: أهل بست ليلا، وهو شديد التصحيف.

دير القائم الأقصى:

مراكب العمانيين بأمتعتها وبضائعها، وقد ترد عليها مراكب الصين والهند بالثياب والأفاوه العطرية الهندية فيشترون ذلك جزافاً لأنهم أهل يسار وأموالهم كثيرة، وبين الديبل وموقع نهر مهران قليل. دنيصر (1) : من الموصل إلى نصيبين إلى مدينة دنيصر، وهي مدينة في بسيط من الأرض فسيح وحولها بساتين الرياحين والخضر تسقى بالسواني، وكأنها بادية ولا سور لها، وهي مشحونة بشراً، ولها أسواق حفيلة والأرزاق بها واسعة، وهي مخطر (2) لأهل بلاد الشام وبلاد الروم التي لطاعة الأمير مسعود، وبها المرافق الكثيرة. الديارات: هي كثيرة، نقتصر على المشتهر منها: دير القائم الأقصى (3) : على شاطئ الفرات من الجانب الغربي، والقائم الأقصى مرقب من المراقب التي كانت بين الفرس والروم على أطراف الحدود، وفي هذا الدير قال الشاعر: بدير القائم الأقصى ... غزال شادن أحوى برى حبي له جسمي ... ولا يدري بما ألقى وأخفي حبه جهدي ... ولا والله ما يخفى دير حنظلة (4) : هو بالجزيرة في أحسن موضع فيها وأكثره رياضاً وزهراً وشجراً وهو موصوف مألوف، قال عبد الله بن محمد بن زبيدة: ألا يا دير حنظلة المفدى ... لقد أورثتني سقماً ووجدا ألا يا دير جادتك الغوادي ... سحاباً حملت برقاً ورعدا دير حنظلة (5) بن عبد المسيح: بالحيرة، فيه يقول الشاعر: بساحة الحيرة دير حنظله ... عليه أذيال السرور مسبله ... أحييت فيه ليلة مقبله ... وكاسنا بين الندامى معمله ... والراح فيها مثل نار مشعله ... وكلنا مستنفد ما خوله ... دير مران (6) : بنواحي الشام، على قلعة مشرفة على مزارع زعفران ورياض حسنة، نزله الرشيد وشرب فيه ومعه الحسين بن الضحاك، فقال الحسين: يا دير مران لا عريت من سكن ... قد هجت أشجاننا يا دير مرانا هل عند قسك من علم فيخبرني ... أم كيف يسعد وجه الصبر من بانا حث المدام، فإن الكأس مترعة ... مما يهيج دواعي الشوق أحيانا دير هند (7) : بالحيرة، بنته هند بنت النعمان، وهي التي دخلت على خالد بن الوليد لما فتح الحيرة ودعت له لما برها وقضى حوائجها، فقالت: شكرتك يد افتقرت بعد غنى، ولا وصلتك يد استغنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا أزال من كريم نعمة إلا جعلك سبباً لردها إليه. وقالت: هذا دعاء كنا ندعو به لأملاكنا. وقال معن بن زائدة يذكر هذا الدير وهناك كان منزله: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... لدى دير هند والحبيب قريب

_ (1) عن رحلة ابن جبير: 241، وتكتب بالسين أيضاً. (2) ص ع: محيط، ولعلها: محط. (3) قارن بياقوت، والمسالك 1: 269، ومعجم ما استعجم 2: 591. (4) معجم ما استعجم 2: 575 وياقوت. (5) مسالك الأبصار 1: 307 - 308، وياقوت، ومعجم ما استعجم 2: 577. (6) معجم ما استعجم 2: 602، وياقوت، والمسالك 1: 353. (7) معجم ما استعجم 2: 604، وياقوت، والديارات: 157، والمسالك 1: 322.

دير عبدون:

فتقضى لبانات وتلقى أحبة ... ويورق غصن للسرور رطيب دير الجاثليق (1) : دير قديم البناء من طسوج مسكن في غربي دجلة بين أرض السواد وأول أرض تكريت، وفيه قتل مصعب بن الزبير، وقد تقدم. دير يونس (2) : بناحية الرملة، نزل به الفضل بن إسماعيل بن صالح بن عبد الله بن العباس، فرأى فيه جارية حسناء بنتاً للقس، فخدمته مدة مقامه ثلاثة أيام وسقته شراباً عتيقاً، فلما انصرف أعطاها عشرة دنانير، وقال في طريقه: عليك سلام الله يا دير من فتى ... بمهجته شوق إليك طويل فلا زال من نوء السماكين نازل ... عليك يروي من ثراك هطول يعلك منه برهة بعد برهة ... سحاب باحياء الرياض كفيل إذا جاد روضاً دمعه بان منظر ... به لعيون الناظرين جميل ومشمولة أوقدت فيها لصحبتي ... مصابيح ما يخبو لهن فتيل تعللني بالراح هيفاء غادة ... يخال عليها للقلوب وكيل تجول المنايا بينهن إذا غدت ... لواحظها بين القلوب تجول أيا بنت قس الدير قلبي موكل ... عليك وجسمي مدنف وعليل دير مارت مريم (3) : بالشام، فيه يقول بعض الشعراء: نعم المحل لمن يسعى للذته ... دير لمريم فوق الطهر معمور ظل ظليل وماء غير ذي أسن ... وقاصرات كأمثال الدمى حور دير عبدون (4) : بظاهر المطيرة، بين شجر وبساتين ومياه، قال فيه ابن المعتز: سقى الجزيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر فطال ما نبهتني للصبوح بها ... في غرة الفجر والعصفور لم يطر أصوات رهبان دير في صلاتهم ... سود المدارع نعارين في السحر مزنرين على الأوساط قد جعلوا ... على الرؤوس أكاليلاً من الشعر وزارني في قميص الليل ملتحفاً ... مستعجل الخطو من خوف ومن حذر وغاب ضوء هلال كنت أرقبه ... مثل القلامة قد قدت من الظفر فكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر دير سمعان (5) : بنواحي دمشق، حواليه قصور ومتنزهات وبساتين لبني أمية، وهنالك قبر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، توفي سنة إحدى ومائة، وكان قد انتقل إليه واشترى موضع قبره من سمعان صاحب الدير بثلاثة دنانير وقيل بدينارين، وقال رجل يرثيه: قد غيبوا في ضريح الترب وانصرفوا ... بدير سمعان قسطاس الموازين

_ (1) راجع مادة ((الجاثليق)) في ما تقدم، ومعجم ما استعجم 2: 572. (2) معجم ما استعجم 2: 571 وفيه ((دير بولس)) وكذلك ياقوت؛ وانظر المسالك 1: 346. (3) معجم ما استعجم 2: 599، وياقوت. (4) معجم ما استعجم 2: 587، والمسالك 1: 263 وياقوت. (5) معجم ما استعجم 2: 585، والمسالك 1: 351، وياقوت، وآثار البلاد: 196.

دير حزقيال:

من لم يكن همه عيناً يفجرها ... ولا النخيل ولا ركض البراذين أقول لما أتاني ذكر مهلكه ... لا يبعدن قوام العقل والدين وكان معاوية وجه ابنه يزيد لحرب الروم، فأقام بدير سمعان ووجه الجنود، فأصابهم الوباء، وتلك غزوة الطوانة، فقال يزيد: أهون علي بما لاقت جموعهم ... يوم الطوانة من حمى ومن موم إذا اتكأت على الأنماط مرتفقاً ... بدير سمعان عندي أم كلثوم دير العذارى (1) : بسر من رأى بني قديماً وسكنه رواهب العذارى وكان كلما وهبت امرأة نفسها للتعبد سكنت معهن ويقال إنه رفع إلى بعض ملوك الفرس أن بذلك الدير من العذارى كل باهرة الجمال فأمر أن يحملن كلهن إليه فبلغهن ذلك، فقمن ليلتهن وأحيينها صلاة ودعاء وبكاء فطرقه طارق في تلك الليلة فأصبح ميتاً فأصبحن صياماً، والنصارى يصومون ذلك اليوم لهذا السبب وفي هذا الدير يقول جحظة: ألا هل إلى دير العذارى ونظرة ... إلى الدير من قبل الممات سبيل وهل لي بسوق القادسية سكرة ... تعلل نفسي والنسيم عليل وهل لي بحانات المطيرة وقفة ... أراعي خروج الزق وهو عليل إلى فتية ما شتت الود شملهم ... شعارهم عند الصباح شمول وقد نطق الناقوس بعد سكوته ... (2) وشمعل قسيس ولاح قبيل دير النعمانية (3) : بقرب دير العاقول مقابل غربي دجلة، وهي مدينة بها مسجد جامح وأسواق وبها تتخذ الطنافس الجيدة وهي من مدائن الحيرة ومنها إلى مدينة جرجرايا. دير زكى (4) : بالرها (5) ، فيه بساتين موصوفة بالحسن، مر به عبد الله بن طاهر ومعه أخ له فنزلا فيه وشربا أياماً ثم خرجا إلى مصر فمات أخوه بها وعاد هو فنزل بهذا الدير وقال يذكر سروتين قديمتين فيه: أيا سروتي بستان زكى سلمتما ... وغال ابن أمي نائب الحدثان ويا سروتي بستان زكى سلمتما ... ومن لكما أن تسلما بضمان دير حزقيال (6) : قال شريح الخزامي (7) : اجتزت بهذا الدير فبينما أنا أدور فيه إذا بكتابة على اسطوانة فقرأتها فإذا فيها: رب ليل كأنه نفس العا ... شق طولاً قطعته بانتحاب ونعيم كوصل من بت أهوى ... قد تبدلته ببؤس العتاب نسبوني إلى الجنون ليخفوا ... ما بقلبي من صبوة واكتئاب ليت لي ما ادعوه من فقد عقلي ... فهو خير من طول (8) هذا العذاب

_ (1) معجم ما استعجم 2: 588، والشابشتي: 69، وياقوت والمسالك 1: 258، وآثار البلاد: 370. (2) ياقوت والبكري: فتيل. (3) النعمانية عند ياقوت بين واسط وبغداد، وقال المقدسي: 128 يصنع بها أكسية وثياب صوف عسلية حسنة؛ ولم أجد من ذكرها تحت اسم ((دير النعمانية)) . (4) معجم ما استعجم 2: 582، والشابشتي: 139، والمسالك: 265، وعند ياقوت أن هذا الدير الذي مر به عبد الله بن طاهر قرية بغوطة دمشق، وهو غير دير زكي الموجود بالرها أو بالرقة. (5) الديارات: بالرقة. (6) معجم ما استعجم 2: 574، والمسالك 1: 270، وياقوت، وآثار البلاد: 369. (7) معجم البكري: الخزاعي. (8) ص ع: فهو خير لي من هذا.

دير الرصافة:

وتحته: وإني على ما نابني وأصابني ... لذو مرة باق على الحدثان فإن تعقب الأيام أظفر ببغيتي ... وإن أبق مرمياً بي الرجوان فكم ميت هماً بغيظ وحسرة ... صبور لما يأتي به الملوان قال: فكتبت ذلك وسألت عن صاحبه فقالوا: هو رجل هوي ابنة عم له، فحبسه عمه في هذا الموضع خوفاً من فضيحة ابنته، فتجمع أهله وأخرجوه وزوجوه منها على كره من أبيها. دير الرصافة (1) : بدمشق، قال أبو عبد الله بن حمدون: كنت مع المتوكل لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً يتنزه في رصافة هشام بن عبد الملك فجعل يدور في قصوره وقصور ولده، ثم خرج فدخل إلى دير (2) هناك قديم من بناء الروم بين مزارع وأنهار، فبينما هو يدور فيه بصر برقعة ملصقة فأمر أن تقلع فقلعت، فإذا فيها مكتوب: أيا منزلاً بالدير أصبح خالياً ... تلاعب فيه شمأل ودبور كأنك لم يسكنك بيض أوانس ... ولم تتبختر في فنائك حور وأبناء أملاك عباشم سادة ... صغيرهم عند الأنام كبير إذا لبسوا أدراعهم فعوابس ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور ليالي هشام في الرصافة قاطن ... وفيك ابنه يا دير وهو أمير إذ العيش غض والخلافة لدنة ... وأنت طرير والزمان غرير وروضك مرتاض ونورك نير ... وعيش بني مروان فيك نضير بلى فسقاك الغيث صوب غمامة ... عليك لها بعد الولي بكور تذكرت قومي خالياً فبكيتهم ... بشجو ومثلي بالبكاء جدير وعذبت نفسي وهي نفس لها إذا ... جرى ذكر قومي أنة وزفير لعل زماناً دار يوماً عليهم ... لهم بالذي تهوى النفوس يدور فيفرح محزون وينعم بائس ... ويطلق من ضيق الزمان (3) أسير فلما قرأها المتوكل ارتاع لها وتطير ثم دعا بصاحب الدير فقال له: من كتب هذه الرقعة؟ قال: لا أدري والله، وأنا منذ نزل أمير المؤمنين هذا المنزل لا أملك من أمره شيئاً يدخله الجند والشاكرية وغيرهم، وغاية قدرتي أني متوار في قلايتي، فهم بضرب عنقه وإخراب الدير، فكلمه أصحابه إلى أن سكن غيظه، ثم بان بعد ذلك أن الذي كتب الأبيات رجل من ولد روح بن زنباع الجذامي كانت أمه من موالي هشام بن عبد الملك. دير ميسون: بسر من رأى وهو مقصود لطيبه ونضرته وحسن موضعه وفيه يقول بعض الكتاب: يا رب دير عمرته زمناً ... ثالث قسيسه وشماسه لا أعدم الكاس من يدي رشأ ... يزري على المسك طيب أنفاسه كأنه البدر لاح في ظلم الل ... يل إذا حل بين جلاسه

_ (1) معجم ما استعجم 2: 280، وياقوت والمسالك 1: 338. (2) ص ع: دهليز. (3) معجم البكري: الوثاق.

دير الجماجم:

كأن طيب الحياة واللهو وال ... لذات طراً جمعن في كاسه في دير ميسون ليلة الفصح و ... الليل بهيم صعب بحراسه دير سليمان (1) : بجسر منبج، كان إبراهيم بن المدبر لما ولي الثغور الجزرية خرج في بعض أيامه إليه وشرب فيه وقال: أيا ساقيينا عند دير سليمان ... أديرا كؤوساً فانهلاني وعلاني وعما بها الندمان والصحب أنني ... تنكرت عيشي بعد أهلي وجيراني ولا تتركا نفسي تمت بهمومها ... لذكرى حبيب قد شجاني وعناني وفارقته والله يجمع شمله ... بغلة محزون ولوعة حران دير الجماجم (2) : بظاهر الكوفة على شاطئ الفرات، قيل سمي دير الجماجم لأنه كان تعمل فيه أقداح من خشب، وقيل سمي دير الجماجم بوقعة كانت فيه دفنت جماجمهم فيه، وهي وقعة إياد على أعاجم كسرى على شاطئ الفرات الغربي بظاهر الكوفة على طريق البر الذي يسلك إلى البصرة وبهذا الموضع كانت الوقيعة بين عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي وبين الحجاج بن يوسف فإنه قد كان خلع عبد الملك بن مروان سنة اثنتين وثمانين، فبعث إليه عبد الملك ابنه عبد الله في أهل الشام وأخاه محمد بن مروان في أهل الجزيرة، ومع عبد الرحمن خيار أهل الأرض من القراء خرجوا منكرين لأمر الحجاج، فخيراه في عزل الحجاج ومراجعة الطاعة فلم يجب إلى ذلك فولي الحجاج حربه، فكانت وقعة ابن الأشعث مع الحجاج بدير الجماجم في شعبان من سنة ثلاث وثمانين، فهزم عبد الرحمن ولحق ببلاد الترك بعد أن كانت بينهما ثمانون وقعة أكثرها على الحجاج، وصار عبد الرحمن إلى رتبيل ملك الترك فقبله وأكرمه وصار إليه فل أصحابه وهم زهاء عشرين ألفاً، وكان ابن الأشعث لما انهزم توجه إلى نيسابور ثم إلى كرمان فأغلق الباب دونه فسار إلى رتبيل ملك الترك، فوجه إليه الحجاج من ضمن له ألف ألف وأربعمائة ألف درهم على أن يسلم ابن الأشعث إليه، ففعل فقتل نفسه خشية أن يمثل به، فحمل إليه رأسه. وقال الأصمعي كانت لابن الأشعث أربع وقعات: وقعة الأهواز ووقعة الزاوية ووقعة دير الجماجم ووقعة بدجيل. وفي كتاب الدولابي ما قدمناه كانت بينهما ثمانون وقعة، وفي ذلك قال أعشى همدان وكان ممن خرج مع ابن الأشعث: إنا سمونا للكفور الفتان ... بالسيد الغطريف عبد الرحمن سار بجمع كالقطا من قحطان ... ومن معد قد أتى ابن عدنان أمكن ربي من ثقيف همدان ... يوماً إلى الليل يسلي ما كان إن ثقيفاً منهم الكذابان ... كذابها الماضي وكذاب ثان وشرح القصة على التفصيل يطول ويتلف الغرض من هذا الكتاب. دير الزندورد (3) : في الجانب الشرقي من بغداد وأرضه كلها فواكه وأترج وأعناب، وهي من أجود الأعناب التي تعتصر ببغداد، وفيها يقول أبو نواس: فسقني من كروم الزندورد ضحى ... ماء العناقيد في ظل العناقيد قال الفضل: سمعت محمداً الأمين يتكلم، وهو أول خليفة سمعت كلامه وقد عرض عليه كتاب فقال: كلام بليغ وليست له حلاوة وهو بمنزلة طعام طيب وليست له نظافة. دير ماسرجس (4) : بعانة، وعانة على الفرات والدير بها،

_ (1) معجم ما استعجم 2: 584، وياقوت، وقال: بالثغر عند دلوك مطل على مرج العين. (2) معجم ما استعجم 2: 573، وياقوت. (3) ياقوت (الزندورد) ، والديارات: 215، والمسالك 1: 274. (4) معجم ما استعجم 2: 600، والمسالك 1: 271، وياقوت (ماسر جيس) ، والديارات: 147.

دير الأعور:

والناس يقصدونه من هيت وغيرها. دير الأعور (1) : موضع في بلاد نصيبين فيه كانت الوقيعة بين عبد الله بن علي حين خالف على أبي جعفر المنصور ودعا إلى نفسه زاعماً أن أبا العباس السفاح جعل الخلافة من بعده لمن انتدب لقتل مروان بن محمد، فلما بلغ المنصور ذلك من فعل عبد الله كتب إليه: سأجعل نفسي منك حيث جعلتها ... وللدهر أيام لهن عواقب ثم بعث إليه بأبي مسلم فكانت له معه حروب كثيرة ببلاد نصيبين، وصبر الفريقان شهوراً على حروبهما واحتفروا الخنادق، ثم انهزم عبد الله بن علي في من كان معه وسار في نفر من أصحابه وخواصه إلى البصرة وعليها أخوه سليمان بن علي عم المنصور فظفر أبو مسلم بما كان في عسكر عبد الله، فبعث إليه المنصور بيقطين بن موسى فقبض الخزائن. فلما دخل يقطين على أبي مسلم قال: السلام عليك أيها الأمير، قال: لا سلم الله عليك يا ابن اللخناء، أؤتمن على الدماء ولا أؤتمن على الأموال!! فقال له: ما أحوجك إلى هذا أيها الأمير؟ قال: أرسلك صاحبك لقبض ما في يدي من الخزائن قال: امرأتي طالق إن كان أمير المؤمنين وجهني إليك لغير تهنئتك بالظفر، فاعتنقه أبو مسلم وأجلسه إلى جانبه، فلما انصرف قال لأصحابه: والله إني لأعلم أنه قد طلق امرأته، ولكنه وفى لصاحبه. وسار أبو مسلم من الجزيرة وقد أجمع على خلاف المنصور. الديلم (2) : اسم ماء لبني عبس في أقاصي الدو. وهو (3) أيضاً مدينة لهم بقرب مدينة سالوس، والديلم متحصنون في جبال لهم منيعة، والجبل الذي فيه الملك يسمى الطرم (4) وفيه مقام آل حسان ورياسة الديلم فيهم، ويقال إن الديلم قبيلة تنتهي إلى ضبة، وجبالهم ونواحيهم كثيرة المطر والشجر والغياض، وأكثر ذلك في وجه الجبل الذي يقابل البحر وطبرستان، وهم أهل زروع وسوائم، وليس عندهم من الدواب ما ينتقلون (5) بها، ولسانهم منفرد عن الألسن الفارسية والرانية والأرمينية، والغالب عليهم النحافة وقلة الشعر والطيش وقلة الثبات في الأمور، ولا يكترثون بشيء ولا يتألمون بمصاب إذا دهمهم، وكان الديلم كفاراً إلى مدة الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فداخلتهم العلوية فأسلم أكثرهم، وجبالهم متسعة ولكل جبل منها رئيس وهي في نهاية الخصب والرفاهية.

_ (1) عند ياقوت: دير الأعور بظاهر الكوفة؛ وانظر مروج الذهب 6: 176، فإن المؤلف ينقل عنه. (2) انظر ياقوت (الديلم) وبه فسر شعر عنترة ((زوراء تنفر نت حياض الديلم)) ، وقيل: إن الديلم حياض بالغور. (3) قارن بابن حوقل: 230، والكرخي: 121. (4) ص ع: الكوم. (5) ابن حوقل والكرخي: يستلقون.

ذمار:

حرف الذال ذات أنواط (1) : شجرة عظيمة خضراء كانت تسمى بهذا الاسم، وكان كفار قريش ومن سواهم من العرب يأتونها يعلقون عليها أسلحتهم ويدعون عندها ويعكفون عليها يوماً، وقال أبو واقد الليثي: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية، فرأينا ونحن نسير معه سدرة خضراء عظيمة فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى " اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم. ذات عرق (2) : بقرب أوطاس وبينها وبين وجرة سبعة وعشرون ميلاً، وذات عرق ميقات أهل العراق، وهو منزل كثير الأهل والشجر وماؤه من البرك، والمسجد الذي في ذات عرق الكبير الذي فيه المنبر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذات عرق إلى بستان ابن عامر (3) اثنان وعشرون ميلاً، ومن بستان ابن عامر إلى مكة أربعة وعشرون ميلاً. ذات الرقاع (4) : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير نجداً يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، وهي غزوة ذات الرقاع، وفي البخاري: كانوا يعصبون على أرجلهم من الخرق إذ نقبت أقدامهم، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعاً من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وخاف الناس بعضهم بعضاً حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بهم، وقيل التقى القوم على أسفل أكمة ذات ألوان فهي ذات الرقاع، والرقاع أيضاً اسم موضع. ذالان (5) : مدينة صغيرة باليمن بنيانها بالصخر ولا سور عليها وفيها مسجد جامع، وبينها وبين ذمار أربعة فراسخ فمن شاء نزلها ومن شاء طواها. ذمار (6) : بفتح أولها مكسورة الراء اسم مبني، مدينة باليمن على مرحلتين من صنعاء، وهي أربعون ميلاً، وهي مدينة كبيرة إلا أنها دون صنعاء، وهي من أعمالها، ولها سور محكم البناء، وهي كلها قصور، وكثيرة البساتين والمزارع والقرى والدساكر، وهي رخيصة الأسعار كثيرة الخيرات، ومياههم عيون جارية وآبار قريبة الأرشية، ولمعاذ بن جبل رضي الله عنه فيها مساجد وآثار كثيرة. قالوا (7) : ووجد في أساس الكعبة لما هدمته قريش في الجاهلية حجر مكتوب فيه: لمن ملك ذمار؟ لحمير الأخيار، لمن ملك ذمار؟ للحبشة الأشرار، لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار، لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار. قالوا: وسميت بذمار

_ (1) السيرة 2: 442. (2) قارن بالمناسك 347 - 356، وياقوت (ذات عرق) ، وانظر أيضاً مادة ((نخلة اليمانية)) و ((نخلة الشامية)) ، ومادة ((بستان ابن معمر)) . (3) صوبه ياقوت (بستان ابن معمر) فقال: والعامة يسمونه بستان ابن عامر وإنما هو بستان ابن معمر (عمر بن عبيد الله بن معمر) . (4) معجم ما استعجم 2: 664، والسيرة 2: 204. (5) البكري (مخ) : 67 (دللان) وعند ياقوت (دلان) . (6) البكري (مخ) : 67، وقارن بياقوت (ذمار) . (7) معجم ما استعجم 2: 614 - 615.

ذمياط:

ابن يحصب بن دهمان بن مالك بن سعد بن عدي بن مالك بن ريد بن سدد (1) بن زرعة وهو سبأ الأصغر. ذمياط (2) : مدينة في البلاد المصرية على ساحل البحر قريبة من تنيس إليها ينتهي ماء النيل، وبها تعمل الثياب الرفيعة وغيرها مما يقارب الثياب التنيسية. وفي سنة خمس عشرة وستمائة نزل الفرنج على ذمياط مدة وقصدوا أخذ يمنى النيل، وكانت للمسلمين هناك سلاسل حديد ممدودة في النيل تمنع وصول المراكب من البحر، وبرج عظيم لا يستطيع أحد يقرب السلاسل من محاربة المقاتلين فيه، فأقام الفرنج أربعة أشهر في قتال هذا البرج إلى أن ملكوه وقطعوا السلاسل، فنصب المسلمون جسراً عظيماً فاشتد قتالهم عليه، فأخذ الملك الكامل عدة من مراكب كبار وملاها من حجارة وخرقها فغرقت في طريق مراكبهم ومنعتها من الدخول فكانت من أحسن الحيل، ثم إن الفرنج أخذوا ذمياط بعد أن هلك أهلها بالجوع والوباء في السابع والعشرين من شعبان سنة ست عشرة وستمائة، وخاف الملك المعظم من الفرنج على مدينة القدس حتى هدم سورها، وكانوا قد حصنوا ذمياط حتى انقطعت منها آمال المسلمين وتكاثر وصول جمعهم إليها في البحر، ثم إنهم خرجوا عنها لمحاربة السلطان الكامل فاجتمع عنده من ملوك الإسلام نحو عشرين، ودخل ابن جبارة الشاعر على الكامل وعنده الملوك وفيهم أخواه المعظم عيسى صاحب دمشق والأشرف موسى صاحب حران وما يليها، فأنشده في قصيدة: أعباد عيسى جاء عيسى بزعمكم ... وموسى جميعاً ينصران محمدا فاهتز الملك الكامل إذ اسمه محمد، وأمر للشاعر على حسن هذه التورية بمائة دينار وخلعة. ولما ملك الفرنج ذمياط أقاموا بها وبثوا سراياهم في كل ما جاورها من البلاد فجلا أهل تلك البلاد، ولما تسامع الفرنج الذين وراء البحر بفتحها أقبلوا إليها من كل جهة وعظمت المصائب، وقد أقبل الططر من المشرق فدوخوا بلاد المسلمين، ثم إنهم ساروا في الفارس والراجل وقصدوا الكامل حتى نزلوا في مقابلته وبينهما خليج من النيل يقال له بحر أشمون (3) وجعلوا يرمون بالمجانيق إلى معسكر المسلمين، وتيقن الناس أنهم يملكون البلاد المصرية، واجتمع الأشرف مع أخيه الكامل وتقدما فقاتلا الفرنج، وتقدمت شواني المسلمين في النيل وقابلت شواني الفرنج وأخذت منها ثلاث قطع بمن فيها من الرجال وما احتوت عليه، ففرح المسلمون وقويت نفوسهم وجعلت الرسل تتردد في أمر الصلح، وبذل لهم الكامل البيت المقدس وعسقلان وطبرية وجميع ما فتحه صلاح الدين من بلاد الفرنج بالساحل ما عدا الكرك والشوبك على أن يسلموا ذمياط فلم يرضوا وطلبوا ثلثمائة ألف دينار ليعمروها بها فلم يتم أمر، وقالوا: لا بد من الكرك، وكان الفرنج لاقتدارهم في نفوسهم لم يستصحبوا معهم ما يقوتهم عدة أيام ظناً أن العساكر الإسلامية لا تقوم لهم وأن القرى بأيديهم يأخذون منها ما شاؤوا من الميرة، فعبر طائفة من المسلمين إلى الأرض التي عليها الفرنج وفجروا النيل عليها، فركب الماء أكثر تلك الأرض، وصادف ذلك أيام الزيادة وليس للفرنج خبرة بأرض مصر، فلم يبق لهم فيها مسلك غير وجه واحد ضيق، فنصب الكامل حينئذ الجسور على النيل وعبرت عليها العساكر فملكت الطريق الذي تسلكه الفرنج إذا أرادوا العود إلى ذمياط فلم يبق لهم مخلص، واتفق أن وصل إليهم مركب كبير وحوله حراقات تحميه وفيه الفرنج والميرة والسلاح، فظفر به وبالحراقات المسلمون، فسقط في أيدي الفرنج ورأوا أنهم قد ضلوا عن الصواب ومفارقة بسيط الأرض إلى أرض يجهلونها، وعساكر الإسلام تحيط بهم وترميهم بالنشاب وتحمل على أطرافهم، وكان الفرنج يبيعون خيلهم وسلاحهم بالخبز لما دهمهم من الجوع إلى أن تم الصلح على تسليم ذمياط سابع رجب سنة ثمان عشرة وستمائة دون عوض، فكان ذلك من ألطاف الله الخفية التي لم تكن الآمال ترتقي إليها في ذلك الوقت، وانتقل ملوك الفرنج إلى الكامل والأشرف رهائن حتى تسلمهم المسلمون وكان فيهم ملك عكا وصاحب رومة وعدتهم عشرون، وتسلمهم المسلمون (4) ، في تاسع رجب، وكان يوماً مشهوداً. ومن ألطاف الله تعالى أن المسلمين لما تسلموها وصارت بأيديهم بلغهم أن الفرنج وصلتهم نجدة عظيمة في البحر، فلو سبقوا

_ (1) ص ع: فلان. (2) قارن بالادريسي (د) : 157 وقد أثبتها بالذال، وياقوت (دمياط) ، وفي حادثة نزول الفرنج عليها انظر ابن الأثير 12: 320 - 331، وابن خلكان 5: 80، 90 - 91، 6: 258، وقال ابن خلكان: ولفظة دمياط سريانية وأصلها بالذال المعجمة؛ وانظر خطط المقريزي 1: 215 وما بعدها، وأحداث 615 - 618 في مرآة الزمان. (3) يكتب في المصادر بالميم ((أشموم)) . (4) سقط من ع.

ذنب التمساح:

المسلمين إليها لامتنعوا من تسليمها ولم يلتفتوا إلى رهائنهم. وأكثر الشعراء تهنئة الملك الكامل بهذا الفتح، ومن أشهر ما قيل في ذلك قول بهاء الدين زهير المهلبي الحجازي المولد من قصيدة أولها (1) : بك اهتز عطف الدين في حلل النصر ... وردت على أعقابها ملة الكفر منها: ليهنك ما أعطاك ربك إنها ... مواقف هن العز في موقف الحشر وما فرحت مصر بذا الفتح وحدها ... لقد فرحت بغداد أعظم من مصر فأقسم لولا عزمة كاملية ... لخافت رجال بالمقام وبالحجر ومنها: به ارتجعت ذمياط قسراً من العدا ... وطهرها بالسيف والملة الطهر ورد على المحراب منه صلاته ... فكم بات مشتاقاً إلى الشفع والوتر وأقسم إن ذاقت بنو الأصفر الكرى ... لما حلمت إلا بأعلامه الصفر ثلاثة أعوام ألحت وأشهراً ... تجاهد فيها لا بزيد ولا عمرو كفى الله ذمياط المخافة إنها ... لمن قبلة الإسلام في موضع النحر وما طاب ماء النيل إلا لأنه ... يحل محل الدين من ذلك الثغر لك الله من أثنى عليك فإنما ... من القتل قد أنجيته أو من الأسر ونصب الملك الكامل لكل ملك كان في نصرته دهليزاً، وقعد هو في أحد الدهاليز، وزين كل دهليز بالعدد السلطانية والذخائر الملوكية، فكان ملوك الفرنج كلما عبروا فرأوا دهليزاً حسبوا الملك الكامل فيه فيقتلون الأرض فيقال لهم: هذا الملك فلان، فما زالوا كذلك إلى أن وصلوا إليه وقد امتلأت عيونهم وصدورهم من عزة الإسلام. ذنب التمساح (2) : موضع حفير على ميل من بلد القلزم، كان حفره بعض الملوك ليوصل ما بين القلزم والبحر الرومي فلم يتأت له ذلك لارتفاع القلزم وانخفاض بحر الروم، والله تعالى قد جعل بينهما حاجزاً كما ذكره تعالى في كتابه، وعليه قنطرة عظيمة يجتاز عليها حاج مصر، ولما لم يتأت له ذلك احتفر خليجاً آخر من بحر الروم مما يلي بلاد تنيس وذمياط، فاستمر الماء في هذا الخليج من بحر الروم إلى موضع يعرف بقيعان، فكانت المراكب تدخل من بحر الروم إلى هذه القرية وتدخل من بحر القلزم إلى آخر ذنب التمساح فيقرب ما في كل بحر إلى الآخر، ثم ارتدم ذلك على طول الدهر، وقد هم الرشيد أن يوصل ما بين هذين البحرين من أصل مصب النيل من نحر بلاد الحبشة وأقاصي صعيد مصر فلم يتأت له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد الفرما فقال له يحيى بن خالد: إن تم هذا يتخطف الناس من المسجد الحرام ومكة، فامتنع من ذلك. وقد أراد عمرو بن العاصي محاولة هذا عند توليه أمر مصر، فمنعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الذنائب (3) : موضع بنجد عن يسار فلجة مصعداً إلى مكة، وينسب إليه يوم من أيام حرب البسوس وفيه قتل كليب بن ربيعة، وفيه يقول مهلهل من قصيدته المشهورة: فإن يك بالذنائب طال ليلي ... فقد أبكي على الزمن القصير وكان السبب (4) في قتل كليب أنه كان قد عز وساد في ربيعة فبغى بغياً شديداً، فكان هو الذي ينزلهم منازلهم ويرحلهم

_ (1) ديوان البهازهير: 121. (2) البكري (مخ) : 34، وصبح الأعشى 3: 241 - 242، وقارن بابن دقماق 5: 53. (3) قارن بياقوت (الذئاب) ومعجم ما استعجم 2: 615. (4) في قصة حرب البسوس انظر الأغاني 5: 29 وما بعدها.

فلا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره، وبلغ من بغيه أنه اتخذ جرو كلب فكان إذا نزل منزلاً فيه كلأ قذف ذلك الجرو فيه فيعوي فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه، وكان يفعل هذا بحياض الماء فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من أذن بحرب، فضرب به المثل في العز فقيل: أعز من كليب. وكان يحمي الصيد فيقول: صيد ناحية كذا في جواري فلا يصيد أحد منه شيئاً، ولا يمر بين يديه أحد إذا جلس، ولا يحتبي أحد في مجلسه غيره. وكان لمرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة عشرة بنين، جساس أصغرهم، وكانت أخته عند كليب، وكان قال لها: هل تعلمين على الأرض عربياً أمنع مني ذمة؟ فسكتت، ثم أعاد عليها الثانية فسكتت، ثم أعاد الثالثة فقالت: نعم، أخي جساس. وقيل إنه قال لها وهي تغسل رأسه ذات يوم: من أعز وائل؟ فصمتت، فأعاد عليها، فلما أكثر قالت: نعم أخواي جساس وهمام، فنزع رأسه وأخذ القوس فرمى فصيل ناقة البسوس خالة جساس وجارة بني مرة فقتله، فأغمضوا على ما فيه وسكتوا على ذلك، ثم لقي كليب ابن البسوس فقال: ما فعل فصيل ناقتكم؟ قال: قتلته وأخليت لنا لبن أمه، فأغمضوا على هذه أيضاً، ثم إن كليباً أعاد على امرأته فقال: من أعز وائل؟ فقالت: أخواي، فأضمرها وأسرها في نفسه وسكت حتى مرت به إبل جساس فرأى الناقة فأنكرها فقال: ما هذه الناقة؟ قالوا: لخالة جساس، فقال: أو قد بلغ من أمر ابن السعدية أن يجير علي بغير إذني، ارم ضرعها يا غلام، فأخذ القوس فرمى ضرع الناقة فاختلط لبنها بدمها، فراحت الرعاة على جساس فأخبروه بالأمر، فقال: احلبوا لها مكيالي لبن، بمحلبها ولا تذكروا لها من هذا شيئاً، ثم أغمضوا عليها أيضاً، حتى أصابهم سماء فغدا في غبها يتمطر، وركب جساس بن مرة وابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل، وطعن عمرو كليباً فحطم صلبه، وقيل: سكت جساس حتى ظعن ابنا وائل، فمرت بكر بن وائل بماء يقال له شبيث، فنهاهم كليب عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على ماء آخر يقال له الأحص فنفاهم عنه، ثم مروا على ماء آخر فمنعهم إياه، فمضوا فنزلوا الذنائب، قال: فاتبعهم كليب وحيه حتى نزلوا عليه، ثم مر عليه جساس وهو واقف على غدير الذنائب فقال: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشاً، فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون، فمضى جساس ومعه ابن عمه المزدلف، وقيل بل جساس ناداه فقال: هذا كفعلك بناقة خالتي، فقال: أو قد ذكرتها؟ أما إني لو وجدتها في غير إبل مرة لاستحللت تلك الإبل بها، فعطف عليه جساس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضنيه، فلما حضره الموت قال: يا جساس، اسقني من الماء فقال: ما عقلت استسقاءك الماء مذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه، فعطف عليه المزدلف عمرو بن ربيعة، فاحتز رأسه، فلما قتل كليباً أمال يده بالفرس حتى انتهى إلى أهله، قال: وتقول أخته حين رأته لأبيها: يا أبتاه، إن ذا الجساس أتى خارجاً ركبتاه، قال: ما خرجت ركبتاه إلا لأمر عظيم، فلما جاء قال: ما وراءك يا بني، قال: ورائي أني قد طعنت طعنة تشغل شيوخ وائل زمناً، قال: أقتلت كليباً؟ قال: نعم، قال: وددت أنك وإخوتك متم قبل هذا، ما بي إلا أن تتشاءم بي أبناء وائل. وكان همام بن مرة آخى مهلهلاً وعاقده ألا يكتمه شيئاً، فجاءت أمة له فأسرت إليه قتل جساس كليباً، فقال له مهلهل: ما قالت، فلم يخبره، فذكره العهد بينهما فقال: أخبرت أن جساساً قتل كليباً، فقال: است أخيك أضيق من ذلك؟ وقيل قال له: أخبرتني أن أخي قتل أخاك، قال: هو أضيق استاً من ذلك. وتحمل القوم وغدا مهلهل بالخيل، وقالت بنو تغلب بعضهم لبعض: لا تعجلوا على إخوتكم حتى تعذروا بينكم وبينهم، فانطلق رهط من أشرافهم وذوي أسنانهم حتى أتوا مرة بن ذهل، فعظموا ما بينهم وبينه وقالوا له: اختر منا خصالاً، إما أن تدفع إلينا جساساً فنقتله بصاحبنا، فلم يظلم من قتل قاتله، وإما أن تدفع إلينا هماماً، وإما أن تقيدنا من نفسك، فسكت وقد حضرته وجوه بكر بن وائل فقالوا: تكلم غير مخذول، فقال: أما جساس فغلام حديث السن ركب فرسه (1) حين خاف ولا علم لي به، وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة، ولو دفعته إليكم، لصيح بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره، وأما أنا فما أتعجل من الموت؟ وهل تزيد الخيل على أن تجول جولة فأكون أول قتيل، ولكن لكم في غير ذلك، هؤلاء بني فدونكم أحدهم فاقتلوه به، وإن شئتم فلكم ألف ناقة تضمنها لكم بكر بن وائل، فغضبوا وقالوا: لم نأتك لتؤدي (2) لنا بنيك ولا لتسومنا اللبن، فتفرقوا ووقعت الحرب.

_ (1) الأغاني: ركب رأسه. (2) الأغاني: لترذل.

ذو طوى:

وكانت حربهم أربعين سنة فيهن خمس وقعات مزاحفات، وكانت تكون بينهم مغاورات، وكان الرجل منهم يلقى الرجل، والرجلان الرجلين، وكان أول تلك الأيام يوم عنيزة، وهي عند فلجة، فتكافأوا فيه: لا لبكر ولا لتغلب، وفي ذلك يقول مهلهل: كأنا غدوة وبني أبينا ... بجنب عنيزة رحيا مدير ولولا الريح أسمع من بحجر ... صليل البيض تقرع بالذكور فتفرقوا ثم غبروا زماناً. ثم التقوا يوم واردات وكان لتغلب على بكر، وقتلوا بكراً أشد القتل وقتلوا بجيراً، وفي ذلك يقول مهلهل: فإني قد تركت بواردات ... بجيراً في دم مثل العبير ثم عادت الحرب بينهم زماناً وكان من الفريقين ما كان إلى أن صاروا إلى الموادعة. وكان جساس آخر من قتل في حرب بكر وتغلب، قاتل كليب، فإن أخت جساس كانت تحت كليب، فقتله جساس وهي حامل، فرجعت إلى أهلها، ووقعت الحرب فكان من الفريقين ما كان، وولدت أخت جساس غلاماً سمته الهجرس رباه جساس، فكان لا يعرف أباً غيره، فزوجه ابنته، فوقع بين الهجرس وبين رجل من بني بكر كلام، فقال له البكري: ما أنت بمنته حتى ألحقك بأبيك، فأمسك عنه ودخل إلى أمه كئيباً، فسألته عما به فأخبرها الخبر، فلما أوى إلى فراشه ونام إلى جنب امرأته وضع أنفه بين ثدييها فتنفس تنفيسة تنفط ما بين ثدييها من حرارتها، فقامت الجارية فزعة حتى دخلت على أبيها فقصت عليه قصة الهجرس، فقال جساس: ثائر ورب الكعبة، وبات جساس على مثل الرضف حتى أصبح فأرسل إلى الهجرس فأتاه فقال له: إنما أنت ولدي ومني بالمكان الذي قد علمت وقد زوجتك ابنتي وأنت معي، وقد كانت الحرب في أبيك زماناً طويلاً حتى كدنا نتفانى، وقد اصطلحنا وتحاجزنا، وقد رأيت أن تدخل في ما دخل فيه الناس من الصلح وأن تنطلق معي حتى نأخذ عليك مثل ما أخذ علينا، فقال الهجرس: أنا فاعل، ولكن مثلي لا يأتي قومه إلا بلأمته وفرسه، فحمله جساس على فرس وأعطاه لأمة ودرعاً، فخرجا حتى أتيا جماعة من قومهما، فقص عليهم جساس ما كانوا فيه من البلاء وما صاروا إليه من العاقبة، ثم قال هذا الفتى ابن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه ويعقد ما عقدتم، فلما قربوا الدم وقاموا إلى العقد أخذ الهجرس بوسط رمحه ثم قال: وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغراريه لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه، ثم طعن جساساً فقتله ولحق بقومه، فكان آخر قتيل في بكر وائل. ولما قتل جساس بن مرة كليباً كانت جليلة أخت جساس تحت كليب، فاجتمع نساء الحي للمأتم يقلن لأخت كليب: رحلي جليلة عن مأتمك فإن قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب، فقالت لها: اخرجي يا هذه عن مأتمنا وأنت أخت واترنا وشقيقة قاتلنا، فخرجت وهي تجر أعطافها، فلقيها أبوها مرة فقال لها: ما وراءك يا جليلة؟ قالت: ثكل العدد وحزن الأبد، وفقد خليل، وقتل أخ عن قليل، وبين ذين غرس الأحقاد وتفتت الأكباد، قال لها: أو يكف ذلك كريم الصفح وإعلاء الديات، فقالت جليلة: أمنية مخدوع ورب الكعبة، أبالبدن تدع لك تغلب دم ربها، وفي الخبر طول. ذو طوى (1) : عند مكة، فيه دفن عبد الله بن عمر رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين، وقيل بل دفن بفج. ذو قار (2) : واد على ثلاث ليال من منى، وقال أبو عبيدة: هو متاخم لسواد العراق، وفيه كانت الوقيعة بين العرب والفرس بسبب سلب النعمان بن المنذر، وذلك أن النعمان بن المنذر لما غضب عليه كسرى أبرويز بن هرمز بسبب إفساد زيد بن عدي بن زيد حاله عند كسرى أبرويز أتى هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، فاستودعه ماله وأهله وولده وألف شكة، ويقال أربعة آلاف شكة، ووضع وضائع عند أحياء من العرب ثم هرب وأتى طيئاً فأبوا أن يدخلوه جبلهم، فخرج حتى وضع يده في يد كسرى فحبسه بساباط، وقيل بخانقين. قالوا: فلما هلك النعمان جعلت بكر بن وائل تغير في

_ (1) انظر معجم ما استعجم 3: 896. (2) معجم ما استعجم 3: 1042، وفي وقعة ذي قار تراجع المصادر التاريخية والأغاني 23: 220.

السواد، وبلغ كسرى أن مال النعمان وحليته وولده عند هانئ بن مسعود، فبعث إليه: إن النعمان إنما كان عاملي وقد استودعك ماله وأهله والحلقة، فابعث بها ولا تكلفني أن أبعث إليك وإلى قومك بالجنود تقتل المقاتلة وتسبي الذرية، فبعث إليه هانئ: إن الذي بلغك باطل وما بيدي قليل ولا كثير، وإن يكن الأمر كما قد قيل فإنما أنا أحد رجلين: إما رجل استودع أمانة فهو حقيق أن يردها على من أودعه إياها ولن يسلم الرجل الخير أمانته، أو رجل مكذوب عليه فليس ينبغي أن تأخذه بقول عدو أو حاسد. قالوا: وكانت الأعاجم قوماً لهم حلم قد سمعوا بعض علم العرب وعرفوا أن هذا الأمر كائن فيهم، فلما ورد على كسرى كتاب هانئ هذا حملته الشفقة أن يكون ذلك قد اقترب على أن أقبل حتى قطع الفرات وقد أحنقه ما صنعت بكر بن وائل في السواد ومنع هانئ إياه ما منعه، فدعا إياس بن قبيصة واستشاره في الغارة على بكر بن وائل، فقال له إياس: إن الملك لا يصلح أن يعصيه أحد من رعيته، وإن تطعني، لم يعلم أحد لأي شيء قطعت الفرات فيرون أن شيئاً من أمر العرب قد كربك، ولكن ترجع وتضرب عنهم وتبعث عليهم العيون حتى ترى غرة منهم ثم ترسل كتيبة من العجم فيها بعض القبائل التي تليهم فيوقعون بهم وقعة الدهر، ويأتونك بطلبتك، فقال له كسرى: أنت رجل من العرب وبكر بن وائل أخوالك فأنت تتعصب لهم ولا تألوهم نصحاً، قال إياس: رأي الملك أفضل، فقام إليه عمرو بن عدي بن زيد العبادي، وكان كاتبه وترجمانه بالعربية وفي أمور العرب فقال له: أقم أيها الملك أفضل مقام وابعث إليهم الجنود يكفوك، وقام النعمان بن زرعة من ولد السفاح التغلبي فقال: أيها الملك إن هذا الحي من بكر بن وائل إذا قاظوا بذي قار تهافتوا تهافت الجراد في النار، فعقد للنعمان بن زرعة على تغلب والنمر، وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد، وعقد لاياس بن قبيصة على جميع العرب ومعه كتيبتاه الشهباء والدوسر، فكانت العرب ثلاثة آلاف، وعقد للهامرز على ألف فارس من الأساورة، وعقد لجنابرزين (1) على ألف، وبعث معهم اللطيمة، وهي عير كانت تخرج من العراق فيها البز والعطر والألطاف توصل إلى باذام عامله باليمن، وقال: إذا فرغتم من عدوكم فسيروا بها إلى اليمن، وأمر عمرو بن عدي أن يسير بها، وعهد كسرى إليهم إذا شارفوا بلاد بكر بن وائل ودنوا منها أن يبعثوا إليهم النعمان بن زرعة، فإن أتوكم بالحلقة ومائة غلام منهم يكونون رهناً بما أحدثت سفهاؤهم فاقبلوا منهم ولا تقاتلوهم. فلما بلغ بكر بن وائل الخبر سار هانئ بن مسعود حتى نزل بذي قار، وأقبل النعمان بن زرعة حتى نزل على ابن أخته مرة بن عمرو، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنكم أخوالي وأحد طرفي، وإن الرائد لا يكذب أهله، وقد أتاكم ما لا قبل لكم به من أحرار فارس وفرسان العرب والكتيبتان الشهباء والدوسر، وإن في الشر خياراً، ولأن يفتدى بعضنا ببعض خير من أن تصطلموا، انظروا هذه الحلقة فادفعوها وادفعوا رهناً من أبنائكم بما أحدث سفهاؤكم، فقال له القوم: ننظر في أمرنا، وبعثوا إلى من يليهم من بكر بن وائل وبرزوا ببطحاء ذي قار بين الجهلتين، وجعلت لا ترفع لهم جماعة إلا قالوا: سيدنا في هذه الجماعة، يعني حنظلة بن ثعلبة بن سيار، فإذا به فقالوا: يا أبا معدان قد طال انتظارنا وقد كرهنا أن نقطع أمراً دونك، وهذا ابن أختك النعمان بن زرعة قد جاء والرائد لا يكذب أهله، قال: فما الذي أجمع عليه رأيكم واتفق عليه ملأكم؟ قالوا: قلنا إن اللخي أهون من الوهي، وإن في الشر خياراً ولأن يفتدي بعضكم بعضاً خير من أن تصطلموا جميعاً، فقال حنظلة: قبح الله هذا رأياً، والله لا تجر أحرار فارس غرلها ببطحاء ذي قار وأنا أسمع الصوت، ثم أمر بقبته فضربت بوادي ذي قار، ثم نزل ونزل الناس وأطافوا به، ثم قال لهانئ بن مسعود: يا أبا أمامة إن ذمتكم ذمتنا وإنه لن يوصل اليك حتى تفنى أرواحنا، فأخرج هذه الحلقة ففرقها بين قومك فإن تظفر فسترد عليك، وان تهلك فأهون مفقود، فأمر بها ففرقت عليهم، ثم قال حنظلة للنعمان: لولا أنك رسول لما أبت إلى قومك سالماً، فرجع النعمان إلى قومه وأصحابه فأخبرهم بما رد عليه القوم، فباتوا ليلتهم يستعدون للقتال، وباتت بكر بن وائل يتأهبون للحرب، فلما أصبحوا أقبلت الأعاجم نحوهم، وأمر حنظلة بالظعن جميعاً فرفعها خلف الناس ثم قال: يا معشر بني بكر، قاتلوا عن ظعنكم أو دعوا، فأقبلت الأعاجم يسيرون على تعبئة، فقال ربيعة بن غزالة السكوني ثم التجيبي: يا بني شيبان لا تستهدفوا لهذه الأعاجم فيهلككم نشابها ولكن تكردسوا لهم كراديس فيشد عليهم كردوس، فإذا أقبلوا عليه شد الآخر. قالوا: فلما التقى الجمعان وتتام القوم قام حنظلة بن ثعلبة

_ (1) الأغاني: لخنابزين.

فقال: يا معشر بكر بن وائل إن النشاب الذي مع الأعاجم يعرفكم فإذا أرسلوه لم يخطئكم فعاجلوهم باللقاء وابدروهم بالشدة، ثم قام هانئ بن مسعود فقال: يا قوم هالك معذور خير من منجى معرور، وإن الحذر لا يدفع القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، واستقبال الأمر خير من استدباره، والطعن في الثغر أكرم منه في الدبر، يا قوم جدوا فما من الموت بد، فتح لو كان له رجال، أسمع صوتاً ولا أرى قوماً يال بكر شدوا واستعدوا وإلا تشدوا تردوا. ثم قام شريك بن عمرو بن شراحيل فقال: يا قوم إنما تهابونهم إنكم ترونهم عند الحفاظ أكثر منكم، وكذلك أنتم في أعينهم، فعليكم بالصبر فإن الأسنة تردي الأعنة، يال بكر قدماً قدماً، ثم قام عمرو بن جبلة اليشكري فقال: يا قوم لاتغرركم هذي الخرق ... ولا وميض البيض في الشمس برق ... من لم يقاتل منكم هذا العنق ... فجنبوه الراح واسقوه المرق ... ثم إن القوم اقتتلوا صدر نهاهم أشد قتال رآه الناس قط إلى أن زالت الشمس فشد الحوفزان، واسمه الحارث بن شريك، على الهامرز فقتله، وقتلت بنو عجل جنابرزين، وضرب الله تعالى وجوه الفرس فانهزموا، وقتل الأسود بن شريك بن عمرو وخالد بن يزيد البهراني وأفلت النعمان بن زرعة واياس بن قبيصة واتبعتهم بكر بن وائل يقتلونهم بقية يومهم وليلتهم حتى أصبحوا من الغد وقد شارفوا السواد ودخلوه، وأقبلت بكر على الغنائم فقسموها بينهم وقسموا اللطائم بين نسائهم. قالوا: وكانت وقعة ذي قار لأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنها كانت بعد وقعة بدر بأشهر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فلما بلغه ذلك قال: " هذا أول ما انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا ". ويروى أن النبي مثلت له الوقعة وهو بالمدينة، فرفع يديه فدعا لبني شيبان ولجماعة ربيعة بالنصر، ولم يزل يدعو لهم حتى أري هزيمة الفرس. ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إيه بني أبي ربيعة، اللهم انصر بني أبي ربيعة " فهم إلى الآن إذا حاربوا دعوا بشعار النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته لهم وقال قائلهم يا رسول الله وعدك، فإذا دعوا بذلك نصروا. وقال بكر بن الأصم: إن كنت ساقية المدامة أهلها ... فاسقي على كرم بني همام وأبا ربيعة كلها ومحلما ... سبقوا بغاية أفضل الأقسام زحفوا بجمع لا ترى أقطاره ... لقحت به حرب لغير تمام عرب ثلاثة آلف وكتيبة ... ألفان عجم من بني الفدام ضربوا بني الأحرار يوم لقوهم ... بالمشرفي على شؤون الهام وغدا ابن مسعود فأوقع وقعة ... ذهبت لهم في معرق وشآمي

الراموسة

حرف الراء رامة (1) موضع بالعقيق، وقيل بل هي وراء القريتين في طريق البصرة إلى مكة، قال الأصمعي: قيل لرجل من أهل رامة: إن قاعكم هذا لطيب لو زرعتموه، قال: قد زرعناه، قال: وما زرعتموه؟ قال: سلجماً، قال: وما حداكم على ذلك؟ قالوا: معاندة لقول الشاعر: تسألني برامتين سلجما ... يا مي لو سألت شيئاً أمما ... جاء به الكري أو تجشما ... رامين من عمل كرمان، بناها بهمن بن اسفنديار، وهي كبيرة، وحواليها ضياع ورساتيق عظيمة مقدار أربعمائة ضيعة. الراموسة (2) ضيعة على ميلين من حلب، إليها كان سيف الدولة يبرز محلته إذا أراد الغزو. الرافقة (3) مدينة إلى جنب الرقة، بناها المنصور أبو جعفر على هيئة مدينته ببغداد سنة خمس وخمسين ومائة، وأتمها المهدي ونزلها الرشيد، وهي مدينة واسعة عظيمة بها ينزل الأمراء، وهي مدورة كهيئة الطيلسان، ولها ربض في شرقيها عليه سور، ولها جامعان: جامع في الرافقة وجامع في الربض، والسور الخارج آخذ من الفرات إلى الشمال، وأسواقها في الربض وبساتينها شرقاً إلى الفرات، وحكى البلاذري أن الرافقة لم يكن لها أثر قديم وإنما بناها المنصور. الرافدان (4) قال محمد بن حبيب: رافدا العراق الماهان: ماه البصرة وماه الكوفة، فماه البصرة نهاوند وماه الكوفة الدينور، والماه بالفارسية قصبة البلد أي بلد كان. وقيل الرافدان دجلة والفرات قال الفرزدق: أوليت العراق ورافديه ... فزارياً أحذ يد القميص راست (5) مدينة الصقالبة في أول حد من حدودها تسير إليها في مفاوز وأرضين غير مسلوكة وعيون ومياه وأشجار ملتفة حتى تأتي بلادهم. وبلاد الصقالبة بلاد سهلية ومشاجر، وليس لهم كروم ولا مزارع، ولهم مثل الحباب من خشب معمول فيها نحلهم وعسلهم يخرج من الحب الواحد مقدار عشرة أباريق، وهم قوم يرعون الخنازير مع الغنم، وإذا مات منهم ميت حرقوه بالنار، ونساؤهم إذا مات لهن ميت قطعن أيديهن ووجوههن بالسكين، وإذا أحرق ذلك الميت صاروا إليه من الغد فأخرجوا الرماد من ذلك الموضع فجعلوه في برنية وجعلوه على تل، فإذا انقضت أيام السنة عمدوا إلى عشرين حباً من العسل أو أقل أو أكثر فذهبوا به إلى

_ (1) معجم ما استعجم 2: 628، وقارن بياقوت (رامة) . (2) معجم ما استعجم 2: 629. (3) قارن بياقوت (الرافقة) . (4) معجم ما استعجم 4: 1176 (مادة: ماه) . (5) ربما كانت هذه المادة مما انفرد البكري. وفي البكري (ح) : 186 - 187 معلومات تشبه ما ورد هنا، وما أورده المؤلف أكثر تفصيلاً.

رأس عين:

ذلك التل، واجتمع أهل الميت هناك فأكلوا وشربوا ثم انصرفوا، وإن كان لميت ثلاث نسوة فزعمت واحدة منهن أنها محبة له قامت عند بيتها إلى خشبتين فأقامتهما في جرف أرض ثم وضعت خشبة أخرى معترضة على رأسها، وتعلق من طرف الخشبة حبلاً ثم تشد طرفه في عنقها وهي قائمة على كرسي من تحتها فتبقى معلقة حتى تختنق وتموت، فإذا ماتت المرأة ألقيت في النار وأحرقت. وهم كلهم عبدة نيران وأكثر زرعهم الدخن، فإذا كان أيام حصادهم وذريهم أخذوا من حب الدخن في مغرفة ثم رفعوه نحو السماء ويقولون: يا ربنا أنت الذي رزقتنا فأتمم نعمتك علينا، ولهم ضروب من العيدان والطنابير والمزامير، ومزمارهم يكون في طول ذراعين، وجمودهم عليه من الأوتار ثمانية، وأنبذتهم العسل، يطربون عند حرق الميت ويزعمون أنهم يفرحون برحمة ربهم إياه، وليس لهم من البراذين إلا القليل ولا يكون عند رجل منهم دابة إلا عند رجل مذكور، وأكثر ثيابهم القمص، وسلاحهم المزاريق والأترسة والرماح، ولملكهم دواب أكله مما يحلب من ألبانها، ويشتد البرد في بلادهم حتى يحفر الرجل منهم السرب تحت الأرض ثم يجعل له سقفاً من خشب يلقي عليه التراب، ويدخل الرجل بعياله ويضرم فيه النار حتى يحمى، وإذا صار إلى غايته رش عليه الماء فينتشر البخار في البيت، وتسكن هذه البيوت إلى أيام الربيع. وليس في نسائهم زنا، إلا ان الجارية إذا أحبت رجلاً صارت إليه فأقامت عنده ما أحبت، فإن وجدها زوجها عذراء قال لها: لو كان فيك خير وكان لك جمال لرغب فيك الرجال واخترت لنفسك من يأخذ عذرتك، فيخرجها ويتركها. الران: مدينة من بلاد أرمينية. الرامي (1) : جزيرة الرامي بالهند متصلة بجزيرة سرنديب، وهي مدينة الهند وبها عدة ملوك وفيها معادن وطيب، وطولها سبعمائة فرسخ في مثلها، وقيل ثمانمائة فرسخ في مثلها، وفيها الكركدن وهو دابة تكون دون الجمل وفوق الجاموس وفي عنقها عوج كعوج عنق الجمل، لكن اعوجاجه خلاف اعوجاج عنق الجمل، ورأسها مما يلي يديها، ولها قرن في وسط جبهتها طويل، في غلظه قبضتان، ويقال إن بعض هذه القرون إذا شقت ظهرت فيها صورة إنسان وصورة طائر وغيره من الصور كاملة الشكل بيضاء وهذا القرن الذي توجد فيه هذه الصورة تصنع منه مناطق تساوي قيمة كبيرة، وتكون الصورة التي توجد فيه من أوله إلى آخره. وحكى الجاحظ أن هذه الدابة تقيم في جوف أمها سبع سنين، وأنها تخرج رأسها وعنقها من فرج أمها فترعى الحشيش ثم تعيد رأسها إلى جوف أمها فإذا ابتدأ تكون قرنها امتنعت من الخروج إلى المرعى على حسب عادتها فتنقر في جوف أمها حتى تشقه فتخرج منه فتموت الأم، ومن الناس من يضعف هذا الخبر لأنه يقتضي فناء الأمهات. وملوك الهند تصنع من قرن هذه الدابة أنصبة السكاكين للموائد وإذا وضع الطعام بين أيديهم وكان فيه سم عرق ذلك النصاب فيعلم بذلك أن الطعام مسموم. وجزيرة الرامي طيبة الثرى معتدلة الهواء عذبة المياه، وفيها بلاد عدة وقرى ومعاقل، وفيها ينبت البقم وهو يشبه نبات الدفلى وخشبه أحمر وعروقه دواء من سم الأفاعي والحيات، قالوا: وقد جرب ذلك فصح. وفي هذه الجزيرة جواميس لا أذناب لها، وفي غياض هذه الجزيرة ناس عراة لا يفهم كلامهم، وهم يستوحشون من الناس وطول الواحد منهم أربعة أشبار وله ذكر صغير وكذلك للمرأة منهم فرج صغير، وشعورهم زغب أحمر، ولا يلحقون لسرعة جريهم. وبساحل هذه الجزيرة قوم يلحقون المراكب وهي تجري بالريح الطيبة، ويبيعون العنبر من أصحاب المراكب بالحديد، ويتجهز من هذه الجزيرة بالكافور الطيب وبها منه كثير، وشجره عظام تظل مائة رجل ومائتين وأكثر وأقل، ينقر أعلاها فيسيل منه الماء كافوراً، فإذا كان في آخره خرج أبيض، ثم ينقر أسفل ذلك بأوسط الشجر فينساب عليهم الكافوركأنه قطع الرخام في البياض ويسيل كما يسيل الصمغ، وهو صمغ هذا الشجر، ويتجهز منها أيضاً بضروب الأفاويه واللؤلؤ الفائق في الجودة. ومن هذه الجزيرة إلى سرنديب ثلاثة أيام. رأس عين (2) : وبعضهم يقول راس العين، واسمها عين الوردة،

_ (1) الإدريسي (ق) : 12 - 15 (OG: 75) ، وابن الوردي: 62، وتكتب أحياناً (الرامني) أو (الرامن) ، وتقابل سومطرة (حدود العالم: 187) . (2) أكثر المادة عن رحلة ابن جبير 242 - 244، وقارن بياقوت (رأس عين) ،ومعجم ما استعجم 2: 623، وابن حوقل: 200، والكرخي: 53.

رأس الماء:

من كور الجزيرة وبمقربة من نصيبين، وبينها وبين الفرات أربعة فراسخ، وهي كلها بين الجزيرة والشام، وهي مدينة كبيرة عليها سوران، وهذا الاسم لها صادق جداً، فإن الله تعالى فجر أرضها عيوناً وأجراها ماء معيناً فتقسمت مذانب وانسابت جداول، في مروج خضر كأنها سبائك اللجين ممدودة في بساط الزبرجد، تحف بها أشجار وبساتين قد انتظمت حافتيها، وأعظم هذه العيون عينان إحداهما فوق الأخرى، فالعليا منهما نابعة تحت (1) الأرض في صم الحجارة كأنها في جوف غار كبير متسع فينبسط الماء حتى يصير كالصهريج العظيم، ثم يخرج ويسيل نهراً كأكبر ما يكون من أنهار وينتهي إلى العين الأخرى ويلتقي بمائها، وهذه العين الثانية تحت الأرض في الحجر الصلد نحو أربع قامات أو أزيد، ويتسع منبعها حتى يصير صهريجاً كبيراً ويعلو بقوة نبعه حتى يسيل على وجه الأرض، فربما يروم السابح القوي السباحة الشديد الغوص في أعماق المياه أن يصل بغوصه إلى قعره فيمجه الماء بقوة انبعاثه من منبعه، فلا يتناهى في غوصه إلا إلى مقدار نصف مسافة العين أو أقل، وماؤها أصفى من الزلال، ويصطاد فيها سمك جليل من أطيب ما يكون من السمك، وينقسم ماء هذه العين نهرين، أحدهما أخذ يميناً والآخر يساراً، فالأيمن يشق على خانقة مبنية للصوفية والغرباء بازاء العين، وهي تسمى الرباط، والأيسر يمر على جانب الخانقة وتفضي منه جداول إلى مطاهرها ومرافقها المعدة للحاجة البشرية، ثم يلتقيان أسفلها مع نهر العين الأخرى العليا، وقد بنيت على شط نهرهما المجتمع بيوت أرحاء. ومن مجتمع ماء هاتين العينين منشأ نهر الخابور. قالوا (2) : وهذه المدينة للبداوة بها اعتناء وللحضارة عنها استغناء، لا سور يحصنها ولا دور أنيقة البناء فيها، وهي مع ذلك كاملة مرافق المدن، ولها جامعان حديث وقديم فالقديم بموضع العيون وتتفجر أمامه عين معينة، وهو من بنيان عمر بن عبد العزيز، لكنه دثر، والجامع الآخر داخل البلد وفيه مجتمع أهله. والغالب عليها فخذ من بني ربيعة يقال لهم النمر، وبها نفر من بني تميم. وهي مدينة قديمة واسمها عين الوردة، وافتتحها عمير بن سعد الأنصاري من قبل عياض بن غنم، وأظنها التي عنى حسان بقوله: كأن سبيئة من رأس عين (3) ... يكون مزاجها عسل وماء ومن رأس العين هذه يخرج نهر الخابور، وهي كلها من بلاد الجزيرة. وبعين الوردة (4) كانت الوقيعة بين سليمان بن صرد وأصحابه التوابين الخارجين للطلب بدم الحسين رضي الله عنه مع أهل الشام وفيهم عبيد الله بن زياد، فقتل سليمان وأكثر أصحابه، وذلك سنة خمس وستين، وفي القصة طول. رأس الماء (5) : على مسيرة عشرة أيام من غانة في بلاد السودان وهناك تلقى النيل خارجاً من بلاد السودان وعليه قبائل من البربر مسلمون وبازائهم من الشط الثاني مشركو السودان. رأس المحجمة (6) : جبل عال في بلاد عمان، عال على ضفة البحر ويندفن في الماء فلا يعلم حيث يصل وربما تكسرت المراكب عليه، وفي رأس المحجمة مغايص اللؤلؤ. رأس قنديلة: هو أنف جبل خارج في البحر، بحر فاران، يتصادم فيه ريحان: ريح تأتي من بحر أيلة، وريح تأتي من بحر القلزم فتلتقي فيه أمواج متضادة ويعظم الخطب هناك فتنشب السفن هناك، وتنتظر الريح المساعدة فإن خالفت الريح السفينة بعد خروجها عن المرسى هلكت إن لم يمكنها الرجوع. رادس (7) : مرسى رادس هو مرسى بحر تونس، وهذا الاسم إما للمرسى أو للقرية المطلة عليه. وفي بعض الأخبار أن الروم أغاروا على مرسى رادس فقتلوا من بها وسبوا وغنموا وذلك في عهد حسان بن النعمان الذي كان عبد الملك بن مروان أغزاه إفريقية، فوصل إليها وحارب الكاهنة التي كانت بأوراس حتى قتلها وخرب

_ (1) الرحلة: فوق. (2) النقل مستمر عن ابن جبير: 244. (3) الرواية المشهورة في بيت حسان: ((كأن سيئة من بيت رأس)) . (4) انظر الطبري 2: 538 وما بعدها. (5) البكري: 180. (6) نزهة المشتاق: 55؛ ويكتب في بعض المصادر ((رأس الجمجمة)) . (7) البكري: 37 - 38.

الرانج:

مدينة قرطاجنة، ولما بلغ حسان خبر رادس ركب إليها وقد بلغ من المسلمين أمرها كل مبلغ وكتب إلى الوليد بن عبد الملك (1) يعرفه بذلك وأرسل (2) إليه أربعين رجلاً من أشراف العرب، فأقام حسان مرابطاً برادس حتى يأتيه رأي الوليد، فكتب علماء المشرق إلى إفريقية: من رابط عنا برادس يوماً حججنا عنه حجة، وعظم قدر رادس عند العلماء وفضلها، فلما ورد الخبر إلى الوليد بن عبد الملك بعث إلى عمه عبد العزيز بن مروان وهو على مصر وإفريقية يأمره أن يوجه ألف قبطي وألف قبطية ويحملهم إلى إفريقية، وأمره أن يخرج البحر إلى مدينة تونس ويعمل بها دار صناعة وأن يعمل المراكب ويستكثر منها ويجاهد الروم في البر والبحر وأن يغير على سواحل الروم ويشغلهم عن بلاد الإسلام، وفي رواية أن أنس بن مالك وزيد بن ثابت رضي الله عنهما قالا للمسلمين: من رابط يوماً برادس فله الجنة حتماً، وقالا لعبد الملك: أمد هذه البلاد وانصر أهلها ليأمنوا من الغدر ويكون لك ثوابها وأجرها فإنها من البلدان المقدسة المرحوم أهلها وهي حرس لقمونية (3) ، يريد القيروان، وروي أن ببحر رادس حرق الخضر السفينة وأن الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً الجلندى ملك قرطاجنة فخرق الخضر السفينة ببحر رادس وقتل الغلام بطنبدة (4) وهي المحمدية، وهناك فارق موسى الخضر عليهما السلام، وطنبدة على عشرة أميال من تونس. رامهرمز (5) : من كور الأهواز وبالقرب من واسط وهي خوزستان، ومن سوق الأهواز إلى رامهرمز عشرون فرسخاً. وفتحت رامهرمز (6) عنوة في آخر أيام أبي موسى رضي الله عنه، كان عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن ابعث إلى الأهواز بعثاً كثيفاً مع النعمان بن مقرن، فخرج النعمان في أهل الكوفة فأخذ في وسط السواد حتى قطع دجلة بحيال ميسان ثم أخذ إلى الأهواز على البغال يجنبون الخيل، ثم سار إلى الهرمزان وهو برامهرمز، فلما سمع الهرمزان بسير النعمان بادر إليه رجاء أن يقطعه وقد طمع في نصر أهل فارس، وقد أقبلوا نحوه ونزلت أوائل أمدادهم تستر، فالتقى النعمان والهرمزان فاقتتلوا قتالاً شديداً ثم هزم الله الهرمزان ولحق بتستر، وسار النعمان حتى نزل برامهرمز ثم سار إلى تستر ولحق به سائر جنود المسلمين فحاصروا الهرمزان بتستر ومعه الأعاجم أشهراً إلى أن كان من أمره ما هو مذكور في حرف التاء عند ذكر تستر. الرانج (7) : جزائر الرانج كثيرة وأرضها واسعة، وهي تقابل بلاد الزنج الساحلية وأهلها سمر، ويقال إنه لما اضطرب أمر الصين وكثر الظلم والتخليط فيه صير أهل الصين تجاراً إلى الرانج وغيرها من جزائرها وعاملوا أهلها وأنسوا إليهم لعدلهم وحسن معاملتهم فهي لذلك عامرة والمسافر إليها كثير. راتج (8) : تاؤها منقوطة باثنتين من فوق، أطمة من آطام المدينة لأناس من اليهود ثم لحلفاء بني الأشهل، وهو الذي عنى قيس بن الخطيم في قوله: ألا إن بين الشرعي وراتج ... ... البيت (9) . الربذة: منزل فيه أعراب وماء كثير، وفيه منزل أبي ذر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قبره وفيها مسجد جامع، وهي من القرى القديمة في الجاهلية. والربذة هي التي جعلها عمر رضي الله عنه حمى لإبل الصدقة، وهي في اللغة الصوفة من العين تعلق على البعير، وإليها نفى عثمان رضي الله عنه أبا ذر رضي الله عنه فمات بها سنة اثنتين وثلاثين، وهو جندب بن عبادة ويقال ابن السكن، وهو من غفار قبيلة من كنانة. وكان النبي (10) صلى الله عليه وسلم قال فيه في وجهته إلى تبوك، لما أبطأ بأبي ذر رضي الله عنه جمله، فأخذ رحله فجعله على جمله (11) ثم

_ (1) البكري: عبد الملك بن مروان، وهو الصواب. (2) ص ع: فأرسل. (3) البكري: لمقدونية. (4) البكري: بطنبد، وعند ياقوت ((طنبذة)) بالذال المعجمة. (5) قارن بياقوت (رامهرمز) . (6) قارن بالطبري 1: 2553، وفتوح البلاذري: 466 - 467. (7) الرانج: كذلك ترد في نزهة المشتاق: 22 - 23 (OG: 61) ، وانظر ابن الوردي: 61، وياقوت (زابج) وآثار البلاد: 30 (زانج) والموسوعة الإسلامية في تحديدها. (8) ياقوت (راتج) . (9) تتمة البيت: ضراباً كتجذيم السيال المصعد. (10) السيرة 2: 524، ومعجم ما استعجم 2: 623 - 637. (11) الصواب: فأخذ متاعه فحمله على ظهره.

ربعات:

خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كن أبا ذر، رحم الله أبا ذر، يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده " الحديث. فلما خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة وأصابه بها أجله لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلا به ذلك ثم وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في رهط من أهل العراق، فلم يرعهم إلا الجنازة على ظهر الطريق وقد كادت الإبل تطؤها، وقام إليهم الغلام وقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه، قال: فاستهل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يبكي: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك. وفي الثغور (1) الرومية التي افتتحها مسلمة بن عبد الملك ربذة أخرى. وبالربذة مات عتبة بن غزوان سنة سبع عشرة، له الهجرتان وبدر والمشاهد كلها، وكان من الرماة المذكورين يوم بدر. ربعات (2) : بتشديد الباء المدينة العظمى للحبشة ولما أغارت الحبشة زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إليهم علقمة بن مجزز (3) في جمع كثير سنة عشرين فلما قرب من مدينتهم هذه وكانوا قد سموا المياه فمات أكثرهم ونجا علقمة في نفير وقال: أقول وقد شربن بربعات ... أبالغة بنا اليمن الركاب الرجان (4) : أول مدن فارس بل هي كورة فيها مدن كثيرة منها صغار وكبار، وهي حد ما بين فارس وخوزستان، وهي مدينة حسنة في غاية الطيب ولها رساتيق ونخل وكروم وفواكه كثيرة مثل الجوز والأترج والخوخ والزيتون الكثير والزيت، وماؤها غير طيب ولا شروب. وعلى باب الرجان مما يلي خوزستان على نهر طاب قنطرة تنسب إلى الديلمى طبيب الحجاج بن يوسف، وهي طاق واحد سعتها بين عموديها على وجه الأرض ثمانون خطوة وارتفاعها مقدار ما يخرج منها راكب الجمل وبيده أطول الأعلام (5) ، والرستاق باللسان الفارسي هو الإقليم، ومدينة الرجان مدينة جليلة أكثر أهلها العجم والفرس والمجوس. الرجيع (6) : بفتح أوله وبالجيم والعين المهملة في آخره على وزن قتيل، ماء لبني لحيان من هذيل بين مكة وعسفان، وبه قتل بنو لحيان من هذيل عاصم بن ثابت وأصحابه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم وأمر عليهم عاصماً، حتى إذا كانوا بالرجيع - ويقال بالهدة (7) وهما متجاورتان بين عسفان ومكة - ذكر أمرهم لبني لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصوا آثارهم فأدركوهم فقتلوا في ذلك اليوم عاصم بن ثابت وأسروا خبيباً وابن الدثنة، وأرادوا أن يحتزوا رأس عاصم بن ثابت رضي الله عنه فحمته الدبر وغلبتهم عليه فلم يستطيعوا الوصول إليه، وكان عاصم بن ثابت رضي الله عنه عاهد الله تعالى ألا يمس مشركاً أبداً ولا يمسه تنجساً فمنعه الله تعالى منهم. وروي أيضاً أن الله تعالى بعث الوادي فاحتمل عاصماً فذهب به، والأول أشهر، وفيه يقول حسان رضي الله عنه: لحى الله لحياناً فليست دماؤهم ... لنا من قتيلي غدرة بوفاء هم قتلوا يوم الرجيع ابن مرة ... أخا ثقة في وده وصفاء

_ (1) معجم ما استعجم 2: 637. (2) معجم ما استعجم 2: 632. (3) ص ع: بن فلان. (4) هي أرجان التي وردت في حرف الهمزة. ولكنها كتبت عند ابن حوقل والإدريسي (الرجان) كذلك، قارن بابن حوقل: 239، والكرخي: 78، وياقوت (أرجان) ، والمقدسي: 425، وآثار البلاد: 141، والمؤلف ينقل أكثر المادة عن نزهة المشتاق: 127. (5) في ص ع في موضع هذه الجملة: وارتفاعها ما تحمل ذلك، وهو وجه مشابه لما ورد في نزهة المشتاق. (6) معجم ما استعجم 2: 643، والسيرة 2: 169. (7) عند البكري: الهدأة، ولعله أصوب، فإن الهدة مكان بين مكة والطائف.

ركلة:

رحبة مالك بن طوق (1) : هي مدينة في شرقي الفرات حصينة عامرة عليها سور تراب ولها أسواق وعمارات وكثير من التمر، ومنها مع الفرات إلى الخابور مرحلتان. رخج: بضم أوله وتشديد ثانيه وهو خاء منقوطة بعدها جيم، كورة من كور فارس، ورأيت في موضع آخر أنها من أعمال سجستان (2) . ردمان (3) : باليمن، فيه مات عبد المطلب بن هاشم، وفي ذلك يقول الشاعر يرثي من مات له: ميت بردمان وميت بسل؟ ... مان وميت بين غزات الرذ (4) : قرية من ماسبذان، فيها مات المهدي الخليفة العباسي سنة تسع وستين ومائة، وقبره هناك، ويقال إنه أحد المسمومين، سمته حسنة جاريته لغيرة نالتها فأصابه ذلك. ركلة (5) : مدينة بالأندلس بقرب سرقسطة وقلعة أيوب، عالية البنيان على وادي شلون، وبساتينها تسقى منه. ونزل بمدينة ركلة في أيام بني هود برد عظيم حطم أغصان شجر الكمثرى حتى تركها دون أغصان، وجد في زنة واحدة منها في اليوم الثاني من نزوله ثلاثة أرطال بالبغدادي، فسبحان من له القدرة الباهرة. الرملة (6) : بالشام، سمتها الرملة لما غلب عليها الرمل، وهي من كور فلسطين، وبينها وبين القدس ثمانية عشر ميلاً، ومدينة الرملة واسطة بلاد فلسطين وهي مدينة مسورة ولها اثنا عشر باباً (7) : باب القدس، وباب عسقلان، وباب يافا، وباب يازور، وباب نابلس، ولها أربعة أسواق متصلة من هذه الأبواب إلى وسطها وهناك مسجد جامعها، فمن باب يافا يدخل في سوق القماحين حتى يتصل بمسجد جامعها، وهي سوق حسنة يباع فيها أنواع السلع، ويتصل بباب القدس سوق القطانين إلى سوق المشاطين الكبار إلى العطارين إلى المسجد الجامع، ويتصل سوق الخشابين من باب يازور ثم سوق الجزارين ثم السقائين إلى المسجد الجامع، ويتصل سوق الخشابين من باب يازور بآخر من أسواقها: سوق الأكافين وسوق الصياقلة ثم سوق السراجين إلى المسجد الجامع، ويقال إن الرملة أربعة آلاف ضيعة، وبين الرملة وايليا ثمانية عشر ميلاً في صحار ووهاد. وبمدينة الرملة نزل صالح النبي عليه السلام ومن آمن معه بعد أن أهلك الله قومه حين عقروا الناقة، وقيل لما رأى أنها دار قد سخط الله عليها ارتحل هو ومن معه وأهلوا بالحج حتى وردوا مكة، فلم يزالوا بها حتى ماتوا، فقبورهم في غربي الكعبة بين دار الندوة والحجر. الرمادة (8) : موضع بين الإسكندرية وبرقة، وهي أول منزل من منازل البربر يسكنها قوم من مزاتة وغيرهم من العجم الفدم وبها قوم من العرب من بلي وجهينة وبني مدلج وأخلاط. وأعوام الرمادة في زمان عمر رضي الله عنه أعوام جدب تتابعت على الناس وجعلت الأرض رماداً. ويوسف بن هارون الكندي الرمادي الشاعر القرطبي (9) أظن أصله من الرمادة هذه، وكان معاصراً للمتنبي، وهو القائل: لا تنكروا غزر الدموع فكل ما ... ينحل من جسمي يصير دموعا والعبد قد يعصي وأحلف أنني ... ما كنت إلا سامعاً ومطيعا

_ (1) قارن بياقوت (رحبة مالك بن طوق) . (2) عند ياقوت: كورة ومدينة من نواحي كابل؛ وعند الكرخي: 14 أن رخج اسم الإقليم الواقع بين بلدي الداور وبالس، وهي بذلك من كور سجستان. (3) ص ع: ردهان؛ وانظر معجم ما استعجم 2: 649، وياقوت (ردمان) . والمقبور بردمان المطلب بن عبد مناف والذي بسلمان: نوفل، وأما الذي بغزو فهو قبر هاشم بن عبد مناف. (4) قارن بياقوت (الرذ) والطبري 3: 523. (5) بروفنسال: 78، والترجمة: 98 (Ricla) . (6) لم تورد المصادر المتيسرة هذه التفصيلات، قارن بأكثرها تفيلاً: المقدسي: 164 - 165 وناصر خسرو: 19، وياقوت (الرملة) وصبح الأعشى 4: 99. (7) لم يعد جميع الأبواب. (8) قارن بالبكري: 4. (9) راجع دراسة عنه كتابي ((تاريخ الأدب الأندلسي - عصر سيادة قرطبة)) : 205 - 222 (الطبعة الثانية) . والأغلب أن الرمادي ترجمة للقبه في الإسبانية ((أبو جنيش)) . ولفظة ((جنيش)) تعني الرماد.

الرمانية:

قولوا لمن أخذ الفؤاد مسلماً ... يمنن علي برده مصدوعا وقال أبو عبيد: الرمادة مدينة بالشام افتتحها أبو عبيدة هي واليرموك والجابية. الرمانية (1) : هي جزائر تنيف على ثلثمائة وخمسين جزيرة من عمل صاحب القسطنطينية، والروم يحذرون أهلها كحذر المسلمين لأنهم لا صلح بينهم. رندة (2) : بالأندلس من مدن تاكرنا، وهي مدينة قديمة بها آثار كثيرة، وهي على نهر ينسب إليها، واجتلب الماء إليها من قرية بشرقيها ومن جبل طلوبرة بغربيها، فيوافي الماء داخلها من شرقيها وغربيها، ويتوارى نهرها في غار فلا ترى جريته أميالاً ثم يظهر حتى يقع في نهر لكه. وبقرب مدينة رندة عين تعرف بالبراوة وتجري من أول الربيع إلى آخر الصيف فإذا دخل الخريف نضب ماؤها فلا تبض بقطرة إلى أول الربيع من عام ثان. الرصافة (3) : كثيرة منها رصافة هشام بن عبد الملك بالشام، وهي قصور وحولها مساكن وقرى عامرة وأسواق وبيع وشراء وأخذ وعطاء، وهي قنسرين وفيها توفي هشام بن عبد الملك سنة خمس وعشرين ومائة وفيها بويع الوليد بن يزيد بعد هشام، وهي التي عنى الفرزدق بقوله: متى تردي الرصافة تسريحي ... من التهجير والدبر الدوامي وإياها عنى الوليد بن يزيد بن عبد الملك في قوله حين جاءه نعي هشام: إني سمعت خليلي ... نحو الرصافة رنه أقبلت أسحب ذيلي ... أقول ما حالهنه إذا بنات هشام ... يندبن والدهنه يدعون، ويلاً وعولاً ... والويل حل بهن ورصافة أخرى بشرقي بغداد، فيها اختط المهدي قصره إلى جانب المسجد الجامع الذي في الرصافة وحفر نهراً يأخذ من النهروان سماه نهر المهدي، وفيها تربة الخلفاء العباسيين. ورصافة (4) أخرى بالأنبار بناها أبو العباس، وقال لعبد الله بن الحسن ادخل فانظر، ودخل معه فلما رآه تمثل: ألم تر حوشباً أضحى يبني ... بناء نفعه لبني بقيله يؤمل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كل ليله فاحتملها أبو العباس ولم يجبه بشيء. ورصافة (5) أخرى بقرطبة في الجهة الجوفية منها. ورصافة أخرى ببلنسية بينها وبين البحر، وأظن منها الرصافي الشاعر مادح عبد المؤمن بن علي (6) . رضاء (7) : بيت كان لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، كانوا يعبدونها في الجاهلية وفيها يقول المستوغر بن ربيعة حين هدمها الإسلام: ولقد شددت على رضاء شدة ... فتركتها قفراً بقاع أسحما رضوى (8) : جبل ضخم من جبال تهامة وهو من ينبع على يوم ومن المدينة على تسع (9) مراحل ميامنة طريق المدينة وعلى ليلتين من البحر وبقرب خيبر، وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية ورأسه من ينابيع الماء كخضرة البقل، وغلاة الشيعة تزعم أن محمد بن الحنفية لم يمت وأنه حي بجبل رضوى، وفي ذلك يقول السيد الحميري في كلمة له:

_ (1) رحلة ابن جبير: 314. (2) بروفنسال: 79، والترجمة 98 (Ronda) . (3) قارن بياقوت مادة (رصافة) مضافة إلى عدة أماكن. (4) ياقوت (رصافة أبي العباس) . (5) بروفنسال: 78، والترجمة: 97. (6) راجع ديوانه ومقدمته (ط. دار الثقافة 1963) . (7) ياقوت (رضاء) . (8) معجم ما استعجم 2: 655، وياقوت: (رضوى) . (9) البكري: سبع.

الرقة:

وما ذاق ابن خولة طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة السلاما وإن له لرزقاً من طعام ... وأشربة يعل بها الطعاما الرقة (1) : مدينة بالعراق مما يلي الجزيرة، وكل أرض إلى جانب واد ينبسط عليها الماء عند المد فهي رقة، وبه سميت المدينة. والرقة (2) واسطة بلاد مضر، ومن مدنها الرها وسروج وشمشاط ورأس العين وغيرها، والرقة على شارعة الفرات في الشمال منه، وعليها سوران، وهي في فحص يبعد عن الجبال على مسافة أكثر من يومين، وفي شرقيها جبلان يسميان المنخرين. وفتح الرقة عياض بن غنم (3) سنة ثمان عشرة، فإنه لما مات أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف عياضاً فورد عليه كتاب عمر رضي الله عنه بتوليه حمص وقنسرين والجزيرة فصار إليها في خمسة آلاف، على مقدمته ميسرة بن مسروق العبسي، وعلى ميمنته سعيد بن عامر الجمحي، وعلى ميسرته صفوان بن المعطل السلمي، ويقال إن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان على ميسرته، ويقال أيضاً إن خالداً رضي الله عنه لم يسر تحت لواء أحد بعد أبي عبيدة رضي الله عنه ولزم حمص حتى توفي سنة إحدى وعشرين. فانتهت طليعة لعياض إلى الرقة فأغاروا على حاضر كان حولها للعرب وعلى قوم من الفلاحين فأصابوا مغنماً، وهرب من نجا من أولئك فدخلوا مدينة الرقة، وأقبل عياض في عسكره حتى نزل ببابها المعروف بباب الرها في تعبئته، ثم تأخر عنها لئلا تبلغه حجارتهم وسهامهم وركب فطاف حول المدينة ووضع على أبوابها روابط، ثم رجع إلى عسكره وبث السرايا فآبت بالأسرى من القرى بالأطعمة الكثيرة، فلما مضت خمسة أيام أو ستة وهم على ذلك أرسل بطريق المدينة إلى عياض يطلب الأمان وقال: الأرض لنا قد وطئناها وأحرزناها (4) ، فصالحه عياض على أن أمن جميع أهلها على أنفسهم وذراريهم وأموالهم ومدينتهم فأقرها في أيديهم على الخراج، ووضع الجزية على رقابهم وألزم كل رجل منهم ديناراً في كل سنة وقمحاً وشيئاً من زيت وخل وعسل، ويقال إن عمر رضي الله عنه كتب إليه فألزم كل امرئ منهم أربعة دنانير كما ألزم أهل الذهب، وفتحوا أبواب المدينة وأقاموا للمسلمين سوقاً وكتب لهم عياض كتاباً. وكان أبو جعفر (5) المنصور شخص إلى بيت المقدس فصلى فيه ثم انثنى إلى الرقة فأتى فيها منصور بن جعونة فقتله، وسبب ذلك أن المنصور قال فيما يقول: إن الله تعالى قد رفع الطاعون عن الشام ببركتنا ويمن ولايتنا، فقال له: ما كان الله ليجمعكم والطاعون في بلد. وبالرقة قتل أنس بن أبي شيخ (6) وصلب، وكان أحد البلغاء وكان انقطاعه إلى جعفر بن يحيى، وكان يرمى بالزندقة، وحضر عرساً لجعفر فجعل أنس يذكر أهل بيت رسول الله ونسلهم حتى ذكر فاطمة بنت رسول الله بسوء، والبيت غاص بوجوه الناس، قال معاوية بن بكير: فقمت إليه فقلت: يا ابن الزانية، وأخذت بحلقه ورميت به تحتي وأقبلت أخنقه وهو يصيح: قتلني وأيم الله، لو كان معي سيفي لقتلته، قال: فخليت عنه، فبلغ الخبر الرشيد، فلما خرج الرشيد إلى الرقة نظر إلي يوماً فقال: يا معاوية، قلت: لبيك يا سيدي، ثم التفت فقال: يا سندي علي بأنس بن أبي شيخ، وذكر ما كان بيني وبينه، فأحضر ودعاني فأمرني فضربت عنقه وصلبه، وكان الرشيد لما انصرف عن الري اجتاز ببغداد فطواها ولم ينزلها وجعلها طريقه إلى الرقة فأمر بإحراق جثة جعفر بن يحيى عند اجتيازه بها، وبالرقة توفي يحيى بن خالد في حبسه بها سنة تسع وثمانين ومائة وصلى عليه ابنه الفضل قبل خروجه. وفيها مات عبد الملك بن صالح (7) بن علي فدفن بقصر الرشيد بالرقة وكان من أفصح بني هاشم في أيامه، ويقال إن الرشيد لما دخل منبج قال: لمن هذا؟ يعني بستاناً وقصراً أعجباه، فقال: هو لك ولي بك، قال:

_ (1) معجم ما استعجم 2: 666. (2) نزهة المشتاق: 196. (3) فتوح البلدان: 206. (4) زيادة من فتوح البلدان. (5) الطبري 3: 129. (6) انظر في قتله الطبري 3: 680، وفي أخباره الجهشياري 238 - 240. (7) مروج الذهب 6: 437 وبعض أخباره 6: 302 - 305، وانظر ابن خلكان 6: 30.

الرقيم:

وكيف بناؤه؟ يريد القصر، قال: دون منازل أهلي وفوق نازل الناس، قال: وكيف مدينتك؟ قال: عذبة الماء باردة الهواء طيبة الوطاء قليلة الأدواء، قال: كيف ليلها؟ قال: سحر كله. وذكر المسعودي (1) إن الرقة هي عين البذندون التي مات فيها المأمون وأن مولده اقتضى أنه يموت بمكان يقال له الرقة فكان كذلك وحمل إلى طرسوس فدفن بها. رقادة (2) : على أربعة أميال من قيروان إفريقية وكانت مدينة كبيرة دورها أربعة وعشرون ألف ذراع وأربعون ذراعاً، وكانت أكثر بلاد إفريقية بساتين وفواكه، وليس بإفريقية أعدل هواء من رقادة ولا أرق نسيماً ولا أطيب تربة، ويقال إن من دخلها لم يزل ضاحكاً مستبشراً مسروراً من غير سبب كالذي يحكى عن أرض تبت، وكان أحد ملوك الأغالبة أصابه أرق شديد أياماً فعالجه إسحاق المتطبب، وهو الذي ينسب إليه الأطريفل (3) ، فأمر الملك بالخروج والتنزه والمشي، فلما وصل إلى موضع رقادة نام، فسميت رقادة من يومئذ واتخذت موضع فرجة ومتنزهاً للملوك، ويقال إن إبراهيم بن أحمد الأغلبي هو الذي بناها وجعلها دار مملكته ومسكنه، قالوا: ومنع بيع النبيذ بالقيروان وأذن فيه في رقادة بسبب جنده وعبيده، وقال بعض المجان في ذلك: يا سيد الناس وابن سيدهم ... ومن إليه القلوب منقاده ما حرم الشرب في مدينتنا ... وهو حلال بأرض رقاده وبرقادة بويع عبيد الله الشيعي، ثم إن رقادة خربت وانتقل الناس عنها ولم يبق لها عين ولا أثر. الرقيم (4) : قال الله تعالى: " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " قيل المعنى إنكار اعتقاد كون ذلك عجباً، أي لا يعظم ذلك فإن سائر آيات الله تعالى أعظم من قصتهم وأعجب، وهذا هو الأشهر، وقيل يجوز أن يكون المراد: هل علمت أن أصحاب الكهف كانوا عجباً. بمعنى إثبات أنهم عجب، والكهف: اللحف المتسع في الجبل، فإن صغر فهو الغار، والرقيم القرية التي كانت بإزاء الكهف، وقيل الوادي الذي كان بازائه وهو واد بين بيسان وأيلة دون فلسطين، وقيل هو الجبل الذي فيه الكهف، وقيل الصخرة التي كانت على الكهف، هذا قول من جعله موضعاً وحيزاً، والآخرون قالوا: هو كتاب مرقوم، وكان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى أو غيره في لوح نحاس أو رصاص أو حجارة، على اختلافهم في ذلك. وكانوا فتية في غابر الدهر فروا بدينهم، فدخلوا كهفاً خائفين من ملكهم وكان عابد وثن. قالوا: مر ابن عباس رضي الله عنهما في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله فمشى الناس إليه فوجدوا عظاماً فقالوا: هذه عظام أهل الكهف، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنهما: أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة، فسمعه راهب فقال: ما كنت أحسب أن أحداً من العرب يعرف هذا، فقيل له: هذا ابن عباس ابن عم نبينا صلى الله عليه وسلم، فسكت. قال ابن عطية: وبالشام، على ما سمعت من ناس كثير، كهف فيه موتى يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم ومعهم كلب رمة. قال (5) : وفي الأندلس في جهة أغرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة، وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، قال: ودخلت إليهم ورأيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهما بناء رومي يسمى الرقيم كأنه قصر مخلق وقد بقي بعض جدرانه، وهو في فلاة من الأرض خربة، وبأعلى حضرة أغرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقيوس وجدنا في آثارها غرائب وقبوراً. وقال المسعودي (6) : قيصر فلبس هو الذي دعي إلى دين

_ (1) راجع ما تقدم في مادة ((البذندون)) . (2) البكري: 27، وابن الوردي: 14. (3) الاطريفل: دواء مركب فيه بعض الاهليلجات او كلها، ويزداد فيه بحسب الحاجة من الأقوايه (مفيد العلوم: 8) . (4) انظر زاد المسير 5: 107 وكذلك سائر كت التفسير، كالطبري والكشاف والرازي ... الخ. وقارن بياقوت (الرقيم) . (5) أورد الزهري تفصيلات كثيرة حول الكهف القريب من لوشة (ص 94 - 95) وقد رآه ورأى من فيه سنة 532. (6) التنبي والأشراف: 133.

رشيد:

النصرانية فأجاب، وترك ما كان عليه من مذاهب الصابئين، واتبعه على ذلك خلق كثير من أهل مملكته، فآل ذلك إلى تحزبهم واختلاف كلمتهم في الديانة، وكان ممن خالف عليه بطريق من بطارقته يقال له داقيوس، فقتل فلبس واستولى على الملك، وملك سنتين، وتتبع النصارى فقتل منهم مقتلة عظيمة، ومنه هرب الفتية أصحاب الكهف، وهم في جبل من جبال الروم يعرف بخاوس (1) شرقي مدينة افسيس وعلى نحو ألف ذراع منها، وكانت هذه المدينة على البحر الرومي فبعد البحر عنها. وقال جماعة: أصحاب الكهف غير أصحاب الرقيم، وكلا موضعيهما بأرض الروم، وقد مر في حرف الخاء، في ذكر مدينة خارمي، ذكر هذا الكهف، فلنكتف بهذا القدر هنا. الرقمتان (2) : تثنية رقمة، موضعان، قال مالك بن الريب: فلله دري يوم أترك طائعاً ... بني بأعلى الرقمتين وماليا وقال زهير: ودار لها بالرقمتين كأنها ... مواضع وشم في نواشر معصم وقيل هما روضتان: إحداهما قريب من البصرة والأخرى بنجد، وقيل: بل كل روضة رقمة، وقيل: الرقمتان في أطراف اليمامة، وفي شعر مهيار الديلمي: سقى دارها بالرقمتين وحياها ... ملث يحيل الترب في الدار أمواها الرس (3) : واد بنجد، وهو أيضاً الركية التي لم تطو، وهو أيضاً نهر يأخذ من مدينة قالي قلا على فرسخين ثم يشق مغرباً إلى دبيل، وخلف الرس، فيما يقال، ثلثمائة وستون مدينة خراباً وهو قول الله عز وجل: " وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيراً "، وقيل: الرس بناحية صيهد من أرض اليمن، وذكر الهمداني حنظلة بن صفوان وقال: وجد في قبره لوح مكتوب فيه: أنا حنظلة بن صفوان، أنا رسول الله، بعثني الله إلى حمير وهمدان والعريب من اليمن فكذبوني وقتلوني، وذكره المسعودي (4) في الأنبياء، وكان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام فأرسل إلى أصحاب الرس، وكانوا من ولد إسماعيل عليه السلام، وهم قبيلتان: قدمان ويامن، فقام فيهم حنظلة بن صفوان بأمر الله فقتلوه، فأوحى الله إلى نبي من بني إسرائيل من سبط يهوذا أن يأمر البخت ناصر أن يسير إليهم، فأتى عليهم، فذلك قوله تعالى: " فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ". رسوب (5) : هو جبل الأحقاف في عمان، وقد تقدم ذكر الأحقاف وقوم عاد في حرف الألف، ورسوب متصل بأرض الأحقاف، وهو بلد واسع غلب عليه الرمل بسوافي الرياح فعفا أثره، وهو الذي ذكره الله عز وجل، والبحر يضرب بسفح الجبل، ويركب منه البحر إلى جزيرتين ينزلهما قوم من مهرة بأغنامهم، طولهما اثنا عشر فرسخاً. رستقباذ (6) : موضع بين الكوفة والبصرة، قريب من دستوا، كان الحجاج خرج إليه فثار الناس به هناك مع عبد الله بن الجارود وأصحابه، وذلك سنة خمس وسبعين، فاقتتلوا، فقتل عبد الله بن الجارود، وبعث الحجاج بثمانية عشر رأساً من أصحابه فنصبت برامهرمز للناس، وكان الحجاج قام في الناس فقال: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم زيادة فاسق منافق ولست أجيزها، فقال له عبد الله بن الجارود العبدي: ليست بزيادة فاسق ولا منافق ولكنها زيادة عبد الملك أمير المؤمنين وقد أثبتها لنا، فكذبه وتوعده، فخرج ابن الجارود على عبد الملك وبايعه وجوه الناس فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل ابن الجارود في جماعة من أصحابه وبعث برؤوس عشرة من أصحابه إلى المهلب. رشيد (7) : من مدن البلاد المصرية كبيرة على كثيب رمل عظيم،

_ (1) ص ع: بحانوس - دون اعجام -. (2) معجم ما استعجم 2: 667. (3) قارن بياقوت: (الرس) . (4) مروج الذهب 1: 125. (5) ص ع: رسوف، وأثبت ما في البكري (مخ) : 67 والمؤلف ينقل عنه، ولا أدري ما صلته ب ((ريسوت)) ، قال الهمداني (صفة: 51) وفي المنتصف من هذا الساحل شرقاً بين عمان وعدن: ريسوت، وهو مائل كالقلعة بل قلعة مبنية بنياناً على جبل والبحر محيط بها إلا من جانب واحد. (6) الطبري 2: 874. (7) الاستبصار: 89، وصبح الأعشى 3: 400، وقارن بالأدريسي (د) : 162، وابن دقمقان 5: 113 - 114.

الرها:

إذا هبت الريح الغربية ملأت عليهم سككهم وبيوتهم رملاً، فلا يقدرون على التصرف في أسواقهم، وهي على ضفة النيل، وضفة النيل (1) من مصر إلى مدينة رشيد هذه من أعجب متنزهات الدنيا، وليس لغلات هذه الناحية نظير في الدنيا، ورئي في تلك الجهات ضيعة لأحد المصريين يغل رمانها وموزها خاصة خمسة عشر ألف مثقال في العام، وهناك كانت ضيعة الليث بن سعد وكان يقول: يدخل علي كل سنة خمسون ألف دينار ما وجبت علي زكاتها قط. الرها (2) : بضم الراء والمد، مدينة من أرض الجزيرة متصلة بحران، وإليها ينسب الورق الجيد من ورق المصاحف، وهي مدينة ذات عيون كثيرة عجيبة تجري منها الأنهار، وبينها وبين حران ستة فراسخ. والرها مدينة رومية عليها سور حجارة، تدخل منها أنهار وتخرج عنها، وهي سهلية جبلية كثيرة البساتين والخيرات، مسندة إلى جبل مشرفة على بساط من الأرض ممتد إلى حران، ولها أربعة أبواب منها في الجنوب باب حران وفي الشرق الباب الكبير، وعلى هذا الباب حصن منيع جداً تحصن فيه المسلمون بعد أخذ الروم للرها ستة أشهر ولم ينزلوا إلا على اختيارهم؛ وفي الشمال باب سبع وفي الغرب باب الماء، وبساتينها في الشرق منها ويشق بعضها نهر يسمى بالسكيرات، وتخرج من الرها عين تسمى بعين مياس، وليس في جميع بلاد الجزيرة أحسن منها منتزهات ولا أكثر منها فواكه، وعنابها على قدر التفاح، وقد ذكر أنه لم يوجد بناء خشب أحسن من بناء كنيستها لأنها مبنية بخشب العناب، وليس بمدينة الرها ربض، والفرات منها في ناحية المغرب على مسيرة يومين، وفي ناحية الشمال على مسيرة يوم، وهي من حران ما بين المغرب والشمال، وبينهما نحو أربعة فراسخ، وهذا خلاف ما تقدم. ويمتاز أهل الرها من أهل تلك الناحية بجمال الصور وكمال الخلق. قال العلاء بن أبي عائشة: كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله: سل أهل الرها هل عندهم صلح، فسألتهم، فأتاني أسقفهم بحق فيه كتاب صلحهم فإذا فيه: كتاب من عياض بن غنم ومن كان معه من المسلمين لأهل الرها، إني أمنتهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم وبلادهم إذا أدوا الحق الذي عليهم، شهد الله وملائكته. قال: فأجازه لهم عمر بن عبد العزيز. وذكر أن عياضاً لما صالح أهل الرها دخل أهل الجزيرة فيما دخلوا فيه من الصلح. ولما نزل (3) عياض على حران سنة ثمان عشرة فحاصرها كلمه أهلها أن يصير إلى الرها، فما صالحوه عليه صالحوه بمثله، ورضي النصارى بذلك، فأتى الرها فخرجت مقاتلتهم فهزمهم المسلمون حتى ألجأوهم إلى المدينة فطلبوا الأمان والصلح فأجابهم عياض إليه وكتب لهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عياض بن غنم لأسقف الرها، إنكم إن فتحتم لي باب المدينة على أن تؤدوا لي عن كل رجل منكم ديناراً ومديي قمح فأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم، عليكم إرشاد الضال وإصلاح الجسور والطرق ونصيحة المسلمين، شهد الله وكفى به شهيداً. وصالح عياض أهل حران على مثل صلح الرها وفتحوا له أبوابها، وولاها رجلاً ثم سار إلى شمشاط (4) . وقد استولى الروم بعد عشرين وأربعمائة على مدينة الرها وكان في كنيستها مال عظيم من قبل أن يفتتحها المسلمون في سرب في جوف الكنيسة كان أهلها يراعونه ويكتمون أمره، فلما دخلها الروم أظهروه وأخرجوه وحملوه إلى القسطنطينية. قالوا (5) : وبنى كنيسة الرها يسطانياس الملك، وهو الذي شيد مدن النصرانية وأظهر مذهب الملكية. وكنيسة الرها إحدى عجائب العالم والهياكل التي فيها. قالوا: وكان في هذه الكنيسة منديل يعظمه أهل النصرانية، وهو أن إيشوع الناصري حين أخرج من ماء المعمودية نشف به، فلم يزل هذا المنديل يتداول إلى أن حصل بكنيسة الرها، فلما اشتد أمر الروم على المسلمين وحاصروها سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة أعطي هذا المنديل للروم فجنحوا إلى الهدنة، وكان للروم عند تسليمهم هذا المنديل فرح عظيم. قال حمزة الشامي: اجتزت بكنيسة الرها عند مسيري إلى العراق فدخلتها لأشاهد ما كنت أسمعه عنها، فبينا أنا أطوف فيها

_ (1) زيادة ضرورية؛ وفي الاستبصار: وهم على ضفة النيل قرب البحر، ومن أعجب منتزهات الدنيا ضفة النيل من مصر إلى مدينة رشيد هذه. (2) قارن بنزهة المشتاق: 200، وصبح الأعشى 4: 139، وياقوت (الرهاء) ، وابن الفقيه: 134، والكرخي: 54، والمقدسي: 141، 147، ومعجم ما استعجم 2: 678. (3) فتوح البلدان: 206. (4) الفتوح: سميساط. (5) مروج الذهب 2: 331.

روذة:

رأيت على ركن من أركانها مكتوباً بحمرة: حضر فلان بن فلان وهو يقول: من إقبال ذي الفطنة إذا ركبته المحنة انقطاع الحياة وحضور الوفاة، وأشد العذاب تطاول الأعمار في حال الإدبار وأنا القائل: ولي همة أدنى منازلها السهى ... ونفس تعالى في المكارم والبها وقد كنت ذا حال بمرو قوية ... فبلغت الآمال في بيعة الرها ولو كنت معروفاً بها لم أقم حياً ... ولكنني أصبحت ذا غربة بها ومن عادة الأيام إبعاد مصطفى ... وتفريق مجموع وتبغيض مشتهى رهاط (1) : بضم أوله، قرية جامعة على ثلاثة أميال من مكة بها كان سواع، صنم لهذيل، وقال أبو صخر: فماذا ترجي بعد آل محرق ... عفا منهم وادي رهاط إلى رحب روذبار (2) : هو اسم لساحل جيحون كله. روذان (3) : بلدة حسنة من كور الجبل، وهي إقليم حسن وناحية شريفة، ومنها إلى نهاوند عشرون ميلاً، وبينها وبين همذان ثلاثة فراسخ، ويعمل بها الزعفران، فهي تعرف ببلد الزعفران. روذة (4) : بضم أوله وبالذال المعجمة، موضع من قرى نهاوند، قالوا: خرج عمرو بن معدي كرب الزبيدي في جماعة من بني مذحج زمان عثمان رضي الله عنه يريد الري ودستبى، فنزلوا خاناً من تلك الخانات، وكان عمرو إذا أراد الحاجة لم يستعجل عنها، فأمعن عمرو في حاجته وأبطأ، وأرادوا الرحيل، وكره كل منهم أن يدعوه وذلك من إعظامهم إياه حتى طال عليهم، فجعلوا يقولون: أي أبا ثور، أي أبا ثور، وجعلوا يسمعون علزاً ونفساً شديداً، قال: فخرج عليهم محمرة عيناه مائل الشق والوجه مفلوجاً، وإذا الشيطان قد ساوره، فسار معهم محمولاً مرحلة أو دونها فمات فدفن بروذة، وقالت امرأته ترثيه: لقد غادر الركب الذين تحملوا ... بروذة شخصاً لا ضعيفاً ولا غمرا وروي أيضاً أنه شهد فتح نهاوند مع النعمان بن مقرن وقاتل يومئذ فأثبتته الجراحات، فحمل فمات بروذة من قرى نهاوند، وقال ابن دريد: مات عمرو بن معدي كرب على فراشه من حية لسعته. رومة (5) : بضم أوله، بئر رومة بالمدينة، وكانت ليهودي يبيع المسلمين ماءها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين وله بها مشرب في الجنة "؟ فاشتراها عثمان رضي الله عنه بعشرين ألفاً. ومن بئر رومة كانت تحمل المرأة الزريقية الماء إلى تبع في القرب فأثابها، فلذلك صار ولدها أكثر بني زريق مالاً. ورومة أيضاً مدينة عظيمة للنصارى هي ركن من أركانهم وكرسي من كراسيهم (6) ، وبأنطاكية كرسي، وبالإسكندرية أيضاً كرسي، وببيت المقدس كرسي لكنه محدث لم يكن في أيام الحواريين واتخذ بعدهم ليعظم بيت المقدس. ويذكر أن محيطها تسعة أميال ولها سوران من الحجر، وعرض السور الداخل اثنا عشر شبراً وسمكه اثنان وسبعون ذراعاً. وكانت (7) رومة دار مملكة الروم، ونزلها من ملوكهم تسعة وعشرون ملكاً ثم نزل بعمورية (8) منهم ملكان، ثم انتقلت مملكتهم إلى رومة فنزلها ملكان ثم ملك بها قسطنطين الأكبر فانتقل إلى القسطنطينية.

_ (1) معجم ما استعجم 2: 678. (2) معجم ما استعجم 2: 684، وعند ياقوت عدو مواضع بهذا الاسم. (3) قارن بياقوت (روذان) . (4) معجم ما استعجم 2: 684. (5) معجم ما استعجم 2: 685. (6) أول المادة عن الادريسي (م) : 73، وانظر مروج الذهب 3: 407، وصبح الأعشى 5: 407، وابن الوردي: 50. (7) البكري (ح) : 192، وبضعه عند ابن خرداذبه: 104، ومروج الذهب 2: 311. (8) ابن خرداذبه: نقمودية.

ورومة هي مدينة الحكام. وهي (1) في سهل من الأرض تحيط بها الجبال على بعد، عليها منها جبل عوذية (2) بينها وبينه ستة أميال، ودور (3) مدينة رومة أربعون ميلاً وقطرها اثنا عشر ميلاً، يشقها نهر يسمى تيبرس وينقسم قسمين ثم يلتقيان آخرها، وفي وسط هذه المدينة حصن يسمى منت أقوط (4) في صخرة مرتفعة لم يظفر بهذا الحصن عدو قط. ورومة قد تغلب عليها ثلاث مرات، ولها سبعة أبواب، وبين رومة والبحر الشامي اثنا عشر ميلاً، وكذلك بينها وبين البحر الجوفي، وأهل رومة أجبن خلق الله تعالى ويدبر أمرهم برومة البابه، ويجب على كل ملك من ملوك النصارى إذا اجتمع بالبابه أن ينبطح على الأرض بين يديه، فلا يزال يقبل رجلي البابه ولا يرفع رأسه حتى يأمره البابه بالقيام. وكانت رومة القديمة تسمى رومة (5) بالية، أي عجوز، وكان النهر يعترضها فبنى يوانش الأسقف خلف الوادي مدينة أخرى فلذاك صار النهر يشقها، وفرش النهر بلبن الصفر وألزقه بالقصدير والرصاص، وألبست حيطانه بمثل ذلك. وفي داخل رومة كنيسة شنت باطر، وفيها صورة قارله من ذهب بلحيته وجميع هيئته، وهو في خلق عبوس قد رفع عن الأرض في خشبة مصلوباً، وفي وسط هذه الكنيسة صورة أخرى لبعض ملوكهم من ذهب أيضاً، ولهذه الكنيسة أربعة أبواب من فضة سبكاً واحداً، وهي كلها مسقفة بقراميد الصفر ملصقة بالقصدير، وحيطانها كلها نحاس أصفر رومي، وأعمدتها وأساطينها من بيت المقدس، وهي في غاية الحسن والجمال، ويزعمون أن تحت هذه الكنيسة أبنية وبيوتاً وسوراً فيها آلات وعدة، وفي وسط صحنها صورة مثقبة من رخام تنساب منها المياه، وصحنها مرتفع جداً يرقى إليه على ثلاثين درجة، ويزعمون أن في هذه الكنيسة مخلبين من مخاليب العنقاء، طول كل مخلب منهما اثنا عشر شبراً، وداخل هذه الكنيسة بيت بني باسم بطرش وبولش الحواريين، وطول هذه الكنيسة ثلثمائة ذراع وسمكها مائتا ذراع. والذي (6) فرش النهر، في مدينة رومة، بلبن الصفر في ملكه على ما ذكر مؤرخو العجم قيصر أكتبيان في السنة الرابعة من دولته، عهد إلى جميع عماله مع دور الأرض والبحر المحيط بضرب ضرائب الصفر على الناس وأدائها إليه، فلما اجتمع أمر بضربه صفائح وبسط بها قعر نهر رومة وفرش به وذلك مسافة عشرين ميلاً، وبهذا النهر يؤرخ الروم فيقولون: من تاريخ عام الصفر. ومدينة رومة كثيرة الطواعين وذلك أنهم لا يدفنون موتاهم، وإنما يدخلونهم في مغارات ويدعونهم بها فيستوبئ هواؤهم إذا استحروا، وهم يجتنبون أكثر ثمارها لوقوع ذبان الموتى عليها، والدليل على أن العلة في ذلك أجساد موتاهم، أن الطاعون لا يتعدى رومة وما دونها بعشرين ميلاً. ومما (7) يذكر من الأعاجيب برومة أن فيها كنيسة بها برج طوله في الهواء مائة ذراع، وعلى رأس البرج قبة مبنية بالرصاص، وعلى رأس القبة زرزور من صفر فإذا كان أوان إدراك الزيتون انحشرت إليه الزرازير من الأقطار البعيدة وفي منقار كل زرزور زيتونة وفي رجليه زيتونتان، وموضع الكنيسة لا زيتون فيه، فيطرحها على ذلك البرج، فيستصبح بدهن تلك الزيتون في الكنيسة عامة العام، ويقال: إن قسطنطين الملك بناها في شهر حزيران، وهو أول من تنصر، وإن في هذه الكنيسة قبر رجلين من الحواريين. ويزعم النصارى، وهو من تكاذيبهم وفاسد نواميسهم، أن في هذه الكنيسة أو غيرها برومة، قبر حواري يفتح عنه الملك كل عام في يوم فصحهم، ويدخله فيحلق رأس الحواري ولحيته ويقلم أظفاره، ثم يقسم لكل رجل من أهل مملكته شعرة شعرة، ويخص كبارهم بفسيط من قلامة أظفاره. وأهل رومة (8) أجمعون يحلقون لحاهم، ويحلقون أوساط هامهم، ويزعمون أن كل من لم يحلق لحيته لا يكون نصرانياً خالصاً، ويقول علماؤهم إن سبب ذلك أن شمعون الصفا جاءهم والحواريون، وهم قوم مساكين ليس مع كل واحد منهم إلا عصا وجراب، قالوا: ونحن ملوك نلبس الديباج

_ (1) البكري (ح) : 201. (2) ص البكري: عودية. (3) ص: وذرع. (4) ع: اقرط؛ ص: افرط؛ البكري: أرفوط. (5) مسقط من ع، وهو ثابت في ص والبكري. (6) هذا لم يرد عند البكري. (7) قال بالزهري: 75، وياقوت (رومية) ، وابن الفقيه: 72. (8) البكري (ح) : 205 حتى آخر النص، وقارن بالمسعودي: مروج الذهب 1: 60 وبما ورد في البدء والتاريخ 4: 46 - 48.

رومية المدائن:

ونجلس على كراسي الذهب، فدعونا إلى النصرانية فلم نجبهم، وأخذناهم فعذبناهم وحلقنا رؤوسهم ولحاهم، ولما ظهر لنا صدق قولهم، حلقنا لحانا، كفارة لما ركبنا من حلق لحاهم. وإنما صار النصارى يعظمون الأحد لأنهم يزعمون أن المسيح قام في القبر ليلة الأحد وارتفع إلى السماء ليلة الأحد بعد اجتماعه مع الحواريين، وهم لا يرون الغسل من الجنابة ولا وضوء عندهم للصلاة وإنما عبادتهم النية، ولا يأخذون القربان حتى يقولوا: هذا لحمك ودمك، يريدون المسيح، والسكر عندهم حرام، ولا يتكلم أحدهم إذا أخذ القربان حتى يغسل فمه (1) ، وإذا تقربوا قبل بعضهم بعضاً وتعانقوا، ولا يتزوج أحد منهم أكثر من امرأة واحدة ولا يتسرى عليها، فإن زنت باعها وإن زنا باعته، وليس لهم طلاق، ويورثون النساء جزأين والذكور جزءاً، ومن سننهم أن لا يلبس الجباب الحمر إلا ملك، وهم يخففون الحكم عن الشريف ويثقلون على الوضيع حتى يبلغ به البيع، ومن أحكامهم أن من زنا بأمة غيره في دار سيدها فعليه حد معروف، فإن زنا بها خارج الدار فلا شيء عليه كأنه لم يأت ريبة، ومن أولد عندهم أمته فولده منها زنيم ولا يجوز لذلك الولد عندهم رتبة القسيسية ولا يرث أباه إذا كان له ولد من حرة، وولد الحرة يحيط بميراثه، وإن لم يكن له ولد غير ولد الأمة ورثه، وهم يفطرون في صومهم يومين من كل جمعة، وهما: يوم السبت ويوم الأحد، وأمر الصوم عندهم خفيف ليس بالشديد اللزوم وإنما أصله عندهم الصوم الذي كان صامه المسيح بزعمهم استدفاعاً لإبليس، وكان صومه أربعين يوماً موصولة بلياليها في قولهم، وهم لا يصومون يوماً كاملاً ولا ليلة كاملة، ومن كان بين المسلمين منهم يؤخر الفطر حياء منهم، وهم في موضع مملكتهم لا يصومون إلا نصف النهار أو نحوه، والمواظب منهم للصلوات والجماعات من شهد الكنيسة يوم الأحد وليلته وأيام القرابين السبعة، ولو غاب عنها عمره كله لم يطعن عليه بذلك طاعن ولا عابه عائب، وليس يشتمل مصحف النصارى الذي هو ديوان فقههم وكنز علمهم وعليه معولهم في أحكامهم واعتمادهم في شرائعهم إلا على خمسمائة وسبع وخمسين مسئلة، ومن هذه المسائل على قلتها مسائل موضوعة لا معنى لها ولا حاجة بهم إلى تقييدها لم تقع في سالف الزمن ولا تقع في غابره. وليست سنتهم مأخوذة من تنزيل ولا رواية عن نبي وإنما جميعها عن ملوكهم، وأيمانهم التي لا بعدها: بالله الذي لا بعده (2) غيره ولا يدان إلا له، وإلا فخلع النصرانية وبرئ من المعمودية وطرح على المذبح حيضة يهودية، وإلا فلعنه البطريق الأكبر والشمامسة والديرانيون وأصحاب الصوامع ومقربة القربان، وإلا فبرئ من الثلثمائة والثمانية عشر أسقفاً الذين خرجوا من بيوتهم حتى أقاموا دين النصرانية، وإلا فشق الناقوس وطبخ فيه لحم جمل وأكل يوم الإثنين مدخل الصوم، وإلا تلقى الله بعمل إسحاق طرى اليهودي. رومية المدائن (3) : هي إحدى بلدان المدائن التي كان ينزلها كسرى ملك الفرس بالعراق، يقال لها رومية المدائن، والمدائن على مسافة بعض يوم من بغداد، ويشتمل مجموعها على مدائن متصلة على جانبي دجلة شرقاً وغرباً، ودجلة يشق بينها، ولذلك سميت المدائن، والغربية منها تسمى بهرسير والمدينة الشرقية تسمى العتيقة، وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه، وتتصل بهذه المدينة العتيقة المدينة الأخرى التي كانت الملوك تنزلها، وفيها الإيوان إيوان كسرى العجيب البنيان، الشاهد بضخامة ملك بني ساسان، ويقال إن سابور ذا الأكتاف منهم هو الذي بناه، وهو من أكابر ملوكهم، كما بنى ببلاد فارس وخراسان مدناً كثيرة. وكان الإسكندر، وقيل إنه ذو القرنين، بلغ مشارق الأرض ومغاربها وله في كل إقليم أثر، فبنى بالمغرب الإسكندرية، وبخراسان سمرقند ومدينة الصغد، وبخراسان السفلى مرو وهراة، وبناحية الجبل جي وهي أصبهان، ومدناً كثيرة في نواحي الأرض وأطرافها، وجال الدنيا كلها فلم يختر منها منزلاً سوى المدائن، بناها مدينة عظيمة وجعل عليها سوراً أثره باق، وهي التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي، وبها مات، وحمل إلى الإسكندرية لمكان والدته، فإنها كانت إذ ذاك باقية هناك. وفي رومية كان إيقاع أبي جعفر المنصور بأبي مسلم بالقتل سنة ست وثلاثين ومائة، وكان المنصور بعث إليه بعد ظفره بعسكر عبد الله بن علي وكان خرج على المنصور وحاربه أشهراً، ثم انهزم عبد الله وظفر أبو مسلم بعسكره، فبعث المنصور يقطين بن

_ (1) ص ع: دمه. (2) ص والبكري: يعبد. (3) راجع ما تقدم مادة ((بهرسير)) و ((خطرنية)) و ((دير الأعور)) ؛ وانظر مروج الذهب 6: 177 - 183.

الروحاء:

موسى لقبض الخزائن، فلما دخل يقطين على أبي مسلم قال: السلام عليك أيها الأمير، قال: لا سلم الله عليك يا ابن اللخناء، أؤتمن على الدماء ولا أؤتمن على الأموال؟! فقال له: فما الذي أبدى منك هذا أيها الأمير؟ قال: أرسلك صاحبك لقبض ما في يدي من الخزائن، فقال له: امرأتي طالق ثلاثاً إن كان أمير المؤمنين وجهني إليك لغير تهنئتك بالظفر، فاعتنقه أبو مسلم وأجلسه إلى جانبه، فلما انصرف قال لأصحابه: إني والله أعلم أنه قد طلق، ولكنه وفى لصاحبه. وسار أبو مسلم من الجزيرة، وقد أجمع على خلاف المنصور، فأخذ طريق خراسان منكباً عن العراق، وسار المنصور من الأنبار فنزل رومية المدائن وكتب إلى أبي مسلم: إني قد أردت مذاكرتك بأشياء لم يخلصها الكتاب فأقبل فإن مقامك عندنا قليل، فقرأ الكتاب ومضى إلى وجهه، فسرح إليه المنصور جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي وكان واحد زمانه دهاء ومعرفة، وكانت المعرفة بينهما قديمة فقال له: أيها الأمير ضربت الناس عن عرض لأهل هذا البيت ثم تنصرف على هذه الحال؟ ما آمن من يعيبك من هناك وهاهنا وإن يقال طلب ثار قوم ثم نقض بيعتهم فيخالفك من تأمن مخالفته إياك وإن الأمر لم يبلغ عند خليفتك ما تكره ولا أرى أن تنصرف على هذه الحال، فأراد أن يجيب إلى الرجوع، فقال له مالك بن الهيثم: لا تفعل فقال: لقد بليت بإبليس، يعني الجريري، فلم يزل به حتى أقبل به إلى البصرة. فكان أبو مسلم يجد خبره في الكتب السالفة وأنه يقتل بالروم، وكان يكثر من قول ذلك وأنه مميت دولة ومحيي أخرى، فلما دخل على المنصور رحب به وعانقه وقال له: كدت أن تمضي قبل أن أفضي إليك بما أريد، قال: قد أتيت يا أمير المؤمنين فمر بأمرك، فأمره بالانصراف إلى منزله وانتظر به الغوائل، ثم بعد ذلك ركب أبو مسلم إلى مضرب المنصور، وهو على دجلة برومية المدائن، فجلس تحت الرواق والمنصور يتوضأ، وكان تقدم إلى صاحب حرسه عثمان بن نهيك في عدة أن يقوموا خلف السرير الذي وراء أبي مسلم، فإذا صفق بيد على يد فليظهروا وليضربوا عنقه وما أدركوا منه بسيوفهم، وجلس المنصور فدخل عليه أبو مسلم، فسلم، فرد عليه وأذن له في الجلوس وحادثه ساعة ثم أقبل يعاتبه ويقول: فعلت وفعلت، فقال أبو مسلم: ليس يقال لي هذا بعد بلائي وما كان مني، فقال له: يا ابن الخبيثة وإنما فعلت ذلك بجدنا وحظوظنا ولو كان مكانك أمة سوداء لأجزت، ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك، والكاتب إلي تخطب فلانة بنت علي وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن العباس؟! لقد ارتقيت، لا أم لك، مرتقى صعباً، فأخذ أبو مسلم بيده يعركها ويقبلها ويعتذر إليه، فقال المنصور، وهو آخر ما كلمه: قتلني الله إن لم أقتلك، ثم صفق بإحدى يديه على الأخرى، فخرج إليه القوم، فضربه عثمان بن نهيك ضربة خفيفة بالسيف قطعت نجاد سيفه، وضربه آخر فقطع رجله واعتورته السيوف فقضت عليه، والمنصور يصيح: اضربوا قطع الله أيمانكم، وقد تقدم في حرف الخاء طرف آخر من هذا الفصل. الرويثة (1) : بضم أوله وفتح ثانيه وبالثاء المثلثة، قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخاً، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سرحة ضخمة عن يمين الطريق، ووجاه الطريق، في مكان سهل حتى يفضي من أكمة دون الرويثة بميلين وتكون الرويثة آهلة أيام الحاج، وفيها برك للماء يقال لها الأحساء، ومن الرويثة إلى العرج أربعون ميلاً. الروحاء (2) : قرية جامعة لمزينة على ليلتين من المدينة، بينهما أحد وأربعون ميلاً. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما، وروى غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وقد صلى في المسجد الذي ببطن الروحاء عند عرق الظبية: " هذا واد من أودية الجنة، قد صلى في هذا المسجد قبلي سبعون نبياً، وقد مر به موسى بن عمران حاجاً أو معتمراً في سبعين ألفاً من بني إسرائيل على ناقة له ورقاء، عليه عباءتان قطويتان يلبي، وصفاح الروحاء تجاوبه ". وقال مالك: إذا كانت القرية متصلة البيوت كالروحاء وشبهها لزمتهم الجمعة. قيل: وسميت الروحاء لكثرة أرواحها، وفيها ما يزعمون أنه قبر مضر بن نزار. والروحاء هي السيالة (3) وفيها أهل وسوق صغير،

_ (1) معجم ما استعجم 2: 686. (2) معجم ما استعجم 2: 681 - 683. (3) كذا، وقال البكري (السيالة) : ومنها إلى الروحاء اثنا عشر ميلاً: وقال عرام (ص: 17) وهو يعد القرى الواقعة في جبل ورقان: وبسفحه من عن يمين السيالة ثم الروحاء ثم الرويئة وقال الشيخ الجاسر في تعليقاته على ((بلاد العرب)) (407) والروحاء لا تزال معروفة، بعد قرية المسيجيد للمتوجه إلى المدينة، والسيالة بعد الروحاء إلى المدينة.

الرود:

وماؤها من الآبار وتباع بها شواهين وصقور. ومن قصيدة لأبي عبد الله بن الأبار الكاتب ذكر فيها البقاع الحجازية يتشوق إليها ويتطلب إلى ممدوحه الأمير الأجل أبي زكريا ملك إفريقية تسريحه إلى الحجاز: ويرتاح للروحاء قلبي وفجها ... إذا سلكت شعباً ركابي أو فجا رودس (1) : بضم أوله جزيرة في البحر من الثغور الشامية، افتتحها جنادة بن أبي أمية عنوة في خلافة معاوية. وعن مجاهد قال، قال لي شيخ في غزوة رودس وقد كان أدرك الجاهلية، قال: كنت أسوق لأى لنا، يعني بقرة، فسمعت من جوفها: يال ذريح، قول نصيح، رجل يصيح، يقول: لا إله إلا الله، قال: فقدمنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة. ورودس هو حصن إغريقيا، وهو في الأرض الكبيرة مقدار عشرين ميلاً، وبينها وبين قبرس عشرون ميلاً، وبين ساحل الإسكندرية أربعة أيام. وذكر أبو نصر الفارابي أن هذه الجزيرة كانت مقراً لتعليم الفلسفة قبل انتقال التعليم إلى الإسكندرية، ورودس بلغة الإغريقيين: الورد. الرويان: مدينة في حد الديلم اسمها كجة (2) ، منها بزرجمهر ابن البختكان وزير كسرى أنوشروان وصاحب خزانة كتبه، وهو الذي جلب إليه كتاب " كليلة ودمنة " من الهند، وألف كتاباً في سير أنوشروان تولى فيه تقريظه، وسماه " كتاب العدل " فحظي بذلك عنده، وهو منشئ كتاب " مزدك " (3) الذي هو مسرح كل أديب، ومخيلة كل كاتب، يتنافسون في اكتتابه، ويديمون مطالعته لما يكتسبون من آدابه، ويحتذون من أمثلته، ولم يزل بزرجمهر في رسم من يدعى رأس الكتاب، بقية (4) دولة أنوشروان إلى أن قتله أبرويز، فكتب إليه أبرويز (5) : جنت لك ثمرة العلم القتل، فقال بزرجمهر: لما كان معي الجد كنت أنتفع بثمرة العلم، وإن فقدت كثيراً من الخير فقد استرحت من كثير من الشر. والرويان مدينة عظيمة جليلة كثيرة الأهل، وأكثرهم شيعة من الزيدية. الرود (6) : جزيرة في البحر المحيط أو غيره من البحار فيها الرود، وهم خلق ذوو أجنحة وشعور وخراطيم يمشون على رجلين كمشي الناس، وعلى أربع كالبهائم ويطيرون في الهواء مع الطير. الري (7) : كورة معروفة تنسب إلى الجبل وليست منه بل هي أقرب إلى خراسان، وهي بقرب دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان. ولما فتح نعيم بن مقرن الري خرب مدينتها القديمة، وهي التي يقال لها العتيقة، وبنى الري الحديثة. وهي مدينة ليس بعد بغداد في المشرق مدينة أعمر منها إلا نيسابور فإنها أكبر منها عرصة وأوسع رقعة، فأما اشتباك البناء وكثرة العمارة فالري أعمر من نيسابور، ومقدار الري فرسخ في مثله، ويخترقها نهر يقال له روذة (8) ، وقدام المسجد الجامع قلعة الري على قنة الجبل صعبة المرتقى متكائدة المطلع، فإذا صرت فيها اطلعت على طسوج الري كلها، وأبواب الري باب باطاق (9) يخرج منه إلى الجبال والعراق، وباب بليستان (10) يخرج منه إلى قزوين، وباب كوهك يخرج منه إلى طبرستان، وباب هشام يخرج منه إلى قومس، وباب خراسان (11)

_ (1) معجم ما استعجم 2: 683. (2) عن ابن رسته (150) الرويان كورة مفردة عن طبرستان، وقال كانت فيما مضى من بلاد الديلم، وعد كجة مدينة من بلاد الرويان، وانظر ابن الفقيه: 302، وعند ياقوت أن الرويان اسم يطلق على كورة وعلى مدينة، وقد خلط ياقوت بين كلار وكجة فاعتبرهما مدينة واحدة، والصحيح أن كلار والرويان مدن متقاربة أو هي جميعاً أسماء لمدينة واحدة. (3) ص ع: مندوك. (4) ص ع: بينه. (5) انظر مروج الذهب 2: 224، وكان أبرويز حبسه، وكتب إليه ما كتبه وهو محبوس. (6) ص: الروي. وعند البكري (مخ) : 38 الذود، والمؤلف ينقل عنه. (7) معجم ما استعجم 2: 690، وقارن باليعقوبي: 275، وابن حوقل: 321، وابن الوردي: 30، واكرخي: 122، ونزهة المشتاق: 203، وياقوت (الري) ، والمقدسي: 390، وآثار البلاد: 375. (8) في نزهة المشتاق: ولها واديان أحدهما يشق المدينة ويمر بسوق الرودة، واسم هذا الوادي سورا. (9) الكرخي: طاق، ابن حوقل: ما طاق، وفي ص ع: ساطر. (10) ع: مرمستان، ص: مريسان. (11) كذا وفي المصادر: وباب سين.

ريه:

يخرج منه إلى قم. وزي أهلها زي العراق ولهم دهاء وتجارات، وبها قبر محمد بن الحسن الفقيه الكوفي وقبر الكسائي وقبر الفزاري المنجم. ولما نزلها المهدي في خلافة المنصور لما توجه لمحاربة عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي ولد له بها الرشيد. وافتتحها قرظة بن كعب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كذا وجدت في بعض الأخبار، وهو خلاف ما تقدم إلا أن يكون نعيم بن مقرن قدمه لذلك فباشر الحرب أو بالعكس أو تكرر فتحها والله أعلم، فأما أصحاب المغازي فقالوا (1) : خرج نعيم بن مقرن إلى الري فلقيه أبو الفرخان مسالماً ومخالفاً لملك الري يومئذ سياوخش بن مهران، وكان سياوخش قد استمد أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان وقال: قد علمتم أن هؤلاء إن حلوا الري أنه لا مقام لكم فاحتشدوا له، فناهدهم المسلمون، فالتقوا بصفح جبل الري الذي إلى جانب مدينتها فاقتتلوا به، وقد كان أبو الفرخان قال لنعيم: إن القوم كثير وأنت في قلة، فابعث معي خيلاً أدخل مدينتهم من مدخل لا يشعرون به، وناهدهم أنت فإنهم إذا خرجوا عليهم لم يثبتوا لك، فبعث معه نعيم من الليل خيلاً عليها ابن أخته (2) المنذر بن عمرو فأدخلهم المدينة ولا يشعر القوم، وبيتهم نعيم بياتاً فشغلهم عن مدينتهم فاقتتلوا وصبروا حتى سمعوا التكبير من ورائهم، فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا فيها بالقصب، وأفاء الله على المسلمين بالري نحواً من فيء المدائن، وصالح أبو الفرخان نعيماً على أهل الري، فلم يزل بعد شرف الري في آله وسقط آل بهرام، وأخرب نعيم مدينة الري وهي التي يقال لها العتيقة وأمر أبا الفرخان ببناء مدينة الري الحدثى، وكتب لهم نعيم كتاباً أعطاهم فيه الأمان لهم ولمن كان معهم من غيرهم على أن على كل حالم من الجزية طاقته في كل سنة وعلى أن ينصحوا ولا يغلوا ولا يسلوا وينزلوا المسلم ويقروه يوماً وليلة ويفخموه، فمن سب مسلماً أو استخف به نهك عقوبة، ومن ضربه قتل، ومن بدل منهم فلم يسلم برمته فقد غر جماعته، وقال أبو نجيد في يوم الري: ألا هل أتاها أن بالري معشراً ... شفوا سقماً لما استجابوا وقتلوا لهم موطنان عاينوا الملك فيهما ... بأيد طوال لم يخنهن مفصل وخيل تعادى لا هوادة عندها ... وراد وكمت تمتطى ومحجل ودهم وشقر ينشر العتق بينها ... إذا ناهدت قوماً تولوا وأوهلوا قتلناهم بالسفح مثنى وموحداً ... وصار لنا منهم مراد ومأكل جزى الله خيراً معشراً عصبوهم ... وأعطاهم خير العطاء الذي ولوا وبالري واد عظيم يأتي من بلاد الديلم يقال له نهر موسى. ولما مات بها محمد بن الحسن والكسائي قال الرشيد: دفنت الفقه والعربية بالري. ويرتفع من الري إلى البلاد الثياب المنيرة من الزهيري (3) والبرود والأكسية. والإمام الحافظ المصنف فخر الدين أبو عبيد الله محمد بن عمر الرازي كان والده خطيب الري، والنسبة إلى الري رازي على غير قياس. ريدان (4) : بلد باليمن، وهو قصر المملكة بظفار. الريدال (5) : بالألف واللام، موضع فيه كانت بساتين القيروان وجناتها ومتنزهاتها زمان عمارتها وعظم شأنها. ريا: مدينة على رأس قنديلة حيث بحر فاران الذي فيه غرق فرعون، وهي مدينة صغيرة لها رساتيق ونخل ومياه طيبة على قرب متناول، وبها مسجد جامع متقن البناء، ولها ساحل. ريه (6) : كورة من كور الأندلس في قبلي قرطبة نزلها جند الأردن

_ (1) قارن بالطبري 1: 2653. (2) الطبري: ابن أخيه، وفي بعض الأصول ((ابن أخته)) . (3) ص ع: الدهيري. (4) معجم ما استعجم 2: 687. والإكليل 8: 23. (5) ع: والريدان؛ ص: والريلان؛ ولم أجدها في المصادر. (6) بروفنسال: 79، والترجمة: 99.

ريزو:

من العرب، وهي كثيرة الخيرات. ريو (1) : مدينة من بلاد قلورية على ضفة المجاز إلى صقلية، وبين ريو ومدينة مسيني من جزيرة صقلية سبعة أميال، وذلك سعة المجاز بين المدينتين. وريو مدينة صغيرة فيها فواكه كثيرة وبقول وهي متحضرة ولها أسواق عامرة وحمامات، وسورها حجر، وهي على نحر البحر في الضفة الشرقية من المجاز. الريب (2) : موضع باليمن، وأنشدوا لبعض بني قشير: خليلي ممن يسكن الريب قد بدا ... هواي ولا أدري على م هواكما فإن كنتما مثلي مصابين في الهوى ... فروحا فإني قد مللت ثواكما ريام (3) : بيت كان لحمير باليمن يعظمونه في الجاهلية ويتجرون عنده ويكلمون منه إذ كانوا على شركهم، فقال لتبع ملك اليمن حبران من يهود المدينة كان استصحبهما: إنما هو شيطان يعينهم فحل بيننا وبينه، قال: فشأنكما به، فاستخرجا منه، فيما يزعم أهل اليمن، كلباً أسود فذبحاه ثم هدما البيت فبقاياه فيها أثر الدماء التي كانت تهراق عليه، كذا حكى ابن إسحاق (4) . ريغة (5) : قرية ريغة بقرب مليانة، وبالقرب من جبل وانشريس، وهي قرية أرضها متسعة ذات حروث ممتدة وفواكه كثيرة وبساتين، ولها سوق في كل يوم جمعة تقصد من الجهات، وبها مياه كثيرة وعيون مطردة. ريميه (6) : مدينة بالأندلس تعرف بمدينة بني راشد، بها أنشام عادية تأوي إليها عقبان كثيرة فلا تؤذيهم في شيء من دجاجهم وهي تأتي على ما في سائر القرى المجاورة لها، وإذا حصرها الثلج هناك ومنعها من التصرف صرصرت من الجوع وارمقت بأصواتها فيلقي إليها أهل ريميه من فضول ما عندهم فتأكل وتسكن. ريزو (7) : جزيرة في بحر إفريقية تتصل بجزيرة جربة من بعض نواحيها، وقد تقدم ذكرها مع جربة في حرف الجيم.

_ (1) الإدريسي (م) : 59 - 60 (Reggio) وعند ابن جبير: 323 ريه. (2) الهمداني: 148 - 149، قال: وهو واد رغاب ضخم فيه بطون من قشير، وقال أيضاً: 164 الريب لبني مريح ولبني عبيدة ولحيدة، وهذه البطون من معاوية بن قشير؛ أه؟. وهذا يجعل الريب بعيداً عن اليمن، لا كما قال مؤلف الروض، وقال ياقوت: الريب ناحية باليمامة فيها قرى ومزارع لنبي قشير. (3) قارن بياقوت (رئام) . (4) السيرة 1: 27 - 28. (5) الإدريسي (د/ ب) : 85/ 58، وقارن بياقوت (ريغ) . (6) بروفنسال: 79، والترجمة: 99؛ وفي ص: رميه، وعند ياقوت (ويمية) : مدينة بالأندلس من كورة جيان؛ وقد ذكر البكري (مخ) ريميه وقال أن نهر قرطبة مخرجه من ناحيتها وأن نهر ((أنه)) ينبعث من بين الجبل المسمى بالبويرة وبين مدينة روقول الواقعة فوق مدينة ريميه. (7) هي عند الإدريسي (د) : 128 - 129 زيزو، وفي بعض أصول النزهة: ريزو كما أثبتها المؤلف هنا؛ وقد أثبتناها ((بالزاي)) في مادة ((جربة)) .

والزاب:

حرف الزاي الزابان (1) : ويقال الزابيان بزيادة الياء، نهران أسفل الفرات، قال محمد بن سهل: هي ثلاثة زواب معروفة من سواد العراق: الزاب الأعلى والزاب الأوسط والزاب الأسفل. قالوا: وإذا اجتمع الزابان كانا نصف دجلة وأكثر، وهما واردان من بلاد أرمينية وأذربيجان، ومدينة الزاب بينها وبين هيت ستة وثلاثون ميلاً، وهي مدينة عامرة ذات قرى وبساتين وعمارة، وهي ما بين المدائن وواسط، وهي النعمانية (2) وفيها دير هزقل الذي يعالج فيه المجانين، قال المسعودي (3) : الزاب اسم ملك من ملوك الفرس احتفر النهرين المعروفين بالزابين: الصغير والكبير الخارجين من بلاد أرمينية الصابين في دجلة. وبالزاب من أرض الموصل كان التقاء إبراهيم بن (4) الأشتر النخعي بعبيد الله بن زياد سنة سبع وستين فقتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء وحرق بالنار. وعلى الزاب (5) الصغير نزل مروان بن محمد وأتاه عبد الله بن علي في عساكر أهل خراسان وقوادهم وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فالتقيا وقد كردس مروان خيله كراديس ألفاً وألفين، وكانت على مروان فانهزم وقتل، وغرق من أصحابه خلق عظيم، وكان في من غرق في الفرات ذلك (6) اليوم من بني أمية ثلثمائة رجل دون من غرق من سائر الناس، ومضى مروان في هزيمته حتى أتى الموصل فمنعه أهلها من دخولها وأظهروا السواد لما رأوه من تولي الأمر عنه، وأتى حران فكانت داره وبها مقامه إلى أن كان من أمره ما كان (7) . والزاب (8) : أيضاً على أطراف الصحراء في سمت البلاد الجريدية من عمل إفريقية وهو مثلها في حر هوائها وكثرة نخيلها، وهو مدن كثيرة وأنظار واسعة وعمائر متصلة فيها المياه السائحة والأنهار والعيون الكثيرة، ومن مدنها المسيلة ونقاوس وطبنة وبسكرة وتهودة وغيرها وأقرب ما لقلعة حماد من بلاد الزاب المسيلة، وبين الزاب والقيروان عشر مراحل، وهذا الزاب هو المذكور في قصيدة محمد بن هانئ الأندلسي التي مدح بها جعفر بن علي بن حمدون صاحب بلاد الزاب هذه، وأولها (9) : أحبب بتياك القباب قبابا ... يقول فيها: قد طيب الأفواه طيب ثنائه ... فمن أجل ذا تجد الثغور عذابا آليت أصدر عن ركابك بعدما ... (10) جئت السماء ففتحت أبوابا

_ (1) معجم ما استعجم 2: 691، وابن حوقل: 209. (2) النعمانية مدينة الزاب الأعلى، وانظر اليعقوبي: 321. (3) مروج الذهب 2: 130 - 131. (4) زيادة لازمة، والمشهور أن اللقاء بين ابن الأشتر وابن زياد كان بالخازر. (5) مروج الذهب 6: 73. (6) ص ع: يوم. (7) راجع تتمة ما حدث لمروان في مادة ((بوصير)) . (8) الاستبصار: 171، وانظر اليعقوبي: 350، وياقوت: (الزاب) . (9) ديوان ابن هانئ: 198 وما بعدها. (10) رواية الديوان. آليت أصدر عن بحارك بعدما ... قست البحار بها فكن سرابا لم تدنني أرض إليك وإنما ... جئت السماء ففتحت أبوابا

زالة:

ورأيت حولي وفد كل قبيلة ... حتى توهمت العراق الزابا أرض وطئت الدر رضراضاً بها ... والمسك ترباً والرياض حبابا وسمعت فيها كل خطبة فيصل ... حتى حسبت ملوكها أعرابا ورأيت أجبل أرضها منقادة ... فحسبتها مدت إليك رقابا وسألت ما للدهر فيها أشيباً ... فإذا به من هم (1) بأسك شابا زاقة (2) : موضع أو قرية عند باجة من الأعمال الإفريقية بها واد بهيج المنظر، اجتاز مرة عليه أمير إفريقية حينئذ أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص فأعجبه فقال لكاتبه محمد بن أحمد بن نخيل (3) قل فيه، فقال على البديهة: واد بزاقة قد حفت جوانبه ... بالدوح ملتفة الأغصان منتظمه يسيل رهواً على حصباء قد ظهرت ... من الضياء كدر أعجز النظمه طربت فيه إلى راح مشعشعة ... وكف أحور أبدى أنفه شممه إذا بدا الكأس منظوم الحباب به ... وريح رياه طيباً خلت ثم فمه ثم انثنيت على الساقي وقهوته ... وريقه كضريب يبرئ السقمه من سيد عظمت فينا مكارمه ... فغاية الغيث أن يحكي لنا كرمه أعدى على النظم فكري فاهتديت له ... ولم أكن ناظماً من قبله كلمه سما إلى المجد مذ شدت تمائمه ... وهام بالمجد حتى صار ذاك سمه زالع (4) : ومن الناس من يقول زيلع بالياء المنقوطة من أسفل بدل الألف، مدينة على ساحل البحر الحبشي المالح المتصل بالقلزم، ومن زالع إلى ساحل البحر ثلاث مجار مقدرة الجري، وهي صغيرة القطر كثيرة الناس، والمسافر إليها كثير، وأكثر مراكب القلزم تصل إلى هذه المدينة بأنواع من التجارات التي يتصرف بها في بلاد الحبشة، ويخرج منها الرقيق والفضة، والذهب بها قليل، وشرب أهلها من الآبار. الزارة (5) : مدينة من مدن فارس، وهي التي بارز البراء بن مالك مرزبانها فقطع يديه وأخذ سواريه ومنطقه، فقال عمر رضي الله عنه: كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء بلغ مالاً وأنا مخمسه، فكان أول سلب خمس في الإسلام، وكان ذلك السلب بلغ ثلاثين ألفاً. زالة (6) : بين أوجلة التي بأرض برقة وبين زالة هذه عشرة مراحل، وهي مدينة صغيرة عامرة وفيها أخلاط من البربر ومن هوارة، وبها تجارات، وفي أهلها مروءة، ومن زالة يدخل إلى مدينة زويلة، ومن زالة إلى أرض ودان ثلاثة أيام. الزابوقة: موضع قريب من البصرة، وهو الموضع الذي كانت فيه وقيعة يوم الجمل، قاله أبو عبيد (7) .

_ (1) الديوان: هول. (2) ص: زاغة (في موضع واحد) ؛ وعند البكري: 54، 57 موضع يسمى زانة، ولا أدري صلته بهذا الذي يذكره المؤلف. (3) انظر الفارسية: 105. (4) الإدريسي (د) : 25 زالغ (بالغين المعجمة) (OG: 44) ،وانظر تقويم البلدان: 160 وياقوت (زيلع) ، وابن الوردي: 37. (5) معجم ما استعجم 2: 692، وقوله من مدن فارس فيه تجوز، فقد ذكر ياقوت إنها قرية بالبحرين. (6) الإدريسي (د، ب) : 132/ 99. (7) معجم ما استعجم 2: 691.

الزاهرة:

الزاوية (1) : بالعراق عند البصرة بينهما فرسخان، قال البخاري: كان أنس بن مالك رضي الله عنه في قصره بالزاوية (2) أحياناً يجمع وأحياناً لا يجمع. ولما توجه (3) علي رضي الله عنه إلى البصرة بعد مخرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم إليها للطلب بدم عثمان رضي الله عنه سار حتى نزل الموضع المعروف بالزاوية، فصلى أربع ركعات وعفر خديه في التراب وقد خالط ذلك دموعه ثم رفع رأسه يدعو: اللهم رب السموات وما أظلت والأرضين وما أقلت ورب العرش العظيم رب محمد، هذه البصرة، أسألك من خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين، اللهم إن هؤلاء القوم قد بغوا علي وخلعوا طاعتي ونكثوا بيعتي، اللهم احقن دماء المسلمين. وبعث إليهم من يناشدهم الله تعالى في الدماء وقال علام تقاتلونني؟ فأبوا إلا الحرب، فاقتتلوا، فقتل الزبير وطلحة رضي الله عنهما في خلق من الناس وعقر جمل عائشة رضي الله عنها، فقام علي رضي الله عنه خطيباً في الناس رافعاً صوته يقول: أيها الناس إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيراً، ولا تتبعوا مولياً، ولا تطلبوا مدبراً ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تقربوا شيئاً من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع أو عبد أو أمة، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب الله تعالى وقصة الجمل على طولها مشهورة فليقتصر على هذا القدر. وبالزاوية هذه أيضاً كانت الوقيعة بين الحجاج بن يوسف وبين عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس وكان عبد الرحمن قد خلع الحجاج وعبد الملك وبايعه الناس على ذلك وبايعه عليه أهل الفضل والقراء وقاموا منكرين لأمر الحجاج، فكانت بينهم وقائع كثيرة هذه منها، وذلك سنة اثنتين وثمانين أو في سنة ثلاث وثمانين، وكان دخل البصرة فبايعه أهلها على حرب الحجاج وخلع عبد الملك وكان هزم الحجاج وملك البصرة وبعد ذلك انهزم عبد الرحمن ولحق بالكوفة ثم توالت عليه الهزائم إلى أن فر عبد الرحمن إلى رتبيل ملك الترك واستجار به، فبعث إليه الحجاج من ضمن له الأموال فأسلمه فقتل نفسه، فسيق رأسه إلى الحجاج وكانوا أولاً تزاحفوا فاشتد قتالهم وهزمهم أهل العراق حتى انتهوا إلى الحجاج وحتى قاتلوهم على خنادقهم، ثم إنهم تزاحفوا فانهزم أهل العراق فخر الحجاج فيه ساجداً، وأقبل عبد الرحمن نحو الكوفة وتبعه أهل القوة من أصحابه إلى أن كان من أمره ما ذكرناه وكانت بينهم وقائع ننبه عليها حين يأتي ذكر شيء من مواضعها. الزاهرة (4) : مدينة متصلة بقرطبة من البلاد الأندلسية، بناها المنصور بن أبي عامر لما استولى على دولة خليفته هشام، قال ابن حيان (5) : كان الخليفة الحكم وقف من الأثر على البقعة التي بنيت فيها الزاهرة، وكانت ملوك المروانية قبله تتخوف ذلك، وكان ألهجهم بشأنها الحكم، فنظر فيها وقاس على مجالها (6) البقعة المدعوة بألش، بفتح اللام، وهي بغربي مدينة الزهراء، ووجد انتقال الملك إليها فأمر حاجبه أبا أحمد الصقلي (7) بالسبق إلى بنائها طمعاً في مزية سعدها، ولا يخرج الأمر عن يده ولده فأنفق عليها مالاً عظيماً، فمن الغرائب أن محمد بن أبي عامر تولى له شأنها ولا يعلم يومئذ به ثم وقع إلى الحكم أن البقعة بغير ذلك الموضع (8) وأنها بشرقي مدينة قرطبة وأنفذ بفتاه (9) للوقوف عليها فانتهى إلى منزل ابن بدر المسمى ألش مضمومة اللام. وأصاب هناك عجوزاً مسنة وقفته على حد الارتياد وقالت له: سمعنا قديماً أن مدينة تبنى هنا ويكون على هذه البئر نزول ملكها، فكم تعنى (10) أمير المؤمنين بالسؤال عنها وأمر الله تعالى واقع لا محالة فعاد الرسول بالجلية فلم تطل المدة حتى بناها محمد بن أبي عامر وبنوا أرجاء تلك البئر قرارة. قال الفتح بن خاقان (11) : لما استفحل أمره واتقد جمره وجل شأنه وظهر استبداده وكثر حساده وخاف على نفسه من الدخول إلى قصر السلطان وخشي أن يقع لطالبه في أشطان توثق لنفسه. وكشف له ما ستره عنه في أمسه من الاعتزاز عليه. ورفض الاستناد

_ (1) معجم ما استعجم 2: 693. (2) ذكر ياقوت (الزاوية) أن الزاوية التي فيها قصر أنس على فرسخين من المدينة. (3) مروج الذهب 4: 313. (4) بروفنسال: 80، والترجمة: 100. (5) ابن عذاري 2: 275. (6) بروفنسال: جهاتها؛ ع: مجانها؛ ص: هجانها. (7) بروفنسال: المصحفي، ص: المصقلي. (8) ص ع: اليوم (9) بروفنسال: رسوله؛ وفي ص ع: بفسه. (10) بروفنسال: سعى؛ ع: يعتني. (11) ابن عذاري 2: 294 - 297، والنفح 1: 578.

زبالة:

إليه، وسما إلى ما سمت إليه الملوك من اختراع قصر ينزل فيه، ويحله بأهله وذويه، ويضم إليه رياسته ويتم به تدبيره وسياسته ويجمع فيه فتيانه وغلمانه ويحشر إليه صنائعه، فارتاد موضع مدينته المعروفة بالزاهرة، الموصوفة بالمشيدات الباهرة، وأقامها بطرف البلد على نهر قرطبة الأعظم، وشرع في بنائها سنة ثمان وستين وثلثمائة فحشر إليها الصناع والفعلة، وأبرزها بالذهب واللازورد متوجة منعلة، وجلب نحوها الآلات الجليلة، وسربلها بما يرد العيون كليلة، وتوسع في اختطاطها وتولع في انتشارها في البسيط وانبساطها (1) ، وبالغ في رفع أسوارها وثابر على تسوية أنجادها وأغوارها، وأوثق أبوابها وأتقن مضايقها (2) فاتسعت هذه المدينة في المدة القريبة، وصار بناؤها من الأبنية الغريبة، وبني معظمها في عامين، وفي سنة سبعين وثلاثمائة انتقل المنصور إليها ونزلها بخاصته وعامته، فتبوأها وشحنها بجميع أسلحته، وأمواله وأمتعته،، واتخذ فيها الدواوين للعمال، ترتفع فيها ضروب الأعمال، والاصطبلات لأنواع الكراع، وعمل داخلها الأهراء، وأطلق بساحتها الأرحاء، ثم أقطع وزراءه وكتابه، وقواده وحجابه، القطائع الواسعة فابتنوا بأكنافها كبار الدور، وجليلات القصور، واتخذوا خلالها المستغلات المفيدة، والمنازه المثيرة، فاتسعت هذه المدينة في المدة القريبة وقامت فيها الأسواق، وكثرت فيها الأرزاق، وتنافس الناس في النزول بأكنافها، والحلول بأطرافها، للدنو من صاحب الدولة، حتى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة، وكان الفراغ منها سنة سبعين وثلثمائة. وفي هذه السنة نزل فيها بخاصته وعامته وخلع الخليفة إلا من الاسم الخلافي، ورتب فيها جلوس وزرائه، ورؤوس أمرائه، وكتب إلى الأقطار بالأندلس والعدوة في أن تحمل إلى مدينته تلك الأموال والجبايات، ويقصدها أصحاب الولايات، فانحشد إليها الناس من جميع الأقطار وحجر على خليفته كل تدبير، واتفق له ذلك بسرعة بطشه، وأقام الخليفة منذ نقل عنه الملك إلى قصر الزاهرة، مهجور الفناء، محجور الغناء، خفي الذكر، مسدود الباب، محجوب الشخص، لا يخاف منه باس ولا يرجى منه إنعام، وليس له إلا الرسم السلطاني في السكة والدعوة والاسم الخلافي، وأزال أطماع الناس منه وصيرهم لا يعرفونه، واشتد ملكه منذ نزل قصر الزاهرة، وتوسع مع الأيام في تشييد أبنيتها وتجنيد أفنيتها حتى كملت أحسن كمال، وجاءت في نهاية الحسن والجمال، وما زالت هذه المدينة رائقة متناسقة السعود، تراوحها الفتوح وتغاديها، لا تزحف منها راية إلا إلى الفتح، ولا يصدر عنها تدبير إلا بنجح، إلى أن حان يومها العصيب، وقيض لها من المكروه نصيب، فتولت فقيدة، وخلت من بهجتها كل عقيدة. زيان (3) : حصن بالمغرب له نهر كثير الثمار والأشجار، وبالقرب منه حصن العروس (4) ، وهو على قنة جبل على ضفة البحر، وبالقرب من هذا الحصن الوردانية وحصن هنين، ومرساه مقصود وله بساتين كثيرة. زبالة (5) : من قرى المدينة، سميت بضبطها الماء وأخذها منه كثيراً (6) ، وقيل سميت بزبالة بنت مسعود من العماليق نزلت موضعها فسميت بها. وكانت (7) فيما سلف مدينة، وما بها الآن إلا رسم محيل وموضع يأوي إليه المسافرون، وليست بمدينة ولا حصن. زبيد (8) : مدينة باليمن بقرب الجند ومعاثر (9) ، تسير في صحراء ورمال حتى تنتهي إلى زبيد، وليس باليمن بعد صنعاء أكبر من زبيد ولا أغنى أهلاً ولا أكثر خيراً منها، وهي واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه والموز وغيره، ومن زبيد إلى عدن على الساحل عشر مراحل في برية ليس فيها عمارة ولا يركبها إلا السابلة والصيادون. والمسافرون إلى زبيد كثير، وبها مجتمع التجار من أرض الحجاز وأرض الحبشة وأرض مصر الصاعدون في مراكب جدة، وأهل الحبشة يجلبون رقيقهم إلى زبيد، وتخرج منها ضروب الأفاويه

_ (1) زيادة من بروفنسال، وكذلك كل ما يرد بين معقفين. (2) وأوثق ... مضايقها: لم يرد عند بروفنسال. (3) الاستبصار: 135، والبكري: 79 (حصن ابن زيني) ، ويبدو أن المؤلف اعتبره ((زيان)) بالباء الموحدة حتى أورده في هذا الموضع. (4) الاستبصار والبكري: الفروس. (5) معجم ما استعجم 2: 694، وقارن بياقوت (زبالة) ، وهي حسب تحديده أقرب إلى الكوفة. (6) يقال فلان شديد الزبل للقربة: إذا احتملها على شدته. (7) نزهة المشتاق: 120. (8) البكري (مخ) : 67 وبعضه عن نزهة المشتاق: 20، وقارن بياقوت (زيد، والمقدسي: 84، وابن الوردي: 42. (9) كذلك وردت هذه اللفظة عند البكري أيضاً.

زبطرة:

الهندية والمتاع الصيني وغيره، وهي على نهر صغير، ومنها إلى صنعاء مائة ميل واثنان وثلاثون ميلاً. زبطرة (1) : من الثغور الجزرية، بينها وبين ملطية أربعة فراسخ وزبطرة حصن منيع كثير الأهل قديم رومي، فتحه حبيب بن مسلمة الفهري وكان قائماً إلى أن أخربته الروم أيام الوليد بن يزيد، فبني بناء غير محكم فهدمته الروم في فتنة مروان، فأعاده المنصور فهدمته الروم فبناه الرشيد وشحنه، فطرقته الروم في خلافة المأمون وأغاروا على سرح أهله فأمر المأمون بمرمته وتحصينه. ثم خرجت الروم (2) إلى زبطرة أيام المعتصم بالله عليهم توفيل بن ميخائيل ملك الروم في عساكره، ومعه ملوك برجان والبرغز والصقالبة وغيرهم ممن جاورهم من ملوك الأمم، فنزلوا على زبطرة وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وفتحها بالسيف، وقتل الصغير والكبير، وسبى وأغار على ملطية، فضج الناس في الأمصار واستغاثوا في المساجد والديار، ودخل إبراهيم بن المهدي على المعتصم فأنشده قصيدة طويلة منها: يا غيرة الله قد عاينت فانتقمي ... تلك النساء وما منهن يرتكب هب الرجال على إجرامها قتلت ... ما بال أطفالها بالذبح تنتهب ويقال إن المعتصم بلغه أن رومياً لطم أسيرة في زبطرة فصاحت: وامعتصماه، فأحفظه ذلك وأغضبه، فخرج من فوره نافراً عليه دراعة من الصوف بيضاء قد تعمم بعمة الغزاة، فعسكر غربي دجلة، ونودي في الأمصار بالنفير والسير مع أمير المؤمنين، فسالت العساكر والمطوعة من سائر بلاد الإسلام، فمن مكثر يقول: سار في خمسمائة ألف، ومقلل يقول: سار في مائتي ألف، ولقي الأفشين أحد قواده ملك الروم فهزمه وقتل أكثر بطارقته ووجوه أصحابه، وفتح المعتصم حصوناً، ونزل على عمورية ففتحها الله على يديه، وخرج إليه لاوي (3) البطريق منها وأسلمها إليه، وأسر منها البطريق الكبير باطس (4) ، وقتل فيها ثلاثين ألفاً، وأقام المعتصم عليها أربعة أيام يهدم ويحرق. وفي وصف هذه الحال يقول أبو تمام حبيب بن أوس الطائي قصيدته المشهورة التي أولها: السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب يقول فيها: يا يوم وقعة عمورية انصرفت ... منك المنى حفلاً معسولة الشنب ألفيت جد بني الإسلام في صعد ... والمشركين وجد الشرك في صبب يقول فيها للمعتصم: لبيت صوتاً زبطرياً هرقت له ... كأس الكرى ورضاب الخرد العرب يعني صوت التي صاحت: وامعتصماه، ثم أمر المعتصم ببناء زبطرة وشحنها، فرامها العدو بعد ذلك فلم يقدر عليها. زحالة (5) : في البلاد الإفريقية وبناحية الأربس، بها وصل الخبر بمقتل عبد العزيز بن إبراهيم وأصحابه إلى أحمد بن مرزوق وهو في الجنود الإفريقية متوجه إليه، فاختلت محلة عبد العزيز وفسد أمره وقتل، وسيق رأسه إلى أحمد بن مرزوق، وظهر صنع الله تعالى في البغاة، وبسط هذا مذكور في افرن. الزرادة (6) : مدينة بناحية اليمن، كان أبو سعيد الجنابي، وهو من جزيرة جنابا، من جملة من قام بدعوة القرامطة، وكان يبيع الطعام بالزرادة، وكان بها أيضاً رجل يعرف بإبراهيم الصائغ وكان

_ (1) (Sozopetra) قارن بياقوت (زبطرة) ، والتنبيه والأشراف: 169، وتقويم البلدان: 234، والكرخي: 47. (2) مروج الذهب 7: 133. (3) ص ع: الدي. (4) ع: باطيش؛ ص: باطيس. (5) انظر مادة أفرن؛ ولم أجد ((زحالة)) في المصادر المتيسرة. (6) ينقل المؤلف عن البكري (مخ) 68 وهو المصدر الوحيد الذي ورد عنده اسم هذا الموضع (الزرادة) - فيما أعلم -، ولا أدري هل التبست هنا ب؟ ((الزارة)) إحدى مدن البحرين أو لا، على أن البكري نفسه ورد الأسم لديه في صورة ((الواردة)) ؛ وذكر الاسم في الترجمانة: 492. وقارن بالطبري 3: 2124 وأخبار القرامطة: 113.

زرنج

داعيتهم أيضاً وجهوه غير مرة إلى ناحية فارس والأهواز لدعاء الناس، وكان قيام القرمطي بالقطيف. وكان ابتداء أمرهم أن رجلاً منهم قدم إلى (1) سواد الكوفة من ناحية خوزستان، فأقام بموضع يعرف بالنهرين يظهر الزهد والتقشف ويأكل من كسبه ويكثر الصلاة، ويبتاع كل ليلة من عمل يده رطل تمر يفطر عليه، وإذا قعد إليه إنسان ذاكره أمر الدين وزهده في الدنيا، وعلمه أن المفروض على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة حتى فشا ذلك عنه، ثم أعلمهم أنه يدعو إلى إمام عدل من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يزل على ذلك يقصد إليه الجماعة بعد الجماعة والفوج من الناس بعد الفوج، فيخبرهم بما يعلق بقلوبهم إلى أن أجابه أهل تلك الناحية وما والاها واتخذ منهم اثني عشر نقيباً، أمرهم أن يدعوا الناس إلى دينه، وقال لهم: أنتم كحواريي عيسى، فاشتغل أكثر أهل ذلك الصقع عن أعمالهم بما رسمه لهم من الخمسين صلاة، وكانت للهيصم (2) في تلك الناحية ضياع أنكر تقصير الأكرة فيها وفي عمارتها فأعلم أن ذلك من أجل اشتغالهم بالصلاة عن أعمالهم، فوجه الهيصم في طلبه حتى أتي به إليه، فسأله عن أمره، فأخبره بمذهبه، فآلى ليقتلنه، ثم أمر بحبسه في بيت من بيوت الدار وأقفل عليه ووضع المفتاح تحت وساده وتشاغل بالشراب عنه، وكانت جارية من جواريه سمعت يمينه ليقتلنه فرقت له، فلما نام الهيصم أخذت المفتاح ففتحت عنه القفل وأرسلته ثم ردت المفتاح تحت الوسادة: فلما أصبح الهيصم أخذ المفتاح ففتح الباب فلم يجد أحداً، فشاع خبر القرمطي وازداد أهل الناحية به فتنة، وزعموا أنه رفع ثم ظهر في مكان آخر ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم، وزعم أن أحداً لا يقدر عليه بسوء، فعظم في أعينهم ثم خاف على نفسه فخرج إلى الشام وتسمى كرميتة. وذكر أن ابتداء أمرهم أن رجلاً كان يعرف بيحيى بن المعلى صدر من ناحية الكوفة إلى القطيف فنزل على رجل يعرف بعلي (3) بن المعلى بن حمدان كان يترفض وأظهر أنه رسول المهدي المنتظر وذلك سنة إحدى وثمانين ومائتين، وأنه خرج يتبع شيعته في البلاد ويدعوهم إلى المسارعة في أمره وأن خروجه قد قرب، وأظهر كتاباً زعم أنه من المهدي، وكان في من أجابه أبو سعيد الجنابي من جزيرة جنابا، كان يبيع الطعام بالزرادة، كما قلنا، ويحسب لهم حسابهم، ولا يعرف من كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم حرفاً، وكان قميئاً قبيحاً، وكان بالزرادة رجل يعرف بإبراهيم الصائغ، كان داعية لهم، وجهزه غير مرة إلى ناحية فارس والأهواز لدعاء الناس، قال ابن أبي الطاهر: فجاءني يوماً وقال لي: اعلم أن هؤلاء القوم على ضلال، كنت أمس مع أبي سعيد الجنابي وقد قدم عليه رجل من أهل جنابا فأكلنا عنده، فلما فرغ قام فأخرج امرأته ثم أدخلها مع يحيى في بيت وقال لها: إذا أرادك الولي فلا تمنعيه نفسك فإنه أحق بك مني. قال أبو علي عريب بن سعيد: وكان قيام القرمطي سنة سبع وثمانين ومائتين بدخول أبي سعيد القرمطي هجر بعد حصار أربع سنين، فوصل إلى قوم هلكى ضراً وهزلاً بعد أن كان الوباء وقع فيهم فمات منهم خلق كثير فقتل منهم القرمطي ثلاثمائة ألف وطرحهم أحياء في النار، ونجا قليل منهم إلى جزيرة أوال، ولم يبق من أهل هجر يومئذ إلا عشرون رجلاً، وسار جماعة من أصحاب الجنابي إلى حصن يقال له الفلج بينه وبين هجر ستة أيام، وبين هذا الحصن وبين مكة سبعة أيام. وقال قتادة: إن أصحاب الرس الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه كانوا أهل فلج. زرنج (3) : هي المدينة العظمى من بلاد سجستان وهي كبيرة عامرة الأسواق وأسواقها دائرة بالمسجد الجامع ولها أرباض عامرة، وفي كل مكان منها أسواق على غاية العمارة. ولها سور حصين وخندق دائر بالحصن الذي بها ولها على أرباضها حصون وخنادق وفي الخندق المستدير بسور الحصن ماء نابع ينبع من مكانه ويقع فيه جمل من فضول المياه التي في المدينة، وللمدينة خمسة أبواب، وللربض ثلاثة عشر باباً وبناؤها بالطين آزاجاً معقودة لأن الخشب بها يسوس فلا يقيم، ومسجدها الجامع في المدينة دون الربض، وفي داخل المدينة ثلاثة أنهار تدخل على أبوابها وهي كلها صغار مفرقة في دور المدينة وبساتينها وحماماتها، وأرض زرنج سبخة رملية في سهل متصل لا يرى فيه شيء من الجبال، وهي حارة لا يقع فيها ثلج وأكثر ما بها الرياح العواصف

_ (1) ص ع والبكري: من. (2) ص ع: للمعتصم، وترد ((الهيضم)) أحياناً عند البكري. (3) زيادة من البكري. (3) زيادة من البكري.

زرود:

الدائمة، حتى إنهم صنعوا أرحاء تطحن بالريح لكثرة رياحهم، والرمل في أكثر الأحوال يضربهم. زرود (1) : حبل رمل بين ديار بني عبس وديار بني يربوع، وبزرود أغار حزيمة بن طارق التغلبي على بني يربوع فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت تغلب، وأسر حزيمة (2) وفي ذلك يقول الكلحبة اليربوعي من كلمة له (3) : فقلت لكأس ألجميها فإنما ... حللت الكثيب من زرود لأفزعا ولما وجه عمر رضي الله عنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لحرب العراق، خرج فنزل فيد فأقام بها شهراً، ثم كتب إليه عمر أن يرتفع إلى زرود، فأتاها فأقام بها، وأتاه ممن حولها من بني تميم بن حنظلة وأتته سعد والرباب وعمرو، وكان ممن أتاه عطارد بن لبيد بن عطارد والزبرقان وحنظلة بن ربيعة اليشكري وربعي بن شبث بن ربعي وهلال بن علقمة التميمي والمنذر بن حسان الضبي، فقالت رؤساء حنظلة: يا بني تميم قد نزل بكم الناس، وهم قبائل الحجاز واليمن وأهل العالية، وقد لزمكم قراهم فشاطروهم الرسل ففعلوا، فمن كانت له لقحتان فض إحداهما عليهم، ومن كان له أكثر فعلى حساب ذلك، فقروهم شتوة بزرود، ونزل الناس معه في أول الشتاء بزرود وتفرقوا فيما حولها، وأقام سعد ينتظر اجتماع الناس، ثم كتب عمر إلى سعد أن سر حتى تنزل شراف واحذر على من معك من المسلمين، إلى أن كان من أمر القادسية ما كان. زرند (4) : قهندز عظيم من أعمال كرمان وهي الشيرجان، كان لمرزبان صرد كرمان ما حواليها من الضياع والرساتيق، وغلب عليها قوم من العرب أيام الجليلان المرزبان، وكان ولاة كرمان من العرب ينزلون الشيرجان، وبينها وبين زرند خمسون فرسخاً ومرزبان زرند في صلحهم يؤدي الخراج إليهم، فورد أعرابي على جليلان المرزبان واسمه محمد بن قرة كما يخرج الأعراب من البادية في يده جراب وعصا، واستأجره الجليلان ترجماناً ينفذ مع من يحمل الخراج إلى الشيرجان، فأنس منه رشداً، فأظهره وعرضه للمنافع حتى أنس به ووثق بناحيته وكسب مالاً وارتبط دواب، وكتب إلى البادية فاستقدم من أهله قوماً، وجعل يحمل المال كل سنة ويؤديه عن المرزبان، فلما كان في بعض السنين اتصل به موت عامل كرمان، وهو قد صدر بالمال ومبلغه ألف ألف ومائتا ألف درهم سوى الهدايا، فجمع هناك أهل بيته وغلمانه. بموضع يقال له جفار طارق، فاتصل الخبر بالجليلات، فأرسل رسولاً فتوعده، فزبر الرسول وطرده، فدعا الجليلان ولده وحاشيته وشاورهم فمنهم من يقول: أنا أذهب فأحمله إليك مقيداً، ومنهم من يقول: نأخذ منه المال ونرسله كما جاء، فقال المرزبان: ليس الوجه هذا، فإن هذه دولة جديدة، وقد جمع لنفسه من لفيف أهل بيته وصار له حشم فلأن نداريه ولا محالة أصلح. فغلب ابن قرة على أكثر ضياعهم وجعل المرزبان خولاً لنفسه وقوي أمره، إلا أنه ترك للمرزبان وأهل بيته ما يعيشون به، فكان هذا سبب ورود العرب الناحية، ثم جعلوا الشيرجان مأواهم وبنوا بها القصور واعتقدوا بها في رساتيقها الضياع. زرق: قرية على تسعة فراسخ من مرو بخراسان، وفيها قتل يزدجرد (5) آخر ملوك الفرس، وهو الذي حاربه المسلمون وخربوا ملكه، وكان آخر أمره أنه فر إلى مرو ونزل بهذه القرية عند طحان هناك متنكراً، فقتله الطحان أو دل عليه، وكان ذلك في أول سنة إحدى وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان نزل النهر فرآه رجل فقال: خذ خاتمي ومنطقتي وعم عني، فقال: اعطني أربعة دراهم، فقال له: الذي أعطيك أعظم من آلاف، فقال: إنما أريد أربعة دراهم، فضحك وقال: قد كان قيل لي إنك ستحتاج إلى أربعة دراهم ولا تجدها، فهجموا عليه، فقال: لا تقتلوني واحملوني إلى ملك العرب أصالحه عليكم وتأمنون، فأبوا، وقتلوه وألقي جسده في النهر، وبعد ذلك أخرج منه وجعل في تابوت وحمل إلى اصطخر، وفي اسم المرغاب من حرف الميم بقية هذا الخبر. الزلاقة (6) : بطحاء الزلاقة من إقليم بطليوس من غرب الأندلس

_ (1) معجم ما استعجم 2: 696. (2) هذا ما يعرف بيوم زرود الأول. (3) من قصيدة له مفضلة. (4) ص ع: زرنك، وانظر ياقوت (زرند) . (5) انظر في مقتله تاريخ الطبري 1: 2872 - 2884، وفتوح البلدان: 387 - 388. وراجع في التعريف بزرق معجم ياقوت. (6) بروفنسال: 83، والترجمة: 103 (Sagrajas) وهذه المادة قد نقل أكثرها صاحب النفح 4: 357 - 360، 362 - 367، 368 - 370.

فيها كانت الوقيعة الشهيرة للمسلمين على الطاغية عظيم الجلالقة اذفونش بن فرذلند، بحميد سعي المعتمد محمد بن عباد، وكان ذلك في الموفي عشرين من رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وكان السبب في ذلك فساد الصلح المنعقد بين المعتمد وبين الطاغية المذكور بسبب إفناء هذه الضريبة ما في أيدي المسلمين من كور فإن المعتمد اشتغل عن أداء الضريبة في الوقت الذي جرت عادته يؤديها فيه بغزو ابن صمادح صاحب المرية واستنقاذه ما في يديه بسبب ذلك، فتأخر لأجل ذلك أداء الإتاوة عن وقتها، فاستشاط الطاغية غضباً وتشطط فطلب بعض الحصون زيادة على الضريبة، وأمعن في التجني فسأل في دخول امرأته القمطيجة إلى جامع قرطبة لتلد فيه من حمل كان بها حين أشار عليه بذلك القسيسون والأساقفة، لمكان كنيسة كانت في الجانب الغربي منه معظمة عندهم عمل عليها المسلمون المسجد الأعظم، وسأل أن تنزل امرأته المذكورة بالمدينة الزهراء، غربي مدينة قرطبة، تنزل بها فتختلف منها إلى الجامع المذكور حتى تكون تلك الولادة بين طيب نسيم الزهراء وفضيلة ذلك الموضع الموصوف من الجامع، وزعم أن الأطباء أشاروا عليه بالولادة في الزهراء كما أشار عليه القسيسون بالجامع، وسفر بذلك بينهما يهودي كان وزيراً لابن فرذلند، فتكلم بين يدي المعتمد ببعض ما جاء به من عند صاحبه فأيأسه ابن عباد من جميع ذلك، فأغلظ له اليهودي في القول وشافهه بما لم يحتمله، فأخذ ابن عباد محبرة كانت بين يديه، فأنزلها على رأس اليهودي فألقى دماغه في حلقه وأمر به فصلب منكوساً بقرطبة، واستفتى ابن عباد الفقهاء لما سكت عنه الغضب عن حكم ما فعله باليهودي، فبدره الفقيه محمد بن الطلاع بالرخصة في ذلك لتعدي الرسول حدود الرسالة إلى ما يستوجب به القتل إذ ليس له أن يفعل ما فعل، وقال للفقهاء حين خرجوا: إنما بدرت بالفتوى خوفاً أن يكسل الرجل عما عزم عليه من منابذة العدوة عسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجاً. وبلغ الفنش ما صنع ابن عباد فأقسم بآلهته ليغزونه باشبيلية ويحصره في قصره، فجرد جيشين جعل على أحدهما كلباً من مساعير كلابه، وأمره أن يسير على كورة باجة من غرب الأندلس، ويغير على تلك التخوم والجهات ثم يمر على لبلة إلى اشبيلية، وجعل موعده إياه طريانة للاجتماع معه، ثم زحف ابن فرذلند بنفسه في جيش آخر عرمرم فسلك طريقاً غير طريق صاحبه، وكلاهما عاث في بلاد المسلمين ودمر حتى اجتمعا لموعدهما بضفة النهر الأعظم قبالة قصر ابن عباد. وفي أيام مقامه هناك كتب إلى ابن عباد زارياً عليه: كثر بطول مقامي في مجلسي الذبان واشتد علي الحر فأتحفني من قصرك بمروحة أروح بها عن نفسي وأطرد بها الذباب عني، فوقع له ابن عباد بخط يده في ظهر الرقعة: قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية في أيدي الجيوش المرابطية تريح منك لا تروح عليك إن شاء الله. فلما ترجم لابن فرذلند توقيع ابن عباد في الجواب أطرق إطراق من لم يخطر له ذلك، وفشا في بلاد الأندلس خبر توقيع ابن عباد وما أظهر من العزيمة على إجازة الصحراويين والاستظهار بهم على ابن فرذلند فاستبشر الناس وفتحت لهم أبواب الآمال. وانفرد ابن عباد بتدبير ما عزم عليه من مداخلة يوسف بن تاشفين، ورأت ملوك الطوائف بالأندلس ما عزم عليه من ذلك فمنهم من كتب إليه ومنهم من شافهه، كلهم يحذره سوء عاقبة ذلك، وقالوا له: الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد، فأجابهم ابن عباد بكلمته السائرة مثلاً: رعي الجمال خير من رعي الخنازير، أي إن كونه مأكولاً لابن تاشفين أسيراً يرعى جماله في الصحراء خير من كونه ممزقاً لابن فرذلند أسيراً يرعى خنازيره في قشتالة، وكان مشهوراً بوثاقة الاعتقاد، وقال لعذاله ولوامه: يا قوم أنا من أمري على حالين: حالة يقين وحالة شك، ولا بد لي من إحداهما، أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى ابن فرذلند ففي الممكن أن يفي لي ويبقي علي ويمكن ألا يفعل، فهذه حالة شك، وأما حالة اليقين فهي إني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أرضي الله، وإن استندت إلى ابن فرذلند أسخطت الله فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه؟ وحينئذ أقصر أصحابه عن لومه. فلما عزم خاطب جاريه: المتوكل عمر بن محمد صاحب بطليوس وعبد الله بن حبوس بن ماكسين الصنهاجي صاحب غرناطة يأمرهما أن يبعث إليه كل واحد منهما قاضي حضرته، ففعلا، ثم استحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن أدهم وكان أعقل أهل زمانه. فلما اجتمع القضاة عنده باشبيلية، أضاف إليهم وزيره أبا بكر بن زيدون وعرفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين، وأسند إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف وترغيبه في الجهاد، وأسند إلى ابن زيدون ما لا بد منه في تلك السفارة من إبرام العقود السلطانية. وكان يوسف بن تاشفين

لا يزال يفد عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء ناشدين الله والإسلام مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته، فيستمع إليهم ويصغي إلى قولهم وترق نفسه لهم، فما عبرت رسل ابن عباد البحر إلا ورسل يوسف بالمرصاد، وقد آذن صاحب سبتة بقصده الغزو وتشوفه إلى نصرة أهل الأندلس وسأله أن يخلي الجيوش تجوز في المجاز، فتعذر عليه، فشكا يوسف إلى الفقهاء فأفتوا أجمعين بما لا يسر صاحب سبتة. ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبل عليهم وأكرم مثواهم وجددوا الفتوى في حق صاحب سبتة بما يسره، واتصل ذلك بابن عباد فوجه من اشبيلية أسطولاً نحو صاحب سبتة، فانتظمت في سلك يوسف، ثم جرت بينه وبين الرسل مراوضات ثم انصرفت إلى مرسلها، ثم عبر يوسف البحر عبوراً هيناً حتى أتى الجزيرة الخضراء ففتحوا له، وخرج إليه أهلها بما عندهم من الأقوات والضيافات، وجعلوا سماطاً أقاموا فيه سوقاً جلبوا إليها ما عندهم من سائر المرافق، وأذنوا للغزاة في دخول البلد والتصرف فيها، فامتلأت المساجد والرحبات بضعفاء المطوعين، وتواصوا بهم خيراً. فلما عبر يوسف وجميع الجيوش انزعج إلى اشبيلية على أحسن الهيئات جيشاً بعد جيش وأميراً بعد أمير وقبيلاً بعد قبيل، وبعث المعتمد ابنه إلى لقاء يوسف، وأمر عمال البلاد بجلب الأقوات والضيافات، ورأى يوسف من ذلك ما سره ونشطه، وتواردت الجيوش مع أمرائها على اشبيلية، وخرج المعتمد إلى لقاء يوسف من اشبيلية في مائة فارس ووجوه أصحابه، وأتى محلة يوسف فركض نحو القوم وركضوا نحوه، فبرز إليه يوسف وحده والتقيا منفردين وتصافحا وتعانقا، وأظهر كل واحد منهما المودة والخلوص، فشكرا نعم الله وتواصيا بالصبر والرحمة وبشرا أنفسهما بما استقبلاه من غزو أهل الكفر، وتضرعا إلى الله تعالى في أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه مقرباً إليه، وافترقا فعاد يوسف لمحلته، ورجع ابن عباد إلى جهته، ولحق بابن عباد ما كان أعده من هدايا وتحف وألطاف أوسع بها محلة ابن تاشفين، وباتوا تلك الليلة، فلما صلوا الصبح ركب الجميع، وأشار يوسف على ابن عباد بالتقدم إلى إشبيلية ففعل، ورأى الناس من عزة سلطانه ما سرهم، ولم يبق من ملوك الطوائف بالأندلس إلا من بادر وأعان وخرج وأخرج، وكذلك فعل الصحراويون مع يوسف، بكل صقع من أصقاعه رابطوا وصابروا. ولما تحقق ابن فرذلند جواز يوسف استنفر جميع أهل بلاده وما يليها وما وراءها، ورفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم ونشروا أناجيلهم، فاجتمع له من الجلالقة والافرنجة وما يليهم ما لا يحصى عدده، وجعل يصغي إلى أنباء المسلمين متغيظاً على ابن عباد حانقاً ذلك عليه متوعداً له، وجواسيس كل فريق تتردد بين الجميع، وبعث ابن فرذلند إلى ابن عباد أن صاحبكم يوسف قد تعنى من بلاد بعيدة وخاض البحور، وأنا أكفيه العناء فيما بقي، ولا أكلفكم تعباً، أنا أمضي إليه وألقاكم في بلادكم رفقاً بكم وتوفيراً عليكم، وقال لأهل وده ووزرائه: إني رأيت إن أمكنتهم من الدخول إلى بلادي فناجزوني بين جدرها ربما كانت الدائرة علي فيكتسحون البلاد ويحصدون من فيها في غداة واحدة، لكن أجعل يومهم معي في حوز بلادهم، فان كانت علي اكتفوا بما نالوه ولم يجعلوا الدروب وراءهم إلا بعد أهبة أخرى، فيكون في ذلك صون لبلادي وجبر لمكاسري، وإن كانت الدائرة عليهم كان مني فيهم وفي بلادهم ما خفت أنا أن يكون منهم في وفي بلادي إذا ناجزوني في وسطها. ثم برز بالمختار من أنجاد جموعه على باب دربه وترك بقية جموعه خلفه، وقال حين نظر إلى ما اختاره من جموعه: بهؤلاء أقاتل الجن والإنس وملائكة السماء، فالمقلل يقول: كان هؤلاء المختارون من أجناده أربعين ألف دارع، ولا بد لمن هذه صفته أن يتبعه واحد واثنان، وأما النصارى فيعجبون ممن يزعم ذلك ويقوله، واتفق الكل أن عدة المسلمين كانت أقل من عدة المشركين. ورأى ابن فرذلند في نومه كأنه راكب على فيل فضرب نقيرة طبل فهالته رؤياه وسأل عنها القسوس والرهبان فلم يجبه أحد، ودس يهودياً عن من يعلم تأويلها من المسلمين فدل على عابر فقصها عليه ونسبها إلى نفسه، فقال له العابر: كذبت، ما هذه الرؤيا لك، ولا بد أن تخبرني عن صاحبها وإلا لم أعبرها لك، فقال: اكتم ذلك، هو الفنش بن فرذلند، فقال العابر: قد علمت أنها رؤياه، ولا ينبغي أن تكون لغيره وهي تدل على بلاء عظيم ومصيبة فادحة تؤذن بصلبه عما قريب، أما الفيل فقد قال الله تعالى: " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " وأما ضرب النقيرة فقد قال الله (1) تعالى: " فإذا نقر في الناقور "، فانصرف اليهودي إلى ابن

_ (1) سقط من ع.

فرذلند وجمجم له ولم يفسرها له. ثم خرج ابن فرذلند ووقف على الدروب ومال بجيوشه إلى الجهة الغربية من بلاد الأندلس فتقدم يوسف فقصده وتأخر ابن عباد لبعض الأمر ثم انزعج يقفو أثره بجيش فيه حماة الثغور ورؤساء الأندلس، وجعل ابنه عبد الله على مقدمته، وسار وهو يتفاءل لنفسه مكملاً البيت المشهور: لا بد من فرج قريب ... يأتيك بالعجب العجيب غزو عليك مبارك ... سيعود بالفتح القريب لله سعدك إنه ... نكس على دين الصليب لا بد من يوم يكو ... (1) ن أخاً له يوم القليب ووافت الجيوش كلها بطليوس فأناخوا بظاهرها وخرج إليهم صاحبها المتوكل عمر بن محمد فلقيهم بما يجب وبالأقوات والضيافات، وبذل مجهوده، ثم جاءهم الخبر بشخوص ابن فرذلند إليهم، ولما ازدلف بعضهم إلى بعض أذكى المعتمد عيونه في محلات الصحراويين خوفاً عليهم من مكايد ابن فرذلند إذ هم غرباء لا علم لهم بالبلاد، وجعل يتولى ذلك بنفسه حتى قيل إن الرجل من الصحراويين كان يخرج عن طرق محلاتهم لبعض شأنه أو لقضاء حاجته فيجد ابن عباد بنفسه مطيفاً بالمحلة بعد ترتيب الكراديس من خيل على أفواه طرق محلاتهم، فلا يكاد الخارج منهم عن المحلة يخطئ ذلك من لقاء ابن عباد لكثرة تطوافه عليهم. ثم كتب يوسف إلى ابن فرذلند يدعوه إلى الإسلام أو إلى الجزية أو يأذن بحرب، فامتلأ غيظاً وراجعه بما دل على شقائه، وقامت الأساقفة والرهبان فرفعوا صلبهم ونشروا أناجيلهم، وخرجوا فتبايعوا على الموت، ووعظ يوسف وابن عباد أصحابهما، وقام الفقهاء والعباد يعظون الناس ويحضونهم على الصبر ويحذرونهم الفرار، وجاءت الطلائع تخبر أن العدو مشرف عليهم صبيحة يومهم، وهو يوم الأربعاء، فأصبح المسلمون وقد أخذوا مصافهم، فكع ابن فرذلند ورجع إلى إعمال الخديعة، فرجع الناس إلى محلاتهم وباتوا ليلتهم، ثم أصبح يوم الخميس فأخذ ابن فرذلند في إعمال الحيلة فبعث لابن عباد يقول: غداً يوم الجمعة، وهو عيدكم، وبعده الأحد وهو عيدنا، فليكن لقاؤنا بينهما وهو يوم السبت، فعرف المعتمد ذلك يوسف فقال: نعم، فقال له المعتمد: هذه خديعة من ابن فرذلند، إنما يريد غدر المسلمين فلا تطمئن إليه وليكن الناس على استعداد له طول يوم الجمعة على احتراس كثير، وابن عباد مواظب على احتراس جميع المحلات خائفاً عليها من كيد العدو، وبعد هزيع من الليل (2) انتبه الفقيه الناسك أبو العباس أحمد بن رميلة القرطبي (3) - وكان في محلة ابن عباد - فرحاً مسروراً يقول إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فبشره بالفتح والشهادة له في صبيحة غد، وتأهب ودعا ودهن رأسه وتطيب، وانتهى ذلك إلى ابن عباد فبعث إلى يوسف يخبره بها تحقيقاً لما توقعه من غدر ابن فرذلند، فحذروا أجمعين ولم ينفع ابن فرذلند ما حاوله من الغدر. ثم جاء في الليل فارسان من طلائع المعتمد يخبران أنهما أشرفا على محلة ابن فرذلند وسمعا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة ثم تلاحق بقية الطلائع محققين بتحرك ابن فرذلند، ثم جاءت الجواسيس من داخل محلات ابن فرذلند يقولون: استرقنا السمع الساعة، فسمعنا ابن فرذلند يقول لأصحابه: ابن عباد مسعر هذه الحروب، وهؤلاء الصحراويون وإن كانوا أهل حفاظ وذوي بصائر في الجهاد، غير عارفين بهذه البلاد وإنما قادهم ابن عباد، فاقصدوه واهجموا عليه، وإن انكشف لكم هان عليكم هؤلاء الصحراويون بعده ولا أرى ابن عباد يصبر لكم إن صدقتموه الحملة. وعند ذلك بعث ابن عباد كاتبه أبا بكر بن القصيرة إلى يوسف يعرفه بإقبال ابن فرذلند ويستحث نصرته، فمضى ابن القصيرة يطوي المحلات حتى جاء يوسف بن تاشفين فعرفه جلية الأمر،

_ (1) يعني يوم بدر. (2) اختلف النص عند بروفنسال إذ جاء فيه: ((وليكن الناس على استعداد له طول يوم الجمعة، كل النهار، وبات الناس ليلتهم على أهبة واحتراس بجميع المحلات، خائفين من كيد العدو، وبعد مضي جزء من الليل ... الخ)) . (3) أبو العباس أحمد بن محمد بن فرج الأنصاري يعرف بابن رميلة ((كان معتنياً بالعلم وصحبة الشيوخ، وله شعر حسن في الزهد، وكان كثير الصدقة وفعل المعروف)) (الصلة: 71) .

فقال له: قل له إني سأقرب منك إن شاء الله، وأمر يوسف بعض قواده أن يمضي بكتيبة رسمها له حتى يدخل محلة النصارى فيضرمها ناراً ما دام ابن فرذلند مشتغلاً مع ابن عباد، وانصرف ابن القصيرة إلى المعتمد فلم يصله إلا وقد غشيه جنود ابن فرذلند، فصدمها ابن عباد صدمة قطعت آماله ولم ينكشف له، فحميت الحرب بينهما، ومال ابن فرذلند على المعتمد بجموعه وأحاطوا به من كل جهة فاستحر القتل فيهم، وصبر ابن عباد صبراً لم يعهد مثله لأحد، واستبطأ يوسف وهو يلاحظ طريقه، وعضته الحرب واشتد البلاء وأبطأ عليه الصحراويون، وساءت ظنون أصحابه، وانكشف بعضهم وفيهم ابنه عبد الله، وأثخن ابن عباد جراحات وضرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه، وجرحت يمنى يديه وطعن في أحد جانبيه وعقرت تحته ثلاثة أفراس كلما هلك واحد قدم له آخر وهو يقاسي حياض الموت يضرب يميناً وشمالاً، وتذكر في تلك الحال ابناً له صغيراً كان مغرماً به، كان تركه بإشبيلية عليلاً اسمه المعلى (1) وكنيته أبو هاشم فقال: أبا هاشم هشمتني الشفار ... فلله صبري لذاك الأوار ذكرت شخيصك تحت العجاج ... فلم يثنني ذكره للفرار ثم كان أول من وافى ابن عباد من قواد ابن تاشفين، داود بن عائشة، وكان بطلاً شهماً فنفس بمجيئه عن ابن عباد، ثم أقبل يوسف بعد ذلك وطبوله تصدع الجو، فلما أبصره ابن فرذلند وجه أشكولته إليه وقصده بمعظم جنوده، وقد كان علم حساب ذلك من أول النهار فأعد له هذه الأشكولة وهي معظم جنوده، فبادر إليه يوسف وصدمهم بجمعه فردهم إلى مركزهم وانتظم به شمل ابن عباد ووجد ريح الظفر وتباشر بالنصر، ثم صدقوا جميعاً الحملة فتزلزلت الأرض بحوافر خيولهم وخاضت الخيل في الدماء وصبر الفريقان صبراً عظيماً، ثم تراجع ابن عباد إلى يوسف وحمل معه حملة نزل معها النصر، وتراجع المنهزمون من أصحاب ابن عباد حين علموا بالتحام الفئتين فصدقوا الحملة فانكشف الطاغية ومر هارباً منهزماً، وقد طعن في إحدى ركبتيه طعنة بقي أثرها بقية عمره، فكان يخمع منها، فلجأ إلى تل كان يلي محلته في نحو الخمسمائة فارس كلهم مكلوم، وأباد القتل والأسر من عداهم من أصحابهم، وعمل المسلمون بعد ذلك من رؤوسهم صوامع يؤذنون عليها، وابن فرذلند ينظر إلى موضع الوقيعة ومكان الهزيمة فلا يرى إلا نكالاً محيطاً به وبأصحابه، وأقبل ابن عباد على يوسف فصافحه وهنأه وشكره وأثنى عليه، وشكر يوسف مقامه وحسن بلائه وجميل صبره، وسأله عن حاله عندما أسلمته رجاله بانهزامهم عنه، فقال: هم هؤلاء قد حضروا بين يديك فليخبروك. ولما انحاز الطاغية بشرذمته جعل ابن عباد يحرض على اتباع الطاغية وقطع دابره، فأبى ابن تاشفين واعتذر بأن قال: إن اتبعناه اليوم لقي في طريقه أصحابنا المنهزمين راجعين إلينا منصرفين فيهلكهم، بل نصبر بقية يومنا حتى يرجع إلينا أصحابنا ويجتمعون بنا ثم نرجع إليه فنحسم داءه، وابن عباد يرغب في استعجال إهلاكه ويقول: إن فر أمامنا لقيه أصحابنا المنهزمون فلا يعجزون عنه، ويوسف مصر على الامتناع من ذلك، ولما جاء الليل تسلل ابن فرذلند وهو لا يلوي على شيء، وأصحابه يتساقطون في الطريق واحداً بعد واحد من أثر جراحهم، فلم يدخل طليطلة إلا في دون المائة. وتكلم الناس في اختلاف ابن عباد وابن تاشفين، فقالت شيع ابن عباد: لم يخف على يوسف أن ابن عباد أصاب وجه الرأي في معاجلته لكن خاف أن يهلك العدو الذي من أجله استدعاه فيقع استغناء عنه، وقالت شيع يوسف: إنما أراد ابن عباد قطع حبال يوسف من العود إلى جزيرة الأندلس، وقال آخرون: كلا الرجلين أسر حسواً في ارتغاء (2) وإن كان ابن عباد كان أحرى بالصواب. وكتب ابن عباد إلى ابنه بإشبيلية: كتابي هذا من المحلة يوم الجمعة الموفي عشرين من رجب وقد أعز الله الدين، ونصر المسلمين وفتح لهم الفتح المبين، وأذاق المشركين العذاب الأليم والخطب الجسيم، فالحمد لله على ما يسره وسناه من هذه الهزيمة العظيمة والمسرة الكبيرة هزيمة أذفونش، أصلاه الله تعالى الجحيم ولا أعدمه الوبال العظيم، بعد إتيان النهب على محلاته واستئصال القتل في جميع أبطاله وأجناده وحماته وقواده، حتى اتخذ المسلمون من هاماتهم صوامع يؤذنون عليها، فلله الحمد على جميل صنعه،

_ (1) بروفنسال: العلاء. (2) يضرب مثلاً لمن يظهر أمراً ويريد غيره؛ والارتغاء: أخذ الرغوة واحتساؤها.

زمزم:

ولم يصبني بحمد الله إلا جراحات يسيرة آلمت، لكنها فرحت بعد ذلك وغنمت وأظفرت (1) . ولما فرغ يوسف من وقيعة يوم الجمعة تواردت عليه أنباء من قبل السفن فلم يجد معها بداً من سرعة الكرة فانصرف إلى اشبيلية فأراح بظاهرها ثلاثة أيام ونهض نحو بلاده. ومشى ابن عباد معه يوماً وليلة، فعزم عليه يوسف في الرجوع، وكانت جراحاته تثعب، وتورم كلم رأسه، فرجع وأمر ابنه بالمسير بين يديه إلى فرضة المجاز حتى يعبر البحر إلى بلاده. ولما دخل ابن عباد اشبيلية جلس للناس وهنئ بالفتح، وقرأت القراء وقامت على رأسه الشعراء فأنشدوه، قال عبد الجليل بن وهبون: حضرت ذلك اليوم وأعددت قصيدة أنشده إياها فقرأ القارئ: " إلا تنصروه فقد نصره الله "، فقلت: بعداً لي ولشعري، والله ما أبقت لي هذه الآية معنى أحضره وأقوم به؛ واستشهد في هذا اليوم جماعة من أعيان الناس كابن رميلة المتقدم الذكر وقاضي مراكش أبي مروان عبد الملك المصمودي وغيرهما، وطار ذكر ابن عباد بهذه الوقيعة وشهر مجده، ومالت إليه القلوب، وسالمته ملوك الطوائف، وخاطبوه جميعاً بالتهنئة، ولم يزل ملحوظاً معظماً إلى أن كان من أمره مع يوسف ما كان. قال مؤلف هذا الكتاب رحمة الله عليه: خالفت بشرح هذه الوقيعة شرط الاختصار لحلاوة الظفر في وقت نزول الهمم ووقوعها في الزمن الخامل، والله سبحانه يفعل ما يشاء وهو المستعان. زم (2) : بضم أوله وتشديد ثانيه موضع ببلاد بني ربيعة، وقيل ببلاد بني قيس بن ثعلبة، قال الأعشى (3) : ونظرة عين على غرة ... مكان الخليط بصحراء زم وزم أيضاً من حفائر عبد شمس بن عبد مناف بمكة، وبعضهم يقول في التي بمكة رم بالراء المهملة، والأول أثبت، وهي التي عند دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وزم (4) أيضاً في خراسان على نهر بلخ من آمل طالعاً مع النهر أربع مراحل، وزم تقابل آمل في الكبر، وبها ماء جار وبساتين وعمارات وزروع وتجارات. وقال يحيى بن يوسف الزمي: كنا عند مالك بن أنس وعنده رجل أحسبه من أهل الشام وهو يصف له الشام وخبره، فقال له مالك: ألا أحدثك بحديث هو خير من شامكم، حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله الحق المبين أمن من الفقر ومن وحشة القبر واستجلب بها الغنى واستفتح بها باب الرحمة ". زمزم (5) : بئر مكة، ويقال لها زمزم وزمزم وزمزم وهي الشياعة وركضة جبريل وحفيرة عبد المطلب وطيبة وبرة والمضنونة وماؤها لما شرب له. قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال: احفر طيبة، قال، قلت: وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر المضنونة، قلت: وما المضنونة؟ ثم ذهب عني، فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم فقلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف أبداً ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل. قال ابن إسحاق: فلما بين له شأنها ودل على موضعها غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره، فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها، فقال: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم، قالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها قال فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم حتى أحاكمكم إليه قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم، قال: نعم، وكانت بأشراف الشام، فركب عبد المطلب في نفر من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من

_ (1) هذه العبارة قلقة، وعند بروفنسال، لكنها قرحت ... وغنمت وظفرت؛ وفي النفح: فرجت. (2) معجم ما استعجم 2: 702. (3) ديوان الأعشى: 28. (4) ضبطها ياقوت بفتح الزاي، وتحدث عن يحيى بن يوسف الزمي في المادة نفسها، وهو مختلف في سنة وفاته، بين 525، 526، 529. وقارن مادة زم بالكرخي: 157 وابن حوقل: 376 والمقدسي: 291. (5) معجم ما استعجم 2: 700، والبكري (مخ) : 72، والسيرة 1: 143.

زمخشر:

قريش نفر، قال: والأرض إذ ذاك مفاوز، قال: فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز نفد (1) ماء عبد المطلب ومن معه من بني عبد مناف وظمئوا حتى أيقنوا بالهلاك، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا أن يسقوهم وقالوا: إنا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثل الذي أصابكم، فقال عبد المطلب لمن معه: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفيرة لنفسه فمن مات دفناه في حفرته، ففعلوا وجلسوا ينتظرون الموت عطشاً، ثم قال لهم: اركبوا نطلب الماء، فركبوا وتقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلموا إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا، فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا: قدر الله قضى لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشداً، فرجع ورجعوا معه، فلم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبينها. قال: فلما تمادى (2) في الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم فيها حين خرجت من مكة، ووجد فيها أسيافاً قلعية وأدراعاً، قال: فضرب الأسياف باباً للكعبة، وضرب في الباب الغزالين من ذهب، فكان أول ذهب حليته الكعبة فيما يزعمون. ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج. قال ابن إسحاق (3) : فعفت زمزم على البئار التي كانت قبلها يسقي عليها الحاج، وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من المياه ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها وعلى سائر العرب. قالوا (4) : وكانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام وتطوف به تعظيماً لجدها إبراهيم وتمسكاً بهديه، وكان ساسان إذا أتى البيت طاف بها وزمزم على بئر إسماعيل، وقيل إنما سميت زمزم لزمزمته عليها هو وغيره من فارس، وفي ذلك قيل قديماً: زمزمت الفرس على زمزم ... وذاك في سالفها الأقدم وكان صنع خالد القسري فيما بين زمزم والحجر الأسود حوضاً كحوض العباس رضي الله عنه وجلب إليه الماء العذب من أصل جبل ثبير، وكان ينادي مناديه: هلموا إلى الماء العذب واتركوا أم الخنافس، يعني زمزم، أخزاه الله، فلما مضت دولة بني أمية غير أهل مكة تلك السقاية وهدموها ولم يتركوا لها أثراً. زمخشر (5) : قرية من قرى خوارزم منها محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري أبو القاسم الأستاذ صاحب التفسير المسمى ب " الكشاف عن حقائق التنزيل " العلامة النحوي، ذكره السمعاني، قال: كان ممن يضرب به المثل في علم الأدب والنحو واللغة، لقي الأفاضل الكبار وصنف التصانيف في التفسير وغريب الحديث والنحو وغيرها، ورد بغداد غير مرة، ودخل خراسان عدة نوب وما دخل بلدة إلا اجتمعوا إليه وسلموا له واستفادوا منه، وكان علامة الأدب ونسابة العرب، أقام بخوارزم تضرب إليه آباط الإبل وتحط بفنائه رحال الرجال، ثم خرج منها إلى الحج وأقام برهة من الزمان بالحجاز، ثم انكفأ راجعاً إلى خوارزم، وتوفي بها ليلة عرفة من سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وله: " الكشاف " في التفسير و " الفائق " في غريب الحديث و " المفصل " في النحو وغيرها، وله يرثي أستاذه أبا مضر: وقائلة ما هذه الدرر التي ... تساقطها عيناك سمطين سمطين فقلت هو الدر الذي قد حشا به ... أبو مضر أذني تساقط من عيني وله أشعار جيدة وغزل مليح، ومن شعر أبي الحسن علي بن عيسى (6) بن حمزة الحسني المالكي في الزمخشري:

_ (1) السيرة: فني. (2) منابع للنقل عن السيرة 1: 146. (3) السيرة 1: 150. (4) مروج الذهب 2: 148 - 149. (5) قارن بياقوت (زمخشر) ، وفي ترجمة الزمخشري انظر ابن خلكان 5: 168 وطبقات المعتزلة: 20 ولسان الميزان 6: 4، والجواهر المضية 2: 160، وإنباء الرواة 3: 265 ومرآة الجنان 3: 269، والأنساب واللباب: (زمخشري) . (6) زيادة من ياقوت.

زغاوة:

جميع قرى الدنيا سوى القرية التي ... تبوأتها داراً فداء زمخشرا وأحر بأن تزهى زمخشر بامرئ ... إذا عد من أسد الشرى زمخ الشرى زنجان: آخرها نون، في خراسان (1) بينها وبين النهر خمسة عشر فرسخاً. قالوا (2) : أذربيجان وقزوين وزنجان كور تلي (3) الجبل من بلاد العراق وتلي كور أرمينية من جهة المغرب، وهي تلي الزعفرانية في الجبل، بينها وبين همذان ثلاثة فراسخ، سميت بذلك لأن بها زعفراناً كثيراً يسافر به إلى البلدان. وزنجان (4) كورة واسعة وهي أكبر من أبهر وأهل أبهر أحذق وأنبل طباعاً (5) ، غير أن زنجان يغلب على أهلها الغفلة. زعورا (6) : مدينة من مدائن قوم لوط. قالوا: لم ينج من العذاب سواها لأنها كانت مختصة بلوط عليه السلام وهلك ما عداها كما قال الله تعالى: " جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل "، وبقية خبرهم يرد في ذكر سدوم. زغوان (7) : جبل عظيم بقرب جزيرة شريك من أعمال تونس، مشرف، يسمى كلب الرفاق لظهوره وعلوه واستدلال المسافرين به أينما توجهوا فإنه يرى على مسيرة الأيام الكثيرة، ولعلوه يرى السحاب دونه وكثيراً ما يمطر سفحه ولا يمطر أعلاه، وأهل إفريقية يقولون لمن يستثقلونه من الناس: هذا أثقل من زغوان وأثقل من جبل الرصاص وهو على تونس، وقال الشاعر يخاطب حمامة أرسلها بكتاب من القيروان إلى تونس: وفي زغوان فاستعلي علواً ... وداني في تعاليك السحابا وبزغوان قرى كثيرة آهلة كثيرة المياه والثمار والبساتين، وفيه قوم عباد منقطعون عن الناس. وقلعة زغوان قلعة قديمة رومية منيعة، كان حسان بن النعمان لما أغزاه عبد الملك بن مروان إفريقية بموضع فحص أبي صالح، وبه سمي، فقاتل أهلها ثلاثة أيام فلم يقدر عليهم، فرحل حسان إلى زغوان في خيل مجردة، ففتحها صلحاً ثم سار يريد قرطاجنة فحاصرها وملك فحص تونس وقرطاجنة، فلما رأت الروم قوته سألوه الصلح وأن يضع عليهم الخراج، فأجابهم إلى ذلك، فأدخلوا ثقلهم في مراكب كانت حاضرة وهربوا ليلاً من باب يقال له باب النساء، فمضى بعضهم إلى الأندلس وبعضهم إلى صقلية، فدخلها حسان وأخربها وأحرقها وبنى بها مسجداً ورجع إلى القيروان. زغاوة (8) : من بلاد السودان، بينها وبين أنجيمي ستة أيام، وزغاوة مجتمعة الكور كثيرة البشر، شرب أهلها من الآبار، ولهم تجارات يسيرة وبضائع (9) يتعاملون بها، وأكلهم الذرة ولحوم الجمال المقددة والحوت المصبر، والألبان عندهم كثيرة، ولباسهم الجلود المدبوغة يستترون بها، وهم أكثر السودان حزناً (10) ، وفي مانان يسكن أمير زغاوة وعاملها. الزقاق (11) : بحر الزقاق هو الداخل من البحر المحيط الذي عليه سبتة الذي يضيق من المشرق إلى المغرب حتى يكون عرضه ثلاثة أميال (12) وهو بساحل الأندلس الغربي، بمكان يقال له الخضراء ما بين طنجة من أرض المغرب وبين الأندلس، ثم يتسع الزقاق كلما امتد حتى يصير إلى ما لا ذرع له ولا نهاية، وهو مخرج بحر الروم المتصاعد إلى الشام، وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى عند ذكر سبتة. وفي بعض الأخبار (13) أنه قبل افتتاح المسلمين البلاد المصرية بمائة سنة طمى ماء البحر وزاد فأغرق القنطرة التي كانت بين بلاد

_ (1) قوله في خراسان فيه وهم كثير، وهي عند ابن حوقل والكرخي وغيرهما من منطقة الديلم وطبرستان، وقال ياقوت: بلد كبير مشهور من نواحي الجبال بين أذربيجان وبينها. (2) متابع للبكري في معجم ما استعجم 1: 129 (أذربيجان) . (3) الصواب ويليها؛ ولكن المؤلف ينقل عن البكري. (4) ابن حوقل: 323، والكرخي: 124، ونزهة المشتاق: 205. (5) زيادة من نزهة المشتاق. (6) هي صاعورا عند المسعودي (مروج 1: 85) وساعور عند الثعلبي: 106. (7) البكري: 45 - 46، وقارن بالإدريسي (د) : 119. (8) الإدريسي (د/ ب) : 12/ 13 (OG: 29) . (9) الإدريسي: وصنائع. (10) ص وبعض أصول الإدريسي: حرباً؛ الإدريسي (د/ ب) : جرباً. (11) بروفنسال: 83، والترجمة: 103. (12) بروفنسال: ثمانية عشر ميلاً. وقارن بالإدريسي (د) : 165 - 167. (13) راجع مادة ((تنيس)) وانظر مادة ((صعيد)) .

الزوراء:

الأندلس وبين ساحل طنجة من أرض المغرب، وكانت قنطرة عظيمة لا يعلم لها في معمور الأرض نظير، يقال إنها من بناء ذي القرنين، مبنية بالحجارة تمر عليها الإبل والدواب من ساحل المغرب إلى الأندلس، وكان طولها اثني عشر ميلاً في عرض واسع وسمو كثير، وربما بدت هذه القنطرة لأهل المراكب تحت الماء فعرفوها، والناس يقولون: لا بد من ظهورها قبل فناء الدنيا. الزهراء (1) : مدينة في غربي قرطبة بناها الناصر عبد الرحمن بن محمد، كذا قالوا، ولا أدري أهي الزاهرة المتقدمة الذكر، أو غيرها وبينها وبين قرطبة خمسة أميال. وكانت (2) قائمة الذات بأسوارها ورسوم قصورها، وكان فيها قوم سكان بأهاليهم وذراريهم، وكانت في ذاتها عظيمة، وهي مدينة فوق مدينة، سطح الثلث الأعلى على الحد الأوسط، وسطح الثلث الأوسط على الثلث الأسفل، وكل ثلث منها له سور، فكان الحد الأعلى منها قصوراً يعجز الواصفون عن وصفها، والحد الأوسط بساتين وروضات، والحد الأسفل فيه الديار والجامع. ثم خرب ذلك كله وأصابه ما أصاب قرطبة وغيرها من بلاد الأندلس، فإنا لله وإنا إليه راجعون. الزوراء (3) : هو اسم يقع على عدة مواضع منها الزوراء المتصلة بالمدينة التي زاد عليها عثمان النداء الثالث يوم الجمعة لما كثر الناس، لأحيحة بن الجلاح. والزوراء (4) موضع آخر في ديار بني أسد. والزوراء (5) رصافة هشام بالشام كانت للنعمان بن جبلة، وفيها كان، وإليها كانت تنتهي غنائمه، وكان على بابها صليب لأنه كان نصرانياً، وأنشدوا قول النابغة (6) : ظلت أقاطيع أنعام مؤبلة ... لدى صليب على الزوراء منصوب الزوراء (7) بالحيرة، هدمها أبو جعفر المنصور،، وتذاكروا عند الصادق الزوراء فقالوا: الزوراء بغداد، فقال الصادق: ليس الزوراء بغداد، لكن الزوراء الري. وزوراء (8) بغير ألف ولام دار كانت بالحيرة لملوكهم. وسميت بغداد بالزوراء لانعطافها بانعطاف دجلة، وتسمى به القوس لانعطافها، وفي مطلع قصيدة أبي العلاء (9) : هات الحديث عن الزوراء أو هيتا ... زواغة: من بلاد إفريقية، سميت بزواغة قبيلة من البربر. زريران (10) : قرية بالعراق من أحسن قرى الأرض وأجملها منظراً وأفسحها ساحة وأكثرها بساتين ورياحين وحدائق نخيل، وكان بها سوق تقصر عنه أسواق المدن، وحسبك من شرف موضعها أن دجلة تسقي شرقيها والفرات يسقي غربيها، وهي كالعروس بينهما، والبسائط والقرى والمزارع متصلة بين هذين النهرين الشريفين المباركين، وبإزاء هذه القرية في جهة الشرق منها إيوان كسرى وأمامها بيسير مدائنه، وهذا الإيوان بناء عال في الهواء شديد البياض. زويلة (11) : مدينة كبيرة قديمة في الصحراء بقرب بلاد كانم من السودان وأظنها التي يقال لها زويلة ابن خطاب، وبينها وبين سويقة ابن مثكود ست عشرة مرحلة، وهي صغيرة بها أسواق،

_ (1) بروفنسال: 95، والترجمة: 117. (2) الادريسي (د) : 212. (3) معجم ما استعجم 2: 705. (4) المصدر نفسه. (5) المصدر نفسه. (6) قال ابن السكيت في شرح هذا البيت: الزوراء ماء لبني أسد (ياقوت) . (7) معجم ما استعجم 2: 705. (8) لم يفرق ياقوت (الزوراء) بين المعرفة بأل وغير المعرفة، فقال: والزوراء دار بناها النعمان ابن المنذر بالحيرة؛ فهي إذن كالسابقة، والمؤلف ينقل عن مادة ((زوراء)) في معجم ما استعجم: 704 وفيه ورد قول النابغة ((بزوراء في حافاتها المسك كانع)) - بغير ألف ولام - وأنها كانت بالحيرة لملكوهم. (9) عجز البيت: ((وموقد النار لا تكرى بتكريتا)) (شروح السقط: 1593) . (10) ص ع: زويران؛ وهذا هو الذي جعل المؤلف يضعها في هذا المكان، وهو ينقل عن رحلة ابن جبير: 215، وفي أصل مخطوطة الرحلة (زويران) كما قيدها المؤلف، ولكن ياقوت ضبطها براءين. (11) مزج المؤلف المادة هنا ما نقل عن الاستبصار: 146، والادريسي (د/ ب) : 133/ 99، والبكري: 10.

الزبداني:

ومنها يدخل إلى بلاك السودان، وشرب أهلها من آبار عذبة، وبها نخل كثير وتمرها حسن، والعرب تجول بنواحيها وتضر بأهلها، وكان بناها عبد الله بن خطاب الهواري وسكنها هو وبنو عمه سنة ست وثلثمائة، وهي منسوبة إلى هذا الرجل، وهي الآن عامرة، وهي مجمع الرفاق، وإليها يجلب الرقيق ومنها يخرج إلى بلاد إفريقية وغيرها من البلاد. ولما فتح (1) عمرو بن العاصي برقة وجبل نفوسة بعث عقبة بن نافع حتى بلغ زويلة وافتتحها، وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. وبقرب زويلة قصر واجان، وهو قصر عظيم على رأس جبل في طرف المفازة، وهو مثل المدينة، فسار إليهم خمسة عشر يوماً، فنزل عليهم وحاصرهم نحو شهر فلم يقدر عليهم، فمضى أمامه على قصور كوار ففتحها وأخذ ملكها فقطع إصبعه، فقال له: لم فعلت هذا. فقال له عقبة: إذا نظرت إلى إصبعك لم تقاتل العرب، وفرض عليهم ثلثمائة وستين رأساً، ثم سألهم هل وراءهم أحد، فلم يعلموا أن وراءهم أحداً، فكر راجعاً على قصر واجان فلم يعرض له ولا نزل عليه، وسار ثلاثة أيام، فلما رأوا أنه لم يعرض لهم أمنوا وانبسطوا، فأقام عقبة بموضع يسمى اليوم ماء الفرس، فنفد ماؤهم وأصابهم العطش حتى كاد يهلكهم، قال: فصلى عقبة بأصحابه ركعتين ودعوا الله تعالى، فجعل فرس عقبة يبحث بيده في الأرض حتى انكشف له صفاة فنبع ماء، فنادى عقبة الناس أن احفروا فاحتفروا، فوجدوا ماء معيناً زلالاً فسمي ماء الفرس، وكان يقال له عقبة المستجاب، ثم كر راجعاً إلى قصر واجان من غير طريقه الذي أقبل منه، فلم يشعروا حتى طرقهم ليلاً فوجدهم مطمئنين فاستباح ما في مدينتهم من ذراري وأموال ونساء، وقتل مقاتلتهم، ثم انصرف راجعاً إلى زويلة، ومن زويلة كر إلى غدامس بعد خمسة أشهر، وسار متوجهاً إلى المغرب وجانب طريق الجادة وأخذ أرض مزاتة، فافتتح قصورهم حتى انتهى إلى قفصة ففتحها وافتتح بلاد قصطيلية ثم انصرف إلى القيروان، فتوفي شهيداً بتهودة، من بلاد الزاب، حسبما يأتي ذكر ذلك في موضعه. وزويلة (2) أيضاً إحدى المهديتين، كانت متصلة بالمهدية، وكان السلطان وخاصته وجنوده يسكنون المهدية، والأسواق والناس في زويلة، وكانت حسنة المباني والشوارع، وأهلها مياسير نبلاء ذوو أفهام ثاقبة وطريقة في المعاملات جيدة، وأسوارها عالية حصينة وهي مبنية بالحجر، وبها فنادق وحمامات جمة (3) ، ولها من جهة البر خندق كبير تستقر فيه مياه السماء، وبخارجها حمى كان قبل دخول العرب إفريقية وإفسادهم لها جنات وبساتين بسائر الثمار العجيبة والفواكه الطيبة، ولم يبق بها الآن من ذلك كله شيء بل خربت زويلة فلم يكد يبقى لها أثر، وحولها قرى كثيرة ومنازل وقصور يسكنها البداة، ولهم زروع ومواش وأغنام وأبقار وإصابات في القمح والشعير، وبها زيتون كثير يخرج منه زيت طيب عجيب يعم سائر البلاد الإفريقية، وكان يتجهز به إلى المشرق، وبين المدينتين (4) رملة قدر رمية قوس. الزبداني (5) : بلدة كثيرة المياه والأشجار بين دمشق وبعلبك، منها محمد بن هبة الله الأنصاري الزبداني قاضي الزبداني، كان إذا حل ملك كبير ببلده أظهر في ضيافته ما يتعجب منه كثرة واتقاناً، وهو القائل وقد مرض محبوب له: قد قلت للدهر على أنني ... أنهاه كي يرجع عن حكمه أمرضت من أهوى وعافيتني ... فقال موت المرء من فهمه قد نلت من قلبك لما اشتكى ... أكثر مما نلت من جسمه وهو القائل وقد خدم أميراً جميل الصورة: أحمد الله على ما تم لي ... أنجح السعي وصح الأمل الذي أخدمه أعشقه ... فمديحي في علاه غزل

_ (1) من هنا يستمر النقل عن البكري والاستبصار فقط. (2) الادريسي (د/ ب) : 109/ 79. (3) ص ع: خمسة. (4) يعني المهدية وزويلة. (5) ص ع: الزيدان؛ وهو وهم جعل المؤلف يؤخر هذه المادة إلى هذا الموضع، وانظر ابن خلكان 4: 26 في ضبط الاسم وتحديد موقعه؛ وهي معروفة إلى اليوم.

ساوة:

حرف السين ساوة (1) : قرية في الطريق ما بين همذان والري بينهما اثنان وعشرون فرسخاً، وفي بعض كلام سطيح الكاهن في تفسير الرؤيا التي رآها كسرى أنوشروان بن قباذ ملك الفرس، وفيها أنه رأى ارتجاس الإيوان وخمود النيران وسقوط أربع عشرة شرفة من قصره ورؤيا الموبذان وأن بحيرة ساوه غاضت، فقال سطيح في حكاية طويلة: إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة وخمدت نار فارس، وغارت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة، فليست الشام لسطيح شاماً، إلى آخرها. قال: وفي ساوة مات نصر بن سيار عامل مروان بن محمد على خراسان، فإنه لما أدبر الأمر عنه بظهور الدولة العباسية هرب فمات بهذه القرية كمداً. ساباط المدائن: بالعراق وفي الجانب الغربي من دجلة. قالوا (2) : كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، لما خرج من كوثى، قدم زهرة بن الحوية إلى بهرسير في المقدمات، وتبعته المجنبات، وأخرج سعد بعده هاشماً في خيل وخرج سعد في أثره، وقد فل زهرة كتيبة كسرى التي كانت تدعى بوران حول المظلم. مظلم ساباط، وكان رجال يحلفون كل يوم بالله لا يزول ملك فارس ما عشنا. ولما انتهى هاشم إلى مظلم ساباط وقف لسعد حتى لحق به فلما نزله (3) قرأ: " أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال "، ووافق ذلك رجوع " المقرط " أسد كان كسرى قد ألفه وتخيره من أسود المظلم فبادر المقرط الناس حتى انتهى إليهم سعد فنزل إليه هاشم فقتله فقبل سعد رأسه وقبل هاشم قدمه. وقيل نظر هاشم إلى الناس قد أحجموا ووقفوا فقال: ما لهم؟ فقيل له: أسد قد منعهم، ففرج هاشم الناس وقصد له، فثاوره الأسد وضربه هاشم فقطع وصليه كأنما احتدم (4) غضباً ووقعت الضربة في خاصرته، وقيل ضربه على هامته فقتله. وأغارت خيول سعد على ما بين دجلة وكان ما كان من إعزاز الله تعالى الإسلام ونصره أهله. ويقال إن المسلمين لما انتهوا إلى مظلم ساباط أشفقوا أن يكون به كمين للعدو، فتردد الناس وجبنوا عنه فكان أول من وصله بجيشه هاشم، فلما أجاز ألاح للناس بسيفه فعرف الناس أن ليس به شيء يخافونه، فأجاز بهم خالد بن عرفطة ثم لحق سعد بالناس حتى انتهوا إلى جلولاء وبها جماعة الفرس فكانت وقعة جلولاء. وبساباط (5) المدائن سجن كسرى أبرويز ملك الفرس النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وكان عدي بن زيد العبادي ترجمان أبرويز وكاتبه بالعربية فلما قتل عمرو بن هند وصف له عدي النعمان بن المنذر بن امرئ القيس وأشار عليه بتوليته العرب واحتال في ذلك حتى ولاه من بين إخوته وكان أذمهم وأقبحهم، ثم بلغ النعمان عن عدي شيء خافه، فاحتال حتى وقع في يده فحبسه فقال في ذلك أشعاراً بعث بها إليه منها قوله:

_ (1) قارن بياقوت (ساوة) ؛ وانظر حديث سطيح عند البكري (مخ) : 52. (2) الطبري 1: 2424. (3) في ص ع: نازله. والضمير يعود إلى ((مظلم ساباط)) . (4) ص ع: احتلم. (5) قارن بما جاء في الأغاني من قصة النعمان 2: 88 - 106.

ألا من مبلغ النعمان عني ... علانية وما يغني السرار فيها: فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار تمثل به معاوية عند موته، ومنها قوله: أبلغ النعمان عني مألكاً ... إنه قد طال حبسي وانتظاري لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري فلم يزل في حبسه حتى مات، ويقال إنه قتله. وكان لعدي ابن يقال له زيد، فوصل إلى أبرويز حتى حل محل أبيه، ثم ذكر له بنت النعمان وجمالها، فأرسل فيها، فكتب إليه النعمان يحقر حالها وقال للرسول، وهو زيد بن عدي: يا زيد أما لكسرى في مها السواد كفاية حتى تخطى إلى العربيات!! فقال زيد: إنما أراد الملك إكرامك، أبيت اللعن، بصهرك، ولو علم أن ذلك يشق عليك لما فعل، وسأحسن ذلك عنده وأعذرك بما يقبله، فقال النعمان: فافعل فقد تعرف ما على العرب في تزويج العجم من الفضاضة والشناعة. فلما انصرف إلى كسرى أخبره أنه راغب عنه، وأدى إليه قوله في مها السواد على أقبح الوجوه وأوجده عليه، فقال: رب عبد قد صار من الطغيان إلى أقبح من هذا، فلما بلغت كلمته النعمان تخوفه، فخرج هارباً حتى أتى إلى طيء لصهر له فيهم، ثم خرج من عندهم حتى أتى بني رواحة بن ربيعة بن مازن، فقالوا له: أقم معنا فإنا مانعوك مما نمنع منه أنفسنا، فجزاهم خيراً ورحل عنهم يريد كسرى ليرى فيه رأيه، وفي ذلك يقول زهير بن أبي سلمى: ألم تر للنعمان كان بنجوة ... من الدهر لو أن امرءاً كان ناجياً فلم أر مسلوباً له مثل ملكه ... أقل صديقاً معطياً ومواسيا خلا أن حياً من رواحة حافظوا ... وكانوا أناساً يتقون المخازيا فقال لهم خيراً وأثنى عليهم ... وودعهم توديع ألا تلاقيا وأقبل النعمان حتى أتى المدائن، فصف له كسرى ثمانية آلاف جارية عليهن المصبغات صفين، فلما صار النعمان بينهن قلن له: أما فينا للملك غنى عن بقر السواد فعلم النعمان أنه غير ناج منه. ولقيه زيد بن علي، فقال له النعمان: فعلتها؟ لئن تخلصت لك لأسقينك بكأس أبيك، فقال زيد: امض نعيم فقد آخيت لك أخية لا يقطعها المهر الأرن، فأمر به كسرى فحبس بساباط المدائن، ثم أمر به فرمي تحت أرجل الفيلة، وقال بعضهم بل مات في محبسه بساباط، وقد ذكر ذلك الأعشى في قوله (1) : ولا الملك النعمان يوم لقيته ... بغبطته يعطي الصكوك ويأفق ويقسم أمر الناس يوماً وليلة ... وهم ساكتون والمنية تنطق فذاك وما أنجى من الموت ربه ... بساباط حتى مات وهو محرزق وكان النعمان حين توجه إلى كسرى مستسلماً مر على بني شيبان فأودع سلاحه وعياله عند هانئ بن مسعود الشيباني، فلما أتى كسرى على النعمان بعث إلى هانئ بن مسعود يطالبه بتركته فامتنع وأبى أن يخفر الذمة، فكان ذلك السبب الذي هاج حرب ذي قار (2) . وقال إبراهيم بن رزمان: كان لنا جار ينزل في دار الحسن بن شعيب الساباطي، وكان يعرف بخصيب من أهل أصبهان، وكان له كلب جاء به من الجبل، قال: فرأيته يوماً وقد وقع بينه وبين جار له كلام إلى أن تواثبا، فلما رأى الكلب الرجل قد وثب على صاحبه قفز إليه فوضع مخالبه في أخدعيه، فرأيت الدماء

_ (1) ديوان الأعشى: 147. (2) قد مر ذلك مفصلاً في ((ذو قار)) .

سابور:

تسيل على ثيابه، ذكر ذلك أبو جعفر المرزباني في رسالة له في تفضيل الكلب على الصديق، ولأبي نواس أو غيره: ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس مساحب من جر الزقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جني ويابس ولم أدر منهم غير ما شهدت به ... بشرقي ساباط القفار البسابس الأبيات. سامة (1) : من أعمال غانة ببلاد السودان، ويعرف أهلها بالبكم، وبينها وبين غانة مسيرة أيام، وهم يمشون عراة إلا أن المرأة تستر فرجها بسيور مضفورة، ونساؤهم يوفرن شعر العانة ويحلقن شعر الرأس، وحدث رجل ممن دخل تلك البلاد أنه رأى منهن امرأة وقفت على رجل من العرب له لحية عظيمة طويلة، فتكلمت بكلام (2) لم يفهمه العربي، فسأل الترجمان عن مقالتها، فأخبره أنها تمنت أن يكون شعر لحيته في عانتها فغضب الأعرابي وأوسعها سباً، ويورث الرجل منهم أكبر بنيه ماله كله ويحرم الصغير (3) ، ولو كان أحب إليه، ولهم حذق بالرمي، ويرمون بالسهام المسمومة. الساحل (4) : بعمل القيروان، وليس بساحل بحر، بل هي بلاد وقرى كثيرة السواد من الزيتون والشجر والكروم، وهي قرى يتصل بعضها ببعض. سابور (5) : مدينة من مدن فارس، بناها سابور أحد ملوك الفرس الساسانية وسميت باسمه، وهي إحدى البلاد التي كانت عليها حروب المهلب مع الأزارقة، وهي تضاهي اصطخر في هيئتها وأبنيتها لكن سابور أكثر بشراً وعمارة وأهلاً وأوفر حالاً، وبها جامع ومنبر. وحكوا (6) أن المهلب بن أبي صفرة وعبد الرحمن بن مخنف قصدا الأزارقة برامهرمز بكتاب الحجاج إليهما بذلك، فأجلوهم عن رامهرمز حتى أزالوهم، وخرج القوم كأنهم على حامية حتى نزلوا بسابور بأرض منها يقال لها كازرون، وسار المهلب وعبد الرحمن حتى نزلوا بهم، فخندق المهلب عليه، قال لعبد الرحمن: إن رأيت أن تخندق عليك فافعل، وإن أصحاب عبد الرحمن أبوا عليه وقالوا: إنما خندقنا بسيوفنا، فزحف الخوارج ليلاً إلى المهلب ليبيتوه فوجدوه قد خندق وقد أخذ حذره، فمالوا نحو عبد الرحمن بن مخنف فوجدوه لم يخندق، فقاتلوه فانهزم عنه أصحابه ونزل فقاتل في أناس من أصحابه فقتل وقتلوا حوله، وجاء المهلب فصلى على ابن مخنف وأصحابه وصار جنده في جند المهلب. وقالوا (7) : وبينا المهلب على المنبر يوم النحر بسابور يخطب الناس إذ أقبلت الأزارقة يقدمها عمرو القنا، فلما رآهم المهلب قال: سبحان الله أفي مثل هذا اليوم؟ ولكن الله تعالى يقول: " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " يا مغيرة اكفنيهم وقدم أمامك سعد بن نجد، ودع الناس وعيدهم، فخرج إليهم المغيرة بن المهلب وأمامه سعد بن نجد الأزدي، وكان متقدماً في شجاعته، وكان الحجاج إذا ظن برجل أنه قد أعجبته نفسه قال: لو كنت سعد بن نجد ما عدا، فتوجه المغيرة وسعد معه وتبعهما جماعة من فرسان المهلب، وتلقاهم عمرو القنا على باب الخندق، وإذا غلام شاب من الخوارج يقال له معاذ، وكان أحد فرسان قطري فأقبل يحمل على الناس وهو يقول: نحن صبحناكم غداة النحر ... بالخيل أمثال الوشيج تجري ... يقدمها عمرو القنا في الفجر ... إلى أناس لهجوا بالكفر ... اليوم أقضي في الدماء نذري ...

_ (1) ع: سامية؛ ص: ساميد، وأثبتنا ما عند البكري: 178، والاستبصار: 221، وقارن ((شامة)) عند الادريسي (د) : 34. (2) سقطت من ع. (3) ص ع: الغير. (4) عن اليعقوبي: 350. (5) بعضه عند الكرخي: 76، ونزهة المشتاق: 127، وقارن بياقوت (سابور) . (6) الطبري 2: 875. (7) قارن بالكامل للمبرد 3: 376، والأخبار الطوال: 275 - 276.

سامان.

فحمل عليه سعد بن نجد فصرعه وقتله، وحمل عمرو القنا ففض الناس، وكانت له فرسان لا تخذله، فقال المغيرة بن المهلب لقطن بن قبيصة الهلالي، وكان سيد قيس، ما ترى يا قطن قال: أرى أن تبارزه فإنك له دون الناس، فحمل عليه المغيرة وشالت رجلاه فحامى عنه من فرسانه ثلاثة كانوا من فرسان قطري: بكر وحطان وعمرو، فما برحوا يطاعنون عنه حتى ركب، وبعث المغيرة بهزيمة القوم إلى المهلب وهو على المنبر لم ينزل بعد. سامان (1) . سامرا: هي سر من رأى وهي بالعراق، بناها المعتصم، وذكر أنها كانت مدينة سام بن نوح وأنها ستعمر بعد الدهور، على يد ملك جليل مظفر منصور، ذلك المعتصم بالله أمير المؤمنين. قالوا (2) : وسر من رأى هي المدينة الثانية من مدن خلفاء بني العباس سكنها ثمانية منهم، وهم: المعتصم، وهو ابتدأها وأنشأها، والواثق هارون ابنه والمتوكل جعفر بن المعتصم والمنتصر محمد بن المتوكل والمستعين أحمد بن محمد بن المعتصم والمعتز أبو عبد الله بن المتوكل والمهتدي محمد بن الواثق والمعتمد أحمد بن المتوكل. وكانت سر من رأى في متقدم الزمان صحراء لا عمارة فيها، وكان بها دير للنصارى بالموضع الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بدار العامة وصار الدير بيت المال، فلما قدم المعتصم من بغداد منصرفه من طرسوس في السنة التي بويع له فيها بالخلافة وهي سنة ثمان عشرة ومائتين نزل دار المأمون ثم بنى داراً في الجانب الشرقي من بغداد وانتقل إليها فأقام بها باقي سنة ثمان عشرة وتسع عشرة وعشرين وإحدى وعشرين ومائتين، وكان معه خلق من الأتراك، وهم يومئذ عجم، وكان يوجه في أيام المأمون إلى سمرقند في شراء الأتراك فكان يقدم عليه في كل سنة منهم جماعة فاجتمع له في أيام المأمون منهم زهاء ثلاثة آلاف غلام، فلما أفضت إليه الخلافة لج في طلبهم واشترى من كان ببغداد منهم من رقيق الناس، فكان في من اشترى منهم من بغداد جملة منهم أشناس، وكان مملوكاً لنعيم بن خازم، وإيتاخ كان مملوكاً لسلام الأبرش، ووصيف وكان زراداً مملوكاً (3) لابن النعمان الزراد، وسيما الدمشقي وبغا الكبير (4) وكان مملوكاً للفضل بن سهل، وكان أولاد الأتراك يركبون الدواب ويركضون فيصدمون الناس يميناً وشمالاً، فيثب عليهم الغوغاء فيقتلون بعضاً ويضربون بعضاً، وتذهب دماؤهم هدراً لا يعدون على من فعل ذلك بهم، فثقل على المعتصم ذلك، وعزم على الخروج من بغداد، فخرج إلى الشماسية خارج بغداد، فضاقت عليهم أرض ذلك الموضع، وكره أيضاً قربها من بغداد، فمضى إلى البردان فأقام بها أياماً ثم مر (5) إلى القاطول فقال: هذا أصلح المواضع، وصير الدير المعروف بالقاطول وسط المدينة وجعل البناء على دجلة وعلى القاطول، وابتدأ البناء وأقطع القواد والكتاب والناس فبنوا حتى ارتفع البناء واختطت الأسواق على القاطول وعلى دجلة، وسكن هو في بعض ما بني له، ثم قال: أرض القاطول غير طائلة والبناء فيها صعب وليس لأرضها سعة، ثم ركب متصيداً، فمر في صيده حتى صار إلى موضع (6) سر من رأى، وهي صحراء لا عمارة فيها ولا أنيس إلا دير للنصارى، فوقف بالدير وكلم من فيه من الرهبان فقال: ما اسم هذا الموضع؟ فقال بعض الرهبان: نجد في كتبنا المتقدمة أنه موضع يسمى سر من رأى، وأنه كان مدينة سام بن نوح، وأنه سيعمر بعد الدهور على يدي ملك جليل مظفر منصور له أصحاب كأن وجوههم طيور الفلاة، ينزلها وينزلها ولده، فقال: أنا والله أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي من بعدي، ولقد أمر الرشيد يوماً أن يخرج ولده إلى الصيد فخرجوا فخرجت مع محمد والمأمون وأكابر ولد الرشيد واصطاد كل واحد منهم صيداً وصدت بومة ثم انصرفنا وعرضنا صيدنا عليه، فجعل من كان معنا من الخدم يقول: هذا صيد فلان وهذا صيد فلان حتى عرض عليه صيدي فلما رأى البومة، وقد كان الخدم أشفقوا من عرضها عليه لئلا يتطير بها أو تنالني منه غلظة، فقال: من صاد هذه؟ قالوا أبو إسحاق، فاستبشر وضحك وأظهر السرور ثم قال: إما إنه يلي الخلافة ويكون جنده وأصحابه والغالبون عليه وجوههم مثل هذه

_ (1) هكذا وردت هذه المادة دون تعريف، وعند ياقوت أن سامان من محال أصبهان، وهناك سامان أخرى وهي قرية بنواحي سمرقند. (2) عن اليعقوبي: 255 - 268. (3) اليعقوبي: لآل. (4) لم يذكر اليعقوبي: بغا الكبير. (5) اليعقوبي: مد. (6) ص ع: أن موضعاً.

ساكرة:

البومة فيبني مدينة وينزلها بهؤلاء القوم وينزلها ولده من بعده، وما سر الرشيد يومئذ بشيء من الصيد كما سر بصيدي لتلك البومة. ثم عزم المعتصم على أن ينزل بذلك الموضع فأحضر محمد بن عبد الملك الزيات وغيره وقال لهم: اشتروا من أصحاب هذا الدير هذه الأرض وادفعوا لهم ثمنها أربعة آلاف دينار، ففعلوا ذلك ثم احضروا المهندسين وقالوا: اختاروا أصلح هذه المواضع، فاختاروا عدة مواضع للقصور، وصير إلى كل واحد من أصحابه بناء قصر، فصير إلى خاقان أبي الفتح بن خاقان بناء قصر الجوسق الخاقاني، وإلى عمر بن فرج بناء القصر المعروف بالعمري، ثم خط القطائع للقواد والكتاب، وخط المسجد الجامع ووسعت صفوف الأسواق وجعلت كل تجارة منفردة وكل قوم على حدتهم على ما رسمت عليه أسواق بغداد، وأشخص إليه البناءون والنجارون والحدادون وغيرهم، وسيق إليه الساج وسائر الخشب والجذوع من البصرة وما والاها من بغداد، ومن أنطاكية وسواحل الشام، وسيق إليه الرخام والعمد، فأقيمت باللاذقية دور صناعة للرخام، وأفرد قطائع الأتراك عن قطائع الناس جميعاً وجعلهم معتزلين عنهم لا يختلطون بقوم من المولدين ولا يجاورهم إلا الفراغنة، فأقطع أشناس وأصحابه الموضع المعروف بالكرخ وضم إليه عدة من قواد الأتراك والرجال وأمره أن يبني المساجد والأسواق، وأقطع خاقان وأصحابه مما يلي الجوسق الخاقاني وأمر بضم أصحابه ومنعهم من الاختلاط بالناس، وأقطع وصيفاً وأصحابه وبنى حائطاً سماه حائط الجسر (1) ممتداً وصير قطائع الأتراك جميعاً والفراغنة العجم بعيدة من الأسواق في شوارع واسعة ودروب طوال لا يختلط بهم غيرهم، وزوجهم السراري ومنعهم من التصاهر إلى أحد وأجرى لجواري الأتراك أرزاقاً قائمة وكتب أسماءهن في الديوان فلم يكن أحد يطلق امرأته ولا يفارقها، وجعل في كل موضع سويقة فيها عدة حوانيت للعامة مما لا بد لهم منه، وامتد بناء الناس من كل ناحية وجعلت الشوارع لقطائع قواد خراسان وأصحابهم من الجند والشاكرية وعن يمين الشوارع ويسارها الدروب وفيها منازل الناس كافة، واتسع الناس في البناء بسر من رأى أكثر من اتساعهم ببغداد وبنوا المنازل الواسعة، إلا أن شربهم جميعاً من دجلة مما يحمل في الروايا على البغال والإبل لأن آبارهم بعيدة الرشاء ملحة الماء فليس لهم اتساع في الماء. وبلغت غلات سر من رأى وأسواقها عشرة آلاف ألف درهم في السنة، وقرب محمل ما يأتي من الميرة من الموصل وسائر ديار ربيعة في السفن في دجلة فصلحت أسعارها. ثم لما فرغ المعتصم من الخطط ومن وضع أساس البناء الشرقي من دجلة، وهو جانب سر من رأى، عقد جسراً إلى الجانب الغربي من دجلة، وصير إلى كل قائد عمارة ناحية من النواحي، وحمل النخل من بغداد والبصرة وسائر النواحي وحملت الغروس من الجزيرة والشام والجبل والري وخراسان وسائر البلدان وكثرت المياه في هذه العمارات في الجانب الشرقي بسر من رأى، وصلح النخل ونبتت الأشجار وزكت الثمار وحسن الريحان والبقل وزرع الناس أصناف البقل والزرع والرياحين فزكا كل ما زرع فيها وغرس لجمام الأرض، حتى بلغ مستغل العمارة بالنهر الإسحاقي والعمري والعربات المحدثة وخراج الجنات والبساتين مائة ألف دينار في السنة، وأقدم المعتصم من كل بلد من يعمل عملاً من الأعمال ويعالج منه من مهن العمارة والزرع والنخل والغروس وهندسة الماء ووزنه واستنباطه، وحمل من مصر صناع القراطيس، ومن البصرة صناع الزجاج والخزف، وجعل لهؤلاء الواصلين من أصحاب المهن قصوراً وأسواقاً فحسنت العمارات ورغب وجوه الناس في أن يكون لهم بها أدنى أرض وتنافسوا في ذاك وبلغ الجريب من الأرض مالاً كبيراً. ومات المعتصم سنة سبع وعشرين ومائتين وولي الخلافة ابنه هارون الواثق فبنى القصر المعروف بالهاروني على دجلة وانتقل إليه، ثم توفي الواثق سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وولي جعفر المتوكل بن المعتصم فنزل الهاروني وآثره على جميع قصور المعتصم، ونزل محمد ابنه المنتصر قصر المعتصم المعروف بالجوسق وأنزل ابنه إبراهيم المؤيد المطيرة. ني وأمر بضم أصحابه ومنعهم من الاختلاط بالناس، وأقطع وصيفاً وأصحابه وبنى حائطاً سماه حائط الجسر ممتداً وصير قطائع الأتراك جميعاً والفراغنة العجم بعيدة من الأسواق في شوارع واسعة ودروب طوال لا يختلط بهم غيرهم، وزوجهم السراري ومنعهم من التصاهر إلى أحد وأجرى لجواري الأتراك أرزاقاً قائمة وكتب أسماءهن في الديوان فلم يكن أحد يطلق امرأته ولا يفارقها، وجعل في كل موضع سويقة فيها عدة حوانيت للعامة مما لا بد لهم منه، وامتد بناء الناس من كل ناحية وجعلت الشوارع لقطائع قواد خراسان وأصحابهم من الجند والشاكرية وعن يمين الشوارع ويسارها الدروب وفيها منازل الناس كافة، واتسع الناس في البناء بسر من رأى أكثر من اتساعهم ببغداد وبنوا المنازل الواسعة، إلا أن شربهم جميعاً من دجلة مما يحمل في الروايا على البغال والإبل لأن آبارهم بعيدة الرشاء ملحة الماء فليس لهم اتساع في الماء. وبلغت غلات سر من رأى وأسواقها عشرة آلاف ألف درهم في السنة، وقرب محمل ما يأتي من الميرة من الموصل وسائر ديار ربيعة في السفن في دجلة فصلحت أسعارها. ثم لما فرغ المعتصم من الخطط ومن وضع أساس البناء الشرقي من دجلة، وهو جانب سر من رأى، عقد جسراً إلى الجانب الغربي من دجلة، وصير إلى كل قائد عمارة ناحية من النواحي، وحمل النخل من بغداد والبصرة وسائر النواحي وحملت الغروس من الجزيرة والشام والجبل والري وخراسان وسائر البلدان وكثرت المياه في هذه العمارات في الجانب الشرقي بسر من رأى، وصلح النخل ونبتت الأشجار وزكت الثمار وحسن الريحان والبقل وزرع الناس أصناف البقل والزرع والرياحين فزكا كل ما زرع فيها وغرس لجمام الأرض، حتى بلغ مستغل العمارة بالنهر الإسحاقي والعمري والعربات المحدثة وخراج الجنات والبساتين مائة ألف دينار في السنة، وأقدم المعتصم من كل بلد من يعمل عملاً من الأعمال ويعالج منه من مهن العمارة والزرع والنخل والغروس وهندسة الماء ووزنه واستنباطه، وحمل من مصر صناع القراطيس، ومن البصرة صناع الزجاج والخزف، وجعل لهؤلاء الواصلين من أصحاب المهن قصوراً وأسواقاً فحسنت العمارات ورغب وجوه الناس في أن يكون لهم بها أدنى أرض وتنافسوا في ذاك وبلغ الجريب من الأرض مالاً كبيراً. ومات المعتصم سنة سبع وعشرين ومائتين وولي الخلافة ابنه هارون الواثق فبنى القصر المعروف بالهاروني على دجلة وانتقل إليه، ثم توفي الواثق سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وولي جعفر المتوكل بن المعتصم فنزل الهاروني وآثره على جميع قصور المعتصم، ونزل محمد ابنه المنتصر قصر المعتصم المعروف بالجوسق وأنزل ابنه إبراهيم المؤيد المطيرة. قالوا (2) : والسر عند العرب السرور بعينه، فمعنى هذا الاسم سرور من رأى، ويجوز لك في إعرابه ما جاز في حضرموت وبعلبك. ووقع لفظ سامرا في شعر البحتري ممدوداً في قوله: وتركته علماً بسامراء (3) ... ساكرة (4) : مدينة من أعمال المنصورة على مقدار يومين من

_ (1) اليعقوبي: حائر الحير. (2) معجم ما استعجم 3: 734. (3) صدر البيت ((أخليت منه البد وهو قراره)) . (4) ص: ساكن؛ ولم أجد لها ذكراً.

سبسطية

مدينة الديبل، ويصل إليها مهران السند ويصب في البحر الهندي. سبسطية (1) مدينة للروم في طريق القسطنطينية في ساحل الشام، وهي مدينة عظيمة، فيها اثنا عشر ألف حائك، وعشرون ألف فاجرة على كل واحدة منهن للملك مثقالان ونصف خراجها في العام. سبيطلة هي مدينة قمودة، على سبعين ميلاً من القيروان، وقال عريب: على مسافة يومين من القيروان، قال اليعقوبي (2) : وهو بلد واسع فيه مدن وحصون، والمدينة القديمة العظمى هي التي يقال لها سبيطلة، وهي كانت مدينة جرجير التي دخلها عليه المسلمون في جيش عبد الله بن سعد بن أبي سرح في صدر الإسلام، وكان فيهم عبد الله بن الزبير، وكان جرجير الملك أبرز ابنته وحرض رومة على قتال المسلمين، ووعد من قتل عبد الله بن سعد بأن يعطيه ابنته ويشاطره في ملكه، وبلغ ذلك عبد الله بن سعد فحرض المسلمين ووعد من قتل الرومي الملك بأن ينفله ابنته، فقتله عبد الله بن الزبير ونفله ابن سعد ابنته، والخبر طويل مشهور (3) . سبأ مدينة باليمن هي الآن خراب، وهي مدينة بلقيس صاحبة سليمان عليه السلام المذكورة في القرآن، وبها طوائف من اليمن من أهل عمان، وبها كان السد الذي خرقه سيل العرم المذكور في القرآن. قالوا (4) : ولم تزل أرض سبأ من أخصب أرض، وأهلها في أرغد عيش، وكانت مسيرة شهر للراكب المجد في مثل ذلك، وكان الملك يسير منها جناناً من أولها إلى أن ينتهي إلى آخرها لا تواجهه الشمس ولا يفارقه الظل مع تدفق المياه وصفاء الهواء واتساع الفضاء، فمكثوا كذلك ما شاء الله لا يعاندهم ملك إلا قصموه، ولا يعارضهم جبار إلا كسروه، وكانت سمة الملك الذي يملك البلد مأرب فاشتهر البلد باسمه قال الشاعر: من سبإ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما وقيل: إن مأرب سمة قصر الملك في ذلك الزمان وقال أبو الطمحان: ألم تر مأرباً ما كان أحصنه ... وما حواليه من سور وبنيان وكانت أرض سبأ في بدء الزمان عامرة تركبها السيول وتعمها الوحول فجمع ملك من ملوك حمير الحكماء وأحضر البصراء وشاورهم في دفع ذلك السيل وإزاحة ما كان من أمره، فأجمعوا على حفر مصارف له إلى برار تؤديه إلى البحار، فحشد الملك لذلك أهل مملكته حتى صرف الماء واتخذ سداً في الموضع الذي كان فيه مبدأ جريان الماء من الجبل إلى الجبل، وذلك نحو فرسخ، رضمه بالحجارة والحديد، وجعل فيه ثلاثين مجرافاً للماء في استدارة الذراع على أصح هندسة وأكمل تقدير، يجتذبون منها مقداراً من الماء معلوماً وشرباً للأرض مقسوماً، وبعث الله إليهم اثني عشر نبياً، وكانوا يعبدون الشمس، فأرسل إليهم رسلاً يدعونهم إلى الحق ويزجرونهم عن الباطل ويذكرونهم آلاء الله، فأنكروا نعمة الله وقالوا: إن كنتم صادقين فادعوا الله أن يسلبنا ذلك، حتى قالت امرأة منهم: إن كان ما نصبح في ظلاله ... من ربكم فلينطلق بماله ... إليه عنا وإلى عياله ... فدعت عليهم الرسل، فأرسل الله عليهم السيل بفأرة خرقت ذلك السد المحكم والصخر المرضم ليكون ذلك أثبت في العبرة، فأباد الله خضراءهم وأذهب أموالهم ومزقوا كل ممزق وباعد بين أسفارهم؛ وأول ما تكهن سطيح الغساني في أمر سيل العرم، وكان عمرو بن عامر بلغه علم ذلك فرأى يوماً جرذاً يقل برجله صخرة ما يقلها خمسون رجلاً، فرجع وهو يقول: أبصرت أمراً هاج لي برح السقم ... يسحب فهراً من جلاميد العرم ... فأجمع على الخروج من أرض سبأ وبيع ماله بها وأعمل الحيلة

_ (1) نقل ياقوت أنها من أعمال سميساط؛ قلت: وهي المعروفة ب؟ ((سيواس)) ؛ وقد أهمل مؤلف الروض ((سبسطية)) من أعمال نابلس بفلسطين، وذكرها ياقوت. (2) اليعقوبي: 349. (3) انظر ابن عذاري 1: 9 - 14. (4) قارن بمروج الذهب 3: 367 وما بعدها، وابن الوردي: 43.

سبتة:

في ذلك، وتم له ذلك ثم أنذر الناس فتفرقوا أيادي سبا وتمزقوا كل ممزق، وبعض هذا مذكور في ذكر مأرب. سبتة (1) : مدينة عظيمة على الخليج الرومي المعروف بالزقاق، وهو أول البحر الشامي المنتهي إلى مدينة صور من أرض الشام، وهي تقابل الجزيرة الخضراء والمعروف أنها مفتوحة السين والنسب إليها بكسرها مثل بصرة وبصري والبحر يحيط بسبتة شرقاً وجوفاً وقبلة، وليس لها إلى البر غير طريق واحدة من ناحية الغرب لو شاء أهلها أن يقطعوه قطعوه، ولها بابان أحدهما محدث، ولها من جهات البحر أبواب كثيرة، وفي آخر المدينة بشرقيها جبل كبير فيه شعراء كثيفة يسمى جبل المينا (2) ، وقد كان عبد الملك بن أبي عامر (3) أمر أن تبنى بهذا الجبل مدينة ينقل إليها أهل سبتة، فبنى سورها ومات ولم يتم له المراد، والسور باق إلى الآن كأنه بني بالأمس وهو يظهر من بر الأندلس لبياضه، ومن غرائب ما في ذلك السور أن فيه شقة مستطيلة بأبراجها مبنية بالزيت عوضاً عن الماء، وكان غرضه إتمام عمله على هذا النعت لولا الإنفاق الكثير، فإن البناء بالزيت أصلب وأبقى على مرور الدهر فلم يساعده الأجل. وسبتة (4) سبعة أجبل صغار متصلة بعضها ببعض، معمورة، طولها من المشرق إلى المغرب نحو ميل، ويتصل بها من جهة المغرب وعلى ميلين منها جبل موسى، وهذا الجبل منسوب إلى موسى بن نصير الذي على يديه كان افتتاح الأندلس في صدر الإسلام، وتجاوره جنات وبساتين وأشجار وقرى كثيرة وقصب سكر وأترج يتجهز به إلى ما جاور سبتة من البلاد، وهو الموضع المسمى بليونش وبه مياه جارية وعيون مطردة وخصب زائد، ويلي المدينة من جهة المشرق جبل عال أعلاه بسيط، في أعلاه سور بناه محمد بن أبي عامر حين جاز إليها من الأندلس، وأراد أن ينقل المدينة إلى أعلى هذا الجبل عند فراغه من بناء أسوارها، وعجز أهل سبتة عن الانتقال، فمكثوا في مدينتهم وبقيت المدينة خالية (5) وأسوارها قائمة قد نبت حطب الشعراء فيها، وهذه الأسوار تظهر من عدوة الأندلس لبياضها. وسبتة (6) مدينة قديمة سكنها الأول، وفيها آثار كثيرة وكان لها ماء، مجلوب من نهر على ثلاثة أميال منها، يجري إليها من قناة مع ضفة البحر القبلي فكان يدخل كنيستها التي هي الآن جامع سبتة، وكان يوسف بن عبد المؤمن، سنة ثمانين وخمسمائة، أراد أن يجلب الماء إليها من قرية بليونش (7) على ستة أميال من سبتة في قناة تحت الأرض على حسب ما فعله الأوائل في قناة قرطاجنة، وشرع في عمل ذلك ثم اقتصر عليه، وعلى قرية بليونش جبل عظيم فيه القردة، عبر من تحته موسى بن نصير إلى ساحل طريف، وكان عليه حصن هدمته مصمودة المجاورون له، ثم بناه الناصر عبد الرحمن المرواني فهدموه ثانية، وتحته أرض خصيبة فيها مياه عذبة وعليه قرية تعرف بقصر مصمودة، ولها نهر يصب في البحر عذب. والبحر (8) يحيط بسبتة من جميع جهاتها إلا من جهة الغرب، فإن البحر يكاد يلتقي ولا يبقى بينهما إلا أقل من رمية قوس. وبسبتة مصايد للحوت، ويصاد بها منه نحو مائة نوع، ويصاد بها التن زرقاً بالرماح وفي أسنتها أجنحة تثبت (9) في الحوت ولا تخرج وفي أطراف عصيها شرائط القنب الطوال ولهم في ذلك دربة وحكمة، ويصاد بها أيضاً شجر المرجان الذي لا يعدله مرجان، وبها سوق لتفصيله وحكه وثقبه وتنظيفه. قالوا: وتظهر سبتة عند صفاء البحر من الجزيرة الخضراء، ولذلك قال بعض المتأخرين (10) : لما حططت بسبتة قتب النوى ... والقلب يرجو أن يحول حاله

_ (1) يبدأ بالنقل عن البكري: 102، ثم بعد ثلاثة أسطر يتفق مع الاستبصار: 137، وقد كرر المؤلف بعض الحقائق في هذه المادة، لنقله أكثر ما جاء في المصدرين السابقين ويمزجه بما قاله الإدريسي، وانظر ابن الوردي: 14، وصبح الأعشى 5: 157 - 158. (2) المنية: (عند الإدريسي) . (3) هكذا هو هنا، وهو ما ورد في بعض نسخ الاستبصار، وسيرد عند الإدريسي بعد قليل محمد ابن ابي عامر. (4) عن الإدريسي (د/ ب) : 67/ 107. (5) يريد المدينة الجديدة التي بناها ابن أبي عامر. (6) عاد للنقل عن الاستبصار. (7) راجع مادة ((بليونش)) في ما سبق. (8) عاد إلى النقل عن الإدريسي (د) : 168. (9) الإدريسي: تنشب. (10) هو أبو الحسن سهل بن مالك الغرناطي (- 640) ، انظر المغرب 2 105، واختصار القدح: 60 وأبياته في النفح 4: 8.

سبيبة

أبصرت من بلد الجزيرة مكنساً ... والبحر يمنع أن يصاد غزاله كالشكل في المرآة تبصره وقد ... قربت مسافته وعز مناله السبخة 1 -: موضع بالمدينة، بين موضع الخندق وبين سلع، وبها جالت خيل المشركين وقد اقتحمت من مكان ضيق في الخندق منهم عمرو بن عبد ود، فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. والسبخة (2) أيضاً موضع بالعراق فيه كانت وقيعة السبخة التي أوقع فيها المختار بن أبي عبيد الثقفي بقتلة الحسين بن علي رضي الله عنهما وكان بعثه الله تعالى نقمة عليهم فقتل منهم بشراً كثيراً، ولما أظفره الله عز وجل بقتلة الحسين رضي الله عنه أظهر العتو وادعى النبوة، وكانت هذه الوقيعة التي أوقع بهم فيها تعرف بوقيعة السبخة، وقتل فيها ربيعة بن شداد بن عوسجة وهرب الشمر بن ذي الجوشن ثم عثر عليه ليلاً فقتل، وقتل الذي جاء برأس الحسين وحرق بالنار، ووجه المختار أبا عمرة صاحب حرسه إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص فقتله وجاء برأسه إلى المختار، وابنه حفص جالس عنده فقال له: أتعرف هذا؟ قال: نعم ولا خير في الحياة بعده، قال: صدقت، فأمر به فقتل، ثم قال المختار: هذا بحسين بن علي وهذا بعلي بن حسين ولا سواء، والله لو قتلت منهم كذا لما وفوا بأنملة من أنامله. ثم بعث المختار برأس عمر بن سعد إلى المدينة حتى ألقي بين يدي علي بن الحسين فخر ساجداً، وفي الخبر طول. سبيبة (3) : من القيروان إلى وادي الرمل أربعون ميلاً، ومنها إلى سبيبة، وهي مدينة أولية ذات أنهار وثمار، ومياهها سائحة تطحن عليها الأرحاء، وكانت على نظر كبير ومزدرعات كثيرة وقرى عامرة. ولها (4) سور حجارة وربض فيه الخانات والأسواق. وتسكنها (5) اليوم قبائل من البربر والعرب ويسمى ذلك النظر القرى، ولم يكن بإفريقية أخصب أرضاً منها ولا أكثر بساتين ومياهاً وعيوناً جارية. وبمدينة سبيبة عين عظيمة كبيرة من بنيان قديم من عمل الأول، ويقال إن فيها خبئاً، ومن أطرف ما يهتف به أهلها أنهم يقولون إنه يوجد فيها في رأس كل شهر دينار كبير وزنه عشرة مثاقيل، ولا يصل إليه ويأخذه إلا من يعرف رقية العين، ويقولون إن رجلاً كان يعرف رقية العين وكان يبخرها ببخور ويرقي بكلام غير مفهوم، فكان يجد فيها كل يوم ديناراً من تلك الدنانير حتى كسب من ذلك مالاً كثيراً. وبسبيبة كان التقاء جند زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب صاحب القيروان وجند منصور الطنبذي (6) ، وكانت إفريقية قد انتقضت عليه وحكم كل رئيس على جهته، فتقاتل زيادة الله ومنصور الطنبذي قتالاً عظيماً وانهزم أصحاب زيادة الله واستفحل أمر القواد واستولوا على إفريقية، وفي هذه الوقيعة خاف زيادة الله على ملكه وتوقع انقطاع دولته وبلغ، ذلك منه كل مبلغ فدخلت عليه أمه فصبرته وسهلت عليه الأمر، ففكر ساعة ثم رفع رأسه فأنشدها أبياتاً فيها (7) : أفنت سبيبة كل قرم باسل ... ومن العبيد جحاجحاً أبطالا فإذا ذكرت مصابنا بسبيبة ... فابكي جلاجل واندبي إعوالا (8) سجستان: بلد جليل له من الكور مثل ما بخراسان وأكثر، غير أنها منقطعة متصلة ببلاد السند والهند، وكان يضاهي خراسان. وهم ينتفعون (9) بالقنافذ كانتفاع أهل اليمامة بالحفاث، وفي عهد سجستان ألا يقتل قنقذ في بلادهم لأن بلدهم كثير الرمل بناه

_ (2) انظر الطبري 2: 628. (3) بدأ النص بالنقل عن البكري: 49، وبعد قليل يتفق مع ما في الاستبصار: 161. (4) عن الإدريسي (د) : 9 - (5) عاد إلى النقل عن الاستبصار. (6) كان ذلك سنة 210هـ؟، (انظر البين المغرب 1: 100 - 101) ؟ (7) الحلة السيراء 1: 166، وجلاجل المخاطبة في البيت الثاني هي أم زيادة الله. (8) ص: أطلالا؛ ع: اطالا، وآثرنا رواية الحلة السيراء. (9) البكري (مخ) : 48.

سجلماسة:

ذو القرنين في مطافه، وهو كثير الأفاعي والحيات، ولولا كثرة القنافذ لتلف من هنالك. قال أصحاب المغازي (1) : قصد عاصم بن عمرو سجستان ولحقه عبد الله بن عمير فالتقوا هم وأهل سجستان في أدنى أرضهم ثم اتبعوهم حتى حصروهم بزرنج، ومخر المسلمون سجستان ما شاء الله، ثم إنهم طلبوا الصلح على زرنج وما احتازوه من الأرضين، فأعطاهم ذلك المسلمون، وكان فيما شرطوه من صلحهم أن قنافذها (2) حمى، فكان المسلمون إذا خرجوا تناذروها خشية أن يصيبوا منها فيخفروا، وأقيم أهل سجستان على الخراج، وكانت سجستان أعظم من خراسان، وأبعد فروجاً، يقاتلون القندهار والترك وأمماً كثيرة، وكانت فيما بين السند إلى نهر بلخ بحياله، فلم تزل أعظم البلدين وأصعب الفرجين وأكثرهما عدداً وجنداً حتى كان زمن معاوية، فهرب الشاه من أخيه رتبيل إلى بلد فيها يدعى آمل، ودانوا لسلم بن زياد وهو يومئذ عامل سجستان، ففرح بذلك وعقد لهم وأنزلهم تلك البلاد، وكتب إلى معاوية بذلك يرى أنه قد فتح عليه، فقال معاوية: إن ابن أخي ليفرح بأمر إنه ليحزنني وينبغي له أن يحزنه، قالوا: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأن آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة ومضايق، وهؤلاء قوم غدر نكر، فيضطرب عليهما الحبل غداً، فأهون ما يجيء منهم أن يغلبوا على بلاد آمل بأسرها، وتم لهم على عهد ابن زياد، فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه وغلب على آمل وخافه أخوه، فاعتصم منه بمكانه الذي هو به اليوم، ولم يرضه ذلك حين تشاغل الناس عنه حتى طمع في زرنج فغزاها، فحصرهم حتى أتتهم الأمداد من البصرة. قالوا: وصار رتبيل والذين جاءوا معه فنزلوا تلك البلاد فلم تنتزع إلى اليوم، وقد كانت البلاد مذللة إلى أن مات معاوية. ومن سجستان أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسماعيل بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني صاحب كتاب " السنن "، توفي بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين. وبسجستان قتلت الخوارج معن بن زائدة فتكاً به سنة اثنتين وخمسين ومائة، وكان معن أحد الأجواد، وقف عليه أعرابي فقال له: جعلت قصدك سببي إليك، وكرمك وسيلتي عندك واستشفعت بك إليك، قال: سل ما أحببت، قال: ألفا درهم، قال معن: الله أكبر، ربحنا أربعة آلاف درهم، فقال الأعرابي: أنت أكرم من أن تربح على مثلي، قال: صدقت، وأمر له بستة آلاف درهم. سجلماسة (3) : في صحراء المغرب، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة، وهي على نهر يقال له زيز، وليس بها عين ولا بئر، وزرعهم الدخن والذرة ولهم النخل الكثير. وسجلماسة (4) من أعظم مدن المغرب، وهي على طرف الصحراء لا يعرف في قبليها ولا في غربيها عمران، وبينها وبين غانة في الصحراء مسيرة شهرين في رمال وجبال غير عامرة، قليلة الماء، يسكنها قوم من مسوفة رحالون لا يستقر بهم مكان، ليس لهم مدن ولا عمارة يأوون إليها إلا وادي درعة، وبينه وبين سجلماسة مسيرة خمسة أيام. وهي كثيرة (5) العامر مقصد للوارد والصادر، كثيرة الخضر والجنات، رائعة البقاع والجهات، وهي قصور وديار وعمارات متصلة على نهر كثير الماء يأتي من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف، كزيادة النيل، ويزرع بمائه كحال ماء النيل، ولزراعته إصابة كثيرة، وفي السنة الكثيرة الأمطار ينبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر، وربما حصدوه عند تناهيه وتركوا جذوره فينبت من غير حاجة إلى البذر (6) وحكي أن البذر يكون عاماً والحصاد فيه سبع سنين، وبها أنواع من الثمر لا يشبه بعضها بعضاً، وفيها الرطب المسمى البرني، وهي خضراء جداً وحلاوتها تفوق كل حلاوة ونواها في غاية الصغر، وعندهم غلات القطن والكمون والكراويا والحناء، ويتجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها، وهم يأكلون الكلاب والحرذون، وقل ما يوجد في أهلها صحيح العينين. وسجلماسة (7) محدثة، بنيت سنة أربعين ومائة، أسسها مدرار بن عبد الله، وكان رجلاً من أهل الحديث يقال إنه لقي بإفريقية عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وسمع منه،

_ (1) الطبري 1: 2705. (2) الطبري: فدافدها. (3) قارن باليعقوبي: 359. (4) عن الاستبصار: 200 وبعضه مطايق لما عند البكري: 149. (5) عن الإدريسي (د/ ب) : 60/ 37، وقارن بابن حوقل: 90. (6) زيادة من الإدريسي. (7) عن الاستبصار: 201، وقارن بالبكري: 148.

وكان صاحب ماشية، وكثيراً ما كان ينتجع موضع سجلماسة، وكان يجتمع بالموضع بربر تلك النواحي، فاجتمع إلى مدرار قوم من الصفرية، فلما بلغوا أربعين رجلاً، قدموا على أنفسهم مدراراً، وشرعوا في بناء سجلماسة فبنوها، ثم سورها أبو المنصور اليسع بن أبي القاسم بن مدرار، ولم يشركه في الإنفاق في بنائه أحد، أنفق فيه ألف مدي من طعامه. وقال آخرون: إن رجلاً جواداً اسمه مدرار كان من ربضية قرطبة، خرج من الأندلس عند وقعة الربض، فنزل منزلاً بقرب سجلماسة، وموضع سجلماسة إذ ذاك سوق لبربر تلك النواحي، فابتنى بها مدرار خيمة وسكنها، فبنى الناس حوله، فكان ذلك أصل عمارتها، وكان رجلاً أسود وهجي أولاده بذلك. ولسجلماسة اثنا عشر باباً ولها بساتين كثيرة، وهي كثيرة النخل والأعناب وجميع الفواكه، وزبيب عنبها المعرش الذي لا تناله الشمس لا يزبب إلا في الظل، ويسمى الظلي، وما أصابته الشمس منه زبب في الشمس. وهي على نهرين من عنصر واحد في موضع يسمى الحلف (1) وتمده عيون كثيرة، ولهم مزارع كثيرة يسقونها من النهر في حياض كحياض البساتين، ويزرع بأرض سجلماسة عاماً ويحصد من تلك الزريعة ثلاثة أعوام، لأنه بلد مفرط الحر شديد القيظ، فإذا يبس الزرع تناثر عند الحصاد، وأرضهم مشققة، فيقع ما يتناثر من الحب في تلك الشقوق، فإذا كان العام الثاني أخرجوا النهر على عادتهم، لأن ماء المطر قليل عندهم وحرثوا بلا بذر وكذلك العام الثالث. وقمحهم رقيق الحب يسع مد النبي صلى الله عليه وسلم من قمحهم خمساً وسبعين ألف حبة، وهم يأكلون الزرع إذا أخرج شطأه، وهو عندهم مستظرف. ومن العجيب (3) بسجلماسة أنها ليس فيها ذباب ولا كلاب لأنهم يسمنونها ويأكلونها كما يصنع أهل البلاد الجريدية، ويسمون الكنافين عندهم المجرمين (3) والبناءون عندهم اليهود لا يتجاوزون بهم هذه الصناعة. والسبب في تسخير أهل سجلماسة لليهود في ذلك كونهم محبين في سكنى بلادهم للاكتساب، لما علموا أن التبر بها أمكن منه بغيرها في بلاد المغرب لكونها باباً لمعدنه، فهم يعاملون التجار به ليخدعوهم بالسرقة وأنواع الخداع، ولما علم منهم (4) ذلك أبو عبد الله الداعي، عند استخراجه عبيد الله الشيعي من سجن اليسع بن مدرار بسجلماسة، وكان الذي عرف به ونم عليه يهودي، وحكى عبيد الله لأبي عبد الله ما جرى له معهم، قتل منهم الأغنياء وأخذ أموالهم بالعذاب وأمر من شاء منهم أن يقيم معهم في البلد بأن يتصرف في هذه الصناعة وفي شغل الكنافين، فمن دخل في الكنافين من أصناف الناس سموهم المجرمين لاجترامهم على حرفة موقوفة على اليهود. وقصروا البناء عليهم خاصة لأنهم خائفون من أن يجوز أحدهم المسلم فيهلكه فهم ينصحونهم في البناء ويلازمون الخدمة دون تردد، وهم الآن قد داخلوا المسلمين. وبسجلماسة كان قيام الدعوة العبيدية وإخراج أبي عبد الله الشيعي لعبيد الله المهدي من سجن اليسع بن مدرار. قالوا (5) : وكان أبو عبد الله الشيعي محققاً لوجود الإمام المهدي، والخبر عن خروجه إلى شاطئ دجلة وقراءته لسورة الكهف ولقائه الشيخ الذي معه الغلام، وسؤال الشيخ الذي مع الغلام له عن قتل الغلام المذكور في الآية بأمر لا يتحقق، ثم اجتماعه به في منزله وقول الشيخ له: إن الغلام الذي معه هو ولده عبيد الله وإنه الإمام المنتظر، وقوله لأصحابه الذين كانوا معه: هذا ثاني عشرتكم، وتوجيهه له إلى المغرب ليكون آخر دعاته إلى المهدي عبيد الله، مطول (6) مشهور فلنختصره. وكان ذلك في خلافة المعتضد سنة ثمانين ومائتين، ثم مات الشيخ والد عبيد الله، فهرب عبيد الله إلى مصر ونفذت مخاطبات المعتضد إلى صاحب مصر في طلبه والقبض عليه، وإلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة مثل ذلك، فلما خرج المهدي من مصر، بعث واليها في طلبه، فوجد راجعاً يذكر أنه يطلب كلباً هرب له، فحمل إلى الوالي، وقيل له: هو صياد هرب له كلب فطلبه، وشهد له بذلك شهود، وقيل: أعطى الوالي ما كان معه فأطلقه، ثم وصل إلى سجلماسة فدل عليه يهودي كان هناك، فأخذه اليسع بن مدرار وسجنه هناك وكبله، وتبعه ولده أبو القاسم، فسجنه أيضاً في قرية بالقرب من سجلماسة، فخاطب من السجن أبا عبد الله الداعي فأعلمه بحاله، فاستنفر الداعي قبائل كتامة ومن استجاب لدعوته وقصد سجلماسة،

_ (1) ص: الخلف؛ الاستبصار: أكلف. (3) البكري: والمجذمون عندهم هم الكنافون. (3) البكري: والمجذمون عندهم هم الكنافون. (4) ص ع: منه. (5) ما يزال يتابع الاستبصار، وفي هذه التفصيلات عن المهدي والداعي أبي عبيد الله قارن برسالة افتتاح الدعوة للقاضي النعمان، وانظر ص: 33 وتعليق المحققة في هذا الشأن. (6) خبر للمبتدأ: ((والخبر عن خروجه)) ....

السحاب:

وفر اليسع، فقتله جمع من رعيته لحقد كانوا يجدونه له، ووصل الداعي إلى عبيد الله فاستخرجه من سجنه وكسر كبله بيده وأركبه بغلته وكساه برنسه، وقال لهم: هذا مولاي الإمام ومولاكم، ثم استخرج ولده أبا القاسم من السجن وأركبه بغلة أخيه أبي العباس، وقال لأهل سجلماسة: لا يحل لكم أن تستوطنوا بلداً امتحن فيه الإمام، ففزعوا منه فخرجوا، فلما خرجوا أمر بسلبهم، ففتشوا كلهم رجالاً ونساء وأخذ أموالهم وصرفهم، وقيل: إنه تحصل له من التبر والحلي وقر عشرين جملاً أدخلها رقادة، وبايع بها لعبيد الله، وأدخله القيروان وبنى له المهدية، فكان عبيد الله يتساكر ويقتل جواريه ويرمي بهن خارج القصر، وأظهر مذهبه الذي يزعم الشيعة أنه مذهب أهل البيت، فأنكر كتامة ذلك واجتمعوا مع الداعي وأخيه أبي العباس: فقال لهم الداعي: إن الدعاء لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب، والإمام المهدي حق والزمن مجهول عندي، وكنت ارتبت في والد عبيد الله فكيف لا أرتاب فيه (1) ، فسيروا إليه وقولوا له: إن أبا عبد الله وأبا العباس أخاه قد شكا في هذا الخاتم الذي ذكرت أنه بين كتفيك فأره لنا، فإن لم تعاينوه فشأنكم به، فلما صاروا إليه وقالوا تلك المقالة، قال لهم: ألم يعلماكم أنهما أيقنا به؟ قالوا: نعم، فقال: الشك لا يزيل اليقين، ثم التفت إلى صاحب شرطته، فقال له: يا عروبة (2) ايتني برأسيهما، فمضى إليهما متنكراً، فقال له أبو عبد الله: ما الذي أتى بك يا عروبة؟ فقال: إن الذي أمرتني بطاعته أمرني بقتلك، فقتلهما وأتاه في الحين برأسيهما، فحضره أشياخ كتامة وأمر بالكتب إلى الأمصار أن أبا عبد الله أحدث حدثاً فطهرناه بالسيف ولم تمنعنا رعاية الحق له من إقامة الحق عليه، وتمهد أمر عبيد الله الشيعي. وقد أكثر الناس من الاختلاف في دعوة عبيد الله، قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب: إنه عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح، وقال الصولي: والده عبد الله بن سالم بن عبدان الباهلي، وجده سالم صلبه المهدي العباسي على الزندقة على ما قاله الذين فحصوا عن أمره، وأثبت آخرون نسبه ومات عبيد الله بالمهدية سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، وولي ولده أبو القاسم فأظهر مذهب أهل البيت نسبة إلى جعفر بن محمد الصادق وإلى علي رضي الله عنهما: منه توريث البنت إذا انفردت جميع المال، وأسقط الرجم على الزاني المحصن، والمسح على الخفين، وقول المؤذن: الصلاة خير من النوم، ونادى في الصبح: حي على خير العمل، والصوم بالعلامة والفطر بها لا بالرؤية، وأحل المطلقة ثلاثاً، وأسقط أيمان الحرج، ولا يقيم الحد على المحدود إلا أبواه أو جده أو قريبه، وأمرهم بجهاد من خالف مذهبهم. وقام عليه أو على ابنه إسماعيل المنصور أبو يزيد مخلد بن كيداد النكار وكان على مذهب الصفرية في سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة فكانت له فتنة عظيمة، وكان يعمل أكواماً من رؤوس المسلمين رعية الشيعة ويأمر المؤذنين فيؤذنون عليها، وواقف أبا القاسم الشيعي وهزمه وهرب أمامه إلى المهدية واتبعه أبو يزيد حتى ركز رمحه في الباب، فقال أبو القاسم: لا يعود إليه أبداً، وأمر بالركوب والخروج إليه، وأعطى الجند العطاء الجزيل، فخرجوا يريدون أبا يزيد، ودارت الحرب بينهم، وأثخن أبو يزيد بالجراح، وقبض عليه حياً فأدخل المهدية في قفص حديد وصلب على باب المهدية الذي طعن فيه برمحه، وكان ذلك على يد ابنه إسماعيل المنصور بن أبي القاسم، ودانت للشيعي بلاد المغرب كلها وإفريقية. السحاب (3) : جزيرة من جزر الهند، سميت بذلك لأنه ربما طلع من ناحيتها سحاب أبيض يضل المراكب، فيخرج منها لسان رقيق طويل مع الريح العاصفة حتى يلتصق ذلك اللسان بماء البحر، فيعلو (4) له ماء البحر ويضطرب مثل الزوبعة الهائلة، فإذا أدركت المركب ابتلعته، ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطراً. وفي هذه الجزيرة تلول إذا مستها النار عادت فضة خالصة، وفيما يليها من جزائر الواق واق مواضع مقطوعة بالجزائر والجبال فلا يصل السالك إليها لامتناع بلادها وصعوبة مسالكها، وسكانها مجوس لا يعرفون ديناً ولا اتصلت بهم شريعة، ونساؤهم يكشفن رؤوسهن ويجعلن فيها الأمشاط المتخذة من العاج مكللة بالصدف، وربما كان في رأس المرأة منهن عشرون مشطاً وغير ذلك، وهم متحصنون بجبالهم لا يصلون إلى أحد ولا يتصل بهم أحد، ولكنهم يشرفون على البحر ويتطلعون إلى المراكب، وربما تكلموا معهم بكلام لا يفهم منهم.

_ (1) زيادة من الاستبصار. (2) يرد في رسالة افتتاح الدعوة ((غزوية)) . (3) نزهة المشتاق: 32 (OG: 90) ، وابن الوردي: 64. (4) نزهة المشتاق: فيغلي.

سدوم:

سحول (1) : قرية باليمن أو واد، إليها تنسب الثياب السحولية والملاحف السحولية، وقيل: هو واد بقرب الجند، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. السدير (2) : بالعراق، وهو سواد نخل، وقيل: السدير: النهر الذي هناك، وقيل: هو قصر عظيم من إنشاء ملوك لخم في القديم، وما بقي من قصورهم فهي بيع للنصارى، وإياه عنى عدي بن زيد في أبياته المشهورة في قوله: سره ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرض والسدير وقال آخر: أبعد المنذرين أرى سواماً ... تروح بالخورنق والسدير قالوا: وسمي سديراً لأن العرب لما نظرت إلى سواد نخله سدرت أعينهم، فقالوا: ما هذا إلا سدير، قال المنخل: فإذا شربت فإنني ... رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني ... رب الشويهة والبعير سدوم (3) : مدينة من مدائن قوم لوط، وهي وما حولها المؤتفكات وكانت خمس قريات، وسدوم هي القرية العظمى، وهي كلها خراب لا أنيس بها، وإلى أهلها أرسل الله سبحانه نبيه لوطاً عليه السلام، والحجارة الموسومة موجودة فيها يراها السفر سوداء براقة. وكان في كل قرية منها مائة ألف، ويضرب المثل بجور أحكام قاضي سدوم، وهي بأرض الشام. وسدوم هذه هي القرية التي أمطرت مطر السوء المذكور في سورة الفرقان " الآية: 40 " لأنها رجمت. وقصة قوم لوط عليه السلام وزوجه في القرآن وكانوا يعملون الخبائث كما قال الله تعالى وفيهم قالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام: " إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين " وقالوا للوط عليه السلام: " إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فاسر بأهلك بقطع من الليل " الآية (هود: 81) قالوا: أدخل جبريل عليه السلام جناحه الواحد تحت مدائن قوم لوط فقلعها وصعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمير ونباح الكلاب وصراخ الديكة، ثم قلبها دفعة واحدة وضرب بها على الأرض وأمطرت عليهم حجارة من سجيل. وكانت هذه القرى بين المدينة والشام ومنها صبعة وصعرة (4) وعمرة وسدوم ودوما (5) وهي المدينة العظمى، وقال بعض المفسرين: سدوم هي القرية التي كانت تعمل الخبائث، وقد يقال إنه بذال معجمة، وسدوم موضع بالشام كان قاضيه يضاف إلى الجور فيقال في المثل: أجور من قاضي سدوم (6) ، ويقال أيضاً أجور من سدوم (7) ، قال عمرو بن دراك العبدي (8) : وإني إن قطعت حبال قيس ... وخالفت المزون على تميم لأعظم فجرة من آبي رغال ... وأجور في الحكومة من سدوم وكانت لقوم لوط عليه السلام مدينتان: سدوم وعامورا، وهما أعظم قراهم أهلكهما الله فيما أهلك منها، وقيل كان سدوم ملكاً وبه سميت المدينة، وكان من أجور الناس. السد: هو سد يأجوج ومأجوج المذكور في القرآن العزيز في قوله تعالى: " فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً ". وفي شعر الحماسة (9) : فأوصيكما يا ابني نزار فتابعا ... وصية مضفي النصح والصدق والود

_ (1) معجم ما استعجم 3: 727، والبكري (مخ) : 67. (2) انظر معجم ما استعجم (الخورنق) و3: 729، وقارن بياقوت (السدير) . (3) بعضه من معجم ما استعجم 3: 729، وقارن بياقوت (سدوم) ، وتفسير الثعلبي: 102 وما بعدها، وسائر كتب التفسير، وتاريخ الطبري 1: 325 - 343. (4) ص ع: صعبة وصعدة. (5) يختلف رسم هذه الأسماء في المصادر، وبلحظ أن المؤلف لم يذكر بينها ((زعموا)) التي أثبتها في حرف الزاي؛ إلا أن تكون هي صعرة ((صاعورا زعورا)) ؛ أما دوما فقد كانت في الأصلين: درعا؛ وأثبت ما في الطبري. (6) الميداني 1: 128. (7) انظر ثمار القلوب: 83 - 84 حيث جاء: جور سدوم. (8) تاج العروس (سدم) . (9) من أبيات للعديل بن الفرخ العجلي (شرح المرزوقي: 729) .

فما ترب أثرى لو جمعت ترابها ... بأكثر من إبني نزار على العد هما كنفا الأرض اللذا لو تزعزعا ... تزعزع ما بين الجنوب إلى السد والسدان المذكوران في قوله تعالى: " بين السدين " جبلان سدا مسالك تلك الناحية من الأرض وبين طرفي الجبلين فتح هو موضع الردم، وقيل: السدان أرمينية وأذربيجان، وقيل: هما من وراء بلاد الترك الذين قالوا: يا ذا القرنين، هم الذين كانوا بقرب السد. قالوا: وهذا السد بينه وبين حدود بلاد الخزر مسيرة شهر وأزيد. وذكر قتادة (1) ، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: رأيت السد، قال: " كيف رأيته؟ "، قال: كأنه حبرة، قال: " فقد رأيته ". وبلاد يأجوج ومأجوج في الإقليم الخامس، وبلاد يأجوج عامرة، وهم عدد كثير وجمع غفير وأمم لا يحصون كثرة، وبلادهم بلاد خصب ومياه جارية ومدائن كثيرة، وهم من ولد سام بن نوح، وهم المفسدون في الأرض، وخلقهم خلق صغار جداً، ولا يعرف ما ديانتهم ولا أي شيء معتقدهم. فأما يأجوج فكلهم قصار جداً، حتى إن طول الرجل منهم لا يتجاوز ثلاثة أشبار، ونساؤهم مثل ذلك، وأوجههم مستديرة في غاية الاستدارة، وعليهم شبه الزغب كثير جداً، وآذانهم كبار مستديرة مسترخية حتى إن أذن الرجل إذا هي تعطفت تلحق طرف منكبه، وكلامهم شبيه بالصفير والشرة عليهم بادية، وهم خفاف الوثوب، وفيهم زنا فاحش، وبلادهم بلاد ثلج وشتاء دائم والبرد عندهم لازم في كل الأوقات. ويقال: إن يأجوج ومأجوج أخوان لأب ولأم، والغالب على ألوانهم البياض والحمرة، ونكاحاتهم كثيرة ونتاجهم فاش، وكانوا قبل أن يصل إليهم الإسكندر ويبني السد عليهم في باب جبلهم الذي كانوا يدخلون منه ويخرجون عليه، يغيرون على من جاورهم حتى أخلوا كثيراً من البلاد والمدن المجاورة لهم من غربي الجبل، وحديث سد ذي القرنين المبني عليهم، وأكثر تلك البلاد خالية لا ساكن بها لكثرة جبالها وغزر مياهها ووحشة أرضها، فلما طغت يأجوج ومأجوج وغلبوا وأكثروا الفساد في الأرض، شكي أمرهم إلى الإسكندر، فلما قصد أرضهم اختبرهم فوجد منهم أمماً عم خيرهم وقل ضررهم هاجروا إلى الإسكندر قبل أن يلحق أرضهم وتبرأوا له مما يفعل إخوانهم يأجوج ومأجوج، وشهد كثير من القبائل لهم بذلك وأنهم لم يزالوا أبد الدهر يطلبون السلامة، فتركهم الإسكندر خارج السد وأقطعهم تلك الأرض، فسمتهم العرب تركاً؛ لأنهم ممن ترك الإسكندر من يأجوج ومأجوج وأسكنهم خلف السد، فقروا في تلك الأرض، فجميع أصناف الترك، وهم أمم كثيرة، تركهم الإسكندر خلف الردم فانتشروا في الأرض وعمروها وكثرت أنسابهم، وأكثرهم مجوس وعباد نيران، والغالب عليهم الجفاء وغلظ النفوس وقلة الانقياد، وهم بالجملة طائعون لأولي الأمر منهم، وفيهم صرامة لازمة وحمية في طلب الثأر وجبايات الأقطار. فأما السد، فقال وهب بن منبه: إن ذا القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين، وهو في منقطع أرض الترك مما يلي الشمال، فذرع ما بينهما فوجده مائة فرسخ، فحفر له أساً حتى بلغ إلى الماء ثم جعل عرضه خمسين فرسخاً وجعل حشوه الصخور وطينته النحاس يذاب ويصب عليه، ثم علاه على الأرض بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل لذلك عمداً من النحاس الأصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد. ولما بعث عمر (2) بن الخطاب رضي الله عنه، سراقة بن عمرو إلى الباب، بعد أن رد أبا موسى رضي الله عنه مكانه إلى البصرة، وجعل عمر على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة، وكان من فتح الباب ما كان، فحدث مطر بن ثلج التميمي، قال: دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة بالباب وشهربراز وهو كان صاحب الباب عنده، فأقبل رجل عليه شحوب (3) حتى جلس إلى شهربراز فتسارا، ثم إن شهربراز قال لعبد الرحمن: أيها الأمير، أتدري من أين جاء هذا الرجل. هذا رجل بعثته منذ سنتين (4) نحو السد لينظر لي ما حاله ومن دونه، وزودته

_ (1) انظر تفسير القرطبي 11: 62، والثعلبي: 360؛ وفي قصة ((يأجوج ومأجوج)) اجمالاً تراجع كتب التفسير المتعلقة بالآيات التي تذكر السد وذا القرنين من سورة الكهف، وكتاب التيجان، وقارن بياقوت (سد يأجوج ومأجوج) . (2) الطبري 1: 2669. (3) الطبري: شحوبة. (4) الطبري: سنين.

مالاً عظيماً، وكتبت إلى من يليني وأهديت له وسألته أن يكتب إلى من وراءه، وزودته لكل ملك هدية، ففعل ذلك بكل ملك بينه وبينه حتى انتهى إليه، فلما انتهى إلى الملك الذي السد في ظهر أرضه كتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه فبعث معه بازياره ومعه عقابه، فذكر أنه أحسن إلى البازيار، قال: فشكر لي البازيار، فلما انتهينا إذا جبلان بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين بعدما استوى بهما، وإذا دون السد خندق أشد سواداً من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه ثم ذهبت لأنصرف، فقال لي البازيار: على رسلك أكافئك، إنه لا يلي ملك بعد ملك إلا تقرب إلى الله تعالى بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمي به في هذا اللهب، فشرح بضعة لحم معه وألقاها في ذلك الهوي وانقضت عليها العقاب، فقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء وإن لم تدركها حتى تقع فذلك شيء، فخرجت علينا باللحم (1) في مخالبها، وإذا فيها ياقوتة فأعطانيها وهي هذه، فتناولها منه شهربراز حمراء فناولها عبد الرحمن فنظر إليها ثم ردها إليه، فقال شهربراز: لهذه خير من هذا البلد، يعني الباب، وأيم الله لأنتم أحب إلي ملكة من آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم ثم بلغهم خبرها لانتزعوها مني، وأيم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم أو وفى لكم ملككم الأكبر. فأقبل عبد الرحمن على الرسول وقال له: ما حال الردم وما يشبهه؟ فقال: هذا الثوب الذي على هذا الرجل، وأشار إلى مطر بن ثلج وكان عليه قباء برود يمنة أرضه حمراء ووشيه أسود أو وشيه أحمر وأرضه سواد، فقال مطر: صدق والله الرجل، لقد نفذ ورأى، قال عبد الرحمن: أجل ووصف صفة الحديد والصفر وقرأ: " آتوني زبر الحديد " إلى آخر الآية. وقال عبد الرحمن لشهربراز: كم كانت هديتك؟ قال: قيمة مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلاف ألف وأكثر في تلك البلدان. وذكر ابن عفير أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أرسل خمسة وعشرين رجلاً إلى سد يأجوج ومأجوج ينظرون كيف هو، وكتب إلى ملك الخزر أن يجوزهم إلى من خلفه، وأهدى إليهم هدايا، ففعل حتى انتهوا إلى الجبلين فرأوا بينهما مثل البصيص وهو بريق الصفر في الحديد وسمعوا جلبة من داخل السور ورأوا درجاً يرقى فيه إلى أعلاه، فصعد فيه رجل منهم، فلما بلغ وسطه تحير فسقط فمات، وانصرفوا بقطعة مسحاة وجدوها عند السد، فأرسل معاوية رضي الله عنه إلى رجل عالم فسأله فقال: يرسل ملك جنده إلى السد، فيهلك واحد منهم ويأتون بحديد ويجمعهم على مائدة فيها طعام، فوافى العالم وهم على تلك المائدة قد جمعهم عليها معاوية رضي الله عنه وخلطهم بغيرهم، فقال هؤلاء هم، فعجب معاوية رضي الله عنه من ذلك. وقال ابن خرداذبه (2) : حدثني سلام الترجمان، وكان هو الذي يترجم كتب الترك التي كانت ترد على الواثق قال: لما رأى الواثق في المنام كأن السد الذي بناه ذو القرنين مفتوح وجهني وضم إلي خمسين رجلاً وقال لي: عاينه وجئني بخبره، ووصلني بخمسة آلاف دينار وعشرة آلاف درهم وأعطى كل رجل من الخمسين ألف درهم ورزق سنة وأعطاني مائتي بغل أحمل عليها الزاد والماء وكتب إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية وهو بتفليس في انفاذنا، فشخصنا إليه من سر من رأى، فكتب إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى بلد اللان، وكتب ملك اللان إلى فيلان شاه وهو ملك ما يلي الباب والأبواب من خارج، وكتب فيلان شاه إلى طرخان ملك الخزر، فوجه معنا ملك الخزر خمسة أدلاء، وسرنا من عنده خمسة وعشرين يوماً حتى انتهينا إلى أرض سوداء منتنة الرائحة، وكنا قد تحملنا شيئاً نشمه ونحجب به نتن ريحها عند دخولها، فسرنا نحو عشرة أيام حتى أفضينا إلى مدن خراب، فسألنا عنها فأخبرنا أن يأجوج ومأجوج خربوها، فسرنا فيها سبعة وعشرين يوماً حتى أفضينا إلى حصن يقرب من الجبل الذي هو أحد الصدفين، تتصل به حصون فيها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية مسلمون يقرأون القرآن ولهم مساجد، فسألونا من أين أقبلنا، فأخبرناهم أنا رسل أمير المؤمنين، فجعلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين؟! فنقول: نعم، فيقولون: أشيخ هو أم شاب؟ فقلنا: شاب، فعجبوا أيضاً وقالوا: أين يكون؟ قلنا: بالعراق في مدينة يقال لها سر من رأى، فيقولون: ما سمعنا بهذا قط (3) ، ثم سرنا إلى جبل أملس يكاد البصر ينبو عنه، وإذا جبل مقطوع عرضه مقدار مائة وخمسين ذراعاً، وإذا عضادتان مبنيتان

_ (1) ص ع: بالفحم. (2) حديث سلام الترجمان ورد عند ابن خرداذبه: 162 - 170، وياقوت والمقدسي: 362، والثعلبي: 366، ونزهة المشتاق: 312، وقد اختلف سياق النص عند الإدريسي بعض اختلاف. (3) عند الإدريسي هنا توضع الطريقة التي أسلموا بها.

السرر:

مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمس وعشرون ذراعاً في سمك خمسين ذراعاً وعتبة الباب السفلى عشرة أذرع في بسط مائة ذراع سوى ما تحت العتبتين، والظاهر منها خمسة أذرع، وهذا الذراع بذراع السواد، وعلى أعلى العضادتين دروند حديد طرفاه على العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعاً، والدروند العتبة العليا، وقد ركب فيها على كل واحدة من العضادتين مقدار عشرة أذرع، ومن فوق الدروند بنيان متصل بلبن الحديد المغيب في النحاس إلى رأس الجبل وارتفاعه مدى البصر وفوقه شرافات حديد في طرف كل شرافة قرنان مثنيا الأطراف بعضهما إلى بعض، وللباب مصراعان معلقان، عرض كل مصراع خمسون ذراعاً في ثخن خمسة أذرع، وقائمتاهما في دوارة على قدر الدروند، وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع في الاستدارة، وارتفاع القفل من الأرض خمسة وعشرون ذراعاً، وفوق القفل بخمسة أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل، وعلى الغلق مفتاح طوله ذراع ونصف ذراع، وله اثنا عشر دندانجة، كل دندانجة منها كأغلظ ما يكون من دساتج الهواوين (1) كل واحدة منها معلقة في سلسلة طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار، والحلقة التي في السلسلة مثل حلقة المنجنيق، قال: ورئيس ذلك الحصن يركب في كل جمعة في عشرة فوارس مع كل فارس مرزبة من حديد فيها خمسة (2) أمنان، فيضربون القفل بتلك المرازب ثلاث مرات، فيسمع من وراء الباب الصوت، فيعلم أن هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا شيئاً في الباب، فإذا ضرب أصحاب الحصون القفل وضعوا آذانهم فيسمعون دوياً، ومع هذا الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي ذراع في مثلها، بينهما عين عذبة، وفي أحد الحصنين بقية من آلة البنيان التي بني بها السد من قدور الحديد ومغارف الحديد والديدكانات، وعلى كل ديدكان (3) أربع قدور مثل قدور الصابون، وهناك بقايا من لبن الحديد قد التصق بعضها ببعض، واللبنة ذراع ونصف في سمك شبر، وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، عشر فراسخ في مثلها تكسيرها مائة فرسخ، قال: وسألت من هناك، هل رأوا أحداً من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنهم رأوا مرة واحدة عدداً منهم فوق الشرف، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم من السد، وكان مقدار الرجل منهم، في رأي العين، شبراً ونصف شبر. قال: فلما انصرفنا أخذنا أدلاء فأخرجونا إلى ناحية خراسان حتى وصلنا إلى سمرقند، وكان أصحاب الحصون زودونا، ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر، قال سلام: فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كل رجل معي بخمسة آلاف درهم وأجرى علينا حتى وصلنا إلى الري، فوصلنا إلى سر من رأى لثمانية عشر شهراً وعشرين يوماً من يوم خرجنا منها. وفي بعض الأخبار أن الرجل الواحد منهم لا يموت حتى يولد له ألف ولد. سر من رأى (4) : مدينة بالعراق، محدثة إسلامية، بناها المعتصم (5) ، ثم عاجلها الخراب بعدما عمرت وبهر حسنها (6) . السرر (7) : موضع بقرب مكة، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فإذا كنت بين الأخشبين ومنى، ونفح بيمينه نحو المشرق، فإن هناك وادياً يقال له السرر فيه سرحة سر تحتها سبعون نبياً ". سرحة: مدينة في طريق اليمن بمقربة من عثر، وهي دونها في العظم. السراة (8) : أعظم جبال العرب، وهو ما بين جرش والطائف، وقيل هو جبل الأزد الذين هم به يقال لهم السراة. وفي سير ابن إسحاق (9) : أن أشراف اليمن اغتنموا غضبة عمرو بن عامر، وقالت الأزد: لا نتخلف عنه، فساروا وتفرقوا في البلاد، فنزلت آل جفنة الشام، ونزل الأوس والخزرج يثرب، ونزلت أزد السراة السراة، ونزلت أزد عمان عمان، ثم أرسل الله تعالى على السد السيل، الحديث بطوله.

_ (1) وردت في ص ع بعد هذه اللفظة ((رلوكا)) ولم ترد في المصادر الأخرى. (2) عند المقدسي: خمسون. (3) والديد كانات ... ديد كان: الرسم هنا متابع لما عند الإدريسي؛ وعند المقدسي: ديدكان، وهذه تعني ((المرجل)) بالفارسية. (4) قد تقدم الحديث عنها في مادة ((سامرا)) مفصلاً. (5) ص ع: المتوكل. (6) سقطت من ص. (7) معجم ما استعجم 3: 732، وقارن بياقوت (السرر) . (8) قارن بياقوت (السراة) . (9) السيرة 1: 13.

سرين

وسراة (1) : بغير ألف ولام مدينة بين أردبيل والمراغة من عمل أرمينية، وهي مدينة لطيفة كثيرة الخير والبساتين والمياه والمزارع والفواكه والطواحين، وفيها أسواق حسنة، ومن كور سراة المراغة بينهما أربعة وثمانون ميلاً. سرف (2) : أظنه بكسر الراء، قال البكري: هو بإسكان الثاني، ماء على ستة أميال من مكة، وهناك أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة، مرجعه من مكة حين قضى نسكه، وهناك ماتت ميمونة رضي الله عنها. لأنها اعتلت بمكة، فقالت: أخرجوني من مكة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة، فحملوها حتى أتوا بها سرفاً إلى الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم له تحتها في موضع القبة، فماتت هناك سنة ثمان وثلاثين، وهناك عند قبرها سقاية. وبسرف كان منزل قيس بن ذريح الكناني الشاعر، ولذلك قال حين نقلت لبنى عنه: الحمد لله قد أمست مجاورة ... أهل العقيق وأمسينا على سرف حي يمانون والبطحاء منزلنا ... هذا لعمرك شكل غير مؤتلف قد كنت آليت جهداً لا أفارقها ... أفٍ لأكثر ذاك القيل والحلف حتى تكنفني الواشون فافتلتت ... لا تأمنن أبداً إفلات مكتنف وبسرف مات عدو الله تعالى أبي بن خلف بسبب طعنة النبي صلى الله عليه وسلم له بالحربة مرجعه من بدر في الخبر المشهور، ذكره ابن إسحاق مبسوطاً (3) . سرت (4) : مدينة في برقة، بينها وبين طرابلس مائتا ميل وثلاثون ميلاً وبينها وبين البحر ميلان، وعليها سور تراب، وفيها النخل، ولا زيتون بها، والتوت بها كثير وبعض شجر تين، غير أن العرب أتت على أكثرها وكانت فيها فواكه وأعناب ذهبت. وهي (5) قديمة وأهلها أخس الناس خلقاً وأسوأهم معاملة، ولا يبتاعون إلا بسعر قد اتفقوا عليه، وربما نزل المركب بساحهم موسوقاً بزيت، وهم أحوج الناس إليه، فيعمدون إلى الزقاق الفارغة فينفخونها ويضعونها في حوانيتهم ليرى أهل المركب أن الزيت عندهم كثير بائر، فلو أقام أهل المركب ما شاء الله أن يقيموا ما باعوا منهم إلا على حكمهم، وهم يعرفون بعبيد قرلة ويغضبون لذلك. سرتة (6) : هي دار مملكة النوبة في أحد شطي النيل، وقيل اسمها ويلولة (7) من ناحية الصعيد، وهذا الشط أوسع مملكة من الآخر، وأهلها أصفى ألواناً وأحسن زياً وملوكهم يزعمون أنهم من حمير. سرين (7) : مدينة عظيمة في طريق مكة من اليمن بمقربة من يلملم، وفيها أسواق ومسجد جامع، وسورها في البحر، وأكثر بنائها بالخشب والحشيش إلا المسجد الجامع فإنه مبني من المدر، والحمامات فيها من الحشيش والخشب، ولا يستعمل فيها وقود بل يسخن الماء خارجاً منها ويغتسل به داخلها، وماؤهم من السماء، وهي من عمل مكة، وفيها مزارع وشبه حظائر للمواشي، وأكثر زروعهم الذرة والسمسم، والميرة تجلب إليها من عثر وحردة (9) وعثر منها على مسيرة عشرة أيام. سرنديب (10) : جزيرة بالهند في بحرهم المسمى هركند، وهي

_ (1) نزهة المشتاق: 267؛ وما بين معقفين زيادة لازمة من الإدريسي. (2) معجم ما استعجم 3: 735، وقد ذكر أنه بكسر ثانية، على غير ما قاله مؤلف الروض؛ ورحلة الناصري: 233. (3) السيرة 2: 84. (4) الإدريسي (د/ ب) : 122/ 90 (صرت) . (5) الاستبصار: 109، والبكري: 6، وقارن بياقوت (سرت) . (6) وردت في المروج 3: 32 سرية (أو سوية) وأقرب الصور إليها ((سوية)) عند اليعقوبي: 336، وخطط المقريزي 1: 193، وذكر الإدريسي (د) : 14 ((سوله)) ؛ ومن المعروف أن سوبه كانت عاصمة مملكة علوة النوبية. (7) غير معجمة في ع؛ وفي ص: وبلوبه؛ وانظر ابن الوردي: 36. (7) غير معجمة في ع؛ وفي ص: وبلوبه؛ وانظر ابن الوردي: 36. (9) انظر الهمداني: 52. (10) الإدريسي (ق) : 7 (OG: 72) ، وانظر ابن الوردي: 65، ونخبة الدهر: 160، وابن خرداذبه: 64.

جزيرة كبيرة مشهورة الذكر، وهي ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً. وبجزيرة سرنديب (1) هيكل عظيم من ذهب يفرطون في مبلغ زنته وقيمة الجوهر الذي عليه، وإليه يجتمع أهلها فيتدارسون سير آبائهم وقصص ملوكهم. وبهذه الجزيرة نزل آدم عليه السلام حين أهبط من الجنة، نزل على جبل الرهون منها وهو جبل سامي الذروة عالي القمة ذاهب في الجو، يراه البحريون من مراكبهم عن مسيرة أيام، وهو الذي ذكر أن آدم عليه السلام أهبط عليه، وعلى هذا الجبل يتلألأ نور يشبه البرق الدائري، عليه دائماً وحوله أنواع الياقوت الأحمر والأصفر والأكحل، والأحمر أشرفها وأنفسها لأنه إذا ألقي في النار ازداد حمرة وحسناً، وإن كانت فيه نكتة شديدة الحمرة وجعلت في النار انبسطت في الحجر تلك الحمرة فحسنته ولونته، ومبارد الحديد لا تؤثر في جميع ألوان الياقوت، والأصفر أقل صبراً على النار من الأحمر، وأما الأكحل فلا صبر له، قالوا: ومن تقلد حجراً أو تختم به من هذه الأصناف الثلاثة من الياقوت وكان في بلد قد وقع فيه الطاعون منع أن يصيبه ما أصاب أهل ذلك البلد. ويذكر البراهمة، وهم عباد الهند، أن على هذا الجبل أثر قدم آدم عليه السلام مغموس في الحجر، وطوله سبعون ذراعاً، وأن على هذا الأثر نوراً يخطف شبيهاً بالبرق دائماً، وأن القدم الثانية منه جاءت في البحر عند خطوته، والبحر من الجبل على مسيرة يومين أو ثلاثة، وفي وادي هذا الجبل الماس الذي يحاول به نقش الفصوص من أنواع الحجارة، وعلى هذا الجبل أنواع من الطيب وضروب من صنوف العطر مثل العود والأفاويه ودابة المسك ودابة الزباد، وبه الأرز والنارجيل وقصب السكر، وفي أنهاره يوجد جيد البلور وكبيره. وبجميع سواحل هذه الجزيرة مغايص اللؤلؤ الجيد النفيس المثمن. وفي جزيرة سرنديب قواعد كثيرة، وملك هذه الجزيرة يسكن أغنا، وهي مدينة القصر، وبها دار ملكه، وهو ملك عادل كثير السياسة ناظر في أمور رعيته حافظ لهم ذاب عنهم، وله ستة عشر وزيراً: أربعة من أهل ملته وأربعة نصارى وأربعة مسلمون وأربعة يهود، وقد رتب لهم موضعاً تجتمع فيه أهل الملل وتكتب حججهم وأخبارهم، ويجتمع إلى علماء كل ملة: الهندية والرومية والإسلامية واليهودية، جمل من الناس وعدة طوائف، فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وقصص ملوكهم في سائر الأزمان ويعلمونهم ويفهمونهم ما لا يعلمونه، وللملك في بده صنم من ذهب لا يدرى لما عليه من الدر والياقوت وأنواع الأحجار أثمان، وليس يملك أحد من ملوك الهند ما يملكه صاحب سرنديب من الدر النفيس والياقوت الجليل وأنواع الأحجار لأن أكثر ذلك يوجد في جبال جزيرته وفي أوديتها وبحرها، وإليها تقصد مراكب أهل الصين وسائر بلاد الملوك المجاورين له. وملك سرنديب تحمل إليه الخمر من العراق وفارس فيشتريها بماله وتباع له في بلاده، وهو يشرب ويحرم الزنا ولا يراه، وملوك الهند وأهلها يبيحون الزنا ويحرمون الشراب المسكر. ويجلب من سرنديب الحرير والياقوت بجميع ألوانه كلها والبلور والماس والسنباذج وأنواع من العطر كثيرة. ولأهل (2) سرنديب نظر في زراعة النارجيل، ويقومون بحفظه ويبيحونه للصادر والوارد ابتغاء الأجر وطلب المثوبة، وأهل عمان وغيرها من بلاد اليمن ربما قصدوا إلى هذه الجزائر التي فيها النارجيل، فيقطعون من خشب النارجيل ما أحبوه ويصنعون من ليفه حبالاً يحرزون به ذلك الخشب وينشئون منه مراكب ويصنعون منه صواريها، ويفتلون من خوصه حبالاً، ثم يسقون تلك المراكب بخشب النارجيل ويمضون بها إلى بلادهم، فيبيعونه هناك ويتصرفون به. قالوا: ولما نزل آدم عليه السلام، على جبل الرهون من هذه الجزيرة وعليه الورق الذي خصفه فيبس فذرته الرياح في بلاد الهند، فيقال، والله أعلم، أن علة كون الطيب بأرض الهند من ذلك الورق، وقيل غير ذلك، ولذلك خصت أرض الهند بالعود والقرنفل والأفاويه والمسك وسائر الطيب، وكذلك الجبل لمعت عليه اليواقيت. قالوا: ولما أهبط آدم عليه السلام من الجنة أخرج معه منها صرة من الحنطة وثلاثين قضيباً من شجر الجنة مودعة أصناف الثمار،

_ (1) البكري (مخ) : 33، ثم يلقتي مع الإدريسي ويستقل بأكثر المنقول عنه، وقارن بأخبار الزمان: 34، وابن الفقيه: 10، وياقوت (سرنديب) / وأخبار الصين: 4، وابن الوردي: 64. (2) النقل مستمر عن الإدريسي (ق) : 12.

السرير:

وقيل أهبط آدم عليه السلام قبل غروب الشمس من اليوم الذي خلق فيه بالهند على جبل يقال له مود، وقبل سرنديب كما قدمناه وهو المشهور الذي لا يدفعه علماء الإسلام وأهل التوراة والإنجيل. سرادق (1) : بحر سرادق متصل بخليج القسطنطينية، ونزل الططر على سرادق في سنة سبع عشرة وستمائة، ودوخوا تلك البلاد الشمالية من وراء سيحون إلى هذا البحر، نحو نصف سنة، وفعلوا في كل إقليم من أقاليمها العجائب، ورجعوا إلى ملكهم جنكزخان وهو على حصار الطالقان. سرمة (2) : جزيرة تتصل ببلاد مشارق الشمس، عظيمة كثيرة الزرع والحبوب. وفيها أنواع من الطيور المأكولة التي ليست في بلاد الهند، وبها نارجيل كثير، ويتصل بهذه الجزيرة جزائر كثيرة صغار كلها معمورة وملكها يسمى قامرون، وبلادها كثيرة المطر والرياح، وفيها قوم يسمون القنجت (3) مفلفلو الشعور سود، يخرجون إلى المراكب بالعدد والأسلحة والسهام المسمومة، وقليلاً ما ينجو منهم من يمر بهم أو سقط في أيديهم، وفي أرنبة كل واحد منهم حلقة حديد أو نحاس أو ذهب. السرير (4) : هي مدينة تلي اللان بعد (5) سمندر مما يلي بلاد الخزر وأهل المدينة نصارى، وسميت بالسرير لأن ملكاً من ملوك الفرس اتخذ بها لنفسه سرير ذهب يقصر الوصف عنه صنع في سنين، فهلك وتغلبت الروم على ملكه فأبقوا السرير على حاله، وملوكهم يسمون به. سردانية (6) : جزيرة على طرف من البحر الشامي، وهي كبيرة النظر كثيرة الجبال قليلة المياه، طولها مائتان وثلاثون (7) ميلاً وعرضها من الغرب إلى الشرق مائة وثمانون ميلاً، وفيها ثلاث مدن الفيصنة (8) وهي مدينة عامرة، ومنها مدينة قالمرة، وهي رأس المجاز إلى جزيرة قرشقة، والثالثة تسمى قشتالة (9) . وأهل سردانية في الأصل روم أفارقة متبربرة متوحشون من أجناس الروم، وهم أهل نجدة وحزم لا يفارقون السلاح. وفي سردانية معادن الفضة الجيدة ومنها تخرج إلى كثير من بلاد الروم، وبين سردانية وجزيرة قرشقة مجاز طوله عشرون ميلاً. وقيل سميت سردانية باسم ساردوس (10) بن هرقل إذ قصدها بجمع عظيم وحاصرها وافتتحها، وهي كثيرة الزرع والضرع كثيرة الخير، وقيل طولها مائة وثلاثون ميلاً وعرضها مائة وعشرون ميلاً وحكي أن دورها يزيد على أزيد من خمسمائة ميل، ويقابلها من المشرق مدينة رومية، وبها أربع مدن. وكان أبو الجيش مجاهد العامري الملقب بالموفق قد دخلها سنة تسع وأربعمائة وافتتح أكثرها وجدد إحدى مدنها فأصاب المسلمين فيها جوع ووباء، فخرج عنها بمن معه من المسلمين في سنة عشر وأربعمائة، فهدم الروم بعد ذلك مدينته فهي اليوم خرابة، وكان أبو الجيش هذا غزا سردانية قبل هذا فعصفت بشوانيه الريح وكسرتها على جزيرة تسمى مذ ذاك جزيرة الشهداء وقتل العدو من المسلمين خلقاً، ونالوا منهم نيلاً. ورأيت في موضع آخر أن جزيرة سردانية كثيرة الأنهار والخيرات، ويذكر أن من فيها من النصارى من ناقلة بلاد البربر، وهم يطيلون الشعور كشعور النساء، ولهم خيل موصوفة، وسلاحهم المزاريق، وهم كشف لا تراس لهم، وبسردانية حمات شديدة الحر، وليس يكون فيها شيء من الهوام المؤذية ولا تنبت شيئاً من الأشجار المسمومة. قال ابن عفير (11) : لما غزا المسلمون أهل سردانية وعلموا أنهم مغلوبون عليها عمدوا إلى مبنى لهم في البحر فسكروه وأخرجوا ماءه تم قذفوا فيه آنيتهم من الذهب والفضة وسائر أمتعتهم، ودفنوا ذلك في الرمل وردوا عليه الماء، وعمدوا لكنيسة لهم فجعلوا لها

_ (1) ذكرها ابن بطوطة: 344 وقال إنها من مدن دشت قفجق على ساحل البحر، ومرساها من أعظم المراسي وأحسنها، وبخارجها البستاين والمياه، وأكثر بيوتها خشب؛ وهي ((سراي)) عند صادق أصفهاني: 103. (2) نزهة المشتاق: 32، وفي (OG: 88) سبومة. (3) ص ع: العجب. (4) نزهة المشتاق: 272، وقارن بالكرخي: 130، وياقوت (السرير) ، وابن الفقيه: 291 وابن رسته: 147. (5) ص ع: لها. (6) نزهة المشتاق: 175، والإدريسي (م) : 15 - 16. (7) نزهة المشتاق: وثمانون. (8) ص ع: القيطنة. (9) ص ع: قشتيلة. (10) ع: سارودس. (11) فتوح ابن عبد الحكم: 209.

سرق:

سقفاً دون سقف، ووضعوا ما كان لهم من المال بين السقفين، فنزل رجل من المسلمين يغتسل في ذلك الموضع الذي سكروه فوقعت رجله على شيء فأخرجه فإذا هو صحفة فضة، ثم غاص أيضاً فأخرج شيئاً آخر، فعلم بذلك المسلمون وحبسوا عنه الماء وأخرجوا جميع ما فيه، ونظر رجل من المسلمين في تلك الكنيسة ذات السمكين إلى حمام وكان عنده قوس بندق فرماه فأخطأه وأصاب خشب السمك فكسر منه شيئاً فانهار عليهم المال، فغل المسلمون يومئذ غلولاً كثيراً، فإن كان الرجل ليأخذ الهر فيذبحه ويرمي بما في جوفه ثم يحشوه مالاً ويخيط عليه ويرمي به في الطريق ليوهم من رآه أنه ميتة فإذا خرج أخذه، وكان الرجل ينزع نصل سيفه فيطرحه ويملأ الجفن غلولاً ويضع قائم سيفه في الجفن، فلما ركبوا السفن وتوجهوا سمعوا منادياً ينادي: اللهم غرق بهم، فعاذوا بالمصاحف وتقلدوها وغرقوا جميعاً إلا أبا عبد الرحمن الحبلي وحنش بن عبد الله فإنهما لم يكونا تدنسا من الغلول بشيء، وما ذكر بعض المؤرخين من أن الذين غرقوا هم الذين غلوا من غنائم الأندلس فإنما هم الذين غلوا من غنائم سردانية. وفي (1) سنة سبع وثمانين (2) ، أغزى موسى بن نصير عبد الله ابنه إلى سردانية فافتتح وأصاب سبياً وغنائم، وفي سنة ثلاث ومائة أغزى بشر بن صفوان يزيد بن مسروق اليحصبي سردانية ففتح وسبى وسلم وفي سنة ست ومائة أغزى بشر بن صفوان محمد بن أبي بكير مولى بني جمح فأصاب كرسقة وسردانية، وفي سنة تسع ومائة أغزى بشر بن صفوان من إفريقية حسان بن محمد بن أبي بكير مولى بني جمح سردانية فغنم وسبى، وفي سنة تسع عشرة أغزى ابن الحبحاب قثم بن عوانة فأصاب قلعة سردانية (3) ، وغرق قثم في منصرفه ومراكب المسلمين وسلم بعضهم. سرطانية: هي بلاد البرجان قالوا: فيها جزيرة فيها عين ماء تجري، من شرب منه من الخلق وكان به وجع في عينيه أو غشاوة في بصره أو بياض أو أي ضرر كان فيهما ذهب عنه. سرغ (4) : مدينة بالشام، وهي بالراء المسكنة والغين المعجمة، وهي التي جاءها عمر رضي الله عنه في توجهه إلى الشام وبلغه أن الوباء قد وقع بالشام وأخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، وإن وقع بأرض لستم بها فلا تقدموا عليه "، فرجع عمر رضي الله عنه من سرغ، والخبر مشهور. وافتتح أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه سرغ واليرموك والجابية. سرق (5) : بلد من عمل البصرة كان وليه حارثة بن بدر الغداني وكان صاحب خمر فقال له أبو الأسود: أحار بن بدر قد وليت إمارة ... فكن جرذاً فيها تخون وتسرق ولا تحقرن يا حار شيئاً أصبته ... فحظك من ملك العراقين سرق وسرق يقال لها الدورق (6) ، وبينها وبين سوق الأهواز أربعة وعشرون فرسخاً في الماء على الظهر، ومن سرق إلى أرجان اثنان وثلاثون فرسخاً، وبينهما قنطرة طويلة على وادي الملح، وبينها وبين أرجان اثنا عشر فرسخاً. وفتح أبو موسى (7) رضي الله عنه، سرق على مثال رامهرمز، ثم غدروا، فوجه إليهم حارثة بن بحر الغداني المذكور، في جيش كثيف فلم يفتحها، فلما قدم عبد الله بن عامر فتحها عنوة. سروج (8) : بلد من أرض الجزيرة وبمقربة من ملطية، وهي رستاق كثير القرى والكروم في بطن بين جبال. قال البلاذري (9) : سروج ورأس كيفا وأرض البيضاء أتاها عياض بن غنم بعد صلح الرها سنة تسع عشرة.

_ (1) في غزوات المسلمين إلى سردانية انظر المكتبة الصقلية في عدة مواضع. (2) ص ع: سبع وثلاثين، وعند ابن الأثير أن ذلك كان بعد فتح الأندلس سنة 92. (3) سقط من ع. (4) معجم ما استعجم 2: 735، والطبري 1: 2511، وياقوت (سرغ) وقال: هو بين المغيثة وتبوك من منازل حاج الشام. (5) معجم ما استعجم 2: 734، وياقوت (سرق) . (6) الدورق عاصمة مقاطعة سرق. (7) فتوح البلدان: 467. (8) انظر ابن حوقل: 207، والكرخي: 55، وياقوت (سروج) . (9) فتوح البلدان: 208.

سرخس:

ومن سروج (1) إلى حصن كيفا ستة فراسخ، ثم إلى سميساط سبعة فراسخ، ثم إلى ملطية عشرة فراسخ، ثم إلى زبطرة خمسة فراسخ. وسروج كثيرة الفواكه، وهي التي نسبها الحريري لأبي زيد تاج الغرباء، وفيها البساتين والمياه المطردة. سرخس (2) : مدينة بينها وبين نيسابور ستة مراحل، وهي بين نيسابور ومرو، وهي على نهر لا يدوم جريانه لأنهم إنما تأتيهم فضلته، وكذلك نهر هراة، وليس لسرخس طواحين ماء إنما طحنهم بالدواب، وتكون سرخس في مقدار نصف مرو. ولما سار ابن عامر (3) إلى الطبسين يريد أبرشهر، وهي نيسابور، فتح ما حولها: طوس وبيورد، ونسا وحمران، وسرخس. ويقال: بعث إلى سرخس عبد الله بن خازم ففتحها وأصاب جاريتين من آل كسرى. وهو بلد جليل، ومدينته عظيمة، وهو في برية في رمال فيها أخلاط من الناس، وهي طيبة الثرى (4) معتدلة الهواء لها رساتيق وقرى، ولأهل بواديها همة في انتخاب الجمال وتنسيلها، وشربهم من مياه الآبار، وأرحاؤها تديرها الدواب، وبناؤها بالطين واللبن، ومنها إلى هراة خمس مراحل. وإلى سرخس هرب نصر بن سيار عامل مروان بن محمد لما استوسقت الأمور إلى أبي مسلم صاحب الدعوة فخاف على نفسه فهرب إلى سرخس. ولما غلب ابن عامر على ما بين سرخس إلى نيسابور أرسل إليه أهل مرو يطلبون الصلح، فصالحهم على ألفي ألف ومائتي ألف، وقيل ستة آلاف ألف ومائتي ألف. وفيها قتل المأمون وزيره الفضل بن سهل، دخل الحمام بسرخس فقتل غيلة، وأحضر المأمون قتلته فقتلهم. وذكر أن المأمون كان وقع للفضل بن سهل بخطه توقيعاً نسخته (5) : أغنيت يا فضل بن سهل بمعاونتك إياي على طاعة الله تعالى وإقامة سلطاني عن معاضدة غيرك فرأيت أن أغنيك، وسبقت الناس من الحاضر كان لي والغائب عني، فأحببت أن أسبق إلى الكتاب لك بخطي بما رأيته لك على نفسي، وأنا أسأل الله تعالى تمامه فإن حولي وقوتي ومقدرتي وقبضتي وبسطي به لا شريك له، وقد أقطعتك السيب من أرض العراق حيازة تميم مولى أمير المؤمنين عطاء لك ولعقبك لما أنت عليه من النزاهة عن أموال رعيتي ولما قمت به من حق الله تعالى وحقي، فلم تأخذك في ذلك لومة لائم، وقد جعلت لك بعد ذلك مرتبة من يقول في كل شيء فيسمع منه ولا تتقدمك مرتبة أحد ما لزمت ما أمرتك به من العمل لله ولدينه والقيام بصلاح دولة أنت ولي القيام بها، وجعلت كله لك بشهادة الله تعالى وجعلته لك كفيلاً على عهدي، وكتبت خطي في صفر سنة أربع (6) وتسعين ومائة. سروس (7) : هي أم قرى جبل نفوسة (8) ، وهي مدينة جليلة فيها آثار للأول، وأهلها اباضية، وليس فيها جامع ولا فيما حولها من القرى، وفي قطرها أزيد من ثلثمائة قرية لا يرون في مذهبهم الجمعة، وفي هذا الجبل أمم كثيرة على مذاهب شتى أكثرهم اباضية، ليس لهم أمير يرجعون إليه إنما لهم شيوخ وفقهاء على مذهبهم، ولهم رخص كثيرة في مذهبهم. وقال رجل من المغرب رأيت في بلادهم رجلاً أراد الطهر، فنزل على ماء ونزع ثيابه وجعل يشير كأنه يغتسل وكأنه يريق الماء على رأسه وعلى جسده فأخذه المغربي وحمله إلى الحاكم في البلد، فقال له الحاكم: من أين أنت؟ قال: من المغرب، فقال: والله لولا أنك غريب لأدبتك، ما يدريك لعل له عذراً، قال الله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وهذا أفضل مذاهبهم، ففيهم من لا يرى الاغتسال بالماء جملة ويتمرغ في التراب ويتيمم مكان الوضوء، وزنا الحرم بجبال نفوسة مباح في مذهبهم، وللغني منهم وصائف يزينهن ويحليهن ويبرزهن (9) على الطريق للبغاء، ولهم ديار معدة للبغاء ولا ينكرونه.

_ (1) انظر ابن خرداذبه: 97، وفيه بعض اختلاف. (2) الكرخي، وابن حوقل: 371، وياقوت (سرخس) ، وقارن بابن رسته: 173، والمقدسي 312، 313، وآثار البلاد: 390. (3) فتوح البلدان: 500 - 501، والطبري 1: 2887. (4) نزهة المشتاق: 138. (5) الجهشياري: 306. (6) الجهشياري: سنة ست. (7) هي ((شروس) في الاستبصار: 144، وعنه ينقل المؤلف وذلك متفق مع البكري: 9، وكذلك وردت بالشين في الإدريسي (د/ ب) : 105/ 76. (8) جاء في الاستبصار أن ((جادوا)) هي أم قرى جبل نفوسة. (9) ص ع: يزينهم ويحلبهم ويبرزهم.

سرقوسة:

سرقسطة (1) : في شرق الأندلس وهي المدينة البيضاء. وهي قاعدة (2) من قواعد الأندلس، كبيرة القطر آهلة ممتدة الأطناب واسعة الشوارع، حسنة الديار والمساكن متصلة الجنات والبساتين، ولها سور حجارة حصين، وهي على ضفة نهر كبير يأتي بعضه من بلاد الروم من جبال قلعة أيوب ومن غير ذلك، فتجتمع هذه الأنهار كلها فوق مدينة تطيلة، ثم تنصب إلى مدينة سرقسطة ومدينة سرقسطة هي المدينة (3) البيضاء، لكثرة جصها وجيارها، ومن خواصها أنها لا تدخلها حية البتة وإن جلبت إليها ماتت وحياً. فمن الناس (4) من يزعم أن فيها طلسماً لذلك، ومنهم من يقول بنيانها من الرخام الرخو الذي هو صنف من الملح الدراني، ومن خاصيته ألا تدخل الحناش موضعاً يكون فيه، ولها أقاليم عدة (5) . وبسرقسطة (6) جسر عظيم يجاز عليه إلى المدينة، ولها أسوار منيعة ومبان رفيعة. واسمها مشتق من اسم قيصر (7) ، وهو الذي بناها، وذكر أنها بنيت على مثال الصليب، وجعل لها أربعة أبواب: باب إذا طلعت الشمس أقصى المطالع في القيظ قابلته عند بزوغها، فإذا غربت قابلت الباب الذي بإزائه من الجانب الغربي، وباب إذا طلعت الشمس من أدنى مطالعها في الشتاء قابلته عند بزوغها وهو الباب القبلي، وإذا غربت قابلت الذي بإزائه من الجانب الغربي. وهذه المدينة على خمسة أنهار. وسرقسطة واسعة الخطة لا يعرف بالأندلس مدينة تشبهها، وقيل: تعرف بالبيضاء لأن أسوارها القديمة من حجر الرخام الأبيض، وكان الذي بنى (8) المسجد الجامع بسرقسطة ووضع محرابه حنش بن عبد الله الصنعاني، فلما زيد فيه هدم الحائط القبلي، غير المحراب، فإنه احتفره من جوانبه حتى انتهى إلى قواعده، فأعملت الحيلة في حمله على الخشب وجره (9) إلى الموضع الذي هو فيه اليوم، فتصدع وبني حواليه البناء الذي هو باق إلى الآن، وتوفي حنش هذا وعلي بن رباح اللخمي، وهما من جلة التابعين، بمدينة سرقسطة وقبراهما بها معروفان بمقبرة باب القبلة، وكان بعض من مضى من الملوك أراد أن يتخذ عليها مشهداً ويبني فوقها مصنعاً، فلما اعتزم على ذلك أتته امرأة معروفة بالصلاح والأمانة موسومة بالعدالة وأخبرته أنها رأتهما فيما يرى النائم، وأخبراها أنهما يكرهان أن يبنى على قبريهما شيء، فرجع عن ذلك الأمر الذي هم به. ومدينة سرقسطة أطيب البلدان بقعة وأكثرها ثمرة لكثرة الفواكه في بساتينهم حتى لا يقوم ثمنها. بمؤونة نقلها لرخصها فيتخذونها سرجيناً يدمنون به أرضهم، وربما بيع فيها وسق القارب من التفاح بما تباع به الأرطال اليسيرة في غيرها، ومما خصت به سرقسطة معدن الملح الدراني الذي لا يوجد مثله في مكان ولا يعدل به. وأخذ النصارى سرقسطة من أيدي المسلمين سنة اثنتين وخمسمائة بعد أن حاصروها تسعة أشهر، صلحاً، خرج إليها الإفرنج في خمسين ألف راكب، وابن ردمير في جملة أخرى، أعادها الله للإسلام بفضله. ومن سرقسطة قاسم بن ثابت صاحب " الدلائل " بلغ فيه الغاية من الإتقان ومات قبل أن يكمله، فأكمله أبوه ثابت بعده. وكان قاسم ورعاً فاضلاً أريد علي أن يلي قضاء سرقسطة، فأبى من ذلك، فأراد أبوه إكراهه على ذلك، فسأله أن يتركه ثلاثة أيام حتى ينظر في أمره ويستخير الله تعالى، فمات في هذه الثلاثة الأيام، فيروى أنه دعا لنفسه بالموت، وكان يقال إنه مجاب الدعوة، توفي بسرقسطة سنة اثنتين وثلثمائة. سرقوسة (10) : هي مدينة بينها وبين جزيرة صقلية مجاز لطيف،

_ (1) بروفنسال: 96، والترجمة: 118 (Saragosse) ، وقارن بالعذري: 22، والزهري: 226. (2) متابع للإدريسي (د) : 190. (3) زيادة من الإدريسي. (4) مشبه لما عند العذري: 23. (5) انظر في أسماء أقاليمها كتاب العذري. (6) عاد إلى النقل عن الإدريسي. (7) قال العذري: تفسير سرقسطة باللسان اللطيني (جاجر أغشت)) (Caesarea Augusta) وهذا النص مشابه لما عند العذري: 21، 22. (8) مشابه للعذري: 23، 22. (9) ع: وجربه. (10) الإدريسي (م) : 29.

سلمى:

وهي كبيرة عليها ثلاثة أسوار، وهي من مشاهير المدن وأعيان البلاد، يقصدها كل حاضر وباد من جميع الأقطار، والبحر محدق بها من جميع جهاتها، والدخول إليها والخروج منها على باب واحد شمالها، ولها مرسيان وليس مثلهما في جميع البلدان، أحدهما أكبر من الآخر، وبها فوارة اليهودي (1) تنبع من جرف على حاشية البحر، وهي عجيبة الأمر، وبها ما بأكثر المدن من الأسواق ذوات السماطات والخانات والديار والحمامات والمباني الرائعة والأفنية الواسعة، ولها إقليم كبير وضياع ومنازل خصيبة زكية المزارع، توسق فيها السفن بالطعام. وفي سرقوسة مات أسد بن الفرات الفقيه، كان وجهه زيادة الله الأغلبي أمير القيروان، غازياً إلى صقلية، فسار إليها مقلعاً من سوسة، ودخلها في عشرة آلاف فارس وكان أميراً قاضياً، فقاتل أهلها وفتح فيها بلاداً، وتوفي بها. وافتتحت سرقوسة (2) ، سنة أربع وستين ومائتين، وكان جعفر بن محمد التميمي أخرج أبا العباس أحمد بن عبد الله بن يعقوب بالصائفة، فهزم أهل سرقوسة وقتل منهم مقتلة عظيمة، وحاصرها براً وبحراً، وفتحها بعد تسعة أشهر من نزوله عليها في شهر رمضان من العام المؤرخ، وأصاب فيها من المغانم ما لم يكن يصاب مثله في مدينة من مدن الشرك ولم يستحي من علوجها أحداً ولا أفلت منهم نافخ ضرمة. وسرقوسة مدينة كبيرة عليها ثلاثة أسوار، ولها مرسى يعرف بالمينا الصغيرة وبينه وبين مرسى المينا الكبيرة حفير، وعلى الحفير قنطرة إلى المدينة، والمينا الكبيرة مرسى مشتى للسفن، والفوارة على المرسى وعليها مسجد. سطيف (3) : مدينة أو حصن، بينها وبين ميلة مرحلة، وهي قديمة أزلية كثيرة الخلق كالمدينة، كثيرة المياه والشجر المثمر بضروب الفواكه، ومنها يحمل الجوز المتناهي طيباً إلى الأقطار، وكان عليها سور صخر عظيم قديم خربته كتامة مع أبي عبد الله الشيعي، وهي رخيصة الأسعار كثيرة الفواكه والثمار، غزيرة المياه والأنهار والبساتين والأشجار. سطفسيف (4) : نهر تلمسان ينبعث من أسفل جبل البغل هناك ويصب في بركة عظيمة من عمل الأول، ويسمع لوقوعه فيها خرير شديد على مسافة، ثم ينشق منه بحكمة مدبرة إلى موضع يسمى المهراز (5) ، ثم ينصب في أنهار كثيرة، وبعد ذلك ينحدر إلى البحر. سطح العيران: موضع على قسنطينة فيه تنزل المحلات. سطفورة (6) : اسم إقليم جليل فيه قرى وقواعد، وهو على بنزرت، كان يقال له سطفورة، ومدنه: بنزرت وتينجة وغيرهما. سلقطة (7) : مدينة بينها وبين المهدية ثمانية أميال، ويقال إن الكاهنة حصرها عدو في قصر الأجم، فحفرت سرباً في صخرة صماء منه إلى مدينة سلقطة يمشي فيه العدد الكثير، وبينهما ثمانية عشر ميلاً، ويقال إن الكاهنة كانت في سلقطة، فكان الطعام يجلب إليها في ذلك السرب على ظهور الدواب. سلمى (8) : أحد جبلي طيء. سلمان (9) : ماء لبني شيبان، على طريق مكة إلى العراق، فيه مات نوفل بن عبد مناف. سلع (10) : جبل متصل بالمدينة، وفي حديث الاستسقاء: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس رضي الله عنه: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت انتشرت ثم أمطرت، وقال الشاعر (11) : إن بالشعب الذي دون سلع ... لقتيلاً دمه ما يطل

_ (1) الإدريسي: النبودي. (2) ص ع: صقلية. (3) الاستبصار: 166، والبكري: 76، والإدريسي (د/ ب) : 98/ 70. (4) الاستبصار: 176 - 177، والبكري. (5) البكري والاستبصار: المهماز. (6) الإدريسي (د/ ب) : 114/ 83. (7) البكري: 31. (8) معجم ما استعجم 3: 750، وقارن بياقوت (سلمى) . (9) ص ع: سلامان والتصويب عن معجم البكري: 750، وقارن بياقوت (سلمان) . (10) معجم ما استعجم 3: 747. (11) ينسب إلى ابن أخت تأبط شرا في رثاء خاله، والقصيدة حماسية.

سلاهط

سلا: ببلاد المغرب، بينها وبين مراكش على ساحل البحر تسع مراحل، وهي مدينة (1) قديمة أزلية، فيها آثار للأول معروفة بضفة الوادي، متصلة بالعمارة التي أحدثها هناك أحد ملوك بني عبد المؤمن، وكان قد اتخذ أرباب البلد مدينة بالعدوة الشرقية، وهي المعروفة الآن بسلا الحديثة، وهي على ضفة البحر، وسلا القديمة (2) خراب الآن. وأما سلا الحديثة فهي منيعة من جهة البحر. لا يقدر أحد من أهل المراكب على الوصول إليها من جهته، وهي حسنة في أرض رمل، ولها أسواق نافقة وتجارات ودخل وخرج، ولأهلها سعة أموال، والطعام بها كثير رخيص جداً، وبها كروم وغلات وبساتين، ومراكب أهل اشبيلية وسائر المدن الساحلية من الأندلس يقلعون عنها ويحطون بها بضروب من البضائع، ويقصدها أهل اشبيلية بالزيت الكثير، ويتجهز منها بالطعام إلى سائر بلاد الأندلس الساحلية، ومرساها مكشوف، إنما ترسي المراكب الواردة عليها في الوادي وتجوزه بدليل لأن في فم الوادي حجارة وتروشاً تنكسر عليها المراكب، فلا يدخلها إلا من يعرفها، وهذا الوادي يدخله المد والجزر مرتين في كل يوم، فإذا كان المد دخلت المراكب به إلى داخل الوادي وكذلك تخرج في وقت خروجها، وفي هذا الوادي أنواع من السمك وضروب من الحيتان، ولا يباع بها ولا يشترى لكثرته وجودته، وكل شيء من المأكولات في مدينة سلا بأيسر القيمة. وكان يوسف بن عبد المؤمن أمر ببناء مدينة كبيرة متصلة بالقصبة التي كان أحدثها بها أمير المؤمنين وفيها جامع وقصور وصهاريج الماء، أمام الجامع وهو مجلوب من نحو عشرين ميلاً، وفي هذه المدينة المحدثة قيسارية عظيمة وحمام وفنادق وديار كثيرة ومياه مطردة وسقايات ومنافع أعدت لورود المحلات عليها، إذ وضعها على المجاز والمعبر إلى مراكش، وعلى هذا المعبر قنطرة مركبة على ثلاث وعشرين معدية، مدت عليها أوصال الخشب وصلبت عليها الألواح والفرش الوثيق الذي لا يؤثر فيه الحافر، تجوز عليه العساكر والمسافرون، ويتصيد حوله أنواع السمك الشابل وغيره، ويمد البحر فترتفع القنطرة ويغطي الجسر فتقوم عليه المراكب وترسي دونه الأجفان الكبار، وقلما تسلم عند دخولها أو خروجها لصعوبة المدخل، وهو مشهور عند أهل البحر، ويقابله من مراسي بلاد الأندلس وادي شلب، وبينهما في البحر يوم وليلة. وهذه البلدة وقت مرور المحلات عليها متفرج عظيم، ولا سيما في الأعوام الخصبة والفصول المعتدلة، وناهيك من ساحل طوله ميلان وعرضه نحو ميل، والزوارق هناك بركابها والمنارة مطلة عليها. وعلقات الثمار وعقد الزيتون وقباب الجلوس للسادة هناك فهي إحدى متنزهات الدنيا. ومن صور رسالة كتب بها أبو العباس بن أمية وهو بسبتة إلى الفقيه أبي المطرف بن عميرة وكان إذ ذاك بسلا: حلوا سلا فسلي فؤادي هل سلا ... النفس أنزع والصبابة أطوع بعدوا فهل لهم اضطلاع بالذي ... حملته من كلف الغرام الأضلع شطر أول ... شطر ثاني شطر أول ... شطر ثاني وقال الفقيه أبو المطرف في فصل جواب هذه الرسالة: قد كان صفو العيش يدنو لو دنا ... ثاو بسبتة من مقيم في سلا من بعدهم لم أرض ظلاً سجسجاً ... كلا ولا استعذبت ماء سلسلا ولا أدري هل سلا هذه هي التي ذكر أنها على ضفة النيل وشماله ببلاد السودان أو هي غيرها، فقالوا (3) : سلى التي بضفة النيل مدينة حاضرة، بها مجتمع السودان، ومتاجرها صالحة وأهلها أهل بأس وعدة، وهي من عمالة التكروري، وهو سلطان له عبيد وأجناد، وله حزم وجلادة وعدل مشهور وبلاد آمنة، وموضع مستقره مدينة تكرور، وهي في جنوبي النيل، وبينها وبين سلى مقدار يومين في البحر وفي البر. سلاهط (2) : جزيرة من جزر الهند بها صندل كثير وسنبل وقرنفل، وصفة شجر القرنفل يشبه نبات شجر الحناء ونباته في دقة أغصانه وحمرته، وله زهر يتفتح في كمام شبه شجر النارجيل سواء، فإذا سقط الزهر جففوا تلك الكمام إلى أن تصلح فيخرجونه ويبيعونه للتجار الواردين عليهم فيتجهزون به إلى أقطار الأرض، وفي آخر هذه الجزيرة بركان نار يتقد مقدار ارتفاعه مائة ذراع

_ (1) الاستبصار: 140، والإدريسي (د/ ب) 72/ 47. (2) هي التي تسمى شالة أو شلة. (3) الإدريسي (د/ ب) : 3/ 4 (OG: 18) وقارن بالبكري: 172: 172، والاستبصار: 217. (2) هي التي تسمى شالة أو شلة.

سلحين:

فهو بالنهار دخان وبالليل نار تتقد. سلوق (1) : مدينة عظيمة جليلة كثيرة العمران عجيبة البنيان، كانت في ساحل أنطاكية. وسلوق (2) أيضاً قرية باليمن تنسب إليها الدروع والكلاب، قال النابغة: تقد السلوقي المضاعف نسجه ... وتوقد بالصفاح نار الحباحب ولبعضهم: الناس طراً كلاب ... حفوا بكل طريق فمنهم قلطي ... ومنهم كلب سوق فإن ظفرت بحر ... منهم فذاك سلوقي سلمية (3) : بفتح أوله وكسر الميم وتخفيف الياء، قرية من بلاد اليمامة حسنة عامرة قد أحدقت بها حدائق النخيل، لها تمور حسنة الألوان شهية المأكل. وسلمية (4) أيضاً بلد من أعمال قنسرين بثغور الشام على طرف البادية، وهو حصن كالمدينة صغير عامر آهل، بينه وبين حمص مرحلة. سليمانان (5) : من كور خوزستان، على ضفة نهر الدجلة، حسنة المطلع بهية النواحي مفيدة الزراعات والغلات، بها حوت كثير ولحوم وأرزاق. سلحين (6) : هو قصر سبأ بمأرب، وفيه أنشدوا: وبعد سلحين يبني الناس أبياتا ... سلى (7) : بكسر أوله وتشديد ثانيه، موضع بناحية الأهواز، كانت فيه وقيعة عظيمة بين الخوارج الأزارقة وبين المهلب بن أبي صفرة، قتل فيها عبيد الله بن الماحوز رئيس الخوارج وأخوه، وولي بعده أمرهم قطري بن الفجاءة، فإن الخوارج لما أوقعوا بأهل البصرة الوقيعة المشهورة بدولاب هال ذلك أهل البصرة وراعهم، ثم بلغهم أن الخوارج متوجهون نحو البصرة ففزعوا إلى الأحنف بن قيس، فأجمع رأي الناس على أنه ليس للخوارج إلا المهلب، فكلموا المهلب على ذلك فقال: لا أفعل، هذا عهد أمير المؤمنين، يعني عبد الله بن الزبير معي على خراسان، فلم أكن لأدع عهده وأمره، فاحتالوا عليه بأن افتعلوا كتاباً على لسان ابن الزبير يقتضي تحريضه على النهوض إلى الخوارج لما فيه من الخير العاجل والآجل: فإنه لن يفوتك من سلطاننا خراسان ولا غير خراسان، فقبل المهلب منهم على شروط شرطها أجابوه إليها، فانتخب الناس فبلغت نخبته اثني عشر ألفاً وعقد الجسر وعبر إلى الخوارج فتنحوا عنه إلى الأهواز، ودس الجواسيس إلى عسكر الخوارج فإذا حشوة ما بين قصاب وصباغ ودابغ، فخطب الناس وذكر من هناك، ثم قال للناس: أمثل هؤلاء يغلبونكم على فيئكم؟! وما زال حتى تتام إليه زهاء عشرين ألفاً، ثم مضى يؤم سوق الأهواز حتى انتهى إلى منزل من منازل الأهواز يقال له سلى وسلبرى، فنزل به المهلب وخندق عليه ووضع المسالح وأذكى العيون وأقام الأحراس، فلم يزل الجند على مصافهم والناس على راياتهم وأبواب الخنادق عليها رجال موكلون بها، فكانت الخوارج إذا أرادوا بيات المهلب وجدوا أمراً محكماً فرجعوا، فلم يقاتلهم إنسان قط أشد عليهم ولا أغيظ لقلوبهم منه، فبعث الخوارج عبيدة بن هلال والزبير بن الماحوز في جيش عظيم ليلاً إلى عسكر المهلب، فجاء الزبير من جانبه الأيمن وجاء عبيدة من جانبه الأيسر، فكبروا وصاحوا بالناس فوجدوهم على تعبئتهم ومصافهم حذرين فلم يصيبوا للقوم غرة ولم يظفروا منهم بشيء، فلما أصبحوا أخرجهم المهلب على تعبئتهم: الأزد وتميم ميمنة الناس، وبكر بن وائل وعبد القيس ميسرة الناس، وأهل العافية في القلب وسط الناس، وخرجت الخوارج على تعبئة أيضاً وهم أحسن عدة

_ (1) البكري (مخ) : 52 (سلوقة) ، وعن أبي حاتم أنها ((سليقة)) (معجم ما استعجم 3: 751) وانظر نزهة المشتاق: 196. (2) معجم ما استعجم 3: 751 - 752. (3) لم يذكر البكري وياقوت، ولكن ذكرها الإدريسي (نزهة المشتاق: 56) OG: 160، وعنه ينقل المؤلف. (4) قارن باليعقوبي 324، وياقوت (سلمية) ، والكرخي: 46، والنقل عن نزهة المشتاق: 196. (5) انظر المقدسي: 118، ونزهة المشتاق: 123. (6) انظر معجم ما اشتعجم 3: 746، وراجع مادة (بينون)) وياقوت (سلحين) . (7) معجم ما استعجم 3: 748، وياقوت (سلى) ؛ وأكثر المادة وردت في ((دولاب)) فيما تقدم.

سلماس:

وأكرم خيولاً وأكثر سلاحاً من أهل البصرة لأنهم فجروا الأرض وأكلوا ما بين الأهواز إلى كرمان، فاقتتلوا أشد القتال، وصبر بعضهم لبعض عامة النهار، ثم إن الخوارج شدت على الناس بأجمعها شدة منكرة فأجفل الناس وانصاعوا منهزمين لا تلوي أم على ولد حتى بلغت البصرة هزيمة الناس، ونادى مناد أن قد قتل المهلب، ونعي بالبصرة، فنسي الناس رجالهم، وقام أهل كل دار يبكون المهلب لا يسألون عن أحد غيره، وضرب المهلب يومئذ على جبهته ولم يبق يومئذ أحد من ولده إلا جرح، وأسرع المهلب حتى سبقهم إلى مكان يفاع في جانب عن سنن المنهزمين ثم إنه نادى الناس: إلي عباد الله، فثاب إليه جماعة من قومه من أهل عمان، فاجتمع إليه منهم نحو من ثلاثة آلاف رجل، فلما نظر إلى من قد اجتمع رضي جماعتهم، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الله تعالى ربما يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون وينزل النصر على الجمع القليل فيظفرون، ولعمري ما بكم من قلة، إني بجماعتكم لراض، وإنكم لأنتم أهل الصبر وفرسان المصر، وما أحب أن أحداً ممن انهزم معكم، لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً، عزمت على كل امرئ منكم لما أخذ عشرة أحجار معه أو ما استطاع، ثم امشوا بنا نحو عسكرهم فإنهم الآن من ذلك آمنون، وقد خرجت خيلهم في طلب إخوانكم، فوالله إني لأرجو ألا ترجع إليهم وخيلهم، حتى تستبيحوا عسكرهم وتقتلوا أميرهم، ففعلوا ثم أقبل بهم زحفاً، فلا والله ما شعرت الخوارج إلا والمهلب يضاربهم بالمسلمين في جانب عسكرهم، ثم استقبلوا عبيد الله بن الماحوز وأصحابه وعليهم الدروع والسلاح كاملاً، فأخذ الرجل من أصحاب المهلب يستقبل الرجل منهم فيستعرض وجهه بالحجارة فيرميه حتى يثخنه ثم يطعنه بعد ذلك برمحه أو يضربه بسيفه، فلم يقاتلهم إلا ساعة حتى قتل عبيد الله بن الماحوز وأخوه عثمان بن الماحوز، وضرب الله وجوه أصحابه فأخذ القوم عسكر القوم وما فيه، وقتل الأزارقة قتلاً ذريعاً، وأقبل من كان من الأزارقة في طلب المنهزمين من أهل البصرة راجعين وقد وضع لهم المهلب خيلاً ورجالاً في الطريق تختطفهم وتقتلهم، فانكفأوا راجعين مفلولين محروبين مغلوبين، فلما أصبح المهلب غدا على القتلى فأصابوا ابن الماحوز قتيلاً، وفي ذلك يقول شاعرهم: مفلولين محروبين مغلوبين، فلما أصبح المهلب غدا على القتلى فأصابوا ابن الماحوز قتيلاً، وفي ذلك يقول شاعرهم: بسلى وسلبرى مصارع فتية ... كرام وعقرى من كميت ومن ورد وقال أيضاً عبيدة بن هلال منهم: لعمري لقد بعنا الحياة وعيشها ... برضوان رب بالخلائق عالم غداة نكر الخيل تدمى نحورها ... بدولاب يوم المأزق المتلاحم فإن تك قتلى يوم سلى تتابعت ... فكم غادرت أسيافنا من قماقم صريع ومن جيش الجناة، وأصبحت ... بواكيهم يعولن بين المآتم وقال رجل من موالي المهلب: لقد صرعت يومئذ بحجر واحد ثلاثة: رميت رجلاً فأصبت به أصل أذنه فصرعته، ثم أخذت الحجر فضربت به آخر على هامته فصرعته، ثم ضربت به آخر ثالثاً. وقال رجل من أصحاب المهلب: ويوم سلى وسلبرى أحاط بهم ... منا صواعق لا تبقي ولا تذر حتى تركنا عبيد الله منجدلاً ... كما تجدل جذع مال منقعر وانصرفت الخوارج حين انصرفت وإن أصحاب النيران الخمس أو الست ليجتمعون على النار الواحدة من الفلول وقلة العدد، حتى جاءتهم مادة من قبل البحرين، فخرجوا نحو كرمان وأصبهان. وقال المهلب لفارسين من أصحابه: أمعنا في الأرض فمن لقيتما من الناس فاعلماه حياتي وامضيا إلى البصرة فأخبرا أهلها بالظفر، والخبر أطول من هذا وفيما أوردناه كفاية. سلماس (1) : بلد في داخل المشرق، ذكرها السلفي في الأربعين البلدانية. سمنان (2) : بين الري ونيسابور من عمل قومس التي بناها أنوشروان، وهي مدينة حسنة متوسطة بها أسواق وصناعات، ومن سمنان إلى الدامغان مرحلتان إلى جهة نيسابور.

_ (1) قال ياقوت (سلماس) : مدينة مشهورة بأذربيجان بينها وبين أرمية يومان، وبينها وبين تبريز ثلاثة أيام، وقد خرب الآن معظمها؛ وانظر آثار البلاد: 391. (2) قارن بياقوت (سمنان) ، والمقدسي: 356، وابن رسته: 169.

سمقندة:

السماوة (1) : مفازة ببن الكوفة والشام، وقيل بين الموصل والشام، وهي من أرض كلب، وكانت باسم ابن عمليق بن لاوذ بن إرم من العماليق صارت إلى أرض السماوة وهي بين العراق والشام، فأهلكها الله تعالى بالريح السوداء لإفسادها فلم يبق به منهم باقية. سمقندة (2) : في بلاد السودان بينها وبين كوغة في جهة المغرب عشرة أيام. سمرقند (3) : مدينة من خراسان، ويقال: إن شمر بن إفريقش (4) غزا أرض الصغد حتى وصل إلى سمرقند فهدمها ثم ابتناها، ويقال إنها بنيت أيام الإسكندر وتولى ذلك شمر فقيل شمرقند، وعربت فقيل سمرقند، وإلى ذلك أشار دعبل في قوله من قصيدته التي افتخر فيها على الكميت: وهم كتبوا الكتاب بباب مرو ... وباب الصين كانوا الكاتبينا وهم وسموا بشمر سمرقنداً ... وهم غرسوا هناك الثبتينا وهي مدينة حسنة (5) كبيرة على جنوب وادي الصغد، وقصبة الصغد سمرقند، ولها شوارع ومبان وقصور سامية وفنادق وحمامات، وعليها سور تراب متسع (6) يطيف به خندق، وهي كثيرة الخصب والنعم والفواكه، ولها أربعة أبواب، ويدخل المدينة ماء يجلب إليها، يدخل على باب كبير ويعم أكثر قصورها، ولهذا النهر حفظة وحراس لئلا يصل إليه شيء من الفساد، ولها قهندز حصين، والمسجد الجامع بأسفل المدينة وبينهما عرض المحجة، وفي المدينة ديار شامخة وقصور عظيمة، وقلما يكون فيها قصر ولا دار كبيرة إلا وفيها بستان ومياه متدفقة، وكانت الولاة قبل هذا بسمرقند إلى أن تحولت إلى بخارى، وأكثر سمرقند اليوم خراب لعود الرياسة إلى بخارى. وابتدأ بنيان سمرقند تبع الأكبر وأتم ذلك ذو القرنين. وهي في الإقليم الخامس، وكان طولها في قديم الدهر اثني عشر فرسخاً، وقد تهدم وخرب منها كثير، والعمران منها اليوم أربعة فراسخ، ويضم سورها اثني عشر ألف بستان، ومسجد جامعها أسفل القهندز وبينهما عرض الطريق، وهو منها في ناحية المشرق، وإذا كان يوم الجمعة غدا أهل الناحية الغربية إليه ثم ينصرفون بعد الصلاة فلا يصلون إلى محالهم إلا بعد صلاة العصر. ويشتمل (7) على سمرقند سور له أربعة أبواب: باب من ناحية المشرق يقال له باب الصين مرتفع عن الأرض ينزل منه في عدد درج مطل على وادي الصغد، وبابها مما يلي المغرب يسمى النوبهار وهو على شرف من الأرض أيضاً، ومما يلي الشمال باب بخارى، ومما يلي الجنوب باب كش، وهي كثيرة الحمامات والخانات، وفي المدينة مياه ظاهرة وبساتين، ودار الإمارة بالمدينة، والربض ممتد من وراء نهر الصغد بموضع يعرف بأفشينة، وقطر السور المحيط بالربض نحو فرسخين في فرسخين، وليس على هذا السور غلق، ومجتمع الأسواق رأس الطاق، ثم يتصل بصغار الأسواق وشوارع السكك، فليس من سكة ولا دار إلا وفيها ماء جار، وقل دار تخلو من بستان. والبلد كله، طرقه وسككه، مفروش بالحجارة. وذكر من يرجع إلى خبرة، أن سمرقند تشتمل على أزيد من ألفي مكان يستقى منه ماء الجمد مسبلة للأجر من بين سقاية مبنية وحباب نحاس منصوبة وقلال خزف في الحيطان مثبتة. وفي الشمال من سمرقند جبل كبير يخرج من تحته عين خرارة قد صنع لها في أصل الجبل طيقان وجلب عليها الماء في قنوات رصاص حتى يصب في سمرقند بمجرى اسمه بارمس (8) يصب في البحيرة التي في أصل بنكث من سمرقند على نحو ثلاثين فرسخاً، ويخرج في شرقي سمرقند فيصير إلى ماء الصغد وهو موضع درغش (9)

_ (1) معجم ما استعجم 3: 754، وانظر ياقوت (السماوة) . (2) ع: سمعيدة؛ ص: سمعدة؛ والتصويب عن الإدريسي (د) : 10 (OG: 27) . (3) قارن بياقوت (سمرقند) ، وابن الوردي: 31. (4) ص ع: فلان. (5) نزهة المشتاق: 214. (6) نزهة المشتاق: منيع. (7) ابن حوقل: 406، وقارن بالكرخي: 177، والمقدسي: 278. (8) ص ع: نامس؛ وهو بارمش عند ابن حوقل والكرخي، وبالسين المهملة عند الإدريسي. (9) لم أوفق لضبط هذا الأسم؛ وأصله في ص ع: درجش، في هذا الموضع فقط، ولعله: درغم.

سميساط:

ومن مدينة سمرقند على أربعة فراسخ يخرج خليج من هذا الوادي يسمى العريش يسقي الرساتيق. ولم يكن لمدينة سمرقند حائط غير سور المدينة، فلما وردها أبو مسلم صاحب الدعوة، بنى حائطاً يحيط بها، وعرض سور المدينة خمسون ذراعاً وارتفاعه من قبل الخندق مائة ذراع، وارتفاع حائط أبي مسلم خمس عشرة ذراعاً، وعرضه سبعة أذرع واستدارته سبعون ألف ذراع وعليه ثلثمائة برج، والغالب على هوائها اليبس، وأهلها يستعملون دسم الطعام كثيراً، ويشتكون بالبواسير ليبسها، وعامة تجارها مراوزة، وعربها من محارب وشيبان والأزد وباهلة وطيء، ويقال: إن فقراء أهلها الذين يعطون الزكاة سبعة عشر ألفاً، وفقراء ربضها وسوادها خمسون ألفاً، وفي باب سمرقند مكتوب: بين هذه المدينة وصنعاء ألف فرسخ. وسمرقند من عمل الصغد وهو كله من خراسان، وحد عمل الصغد غرباً ما بين كرمينية والدبوسية وشمالاً وادي الشاش ومنبرها الأجل سمرقند ثم كش ثم نسف ثم الكشانية ثم اوفر (1) ثم الدبوسية ثم درغش. وذكروا أن الططر (2) نزلوا على سمرقند انقضاء سنة ست عشرة وستمائة وفي سنة سبع عشرة، وبها من جند خوارزم شاه خمسون ألف فارس، فاغتر بهم أهل المدينة وسبقوهم بالخروج إلى الططر، وأخذ الجند في الاحتياط لما عرفوه من أمور الططر، فتورط البلديون، وقتل منهم في وقعة واحدة سبعون ألفاً، وطلب الجند الأمان، فقال لهم الططر: أعطونا سلاحكم وخيلكم واخرجوا في أمان الله، فلما أخذوا سلاحهم وخيلهم قال شيخ مجرب منهم: أهكذا نقتل كما يقتل كذا؟ أما تعلمون غدر هؤلاء القوم وكيف قتلوا جند بخارى وجميع عامتها بعد العذاب والفضيحة في الحرم؟ والله لا أنزل حتى أقتل أو أرى ما يفعل الله بأصحابي، فحكي ذلك لجنكيزخان، فقال: ما في هذه المدينة رجل غير هذا الشيخ، يقف حتى يشاهد ما نفعل بأصحابه، ثم قتلوا عن آخرهم وهو ينظر إليهم، وقيل للشيخ: قد أعتقك خاقان لأنك رجل، فسر حتى تحدث خوارزم شاه، فسار على فرسه إلى خوارزم شاه وجعل يحذر الجند والعامة من أن يركنوا إلى أمان الططر وغدرهم (3) ومكرهم. ثم أنهم فعلوا بعامة سمرقند ما فعلوه بأهل بخارى ورحلوا عن المدينة وهي خاوية على عروشها. وكانت سمرقند في نهاية العظم، وكان بها جامع على قدر المدينة، وأهلها حنفية لا يرون الصلاة في جامعين، فكانوا إذا صلي الظهر من يوم الجمعة ركبوا أو باتوا في أماكن لهم قرب الجامع لتقرب عليهم المسافة يوم الجمعة، فقس على هذا كيف كانت هذه المدينة وما كان فيها من العدد. سميساط (4) : بلد من بلاد العجم منها السميساطي (5) ، رجل من العجم كان موصوفاً بالورع والزهد، كان بنى خانقة للصوفية بدمشق في موضع الدار التي كانت لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان اشتراها وبناها وجعل لها الأوقاف الواسعة، وأمر أن يدفن فيها ويختم عليه القرآن كل ليلة جمعة، وعين من تلك الأوقاف لكل من يحضر لذلك في كل ليلة جمعة رطلاً من خبز الحوارى، وكان سبب تموله أنه وجد يوماً من الأيام إزاء داره المذكورة رجلاً أسود مريضاً مطروحاً بموضعه لا يلتفت إليه أحد فتأجر الله تعالى فيه والتزم تمريضه وخدمته اغتناماً للثواب فجاءت وفاة الرجل، فاستدعى ممرضه السميساطي المذكور وقال: أنت قد أحسنت إلي وخدمتني ولطفت بي ومرضتني، وأشفقت لحالي وغربتي، فأنا أريد أن أكافئك على ذلك زائداً على مكافأة الله تعالى لك عني في الآجل، إن شاء الله تعالى، إني كنت أحد فتيان الخليفة المعتضد العباسي معروفاً بزمام الدار؛ وكانت لي حظوة ومكانة، فعتب علي في بعض الأمر فخرجت طريداً فانتهيت إلى هذه البلدة، فأصابني من أمر الله تعالى ما أصابني، فقيضك الله تعالى لي رحمة، فأنا أقلدك أمانة وأعهد إليك عهداً، إذا أنا مت وغسلتني ودفنتني فانهض إلى بغداد، وتلطف في السؤال عن دار زمام فتى الخليفة، فإذا أرشدت إليها فتحيل في اكترائها وأرجو أن الله تعالى يعينك على ذلك، فإذا سكنتها فاعمد إلى موضع سماه له وذكر له إمارة عليه فاحفر فيه مقدار كذا، وانزع اللوح الذي تجد متعرضاً تحت الأرض، وخذ الذي تجده مدفوناً وصيره في منافعك وما يوفقك الله إليه من وجوه الخير وأعمال البر

_ (1) ص ع: ازمنجير، وعند ياقوت: أوغر. (2) قارن بابن الأثير: 12: 367. (3) ع ص: وغيرهم. (4) عن ابن جبير: 289؛ وهو متابع له في قوله ((بلد من بلاد العجم)) وذلك تعريف قاصر، فان سميساط من بلاد الفرات الأعلى، قال ياقوت الأعلى، قال ياقوت ((في طرف بلاد الروم على غربي الفرات)) . وانظر المصادر الجغرافية الأخرى. (5) اسمه عند الذهبي (المشتبه: 372) أبو القاسم علي بن محمد.

سمندر:

مباركاً لك في ذلك إن شاء الله تعالى، ثم توفي الرجل المريض وتوجه الموصى إليه بعهده إلى بغداد، فيسر الله له في اكتراء الدار، وانتهى إلى الموضع المذكور، فاستخرج منه ذخائر لا قيمة لها عظيمة الشأن كبيرة القدر، فدسها في أحمال متاع ابتاعها وخرج من بغداد إلى دمشق، فابتاع الدار المذكورة المنسوبة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وبناها خانقة للصوفية واحتفل فيها، وابتاع لها الأوقاف ضياعاً ورباعاً، وجعلها برسم الصوفية، وأوصى بأن يدفن فيها وأن يختم القرآن على قبره كل جمعة، وعين لكل من حضر لذلك ما ذكرناه، فوجد الغرباء والفقراء في ذلك مرفقاً كثيراً، فتغص الخانقة بالفقراء (1) في كل ليلة جمعة فإذا ختموا القرآن دعوا له وانصرفوا واندفع لكل واحد منهم رطل من الخبز على الصفة المذكورة. سمندر (2) : مدينة بالهند، واسعة المتاجر كثيرة المنافع لأهلها بضائع وأحوال (3) كثيرة، والإقلاع منها والحط بها كثير، وهي من أعمال القنوج (4) وهو ملك تلك البلاد، وهي أيضاً على جون (5) يصل إليها من مدينة قشمير، وفيها حبوب وأرز كثير وحنطة ممكنة، ويحمل إليها العود من مسيرة خمسة عشر يوماً في ماء عذب من بلاد كارموت، وهناك منابت عود جيد طيب. ولهذه المدينة جزيرة كبيرة تسامتها وبينهما مجرى ساعة، وهذه الجزيرة عامرة بالناس والتجار من كل الآفاق، ومنها إلى جزيرة سرنديب أربعة مجار. وكانت سمندر (6) دار مملكة الخزر على ثمانية أميال من مدينة الباب، والخزر بلاد كبيرة، مسلمون ونصارى وفيهم عباد أوثان ولهم بلاد ومدن منها سمندر هذه، وهي خارج الباب والأبواب. وبلنجر وغيرها، وكانت تلك البلاد بناها أنوشروان كسرى، وهي الآن عامرة، ومن باب الأبواب إلى سمندر أربعة أيام، وبين باب الأبواب ومملكة السرير ثمانية أيام، ويسكن سمندر اليوم خلق من الخزر، وكانت افتتحت في بدء الزمان على يد سليمان بن ربيعة الباهلي رضي الله عنه، وقد كان يهود ملك الخزر في خلافة الرشيد فانصرف إليه خلق من اليهود ووردوا عليه من سائر أمصار المسلمين وبلاد الروم. وهم يحرقون موتاهم ودواب بيتهم والآلة والحلي، وإذا مات الرجل منهم أحرقت معه امرأته وهي بالحياة، وإن ماتت المرأة لم يحرق الرجل، وإن مات منهم عزب زوج بعد وفاته، يرتجين في تحريق أنفسهن دخول الجنة، وهذا كما تفعله الهنود بأنفسها. وكانت (7) سمندر قبل هذا عامرة وكان بها من الأشجار والكروم ما لا يحصى فأتت قبيلة الروس عليها فأهلكتها وغيرت حالها، ومن آخر حدودها إلى أول عمالات صاحب السرير أحد وخمسون ميلاً. سمورة (8) : هي دار مملكة الجلالقة، على ضفة نهر كبير جداً خرار كثير الماء شديد الجرية عميق القعر، وبين سمورة و (9) البحر ستون ميلاً، وسمورة مدينة جليلة قاعدة من قواعد الروم، وعليها سبعة أسوار من عجيب البنيان قد أحكمته الملوك السابقة، وبين الأسوار فصلان وخنادق ومياه واسعة. وقد كان عبد الرحمن بن محمد الخليفة الأموي بالأندلس غزا سنة سبع وعشرين وثلثمائة في أزيد من مائة (10) ألف من الناس، فنزل على دار مملكة الجلالقة وهي سمورة هذه. وكان (11) أشد ما على الأندلس من الأمم المحاربة لهم الجلالقة، على أن الإفرنجة حرب لهم، غير أن الجلالقة أشد بأساً، وكان لعبد الرحمن بن محمد صاحب الأندلس وزير من ولد أبيه (12) يقال له أحمد بن إسحاق، قبض عليه عبد الرحمن لموجدة وجدها عليه، فقتله عبد الرحمن، وكان لذلك الوزير أخ يقال له أمية في مدينة شنترين من ثغور الأندلس، فلما نمي إليه ما فعل

_ (1) الرحلة: بالقرأة. (2) ادريسي (ق) : 66 - 67 (OG: 192) . (3) الإدريسي: وأموال. (4) ص ع: الفتوح. (5) الإدريسي: خور. (6) تراجع المعلومات عن سمندر والخزر في رسالة ابن فضلان، والكرخي 129 - 131، وابن حوقل: 323، وياقوت (خزر، سمندر) ، وابن الوردي: 53. (7) نزهة المشتاق: 271. (8) أفاد في المادة من الإدريسي (د) : 66 وأكثرها نقل عن البكري (ح) : 74 - 79، وانظر بروفنسال: 98، والتجمة: 120 (Zamora) . (9) سقطت من ع. (10) بروفنسال: مائتي. (11) من هنا بدء النقل عن البكري. (12) بروفنسال أمية؛ البكري: أخيه.

سنداد:

بأخيه عصى عبد الرحمن وصار في حيز رذمير ملك الجلالقة، فأعانه على المسلمين ودله على عوراتهم، ثم خرج أمية في بعض الأيام عن المدينة يتصيد في بعض متنزهاته، فغلب على المدينة بعض غلمانه ومنعه من الدخول إليها، وكاتب عبد الرحمن، فمضى أمية بن إسحاق أخو الوزير المقتول إلى رذمير فاصطفاه واستوزره وصيره في جملته. وغزا عبد الرحمن صاحب الأندلس مدينة سمورة دار مملكة الجلالقة، وكان في أزيد من مائة ألف فكانت الوقيعة بينه وبين رذمير ملك الجلالقة في شوال سنة سبع وعشرين وثلثمائة كما قدمناه، فكانت للمسلمين عليهم، ثم ثابوا بعد أن حصروا وألجئوا إلى المدينة، فقتلوا من المسلمين بعد عبورهم الخندق خمسين ألفاً، وقيل إن الذي منع رذمير من طلب من نجا من المسلمين أمية بن إسحاق، خوفه الكمين ورغبه في ما كان في عسكر المسلمين من الأموال والعدد والخزائن، ولولا ذلك لأتى على جميع المسلمين، ثم إن أمية هذا استأمن عبد الرحمن بعد ذلك وتخلص من رذمير، فقبله عبد الرحمن أحسن قبول، وقد كان عبد الرحمن صاحب الأندلس بعد هذه الوقيعة جند عساكر مع عدة من قواده إلى دار الجلالقة، فكانت لهم حروب هلك فيها من الجلالقة ضعف ما قتل من المسلمين في الوقيعة الأولى، وكانت للمسلمين عليهم. ومدينة سمورة محدثة، اتخذت داراً سنة ثمان وثمانين ومائتين. السنح (1) : منازل بني الحارث بن الخزرج بالمدينة النبوية، وهو أطم من آطام المدينة، وبه سميت تلك الناحية، وفي الخبر أن أبا بكر رضي الله عنه كان ساعة موت النبي صلى الله عليه وسلم في أهله بالسنح. سنح (2) : في بلاد التبت من أرض الأتراك، وهي متوسطة الكبر في رأس جبل منيع، عليها سور حجارة حصين، ولها باب واحد وبها صناعات للترك وأعمال وتجارات كثيرة مع من جاورهم وسار إليهم من أرض كابل وأرض الجبل، ويجلب إليها الحديد المنسوب إلى التبت والمسك. ويحكى أن في هذا الجبل المتصل بسنح ينبت السنبل كثيراً وفي غياضه دواب المسك ترعى السنبل وتشرب من ماء الوادي الجاري إلى سنح فيكون من غذائها هذا المسك، وفي هذا الجبل كهف بعيد القعر يسمع فيه خرير ماء جار، ولا يدرك لهذا الكهف قعر ألبتة، وصوت الماء وخريره مسموع سماعاً فاشياً ولا يعلم حقيقة ما هو عليه إلا الله سبحانه. وينبت بهذا الجبل كثيراً الراوند الصيني ومنه يتجهز به إلى كثير من الآفاق ويتصل بالمشرق والمغرب. سنترية (3) : مدينة متصلة بأرض الجفار، وهي مدينة صغيرة بها منبر وقوم من البربر وأخلاط من العرب المتحضرة، وهي على أول الصحراء، ومنها إلى البحر الشامي في جهة الشمال تسع مراحل، وشرب أهلها من الآبار وعيون قليلة، وبها نخل كثير. ومن سنترية يسير من أراد الدخول إلى أرض كوار وسائر بلاد السودان، وكذلك من سنترية إلى أوجلة عشرة أيام. سنجة (4) : قرية من قرى مرو بعمل خراسان. قال المسعودي (5) : قنطرة سنجة إحدى عجائب العالم، وهي ناحية سميساط من الثغور الجزرية، وسنجة نهر تعرف القنطرة به يصب في الفرات. سنداد (6) : نهر فيما بين الحيرة إلى الأبلة. وقصر سنداد بظهر الكوفة، وهو الذي ذكره الأسود بن يعفر في قصيدته المشهورة، فقال (7) : ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد

_ (1) ص ع: السيح؛ وانظر معجم ما استعجم 3: 760، والسيرة 2: 253، وياقوت (سنح) . (2) النقل عن نزهة المشتاق: 151، ولكن رسم الكلمة ((سنح)) ورد على الصور الآتية: قفنح، قنفح، سنح، سفح، وفي ص ع: سيح، وعند ابن الوردي: 32 ينتج. (3) الإدريسي (د/ب) : 44 - 45/ 30، وقارن بالبكري: 14. (4) سنج عند ياقوت وكذلك في معجم البكري 2: 759؛ وأما النهر الذي يجري في ديار مضر من أعمال الجزيرة فهو سنجة عند ياقوت، بفتح السين. (5) التنبيه والإشراف: 64، وانظر ابن الوردي: 82. (6) معجم ما استعجم 3: 761 و 2: 517، وانظر ياقوت (سنداد) . (7) من قصيدة له مفضلية.

سنابل:

أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد أرض تخيرها لطيب مقيله ... كعب بن مامة وابن أم دواد جرت الريح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد سنابل (1) : قرية بأرض عمان منها مازن بن الغضوبة الطائي (2) وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: وسبب إسلامه ووفوده على النبي صلى الله عليه وسلم وإقطاعه له أرض عمان، قال: عترت يوماً عتيرة، وهي الذبيحة، فسمعت صوتاً من الصنم يقول: يا مازن أقبل أقبل فاسمع ما لا يجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل، فآمن به كي تعدل، عن حر نار تشعل، وقودها بالجندل. قال مازن: فقلت والله إن هذا لعجب، ثم عقرت بعد أيام عتيرة أخرى، فسمعت صوتاً أبين من الأول، وهو يقول: يا مازن اسمع تسر، ظهر خير وبطن شر بعث نبي من مضر، بدين الله الأكبر، فدع نحيتاً من حجر، تسلم من حر سقر. قال مازن: فقلت إن هذا والله لعجب، وإنه لخير يراد بي، وقدم علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا: ما الخبر وراءك. قال: خرج بتهامة رجل يقول لمن أتاه: أجيبوا داعي الله، يقال له أحمد، فقلت: هذا والله نبأ ما سمعت، فثرت إلى الصنم فكسرته أجذاذاً، وشددت راحلتي ورحلت حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرح لي الإسلام فأسلمت، وأنشأت أقول: كسرت يا جر (3) أجذاذاً وكان لنا ... رباً نطيف به ضلاً بتضلال بالهاشمي هدانا من ضلالتنا ... ولم يكن دينه منا على بال يا راكباً بلغن عمراً وإخوتها ... أني لما قال ربي ياجر قال وقلت: يا رسول الله، إني امرؤ مولع بالطرب وشرب الخمر وبالهلوك إلى النساء، وألحت علي السنون فأذهبن الأموال وأهزلن الذراري والرجال، وليس لي ولد، فادع الله أن يذهب عني ما أجد ويأتني بالحيا ويهب لي ولداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن وبالحرام الحلال وأتهم بالحيا وهب له ولداً "، فقال مازن: فأذهب الله عني كل ما أجد. وأخصبت عمان، وتزوجت أربع حرائر ووهب الله تعالى لي حبان (4) بن مازن وأنشأت أقول: إليك رسول الله سقت مطيتي ... تجوب الفيافي من عمان إلى العرج لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى ... فيغفر لي ربي فأرجع بالفلج إلى معشر خالفت في الله دينهم ... فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي وكنت امرءاً بالدعب والخمر مولعاً ... شبابي حتى آذن الجسم بالنهج فأصبحت همي في جهاد ونيتي ... ولله ما صومي ولله ما حجي سنجار (5) : هي برية الثرثار، ومدينتها الحضر، وهي كلها من الجزيرة، وفي سنجار فوهة نهر الخابور، ويمر حتى يصب في الفرات، وهو الذي يقول فيه الشاعر: وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور وفي سنة ست عشرة وستمائة (6) مات صاحب سنجار قطب الدين أبو المظفر محمد بن عماد الدين زنكي فقام ابنه شاهنشاه مقامه، فأساء السيرة، فهرب كثير من أكابر الدولة إلى جاره الملك الأشرف بن العادل، فوصلوا في خدمته إلى سنجار وحصره حتى استولى عليها وأخرجه فمات سليباً غريباً.

_ (1) الاكتفاء للكلاعي 1: 289 - 291، ودلائل النبوة: 32 واسم القرية فيه ((سمايا)) ، وانظر الاستيعاب: 1344. (2) ص ع: الكناني. (3) أعلام النبوة: باحر، وذكره ابن الأثير في النهاية باسم ((باجر)) تكسر جيمه وتفتح، ويروى بالحاء المهملة. (4) الاكتفاء: حبة؛ الدلائل: حيان. (5) معجم ما استعجم 3: 760، وقارن بآثار البلاد: 393. (6) انظر مرآة الزمان: 607، وابن الأثير 12: 355.

سفوان:

سندروسة (1) : هي جزيرة في البحر المحيط، حكي أن قوماً مروا بجزيرة في هذا البحر، والبحر قد هاج وعظم، فنظروا فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية وعليه ثياب خضر وهو مستقل على الماء بقول: سبحان من دبر الأمور، وعلم ما في ضمائر الصدور، وألجم بقدرته البحور، سيروا بين الغرب والشرق حتى تنتهوا إلى جبال، فاسلكوا أوسطها تنجوا بحول الله عز وجل وتسلموا، فركبوا السمت الذي حد لهم حتى انتهوا إلى جزيرة سندروسة هذه، وفيها أمة طوال الوجوه معهم قضبان الذهب المخلوقة يعتمدون عليها ويحاربون بها، على رؤوسهم الذهب، وثيابهم منسوجة بالذهب وطعامهم الموز، فأقاموا عندهم شهراً وأخذوا من قضبان الذهب التي عندهم ما استطاعوا حمله، ثم ساروا على السمت فخلصوا. وكان الذي أرشدهم الخضر عليه السلام وتلك الجزيرة مكان قراره وهي وسط البحر الأعظم. السند: بلاد كبيرة فيما بين ديار فارس وديار الهند، وبلغ المأمون أن بشر بن داود المهلبي والي السند أنشد في مجلسه بيت دعبل: من أي ثنية نجمت معد ... وكانوا معشراً متنبطينا فقال المأمون: جواب هذا يأتي بعد إن شاء الله تعالى، وأنفذ غسان بن عباد إلى السند، وأمره في بشر بأمره، فأنفذ بشراً مقيداً، فقال المأمون: هذا وقت الجواب، قولوا لبشر نجمت معد من الثنية التي نجم عليك منها غسان فهد أركانك وأزال سلطانك وأخذ مالك وأرمل عيالك. والسند مما يلي الإسلام ثم الهند، ولغتهم غير لغة الهند، وفي شرقي بلاد السند مكران وطراز وشيء من بلاد الهند، وفي غربيها كرمان ومفازة سجستان وأعمالها، وفي الشمال منها بلاد الهند. سناسنا (2) : جزيرة بالهند عامرة كثيرة الصادر والوارد، بينها وبين الساحل أقل من نصف مجرى. قالوا: وفيها بئر تخرج منها في بعض الأوقات نار محرقة. سفوان (3) : ماء بين ديار بني شيبان وديار بني مازن على أربعة أميال من البصرة، ومكان سفوان من البصرة كمكان القادسية من الكوفة، التقت عليه القبيلتان فتنازعتا فيه، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فظهرت بنو تميم وشلوا (4) بني شيبان، وقال الشاعر: رويداً بني شيبان بعض وعيدكم ... تلاقوا غداً خيلي على سفوان وسفوان أيضاً واد بقرب بدر موضع الوقيعة المباركة النبوية، وهو الذي بلغ إليه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الأولى. سقمانية (5) : مدينة في بلاد الترك تلي الأرض المنتنة من جهة شمالها، وهي مدينة كبيرة عامرة لا ملك لها ولا رئيس، إنما يتولى أحكامها ويتصرف في أمورها شيوخها ورؤوسها، وهذه المدينة في رأس جبل منيع، ولأهلها مزارع ومدافن في حضيض جبلها، ويسمى جبلها طغورا، سمي الجبل باسم طغورا، مدينة هناك على ست مراحل من مدينة سقمانية، والمدينتان معاً في الأرض المنتنة وفي غربي أرض سيسان (6) وأرض سيسان، كلها خراب من قبل أيام الإسكندر وبنيانه السد. السقيا (7) : بالحجاز، قرية جامعة في طريق مكة من المدينة، ومن العرج إلى السقيا ستة وثلاثون ميلاً، وهي منزل عظيم فيه أهل كثير وبساتين كثيرة وفيه شجر ونخيل، ومن السقيا إلى الأبواء سبعة وعشرون (8) ميلاً. سقوطرى (9) أو سقطرى: جزيرة معروفة من الإقليم الأول، وبينها وبين الساحل مجريان بالريح الطيبة، وهي جزيرة واسعة

_ (1) البكري (مخ) : 38، وعند ابن الوردي: 72 سرندوسة، وأورد حكاية الشيخ: 70. وفي ص: سندورسة. (2) الادريسي (ق) : وأثبتها المحقق مرة (76) : سناسا، ومرة سناسيا؛ وفي ص: ساسنا؛ وفي مخطوطة نزهة المشتاق: سناسنا. (3) معجم ما استعجم 3: 740. (4) ص ع: وسموا. (5) نزهة المشتاق: 315. (6) ص ع: سماوة. (7) معجم ما استعجم 3: 742، وقارن بنزهة المشتاق: 51. (8) في معجم البكري (مادة: عقيق) : تسعة عشر ميلاً، ولكن المؤلف يتابع الادريسي. (9) نزهة المشتاق: 19 (OG: 49) وبعضه في البكري (مخ) : 60 وأصله عند المسعودي، مروج 3: 36.

السواجير:

القطر جليلة القدر نامية الشجر، طولها ثمانون فرسخاً، وأكثر نباتها شجر الصبر، ولا صبر يفوق صبرها في الطيب كالذي يتخذ بحضرموت اليمن وبالشحر وغيرها، وتتصل من جهة الشمال والمغرب ببلاد اليمن، بل هي محسوبة منه ومنسوبة إليه، وبها من جميع قبائل مهرة، وبها نخل كثير، ويسقط إليها العنبر، وإذا قيل لمهري: يا سقطري، غضب، وتقابلها بلاد الزنج، وأكثر أهل هذه الجزيرة نصارى، لأن الإسكندر لما غلب على ملك فارس وغزت أساطيله جزائر الهند وقتل ملك الهند، وكان معلمه أرسطوطاليس قد أوصاه بطلب جزيرة الصبر فكان في بال الإسكندر ذلك من أجل وصية معلمه، فعند فراغه من أخذ جزائر الهند وتغلبه عليها وعلى ملوكها أخذ راجعاً في بحر الهند إلى جهة البحر العماني إلى أن وصل إلى جزيرة سقطرى فأعجبه طيب ثراها واعتدال هوائها، فكتب إلى معلمه بذلك، فأجابه يأمره بأن ينقل أهلها عنها ويستبدلهم باليونانيين ويوصيهم بحفظ شجرة الصبر وحياطتها لما في ذلك من المنافع الطبية، وأنه لا تتم الايارجات إلا به، مع انتفاع جميع الأمم بتصريفه لأنه في ذاته دواء جليل كثير المنافع، ففعل الإسكندر ذلك فأخرج عنها جملة أهلها ونقل إليها قوماً من اليونانيين، وأمرهم بحفظ شجرة الصبر والقيام بها وغراستها وإدامة تنميتها، ففعلوا ذلك إلى أن ظهر دين المسيح فآمنت به، فدخل أهل سقوطرى في دين النصرانية، وبقايا ذراريهم بها إلى هذا الوقت مع سائر من سكنها من غيرهم، وأوراق شجر الصبر تجمع في شهر يوليه، ويستخرج لعابها ويطبخ في قدور النحاس وغيرها، ويوضع في زقاق ويجفف في شهر أغشت للشمس، ويباع منه بهذه الجزيرة قناطير فيتجهز به إلى الآفاق شرقاً وغرباً. وقد يسقط العنبر إلى جزيرة سقوطرى (1) ، ومن عمان إلى الساحل إلى سقوطرى، والطريق من عمان إلى مسقط على الساحل ثم منه إلى سقوطرى، وبها الصبر الذي لا يعدل به كما قلناه. سقوما (2) : قلعة سقوما على مقربة من فاس بالمغرب. ولما وصل موسى بن نصير إلى طنجة، مال عياض بن عقبة إلى قلعة سقوما ومال معه سليمان بن مهاجر وسألا موسى الرجوع معهما فأبى، وقال: هؤلاء قوم في الطاعة، فأغلظا له القول حتى رجع فقاتل أهل سقوما، فكان لهم على العرب ظهور، فجاءهم عياض بن عقبة من خلفهم فتسور عليهم في قلعتهم، فانهزم القوم واشتد القتل فيهم فغلبوا، وكتب موسى إلى الوليد بن عبد الملك أنه سار إليك يا أمير المؤمنين من بني سقوما مائة ألف رأس، فكتب إليه الوليد: ويحك أظنها بعض كذباتك، فإن كنت صادقاً فهذا محشر الأمم. ولم يكن بالمغرب أعظم من مدينة سقوما. سهرورد (3) : بلدة بين زنجان وهمذان. السواجير (4) : موضع بالشام. سويقة (5) : بالتصغير، موضع بشق اليمامة. وسويقة أيضاً بمقربة من المدينة بها كانت منازل حسن بن حسن بن علي رضي الله عنهم، قال موسى بن عبد الله بن حسن: خرجت من منازلنا بسويقة جنح ليل، وذلك قبل خروج محمد أخي، فإذا أنا بنسوة توهمت أنهن خرجن من ديارنا فأدركتني غيرة عليهن، فاتبعتهن لأنظر أين يردن، حتى إذا كن بطرف الحفير (6) التفتت إلي إحداهن وهي تقول: سويقة بعد ساكنها يباب ... لقد أمست أجد بها الخراب فقلت لهن: أمن الإنس أنتن، فلم يراجعنني، فخرج محمد هذا فقتل وخربت ديارنا. وقال إسماعيل (7) : لقيني موسى بن عبد الله فقال لي: هلم حتى أريك ما صنع بنا بسويقة، فانطلقت معه، فإذا نخلها قد عضد عن آخره، وديارها ومصانعها قد خربت فخنقتني العبرة، فقال: إليك فنحن والله كما قال دريد بن الصمة:

_ (1) قد تقدم هذا في هذه المادة. (2) في الاستبصار: 194 سكوما؛ والمؤلف ينقل عن البكري: 117. (3) قارن بياقوت (سهرود) . (4) ص ع: السواحر؛ وعند ياقوت: نهر مشهور من عمل منبج بالشام. (5) معجم ما استعجم 3: 767. (6) معجم البكري: الجمير. (7) يعني اسماعيل بن جعفر بن إبراهيم.

السوس:

تقول ألا تبكي أخاك وقد أرى ... مكان البكا لكن جبلت على الصبر وقال سعيد بن عقبة: نزلت ببطحاء سويقة فاستوحشت لخرابها إلى أن خرجت ضبع من دار عبد الله بن حسن فقلت: إني مررت على دار فأحزنني ... لما مررت عليها منظر الدار وحشاً خراباً كأن لم تغن عامرة ... بخير أهل لمعتر وزوار لا يبعد الله قوماً كان يجمعهم ... جنبا سويقة أخيار لأخيار الرافعين لساري الليل نارهم ... حتى يؤم على ضوء من النار والدافعين عن المحتاج خلته ... حتى يحوز الغنى من بعد إقتار وسويقة بني مسعود بالقرب من طرابلس تسكنها قبائل من هوارة تحت طاعة العرب، وبها سوق مشهورة وقصور كثيرة، وأهلها يحرثون الشعير على السقي. السوس: من كور الأهواز وهي مدينة الأهواز في القديم، وهي بالفارسية شوش أي جيد. وفتحها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه سنة تسع عشرة فدل على جثة دانيال (1) ، فقام رجل إلى جنبه فكانت ركبة دانيال محاذية رأسه، وأخذ أبو موسى رضي الله عنه خاتمه وفصه حجر أحمر، نقشه دبان مختلفة أوساطه، ووجدت معه كتب صحف، فبيعت بأربعة وعشرين درهماً، فوقعت إلى الشام. قالوا (2) : ولما نزل أبو موسى رضي الله عنه على السوس قاتل أهلها وحاصرهم حتى نفد ما عندهم من الطعام فضرعوا إلى الأمان وسأل مرزبانهم أن يؤمن ثمانون منهم على أن يفتح باب المدينة ويسلمها، فسمى الثمانين (3) وأخرج نفسه منهم، فأمر به أبو موسى رضي الله عنه فضربت عنقه ولم يعرض للثمانين وقتل من سواهم من المقاتلة، وأخذ الأموال وسبى الذرية، ورأى أبو موسى رضي الله عنه في قلعتهم بيتاً عليه ستر، فسأل عنه، فقيل إن فيه جثة دانيال، وأنهم كانوا قحطوا فسألوا أهل بابل دفعه إليهم يستسقون به ففعلوا، وكان بخت نصر سبى دانيال وأتى به بابل فقبض بها، فكتب أبو موسى رضي الله عنه بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن كفنه وادفنه، فسكر أبو موسى نهراً حتى إذا انقطع الماء عنه دفنه فيه ثم أجرى الماء عليه. ومن طريف ما حكي في فتح السوس ما ذكره سيف، قال (4) : لما أحاط المسلمون بالسوس ناوشوهم مرات، كل ذلك يصيب أهل السوس في المسلمين (5) ، فأشرف عليهم الرهبان والقسيسون فقالوا: يا معشر العرب إن مما عهد إلينا علماؤنا وأوائلنا لا يفتح السوس إلا الدجال أو قوم فيهم الدجال، فإن كان الدجال فيكم فستفتحونها، وإن لم يكن فيكم فلا تعنوا بحصارنا، وصادف ابن صياد يومئذ في خيل المسلمين، فأتى باب السوس غضبان فدقه برجله وقال: انفتح، فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق، وتفتحت الأبواب ودخل المسلمون، فألقى المشركون بأيديهم ونادوا: الصلح، الصلح، فأجابهم المسلمون إلى ذلك بعدما دخلوها عنوة واقتسموا ما أصابوا قبل الصلح ثم افترقوا. والسوس أيضاً في أقصى بلاد المغرب، وهي مدينة جليلة حاضرة جامعة لكل خير وفضل، وأهلها أخلاط، وهي بلاد السكر ويصنع بها منه كل شيء كثير ويتجهز منه إلى الآفاق ويصل فاضله إلى أقصى خراسان، ويصنع بها من الخز العتيق كل جليلة، وبها فواكه كثيرة. وهذا السوس (6) الغربي قرى وعمارات كثيرة متصلة بعضها ببعض، وبها من الفواكه الجليلة أجناس مختلفة وأنواع كثيرة كالجوز والتين والعنب العذاري والسفرجل والرمان والأترج الكثير

_ (1) قد مر في مادة ((تستر)) حديث عن اكتشاف أبي موسى لجثة دانيال وكيف أخفاها وسيعيد المؤلف هذا الحديث في ما يلي من هذه المادة. (2) عن فتوح البلدان: 465 - 466. (3) ص ع: فسلم الثمانون. (4) الطبري 1: 2654. (5) سقطت من: ص ع. (6) الادريسي (د/ ب) : 61/ 39، وقارن بعض معلوماته بالبكري: 162، وابن حوقل: 90، وابن الوردي: 13.

السويدية:

والمشمش والتفاح المنهد وقصب السكر الذي ليس في الأرض مثله طولاً وعرضاً وحلاوة وكثرة ماء، ويعمل منه ببلاد السوس من السكر ما يعم أكثر أهل الأرض ويشف على كل أنواع السكر في الطيب والصفاء، وتعمل بالسوس الأكسية الرقاق ومن الثياب ما لا يقدر أحد على عمله، وفي نسائهم جمال فائق وحسن بارع وحذق بصناعات أيديهن. وهي بلاد حنطة وشعير وأرز ممكن بأيسر قيمة، والغالب على أسعارها الرخص وعلى أهلها الجفاء وغلظ الطبع، وهم أخلاط من البرابر والمصامدة، وزيهم لباس أكسية الصوف التفافاً، ولهم بشعورهم اهتمام يغسلونها بالحناء في كل جمعة مرتين برقيق البيض والطين الأندلسي، ولا يمشي الرجل منهم أبداً إلا وفي يده رمحان قصار العصي طوال الأسنان رقاقها، ويأكلون الجراد أكلاً لما مقلواً ومملوحاً، وهم فرقتان: مالكية وحشوية (1) ، وبينهم القتال والفتنة أبداً، غير أنهم أرفه الناس وأكثرهم خصباً، وشرابهم المسمى آنريز حلو ويسكر سكراً عظيماً ويفعل بشاربه ما لا تفعله الخمر لمتانته وغلظ مزاجه، وهم يرونه حلالاً ما لم يتعد به حد السكر، وبين السوس وأغمات ست مراحل. ومن السوس الإمام المهدي محمد بن تومرت (2) ، كان يقال له الفقيه السوسي. ويقال للسوس: السوس الأقصى (3) ، وهي مدن كثيرة وبلاد واسعة، يشقها نهر عظيم يصب في البحر المحيط يسمى وادي ماست، وجريه من القبلة إلى الجوف كجري نيل مصر، وعليه القرى المتصلة والعمارة الكثيرة، والبساتين والجنات بأنواع الفواكه والثمار والأعناب وقصب السكر، ولم يتخذ الساكنون على هذا الوادي قط رحى، فإذا سئلوا عن ذلك قالوا: كيف نتخذ هذا الماء المبارك في إدارة الأرحاء. وهم يتطيرون بها، وعلى هذا النهر قرية كبيرة جداً تعرف بتارودانت، وهي أكثر بلاد الدنيا قصب سكر، وفيها معاصر للسكر كثيرة. وهذه البلاد أخصب بلاد المغرب وأكثرها فواكه وخيرات، ومنها يجلب السكر إلى جميع بلاد المغرب والأندلس وإفريقية، وهو المشهور بالطبرزذ المعروف عند الأطباء، وعلى مصب هذا الوادي في البحر رباط مقصود له موسم عظيم ومجتمع جليل وهو مأوى للصالحين، ومن وادي السوس إلى مدينة نول ثلاث مراحل في عمارة متصلة تسكنها جزولة ولمطة، وهم أمم كثيرة، وقاعدة بلاد السوس ايكلي (4) ، وهي مدينة كبيرة قديمة في سهل من الأرض على النهر الكبير المذكور، وهي كثيرة البساتين والتمر وجميع الفواكه، وربما بيع فيها التمر. بما دون كراء الدابة من الجنات إلى السوق، ومعاصر قصب السكر بها كثيرة، وأكثر شرب أهلها إنما هو قصب السكر، ويعمل بها النحاس المسبوك ويتجهز به إلى بلاد السودان. ووصل عقبة بن نافع إلى هذه المدينة عند دخول بلاد المغرب وافتتحها، فأخرج منها سبياً لم ير مثله حسناً، فكانت الجارية الواحدة منهن تباع بألف دينار وأكثر لحسنها وتمام خلقتها. ويعمل بهذه المدينة زيت الهرجان (5) ، وشجره يشبه الكمثرى إلا أنه لا يعلو كعلو شجر الكمثرى ولا يفوت اليد. وأغصانه نابتة من أصله لا ساق لشجرته، ولها شوك، فيجمع ويترك حتى يذبل ثم يوضع في مقلى فخار على النار فيستخرج دهنه، وطعمه يشبه طعم القمح المقلو، وهو حينئذ محمود الغذاء يسخن الكلى ويدر البول. وبالسوس عسل يفوق عسل جميع الأمصار، ويلقي البلديون (6) على الكيل منه خمسة عشر كيلاً وحينئذ يتأتى نبيذاً، فإن كان الماء أقل من ذلك بقي حلواً ولا ينحل إلا بالماء الشديد الحرارة، ولونه أخضر في لون الزمرد. ومن مدن السوس تامدلت (7) ونول لمطة، وغيرهما. السويداء: مدينة بقرب دمشق بينهما ستة فراسخ، وهي على رأس جبل، حصينة، وحواليها مزارع وأشجار الزيتون والكروم، وماؤها من عين تجتمع في بركة. السويدية (8) : مدينة هي فرضة أنطاكية على البحر، وبها يقع

_ (1) هذا غير دقيق، والادريسي ينقل عن ابن حوقل، وهو يقسم أهل السوس في مالكية حشوية وموسوية شيعة يقطعون على موسى بن جعفر. (2) ع: توتارت (ولعلها: تومارت) ص: نارت. (3) الاستبصار: 211. (4) تكتب في معظم المصادر ((ايجلي)) أي أنها تنطق جيماً مصرية. (5) ص ع: البرجان، وقارن البكري: 162. (6) الاستبصار والبكري: النبيذيون. (7) ص ع: تادميت. (8) نزهة المشتاق: 195.

سوق ماكسن:

نهر أنطاكية المسمى العاصي، ويحتمل أن تكون هي السويداء المتقدمة الذكر (1) . سوق الأهواز (2) : ويقال لها سوق الأربعاء، بينها وبين عسكر مكرم مرحلة، وهي من عمل خوزستان، وهي مدينة حسنة بها سوق مشهورة في يوم معلوم، وبها فواكه ونعم كثيرة ومتاجر ودخل وخرج وجباية كثيرة. قالوا (3) : ولما انهزم الهرمزان بالقادسية استمد عتبة بن غزوان سعد بن أبي وقاص فأمده بمدد فاقتتلوا، فهزم الهرمزان ومن كان معه، وأصاب منهم المسلمون ما شاءوا واتبعوهم حتى وقفوا على شواطئ دجيل وأخذوا ما دونه وعسكروا بجبال سوق الأهواز، وقد عبر الهرمزان جسر سوق الأهواز وأقام بها وصار دجيل بينه وبين المسلمين، فرأى الهرمزان ما لا طاقة له به، فطلب الصلح وكتب إلى عتبة فأجابه إلى ذلك على الأهواز كلها ومهرجان ما خلا نهر تيرى، ومناذر وما غلبوا عليه من سوق الأهواز، قال: فإنا لا نرد عليهم ما تنقذنا. سوق ماكسن (4) : مدينة على وادي شلف لصنهاجة عليها سوق وفيها عيون. سوسة: من بلاد إفريقية، وإليها تنسب الثياب الرقيقة السوسية، ويقال لها البيضاء، ومنها ركب أسد بن الفرات البحر غازياً إلى صقلية في الزمان الأول. وهي مدينة (5) قديمة فيها آثار للأول، وهي على ساحل البحر، وفيها بنيان عظيم يسمى الملعب، وهو من أغرب البنيان، فيه أقباء معقودة بحجر النشف الذي يطفو فوق الماء المجلوب من بركان صقلية، وداخل المدينة هيكل عظيم يسميه البحريون الفنطاس، وهو أول ما يرون من البحر إذا قصدوا من صقلية وغيرها. وسوسة في سند عال ترى دورها منه، وهي مخصوصة بكثرة الأمتعة وجودة حوك الثياب الرقاق وقصارتها، وجميع أشغال الثياب الرفيعة من طرز وكمد لا يصنع ببلد مثل صنعته بهذه المدينة، ويباع الغزل بها زنة المثقال بمثقالين، ولحم سوسة أطيب لحوم بلاد إفريقية لطيب مراعيها، وبالقرب منها محرس المنستير الذي جاء فيه الأثر الوارد، وهو حصن عالي البناء متقن العمل وفيه جماعة من الصالحين حبسوا أنفسهم فيه للعبادة، وأهل تلك البلاد يخرجون إليهم بالصدقات. وبقربه نحو خمسة محارس متقنة البناء معمورة بالصالحين. وبين سوسه (6) وحصن اهرقلية ثمانية عشر ميلاً وسوسة عامرة بالناس كثيرة المساجد، والمسافرون إليها قاصدون وعنها صادرون وبها المتاع الذي لا يوجد في غيرها وأسواقها عامرة، ومياههم من المواجل، وعليها سور من حجر حصين. وكان بين أهلها وبين أهل المهدية في القديم مشاحنة مشهورة، ومن المداعبات كان الأستاذ أبو عبيد الله (7) محمد بن عبد الجبار السوسي رحمه الله يسأل عن قول الشاعر: لا (8) تلمني على الدناءة إني ... تونسي وجزت يوماً بسوسه فيقال (9) له: أي البلدين أعظم دناءة؟ والبيت المشهور إنما هو: وقد سكنت الجزيرة. وبالصين أيضاً مدينة سوسة (10) ، وهي مشهورة مذكورة، كثيرة التجارات متصلة العمارات، وأموال أهلها كثيرة، وتجاراتهم موفورة، وعمال فراضهم مفترقون في الآفاق، وتتصل بكل الأمصار، ويصنع بها الغضار الصيني الذي لا يعدله شيء من فخار الصين جودة، وبها طرز كثيرة مشهورة بعمل الحرير الصيني الرفيع القيمة

_ (1) هذا الاحتمال غير وارد، لأن السويداء في المادة السابقة مدينة داخلية (مركز جبل حوران) والثانية فرضة انطاكية. (2) نزهة المشتاق: 124. (3) انظر الطبري 1: 2533، والنص منقف مع ما ورد 2537 - 2538. (4) البكري: 65، صع: ماكسين. (5) الاستبصار: 119، وقارن بالبكري: 34 - 36. (6) الادريسي (د/ ب) : 125/ 93. (7) ص: أبو عبد الله. (8) ع: تحلني. (9) ص ع: فقال. (10) نزهة المشتاق: 71 (OG: 210) .

سورا:

المحكم الصنعة الذي لا يقرن به غيره. السواد (1) : سواد الكوفة: كسكر إلى الزاب إلى عمل حلوان إلى القادسية، وسواد البصرة: الأهواز وفارس ودهستان، وهذه كلها من أرض العراق. وعن الشعبي (2) : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعث عثمان بن الأحنف، فمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب، يعني موضع الغلة فيه، وأما على تكسير الذراع فمائتا ألف ألف وخمسة وعشرون ألف ألف جريب، فوضع منها بالتخمين آكاماً وآجاماً وسباخاً وطرقاً ومجاري أنهار ومواضع المدن والقرى الثلاث، ويبقى بعد ذلك مائة ألف ألف وخمسة وسبعون ألف ألف جريب، وكان قيمة ما يلزم كل جريب من الخراج على التخمين درهمين، وذلك أقل من العشر، وإذا أضيف ذلك إلى خراج أهل الذمة بلغ من الورق مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم، فقيل وضع عليه عمر رضي الله عنه درهماً واحداً وقفيزاً، فجبى عمر رضي الله عنه السواد من الورق مائة ألف ألف درهم وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وجباه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف، وجباه الحجاج بظلمه وعسفه ثمانية عشر ألف ألف، ومنع أهل السواد ذبح البقر ليكثر الحرث والزرع، فقال الشاعر: شكونا إليه خراب العراق ... فحرم فينا لحوم البقر وكان كما قال من قبلنا ... أريها السهى وتريني القمر وقد كانت هيت وعانات أيام الفرس داخلة في حد السواد من طسوج الأنبار (3) إلى أن بلغ أنوشروان أن طائفة من العرب أغارت من ماء قريب من حد السواد إلى البادية فأمر بحفر خندق من هيت حتى يأتي كاظمة مما يلي البصرة وينفذ إلى البحر ليكون ذلك مانعاً لمن أراد السواد، والسواد اثنتا عشرة كورة. سورا (4) : مدينة بناحية السواد، حسنة متوسطة القدر ذات سور وأسواق، وبها عمارة كافية ونخيل وأشجار وبساتين وفواكه جمة وزراعات واسعة، ومنها ينصب الفرات فيما يحاذي قصر ابن هبيرة، وبها قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما، وله مشهد عظيم في أوقات من السنة. سواكن (5) : مدينة بقرب جزيرة عيذاب، وهي ذات مرسى، ومنها تسير السفن إلى مدينة سواكن، وهي مدينة عامرة في ساحل بلاد البجاة وبلاد الحبشة، وفيها متاجر، ويخرج منها رقيق البجاة والحبشة واللؤلؤ الجيد، وفيها قطاط برية في عظم الكلب الكبير تؤذي الناس، وهناك دابة من دواب البحر يقال له الطلوم (6) لها فرج كفرج المرأة وثديان كثدييها يقع عليها الملاحون، وتسير منها السفن إلى جزيرة باضع، وهي أيضاً في ساحل البجاة والحبشة وأهلها مسلمون. سواق (7) : مدينة بالهند على ساحل البحر بها أشجار الساج وغيره، ولهذه الأشجار أوراق عراض، كل ورقة تقطع للرجل سراويل، فإذا طلعت منها شجرة من الأرض استوت في السماء صاعدة لا يخرج لها شيء من الأغصان البتة مقدار مائة وعشرين ذراعاً، وورقها في رأسها، ويبلغ ثمن كل ساجة خمسمائة دينار إلى ستمائة. وقال أبو خراسان مولى صالح بن الرشيد: كان مولاي صالح بن الرشيد على البصرة، فلما أحدث جبريل بن بختيشوع داره التي في الميدان ببغداد سأل صالح بن الرشيد أن يهدي له خمسمائة ساجة، فكانت الساجة بثلاثة عشر ديناراً، فاستعظم مولاي المال وقال: أما خمسمائة فلا، ولكنني أكتب في حمل مائتي ساجة إليك، فقال جبريل: ليست بي حاجة إليها، قال أبو خراسان: فقلت لسيدي: أرى جبريل سيدبر عليك تدبيراً بغيضاً، فقال سيدي: جبريل أهون علي من كل هين لأني لا أشرب له دواء ولا أقبل له علاجاً. ثم استزار مولاي صالح أمير المؤمنين المأمون فلما استوى المجلس بالمأمون، قال له جبريل: أرى وجهك

_ (1) مثل هذا التحديد تجده عند ياقوت (السواد) . (2) ابن رسته: 104 - 105، 107، وابن خرداذبه: 14 - 15، وقارن بياقوت. (3) ص ع: بعد طرح الأنهار. (4) قارن بالمقدسي: 117، والمؤلف ينقل عن نزهة المشتاق: 202. (5) قارن بياقوت (سواكن) ، وتقويم البلدان: 370، ونخبة الدهر: 151. (6) قارن بما في تخبة الدهر: 158، اللطم. (7) كذا ورد هذا الاسم في ص ع، ولم أستطع التثبيت من صحته.

سيحان:

متغيراً، ثم قام إليه فجس عرقه، ثم قال: يشرب أمير المؤمنين شربة سكنجبين ويؤخر الغداء حتى يفهم الخبر، ففعل المأمون ما أشار به، وأقبل يختبر عرقه في الوقت بعد الوقت، ثم لم يشعر بشيء حتى دخل غلمان جبريل ومعهم رغيف واحد وألوان من الحوت وقرع وماش وما أشبه ذلك، فقال: إني لأكره لأمير المؤمنين أن يأكل في يومه هذا شيئاً من لحوم الحيوان وليأكل من هذه الألوان، فأكل منها وقام، فلما انتبه من قائلته قال له: يا أمير المؤمنين رائحة النبيذ تزيد في الحرارة والرأي لك الانصراف، فانصرف وتلفت نفقة مولاي كلها، فقال لي مولاي: يا أبا خراسان التمييز بين مائتي ساجة واستزارة الخليفة لا يجتمعان. سوف (1) : مدينة بالقرب من درجين وبقرب نفطة (2) من البلاد الجريدية ولا يعرف عليها عمران إلا جبال ورمال يصاد بها الفنك الجيد الذي لا يوجد لجلده نظير في الدنيا، وأهل تلك البلاد يخبرون أن قوماً أرادوا المعرفة بما وراء بلاد قسطيلية، مثل توزر وغيرها فأعدوا الأزودة والمياه وتاهوا في تلك الصحراء والرمال أياماً فلم يروا أثراً لعمران وهلك أكثرهم في تلك الرمال. سورية: اسم الشام، وفي بعض كلام هرقل حين دخل المسلمون الشام وتغلبوا على أكثر مدنه، فهرب هرقل إلى انطاكية، وانتقل من بلد إلى بلد فراراً أمام المسلمين أنه التفت إلى بلاده فقال: السلام عليك يا سورية سلام من لا يراك أبداً، والقصة مشهورة نقلها أصحاب فتوح الشام (3) . السيالة (4) : قرية جامعة بينها وبين المدينة النبوية تسعة وعشرون ميلاً (5) على طريق مكة، وهي الروحاء (6) وفيها أهل وسوق صغير وماؤها من الآبار، وبينها وبين ملل تسعة أميال وملل أدنى إلى المدينة، ويباع بالسيالة شواهين وصقور، ومن السيالة إلى الرويثة أربعة وثلاثون ميلاً، ومن الرويثة إلى العرج أربعون ميلاً. سيحان (7) : وسيحون، نهر يحيط بأرض كوش وهو نهر أذنة من الثغر الشامي، ويصب في البحر الرومي، ومخرجه من نحو ثلاثة أيام من مدينة ملطية، ويجري في بلاد الروم، وليس للمسلمين عليه إلا مدينة أذنة بين طرسوس والمصيصة. سيراف: في بلاد فارس ومن مدن سابور منها أبو سعيد السيرافي شارح كتاب سيبويه، وهي (8) على ساحل البحر الفارسي كبيرة بها تجار مياسير، وأهلها مولعون بكسب المال واستجلابه على أي وجه أمكن، وهم أكثر عباد الله تعالى تغرباً ومخراً (9) إلى الآفاق حتى إن الواحد منهم يتجول عشرين عاماً لا يرجع إلى أهله ولا يكترث بمن خلفه. وسيراف فرضة فارس ومبانيها بالساج، وأبنيتهم طبقات مشبكة، ولأهلها همم في نفقات الأبنية وضروب التحسين والتحصين وفواكههم ومياههم تصل إليهم من جبل مشرف عليهم يطل على البحر، وليس بها زرع ولا ضرع، وهي شديدة الحر جداً ولها منبران أحدهما نجيرم وهي مدينة على البحر، وسيراف مرفأ للسفن ومنها يتجهز التجار إلى عدن وعمان وديبل والصين وغيرها من النواحي. السيارة (10) : جزيرة في البحر الأعظم من عمل صاحب كاوران (11) التي في البحر الأعظم، والبحريون مجمعون على إثبات الجزيرة السيارة ومنهم من يزعم أنه رآها مراراً كثيرة لا يشكون فيها، وهي جزيرة فيها جبال وشجر وعمارة فإذا هبت الريح من المغرب صارت إلى الشرق، وإذا هبت من الشرق صارت إلى المغرب، هذا دأبها ويذكرون أن حجارتها شفافة خفيفة جداً تكون زنة الحجر الضخم الذي يقدر مثله بقناطير عشرة أرطال وأقل، ويحمل الإنسان القطعة الكبيرة من جبالها على عاتقه ولا يجد لذلك ثقلاً.

_ (1) لم يذكرها إلا صاحب الاستبصار: 159 وعنه ينقل المؤلف، وقد ذكر البكري: 49 بعض المعلومات عن فقدان العمران وراء قسطيلية ولكنه لم بذكر بلداً باسم ((سوف)) . (2) ص ع: نقزاوة. (3) فتوح الأزدي: 213. (4) معجم ما استعجم 3: 769، ويقول الإدريسي: 50 وهو - أي السيالة - منزل قليل العامر فيه آبار ماء مشروبة. (5) عند الهمداني: 184، أن بين المدينة والسيالة 23 ميلاً. (6) كذا في ص ع؛ والروحاء السيالة على طريق الذاهب من المدينة إلى مكة، وبينهما 24 ميلاً. (7) انظر التنبيه والإشراف: 58، وابن رسته: 91، وياقوت (سيحان) ، والكرخي: 47 وأكثره عن البكري (مخ) : 41. (8) عن نزهة المشتاق: 126، وانظر ابن حوقل: 248، والكرخي: 31. (9) ص: تجرداً، ع: نخراً، نزهة المشتاق: نخوة. (10) البكري (مخ) : 38، وانظر ابن الوردي: 77. (11) كذا في ص ع؛ وعند البكري: طاوران.

فراغ

الشام:

حرف الشين الشام (1) : مهموز الألف ولا يهمز، في الإقليم الخامس، قيل سمي شاماً لشامات هناك حمر وسود، ولم يدخلها سام بن نوح قط، فانه قال بعض الناس: إنه أول من اختطها فسميت به، واسمه سام بالسين، فعربت فقيل: شام، بالشين المعجمة، وكانت العرب تقول: من خرج إلى الشام نقص عمره وقتله نعيم الشام، وأنشد ثعلب: يقولون إن الشام يقتل أهله ... فمن لي إن لم آته بخلود تعرق آبائي فهلا صراهم ... عن الموت أن لم يشئموا وجدودي وقيل: إن الناس لما تفرقت لغاتهم ببابل تيامن بعضهم يمين الشمس وتشاءم بعضهم شمالها، فسميت بهذا الاسم. والشام بلاد كثيرة وكور عظيمة وممالك، وقسمت الأوائل الشام خمسة أقسام: الأول فلسطين وفيها غزة والرملة، والشام الثانية مدينتها العظمى طبرية والغور واليرموك، والثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق، ومن سواحلها طرابلس الشام، والرابعة أرض حمص وقنسرين ومدينتها العظمى حلب وساحلها انطاكية، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر بلادها مفسراً على الأبواب، والشام اسم لجميع ذلك من البلاد والكور، وأول طول الشام من ملطية إلى رفح. الشاش: مدينة (2) جليلة من عمل سمرقند وقصبتها بنكث (3) ، وله مدن كثيرة، ويتصل ببلاد الشاش بلد ايلاق، وهما جميعاً لا فصل بينهما، عمارتهما متصلة متكاثفة لا تنقطع، فمقدار عرضهما مسيرة يومين في ثلاثة أيام، وليس بخراسان وما وراء النهر كورة ولا إقليم على مقدارها في المساحة أكثر منابر وقرى عامرة من هذه الناحية، وآخر حدودها انتهى إلى وادي الشاش الذي يقع في بحيرة خوارزم. والشاش في أرض مستوية لا جبل فيها ولا أرض مرتفعة، وبساتينها ومتنزهاتها كثيرة، وهي من الثغور التي في ناحية الترك، ولأهلها سطوة ومنعة. ومن الشاش أبو بكر محمد بن علي الشاشي القفال (4) ، كان إماماً، وله مصنفات، وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر. وكان محمد بن أحمد الشاشي ورعاً، روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما ألقي إبراهيم الخليل عليه السلام في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فما احترق منه إلا موضع الكتاف ". الشاشين (5) : جزيرة من الجزائر التي في البحر المحيط الموازية

_ (1) قارن بياقوت (الشام) . (2) الشاش: اسم الكورة واسم لمدينة هي التي تسمى اليوم طشقند القديمة، كما أن هذه المدينة نفسها هي التي تسمى ((بنكث)) ؛ وانظر عن الشاش: ابن حوقل: 416، والكرخي: 184، والمقدسي: 276، وياقوت (الشاش) ، وآثار البلاد: 538. (3) ص ع: نيكث. (4) ابن خلكان 4: 200، وفي احاشية مصادر أخرى لترجمته. (5) انظر آثار البلاد: 539.

شاوة:

لخط الأندلس الأقصى، وهي مجاورة لبلد افرنجة والصقالبة، وطولها مسيرة عشرين يوماً، وهي كثيرة الخيل والماشية، وهي مخصبة من السلت والخرطال، وهي قليلة القمح والعسل وليس بها كرم، واللحم أكثر شيء عندهم يباع الكبش الكبير بثلاثة قناشير، والبقرة الجيدة بعشرين قنشاراً، وإذا استجادت المرأة منهم الصوف مشطت الشاة كل صباح ودهنت صوفها بشحم الخنزير فيلين الصوف ويأتي كالحرير فيتخذون منه الثياب الفيروزجية المستعملة في بلاد افرنجة، وأهلها وإن كانوا شجعاناً فليسوا بفرسان على كثرة خيلهم، وهم ينزلون عند اللقاء، ولباسهم ضيق مفرج كلباس الجليقيين، ولا بد لكل واحد منهم، شريفاً كان أو وضيعاً، من طوق يكون عرضه قدر أربع أصابع وطوله قدر ثلاثة أذرع، فإن كان شريفاً كان منسوجاً بالذهب وكذلك جميع تفاريج ثيابه، وليس لأكلهم حد ولا لنومهم وقت معلوم، ويقومون في الليل مرتين وثلاثاً فيأكلون ويشربون، وليس في الأرض أحد أحب في حلي الذهب من الشاشين، فإن الرجل منهم لا يكاد يخلو من سواري ذهب لا يفارقه فإن ضعف عنهما فواحد، فإن دار عليه غرم أو نابته نائبة أو مال باع داره وعقاره ورقيقه وماشيته ولم يبع سواريه ولا فارقهما. ومن الغريب بجزيرة الشاشين (1) الطائر الذي يسمونه ماركروه، ومعناه في لسانهم المتخلق في البحر، وذلك أنه ينبت في هذه الجزيرة جنس من الشجر على شاطئ البحر، فإذا انهارت الأجراف هناك وسقط في البحر لم يزل يضطرب في الأمواج حتى يعلوه طخاً أبيض في خلق بيض الطائر، ثم لا يزال كذلك حتى ينفرج عن فرخ طائر وصورته ملصق الرجلين والمنقار في ذلك العود ثم يكتسي ريشاً وتنفصل رجلاه ومنقاره عن ذلك العود فيصير في الأحياء إلا أنه لا يفارق الماء، وطيرانه مع سطح الماء، فإن فارق الماء دقيقة مات، ولذلك لا يصاد حياً لأنه إنما ينصب له هنالك عند جزر الماء فيعاوده الماء في الشباك. ويقال إن غليالم أتي إليه بعود قد تعلقت فيه جملة من هذا البيض فأمر بقبة كبيرة، فملئت بماء البحر، وطرح فيها العود ثم ترك على الصفة التي ذكرنا فتحولت الطير من العود وصارت في الماء داخل القبة فوقف على ذلك مشاهدة، وهو طائر أسود يشبه الطائر الذي تسميه العامة الغطاس. شابل: جزيرة في البحر الصنفي معمورة مجتمعة الأهل، فيها حنطة وأرز وموز كثير وقصب سكر، وبها سمك كثير لذيذ الطعم يغني أكله عن اللحم. شاوة (2) : جزيرة بقرب البحر الكبير المحيط بالجهة الغربية من كرة الأرض، يقال: إن ذا القرنين نزلها قبل أن تدخلها الظلمة وبات بها، وكانوا يرمون بالحجارة، وأوذي بذلك جماعة من أصحابه. شارية (3) : مدينة من مدن طبرستان، وهي المدينة العظمى هنالك التي كان ينزل بها الولاة، وبها نزل محمد بن طاهر وكذلك سليمان أخوه بعده، ولديها بناء حسن لم ير مثله، وهما مدينتان متقابلتان بينهما أربعة فراسخ، الواحدة في سفح الجبل والثانية مما يلي البحر. الشاقة (4) : بلدة بجزيرة صقلية على ساحل البحر مشرفة بها عمارات وأسواق ومتاجر وديار كثيرة، وهي أم الأقاليم التي تليها والأعمال التي حولها، ومرساها أبداً معمور، والسفر إليها من إفريقية وطرابلس أبداً كثير. وعملها هو عمل قلعة البلوط، وقلعة البلوط (5) حصن منيع عالي (6) الذرى شامخ صعب الارتقاء له بواد شريفة خصيبة وضياع طيبة وأصناف من الثمار غريبة. وبها عيون وأودية عليها كثير من الأرحاء، وكان بها خلق كثير فانتقلوا إلى الشاقة ولم يبق به إلا رجال قلائل يحرسونه عن من يريده، ومن هذه القلعة إلى البحر اثنا عشر ميلاً، ومنه إلى الشاقة سبعة أميال، ومن الشاقة إلى مازر (7) مرحلتان. شامة: بالميم، جبل على بريد من مكة، وهو الذي عناه بلال رضي الله عنه في قوله (8) :

_ (1) ص ع: الشاشيين. (2) نزهة المشتاق: 73 (ساوة) . (3) هي ((سارية)) - بالسين المهملة عند ياقوت -، وهي إلى الشرق من آمل. وانظر المقدسي: 359، وهي كذلك عند سائر الجغرافيين مثل ابن حوقل والكرخي، ولم يثبتها أحد بالشين. (4) الادريسي (م) : 32 (Sciacca) . (5) Caltabellotta. (6) ع: عال. (7) ص ع: هارز، هازر. (8) انظر معجم ما استعجم (هرشي) .

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل شانس: مدينة في بلاد الإفرنج بالقرب من مدينة بلدينة، وهي مبنية بالصخر الجليل حصينة لها نهر، وكانت لها قنطرة مبنية بالصخر العظيم، فتغلب عليها المجوس وهدموا بعض المدينة والقنطرة فلم يبق منها إلا رجلها وبرجان اتخذا على جنبتي القنطرة للمنع منها، ونهرها كثير السمك ويخرج منه حوت مفرط الكبر يسمونه لوح وهو لطيف الغذاء مريه لا يضر بالمرضى، وأحواز مدينة شانس تنتهي في الجوف إلى البحر المحيط. شابه: بالباء، جبل معروف. وشابه أيضاً من مدن زغاوة بأرض السودان، وهي صغيرة شبيهة بالقرية الجامعة، وأهلها قليلون، وقد انضوى أكثر أهلها إلى مدينة كوكو، وبينهما نحو ست عشرة مرحلة. وأهل شابة يشربون الألبان، ومياههم زعاق وعيشهم من اللحوم الطرية والمقددة، ويتصيدون الأحناش كثيراً ويطبخون بها بعد سلخها وقطع رؤوسها وأذنابها، والجرب لا يفارق أعناق هؤلاء الزغاويين وهم مشهورون به، وبه يعرف الزغاوي في جميع الأرض، ولولا أنهم يأكلون الأحناش لتقطعوا جذاماً، وهم عراة، يسترون عوراتهم فقط بالجلود المدبوغة من الإبل والمعز، ولهم في هذه الجلود التي يستترون بها ضروب من القطع معلومة وأنواع محكمة. شاطبة: بالأندلس، مدينة جليلة متقنة حصينة لها قصبتان ممتنعتان، وهي كريمة البقعة كثيرة الثمرة عظيمة الفائدة طيبة الهواء، وهي قريبة من جزيرة شقر، ويعمل بها كاغد لا نظير له بمعمور الأرض يعم المشرق والمغرب. وفي شاطبة يقول الشاعر يذمها: شاطبة الشرق شر دار ليس لسكانها فلاح الكسب من شأنهم ولكن أكثر مكسوبهم سلاح وفيها بنيان قديم من عمل الأول يقولون له الصنم، وفيه يقول شاعرهم: بقية من بقايا الروم معجبة أبدى البناة لنا من أمرها حكما لم ندر ما أضمروا فيها سوى أمم من الأوائل سموه لنا صنما كالمبرد الفذ ما أخطا مشبهه حقاً لقد برد الأيام والأمما وهي حاضرة آهلة بها جامع ومساجد وفنادق وأسواق، وقد أحاط بها الوادي. الشاهجان: من كور سابور، ويقال: مرو الشاهجان. شالوس: مدينة بين جرجان وطبرستان، فيها منبر وأسواق، وعلى فرسخ منها حد الديلم. شبام: بكسر أوله وقد يفتح، جبل لهمدان باليمن، قال ابن الكلبي: شبام قبيلة، منسوبون إلى جبل وليس بأب ولا أم. ومن مأرب إلى مدينة شبام من بلاد حضرموت أربع مراحل.

وشبام حصن منيع جامع آهل في قنة جبل شبام، وهو جبل منيع جداً لا يرتقى إلى أعلاه إلا بعد جهد، وفي أعلاه قرى كثيرة عامرة ومزارع ومياه جارية وغلات. ولما وقع الزلزال باليمن سنة إحدى عشرة ومائتين، انهدمت شبام جميعاً إلا دار إبراهيم بن الصباح، وكان كثير الصدقة، فيقال إن ذلك من قبل الصدقة. شبرو: موضع على مقربة من تبسة من البلاد الإفريقية، به كانت وقيعة للشيخ أبي محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص ملك إفريقية على يحيى بن إسحاق المسوفي الميورقي في آخر ذي القعدة من سنة أربع وستمائة، وذلك أن صاحب المغرب محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الملقب بالناصر لما طلع إلى مراكشه من حركة إفريقية، وقد طرد عنها يحيى بن إسحاق هذا، قدم على البلاد هذا الشيخ أبا محمد عبد الواحد وعلم أنه لا يسد ثغرها سواه، فبقي عبد الواحد يصلح أمر إفريقية ويذب عنها ويحيى بن إسحاق منزو عنه في أطراف إفريقية، فلما علم بانفصال الخليفة عنها طمع في العود إليها، فكاتب القبائل واستنفر الأعراب ووعدهم ومناهم، فاجتمعت له جموع كثيرة فبسطوا أيديهم في الأطراف، وعاثوا في البلاد، وبلغ ذلك صاحب إفريقية فخرج من تونس بأجناده وموحديه فنزل المحمدية، وكاتب من أطاعه من العرب، وجد به السير حتى وصل أحواز تبسة، ولم يصله من العرب إلا القليل، وعلم يحيى بن إسحاق بإقباله، فزحف إليه بجموعه، فالتقى الجمعان بشبرو ووقع بينهم قتال كثير، وحمل يحيى على قلب عسكر الموحدين فخلي له، وفي رجوعه طعنه رجل من عبيد المخزن بالرمح في فخذه، فأنفذ الرمح إلى بداد السرج، وكاد يسقط، فجاءوا أصحابه وخلصوه، وحملت أيضاً ميمنته على ميسرة الموحدين فأزالوها نحو العشرة أميال وكاد الخلل يظهر، ولما رجع يحيى بن إسحاق مطعوناً حملت ميسرة الموحدين على جمع الميورقي فهزموهم نحو العشرين ميلاً، وكان الشيخ أبو محمد عبد الواحد في القلب فحمل بأصحابه على من يليهم فتمت عليهم الهزيمة، ووقع في الموارقة القتل والنهب، وكان ذلك سبب الفتح بعد أن أتى القتل على جملة من أصحاب يحيى، وانساب يحيى في جملة من أصحابه طريداً جريحاً على إكاف لا يلوي على شيء، ورجع الشيخ أبو محمد مظفراً غانماً، وكانت الهزيمة من أول الزوال إلى غروب الشمس وحال بينهم الليل، وفقد من جموع الموارقة نحو الخمسمائة وأخذت لهم نحو مائة وخمسين فرساً ونحو ألفي جمل بحمولتها. الشحر: بكسر أوله وإسكان الحاء المهملة، هو شحر عمان، وهو ساحل اليمن، وهو ممتد بينها وبين عمان. وأرض الشحر متصلة بأرض حضرموت، وفيها قبائل مهرة، وهي دار عاد الأولى، الذين أرسل الله تعالى إليهم نبيهم هوداً عليه السلام، وكانوا ثلاث عشرة قبيلة، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكان الملك بعد نوح عليه السلام تأثل في عاد الأولى قبل سائر الممالك، وذلك قوله تعالى: " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله " قيل: كانوا في هيئة النخل طولاً، وكانوا في القوة واتصال الأعمار بحسب ذلك، وآثارهم بالشحر ومواضع مساكنهم تدل على عظم أجسامهم، وكان عاد جباراً بعيد العمر، وتزوج ألف امرأة، ورأى من صلبه أربعة آلاف ولد، وعاش ألف سنة ومائتي سنة، وابنه شداد هو الذي بنى إرم ذات العماد، وهذه عاد الثانية، إذ قال تعالى في الأولى: " أهلك عاداً الأولى "، وقال في هذه الثانية: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد "، وبلاد عاد: الشحر وحضرموت والأحقاف، فلما سخط الله تعالى عليهم جعلها مفاوز، وكانت أخصب البلاد.

والشحر مدينة كبيرة وليس بها زرع ولا ضرع، ويكون بها العنبر، وشجرها الكندر، ومنها يحمل إلى الآفاق، واللاك بها كثير. والإبل المنتجة عند هؤلاء العرب لا يعدل بها شيء في سرعة جريها ومن غريب ما ينسب إليها أنها تفهم الكلام وتعلم ما يراد منها بأقل أدب تعلمه، ولها أسماء إذا دعيت بها أجابت بلا تأخر. وقصبة أرض مهرة تسمى الشحر، ولسان مهرة مستعجم جداً لا يكاد يفهم، وهو اللسان الحميري في القديم، وهم أكثر أهل الأرض رواحل، وجل مكاسبهم الإبل والمعز، والسمك يصاد في ذلك البحر وبلاد عمان، وعندهم حوت صغير جداً يصاد ويشمس وتعلف به الدواب والإبل. وأهل مهرة لا يعرفون الحنطة ولا خبزها إنما أكلهم السمك وشربهم الألبان وقليل الماء، قد اعتادوا ذلك وألفوه فلا يعدلون عنه، ومن تغرب منهم فأكل الحنطة تألم وربما مرض. وطول بلاد مهرة تسعمائة ميل، وهي كلها رمال سيالة والرياح تسفيها، ومن آخر بلاد الشحر إلى عدن ثلثمائة ميل. وفي هذه المدينة أشجار اللاك والكندر، وهي أشجار مثل أشجار التوت إلا أنها لا تورق بل تحمل أغصانها كلها الكندر. شجس: قرية بالأندلس قريبة من بطرير وهي قرية جامعة مفيدة، وهي قريبة من شاطبة. شذونة: بالأندلس، وهي كورة متصلة بكورة مورور، وعمل شذونة خمسون ميلاً في مثلها، وهي من الكور المجندة، نزلها جند فلسطين من العرب. وكورة شذونة كورة جليلة القدر، جامعة لخيرات البر والبحر، كريمة البقعة عذية التربة، تغيض مياهها فلا تذوي مع المحل ثمارها، وقد لجأ إليها عامة أهل الأندلس سنة ست وثلاثين ومائة. وكانت الأندلس قد قحطت ستة أعوام. ومن كور شذونة شريش وغيرها، وفيها كانت الهزيمة على لذريق حين افتتحت الأندلس سنة ست وتسعين، وبقرب شذونة موضع يعرف بالجبل الواسط، وهو جبل فيه آثار للأول، وفي شق صخرة داخل كهف فيه فأس حديد متعلق من الشق الذي في الصخرة تراه العين وتلمسه اليد، فمن رام إخراجه لم يطق ذلك، وإذا رفعته اليد ارتفع وغاب في شق الصخرة ثم يعود إلى حالته؛ ويذكر مشايخ كور شذونة أن النار أوقدت على الموضع ورش بالخل لينكسر ويوصل إلى استخراج الفأس فلم يقدر على ذلك وأعضلهم أمره، وقرنت الثيران في بعض الأزمنة وجعلت عجلتان وشد بهما طرفا حبل وثيق قد ربط في الفأس، وحملوا على الثيران لينقلع الفأس فلم يستطع ذلك. قالوا: وأطيب العنبر العربي إنما يوجد بساحلها، وبساحل شذونة يوجد الحوت التن لا في غيره من سواحل الأندلس، فيظهر في أول شهر مايه، لا يرى قبل هذا الشهر، فإنه يخرج من البحر المحيط فيدخل إلى البحر المتوسط الذي يسمى البحر الرومي، فيصاد مدة ظهوره أربعين يوماً، ثم لا يظهر إلى مثل ذلك الوقت من العام الآخر، وبساحل شذونة المقل الذي يعظم جماره حتى يكون قلبه مثل قلب النخل، وكانت ترد منه الغرائب على الخلفاء، وكانت جباية شذونة في أيام الأمير الحكم بن هشام خمسين ألفاً وستمائة. شرمساح: مدينة في ضفة النيل الشرقية من بلاد مصر، وهي مدينة جليلة لكنها ليست بالكبيرة ولها سوق جامعة. الشرف: ماء لبني كلاب، وقيل لباهلة. والشرف أيضاً من سواد اشبيلة بالأندلس، وهو جبل شريف البقعة كريم التربة دائم الخضرة، فراسخ في فراسخ طولاً وعرضاً لا تكاد تشمس منه بقعة لالتفاف زيتونه واشتباك غصونه، وزيته من أطيب الزيوت، كثير الريع عند العصر لا يتغير على

طول الدهر، ومن هناك يتجهز به إلى الآفاق براً وبحراً. وكل ما استودع أرض اشبيلية وغرس في تربتها نما وزكا وفضل وجل، ويقال: إن في الشرف ثمانية آلاف قرية عامرة وديارها حسنة، وبين الشرف واشبيلية ثلاثة أميال، وسمي بذلك لأنه مشرف من ناحية اشبيلية ممتد من الجنوب إلى الشمال، وهو كله تراب أحمر، وشجر الزيتون فيه من هذا المكان إلى قنطرة لبلة. شريش: من كور شذونة بالأندلس، بينها وبين قلشانة خمسة وعشرون ميلاً، وهي على مقربة من البحر، يجود زرعها ويكثر ريعها، وبين المغرب والقبلة من شريش حصن روطة على شاطئ البحر، بينهما ستة أميال، وهو موضع رباط ومقر للصالحين يقصد من الأقطار، وبروطة هذه بئر خصت بماء لا يعلم مثله في بقعة، وهي بئر أولية قديمة البنية، ينزل المرء فيستقي الماء بيده حيث انتهى من البئر، فكلما كثر البشر بحصن روطة واجتمعت إليه المرابطة طما الماء في البئر وزاد حتى يستقى من رأس البئر باليد دون معاناة ولا مشقة، فإذا قل الناس بها وتفرقوا نضب الماء حتى يكون بآخر درك. وشريش متوسطة حصينة حسنة الجهات قد أطافت بها الكروم الكثيرة وشجر الزيتون والتين، والحنطة بها ممكنة. شرشارة: قلعة في الهند كانت مستقر ملك من ملوكهم، وهي من جملة ما فتحه محمود، سلطان خراسان، في غزاته المشهورة سنة ثمان وأربعمائة، فتحها بعد امتناعها من قبل على من رامها وغنم جماعة المسلمين جميع أموالها وسبوها وتركوها عبرة لمن أبصرها. شرشال: مدينة في المغرب في ناحية برشك بينهما عشرون ميلاً، وهي متحضرة بها مياه جارية وآبار عذبة وفواكه كثيرة وسفرجل عظيم الجرم ذو أعناق كأعناق القرع الصغار، وهو غريب في ذاته، وبها كروم، وما دار بها بادية لأهلها مواش وأغنام كثيرة، والنخل عندهم كثير والعسل ممكن، وأكثر أموالهم الماشية، ولهم من زراعة الحنطة والشعير ما يزيد على الحاجة، ومن شرشال إلى جزائر بني مزغنا سبعون ميلاً. وبشرشال آثار للأول، وأظنها الآن غير مسكونة، وفيها بنيان عجيب يسمى محراب سليمان عليه السلام قد علا في الهواء، ويقابلها من الأندلس مرسى لقنت. شريرة: جزيرة في بحر الهند تسمى أرض الذهب طولها سبعمائة فرسخ، وشجرها البقم والكافور والعود، وفيها ثمر يسمى درنيك يأكلونه، وثمر آخر على صفة الرمان وليس به وهو ألذ منه وأطيب، وشجر الرمان فيها كثير، وفي هذه الجزيرة أكثر من عشرين جنساً من الموز. شروان: هي إحدى مدن ارمينية، قالوا: والصخرة في قول الله تعالى: " إذ أوينا إلى الصخرة " هي صخرة شروان والبحر بحر جيلان، ومجمع البحرين: من بحر فارس والروم، قاله قتادة، قال غيره: بحر إفريقية، وخرق الخضر السفينة في بحر رادس، والملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً الجلندى بن الجلندى، وقتل الغلام بطنبذة وهي المحمدية، ومن ذلك الموضع فارق موسى عليه السلام. وكان الروس وهي أمة كبيرة لا تنقاد إلى ملك ولا إلى شريعة، وفيهم تجار يختلفون إلى ملك البرغز، فلما كان بعد الثلثمائة ورد لهم نحو من خمسمائة مركب، في كل مركب مائة نفس، فدخلوا خليج نيطس المتصل بنهر الخزر، وهنالك رجال لملك الخزر مرتبون بالعدد القوية، يصدون من يرد من ذلك البحر ومن يرد من ذلك الوجه من البر الذي يتشعب من بحر الخزر ويتصل ببحر نيطس، لأن بوادي الترك الغز ترد إلى ذلك البر فتشتي هنالك، فربما جمد هذا الماء المتصل من نهر الخزر إلى بحر نيطس فتعبر الغز عليه بخيولها وهو ماء عظيم فلا ينخسف من تحتهم لشدة استحجاره، فتغير على بلاد الخزر، فربما

خرج إليهم ملك الخزر إذا عجز من هنالك من رجاله المرتبين عن دفعهم فمنعهم العبور على ذلك الجمد، ودفع عن مملكته، وأما في الصيف فلا سبيل للترك إلى العبور عليه، فلما أن وردت مراكب الروس إلى رجال الخزر المرتبين على فم الخليج، راسلوا ملك الخزر في أن يجتازوا بلاده وينحدروا في نهره فيدخلوا بحر جرجان وطبرستان وغيرهما من الأعاجم، على أن يعطوه النصف مما يغنمون من هنالك من الأمم على ذلك البحر، فأباحهم ذلك، فدخلوا الخليج واتصلوا بمصب النهر وصاروا مصعدين في تلك الشعبة من الماء حتى وصلوا نهر الخزر وانحدروا فيه إلى مدينة إثل واجتازوا بها وانتهوا إلى النهر ومصبه إلى بحر الخزر ومصب النهر إلى مدينة إثل، وهو نهر عظيم وماء كثير، فانتشرت مراكب الروس في هذا البحر وطرحت سراياها إلى الجبل والديلم وبلاد طبرستان وسواحل جرجان وبلاد النفاطة وبحر بلاد أذربيجان، فسفكت الروس الدماء واستباحت النسوان والولدان وغنمت أموالاً وشنت الغارات وأحرقت، فضج من حول هذا البحر من الأمم لأنهم لم يكونوا يعهدون في قديم الزمان عدواً يطرقهم فيه، وإنما تختلف فيه مراكب التجار والصيد، وكانت لهم حروب مع الجيل والديلم ومع قائد لابن أبي الساج وانتهوا إلى ساحل النفاطة من مملكة شروان، فكانت الروس تأوي عند رجوعها من سواحل البحر إلى جزائر تقرب من النفاطة وعلى أميال منها، وكان ملك شروان يومئذ علي بن الهيثم، فاستعد الناس وركبوا في قوارب ومراكب التجار وساروا نحو تلك الجزائر، فمالت عليهم الروس فقتل من المسلمين وممن غرق ألوف، وأقام الروس شهوراً كثيرة في هذا البحر على ما وصفنا، ولا سبيل لأحد ممن جاور هذا البحر من الأمم إليهم، والناس متأهبون لهم حذرون منهم، لأنه بحر غاص بمن حوله من الأمم، فلما غنموا وسئموا مما هم فيه ساروا إلى فم نهر الخزر ومصبه، فراسلوا ملك الخزر وحملوا إليه الأموال والمغانم على ما اشترطه عليهم وملك الخزر لا مراكب له ولا لرجاله بها عادة ولولا ذلك لكان على المسلمين منه آفة عظيمة وعلمت بشأنهم اللارسية ومن في بلاد الخزر من المسلمين فقالوا لملك الخزر: خلنا وهؤلاء القوم فقد أغاروا على بلاد إخواننا المسلمين وسفكوا الدماء وسبوا النساء، فلم يمكنه منعهم، وبعث إلى الروس فأعلمهم بما عزم عليه المسلمون من حربهم، وعسكر المسلمون وخرجوا يطلبونهم منحدرين مع الماء، فلما وقعت العين على العين خرجت الروس على مراكبها وصافوا المسلمين، وكان مع المسلمين من النصارى المقيمين بمدينة إثل، وكان المسلمون في نحو من خمسة عشر ألفاً بالخيول والعدد، وأقامت الحرب بينهم ثلاثة أيام، ونصر الله المسلمين فأخذهم السيف فمن قتيل وغريق، ونجا منهم نحو خمسة آلاف ركبوا في المراكب إلى ذلك الجانب مما يلي برطاس، فتركوا مراكبهم وتعلقوا بالبر، فمنهم من قتله أهل برطاس، ومنهم من وقع إلى بلاد البرغز من المسلمين فقتلوهم، وأحصي من قتلاهم على شاطئ نهر الخزر نحو من ثلاثين ألفاً، ولم يكن للروس من تلك السنة عودة إلى ما ذكرنا. شراف: مبني على الكسر مثل: حذام وقطام، موضع كانت فيه وقعة لطيء على بني ذبيان، وهي من أعمال المدينة. ولما توجه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في الجنود إلى العراق، في خلافة عمر رضي الله عنه، نزل فيه، فأقام بها ثم كتب إليه عمر رضي الله عنه أن يرتفع إلى زرود فأقام بها شتوة، ثم كتب إليه أن انزل شراف واحذر على من معك من المسلمين، إلى أن كان من أمر القادسية ما كان. شروسان: مدينة بمقربة من مهران السند، بينها وبين المنصورية أربع مراحل، وهي مدينة جليلة المقدار كثيرة العيون والأنهار، وأسعارها رخيصة ونعمها كثيرة ولأهلها كفاف مال وتجاراتهم حسنة، والقاصد إليهم كثير، والبضائع إليهم نافقة.

شكلة

شكلة (1) جزيرة في البحر الشامي، وهي قريبة من نابل (2) الساحلية، وهي جزيرة خصيبة تسمى ميور (3) ، ويقال للجزيرة شكلة ميور، وبينها وبين نابل ثلاثون ميلاً، وبالقرب من مرسى البوالص من جزيرة صقلية قلعة تسمى شكلة (4) أيضاً وهي من أجل القلاع وأفضل البقاع، وهي من البحر على ثلاثة أميال وهي بادية وحاضرة وبها أسواق وتجارات وخيرات وجنات، ويسافر إليها في البحر من بلاد قلورية ومن إفريقية ومالطة وغيرهما، وباديتها طيبة، وبها أنهار غزيرة عليها أرحاء، ومن الغرائب أن بها عيناً تعرف بعين الأوقات تجري في أوقات الصلوات وتجف في غير ذلك. شلب (5) من بلاد الأندلس، وهي قاعدة كورة اكشونبة، وهي بقبلي مدينة باجة، ولها بسائط فسيحة وبطائح عريضة، ولها جبل عظيم منيف كثير المسارح والمياه، وأكثر ما ينبت فيه شجر التفاح العجيب يتضوع منه روائح العود إذا أرسلت فيه النار. وهي (6) في بسيط من الأرض عليها سور حصين، ولها جنات وغلات، وشرب أهلها من واديها الجاري إليها من جهة جنوبها وعليه أرحاء البلد، والبحر منها في الغرب على ثلاثة أميال ولها مرسى في الوادي وبها الإنشاء (7) ، والعود بجبالها كثير يحمل منها إلى كل الجهات. والمدينة في ذاتها حسنة الهيئة بديعة البناء مرتبة الأسواق وأهلها وسكان قراها عرب من اليمن وغيرها وكلامهم بالعربية الصريحة، وهم فصحاء يقولون الشعر، وهم نبلاء خاصتهم وعامتهم، وأهل بوادي هذه البلدة في غاية من الكرم لا يجاريهم فيه أحد. ومن شلب إلى بطليوس ثلاث مراحل، ومن شلب إلى مارتلة أربعة أيام. وفي سنة خمس وثمانين وخمسمائة (8) في ربيع الآخر منها نازل ابن الرنق (9) صاحب قلمرية وما إليها من غرب الأندلس، مدينة شلب هذه، فلم يزل محاصراً لها إلى أن ضاق أهلها بالحصار وخافوا الغلبة عليهم فصالحوه على أن يخرجوا سالمين في أنفسهم ويتركوا البلد بجميع ما فيه من أموالهم وأثاثهم، فأجابهم إلى ذلك، ووفى لهم بما صالحهم عليه، ودخلها في الموفي عشرين من رجب هذه السنة. وبلغ أمر شلب إلى صاحب المغرب والأندلس المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن فامتعض لذلك وأنف منه وكبر عليه فاعترض جنوده، واستنفر وضم حشوده، واستعد الأسلحة وفرق الأموال، وخرج من مراكش قاصداً إلى الأندلس في وسط ذي الحجة من هذه السنة، واستمر سيره إلى أن وصل إلى رباط الفتح من مدينة سلا فأقام بها نحواً من ثلاثين يوماً إلى أن توافت الحشود وتكاملت القبائل، وورد عليه في أثناء مقامه برباط الفتح فتح فتح عليه في المغرب وهنئ به، وفيه يقول أبو بكر بن مجبر: قلائد (10) فتح كان يذخرها الدهر ... فلما أردت الغزو أبرزها النصر القصيدة بطولها. وتحرك المنصور من رباط الفتح في أخريات المحرم عام ستة وثمانين وخمسمائة، وركب البحر من قصر مصمودة في الثاني والعشرين من ربيع الأول، فأقام بطريف إلى أن تحرك منها في غرة ربيع الآخر، وسار إلى قرطبة وعقدت له الرايات بجامعها الأكبر، وفي ذلك يقول أبو بكر بن مجبر قصيدته المشهورة التي أولها (11) : بشراي هذا لواء قل ما عقدا ... إلا ومد له الروح الأمين يدا وأقبل النصر لا يعدو مناحيه ... فحيثما قصدت راياته قصدا

_ (1) اسمها اللاتيني (Ischia) وتسمى اليوم (Ischia) ، الإدريسي (م) : 17، 30. (2) هي المعروفة اليوم باسم نابلي (Napoli) . (3) أي ما يقابل باللاتينية Iscla Major. (4) هي Scicli عند كل من الأستاذين أماري ورتزيتانو. (5) بروفنسال: 106، والترجمة: 129 (Silves) ، وقارن بآثار البلاد: 541. (6) عن الإدريسي (د) : 179 - 180. (7) سقط من ص ع. (8) انظر البيان المغرب 3: 175 وما بعدها (تطوان) . (9) ابن الرنق أو الرنك (ويأتي: الريق في بعض المصادر) هو سانشو (شانجه) الأول ملك البرتغال (ابن هنريكس) . (10) ص ع: قلائل؛ البيان: دلائل. (11) انظر البيان المغرب 3: 179.

شلوبينية:

واستقبلته تباشير الفتوح وقد ... كادت تكون على أكتافه لبدا إلى آخر القصيدة وهي طويلة. ثم تحرك من اشبيلية إلى قصر أبي دانس من غربي الأندلس فنزلوا على حكمه فاحتملوهم إلى مراكش، ورحل من قصر أبي دانس إلى حصن بلماله (1) ، فاستسلموا ورغبوا في الأمان على أن يتركوا الحصن ويسلموا في أنفسهم وينصرفوا إلى بلادهم، فأجيبوا إلى ذلك، وخلي سبيلهم فنهضوا إلى بلادهم، وانتهب جميع ما كان في الحصن ثم هدم، ثم قصد إلى حصن المعدن فافتتح وهدم، وبعد الفراغ من ذلك كان النهوض إلى شلب، فوصلها في ثاني جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فأحدقت الجيوش بها وأخذت بمخنقها ونصب عليها المجانيق وآلات الحرب، وجدوا في قتالها وبالغوا في نكاية أهلها، فطلبوا الأمان في أنفسهم على أن يسلموا المدينة ويخرجوا إلى بلادهم فأجيبوا إلى ذلك، وخرجوا منها في السادس والعشرين من جمادى الآخرة، وفي ذلك يقول أبو بكر بن مجبر قصيدته المشهورة التي أولها: دعا الشوق قلبي والركائب والركبا ... فلبوا جميعاً وهو أول من لبى وظلنا نشاوى للذي بقلوبنا ... نخال الهوى كأساً ويحسبنا شربا إذا القضب هزتها الرياح تذكروا ... قدود الحسان البيض فاعتنقوا القضبا القصيدة. ثم أخذ المنصور في الرحيل إلى مراكش. شلير (2) : هو جبل الثلج المشهور بالأندلس، وهو جبل البيرة، وهو متصل بالبحر المتوسط، ينتظم بجبل ريه، ويذكر ساكنوه أنهم لا يزالون يرون الثلج نازلاً فيه شتاء وصيفاً، وهذا الجبل يرى من أكثر بلاد الأندلس ويرى من عدوة البحر ببلاد البربر. وفي هذا الجبل أصناف الفواكه العجيبة، وفي قراه المتصلة به يكون أفضل الحرير والكتان الذي يفضل كتان الفيوم، وطوله يومان، وهو في غاية الارتفاع، والثلج به دائماً في الشتاء والصيف. ووادي آش وغرناطة في شمال هذا الجبل، ووجه الجبل الجنوبي مطل على البحر، يرى من البحر على مجرى ونحوه، وفيه يقول ابن صارة (3) واستغفر الله من كتب هذا الاستخفاف: يحل لنا ترك الصلاة بأرضكم ... وشرب الحميا وهو شيء محرم فراراً إلى نار الجحيم فإنها ... أمن علينا من شلير وأرحم فإن كنت ربي مدخلي في جهنم ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم شلوبينية (4) : قرية مسكونة على ضفة البحر بينها وبين المنكب عشرة أميال، ويجود فيها الموز وقصب السكر، ولعل الأستاذ أبا علي الشلوبيني (5) منسوب إليها. ويقال (6) شلوبينية تقابل من العدوة الأخرى مرسى مدينة مليلة، ويقطع البحر بينهما في مجريين. شلف (7) : نهر بالمغرب مشهور بقرب مليانة، وعليه مدينة قديمة أزلية فيها آثار أولية كانت تسمى شلف، وإليها ينسب هذا النهر وهي اليوم خراب. شلطيش (8) : بالأندلس، بقرب مدينة لبلة. وهي جزيرة (9) لا سور لها ولا حظيرة، إنما هي بنيان متصل

_ (1) ص ع: بلاله؛ وبلماله (Palmella) راجع بروفنسال، الترجمة: 131 الحاشية: 6. (2) بروفنسال: 112، والترجمة: 137 (Sierra Nevada) واللفظ العربي للاسم مأخوذ من التسمية القديمة وهي (Solarius) أو (Solrius) . (3) هو أبو محمد عبد الله بن صارة البكري، توفي سنة 507 بمدينة المرية (انظر ترجمته في ابن خلكان 3: 93 ومراجع أخرى في الحاشية) . (4) بروفنسال: 111، والترجمة: 136 (Salobrena) وتقع في ولاية غرناطة على شاطئ المتوسط. (5) عمر بن محمد بن عمر الأزدي الشلوبيني النحوي الأندلسي المشهور، توفي سنة 645 (انظر ابن خلكان 3: 498، وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى) . (6) البكري: 99. (7) عن الاستبصار: 171، وقارن بالبكري: 69 حيث يذكر أن مدينة (شلف) بها سوق عامرة. (8) بروفنسال: 110، والترجمة: 135 (Saltes) . (9) عن الإدريسي (د) : 178 - 179.

شلم:

بعضه ببعض، وبها دار صناعة الحديد الذي يعجز عن صنعته أهل البلاد لجفائه (1) ، وهي صنعة المراسي التي ترسي بها السفن وقد تغلب عليها المجوس مرات، ويحيط بجزيرة شلطيش البحر من كل ناحية إلا مقدار نصف رمية حجر، فمن هناك يجوزون لاستقاء الماء لشربهم، وطول الجزيرة نحو ميل وأزيد، والمدينة منها في جهة الجنوب، وهذه الجزيرة بازاء مدينة أونبة ومقدار المجاز بينهما أربعة أميال. وفي صفة استدارة البحر بهذه الجزيرة يقول عبد الجليل بن وهبون من قصيدة يمدح بها المعتمد بن عباد: ألم تر للجزيرة كيف أوفى ... عليها مثل ما انعطف السوار أعد بها على شاطيه دستاً ... ومد يداً إليك بها يشار فإن تقبل تحيته فأجدر ... فربما تواصلت البحار تحيط كما يحيط بها ولكن ... لسمط الدر في العنق افتخار وكان بهذه الجزيرة بيع للأول واتخذت في الفتنة مدينة، ولها أرباض واسعة، وبها آبار عذبة قريبة الأرشية وبساتين حسنة وفيها أطيب الصنوبر، ولها مراع خصيبة لا تصوح وعيون ماء عذب تصلح بها الألبان والقطاني، ومن خاصتها الثريد النفيس. ومدينة شلطيش مرفأ للسفن وركاب البحر، ومرساها يكن بكل ريح، وهي كثيرة السفن، وبها دار صناعة لإنشائها، ويسكنها جماعة من النصارى، ويكون طولها نحو أربعة أميال في عرض يسير. شلم (2) : بفتح أوله وثانيه وتشديده، اسم لبيت المقدس، وقال الهمداني: شلم: ايليا، وقد تعربها العرب فتقول: سلم، بالسين المهملة، قال الأعشى: وقد طفت للمال آفاقه ... عمان فحمص فأوري شلم قال أبو عبيدة: أوري شلم: بيت المقدس، وروي شلم، بكسر الشين. شلبطرة (3) : بالأندلس، من بلاد الأذفونش، وهو حصن من حصون الأندلس من عمل قلعة رباح، كان الملك الناصر أبو عبد الله محمد بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب نزل عليها وحاصرها بالمجانيق الضخام والآلات الحربية حتى قهر أهلها وملكها، وذلك في أول سنة ثمان وستمائة، وكان نزل أولاً على حصن اللج فتملكه، ثم رجع الحصار كله على حصن شلبطرة، فنصب عليها المجانيق ورميت بالحجارة الصم الكبار، وطال حصارها إلى أن ضاق أهلها وأعياهم الأمر، فطلبوا أجلاً يستجلبون فيه ملكهم صاحب طليطلة وقشتيلة الأذفونش بن شانجه، فأعطوا ما طلبوا، فخرج قوم من ثقاتهم إلى طليطلة والتقوا مع ملكهم أذفونش بها أو بغيرها من بلاده وأعلموه. بما انتهوا إليه من الشدة وما بلغوا من الجهد والمشقة، وحملوا إليه بعض أحجار المجانيق التي يرمون بها، فعذرهم، ولم تكن عنده قدرة لدفع ما نزل بهم، ولا استطاع الدفاع عنهم، فأذن لهم في الخروج عنها، فرجعت ثقاتهم بذلك، فطلبوا الخروج مسلمين في أنفسهم فوفى لهم بذلك، ومكنوه من الحصن، وانفصل الناس عنها في صدر ربيع الأول من سنة ثمان وستمائة، وكان الحصار فيها إحدى وخمسين ليلة، ورغم الأذفونش وتنحى ولم يقدر في ذلك الوقت على شيء حتى استغاث بأهل ملته، وكاتب من قرب وبعد منهم وشكا إليهم ما دهاه من المسلمين، وحثهم على حماية دينهم ونصرة ملتهم، فاستجابوا له، وجاءوه من كل جهة وانثالوا عليه، فكان من وقيعة العقاب على الملك الناصر في عام تسعة وستمائة ما هو مذكور في موضعه. ولما ملك الناصر حصن شلبطرة نفذت عنه المخاطبات بهذا الفتح، فمن فصل من ذلك خاطب به صاحب إفريقية حينئذ الشيخ المعظم أبا محمد عبد الواحد (4) ، وهذا كتابنا إليكم من منزل الموحدين

_ (1) سقطت من ص ع. (2) معجم ما استعجم 3: 807. (3) بروفنسال: 108 والترجمة: 132 (Salvatierra) وراجع الخبر عن حصار شلبطرة (سنة 608) في البيان المغرب: 237 وما بعدها (تطوان) . (4) ورد جانب هذه الرسالة في البيان: 238 - 239 وهي من انشاء ابن عياش.

شمشاط:

بمنزل أندوجر، ولما كان صاحب قشتالة أقرب من تعينت حربه داراً وأكثرهم مهما استطاع اضراراً (1) كان أولى من نوينا ووجب تقديم غزوه علينا، وكان المعقل المعروف بشلبطرة قد علقت به حبائل الصلبان، وضج من ناقوسه ما في جهاته الأربع من التكبير والأذان، مرقب الدو، وعقاب الجو، العلم المطل على الأعلام، والنكتة السوداء التي بقيت في بساط الإسلام، والخبأة الطلعة، الذي لا حال للمسلمين معه، قد جعلته النصرانية إلى كل غاية جناحاً، وأعدته إلى أبواب المعاقل والمدائن مفتاحاً، فاستخرنا الله تعالى على منازلته وقلنا هو يمين صاحب قشتالة إن قطعت قعد مقعد الذليل، ومظنة غيرة إن لم يتحرك لها، فقد قام على ضعفه أوضح دليل، ونحن في ذلك نبرأ من القوة والحول، ونتوكل على الله ذي الفضل والطول، فقبل النزول من السروج ووضع المهند والوشيج حباهم الله (2) بكل ضرب وجيع، وموت وحي سريع، وملكوا عليهم أرباضهم وكانت من الذروة إلى البطحاء، فأضرموها ناراً من جميع الأنحاء، ونسخوا فيها آية النهار بالظلماء، فألقوا يد الاستسلام، وذلوا لعزة الإسلام، ورغبوا في أمد يقيمون فيه الحجة على صاحبهم، فأذنا لرسلهم في التوجه إليه، لعلمنا أن ذلك أشد من وقع السيوف عليه، فحين إذ وافته رسلهم اعترف لهم بالصغار، وقلة القوة على الانتصار، وفارقوه على تسليم الدار، لمن له عقبى الدار، فنبذنا إليهم بأنفسهم احتقاراً، وساروا إلى قومهم يحملون هموماً طوالاً وآمالاً قصاراً، وعلى أثرهم طهر الله تعالى المعقل من الأدران، ورقيت أعاليه ألوية الإيمان، وبدل الله عز وجل فيه الناقوس بالأذان، وحولنا كنيسته مسجداً ومنبراً على تقوى من الله ورضوان. شمنصير (3) : وقيل شماصير بالألف بدل النون، جبل ململم من جبال تهامة لم يعله قط أحد ولا درى ما على ذروته، وبأعلاه القرود، والمياه حواليه ينابيع تنساب، وبطرفه قرية يقال لها رهاط، وبغربيه قرية يقال لها الحديبية ليست بالكبيرة، وهذه القريات لسعد ومسروح، وفي سعد هذه نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الحديبية إلى المدينة تسع مراحل، وإلى مكة مرحلة، وأصحاب الحديث يقولون: الحديبية بئر، وهناك مسجد الشجرة. شمشاط (4) : مدينة في أرمينية، وهي أول حدود أرمينية، وهي على الفرات، ومنها إلى ملطية أحد وخمسون ميلاً. وشمشاط مدينة رومية كبيرة بها يكون والي ثغور الجزيرة، ومنها تخرج جيوش المسلمين إلى بلاد الروم، وهي على تخوم أرمينية وفيها قبر صفوان بن المعطل السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبين شمشاط (5) وحصن زياد شجرة لا يعرف أحد ما هي ولا يدرى لها نظير، لها حمل شبيه اللوز إلا أنه يؤكل بقشره، وهو أحلى من الشهد. ولما جمع عثمان بن عفان لمعاوية رضي الله عنهما الشام والجزيرة وثغورها، أمره أن يغزو شمشاط، فوجه إليها حبيب بن مسلمة الفهري وصفوان بن المعطل، ففتحاها بعد أيام من نزولهما عليها صلحاً على مثل صلح الرها، فأقام بها صفوان وبها توفي في آخر خلافة معاوية رضي الله عنه، ويقال: إن معاوية غزاها بنفسه، ولم تزل شمشاط خراجية حتى صيرها المتوكل على الله عشرية أسوة غيرها من الثغور، ومبلغ مجبى شمشاط وما ينضاف إليها سبعمائة ألف وخمسة عشر ألف درهم. وبشمشاط (6) قلعة حصينة تحتف بها جبال فيها الجوز والكروم وسائر الثمار. الشماسية: بالعراق، كان المعتصم (7) خرج من بغداد يرتاد موضعاً لمدينة يبنيها فمر بالشماسية، وهي خارج بغداد فضاقت عليه ولم يرضها حتى أتى موضع سر من رأى فأرضاه، فابتدأ بناءها. وفي خبر أن مهدي بن علوان الشاري (8) كان خرج على المأمون أو على أبيه وانتهت خيله إلى الشماسية بالعراق، وأما البردان وقطربل ومسكن وما والاهما فكانت بها منازله، قال الفضل بن مروان: في سنة ست ومائتين أتى المأمون بمهدي الشاري أسيراً

_ (1) ص ع: إصراراً. (2) البيان: حياهم الناس. (3) معجم ما استعجم 3: 810، ورسالة عرام: 26 - 28. (4) قارن بياقوت (شمشاط) . (5) ابن الفقيه: 287، وابن خرداذبه: 123. (6) نزهة المشتاق: 197. (7) مر هذا في مادة ((سامرا)) ، وانظر اليعقوبي: 256. (8) خرج سنة 202 أو 203، وكان خروجه بزرجسابور، والحقيقة أنه خرج على إبراهيم بن المهدي لا على المأمون (الطبري 3: 1016 والعيون والحدائق: 354، وانظر تفصيلاً في أخباره في تاريخ الموصل 350 - 352) .

شنترين:

ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه فوصفه بالعقل وقال: انتهت خيله إلى الشماسية. قال: وكان فرات جلولاء في يد المعتصم، وهو أمير، فكتبت إليه عنه: لعبد الله مهدي أمير المؤمنين من أبي إسحاق ابن أمير المؤمنين يسأله الكف عن ضياعه ويبذل له عليها شيئاً من المال، ووجه بالكتاب معي، فصرت إليه وهو بجلواباذ عليه دراعة وسيف وعمامة هارونية، فقلت له: قد أتيتك بكتاب ما أتاك مثله، أعني مخاطبة أبي إسحاق إياه بالخلافة، قال: فدعا بكتب كثيرة من الهاشميين وغيرهم يخاطبونه بالخلافة، قال: فكتب لي بما أردت وأعطاني خاتمه فختمت به الكتاب، فكان أول خاتم باطل وقع في يدي ثم ردفه خاتم إبراهيم بن المهدي. قال: ومرت بنا امرأة نصرانية فقال لي مهدي: هذه أمي وليس يحل لي أن أكرهها على الإسلام. قال: وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسوء، فقال: هل لكم فيما هو خير من هذا كله؟ نكله إلى الله عز وجل. وقال يحيى بن أكثم: كنت أساير المأمون فوق باب الشماسية وهو على بغل، فخرج من زرع كان بالقرب من الطريق رجل معه قصة، فنفر البغل ورمى بالمأمون، فقال المأمون: والله لأقتلنك، فلما استوى على بغلته قال له الرجل: يا أمير المؤمنين لأن تلقى الله حانثاً خير لك من أن تلقاه قاتلاً، قال: صدقت والله، وقضى حاجته ووقع في قصته ما أراد. وقال أحمد بن أبي دواد: كنت أعيب الغناء وأطعن على أهله، فخرج المعتصم يوماً إلى الشماسية في حراقة يشرب ووجه في طلبي فصرت إليه، فلما قربت منه سمعت غناء حيرني وشغلني عن كل شيء، فسقط سوطي من يدي، فالتفت إلى غلامي أطلب منه سوطه فقال لي: قد والله سقط مني، قلت له: فأي شيء كان سبب سقوطه؟ قال: صوت سمعته شغلني عن كل شيء فسقط سوطي من يدي، فإذا قصته قصتي، قال: وكنت أنكر أمر الطرب على الغناء وما يستفز به الناس منه ويغلب على عقولهم، وأناظر المعتصم فيه، فلما دخلت عليه يومئذ أخبرته بالخبر، فضحك وقال: هذا عمي كان يغني: إن هذا الطويل من آل حفص ... نشر المجد بعد ما كان ماتا فإن كنت تبت مما كنت تناظرنا عليه في ذم الغناء سألته أن يعيده، ففعلت وفعل، وبلغ الطرب مني أكثر مما كان يبلغني عن غيري فأنكره، ورجعت عن رأيي فيه منذ ذلك اليوم. شنترين (1) : بالأندلس مدينة معدودة في كور باجة، وهي مدينة على جبل عال كثير العلو جداً، ولها من جهة القبلة حافة عظيمة ولا سور لها، وبأسفلها ربض على طول النهر، وشرب أهلها من العيون ومن ماء النهر، ولها بساتين كثيرة وفواكه ومباقل، وبينها وبين بطليوس أربع مراحل. وهي من أكرم الأرضين (2) ، ونهرها يفيض على بطحائها كفيض نيل مصر فيزدرع أهلها على ثراه عند انقطاع الزريعة في البلاد وذهاب أوانها فلا يقصر عن نمائه الطيب ولا يتأخر إناه وإدراكه. ومن أقاليمها صقلب (3) ، وهي أطيب بقاع الأرض يرفع في أرضه عند توسط الرياع للحبة مائة، وعند كماله للحبة مائتان. ولشنترين جزائر في البحر مسكونة. وكانت جباية شنترين ألفين وتسعمائة دينار، وأحوازها متصلة بأحواز باجة. وكان يوسف بن عبد المؤمن (4) ملك المغرب اجتاز عليها في حركته الأندلسية بعسكره وهو أربعون ألفاً من أنجاد العرب الفرسان، ومن الموحدين والجنود والمطوعة وفرسان الأندلس وأجنادها ما ينيف على مائة ألف فارس، وبرز أسطوله على الأشبونة وحاصرها عشرين يوماً ونزل على أعظم قواعد ابن الرنق عدو المغرب، وكان مؤذياً للمسلمين من قاعدته (5) ، وهي شنترين هذه، فبرز عليها في أمم لا تحصى، وهناك عرض له المرض الذي توفي فيه، أقام يرحل به على مطية مضطجعاً على فراشه وضعفه يتزايد إلى أن تفقد في بعض أميال فوجد ميتاً، وذلك في سنة ثمانين وخمسمائة، فتقدم

_ (1) بروفنسال: 113، والترجمة: 139 (Santrem) ، وقارن بآثار البلاد: 542. (2) من هنا عن الإدريسي (د) : 186. (3) انظر ياقوت (صقلب) . (4) انظر تفصيل غزوة أبي يعقوب هذه إلى الأندلس في البيان المغرب 3: 128 وما بعدها (تطوان) وخاصة الصفحة 133 - 134 في حصار شنترين. (5) سقطت من ص ع.

شندان:

للأمر ولده يعقوب المنصور، فقفل بالناس إلى اشبيلية فبويع بها ورجع إلى مراكش. شنتجالة (1) : في طرف كورة تدمير بالأندلس مما يلي الجوف، ويقال لها أيضاً: جنجالة، وإليها ينسب الوطاء الجنجالي لعمله بها. شنترة (2) : من مدائن الأشبونة بالأندلس، على مقربة من البحر، ويغشاها ضباب دائم لا ينقطع، وهي صحيحة الهواء تطول أعمار أهلها، ولها حصنان في غاية المنعة، وبينها وبين البحر قدر ميل، وهناك نهر ماؤه يصب في البحر ومنه شرب جناتهم، وهي أكثر البلاد تفاحاً ويجل عندهم حتى يبلغ دورها أربعة أشبار، وكذلك الكمثرى، وبجبل شنترة ينبت البنفسج بطبعه ويخرج من شنترة عنبر جيد، ويخرج أيضاً في شذونة من بلاد الأندلس. شندان (3) : مدينة من بلاد السند بينها وبين البحر ميل ونصف، وهي مدينة متحضرة الأهل أهلها تجار مياسير متجولون، والمسافر إليها كثير والخارج عنها كثير. شبوة (4) : مدينة في أول مدائن حضرموت، يباع فيها حمل بدرهم. شنتمرية (5) : مدينة في الأندلس من مدن اكشونبة. وهي أول الحصون التي تعد لبنبلونة (6) ، وهي أتقن حصون بنبلونة بنياناً وأعلاها سموكاً، مبتناة على نهر أرغون على مسافة ثلاثة أميال منه. وبناحية شنتمرية أعجوبة عاينها كل من دخل تلك الناحية من المسلمين، وذلك عين تنفجر بماء كثير يبصر ذلك الناس عياناً، فإذا قربوا منها ووقفوا عليها انقطع جريانها فلا تبض بقطرة، فإذا تباعد الناس عنها عادت إلى حالها، وهذا مستفيض لا يجهله أحد ممن صاقب تلك الناحية. وشنتمرية (7) على معظم البحر الأعظم، سورها يصعد ماء البحر فيه إذا كان فيه المد، وهي مدينة متوسطة القدر حسنة الترتيب بها مسجد جامع ومنبر وجماعة، وبها المراكب واردة وصادرة، وهي كثيرة الأعناب والتين، وبينها وبين شلب ثمانية وعشرون ميلاً. وإليها ينسب الأستاذ أبو الحجاج يوسف بن سليمان الشنتمري (8) الأعلم ذو التصانيف المشهورة. وهي مدينة أولية، وبها دار صناعة الأساطيل وبازائها جزائر في البحر تنبت شجر الصنوبر، ومن الغرائب ما ظهر بشنتمرية هذه في عشر الستين والخمسمائة، وذلك صبي يتواصف المحققون ممن عاين أمره أن سنه خمسة أعوام أو نحوها بلغ مبلغ الرجال وأشعر، وهذا مستفيض عندهم. شنت ماركو (9) : قلعة بصقلية عظيمة ذات آثار قديمة وعمارتها كثيرة، وبها أسواق وحمام وجمل من الفواكه والثمار، ولها بادية ومزارع واسعة ومياه ناشعة، وينبت بها من جميع جهاتها البنفسج الذكي الرائحة العطر، وساحلها حسن تنشأ به المراكب من خشب جبالها. شنت زلايه (10) : مدينة أو قرية بالأندلس على طريق قلشانة وهي عن يمين الطريق، وناقوسها ملقى في الأرض لا حارس له ولا رقبة عليه، ويزعم أهلها أنه معقود ممنوع من جميع الناس وأن من أخذه لا يمكنه الخروج به من القرية وإن خصيتي من أخذه تنتفخ ويشتد وجعها (11) حتى يصرفه إلى موضعه، هذا عندهم صحيح لا يشكون فيه.

_ (1) بروفنسال: 112، والترجمة: 138، وقد مر التعريف بها في مادة ((جنجالة)) . (2) بروفنسال: 112، والترجمة: 138 (Cintra) ، وقارن بآثار البلاد: 542. (3) الإدريسي (ق) : 52 (سندان، بالسين المهملة) . (4) ص ع: شنوة - بالنون - وهو وهم جعل المؤلف يدرجها في هذا الموضع، وانظر معجم ما استعجم 3: 780، وياقوت: (شوة) ، والهمداني: 87. (5) بروفنسال: 114، والترجمة: 140 (Santa Maria de Aigarve) ، وتسمى اليوم ((فارو)) وهي ميناء جنوبي البرتغال في مقاطعة الغرب (Algarve) وقارن بما جاء في آثار البلاد: 542. (6) هذا تعريف بموقع آخر لشنتمرية، غير التي في البرتغال الجنوبي. (7) عن الإدريسي (د) : 179. (8) ترجمته في ابن خلكان 7: 81، وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى. (9) الإدريسي (م) : 25 (San Marco) . (10) كذا في ص ع، وعند بروفنسال: سنترلاته، ولم يستطع تحديدها. (11) كذا، بدلاً من استعمال المثنى.

شنت ياقوب:

شنت ياقوب (1) : كنيسة عظيمة عندهم، وهي في ثغور ماردة، وهذه الكنيسة مبنية على جسد يعقوب الحواري، يذكرون أنه قتل في بيت المقدس وأدخله تلامذته في مركب، فجرى به المركب في البحر الشامي إلى أن خرج به إلى البحر المحيط حتى انتهى به إلى موضع الكنيسة بساحل فيه فبنيت الكنيسة عليه وسميت باسمه فيقصد إليها من افرنجة ومن رومة والقسطنطينية ليوم معروف جعل عيداً لها. وغزا شنت ياقوب عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر سنة سبع وثمانين وثلثمائة، وأوسع أهلها قتلاً وأسراً، وقراها وأسوارها هدماً وإحراقاً، ومن إنشاء القسطلي رسالة إلى الخليفة هشام بن الحكم بن عبد الرحمن يخبره بالفتح ويصف الكنيسة وأرضها وله فيها قصيدة مشهورة (2) . شنفيره (3) : حصن على أربع مراحل من مرسية بالأندلس في شرقيها مشهور بالمنعة، طرقه في الصلح محمد بن هود سنة أربع عشرة وستمائة ومعه خمسمائة من أجناد الرجال فغدر به، لأن أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص الهنتاتي لما طاف على حصون الأندلس يتفقدها في أيام الهدنة نظر إلى هذا المعقل وهو بارز إلى السماء مع وثاقة بنائه فأعجبه وقال: كيف أخذ الروم هذا الحصن من المسلمين؟ فقيل: غدروا به في زمان الصلح، فقال: أما في أجناد المسلمين من يجاريهم بفعلهم. فسمعه ابن هود فأسرها في نفسه إلى أن تمت له الحيلة، فطلع في سلم من حبال فذبح السامر الذي يحرس بالليل، ولم يزل يطلع رجاله واحداً بعد واحد إلى أن حصلوا بجملتهم في الحصن وفر الروم الذين خلصوا من القتل إلى برج مانع، فقال ابن هود: إن أصبح هؤلاء في هذا البرج جاءهم المدد من كل مكان، فالرأي أن نطلق النيران في بابه، فلما رأوا الدخان وأبصروا اشتعال النار (4) ، طلبوا الصلح على أن يخرجوا بأنفسهم، فكان ذلك، واستولى المسلمون على الحصن، وكان الروم قد أرسلوا في الليل شخصاً دلوه من البرج، فأصبحت الخيل والرجال على الحصن، وقد أحكم المسلمون أمره، فانصرفوا في خجلة وخيبة، وترددت في شأنه المخاطبات إلى مراكش فقال الوزير ابن جامع لابن الفخار (5) : أخذناه في الصلح كما أخذتموه في الصلح، ومن هذه الواقعة اشتهر ابن هود عند أهل شرق الأندلس، وصاروا يقولون: هو (6) الذي استرجع شنفيره. شعب بوان (7) : موضع في بلاد فارس منسوب إلى بوان بن إيران بن سام بن نوح، وبوان هذا هو الذي ينسب إليه شعب بوان، وهو أحد المواضع المشهورة في العالم بالحسن، وإياه عنى أبو الطيب في قوله: مغاني الشعب طيباً في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزمان شفلودي (8) : مدينة بجزيرة صقلية كثيرة الخصب واسعة المرافق منتظمة الأشجار والأعناب وغيرها، مرتبة الأسواق، وفيها جبل على قنته قلعة لم ير أمنع منها، اتخذوها عدة لأسطول يفجأهم من جهة المسلمين. شقبنارية (9) : مدينة في بلاد إفريقية بمقربة من مدينة الأربس، فيها آثار عظيمة، ويقال إنها كانت من أعظم مدن إفريقية، وكان بها ماء مجلوب، وبقي فيها اليوم مواجل عظيمة ما تغير منها شيء، وفيها عين عظيمة عذبة، ولها سرب كبير تحت الجبل يمشي فيه الفارس بأطول ما يكون من الرماح في يده فلا يلحق سمك ذلك السرب، ويقال إن فيه كنوزاً وأموالاً، ويقال إنه كان بمدينة شقبنارية كنيسة فيها مرآة قد صنعت من أخلاط عجيبة إذا اتهم الرجل أهله بأحد نظر في تلك المرآة فيرى وجه الرجل المتهم. ويقال إنه كان في تلك الناحية رجل بربري يدعي أنه من أهل الخير والصلاح، فاتهم ملك شقبنارية أهله بذلك البربري، فنظر في المرآة فرأى صورة البربري مع امرأته، فأوقف على ذلك الشهود

_ (1) بروفنسال: 115، والترجمة: 141 (Santiago) ، والإدريسي (د) : 63. (2) لعلها القصيدة التي مطلعها (ديوان ابن دراج: 371) : لك البشرى ودمت قرير عين ... بشأوي كوكبيك الثاقبين (3) بروفنسال: 116، والترجمة: 142، ولم يستطع تحديد الموقع. (4) سقطت من ع. (5) هو إبراهيم بن الفخار الإسلامي وزير ملك قشتالة، وكان رسوله في عقد صلح بين الموحدين وقشتالة سنة 612 (البيان المغرب 3: 244) . (6) زيادة من بروفنسال. (7) قارن بياقوت (بوان) . (8) رحلة ابن جبير: 328 ينقل المؤلف، وانظر الإدريسي (م) : 24 - 25، حيث تكتب جفلودي (Cefalu) ، وياقوت - جفلوذ) . (9) الاستبصار: 164، وقارن بالبكري: 33.

شقورة:

وأخذ البربري فقتله، فغضب لذلك أهل البربري ودخلوا تلك الكنيسة فكسروا تلك المرآة ونزعوها. وهذا الجبل حيث مدينة شقبنارية فيه مدينة خربة فيها آثار عظيمة، وهو كثير العمائر والقرى، وهو بلد الزرع والضرع. وكان الكاتب أبو المطرف أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزومي ولى قضاء مدينة الأربس وشقبنارية إلى نظر قاضي الأربس، فمن قوله في شقبنارية: إن الشقاء برى بشقبنارية ... جسدي وأسلمني لأكبر داهيه من بلدة عنا نأت خيراتها ... لكن قطوف الشر منها دانية ملك العقارب والرتيلا أرضها ... والجو صاعقة وريح عاتيه قال الذين تخيروها منزلاً ... فيها لنا عنب وعين جاريه فأجبت بالشهوات حفت مثلما ... حفت بها نار الجحيم الحاميه شقندة (1) : قرية بعدوة نهر قرطبة قبالة قصرها، فيها اجتمع وجوه العجم يتشاورون في حرب العرب ويحذرونهم من القعود عنهم، ويحضون بعضهم بعضاً على أن يكونوا يداً واحدة، وقدموا على لذريق بقرطبة بسبب ذلك، فنزلوا أكناف شقندة هذه ولم يطمئنوا إلى الدخول على لذريق أخذاً بالحزم. شقورة (2) : مدينة من أعمال جيان بالأندلس، قالوا: وجبل شقورة ينبت الورد الذكي العطر والسنبل الرومي الطيب وفي غيران شنت مرتين من جبل شقورة اشقاقل كبير قوي الفعل يفوق غيره؟ وإذا نزل بتلك الغيران أحد كثر منه الاحتلام، وربما نزل المني منه بغير إرادة ولا تذكر، ويقال: إن في قرية هناك عين ماء تفعل مثل ذلك. وفي جبل شقورة شجر الطخش الذي تتخذ منه القسي وعصير ورقه سم قتال وحي، وفي تلك الناحية عين ماء صغيرة في حجر قدر ما تدخل الدابة رأسها فيه فتشرب، ويتتابع على ذلك العدد الكثير من الدواب فتصدر رواء، فإذا استقي في إناء لم يكد يروي الرجل. ولعلي بن أبي جعفر بن همشك وكتب على قبره بشقورة: لعمرك ما أردت بقاء قبري ... وجسمي فيه ليس له بقاء ولكني رجوت وقوف بر ... على قبري فينفعني الدعاء " سبيل الموت غاية كل حي " (3) ... فكل سوف يلحقه الفناء ومن شقورة أبو بكر بن مجبر الشاعر المفلق المجيد شاعر دولة بني عبد المؤمن. شقر (4) : جزيرة بالأندلس، قريبة من شاطبة وبينها وبين بلنسية ثمانية عشر ميلاً. وهي حسنة البقعة كثيرة الأشجار والثمار والأنهار وبها ناس وجلة، وبها جامع ومساجد وفنادق وأسواق، وقد أحاط بها الوادي، والمدخل إليها في الشتاء على المراكب، وفي الصيف على مخاضة. وفي إحاطة الوادي بها يقول ابن خفاجة في شعر يتشوق فيه إلى معاهده ويندب ماضي زمانه (5) : بين شقر وملتقى نهريها ... حيث ألقت بنا الأماني عصاها وتغنى المكاء في شاطئيها ... يستخف النهى فحلت حباها

_ (1) بروفنسال: 104؛ والترجمة: 127 (Secunda) . (2) بروفنسال: 105، والترجمة: 128 (Segura de la Sierra) ، وقارن بياقوت (شقورة) . (3) مضمن من قول قطري: سبيل الموت غاية كل حي ... فداعيه لأهل الرض داعي (4) بروفنسال: 102، والترجمة: 126 (Jucar) ومنه بعض يسير عن الإدريسي (د) : 193. (5) هي في الديوان: 364 نقلاً عن الروض المعطار، حسب قراءة بروفنسال، وقد خالفنا هذه القراءة في مواضع تقيداً بالقراءة الصحيحة في الأصلين المعتمد عليهما.

شقوبيه:

عيشة أقبلت شهي جناها ... وارف ظلها لذيذ كراها لعبت بالعقول إلا قليلاً ... بين تأويلها وبين سراها فانثنينا مع الغصون غصوناً ... مرحاً في بطاحها ورباها ثم ولت كأنها لم تكد تل ... بث إلا عشية أو ضحاها فاندب المرج فالكنيسة فالش ... ط وقل آه يا معاهد آها آه من عبرة ترقرق بثاً ... آه من رحلة تطول نواها آه من فرقة لغير تلاق ... آه من دار لا يجيب صداها لست أدري ومدمع المزن رطب ... أبكاها صبابة أو سقاها فتعالي يا عين نبك عليها ... من حياة إن كان يغني بكاها وشباب قد فات الا تناسي ... هـ ونفس لم يبق إلا شجاها خل عيني تبكي عليها وقلبي ... يتمنى سواده لو فداها وفي جزيرة شقر يقول الكاتب أبو المطرف بن عميرة: كفى حزناً نأي عن الأهل بعدما ... نأينا عن الأوطان فهي بلاقع نوى غربة حتى بمنزل غربة ... لقد صفع البين الذي هو صانع وكيف بشقر أو بزرقة مائه ... وفيه لشقر أو لزرق شوارع وقال من قصيدة يمدح فيها صاحب إفريقية الأجل أبا زكريا: وعاد قلبي من شوق أندلس ... عيد أسى فته وما فتر فأين منا منازل عصفت ... ريح عليها من العدا صرصر ودون شقر ودون رزقته ... أزرق يحكي قناه أو أشقر ؟ شقوبيه (1) : بالأندلس، هذه ليست بمدينة إنما هي قرى كثرة متجاورة متقاربة متلاصقة متداخلة العمارات، فيها بشر كثير وجم غفير، وهم في نظر صاحب طليطلة، وهم أنجاد أجلاد، ومنها إلى طليطلة (2) مائة ميل. ؟ شهدروج (3) : مدينة في وسط جزيرة كبيرة بأرض الترك يقال لها جزيرة شهدروج، وهذه المدينة جليلة عامرة بها أسواق وصناعات قائمة وغلات، وهي منيعة وعلى شفير الأرض المنتنة من جهة شرقيها، وهذه الأرض المنتنة ممتدة حرشاء سوداء، طولها عشرة أيام، وهي جرداء من النبات لا يوجد فيها ولا في جبالها شيء منه، وهي وحشية الأكناف بعيدة الأطراف ماؤها غائر ودليلها جائر وريحها منتنة، وليس فيها مأوى لعابر ولا مسلك لقاصد، وفي آخرها مما يلي شمالها مدينة سقمانية (4) . شهرزور (5) : في جهة حلوان وبقرب كوى من بابك هاروت وماروت، ومعنى شهرزور نصف الطريق، وكان منتصف طريقهم إلى بيت نار لهم، وكانت شهرزور مضمومة إلى الموصل حتى فرقت في آخر خلافة الرشيد. ومن شهرزور ابن الصلاح، المحدث المؤلف المشهور أبو عمرو

_ (1) بروفنسال: 104، والترجمة: 128 (Segovia) . والإدريسي (د) : 68. (2) ص ع: تطيلة. (3) نزهة المشتاق: 316. (4) انظر مادة ((سقمانية)) في ما تقدم: 327. (5) قارن بياقوت (شهرزور) ، والكرخي: 118.

شيراز:

عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر المعروف بابن الصلاح، له تصنيف في علوم الحديث مفيد جداً، توفي بدمشق سنة ثلاثين وستمائة. وبشهرزور توفي الإسكندر بعد أن غزا الهند ومشارق الأرض وقتل ملوكها ودانت له عامة البلاد وانتهى إلى البحر المحيط، فهال ذلك ملوك غرب الأرض، فوفدت عليه رسلها بالانقياد والطاعة، وقيل سمه بعض خدمه بأرض بابل فحمل إلى الإسكندرية في تابوت من ذهب، وكان ملكه اثنتي عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة، عاش منها بعد قتل دارا خمس سنين، وكان عمره ستاً وثلاثين سنة باتفاق، وعرض الإسكندر جنده بعد أن غلب على ملك الفرس فوجدهم ألف ألف وأربعمائة ألف مقاتل، ودخل الظلمات مما يلي القطب الشمالي في أربعمائة رجل من أصحابه يطلب عين الحياة، فسار فيها ثمانية عشر يوماً وبنى اثنتي عشرة مدينة منها هراة ومرو وسمرقند وأصبهان. وشهرزور مشهورة بالعقارب، ولذلك قال ابن الرومي في قينة: فقرطها بعقرب شهرزور ... إذا غنت وطوقها بأفعى شهرستان (1) : إحدى مدن اصبهان، وهي اثنتا عشرة مدينة، وهذه من مشاهيرها. شوذر (2) : بالأندلس من كور جيان، وهي قرية تعرف بغدير الزيت لكثرة زيتونها، وهي كثيرة المياه والبساتين، كثيرة السقي، بها جامع من ثلاث بلاطات على أعمدة رخام، وسوق حافلة يوم الثلاثاء. شيروان: قال اليعقوبي: هي مدينة عظيمة من كور الجبل قديمة بين جبال وشعاب، وهي أشبه المدن بمكة شرفها الله تعالى، وفيها عيون. وقال غيره (3) : على القرب من مدينة الدينور مدينة الصيمرة والشيروان، وهما مدينتان نظيفتان جيدتا المباني، مبانيهما جص وآجر كمدينة الموصل، وهما كثيرتا المياه سائحة في دورهم مطردة في منازلهم، وكثيرتا الأشجار والزروع. شيره: جزيرة بقرب ساحل وادي القرى تضيق هناك الشعاب والجزائر، فيرصد أهل السفينة فتور الماء في أول المد وفي آخر الجزر وقبل طغيان الماء وشدته، ويدخلون موضعاً يسمى بالزنقة بين تلك الجبال والشعاب، تسير السفينة فيه نحو خمسين ميلاً، وهي أكثر من ثلاثمائة جزيرة، ولا يسلك هذا الموضع إلا من عرفه، وهذه الجزائر أكثر بلاد الله تعالى سمكاً وأطيبه، وفيها يكون الحوت المسمى السفن، فإذا انتهت السفينة آخر هذه الشعاب وصلت إلى مضيق كالذي دخلت منه، يسمى أيضاً بزنقة، فإن كانت السفينة كبيرة بقي أهلها هناك إلى فيض الماء وزيادته في رؤوس الأهلة فيجوزون ذلك الموضع حتى تخرج من هذا المضيق. شيراز (4) : مدينة بأرض فارس، وهي مدينتها العظمى ودار مملكة فارس، وينزلها الولاة والعمال، وبها الديوان والمجبى، وهي مدينة إسلامية بناها محمد بن القاسم بن أبي عقيل ابن عم الحجاج. وتفسير شيراز: جوف الأسد، سميت بذلك لأنها تجلب إليها الميرة من سائر البلاد، ولا تخرج منها الميرة البتة. ولما وصل عسكر الإسلام إلى فارس عرس العسكر بمكانها وأقام به حتى افتتحت اصطخر وجميع كورها، فتبرك المسلمون بذلك وبنوا شيراز بذلك المكان. وهي مدينة جليلة المقدار حسنة النواحي طولها نحو من ثلاثة أميال، وهي متصلة البناء لا سور لها ولا أسواق ولا عمارة، وهي قرارة الجيوش وأولي الحرب والدواوين والجبايات، وشرب أهلها من الآبار. وليس فيها منزل إلا ولصاحبه فيه جميع الثمار والرياحين والبقول وكل ما يكون في البساتين، وقيل: كل شرب أهلها من عيون

_ (1) راجع ياقوت (شهرستان) للتفرقة بين عدد من المواضع بهذا الاسم، وانظر آثار البلاد: 398. (2) بروفنسال: 117، والترجمة: 143 (Jodar) على بعد 25 كيلومتراً إلى الجنوب من جيان. (3) قارن بنزهة المشتاق: 204. (4) نزهة المشتاق: 125.

الشيرجان:

تجري في الأنهار، ولو لم يكن من فضلها إلا أن الإمام أبا إسحاق الشيرازي الفقيه المصنف المشهور منها (1) ، له سير وأخبار مشهورة. شيزر: مدينة بالشام من أعمال حمص، وإياها عنى امرؤ القيس بقوله: تقطع أسباب اللبانة والهوى ... عشية جاوزنا حماة وشيزرا الشيرجان (2) : مدينة هي قاعدة كرمان من أرض فارس وخراسان وسجستان، وهي التي ينزلها الوالي، وبني سورها أيام الرشيد، ولها ثمانية أبواب، أحدها باب الميدان ويخرج منه إلى درب وسكك حتى ينتهي إلى مصلى حاجب إلى دار المرضى ثم إلى الدروب المعروفة بباب بيمند، وهو باب المغرب، وخارج هذا الدرب قصر خراب يعرف بقصر حاجب بن صالح، وكان سبب بنيانه أنه أول ما قدم كرمان والياً عليها، قصد دار عبد الله بن غسان فنزلها، وعبد الله بن غسان غائب، فصار إليه الأدهم بن ثعلبة المازني مع اثني عشر ابناً له كهولاً ومشايخ، فلما سلم عليه فاتحه بأن قال: أيها الأمير أما تستحي أن تنزل بنسوة أشراف وصاحبهن غائب؟! فأجابه حاجب وقال مغضباً: بأي شيء يأمرنا الشيخ أن ننزل؟ قال: بالعراء، قال حاجب لجلسائه: ليس العجب من هذا الشيخ الخرف ولكن العجب من هؤلاء المشايخ الذين يمشون معه، قالوا: أيها الأمير إنهم ولده، فرده وقال: أيها الشيخ حق لك أن تزهى، نعم وكرامة أنزل بالعراء، فأمر بضرب خبائه في مصلى وما زال نازلاً بالجبانة إلى أن بني له هذا القصر وفرغ منه ثم تحول إليه. ويطل على مدينة الشيرجان جبل منقطع في الجبال طوله خمسة فراسخ وعرضه فرسخ. وكان ولاة كرمان (3) من العرب ينزلون الشيرجان وبينها وبين زرند خمسون فرسخاً، ومرزبان زرند في صلحهم يؤدي الخراج إليهم، فورد أعرابي على جليلان المرزبان اسمه محمد بن قرة كما يخرج الأعراب من البادية في يده جراب وعصا، فاستأجره الجليلان ترجماناً ينفذ مع من يحمل الخراج إلى الشيرجان، فآنس منه رشداً، فأظهره وعرضه للمنافع حتى أنس به ووثق بناحيته، وكسب مالاً ودواب واستقدم من أهله قوماً، وجعل يحمل المال كل سنة ويؤديه عن المرزبان. فلما كان في بعض السنين اتصل به على فرسخ من زرند موت عامل كرمان، وهو قد صدر بالمال ومبلغه ألف ألف ومائتا ألف درهم سوى الهدايا، فجمع هناك أهل بيته وغلمانه بموضع يقال له جفار طارق، وكان موضع متنزه مهرويه بن المرزبان، واتصل الخبر بالجليلان فأرسل رسولاً يدعوه، فزبر الرسول وطرده، فدعا الجليلان ولده وغاشيته وشاورهم، فمنهم من يقول: أنا أذهب فأحمله إليك مقيداً، ومنهم من يقول: نأخذ منه المال ونرسله كما جاء، فقال المرزبان: ليس الوجه هذا، فإن هذه دولة جديدة، وقد جمع لنفسه من لفيف أهل بيته وصار له حشم، فلأن نداريه ولا نخالفه أصلح، فغلب ابن قرة على أكثر ضياعهم وجعل المرزبان خولاً لنفسه وقوي أمره، إلا أنه ترك للمرزبان وأهل بيته ما يعيشون به ويكرمونهم، فهذا كان سبب ورود العرب هذه الناحية، ثم جعلوا الشيرجان مأواهم وبنوا بها القصور واعتقدوا بها وبرساتيقها الضياع.

_ (1) راجع مقدمتي على كتاب ((طبقات الفقهاء للشيرازي)) (ط، بيروت 1970) . (2) قارن بنزهة المشتاق: 132، وابن حوقل: 271 (السيرجان - بالسين المهملة) ، والكرخي: 99، وقال ياقوت (شيرجان) : وما أضظنها إلا سيرجان قصبة كرمان، وانظر عنده (سيرجان) . (3) قد مر هذا في مادة ((زرنده) .

صاهك

حرف الصاد الصافية 1: موضع على يوم من النعمانية بشط دجلة، فيه قتل أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين سنة أربع وخمسين وثلثمائة منصرفه من حضرة الأمير أبي شجاع، تولى قتله فاتك بن أبي الجهل الأسدي في نيف وثلاثين فارساً رامحين وناشبين، وذلك أن فاتكاً هذا له قرابة من ضبة بن يزيد الذي هجاه أبو الطيب بقوله: ما أنصف القوم ضبه ... وهى من سخيف شعره، فكانت سبب قتله، وفي خبر أنه قيل له: أعطهم شيئاً فقال: أبذرق ومعي سيفي؟! وقاتل حتى قتل. صاهك 2: موضع في بلاد فارس، فيه كان التقى المهلب بن أبي صفرة والأزارقة، بعث الحجاج إلى المهلب سيفاً ليتقلده، فدفعه إلى ابنه المغيرة، فقاتل به في هذا اليوم، لأنه التقى يوم صاهك جمع المهلب والأزارقة وفيهم المهلب وقطري بن الفجاءة فقال المهلب لابنه المغيرة: يا أبا خراش إن الحجاج بعث إلي بهذا السيف الذي في عنقي، أحب أن أتقلده وعزم علي في ذلك فألقيت سيف سعد وكاد خيراً من سيف الحجاج، كما أن سعداً خير من الحجاج، فدونك فقاتل به اليوم ولا ترده إلي حتى تجربه، فأخذه المغيرة وجاءت الأزارقة يقودها ابن مخراق فلقيه المغيرة، فذكروا أن المغيرة ضرب ابن مخراق صالحاً على بيضته فقدها من خلفها حتى أسرع السيف في عنقه مما يلي وداجه، وصرع صالح وحماه فوارس من أهل الجزيرة من بني شيبان، فرجع المغيرة إلى المهلب بسيفه مدمى، فقال المهلب: أخذته بحقه وما أحب أن غيرك من ولدي فعل ذلك، أنا كاتب إلى الحجاج بأمرك، ولولا عزيمته علي لقلدتكه، وكان سيفاً مأثوراً بعث به محمد بن يوسف أخو الحجاج من اليمن، وكان عليها، وكان وجده مع حبى ولميس ابنتي تبع في قبرهما، وكان معهما لوح مكتوب فيه: أنا حبى وهذه لميس أختي متنا لا نشرك بالله شيئاً، فقال الحجاج: يا أهل الشام من أحق بهذا السيف؟ قالوا: أنت قال: لا، بل أحق به مني المهلب، فبعث به إليه وعزم عليه بأن يتقلده، فزعموا أن ابن مخراق كان يضع على قفاه بعد ذلك اليوم مصدغة محشوة قزاً مخافة ضربة المغيرة، فقال الجرمي في ذلك: قل للمهلب قد وقيت نفوسنا ... ببنيك فعلة تبع ذي التاج كانت إذا غشيت غياية مذحج ... أنساهم ببنيه كل عجاج فلقد نصبت أبا خراش للعدا ... فحداهم بصفيحة الحجاج صدر النهار يكر فيهم مهره ... حتى تضمنه البهيم الداجي أخذ الحسام بكفه ومضى به ... وأبو خراش للزيادة راج

وصبرة:

ضرب ابن مخراق بصاهك ضربة ... بين العكيف ومجمع الأوداج والخيل تعلم والفوارس أنه ... كبش الأزارق كل يوم هياج الصالحة: كان يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب الملقب بالمنصور أمر باختطاط المدينة الصالحة في بلاد المغرب، وشرع في بنائها وأجرى وسطها الماء العذب إلى أن كمل أمرها. صبرة: مدينة بناحية طرابلس إفريقية. لما نزل (1) عمرو بن العاصي رضي الله عنه، طرابلس سنة اثنتين وعشرين، فحاصرها شهراً لا يقدر منها على شيء، ثم غاض البحر من ناحية المدينة، فوجدوا مسلكاً إليها من الموضع الذي حسر منه البحر فدخلوا حتى أتوا من ناحية الكنيسة وكبروا فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم، ثم أقبل عمرو رضي الله عنه بحاشية حتى دخل فلم يفلت الروم إلا بما خف لهم من مراكبهم، وغنم عمرو رضي الله عنه ما كان في المدينة، وكان من بصبرة متحصنين وهي المدينة العظمى، وسوقها السوق القديم (2) ، فلما بلغهم محاصرة عمرو رضي الله عنه بمدينة طرابلس جرد خيلاً كثيفة من ليلته وأمرهم بسرعة المسير، فصبحت خيله مدينة صبرة وهم غافلون، وقد فتحوا أبوابها لتسرح ماشيتهم، فدخلوها فلم ينج منهم أحد، واحتوى أصحاب عمرو رضي الله عنه على ما فيها ورجعوا إلى عمرو، وبعد ذلك كتب عمرو إلى عمر رضي الله عنه يستأذنه في دخول إفريقية فجاءه كتاب عمر رضي الله عنه ينهاه عن دخول إفريقية بالجيش وقال: ليست بإفريقية ولكنها المفرقة غادرة مغدور بها لا يغزوها أحد ما بقيت، فرجع عمرو رضي الله. وصبرة (3) : أيضاً مدينة بالقيروان كبيرة بناها إسماعيل العبيدي وسماها المنصورية سنة سبع وثلاثين وثلثمائة، وكان لها فائد كثير، يقال إنه كان يدخل أحد أبوابها كل يوم ستة وعشرون ألف درهم، وهي منزل الولاة إلى حين خرابها، وكان نقل إليها معد بن إسماعيل أسواق القيروان كلها وجميع الصناعات، ولها خمسة أبواب: الباب القبلي والباب الشرقي وباب زويلة وباب كتامة، وهو جوفي، وباب الفتوح ومنه تخرج الجيوش، وكان فيها في مدة عمارتها ثلثمائة حمام أكثرها للديار وباقيها مبرز للناس، وهي الآن (4) خراب لا ساكن بها، وعلى ثلاثة أميال منها قصور رقادة، وفيها يقول أبو علي بن رشيق (5) . أصاب القيروان وساكنيها ... ودار الملك صبرة كل باس فلا الدنيا التي بقيت بدنيا ... ولا الناس الذين بقوا بناس ؟ صبر (6) : هو جبل باليمن ويقال لمدينته مدينة صبر، وهذا الجبل فيه ألف قرية والمرتقى إليه مسيرة يوم، وفي أعلاه الأنهار والطواحن، وعرض هذا الجبل أربعة وعشرون فرسخاً، وهو بقرب الوادي المعروف بسحول وبقرب مدينة الجند، وتدخل منه إلى صحراء ورمال حتى تنتهي إلى زبيد. صحار (7) : مدينة كبيرة بأرض عمان وهي قصبة عمان، وهي على ساحل البحر، مقدارها فرسخ في فرسخ، ومياهها من الآبار. وهي أقدم (8) مدن عمان وأكثرها أموالاً قديماً وحديثاً، ويقصدها في كل سنة من تجار البلاد ما لا يحصى عددهم، وإليها تجلب جميع بضائع اليمن ويتجهز منها بأنواع التجارات، وأحوال أهلها واسعة، وبها النخيل والموز والرمان والسفرجل وكثير من الثمار الطيبة، وكان في قديم الزمان تسافر منها مراكب الصين

_ (1) قارن بالكبري: 8 - 9، وفتوح ابن عبد الحكم: 171 - 172، وقد نقل ياقوت عن بعض أصول صحيحة من فتوح ابن عبد الحكم، (سيرت) ثم وجدها أيضاً (سبرة)) ، قال: وأنا أخشى أن يكون ذلك غلطاً من الناقل وإنما هي ((سبرت)) التي تقدم ذكرها، وأصل الاسم الإغريقي (Sabrata) ، ومؤلف الروض يكتبها بالصاد متبعاه الإدريسي (د) : 121. (2) هذه العبارة تقابل في الفتوح: واسمها نبرة وسيرت السوق القديم. (3) البكري: 25، وبعضه في الاستبصار: 115، وفي الإدريسي (د) : 110. (4) يعني في وقت الإدريسي. (5) لم يردا في ديوانه المجموع. (6) البكري (مخ) : 68، وانظر صفحات متفرقة في صفة جزيرة العرب، وياقوت (صبر) . (7) البكري (مخ) : 68. (8) نزهة المشتاق: 55 (OG: 156) ، وقارن بالمقدسي وياقوت.

الصخور:

فانقطع ذلك لأن عامل جزيرة كيش أنشأ أسطولاً، فغزا به بلاد اليمن الساحلية فأضر بالمسافرين والتجار ولم يترك لأحد مالاً وأضعف البلاد وانقطع السفر عن عمان، وعاد إلى عدن. وكان بصحار مجتمع للتجار، ومنها يتجهز لكل بلدة وإلى بلاد الهند والصين. الصخرة: قيل هي بيت المقدس نفسه، وقيل موضع قبلته. ولما جاء عمر رضي الله عنه الشام باستدعاء أبي عبيدة إياه لما امتنع أهل ايليا من مصالحته حتى يكون عمر رضي الله عنه هو الذي يتولى مصالحتهم، سخر أنباط أهل فلسطين في كنس بيت المقدس، وكانت فيه مزبلة عظيمة، وجاء عمر رضي الله عنه ومعه كعب الأحبار، فقال: يا أبا إسحاق أتعرف موضع الصخرة؟ فقال: اذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم كذا وكذا ذراعاً ثم احفر فإنك تجدها، قال: وهي يومئذ مزبلة، قال: فحفروا، فظهرت، فقال عمر رضي الله عنه لكعب: أين ترى قبلة المسجد؟ قال: اجعلها خلف الصخرة فتجمع القبلتين: قبلة موسى وقبلة محمد عليهما الصلاة والسلام، قال: ضاهيت اليهود يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها، فبنى القبلة في مقدم المسجد ثم بنى عبد الملك بن مروان مسجد بيت المقدس سنة سبعين، وحمل إلى بنيانه خراج مصر سبع سنين، وبنى القبة على الصخرة. الصخور (1) : حصن صغير على نهر مرسية من الأندلس فيه دعا لنفسه محمد بن هود سنة خمس وعشرين وستمائة وأبو العلا ادريس المأمون في اشبيلية وقد صفت له، وكان عازماً على التحرك إلى بر العدوة، فبينا هو يروم ذلك إذ وصله الخبر بقيام ابن هود هذا وكان من الجند، ولم يكن إذ ذاك أحد من أكابر الأندلسيين يطمع في ثيارة ولا يحدث بها نفسه كبني مردنيش في بلنسية وبني عيسى في مرسية وبني صناديد في جيان وبني نصر في غرناطة وبني فارس في قرطبة وبني وزير في اشبيلية لانتظام البرين على طاعة الدولة الممهدة القواعد، ورجوع أمورهما إلى إمام واحد، حتى اتفقت ثيارة العادل بمرسية ثم ثيارة البياسي وفتنته ثم مبايعة أبي العلا بإشبيلية، ففتحوا على دولتهم باباً يدخل منه غيرهم، فأوقع الله تعالى في خاطر ابن هود هذا أنه يملك الأندلس، وتحدث بذلك مع من يثق به، وذكر أنه محمد بن يوسف بن محمد بن عبد العليم بن أحمد المستنصر بن هود، واحتقر السيد الذي كان في مرسية من قبل أبي العلا فجمع أصحابه وخرج بهم إلى الحصن المعروف بالصخور فدعا لنفسه، واجتمع له جمع من القطاع ودعار الشعاري والضياع وقال لهم: أنا صاحب الزمان، وأنا الذي أرد الخطبة عباسية وخاطب بذلك أبا الحسن القسطلي (2) قاضي مرسية يومئذ وأعلمه أنه إن تمكن من هذا الغرض فإن الدولة تكون في يده، فأصغى الشيخ إليه إصغاء أذهله عن حتفه الذي بحث عنه بظلفه، وواعده، ثم حضر القاضي القسطلي عند السيد الملقب بأبي الأمان وقد لاحت عليه دلائل الخذلان فقال: يا سيدنا هذا الرجل الذي كان في الصخور ما زال خديمكم يكتب له ويرغبه في الطاعة ويعده بما يكون من الخير في أثر ذلك حتى أذعن، وها هو قد وصل لتقبيل يدكم الكريمة، وسيدنا يرتب له ولأصحابه ما يكفهم عن الثيارة ويرجى أن ينتفع بهم في قطع الفساد عن جهات هذه البلاد، فابتهج السيد وأنفذ إليه بالمبادرة فلم يمر إلا القليل حتى دخل ابن هود وأصحابه مرسية على السيد في السلاح، فعندما مالوا لتقبيل يده قبضوا عليه ثم حبسوه وأجلسوا ابن هود في مكانه، وخطب في أول جمعة للمستنصر العباسي ثم لنفسه بالمتوكل على الله أمير المؤمنين، وعندما وصل الخبر بذلك إلى أبي العلا، وكان عزم على جواز البحر، تمثل: إن الطبيب إذا تعارض عنده ... مرضان مختلفان داوى الأخطرا وصرف وجهته إلى مرسية، ففي أول منزلة نزل بها قام الأستاذ أبو علي الشلوبيني فابتدأ يخطب، وقال: ثلمك الله ونثرك، يريد: سلمك الله ونصرك، وكان يرد السين والصاد ثاء، وقام بعده أبو الحسن بن أبي الفضل فأنشده قصيدة أولها:

_ (1) بروفنسال: 118، والترجمة: 144، وهو حصن يسميه لسان الدين بن الخطيب ((الصخرات)) أو ((الصخور)) (أعمال الأعلام: 278، 279) ، وهو ((الصخيرات)) أيضاً في البيان المغرب 3: 257 ويقع على 30 كيلومترااً إلى الشمال الغربي من مرسية. (2) هو أبو الحسن علي بن أبي العافية اللخمي القسطلي، توفي سنة 626 (انظر التكملة رقم: 1899) .

صداء:

خدمتك السيوف والأقلام ... وأصاخت لأمرك الأيام وقام الكاتب البلوي فأنشد قصيدة منها: إن تك مرسية قد عصت ... فما قد بقي طائعاً أكثر منابرنا لك قد أصبحت ... فما ضر أن قد عصى منبر فكره أبو العلا ما أتوا به واسود وجهه وتطير الحاضرون بذلك، وامتنع أبو العلا بعد هذا المجلس من كلام الخطباء وإنشاد الشعراء في هذه القضية، وأقام محاصراً لمرسية حتى رحل في السنة الثانية إذ علم أهلها أنهم لا ينفعهم معه إلا التجريد عن ساعد الجد، وعلم هو أنه لا تجوز عليهم حيلة ولا تنفع فيهم موعظة، وكان الأمر على ما نطق به القدر على ألسنة أولئك. صداء (1) : ويقال صدى بالقصر، وصدءاء وصداء، ويروى صيداء بياء قبل الدال وهي ركية ليس عند العرب أعذب من مائها، ومن أمثال العرب " ماء ولا كصدى " كما قالوا: " مرعى ولا كالسعدان " ولبعض الشعراء: يا وزراء السلطان ... أنتم وآل خاقان كبعض ما روينا ... في سالف الأزمان ماء ولا كصدى ... مرعى ولا كالسعدان صدينة (2) : في بلاد عمان، قرية ذات مياه سائحة. وصدينة (3) أيضاً من كور شذونة بالأندلس أزلية قائمة الأسوار باقية الآثار تطرد المياه داخلها من عين ثرة تطحن على جداولها الأرحاء، وهي في غاية الحصانة لا ينفذ جيش إليها ولا يتوصل عسكر للنزول عليها، وهذه العين عنصر نهر بوصة (4) . صرار: موضع قريب من المدينة النبوية، وهو اسم أطم هنالك وبه سميت الناحية صراراً وهي لبني حارثة بن الحارث، وفيه يقول الشاعر: لعل صراراً أن تجيش بئاره ... ويسمع بالريان تبنى مشاربه والريان كان لأصحاب صرار. وقيل: هو بئر على نحو ثلاثة أميال من المدينة تلقاء حرة واقم، وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في قدومه من بعض سفراته: " هل تزوجت؟ "، وقال له في أثناء كلامه: " لو جئنا صراراً أمرنا بجزور فنحرت وأقمنا عليها ذلك اليوم " إلى آخر الخبر. وصرار (6) على ثلاثة أميال من المدينة وقال زيد بن أسلم: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى إذا كنا بحرة واقم إذا بنار تؤرث بصرار، فسرنا حتى أتيناها، فقال عمر رضي الله عنه السلام عليكم يا أهل الضوء، وكره أن يقول يا أهل النار، أندنو؟ فقيل له: ادن بخير أو دع، فإذا بهم ركب قد قصر بهم الليل والجوع، وإذا امرأة وصبيان، فنكص على عقبيه، وأدبر يهرول حتى أتى دار الدقيق فاستخرج عدل الدقيق وجعل فيه كبة من شحم، ثم حمله حتى أتاهم فقال: ذري وأنا أحر (7) لك يريد: أتخذ لك حريرة.

_ (1) معجم ما استعجم 3: 828، وانظر فصل المقال: 169، والميداني 2: 153. (2) هكذا ورد في المخطوطتين، ولم أجد لهذا الاسم ذكراً في ما لدي من مصادر، وعلى ساحل عمان مدينة تكتب على الخرائط الحديثة ((ضدنة)) - بضاد المعجمة - وهي أقرب صورة إلى هذا الاسم، وأظنها (ضدني) عند ياقوت، وإن لم يعين أين تقع، وقال ابن دريد في الجمهرة 2: 277، وضدني ممال مثال فعلى: موضع؛ وورد عن البكري (مخ) : 68 في ذكر عمان: ((عمان على ساحل البحر حصينة ومن الجانب الآخر جيل فيه مياه سائحة)) ؛ فهل وقع المؤلف في اضطراب لدى النقل؟ (3) وهذا الاسم أيضاً محير، توقف عنده الأستاذ بروفنسال (الترجمة: 146 والأصل: 120) وقال: اسم هذا الموضع لم يذكر على ما يبدو في أي مصدر آخر، ومسيل الماء المذكور في آخر يمكن أن يقابل نهير (Majacete) أحد روافد نهر (Gudalte) الذي يجري في المنطقة المحصورة بين شريش ورندة، وفي هذه الحالة يمكن أن أقترح أن تكون هذه القربة الموضع الذي يقع بمقربة من منبع هذا النهر واسمها (Grazalema) حيث كانت تقع مدينة ابن السليم ... الخ. (4) ص ع: بوطه. (6) معجم ما استعجم 3: 830. (7) ص ع: أحرك.

الصراة:

الصريف (1) : هي جزيرة في بحر الصنف والذي في جزائره مملكة المهراج، وهو الذي يخرج رأسه من الظلمة الشمالية ويمر على بلاد الواق واق. وفي هذه الجزيرة التي في هذا البحر مساكن ظاهرة وقباب بيض لائحة، كلما هم بالوصول إليها أحد وقرب منها تباعدت عنه، فلا يزال كذلك حتى ييأس منها وينصرف عنها، وهم يرون فيها شخوصاً وشجراً وعمارة ودواب، ولا يعلم أن أحداً وصل إليها. صرصر (2) : نهر يصب في دجلة تجري فيه السفن، وعليه مدينة بينها وبين بغداد سبعة أميال، وهي مدينة كبيرة عامرة كثيرة الأشجار والأسواق، وفيها فواكه وخير وافر، ولا سور لها، وبها جسر من مراكب يعبر عليه الناس. صرواح (3) : مدينة باليمن بقرب صنعاء، وهي خراب، كانت لعمرو بن عامر مزيقيا صاحب سد مأرب وبناؤها كلها من رخام، وباقية أهلها يزعمون أنها بنيت في عشية واحدة، وفي كلام لحمير: بنينا صرواح ومرواح. وقيل (4) : إن سليمان عليه السلام كان أمر الجن أن تبنيه لبلقيس (5) وفيه كانت مملكة خولان. الصرح (6) : هو البناء الذي بناه نمرود بن قاش بأرض بابل، وكان ملك خمسمائة سنة، وهو ملك النبط، وفي زمانه فرق الله الألسنة، وبنى الصرح بعد البلبلة، وهو البناء الذي يسمى المجدل، وكان ارتفاعه خمسة آلاف باع ومائة وسبعين باعاً، وكان أسفله أوسع من أعلاه، وكانت فيه محاريب عجيبة من فائق الرخام مزينة بالذهب والجوهر وما لا يكاد سامعه يصدق الخبر عنه، ويقال إنه بناه بأرض فارس لأنه بعد البلبلة انتقل عن بابل إلى أرض فارس، وفرض على الناس عبادة النار. قالوا: ولما ظن أنه أسند الصرح إلى السماء وارتقى فوقه ينظر بزعمه إلى إله إبراهيم، أتى الله بنيانه من القواعد: " فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون "، فيقال: عند ذلك تبلبلت الألسنة من الفزع فتكلموا بثلاثة وسبعين لساناً، فلذلك سميت بابل، وإنما كان اللسان سريانياً. ونمرود هذا هو الذي جوع الأربعة أنسر وقرنهن بالتابوت فلم يزل يرفع اللحم حتى وقع في ظلمة لا يرى ما فوقها ولا ما تحتها، ففزع وألقى اللحم فانقضت النسور، وكان طيرانهن من بيت المقدس وسقوطهن بجبل الدجال، وذلك قوله تعالى: " وقد مكروا مكرهم "، ثم إنه بعد ذلك شرع في بناء الصرح. الصراة (7) : نهر ينشعب من الفرات ويجري إلى بغداد، ويقال: الصرا، بلا هاء أيضاً، لأنه صري عن الفرات، أي: قطع. وقيل هو مجتمع دجلة والفرات وعليه دل قول أبي العلاء المعري يذم إبلاً له (8) : تمنت قويقاً، والصراة حيالها ... تراب لها من أينق وجمال قويق: نهر حلب، وهو صغير، فدعا عليها حين آثرت قويقاً على الصراة جهلاً منها. وقال إبراهيم بن المهدي (9) : كنت مع محمد الأمين في الحصار وقد اشتد علينا، فخرج من قصر الذهب ليلة وصار إلى قصر القرار بقرب الصراة، وأحضرني فقال: يا عم أما ترى طيب هذه الليلة وحسن القمر فيها ومكاننا على دجلة والصراة؟

_ (1) البكري (مخ) : 37، وابن الوردي: 72، وأخبار الزمان: 43. (2) نزهة المشتاق: 202، وقارن بياقوت (صرصر) . (3) انظر الإكليل 8: 75، ونزهة المشتاق: 54. (4) معجم ما استعجم 3: 831، وقارن بياقوت (صرواح) . (5) ع: لليلتين؛ ص: في ليلتين. (6) انظر قصة النمرود والصرح والأنسر في الصعلبي 95 - 97، وراجع الطبري 1: 321 - 323. (7) معجم ما استعجم 3: 892. (8) شروح السقط: 1165، والمؤلف ينقل شرح البطليوسي للبيت. (9) انظر مروج الذهب 6: 426 - 430، والأغاني 5: 138، وشرح البسامة: 246، وراجع مادة ((الحجون)) .

فم الصلح:

فهل لك في أن نشرب فيها من وقتنا ونخفف بها الهم عن قلوبنا. فقلت: من أعظم الميل، والمكان في غاية الحسن، فعلى اسم الله فاشرب، فشرب رطلاً وسقاني مثله، ثم قال: ما ترى في الغناء على ما نحن فيه؟ قلت: ما نستغني عنه، فدعا بجارية متقدمة يقال لها ضعفاء، فتطيرت من اسمها، فحضرت فقال: غني، فغنت بشعر النابغة الجعدي: كليب لعمري كان أكثر ناصراً ... وأيسر جرماً منك ضرج بالدم فنظر إلي واشتد عليه وعلي، إلا أني لم أره ذلك، فقال لها: غني غير هذا، فغنت: أبكى فراقهم عيني وأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء ما زال يعدو عليهم صرف دهرهم ... حتى تفانوا وصرف الدهر عداء فصاح عليها: لعنك الله، أما تعرفين من الغناء غير هذا؟ فقالت: ما تغنيت إلا ما عهدتك تحبه، ثم غنت: أما ورب السكون والحرك ... إن المنايا كثيرة الشرك ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في فلك إلا بنقل السلطان من ملك ... قد انقضى ملكه إلى ملك وملك ذي العرش دائم أبداً ... ليس بفان ولا بمشترك فصاح بها: قومي، غضب الله عليك ولعنك، فقامت مذعورة وعثرت بقدح بلور حسن الصنعة جداً كان يختصه ويسميه: رب رباح، كان موضوعاً إلى ناحيته، فكسرته، فزاد عليه الأمر وقال: أما ترى يا عم ما قد منيت به الليلة؟ ما أرى السرور إلا قد قوض والأمر قد اقترب، فقلت: إنما هو اتفاق وقع، والله يطيل عمرك ويكبت عدوك، فسمعنا قائلاً يقول من الشط: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فوثب عن المجلس وقال: أما سمعت يا إبراهيم؟ فقلت: ما سعت شيئاً، وقد كنت سمعت، فقال: ما بعد الفأل دليل، فما عدت إلى المجالسة بعد ذلك، وقتل محمد بعد أيام. صطفورة (1) : بإفريقية، وهو عمل بنزرت. فم الصلح (2) : بكسر الصاد، نهر ميسان من أعمال واسط، وفي " مختصر العين " (3) الصلح: نهر ميسان. قالوا: والصلح منزل القرن المبارك، والمبارك هو نهر خالد بن عبد الله القسري، وهو الذي أعرس بفمه المأمون إذ بنى على بوران بنت الحسن بن سهل وزيره (4) ، وهو من أرض السواد، ووصل الحسن بن سهل أباها بعشرة آلاف ألف درهم وأقطعه الصلح، فلما أن انصرف خرج مشيعاً، فقال له: يا أبا محمد سل حاجتك، فقال له: أسألك يا أمير المؤمنين أن تحفظ لي من قلبك ما لا أستطيع حفظه إلا بك، فتبسم المأمون ثم قال: شهدت جعفر بن يحيى وقد ودع الرشيد فقال: سل حاجتك يا أبا الفضل، فقال: تجعل بيني وبينك بيت كثير حيث يقول (5) : وكوني على الواشين لداء شغبة ... كما أنا للواشي ألد شغوب وهذه الحاجة ما قدر أن تقضى. وكان المأمون خرج إلى البناء ببوران فعسكر بفم الصلح، فدخل بها في عقب رمضان، واسمها خديجة، وعاد إلى بغداد لست مضين من شوال، وكانت نفقة الحسن عليها عظيمة جداً، قال الحسن بن رجاء: كنا نجري على الملاحين مدة الأيام التي كان المأمون مقيماً فيها بفم الصلح، فكانوا ستة وثلاثين ألف ملاح، ولقد عز الحطب يوماً على عظم مقدار ما استعد منه مما أعد حولاً كريتاً فجعلنا نوقد تحت القدور

_ (1) مرت في ((سطفورة)) . (2) معجم ما استعجم 3: 893، وانظر ابن خلكان 1: 290. (3) ع: وفي مختصر عين الصلح؛ ص: وفي منحصر عين الصلح. (4) أخبار زولج المأمون ييوران مفصلة في مصادر كثيرة منها الطبري 3: 1081، وابن طيفور 113، وشرح البسامة: 270، وانظر ترجمة بوران في ابن خلكان: 1: 287. (5) ديوان كثير: 523، وهو في الأغاني 4: 269، ونسبه ابن سلام في طبقاته: 590 ليزيد ابن الطثرية.

صنعاء:

بخيش كنا أعددناه للصيف بعد أن نغمسه في الزيت، وجليت بوران على المأمون وقد فرش لها حصير من ذهب، وجيء بمكتل من ذهب مرصع بجوهر فيه در كبار فنثر على من حضر من النساء وفيهن رشيدة وحمدونة بنت الرشيد وأشباههما، فما مس من حضر منهن شيئاً منه حتى قال المأمون لهن: شرفن أبا محمد وأكرمن عروسنا، فمدت كل واحدة منهن يدها فأخذت درة، وبقي سائر الدر يلوح على حصير الذهب، فقال المأمون: قاتل الله الحسن بن هانئ، كأنه رأى هذا المنظر حيث يقول: كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب قيل: وأنفق الحسن بن سهل حين أعرس المأمون ببوران بنته ثمانية وثلاثين ألف ألف درهم، قيل وأخذت شمعتا عنبر ودخل بهما ليلاً فأوقدتا بين يديه فكثر دخانهما وأفرط، فقال المأمون: ارفعوهما فقد آذانا الدخان وهاتوا الشمع. ودخل الحسن على ابنته بوران لما اجتلاها المأمون وأجلست إلى جنبه ومعه ست لآل عظيمة الخطر لم توجد لهن سابعة فنثرن عليها، فالتقط المأمون منهن اثنتين إعجاباً بهما وأخذ الأربع من حضر من الكبراء، وكانت وليمة المأمون هذه تدعى وليمة الإسلام إذ لم يكن في ولائم الإسلام قط مثلها. صنف (1) : جزيرة من جزر الهند، بها يوجد العود الصنفي وهو أفضل من القماري لأنه يغرق في الماء لجودته وثقله، وبها بقر وجواميس لا أذناب لها، وبها النارجيل والموز وقصب السكر، وأهلها لا يذبحون شيئاً من الحيوان ولا الهوام من الحشرات وإنما تؤكل عندهم إذا ماتت، بل يعافها أكثرهم ولا يأكلها، ومن قتل بقرة لزمه القتل وتقطع يده، وإذا وقفت البقرة عن الخدمة والتصرف وضعت في بيت وتركت حتى تموت موتها الطبيعي، ومياههم عذبة. وبحر الصنف هو الذي بعده بحر الصين، وبعرضه الجبل الذي يتوقد ليلاً ونهاراً أو يسمع فيه مثل قواصف الرعد دوي الأصوات الهائلة التي تدل على هلاك ملكهم. صنكان (2) : بلد على ساحل بحر القلزم، أهله مقيمون لا يتجرون (3) والناس واردون عليهم وصادرون عنهم، وبضائع أهلها قليلة وأموالهم يسيرة وصنائعها نزرة وجملتها غير حسنة، لكن الله تعالى حبب الوطن لأهله. صنعاء (4) : مدينة عظيمة باليمن كان اسمها في القديم أزال فلما وافتها الحبشة ونظروا إلى مدينتها فرأوها مبنية بالحجارة قالوا: هذه صنعة وتفسيرها بلسانهم حصينة، فسميت صنعا. قالوا: والذي أسس غمدان وابتدأ بنيانه واحتفر بيده الذي هو اليوم سقاية بمسجد جامع صنعاء، سام بن نوح عليه السلام؛ لأنه سار يطلب حر البلاد وموضع اعتدال الحر والبرد فلم يجده إلا في جزيرة العرب، فنظر الحجاز فوجده مفرط الحر لمقام الشمس شهرين في مثل ثلاث درجات وكسر على سمته، فسار في الإقليم الأول حتى صار إلى حقل صنعاء فوجده أطيب باعتداله وصحة هوائه، ورآه أرجح إلى البرد منه إلى الحر، ورأى ميله وسطاً لا مثل ميل الحمل المتقارب تسير الشمس فيه طولاً درجة وعرضاً قريباً من نصفها، ولا مثل ميل الجوزاء الذي هو تسع طوله، ورأى الشمس تسامته في السنة كرتين في ثماني درجات من الثور وثلاث وعشرين من الأسد، فإذا كانت الشمس فيها ترى الشمس في أيار صنعاء انتصاف النهار. وصنعاء (5) مدينة كثيرة الخيرات متصلة العمارات ليس في بلاد اليمن أقدم منها عهداً ولا أكبر قطراً ولا أكثر ناساً، وهي في صدر الإقليم الأول معتدلة الهواء طيبة الثرى، والزمان بها أبداً معتدل الحر والبرد، وكانت ملوك اليمن قاطبة تنزل بها، وهي ديار العرب، وكان لملوكها بها بناء كبير عظم الذكر وهو قصر غمدان، فهدم وصار كالتل العظيم، وأكثر بنيانها في هذا الوقت بالخشب، وبها دار لعمل (6) الثياب المنسوبة إليها، وهي قاعدة اليمن، وهي على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شمالها فيمر بها

_ (1) قارن بما في المروج 1: 341 - 342، والبكري (مخ) : 33، وآثار البلاد: 97، وتقويم البلدان: 369، وياقوت (صنف) . (2) نزهة المشتاق: 50، وصوابه ((ضنكان)) بالضاد المعجمة؛ انظر ياقوت. (3) نزهة المشتاق: لا يتحولون عنه إلى غيره. (4) صبح الأعشى 5: 39، وقارن بالهمداني: 55، ومعجم ما استعجم 3: 843، وياقوت (صنعاء) ، وابن الفقيه: 34، وآثار البلاد: 50، وابن حوقل: 43، والكرخي: 26، وتقويم البلدان: 95، ويذكر المقدسي: 86 أنها كانت قد اختلت في زمانه. (5) نزهة المشتاق: 20 (OG: 53) . (6) زيادة من نزهة المشتاق.

صنغانة:

نازلاً إلى مدينة ذمار ويصب في البحر اليماني، ومن صنعاء إلى ذمار ثمانية وأربعون ميلاً. وإلى صنعاء ينسب الوشي، ولبعض المتأخرين يذكر ممدوحاً له: وشى نضار صلاته بلجينه ... أعجب بحسن الوشي من صنعاء وبصنعاء مات وهب بن منبه سنة عشر أو سنة أربع عشرة ومائة. وذكر ابن إسحاق (1) في خبر سيف بن ذي يزن لما وفد على كسرى يستنصره على الحبشة المتغلبين على اليمن أن كسرى وجه معه ثمانمائة رجل واستعمل عليهم وهرز، وكان ذا سن فيهم، فخرج في ثماني سفائن غرقت منها سفينتان، ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن، فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه وقال له: رجلي مع رجلك حتى نموت جميعاً أو نظفر جميعاً، فقال له وهرز: أنصفت، ثم إنهم صافوا مسروق بن أبرهة ملك اليمن وجميع جنده، فرماه وهرز فأصابه بنشابة فقتله، وانهزمت جموع الحبشة وهربوا في كل وجه، وأقبل وهرز ليدخل صنعاء حتى إذا أتى بابها قال: لا تدخل رايتي منكسة أبداً، اهدموا الباب، فهدموه، ثم دخلها ناصباً رايته، في خبر طويل. وتعمل بصنعاء الحبرات من القطن التي لا يقدر في غيرها على اتخاذ مثلها ومنها تحمل إلى البلاد، وكذلك الأردية والعمائم العدنية والثياب السحولية والأدم الطائفي لا يوجد في قطر من الأقطار مثله، والبقر الملمعة فيها تواليع بين بياض وصفرة كأحسن الوشي. وصنعاء لا تمطر إلا في حزيران وفي تموز وآب وبعض أيلول، ولا تمطر إلا بعد الزوال في أغلب الأمر، يلقى الرجل الرجل نصف النهار والسماء مصحية ليس فيها طخرية فيقول: عجل قبل أن تصب السماء، لأنهم قد علموا أنه لا بد من المطر في ذلك الوقت. ولما ظهر أمر الأسود العنسي الكذاب (2) بصنعاء، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد أو من خزاعة في أمر الأسود، فدخل صنعاء مختفياً، فنزل على داذويه الابنائي فأخفاه عنده، وتواترت الأنباء في قتل الأسود، فتحرك في قتله نفر منهم قيس بن عبد يغوث المكشوح وفيروز الديلمي وداذويه، وكانت المرزبانة زوجه قد أبغضته، إذ كان تزوجها قسراً وكانت من عظماء فارس، فوعدتهم موعداً أتوا لميقاته وقد سقته الخمر حتى سكر، فسقط نائماً كالميت، فدخل عليه قيس وفيروز ونفر معهما، فوجدوه على فراش عظيم من ريش قد غاب فيه، وأشفق فيروز أن يتمادى عليه السيف إن ضربه به، فوضع ركبته على صدر الكذاب ثم فتل عنقه فحولها حتى حول وجهه من قبل ظهره، وأمر فيروز قيساً فاحتز رأسه، فرمى به إلى الناس، ففض الله تعالى الذين اتبعوه وألقى عليهم الخزي والذلة، وأتى الخبر بذلك إلى رسول صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، فقال صلى الله عليه وسلم وذكر الأسود: قتله الرجل الصالح فيروز الديلي وداذويه، والأمر إلى قيس بن المكشوح فكان أمير صنعاء، وكان بها جماعة من أصحاب الأسود، فلما بلغتهم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثبت قيس والأبناء وأهل صنعاء على الإسلام إلا أصحاب الأسود، ثم ارتد قيس بن المكشوح وأخرج الأبناء من صنعاء فلم يبق بها أحد إلا في جوار، وبلع خالد بن سعيد بن العاصي رضي الله عنه ردة أهل صنعاء فسار يومها إلى أن كان من أمره وأمر قيس ثم إسلامه ما هو مذكور في مواضعه. وصنعاء (3) أيضاً قرية بدمشق. صنغانة (4) : في بلاد السودان، وعندها تنتهي بلاد الإسلام، وهي مدينتان على ضفتي النيل متصلة إلى البحر المحيط، ولهاتين المدينتين نظر واسع وعمارات متصلة، يقال إن عمارتهما وقراهما تتصل بالبحر المحيط. صعدة (5) : مدينة باليمن أيضاً بينها وبين صنعاء ستون

_ (1) السيرة 1: 62 وما بعدها. (2) قارن بفتوح البلدان: 125 - 127، وتاريخ الطبري 1: 1851 - 1868. (3) ياقوت (صنعاء) : وصنعاء أيضاً قرية على باب دمشق دون المزة ... خربت، وهي اليوم مزرعة وبساتين. قلت: يقال إن حنشاُ الصمعاني منسوباً إليها. (4) البكري: 172، والاستبصار: 217، وانظر نخبة الدهر: 240؛ وفي ص ع: صنعانية. (5) نزهة المشتاق: 20، وصبح الأعشى 5: 41، وقارن بالهمداني: 67، وياقوت (صعدة) ، وتقويم البلدان: 95.

الصعيد:

فرسخاً، والنسب إليها صاعدي على غير قياس، والذي يتجهز به من صعدة الأديم، لأن بها صناعة الأديم العديم المثال، وبها تجتمع التجار، وأهلها أهل أموال وافرة وبضائع وتجارات كثيرة. ؟ الصعيد: هو أعالي بلاد مصر وكأنه الصاعد منها، ومنها الرجل الذي كان في الأقباط بأرض الصعيد الذي أرسل إليه أحمد بن طولون (1) صاحب مصر في سنة نيف وستين (2) ومائتين، وكان مولعاً بمعرفة الآثار القديمة، فذكر له أن رجلاً من الأقباط بأرض الصعيد له نحو مائة وثلاثين سنة، وهو ممن عني من لدن حداثته بالعلم والإشراف على الملل والآراء والنحل من مذاهب المتفلسفين وغيرها وأنه علامة بالممالك والملوك، ذو معرفة بهيئة الأفلاك والنجوم، وكان نصرانياً على مذهب اليعقوبية، فبعث ابن طولون إليه قائداً من قواده فحمله إليه في النيل مكرماً، وكان الشيخ قد انفرد عن الناس في مكان اتخذه وسكن في أعلاه، وقد رأى الرابع عشر من ولد ولده، فلما وصل إلى أحمد بن طولون أكرمه وبره وأسكنه بعض مقاصيره ومهد له في موضع جلوسه، وحمل إليه لذيذ المآكل والمشارب، فأبى الشيخ أن يغتذي إلا مما حمل مع نفسه من كعك وسويق وغيرهما، وقال: هذه بنية ما ترون من الغذاء فإن سمتموني النقلة عن العادة كان ذلك سبب انحلال البنية ويفوتكم مني ما تطلبونه، فتركه ابن طولون وما يريده، ثم أحضره مجلسه مع أهل الدراية من أصحابه وخواص مجلسه، وصرف إليه همته، فمما سأله عنه بحيرة تنيس ودمياط، فقال (3) : كان موضع البحيرة أرضاً لم يكن بديار مصر مثلها لطيب التربة وزكاء الريع، وكانت جناناً متصلة، ولم تكن بمصر كورة يقال إنها تشبه الفيوم إلا هي وحدها، وكانت أكثر فاكهة منها، وكان الماء ينحدر إلى قرى موضع البحيرة صيفاً وشتاء يسقون منه متى شاءوا، وفضلة الماء تصب في البحيرة، وكان بين العريش وقبرس طريق مسلوكة في تنيس، وبينهما اليوم سير طويل في البحر، فلما كان قبل استفتاح المسلمين بلاد مصر بمائة سنة طمى ماء البحر وزاد فأغرق القرى التي كانت في موضع البحيرة، وما كان منها في البقاع المرتفعة فهي باقية إلى الآن قد أحاط بها الماء. قال: وعند هذه الزيادة التي زادها البحر طمى الماء على القنطرة التي كانت بين بلاد الأندلس وبين ساحل طنجة من أرض المغرب، وكانت قنطرة عظيمة لا يعلم في معمور الأرض مثلها مبنية بالحجارة تمر عليها الإبل والدواب من ساحل المغرب إلى الأندلس، وكان طولها اثني عشر ميلاً في عرض واسع وسمو كثير، وربما بدت هذه القنطرة لأهل المراكب تحت الماء فعرفوها. وسئل عن ممالك الأحابيش التي على النيل فقال: لقيت منهم ستين ملكاً كل ملك منهم ينازع من يليه، قال: وبسبب استحكام النارية في بلادهم تكون معادن الذهب كثيرة، فإن حرارة الشمس ويبسها يغير الفضة ذهباً، فإذا أطبخ ذلك الذهب بالملح والزاج والطوب خرج ما فيه من الفضة. وسئل عن منتهى النيل في أعلاه فقال: أصله من البحيرة التي لا يدرك طولها ولا عرضها، وهي تحت خط الاستواء تحت قطر الفلك المستقيم، وهو الموضع الذي الليل والنهار فيه متساويان الدهر كله. وسئل عن الأهرام فقال: إنها قبور الملوك، كان الملك إذا مات وضع في حوض من رخام ثم أطبق عليه وبني له هرم، ويصنع باب الهرم تحت الحوض (4) ثم يحفر له طريق في الأرض ويعقدونه آزاجاً. فقيل له: فكيف هذه الأهرام المملسة وكيف كانوا يصعدون لبنيانها؟ فقال: كانوا يبنون الهرم مدرجاً ذا مراقي يصعد فيها فإذا فرغوا من عمله نحتوه، قيل له: وكيف كانوا يصنعون بهذه الحجارة العظيمة التي لا يقدر مائة رجل أن يزحزح منها حجراً واحداً؟ قال: كانت لهم قراقل قد دبروها بأخلاط من المعادن وأنواع الحكمة فكانوا يضربون به الحجر الكبير فينقسم لهم على القدر الذي يريدونه ويتأتى لهم النحت، ومع هذا فانهم كان لهم صبر وجلد على أعمالهم ليس لمن بعدهم. الصغانيان: من مدن ما وراء النهر من خراسان مثل الترمذ وكش ونسف وبخارى وسمرقند وخجندة وأشروسنة والشاش وفرغانة وفارياب، وهي أكبر المدن التي عن يسار المشرق من مدينة بلخ.

_ (1) كل خير حتى آخر المادة عن مروج الذهب 2: 372 - 392؛ والمؤلف ينقل بإجاز. (2) ص ع: نيف وثمانين؛ وقد توفي ابن طولون سنة 270. (3) انظر مادة ((تنيس)) في ما سبق، وخطط المقريزي 1: 177. (4) المروج: تحت الهرم.

الصفا:

وهي أكبر (1) من الترمذ ولها ربض وعليه سور تراب، وبها أسواق وتجار وقرى وعمارات وصنائع، ولها أحواز وقرى عامرة ومنافع وغلات، ولها ربض عليه سور حصين ومساكنها وشوارعها فساح وأهلها قليلون، والترمذ أكثر منها أهلاً وأعظم أموالاً، ولها مسجد جامع وخطبة، وفقهاء وطلاب العلم، ولها رستاق وبها مياه جارية (2) . وفي ما وراء النهر من معادن الذهب والفضة والزئبق ما لا يقاربه معدن في سائر البلاد كثرة، وليس في الأقطار مثل النوشادر عندهم، وبصقلية نوشادر لا يعدل به ولا يدانيه، وإليهم يصل مسك التبت ومن عندهم يرفع، وهو يفوق كل مسك طيباً ويربي عليه ثمناً، ويرفع من الصغانيان من السمور والسنجاب وسائر الأوبار ما لا يرفع من سائر البلاد. وما وراء النهر أخصب الأقاليم خصباً وأكثرها متنزهاً، والصلاح على أهله غالب والخير فيهم فاش، ولهم الغنى والثروة والوفر والجدة، وليس بينهم في شيء من ذلك تنافس ولا يتخرقون فيه تخرق أهل زمانهم ممن همته دنيا ينالها ولذة يبلغها، بل يصرفونه إلى قرى الأضياف ومواساة الناس وسبل الجهاد وعمارة الطرق والمنازل وتعاهد المراحل والمناهل، فما ينزل بأحدهم ابن سبيل ولا يحل به إلا غمره ببره وأنساه وطنه. الصغد (3) : من بخارى إليها سبع مراحل، وهو قطر واسع له مدن جليلة متسعة حصينة منها: دبوسية وكشانية وكش وغيرها. افتتحها قتيبة بن مسلم الباهلي أيام الوليد بن عبد الملك. والصغد (4) بين بخارى وسمرقند، وهم رهط من الترك، وأهل بيت المملكة منهم بفرغانة، وفيهم كان الملك وهو خاقان الخواقين، وكان يجمع ملكه سائر الممالك، ثم انتثرت مملكتهم، وتسمى بهذا الاسم فريق منهم ببلاد التبت، وكان ممن ينقاد إلى خاقان، فلما انحل عقد نظامهم تسمى بهذا الاسم تشبهاً به. ومن كش مدينة الصغد العظمى إلى سمرقند أربع مراحل. والصغد (5) هم الهياطلة، وهم بين بخارى وسمرقند. وحكوا أن مسلم بن عقبة لما خرج من المدينة بعد وقعة الحرة يريد مكة متوجهاً إلى حرب عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فبلغ المشلل دون قديد مات هناك، أخزاه الله، فأخبرت بذلك أم ولد ليزيد بن عبد الله بن زمعة، وكانت تنزل قريباً من قديد فجاءته فنبشته فحرقته بالنار، وحرقت كفيه وبقرت بطنه وضربت بكبده أنفه، أخرجتها رطبة، وكانت خراسانية أو صغدية، فقالت قريش: لا تشتروا إلا الخراسانيات والصغديات فإنهن يطلبن بالثار، فذكر من رآه مصلوباً على المشلل أنه رآه يرمى بالحجارة كما يرمى قبر أبي رغال...... والصغد أكبر من الترمذ وبها ربض وعليه ... الخ (6) الصفراء (7) : قرية فوق ينبع، على ست مراحل من المدينة وهي كثيرة المزارع والنخل، ماؤها من عيون يجري فضلها من ينبع، وبين ينبع والمدينة ست مراحل ويسكن في الصفراء جهينة والأنصار ونهد. وبالصفراء مات عبيدة بن الحارث بن المطلب وكانت قطعت رجله ببدر، فوصل إليها مرتثاً، وقالت امرأته ترثيه: لقد ضمنوا الصفراء مجداً وسؤدداً ... وحلماً أصيلاً وافر اللب والعقل وفيها أو بقرب منها قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم النضر بن الحارث مرجعه من بدر بموضع يقال له الأثيل، وقد مر هذا (8) . الصفا (9) : في قوله تعالى " إن الصفا والمروة من شعائر الله "

_ (1) نزهة المشتاق: 147، وقارن الكرخي: 167، 162، وابن حوقل: 394، 385، وياقوت (صغانيان) والمقدسي: 283. (2) ما بين معقفين كان مدرجاً تحت ((مادة صغد)) وهي التالية، ولكن الصغد منطقة لا مدينة، فلا يقال فيها ((أكبر من الترمذ)) وقد راجعت نسختي نزهة المشتاق فوجدت العبارة فيهما تبدأ هكذا ((والصغانيان أكبر من الترمذ)) ثم يستمر الحديث عن الصغانيان لا عن الصغد. (3) انظر في الصغد: المرخي: 177، والمقدسي: 266، وابن حوقل: 405، وياقوت (الصغد) . (4) مروج الذهب 1: 287، والبكري (مخ) 46 - 47. (5) مروج الذهب 2: 195. (6) هنا كان موقع الفقرة التي نقلتها إلى المادة السابقة. (7) معجم ما استعجم 3: 836. (8) راجع مادة ((الأثيل)) . (9) البكري (مخ) : 73.

الصفاح:

هو في أصل جبل أبي قبيس، والمروة أصل جبل قعيقعان. الصفاح (1) : موضع بالروحاء، ذكره ابن حلزة اليشكري في قصيدته (2) : فالمحياة فالصفاح فأعنا ... ق فتاق فعاذب فالوفاء وفي كتاب الأطعمة من سنن أبي داود أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما كان بالصفاح، وهو مكان بمكة، فجاءه رجل بأرنب قد صادها، فقال: يا عبد الله بن عمرو: ما تقول؟ قال رضي الله عنه قد جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها، وزعم أنها تحيض. وقال عمر بن أبي ربيعة (3) قامت راءى بالصفاح كأنما ... كانت تريد لنا بذاك ضراراً وقيل: الصفاح ثنية من وراء بستان ابن معمر (4) ، قال الفرزدق (5) : حلفت بأيدي البدن تدمى نحورها ... نهاراً وما ضم الصفاح وكبكب وبرقة الصفاح - بفتح الصاد - هكذا ذكرها صاعد قال البكري: أنا أراه برقة الصفاح منسوب إلى هذا الموضع. صفورية (6) : موضع في ثغور الشام معروف. ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط قال: أأقتل من بين قريش!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " وهل أنت إلا يهودي من صفورية "؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حن قدح ليس منها. وذكر الكلبي أن أمية خرج إلى الشام فأقام بها عشر سنين فوقع على أمة يهودية للخم من أهل صفورية يقال لها ترنى فولدت ذكوان، فاستلحقه أمية وكناه أبا عمرو. صفين (7) : موضع بالعراق معروف على الفرات، ويقال فيه صفون أيضاً فهو يقال صفين في حال الرفع والنصب والجر، ومنهم من يقول صفون في الرفع، والأغلب على صفين التأنيث. وقيل لأبي وائل شقيق بن سلمة: أشهدت صفين؟ قال: نعم، وبئست صفون؛ وقال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني: كما بلغت أيام صفين نفسه ... تراقيه والشامتي شهود وهي صحراء ذات كدى وأكمات، وبها كانت الوقيعة العظيمة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وأهل العراق وأهل الشام، والتي جاء فيها الحديث المتفق على صحته: " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة "، وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين، وقيل في ربيع الآخر، وأقام علي ومعاوية رضي الله عنهما بصفين سبعة أشهر، وكان بينهم قبل القتال نحو من سبعين زحفاً، وقتل في ثلاثة أيام ثلاثة وسبعون ألفاً من الفريقين وقتل فيها من أصحاب معاوية رضي الله عنه خمسة وأربعون ألفاً على اختلاف في ذلك كله، وكان أهل الشام خمسة وثلاثين ألفاً ومائة ألف، وكان أهل العراق عشرين أو ثلاثين ألفاً ومائة ألف، وقتل في أصحاب علي رضي الله عنه خمسة وعشرون بدرياً، وكان معه منهم سبعون رجلاً وممن بايع تحت الشجرة سبعمائة، وعلي فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خيار التابعين، ومع علي رضي الله عنه رايات كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل بها، وقيل: بل لم يشهدها من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت، وهو قول مرغوب عنه، فإن من البدرية عمار بن ياسر رضي الله عنه وقد قتل معه، وبه عرفت الفئة الباغية في قوله صلى الله عليه وسلم، فإنه قال لعمار حين جعل يحفر الخندق: " ويح ابن سمية تقتلك فئة باغية "، وجعل يمسح رأسه، أخرجه مسلم، قالوا: وهو خبر متواتر من أصح الحديث، وحين لم يقدر معاوية رضي الله عنه على إنكار هذا الحديث قال: إنما قتله من

_ (1) معظمه عن معجم ما استعجم 3: 834، وسنن أبي داود 2: 133. (2) شرح المعلقات للزوزني: 288. (3) ديوان عمر: 149. (4) ص ع: يعمر. (5) ديوان الفرزدق 1: 80. (6) معجم ما استعجم 3: 837. (7) أول المادة عن معجم ما استعجم 3: 837.

أخرجه، وقد أجاب علي رضي الله عنه عن قول معاوية رضي الله عنه بأن قال: فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذاً قتل حمزة حين أخرجه. قال الإمام عبد القاهر في كتاب " الإمامة " من تأليفه: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي أهل الحديث والرأي، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين أن علياً رضي الله عنه مصيب في قتاله لأهل صفين، كما قالوا بإصابته في قتاله لأهل الجمل، وقالوا أيضاً: إن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له، ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم. قال إمام الحرمين: كان علي رضي الله عنه إماماً حقاً ومقاتلوه بغاة وحسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد الخير وإن أخطأوه. وكان علي رضي الله عنه ركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تعصب بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم السوداء ثم نادى: أيها الناس من يشتري نفسه من الله؟ من يبيع الله نفسه؟ فانتدب لها ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفاً فحمل بهم حملة واحدة، فلم يبق لأهل الشام صف إلا أزالوه حتى أفضوا إلى معاوية رضي الله عنه فدعا بفرسه لينجو عليه، فلما وضع رجله في الركاب تمثل بقول عمرو بن الاطنابة: وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك حمدي أو تستريحي فأقام. قال بشير الأنصاري: والله الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ما سمعنا برئيس قوم قط أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي يومئذ بيده، أنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة رجل من رجال العرب كان يخرج إليهم فيضرب فيهم ثم يجيء بسيفه منحنياً.. وسئل خبار: لم كان علي رضي الله عنه يحب ركوب البغال دون الخيل، قال: لأنه لم يكن ممن يفر فيطلب السوابق، ولا يطلب الهارب، فاقتصر على ما يحصل به فارساً دون ما يكون به فاراً أو طالباً. وكانت درعه صدراً بلا ظهر، فقيل له: لو أحرزت ظهرك، فقال: إذا وليت فلا وألت. وكان إذا استعلى الفارس قده وإذا استعرضه قطعه، والقد القطع طولاً والقطع القطع عرضاً. ولما رأى معاوية رضي الله عنه ما لا قبل له به لأنه رأى أمر علي رضي الله عنه يقوى وأمره يضعف شاور عمراً رضي الله عنه فقال له: ما ترى. قال: مر الناس برفع المصاحف، فأمر برفع مائة مصحف، فرفعت، فلما رأى ذلك أصحاب علي رضي الله عنه كفوا عن القتال، فقال لهم علي رضي الله عنه: إن هذه لخديعة، فسلوهم ما شأن هذه المصاحف، فقال معاوية رضي الله عنه: نجعل القرآن حكماً بيننا ونثوب إلى السلم، فكان ذلك سبباً لتحكيم الحكمين: أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاصي رضي الله عنهما، وخروج الخوارج على علي رضي الله عنه، وافتراق الناس واختلاف أصحابه. قال شقيق بن سلمة: والله لكأني أنظر يومئذ إلى رجل واقف على فرس على تل ومعه رمح طويل في رأسه مصحف يقول: بيننا وبينكم ما في هذا المصحف، ثم قرأ: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " ثم يقول: من لفارس، من للروم، فقال أناس من أصحاب علي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين أنصف القوم، فقال علي رضي الله عنه: والله ما كتاب الله يريدون. فلم يزالوا به، قالوا له: ابعث حكماً منك وحكماً منهم. قال القاضي أبو بكر بن الطيب: ومعاذ الله أن يكون الحكمان حكما عليه بالخلع، وإنما حكم عليه بذلك عمرو وحده، وقد أنكر ذلك عليه أبو موسى وأغلظ له في القول، وعلى أنهما لو اتفقا جميعاً على خلعه لم ينخلع حتى يكون الكتاب والسنة المجتمع عليهما يوجبان خلعه أو واحداً منهما. وذكر (1) صعصعة بن صوحان العبدي، قال: كان علي رضي الله عنه مصاف أهل الشام يوماً بصفين حتى برز رجل من حمير من آل ذي يزن اسمه كريب بن الصباح ليس في أهل الشام يومئذ أشهر بشدة البأس منه، برز بين الصفين ثم نادى: من يبارز، فبرز إليه شرحبيل بن طارق البكري، فقتل شرحبيل، ثم نادى كريب: من يبارز. فبرز إليه الحارث بن الجلاح، فاقتتلا، فقتل الحارث، ثم نادى: من يبارز فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتل عائذ، ثم رمى كريب بأجسادهم

_ (1) كتاب صفين: 315 - 316.

صفاقس:

بعضها على بعض، ثم قام عليها بغياً وعدواناً، ثم قال: هل بقي لنا من مبارز. فخرج إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فناداه: ويحك يا كريب، إني أحذرك الله وأدعوك إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويلك لا يدخلك النار، فقال له كريب: ما أكثر ما سمعت منك هذه المقالة، لا حاجة لنا فيها، أقدم إن شئت، من يأخذ سيفي هذا وهذا أثره، فقال علي رضي الله عنه: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم مشى إليه علي رضي الله عنه فالتقيا هنيهة، ثم إن علياً رضي الله عنه ضربه فقتله، ثم نادى علي رضي الله عنه: من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري، فقتله علي رضي الله عنه، ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني فقتله، ثم نادى: يا معشر المسلمين: " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله مع المتقين "، ثم نادى علي رضي الله عنه: ويحك يا معاوية، هلم فبارزني ولا تفنين العرب بيننا فقال عمرو رضي الله عنه: اغتنمه، فقد قتل أربعة من فرسان العرب، وأنا أطمع أن يظفرك الله به، فقال معاوية رضي الله عنه: والله إن تريد إلا قتلي فتصيب الخلافة، اذهب إليك، فليس مثلي يخدع، ما بارز ابن أبي طالب رجلاً إلا سقى الأرض من دمه. وافترقوا (1) قبل التحكيم عن سبعين ألف قتيل على أصح الروايات بعد أن تراموا بالنبل حتى فنيت، وتطاعنوا بالرماح حتى اندقت، وتضاربوا بالسيوف حتى انقطعت، ثم نزل القوم يمشي بعضهم إلى بعض قد كسروا جفون سيوفهم واضطربوا. بما بقي من السيوف وعمد الحديد فلا تسمع إلا غمغمة القوم، فلما صارت السيوف كالمناجل تراموا بالحجارة، ثم جثوا على الركب فتحاثوا التراب في الوجوه ثم تكادموا بالأفواه، وكسفت الشمس وثار القتام وارتفع الغبار وضلت الألوية والرايات، ومرت مواقيت أربع صلوات لأن القتال كان بعد صلاتهم الصبح، فاقتتلوا إلى نصف الليل، وهي ليلة الهرير جعل بعضهم يهر على بعض، وهو الصوت يشبه النباح، وكبروا في أوقات الصلوات خاصة، وقاتلهم علي رضي الله عنه ولم يذفف على جريح ولا تبع منهزماً ولا أخذ أسيراً ولا سبى امرأة ولا كشف عورة ولا أخذ مالاً، إلا ما أجلبوا به عليه من سلاح أو كراع فإنه يرده إلى أهلهم. قالوا: ولا خلاف بين أهل الحل والعقد أن علياً رضي الله عنه كان أحق بالخلافة والإمامة في ذلك الوقت من كل من على وجه الأرض عموماً، وأفضل من معاوية خصوصاً، لأنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاً وأخوه نسباً وقسيمه حسباً، ومن الأولين السابقين والمهاجرين المذكورين في الكتاب، ومن العشرة المقطوع لهم بالجنة، وشهد بدراً، وقد غفر الله لكل من شهد بدراً من المسلمين، وقتل فيها يومئذ ثلث المقاتلين، وتحرك به جبل حراء وهو مع ابن عمه صلى الله عليه وسلم، وصلى القبلتين، وفداه صلى الله عليه وسلم ليلة الغار بنفسه، وشهد بيعة الرضوان، وبايع تحت الشجرة، وكتب كتاب المقاضاة بيده، وأعطاه صلى الله عليه وسلم لواءه في غير موقف، وزوجه البتول سيدة نساء أهل الجنة، وهو أبو سيدي شباب أهل الجنة، وخامس أصحاب العباءة، ويحب الله ويحبه الله، باتفاق من الصحيحين، وأنزله منه (2) صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى، وعهد إليه أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق. صفاقس (3) : مدينة بإفريقية، بينها وبين قفصة ثلاثة أيام، وهي مدينة قديمة عامرة، لها أسواق كثيرة وعمارة شاملة وعليها سور حجارة وعلى أبوابها صفائح حديد منيعة، وعلى أسوارها محارس للرباط، وشرب أهلها من المواجل، ويجلب إليها من قابس نفيس الفواكه، ويصاد بها من السمك ما يعظم خطره - وأكثر صيدهم في الماء الميت بضروب حيل، وجل غلاته الزيتون، والزيت بها منه شيء كثير، ومرساها حسن ميت الماء، ولأهلها نخوة وفي أنفسهم عزة، وملكها طاغية صقلية سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، ثم استنقذت منه وعمرت، ومنها إلى المهدية مرحلتان. ومن الناس من يكتب صفاقس بالسين، ومن قابس (4) إلى عين الزيتونة إلى منزل في طرف ساحل الزيتون (5) ، ومن هناك إلى غافق، وهو بلد معمور، ومن هناك إلى صفاقس، وبها أسواق

_ (1) انظر كتاب صفين: 479. (2) ص ع: وأنزله الله عز وجل منه. (3) الإدريسي (د/ ب) : 107/ 77 (سفاقس) . (4) البكري: 19. (5) هذا المنزل اسمه ((تاورقي)) .

صقلية:

كثيرة ومساجد ومسجد جامع، وسورها صخر وطوب، وبها حمامات وفنادق وبواد عظيمة وقصور جمة وحصون ورباطات على البحر، منها محرس فيه منار مفرط الارتفاع يرقى إليه في مائة وست وستين درجة. وصفاقس في وسط غابة زيتون، ومن زيتها يمتار أهل مصر والمغرب وصقلية والروم، وربما بيع الزيت بها أربعين ربعاً بمثقال واحد، وهي محط لسفن الآفاق، وإذا جزر الماء بقيت السفن في الحمأة فإذا مد رجعت السفن وعامت، ولا بد من المد والجزر كل يوم. وكان الأديب أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي تميم ولي في المدة المستنصرية اشرافها فلم توافقه فقال (1) : صفاقس لا صفا عيش لساكنها ... ولا سقى أرضها غيث إذا انسكبا ناهيك من بلدة من حل ساحتها ... عانى بها العاديين الروم والعربا وليتها فتولتني الهموم وقد ... لقيت من سفري في أرضها نصبا كم ظل في البر مسلوباً بضاعته ... وبات في البحر يشكو الأسر والعطبا قد عاين البحر قبحاً في جوانبها ... فكلما هم أن يدنو لها هربا ويقصدونها (2) التجار من الآفاق بالأموال الجزيلة لابتياع المتاع والزيت وعمل أهلها في القصارة والكمد كعمل أهل الإسكندرية وأحسن، وتقابل صفاقس في البحر جزيرة قرقنة، وهذه الجزيرة في وسط القصير، بينها وبين مدينة صفاقس في ذلك البحر الميت القصير القعر نحو عشرة أميال، وليس للبحر هناك حركة، وحذاء هذا الموضع في البحر على رأس القصير بيت مشرف مبني بينه وبين البر الكبير نحو الأربعين ميلاً، فإذا رأى ذلك البيت ركاب السفن الواردة من الإسكندرية والشام وبرقة أداروها إلى مواضع معلومة. صقلية: جزيرة صقلية في قطعة من البحر الشامي بينها وبين أقرب بر من مالطة ثمانون ميلاً؟ افتتحها المسلمون في صدر الإسلام وغزاها أسد بن الفرات الفقيه أميراً وقاضياً سنة اثنتي عشرة ومائتين، ففزع فيمه (3) البطريق النصراني قائد صاحب صقلية إلى زيادة الله فعرض عليه أمر صقلية، والظفر بها، فولى زيادة الله أسد بن الفرات القاضي الفقيه على جيش إفريقية من قريش والعرب والبربر وغيرهم وأقره على القضاء مع القيادة، فخرج أسد في جيش عظيم وجمع كثير وعدة كاملة في شهر ربيع الأول من العام المذكور، وكان فصوله من مدينة سوسة في سبعين مركباً يوم السبت للنصف من ربيع الآخر ووصل إلى مرسى مازر يوم الثلاثاء بعده، وكانت طريقه من المرسى على قلعة بلوط ثم على قرى الريش ثم صار إلى قلعة الدب، وسميت بذلك لأنهم أصابوا فيها دباً أنيساً، ثم إلى قرية الطواويس، وسميت بذلك لأنهم أصابوا فيها طاووساً، ثم إلى معركة بلاطة (4) ، وهناك ظهر لهم جمع الروم فنازلهم فانهزم المشركون وأصيب لهم كراع وسلاح ولذلك سميت معركة بلاطة، وهو اسم ملك النصارى، ثم رحل إلى حصون الروم وقراهم يغير ويسبي، وبث السرايا في جميع الجزيرة وكثرت المغانم عند المسلمين وصاروا في رغد من العيش، وسارع الناس إلى إمدادهم من إفريقية والأندلس، وحاصر أسد مدينة سرقوسة وقاتلهم (5) براً وبحراً وأحرق مراكبهم وقتل جماعة من أهلها، ومات أسد سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو محاصر لسرقوسة، ووقع الموتان في عسكر المسلمين. واختلفت عليهم بعده الولاة، ثم كان فيها من العلماء والعباد والفقهاء والشعراء وأعيان الناس ما لا يأخذه عد ولا يأتي عليه إحصاء، إلى أن طال الأمد وقست القلوب واختلفت الأهواء ووقعت الفتن بين أهلها، وخلفت فيهم خلوف، ومضت الأعصار الطويلة فتغلب عليها النصارى في سنة أربعمائة وثلاث وخمسين، ومازال

_ (1) رحلة التجاني: 69، وفيها معلومات هامة عن صفاقس، وانظر كذلك الاستبصار: 116. (2) عادة إلى النقل عن البكري: 20 - 21. (3) ص ع: قيمه؛ وفيه أو فيمي (Euphemius) هو الذي تذكر المصادر العربية أنه حث الأغالبة على فتح الجزير لنزاع بينه وبين صاحب القسطنطينية (نهاية الأرب 22: 238) ؛ وهذا النص يشبه ما عند البكري (ح) : 219 مع اختلاف في بعض التفصيلات. (4) كذا ولعله ((منزلة)) ؛ وبلاطة: موضع المعركة، ولكن المصادر العربية تجعله أيضاً أسماً لحاكم صقلية. (5) ص ع: وقابلهم.

الطاغية رجار الفرنجي يفتحها قطراً قطراً ويأخذها كفراً كفراً إلى أن استولى على جميعها وذلك في مدة ثلاثين عاماً (1) إلا أنه أقر الناس بها على ديانتهم وشرائعهم وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأهلهم وذراريهم، وأقام على ذلك مدة حياته إلى أن مات سنة أربع وتسعين وأربعمائة، فخلفه ابنه رجار الثاني فحذا حذوه وسار بسيرته فركن إليه الناس ورضوا بتسليم الأمور له. وصقلية اسم لإحدى مدنها فنسبت الجزيرة كلها إليها، وفيها مدن (2) كثيرة، وهي جزيرة عظيمة ضخمة حصينة خطيرة قيل إن فيها مائة بلد وثلاثين بلداً بين مدينة وقلعة غير ما بها من الضياع والمنازل. وطول هذه الجزيرة سبعة أيام وعرضها خمسة أيام، وفتحت في سنة اثنتي عشرة ومائتين، فتحها زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير القيروان، بعث إليها أسد بن الفرات، كما قدمناه، فمشى في مراكبه إلى سرقوسة، مدينة من مدن الجزيرة، فنزل بمرساها، وقاتل البطريق الذي كان بها حتى قتله. قالوا: ومعنى صقلية باللسان القديم: تين وزيتون، وهو الذي أراد أبو علي حسن بن رشيق في مدح قاعدتها بلرم المدعوة باللسان العربي المدينة في قوله: أخت المدينة في اسم لا يشاركها ... فيه سواها من البلدان والتمس وعظم الله معنى ذكرها قسماً ... قلد إذا شئت أهل العلم أو فقس يشير إلى قوله تعالى: " والتين والزيتون ". وقال البكري (3) : سميت صقلية باسم سيقلو أخو ايطال (4) الذي به سميت ايطالية وكانت تعرف قبل تري قريا، ومعناه باللسان الإغريقي: ثلاثة في أربعة (5) ، وإنما ذلك لثلاثة مواضع مشرفة فيها وهي: بلرم التي هي قاعدتها وباجنة ولياوم (6) ، وبين صقلية وبلد إيطالية خليج من البحر. وقال ارشيوس عرض جزيرة صقلية مائة وسبعة وخمسون ميلاً وطولها مائة وسبعة وسبعون ميلاً، وقال غيره: دور صقلية الذي يحيط بها خمسمائة ميل وطول جزيرة صقلية من جبل بلرم إلى جل بحيتة، وعرضها من جبل باجنة إلى جبل انتسوا عند مرسى علي، ويذكر أنها مثلثة الشكل. وقال بعضهم: لا أدري جزيرة في البحر أكثر منها بلاداً ولا عمارة أقطار، فالثلث الشرقي منها، من مسيني إلى جزيرة الأديب، مائتا ميل، ومن جزيرة الأديب إلى طرابنش أربعمائة ميل وخمسون ميلاً، وهو الوجه الجنوبي، والوجه الثالث من طرابنش إلى الحراش اثنان وخمسون ميلاً. وهي كثيرة الزرع والضرع والفواكه، وبلرم قاعدتها في شمال الجزيرة على سبع ليال من المجاز. وبجزيرة صقلية البركان العظيم (7) الذي لا يعلم في العالم أشنع منظراً منه ولا أغرب خبراً، وهو في جزيرتين شمالاً من هذه الجزيرة، وإذا هبت الريح الجوفية سمع له دوي هائل كالرعد القاصف. وقد كان بروفوريوس الفيلسوف شخص من مدينة صور إلى صقلية لينظر إلى البركان ويعاين فعل الطبيعة هناك ويخبر عنه وعن العلة فيه بقول واضح، فمات بها وقبره بها معروف، وقبر جالينوس أيضاً هناك معلوم، وكان قد شخص من مدينة رومة يريد الشام ليلقى أصحاب عيسى عليه السلام. وبصقلية مياه حامضة، وبها معدن من الكبريت الأصفر الذي لا يوجد بموضع مثله، وهو بجزيرة البركان، وله قطاعون وعمالون عالمون بتناول ذلك قد تمرطت شعورهم وتصلبت (8) أظفارهم، ويذكرون أنهم يجدونه في بعض الأزمنة سيالاً متميعاً فيجدون له في الأرض مواضع يجتمع فيها، ثم يجدونه في غير ذلك الأوان قد تحجر وحمض فيقطعونه بالمعاول.

_ (1) بعض هذه الفقرة ملخص عن الإدريسي (م) : 20 - 21 مع حذف حماسته لرجار وإشادته بذكره. (2) عاد إلى التلخيص عن الإدريسي. (3) البكري (ح) : 213، وبعضه عند ابن الشباط (المكتبة الصقلية: 210) . (4) في الأصلين: انطال ... أنطالية. (5) لعل ((في أربعة)) مصحفة عن ((مرابع)) وذلك قد يوافق قوله ((لثلاثة مواضع مشرفة)) . (6) الأرجح أن تكون ((باجنة)) هي ((باشنو)) التي يذكرها الإدريسي: 56 كما اقترح الأستاذ رتزيتانو؛ أما لياووم فيرجح الأستاذ نفسه أنها محرفة، وأن مكانها في الزاوية الشمالية الشرقية هو الفارو ((il Faro)) . (7) انظر مادة ((البركان)) في ما تقدم. (8) البكر وابن الشباط: ونصلت؛ وهو أصوب.

الصقالبة:

وبجزيرة صقلية آبار ثلاث عند قلعة مينا (1) من إقليم سرقوسة يخرج منها في وقت معلوم من السنة زيت النفط وذلك في شهر شباط وشهرين (2) بعده، وينزل من البر عليه على درك ويرقى على درك آخر، ويخمر الذي يدخل البئر رأسه ويسد مسام أنفه، وإن تنفس في أسفل البئر هلك من ساعته، وما أخرج منه وضع في قصار يعلو الدهن منه. وفي بعض التواريخ أن جزيرة صقلية كان يسكنها في قديم الزمان أمة مهملة كانت تأكل الناس، ويقال إنه كان فيها جنس من المسوخ بعين واحدة (3) . وفي السنة التي بويع فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه سار قسطنطين بن هرقل في ألفي (4) مركب يريد بلاد المسلمين، فسلط الله تعالى عليه عاصفاً من الريح فغرقها ونجا قسطنطين فلجأ إلى صقلية، فصنعوا له حماماً ودخله فقتلوه فيه. وبمدينة صقلية نهران مطردان من عين واحدة. وكان بجزيرة صقلية ملوك وقواد وجيوش للمسلمين ورؤساء وعلماء وصالحون، فصنف ابن القطاع " الدرة الخطيرة في محاسن الجزيرة " ذكر فيها شعراءها وجملة من رجالها، وكان تغلب العدو عليها في سنة أربعين - أو ستين على الرواية الأخرى - وأربعمائة، وممن بكاها عبد الجبار بن حمديس الشاعر في قصيدته المشهورة التي أولها: قضت في الصبا النفس أوطارها ... وأبلغها الشيب إنذارها نعم وأجيلت قداح الهوى ... عليها فقسمن أعشارها يقول في آخرها: ذكرت صقلية والأسى ... يهيج للنفس تذكارها فإن كنت أخرجت من جنة ... فإني أحدث أخبارها ولولا ملوحة ماء البكا ... حسبت دموعي أنهارها وزعموا أن في جزيرة صقلية، في ناحية منها، عينين تجريان: إحداهما أيما امرأة شربت منها حبلت، والأخرى أيما أنثى شربت منها حبلت وتوأمت (5) . الصقالبة (6) : في سنة ثمان وتسعين سار مسلمة بن عبد الملك إلى القسطنطينية في البر، وعمر بن هبيرة في البحر، فجازا الخليج ودارا ما بين الخليج وبينها، وفتحا مدينة الصقالبة. الصهباء (7) : بالحجاز، في طريق خيبر، وعلى اثني عشر ميلاً منها، وبها مر صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى خيبر وصلى بها العصر، وبها بنى بصفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها، وهي على طريق وادي القرى، وقد كان صلى الله عليه وسلم أراد أن يبتني بها بثبار (8) ، على ستة أميال من خيبر، فأبت عليه حتى وجد في نفسه، فلما بلغ الصهباء مال إلى دومة هناك فطاوعته، فقال لها صلى الله عليه وسلم: " ما حملك على ما صنعت حين أردنا النزول بثبار؟ "، فقالت: يا رسول الله خفت عليك يهود، فلما بعدت منهم أمنت، فزادها عنده خيراً وعرف أنها قد صدقته. صهاب (9) : قرية بفارس، بها كانت الوقيعة على المسلمين وأميرهم الحكم بن أبي العاصي بن بشير الثقفي أخو عثمان بن أبي العاصي، وقال الشاعر: وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدة كأمس الدابر

_ (1) هي: (Mineo) . (2) ع: وتشرين، وهو تصحيف. (3) سمي البكري هذا الجنس باسم ((ققلوفس)) (Cyclops) . (وكتبها المحقق: حقولفس) . (4) البكري: ألف. (5) كذا والمشهور ((وأتأمت)) . (6) انظر الطبري 2: 1317، وتاريخ اليعقوبي 2: 299، وأثبات هذه المادة وهم من المؤلف، تابع فيه ظاهر قول الطبري ((وفي هذه السنة (اي 98) فتحت مدينة الصقالبة)) ، والطبري يعني بها إحدى مدن برجان. (7) طبقات ابن سعد 8: 121، وبعضه في معجم ما استعجم 3: 844. (8) أثبته ياقوت في باب الثاء والباء، وفي طبقات ابن سعد (تبار) ، ص ع: ثبان. (9) انظر معجم ما استعجم 3: 844.

صورا:

صورا (1) : هي آخر بلاد النوبة، تسير من دمقلة في جبال وشعاب حتى تنتهي إلى صورا هذه، وهي مدينة كبيرة على شاطئ النيل. صور (2) : من بلاد الشام بحرية، بها دار الصنعة، ومنها تخرج مراكب السلطان، وهي حصينة جليلة، قريبة من عكا، ويضرب بها المثل في الحصانة، وهي أنظف من عكا سككاً وشوارع، ولها بابان: أحدهما في البر والآخر في البحر، وهو يحيط بها إلا من جهة واحدة، فالذي في البر يفضى إليه بعد ولوج ثلاثة أبواب أو أربعة، والذي في البحر هو مدخل بين برجين مقدرين (3) إلى ميناء ليس في البلاد البحرية أعجب وضعاً منها، يحيط بها سور المدينة من ثلاثة جوانب، ويحدق بها من الجانب الآخر جدار معقود بالجص، والسفن تدخل تحت السور وترسي فيها، وتعترض من البر بين البرجين المذكورين سلسلة عظيمة تمنع عند اعتراضها الداخل والخارج، فلا مجال للمراكب إلا عند إزالتها، وعلى ذلك الباب حراس وأمناء، لا يدخل الداخل ولا يخرج الخارج إلا على أعينهم، ولعكا مثلها في الوضع والصفة لكنها لا تحتمل السفن الكبار حمل تلك. وأخذت الروم (4) صور من أيدي المسلمين سنة ثمان عشرة وخمسمائة في أيام الآمر بأحكام الله خليفة مصر الشيعي، وكان أهلها عزموا على أن يجمعوا أهاليهم وأبناءهم في المسجد الجامع ويحملوا عليهم سيوفهم غيرة من تملك النصارى لهم، ثم يخرجوا إلى عدوهم بعزمة نافذة، ويصدموهم حتى يموتوا على دم واحد ويقضي الله قضاءه لهم، فمنعهم من ذلك فقهاؤهم والمتورعون منهم، فأجمعوا على دفع البلد والخروج عنه بسلام، فكان ذلك، وتفرقوا في بلاد المسلمين، ومنهم من استهواه حب الوطن فأقام بها. وصور وعكا (5) لا بساتين حولهما إنما هما في بسيط من الأرض متصل بسيف البحر، والفواكه تجلب إليهما من رساتيقهما التي بالقرب منهما. ولصور عند بابها البري عين معينة ينحدر إليها على أدراج، والآبار والجباب فيها كثيرة لا تخلو دار منها. ومنها عبد المحسن الصوري الشاعر. وهي الآن للروم وبينها وبين الإسكندرية خمسة عشر ميلاً، وهي مدينة (6) حسنة وبها للمراكب إقلاع وحط، وقد أحاط البحر بها من ثلاثة أركانها، ولها ربض كبير يعمل فيه جيد الزجاج والفخار، ويعمل بها من الثياب القمص المحمولة إلى كل الآفاق كل شيء حسن، ومن صور إلى دمشق خمسة أيام. صور: قرية كبيرة على فم الخليج الذي يتصل بشرقي أرض الواحات. الصيمرة (7) : مدينة في الجبل، وهي في مرج أفيح فيه عيون وأنهار، ومنها الصيمري صاحب " التبصرة " في النحو، وأجود الجبن الصيمري. صيمور (8) : مدينة في الهند واسعة حسنة جليلة المباني حسنة الجهات، بها نارجيل كثير وقنا هندية، وبجبالها كثير من نبات العطر المحمول إلى سائر الآفاق. هي من بلاد الملك المسمى بلهرا، وملكه عظيم، وبلاده واسعة العمارات جامعة للخيرات، وجبايته وافرة وأمواله مقنطرة وفي بلاده أنواع من صنوف الأفاويه العطرية، وتفسير بلهرا: ملك الملوك، وهو اسم يتوارثه الملوك كما أن البغبوغ اسم يتوارثه ملوك الصين، وكذلك بلهرا في الهنود، والغالب على هذا البلد الكفرة، وفيه مسلمون لا يلي عليهم إلا مسلم من قبل البلهرا يستخلفه عليهم، وكذلك في كثير من البلدان التي في أطراف المسلمين، فيغلب

_ (1) البكري (مخ) : 59، وقد مر ذكرها في مادة ((دمفلة)) . (2) رحلة ابن جبير: 304 وما بعدها. (3) الرحلة: مشيدين. (4) الرحلة: 306. (5) رحلة ابن جبير: 310. (6) نزهة المشتاق: 115. (7) قارن بابن حوقل: 314، والكرخي: 118، والمقدسي: 394، واليعقوبي: 269، وياقوت (الصيمرة) ، والحديث عن جودة الجبن فيها عن معجم ما استعجم 3: 849. (8) الإدريسي (ق) : 53، أما المعلومات عن البلهرا فإنها منقولة عن البكري (مخ) : 45، وانظ كتاب (AGK) الصفحة: 69، حيث أورد ما قاله ثمانية من الجغرافيين العرب عن صيمور، وقارن المعلومات عن البلهرا بما قاله الإدريسي (ق) : 59، وما أورده المسعودي (المروج ج: 1) وما في أخبار الصين: 12.

صهيون:

عليها ملوك الكفر، كالخزر واللان وغيرهم، لا يمضي على المسلمين هناك حكم لكافر، ولا يقيم عليهم شهادة إلا المسلمون، وإن قلوا. وببلاد البلهرا مساجد تقام فيها الصلوات والجمع وتقام الجمعات بالأذان والأعلام، وهي مملكة عريضة، وزي المسلمين هناك واحد في اللبسة وإرسال الشعر، وزعموا أن الهند اسم نهر هناك وبه تسمى الهند. وصيمور (1) أيضاً جزيرة من جزائر بحر الصين، بها من المسلمين نحو من عشرة آلاف، ومن مذاهب هؤلاء الصينيين أن ما ينالهم من النعيم في المستقبل مؤجلاً بقدر ما تعذب به أنفسها في هذه الدار معجلاً، قال المسعودي: رأيت منهم رجلاً ببلاد صيمور وهو يطوف في أسواقهم ومعه جماعة أهله وقد أضرمت له النار وقد وضع على رأسه الجمر والكبريت، فيسير وهامته تحترق، وروائح دماغه تتضوع فلما دنا من النار أخذ خنجراً فوضعه على فؤاده فشقه، ثم أدخل يده الشمال فقبض على كبده فجذب منها قطعة وهو يتكلم، فقطعها بالخنجر، ودفعها إلى بعض إخوانه تهاوناً بالموت ولذة بالنقلة ثم هوى بنفسه في النار. صهيون (2) : كنيسة عند بيت المقدس جليلة حصينة، فيها العلبة التي أكل فيها المسيح مع تلامذته. الصين: بلاد في مطلع الشمس، يقال إن فيها ثلثمائة مدينة ونيفاً عامرة كلها سوى القرى والرساتيق، ومن خرج إليها قطع سبعة أبحر، لكل بحر منها لون وريح وسهك ليس في غيره، أول بحورهم بحر فارس. وفي الصين عجائب كثيرة، والأصل في ذلك أن قوماً من بني عامور بن يافث قطعوا إلى ناحية الصين، وكان عامور قد عمل فلكاً حكى به سفينة جده نوح صلى الله عليه وسلم، فركب فيها هو وولده وأهله، وقطع البحار إلى الصين، فبنى هو وولده المدائن وعملوا الحكم ودقائق الصناعات، وملكهم ثلثمائة سنة، وملك ابنه صاين مائتي سنة وبه سميت الصين، ومدينتهم العظمى يقال لها انموا (3) بينها وبين خانقو (4) التي تنزل فيها مراكب التجار ثلاثون يوماً، وأهل الصين بيض إلى الصفرة فطس، يبيحون الزنا ولا ينكرون شيئاً منه، ويورثون الأنثى أكثر من الذكور، ولهم عند دخول الشمس في الحمل عيد كبير يأكلون فيه ويشربون سبعة أيام. وأشرف حليهم (5) من قرون الكركدن، لأنها متى قطعت قرونها ظهرت فيها صور عجيبة مختلفة، والكركدن دابة لها قرن واحد في الجبهة طوله ذراع، وغلظه قبضتان، فيه صور من أوله إلى آخره، وإذا شق رأيت الصورة بيضاء في سواد صورة إنسان أو دابة أو سمكة أو غير ذلك، فيتخذه أهل الصين مناطق تبلغ المنطقة منه مائتين وثلثمائة دينار إلى ثلاثة آلاف دينار إلى أربعة آلاف. والذهب عندهم هين حتى يتخذون منه لجم دوابهم وسلاسل كلابهم، ووراءهم صين الصين وهم أمم عراة يلتفون في شعورهم، ومنهم أمم زعر لا شعر لهم، وأمم حمر الوجوه شقر الشعور. وبحر الصين (6) بحر خبيث بارد، ريحه من قعره تغلي كغليان الماء على جاحم النار، ويخبر الثقات من ركابه أنه بحر مسكون له أهل في بطن الماء، وأنهم يرونهم إذا هاج البحر ليلاً كهيئة الزنج، ويطلعون المراكب. وفي بحر الصين سمكة مثل الحراقة يرمي بها الموج إلى الساحل، فإذا جزر الماء بقيت على الطين، فلا تزال تضطرب حتى تنسلخ في اضطرابها من إهابها، فيكون لها جناح تستقل به فتطير، وفيه سمكة تلتقم الناس، وربما مات الرجل من ركاب البحر فيرمى به في البحر فلا يخطئ فاهة السمكة، كأنما كانت له رصداً. وفي هذا البحر يرى وجه عظيم على صورة الإنسان إلا أنه مفرط الكبر مستدير يشبه لون القمر. وفي تخوم (7) بحر الصين جزيرة النساء، ليس يسكنها أحد إلا النساء، وهن يلقحن من الريح ويلدن النساء، وقيل: إنهن

_ (1) البكري (مخ) : 33، وقد كتبت عنده ((صيمون)) ، وأجاز ياقوت الوجهين. (2) ص ع: صيهور؛ وانظر ياقوت (صيهون) ؛ والزيات للهروي: 27 قال: وكنيسة صيهون يقال إن المائدة نزلت على عيسى بن مريم والحواريين بها، وورد عند ياقوت ((صيهون)) وأنه اسم جبل، ولعله صورة أخرى من ((صيهون)) فيكونورود المادة هنا مقبولاً مع تغيير الراء فقط إلى نون. (3) ص ع: انكو. (4) وردت في هذه المادة بالقاف. (5) قارن بما في أخبار الصين: 13 - 14، والبكري (مخ) : 33. (6) البكري (مخ) : 37. (7) البكري (مخ) : 39.

يلقحن من شجر عندهن يأكلن منه. ويذكر أن الذهب عندهن عروق مثل الخيزران، وأنه وقع إليهن رجل فهممن بقتله فرحمته امرأة منهن وحملته على خشبة في البحر، فأدارته الأمواج حتى أتت به بعض بلاد الصين، فوصل إلى ملك الصين وعرفه حال الجزيرة، فجهز إليها المراكب، فأقاموا يطوفون في البحر ثلاثة أعوام يطلبونها فلم يقفوا لها على أثر. وأهل الصين (1) شعوب وقبائل كقبائل العرب وأفخاذها وتشعبها في أنسابها، ولهم مراعاة لذلك وحفظ له، وينتسب الرجل منهم إلى خمسين أباً إلى أن يتصل بعامور، وأكثر من ذلك وأقل، ولا يتزوج أهل كل فخذ من فخذه، مثل أن يكون الرجل من مضر ويتزوج في ربيعة، ومن ربيعة فيتزوج من مضر، ومن كهلان فيتزوج في حمير، ومن حمير فيتزوج في كهلان، ويزعمون أن في ذلك صحة النسل وقوام البنية وان ذلك أصح للبقاء وأتم للعمر. ولم تزل أمور الصين مستقيمة في العدل، على حسب ما جرى، به الأمر فيما سلف من ملوكهم، إلى سنة أربع وستين ومائتين، فإنه حدث في الملك أمر زال به النظام وانتقضت به أحكام الشرائع، وهو أن نابغاً نبغ فيهم من غير بيت الملك كان في بعض مدن الصين، يقال له باشموا (2) ، اجتمع إليه أهل الدعارة والشر، ولحق الملك وأرباب التدبير غفلة عنه لخمول ذكره، وأنه ممن لا يبالى به، فاشتد أمره وكثر عتوه وقويت شوكته، وقطع أهل الشر المسافات نحوه، فعظم جيشه، فشن الغارات على العمائر حتى نزل مدينة خانقو (3) ، وهي مدينة عظيمة، وقد تقدم ذكرها وذكر هذا الثائر ونزوله على خانقو وأخذه لها واستباحته لحريمها في حرف الخاء. وأبواب الصين اثنا عشر باباً، وهي جبال في البحر، بين كل جبل فرجة يسار منها إلى موضع تصيبه من مدائن الصين، وتصعد المراكب في مدائن الصين الشهر والأكثر والأقل، بين جنات وغياض وناس لهم أموال زاكية وأغنام ومياه، والمد والجزر يدخلانها من البحر كل يوم وليلة مرتين، وفي هذه المرافئ أسواق وتجار، ودخل وخرج ومراكب وبضائع تحمل وأخرى تجيء، وبها الأمن المتصل، وفي ملوكها العدل، وهي سنتهم وعليه يعولون، وبذلك اتصلت عمارتهم وحسنت في بلادهم، وقل جزعهم وعظم أمنهم، واتسعت أيديهم في الأموال. وأهل الهند والصين يقتلون السارق، ويؤدون الأمانة، وينصفون من أنفسهم من غير احتياج إلى حاكم أو مصلح، طبعاً وسجية. وفي بحر الصين دابة لها جناحان تنشرهما في الجو، تحمل على المراكب فتقلبها، يكون طول الدابة مائة ذراع ونحوها، وإذا رأى أهل المراكب هذه الدابة ضربوا الخشب بعضه ببعض فتنفر منها تلك الدابة وتخرج لهم عن الطريق، وقد قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الدابة سمكة صغيرة إذا رأتها هذه الدابة الكبيرة نفرت منها، فمرت على وجهها فلا يستقر بها مكان من البحر ما دامت السمكة تتبعها. ولملك الصين (4) أربعمائة ألف مرتزق، وهو لا يكاد يبدو لأحد، ولا يصل إليه إلا وزيره أو حاجبه أو رسول ملك يرد عليه، ووجوه عسكره ورؤساء أصحابه يصلون إليه في كل أسبوع، فإن تعذر ذلك عليهم أكثر من هذه المدة ضجوا وسألوا الوصول إليه كيلا يكون قد مات وأخفي ذلك عنهم. وإذا أراد الملك أن يركب ضرب بجرس فيدخل الناس منازلهم ويخلون الطرقات. وسميت الصين (5) بأول من نزلها، وهو صائن بن عامور بن يافث، وهو الذي أثار المعادن من الذهب، وعمل الحكمة ودقائق الصناعات، وملكهم أزيد من مائتي سنة، فلما مات جعلوا جسده في تمثال ذهب، وأقاموا يطوفون به على سرير من ذهب، فصار ذلك رسماً لكل من ملك منهم، فالملك منهم إذا مات أدخلوه في تمثال ذهب، وأجلسوه على سرير ذهب مرصع بالجوهر، وبنوا له هيكلاً يكون فيه، فيسجدون له، واتخذ لهم بعض ملوكهم سياسة شرعية وفرائض عقلية، وجعلها رباطاً، ورتب لهم قصاصاً وحدوداً ومستحلات للمناكح، وصلوات تقرب إلى معبودهم، إنما لا سجود فيها، وأمرهم بقرابين للهياكل ودخن وأبخرة للكواكب، فهم باقون على ذلك، وملة الصين تدعى السمنية.

_ (1) المروج 1: 301، والبكري (مخ) : 46. (2) المروج والبكري: يانشو، والأرجح أنه: بانشوا. (3) وردت في هذه المادة بالقاف. (4) البكري (مخ) : 45. (5) البكري (مخ) : 46، وهو مشابه - مع إيجاز - لما عند المسعودي، مروج 1: 290.

ومملكة الصين أعظم ممالك تلك الناحية وأكثرها جنداً وأموالاً، وبلاد الصين واسعة، والغالب على أهلها استدارة الوجوه وفطس الأنوف، ولباس (1) رجالهم ونسائهم الديباج والحرير المرتفع، ولباس إمائهم وسفلتهم الحرير الدون، ودورهم واسعة مزوقة المجالس بالتماثيل، وهم يتباهون بنظافة الثياب ونبل الدور وكثرة الأواني، وإذا ورد على ملكهم رسول من بعض الملوك أدخل عليه في الوقت الذي يأذن له، فيقف أحد وزرائه عن يمينه والآخر عن يساره، ويقف الرسول بالبعد منه، على حسب مرتبة مرسله، ولا يرفع رأسه حتى يؤمر بذلك، ثم يتقدم إلى الحاجب أو الوزير فيخبره عما وجه إليه، فيأمر الملك له بتخت ديباج وجام فضة مذهبة، ويعاد به كل يوم إلى دار الملك ليتغدى هناك، وإذا أراد الملك النوم أو الدخول على بعض جواريه صعد منجموه سطح البيت الذي هو فيه ورصدوا له الكواكب، واختاروا له وقت مباشرته إياهن. ومن سيرهم (2) أن المرأة إذا لم تكن محصنة وأرادت الفجور رفعت رقعة إلى الملك تذكر حالها وما ذهبت إليه، فيبعث إليها حلقاً من نحاس فتجعله في عنقها، ولبست المصبغات، وعملت ما شاءت علانية، فإذا ولدت الذكور خصوا واستعملهم الملك في داره وأعماله، وإن كان الذي ولدت أنثى كانت على رسم أمها، ومن سنتهم أن يورثوا الإناث أكثر من الذكور ولهم عند حلول الشمس بالحمل عيد معظم يأكلون فيه ويشربون سبعة أيام. وبلاد الصين تجاور بلاد البرغز، فيها ملوك من ملوك الصين لهم أجناد وعدد وأموال طائلة، وحزم وجلادة على مكايدة الترك وغزوهم ومنعهم من أذية ديارهم. وأهل هذه الجهة من الصينيين زيهم زي الأتراك في اللباس والمركوب والآلات والحروب، وعندهم الفيلة يقدمون بها في صدور مراكبهم، والأتراك يهابون سطوتهم ويخافون شوكتهم، فيمسكون عن أذية بلادهم، ويحملون إلى الصين كثيراً مما عندهم من الصناعات والتمر والعسل وكثيراً من السلاح والشكة مثل الدروع والجواشن والأتراس والمقامع والنشاب والسكر ونحو ذلك مما يحتاجون إليه وأهل الصين يهادنونهم بسبب ذلك، ويترفعون عن غزوهم، ولكنهم غير متغافلين في جانبهم. قالوا (3) : وفي أقاصي بلاد الصين هيكل مدور له سبعة أبواب، في داخله قبة عظيمة الشأن، في أعلاها جوهرة أكبر من رأس العجل، تضيء منها جميع أقطار ذلك المكان، وقد رام جماعة من الملوك أخذها فلم يدن أحد منها على عشرة أذرع إلا مات، وإن رام أخذها بشيء من الآلات الطوال إذا بلغ ذلك المقدار انعكس، فليس يتأتى تناولها بشيء ولا سبب، وإن تعرض أحد لهدم شيء من الهيكل مات مكانه بقوة دافعة منفرة قد عملت من أنواع الأحجار المغنيطسية. وفي هذا الهيكل بئر مسبعة الرأس متى أكب امرؤ على رأسها تهور، وصار في قرارها على رأسه، وعلى البئر شبه الطوق مكتوب عليه، بقلم قديم، قلم السندهند (4) : هذي البئر تؤدي إلى مخزن الكتب الأول من تاريخ الدنيا وعلوم السماء، وما كان فيما مضى وما يكون فيما يأتي، وتؤدي هذه البئر إلى خزائن وغرائب هذا العالم، لا يصل إلى الدخول إليها والاقتباس مما فيها إلا من وازت قدرته قدرتنا وساوى معلومه علمنا. وإن وقع البصر على هذا الهيكل وقع في قلب الرائي له جزع منه وحنين إليه مختلطان، وهو على جبل شامخ صلد لا يتأتى فيه نفوذ ولا حفر البتة. والثمار كلها في الصين إلا النخل. وهم من أحذق (5) عباد الله تعالى كسباً وصناعة ومما أعانهم على ذلك أن الملك إذا أوتي بمعجزة من الصناعات والرقوم والنقوش وضعه على باب دار مملكته حولاً، فإن ذكر أحد فيه عيباً يتبين وصل وحرم الصانع، وإلا أجزلت صلة الصانع، وإن رجلاً منهم صور سنبلة سقط عليها عصفور في ثوب حرير لا يشك الناظر أنها سنبلة سقط عليها عصفور، فبقي الثوب مدة حتى اجتاز به رجل أحدب فعابها، وأدخل على الملك وحضر صانعها، فسئل عن العيب فقال: إنه لا يقع عصفور على سنبلة إلا أمالها، وهذه منتصبة قائمة، فصدق ولم يثب الصانع شيئاً، وقصدهم في هذا وشبهه الرياضة. وليس للجاني عندهم إلا القتل إلا جناية قذف، فإنه من قذف إنساناً ضرب بالخشبة ضرباً مبرحاً وخلي سبيله.

_ (1) انظر عن ملابس أهل الصين، كتاب أخبار الصين 10 - 11. (2) البكري (مخ) : 46. (3) مروج الذهب 4: 69. (4) مروج الذهب: قلم المسند. (5) البكري (مخ) : 46، ومروج الذهب 1: 322.

صيدا:

ويذكر قوم ممن سكن الصين أنهم سمعوا أن وراء الصين أمة شقر الألوان حمر الوجوه والشعور، يسكنون أسراباً قد اتخذوها لشدة حر الشمس عندهم، فإذا طلعت دخلوا الأسراب، إلى أن تزول وتغرب فيخرجون. ولا أحد من الصينيين إلا وهو يحفظ أيام عمره، كان شيخاً أو صبياً، وكلهم يكتب، واليتيم أمره إلى السلطان في تعليم الكتاب، ينفق عليه من بيت مال السلطان، فإذا أدرك أخذ منه الجزية، وإذا بلغ الشيخ سبعين إلى الثمانين أجري عليه من بيت المال، وإذا أذنب الشيخ ذنباً يجب عليه فيه القتل، وهو ابن ثمانين سنة، صفح عنه لكبر سنه. صينية الصين (1) : مدينة في أقصى الصين، لا تعدلها مدينة في الكبر وكثرة العامر وسعة التجارات وكثرة البضائع، واجتماع التجار بها من سائر الأقطار ومن بعض المدن الهندية المجاورة (2) للصين، وملكها من بيت الملك ولكنه تحت يد البغبوغ، وهو الملك الأعظم. صيونة (3) : مدينة متصلة بأرض سفالة، متوسطة القدر، وأهلها جماعات من أهل الهند والزنوج وغيرهم، وهم على ضفة النيل، وبها يسكن رئيس هذه المدن، وله عساكر رجالة ولا خيل عندهم، وهم على جون تدخله المراكب المسافرة إليها. صيدا (4) : بأرض الشام، بينها وبين بيروت يومان، وهي على ساحل البحر، وعليها سور حجارة، وتنسب إلى امرأة كانت في الجاهلية، وهي مدينة كبيرة عامرة الأسواق رخيصة الأسعار، محدقة بالبساتين والأشجار، غزيرة المياه، ولها أربعة أقاليم، وهي متصلة بجبل لبنان. وهي المذكورة في شعر النابغة (5) . وبصيدا سمك على طول الإصبع تصاد وقت سفادها ثم تجفف، فإذا احتيج إليها أخذت منها الواحدة فسحقت واستفت بالماء، فينعظ الذي يستفها إنعاظاً قوياً وجامع ما شاء لا يصيبه عجز ولا فتور، وهذه السمك صغار على هيئة الوزغ، لها أيد وأرجل صغار. صيدون (6) : جزيرة في البحر المحيط مسيرة شهر في مثله، وكان صيدون ملكاً بها، وكان بصيدون عجائب ومصانع كثيرة وأنهار وأشجار، وكان صيدون ساحراً، وكانت الجن تطيف به وتعمل له العجائب، وكان له في وسط الجزيرة مجلس من ذهب، على عمد من رفيع الجواهر تشرف على جميع الجزيرة، فدل بعض الجن سليمان عليه السلام عليه، فغزاه وخرب الجزيرة، وقتله وقتل أكثر أهلها لأنهم كانوا يعبدونه، وأسر منهم خلقاً فآمنوا، وأسر ابنة صيدون، ولم يكن على وجه الأرض أجمل منها وجهاً، ولا أكمل حسناً وظرفاً، فاصطفاها لنفسه فتزوجها، وكانت تديم البكاء لمفارقتها أباها، فقال لها سليمان عليه السلام: مالي أراك كئيبة، وأنا خير لك من أبيك، وملكي أجل من ملكه؟! قالت: أجل، ولكن إذا ذكرت كوني مع أبي وأنسي به هاج ذلك لي حزناً ووجداً، فلو أمرت الشياطين أن يصوروا لي صورته، لعلي إذا رأيتها سلوت عنه، فأمر الشياطين فعملوا لها صورة في مجلس مثل المجلس الذي كان فيه، وكان الشيطان يصحب أباها، وهو الذي أشار عليها بذلك، فكان ذلك المجلس والصورة في مقاصيرها التي صنع لها سليمان، وقد غرس لها فيها بدائع الأشجار، وفجر فيها الأنهار، في قني ذهب وفضة مطوقة بأصناف الجواهر، فعمدت إلى صورة أبيها فألبستها أصناف الحرير والثياب المنسوجة بالذهب، وجعلت على رأسه إكليلاً من الجوهر النفيس، وألبسته تاجاً منظوماً بالجوهر الفاخر الملون، وجعلت حوله مساند الديباج المذهب، ونثرت عليه سحيق المسك، وأوقدت بين يديه دخن العنبر وضروب الطيب، وفرشت بحذائه - على بعد منه - أصناف الأفاويه والرياحين، وكانت تدخل عليه بكرة وعشية، فتسجد له مع وصائفها وخدمها، كما كانت تصنع لأبيها، وكان قد دخل في هذا الصنم شيطان، فخاطب المرأة بلسان أبيها يقول: قد أحسنت فيما فعلت، وما فقدت بك شيئاً، فاتصل أمرها بآصف

_ (1) نزهة المشتاق: 71 (OG: 211) . (2) ع: المجاورين؛ ص: والمجاورين. (3) نزهة المشتاق: 25 (OG: 68) ، وقارن بما ورد عند ابن سعيد في بسط الأرض: 15، وقد حاول الباحثون المحدثون تحديد موقعها، فمنهم من اعتبرها (sena) الواقعة على أحد روافد نهر زمبيري ومنهم من قدر أنها هي موزمبيق. (4) نزهة المشتاق: 115، وصبح الأعشى: 111. (5) يشير إلى قوله: لأن كان للقبرين قبر بجلق ... وقبر بصيداء التي عند حارب وقال ياقوت: إن صيداء هذه موضع بحوران. (6) البكري (مخ) : 38، وانظر الثعلبي: 322، والطبري 1: 586.

بن برخيا، وكان كاتب سليمان ومن أهله، وهو الذي كان عنده علم الكتاب، وهو الذي أحضر عرش بلقيس، وكان علم موضع المرأة من قلب سليمان وحبه لها، فلم يدر كيف يتوصل لتعريفه بما أحدثت عنده، إلى أن اتجه له ذلك، فقال: يا نبي الله، إني قد كبرت ولا آمن الموت، وقد أردت أن أقوم مقاماً أذكر فيه الأنبياء وأثني عليهم، فتأمر بإحضار الناس ووجوه بني إسرائيل، فأجابه سليمان عليه السلام إلى ذلك، فقام آصف على المنبر فخطب، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وأقبل يذكر الأنبياء نبياً نبياً، ويثني عليه في صغره وفي كبره ومدة أيامه، إلى أن بلغ داود عليه السلام، فأثنى عليه واستغفر له، ثم ذكر سليمان، فأثنى عليه في صغره خاصة ولم يذكره في كبره، ولا ذكر شيئاً من أيامه بخير ولا شر، فأحفظ ذلك سليمان عليه السلام، فاستدعاه خالياً، ووقفه على ذلك، فقال: ذكرت ما علمت، فلما ألح عليه قال: وبم استحللت أن أثني عليك في أيامك، وغير الله يعبد في دارك منذ أربعين يوماً؟! ما هذا جزاء نعمته عندك ولا شكر تمليكه لك، فارتاع لذلك سليمان عليه السلام، وقام فعاقب المرأة، وكسر الصنم، وهرب شيطانه، فظفر به فسجنه، وفتن سليمان بذلك، وأخذت الجن خاتمه، وخرج من ملكه، وكان يطوف في بني إسرائيل فينكرونه، ثم رد الله تعالى عليه ملكه وخاتمه بعد أربعين يوماً، وهي مدة الأيام التي سجدت المرأة فيها للصنم، ثم إن المرأة تابت وصح إسلامها، وكان ولد سليمان علية السلام منها، وذكروا أن اسمها جرادة.

ضارج:

حرف الضاد ضارج (1) : ماء لبني عبس، قال الطوسي: هو موضع باليمن، وأنشد قول امرئ القيس (2) : قعدت له وصحبتي بين ضارج ... وروي أن ناساً من اليمن خرجوا يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابهم ظمأ شديد كاد يقطع أعناقهم، فلما أتوا ضارجاً ذكر أحدهم قول امرئ القيس (3) : ولما رأت أن الشريعة همها ... وأن البياض من فرائصها دامي تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها طامي فقال أحدهم: والله ما وصف امرؤ القيس شيئاً إلا على حقيقة وعلم، فالتمسوا الماء فهذا ضارج، وكان ذلك وقت الظهر، فمشوا على فيء الجبل حتى عثروا على العين، فسقوا واستقوا، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، لولا بيت امرئ القيس لهلكنا، وأنشدوه إياهما، فقال: " ذلك نبيه الذكر في الدنيا خامله في الآخرة، كأني أنظر إليه يوم القيامة بيده لواء الشعراء يقودهم إلى النار ". وفي طريق آخر أن قوماً أقبلوا من اليمن يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم فأضلوا الطريق، وفقدوا الماء ثلاثاً، فجعل الرجل منهم يأوي إلى فيء سمرة وطلحة آيساً من الحياة، فبينما هم كذلك أقبل راكب وهو ينشد: ولما رأت أن الشريعة همها ... وان البياض من فرائصها دامي تيممت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظل عرمضها طامي قيل: يصف حمير وحش عطشت، وخافت من ورود الشريعة لأجل القناص، وقيل: يصف ناقته، وفي رواية: سمع رجلاً منا ينشد ذلك، فقال الراكب: من يقول هذا؟ قالوا: امرؤ القيس قال: ما كذب، وهذا ضارج عندكم، فانصرفوا إليه يزحفون نحو خمسين ذراعاً، فإذا ماء غدق عليه العرمض، وهو الطحلب، يفيء عليه الظل، كما قال، فشربوا وحملوا الماء حتى بلغوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أحيانا الله تعالى ببيتين من شعر امرئ القيس، قال: وكيف ذلك؟ فأخبروه فقال: " ذلك رجل مشهور في الدنيا خامل في الآخرة يجيء معه لواء الشعراء إلى النار ". والفرائص جمع فريصة، وهي اللحمة التي ترعد عند الفزع. وفي رواية (4) كانت جميلة المدنية واحدة في الأغاني يجتمع

_ (1) معجم ما استعجم 3: 852. (2) عاجز البيت عند البكري: وبين العذيب بعد ما متأمل؛ ورواية الديوان: 240 ((وبين حامر وبين إكام)) . (3) لم يرد في ديوانه في المروي من شعره، وإنما أضافه المحقق (475) نقلاً عن الشعر والشعراء لابن قتيبة. (4) قارن بالأغاني 8: 199.

ضروان:

إليها أهل المدينة، فأتاها عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، فلما رأته قالت: مرحباً وأهلاً لم لا وجهت إلي يا سيدي، فأصير إليك؟ فقال رضي الله عنه: في بيته يؤتى الحكم يا جميلة، بلغني أنك تجيدين صوتاً أنقذ الله تعالى به نفراً من المسلمين من الهلكة، فقالت: ما هو؟ قال: قول امرئ القيس: ولما رأت أن الشريعة همها ... فلما أن غنت به قالت له: يا ابن رسول الله، كيف نجى الله تعالى بهذا الشعر نفراً من المسلمين؟ فقال: إن قوماً من أهل اليمن خرجوا من بلدهم يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كانوا في بعض طريقهم أضلوا الطريق ونفد ماؤهم، وأيقنوا بالهلكة، فاستندوا: كل رجل منهم بشجرة (1) مسلمين للهلكة، فإذا رجل قد أقبل على بعير، وقد أنشد بعضهم البيتين، فقال لهم الراكب، هذا ضارج عندكم، وإذا العين إلى جنبهم، قد ستر عليها الشجر، فجثوا على الركب إليها فشربوا وارتووا وتزودوا، وسألوا الرجل عن الطريق فأرشدهم، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، خلصنا الله من الهلكة ببيتين لامرئ القيس، وأنشدوه البيتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة " ... الخبر. ضبا (2) : من عمل المدينة النبوية، وهو مرفأ للسفن مأمون، وفيه آبار عذبة، وشجر المقل فيه كثير، وبين ضبا ومدين جبال شامخة متكائدة. ضجنان (3) : جبل بناحية مكة على طريق المدينة. وفي حديث الإسراء (4) : أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان، فوجدت القوم نياماً، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان، وآية ذلك أن عيرهم الآن تضرب (5) من البيضاء ثنية التنعيم يقدمها جمل أورق، عليه غرارتان: إحداهما سوداء والأخرى برقاء فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم إلا الجمل الأورق كما وصف لهم، وسألوهم عن الإناء فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءاً ثم غطوه، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى، ولم يجدوا فيه ماء ... الحديث بطوله. وعن ابن عباس (6) رضي الله عنهما، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بسورة براءة، فلما بلغ أبو بكر رضي الله عنه ضجنان سمع بغام ناقة علي رضي الله عنه. وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه مر بضجنان فقال: لقد رأيتني بهذا الجبل أحتطب مرة وأختبط أخرى، على حمار للخطاب، وكان شيخاً غليظاً، وأصبحت والناس تحتي ليس فوقي أحد. ضخم (7) : من مدن عمان وهي في الجبال، وماؤها من العيون، وبها نخل كثير، وقصب السكر، وبها أشجار يقال لها الأطواق تشبه شجر المقل، تقطع منها عروق ثم توضع في الماء فيسيل منها ماء يسكر من ساعته، وعامتهم أصحاب شعور وجمم. ضروان (8) : موضع فيه كانت نار اليمن التي كانوا يعبدونها ويتحاكمون إليها، فإذا اختصم خصمان خرج إليهما منها لسان، فإن ثبتا أكلت الظالم، وهذه النار ظهرت في بعض قرانات مثلثات الحمل، فأقامت قراناً كاملاً، وبلغت حدود شبام أقيان، ورئام البيت الذي كانوا يعبدونه هناك أيضاً. قال العلماء (9) : ضروان هي الجنة التي اقتص الله عز وجل خبرها في سورة نون.

_ (1) ص ع: شجرة. (2) البكري (مخ) : 77، وخلاصة الوفا: 389. (3) معجم ما استعجم 3: 856، وقارن بياقوت (ضجنان) . (4) السيرة 1: 402. (5) السيرة: تصوب. (6) عاد إلى نقل ما تبقى من هذه المادة عن معجم البكري. (7) ع: ضجر؛ وسقط العنوان من ص؛ والمؤلف ينقل عن البكري (مخ) : 68، وقد أثبت البكري الكلمة ((ضخم)) وأظنها أيضاً مصحفة، وعلى ساحل الباطنة من عمان بلدة تكتب على الخرطية ((صحم)) - بالصاد والحاء المهملتين -، وأظن هذا هو الصواب. (8) معجم ما استعجم 3: 859. (9) متابع لمعجم البكري أيضاً؛ والإشارة إلى قوله تعالى في سورة القلم (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين. ولا يستثنون. فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون. فأصبحت كالصريم) .

ضمير:

ضرية (1) : نسبت إلى ضرية بنت ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، ويقال إنه منسوب إلى خندف أم مدركة وإخوته، وروي أنه خلق جؤجؤ آدم من كثيب ضرية. وضرية مكان ينسب إليه الحمى، وهو أكبر الأحماء، وهو من ضرية إلى المدينة، وهو أرض مرب منبات كثيرة العشب، وهو سهل الموطئ كثير الحموض، تطول عنه الأوبار، وتتفتق الخواصر. وأول من أحمى هذا الحمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لإبل الصدقة وظهر الغزاة، وكان حماه ستة أميال من كل ناحية من نواحي ضرية، وضرية أواسط الحمى، فكان على ذلك إلى صدر خلافة عثمان رضي الله عنه، إلى أن كثر النعم حتى بلغ نحواً من أربعين ألفاً، فأمر عثمان رضي الله عنه أن يزاد في الحمى ما يحمل إبل الصدقة، فزاد فيها زيادة لم تحدها الرواة، إلا أن عثمان رضي الله عنه اشترى ماء من مياه بني ضبينة، فدخل ذلك في حمى ضرية في أيام عثمان رضي الله عنه، ثم لم تزل الولاة بعد ذلك تزيد فيه، وكان أشدهم في ذلك انبساطاً إبراهيم بن هشام. وفيه يقول نصيب: ألا يا عقاب الوكر وكر ضرية ... سقيت الغوادي من عقاب ومن وكر وقال الأصمعي: لما صدر الرشيد من الحج، صدر على طريق البصرة، فلما نزل ضرية أتاني أعرابي من قيس، وبيده جويرية سوداء ومعه قطعة رق، فقال لي: يا هذا، اكتب لي عتق هذه الجارية عقلة (2) ، فقلت: أمل علي، قال: وما تكتب من تلقائك؟ قلت: لا، قال: فاكتب، هذا ما استشهدني به عبد الله بن قيس الكلابي، أشهد أنه أعتق جويريته لؤلؤة السوداء ابتغاء وجه الله وخوفاً من العقبة، الله أعتقك وله المنة عليك وعلي، ولا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء: قال فحدثت بهذا الحديث الرشيد، فأمر بمائة عبد أن يعتقوا هذا العتق. ضل: موضع بالحجاز، إليه نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم هيتاً المخنث ضمير (3) : بالشام، على خمسة عشر ميلاً من دمشق، فيه مات عبيد الله بن معمر التيمي، وكان سبب موته هناك أن ابن أخيه عمر بن موسى بن معمر خرج مع ابن الأشعث، فأخذه الحجاج، فبلغ ذلك عبيد الله وهو بالمدينة، فخرج يطلب فيه إلى عبد الملك، فلما بلغ ضميراً بلغه أن الحجاج ضرب عنقه، فمات كمداً هناك. وفي هذا الموضع يقول أبو الطيب: لأن تركنا (4) ضميراً عن ميامننا ... ليحدثن لمن ودعتهم ندم ضمار (5) : حجر كان لبني سليم يعبدونه، وبينا عباس بن مرداس يوماً عند ضمار بعد أن جاء الله تعالى بالإسلام سمع من جوفه هاتفاً يقول: قل للقبائل من سليم كلها ... أودى ضمار وفاز أهل المسجد فكان ذلك سبب إسلامه. الضفر (6) : بفتح أوله وكسر ثانية بعده راء مهملة، موضع قريب من المدينة النبوية، به كان قبر أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وهو أحد الأجواد المطعمين. قالوا: ركب إبراهيم بن هشام والي المدينة إلى موضع له بملل فلما أراد الانصراف قال: اجعلوا طريقكم على أبي عبيدة، فنفجؤه (7) عسى أن نبخله، قال: فهجم عليه فرحب به واستنزله، فقال له إبراهيم: إن كان شيء عاجل، وإلا فإني لست أقيم، قال: وما عسى أن يكون عندي عاجلاً يكفيك ويكفي من معك!! ولكن نذبح لهم، فأبى إبراهيم إلا الانصراف فقال: انزل عندي على العاجل، فجاءه بتسعين كرشاً فيها الرؤوس مع كثير من بوارد الطعام، واستأنف الذبح لهم، فعجب ابن هشام وقال: تراه ذبح في ليلته من الغنم عدد هذه الرؤوس؟!

_ (1) معجم ما استعجم 3: 859. (2) قبلها بياض في ع بمقدار كلمتين. (3) معجم ما استعجم 3: 882. (4) رواية الديوان: لئن جعلن. (5) معجم ما استعجم 3: 881. (6) معجم ما استعجم 3: 878، وخلاصة الوفا: 389 وهو خطأ، صوابه ((صفر)) بالصاد المهملة. (7) معجم البكري: فنتفجؤه؛ وفي ص ع: على.

ضواحي البصرة:

ضهر (1) : بلد باليمن سمي بضهر بن سعد، وأهل اليمن يقولون: خرج من ضهر سبعة من الفراعنة، وفرعون من الإبل وهو عسكر، بعير عائشة يوم الجمل، بعث به يعلى بن منية. وضهر على ساعة من صنعاء وهو أطيب بلاد اليمن فاكهة، وبين ضهر وصنعاء جبل ينور، وبضهر قنة جبل عالية صلدة لا يرتقى إليها، وهم يضربون بجنها (2) المثل في الخبث. ضواحي البصرة (3) : أطرافها وما لا سواد فيه.

_ (1) معجم ما استعجم 3: 883، والأكليل 2: 102. (2) ع: بها؛ وسقطت من ص. (3) معجم ما استعجم 3: 884.

حرف الطاء

حرف الطاء الطائف: مخلاف من مخاليف مكة على مرحلتين من مكة وقيل بينهما ستون ميلاً، وهي إحدى القريتين المذكورتين في القرآن، وكان اسم الطائف وج سميت بوج بن عبد الحي من العمالقة، ثم سكنتها ثقيف، فبنوا عليها حائطاً مطيفاً بها فسموه الطائف. وهو منازل (1) ثقيف وهي مدينة صغيرة متحضرة، مياهها عذبة وهواؤها معتدل وفواكهها كثيرة وضياعها متصلة وعنبها كثير جداً، وزبيبها معروف يتجهز به إلى جميع الجهات وأكثر فواكه مكة من الطائف، وبها تجار مياسير، وجل بضائعهم الأديم وهو غاية في الجودة رفيع القيمة والنعل الطائفي يضرب به المثل. والطائف على جبل غزوان وبه جملة من قبائل هذيل وهو جبل مشهور بالبرد وربما جمد الماء في الصيف لشدة برده. وكانت ثقيف (2) كلها عاقدت هوازن يوم حنين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى فلهم حين فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فأغلقوا عليهم أبواب مدينتها ثم صنعوا الصنائع للقتال فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل عليهم فحاصرهم، وفي ذلك قال كعب بن مالك: قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم أجممن السيوفا نخيرها فلو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وعشرين ليلة أو بضع عشرة ليلة فقاتلهم قتالاً شديداً وتراموا بالنبل، ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق وهو أول من رمى به في الإسلام ودخل نفر من أصحابه تحت دبابة زحفوا بها إلى جدار الطائف فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم بالنبل فقتلوا منهم رجالاً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يؤذن في ثقيف فأذن الناس بالرحيل وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم، ثم أسلموا بعد ذلك. وكانت لثقيف بالطائف اللات، فلما جاء الله بالإسلام هدمت، تولى ذلك خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة. وبالطائف توفي عبد الله بن عباس سنة ثمان وستين ودفن في مسجدها وكانت ثقيف بنته لما أسلمت في موضع مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بناه منهم عمرو بن أمية بن وهب، وكان في ذلك المسجد سارية فيما يزعمون، لا تطلع الشمس عليها يوماً من الأيام إلا سمع لها نقيض وهو الصوت. والطائف أكثر بلاد الله عنباً. ولما دخل (3) سليمان بن عبد الملك الطائف فنظر إلى بيادر الزبيب

_ (1) نزهة المشتاق: 51 (OG: 145) ، وفي صبح الأعشى 4: 258 نقل عن الروض. (2) السيرة 2: 478. (3) ياقوت (الطائف) .

الطاقة:

فقال: ما تلك الحرار السود؟ فقيل له: ليست بحرار يا أمير المؤمنين، ولكنها بيادر الزبيب، فقال لله در قسي، علم في أي عش وضع أفرخه. قال الأصمعي: دخلت الطائف فكأني كنت أبشر وكان قلبي يطفح بالسرور وما أجد لذلك إلا انفساح جوها وطيب نسيمها. وعسل الطائف من فائق العسل. وزي ثقيف الأقبية المصبغة بالورس والعصفر، ويحزمون على أوساطهم ملاءات القطن الرقاق وعليها البرود العجيبة. ويحكى (1) أن الوليد بن عبد الملك أفسد في أرض لعبد الله بن يزيد بن معاوية، فشكا ذلك أخوه خالد بن يزيد إلى عبد الملك؟ فقال له عبد الملك: " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها " فقال له خالد: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " فقال عبد الملك أفي عبد الله تتكلم وبالأمس دخل إلي فعثر في لسانه ولحن في كلامه؟! قال: أفعلى الوليد تعول؟ قال: إن كان الوليد لحاناً فسليمان أخوه! قال خالد: وإن كان عبد الله لحاناً فأخوه خالد، فقال الوليد: أتتكلم ولست في العير ولا في النفير؟! فقال خالد: ألم تسمع ما يقول يا أمير المؤمنين؟ أنا والله ابن العير والنفير (2) ، ولكن لو قلت: حبيلات (3) وغنيمات والطائف ورحم الله عثمان قلنا صدقت. أراد بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الحكم بن أبي العاص إلى الطائف فصار راعياً حتى رده عثمان رضي الله عنه. طاوران (4) : جزيرة في البحر الأعظم، وطاوران اسم ملكهم وله أربعة آلاف امرأة ومن لم يكن له ذلك فليس بملك ويتفاخرون بكثرة الأولاد، وعندهم أشجار إذا أكلوا منها قووا على الباءة قوة عجيبة. طاب (5) : نهر طاب يجري في جنوب خوزستان وهذا الحد المميز بين خوزستان وفارس، وجميع مياه خوزستان كلها تتألف وتصب في البحر وأرضها كلها رمل وسهول وليس فيها من الجبال إلا ما كان بنواحي تستر. طابة: اسم من أسماء المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. الطاقة (6) : إحدى بلاد السودان أكثر شجرها يسمونه تادموت (7) ، وهو شجر الأراك، إلا أن ثمره كالبطيخ داخله شيء يشبه القند تشوب حلاوته حموضة نافع للمحمومين ومن هناك إلى خليج من النيل يقال له زوغوا (8) مسيرة يوم لا يعبره الناس إلا في القوارب. الطاحونة (9) : بينها، بين الإسكندرية ستة وثمانون (10) ميلاً. الطالقان: مدينة في خراسان من سرخس إلى الطالقان أربع مراحل وهي بين جبلين عظيمين. وهي (11) مدينة كبيرة نحو مرو الروذ في الكبر ولها مياه وجباية وعمارات متصلة وبساتين قليلة وهي أصح هواء من مرو الروذ، ومن مرو الروذ إليها ثلاثة وسبعون ميلاً، وهي في سفح جبل ولها رساتيق في الجبل، وبها عمل اللبود الطالقانية. والطالقان على جبل متصل بجبل الجوزجان ومرو الروذ، بينها وبين الجبل مما يلي المشرق فرسخان، وبينها وبين الجبل مما يلي المغرب ثلاثة فراسخ وبناؤها بالطين. وكان فتح الطالقان (12) على يد الأحنف بن قيس حين وجهه عبد الله بن عامر في أربعة آلاف بعد صلح مرو الروذ إلى طخارستان وجمع أهل طخارستان والطالقان والجوزجان والفارياب، فكانوا ثلاثة زحوف ثلاثين ألفاً وأتى الأحنف خبرهم فاستشار

_ (1) قارن بما أورده ابن خلكان 2: 225. (2) يريد أنه ينتسب إلى أبي سفيان صاحب العير، وإلى عتبة بن ربيعة مقدم قريش حين نفروا إلى بدر. (3) الحبيلة: الكرمة. (4) البكري (مخ) : 38 - 39، وابن الوردي: 77 (طاوزاق) . (5) نزهة المشتاق: 123. (6) ص ع: الطاهرية، والتصويب عن البكري: 177، وعنه ينقل المؤلف. (7) ع: تامدوت؛ ص: مدموت. (8) ص ع: زرغوا. (9) الإدريسي (د/ ب) : 137/ 103، ورحلة الناصري: 185. (10) ص: وثلاثون. (11) نزهة المشتاق: 144 وقارن بابن حوقل: 369، والكرخي: 152، وياقوت (طالقان) . (12) الطبري 1: 2900 (حوادث سنة 32) ، وقارن بفتوح البلاذري: 503.

طالقة:

الناس فاختلفوا فمن قائل يقول: نرجع إلى مرو، وقائل يقول: نرجع إلى أبرشهر وقائل يقول: نقيم ونستمد وقائل يقول: نلقاهم فنناجزهم فلما أمسى الأحنف خرج يمشي في العسكر يسمع حديث الناس فمر بأهل خباء ورجل يوقد تحت خزيرة أو يعجن، وهم يخوضون ويذكرون العدو فقال بعضهم: الرأي للأمير، إذا أصبح، أن يسير حتى نلقى القوم حيث لقيناهم فإنه أرعب لهم فنناجزهم، فقال صاحب الخزيرة أو العجين: إن فعل ذلك فقد أخطأ وأخطأتم أتأمرونه أن يلقى العدو مصحراً في بلاده، فيلقى جمعاً كثيراً بعدد قليل فإن جالوا جولة اصطلمونا؟! ولكن الرأي له أن ينزل بين المرغاب والجبل فيجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره فلا يلقى من عدوه وإن كثروا، إلا عداد أصحابه، فرجع الأحنف وقد اعتقد ما قال، فضرب عسكره وأقام فأرسل إليه أهل مرو يعرضون عليه أن يقاتلوا معه، فقال: إني أكره أن نستنصر بالمشركين فأقيموا على ما أعطيناكم، فإن ظفرنا فنحن على ما جعلنا لكم وإن ظفروا بنا وقاتلوكم فقاتلوا عن أنفسكم، قال: فوافق المسلمين صلاة العصر، فعاجلهم المشركون فناهضوهم وقاتلوا وصبروا الفريقان حتى أمسوا والأحنف يتمثل: أحق من لم يكره المنيه ... حزور ليست له ذريه ... وقيل: قاتلهم حتى ذهب عامة الليل، فهزمهم الله تعالى فقتلهم المسلمون حتى انتهوا إلى دسكرة (1) وهي على اثني عشر فرسخاً من قصر الأحنف. وفي سنة سبع عشرة وستمائة نزل خاقان الططر على الطالقان، وهي من معاقل خراسان، فترك عليها عسكراً وسار إلى هراة، فجرى فيها على عادتهم الذميمة من القتل والتخريب ثم عاد إلى الطالقان وهي محصورة، فلما كان بعد عشرة أشهر من يوم حصارها، وقد يئس أهلها من النصرة، ولم يجدوا إلى الصبر رغبوا في الشهادة وخرجوا يداً واحدة على عساكر الططر، فمنهم من تعلق بالجبال فسلم ومنهم من مات على سيفه، وبعدها شرع خاقان في أخذ قواعد خراسان فأناخ على بلخ، حسبما ذكر في حرف الباء. طالقة (2) : مدينة بالأندلس بقرب اشبيلية وهي من المدن القديمة وكانت دار مملكة الأفارقة بالأندلس، وكانت من مدن اشبيلية المتصلة بها في سالف الدهر وهي خراب، إذ كان اشبان بن طيطش غزا طالقة وحصر ملكهم بها حتى فتحها وتغلب على مملكتهم فهدم طالقة ونقل رخامها وآلاتها إلى اشبيلية، وبه سميت، واتخذها دار ملكه وكثرت جموعه فعلا في الأرض وغزا من اشبيلية ايليا بعد سنتين من ملكه، خرج إليها في السفن ففتحها وهدمها وقتل من اليهود مائة ألف، واسترق مائة ألف، وفرق في البلاد مائة ألف وانتقل رخام ايليا وآلاتها إلى الأندلس والغرائب التي أصيبت في مغانم الأندلس كمائدة سليمان التي ألفاها طارق بن زياد بكنيسة طليطلة وقليلة الدر التي ألفاها موسى بن نصير بكنيسة ماردة وغيرها من الذخائر، إنما كانت مما صار لصاحب الأندلس من غنيمة بيت المقدس إذ حضر فتحها مع بخت نصر. وحكوا أن الخضر وقف باشبان هذا وهو يحرث الأرض في حداثته، فقال له: يا اشبان إنك لذو شان وسوف يحظيك زمان ويعليك سلطان، فإذا أنت غلبت على ايليا فارفق بذرية الأنبياء، فقال له اشبان: أساخر أنت، رحمك الله!! أنى يكون هذا وأنا ضعيف مهين؟! فقال: قدر ذلك من قدر في عصاك اليابسة ما تراه، فنظر اشبان إلى عصاه فرآها قد أورقت، فريع لما رأى، وذهب الخضر عنه وقد وقر ذلك الكلام في نفسه والثقة بكونه، فترك الامتهان، وداخل الناس وصحب أجل الناس وسما به جده فارتقى في طلب السلطان حتى نال منه عظيماً وكان ملكه عشرين سنة، واتصلت مملكة الاشبانيين إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكاً. وكانت بطالقة آثار عجيبة وعجائب غريبة، فمن ذلك صورة جارية من مرمر لم يسمع في الأخبار، ولا رئي في الآثار صورة أبدع منها في قالب جارية كاملة القد حسنة الجسم جميلة الوجه، قد صور كل عضو من أعضائها وكل جارحة من جوارحها على أتم ما يكون وأفضل ما يستحسن في جوارح المرأة، وفي حضنها صورة صبي على مثل ذلك من الحكمة والإتقان وقد صورت حية تصعد من قدمها كأنها تريد نهش الصبي، قسمت

_ (1) الطبري: رسكن، وابن خرداذبه: أرسكن، وهي في بعض أصول الطبري ((دسكر)) . (2) بروفنسال: 122، والترجمة: 149 (Italica) ، وكثير مما جاء هنا قد ذكر قبلاً في مادة ((الأندلس)) . وانظر النفح 1: 134، 158.

طارق:

الصورة نظرها بين مصعد الحية ومكان الطفل كالمشفقة الحذرة، يتبين ذلك في التفاتها، ولو وقف الناظر يتأملها عامة نهاره لم يسأم ذلك ولا مله لدقيق صنعتها وغريب حكمتها، وهذه الصورة موضوعة في بعض حمامات اشبيلية، وقد تعشقها جماعة من العوام، وشغف بها ناس من الطغام، فتعطلت أشغالهم وانقطعت متاجرهم بالنظر إليها. طارق (1) : جبل طارق، فيه خرج طارق بن زياد ومنه افتتح الأندلس، وهو عند الجزيرة الخضراء، وبجبل طارق مرسى يكن من كل ريح، وبه غريبة، وهو غار هناك يعرف بغار الأقدام، يرى من البطحاء التي تلي الغار أثر قدم أبداً وليس هناك طريق ولا منفذ إلى غير الغار (2) ، وقد مسحت تلك البطحاء وسويت، ثم أتوها من الغد فوجدوها فيها أثر القدم، جرب ذلك مراراً. وكان أحد خلفاء بني عبد المؤمن (3) أمر ببناء مدينة على جبل طارق، فندب إليها البناة والنجارين وقطاع الحجر للبنيان والجيار من كل بلدة وخطت فيه المدينة وقدم إليها من المال ما يعجز كثرة واتخذ فيها الجامع وقصراً له وقصوراً تجاوره للسادة بنيه، وتوالى العمل في ذلك وأقطع أعيان وجوه البلاد فيه منازل نظروا في بنائها بعد أن حفروا في سفح الجبل مواضع نبع فيها الماء وجمع بعضها إلى بعض حتى سال منها جدول عم المدينة لأنفسهم وماشيتهم من أعذب الماء وأطيبه، يصب في صحن عظيم اتخذ له، وأجري إلى الجنات المغترسة بها عن أمره، فللحين ما جاءت مدينة تفوت المدن حسناً وحصانة، لا يدخل إليها إلا من موضع واحد قد حصن بسور منيع من البنيان الرفيع، وسميت بمدينة الفتح، وقالت الشعراء بها، ثم جاز إليها في سنة ست وخمسين وخمسمائة، وورد الوفود عليه هناك فتلقاهم بالتكرمة، وفت ذلك في عضد العدو. طارنت (4) : مدينة كبيرة قديمة على قطيعة من البحر الشامي بالقرب من الوادي المعوج في بلاد الروم، وهي حسنة المباني والديار، كثيرة التجار والسفار، توسق منها السفن وتقصدها الرفاق، وهي ذات متاجر وأموال طائلة، وبها مرسى فيه بحر حي، وفي شمالها بحيرة تدويرها من القنطرة إلى أن تعود إلى باب المدينة اثنا عشر ميلاً، وهذه القنطرة بين البحر الحي والبحيرة، وطول القنطرة من جهة ثلثمائة ذراع، وعرضها خمسة عشر ذراعاً، وفي هذه القنطرة منافس تفرغ من البحر إلى البحيرة في اليوم مرتين، وفي الليل مرتين، وتفرغ في هذه البحيرة ثلاثة أودية، وعمق هذه البحيرة من ثلاثين قامة إلى خمس عشرة قامة إلى عشر قيم، ويحيط بهذه المدينة البحر الحي والبحيرة من كل الجهات خلا الوجه الواحد مما (5) يلي الشمال. الطاق (6) : بخراسان بمقربة من طبرستان، كان خزانة لملوك الفرس اتخذه منوجهر، وهو نقر في جبل فيه خمسمائة بيت وأحواض للماء منقورة في صخرة صماء، وعلى الباب صخرة مهندسة مسواة يرسلها ألف رجل وكان صاحبها مزيد صالح أصبهبذ طبرستان وتفسيره بالفارسية حافظ الجيش، فلم يزل بعد ذلك يعطي الشيء اليسير فيقبل منه لصعوبة ذلك البلد وخشونته فإذا أحس من صاحب خراسان بضعف لم يعط شيئاً ولا أرى طاعة حتى ولي أبو جعفر الخلافة وقتل أبا مسلم فهابه الأصبهبذ فكتب إليه بالطاعة ووجه رسله فقبل أبو جعفر ذلك وبر رسوله ثم جعل يوجه إليه الهدايا والألطاف في كل نوروز ومهرجان، ثم إن الأصبهبذ استطال أيام أبي جعفر وأمسك عن البعثة إليه وأعان على ذلك خلاف عبد الجبار بن عبد الرحمن بخراسان، فلما وجه إليه أبو جعفر أبا عون القائد مع ابن الخصيب فأسراه بخراسان كتب أبو جعفر إلى ابن الخصيب بولايته على قومس وطبرستان وجرجان وأمره بدخول طبرستان فوجه إلية قائداً في عشرة آلاف وهو خزيمة بن خازم التميمي وروح بن حاتم المهلبي ومعهما مروان بن الخصيب وبلغ الأصبهبذ ذلك فنقل حرمه وخزائنه إلى الطاق وكان أعد فيه الطعام والآلة وما يحتاج إليه، وحمل جميع حرمه وخزائنه إليه وخلف عليهم ألف رجل مقاتلة، وأرسل الصخرة على الباب وخرج هو بنفسه وأصحابه إلى الديلم،

_ (1) بروفنسال: 121، والترجمة: 148 (Gibraltar) . (2) سقط من ع. (3) هو عبد المؤمن نفسه، قال المراكشي: ((ونزل الجبل المعروف بجبل طارق وسماه هو جبل الفتح فأقام به أشهراً، وابتنى به قصوراً عظيمة وبنى هناك مدينة هي باقية إلى اليوم (المعجب: 282) . (4) الإدريسي (م) : 62، والترجمة: 74 (Taranto) . (5) ص ع: منها. (6) ابن الفقيه: 309 - 311، وياقوت (الطاق) ، وانظر أيضاً فتوح البلاذري: 415.

طاووس:

فعظمه أهل الديلم وانقادوا له وأفضل عليهم بالأموال ليستعين بهم على العرب، فنزل جند الخليفة أسفل الطاق، فعاينوا منه مؤيساً لهم، فكتب صاحب الجيش إلى الخليفة أنه لا يمكنه في الحرم والخزائن شيء، فكتب إليه يأمره بالمقام مع جميع الجند هناك حتى يفتحوا الطاق أو يكون محشرهم منه، فأقاموا عليه سنتين وسبعة أشهر وسووا المنازل ورسل الأصبهبذ تختلف من الديلم في السر يتحملون الأموال من دفائن الساحل وينصرفون إليه بالأخبار وكان المتخلفون (1) بالطاق يدورون كل ليلة دورة بالسلاح حيث يراهم جند العرب، فأرسل الله عز وجل عليهم الموت ووقع في الرجال الوبأ فمات منهم في يوم واحد ثلثمائة رجل، ففزع النساء والحرم، وتقززوا من الموتى وضاق بهم الحصن وكانت فيهم الحرة أرومندخت بنت الفرخان الأعظم، وكان للأصبهبذ هناك ثلاثة بنين وثلاث بنات سماهم الخليفة: عيسى وموسى وإبراهيم بني خرشيد الأصبهبذ، فطلب الحرم الأمان على أن يدلوا على موضع الباب والمصعد إليهم، فدلوا على الباب ففتحوه، وأعان من بقي من رجالهم من فوق، فدخلوا الطاق وأصيب فيه من الأموال والذخائر ما لم يقدروا على حمله كثرة ولا فرغ من استخراجه من الطاق إلا في سبعة أيام، وحملوا الحرم والأولاد مكرمين. وبلغ الأصبهبذ ما وقع في أصحابه من الموت وفتح الطاق، فأمسك عن محاربة العرب، وقد كان تهيأ له ما أراد، فقال: ما حاجتي بعد الحرم والأولاد، فكتب إلى نسائه قبل الخليفة في العمل له في الموادعة على أن يحمل الضعف مما كان يحمل كل سنة، فكلموا الخليفة في ذلك فأجاب، وأمر بكتب السجلات، ودفعت إلى رسوله، ووصل الخبر قبل وصولها بموت خرشيد الأصبهبذ بالديلم فاسترجعت السجلات. طاووس: موضع في بلاد فارس قريب من اصطخر كانت فيه وقعة للمسلمين على أهل فارس في خلافة عمر رضي الله عنه. قالوا (2) : كان العلاء بن الحضرمي يباري (3) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لصدع صدعه القضاء بينهما، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد استعمله على البحرين، وأذن له في قتال أهل الردة، واستعمله أيضاً عمر رضي الله عنه ونهاه عن البحر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه إذ لم يغزيا فيه أحداً فطال العلاء على سعد رضي الله عنه في الردة بالفضل، فلما ظفر سعد رضي الله عنه بالقادسية وأزاح الأكاسرة واستعلى بأعظم مما جاء فيه العلاء، أصر العلاء أن يصنع شيئاً في الأعاجم، ورجا أن يدال كما قد كان أديل، ولم يفكر العلاء فيما بين فضل الطاعة والمعصية، فندب أهل البحرين إلى فارس فتسرعوا إلى ذلك، وفرقهم أجناداً، وهو على خاصة الناس، فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس، فخرجوا إلى اصطخر وبازائهم أهل فارس، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم، فاقتتلوا بموضع يقال له طاووس، فقتل أهل فارس مقتلة عظيمة لم يقتلوا قبلها مثلها، وخرج المسلمون إلى البصرة إذ غرقت سفنهم، ولم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلاً، فوجدوا سهرك (4) قد أخذ عليهم الطرق فبلغ عمر رضي الله عنه ما صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر، فاشتد غضبه على العلاء وكتب يعزله وتوعده وأمره بأثقل الأشياء عليه، تأمير سعد عليه، وقال: الحق بسعد بن أبي وقاص في من قبلك، فخرج نحوه بمن معه، وكتب عمر رضي الله عنه: إن العلاء بن الحضرمي حمل جنداً من المسلمين فأقطعهم أهل فارس وعصاني، وأظنه لم يرد الله تعالى فخشيت عليهم ألا ينصروا ويثبتوا، كتب بذلك إلى عتبة بن غزوان في خبر طويل. طبرستان: من بلاد خراسان، بفتح أوله وثانيه، سميت بذلك لأن الشجر كان حولها شيئاً كثيراً فلم يصل إليها جنود كسرى حتى قطعوه بالفأس والطبر بالفارسية الفأس (5) واستان الشجر. وطبرستان (6) بلد عظيم كثير الحصون والأعمال منيع بالأودية، وأهله أشراف العجم وأبناء ملوكهم، وهم أحسن الناس وجوهاً. وطبرستان من الحصانة والمنعة بحيث لا يبلغه وصف، وكانت ملوك الفرس توليها رجلاً من أهل بيت المملكة وتسميه الأصبهبذ، وهو حافظ الجيش في لغتهم كما تقدم. وحد طبرستان مما يلي المشرق جرجان وقومس، ومما يلي المغرب الديلم، ومما يلي الشمال

_ (1) ص ع: المختلفون. (2) الطبري 1: 2546، وقارن بياقوت (طاووس) . (3) ص ع: يناوي. (4) الطبري: شهرك. (5) كذلك تعني لفظة ((طبر)) باللهجة المحلية هنالك ((الجبل)) ، وانظر ابن الفقيه: 301 - 302. (6) اليعقوبي: 277.

البحر، ومما يلي الجنوب بعض قومس، وطول هذا الحد خمسون فرسخاً، وعرضه مما يلي قومس أربعون فرسخاً. وبحر طبرستان (1) هو المسمى بحر الخزر، وما حوله من أقطار الخزر والغزية، وهذا البحر منقطع غير متصل بشيء من البحار، وطوله نحو ثمانمائة ميل، وعرضه ستمائة ميل، وفيه أربع جزائر، وهو بحر مظلم لا مدَّ فيه ولا جزر، وهو مظلم القعر بخلاف بحر القلزم وغيره لأن تراب قعره طين، وما قيل أن هذا البحر متصل ببحر نيطس من تحت الأرض وبينهما نحو ست مراحل فليس بصحيح. وكان مزيد صالح (2) أصبهبذ طبرستان ثم لم يزل بعد ذلك يعطي الشيء اليسير فيقبل منه لصعوبة مسلك البلد وخشونته فإذا أحسَّ من صاحب خُراسان بضعف لم يعط شيئاً ولا أرى طاعة، حتى ولي أبو جعفر الخلافة وقتل أبا مسلم فهابه الاصبهبذ، فكتب إليه بالطاعة ووجَّه رسله، فقبل أبو جعفر ذلك وبرَّ رسوله، ثم جَعَل يوجّه بالهدايا والألطاف في كل نوروز ومهرجان، ثم إن الاصبهبذ استطال أيام إلى جعفر فأمسك عن البعثة إليه، وبقية الخبر في رسم الطاق فانظره هناك. وافتتحت طبرستان سنة اثنتين وأربعين ومائة، وأكبر مدنها الجبل وبها مستقر الولاة، وكانوا من قبل يسكنون سارية. وحكى البلاذري (3) أن المأمون كان ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند وسمّاه محمداً، وجعل له مرتبة الأصبهبذ، فلم يزل على ذلك أيام المأمون وصدراً من خلافة المعتصم بالله نحواً من ست سنين ثم إنه كفر وغدر، فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر بن الحسين عامله على خُراسان وسجستان والري وقومس وجرجان يأمره بمحاربته، فوجّه عبد الله الحسنَ بن الحسين عمه في رجال خُراسان، ووجّه المعتصم بالله محمد بن إبراهيم بن مصعب في من ضم إليه من جند الحضرة، فلما توافت الجيوش في بلاده كاتب أخْ له يقال له قوهيان (4) بن قارن الحسن ومحمداً وأعلمهما أنه معهما عليه، وقد كان يحقد عليه أشياء يناله بها من الاستخفاف، وكان أهل عمله قد ملّوا سيرته لتجبره وعسفه، فكتب إلى الحسن يشير عليه بأن يكمن في موضع سماه له، وقال للمايزديار: إن الحسن قد أتاك وهو بموضع كذا وكذا، وذكر غير الموضع، وهو يدعوك إلى الأمان ويريد مشافهتك، فسار مايزديار يريد الحسن، فلما صار بقرب الموضع الذي كان الحسن كامناً فيه آذنه قوهيان بمجيئه، فخرج إليه في أصحابه، وكانوا منقطعين في الغياض فجعلوا ينثالون (5) إليه، فأراد مايزديار الهرب فأخذ قوهيان بمنطقته، وانطوى عليه أصحاب الحسن، فأخذوه بغير عهد ولا عقد، فحمل إلى سرّ من رأى في سنة خمس وعشرين ومائتين، وضرب بالسياط بين يدي المعتصم ضرباً مبرحاً، فلما وقعت السياط عليه مات، فصلب بسرّ من رأى مع بابك الخرّمي على العقبة التي بحضرة مجلس الشرطة، ووثب بقوهيان بعض خاصة أخيه، فقتل بطبرستان، وتولى طبرستان، سهلها وجبلها، عبد الله بن طاهر وطاهر ابنه بعده. والذي ارتفع من خراج طبرستان وكورها سنة ست وثلاثين ومائتين سوى الضياع من المورّق (6) أربعة آلاف ألف ومائتا ألف وثلاثة وسبعون ألف درهم (7) ، وجميع المراحل ببلاد طبرستان أيام الطاهرية مائتان وثلاثون. وليس (8) في بلاد الإسلام والكفر ناحية تقارب طبرستان في كثرة الابريسم، ومنها يرتفع الابريسم وأكسية الصوف والبرنكانات العجيبة، وليس في جميع الأرض أكسية تبلغ قيمة أكسيتهم، والغالب على أهلها وفور الشعر واقتران الحواجب وسرعة الكلام والعجلة والطيش، والغالب على طعامهم خبز الأرز وكذلك الديلم والجيل. ومما يوصف من كثرة ذخائر خرشيد الاصبهبد أن رجلاً من أهل خُراسان أتى طبرستان فأهدى إليه ديكاً من ذهب، وفي عيني الديك ياقوتتان حمراوان لا يدرى ما قيمتهما، فأكرمه وقبل هديته، فكان ذلك الرجل يكثر أن يقول: حملت إلى الملك شيئاً ليس

_ (1) نزهة المشتاق: 270. (2) انظر مادة (الطاق) . (3) فتوح البلدان: 416، وقارن بياقوت (طبرستان) . (4) الفتوح: فوهيار. (5) ع: ثلثاثون، وفي البلاذري: يتتامون. (6) ص ع: المورن. وانظر ابن خرداذبه: 35. (7) انظر الخراج: 250. (8) قارن بابن حوقل: 323.

طبرمين:

عند أحد من الخلق هو، فانتهى الخبر إلى الاصبهبذ، فأمر من الغد بنصب سماطين، فأحضر أصحابه للشراب، وأحضر الرجل الخُراساني، وأمر ألا يخرج بيومه ذلك من الجامات إلا ديكة مكللة من الجواهر، ودفع إلى كل رجلين من السماطين ديكاً من الديكة التي أخرجت من الخزائن، فبهت الخُراساني مما رأى، وفطن أنه إنما عرّض به لما كان يكثر أن يقوله، فقام فقال: أيها الملك، أخطأت فأقلني، فأمر له بصِلة جزيلة وردّ ذلك الديك إليه ولم يقبله. وكانت خزائن الملوك كلها صارت إليه. وطبرستان وجرجان وموقان وجيلان كلها وما والاها على ساحل الخزر ونزل الططر على طبرستان في سنة ست عشرة وستمائة واستولوا عليها قتلاً ونهباً وتخريباً وفعلوا العظائم، على عادتهم. طبرمين (1) : حصن بصقلية منيع، بينه وبين مسيني مرحلة، وهو بلد شامخ رفيع أزلي من أشرف البلاد، وهو على جبل مطل على البحر، وبه مرسى حسن، والسفر إليه من كل الجهات، ويحمل منه كثير من الغلات وفيه منازل وأسواق، وتجتمع فيه القوافل الواصلة من مسيني، وبه ضياع صالحة ومزارع طيبة، وبه معدن الذهب، وبه الجبل المشهور المسمى بالطور (2) ، وأنهار غزيرة عليها أرحاء كثيرة، وبها جنات قلائل، وبها واد عليه قنطرة عجيبة يدل بناؤها على قدرة بانيها وقوة سلطانه، وبها ملعب من ملاعب الروم القديمة تدل رسومه على شرف ملك وشماخة قدر. وكانت طبرمين فتحت على يد إبراهيم بن أحمد بن الأغلب في سنة تسع وثمانين ومائتين، بعد أن حاصرها ووقف بنفسه يحرض المسلمين على القتال، ومس الفريقين ألم الجراح وهمَّ كل بالانحياز، فقرأ قارئ كان بين يدي إبراهيم " هذانِ خَصمانِ آخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ " إلى آخر الآية فحمل حينئذ جملة العسكر وأهل البصائر منهم بنيات صادقة، فانهزم الكفرة وولوا هاربين وقتلهم المسلمون أبرح قتل، واقتفوا آثارهم في بطون الأودية ورؤوس الجبال، ودخل إبراهيم ومن معه طبرمين بلا عهد ولا عقد، فقتل وسبى والتجأ بعضهم إلى بعض القلاع، وفي ذلك يقول شاعره: قد فتح الله طبرمينا ... في عام سبع وثمانينا وشهر شعبان فأعظم به ... شهراً يراه الله ميمونا فأيَّد الله إمام الهدى ... وزاده عزاً وتمكينا ثم رحل طالباً لكل من بقلورية (3) من الروم بقتل وسبي فهربوا بين يديه، ومضى إلى كشنته (4) فحاصرها، فطلبوا الأمان وأداء الجزية، فأبى ولم يجبهم، وحلت به عليه علته التي مات منها وزادت العلة به فمات سنة تسع وثمانين، وحمل إلى بلرم فدفن بها وأدى أهل كشنته الجزية وهم لا يعلمون بموته وكان فتحه لمدينة طبرمين (5) سنة سبع وثمانين ومائتين، وقتل من أهلها بشراً عظيماً ثم عفا عنهم، وكان متولي حرب أهل بلرم ابنه أبو العباس (6) ، الذي كان جعله ولي عهده. طبرية: مدينة من بلاد الأردن بالشام، بينها وبين عكا يومان، وبنى هذه المدينة طيباريوس أحد ملوك الروم، وإلى اسمه أضيفت فعربتها العرب حين افتتحت البلاد فقالت: طبرية. وهو الذي لخمس عشرة سنة من ملكه كان تعميد يشوع الناصري في نهر الأردن، وزعموا أن المعمد له يحيى بن زكريا ابن خالة يشوع، وهو عندهم عيسى عليه الصلاة والسلام. وطبرية (7) مدينة جليلة على جبل مطل، وهي طويلة في ذاتها قليلة العرض في طولها نحو ميلين. قال اليعقوبي (8) : وهي مدينة الأردن، وهي في أصل جبل على بحيرة جليلة عذبة يخرج منها نهر الأردن المشهور وتحمل فيها الغلات إلى المدينة، ويعمل بها من الحصر السامانيّة كل عجيبة وفيها حمّامات حامية من غير نار في الشتاء والصيف، وبها عيون حارة يأتيها أصحاب البلاء من المقعدين والمفلوجين وأصحاب القروح فيقيمون بها في الماء ثلاثة أيام فيخرجون بارئين بإذن الله سبحانه وتعالى. وفي الخبر أن يأجوج ومأجوج يجتازون في خروجهم عليها

_ (1) (Taormina) الإدريسي (م) : 27. (2) لعله - حسب ترجيح أماري وسكياباريللي - المسمى (Monte Venereia) أو (Casteloma) . (3) ص ع: قفلورية. (4) ص ع: لشنته؛ وهو تصحيف كما سبقت الإشارة. (5) ص ع: بلرم؛ وهو سهو. (6) بياض في ص ع، وزدناه اعتماداً على ما حققه الأستاذ رتزيتانو. (7) نزهة المشتاق: 115، وقارن بابن الوردي: 26. (8) اليعقوبي: 327.

طميسة:

فيشربها أولهم، ويجتاز آخرهم فيقول: قد كان هاهنا مرة ماء، أو هذا معناه. وفي طبرية مياه تنبع حارة تفور في الصيف والشتاء لا تنقطع فتدخل المياه الحارة إلى حماماتهم فلا يحتاجون إلى وقود. وإليها ينسب الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (1) صاحب التفسير والتاريخ والمصنفات الكثيرة، نزل بغداد ومات سنة عشر وثلثمائة. وطولها نحو فرسخ مع طول الجبل، وعرضها أقل من نصف ميل، ولها بابان، وهي في المشرق من البحيرة، وطول البحيرة اثنا عشر فرسخاً في مثلها. وقال علي بن محمد الحلبي: يخرج من بحيرة طبرية قار من أعمق وسط البحيرة، ثم تقذفه الريح في حافتها فيجتمع هناك ويستعمله أهل انطاكية وطرسوس وما إلى تلك البلاد، يطلون به أصول الكروم والشجر فلا يصعد إليها دود ولا نمل ولا حيوان مؤذ. ومن غريب ما حكي أن لأهل طبرية قرية فيها شجر أترج، تخرج الأترجة على مثال النساء، الأترجة لها ثديان وما يشبه اليدين والرجلين، وموضع الفرج مفتوح، وأمر هذه القرية في الأترج مستفيض عندهم لا يُدفع، وهي قرية ناصرة حيث وُلِد المسيح عليه السلام ويزعم أهل طبرية أنه لا يولد لأهل ناصرة بكر إلى هذه الغاية لأنهم عيّروا مريم بنت عمران، وأهل بيت المقدس يدفعون ما يقول أهل طبرية من ولادة المسيح عندهم، ويزعمون أنها ببيت المقدس وأن آثار ذلك ظاهرة. الطبران: مدينة من مدن طوس بخراسان ومنها الطبراني المؤِّلف المشهور (2) . طميسة (3) : من عمل طبرستان، متاخمة لجرجان وعليها سوران وثيقان من آجر، وفي ربضها خانات وأسواق وبها ضرب من الخبز يسكر من أكله، وليس لأحد من أهل طبرستان أن يخرج إلى جرجان ولا أن يدخل من طبرستان إلى جرجان إلا عليها لأنها درب الحائط الممدود من حرف البحر إلى الجبل، وهو الذي كان كسرى أنوشروان بناه ليحول بين الترك وبين الإغارة على طبرستان. وطميسة هذه في سفوح جباله. وهي مدينة (4) على ساحل البحر نزل عليها سعيد بن العاصي أيام عثمان فقاتله أهلها حتى صلَّى يومئذ صلاة الخوف، وهم يقتتلون، وكان معه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فسأله كيف صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضرب يومئذ سعيد بن العاص رضي الله عنه رجلاً من المشركين على حبل عاتقه فخرج السّيف من تحت مرفقه، وحاصرهم فطلبوا الأمان فأعطاهم على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً، ففتحوا الحصن فقتلهم جميعاً إلا رجلاً واحداً وحوى ما كان في الحصن. الطبسان: من كرمان، فتحها (5) عبد الله بن بُدَيْل بن ورقاء الخزاعي في خلافة عمر رضي الله عنه بعد فتحه لكرمان، كذا ذكر المدائني، ثم قدم على عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين إني افتتحت الطبسين فأقطعنيها فأراد أن يفعل، فقيل لعمر رضي الله عنه: إنها رستاقان عظيمان فلم يعطهما إياه، وهما بابا خُراسان. طبرقة (6) : بين درنة وباجة من البلاد الإفريقية، وبينها وبين بنزرت سبعون ميلاً، وهي قديمة فيها آثار كثيرة للأُول، وهي على نهر كبير بقرب البحر تدخله السفن، وبالقرب منها مدينة مرسى الخزر، والبحر محيط بها من كل جهة إلا مسلكاً لطيفاً ربما قطعه البحر في زمن الشتاء، وعليها سور قديم، وبها كانت تنشأ السفن لغزو بلاد الروم، وفيها يخرج المرجان ومنها يُحْمَل إلى جميع بلاد الدنيا، وهناك قوم لهم مراكب وزوارق ليس لهم حرفة إلا إخراج المرجان من قعر البحر، وهو نبات شجر له أغصان. ويقال إنه في قعر البحر ليّن رطب، فإذا مسَّه الهواء اشتد ويخرج منه في ذلك البحر مئون من قناطير في كل سنة، وهو أنفس مرجان في الدنيا، وأنفقُ شيء بالهند والصين، ويكون في الزقاق بساحل بليونش

_ (1) الطبري: نسبة إلى طبرستان، ومنها ابن جرير، لا كما قال المؤلف (انظر اللباب: الطبري) . (2) قارن بياقوت (الطبران) حيث ذكر أن الطبراني الحافظ ينسب إلى طبرية الشام بإجماع من المحدثين. (3) ص ع: طبيسة؛ وقارن بياقوت (طميس - طميسة) . (4) الطبري 1: 2836. (5) الطبري: 2704. (6) الاستبصار: 126، وصبح الأعشى 3: 391، وقارن بالإدريسي (د) : 116.

طرة:

من قرى سبتة، وهو مثله في الطيب أو أجلّ، ويكون في بحر الأندلس وفي بعض جزائر البحر الأخضر، وهذا أنفسها. وبين طبرقة هذه ومدينة باجة بحيرة عظيمة دورها أربعون ميلاً تصب في البحر، ويصب البحر فيها، وماؤها لا حلو ولا ملح، فيها أنواع من الحوت، وبها البوري الذي لا نظير له في الدنيا، يكون في الكبير منه عشرة أرطال وأزيد، وأهل تلك النواحي يستخرجون دهنه ويستعملونه في مصالحهم (1) . وطبرقة (2) حصن على ساحل البحر وفيها آثار للأول وبنيان عجيب، وهي عامرة لورود التجار إليها، وبها نهر كبير تدخله السفن حتى إلى باب المدينة، وهي قليلة العمارة، وحولها عرب لا خلاق لهم، وروي أن الكاهنة ملكة البربر في الجاهلية قتلت بطبرقة على يد أهل الإسلام، وخبرها مشهور. طبنة (3) : أعظم بلاد الزاب، بينها وبين المسيلة مرحلتان، وهي حسنة كثيرة المياه والبساتين والزروع والقطن والحنطة والشعير، وعليها سور تراب، وبها أخلاط من الناس، وبها صنائع وتجارات، ولأهلها تصرف في ضروب من التجارات والتمر وسائر الفواكه بها كثير. وهي (4) مدينة كبيرة ولها حصن قديم عليه سور من حجر جليل ضخم متقن البناء من عمل الأول، ولها أرباض واسعة، وهي مما افتتح موسى بن نصير حين دخل بلاد إفريقية فبلغ سبيها عشرين ألف رأس، وتشق طبنة جداول الماء العذب، ولها بساتين كثيرة فيها النخل والثمار، ولها نهر يشق غابتها، وقد بني له صهريج كبير يقع فيه وتسقى منه جميع بساتينها وأرضها، ولم يكن من القيروان إلى سجلماسة مدينة أكبر منها. ومنها أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني (5) ، كانت له رحلتان إلى المشرق، وأخذ العلم عن جماعة من أهل مكة ومصر والقيروان وأخذ بالأندلس عن جماعة منهم القنازعي. طبيرة: لا أدري أهي طلبيرة بزيادة لام أو غيرها (6) فإن كانت هي فهي مذكورة بعد. طنبدة (7) : قرية بإفريقية على عشرة أميال من تونس تسمى المحمدية، يقال إن الخضر عليه السلام خرق السفينه ببحر رادس وقتل الغلام بطنبدة، وهناك فارق موسى الخضر عليهما السلام، وقد مرَّ ذلك في حرف الراء (8) . طخارستان: من بلاد خُراسان، يقال بالطاء وبالتاء، كان عبد الله بن عامر بعث الأحنف بن قيس لما صالح أهل مرو الروذ إلى طخارستان، فأقبل حتى نزل موضع قصر الأحنف ومرو الروذ وجمع أهل طخارستان وأهل الجوزجان والطالقان والفارياب وكانوا ثلاثة زحوف، ثلاثين ألفاً، فقاتلهم الأحنف من صلاة العصر إلى أن ذهب عامة الليل فهزمهم الله وقتلهم المسلمون، وقد مرَّ بسط ذلك في حرف الجيم في ذكر الجوزجان. طزر (9) : مدينة بين همذان والري وليس فيها ماء عذب في حفائر ولا سبخ، وإنما يشربون من حوض يجتمع فيه ماء الأمطار من قنوات قد اتخذت هناك، وإذا أعوزهم ذلك ولم يجدوا ماء ولهم مثالج (10) تحت الأرض فإذا كان زمان الربيع استخرجوها، ومن طزر إلى الأساورة أربعة فراسخ. وفي الرشاطي طرز من مدن إفريقية ينسب إليها موسى بن عبد الله الطرزي، كان يؤدب أولاد السلاطين وكان شاعراً مجيداً، عفيفاً، ذكره الزبيدي (11) . طرّة (12) : من مدن نفزاوة، مسورة حصينة، لها غابة كبيرة كثيرة النخل والزيتون وجميع الفواكه.

_ (1) الاستبصار: مصابيحهم. (2) البكري: 57. (3) الادريسي (د/ ب) : 93/ 65. (4) الاستبصار: 172، وقارن بالبكري: 50. (5) ترجم له ابن بسام في الذخيرة (1/ 2: 52) وأثنى على أدبه وشعره، وذكر أنه قتل بقرطبة سنة 457، قتله أحد أبنائه بنحريض من نسائه لأنه كان بخيلاً مقتراً على نفسه وعليهن في المعيشة؛ وانظر الجذوة: 265. (6) هي غيرها، فإن طبيرة Tavira فيما ذكر الادريسي (د) : 179 قرية على مقربة من الساحل بالبرتغال. (7) هي طنبد عند البكري: 38؛ وطنبذة بالذال المعجمة عند ياقوت. (8) راجع مادة ((رادس)) . (9) قارن بنزهة المشتاق:204 (طرزه) والمؤلف يتابعه بتقديم الراء ولهذا أثبتها هنا، وياقوت (طرز) والمقدسي: 393، والنص هنا مشابه لما عند ابن رسته: 167 إلا انه سمى المكان: طزره. (10) ص ع: مشالج. (11) طبقات الزبيدي: 260 واسم المكان عنده ((طرزة)) بتقديم الراء على الزاي. (12) الاستبصار: 157، وقارن بتقويم البلدان: 146، ورحلة التجاني: 142.

طرسوس:

طرسوس (1) : مدينة بالشام حصينة، عليها سوران بينهما فصيل وخندق، ويجري الماء حواليها. وفي سنة سبعين ومائة (2) بني سور طرسوس على يد أبي مُسْلِم فرج الخصي (3) التركي، وجّهه مولاه هارون الرشيد لذلك، وأنزلها الناس عام ولي الخلافة، في جيش كثيف وعسكر ضخم إلى الثغور، وأمره أن يبني مدينة طرسوس في المرج الذي في سفح الجبل، ولم يكن هناك بناء قط، وأن يجعل النهر يشق وسطها، فابتدأ بناءها في جمادى سنة سبعين ومائة، فخطَّ بها سبعة وثمانين برجاً مستديرة ومربعة، على كل برج عشرون شرفة، وبين كل برجين ست وخمسون شرفة، عرض الشرفة ذراعان ونصف في ارتفاع مثل ذلك، وحوالي سورها فصيل واسع متقن مرتفع السمك، وخلف الفصيل خندق عريض عميق مبني بالصخر من أعلاه وأسفله مفروش كله بالصخر، ولها خمسة أبواب: باب الجهاد، وهو الباب الذي يخرج منه إلى المرج الذي يعسكر فيه أمراء الطوائف، وباب الصفصاف، وبين هذين البابين مدخل النهر الأعظم، وعلى مدخله شباك حديد وثيق مفرط العظم، وباب الشام ومنه يدخل زقاق أذنة والمصيصة والشام، وباب كذا وباب البحر، وعنده مخرج النهر ومصبّه في البحر، وهناك أيضاً شباك حديد مثل الذي عند مدخله، وباب يعرف بالباب المسدود ولم يفتح قط وعلى النهر داخل المدينة قنطرتان عظيمتان إحداهما تعرف بباب الصفصاف، وأخرى تعرف بباب البحر، فكمل بناؤها في سنة اثنتين وسبعين ومائة، وسكنها المجاهدون والمرابطون واختطت بها الخطط والمنازل سنة ثلاث وسبعين ومائة، فلم تبن مدينة أعظم غناء عن الإسلام ولا أشد نكاية على الكفرة، ولا أجمع للمجاهدين ولا أبعد صوتاً، ولا أجل مرأى، ولا أتقن بناءً منها. فلما نزل الرشيد طرسوس أفرد الثغور من الجزيرة والشام، وسمى الثغور الشامية والثغور الجزرية، ونهرها يأتي من جبل الروم حتى يشق وسطها. ولي قضاءها أبو عبيد القاسم بن سلام وفيها دفن المأمون بن الرشيد وكان خرج غازياً فمرض بعين البذندون فمات هناك، فحمل إلى طرسوس فدفن بها، وفي ذلك يقول أبو سعيد المخزومي (4) : ما رأيت النجوم أغنت عن المأ ... مون شيئاً وملكه المأسوسِ خلفوه بعرصتي طرسوس ... مثلما خلفوا أباه بطوس وذكر الحسين بن الضحاك قال: استحضر المأمون الجلساء والمغنين آخر جلسة جلسها بدمشق، وقد عزم على الخروج إلى البذندون، وقال لمخارق وعلويه: غنّيا، فسبق مخارق فغنى بشعر جرير: لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوتُ الدجاج وقرع بالنواقيس فقلت للركب إذ جدّ المسير بنا ... يا بُعْدَ يبرين من بابِ الفراديس فغنى علويه في معنى شعر (5) : ألحَيْنُ ساق إلى دمشق وما ... كانت دمشق لأَهلنا بلدا فضرب بالقدح الأرض وقال: مالك فض الله فاك، ودمعت عينه، وقال لأخيه أبي إسحاق: أَسمعت، لا أحسبني والله أرى بالعراق أبداً، وقال: خذوا بيد هذا الجاهل أو النذير، واعطوا مخارقاً ثلاثة آلاف درهم، وتقوض المجلس ولم يعد بعد. قال علويه: وكدت أحبس لولا كرم المأمون، وصار إلى البذندون على أثر ذلك فهلك في رجب سنة ثمان عشرة ومائتين. وطرسوس (6) مدينة كبيرة كثيرة المتاجر، والعمارة والخصب الزائد وبينها وبين البحر اثنا عشر ميلاً. وفي سنة اثنتين وخمسين (7) وثلثمائة تغلب الروم على طرسوس

_ (1) صبح الأعشى 4: 133. (2) قارن بالبلاذري: 200. (3) فتوح البلاذري: فرج بن سليم الخادم. (4) مروج الذهب 7: 101 - 102. (5) ذكر أبو الفرج هذا الصوت في قصة أخرى بين المأمون وعلويه (الأغاني 11: 335) . (6) نزهة المشتاق: 195، وقارن بياقوت (طرسوس) . (7) تتفق المصادر (ابن الأثير، تجارب الأمم، ابن العديم، ابن العيري، ياقوت ((طرسوس)) ) على أن استيلاء نقفور على طرسوس تم سنة 354، ويشير كل من العديم (زبدة الحلب 1: 142) ومسكويه (تجارب الأمم 2: 201) إلى وجود غازٍ خراساني كان معه حسبما يقول مسكويه خمسة آلاف، ذهبوا لمعونة سيف الدولة ضد الروم سنة 353، ويقول المؤرخان إن جماعة تفرقت سنة 353 لشدة الغلاء، ويضيف مسكويه إن أكثرهم رجع إلى بغداد ومنها إلى خراسان.

طرسونة:

واحتلت ثغور الشام الأدنى إلا من رضي بأداء الجزية من المسلمين وعمرت طرسوس وما والاها بالروم فلما كان سنة سبع وخمسين وثلثمائة زحف ابن نوح صاحب خُراسان بعساكر جرارة إلى طرسوس وأوقع بالروم وهزمهم، وجاوز الدرب إلى أرض القسطنطينية فالتقى جيوش المشركين وعليهم ابن الشمشكي بطريق نقفور، فمنح الله تعالى المسلمين النصر عليهم، ولم ينج ابن الشمشكي إلا وحيداً، ثم جهز نقفور جيشاً آخر احتفل فيه لنصر ابن الشمشكي، فكان خلاف ما أمله، وصاروا بعد الطعن والضرب والمجالدة بالسيوف إلى المعانقة والمغافصة بالأيدي والتناصي بالشعور فما حجز بينهم إلا الليل، وثبت المسلمون في مصافهم، وباتوا على ظهور دوابهم، وناجزوهم بجد وحزم فإذا الأرض قد غصت بجثثهم، ولا أثر لمن بقي منهم ولا عين، قد تفرقوا في جنح الليل، وافتتح ابن نوح قلاعاً كثيرة مما كان تغلب عليها الطاغية، منها مرعش وغيرها. طُرَيْثيث (1) : بينها وبين نيسابور ثلاث مراحل، منها أحمد بن علي الطريثيثي، روى عن أَنَس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يتجر بمال له ولغيره، ويضرب به الآفاق، وكان ناسكاً ورعاً فخرج مرة فلقيه لص مقنعاً في السلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: وما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال قال: إن المال لي فلست أريد إلا دمك، فقال: أما إذ أبيت فذرني أصلّي ركعتين، قال: صلَ ما بدا لك، فتوضأ ثم صلَى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعّال لما يريد أسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام، وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شرّ هذا اللص، يا مغيث أغثني، ثلاث مرّات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة وضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه، فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، ثم قال: من أنت بأبي أنت وأمي، فقد أغاثني الله بك، قال: أنا ملك من السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول، فسمعت لأهل السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله، قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أن من توضأ وصلَى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له، مكروباً كان أو غير مكروب. طرسونة (2) : بالأندلس كانت مستقر العمال والقوّاد بالثغر، وكان أبو عثمان عبيد الله بن عثمان المعروف بصاحب الأرض اختارها محلاً وآثرها على مدن الثغور منزلاً، وكانت ترد عليه عشور مدينة أربونة وبرشلونة. ثم عادت طرسونة من بنات تطيلة عند تكاثر الناس بتطيلة وإيثارهم لها، لفضل بقعتها واتساع خطتها، وبينهما اثنا عشر ميلاً. طرابلس: من مدن إفريقية، وهي (4) مدينة كبيرة أزلية على ساحل البحر يضرب في سورها، وهو من حجر جليل من بناء الأول، قيل وتفسير طرابلس ثلاث مدن وقيل مدينة الناس (5) ، وبها أسواق حافلة وحمامات كثيرة، وفي شرقيها بساتين كثيرة فيها فواكه كثيرة وخيرات جمة، وأهلها تجار يسافرون براً وبحراً، وهم أحسن الناس معاملة بضدّ أهل سرت، وداخل سورها بئر تعرف ببئر أبي الكنود، يقال إنه من شرب من مائه حمق، فهم يعيرون به، فيقال للرجل منهم إذا أتى ما يلام عليه: لا عتب عليك لأنك شربت من بئر أبي الكنود. ومن طرابلس إلى جبل نفوسة ثلاثة أيام، وطرف هذا الجبل الخارج في البحر هو طرف أوثان ما بين طرابلس والاسكندرية، وهذا الطرف الخارج في البحر إذا عدّته المراكب استبشرت بالسلامة، ومن هذه المدينة تعد بلاد إفريقية. وبينها وبين سرت عشر مراحل، وفيها رباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون. وذكر الليث بن سعد قال (6) : غزا عمرو بن العاصي رضي الله عنه مدينة طرابلس سنة ثلاث وعشرين حتى نزل القبة التي على الشرف من شرقها، فحاصرها أشهراً لا يقدر منهم على شيء،

_ (1) قارن بياقوت (طُرَيْثيث) وانظر في ضبطها ابن خلكان 4: 244. (2) بروفنسال: 123، والترجمة: 150 (Tarazona) ، وقارن بياقوت (طرسونة) . (4) الاستبصار: 110، وقارن بالبكري: 6 - 9 (أطرابلس) ، والإدريسي (د/ ب) : 121/ 89. (5) الاستبصار: إياس؛ البكري: أناس؛ ولعل الصواب: ((أُياس)) احتفاظاً بالشكل القديم للأسم (Oea) . (6) البكري: 8، وقارن بابن عبد الحكم: 171، والكندي: 10، وياقوت (طرابلس) .

طرابنش:

فخرج رجل من بني مدلج ذات يوم من معسكر عمرو متصيداً في سبعة نفر، فمضوا بغرب المدينة، ولم يكن فيه بين البحر والمدينة سور، وكانت سفن البحر شارعة في مرساها إلى بيوتهم، فنظر المدلجي وأصحابه فإذا البحر غاض من ناحية المدينة، فدخلوا منه حتى أتوا من ناحية الكنيسة فكبروا، فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم، وأقبل عمرو بجيشه حتى دخل عليهم، فلم يفلت الروم إلا بما خف لهم في مراكبهم، وغنم عمرو ما كان في المدينة. وإنما بنى سور مدينة طرابلس هرثمة بن أعين في حين ولايته. ولمدينة طرابلس فحص يسمى سوفجين (1) ، وهم يقولون: فحص سوفجين يصيب سنة في سنين. ومن طرابلس إلى جبل نفوسة مسيرة ثلاثة أيام، وجبل نفوسة على ستة أيام من القيروان، وطول الجبل من المشرق إلى المغرب ستة أيام. وكان طاغية صقلية (2) طرقها واستولى عليها في سنة أربعين وخمسمائة ثم استرجعها المسلمون، وحكم عليها أيضاً قراقش الغزي سنة ست وثمانين وخمسمائة، ثم دخل في طاعة المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن خليفة مراكش. وطرابلس (3) أيضاً مدينة بالشام عظيمة، عليها سور صخر منيع، ولها رساتيق وأكوار وضياع جليلة، وبها من شجر الزيتون والكروم وقصب السكر وأنواع الفواكه وضروب الغلات الشيء الكثير، والوارد والصادر إليها كثير، والبحر محدق بها من ثلاثة أوجه، وهي معقل من معاقل الشام، وتقصد بضروب الغلات والأمتعة والتجارات، وتضاف إليها عدة قلاع وحصون داخلة في أعمالها وحوالي مدينتها أشجار الزيتون. وهو كان أطيب بلاد الشام ثماراً فسكنه قوم أذنبوا وأسرفوا فأمطرهم الله النار والكبريت (4) ، فصار حينئذ رماداً، حتى الآن ترى فيها آثار النار في أرضها وأشجارها، وتنبت ثماراً تخالها طيبة فإذا عض عليها العاض ثار منها دخان وصارت رماداً. طرابنش (5) : آخرها شين معجمة، بجزيرة صقلية، والنصارى يسمونها أطرابنه، وبينها وبين مرسى علي ثلاثة وعشرون ميلاً، وهي مدينة قديمة مسورة بيضاء كالحمامة، وبينها وبين مدينة تونس مسيرة يوم وليلة، والسفن منها وإليها لا تتعطل شتاء ولا صيفاً، وبها السوق والحمّام وجميع ما يحتاج إليه من مرافق المدن، لكنها في لهوات البحر لاحاطته بها من جهاتها الثلاث، وأدنى البر منها من جهة واحدة ضيقة، والبحر فاغر فاه لها من سائر الجهات، وأهلها يرون أنه لا بد من التقامه لها، ومحرثها عظيم، وكان سكانها مسلمين ونصارى، وللفريقين فيها مساجد وكنائس، وبركنها من جهة المشرق جبل حامد، وهو جبل عظيم مفرط السمو متسع في أعلاه فيه معقل للروم، وبينه وبين الجبل قنطرة تتصل به، وفي الجبل بلد كبير يقال إن حريمه من أحسن حريم هذه الجزيرة، وبهذا الجبل الكروم، ويقال إن فيه نحواً من أربعمائة عين متفجرة، والصعود إليه هين من إحدى جهاته، وهم يرون أن منه يكون فتح هذه الجزيرة فلا يتركون مسلماً يصعد إليه، ولذلك أعدوا فيه ذلك المعقل، فلو أَحسّوا بحادثة جعلوا حريمهم فيه وقطعوا القنطرة. وطرابنش هذه في البسيط لا ماء لها إلا من بئر على البعد منها. والبحر يحدق (6) بها من جميع جهاتها، وإنما يسلك إليها على قنطرة، ومرساها في الجانب الجنوبي منها، وهو مرسى ساكن غير متحرك تشتي فيه أكثر السفن آمنة من جميع الأنواء، موْجه هادٍ عند هيجان الرياح، ويصاد به السمك الكثير، ويؤخذ بها التن بشباك كبار، ويوجد ببحرها المرجان السنيّ، وعلى بابها سباخ الملح، ولها إقليم واسع الجهات، وأرضها من أكرم الأرضين في الزراعة، كثيرة الفوائد والغلات، وأسواق المدينة رحيبة، ومعايشها خصيبة، وبقربها جزيرة الراهب وجزيرة اليابسة وجزيرة مليطمة. وطرابنش يسافر إليها في أيام الشتاء لجودة مرساها واعتدال بحرها وهوائها، وبينها وبين جبل حامد نحو عشرة أميال. طرنش (7) : من أشرف مدائن افرنجة، ولها موسم عظيم في الخريف يتصل ثمانية أيام، وليس هناك موسم أعظم منه، ويجتمع

_ (1) البكري: سوبجين. (2) ينظر إلى ما جاء عند الإدريسي، وعن قراقش إلى ما ذكره صاحب الاستبصار. (3) نزهة المشتاق: 117. (4) ص: فأمطرهم الله النار في أرضها وأشجارها والكبريت. (5) رحلة ابن جبير: 334 (أطرابنش) ؛ وراجع مادتي ((اطرابنش)) و ((حامد)) . (6) الإدريسي (م) : 33. (7) لعله من الممكن التعرف عليها في (Tours) حيث كنيسة شنت مرتين، وبذلك يمكن أن تكون: (طرش) .

طرطوشة:

فيه التجار من الأقاليم، وطرنش على نهر هو أعظم أنهار افرنجة، وعليه حصن من خشب عظيم جداً، وأبوابه من خشب. وإنما عظموا مدينة طرنش للكنيسة التي بها، وهي كنيسة عظيمة في وسطها صنم من فضة على صورة شنت مرتين، وبها عظامه، وبهذه الكنيسة من صدقات قارلُهْ تاجه الذي كان يلبسه مرصعاً برفيع الجواهر، وعصاه مفرغة ذهباً وقميصه منسوج بالذهب منظوم باللؤلؤ وفيها مصاحف إنجيلهم ألواحاً من ذهب مكللة بالياقوت والزمرد، وقارلُه هذا أول ملوكهم. وفي الافرنج جمال، وأكثرهم بيض شقر وقد يوجد فيهم سمر وسود الشعور، ولهم عقول صحيحة، وفيهم كيد ودهاء وكبر وبأس شديد وقسوة، لا رأفة عندهم، يموت حميم الرجل فلا يبكيه، وهم أسخياء بطعامهم، ويأكلون في اليوم مرات، ويغتسلون ويتطيبون ويغسلون شعورهم بالصابون، ولهم حمامات يصنعونها لاستخراج فضول الأبدان بحجارة محماة يضعون عليها الكراسي ويصبون فوق تلك الحجارة الماء، فيرتفع لذلك بخار يسيل عرق الأبدان، وإذا اشتد الحر بافرنجة استحجرت الأرض وكثر الزلق، فلا يركب الفارس إلا على خطر لا سيما إذا نزل المطر على النهر، وإذا نزل الثلج على ذلك الجمد تسهلت الأرض وأمكن الركوب. طرطوشة (1) : من بلنسية إلى طرطوشة مائة ميل وعشرة أميال، مسيرة أربعة أيام، وهي في سفح جبل، ولها سور حصين، وبها أسواق وعمارات وضياع وفعلة، وإنشاء المراكب الكبار من خشب جبالها وبجبالها خشب الصنوبر الذي لا يوجد له نظير في الطول والغلظ، ومنه تتخذ الصواري والقرى، وهو خشب أحمر صافي البشرة بعيد التغير لا يفعل فيه السوس ما يفعله في غيره من الخشب، ومنها إلى طركونة خمسون ميلاً، وبينها وبين البحر الشامي عشرون ميلاً. وقصبة طرطرشة على صخرة عظيمة سهلة الأعلى وفي الشرق من القصبة جبل الكمين (2) ، وهو جبل أجرد، والمصلى والمدينة في غربي القصبة وجوفيها، وعلى المدينة سور صخر من بناء بني أمية على رسم أولي قديم، ولها أربعة أبواب، وأبوابها كلها ملبسة بالحديد، ولها أرباض من جهة الجوف والقبلة، ودار الصناعة، قد أحدق على ذلك كله سور صخر حصين بناه عبد الرحمن بن النظام، وبها جامع من خمس بلاطات، وله رحبة واسعة، بني سنة خمس وأربعين وثلثمائة، وبها أربعة حمامات، وسوقها قي الربض القبلي جامعة لكل صناعة ومتجر، وهي باب من أبواب البحر ومرفأ من مرافئه يحلها التجار من كل ناحية، وهي كثيرة شجر البقس، ومنها تفترق إلى النواحي، وخشبها الصنوبر له خاصية في الجودة تفوق جميع خشب الأمصار. وقصبة طرطوشة من المنعة والسمو في حد لم يستوفه بالصفة إلا عبد الملك بن ادريس الكاتب المعروف بالجزيري (3) حين سجنه بها المنصور بن أبي عامر فقال يصف حاله هناك من قصيدة طويلة مشهورة: في رأس أجردَ شاهقٍ عالي الذرى ... ما بعده لمؤملٍ من مبصر يهوي إليه كل أجرد ناعب ... وتهب فيه كل ريح صرصر ويكاد من يرقى إليه مرة ... من دهره يشكو انقطاع الأبهر وأول هذا الشعر: ألوى بعزم تجلدي وتصبري ... نأي الأحبة واعتياد تذكري شحط المزار ولا مزارَ ونافرت ... عيني الهجوعَ فلا خيال يعتري وقصرت عنهم فاقتصرت على جوى ... لم يدع بالواني ولا بالمقصر ومن أهل طرطوشة الفقيه الإمام الزاهد أبو الوليد الطرطوشي الفهري (4) نزيل الاسكندرية، صاحب التعليقة في الخلاف وكتاب

_ (1) بروفنسال: 124، والترجمة: 151 (Tortosa) ، والادريسي (د) : 190، وصبح الأعشى 3: 235. (2) بروفنسال: الكهف. (3) في ترجمة عبد الملك بن ادريس الجزيري انظر البغية رقم: 1158، والجذوة: 261، والمطمح: 13، واعتاب الكتاب: 193، والذخيرة 4: 31، وصفحات متفرقة من النفح. وقصيدته هذه مشهورة عند الاندلسيين، وقد كتبها غلى ابنه الأصغر، وضمنها نصائح كثرة. (4) المشهور في كنيته ((أبو بكر)) وهو محمد بن الوليد، وانظر ابن خلكان 4: 262، وفي الحاشية منصادر أخرى لترجمته.

طركونة:

" الحوادث والبدع " وغير ذلك، سكن بغداد وتفقه على أبي بكر الشاشي، وسمع بها الحديث، وهو مالكي المذهب، قالوا: وزهده أكثر من علمه، وانتفع به جماعة، وأنجب أكثر من مائتي فقيه مفت، ومن كبار أصحابه أبو الطاهر بن عوف وسند بن عنان الأزدي، وعاصر الغزالي، وله في إحيائه كلام، وكان منحرفاً عنه سيء الاعتقاد فيه، وكانت وفاته بعد العشر والخمسمائة. طركونة (1) : بالأندلس، بينها وبين لاردة خمسون ميلاً، وطركونة مدينة أزلية، قاعدة من قواعد العمالقة، وجعلها قسطنطين في القسم الثالث من الأندلس، وأضاف إليها مدن ذلك القسم. وهي مبنية (2) على ساحل البحر الشامي ومعالمها باقية لم تتغير، وأكثر سورها باق لم يتهدم، وهي أكثر البلاد رخاماً محكماً، وسورها من رخام أسود وأبيض، وقليلاً ما يوجد مثله. ومن الغرائب بطركونة أرحاء نصبها الأول تطحن عند هبوب الريح وتسكن بسكونها. وذكر أهل العلم باللِّسان اللطيني أن معنى طركونة الأرض المشبهة بالمعجنة (3) ، وكانت في قديم الزمان خالية لأنها كانت فيما بين حد المسلمين والروم، والأحناش بها مؤذية كثيرة، ومياهها كثيرة، وبها أساطين رفيعة مما تضل الأوهام في حكمته، ويعجز المتكلفون اليوم عن صنعته. وذكر شيخ ثقة من أهل شبرانة يقال له ابن زيدان أنه كان يخرج في السرايا إلى تلك الناحية، فنزل في بعض خرجاته مع جماعة من أصحابه في البنيان الذي تحت مدينة طركونة، فأرادوا التحوّل منه فضلوا ولم يهتدوا منه لمخرج، وترددوا كذلك ثلاثة أيام حتى اهتدوا في آخر اليوم الثالث لما أراد الله تعالى من إبقائهم، وزعم قوم أنهم وجدوا هناك بيوتاً مملوة قمحاً وشعيراً من الأزمان السالفة قد اسودّ حبّه وتغير لونه، وفي هذه المدينة يكمن المسلمون عند طلب الفرصة في الغزو، وفيها يكمن العدو أيضاً للمسلمين. طراقية (4) : مدينة تلي من ناحية الشرق مدينة القسطنطينية، ومن ناحية الجوف إلى الأشبان، ومن ناحية الغرب بلاد مجدونية (5) ، سميت بطراقي بن يافث، وزعموا أن أهلها أول من عمل اللجم للخيل وأنهم الذين ابتدعوا رياضة الخيل والبيطرة. طريف (6) : جزيرة طريف على البحر الشامي في أول المجاز المسمى بالزقاق، ويتصل غربيها ببحر الظلمة، وهي مدينة صغيرة عليها سور تراب، ويشقها نهر صغير، وبها أسواق وفنادق وحمّامات، ومن جزيرة طريف إلى الخضراء ثمانية عشر ميلاً. وكتب موسى بن نصير إلى الوليد يستأذنه في اقتحام الأندلس فراجعه: خضها بالسّرايا ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال، فراجعه: ليس ببحر زخار، إنما هو خليج يبين للناظر ما خلفه، فجاوبه: وإن كان، فلا تدعنّ (7) اختباره بالسرايا قبل اقتحامه، فبعث موسى رجلاً من مواليه من البربر اسمه طريف يكنى أبا زرعة في أربعمائة رجل معهم مائة فرس في أربعة مراكب، فنزل بالخضراء التي هي معبر سفائنهم، وهي التي يقال لها اليوم جزيرة طريف لنزوله بها فأغار عليها، فأصاب سبياً لم يرَ موسى ولا أصحابه مثله حسناً، ومالاً جسيماً وأمتعة وذلك سنة إحدى وتسعين. الطران: مدينة للمسلمين تلي بلاد الأتراك، وبينهم حصون منسوبة إليهم، ويليها من شمالها الترك الخرلخية، وبينهم في أكثر الأوقات حروب وغارات، وإذا كانت الهدنة كانت بينهم تجارات ومعاملات (8) بالأمتعة والسائمة والأبقار. طَرْيانة (9) : من كور اشبيلية بالأندلس، بها كان ألفنش بن فرذلند الطاغية، واعد قواد جيوشه للاجتماع فيها عام الزلاقة لمحاصرة

_ (1) بروفنسال: 125، والترجمة: 153 (Tarragone) . (2) الإدريسي (د) : 69. (3) بروفنسال: بالمجنة. (4) البكري (ح) : 230 (Thrace Thracia) . (5) (Macedonia) (مقدونية) . (6) بروفنسال: 137، والترجمة: 154. (7) بروفنسال: فلابد من. (8) إلى هنا تنتهي المادة في ص. (9) بروفنسال: 126، والترجمة: 154 (Triana) .

طليطلة:

ابن عباد باشبيلية في سنة تسع وسبعين وأربعمائة، فأخلف الله ظنه وعكس عليه أمله، وكان ما كان في الزلاقة من نصر الله تعالى للمسلمين والفتح لهم فله الحمد، وقد مرَّ ذلك في رسم الزلاقة. ومن كلام عامة اشبيلية: " يفتك وطريانة تؤدي الجعل ". طلمنكة (1) : مدينة بثغر الأندلس، بناها الأمير محمد بن عبد الرحمن منها أحمد بن محمد بن عبد الله بن لب بن يحيى المعافري الطلمنكي المقرئ (2) ، وبينها وبين وادي الحجارة عشرون ميلاً. طليطلة (3) : بالأندلس بينها وبين البرج المعروف بوادي الحجارة خمسة وستون ميلاً، وهي مركز لجميع بلاد الأندلس لأن منها إلى قرطبة تسع مراحل، ومنها إلى بلنسية تسع مراحل أيضاً، ومنها إلى المرية في البحر الشامي تسع مراحل أيضاً. وطليطلة (4) عظيمة القطر كثيرة البشر، وهي كانت دار الملك بالأندلس حين دخلها طارق، وهي حصينة لها أسوار حسنة وقصبة حصينة، وهي أزلية من بناء العمالقة، وهي على ضفة النهر الكبير، وقلما يرى مثلها إتقاناً وشماخة بنيان، وهي عالية القدر حسنة البقعة، ولها قنطرة من عجائب البنيان، وهي قوس واحدة، والماء يدخل تحتها بعنف وشدة جري، ومع آخر (5) النهر ناعورة ارتفاعها في الجو تسعون ذراعاً وهي تصعد الماء إلى أعلى القنطرة، ويجري الماء على ظهرها فيدخل المدينة. وكانت طليطلة دار مملكة الروم، وكان بطليطلة بيت مغلق متحامى الفتح على الأيام، عليه عدة من الأقفال، يلزمه قوم من ثقات القوط قد وكلوا به لئلا يفتح، قد عهد الأول في ذلك إلى الآخر، فلما قعد لذريق ملكاً أتاه أولئك الموكلون بالبيت يسألونه أن يقفل على الباب فقال: لا أفعل حتى أعلم ما فيه ولا بد لي من فتحه، فقالوا: أيها الملك إنه لم يفعل هذا أحد قبلك، فلم يلتفت إليهم ومضى إلى البيت، فأعظمت ذلك العجم، وضرع له أكابرهم، فلم يفعل، وظن أنه بيت مال قد اختزنته الملوك، ففض الأقفال عنه ودخل، فأصابه فارغاً لا شيء فيه إلا تابوتاً عليه قفل، فأمر بفتحه فألفاه أيضاً فارغاً ليس فيه إلا شقة مدرجة صورت فيها صور العرب، عليهم العمائم وتحتهم الخيول العراب متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها أسطر مكتوبة بالعجمية، قرئت فإذا فيها: إذا كسرت الأقفال عن هذا البيت، وفتح هذا البيت فظهر ما فيه من هذه الصور، فإن هذه الأمة المصورة في هذه الشقة تدخل الأندلس فتغلب عليها وتملكها، فوجم لفريق وندم على ما فعل وعظم غمه وغم العجم لذلك، وأمر بردّ الأقفال وإقرار الحراس وأخذ في تدبير ملكه وذهل عما أنذر به، إلى أن كان من أمر يليان عامل لذريق على سبتة وأمر ابنته في الخبر المشهور ما سبب إثارة عزمه على إدخاله العرب إلى الأندلس، إلى أن كان ذلك وسبب الله فتحها بسبب ذلك، وما بعد ذلك يذكر في غير هذا المكان. ووجد (6) أهل الإسلام فيها ذخائر عند افتتاح الأندلس كادت تفوت الوصف كثرة، فمنها مائة وسبعون تاجاً من الذهب مرصعة بالدر، وأصناف الحجارة الثمينة، ووجد فيها ألف سيف مجوهر ملوكي، ووجد بها من الدر والياقوت أكيال وأوساق، ومن آنية الذهب والفضة وأنواعها ما لا يحيط به وصف، ووجد بها مائدة سليمان بن داود عليهما السلام، وكانت فيما يذكر من زمردة وهذه المائدة اليوم بمدينة رومة. وزعم رواة العجم أنها لم تكن لسليمان عليه السلام، قالوا: وإنما أصلها أن العجم في أيام ملكهم كان أهل الحسبة في دينهم إذا مات أحدهم أوصى بمال للكنائس، فإذا اجتمع عندهم ذلك المال صاغوا منه آلات من الموائد والكراسي وغيرها، من الذهب والفضة، يحمل الشمامسة والقسوس فوقها مصاحف الأناجيل إذا أبرزت في أيام المناسك، ويضعونها على المذابح في الأعياد للمباهاة بزينتها، فكانت تلك المائدة بطليطلة مما صنع في هذه السبيل، وبالغت الأملاك في تحسينها، يزيد الآخر منهم فيها على الأول، حتى برزت على جميع ما اتخذ من تلك الآلات وطار الذكر بها كل مطار، وكانت مصوغة من خالص الذهب

_ (1) بروفنسال: 128، والترجمة: 155 (Talamanca) وهي قرية صغيرة في مقاطعة مدريد. (2) أبو عمر الطلمنكي أستاذ ابن حزم، توفي سنة 428 (بغية الملتمس رقم 347 وغاية النهاية 1: 120) . (3) بروفنسال: 130، والترجمة: 157 (Toledo، وابن الوردي: 18. (4) الإدريسي (د) : 187. (5) ع: النهار. (6) عاد إلى النقل عن الإدريسي.

مرصعة بفاخر الدر والياقوت والزبرجد، لم تر العين مثلها بولغ في تحسينها من أجل دار المملكة وأنه لا ينبغي أن يكون بموضع آلة جمال إلا ما يكون فيها وكانت توضع على مذبح كنيسة طليطلة فأصابها المسلمون هناك، وقصة إيصالها إلى سليمان بن عبد الملك، ومنازعة موسى بن نصير وطارق مولاه في رجلها مشهورة. قال ابن حيان: مضى طارق خلف فرار أهل طليطلة فسلك إلى وادي الحجارة ثم استقبل الجبل فقطعه، فبلغ مدينة المائدة، والمائدة خضراء من زبرجد، حافاتها منها وأرجلها، وكان لها ثلثمائة وخمسة وستون رجلاً، فأحرزها عنده. وبطليطلة (1) بساتين محدقة وأنهار مخترقة ودواليب دائرة وجنّات يانعة وفواكه عديمة المثال ولها من جميع جهاتها أقاليم وقلاع منيعة، وعلى بعد منها في جهة الشمال الجبل العظيم المعروف بالشارات، فيه من الغنم والبقر الشيء الكثير الذي يتجهز به الجلابون إلى سائر البلاد، ولا يوجد شيء من أبقاره وأغنامه إلا في غاية السمن، ولا يوجد مهزولاً البتة، ويضرب بها المثل في ذلك في جميع الأقطار بالأندلس، وعلى مقربة من طليطلة قرية تسمى بمغام في (2) جبالها وترابها الطين المأكول يتجهز به إلى مصر والشام والعراق، ليس على قرار الأرض مثله في لذة أكله وتنظيف غسل الشعر به، وفي جبال طليطلة معادن الحديد والنحاس. وزعموا أن (3) معنى طليطلة باللطيني " تولاطو " - معناه " فرح ساكنها " يريدون لحصانتها ومنعتها، وفي كتب الحدثان كان يقال: طليطلة الأطلال، بنيت على الهرج والقتال، إذا وادعوا الشرك، لم يقم لهم سوقة ولا ملك، على يد أهلها يظهر الفساد، ويخرج الناس من تلك البلاد. ومدينة طليطلة قاعدة القوط ودار مملكتهم، ومنها كانوا يغزون عدوهم، وإليها كان يجتمع جيوشهم، وهي إحدى القواعد الأربع، إلا أنها أقدمهن، ألفتها القياصرة مبنية، وهي أول الإقليم الخامس من السبعة الأقاليم التي هي ربع معمور الأرض، وإليها انتهى حدّ الأندلس، ويبتدئ بعدها الذكر للأندلس الأقصى، أوفت على نهر تاجُه، وبها كانت القنطرة التي يعجز الواصفون عن وصفها، وكان خرابها في أيام الإمام محمد. ومن خواص طليطلة أن حنطتها لا تسوس على مَرِّ السنين، يتوارثها الخلف عن السلف، وزعفران طليطلة هو الذي يعم البلاد ويتجهز به إلى الآفاق، وكذلك الصمغ السماوي (4) . وأول من نزل (5) طليطلة من ملوك الأندلس لوبيان وهو الذي بنى مدينة رقوبل (6) ، وهي على مقربة من طليطلة وسماها باسم ولده: ومنها ولى الأساقفة على الكور، وبها مجتمعهم للمشورة، وكان عددهم ثمانين أسقفاً لثمانين مدينة من حوز الأندلس كجليقية، وطركونة وقرطاجنة، وكانت قبل ولايته فرقاً، فائتلف أمر الناس وانقطع الاختلاف وأحبه الخاص والعام، وهو الذي بنى الكنائس الجليلة والمعالم الرفيعة، وبنى الكنيسة المعروفة بالمردقه (7) واسمه مزبور على بابها، وهي بين حاضرة البيرة ووادي آش. وبطليطلة ألفيت ذخائر الملوك، وعلى مقربة من طليطلة قرية قنبرشه (8) وهي حارتان فيهما عينا ماء، إذا نضبت إحداهما جرت الأخرى، هذا دأبهما كل عام، ماؤهما متعاقب لا يجري في زمان واحد، وغربيها على نحو عشرين ميلاً منها تمثالان عظيمان على صورة ثورين قد نحتا من حجر صلد وذكر بعض المؤرخين أن طارقاً لما غزا طليطلة اعترض جنده وهو راكب أحدهما. قالوا: لما مضى طارق بن زياد إلى طليطلة دار مملكة القوط، ألفاها خالية قد فرَّ أهلها عنها، فضمَّ إليها اليهود، وخلى بها رجالاً من أصحابه ومضى خلف فرَّار أهل طليطلة، فسلك إلى وادي الحجارة، ومنه اقتحم أرض جليقية فخرقها ودوخ الجهة ثم انصرف إلى طليطلة وذلك سنة ثلاث وتسعين من الهجرة. وفي سنة خمسين وأربعمائة نتجت بغلة بطليطلة (9) فلواً في

_ (1) عاد إلى النقل عن الإدريسي. (2) سقط من ص ع: وأورده بروفنسال. (3) البكري (ح) : 86. (4) ص ع: اليماني. (5) لا يزال النقل مستمراً عن البكري، ويبدو أنه يشمل كل هذه الفقرة إلا أن المطبوع من البكري توقف عن لفظة ((لوبيان)) . (6) بروفنسال: رقابل. (7) ص: بالروفه، وقد تقرأفي ع: بالمروقة. (8) بروفنسال: قنبشرة. (9) سقط من ع.

طلبيرة:

صورة مهر، وكانت بغلة كميتاً لبعض السائقين، فتشاءم به النصارى، ولم يزالوا يختلونه حتى عقروه. وبقلعة الفهمن (1) من جوفي طليطلة على خمسة عشر ميلاً منها بئر لم يعرف فيها قط علق، فنبشت في بعض السنين ليكثر ماؤها، فكثر العلق فيها كثرة مفرطة فنظروا فيما استخرجوه من نبشها فإذا فيه علقة نحاس فردت في البئر فانقطع العلق منها، وقيل إنما ذلك في حصن وقش في عين بجوفي الحصن، وفي قرية على عشرة أميال من طليطلة في طريق مجريط بئر معروفة، إذا شرب من مائها المعلوق سقطت العلق، كان إنساناً أو دابة أو غير ذلك. وكان أخذ النصارى لطليطلة في منتصف محرم سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. طلياطة (2) : بالأندلس بينها وبين اشبيلية محلة من عشرين ميلاً، ومن طلياطة إلى لبلة محلة مثلها. وفي جمادى الأولى من سنة اثنتين وعشرين وستمائة كانت الوقيعة على أهل اشبيلية بفحص طلياطة، فأغار الروم الغربيون على تلك الجهة فغنموا ما وجدوا واستاقوا ما أصابوا، والعادل صاحب المغرب يومئذ باشبيلية ووزيره أبو زيد بن يوجان (3) ، ومعهما أهل الدولة وأشياخ الأمر، ولا غناء لديهم ولا مدفع عندهم، إذ كان الأمر قد أدبر، ورونق الدولة قد تغير، ومن نزلت به من الناس مصيبة أو أغير له على سرح لم يرج مغيثاً ولا يجد نصيراً، وكان خبر هؤلاء الروم بلغ اشبيلية قبل ذلك بأيام، واجتمع جمع كثير من العامة في المسجد الجامع، فلما فرغ من صلاة الجمعة قاموا فصاحوا بالسلطان يحملونه على الخروج، فلما كان يوم السبت خرج المنادي ينادي الناس بالخروج إلى العدو، فأخذوا في ذلك وتجهزوا، وخرج بعضهم في ذلك اليوم، ولما كان يوم الأحد جد بالناس الخروج، فخرجوا على كل صعب وذلول، كبارهم وصغارهم، بسلاح وبغير سلاح، كما يخرجون إلى نزههم في البساتين والجنات، فتكامل جمعهم في جهة طلياطة يوم الأحد، ولم يخرج معهم من الخيل إلا دون المائة، والروم في عدد ضخم، عليهم الدروع وبأيديهم الأسلحة، وأكثر جمع (4) المسلمين بغير سلاح إلا ما لا قدر له، وإنما هم أهل الأسواق والباعة، وكان فيمن خرج من الجند أبو محمد عبد الله بن أبي بكر بن وزير (5) ، وهو أعلم بالحرب من هؤلاء الرعاع والغوغاء الذين لا يعقلون، فصاحوا به أن يصير بهم إلى لقاء العدو، فأبى عليهم ونهاهم وحذرهم، فأبوا عليه إلا اللقاء وسبوه وآذوه بالقول، فتركهم وانصرف عنهم هو ومن كان معه من الخيل، إذ رأوا ما لم يروه، وعاينوا ما لم يعاينوه، وأبصروا ما لا طاقة لهم به، فلما رأى الروم ذلك مالوا على أولئك العامة، فلما رأوهم مستقبلين لهم أخذوا في الفرار فوقع القتل بهم، فأفني منهم بالقتل كثير، وأسر منهم كثير، وأفلت كثير، وكان الناس بعد يختلفون في مقدار من أتى القتل عليه من أهل اشبيلية والأَسْرُ، فمقلل ومكثر، فالمكثر يقول بلغوا عشرين ألفاً، وقيل دون ذلك، فالله أعلم. وخرج العادل من اشبيلية متوجهاً إلى حضرة مراكش في ذي القعدة من هذه السنة، وهي سنة إحدى وعشرين وستمائة. طلبيرة (6) : بالأندلس أيضاً، بينها وبين وادي الرمل خمسة وثلاثون ميلاً. وطلبيرة (7) أقصى ثغور المسلمين، وباب من الأبواب التي يدخل منها إلى أرض المشركين، وهي قديمة أزلية على نهر تاجه، وهي في الجزء الثالث من قسمة قسطنطين، وهي مبنية على جبل عظيمٍ، يخرج من تحته عين خرارة، يطحن على جريها عشرون رحى. وهي مدينة (8) كبيرة وقلعتها أرفع القلاع حصناً، ومدينتها أشرف البلاد حسناً، وهو بلد واسع الساحة كثير المنافع به أسواق وديار حسنة، ولها على نهر تاجه أرحاء كثيرة، ولها عمل واسع ومزارعها زاكية وبينها وبين طليطلة سبعون ميلاً. طنجة (9) : مدينة بالمغرب قديمة على ساحل البحر، فيها آثار

_ (1) بروفنسال: العهن، ص: الفهمين. (2) بروفنسال: 128، والترجمة: 155 (Tejada) تقع على حوالي ثلاثين كيلومتراً إلى الشمال الغربي من إشبيلية. (3) ص ع: وجان. (4) ص ع: جميع. (5) بروفنسال: يزيد. (6) بروفنسال: 127، والترجمة: 155 (Talvera de Reina) . (7) البكري؛ (ح) : 89، وبعض ما ورد هنا زيادة على ما في المطبوع من البكري. (8) الإدريسي (د) : 187. (9) الاستبصار: 138، وابن الوردي: 14.

الطف:

كثيرة للأول وقصور وأقباء، وكان فيها ماء مجلوب، وبخارجها عين ماء طيب يسمونه برقال، ويقال إنه يحدث الحمق لشاربه، فهم يعيرون بذلك فيقال لمن تهافت منهم: شربت ماء برقال، لا جناح عليك، وقال الشاعر: بطنجة عين ماء وسط رمل ... لذيذ ماؤه كالسلسبيل خفيف وزنه عذب ولكن ... يطير بشاربيه ألف ميل وبين طنجة (1) وسبتة ثلاثون ميلاً في البر، وفي البحر نصف مجرى وتعرف طنجة بالبربرية " وليلي " افتتحها عُقْبة بن نافع وقتل رجالها وسبى من فيها، وهي على شاطئ بحر الزقاق. وكان (2) فيها رخام كثير وحجر منحوت جليل، ومنها كانت القنطرة على بحر الزقاق إلى ساحل الأندلس التي لم يكن في العالم مثلها، وكانت تمر عليها القوافل والعساكر من ساحل طنجة إلى ساحل الأندلس، فلما كان قبل الفتح الإسلامي (3) طغى ماء البحر وزاد وخرج من البحر المحيط إلى بحر الزقاق، وأغرق هذه القنطرة، وكان طولها اثني عشر ميلاً وسعة المجاز اليوم في موضعها ثلاثون ميلاً أو نحوها، وتبدو هذه القنطرة لأهل المراكب فيتحفظون منها، ويقال إنها ستنكشف في آخر الزمان ويجوز عليها الناس، والله أعلم. قالوا: وطنجة آخر حدود إفريقية من المغرب ومسافة ما بين طنجة والقيروان ألفا (4) ميل، وهي طنجة البيضاء المذكورة في التواريخ وقيل أن عمل طنجة مسيرة شهر في مثله وأن ملوك المغرب من الروم وغيرهم من الأمم كانت دار مملكتهم مدينة طنجة، وإذا حفرت خرائب طنجة وجدت فيها (5) أصناف الجوهر وهو يدل على أنها كانت دار مملكة لأمم سالفة، ولطنجة نهر كبير تدخله السفن يصب في البحر، يأتي من جبال بغربي طنجة وتأتي منه سيول عظام تذهب ببعض دورها. قالوا: عقد الوليد لموسى بن نصير على إفريقية وما خلفها سنة ثمان وثمانين، فخرج في نفر قليل، فلما ورد مصر أخرج من جندها بعثاً فأتى إفريقية فأخرج معه من أهلها ذوي القوة، وصير على مقدمته طارق بن زياد، فلم يزل يقاتل البربر ويفض جموعهم ويفتح بلادهم حتى بلغ طنجة، وهي قصبة بلاد البربر، فحصرها حتى افتتحها، واختلف: هل كانت فتحت قبله أو لا. طفيل (6) : جبل قريب من الجحفة، وهو وشامة جبلان مشرفان على مجنة، وهي على بريد من مكة، وأظنه الذيَ غنى به بلال رضي الله عنه بقوله: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً ... بوادٍ وحولي إِذخر وجليلُ وهل أردن يوماً مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل الطف (7) : ساحل البطيحة، وهو بين البصرة والأهواز. والطف أيضاً بالعراق على فرسخين من البصرة، وهناك الموضع المعروف بكربلاء الذي قتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما، وقال الشاعر فيه: وإن قتيل الطف من آل هاشم ... أذل رقاب المسلمين فذلَتِ وبالطف كان قصر أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه مات رحمه الله سنة ثلاث وتسعين، وهو ابن مائة عام وثلاثة أعوام. وكان مقتل الحسين رضي الله عنه بالطف في محرم سنة إحدى وستين لعشر خلون من المحرم، وله ست وخمسون سنة وخمسة أشهر وثلاثة أيام، قتله شمر بن ذي الجوشن، وقيل سنان بن أبي أنس، وصاحب الجيش عمر بن سعد بن أبي وقاص، وحمل رأسه إلى

_ (1) البكري: 108 - 109. (2) عاد إلى النقل عن الاستصار. (3) زاد في الاستبصار: بنحو مائتي سنة. (4) الاستبصار: ألف. (5) ص ع: وجد فيه. (6) معجم ما استعجم 3: 892، وراجع مادة ((شامة)) . (7) معجم ما استعجم 3: 891.

طشالية:

يزيد بن معاوية، وهو أول رأس حمل على خشبة في الإسلام، وكان أهل الكوفة خاطبوه في الوصول إليهم، فأقبل يريدها، وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد، فكتب إلى يزيد بن معاوية يعلمه بذلك فكتب إليه أن ضع عن أهل الكوفة خراجهم، ثم أتبعه بكتاب آخر: بلغني أن أهل الكوفة أصابتهم سنة فأعطهم عطاء ثانياً واستعطفهم، فلا رأي لي في حرب الحسين رضي الله عنه، فاعمل في صرفه إلى موضعه، ووجهه إلى حيث أحب واستعطفهم، فأنكروا ما نسب إليهم من البعث إلى الحسين رضي الله عنه وحلفوا على ذلك، وآل الأمر إلى ما قدر من مقتله، وخبر ذلك مشهور مطول. وحدَّث رجُل من أهل الكوفة قال: اشتد الجهد بي وبعيالي، وجهدنا حتى والله نقضت منزلي، وبعت نقضه، فخرجت بهم إلى البصرة فنزلت في ناحية من نواحيها وكان لي حمار كأنه شاة أدب عليه فأصبحت يوماً من الأيام فقلت: أسرجوا لي الحمار فقالت: يا مولاي، والله ما أكل شعيراً منذ أيام وما أصبح لنا دقيق " فقلت: الله المستعان، اسرجي، فقالت: كيف يحملك؟ قلت: اسرجيه على كل حال، قال: فأسرجته فركبته، فخرجت في ظهر البصرة فإذا موكب مقبل من ناحية الطف، فلما دنوا دخلت بينهم، فدخلوا البصرة فدخلت معهم، وانتهى صاحب الموكب إلى داره، فإذا دهليز مفروش، فنزلوا فنزلت معهم، فدعا بغدائه فجاء أحسن طعام في الأرض، فتغدّوا فتغدّيت معهم، ثم وضئنا ثم غلفنا الغالية، ثم قال: يا غلمان، هاتوا سفطاً، فجاءوا بسفط أبيض عظيم فأدخلوه فحلوه فإذا ملؤه أكيسة فيها ألف درهم ألف درهم فأمرَّها على أصحابه ومر بي فأعطاني كيساً ثم أدارها الثانية فأعطاني كيساً ثم ثلث فأعطاني كيساً وبقي في السفط كيس فأخذه بيده ثم قال لي: هاك يا هذا الذي لا أعرفه، فخرجت من عنده بأربعة أكيسة فيها أربعة آلاف درهم فلما خرجت من الدار قلت لإنسان: من هذا؟ قال: عبيد الله بن أبي بكرة، وقال فيه بعض الشعراء: لو شيت لم تشقَ ولم تنصَبِ ... عشت بأسباب أبي حاتمِ عشت بأسباب الجواد الذي ... لا يختم الأموال بالخاتم طشالية (1) : أرض بين الروم والترك، فيها عينان تجريان ويكون عنهما نِهران، إن شربت الماشية من إحداهما اسودت ووضعت سوداً، والأخْرى إن شربت منها الماشية وضعت أولادها بُلْقاً. طوى (2) : ذو طوى، واد بمكَة، لما انتهى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وقف على راحلته معتجراً بشقة برد حِبَرة حمراء، وأنه ليضع رأسه تواضعاً لله تعالى، حين رأى ما أكرمه الله عز وجل به من الفتح حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطةَ الرحل. وطوى، بكسر أوله وبضمه مقصور منون: اسم واد في أصل الطور بالشام، وهو المذكور في التنزيل. طوقين: هي أول مرافئ الصين، وبها يعمل الغضار الصيني، ومنها يتجهز به إلى سائر البلاد التي تتصل بها وتبعد عنها وبها أرز وحبوب ونارجيل وقصب، وهم يجالسون التجار، ولهم همم عالية ونفوس أبية، ويستعملون الطيب أكثر من سائر بلاد الهند. الطور: قال بعض أهل اللغة: كل جبل طور وقال آخرون: الطور كل جبل أجرد لا ينبت شجراً ولا خلاف أن في الشام جبلاً يسمى الطور وهو طور سيناء، قيل إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال، إذ روي أن الله تعالى أوحى إلى الجبال إني مهبط على أحدكم أمري يريد رسالة موسى عليه السلام، فتطاولت كلها إلا الطور فإنه استكان لأمر الله عز وجل وقال: حسبي الله، فأهبط الله الأمر عليه، ويقال إنه بمدين. وفي حديث مُسْلِم في خبر الدجّال (3) : فبينا هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم عليهما السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعاً كفيه على أجنحة ملكين فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى عليه السلام قوم عصمهم الله تعالى فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو

_ (1) طشالية (Thessalia) . (2) معجم ما استعجم 3: 896، ورحلة الناصري: 235. (3) صحيح مسلم 2: 376، وما هنا فيه اختصار.

طوارق:

كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم، فجوز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. . . الخبر بكماله. ومن مدينة أيلة إلى بيت المقدس ست مراحل والطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام على يوم وليلة من أيلة، وإذا سرت من أيلة (1) لقيت عقبة لا يصعد لها راكب لصعوبتها ولا تقطع إلا في طول اليوم لطولها، ثم تسير مرحلتين في فحص التيه الذي تاه فيه بنو إسرائيل حتى توافي ساحل البحر بموضع يقال له بحر فاران وهو الذي غرق فيه فرعون، ومن هنا إلى بحر القلزم مرحلة واحدة، وإنما نسب هذا البحر إلى فاران وهي مدينة من مدن العماليق على تل بين جبلين، وفي هذين الجبلين ثقوب لا تحصى مملوءة أمواتاً، وفي سفح أحدهما بيعة للنصارى حصينة عليها سور من حجارة ذو شرفات وأبواب حديد داخله عين ماء عذب، وعلى العين درابزين من نُحاس لئلا يسقط فيه أحد وقد أجري ماؤها في قني رصاص إلى ما حوالي الدير من الكروم والأشجار، ويقال إن على هذه العين كان ثمر العليق الذي آنس موسى عليه السلام عنده النار، وعلى خطوات من هذا الدير أول العقبة التي يصعد منها الناس إلى طور سيناء وهي ستة آلاف وستمائة وستون مرقاة قد نحتت درجات في الصخر، فإذا قطعت نصف المرقاة صرت إلى مستوى من الأرض فيه أشجار وماء عذب وهناك كنيسة على اسم ايلياء النبي، وهناك مغارة يزعمون أن إيلياء استخفى فيها من أزقيل الملك، ثم تستمر في الارتقاء حتى تنتهي إلى قلة الجبل، وهناك كنيسة متقنة البناء تنسب إلى موسى عليه السلام بأساطين رخام وحيطانها مزخرفة بالفسيفساء، وأبوابها ملبسة بالصفر وسقفها من خشب الصنوبر وأعلاها أطباق رصاص قد أحكمت غاية الإحكام وليس فيها إلا إنسان واحد يقمها ويقوم عليها ويجمرها ويسرج قناديلها، قد اتخذ هذا الراهب لنفسه بيتاً صغيراً خارجاً عن الكنيسة يأوي إليه وينام فيه، ولا يمكن أحد أن ينام في الكنيسة ولا يدخل عينيه غمض. وهذه الكنيسة بنيت في المكان الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام تكليماً. قالوا: وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام إني متوفي هارون فأتِ به جبل كذا فانطلق موسى وهارون إلى ذلك الجبل فإذا فيه شجر وبيت مبني، وإذا فيه سرير وعليه فرش، فلما نظر هارون إليه أعجبه وقال: يا موسى، إني أحب أن أنام على هذا السرير فقال: نم عليه، فقال: إني أخاف ربَّ البيت، قال موسى: أنا أكفيك. فلما نام هارون قبض الله روحه، ثم رفع ذلك البيت وذلك السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا: إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، وكان هارون أعطف عليهم. وقيل: بل هو مدفون في جبل من جبال الشراة مما يلي الطور، وقبره مشهور في مغارة عادية يسمع منها في بعض الليل دوي عظيم يجزع منه كل ذي روح وقيل: بل هو موضوع في المغارة غير مدفون. طوخا (2) : مدينة على نهر الصين عامرة بالناس فيها تجار وبضائع وبها تصنع الثياب الطوخيّة من الحرير ولها قيمة وافرة ويتجهز بها منها إلى البلاد وهي ثياب مطرقة كالعتابية، وفيها ثياب مريشة يعمر الثوب منها كثيراً. طوارق (3) : من قصور قفصة في البلاد الجريدية، وهي منتصف الطريق من قفصة إلى فج الحمار وأنت تريد القيروان، وكانت مدينة كبيرة آهلة فيها جامع وكانت القوافل إذا خطرت بين هذه القصور تكعم إبلها ودوابها لئلا ترعى ورق الشجر لكثرته على تلك الطريق، وهي اليوم خربة لا أنيس بها منذ دخلت العرب بلاد إفريقية وأفسدت بلاد القيروان وغيرها من البلاد والقرى والعمائر وكثير من المدن بإفريقية. طوس (4) : مدينة من نيسابور على مرحلتين، وقيل على ستة عشر فرسخاً. وطوس العظمى يقال لها نوقان، وهي مدينة كبيرة حسنة المباني كثيرة الأسواق شاملة الأرزاق عامرة الأمكنة رائقة الجهات ولها مدن بها منابر. ولمّا فتح ابن عامر (5) مدينة نيسابور قيل صلحاً وقيل عنوة فتح ما حولها طوس وبيورد ونسا وحُمران وسرخس، وقيل

_ (1) البكري (مخ) : 77، وانظر رحلة الناصري: 194، 199، 201 حيث ينقل عن الروض عند التعريف بالقلزم وفاران وأيلة، وكذلك صبح الأعشى 3: 387. (2) نزهة المشتاق: 69 (OG: 206) ، وابن الوردي: 34. (3) الاستبصار: 154، وهي ((طراق)) عند البكري: 47. (4) نزهة المشتاق: 209. (5) الطبري 1: 2884 وما بعدها.

بعث إلى سرخس عبد الله بن خازم ففتحها. وبطوس قبر الرشيد أمير المؤمنين وفيها توفي الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين. وكان الرشيد (1) توجّه إلى خُراسان وبه علة هوّنها عليه الأطباء، فلما صار إلى طوس اشتدت به وزادت، واستراب بأطبائه، فبعث إلى متطبب فارسي يقال له الأسقف، فأشخصه إليه، وأمر بقوارير فيها أبوال مختلفة فعرضت عليه، فقال فيها حتى انتهى إلى قارورة الرشيد فقال: قولوا لصاحب هذا الماء فليدع الحمية وليوص، فإنه لا يقوم من مرضه، فبكى الرشيد بكاء شديداً وتململ (2) على فراشه وجعل يردد هذين البيتين: إن الطبيب بطبَهِ ودوائِهِ ... لا يستطيع دفاع محذور أتى ما للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يبرئ مثله فيما مضى وضعف عندما سمع من الطبيب ضعفاً زائداً، وأرجف الناس بموته فلما بلغه ذلك دعا بحمار ليركبه، فلما صار عليه سقطت فخذاه فلم يقدر على الثبات على السرج، فقال: أنزلوني، صدق المرجفون، ثم دعا بأكفانه فنشرت بين يديه، فاختار منها ما رضيه وحفر له قبر فلما اطلع فيه قال: " مَا أَغْنىَ عنّي مالِيَهْ، هَلَكَ عَني سُلْطانِيَهْ ". وذكر الفضل بن الربيع (3) أن الرشيد رأى بالرافقة سنة اثنتين وتسعين ومائة رؤيا أَفزعته فأصبح واجماً بذلك، لا يجسر أحد على سؤاله وكان بختيشوع طبيبه جسوراً عليه، وكان أول من يدخله عليه فسأله عما أحدث في ليلته، فسألناه أن يكلمه، فابتدأه وقال: يا أمير المؤمنين قد وجم أهل الدار ولا يدرون ما الخبر، فهل حدث شيء؟ قال: أعظمه، ويحك يا بختيشوع، إني رأيت في منامي كأن خادماً جاءني حاسراً عن ذراعيه وفي كمه تراب، والله لو رأيت الخادم أو الكف أو التراب في ألفٍ من أجناسه لعرفت كلاً منها، فجعل يقول لي: هذه تربتك، فأفزعني ذلك، وحق لي الفزعَ، فقال له: وما في هذا يا أمير المؤمنين، وللرؤيا شروط، ولا بد للإنسان من التراب، ولكن أنت إن شاء الله تعالى بعد العمر الطويل والأمد الواسع، وما زال يسليه (4) حتى طابت نفسه وسلا ودعا بالجلساء والمغنين، ثم خرج إلى خُراسان في سنة ثلاث وتسعين بعدها، وقد طوى بغداد، وصيرها منزلاً ووافى إلى طوس وقد زادت علته، فأقام بها وقال للخدم ليجئني أحدكم بقبضة من تراب هذا البستان، فجاء واحد منهم بتراب منه في كفه، فأدناه إليه، وقد حسر عنه ذراعيه، فلما رآه قال: يا بختيشوعَ، أتذكر رؤياي بالرافقة؟ هذا والله ذلك الخادم، وهذه الكف، وهذا التراب، وقد حضر الموت، فغالطه بختيشوع وقال: إنما أراك هذا ما وقر في نفسك، وأنت مع العلة إلى الفكر في غير هذا أحوج، فمات بعد أيام ودُفن في ذلك البستان. وقال الفضل جيء إلى الرشيد بأخي رافع وبابن عم له مأسورين، وهو لما به فتحامل في الجلوس لعذابهما وهو لا يطيق القعود وقد خرق له في السرير خرق ينجو منه، وتحت فراشه جاورس، وقد قعد الخدم خلف السرير يمسكون أطراف جنبيه لئلا يسقط، ولولا مكانهم ما ثبت جالساً، فأقيم الرجلان بين يديه فقال: أظننتم يا آل رافع أنكم لو كنتم بعدد نجوم السماء وحصى الأرض فتّموني؟! بل اصطلمكم بيميني وشمالي، فجعلا يعتذران ويقولان: ما نحن ورافع؟! وإنما نحن قوم غزاة قد انقطعنا إلى الله تعالى ذكره، ما أكلنا له مالاً قط، ولا نحن صحبناه، ولا كنا في جملته، يعلم ذلك الناس. وأغلظ لهما وطال الخطاب، فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: كم تعتذر إلى هذا الظالم والظلم هواه، ولا يملك لك إلا ما يملك لنفسه، فلما سمعهما غضب واستشاط وقال: ليجزر الكلبان الساعة، فصيرا إلى ناحية وبطحا وشدا ووضعت السواطر عليهما فقطعا آراباً، وجزع الناس وقد تناهى ضعف الرشيد بصياحه على الرجلين، وجرد فأغمي عليه بعقب ذلك وكأنه كان ذبالة طفئت، ولحق بهما من يومه فكان شأنه عجباً، وكان إذا اشتدّ به وجعه يقول: صبراً لأمر الله، وينشد: وإني لمن قوم كرام يزيدهم ... رجاء وصبراً شدة الحدثان

_ (1) قارن بما ورد في مروج الذهب 6: 356. (2) المروج: وتمايل. (3) قارن بالطبري 3: 735. (4) ص ع: يسأله.

طواويس:

وكانت وفاته بطوس في جمادى الأخرى سنة ثلاث وتسعين ومائة وله خمس وأربعون سنة، وكان مولده بالري، وقال للعباس بن موسى: في علمنا المدروس أني أموت بطوس. ولإبراهيم بن المهدي يرثيه: ذكرت أخي هارون وهو ببلدةٍ ... تكلفها شهرٌ وأوبتها شهرُ بطوس ومن تكتب بطوس وفاته ... يطلْ من أخلاء الصفاء له الهجر كملت فلما صرت للأرض زينة ... أفلت عن الدنيا كما يأفل البدر فما الخير بالمأمول ما هبت الصبا ... ولا الشر بالمأمون ما برق الفجر وفي الرشيد ودفنه بطوس يقول دعبل، وكان بذيء اللِّسان: قبرانِ في طوس خير الناس كلهم ... وقبر شرّهم هذا من العِبرِ لا ينفع الرجس من قرب الزكي ولا ... على الزكي بقرب الرجس من ضرر يعني علي بن موسى الرضا والرشيد، وقبراهما متجاوران بظاهر مدينة نوقان، وهي طوس العظمى، في مشهد حسن في قرية يقال لها مِلياناد، وفيها حصن حصين منيع وفيه قوم معتكفون. وبنوقان (1) معدن قدور البرام يحمل منها إلى سائر بلاد خُراسان، وفيها معادن النُحاس والحديد والفضة والفيروزج والدهنج وغيرها. ومن أهل طوس الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي رحمة الله عليه. طواويس (2) : من مدن بخارى، وهي مدينة عامرة لها سوق في وقت من السنة معلوم ويقصده الناس والتجار من جميع أرض خُراسان، ويجلب إليه كثير من الأمتعة، وتحمل منه الثياب المتخذة من القطن إلى بلاد العراق لكثرتها، وبها صناعات، وبها فواكه مختلفة الأجناس وبساتينها كثيرة، ومرافقها موجودة، والمياه تخترق جهاتها، وهي حصينة، وفيها قصبة وسور يدور بها، ومسجدها الجامع في المدينة، ومنها إلى بخارى مرحلة. الطوانة: قال البكري (3) : طوانة بضم أوله وبالنون، اسم موضع قسطنطينية قبل أن يبنيها قسطنطين. والطوانة (4) مدينة ببلاد الروم على فم الدرب مما يلي طرسوس، وكان معاوية رضي الله عنه أغزى سفيان بن عوف وأمره أن يبلغ الطوانة، فأصيب معه خلق من الناس، فعم الناس الحزن بمن أصيب بأرض الروم، وبلغ معاوية أن ابنه يزيد لما بلغه خبرهم وهو على شرابه مع ندمائه قال: أهونْ علي بما لاقت جموعهم ... يوم الطوانة من حمى ومن موُم إذا اتكأت على الأنماط مرتفقاً ... بدير مران عندي أم كلثوم فحلف عليه ليغزون وأردف به سفيان، فسميت هذه الغزاة غزاة الرادفة، وبلغ الناس فيها إلى القسطنطينية، وفيها مات أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن هناك على باب القسطنطينية؛ وحكي أنه خرج في الصائفة فمرض فأتاه يزيد بن معاوية فقال له: هل لك من حاجة؟ فقال: ما ازددت عنك وعن أبيك بعد إلا غنىً، إن شئت أن تجعل قبري مما يلي العدو في غير ما يشق على أحد من المسلمين، فلما قبض أبو أيوب رضي الله عنه قبر مع سور القسطنطينية، فلما أصبحوا أشرف عليهم الروم فقالوا: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن، فقالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ووالله لئن نبش لا ضرب ناقوس في أرض العرب. فكان الروم يتعاهدون قبره ويرقبونه ويستسقون به إذا قحطوا. طولقة (5) : من بلاد الجريد بجوفيّ بنطيوس، وهي ثلاث مدن

_ (1) نزهة المشتاق: 209. (2) نزهة المشتاق: 214، وقارن بياقوت (طواويس) . (3) معجم ما استعجم 3: 897، وانظر ياقوت (طوانة) وراجع مادة (دير مران) . (4) قارن بأنساب الاشراف 4/ 2: 3. (5) البكري: 72.

طيبة:

كلها عليها أسوار وخنادق وحولها أنهار، وهي كثيرة البساتين بالزيتون والأعناب والنخيل والشجر وجميع الثمار ثم من بنطيوس إلى بسكرة. الطيب (1) : مدينة بالعراق على مرحلة من قرقوب بين واسط والسوس، وليست بكبيرة إنما هي حسنة الذات جامعة لأشتات البركات، وتصنع بها تكك تشبه التكك الأربسية لا يوجد مثلها بعد تكك أرمينية، ويصنع بها كثير من الصنائع لا يجارى صناعها فيها، ولهم (2) كيس في الأمور وحذق. الطينة: مدينة عند تنيس. طيلاقة (3) : بينها وبين اشبيلية ميلان. طيبة (4) : وطابة، اسمان لمدينة النبي صلى الله عليه وسلم وتسمى أيضاً: المجبورة والعذراء والمحبة والمحبوبة والقاصمة وجابرة، وسماها الله عزّ وجلّ المدينة، وكذلك كان يسميها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال: " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها "، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن المدينة تنفي خبثها وتنصع طيبها "، وقال: " اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد " وقال صلى الله عليه وسلم: " على أنقاب المدينة ملائكة تحرسها من الطاعون "، وقال صلى الله عليه وسلم: " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ". وفي " الموطأ " أنه صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إني أدعوك للمدينة بما دعاك بمثله إبراهيم لمكة ومثله معه واحتجوا بهذا على فضل المدينة على مكة لدعائه صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة بمثلي ما دعا به إبراهيم عليه السلام لأهل مكّة، وهو أن يرزقهم الله الثمرات وأن يجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، يعني يجلبون إليهم الأقوات. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة أن يبارك لهم في طعامهم المكيل بالصاع والمد الذي به قوام الأبدان المفترض عليها الطاعات بمثلي ما دعا به إبراهيم عليه السلام لأهل مكة. وسمى الله تعالى المدينة دار الإيمان في قوله تعالى " والَذِينَ تَبَوءوا الدار والإيمان " يعني الأنصار وسكان المدينة. وقال صلى الله عليه وسلم: " المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان وأرض الهجرة ومبتدأ الحلال والحرام "، اختار الله تعالى المدينة لرسوله صلى الله عليه وسلم لمحياه ومماته، وجعلها دار الهجرة، وهي محفوفة بالشهداء، وعلى أنقابها ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، وبها روضة من رياض الجنة، ولو علم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقعة أفضل منها ما دعا الله تعالى أن يموت بها. وقال مالك رحمه الله افتتِحَتِ القرى بالسيف، واَفتتحتِ المدينة بالقرآن، وكانت بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول قدومه المدينة ألا يخرج أحد عنها فمن خرج كان عاصياً. وفي جبل أْحُد يقول صلى الله عليه وسلم: " هذا جبل يحبنا ونحبه " يعني أهله، وهم الأنصار؟ وقال صلى الله عليه وسلم: " ما بين لابتيها حرام، يعني الحرتين، إحداهما التي ينزل بها الحاج إذا رجعوا من مكة وهي بغربي المدينة، والأخْرى مما يليها من شرقي المدينة، فما بين هاتين الحرَتين حرام أن يصاد فيها حيوان ومن فعل ذلك أثم، ولم يجعل في صيد حرم المدينة جزاء على ما صيد فيه لعظم شأنه، كما لم يجعل في اليمين الغموس كفارة على من حلف بها لعظم إثمها ومن صاد في حرم المدينة صيداً لم يحل له ملكه. وسأل الله تعالى أن يحبّب إليهم المدينة كحبهم مكة وأشد وأن يصححها من الوباء وأن ينقل حماها إلى الجحفة، وكان أهل الجحفة يومئذ كفَاراً وكان السبب في ذلك حنين بلال رضي الله عنه إلى مكة وقوله: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي اذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل والإذخر والجليل نباتان طيبان، وشامة وطفيل جبلان من جبال مكة. وسميت في القرآن يثرب حكاية لقول الكفار: يا أهل يثرب، وإنما سميت بيثرب بن فائد بن مهليل بن ارم بن عبيل نزل المدينة هو وولده ومن معه فسميت به، وبنو عبيل ممن درج فلم يتبق لهم باقية. وفي سنة ثلاث وستين ومائتين بنى إسحاق بن محمد تجعدي سور المدينة المعروف عليها اليوم، ولها أربعة أبواب: باب في المشرق وراء دار عثمان بن عفان رضي الله عنه يخرج منه إلى ببيع الغرد، وهناك مدافن أكثر أهلها وهناك قبر إبراهيم ابن النبي

_ (1) نزهة المشتاق: 124. (2) ص ع: ولها. (3) ع ص: طيلانة؛ وعند برفنسال: 135 طيلاقة، وعدها هي ((طالقة)) التي مر القول فيها. (4) في صبح الأعشى 4: 289 نقل عن الروض (المدينة، يثرب) .

صلى الله عليه وسلم وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، وباب في المغرب يخرج منه إلى العقيق وإلى قبة وبين يدي هذا الباب جدول مياه جارية وداخل هذا الباب في حوزة السور موضع المصلى الذي كان صلى الله عليه وسلم يصلِّي فيه يوم العيد، وباب ما بين الشمال إلى المغرب، وباب آخر يخرج منه إلى قبور الشهداء بأحُد. وحِمى المدينة اثنا عشر ميلاً. وكانت أمة من العماليق (1) تسمى راسم نزلوا الحجاز، فكان ملكهم بتيماء يقال له الأرقم بن أبي الأرقم، فسكنوا مكة والمدينة والحجاز كله، وعتوا عتواً كبيراً، فلما أظهر الله تعالى موسى على فرعون وأهلك جنوده وطئ الشام وأهله، وبعث بعثاً من بني إسرائيل إلى الحجاز وأمرهم ألا يستبقوا منهم أحداً بلغ الحلم، فقتلوهم حتى انتهوا إلى ملكهم الأرقم بتيماء، فقتلوه إلا ابناً له صغيراً ليرى موسى فيه رأيه، فلما قفلوا به وجدوا موسى عليه السلام قد مات، فقال الناس لهم: عصيتم وخالفتم أمر نبيكم وحالوا بينهم وبين الشام، فقال بعضهم لبعض: خير من بلدكم البلد الذي خرجتم منه وكان الحجاز إذ ذاك أشجر بلاد الله تعالى وأظهره ماء، فكان هذا أول سكنى اليهود الحجاز، فنزل جمهورهم بمكان يقال له يثرب مجتمع السيول وما حول ذلك، واتخذوا الآطام والمنازل، ونزل معهم جماعة من أحياء العرب من بلي وجرْهم، وكانت يثرب أم قُرى المدينة، وهي ما بين طرفي قبة إلى طرف الجرف؛ ثم لما كان من سيل العزم ما كان تفرق أهل مأرب فأتى الآس والخزرج يثرب فرأوا العدد والعدة الآطام ليهود وسألوهم أن يعقدوا بينهم جواراً وحلفاً يأمن به بعضهم من بعض ويمتنعون به ممن سواهم، فتعاقدوا وتحالفوا واشتركوا وتعاملوا، فلم يزالوا على ذلك زماناً طويلاً، ثم أن الآس والخزرج صارت لهم ثروة ومال وعز جانبهم فخافتهم يهود فقطعوا الحلف، وكانت القوة والعدد فيهم، وخافتهم الآس والخزرج فبعثوا إلى من لهم بالشام، فأذلوا يهود، وكانت يثرب تدعى في الجاهلية غلبة، غلب اليهود عليها العماليق، وغلب الآس والخزرج عليها اليهود، وغلب المهاجرون عليها الآس والخزرج (2) ، وغلبت الأعاجم عليها المهاجرين. والمدينة (3) في مستو من الأرض سبخة كان عليها سور قديم، وبخارجها خندق محفور، وهي الآن (4) عليها سور حصين منيع من التراب بناه قسيم الدولة الغزي ونقل إليها جملة من الناس، ورتب (5) المير إليها وحولها نخل كثير، وتمرها حسن ومنه يتقوتون في معايشهم، وليس لهم زرع ولا ضرع وشرب أهلها من نهر صغير يأتي إليها من جهة المشرق، جلبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عين كبيرة إلى شمال المدينة وأجراه بالخندق المحتفر بها.

_ (1) راجع مادة ((تيماء)) . (2) سقط من ع. (3) نزهة المشتاق: 51 (OG: 143) . (4) يعني في زمن الادريسي، وقد ادخل ناسخ نزهة المشتاق في المتن قوله: ((وفي تاريخ نسخ هذا الكتاب جدد السلطان ابن عثمان السور المذكور فصار أحصن مما قبله وأوفق بناءً)) . (5) ص ع: ورتبوا.

ظفار:

حرف الظاء ظفار (1) : مدينة باليمن وهو اسم مبني على الكسر، قاله أبو عبيدة، وقيل سبيلها سبيل المؤنث لا ينصرف والحجة لهذا القول قول الفند الزماني: إنما قحطان فينا حَطَب ... ونزار في بني قحطان نارُ فارجعوا منا فُلولاً واهربوا ... عائذين ليس تنجيكم ظفار وهي قصبة (2) اليمن وقاعدة ملوك حِمْيَر في الزمن الأقدم، وبها كان نزولهم، ملكها من حِمْيَر سبعة وثلاثون ملكاً مدتهم ثلاثة آلاف سنة ومائة وسبعون سنة، وقيل أقل من ذلك، وآخر ملوكهم معدي كرب كان ملكه إلى أن قتلته حرابته من الحبشة أربع سنين فلما قتل بعث انوشروان وهرز في أربعة آلاف من الفُرس لإصلاح اليمن، وأمره أن لا يبقي على أحد من بقايا الحبشة، فلم يترك بها أحداً من السودان، وبقي وهرز بصنعاء إلى أن ملك ثم تداولت اليمن عمال الأكاسرة إلى أن أتى الله تعالى بالإسلام. وقد ذكر الناس من مضي سيف بن ذي يزن إلى قيصر ملك الروم ليستنصر به على الحبشة حين غلبوا على اليمن وعاثوا فيها، وإبايته من ذلك، ومسيره بعد ذلك إلى النعمان بن المنذر ووعده له أن يدخله على كسرى عند وفادته عليهم ثم اجتماعه به وشكايته له أمر الحبشة واشتغاله عنه بحرب الروم إلى أن هلك سيف، وإتيان ولده معدي كرب بن سيف يستنجز عدته لأبيه وتجهيز كسرى الجيوش معه إلى اليمن وقتالهم لمسروق بن أبرهة وقتلهم له، وملكهم لليمن ما هو مشهور يغني عن الإطالة به. على أن جمهور الناس على أن سيف بن ذي يزن هو الذي أباد الحبشة وملك اليمن لا ابنه معدي كرب، إنما انفرد بهذا القول الشاذ المسعودي. قالوا (3) : وعلى باب ظفار مكتوب بالقلم الأول في حجر أسود: يوم شيدت ظفار قيل لمن أن ... تِ فقالتْ لحِمير الأخيارِ ثم سيلت ما بعد ذاك فقالت ... إن ملكي للأحبش الأشرار ثم سيلت ما بعد ذاك فقالت ... إن ملكي لفارس الأحرار ثم سيلت ما بعد ذاك فقالت ... إن ملكي إلى قريش التجار ثم سيلت ما بعد ذاك فقالت ... إن ملكي لحمير سحار وقليلاً ما يلبث القوم فيها ... عند تشييدها لحافي البوار

_ (1) معجم ما استعجم 3: 904. (2) قارن بالبكري (مخ) : 67، 63 وما بعدها وفي رحلة ابن بطوطة: 259 - 262 معلومات تفصيلية عن ظفار. (3) مروج الذهب 3: 178.

من أسود يلقيهم البحر فيها ... تشعل النار في أعالي الجدار وقد تقدَّم هذا في حرف الدال. وهي الآن (1) خراب، قد تهدم بناؤها وقلَّ ساكنها، وإنما بها الآن بقايا من أهلها. ومن كلام (2) بعض ملوكهم: مَن دخل ظفار حمَر، وسبب ذلك أن ذا جدن الحِمْيَري خرج يطوف في أحياء العرب، فنزل في بني تميم، فضُرِب له فسطاط، فجاءه زرارة بن عدس مصعداً إليه وكان على قارة مرتفعة، فقال له الملك: ثب، أي اقعد بلغته، فقال زرارة: ليعلمن الملك أني سامع مطيع، فوثب إلى الأرض فتقطع أعضاء، فقال الملك: ما شأنه؟ فقيل له: أبيت اللعن، إن الوثب بلغته القفز، فقال: ليس عربيتنا كعربيتكم، من دخل ظفار فليحمّر، أي فليتكلم بلغة حِمْيَر.

_ (1) هذا قول الإدريسي في نزهة المشتاق: 54 (OG: 152) وتتمة كلامه: ((ولهم فضول أموال وبضائع ولهم مزارع قليلة ونخل فيه كفاية لأهله)) . (2) معجم ما استعجم 3: 904 - 905.

عاسورا:

حرف العين عاص (1) : منقوص مثل قاضٍ واد بين مكة والمدينة، قال عبد بن حبيب: قتلناهم بقتلى أهل عاص ... وقتلى منهم مردٍ وشيبِ والعاصي (2) : أيضاً اسم نهر انطاكية وقيل نهر حماة بالشام من عمل حمص، وهو نهر عظيم عليه جسور يُعْبر عليها وعلى هذا النهر نواعير كثيرة تخرج الماء إلى ما على جانبيه من المدينة، وهو الذي يقول فيه صلاح الدين بن أيوب: ولما جرى العاصي وطيع أدمعي ... مع الماء قال الناس أيهما النهر فقيل له: ولمَا جرى جود ابن أيوب مقبلاً ... مع البحر قال الناس أيهما البحر عاقول: دير عاقول، مدينة النهروان الأوسط، وبها قوم دهاقين أشراف وبينها وبين المدائن مرحلة. عاقل (3) : ماء لبني أبان بن دارم، وقيل جبل كان يسكنه حجر أبو امرئ القيس، وفيه يقول (4) : يا دار ماوية بالحائل ... فالسهب فالخبتين من عاقل عاسورا (5) : جزيرة في البحر الصيني قليلة العامر، وأرضها أرض حرشاء كثيرة العقارب والأفاعي، وجبالها متصلة. عانات (6) : كانت هي وهيت من طساسيج الأنبار، وكانت الخمر الطيبة تنسب إليها، فلما حفر أنوشروان الخندق من هيت حتى يأتي كاظمة مما يلي البصرة وينفذ إلى البحر وجعل عليه المناظر لعيث العرب في أطراف السواد وما يليه، فخربت عانات وهيت لذلك السبب. قال اليعقوبي: في وسط الفرات مدينة يقال لها ألوسة ومدينة يقال لها الناووسة ومدينة يقال لها الحديثة ومدينة يقال لها عانات، فهذه المدائن في وسط الفرات. وعانات (7) منها صغيرة فيها سوق وأعمال وبينها وبين الدالية أحد وعشرون ميلاً. وفي سنة خمسين وأربعمائة (8) ثار على خليفة بغداد القائم بأمر الله أبو الحارث أرسلان التركي البساسيري القائم بدعوة

_ (1) معجم ما استعجم 3: 912. (2) قارن بياقوت (العاصي) ، وابن الوردي: 82، ص ع: والعاص. (3) معجم ما استعجم 3: 913. (4) ديوان امرئ القيس: 119. (5) نزهة المشتاق: 30 (OG: 85 عاشورا) . (6) معجم ما استعجم 3: 914. (7) نزهة المشتاق: 198. (8) قارن بابن الأثير (حوادث 450) ، والمنتظم 8: وما بعدها؛ وانظر ترجمة البساسيري في ابن خلكان 1: 192.

صاحب مصر معد المستنصر بن الظاهر العبيدي، حتى ظفر بالخليفة القائم بأمر الله، والبساسيري هذا مملوك تركي سما بنفسه إلى أن صار مشاراً إليه بين قواد الدولة العباسية، ووقع بينه وبين الوزير رئيس الرؤساء ما أوجب خروجه عن الطاعة وانتماءه إلى المستنصر صاحب مصر، فخطب له في بلاد الرحبة من بلاد الفرات، ثم خطب له بالموصل، فأخرجه منها أبو طالب محمد بن ميكائيل المعروف بطغرلبك، ثم عاد إليها في هذه السنة مع قريش بن بدران أمير عقيل، فاستولوا عليها وأقاموا فيها الدعوة العبيدية، وتجهز طغرلبك السلجوقي إلى قتالهم، فجاءه خبر بأن أخاه إبراهيم خرج عليه وادعى السلطنة في همذان. وكان ذلك بدسيسة البساسيري وقريش، فإنهما أطمعاه في الاستبداد وضمنا له المعاضدة، فعدل طغرلبك عن البساسيري إلى أخيه واشتغل بحربه، فسار البساسيري وقريش إلى بغداد وخطب للمستنصر خليفة مصر العبيدي بجامع المنصور، وعقد الجسر ووقعت الحرب عليه، فغلب أصحاب البساسيري واستولوا على مدينة الرصافة، وخطبوا بجامعها للمستنصر، واتصلت الحرب في مدينة نهر معلى التي بها قصور الخلافة، وباتوا في دار الخلافة محاصرين، فركب القائم العباسي بنفسه لابساً السواد، وعلى كتفيه البردة النبوية، وبيده سيف مسلول، وعلى رأسه اللواء العباسي، والخدم بالسيوف المسلولة، فصاح البساسيري بأصحابه: لا تشغلنكم الهيبة والخديعة عن إدراك الغرض، احملوا وصيحوا بشعار ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحملوا وصاحوا بشعار المستنصر، فلما رأى القائم العباسي الخليفة الحقيقة جلس في منظرة مطلة مشاهداً للحروب، ومعه رئيس الرؤساء وزيره، ثم أْمر بتسكين الحرب، وطلب الصلح، والنهب يعمل عمله وصاح القائم من المنظرة: هل لك يا قريش في شرف الدهر وعز الأعقاب، أنزلُ على أمانك، فدمعت عيناه وقال: والله لا يصل إليك أحد وسيفي في يدي أبداً، ثم نزل فحمله معه والوزير رئيس الرؤساء وزيره يتضرع في الأمان وهو مع الخليفة، فوصل به إلى خيمته وأنزله مكرماً بها وأسلم الوزير رئيس الرؤساء للبساسيري وأجار القائم وسلمه لابن عمه مهارش العقيلي صاحب الحديثة وعانة، فحمله معه وأسكنه في جزيرة عانة بالفرات، فوجد على الدار التي كان محبوساً فيها: أما ترى الدهر وتدبيره ... حكى لعمري فيه مجانه يقطر ماء الظرف من هزله ... إذ أنزل القائم في عانه فنقل ذلك إلى القائم فتبسم وقال: لعمري لقد أبدع في تدبيره، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولم يدر قائل البيتين، ولما بلغ المستنصر خليفة مصر هذان البيتان أدركته شفقة فقال لوالدته: لقد هممت أن أرد ابن عمي إلى بغداد يكون نائباً وتبعاً ويكون ولده نواباً لولدنا، ويكون لنا في هذا أجر وفخر، فقالت له: بأي عقل تعتقه؟ هذا والله لو رددته يوماً واحداً ما نسي قديمه ولعاد الأمر كما كان وصار إليه من كان عليه، فإياك أن تخطر هذا بخاطرك. وأما الوزير رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن بن المسلمة فلما حصل في يد البساسيري بسط عليه العذاب واستخرج منه أموالاً كثيرة، فلما كان في يوم عيد النحر من هذه السنة ركب البساسيري وعبر إلى المصلى من الجانب الشرقي وعلى رأسه الألوية المستنصرية، فصلى وأنشده الشعراء، وكان فيهم أبو دلف الخزرجي الينبوعي المتشيع، فوقف تحت البنود البيض وأنشد: دارَ السلام هنيئاً ... بدعوة ابن الرسول جاء النهار وولى ... ظلام تلك الذحول ما إن رأيت حصاناً ... حماله في النصول نور من الله سامٍ ... هادٍ لكل خذول فأمر له بإحسان جزيل. ولمَا فرغ البساسيري من أيام العيد أخرج الوزير رئيس الرؤساء وعليه جبة صوف وطرطور من لبد أحمر وفي رقبته مخنقة من جلود، فشُهر على تلك الحال، ثم نُصِبتْ له خشبة وألبس جلد ثور، وجعل في فكيه كلابان وصُلب بهما، فبقي يضرب إلى آخر النهار حتى مات وكان قد بقي في الوزارة اثنتي عشرة سنة ثم إن طغرلبك قَدِم لنصرة القائم، فهرب البساسيري أمامه، ونهب البساسيري مدينة واسط وعاث في كل ما مر به من بلاد العراق، وسار مهارش العقيلي من جزيرة الحديثة بالخليفة القائم العباسي، فسر السلطان طغرلبك بقدومه، وكان قد وصل إلى بغداد وسكن أهلها وأمنهم، وخرج للقاء القائم، ونزل عن فرسه، وقبل الأرض بين يديه، واعتذر من تأخره باشتغاله بحرب أخيه إبراهيم حتى فرغ منه، فقلَّده القائم سيفاً بيده، ووصل القائم دار الخلافة وطغرلبك ممسك بلجام بغلته في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وصار طغرلبك خلف البساسيري

عارم:

فهزمه، وسقط عن فرسه فقتله تركي وحمل رأسه إلى بغداد على قناة، واتفق أن كان إخراج البساسيري للقائم يوم الثلاثاء ثامن عشر من كانون الثاني، وكان قتله في مثل هذا اليوم من السنة الثانية بعدها. والبساسيري هذا هو أبو الحارث أرسلان مملوك تركي لتاجر يقال له ابن بساسير فنسب له، وقيل كان مولاه ينسب إلى بسا من أرض فارس. وللخليفة القائم دعاء معروف يستغيث به ربَه مما حلَّ به من البساسيري استجيب له فيه، وهو (1) : إلى الله العظيم من عبده المسكين، اللهم إنك العالم بالسرائر، والمحيط بمكنونات الضمائر، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي بما أنا فيه: عبد من عبيدك قد كفر نعمتك وما شكرها وألغى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك وتجبر بأناتك حتى تعدى علينا بغياً وأساء إلينا عتوّاً وعدواناً، اللهم قَلَّ الناصرون لنا واغترّ الظالم، وأنت المُطلِع العالِم، والمُنْصِف الحاكم، بك نعتز عليه وإليك نهرب من يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز بك يا رب العالمين اللهم إنا حاكمناه إليك وتوكلنا في إنصافنا منه عليك وقد رفعت ظلامتي إلى حرمك، ووثقت في كشفها بكرمك، فاحكم بيني وبينه وأنت خير الحاكمين وأرنا ما نرتجيه فقد أخذته العزة بالإثم، اللهم فاسلبه عزه ومكِّنا بقدرتك من ناصيته يا أرحم الراحمين. قالوا: ولما أخذ البساسيري الإمام القائم بأمر الله هذا وسجنه في الحديثة عمل هذا الدعاء وكتبه وسلمه إلى بدوي وأمره أن يعلقه على الكعبة، فحمله البدوي وعلّقه على الكعبة، فحسب ذلك اليوم فوجد أن البساسيري قتل وجيء برأسه بعد سبعة أيام من التاريخ. عارم (2) : حبس بمكة وهو مظلم، كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حبس فيه الحسن بن محمد بن الحنفية (3) وأراد قتله فأعمل الحيلة حتى تخلص من هذا السجن واعتسف الطريق على الجبال حتى أتى منِى، وبها أبوه محمد بن الحنفية، ففي ذلك يقول كثيّر (4) : تخبر من لاقيت أنك عائذ ... بل العائذ المظلوم في سجن عارم ومن يرَ هذا الشيخ بالخيف من مِنى ... من الناس يعلم أنه غير ظالم سمي رسول الله وابن وصيه ... وفكاك أغلال وقاضي مغارم عبود (5) : جبل من جبال مزينة، وهو الذي عناه الشاعر في قصيدة له يرثي بها، أولها: كل حي لاقي الحِمام فَمُودِ ... ما لحي مؤمل من خلودِ يقول فيها: يقدح الدهر في شماريخ رضوى ... ويحط الصخور من عبود عبادان (6) : بالعراق بقرب البصرة بينهما اثنا عشر فرسخاً، سمي بعباد بن الحصين بن مرثد بن عمرو وإليه تنسب الحُصُر العبادانية وحصن عبادان صغير عامر على شط البحر وإليه تصل جميع مياه دجلة، وهو محرس البحر، وعبادان في الضفة الغربية من الدجلة، وتتسع دجلة هناك على وجه الأرض كثيراً، ومن عبادان إلى الخشبات ستة أميال. عبقر (7) : موضع بالبادية كثير الجن، قاله الخليل، يقال في

_ (1) أورد ابن الجوزي هذا الدعاء في المنتظم 8: 195 نقلاً عن محمود بن الفضل الأصبهاني. (2) قارن بمعجم ما استعجم 3: 911. (3) المشهور أنه حبس فيه محمداً نفسه. (4) ديوانه: 224. (5) قال ياقوت: عبود جبل بين المدينة والسيالة وقيل هو البريد الثاني من مكة في طريق بدر، وقيل جبل بالشام؛ والظاهر أن الشاعر - وهو محمد بن مناذر صاحب القصيدة المشار إليها التي يرثي فيها صديقه عبد المجيد الثقفي كان قال أولاً ((ويحط الصخور من هبود)) (الأغاني 18: 114 - 115) ، فلما قيل له ان هبوداً ليس سوى بئر غيره غلى عبود زاعماً أنه جبل بالشام. (6) نزهة المشتاق: 121، وقارن بياقوت (عبادان) . (7) معجم ما استعجم 3: 917.

العتيق:

المثل: كأنهم جن عبقر وقال الشاعر (1) : بخيلٍ عليها جنة عبقرية ... جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا وقال غيره: عبقر بلد من بلاد اليمن، قال امرؤ القيس (2) : كان صليل المرو حين تُشِذّه ... صليلُ زيوف ينتقدن بعبقرا وقيل: بل عبقر موضع توشى فيه الثياب. وهي أجود الثياب، وكلّما بالغوا في نعت شيء نسبوه إليه، وقال المفسِّرون: إن العبقري غاية كلّ شيء، قال تعالى " وعَبْقَرِيّ حِسَان " وأوضح معنى هذا المعري في قوله (3) : وقد كان أرباب الفصاحة كلما ... رأوا حسناً عدوه من صنعة الجنَ العتيقة: من مدن المدائن بالعراق وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه. العتيق (4) : نهر يخرج من الفرات عليه كانت وقيعة للمسلمين مع رستم وهى وقعة القادسية، وهى مذكورة في حرف القاف. العتابية (5) : محلة من محلات دجلة، بها تصنع الثياب العتابية، وهي حرير وقطن مختلفات الألوان. عتر (6) : مدينة واسعة هي فرضة عُمان، وبناؤها بالخشب والحشيش، إلا حمّاماتها فإنها جيدة البناء وبها مسجد جامع على الساحل، وأكثر طعامهم الذرة ومبلغ منافع صاحبها سبعون ألف دينار. عدولى (7) : قرية بالبحرين تنسب إليها السفن، قال النابغة (8) : عدولية اومن سفين ابن يامن ... يروح بها الملاح طوراً ويغتدي وقال ابن إسحاق في شرحبيل بن حسنة:: أمّه حسنة امرأة عدولية. عدن (9) : مدينة باليمن بينها وبين أبين اثنا عشر ميلاً، وهي (10) مدينة صغيرة، وإنما اشتهر اسمها لأنها مرسى البحرين، ومنها تسافر مراكب السند والهند والصين، وإليها يجلب متاع الصين مثل الحديد الفرند والكيمخت والمسك والعود والفلفل والدارفلفل والنارجيل والقاقلة والدار الصيني والخولنجان والبسباسة والهليلجات والأبنوس والذبل والكافور والجوزة والقرنفل والكبابة وأنياب الفيلة والرصاص القلعي والقنا والخيزران وأكثر السلع، ويحيط بعدن من جهة شمالها على بعد منها جبل دائر إلى البحر قد نقب فيه من طرفيه نقبان كالبابين يدخل منهما ويخرج عليهما، وبين الباب والباب على ظهر الجبل مسيرة أربعة أيام. وليس لأهل عدن دخول ولا خروج إلا على هذين النقبين أو على البحر وهي بلد تجارة. وعدن هي ساحل صنعاء، وبها مرفأ مراكب الصين، وسميت بعدن بن سبأ وكان أول من نزل بها، وفي سجوع سطيح الكاهن في تفسير رؤيا ربيعة بن نصر ثم يليه ارم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحداً منهم باليمن. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: كنا نتذاكر الساعة، إذ أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما تتذاكرون "؟ قلنا: نتذاكر الساعة قال صلى الله عليه وسلم: " إنها لا تكون حتى يكون قبلها عشر آيات: الدجَال ودابة الأرض وخسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب والدخان وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى ونار تخرج من عدن ".

_ (1) هو زهير بن أبي سلمى، دبوانه: 103 (2) ديوان امرئ القيس: 64. (3) شروح السقط: 917. (4) في الطبري 1: 2229 ان القادسية بين الخندق والعتيق. (5) رحلة ابن جبير: 226. (6) أقرب الصور إليها ((عفر)) عند الإدريسي، ولم أجد لها هذا الوصف. (7) معجم ما استعجم 3: 926. (8) البيت لطرفة من معلقته وليس للنابغة. (9) صبح الأعشى 5: 10. (10) نزهة النمشتاق: 20 (OG: 54) ، وابن الوردي: 44.

العروض:

العذيب (1) : بظاهر الكوفة، والعذيب أيضاً لبني تميم وكذلك بارق، وهما اللذان ذكرهما المتنبي في قوله: تذكرت ما بين العذيب وبارق ... مجرَّ عوالينا ومجرى السوابق وفي الخبر أن عسكر المسلمين لما توجّهوا إلى عدوِّهم نزلوا العذيب. العذراء (2) : اسم لدمشق وقد مرَ ذكرها ومرج عذراء بالشام أيضاً بينه وبين دمشق اثنا عشر ميلاً. ولما انتهى الواصلون من قبل زياد بن أبيه بحجر بن عدي وأصحابه إلى مرج عذراء توجه الواصلون بكتب زياد إلى معاوية، فإذا فيها ما يقتضي توريطهم والشهادة عليهم بمخالفة الطاعة، فتردد فيهم معاوية وشاور فيهم، فكتب إليه زياد: أما بعد فقد عجبت من اشتباه الأمر عليك فيهم فإن كانت لك حاجة بهذا المصر فلا تردنّ حجراً وأصحابه إليّ، فخلى معاوية منهم ستة وقتل ثمانية منهم حجر بن عدي، والقصة مشهورة وقد مرَت في حرف الجيم. عرعر (3) : واد بأرض غطفان من طريق خيبر، وعرعر أيضاً قبل قو، وهو الذي ذكره امرؤ القيس في قوله (4) : وحلت سليمى بطنَ قوَ فعرعرا ... العرج (5) : قرية جامعة على طريق مكّة، بينها وبين المدينة تسعة وتسعون فرسخاً، وهو في الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة وسمي العرج بتعريج السيول به، وإليها ينسب العرجي الشاعر، ووادي العرج فيه عين من يسار الطريق في شعب بين جبلين وعلى ثلاثة أميال منه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعى مسجد العرج، ومن العرج إلى السقيا سبعة عشر ميلاً. ورووا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل العرج فقال: " إن الجن اجتمعوا فأسكن المسلمين منهم بطن العرج ". ومن حديث محمد بن المنكدر أن عبد الله بن الزبير بينا هو يسير إلى الإثاية من العرج في جوف الليل إذ خرج إليه رجل من قبر في عنقه سلسلة، وهو يشتعل ناراً ويقول: أيا عبد الله أفرغ علي من الماء، ووراءه رجل آخر يقول: يا عبد الله لا تفعل فإنه كافر، حتى أخذ بسلسلته فأدخله قبره. العروض (6) : بفتح أوله، اسم لمكة والمدينة معروف، يقول: استعمل فلان على العراق وفلان على العروض. وقالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فأمرهم أن يؤذنوا أهل العروض أن يتموا بقية يومهم. والعروض أيضاً موضع بالبادية. عرنة (7) : بضم أوله وفتح ثانيه، وادي عرفة، والفقهاء يضمون الراء وهو خطأ. عرفة: موضع الحج قال صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة ". وقال كعب: أهبط الله تعالى أبانا آدم على جبل بالهند يدعى واسم وأهبط أْمّنا حواء بعرفة، وعدوّنا إبليس بجدة والحية بأصبهان فلما تاب الله تعالى على آدم وأمره بالحج إلى بيته الحرام فحج فكان حيث وضع قدميه تتفجر الأنهار وبنى المدائن والقرى حتى وصل إلى مكة، فلما حج آدم ومضى إلى عرفة لقي بها حواء، فتعارفا بها فسميت عرفة. وذكر الحافظ أن جبريل عليه السلام لما علم آدم عليه السلام المناسك قال له: أعرفت؟ قال: نعم. عِرقة (8) : بكسر أوله على لفظ تأنيث الواحد من عروق الإنسان والحيوان موضع من ثغور مرعش من بلاد الروم. قال أحمد بن سليمان الزنبقي (9) كان بعرقة رجل كلما لقيني سبَّ معاوية رضي الله عنه، قال: فجاءني الرجل يوماً وأنا قاعد تحت المنبر وهو يقول: رحم الله معاوية، ولعن من يبغض معاوية،

_ (1) معجم ما استعجم 3: 927. (2) معجم ما استعجم 3: 926. (3) بعضه في معجم ما استعجم 3: 932. (4) صدر البيت: سما لك شوقي بعد ما كان أقصرا. (5) أكثره عن معجم ما استعجم 3: 931. (6) معجم ما استعجم 3: 937. (7) معجم ما استعجم 3: 935، وانظر مادة ((محسر)) أيضاً. (8) معجم ما استعجم 3: 934، وقارن بياقوت: (عرفة) ؛ قال: عرفة بلد من العواصم بين رفنية وطرابلس؛ وعنده عرفة - بفتح العين - وهي من نواحي الروم. (9) انظر تبصير المتنبه: 666.

عربة:

فقلت في نفسي: قد جاء يؤذيني فقعد إلي فأراني حلقه فإذا هو أحمر، فقال لي: يا أبا بكر؟ ما زال معاوية يخنقني في النوم ويقول لي: لم تسبني؟ بيني وبينك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: ما أعود ما أعود فقال لي: عليك الله أنك لا تعود فقلت: نعم، لا أعود قال أبو بكر: وتاب الرجل ورجع عما كان عليه من سب معاوية رحمه الله. وقال أبو توبة: معاوية ستر بيننا وبين أصحاب النبي، فمن كف عنه فهو عن غيره أكفّ، ومن وقع فيه لم يؤمن أن يرتفع إلى من هو فوقه. العروسان (1) : قصر بقابس من إفريقية مشهور، بناه بنو رشيد ابن جامع (2) من العرب الذين وجههم العبيديون إلى إفريقية للإفساد على المعز بن باديس وكان لهم ذكر في صنهاجة، وهم من بني قرة بن هلال بن عامر. العراق (3) : قال الخليل: هو لغةً شاطئ البحر، وسمي العراق بذلك لأنه على شاطئ دجلة والفرات والعراق ما بين هيت إلى السند والصين، إلى الري وخراسان، إلى الديلم، وقيل سمي العراق لأنه مأخوذ من عراقي الدلو. والكوفة والبصرة تسمى العراقان، فحد أرض العراق ما بين الخزر إلى السواد فسواد الكوفة كسكر إلى الزاب إلى عمل حلوان إلى القادسية وسواد البصرة الأهواز وفارس ودهستان، وهذه كلها من العراق، والعراق وسط الدنيا ومستقر الممالك الجاهلية والإسلامية، وعين الدنيا، وفيه الدجلة والفرات، وهما الرافدان وفيه القواعد العظيمة والأعمال الشريفة. العريش (4) : من ديار مصر في أسفل الأرض، وهي أول مسالح مصر وأعمالها، وهي من سواحل البحر ومن العريش تفترق الطريق فتصير طريقين: طريق الجفار وهو الرمل، وطريق الساحل على البحر فأما طريق الجفار فمن العريش إلى الواردة إلى العذيبة إلى البقارة إلى الفرما، وأما طريق الساحل فمن العريش إلى الدقهلة إلى القيس إلى الفرما، وكانت مدينة العريش ذات جامعين مفترقي المباني، والغالب على أرضها الرمال، ولها ثمار ونخل وفواكه. وروى ابن عطية في تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (5) : " إن الله تعالى بارك فيما بين العريش إلى الفرات، وحصَّن فلسطين بالتقديس ". عربة (6) : مدينة كبيرة في فرضة الهند تتاخم مدينة كابل، وهي كبيرة حصينة عليها سور تراب وخندق وهي كثيرة الأعمال آهلة بها أسواق قائمة وجبايات. عكَّا: مدينة كبيرة، من ثغور الشام واسعة بينها وبين طبرية يومان. وهي قاعدة (7) مدن الافرنج بالشام ومحطَ الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، مرفأ كل سفينة، والمشبهة في عظمها واحتفالها بالقسطنطينية، مجمع السفن والرفاق وملتقى تجار المسلمين والنصارى من جميع الآفاق، سككها وشوارعها تغص بالزحام، وهي دفرة قذرة، مملوءة كلها رجساً وعذرة، أخذها الفرنج من أيدي المسلمين في العشر الأول من المائة السادسة فعادت مساجدها كنائس، وصوامعها مضارب للنواقس، وطهر الله من مسجدها الجامع بقعة بقيت بأيدي المسلمين مسجداً صغيراً يجتمع الغرباء فيه لإقامة فريضتهم، وعند محرابه قبر النبي صالح عليه السلام، وفي شرقي البلد العين المعروفة بعين البقر وهي التي أخرج الله منها البقر لآدم عليه السلام والمهبط إلى هذه العين على أدراج وطية وعليها مسجد بقي محرابه على حاله، ووضع الافرنج في شرقيه (8) ، محراباً لهم، فالمسلم والكافر يجتمعان فيه، فيستقبل هذا مصلاه، وهذا مُصَلاه، وهو بأيدي النصارى معظم محفوظ. وهي كثيرة (9) الضياع ولها مرسى حسن مأمون وبها أخلاط من ناس شتى.

_ (1) رحلة اتجاني: 95. (2) ص ع: راشد بن جامع. (3) بعضه عن معجم ما استعجم 3: 929، وانظر تحديد السواد ابن حرداذبه: 5 وما بعدها. (4) صبح الأعشى 3: 382، وقارن بياقوت (عريش) . (5) انظر معجم ما استعجم 3: 938. (6) نزهة المشتاق: 141 (عدية/ عربة/ عرية ... ) وكلها مصحفة عن (غزنة) ، والمؤلف ينقل صورة رآها في بعض النسخ الخطية من نزهة المشتاق. (7) رحلة ابن جبير: 303. (8) سقط من ع. (9) نزهة المشتاق: 115.

عكاظ:

وكانت قطراً معتبراً عند الإسلاميين وأهل الصليب متجاذباً أبداً مرغوباً فيه، وفي آخر الأمر استولى المسلمون عليه فهدموه ومحوا أثره على أيدي أحد الملوك المتأخرين من المصريين. عكاظ (1) : صحراء مستوية لا علم فيها ولا جبل إلا ما كان فيها من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية، وهي بأعلى نجد وقريب من عرفات، وقيل هي وراء قرن المنازل بمرحلة في طريق صنعاء، وهي من عمل الطائف وقيل هي على ثلاث مراحل من تبالة. وسوق عُكاظ قرية كالمدينة جامعة لها مزارعَ ونخيل ومياه كثيرة، ولها سوق في يوم الجمعة يقصده الناس في ذلك اليوم بأنواع التجارات، فإذا أمسى المساء انصرف كل أحد إلى موضعه. وكانت عُكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً لمكة في الجاهلية، وكانت عكاظ من أعظم أسواق العرب تنزلها قريش وهوازن وغطفان وأسلم والأحابيش وعقيل والمصطلق وطوائف العرب، وكانت تقوم في النصف من ذي القعدة إلى آخر الشهر، فإذا أهل هلال ذي الحجة أتوا ذا المجاز، وهو قريب من عكاظ، فيقوم سوقها إلى يوم التروية فيسيرون إلى مِنىً. قال أبو عبيدة: أجمع العُكاظيون على أن فرسان العرب ثلاثة: فارس تميم عْيَيْنة بن الحارث بن شهاب أحد بني ثعلبة بن يربوع بن حنظلة صياد الفوارس وسُمَ الفرسان، وفارس بني قيس عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب وفارس ربيعة بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس أحد بني شيبان بن ثعلبة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قَدِم وفد إياد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما فعل قس بن ساعدة "، قالوا: مات يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: " كأني أنظر إليه بسوق عُكاظ يخطب الناس على جمل له أحمر وهو يقول: أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا، منَ عاش مات، ومَن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، أما بعدُ فإنَّ في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، بُحُور تَمُور، ونجومْ تَغور، وسقف مرفوع وعِماد موضوع، أقسم بالله قس قسماً إن للهِ دِيناً أرضى من دِينٍ أنتم عليه، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون أَرضوا فأقامُوا، أَمْ تركوا فناموا، وسبيل مؤتلف وعمل مختلف، وقال أشياء لا أحفظها "، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه له: أنا أحفظها يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: " هاتها "، فقال: في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائرْ لما رأيت موارداً ... للقوم ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... تمشي الأوائل والأواخر لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابر أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله قَسَاً، إني لأرجو أن يبعثه الله تعالى أمة وحدة ". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما بعثه الله تعالى يعرض نفسه في المواسم على القبائل يدعوهم إلى الله تعالى وإلى ما جاء به، فحدَث الواقديَ عن عامر بن سلمة الحنفي وكان قد أسلم في آخر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ثلاثة أعوام بعكاظ ومجنة وذي المجاز يدعونا إلى الله عز وجل، وأن نمنع له ظهره حتى يبلغ رسالات ربه ويشترط لنا قال: فما استجبنا له ولا رددنا جميلاً، لقد خشنَا عليه وحلم عنا قال عامر: فرجعت إلى حجر في أول عام، فقال لي هوذة بن علي: هل كان في موسمكم هذا خبر؟ فقلت: رجُل من قُريش يطوف على القبائل يدعوهم إلى الله وحده، وأن يمنعوا ظهره حتى يبلغ رسالات ربه، ولهم الجنة، فقال: من أي قُريشٍ هو قلت: من أوسطهم نسباً في بني عبد المطلب، قال: هوذة: أهو محمّد بن عبد المطلب؟ قلت: هو هو، قال: أما إنه سيظهر على ما هاهنا، فقلت: هاهنا فقط من بين البلدان، فقال: وغير ما هاهنا ثم وافيت في السنة الثانية فقدِمْتُ حجراً، فقال: ما فعل الرجل؟ فقلت: رأيته على حاله في العام الماضي، قال: ثم وافيت في السنة الثالثة، وهي آخر ما رأيته وإذا بأمره قد أَمِر، وإذا ذكره كثر في الناس، وأسمع أن الخزرج تبعته، فقدِمت حجراً فقال لي هوذة: ما فعل الرجل؟ فقلت: رأيت أمره قد أمر، ورأيت قومه عليه أشداء، فقال لي هوذة: هو الذي قلتُ لك، ولو أنا تبعناه كان خيراً لنا

_ (1) معجم ما استعجم 3: 959.

علقمة:

ولكنا نضن بملكنا وكان قومه توجوه وملَكوه، قال عامر: فمرَ بي سليط بن عمرو العامري حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة، فضيفته وأكرمته، فأخبرني من خبر هوذة وأنه لم يسلم وأنه رد رداً دون ردّ، قال: وأخبرت سليطاً خبري بهوذة فأخبره سليط رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم عامر بن سلمة ومات هوذة بن علي سنة ثمان من الهجرة كافراً على نصرانيته. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني محارب بن خصفة بعكاظ، فوجدهم في محالهم فيهم شيخ منهم وهو جالس في أصحابه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته، ودعا إلى الله تعالى وطلب المنعة حتى يبلغ رسالات ربه، فردَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الردّ وقال له: عجباً لك، يأبى قومك أن يتبعوك وتأتي إلى محارب تدعوهم إلى ترك ما كان عليه آباؤهم!! اذهب، فإنه غير متبعك رجل من محارب آخر الدهر، وأقبل إليه سفيه منهم فقال: يا محمد ما في بطن ناقتي هذه إن كنت صادقاً؟ فلعمري إنك لتدعي من العلم أعظم مما سألتك عنه، تزعم أن الله يوحي إليك ويكلمك، فاسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل إليه رجل منهم يقال له سلمة بن قيس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً قريباً من بئرهم فأراد أن يطرحه في البئر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى عن البئر فجعل سلمة يقول: لو وقعت في البئر استراح منك أهل الموسم وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بزمام ناقته يقودها، وهم يرمونه بالحجارة حتى توارى عنهم وهو يقول: " اللهم إنك لو شئت لم يكونوا هكذا فإن قلوبهم بيدك، وأنت أعلم بهم فإن كان هذا من سخط بك عليَ فلك العتبى ولا حول ولا قوة إلا بك ". وقال أبو فروة: وجد بعكاظ حجر مكتوب فيه: اصبر أخي فحبذا الصبر ... لا تجزعن فإنه الدهر فلربما صبر الفتى متجلداً ... ولربما جزع الفتى الحر وقال عقْبة بن رؤبة بن العجاج: مرَّ المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد بعكاظ يقوده ابن ابنه خرِفاً فقال له رجل: أحسن إليه فقد طال ما أكرمك، فقال: من ظننته قال: أباك أو جدك؟ فال: فإن هذا ابن ابني، فقال له الرجل: لم أر كاليوم قط في الكذب، لو كنت المستوغر ما زدت، فقال: فإني المستوغر. وقال أبو عمرو بن العلاء: عاش المستوغر ثلثمائة وعشرين سنة. عكبرا (1) : بينها وبين بغداد في طريق الموصل سبعة فراسخ، وهي مدينة صغيرة على شرقي دجلة. قال ابن ماكولا: ولِدْت بعكبرا عام أحد وعشرين وأربعمائة. علقمة (2) : بلدة بجزيرة صقلية كبيرة منيعة (3) فيها السوق والمساجد وسكانها مسلمون. عم (4) : قرية بالشام ما بين حلب وأنطاكية، وإليها ينسب عكاشة العمي (5) ، وقيل عم: مخلاف من مخاليف مكة. عَمَّان (6) : بفتح أوله وتشديد الميم، قرية من عمل دمشق سميت بعمان بن لوط عليه السلام. وعمان أيضاً في مفازة سمرقند خربت في الزمن القديم وهي مفتوحة العين مشددة الميم، ولبعضهم: أين عمان من قصور عمان عمان (7) : مضمومة الأول مخففة الميم، مدينة معروفة، سميت بعمان بن سنان بن إبراهيم، كان أول من اختطها، وقال الشاعر: أين عمان من قصور عمان ... وهي فرضة البحر من العروض، وإليها ينسب العماني الشاعر (8) .

_ (1) قارن بياقوت (عكبرا) . (2) رحلة ابن جبير: 334. (3) الرحلة: متسعة. (4) معجم ما استعجم 3: 969، وانظر ياقوت (عم) وضبطها بكسر العين. وقال: وهي قرية غناء ذات عيون جارية وأشجار متدانية بين حلب وأنطاكية. (5) نسة البكري في شرح الأمالي: 528 إلى بني العم من أهل البصرة. (6) معجم ما استعجم 3: 970. (7) معجم ما استعجم 3: 970. (8) العمالي الراجز، لا الشاعر هو محمد بن ذؤيب الفقمي، ولم يكن من عُمان وإنما كان أصفر مطحولاً، فرآه دكين الراجز فقال: من هذا العماني (الشعر والشعراء: 641، وانظر مصادر أخرى لترجمته في الحاشية) .

عمورية:

وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمان عباد وجيفر ابنا الجلندى. وبلاد عُمان (1) متصلة بأرض مهرة، وهي مجاورة لها من جهة الشمال، وبلاد عمان مستقلة في ذاتها عامرة بأهلها وهي كثيرة النخل والفواكه والموز والرمان والتين والعنب، وهي بلاد حارة وببلاد عمان حية تسمى العربد وإليها ينسب السكران المعربد وهي حية تنفخ ولا تؤذي. ويحكى أنها أخذت ووضعت في آنية زجاج وتوثق من رأسها وأخرجت من بلاد عمان فتفقدت الآنية ولم توجد الحية فيها والأخبار بهذا شائعة. وبعمان أيضاً دويبة تسمى القراد إذا ظفرت بجارحة من الإنسان عضته، فلا تزال عضدتها تربو وتتزايد إلى أن تتقيح وتتدود ولا يزال ذلك الدود يسعى في جوف الإنسان حتى يموت. وبجبال عمان قردة كثيرة تضر بأهلها اضراراً كلياً، وربما اجتمع منها العدد حتى لا يطاق دفاعها إلا بالخروج إليها بالسهام والسلاح العام وحينئذ يقدر على دفاعها. ويتصل بأرض عمان من جهة المغرب ومع الشمال أرض اليمامة. وبلاد عمان (2) ثمانون فرسخاً، فما والى (3) البحر منها سهول ورمال وما تباعد منه حزون وجبال ولها عدة مدن ومدينة عمان حصينة على ساحل البحر، ومن الجانب الآخر جبل فيه مياه سائحة قد أجريت إلى المدينة، وهي كثيرة النخل والبساتين وضروب الفواكه كما قلناه وطعامهم الحنطة والشعير والأرز والجاورس وكان الذي أجرى الماء من الجبل إلى المدينة رجل مجوسي يقال له أبو الفرج كان له من الصامت ثمانمائة كنجلة (4) دنانير (5) كل كنجلة تسعة أمناء (6) ، وهو الذي اتخذ بعمان خانات للتجار مفروشة مكان الآجر باللبن المتخذة من نحاس في كل لبنة من مائة إلى مائة وخمسين مناً (7) . وخراج أهل (8) عمان على المقاطعة ثمانون ألف دينار. وفي الأمثال: من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان. وأهدى صاحب عمان إلى الكعبة بعد العشرين والأربعمائة محاريب، زنة المحراب أزيد من قنطار فضة، وقناديل فضة في نهاية الإحكام، وسمرت المحاريب في جوف الكعبة مما يقابل بابها وذلك إثر أخذ أمير مكة أبي الفتوح الحسن بن جعفر الحسيني لحلي الكعبة من المحاريب وغيرها. وعمان بها أبواب حديد وبها مياه وأسواق وموز كثير ونهر جار ونخيل وسائر الفواكه، وهي فرضة الصين، وبها مرفأ الصين وتحمل من سيراف الأمتعة إليها والحمولة في قوارب ثم توقر السفينة العظيمة حتى تلجج في البحر العظيم فتسير بالريح الطيبة مقدار أربعين يوماً إلى خمسين يوماً حتى تنتهي إلى مدينة تسمى الشحر. وحكي أن رجلاً عمانياً ورد مكة بلؤلؤتين لم ير مثلهما فباعهما بألفي دينار ذهباً من رجل سمرقندي وخرج من مكة في يومه، فلما كان بعد عدة أيام قدم من قبل صاحب عمان رسول يطلب الذي باع اللؤلؤتين ويذكر أنهما سرقتا من قصره، فطلب المشتري فعمي أثره وخفي خبره ووصل بهما إلى مدينة دمشق فأهدى إحداهما إلى صاحبها فأعطاه بها عشرة آلاف دينار ثم سار إلى سمرقند فأهدى الثانية إلى صاحبها فكافأه عليها بخمسة عشر ألف دينار فهاتان اللؤلؤتان من مغاص عمان وما والاها من هذه المواضع. عمورية: في بلاد الروم من ناحية بلاد باطوس (9) وتفسيره المشرق، وهي مدينة (10) كبيرة مشهورة في بلاد الروم وبلاد المسلمين أزلية، غير أن الفتوح تتوالى عليها من عهد المسلمين والروم، ولها سور حصين وهي على نهر كبير يصب في الفرات وعمورية رصيف إلى سائر البلاد المجاورة لها والمتباعدة عنها، ومنها الطريق إلى طرسوس، وبين عمورية والخليج مائة وخمسة وسبعون ميلاً وكانت منزلاً لبعض ملوك الروم. وقال سعيد بن عبد العزيز: إن عثمان ائتم بأبي بكر وعمر رضي الله عنهم في إيثاره (11) المجاهدين وتقويتهم بالأموال ولقد زاد عثمان رضى الله عنه أهلَ العطاء مائة دينار وتابع إغزاءهم أرض الروم

_ (1) نزهة المشتاق: 55 (OG: 155) ، وقارن بابن حوقل: 44، وابن الوردي: 46. (2) البكري (مخ) : 68. (3) ص ع والبكري: والاها. (4) كذا في ص ع والبكري، وبهامش البكري: لعله ((كيجلة)) . (5) دنانيرهما: كذا هو أيضاً في الأصول. (6) البكري: تسعة ومائة من. (7) وهو الذي اتخذ ... مناً: لم يرد هذا في البكري. (8) البكري: عمل. (9) نزهة المشتاق: 258 ماطوس. (10) عن نزهة المشتاق: 260. (11) ع: أثره؛ ص: أثر.

عمرة:

حتى ذلت عمورية وما دونها من مدائن صاحبة الروم على أداء الجزية وإنزال جماعة من المسلمين مدينة عمورية يقاتلون من خلفها فلم يزل المسلمون بها حتى بلغ أهل عمورية قتل عثمان رضي الله عنه قبل أن يبلغ من كان بها من المسلمين فبيّتوا المسلمين فقتلوهم على فرشهم، وانتقض ذلك الصلح وغزاها المعتصم الخليفة العباسي وافتتحها في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين بسبب أن الروم خرجت إلى زبطرة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وأخربوها وأمر ببناء زبطرة وشحنها، وقد تقدم ذكر ذلك في حرف الزاي، وفي قصيدة حبيب المشهورة: يا يوم وقعة عمورية انصرفت ... منك المنى حفلاً معسولة الشنب وفي بعض الأخبار أنه نصب على عمورية المجانيق، وأقام عليها حتى فتحها ودخلها فقتل فيها ثلاثين ألفاً وسبى مثلهم وكان في سلبه ستون بطريقاً، وطرح النار في عمورية من سائر نواحيها فأحرقها، وجاء ببابها إلى العراق فنصبه على أحد أبواب دار الخلافة قال سليمان بن يحيى: كنت أنا ويحيى بن أكثم نسير مع المعتصم وهو يريد بلاد الروم فمررنا براهب فوقفنا عليه، فقلنا: أيها الراهب أترى هذا الملك يدخل عمورية. قال: لا إنما يدخلها ملك أكثر أصحابه أولاد زنا فأتينا المعتصم فأخبرناه فقال: أنا والله صاحبها أكثر جندي أتراك وهم أولاد زنا. عمرة (1) : هي فحص بأحواز قفصة كانت فيه وقيعة عظيمة (2) في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة للموارقة والأغزاز على جند المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب وكان الظهور فيها للموارقة والأغزاز فتبدد جند المنصور في تلك الفحوص وانهزموا هزيمة شنيعة، وكان ذلك السبب في تحرك المنصور بنفسه إلى قفصة ونزوله عليها وسوء أثره فيها وذلك أن المنصور يعقوب كان وجه يعقوب ابن عمه أبي حفص بن عبد المؤمن في عسكر فخرج من تونس في جمع حفيل وصمد إلى الموارقة، ولما تراءى الجمعان وذلك يوم الجمعة منتصف ربيع الآخر من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بوطاة عمرة خارج قفصة، دفع علي بن الربرتير في أهل الحد من أصحابه فرشقوهم بالسهام، وأرجل علي وقبض عليه، وكثر الطعن والضرب في أصحابه واقتفى أثره أبو علي بن أبي زكريا بن مومور (3) ، فحصل بالعرب فنكلوا عنه وخلوا بينه وبين عدوه فقبض عليه بعد الإثخان (4) فيه، وكشفت الحرب عن ساقها واستحر القتل في الفئتين، وأصيب جملة من أعيان الموحدين وتخاذل باقيهم (5) ، وعظم الكرب وغشي الليل فتفرق الناس واستسلموا واشتغل عدوهم بالسلب وأكثر الرجال مثخنون في المعترك، وتحاملوا مع ذلك إلى قفصة مفلوين، فاستدعاهم ابن غانية موهماً لهم بالأمان فاجتمعوا إليه فاستأصلهم وجلس في خباء الساقة المأخوذ للسيد وجمع أثاث المنهزمين وأسبابهم وقسمها على أصحابه. وكان ابن الربرتير في أسر الأغزاز أصحاب قراقش فابتاعه منه ابن غانية بألفي دينار فعذبه حتى مات. ووصل أيضاً ابن مومور مثخناً فصلبوه بقفصة. وأصبح الفل من يوم الجمعة بأقطار تونس، وبادر إلى تونس سرعان المنهزمة، وكثر التحدت وفشت الأنباء، فضاق لذلك صدر المنصور، وأعلن بالصفح في المنهزمين، وسرح - أعيان الطلبة إلى المنهزمين بتهوين الخطب، ثم استبد بأمره ونكب عن المشورة، وتحرك بنفسه من تونس في صدر رجب هذه السنة، واستخلف على تونس أخاه السيد أبا إسحاق، ونزل على سبعة أميال متلوماً على الناس، وقد ظهر تكاملهم وتأخر إبراهيم الغزي بجماعته. وأمر باعتقاله ونادَى في الناس بمعاجلة العقاب لمن جن عليه الليل بالمدينة، فخرج الناس وانتهى المشي إلى القيروان، فاخترق سككها وأتى الجامع فصلى بمقصورته ركعتين، وقرأ في مصحف عبد الله بن عمر الذي بها، وتطوف على مقابر الأئمة بها، ونظر إلى ماجلها، فأمر القبائل برفع ترابه فصوب له أهل البلد تركه خوفاً من طلب العرب له عند يبس الهواء فتركه، ثم استقبل عدوه، فلما تراءىَ الجمعان على فرسخين من الحمة سرح سرية إلى مواضع العرب الموالين للموارقة فشنوا الغارة عليهم مع الصباح واكتسحوهم وساقوا أموالهم ثم قفلوا وبلغ العرب الذين مع الموارقة ما حل بأحيائهم فارفضّت جموعهم وتضعضعت محلة الموارقة بسبب ذلك ثم لبس لامته وناجز أعداءه وباشر الحرب بنفسه، والتحم القتال، فاستؤصلت الموارقة وأفلت قراقش وابن غانية واتبعهم السيف

_ (1) ع: عميرة. (2) انظر رحلة التجاني: 136، والبيان المغرب 3: 159 (تطوان) ، وراجع مادة ((حمة مطماطة)) في ما تقدم. (3) البيان المغرب: يومور. (4) ع ص: الانجاز. (5) البيان: وتخاذلت جموع العوام.

عفص:

إلى الليل، ثم توجه في ثاني يوم الفتح إلى قابس فأحدق المقاتلون براً وبحراً ففتحوا أبوابهم مستسلمين، فقبل المنصور ذلك منهم وأسلموا أصحاب قراقش وشيعته وكان اتخذها حصناً وشحنها بشيعته وأصحابه، فبعث بهم إلى تونس في البحر وبعث إلى أهل قابس مَن وبخهم على اتباع كل ناعق، ثم انحفز إلى توزر فأعلنوا بالتوحيد، وفي فتح الحمة يقول أبو بكر بن مجبر من قصيدة له أولها: أسائلكم لمن جيش لهام ... طلائعه الملائكة الكرامُ يقول فيها: لقد برزت إلى هول المنايا ... وجوه كان يحجبها اللثام وما أغنت قسي الغز عنها ... فليست تدفع القدر السهام متى يك من ذوي الكفر اعتداء ... يكن من فرقة التقوى انتقام عمواس: قرية من قرى الشام بين الرملة وبيت المقدس، وإليها ينسب الطاعون (1) لأن منها بدأ فيقال طاعون عمواس، مات فيه خمسة وعشرون ألفاً، فيهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، واسمه عامر، وهو من عظماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: " لكل أمّة أمين، وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجراح ". ومات فيه الحارث بن هشام وشرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم، وكان هذا الطاعون سنة ثمان عشرة، وقيل سنة تسع عشرة، وكثر عدد من مات بعمواس حتى خرج عن الإحصاء، وعلّق عمرو بن العاصي رضي الله عنه بعمود خبائه سبعين سيفاً كلها ورثه عن كلالة عام طاعون عمواس، ولم يكن أحد يقول لأحد: كيف أصبحت وكيف أمسيت، حتى كثر فيهم الموت. قالوا: سجن سليمان بن داود عليهما السلام شيطاناً بعمواس، فإذا أراد الله تعالى أن يأذن له بالخروج خرج فيقع على جارية ترعى الضأن لأهلها فتحمل منه، فإذا وضعت حملها طرحته في جزيرة من جزائر البحر، فيبعثه الله تعالى من قصبة فيها ستمائة ألف ملك مختلفين، فيشب في اليوم مثل ما يشب الغلام في الشهر، ويشب في الشهر مثل ما يشب الغلام في السنة، فإذا كبر اجتمعوا عليه فملَّكُوه، فهو الذي يسير بهم إلى الشام، وهو الذي يقبل من المغرب، وهو الذي يدعى ابن حمل الضأن. العناطس: موضع بينه وبين مدينة القلزم ثلاثة أميال، بالقرب منه عين يجري منها القار اللين الفوّاح كأجود الزفت أبداً. عفص (2) : بالأندلس بقرب مرسية، فيها كانت وقيعة الروم على أهل مرسية سنة 621 في رجبها، ذهب فيها من أهل مرسية بين قتيل وأسير نحو من أربعة آلاف رجُل، وكان الروم أغاروا على تلك الجهة فخرج إليهم أهل مرسية، وكانوا عابوا على أهل اشبيلية مثلها حين وقعت عليهم الهزيمة بفحص طلياطة، ونسبوهم إلى الضعف والخور وقلة الدربة بالحروب، فلم تمض الأيام حتى امتحنهم الله تعالى بهذه الوقيعة. وكان صاحب الجيش في هذا اليوم أبو علي ابن أشرقي، قال صاحب " الملتمس " (3) : كائنة عفص هي أخت كائنة طلياطة المتقدمة في سنة إحدى وعشرين وستمائة، كانت هذه في غرب الأندلس وهذه في شرقها، وكان عباد الصليب قد وصلوا إلى عفص من عمل مرسية فخرج عسكر مرسية ومعهم العامة، فقتل منهم كثير وأسر أكثر، وفيها يقول أحد المرسيين: بوقعة عفص وطلياطة ... تكامل إقبال أيامنا فبالغرب تلك وبالشرق ذي ... أناخا على شمِ أعلامنا وفي وسط الأرض قيجاطة (4) ... ولوشة خفَّا بأحلامنا وليس الصليب يرى مانعاً ... لغيرِ تواتر إعدامنا

_ (1) قارن بما ورد في الطبري 1: 2516 وما بعدها عن طاعون عمواس، وكذلك ياقوت (عمواس) . (2) بروفنسال: 136، واترجمة: 163. (3) ع ص: المتلمس. (4) ع ص: قطياجة.

العقاب:

وسيدنا ناظر في الجواز ... يروم النجاة بإسلامنا العقاب (1) : بضم أوله، موضع بإزاء الصحصحان. وثنية العقاب بدمشق سميت براية خالد العقاب حين نزلها المسلمون. العِقاب (2) : بكسر العين، بالأندلس بين جيان وقلعة رباح، كانت في هذا الموضع وقيعة عظيمة وهزيمة على المسلمين شنيعة في منتصف صفر من سنة تسع وستمائة، وذلك أن الملك الناصر أمير المؤمنين محمد بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب كان تحرك من مراكش إلى الأندلس، فاحتلَّ باشبيلية، ثم تحرَّك منها إلى قُرطُبة، ثم نزل على حصن شلبطرة واللج فحاصرهما وضيّق عليهما، فملك حصن اللج أولاً ثم حصن شلبطرة ونصب عليها المجانيق الضخام، ورميت بالحجارة الصم حتى ملكها على رغم الاذفونش صاحب طليطلة وقشتيلة. ولم يكن له يومئذ قدرة على دفاعه، وكان ذلك في سنة ثمان وستمائة حتى انتصف في العام الذي يليه في هذه الوقيعة، وكان الملك الناصر أعجب بفتح شلبطرة وكتب بذلك إلى الآفاق، وخفي عليه ما في طيّ الغيوب من خبر العقاب، ورجع إلى اشبيلية ظافراً غانماً ثم استغاث الاذفونش بأهل ملّته، وحثّهم على حماية دينهم، فاستجابوا وانثالوا عليه من كل مكان، وخرج عليه الناصر من اشبيلية في العشرين من محرم سنة تسع وستمائة بحشود لا غرض لهم في الغزو، وقد أمسكت أرزاقهم وقتر عليهم مع ما كان من قتله لابن قادس صاحب قلعة رباح، بسبب إسلامه القلعة للنصارى من غير أن يسمع حجته، وإخراجه من مجلسه الحشود الأندلسية غضباً عليهم، ومخادعة النصارى لباقي الأجناد بإشهار الصلح والعمل على ضده، حتى خالطوهم على غفلة فأخذ المسلمون في فرار ما سمع بمثله، وكان ذلك في العقاب بين جيان وقلعة رباح في منتصف صفر من سنة تسع وستمائة كما ذكرناه، وكانت شنيعة، ومرَّ الناصر لا يلوي على شيء حتى وصل اشبيلية، وتبعهم العدوَ حتى حال بينهم الليل، وأخذوا أجناد السّاقة وماتت تحتهم الخيل، فمشى وراءهم (3) بكل طريق سلكوه، ومنهل وردوه، وأتى القتل على خلق كثير من المسلمين، وقتل فيها من الأعيان والطلبة جملة منهم علي بن الغازي الميورقي وابن عات الفقيه (4) وغيرهما، وكان فرس الملك الناصر بادناً فلم يطق الحركة، فنزل له بعض العرب عن فرسه وقال له: اركبه فهو خير لك من هذا، وكان أمر أبا بكر بن عبد الله بن أبي حفص بالوقوف تحت الراية، وحملت الروم فقصدت الراية ظناً منها أن الناصر عندها، فوضعت السيف في من واجهها، فقتلت خلقاً وقُتِل أبو بكر هذا وانهزم الناس، واستولى العدوّ على جميع المحلة وأكثر مضاربها ثم استولى الروم بعد ذلك على مدينة بسطة وباغو وما جاورهما من القرى والحصون، وقتلوا الرجال وسبوا الذرية وكانت هذه الوقيعة أول وهن دخل على الموحّدين، فلم يقم بعد ذلك لأهل المغرب قائمة. ولمّا انتهى الناصر إلى اشبيلية أنس البلاد بخطاب كتبه إليهم زخرفه الكاتب (5) ، ثم جاز البحر إلى مراكش فتوفي بها في صفر من سنة عشر وستمائة (6) قيل عضّه كلب في رِجْله، وقيل غير ذلك. العقنقل (7) : كثيب رمل ببدْر، وهو الذي عنى ابن الزبعرَى في قوله يرثي من قُتِل ببدْر من قُريش: ماذا ببدر والعقن ... قل من مرازبة جحاجح العقيق (8) : هما عقيقان عقيق بني عقيل حيث قُتِل صخر بن عمرو بن الشريد أخو الخنساء وذلك في وادٍ منه يسمى بقو وهو على مقربة من عقيق المدينة. وعقيق المدينة: على ميلين منها، وقيل على عشرة أميال منها، وفيه نخل وقبائل من العرب. ومات سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قصره بالعقيق وحمل على رقاب الناس إلى المدينة.

_ (1) معجم ما استعجم 3: 948. (2) بروفنسال: 137، والترجمة: 164 (Las Navas de Tolosa) ، وانظر البيان المغرب 3: 240 (تطوان) . (3) ص ع: ودافع. (4) ع: العقبة. (5) بروفنسال: بزخرفة الكاذب؛ وكانت الرسالة التي أرسل بها الناصر إثر هزيمة العقاب من إنشاء ابن عياش، البيان المغرب 3: 241. (6) بروفنسال: فتوفي في قصره من مراكش سنة 610، وفي البيان المغرب أنه توفي في يوم الثلاثاء العاشر لشعبان. (7) معجم ما استعجم 3: 950. (8) معجم ما استعجم 3: 952.

العقبة:

قال هشام بن عروة (1) : العقيق من قصر المراحل صاعداً إلى النقيع وما سفل عن ذلك فمن زعابة، وقال غيره: العقيق من العرصة إلى النقيع ما بين محجة يين (2) وتخوم الشام. وذكر أن تبعاً مرَّ بهذا الموضع لما قَدِم المدينة فقال: هذا عقيق الأرض، فسمي العقيق. وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العقيق ثم رجع فقال: " يا عائشة جئنا من هذا العقيق فما ألين موطئه وأعذب ماءه "، قالت: يا رسول الله أفلا تنتقل إليه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " وكيف وقد ابتنى الناس ". وقال عبد الله بن مطيع (3) : بات رجلان بالعقيق ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أين بتما "؟ فقالا: بالعقيق، فقال: " بتما بواد مبارك ". وروى عامر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام في العقيق، فقام رجل من أصحابه يوقظه للصلاة، فحال بينه وبينه رجُل من أصحابه، فقال: لا توقظه فإن الصلاة لم تفته فتجاذبا حتى أصاب بعض أحدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظه، فقال: " ما لكما لقد أيقظتماني وإني لأراني بالوادي المبارك ". وقال (4) عمر رضي الله عنه: احصبوا (5) هذا المسجد، يعني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الوادي المبارك، يعني وادي العقيق. ولمّا أقطع عمر رضي الله عنه العقيق فدنا من موضع قصر عروة قال: أين المستقطعون منذ اليوم؟ فوالله ما مررت بقطيعة تشبه هذه القطيعة، فقام إليه خوات بن جبير الأنصاري فقال: أقطعنيها يا أمير المؤمنين، فأقطعه إياها، وكان يقال لموضعها خيف حرة لؤلؤة. وقال ربيعة بن عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق كله، فلما ولي عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعكه لتحجره فأقطعه الناس. العقبة (6) : المراد العقبة التي واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها النفر الذين بايعوه من الأوس والخزرج من أواسط أيام التشريق. قال كعب بن مالك: بتنا تلك الليلة مع قومنا ورحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخْفيِن حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً، ومعنا امرأتان من نسائنا، فاجتمعنا في شعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه (7) : العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلسوا كان أول متكلم العباس رضي الله عنه فقال: يا معشر الخزرج - وكانت العرب يسمون (8) هذا الحيّ من الأنصار الخزرج، خزرجها وأوسها - إن محمداً منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم؟ فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم له من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده، قال، فقلنا له: قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخُذْ لنفسك ولربِّك ما أحببت، قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا إلى الله تعالى، ورغّب في الإسلام، ثم قال: " أنا معكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم "، قال: فأخذ البراء بن معرور رضي الله عنه بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحقِّ، لنمنعنك مما نمنع أزرَنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر، فاعترض القولَ أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها، يعني اليهود، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله تعالى أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بل الدم الدم والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحاربُ من حاربتم وأُسالم من سالمتم ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخرجوا إلي اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم "، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، فقال لهم: " أنتم على قومكم بما فيهم

_ (1) البكري (مخ) : 76. (2) ص ع: ما بين كذا. (3) قارن بالمغانم المطابة: 269، 270. (4) عاد إلى النقل عن البكري، وهو في المغانم أيضاً. (5) البكري: حصنوا، وكذلك هو في ص ع. (6) السيرة 1: 440 وما بعدها - (والمادة كلها) . (7) ع ص: خمسة. (8) ع ص: يقيمون.

العقر:

كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم عليهما السلام، وأنا كفيل على قومي "، قالوا: نعم. وقال لهم العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج هل تدرون على مَ تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي في الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتلة الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال صلى الله عليه وسلم: " الجنة "، قالوا: ابسط يدك، فبسط صلى الله عليه وسلم يده، فبايعوه؟ وإنما قال ذلك العباس رضي الله عنه ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم، وقال آخرون: إنما قال ذلك ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي بن سلول فيكون أقوى لأمر القوم. قال: فلما بايعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة، بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل المنازل، هل لكم في مذمم والصبَاء معه قد اجتْمعوا على حربكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا ازب العقبة، أي عدوّ الله، أما والله لأفرغن لك "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارفضّوا إلى رحالكم " فقال له العباس بن عبادة بن نضلة رضي الله عنه: والذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلن غداً على أهل مِنى بأسيافنا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم أؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم "، قال: فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا، فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا فقالوا: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا لتستخرجوه من بين أظهرنا، وتبايعوه على حربنا، والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينكم منكم، قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون ما كان من هذا شيء، وما علمناه، قال: وصدقوا لم يعلموا، قال: وبعضنا ينظر إلى بعض، قال: ثم قام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان، قال: فقلت له، كلمة، كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ قال: فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي فقال: والله لتنتعلنهما، قال: يقول أبو جابر: مه أحفظت والله الفتى، فاردد إليه نعليه، قال، فقلت: والله لا أردّهما، فأل والله صالح، والله لئن صدق الفأل لأسلبنه. قال: ونفر الناس من مِنىً فتنطس القوم الخبر، فوجدوه قد كان، فخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعدَ بن عبادة رضي الله عنه بأذاخر فأخذوه، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته، وكان ذا شعر كثير. قال سعد رضي الله عنه: فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قُريش فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال، قال، قلت في نفسي: إن يكن عند أحد من القوم خير فعند هذا، قال: فلما دنا مني رفع يديه فلطمني لطمة شديدة، قال، فقلت في نفسي: لا والله ما عندهم بعد هذا من خير، قال: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى إلي رجل منهم فقال: ويحك، أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟ قال، قلت: بلى والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجاره وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، قال: ويحك، فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما، قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: أما أن رجُلاً من الخزرج الآن يضرب بالأبطح، وإنه ليهتف بكما، ويذكر أن بينه وبينكما جواراً، قالا: ومَنْ هو؟ قال: سعد بن عبادة، قالا: صدق والله إن كان ليجير تجارنا ويمنعهم أن يظلموا ببلده، فجاءا فخلصا سعداً من أيديهم، فانطلق. العَقْر (1) : بأرض بابل من ناحية الكوفة بالعراق بين واسط وبغداد، موضع كان التقاء مسلمة ين عبد الملك في ستة آلاف من أهل الشام بيزيد بن المهلب الخارج على يزيد بن عاتكة. وكان (2) قد هرب من سجن عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة، وصار إلى البصرة، وعليها عدي بن أرطأة الفزاري، فأخذه يزيد بن المهلب فأوثقه: ثم خرج يريد الكوفة مخالفاً على

_ (1) ميز ياقوت بين أمكنة متعددة بهذا الاسم، وانظر كذلك معجم ما استعجم 3: 949. (2) حتى آخر المادة لمروج الذهب 5: 453 - 457.

يزيد بن عبد الملك، وحشدت له الأزد أحلافها، وانحدر إليه أهله وخاصته، وعظم أمره واشتدت شوكته، فبعث إليه يزيد أخاه مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك في جيش عظيم، فلما شارفاه رأى يزيد بن المهلب في عسكره اضطراباً فقال: ما هذا الاضطراب أن قيل جاء مسلمة والعباس؟! فوالله ما مسلمة إلا جرادة صفراء، وما العباس إلا نسطوس بن نسطوس، وما أهل الشام إلا طغام قد حشدوا ما بين فلاح وزراع ودباغ وسفلة، فأعيروني (1) أكفكم ساعة تصفعون بها خراطيمهم، فما هي إلا روحة أو غدوة حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الظالمين، علي بفرسي، قال: فأتي بفرس أبلق، فركب غير مسلح، فالتقى الجيشان فاقتتلوا قتالاً شديداً، وولى أكثر أصحاب يزيد عنه، فقتل يزيد في المعركة وصبر إخوته أنفسهم فقتلوا جميعاً، وفي ذلك يقول الشاعر: كل القبائل بايعوك على التي ... تدعو إليها طائعين وساروا حتى إذا حضر الوغى وجعلتهم ... نصب الأسنة أسلموك وطاروا إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... (2) عاراً عليك وبعض قتل عار فلما ورد الخبر على يزيد بن عبد الملك بذلك استبشر، وتكلف الشعراء له بهجو آل المهلب فأكثر، وبعث يزيد هلال بن أحوز المازني في طلب آل المهلب، وأمره ألا يلقى منهم من بلغ الحلم إلا ضرب عنقه، فاتبعهم حتى أتى قندابيل من أرض السند، وأتي هلال بغلامين من آل المهلب فقال لأحدهما: أدركت؟ قال: نعم، ومدَّ عنقه، فكأن الآخر أشفق عليه فعض شفتيه، أي لا تظهر جزعاً، فضرب عنقه، وأْثخن هناك القتل في آل المهلب حتى كاد يفنيهم، فذكر أن آل المهلب مكثوا بعد إيقاع هلال بهم عشرين سنة، يولد فيهم الذكور ولا يموت منهم أحد. وقتل مع يزيد أخواه حبيب ومحمد ابنا المهلب، وكان يزيد جواداً شجاعاً بليغاً فصيحاً. عقرباء: موضع بناحية اليمامة فيه نزل خالد بن الوليد رضي الله عنه والمسلمون حين لقوا مُسَيْلَمة الكذّاب وجمعه. قالوا: لما أشرف خالد بن الوليد رضي الله عنه وأجمع أن ينزل بعقرباء قدم الطلائع أمامه، فرجعوا إليه فأخبروه أن مُسيلمة ومَن معه قد خرجوا فنزلوا عقرباء، وضرب عسكره، وقد قيل إن خالداً رضي الله عنه هو الذي سبق إلى عقرباء فضرب عسكره ثم جاء مسيلمة فضرب عسكره، ويقال توافيا إليها جميعاً. فلما فرغ خالد رضي الله عنه من ضرب عسكره وحنيفة تسوّي صفوفها نهض خالد رضي الله عنه إلى صفوفه فصفّها وقدّم رايته مع زيد بن الخطّاب رضي الله عنه ودفع راية الأنصار إلى ثابت بن قيس بن شماس، فتقدم بها، وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عُيينة بن ربيعة، وعلى ميسرته شجاع بن وهب، واستعمل على الخيل البراء بن مالك، ثم عزله واستعمل أسامة بن زيد، وأقبلت بنو حنيفة قد سلّتِ السيوف، فلم تزل مسللة وهم يسيرون نهاراً طويلاً، فقال خالد: يا معشر المسلمين، أبشروا فقد كفاكم الله عدوّكم، فما سلّوا السيوف من بعيد إلا ليرهبونا، وإن هذا منهم لجُبن وفشل، فقال له مجاعة (3) ، وكان أسيراً عنده: كلا والله يا أبا سليمان، ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها، وهي غداة باردة فأبرزوها للشمس لأن تسخن متونها. فلما دنوا من المسلمين نادوا: إنا نعتذر من سلّنا سيوفنا، والله ما سلَلْناها ترهيباً لكم ولا جُبناً عنكم، ولكنها كانت الهندوانية، وكانت غداة باردة فخشينا تحطمها فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم فسترون، قال: فاقتتلوا قتالاً شديداً وتصبر الفريقان جميعاً صبراً طويلاً حتى كثرت القتلى والجراح في الفريقين، واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا إلا قليلاً، وهزم كِلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين، والمشركون عسكر المسلمين مراراً، وحملت حنيفة أول مرة وخالد على سريره حتى خلص إليه، فجرد سيفه وجعل يسوق حنيفة سوقاً حتى ردَّهم وقتل منهم قتلى كثيرة، ثم كرَّتْ حنيفة حتى انتهوا إلى فسطاط خالد رضي الله عنه فجعلوا يضربون الفسطاط بالسيوف، ولما دخلوا الفسطاط أراد من حمل منهم قتل أم متمم امرأة خالد،

_ (1) ع ص: فساعدوني. (2) ورد هذا البيت منسوباً لحبيب بن خدرة الهلالي من قصيدة يرثي بها زيد بن علي (شعر الخوارج: 80) . (3) كان مجاعة - وهو من بني حنيفة - قد أسر قبل بدء المعركة.

عسكر مكرم:

ورفع السيف عليها، فاستجارت مجاعة فألقى عليها رداءه وقال: إني جار لها فنعمتِ الحرة، وعيّرهم وسبهم وقال: تركتم الرجال وجئتم إلى امرأة تقتلونها عليكم بالرجال، فانصرفوا. قال وحشي: اقتتلنا قتالاً شديداً فهزموا المسلمين ثلاث مرات، وكرَّ المسلمون في الرابعة، وتاب الله عليهم وصبروا لوقع السيوف حتى رأيت شهب النار تخرج من خلالها، حتى سمعت لها أصواتاً كالأجراس، وأنزل الله تعالى نصره وهزم بني حنيفة وقُتِل مسيلمة. قال: ولقد ضربت يومئذ بسيفي حتى غرق قائمه في كفي من دمائهم، وأشرف عمار على صخرة يصيح: يا معشر المسلمين أَمِنَ الجنة تفرون، أنا عمار بن ياسر هَلُمّوا إليّ. قال شريك الفزاري: لما التقينا والقوم، صبر الفريقان صبراً لم ير مثله قط ما تزل الأقدام فتراً، واختلفت السيوف بينهم، وجعل أهل السوابق والنيات يتقدمون فيقتتلون حتى فنوا، ولقد أحصيت لنا ثلاث انهزامات، وما أحصيت لحنيفة إلا انهزامة واحدة، التي ألجأناهم فيها إلى الحديقة، حديقة الموت، وجماعة الناس أربعة آلاف، وحنيفة مثل ذلك، فلما التقينا أذن الله للسيوف فينا وفيهم، فجعلت السيوف تختلي هام الرجال وأكفهم، وجراحاً لم أر جراحاً قط أبعد غوراً منها فينا وفيهم، ثم اقتحمنا الحديقة فضاربوا فيها وغلقنا الحديقة وأقاموا على بابها رجالاً لئلا يهرب منهم أحد، فلما رأوا ذلك عرفوا أنه الموت فجدوا في القتال، ودكت السيوف بيننا وبينهم، ما فيهم رمي بسهم ولا حجر ولا طعن برمح حتى قتلنا عدو الله مسيلمة، وهذا لباب الخبر ومقصوده، وإلا فالقصة أطول من هذا. عسكر مكرم (1) : مدينة بقرب الأهواز كبيرة عامرة على نهر المسرقان، وفيها التجار وأخلاط من الناس، وفيها أسواق وأرزاق وصناعات، ولها مزارع متصلة، وبها صنف من العقارب إذا لسبت قتلت لحينها، وبين عسكر مكرم وتستر مرحلة، وبينها وبين رامهرمز مرحلتان، وبينها وبين الأهواز مرحلة. وكان الحجاج قد بعث مكرم بن جعونة فنزل موضع عسكر مكرم اليوم، فبه سمي الموضع (2) . عسكر المهدي (3) : هو في الجانب الشرقي من بغداد، وكان المنصور لما ابتنى بغداد نزل ابنه المهدي وهو ولي عهد بالجانب الشرقي من بغداد سنة ثلاث وأربعين ومائة، فاختط المهدي قصوره (4) بالرصافة وابتنى المسجد الجامع الذي بها وحفر نهراً يأخذ من النهروان سماه نهر المهدي يجري في هذا الجانب، وهذا الجانب يعرف بعسكر المهدي، وقسمت فيه القطائع وتنافس الناس فيه لمحبتهم للمهدي وتوسعته عليهم، ولأنه كان أوسع الجانبين أرضاً. وكان الرشيد ولى أبا البختري وهب بن وهب (5) القضاء بعسكر المهدي ثم ولاه مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل إليه حربها مع القضاء، وكان الرشيد أرسل إليه بنوقالة فيه ماء أو فقاع مبرد، فقال له الرسول: يقول لك أمير المؤمنين هذا بارد وقد آثرتك به، فقال أبو البختري لخادمه: هات الألفي الدينار اللذين عندك، فجاء بهما فوهبهما لخادم الرشيد، فقال له الرشيد: ما هذا السرف؟ أوجّه إليك بشربة باردة فتعطي الخادم ألفي دينار؟! قال: يا أمير المؤمنين، جاءني بما آثرتني به على نفسك وولدك أفأستكثر له ألفي دينار، والله لو ملكت أضعافها لدفعتها إليه، فأمر له الرشيد بعشرة آلاف دينار. عسقلان (6) : مدينة بالشام، بينها وبين فلسطين مرحلة، وهي الآن عامرة بأيدي الروم، وهي على ساحل البحر، فتحها معاوية على صلح سنة ثلاث وعشرين. وعسقلان بينها وبين الرملة ستة فراسخ، وأسواقها مفروشة بالرخام، وفيها عين ماء لإبراهيم عليه السلام، وبينها وبين غزة أربعة فراسخ. وعسقلان (7) مدينة حسنة ذات سورين، وليس لها من خارجها بساتين ولا شجر بها، وتغلَّب عليها الروم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وهي معدودة في أرض فلسطين.

_ (1) نزهة المشتاق: 123. (2) عند ياقوت: مكرم بن معزاز أحد بني جعونة بن الحارث، قال: وقيل بل مكرم مولى للحجاج. (3) اليعقوبي: 251 وما بعدها، وقارن بياقوت (عسكر المهدي) ، وابن خلكان 4: 351 (ترجمة: محمد بن عمر الواقدي) . (4) اليعقوبي: قصره. (5) كان أبو البحتري فقيهاً إخبارياً جوّاداً يحب المديح ويثب عليه العطاء الجزيل، وقد عرف عنه الوضع في الحديث، توفي سنة 200 ببغداد (ابن خلكان 6: 37 وفي الحاشية مصادر أخرى لترجمته) . (6) قارن بياقوت (عسقلان) ، وابن الوردي: 25. (7) نزهة المشتاق: 113.

عسيب:

عسْفَان (1) : بلد بين مكّة والمدينة، بينها وبين مكة تسعة وأربعون ميلاً، وبينها وبين البحر عشرة أميال، وفيها آبار عذبة، وبين عسفان وقديد أربعة وعشرون ميلاً، وعسفان كثيرة الأهل خصيبة، ماؤها من الآبار، وقال كثيّر (2) : قلن عسفان ثم رحن عشاء ... قاطعات ثنيّةً من غزالِ وكان تبع ملك اليمن أتاه نفر من هذيل، وهو بين عسفان وأمج فقالوا له: أيها الملك، ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة، يريدون الكعبة. . . إلى آخر القصة، ذكرها ابن إسحاق (3) . وربما كان في عسفان غدران بين أراك وأم عيلان وبين الجحفة وعسفان غدير خم، وهو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنقل حماه إلى مهيعة لما استوبأ المهاجرون المدينة. عسيب (4) : جبل على قاع النقيع. وكان امرؤ القيس لما مضى إلى قيصر فوشي به إليه في شيء نسب إليه، فوجه معه جيشاً يعينه على أخذه بثأره، وأرسل إليه بأثر ذلك بحلة مسمومة مع رجل وقال له: الملك يخصك بالسلام، وقد بعث إليك بحلة لتلبسها يكرمك بها، فأدخله الحمام وكساه إياها بعد خروجه، فلما لبسها تنفط جسمه فكان يحمل في محفة، وفي ذلك يقول (5) : وبدلت قرحاً دائماً (6) بعد صحة ... لعل منايانا تحوَّلْنَ أبؤسا ثم نزل إلى جنب جبل وفي ناحية منه قبر، فسأل عنه فقيل له: هو قبر لابنة بعض ملوك الروم، قال: فما جاء بها إلى هاهنا؟ فقيل له: إنها ترهبت فماتت حيث يرى الملك ذلك، فعند ذلك جعل يقول (7) : أجارتنا إن الخطوبَ تنوبُ ... وإني مقيم ما أقام عسيبُ أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب فإن تصلينا فالمودَّة بيننا ... وإن تهجرينا فالغريب غريب أجارتنا ما فات ليس يؤوب ... وما هو آت في الزمان قريب وليس غريباً من تناءت دياره ... ولكنَّ من زار الترابَ غريب عشقة: جزيرة في بحر القلزم يسكنها قوم صيادون ينسبون إلى جهينة، وهم يدخرون الماء في هذه الجزيرة ويرثونه عن آبائهم ويجلبونه من البراري على مسافات بعيدة، وهم سمر الألوان من هذا البحر، شقر الشعور من مباشرة الشمس، ولهم جلبات يصطادون بها، وليس لهم طعام غير السمك والتمر، وسمكهم حوت أخضر واسع، زنة الحوت رطل ونحوه، وإذا ادخر الرجل منهم ألف حوت فذلك الغني، وإن كان عنده مع ذلك حمل تمر فذلك الذي لا فوقه أحد. وبهذا الحوت يتبايعون وبه يتناكحون، وإذا خطرت السفينة عليهم أتوها يستطعمون أهلها، وهم في السباحة والصبر عليها كبعض حيوان البحر. وفي جزيرة عشقة هذه وجدت اللؤلؤة المسماة باليتيمة، فحملها الذي وجدها منهم إلى مصر، وأهداها إلى صاحبها فسأل أهل الميز بالأحجار تقويمها، فلم يدر لها قيمة لارتفاع ثمنها وغرابة أمرها، قال لمهديها: ما أمنيتك؟ فسأله أن يعطيه جزيرته التي أصابها فيها ففعل، وملوك مصر يضعون هذه اللؤلؤة في عمائمهم إلى الآن. العوراء: موضع باليمامة. والعوراء أيضاً دجلة وقد تقدم القول فيها في حرف الدال.

_ (1) قارن بنزهة المشتاق: 51. ورسالة عرام: 37. وياقوت (عسفان) ، وفي رحلة الناصري: 232 نقل عن الروض. (2) ديوان كثير: 396. (3) السيرة 1: 23 - 24. (4) قارن بياقوت (عسيب) حيث يذكر أن عسيباً جبل بعالية نجد، وكذلك المغانم المطابة: 263. (5) ديوان أمرئ القيس: 107. (6) رواية الديوان: داميا. (7) في الديوان: 357 منها بيتان فقط.

العوالي:

ولبعض المتأخرين يهنئ السلطان المستنصر ملك إفريقية حين جلب العين الزغوانية إلى جنة أبي فهر (1) : أجاب أمرك معنى كلِّ مملكة ... من عهد من جاب فيها الصخر بالوادي وكان حرباً تعاصيهم قيادته ... فعاد سلماً كما قد كان في عاد وجرية الماء تبدي صوغ سلسلة ... تنهي إليك بها اذعان منقاد لا تقبلنَّ أمير المؤمنين بها ... فرات فارس أو عوراء بغداد العوالي (2) : على أربعة أميال أو ثلاثة من المدينة، وفي الحديث عن أنَس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة. العواصم (3) : كورة من كور الشام تلي عمل حلب، قال أحمد بن الحسين (4) : تَنَفّس والعواصمُ منك عشر ... فتعرف طيب ذلك في الهواءِ واختزل الرشيد الثغور من الجزيرة وقنسرين وسماها العواصم. العونيد (5) : مدينة قريبة من نصف الطريق من جدة إلى القلزم، وهناك يطلب الملاحون البشارة من الحاج، ومدينة العونيد مسورة صغيرة أهلها أجهل خلق الله تعالى، والفواجر يتحاكمن إلى الوالي فيحكم لهن، ولا يتمسكون من الإسلام إلا بالشهادة. وهي قريبة من مرسى ضبا، ويبدو (6) عند الجزر أثر قدم من أوسط الأقدام بنسبة الكعب والأخمص والصدر والأصابع لم يعفها الزمان ولا محاها كرور الماء عليها. عينونا (7) : وعينونا في طريق مكة من مصر، فمن أراد أن يخرج من مدين إلى مكة أخذ على ساحل البحر الملح إلى موضع يُقال له عينونا فيه عمارة ونخل، وبه مطالب يطلب الناس فيها الذهب. عينان (8) : قرية بالبحرين، وأيضاً جبل بأحُد حيث خرج إبليس يوم أحد. عين زربة (9) : مدينة في الثغور الشامية بناها المهدي بن المنصور وأتقنها. عين شمس (10) : مدينة فرعون مما يلي جبل المقطم من البلاد المصرية، وهي مدينة خربة فيها صنمان من حجارة: أحدهما مما يلي المشرق والآخر مما يلي المغرب، طول كل صنم منهما ست أذرع، فإذا نظر الناظر إليهما خيّل إليه أن الشرقي منهما يضحك والغربي يبكي، وبين عين شمس ومصر أربعة فراسخ، وفيها آثار كثيرة وبنيان عجيب من أساطين رخام وتماثيل ونقوش، وفيها بركة عظيمة قد نقرت في حجر صلد، وحواليها كراس من رخام، فكان يجلس فرعون عليها ويملؤها بالخمر، وحواليها أنهار العسل وأنواع المشروبات، وبالقرب منها صورة من رخام يخيل للناظر أنها تتكلم، ذكر أنها كانت ماشطة فرعون. وهذه المدينة كانت طاعة لوالد زلخا زوجة العزيز. وبعين شمس مما يلي الفسطاط ينبت البلسان وهو النبات الذي يستخرج منه دهن البلسان ولا يعرف بمكان من الأرض إلا هناك.

_ (1) أشار حازم في مقصورته: 73 إلى إجراء الماء من جبل زغوان إلى جنة أبي فهر بقوله: وطود زعوان دعوت ماءه ... فلم يزغ عن طاعة ولا ونى وأنساب في قصر أبي فهر الذي ... بكل قصر في الجمال قد زرى (2) انظر المغانم المطابة: 286، وياقوت (العوالي) . (3) معجم ما استعجم 2: 979. (4) ديوان المتنبي: 288. (5) قارن بياقوت (عونيد) ، والمقدسي: 84. (6) ع ص: وهذه. (7) لا تزال معروفة بالقرب من مغاير شعيب، وهي عين ضعيفة فيها نخل (في شمال غرب الجزيرة: 603) ، وقارن بياقوت (عينون) . وانظر تحديداً دقيقاً لموقعها في ديوان كثير: 562. (8) انظر تفصيلات أوفى عند ياقوت (عينان) . (9) قارن بياقوت (عين زربي) . (10) معظمه عن الاستبصار: 84، وقارن باليعقوبي: 337، وياقوت (عين شمس) . والخطط 1: 228، وابن الوردي: 22، والإدريسي (د) : 145.

عيذاب:

عين الوردة (1) : موضع على مقربة من الكوفة إليها انتهى سليمان بن صرد وأصحابه التوابون الخارجون من الكوفة للطلب بدم الحسين رضي الله عنه وقالوا: لا توبة لنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه، وكانوا في من كتب إلى الحسين يسألونه الوصول إلى الكوفة، وكان سليمان ممن له صحبة، وكان خيّراً فاضلاً شهد مع علي رضي الله عنه صفين، فأقبل إليهم أهل الشام مع عبيد الله بن زياد فقتلوا سليمان وأكثر أصحابه، وذاك سنة خمس وستين، وقصتهم طويلة. وجاء في الحديث أن عين وردة هو التنور الذي فاض منه الطوفان. عين تمر: حصن بالعراق افتتحه خالد بن الوليد رضي الله عنه فإنه (2) لما فرغ من الأنبار استخلف عليها الزبرقان بن بدر، قصَدَ عين التمر وبها يومئذ مهران في جمع من العجم عظيم ومن النمر وتغلب وإياد ومن إليهم، فلما سمعوا بخالد رضي الله عنه قالوا: إن العرب أعلم بقتال العرب فصيروا إليهم، وعبى خالد رضي الله عنه جنده وقال لمجنبتيه: اكفونا ما عندكم فإني حامل، ووكل بنفسه حوامي، ثم حمل على صفوف تلك الأخلاط من العرب، فانهزموا من غير قتال، واتبعهم المسلمون فأكثروا فيهم القتل والأسر، ولمّا جاء الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن، فأتاه فلال العرب المنهزمين واعتصموا به، وأقبل خالد رضي الله عنه في الناس، فنزل عليه، فسألوه الأمان فأبى إلا على حكمه، فنزلوا، فضرب أعناق أهل الحصن أجمعين واستأصل من حوى حصنه وغنم ما فيه، ووجد في بيعتهم أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل، عليهم باب مغلق، فكسره عنهم وقال: ما أنتم؟ قالوا: رهن، فقسمهم على أهل البلاء، فمن أولئك الغلمان أبو زياد مولى ثقيف وحمران مولى عثمان ونصير أبو موسى بن نصير وسيرين والد محمد بن سيرين وأبو عمرة جد عبد الله بن عبد الأعلى الشاعر. عين ولغر (3) : بالأندلس بمقربة من جيان، وعين ولغر هذه كبيرة تجري سبعة أيام متوالية وتفيض سبعة أيام متوالية، كذلك دائماً. العيرات (4) : موضع بقرب رحرحان تنسب إليه برقة، ووقع في شعر امرئ القيس: غشيت ديارَ الحيَّ بالبكرات ... فعاذمة فبرقة العيرات عيساباذ: بالعراق فيها مات الخليفة الهادي، ووثبت الشراة بعيساباذ بعقبة بن سلم الباهلي وهو بباب المهدي بعيساباذ فقتلته، وكان عُقبة هذا أحد العتاة الجفاة، وهو الذي قال - وقد قيل له وليت ناحية كذا وفيها رهط معن بن زائدة وقد كان أساء لأهله فقابله بفعله - فقال: والله لو كنت على حمار هزيل وهو على فرس رائع ثم سابقني إلى النار لسبقته، ثم قال: يا غلام، افرش على شفير جهنم. عيذاب (5) : مدينة في أعلى الصحراء المنسوبة إليها في ضفة البحر الملح، ومنها المجاز إلى جدة، وعرضه مجرى يوم وليلة. ومرسى عيذاب جزيرة ليست بكبيرة ومساكنها من حجارة، والماء العذب يجلب إليها على مسيرة يوم، وهي محط السفن من جدة من التجّار وغيرها، وهي تقابل من الصعيد الأعلى مدينة قوص وقفط، وبينها وبين قفط في البر خمس مراحل لا ماء فيها إلا في موضعين. ومرسى عيذاب مأوى لجماعة بني يونس، والفجور فيهم فاش لا ينكره منهم منكر، ولا يكترى منه بيت إلا يشترط نفقة صاحبة البيت وإجراء الخلوة بها، وهم يأخذون من التجار عُشُوراً، وفيها قبالة الكلب، وهو كلب كان هناك للأمير في القديم. ومن عيذاب تسير القوافل إلى مدينة سواكن. وينزل عيذاب (6) والٍ من قبل رئيس البجة وعامل من قبل ملوك مصر يقتسمون جبايتها نصفين، وعلى عامل مصر القيام بجلب الأرزاق والمعيشة إلى عيذاب، وعلى رئيس البجة القيام بحمايتها من الحبشة. ورئيس البجة ينزل الصحاري ولا يدخل المدينة إلا غبّاً، وأهل عيذاب يتجولون في كل النواحي من أرض البجة ويشترون ويبيعون

_ (1) قارن بياقوت. (2) الطبري 1: 2062، وقارن بفتوح البلاذي: 302. (3) بروفنسال: 194، والترجمة: 235 وعنده ((عين والغر)) ؛ ع: ولعر. (4) معجم ما استعجم 3: 985، 1: 267. (5) نزهة المشتاق: 49، وانظر ابن الوردي: 36. (6) عاد إلى النقل عن نزهة المشتاق.

ويجلبون ما هنالك من السمن والعسل واللبن، وبالمدينة سمك يصاد بها كثير، وهو كبير لذيذ شهي، وتؤخذ بها المكوس من حاج الإسلام القاصد من بلاد المغرب، ثمانية دنانير على كل رأس، ولا يعبر أحدٌ من حاج المغرب إلى جدة حتى يظهر الرجل البراءة مما يلزمه، فإذا جاز المركب وسهل الله عليه الدخول إلى جدة أرسى على بُعْدٍ، ودخل الثقات من ناحية والي جدة فاقتضوا منهم المكوس (1) اللازمة لهم (2) ، فيدفع (3) له ما لزمه من المكس، ويأخذ هذا المكس الهاشمي صاحب مكة فيدفعه في أرزاق أجناده إذ لا تفي جبايته بلوازمه، فان عثر على رجل لا مكس معه لزم الذي جوزه، وربما سجن الرجل الحاج حتى يفوته الحج، وربما قيض الله له من يدفع له ما لزمه من المكس، ويأخذ هذا المكس الهاشمي صاحب مكة برسم ما ذكر. وأكثر (4) بيوتها الأخصاص، وهي من أحفل مراسي الدنيا، تختلف إليها مراكب الهند واليمن، تحط فيها وتقلع منها زائداً إلى مراكب الحجاج الصادرة والواردة، وهي في صحراء لا نبات فيها، ولا يؤكل فيها شيء إلا مجلوب، ولكن أهلها بسبب الحجاج والتجار تحت مرفق كبير، وفي بحر عيذاب مغايص على اللؤلؤ في جزائر على مقربة منها في شهر يونيه العجمي والذي يليه، ويستخرج منه جوهر نفيس له قيمة سنية، يذهب الغائصون عليه إلى تلك الجزائر في الزوارق، ويقيمون أياماً، فيعودون بما قسم لكل أحد منهم حسب حظه من الرزق، ويستخرجونها في أصداف لها أرواح كأنها نوع من الحيتان أشبه شيء بالسلحفاة. ولأهل عيذاب (5) في الحجاج ظلم الطواغيت فإنهم يشحنون مراكبهم حتى يجلس بعضهم على بعض وتعود بهم كأنها أقفاص الدجاج، يحمل أهلها على ذلك الحرص والرغبة في الكراء حتى يستوفي صاحب المركب حقه في طريق واحد، ولا يبالي بما يصنع البحر بهم ويقولون: علينا بالألواح وعلى الحجاج بالأرواح، وهذا مثل متعارف عندهم. قالوا: والأولى لمن يمكنه ألا يراها، وأن يكون طريقه على الشام إلى العراق.

_ (1) ص ع: المكس. (2) ص ع: واللازمة. (3) ص ع: يدفع. (4) رحلة ابن جبير: 69. (5) رحلة ابن جبير: 71.

الغابة:

حرفُ الغين الغابة (1) : من رسم خيبر وقيل موضع عند المدينة، وبها كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم. الغار (2) : المذكور في القرآن في قوله تعالى " إِذْ هُمَا في الغَارِ "، وهو غار ثور، جبل بمكة، وذلك حين هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة اختفى فيه هو وأبو بكر رضي الله عنه، من قريش حين خرجوا في اتباعه، وأمر الله تعالى العنكبوت فنسجت على فم الغار، وأرسل حمامتين وحشيتين فوقعتا على وجه الغار، وكان ذلك مما صدّ المشركين عنه، فيقال إن حمام الحرم من نسل تينك الحمامتين. وتقدم لدخوله أبو بكر رضي الله عنه ليقيه بنفسه لئلا يخرج منه ما يؤذيه، وفيه قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: " ما ظنك باثنين، الله ثالثهما "، وقصة الغار مشهورة. غانة: من بلاد السودان، بينها وبين سجلماسة مسيرة شهرين. وهي (3) مدينتان على ضفتي البحر الحلو، وهي أكبر بلاد السودان قطراً وأكثرها خلقاً وأوسعها متجراً، وإليها يقصد المياسير من جميع البلاد المحيطة (4) بها من سائر بلاد المغرب الأقصى، وأهلها مسلمون وملكها، فيما يذكر، من ذرية صالح بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهو يخطب لنفسه، لكنه تحت طاعة الخليفة العباسي، والذي يعلمه أهل المغرب الأقصى علماً يقينياً أن في قصره لبنة ذهب وزنها ثلاثون رطلاً نقرة (5) واحدة، خلقها الله تعالى خلقة تامة من غير أن تسبك في نار، وقد نقب فيها نقب، وهي مربط لفرس الملك (6) ، وهي من الأشياء الغريبة التي انفرد بها، وهو يفخر بها على سائر ملوك السودان، وهو أعدل الناس فيما يحكى عنه، ومن سيرته أن له جملة قواد يركبون إلى قصره كل صباح لكلّ قائد منهم طبل يضرب على رأسه، فإذا وصل إلى باب القصر سكت، فإذا اجتمع إليه قوّاده ركب وسار يقدمهم، ويمشي في أزقة المدينة، وداير البلد، فمن كانت له مظلمة أو نابه أمر تصدى له، فلا يزال حاضراً بين يديه حتى ينظر في مظلمته، ثم يرجع إلى قصره، فإذا كان بعد العصر وسكن حر الشمس ركب مرة ثانية وحوله جنوده، فلا يقدر أحد على قربه ولا الوصول إليه. ولباسه أزر حرير يتوشح بها أو بردة يلتفّ بها، وسراويل في وسطه، ونعل شركي في قدمه، وركوبه الخيل، وله حلية حسنة وزي كامل يقدمه أمامه في أعياده، وبنود كثيرة، وراية واحدة، وتمشي أمامه الفيلة والزراريف وضروب من الوحش التي في بلاد السودان. ولهم في النيل زوارق وثيقة الإنشاء يتصيدون فيها ويتصرفون بين المدينتين.

_ (1) قال ياقوت: الغابة موضع قرب المدينة من ناحية الشام، وعند البكري في معجمه 2: 521 في وصف الطريق من المدينة إلى الخبير: ((تخرج من المدينة على الغابة العليا ثم تسلك الغابة السفلى.. الخ)) ، وقول المؤلف ((من رسم خيبر)) إنما هو نقل متعجل غير دقيق لما قاله البكري (الغابة) : وهما غابتان ... تقدم ذكرهما وتحديدهما في رسم خيبر. (2) انظر مادة ((ثور)) في ما تقدم. (3) الإدريسي (د/ ب) : 6/ 7 (OG: 23) ، وصبح الأعشى 5: 284، وقارن بالبكري: 174، وابن الوردي: 35. (4) ص ع: المحيطين. (5) الإدريسي: تبرة. (6) جاء في صبح الأعشى 5: 284: ((وقد ذكر في الروض المعطار أن لصاحب غانة معلقين من ذهب يربط عليهما فرسان له أيام مقعده)) . وهذا غير دقيق بالمقارنة مع ما جاء في الأصل.

غافق:

قالوا (1) : وغانة سمة لملوكها، وهما مدينتان إحداهما يسكنها الملك والأخرى يسكنها الرعية والتجار والسوقة، والدور والمساكن نحو ستة أميال متصلة. وفي مدينة الرعية جامع كبير ومساجد كثيرة، وفيها الأئمة والمؤذنون والفقهاء والعلماء، وحواليها آبار عذبة منها يشربون وعليها يعملون الخضر والمقاثي. ومدينة الملك تسمى الغانة (2) ، وللملك بها قصر عظيم وقباب، قد أحاط بذلك كله حائط مثل السور، وعلى مقربة من مجلس حكم الملك وحول قصره قباب وغابات شعراء يسكنها أهل ديانته، وفيها قبور ملوكهم، ولها حرس فلا يمكن أحداً من الغرباء دخولها ولا معرفة ما فيها، وهناك سجون الملك، فإذا سجن أحداً انقطع خبره. وفي مدينة الملك مسجد يصلّي فيه من يفد عليه من تجار المسلمين، والملك يجلس للناس للحكم في قبة عظيمة، وأمام القبة عشرة أفراس من عتاق الخيل، عليها الجلال المذهبة من الحرير والديباج على قلتها في بلادهم. والملك يتحلى بحلي النساء في عنقه وذراعيه. ويحمل على رأسه طرطوراً مذهباً ويعمم عليه عمامة قطنية. وعن يمينه ويساره أبناء الملوك والوزراء وخاصته من أعيان بلده، قد ضفروا رؤوسهم بالذهب والجوهر، عليهم الثياب الرفيعة، ولا يلبس ثوباً مخيطاً من أهل دينه إلا هو وولي عهده، ومَنْ سواهما يلبسون ملاحف الحرير والديباج، وسائر أهل بلده يلبسون ملاحف القطن. والملك وسائر أهل بلده الذين على ديانته يحلقون لحاهم، ونساؤهم يحلقن رؤوسهن. ولا يولي الملك عهده إلا لابن أْخته، فإنه لا يشك فيه أنه ابن أخته، وهو يشك في ابنه، ولا يقطع بصحة اتصاله به. وإذا جلس الملك في قبته لمظالم الناس ينذرون لجلوسه بطبل عظيم يسمونه دَي (3) وهو خشبة طويلة منقورة قد جلدوها لها صوت هائل يجتمع الناس إليه، فإذا دنا منه أهل دينه جثوا على ركبهم وحثوا التراب على رؤوسهم، وأما المسلمون فتحيتهم عليه تصفيق باليدين،، وجلوس الوزراء أمامه إنما هو على الأرض تواضعاً للملك. وإذا مات الملك عملوا له قبة من خشب الساج عظيمة مذهبة، ووضعوها في موضع قبره ثم حملوه على سرير وأدخلوه في القبة، ووضعوا معه أوانيه التي كان يأكل فيها ويشرب، وأدخلوا معه الأطعمة والأشربة وكل من كان يخدم طعامه وشرابه، وأغلقوا عليهم باب القبة وجعلوا فوقها الحصر والأمتعة واجتمع الناس فردموا فوق القبة بالتراب حتى يأتي الموضع مثل الجبل الضخم ثم يحفرون حوله حفيراً عظيماً وعراً حتى لا يوصل إلى ذلك الكوم ولا إلى شيء منه إلا من موضع واحد. ولملك غانة مملكة واسعة نحو الشهرين في مثلها، وفي بلاده يوجد الذهب الكثير، وهو يعم جميع بلاد الدنيا، وأفضل الذهب بمملكته ما كان ببلد غيارو (4) ، وبينها وبين غانة نحو عشرين يوماً في عمارة متصلة بقبائل من السودان لا يحصى لهم عدد، وإذا وجد في جميع بلاد هذا الملك الندرة (5) من الذهب استصفاها الملك لنفسه ولم يتركها تخرج من بلاده لغيره، والندرة تكون من أوقية إلى رطل وإنما يتركون أن يخرج من بلادهم من الذهب ما كان دقيقاً، ولو تركوا كل ما يوجد في المعادن يخرج من بلادهم لكثر الذهب بأيدي الناس ولهان، ويذكر أن عند ملك غانة ندرة ذهب كالصخرة، وقد ذكر أن عند بعض ملوك السودان من هذه الندرات حجر عظيم يجعل أمامه، فإذا ورد عليه رسل من غيره من الملوك أمر بفرسه فربطت إليه ليباهي بذلك. وخيل غانة قصار جداً، وعندهم الأبنوس الجيد المجزع وهم يزدرعون مرتين في العام: مرة على النيل إذا خرج عندهم وأخرى على الثرى، وملك غانة إذا احتفل انتهى جيشه مائتي ألف، منها رماة أربعون ألفاً. غاردة: حصن عظيم بينه وبين مدينة برونه من مدن لنقبرده عشرون ميلاً، وهو معقل حصين إلى أبعد غاية، وفيه كانت أموال ملوك لنقبرده في الأزمان السالفة. حدَّث من رأى فيها جعاباً عظيمة مثل كبار التراس لا يقلّها إلا رجلان وأكثر. وحصن غارده هذا على بحيرة عذبة الماء طولها مجرى ثلاثة أيام وعرضها مجرى يوم، وهي كثيرة السمك جليلته. غافق (6) : بالأندلس بقرب حصن بِطْرَوش وهو حصن حصين ومعقل جليل، في أهله نجدة وحزم وجلادة وعزم، وكثيراً ما تسري

_ (1) الاستبصار: 219. (2) الاستبصار: الغابة. (3) الاستبصار: دبا. (4) الاستبصار: غياروا، وكذلك عند البكري: 177. البكري (مخ) : 31. وعند الإدريسي (د) : 905: غيارة، وسيأتي حديث المؤلف عنها بعد مادّتي ((غاردة)) و ((غافق)) . (5) اضطربت كتابة هذه اللفظة في ص ع بين: النورة، الندرة، البدرة. (6) بروفنسال: 139، والترجمة: 126، ومعظمه عن الإدريسي (د) : 213.

غرنتل:

إليهم سرايا الروم فيستنقذون منهم غنائمهم ويخرجونهم من أرضهم، والروم تعلم بأسهم وبسالتهم فيتجنبونهم. غيارو (1) : في بلاد السودان، بينها وبين غانة نحو عشرين يوماً في عمائر متصلة، وبين مدينة غيارو والنيل اثنا عشر ميلاً، وفيها كثير من المسلمين، وفي أهلها نجدة ومعرفة، وهم يغيرون على بلاد لملم ويسبونهم ويأتون بهم ويبيعونهم من تجار غانة، وبين غيارو ولملم ثلاث عشرة مرحلة، وبينها وبين غانة إحدى عشرة مرحلة، وهي طاعة لصاحب غانة، وإليه يؤدون لوازمهم. الغدير (2) : مدينة بقرب المسيلة من البلاد الزابية، وبينها وبين قلعة بني حماد ثمانية أميال، وهي مدينة حسنة أهلها بدو، ولهم مزارع وأرضون مباركة، والحرت بها قائم، والمسافة بينها وبين المسيلة ثمانية عشر ميلاً. وهي مدينة (3) أولية بين جبال، فيها عين ثرة عذبة عليها الأرحاء، وعين أخرى وتحتها عين خرّارة، ومن هناك ينبعث نهر سهر، وبمدينة الغدير جامع وأسواق عامرة وفواكه كثيرة، وهي رخيصة الطعام واللحم وجميع الثمار، قنطار عنب فيها بدرهم، وسكانها هوارة يعتدون في ستين ألفاً، وهي ما بين سوق مهرة وطبنة، وهي على مرحلتين من طبنة. غدامس: في الصحراء على سبعة أيام من جبل نفوسة. وهي (4) مدينة لطيفة قديمة أزلية إليها ينسب الجلد الغدامسي، وبها دواميس وكهوف كانت سجوناً للملكة الكاهنة التي كانت بإفريقية، وهذه الكهوف من بناء الأولين، وفيها غرائب من البناء والآزاج المعقودة تحت الأرض يحار الناظر فيها إذا تأملها، تبين أنها آثار ملوك سالفة وأمم دارسة، وأن تلك الأرض لم تكن صحراء وأنها كانت خصيبة عامرة. وأكثر طعامهم التمر والكمأة، وتعظم الكمأة في تلك البلاد حتى تتخذ فيها اليرابيع والأرانب أجحاراً. ومن غدامس يدخل إلى بلد تادمكة وغيرها من بلاد السودان. وبينهما أربعون مرحلة، وأهلها بربر مسلمون وملثمون على عادة بربر الصحراء من لمتونة ومسوفة وغيرهم. الغريّان (5) : بالكوفة، يُقال إن النعمان بناهما على قبر عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة لما قتلهما، قالت هند بنت معبد بن نضلة ترثيهما: ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد غرغة (6) : اسم جبل في بلاد زغاوة من أرض السودان فيه نمل على قدر العصافير، هي أرزاق لحيات طوال غلاظ تكون في هذا الجبل، يقال إنها قليلة الضرر، والسودان يقصدون هذا الجبل يتصيدون فيه هذه الحيات ويأكلونها. غرنتل (7) : في بلاد السودان، بلد كبير ومملكة جليلة لا يسكنها مسلمون ولكنهم يكرمونهم ويخرجون لهم عن الطريق إذا دخلوا بلادهم، وعندهم الفيلة والزرافات ومن غرنتل إلى غيارو. وهي على (8) ضفة النيل، وهي مدينة لطيفة القدر في سفح جبل وشرب أهلها من النيل، وأكلهم الذرة، ولباسهم الصوف، وعندهم الحوت والألبان، وهم يضربون في تلك البلاد بضروب التجارات التي تدور بين أيديهم. الغربال: أكمة كبيرة يجوز عليها ماء الحنية العادية المجلوب من جبل زغوان إلى معلقة قرطاجنة قبل الإسلام، أظنه سمي الغربال لأن فيه كان الماء يتصفى فيخرج عنه صافياً خالصاً، وهو موضع مشرف منفرج، وهو الذي عنى العابد محرز بن خلف في القصيدة المنسوبة إليه يقول فيها: ومن بعده التدمير يا صاح قد بنى ... بها طيطراً (9) ثم القناة فأبدعا

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 9/ 10 (OG: 26) . (2) الإدريسي (د/ ب) : 92/ 64. (3) البكري: 59، وقارن بالاستبصار: 166. (4) الاستبصار: 145، وقارن بالبكري: 182. (5) معجم ما استعجم 3: 995 - 996. (6) الإدريسي (د/ ب) : 36/ 21 (OG: 112) . (7) ص ع: غربيل، وكذلك عند الإدريسي (د) : 905، وأول المادة عن البكري: 177. (8) الإدريسي (د/ ب) : 9/ 10 (OG: 26) . (9) الطيطر او الطياطر: هو الملعب (المسرح: (Theatre) .

غزنة:

وشيد مجراها سنين لعدة ... ثلاث مئين بعد ذاك وأربعا وألفت من عين (1) بجقّار بعضها ... ومن لمنس (2) ؟ البعض حتى تجمعا فلما انتهى الغربال دبر أمرها ... وأنزلها ما بين ذلك أذرعا غزة (3) : موضع بديار جذام من مشارف الشام على ساحل البحر، وبها قبر هاشم بن عبد مناف، وفيه يقول الشاعر يرثيه: ميت بردمان وميت بسل ... مان وميت عند غزات غزال (4) : ثنية بين الجحفة وعسفان، قال كثيّر: قلن عسفان ثم رحن سراعاً ... قاطعاتٍ ثنية من غزالِ غزنة (5) : مدينة من مدن خوارزم منها أبو الفضل محمد بن أبي يزيد طيفور السجاوندي الغزنوي مصنِّف كتاب " عين المعاني في تفسير القرآن العظيم ". وفي سنة ست عشرة وأربعمائة وصل كتاب محمود بن سبكتكين سلطان خُراسان من مستقره بغزنة إلى خليفة بغداد أبي العباس أحمد القادر بالله أمير المؤمنين، يذكر فيه غزاة غزاها إلى بلاد الهند، ويصف ما سنّاه الله تعالى للإسلام من فتوحات وغنائم على يديه، أطال فيه القول، وكان المنشور في مائة طبق منصورية. وعلى مقربة من غزنة موضع يقال له بلخشان تقدم في حرف الباء. وفي سنة سبع عشرة وستمائة عاث الططر في بلاد غزنة والسند وما إلى تلك الجهات، وكان منهم فيها من القتل والنهب والإحراق والتخريب ما تصم عنه الأسماع. قالوا: ولم يبتل العالم بمثل كائنة الططر في عصر من الأعصار، فإنهم خرجوا من حدود الصين وملكوا معظم الأرض في نحو سنة، ولم يبلغ الاسكندر ولا بخت نصّر هذا المبلغ في هذه المدة، وإنما استقام لهم هذا الأمر بسبب عدم المانع، لأن خوارزم شاه كان قد استولى على ممالك المشرق وقتل ملوكها، فلما كسره الططر لم يجدوا من يخلفه في كل مملكة، لينفذ قضاء الله وقدره. وكان بها، حين نزلها الططر، جلال الدين خوارزم شاه في ستين ألف فارس، فقاتلهم ثلاثة أيام فكانت العاقبة له، وتصايح الناس: أحيا الله دولة خوارزم شاه بكَ يا جلال الدين، وقتل من الططر خلق لعب الصبيان برؤوسهم، ثم جاءوا في جيش ثان فكسرهم جلال الدين أيضاً، ثم جرت بين المسلمين فتنة على الغنائم فتفرقوا واستهزءوا بالططر وظنوا أنهم قد فلوا حدهم، فلما بلغ ذلك جنكزخان سار بنفسه إلى جلال الدين، ومعه جمهور الططر، فوجدوا المسلمين متقاتلين ومتفرقين، وبلغ الخبر جلال الدين، فسار إلى بلاد الهند، فلما انتهى إلى مهران، وهو النهر العظيم الذي ينزل إلى السند، فلم يقدر على عبوره بعسكره، والططر في اتباعه، فاضطروه إلى المصافة، فأدركه جنكزخان في جموع عظيمة، فدامت الحرب بينهم ثلاثة أيام، وقتل من الفريقين ما لا يحصى، ودخل جلال الدين مع أصحابه السفن، ورجع الططر إلى غزنة فدخلوها، لا حامي دونها، فتركوها دكّاء بعدما قتلوا أهلها وفعلوا ما جرت به عادتهم، والمشهور على ألسنة العجم أنه كان فيها اثنا عشر ألف مدرسة، فقس على هذا من أمرها ما يطول تفسيره. غلوة (6) : مدينة في بلاد النوبة على ضفة النيل أسفل من مدينة دمقلة، بينهما مسيرة خمسة أيام في النيل، وماؤهم من النيل وشربهم منه، وعليه يزرعون الشعير والذرة، وعندهم من البقول السلجم والبصل والقثاء والبطيخ، وأهلها يسافرون إلى بلاد مصر.

_ (1) ص ع: بحقار، وصوبناه من البكري: 44 حيث يذكر أن الماء يجلب إلى قرطاجة من عين جفار وسترد عند المؤلف ((جوقار)) . (2) اللفظة غير معجمة في ص ع، ولم أهتد إلى تصويبها. (3) معجم ما استعجم 3: 997. (4) معجم ما استعجم 3: 996. (5) قد تقدم ذكر هذه المدينة تحت اسم ((عربة)) . ولكن المؤلف هناك اعتمد مصدراً جغرافياً. وهنا ينقل عن مصدر تاريخي أو عن عدد من المصادر؛ وفي كشف الظنون: السبحاوندي. (6) وضع هذه المادة هنا من أوهام المؤلف، لأنها ((علوة)) بالعين المهملة. كما هي في الإدريسي (د) : 19 وعنه ما نقل هنا، غير أن المؤلف معذور، لأنها وردت في كثير من أصول نزهة المشتاق بالغين المعجمة، وهي كذلك أيضاً في النسخة التي أعتمدها. وقارن بما ورد عند اليعقوبي: 335، وابن حوقل: 61.

غمدان:

وطول بلاد النوبة على النيل مسيرة شهرين وأكثر. غليانة (1) : مدينة بجزيرة صقلية، كان نزل عليها المسلمون سنة خمس عشرة ومائتين في زمن زيادة الله بن الأغلب، ملك القيروان وعملها، وكان نائبه بها عثمان بن قرهب (2) ، وكان وصل إذ ذاك من الأندلس مراكب كثيرة، وأمير الأندلس إذ ذاك عبد الرحمن بن الحكم، كانوا فصلوا من طرطوشة يريدون بلاد الروم، فأخرجتهم الريح إلى صقلية، فنزلوا جزيرة طرابنش من صقلية، فأصاب الأندلسيون فيها كثيراً وفتحوا معاقل، وأثروا في الروم آثاراً كثيرة. ثم صار المسلمون بأجمعهم إلى غليانة فحصروها وتغلبوا على ربضها وغنموا ما فيه، ووقع الوبأ في المسلمين هناك، فمضوا بأجمعهم إلى ناحية طرابنش من صقلية، وصاحب أمر الروم يقتص آثارهم وينتهز الفرصة فيهم، لكثرة المرضى والضعفاء، فلما ألح عليهم صاحب الروم وأحرجهم كرّوا (3) عليه فقاتلوه، وأفرغ الله تعالى عليهم الصبر، فقتلوا عامة الروم وغنم المسلمون خيلهم وسلاحهم وقتلوا تدوطة (4) صاحب أمرهم، ثم اختلف الأمر بين صاحب الأندلسيين وصاحب الافريقيين، وصار مع كل واحد منهما طائفة، ثم رجع الناس بجزيرة صقلية إلى عثمان بن قرهب واستقاموا فضيقوا على أهل بلرم حتى سألوا الأمان، فأجابهم المسلمون إلى ذلك، وخرج بطريقها ومن معه، وغنم المسلمون ما فيها. وكان النصارى ببلرم يوم نزول المسلمين عليها سبعين ألفاً فلم يبق منهم عند خروجهم لطول الحصار وموالاة القتل عليهم ووقوع الموتان فيهم إلا نحو ثلاثة آلاف، واستوطن المسلمون مدينة بلرم واستولوا على ما جاورها، فكان فتحها سبباً لافتتاح الجزيرة، وبعث ابن قرهب إلى زيادة الله بن الأغلب بهدايا من الرقيق وغير ذلك، فاستقل ذلك وعزله وقدَم للجزيرة غيره. غلمونة: حصن غلمونة آخر ممالك الروم، وهو المجاور لروس إقليم الصقلب البلقارين والترك المادين مع خط الشمال، وعلى حصن غلمونة دخول الأتراك وخروجهم، وهو كالباب لبلادهم، وأهله نصارى يتكلمون بالعجمية. ومن حصن غلمونة إلى حصن أنقولاية (5) خمسون ميلاً في فحص فيه سبعة أجبل في كل جبل حصن يسمى الطالع (6) ، وأهلها لا يحرثون ولا يزدرعون إلا يسيراً، ولا ينتشرون على بعد في حوائجهم إنما معاشهم من أشجار وكروم حوالي الحصون، والطريق من حصن غلمونة إلى أنقولاية (7) مخوف من أجل الأتراك لذلك بنيت هذه الطلائع. غمدان (8) : قصبة صنعاء باليمن، كان الضحّاك بناه على اسم الزهرة، وخربه عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فصار تلاً عظيماً، وقد كان أسعد بن يعفر صاحب مخاليف اليمن في وقته أراد أن يبنيه فأشير عليه بأن لا يفعل، إذ كان بناؤه على يدي غلام يخرج من بلاد سبأ وأرض مأرب فيؤثر في صقع هذا العالم تأثيراً عظيماً. وحكى الجاحظ أنه كان أربع عشرة طبقة بعضها فوق بعض، وكان ملوك اليمن إذا قعدوا على أعلى هذا البنيان بالليل وأشعلت السرج رئي ذلك على مسيرة أيام كثيرة. وقد ذكره جد أمية بن أبي الصلت إذ قال في مدحه لسيف بن ذي يزن في القصيدة المشهورة: فاشرب هنيت عليك التاج مرتفعاً (9) ... في رأس غمدان داراً منك محلالا لأنه كان حلفَ ألا يشرب خمراً حتى يدرك ثأره من الحبشة. وأنشد ابن إسحاق (10) لذي جدن الحميري: دعيني لا أباً لكِ لن تطيقي ... لحاكِ الله قد أَنزفت ريقي وغمدان الذي حدثت عنه ... بنوه مسمَّكاً في رأس نيقِ وفيه جلس سيف بن ذي يزن لما فرغ من أمر الحبشة، ووفدت

_ (1) (Gagliano) . (2) ع ص: موهب. (3) ص ع: كبروا. (4) ع ص: بروطة؛ واسمه (Teodoto) . (5) ع: أبقولاية. (6) ص ع: الطابع. (7) ع: نقولاية. (8) البكري (مخ) : 21، وصبح الأعشى 5: 40، وقارن بما في الإكليل 8: 12، وياقوت (غمدان) ، ومعجم ما استعجم 3: 1002. (9) الرواية المشهورة: هنيئاً ... مرتفقاص. (10) السيرة 1: 38.

الغميصاء:

عليه وفود العرب يهنئونه، وجاء فيهم عبد المطلب بن هاشم وعرفه، وكان بينه وبينه من الخطاب والبشارة بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ما هو مشهور في التواريخ. وقد ذكر المسعودي غمدان في البيوت المعظمة. الغميصاء (1) : موضع في ديار بني جذيمة من بني كنانة، وهناك أصاب منهم خالد بن الوليد ما أصاب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليه عند فتح مكة ومعه بنو سُلَيْم، وكانت بنو كنانة قتلتْ في الجاهلية الفاكه بن المغيرة عمّ خالد وعوف بن عبد عوف والد عبد الرحمن، وهما صادران من اليمن، ثم عقلتهما وسكن الأمر بينهم وبين قريش، وكان لبني سُلَيم أيضاً في بني كنانة ذحول، فأسرعوا فيهم القتل بالغميصاء، وفي ذلك قيل: فكم فيهمُ يومَ الغميصاء من فتىً ... أصيبَ ولم يُشْمَلْ له الرأْسُ واضحا وكائن ترى يوم الغميصاء من فتى ... أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا فبعضهم يرى أنهم كانوا مسلمين، وأن خالداً أوقع بهم ليدرك بثأر عمه، ولذلك قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم وداهم وقال: " اللهم إني أبرأ إليك ممّا صنعه خالد ". غسان (2) : ماء بسد مأرب، كان شرباً لولد مازن بن الأزد فسموا به، ويقال: هو ماء بالمشلل قريب من الجحفة والذين شربوا منه فسموا به قبائل من ولد مازن بن الأزد بن الغوث وقال حسّان (3) : إما سألتِ فإنا معشر نجب ... الأزدُ نسبتنا والماءُ غسَّانُ غوران: مدينة في بلاد الترك صغيرة، يسكنها ملك صنف من الأتراك له جنود وقواد وعُمّال، وله حزم واجتهاد واحتراس من أعدائه المجاورين له، ويحيط بهذه المدينة مع مدن ثلاث غيرها جبل يستدير عليها استدارة النون، لا يدخل إليها إلا على فم ضيق يسعه القليل من الرجال، وهذا الفم عليه عقد من الجبل إلى الجبل جسور من الصخور، ويشق هذا الفم الذي يدخل منه إلى البلاد نهر كبير يأتي من داخل الجبل، ويخرج على فم هذا المضيق ويتصل جريه إلى بركة عظيمة خارج الجبل، وعلى هذه البركة قوم ظواعن ينتقلون في كل أرض. الغوير: نفق في حصن الزبا، وفيه قيل المثل: عسى الغوير أبؤساً، قالته الزبا. وذلك أن الزبا لما قتلت جذيمة قال قصير بن سعد لعمرو ابن أخت جذيمة: ألا تطلب بثأر خالك؟ قال: وكيف أقدر على الزبا وهي أمنع من عقاب لوح الجو، فأخرجها مثلاً، فقال قصير: اعمد إلى سرتي (4) فاصطلمها واجدع أنفي وأذني، واضرب ظهري ضرباً موجعاً، ودعني وإياها، ففعل ذلك، فلما سار إليها أعلمها سبب قصده إياها، وأن عمراً قد فعل ذلك به لما توهمه أنه أشار على جذيمة بالإقبال إليها حتى فعلت به ما فعلت، فصدقته وظنَّتِ الأمر كما وصف، ووعدته بالإحسان إليه، فأحسن خدمتها وأظهر النصيحة وحسنت منزلته عندها، وتحلى عندها بالتجارة وزينها لها، فبعثت معه مالاً وإبلاً إلى العراق، فصار قصير إلى عمرو في سرٍّ وأخذ منه مالاً وزاده على مالها واشترى طرفاً من طرف العراق ورجع إليها فأراها الأرباح، فسرَّتْ به، ثمّ جهَّزته مرة أخْرى فأضعف لها المال حتى عجبت من ذلكَ، وازدادت به سروراً وغبطة، فلما كانت المرة الثالثة أعدَّ لها جوالق وأدخل في الجوالق رجالاً بسلاحهم، وذلك بموافقة من عمرو، وقد سار معه، فكانا يسيران الليل ويكمنان بالنهار، ومع ذلك فإن الزبّا لما بعد خبره عنها سألت عنه فقيل لها: أخذ الغوير، فقالت: عسى الغوير أبؤساً، فأرسلتها مثلاً، ودخل قصير إلى الزبا والعير متأخرة عنه، فقال لها: قفي فانظري إلى العير، فرقت سطحاً لها، فجعلت تنظر إلى العير وهي تمشي قليلاً قليلاً فأنكرت مشيتها وقالت: ما للجِمالِ مشيها وئيدا ... أجندلاً يحملن أمْ حديدا ... أم صرفاناً بارداً شديدا ... أمَ الرجال جثماً قعودا ... والصرفان: الرصاص، فانتهوا إلى الحصن الذي هي فيه وقد أظلم

_ (1) معجم ما استعجم 3: 1006، وقازن بالسيرة 2: 428 - 436. (2) عن السيرة 1: 9 - 10، وقارن بياقوت (غسان) . (3) ينسب أيضاً إلى سعد بن الحصين جد النعمان بن بشير. (4) ص ع: شرتي.

غيطة:

الليل، وشغلت هي ولم ترتب بقصير، فلما دخلت العير المدينة تقدم قصير فوقف على الباب وعليه بوّابون من النبط وفيهم رجل بيده سفَود فطعن جولقاً منها فأصاب رجُلاً، وقال البوّاب: الشرّ الشرّ فانتضى قصير سيفه فضرب به البوّاب فقتله، وجاء عمرو على فرسه فدخل الحصن، وبركتِ الإبل، وحلَتِ الرجال الجوالق ومثلوا في المدينة بالسلاح، وكانت الزبا قد اتخذت سرباً أجرت به الماء من قصرها إلى قصر أختها، فقصده عمرو وقد كان وصفه له قصير، ووصف له الزبا، وكانت الزبا وصف لها عمرو بصورته على كل حالاته، تريد بذلك أن تعرفه لتأخذ حذرها منه، فلما رأت الزبا عمراً عرفته، فولت هاربة، فلحقها عمرو، فلما أيقنت بلحاقه إياها مصَّتْ خاتماً في يدها مسموماً وقالت: بيديَ لا بيدك يا عمرو، فماتت مكانها، وقيل إنه جللها بالسيف، ثم استباح بلادها واستولى على ملكها، وقيل: بل إنما أصل المثل: عسى الغوير أبؤساً أنه كان غار فيه ناس، فانهار عليهم وأتاهم فيه عدو فقتلهم فصار مثلاً لكل شيء يخاف عليه أن يأتي منه شيء ثم صغر الغار والأبؤس جمع البأس. الغور: غور تهامة. وهو أيضاً قرية عظيمة بينها وبين بلخ ثلاثة فراسخ. ومن بيسان إلى طبرية يسمى الغور لأنها بقعة بين جبلين وسائر مياه الشام تنحدر وتجتمع فتكون بحراً زخاراً أوله من بحيرة طبرية، وجميع الأنهار تنصب إليه مثل نهر اليرموك وأنهار بيسان وما ينصب من جبال بيت المقدس وجبل قبر إبراهيم عليه السلام، وجميع ما ينصب أيضاً من نابلس يجتمع الكل حتى يقع في بحيرة زغر وتسمى بحيرة سادوم وعامورا، وهما كانتا مدينتي قوم لوط عليه السلام فغرقهما الله تعالى، ومكانهما بحيرة ميتة لأنها ما فيها شيء له روح ولا حوت ولا دابة، وماؤها حارّ كريه الرائحة، وفيه سفن صغار تحمل الغلات وصنوف الثمر إلى أريحا وسائر أعمال الغور، وطول هذه البحيرة ستون ميلاً في عرض اثني عشر ميلاً، وهذه البحيرة الميتة تُرى من أعلى بيت المقدس، وإليها ينتهي ماء بحيرة طبرية، وهو الأردن، فإذا انتهى إلى البحيرة الميتة (1) ، خرقها وانتهى إلى وسطها، وهو نهر عظيم لا يدرى أين غوصه من غير أن يزيد في البحيرة الميتة. ومن البحيرة الميتة تخرج الأحجار التي تستعمل لوضع الحصى، وهو نوعان ذكر وأنثى: فالذكر للرجال والأنثى للنساء، وأكثر نبات بلاد الغور النيل وأهلها سمر إلى السواد. الغوطة (2) : قيل هي قصبة دمشق، وقيل هو موضع متصل بدمشق من جهة باب الفراديس، جبال ومزارع. وطول الغوطة (3) مرحلتان في عرض مرحلة، وبها ضياع كالمدن وجامع قريب الشبه بجامع دمشق والغوطة أشجار وأنهار ومياه محدقة تشق البساتين، وبها من أنواع الفواكه ما لا يحيط به تحصيل خصباً وطيباً. وفي الخبر (4) أن معاوية رضي الله عنه لما رأى القتل في أهل الشام يوم صفين، وكلب أهل العراق عليهم، تجهم لنعمان بن جبلة التنوخي، وكان صاحب راية قومه من تنوخ وبهراء، وقال له: والله لقد هممت أن أولي قومك من هو خير منك مقاماً وأنصح جيباً، فقال له النعمان: إنا لو كنا ندعو إلى حيسٍ مجموع لكان في الرجال بعض الأناة، فكيف ونحن ندعوهم إلى سيوف قاطعة وردينية شارعة، وقوم ذوي بصائر نافذة، والله لقد نصحتك على نفسي، وآثرت ملكك على ديني، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه، وحدتُ عن الحق وأنا أبصره، وما وفقت لرشدي حين أقاتل عن ملكك ابنَ عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوّلَ مؤمن به ومهاجر معه، لو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف بالرعية، وأجزل في العطية، ولكن قد بذلنا لك أمراً لا بد من إتمامه، غياً كان أو رشداً، وحاشا أن يكون رشداً. وسنقاتل عن تين الغوطة وزيتونها إذ حرمنا ثمار الجنة وأنهارها، وخرج إلى قومه وصمد للحرب. ويخرج (5) ماء الغوطة من عين تنحط من أعلى الجبل كالنهر العظيم لها صوت هائل ودوي عظيم يسمع على بعد. غيطة (6) : جزيرة للنصارى بإزاء نابل، بينهما مجرى على المجاز إلى صقلية، عرض المجاز ستة أميال.

_ (1) سقط من ع. (2) معجم ما استعجم 3: 1008. (3) نزهة المشتاق: 116. (4) مروج الذهب 4: 365. (5) عاد إلى النقل عن نزهة المشتاق. (6) ذكر الإدريسي (م) : 78 غيطة (Gaeta) وقال إنها مدينة القطر كثيرة الأهل، موضعها قرطيل منقطع عن البر ولها مرسى حسن مأمون مشتى ... ومنها غرليان (Garigliano) خمسة عشر ميلاً.

فراغ

فاختة:

حرف الفاء فاراب (1) : في بلاد الترك فيها مسلحة للمسلمين ومسلحة للأتراك، منها (2) أبو نصر محمد بن نصر الفارابي المتفلسف، كان معاصراً للمتنبي، ويُحْكى أن المتنبي لما قال (3) : ومن أنفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر قال له الفارابي: خطبت يا أبا الطيب، فسرَّ المتنبي بذلك وأظهر الفرح. فارس: بلد معروف، أصله بالفارسية بارس بالباء، يضم عشر كور، منها: سابور واصطخر وازدشير وأرجان وغيرها. فاضح (4) : موضع بمكة، سمي بذلك لأن مضاض بن عمرو والسميدع التقيا به فتقاتلا فقتل السميدع، وفضحت قطورا، فسمي بذلك فاضحاً. فاران: جبال فاران بالحجاز، وقيل أن في التوراة ذكر جبال فاران، ومدينة فاران في قعر جون، وهي مدينة صغيرة يأوي إليها بعض عرب تلك الناحية. قالوا: وفي بحر فاران غرق فرعون. فامية: بالعراق، وفامية بالشام بين أنطاكية وحِمْص. وحكى الأوزاعي قال: بلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه نزل فامية فلم يضفه أحد، فلما رأى ذلك وضع سفرته، ثم دعا إليها فلم يجبه أحد، فلما رأى ذلك ارتحل، فقيل لهم: هذا أبو هريرة، فلحقوه فجعلوا يعتذرون إليه، فقالوا: ما عرفناك، فقال: أما تنزلون إلا من تعرفون؟ ما أنتم من الدين على مثل هذا، وأخذ هدبة من ثوبه. فارع (5) : أطم حسَّان بن ثابت رضي الله عنه بالمدينة، قال: أرقت لتوماض البروق اللوامع ... ونحن نشاوى بين سلع وفارع فاختة (6) : مدينة من كور كرمان صالحة فيها منبر، ولها أسواق، وسمّاها المأمون مرو الكبيرة، وهي أنزه موضع، والغالب عليها أشجار اللوز والغبيراء والجوز والرمّان والسفرجل، وبالجملة ففواكهها تفضل على سائر فواكه البلدان. وحمل منها المعلى (7)

_ (1) كانت فاراب (باراب) تعد عاصمة مقاطعة اسيبجاب، وقد ذكر المقدسي: 273 أن عدد سكانها كان يبلغ 70 ألفاً، وقارن بياقوت (فاراب) . (2) يذكر ابن حوقل: 418 وسيج ويقول: ومنها أبو نصر البارابي صاحب كتب المنطق المفسر لكتب القدماء والمتقدم في ذلك على كل من كان في زماننا وعصرنا وأيامنا. (3) ديوان المتنبي: 175. (4) قارن بياقوت (فاضح) . (5) معجم ما استعجم 3: 1013. (6) هي باختة عند ابن حوقل: 273. وتصحفت في نزهة المشتاق: 132 فكتب ((ناجية)) وقال الإدريسي: وهي صغيرة حسنة صالحة العمارات ولها أسواق وبها صناعات؛ ومنها إلى السيرجان ثلاثمائة ميل ومنها إلى جيرفت جنوباً ستون ميلاً.. وناجية مدينة جليلة الزراعات والأشياء إليها جلب. (7) ص ع: أبو المعلى.

الفارياب:

ابن طريف إلى الرشيد سفرجلاً ورماناً ففضلهما، ورمانها إمليسي، وحمل إليه منها آلة للَّهْوِ يُقال لها الزنج تشبه الصنج، له سبعة عشر وتراً (1) فلما استحضره قال: من لنا بمن يضرب به. فقال: لم أحمله إليك إلا وقد تعلمته، فدعا (2) به وأمره بالضرب وأحضر وصيفة تسقيهما، فضرب على الزنج ونظر إلى الوصيفة ثم غنى: ممكورة الساقين صفر الحشا ... خلخالها يسقط من رجلها لا والذي أصبحتُ عبداً له ... ما نظرتْ عيني إلى مِثْلها ممشوقة كالغصن ميالة ... جارية أفرق من ظلها فقال له الرشيد: لا تفرق من ظلها يا معلى، هي لك، خذها وانصرف إلى عملك، ولست أعزلك عنه ما حييت (3) ، فرجع وبنى قصر المعلى واتخذ بها ضياعاً. الفارياب (4) : مدينة من الجوزجان أصغر من الطالقان قطراً، وهي أكثر خلقاً وأوفر عمارة وبساتين ومياهاً جارية، وفيها طرز وصنائع وتجار مياسير، وبها مسجد جامع. وكان أهل الفارياب (5) قد جمعوا للأحنف بن قيس حين وجهه إليهم ابن عامر في أربعة آلاف فلقوه في ثلاثين ألفاً، ثلاثة زحوف فهزمهم الله تعالى ونصر المسلمين. فاس (6) : مدينة عظيمة، وهي قاعدة المغرب، وهما مدينتان مقترنتان يشق بينهما نهر كبير يسمى وادي فاس، يأتي من عيون تسمى عيون صنهاجة، وفي كل زقاق ساقية يجرونها متى شاءوا، وفي كل دار صغيرة كانت أو كبيرة ساقية ماء، وبين أهل المدينتين فتن ومصاولات، وفيهما معاً ضياع ومعايش ومبان سامية وقصور، ولأهلها اهتمام بحوائجهم، ونعمها كثيرة، والحنطة بها رخيصة، وفواكهها كثيرة، وخصبها زائد، وفي أهلها عزة ومنعة، ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة. وبالجملة فمدينة فاس (7) قطب بلاد المغرب الأقصى ويسكن حولها قبائل من البربر، لكنهم يتكلمون بالعربية، فهي حضرة المغرب الكبرى وإليها تشد الركائب وتقصد القوافل، وتجلب إلى حضرتها كل غريبة من الثياب والبضائع والأمتعة، وأهلها مياسير ولها من كل شيء حسن أوفر حظ. ويدور عليها سور عظيم، وبين المدينتين قناطر كثيرة، وتطَّرِد فيها جداول لا تحصى تخترق كلتا المدينتين، وفيها عيون كثيرة لا تحصى، وهي أبداً تتزيد في مواضع الانخفاض من المدينة، وفيها أرحاء للماء نحو ثلثمائة وستين رحىً يضمها السور، سوى الأرحاء التي خلف السور، وهي في التزيد، وربما وصلت أربعمائة، والنهر الذي يخترق مدينتي فاس ينبعث من عين عظيمة لها منظر عجيب، فيها نحو الستين فوارة في دائرة يجتمع منها هذا النهر الكبير، بينها وبين المدينة نحو عشرة أميال في بساط من الأرض لا يكاد يتبين جري الماء فيه لاستواء أرضه. ومدينة فاس (8) محدثة، أسست عدوة الأندلسيين في سنة اثنتين وتسعين ومائة، وعدوة القرويين في سنة ثلاث وتسعين ومائة، في ولاية ادريس بن ادريس الفاطمي، ومن ذريته بقايا إلى اليوم (9) ، ومدينة فاس اليوم في نهاية العمارة والصلاح، قد بنيت أكثر جنانها الملاصقة لها دوراً وأضيفت إليها، وفيها اليوم ثلاثة جوامع بثلاث خطب، جامع عدوة الأندلس، وهو جامع كبير متقن البناء، يقال إن ابن أبي عامر زاد فيه، وجامع عدوة القرويين أكبر من جامع عدوة الأندلس، وزيد في العهد القريب في هذا الجامع باب كبير مشرف جميل المنظر من جهة الجوف، وسقاية متقنة البناء ملاصقة له، ماؤها من الوادي، وجلب لها ماء عين هو في أيام الحر في نهاية البرد، وفي أيام البرد فيه بعض

_ (1) قال المسعودي (المروج 8: 90) وكان غناء أهل خراسان وما والاها بالزنج وعليه سبعة أوتار وإيقاعه يشبه إيقاع الصنج. (2) ص ع: فهلا. (3) ص ع: جيته. (4) قارن بياقوت (فارياب) ، والمؤلف ينقل عن نزهة المشتاق: 144. (5) انظر الطبري 1: 2897. (6) الإدريسي (د/ ب) : 75/ 50، وقارن بالبكري: 115 وما بعدها، في كل المادة، وابن الوردي: 14، وفي صبح الأعشى 5: 154، نقل عن الروض. (7) الإدريسي (د/ ب) : 79 53. (8) الاستبصار: 180. (9) يعني في عهد صاحب الاستبصار، وعلى وجه الدقة سنة 587.

فازار:

الحرارة، وكذلك صنع بجوفيّ جامع القرويين سقاية متقنة البناء ومياه جارية مع عتبة الباب الجوفي، وفوارة مرتفعة نصف قامة داخل الصحن، فعل كل ذلك في حدود سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وكذلك بقصبة السلطان جامع شريف معظم فيه الخطبة، أحدثها فيه خلفاء بني عبد المؤمن لأن القصبة منحازة عن البلد بسور، فوجب أن يكون فيها جامع وفي كل عدوة شريعة لخطبة العيد. ومدينة فاس كثيرة الخصب والرخاء كثيرة البساتين والمزدرعات والفواكه وجميع الثمار، ولها أنظار واسعة متصلة العمائر، وعدوة القرويين من هذه المدينة أكثر بساتين وأشجاراً ومياهاً وعيوناً (1) من عدوة الأندلسيين، وكلاهما خصيبة عظيمة القدر، ويقال إن رجال عدوة الأندلس أشجع وأنجد من رجال عدوة القرويين ونساؤهم أجمل من نساء القرويين، ورجال القرويين أجمل من رجال الأندلسيين، ويقال أن بعدوة الأندلسيين تفاحاً حلواً (2) يعرف بالاطرابلسي جليل حسن الطعم والرائحة، يصلح بها ولا يصلح بعدوة القرويين، وكذلك بعدوة القرويين أترج جليل يجود بها ولا يجود بعدوة الأندلسيين، وكذلك سميد عدوة الأندلسيين أطيب من سميد عدوة القرويين، وهذه المدينة قصبة (3) بلاد المغرب، وكملت بهجتها في أيام بني عبد المؤمن، ومنها يتجهز إلى بلاد السودان وإلى بلاد المشرق، ومنها يحمل النحاس الأصفر إلى جميع الآفاق. وموقع (4) وادي فاس بوادي سبو على نحو ثلاثة أميال من المدينة، ووادي سبو هذا نهر عظيم من أعظم أنهار بلاد المغرب منبعه من جبل بني وارتين ورأس العين في شعراء (5) غامضة يهاب الداخل الدخول فيها، وهي دهسة عظيمة لا يدرك لها قعر، وللبربر المجاورين لذلك الموضع فيها تجارب، منها أن المريض إذا أرادوا أن يعلموا هل يعيش أو يموت حملوه لرأس العين فيغطسونه في ذلك الموضع المهول حتى يقرب أن يهلك ثم يخرجونه، فإذا خرج على فيه دم استبشروا بحياته وإلا أيقنوا بهلاكه وهذا عندهم متعارف لا ينكر. ويتصيّد في هذا الوادي الشابل الكثير ويطلع إلى رأس العين أو قريب منه، ويدخل في ذلك الوادي الحوت الكثير. وبين فاس وتلمسان عشرة أيام في عمائر متصلة، وكانت فاس دار مملكة بني ادريس العلويين وملكوا منها بلاد المغرب كلها إلى أقصى بلاد السوس طاعة في معصية، وكانت في أيامهم دولة برغواطة الذين تدينوا بديانة القدري صالح بن طريف البرغواطي، وملك العلويون بعض بلاد الأندلس، وتسمّوا بأمراء المؤمنين، وخطب لهم بالإمامة. ومن فاس أبو عمران الفاسي الفقيه الإمام المشهور بالعلْم والصلاح وهو أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حجاج الغفجومي الفاسي (6) ، توفي بالقيروان في الثالث عشر من شهر رمضان سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وقال أبو عمر بن عبد البر: وُلِدْتُ مع أبي عمران في سنة واحدة، سنة ثمان وستين وثلثمائة. فازار (7) : هو من الجبال المشهورة في بلاد المغرب، وهو جبل كبير تسكنه أمم كثيرة من البربر، يطردهم الثلج عنه فينزلون إلى ريف البحر الغربي، وهم يكسبون من البقر والغنم والخيل، وخيل هذا الجبل من أعتق الخيول لصبرها وخدمتها، وهي مدورة القدود حسنة الخلق والأخلاق، ولحوم غنمه أطيب اللحوم، وفي هذا الجبل أنواع النبات من العقاقير التي تنصرف في العلاجات الرفيعة، وفيه خشب الأرز العتيق الغالي، وهو مأوى القردة، وهي تثب من أرْزة إلى أخرْى في الجو الأعلى، وفي هذا الجبل قلعة تنسب للمهدي بن توالا في نهاية المنعة، أقام عليها عسكر الملثمين سبعة أعوام وبناؤها بالألواح، وإليها كان تغريب المعتمد محمد بن عباد فقال متمثلاً: غرّبنا (8) بنقض العهود، لبلد أهله يهود، وبناؤه عود، وجيرانه قرود. وكان اليهود في ذلك التاريخ أكثر سكانه لأنهم سوقة فيلجؤون إلى الحصن تحوطاً على سلعهم. فحص البلوط (9) : بالأَندلس، بينه وبين قُرْطُبة مرحلتان أو ثلاث، ومن هذا الفحص جبل البرانس، وفيه معدن الزئبق ومن هناك يُحْمل إلى الآفاق، وبهذا الجبل الزيتون المتناهي في الجودة،

_ (1) ص ع: أكثر بساتين وأشجار ومياه وعيون. (2) ص ع: تفاح حلو. (3) ص ع: قطر. (4) النقل مستمر عن الاستبصار: 184 بعد الاستغناء عن تفصيلات كثيرة وردت فيه. (5) الاستبصار: بئر. (6) انظر الديباج المذهب: 344. (7) ص ع: فاران؛ والمادة عن الاستبصار: 187. (8) ع ص: غريباً وفي الاستبصار: حزيناً. (9) بروفنسال: 142.

فحص أبي صالح:

وبموضع يقرب من معدن الزئبق جبل يعرف بجبل المعز، في شعراء هناك حجر يسمى حجر العابد، في وسطه قَلتْ، وهي حفرة على قدر الصفحة بمقدار ما يدخل الإنسان فيها يديه ويملؤهما من ماء هناك فيشرب أو يصنع به ما احتاج إليه فيأتي إليه النفر الكثير فيكفيهم ويرجع إلى حدّه لا يغيض ولا يغور. وذكر من رآه أنه جاءه في نيف وثلاثين رجُلاً أو نحو ذلك، وهذا معروف هناك. وبهذا الفحص بلاد وأسواق، وجباية هذا الفحص في عهد الأمير محمّد ألفان اثنان، ويتصل بأحواز فحص البلوط أحواز فريش وتنتظم قراه بقراها. وإلى فحص البلوط ينسب القاضي أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطى، وقد مرّ ذكره في حرف الباء. فحص تل: من أحواز بونة بإفريقية، وهذا الفحص من أطيب أرض إفريقية مزدرعاً، منه الشيخ أبو مروان (1) الفحصيلي، أحد الصالحين الأبدال، له كرامات وأخبار رحمه الله، وهو مدفون بالمسجد الجامع ببونة، وبازائه كان قبر الأمير أبي زكريا رحمه الله. فحص أبي صالح (2) : بإفريقية أيضاً وبقرب جبل زغوان، كان أبو صالح مولى حسان بن النعمان نزله حين وجهه حسّان إلى محاصرة قلعة زغوان، فسمي الفحص به، وحاصرهم أبو صالح ثلاثة أيام فلم يقدر منهم على شيء، فرحل إليه حسّان في خيل مجردة ففتحها صلحاً، وقد مرَّ ذلك في حرف الزاي. فحل (3) : موضع أو مدينة بالشام، فيه كانت الوقيعة بين المسلمين والروم في إِمرة أبي عُبَيدة بن الجرّاح رضي الله عنه، وهي من مشاهير أيامهم، حضرها معاذ بن جبل وخالد بن الوليد، وأمير الناس أبو عبيدة بن الجرّاح، فقتلوا منهم في المعركة نحو خمسة آلاف، وقتلوا في عسكرهم حين دخلوه نحواً من ألفين، وخرجوا عباديد منهزمين، وخيْل المسلمين تتبعهم وتقتلهم، حتى اقتحموا في فحل، وفحل مطلّة على أهوية تحتها الماء فتحصنوا فيها، وأصاب المسلمون منهم نحواً من ألفي أسير فقتلهم المسلمون وأقبل أبو عبيدة رضي الله عنه حتى دخل عسكرهم وحوى ما فيه، وصار من بقي من العدو في الحصون وقد قتل الله منهم مقتلة عظيمة، وغلبوا على سواد الأردن وأرضها، وكتب أبو عبيدة إلى عمر رضي الله عنهما بالفتح، ولما رأى أهل فحل أن الأردن قد غلبوا عليها سألوا الصلح على أن يؤدوا الجزية، فصالحهم المسلمون وكتبوا لهم كتاباً. فخ: بالخاء المعجمة من فوق، من فجاج مكة، بينه وبين مكة ثلاثة أميال، وقيل ستة أميال، وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل بفخ قبل دخوله مكة، وبفخ كانت وقعة الحسين وعقِبِه، قاله البكري (4) ، وذلك أن الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن (5) بن علي رضي الله عنهم كان قام بالمدينة أيام موسى الهادي، ثم خرج إلى مكة في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة، وخرج معه جماعة من بني عمه وإخوته منهم يحيى وإدريس ابنا عبد الله بن حسن، وبلغ الهادي خبره فخلا بنفسه ليلته جمعاء فجعل يكتب كتباً بخطه ونحى كل من كان بحضرته من غلام وغيره، فغمَّ خاصته خلوته، وكان لهم غلام صغير يقف على رأسه، فدسوه ليعرف خبره، فعلم ما يريد فقال وهم يسمعون متمثلاً: رقد الأولى ليس السرى من شأنهم ... وكفاهم الادلاج من لم يرقدِ قال المسعودي (6) : وكان على الجيش الذي حاربه جماعة من بني هاشم منهم سليمان بن أبي جعفر ومحمد بن سليمان بن علي

_ (1) ص: أبو هرون الفحصلي؛ وقد ورد ((أبو مروان)) في تاريخ الدولتين: 24، وقد كتبه محققاً الفارسية: 114 أبو مروان اليحصبي (وغيراه عما صورته: المحصيلي، وهو قريب من صورة الاسم هنا) ولعله الفحصيلي أو الفحصتلي؛ وقد مر ((أبو مروان الفحصلي)) واضحاً في ما تقدم (مادة ((بونة)) ) . (2) ذكره ابن أبي دينار (المؤنس: 58) وقال: هو الفحص المعلوم في زماننا قريب من بلد زغوان؛ قلت: وقد نزل فيه أبو يزيد مخلد بن كيداد في بعض تنقلاته محارباً العبيديين. (3) أورد الازدي: 109 - 126 خبر فحل مفصلاً، وقارن بفتوح البلاذري: 137. (4) معجم ما استعجم 3: 1015، ويبدو أن هناك إشكالاً في قوله ((وعقبه)) ؛ ولعل صوابها ((وعصبته)) أي قومه من بني أبي طالب وأثبتها محقق البكري ((وعقبة)) ، وفي خبر صاحب فخ انظر مقاتل الطالبيين: 431 - 460. (5) ع: الحسين. (6) مروج الذهب 6: 266.

فدك:

وموسى بن عيسى بن موسى والعباس بن محمد بن علي في أربعة آلاف فقتل الحسين وأكثر من كان معه، وأقاموا ثلاثة أيام لم يواروا حتى أكلتهم السباع والطير، وكان معه سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم، فأسر في هذا اليوم وضربت عنقه بمكة صبراً وقتل معه عبد الله بن الحسن بن (1) إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي، وأسر الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي فضربت عنقه صبراً، وأخذ لعبد الله بن الحسن بن علي (2) وللحسن (3) بن علي أمان، فحبسا عند جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، وقتلا بعد ذلك، فسخط الهادي على موسى بن عيسى لقتله الحسين بن علي بن الحسن وترك المصير به إليه ليحكم فيه بما يرى، وقبض أموال موسى، وأظهر الذين أتوا بالرأس الاستبشار، فبكى الهادي وزجرهم وقال: أتيتموني مستبشرين كأنكم أتيتموني برأس رجل من الترك والديلم، إنه رأس رجل من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن أقل جزائكم عندي ألا أثيبكم شيئاً، وفي الحسين بن علي صاحب فخ يقول بعض شعراء ذلك العصر من أبيات: فلأبكينَّ على الحسي ... ن بعَوْلَةٍ وعلى الحسنْ وعلى ابن عاتكةَ الذي ... أثووه ليس له كفن تركوا بفخ غدوة ... في غير منزلة الوطن كانوا كراماً قتّلوا ... لا طائشين ولا جُبُن غسلوا المذلةَ عنهم ... غسل الثياب من الدرن هُديَ العباد بجدهم ... فلهم على الناس المنن (4) وقال سلم الخاسر في ذلك: إنَّ المَنايا وهي غدّارة ... صادت حسيناً ثانياً يوم فخْ أوقد ناراً خابياً ضوءها ... لم يغن للإيقاد فيها بنفخ كبيذق لم يحمه شاهه ... فشنجته ضربة شاه رخ وقال داود بن علي بن عبد الله في ذلك (5) : يا عين بكى بدمع منك منحدر ... فقد رأيت الّذي لاقى بنو حسن صرعى بفخ تجرُ (6) الريح فوقّهمو ... أذيالها وغوادي دلح المزن حتى عفت أعظم لو كان شاهدها ... (7) محمّد ذب عنها ثم لم تهن ماذا يقولون والماضون قبلهم ... على العداوة والشحناء والأحن ماذا نقول إذا قال الرسول (8) لنا ... ماذا صنعتم بنا في سالف الزمن لا الناس من مضر حاموا ولا غضبوا ... ولا ربيعة والأحياء من يمن يا ويحهم كيف لم يرعوا لهم حرماً ... وقد رعى الفيل (9) حق البيت ذي الركن وهرب يحيى وادريس ابنا عبد الله بن حسن، فأما ادريس فوقع إلى بلاد المغرب، ويأتي خبره إن شاء الله تعالى في رسم مليلة من حرف الميم، وأما يحيى فاختفى ثم تجول في البلدان. وبفخ أيضاً كانت مقابر المهاجرين، إذ (10) كل من جاور منهم بمكة فمات يدفن هناك. فدك (11) : معروفة (12) ، بينها وبين المدينة (13) يومان، وحصنها يقال له الشمروخ، بقرب خيبر، وكان أهل فدك قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم

_ (1) مروج الذهب: عبد الله بن إسحاق. (2) زاد في ص ع: بن علي. (3) مروج الذهب: وللحسين. (4) إلى هنا ينتهي النقل عن مروج الذهب. (5) وردت في مقاتل الطالبيين: 460، وبعضها في ياقوت (فخ) . (6) ع ص: الرياح. (7) ص ع: لم يهن. (8) مقاتل الطالبيين: ماذا يقولون إن قال النبي لهم. (9) ص ع: الليل. (10) ص ع: من. (11) معجم ما استعجم 3: 1015، وصبح الأعشى، وخلاصة الوفا: 396. (12) ص ع: معرفة. (13) معجم البكري: خيبر.

الفراض:

على النصف من ثمارها في سنة ست، وكانت له خالصة لأنه لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، وكان معاوية وهبها لمروان ثم ارتجعها منه سنة ثمان وأربعين لموجدة وجدها عليه، ولما ولي عمر بن عبد العزيز ردَّ فدك إلى ما كانت عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت له خالصة في أيام إمرته (1) تغل له عشرة آلاف دينار فتجافى عنها. الفدوين (2) : مدينة في بلاد السودان، عندهم بركة عظيمة يجتمع فيها الماء، ينبت فيها نبات أصله أبلغ شيء في تقوية الجماع والمعونة عليه، وملك تلك المدينة لا يسمح بإخراجه من بلده، وله من النساء عشر إذا أراد أن يطوف عليهن أنذرهن قبل ذلك بيوم، ثم استعمل ذلك الدواء ولا يعجز عن الطواف عليهن كلهن، وأهدى له بعض الملوك المجاورين له هدية نفيسة واستهداه شيئاً منه، فعاوضه عن هديته وكتب له: إن المسلمين لا يحل لهم من النساء إلا القليل، وقد خفت عليك إن بعثت إليك بشيء من هذا الدواء ألا تقدر على إمساك نفسك، فتأتي ما لا يحل لك في شريعتك، ولكني بعثت إليك عوداً يأكله العقيم فيولد له. ويبدل في هذه المدينة الملح بالذهب لعدمه عندهم. الفراض (3) : هي تخوم الشام والعراق والجزيرة، ولما قصدها خالد بن الوليد رضي الله عنه أفطر فيها في رمضان في تلك السفرة التي اتصلت له فيها هذه الغزوات والأيام، ونظمن نظماً إلى ما كان قبل ذلك منه. قالوا (4) : ولما اجتمع المسلمون بالفراض حميت الروم واغتاظت واستمدوا تَغْلِب وإياداً والنمر، فأمدوهم بأجمعهم، واجتمعوا كلهم على كلمة واحدة، ثم ناهدوا خالداً، حتى إذا صار الفرات بينه وبينهم قالوا: إما أن تعبروا إلينا وإمّا أن نعبر إليكم، قال: بل اعبروا إلينا، قالوا: فتنحَوا حتى نعبر، فقال خالد رضي الله عنه: لا نفعل، ولكن اعبروا أسفل منا، فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض: احتسبوا ملككم، هذا رجُل يقاتل عن دِين، وله عقل وعلم، ووالله لينصرن ولتخذلنّ. ثم لم ينتفعوا بذلك، فعبروا أسفل من خالد رضي الله عنه، فلما تتاموا قالت الروم: امتازوا حتى نعرف اليوم (5) ما كان من حسن أو قبيح من أيّنا يجيء، ففعلوا، ثم اقتتلوا قتالاً شديداً طويلاً، ثم هزمهم الله تعالى. وقال خالد رضي الله عنه للمسلمين: ألحُوا عليهم، فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه، فإذا جمعوهم قتلوهم، فقتل يوم الفراض في المعركة في الطلب مائة ألف، وأقام خالد رضي الله عنه على الفراض بعد الوقعة عشراً ثم أذن بالقفل إلى الحيرة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم، وأمر شجرة بن الأعز أن يسوقهم، وأظهر خالد رضي الله عنه أنه في الساقة. وخرج من الفراض حاجّاً لخمسٍ بقين من ذي القعدة متكتماً بحجه، ومعه عدة من أصحابه يعتسف البلاد حتى أتى مكة بالسمت، فقضى حجّه ثم أتى الحيرة، وقد تأتى له من ذلك ما لم يتأت لدليل ولا ريبال، وبقية الخبر في رسم قراقر من حرف القاف. لفُرُع (6) : بضم أوله وثانيه، من أعمال المدينة. قالوا: وهي أول قرية مارت إسماعيل عليه السلام التمر بمكة وكانت من ديار عاد. ورووا أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل في موضع المسجد بالبرود من مضيق الفرع، فصلَّى فيه، والفرع على الطريق من مكة إلى المدينة. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أحرم من الفُرُع، ومات عروة بن الزبير بالفُرُع ودُفِن هناك سَنَةَ أربع وتسعين. والفرُع من أشرف ولايات المدينة لأن فيها مساجد للنبي صلى الله عليه وسلم نزلها مراراً وأقطع فيها لِغِفَار وأسلم قطائع وصاحبها يجبي اثني عشر منبراً، منبر منها بالفُرُع. فرياب (7) : في بلاد خُراسان من الجوزجان، وهي أصغر مساحة من الطالقان، إلا أنها أكثر بساتين ومياهاً، وهي مدينة صالحة تجمع ما يكون في المدن من الصناعات، وبناؤهم بالطين، وليس للمسجد الجامع فيها منارة، وبين الفرياب واليهودية من مدن

_ (1) ص: إمارته. (2) ص: الفدين؛ وقد وقعت مادة في ص بعد التالية لها. (3) الطبري 1: 2073، وراجع مادة ((ديلمايا)) في ماتقدم. (4) النقل مستمر عن الطبري. (5) ع: الروم. (6) المادة كلها عن معجم ما استعجم 3: 1020 - 1021. (7) قال ياقوت إنها مخففة من فارياب، وقد مرت مادة ((فارياب)) في الروض، وقال فيها هنالك ((مدينة من الجوزجان أصغر من الطالقان قطراً)) . وهو عين ما قاله هنا. وقوله ((وليس للمسجد الجامع فيها منارة)) مما أورده الإدريسي في نزهة المشتاق: 144 عن الفارياب.

الفرماء:

الجوزجان مدينة يُقال لها موريان وإلى فرياب ينسب محمد بن يوسف الفريابي صاحب التفسير وشيخ البخاري. الفَرَماء (1) : وقد تقصر، مدينة تلقاء مِصْر. وهي أول (2) مدن مصر من جهة الشمال، وبها أخلاط من الناس، وبينها وبين البحر الأخضر ثلاثة أميال. وهي مدينة (3) كبيرة قديمة أزلية فيها آثار عجيبة تدل على أنها كانت دار مملكة، ويقال إن الذي بناها هو الفرما الملك. ووجه ابن المدبَر لما وصل مصر إلى الفرما لهدم أبواب رخام بها في شرقي الحصن احتاج أن يعمل منه فرشاً في داره، فمنعه من ذلك أهل الفرما، وخرجوا إلى رسله بالسلاح وقالوا: هذه الأبواب التي ذكرها الله تعالى في كتابه على لسان يعقوب عليه السلام " يا بَنِيَّ لا تدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أبْوابٍ مُتَفرَقَةٍ ". ومن العجائب أن نخل الفَرَماء يثمر حين ينقطع البسر والرطب من جميع البلاد، فيكون رطب نخل الفَرَماء في كانون الأول، حين تلد النخل في كل مكان، فلا ينقطع أربعة أشهر، ولا يوجد هذا في بلد من البلاد سوى الفَرَماء، وهو تمر كبير، في وزن التمرة عشرون درهماً وطولها فتر. الفُرات (4) : أحد الأنهار الستة الكبار المشهورة وهي النيل ودجلة والفرات ومهران السند وجنجون (5) الهند وخمدان (6) الصين وجيحون خراسان. ويخرج الفرات من داخل بلاد الروم ومن جبال متصلة بقالي قلا من ثغور ارمينية ثم يمر في بلاد الروم، ويمتد حتى يصير إلى ملطية حتى يكون منها على ميلين، ثم يمتد إلى سميساط فيحمل من هناك السفن إلى بغداد ثم يمتد من سميساط (7) ماراً في جهة الجنوب مائلاً مع الشرق إلى ساحل جرجان كذا ثم إلى الرافقة ويجتاز بالرقة إلى قرقيسيا، وهناك يصب في نهر الخابور إلى عانة إلى هيت إلى الأنبار، ومن هناك ينزل نهر عيسى إلى بغداد، ثم يصير خلجانَاً أربعة وتتفرق في البطائح. وفي الخبر النبوي من حديث مسلمِ: " لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو به ". وفي طريق آخر: " يوشك أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب " الحديث. وقد أحسن النابغة الذُبياني في وصف حال الفرات في قوله يذكر ممدوحه: فما الفُراتُ إذا هب الرياح له ... ترمي غواربُهُ العبرينِ بالزبدِ يمدّه كل وادٍ مترع لجب ... فيه رُكام من الينبوت والخضد يظل من خوفه الملاحُ معتصماً ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد يوماً بأجود منه سيبَ نافلة ... ولا يحولُ عطاء اليوم دون غدِ وعَبَر المسلمون، في الفتح الأول، الفرات إلى المدائن لمحاصرتها، ويأتي ذلك إن شاء الله تعالى مشروحاً في ذكر المدائن. وفي السنة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وذلك سنة سبع زاد الفرات ودجلة زيادة لم ير مثلها، واتسعت بثوق عظام حملت السكور والمسنيات وطلب الماء الوهاد، فجهد أبرويز أن يردها ويقيم شاذرواناتها، فغلب الماء وطمى على العمارات، فغرق الكور والسطوح. وشغلت الأعاجم بحرب العرب فطمى الماء وزاد فلما ولَّى معاوية عبد الله بن دراج مولاه العراق غلب الماء بالمسنيات والسكور، واستخرج به من الأرض ما بلغت عليه خمسة عشر ألف ألف، واستخرج الحجاج أيام الوليد ما غمر الماء من أرض البطيحة نحو خمسين فرسخاً في مثلها.

_ (1) معجم ما استعجم 3: 1022. (2) اليعقوبي: 330، والخطط 1: 211. (3) الاستبصار: 89. (4) في وصف الفرات انظر ابن رسته: 93، والتنبيه والإشراف: 51، وياقوت (الفرات) . (5) ص ع: وجيحون؛ وهو جنجس (الكنج) . (6) ص ع: ويعنون. (7) ص: شمشاط.

فروجة:

فرَبر (1) : مدينة بينها وبين بخارى ثلاث مراحل، وهي من البلاد التي خلف النهر من بلاد خُراسان، وبينها وبين جيحون نحو ميل، وهي مدينة حسنة صغيرة كثيرة الجبايات كثيرة الخصب والخير، ولها قرى عامرة ورساتيق، وهي مضمومة بجملتها إلى بخارى. ومن فَرَبْر محمد بن يوسف الفَربري (2) راوية كتاب البخاري، عنه، جاء عنه أنه كان يقول: سمع كتاب الصحيح لمحمد بن اسماعيل تسعون ألفاً فما بقي أحدٌ يرويه غيري. فِرّيش (3) : موضع بالأَندلس بين الجوف والغرب من قرطبة، فيها معدن رخام، والغالب على أشجارها القصطل، وبها معادن حديد، وتتصل أحواز فِرّيش بأحواز فحص البلوط، وبينها وبين قرطبة مرحلتان، وبها قرية تُعْرَف بقسطنطينة كانت مدينة عظيمة أولية، وفيها آثار كنائس ويقال إنها بنيت في أيام قسطنطين ملك الروم، وبينها وبين قرطبة أربعون ميلاً. فرْنجولش (4) : بالأَندلس بقرب حصن المدور. وهي مدينة جليلة كثيرة الكروم والأشجار، ولها بمقربة منها معادن الذهب والفضة بموضع يعرف بالمرج. فروجة (5) : مدينة بالمغرب، بينها وبين مراكش مرحلة، وهي في بطحاء كثيرة المياه والفواكه والخيرات. فرغانة: في خُراسان، بينها وبين سمرقند ثلاثة وخمسون فرسخاً، كان أنوشروان (6) بناها ونقل إليها من كل بيت قوماً، وفرغانة اسم الاقليم، وهو عريض موضوع على سبع مدائن، واسمها بالعجمية اخشيكث، وقيل أن فرغانة اسم الكورة، واسم قصبتها (7) اخشيكث، وهي على شط نهر الشاش على أرض مستوية، بينها وبين الجبل نحو نصف فرسخ، وهي على شمال النهر، ولها ربض كبير عليه سور، وقهندزها في المدينة، ودار الإمارة والحبس في القهندز، ومصلَّى العيد على النهر، ومقدارها في الكبر ثلاثة فراسخ، وفي مدينتها وربضها مياه جارية مقدار فرسخين، وأسواقها في ربضها ومدينتها جميعاً، وحذاء ما وراء النهر مروج ومزارع كثيرة، وبفرغانة معادن الذهب والفضة بناحية أخشيكث، ولها مدن كثيرة، وفي بعضها جبال بلق مؤلفة قطعةً سوداء حالكة، وأخرى حمراء قانية، وأخرى صفراء فاقعة، وفي جبال فرغانة شجر الطبرخون الذي يحمل بزرها إلى الآفاق، وهو ضرب من الترنجبين، ويحمل منها النوشادر. فزان: أظنه بين طرابلس وقابس (8) ، فيها قتل يحيى بن إسحاق الميورقي قراقشَ الأرمني مملوك تقي الدين أخي السلطان صلاح الدين بن أيوب، وكان دخل إفريقية من مصر في أخْريات المائة السادسة، فملك طرابلس وقابس وبعُد صيته وفض الجموع، ثم إنه اصطلح مع يحيى بن إسحاق الميورقي الطويل الفتنة ليعتضدا على ما كان بسبيله، وكان قراقش قد قتل جمعاً من أكابر دباب فغدروا به، وأمكنوا منه الميورقي، فضرب عنقه بفزان وصلبه هنالك. فكان (9) : مدينة على مرحلتين من أسلن (10) من أحواز تلمسان بالمغرب، وعلى فكان النزول، وهي مدينة كبيرة قديمة فيها آثار للأوَل، وكانت خربت فبعث إليها المنصور بن أبي عامر مَنْ بناها وعمرها، وهي قريبة من البحر. وكانت سوقاً قديمة من أسواق زناتة فمدنها يعلى بن محمد بن صالح اليفرني، فكان ابتداء تأسيسه لها سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، وارتحل إليها أهل العسكر

_ (1) قارن بنزهة المشتاق: 213، والكرخي: 175، وابن حوقل: 403، والمقدسي: 291، والبكري (مخ) : 41، وياقوت واللباب (فربر) ، وانظر ضبط فرير في ابن خلكان (الحاشية التالية) . (2) ابن خلكان 4: 290 (المصادر الأخرى مذكورة في الحاشية) . وقد توفي الفريري سنة 320. (3) بروفنسال: 143، والترجمة: 171، وأكثر المادة عن الإدريسي (د) : 207، وانظر ياقوت (فريش) . (4) بروفنسال: 143، والترجمة: 171 (Hornachuelos) وهي قرية صغيرة في مقاطعة قرطبة. (5) الاستبصار: 210، وقال: يسمونها أفروجي ... وبالقرب منها مدينة تامروت. (6) نزهة المشتاق: 217 والكلام عن أخشيكث: وتتمة الحديث عن أخشيكث، الورقة 218 وأكثر المادة عن ابن حوقل: 420 - 422. (7) ص ع: كورتها. (8) كان اسم ((فزان)) يطلق على المنطقة الواقعة بين طرابلس شمالاً وتبستي جنوباً، وهي منطقة تتناثر فيها الواحات التي تعد امتداداً لواحات القسم الأوسط من الصحراء الكبري. وقد ذكر الإدريسي (د) : 35 أن من مدن فزان: مدينة جرمة تساوة (التي تسمى جرمة الصغرى) . (9) مزج بين ما أورده البكري: 79، والاستبصار: 135. (10) ع ص: سلان.

فلج:

فعمرت وتمدنت وعظمت، وهي في سفح جبل وانشوبش (1) ، وهو بجوفيًها، وعلى فكان سورُ طوب، وبها جامع وحمّام وفنادق. فلسطين: في أول أحواز الشام، سميت بفلسطان بن فلان (2) ، من ولد كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، وماؤها من الأمطار والسيول، وأشجارها قليلة وديارها حسنة، وهي أزكى بلاد الشام. قال ابن عطية في تفسيره: يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى خصّ فلسطين بالتقديس، وقال الطبري: إن من فلسطين ظهر عيسى عليه السلام. وفتحها معاوية سنة تسع عشرة، وفتح قيسارية، وقتل فيها ثمانون ألفاً. وفلسطين عمل مشتمل على مدن كثيرة مثل ايليا وغزة ونابلس واللد وغيرها، ويقال إنها سميت باسم فلسطين بن فلان بن يونان بن يافث عليه السلام لنزوله بها. وفلسطين (3) كانت ديار البربر في سالف الأزمان، وكان ملكهم جالوت، وهو سمة لسائر ملوكهم، إلى أن قتل داود جالوت، فساروا إلى ديار المغرب، فنزلت مزاتة ومغيلة وضريسة الجبال من تلك الديار، ونزلت لواتة أرض برقة، ونزلت هوارة بلاد طرابلس ونزلت نفوسة مدينة صبرة، وكانت هذه الديار للإفرنجة فأجلتها البرابر عنها، وتفرقت البرابر في بلاد إفريقية وطنجة إلى أقصى بلاد المغرب وانتهوا إلى موضع يعرف بقمونية على أكثر من ألفي ميل من بلد القيروان، ثم تراجعت الأفرنج إلى مدنهم وعمائرهم على موادعة وصلح من البربر، واختارت البربر سكنى الجبال والأودية والرمال في أطراف البراري والقفار، وصارت المدائن رومية، حتى فتحها المسلمون. والبربر قبائل كثيرة وشعوب جمة: هوارة وزناتة وضريسة ونفزة وكتامة ولواتة وغمارة ومصمودة ومزاتة وصدينة وصنهاجة، وللناس في البربر اختلاف كثير مشهور فلا نطوَل به. فلج (4) : حصن بينه وبين هجر ستة أيام، وبين هذا الحصن وبين مكة تسعة أيام. وقال قتادة: إن أصحاب الرس الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه كانوا أهل فلج، وقال الشاعر: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القومُ كل القوم يا أمّ خالدِ فِنْيانة (5) : قرية بقرب وادي آش من الأندلس، جامعة خطيرة كثيرة الكروم والتوت والبساتين وضروب الثمار، وكان بها طرز للديباج، والمياه تطَّرد في جميع جنباتها، وأهلها عجم ذوو يسار. فندرينة (6) : مدينة على الساحل من بلاد الهند، على جون تحط به مراكب التجار من جزائر الهند ومراكب السند أيضاً، ولأهلها أموال ياسرة ومتاجر ومكاسب، وعليها جبل كبير سامي العلو كثير الشجر عامر بالقرى والمواشي، وتنبت في حوافيه القاقلة، ومنها تحمل إلى سائر أقطار الأرض. الفسطاط (7) : اسم لمصر التي بناها مصرام بن حام بن نوح عليه السلام، سميت بفسطاط عمرو بن العاصي رضي الله عنه، وكان تركه هناك حين توجه للإسكندرية. قال اليعقوبي: لما فتح عمرو بن العاصي رضي الله عنه مصر اختط منازل العرب حول الفسطاط، فسمي الفسطاط لهذا، فمدينة مصر اليوم هي الفسطاط. قالوا (8) : وسميت بذلك لأن عمرو بن العاصي رضي الله عنه حين دخل بلاد مصر ضرب فسطاطه بذلك الموضع، فلما أراد

_ (1) البكري: أو شيلاس؛ ص: وانشريش. (2) عند ياقوت: بفليشين بن كسلوخيم من بني يافث ... الخ. (3) البكري (مخ) : 60، وقارن بالإدريسي (د) : 57، والاستبصار: 155، ورحلة التجاني: 160، ومروج الذهب 3: 241. (4) يختلف تحديد فلج هنا عما ورد عند كل من ياقوت والبكري. (5) بروفنسال: 143، والترجمة: 172 (Finana) تقع على بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من وادي آش؛ وعند الإدريسي (د) : 201 حصن فنيانة. (6) الإدريسي (ق) : 64 - 65، وفي نخبة الدهر: 173 فندارينه، ويقول: وغالب أهلها يهود وهنود ومسلمون، ونصاراها قليل؛ وانظر حسين نينار (AGK) : 34 - 35) ، وهو يرى أنها تقابل (Pantalayini Kollam) إحدى مدن ملبار؛ وقارن بما ذكره ابن بطوطة في رحلته: 563، 572، وفي صفحات متفرقة من كتاب ((تحققة المجاهدين)) معلومات عن فندرينة. (7) انظر ياقوت (الفسطاط) ، وخطط المقريزي 1: 288 والمقدسي: 197، وابن الفقيه: 59، والمغرب (القسم الخاص بمصر) 1: 1 - 12، وابن عبد الحكم (صفحات مختلفة) وابن الوردي: 21. (8) الاستبصار: 81.

فسا:

التوجه للإسكندرية لقتال من بها من الروم، أمر بنزع الفسطاط، فإذا فيه حمام قد أفرخ، فقال عمرو رضي الله عنه: لقد تحرم منا بحرم، فأمر بالفسطاط فأقر مكانه وأوصى عليه، فلما قفل المسلمون من الاسكندرية بعد فتحها قال الناس: أين ننزل؟ فقيل: الفسطاط، لفسطاط عمرو الذي تركه في المنزل بمصر. ثم بدأ عمرو بن العاصي رضي الله عنه فبنى المسجد، وبنى الناس مكان مصر الآن. وهي مدينة (1) كبيرة في غاية من العمارة والخصب والطيب والحسن، فسيحة الطرقات قائمة الأسواق نافقة التجارات متصلة العمارات، لأهلها همم سامية، وطولها ثلاثة فراسخ، والنيل يأتيها من أعلى أرضها فيجتاز بها من ناحية جنوبها وينعطف مع غربيها، وبناء دُورها كلها وقصورها طبقات بعضها فوق بعض خَمْساً وستّاً وسبعاً، وربما سكن في الدار المائة من الناس، ومعظم بنائها بالطوب، وأكثر سفل ديارهم غير مسكون، ولها مسجدان جامعان للخطبة، أحدهما بناه عمرو بن العاصي رضي الله عنه في وسط السوق يحيط به من كل جهة، وكان في أوله كنيسة للروم فصيره عمرو جامعاً، والجامع الآخر بناه أحمد بن طولون وبنى أيضاً جامعاً آخر يسكنه العباد وناس من أهل الخير. وعلى الجملة فمصر عامرة بالناس، وفي أهلها رفاهية وظرف شامل وحلاوة، وفي جوانبها بساتين وجنات ونخل وقصب سكر، كل ذلك يسقى بماء النيل. وأرض مصر لا تمطر إنما هو ماء النيل، وليس في أرض مصر مما يلي النيل قفر، إنما هو كله معمور بالبساتين والأشجار والقرى والمدن والناس والأسواق والبيع والشراء، وبين طرفي النيل خمسة آلاف وستمائة وأربعة وثلاثون ميلاً، وقيل غير ذلك وعرضه في بلاد النوبة والحبشة ثلاثة أميال، وعرضه بمصر ثلثا ميل، وليس يشبه نهراً من الأنهار. ويقابل مصر (2) جزيرة في النيل، فيها المباني والمتنزهات ودار المقياس، وهي دار كبيرة في وسطها فسقية كبيرة، وينزل إليها بدرج رخام، وفي وسط الفسقية عمود رخام قائم، فيه رسوم أعداد أذرع وأصابع بينها، والماء يصل إلى هذه الفسقية، ولا يدخلها الماء إلا عند زيادة النيل، ويكون في شهر أغشت، والوفاء من مائه ستة عشر ذراعاً، وهو الذي يروي أرض السلطان باعتدال، فإذا بلغ النيل ثمانية عشر ذراعاً أروى جميع الأرضين التي هناك، فإذا بلغ عشرين ذراعاً (3) فهو ضرر، وأقل زيادته اثنا عشر ذراعاً وهي أربع وعشرون اصبعاً والزائد على الثمانية عشر ذراعاً ضرر يقلع الشجر ويهدم، وما نقص عن اثني عشر ذراعاً فيه القحط والجدب وقلة الزراعة فسّا: بتشديد ثانيه (4) مقصور، مدينة من بلاد فارس، أنشد الأصمعي: من أهل فسّا ودرابجرد ... والنسب إليها فسوي، وإليها ينسب أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الفسوي (5) . وبينها وبين (6) درابجرد أربعة وخمسون ميلاً، وفسا مدينة واسعة وأبنيتها أفسح وأتم من أبنية شيراز، والغالب عليها خشب الصنوبر والسرو، وهي عامرة بالناس والجلة والتجار والمياسير، وهي تقارب شيراز في كبر مقدارها وكثرة عمارتها، وهواؤها أصح من هواء شيراز، وعليها حصن حصين وأبواب خشب محددة، وحولها خندق واسع عميق، وبها ربض، وأكثر أسواقها في ربضها، وبها من غلات الرطب والبلح والجوز والاترج والسفرجل والقصب الحلو ما يقوت ويكفي ويزيد على الحاجة. وكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بعث سارية بن زنيم إلى فسا ودرابجرد في جيش وأمره عليهم، وكان سارية في الجاهلية خليعاً وحسن إسلامه، ثم وقع في بال عمر رضي الله عنه وهو يخطب يوم الجمعة أنهم لاقوا العدوّ وهم في بطن واد، وقد هموا بالفشل، وبمقربة منهم جبل، فقال قي أثناء خطبته رافعاً صوته: يا سارية بن زنيم، الجبل الجبل، ظلم من استرعى الذئب، فحمل الله تعالى صوته وألقاه في سمع سارية، فانحاز بالناس إلى الجبل، وقاتلوا العدو من جنب واحد ففتح الله عليهم.

_ (1) الإدريسي (د) : 142. (2) النقل مستمر عن الإدريسي (د) : 144. (3) زيادة من الإدريسي. (4) لم أجد أحداً ضبط ((فسا)) بتشديد السين، وأصلها ((بسا)) وينسب إليها أيضاً: ((بساسيري)) . (5) أبو علي الفارسي شيح ابن جني توفي سنة 377، انظر ابن خلكان 2: 90 وفي الحاشية ذكر لمصادر ترجمته. (6) نزهة المشتاق: 126، وقارن بياقوت (فسا) ، والمقدسي: 423، والكرخي: 78.

الفهمين:

وفي خبر آخر (1) : قصد سارية بن زنيم فسا ودرابجرد حتى أفضى إلى عسكرهم فنزل عليهم وحاصرهم ما شاء الله، ثم استمدوا فتجمعت عليهم أكراد فارس، فدهم المسلمين أمرٌ عظيم وجمع كبير، ورأى عمر رضي الله عنه في تلك الليلة معتركهم وعدوّهم فنادى من الغد: الصلاةُ جامعة، حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم، وكان أريهم والمسلمون بصحراء إن أقاموا بها أحيط بهم، وإن أرزوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد، ثم قام فقال: أيها الناس إني رأيت هذين الجمعين، وأخبر بحالهما، ثم قال: يا سارية، الجبل الجبل، ثم أقبل عليهم وقال: إن لله عزَّ وجلّ جُنوداً، ولعلّ بعضها أن يبلغهم، ولمّا كان تلك الساعة من ذلك اليوم أجمع سارية والمسلمون على الإسناد إلى الجبل، وقاتلوا القوم من وجه واحد فهزمهم الله تعالى، وكتبوا بذلك إلى عمر رضي الله عنه وباستيلائهم على البلاد. وفي خبر آخر: أن عمر رضي الله عنه قال وهو يخطب يوم جمعة: يا سارية، الجبل الجبل، ثم دعا في خطبته، فعجب الناس لندائه سارية على بعده، وقضى الله سبحانه أن كان سارية وأصحابه في ذلك الوقت مواقفين للمشركين، وقد ضايقهم المشركون من كل جانب، وإلى جانب المسلمين جبل إن لجؤوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فسمعوا صوتاً يقول: يا سارية بن زنيم، الجبل الجبل، كما قال عمر رضي الله عنه في ذلك الوقت بعينه، فلجؤوا إلى الجبل فنجوا وهزموا العدوّ وأصابوا مغانم كثيرة، وأصاب (2) سارية في المغانم سفطاً فيه جوهر، فاستوهبه المسلمين لعمر رضي الله عنه، فوهبوه له، فبعث به وبالفتح رجلاً وقال له: استقرض ما تتبلغ به وما تخلفه في أهلك على جائزتك، وكان الرسل والوفد يجازون، فقدم الرجل البصرة، ثم خرج فقدم على عمر رضي الله عنه، فوجده يطعم الناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره، فقصده، فأقبل عليه بها وقال: اجلس، فجلس، حتى إذا أكل انصرف عمر رضي الله عنه وقام الرجل فاتبعه، فظن عمر أنه لم يشبع، فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخل، فلما جلس في البيت أتي بغدائه: خبز وزيت وملح جريش، فوضع له، ثم قال للرجل: ادنُ فكلْ، فأكلا حتى إذا فرغا قال له الرجل: رسول سارية بن زنيم، يا أمير المؤمنين، قال: مرحباً وأهلاً، ثم أدناه حتى مَسَّتْ ركبته ركبته، ثم سأله عن المسلمين وعن سارية، فأخبره، ثم أخبره بقصة الدرج، فنظر إليه ثم صاح به وقال: لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجيش فتقسمه بينهم، وطرده، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أنضيت إبلي، واستقرضت جائزتي، فأعطني ما أتبلغ به، فما زال عنه حتى أبدله بعيره ببعير من إبل الصدقة، وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة، ورحل الرجل مغضوباً عليه محروماً حتى قدم البصرة، فنفذ لما أمر به عمر رضي الله عنه، وكان أهل المدينة سألوه عن سارية وعن الفتح، وهل سمعوا شيئاً يوم الوقعة، فقال: نعم سمعنا: يا سارية، الجبل الجبل، وقد كدنا نهلك، فلجأنا إليه ففتح الله تعالى علينا. الفهمين (3) : مدينة بالأندلس بالقرب من طليطلة، وكانت مدينة متحضرة حسنة الأسواق والمباني، وفيها بشر ومسجد جامع وخطبة قائمة، وملكها الروم لما ملكوا طليطلة. فَيْد (4) : مدينة في نصف الطريق بين مكة وبغداد، وأهلها طيء، وهي في أصل جبلهم المعروف بسلمى. وفيها مات وكيع بن الجراح (5) منصرفاً من الحج سنة سبع وتسعين ومائة، قال مروان بن محمد الطاطري: ما وصف لي أحد إلا رأيته دون الصفة إلا وكيع بن الجراح، فإني رأيته فوق كل صفة، وما رأيت أحداً أخشع منه. وبفَيْد نزل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما وجهه عمر رضي الله عنه بالجيوش لحرب العراق فأقام بها شهراً، وارتفع بالناس إلى زرود. وفيد (6) هذه هي التي ينسب إليها حمى فيد، والغالب على فيد التأنيث، وقال لبيد:

_ (1) تاريخ الطبري 1: 2700. (2) الطبري 1: 2702. (3) بروفنسال: 144، والترجمة: 172 (Alfamin) ، والمادة عن الإدريسي (د) : 188، وعند ياقوت (الفهمين) . (4) قارن بياقوت (فيد) ، وابن حوقل: 40، والمناسك: 306، وقد كتب محققه حاشية هامة في التعريف بقيد ومت قاله الجغرافيون الأقدمون فيها، وانظر أيضاً ((أبو علي الهجري)) : 279 عن حنى فيد. (5) لوكيع ترجمة في تاريخ بغداد 13: 468، وتهذيب التهذيب 11: 126. (6) معجم ما استعجم 3: 1032.

الفيروج:

مرية حلت بفيد وجاورت ... أهل العراق فأين منك مرامها فيروزاباد: في بلاد فارس، منها الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي الشيرازي الفقيه (1) ، لقيه أبو الوليد الباجي ببغداد، وأدخل كتبه إلى الأندلس: " التبصرة " في الفقه و " اللمع " في أصول الفقه و " المعرفة " في الجدل، وله تواليف كثيرة وكان إمام الشافعية، ودرس بالنظامية، شيخ أهل الدهر، وإمام أهل العصر، رحل الناس إليه من الأقطار، وقصدوه من كل الجهات، وكان يجري مجرى أبي العباس بن سريج، جاءته الدنيا صاغرة فأباها، واقتصر على خشونة العيش أيام حياته، وكان عامة المدرِّسين في العراق والجبال تلامذته وأتباعه، وصنَّف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، وكان زاهداً ورعاً متواضعاً كريماً سخيَاً حسن المجالسة مليح المحاورة، يضرب به المثل في الفصاحة حتى قال بعضهم: لساني إذا عن الحوادثُ صارم ... ينيلني المأمولَ في الإثر والأثر يقد فيفري في اللقاء كأنّه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النظر وقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه صاحباه فقلت: يا رسول الله بلغني عنك أحاديث عن ناقلي الأخبار وأريد أن أسمع منك حتى أتشرف به في الدنيا وأجعله ذخيرة في الآخرة، فقال: يا شيخ، من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره منه، فكان أبو إسحاق يفرح بهذا ويقول: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخاً. وقال الشاشي: أبو إسحاق الشيرازي حجة على أئمة العصر، وكان إذا تكلم في مسئلة، وقال آخر سؤالاً غير متوجه، ينشد: سارت مشرّقةً وسرتُ مغرباً ... شتان بين مشرق ومغرّبِ وقيل: أبو إسحاق أمير المؤمنين بين الفقهاء، ولما قدم الشيرازي رسولاً إلى نيسابور تلقاه الناس، وحمل إمام الحرمين أبو المعالي الجويني غاشيته ومشى بين يديه كالخديم، وكان ذلك بمشهد أكابر نيسابور، وقال: أنا أفتخر بهذا. وعنه، قال الشافعي: حكمي على أصحاب الكلام أن يضربوا بالجرائد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويُقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسُنَّة وأخذ في الكلام. وللشيرازي: وما حبي لفاحشة ولكن ... رأيتُ الحبَّ أخلاقَ الكرامَ وله: سألت الناس عن رجل وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل تمسك إن ظفرتَ بودِ حُر ... فإن الحر في الدنيا قليل ومات أبو إسحاق سنة ست وسبعين وأربعمائة وأول من صلى عليه الإمام المقتدي بأمر الله بداره في باب الفردوس. الفيروج (2) : هي جزيرة في البحر الأعظم، والفيروج بها صنم من زجاج أخضر يجري في عينيه دمع لا يزال يسيل على مرّ الأيام، زعموا أنه باك على قومه الذين كانوا يعبدونه، فغزاهم بعض الملوك واستباحهم وقتلهم، وأراد كسر الصنم، فكانوا إذا ضربوه بشيء لم يؤثر فيه، وعاد الضرب على ضاربه، فتركوه، وإذا دخلت الريح صفر صفيراً عجيباً. فيرزكوه (3) : هي قاعدة الغور في البلاد الخراسانية، كان

_ (1) انظر في ترجمته ابن خلكان (الترجمة رقم: 5 من الجزء الأول) وتخريجاً بمصادر ترجمته في ملحقات الجزء السابع من ابن خلكان: 307، وراجع مقدمتي على طبقات الفقهاء (بيروت: 1970) . (2) ع: الفيزج؛ ص: الفيرج؛ والنقل عن البكري (مخ) : 38، وقد تقرأ فيه ((الفيدوج)) ؛ وعند ابن الوردي: 72 الفندج. (3) بعد سقوط أسرة محمود الغزنوي استقل الغوريون، وكانوا من قبل أعواناً للغزنويين واتخذوا مدينة فيرزكوه عاصمة لهم، وهي قلعة ضخمة في الجبال لا يعرف موقعها اليوم. وقد ظل الغوريون يحكمون حتى سنة 612 عندما تغلب عليهم خوارزمشاه وسقطت دولتهم التي كان سلطانها يمتد من دلهي حتى هرات، وانظر ياقوت (فيروزكوه) .

الفيوم:

تملكها خوارزم شاه وقتل غياث الدين بن غياث الدين بن سام صاحبها، ثم تملك الباميان وقتل صاحبها علي بن سام، وهو آخر ملوكهم ثم عطف في سنة اثنتي عشرة وستمائة (1) على غزنة التي كانت سرير السلطان محمود بن سبكتكين وولده من بعده بمعظم عساكره، وكانت حصلت في يد ألدز مولى شهاب الدين، فلما فرغ خوارزم شاه من تملك فيرزكوه قاعدة الغور عطف على غزنة، وتحيل عليها إلى أن خرج ألدز يوماً يتصيد، فأغلقها نائبه في وجهه على الذخائر العظيمة ورفع أعلام خوارزم شاه في قلعتها وطير بالخبر إلى خوارزم شاه، فوصل إلى غزنة واحتوى عليها، في خبر يطول. الفيوم (2) : في البلاد المصرية، وهو نظر كبير فيه قرى كثيرة، يقال إن فيه من القرى عدد ما في قطر مصر كلها من القرى فإن بوسف عليه السلام حين صنعه أنزل في كل قرية أهل بيت من قرى مصر، وصير لكل قرية من الماء بقدر ما يروي أرضها من غير زيادة ولا نقصان، ويقال أيضاً إن بالفيوم ثلثمائة قرية على عدد أيام السنة لا تقصر عن الري أبداً لحكمة شربها، فإذا نقص النيل في سنة من السنين وغلا السعر بمصر مارت كل قرية منها مصر يوماً. وحجر اللهون بالفيوم من عجائب الدنيا، واللهون قرية كبيرة من قرى الفيوم، وهذا الحجر شاذروان بين طبقين من أحكم صنعة مدرج على ستين درجة، فيها فوارات في أعلاها وفي وسطها وفي أسفلها فتسقي العليا الأرض العليا والوسطى الأرض الوسطى، والسفلى الأرض السفلى بوزن وقدر لا ينقص لأحد دون حقه ولا يزيده فوق حقه، وهو من أحكم البنيان وأتقنه، قيل: ومن ذلك الوقت عرفت الهندسة. وقد ذكر كثير من الناس أن يوسف عليه السلام عمله بالوحي، ولم يزل الملوك من الأمم يقصدون هذا الموضع ويتأملون حسن صنعته ويتعجبون من غرائب حكمته، ويقال إن الملك المعاصر ليوسف عليه السلام لما تأمله قال: هذا من ملكوت السموات، وهو من البناء الذي يبقى على غابر الزمان، ويقال إنه عمل من ثلاثة أشياء: من الفضة والنُحاس والرخام (3) ، وفي الضفة الغربية منه مسجد يقال له مسجد يوسف، والفيوم يشرب من ذراع اثني عشر وليس بأرض مصر موضع يشرب من ذراع اثني عشر غير الفيوم لحكمة بنيان هذا اللهون، وإنما ري أرض مصر يشرب من ذراع ستة عشر، فإذا زاد النيل على اثني عشر قطع الماء عن الفيوم، وإذا كان يوم سد حجر اللهون حضر ذلك شهود أهل تلك الجهة وأمراؤهم (4) بالطبول والبنود، والمهندسون من أهل تلك الجهة، فلم يكن لمن يدعي نقصاً من الماء عذر، وخرجت الأرسال عند ذلك بالبشائر إلى مصر، وهو عندهم يوم نوروز (5) ونزهة. وأهل الفيوم يزدرعون والماء باق على جميع أرض مصر، ويكون الحصاد عندهم وجميع من في أرض مصر لم يتم حرثه، فإذا كان حصاد أهل مصر كان ذلك أولَ السقية الثانية لأهل الفيوم، لأنهم يزدرعون في العام مرتين، ويزدرعون في السقية الثانية القمح والشعير والأرز فضلاً عن القطاني. والفيوم أخصب بلاد الله وأكثرها فاكهة. لا يعدم بها الرطب شتاء وصيفاً ولذلك غلتها أكثر جبايات مصر. قيل وإنما سميت الفيوم لأن خراجها ألف دينار كل يوم، والفيوم في وسط بلاد مصر، فلا يؤتى إلى كورة الفيوم من ناحية من النواحي لا من صحراء ولا مفازة. ولمّا فتح عمرو بن العاصي بلاد مصر أقام سنة لا يعلم أين الفيوم ولا حيث مكانه، حتى بعث عمرو بنَ قيس إلى ناحية الصعيد، فأبطأ عليه خبره، فقال: من يأتينا بخبر ابن قيس؟ فقال ربيعة بن حبيب: أنا آتيك به، فركب ثم جاز النيل من الجهة الشرقية فلم ير شيئاً، فلما همَّ بالانصراف وسار قليلاً طلع سواد الفيوم فأتوا عمراً بخبره.

_ (1) ص ع: وسبعمائة. (2) المادة كلها عن الاستبصار: 90، وقارن بياقوت (الفيوم) ، والإدريسي (د) : 146 وخطط المقريزي 1: 245، وابن الوردي: 23، وعن اللاهون (اللهون) نقل في صبح الأعشى 3: 297 عن الروض. (3) الاستبصار: والزجاج. (4) الاستبصار: وأمروهم. (5) الاستبصار: سرور.

فراغ

القادسية:

حرف القاف قالي قلا (1) : مدينة من مدن ارمينية مداخلة لبلاد الروم، وهي ثغر لأهل أذربيجان وارمينية، وهي مدينة حسنة جليلة عامرة، تغلب عليها الروم وعلى ما جاورها مرّات واستنقذها المسلمون من أيديهم، وبينها وبين تفليس أربع مراحل، ومنها ابتداء الأنهار العظام. وإليها ينسب أبو علي إسماعيل بن القاسم بن عيذون القالي صاحب " النوادر ". قال الدينوري: سألت أبا علي لم قيل له القالي، فقال لي: انحدرت إلى بغداذ في رفقة فيها أهل قالي قلا، فانتسبت إلى قالي قلا، ورجوت أن أنتفع بذلك عند العلماء فمضى علي القالي. قال الزبيدي (2) : وله تواليف كثيرة منها " النوادر " أملاه ظاهراً وارتجل تفسير ما فيه، وهو غاية في معناه، ومنها كتاب " الممدود والمقصور " وبناه على مخارج الحروف من الحلق ومنها كتاب " الإبل ونتاجها " ومنها " كتاب في خلق الإنسان " وكتابه في " فعلت وأفعلت " وكتابه في " مقاتل الفُرْسان " وكتابه " البارع في اللغة " بناه على حروف المعجم، توفي قبل أن ينقحه، سنة ست وخمسين وثلثمائة. قاسان (3) : مدينة في أقصى عمل فرغانة، صغيرة القطر عامرة بالناس، بها متاجر وصناعات، وبناؤها بالطين، وهي مدينة حسنة كثيرة الخصب والعمارات. وقاسان اسم للمدينة واسم للناحية أيضاً، ولها قرى كثيرة. وأهل قاشان (4) حشوية جهال، والغالب على هذه النواحي الجبال الشاهقة إلا ما بين همذان إلى الري إلى قم فإن الجبال هناك قليلة، وإنما الجبال الصعبة فما بين حدود شهرزور إلى آمد، فيما بين حدود أذربيجان والجزيرة ونواحي الموصل، وأكثرها مسكونة بالأكراد. وفي سنة إحدى وعشرين وستمائة نزل الططر على همذان بعدما عمرت فأهلكوا من وجدوا فيها واستولوا على قم وقاشان فأهلكوا الشيعة، وتتبعوا بلاد الجبال، واستأصلوا من تراجع بعد الخراب، وفعلوا ما جرت به عوائدهم الذميمة. القادسية (5) : عند الكوفة، وهي أول مرحلة لمن خرج من الكوفة إلى المدينة ومكة، وهي قرية كبيرة فيها حدائق نخل ومشارع من الماء الفرات، وسميت القادسية لأن قوماً من أهل قادس نزلوها، وقيل إن إبراهيم عليه السلام نزل القادسية فغسل بها رأسه ثم دعا لها أن يقدسها الله، فسميت القادسية، ثم أخذ فضل الماء فصبَّه يمنة ويسرة فحيث انتهى ذلك الماء انتهى العمران، ثم ارتحل إلى البيت الحرام. وقيل إنما سميت القادسية بقادس، رجل من أهل هراة قدم على كسرى فأنزله موضع القادسية.

_ (1) نزهة المشتاق: 267، وقارن بياقوت (قالي قلا) . (2) طبقات الزبيدي: 203. (3) ص ع: قاشان؛ وكذلك وردت في نزهة المشتاق: 219، وهي كاسان عند الكرخي: 187، وابن حوقل: 421، وقارن بياقوت (قاسان) . (4) هذه قاشان - بالشين المعجمة - هي مدينة أخرى بقرب أصبهان، وبينها وبين قم اثنا عشر فرسخاً، ولا علاقة لها بقاسان الواقعة في أقصى عمل فرغانة، من ثم فإن الحديث عن منطقة الجبال وعن مذهب أهل قاشان وعن غزو الططر لا علاقة له بصلب المادة. (5) بعضه عن معجم ما استعجم 3: 1042، وقارن بياقوت (القادسية) .

قادس:

وهي من (1) بناء الأكاسرة، وهي مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه عذبة ويتخذ بها القت علفاً للجمال الصادرة والواردة في طريق الحجاز، ومنه يتزودون علوفاتهم، وهي ثغر من ثغور العراق، وبينها وبين بغداد أحد وستون فرسخاً. وقد تقدم قول الشاعر: لمّا وردنا القادسي ... ة حيث مُجْتَمعُ الرفاقِ وكان فتح القادسيّة العظيم الكبير على يد جيوش المسلمين في أيام الفاروق، وأمير هذه الجيوش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، سنة ست عشرة، وقتل رستم أمير جيش الفُرْس، وكان في مائة ألف من الفُرس، وأسر منهم نيف وخمسون ألفاً، واستشهد من المسلمين مائة رجل، ويقال مائتان، وجميع من شهد القادسيّة من المسلمين بضعة وثلاثون ألفاً، وكانت أيامها العظام أربعة أيام، واليوم الرابع هو المسمى بينها بالقادسية، وفيه قتل الله رستم وأتم الفتح على المسلمين، وفيها كانت ليلة الهرير والقتال بالليل بالمشاعل. قادس (2) : من أرض خُراسان. وقادس (3) أيضاً جزيرة بالأندلس عند طالقة من مدن اشبيلية، وطول جزيرة قادس من القبلة إلى الجوف اثنا عشر ميلاً، وعرضها في أوسع المواضع ميل، وبها مزارع كثيرة الريع، وأكثر مواشيها المعز، وشَعْراؤها صنوبر ورتم، فإذا رعت معزهم خروّب ذلك المكان عند عقدها أسكر لبنها، وليس يكون ذلك في ألبان الضأن، وقال صاحب الفلاحة النبطية: بجزيرة قادس نبات (4) إذا رعته المعز أسكر لبنها إسكاراً عظيماً، وأهلها يحققون هذه الخاصية. وفي طرف الجزيرة الثاني حصن خرب أولي بيّنُ الآثار، وبه الكنيسة المعروفة بشنت بيطر، وشجر المثنان كثير بهذه الجزيرة، وبهذه الجزيرة شجيرة تشبه فسيل النخل لها صمغ إذا خلط بالزجاج صبغه (5) وصار حجراً تتخذ منه الفصوص. وبها آثار للأول كثيرة، ومن أعجب الآثار بها الصنم المنسوب إلى هذه الجزيرة بناه أركلش (6) ، وهو هرقلش، أصله من الروم الإغريقيين، وكان من قواد الروم وكبرائهم على زمان موسى عليه السلام، وقيل إنه أول معدود لملوك اليونانيين، وملك أكثر الأرض، فحارب أهل المشرق وافتتح مدنهم إلى أن وصل إلى الهند، وانصرف صادراً مفتتحاً لبلاد أولاد يافث إلى أن انتهى إلى الأندلس، فلما بلغ البحر المحيط الغربي سأل عما وراءه، فقيل له إنه لا يجاوز إلا إلى برّ الأندلس، فعمد إلى جزيرة قادس فبنى بها مجدلاً عالياً منيفاً، وجعل صورة نفسه مفرغة من نحاس في أعلى المنارة، وقد قابلت المغرب كرجل متوشح برداء من منكبه إلى أنصاف ساقيه، وقد ضم عليه وشاحه، في يده اليمنى مفتاح من حديد، وهو مادُها نحو المغرب، وفي اليسرى صفيحة من رصاص منقوشة، فيها ذكر خبره، ومعنى المفتاح الذي بيده أنه افتتح ما وراءه من البلدان والمدن والصنم في وسط الجزيرة وبينه وبين الحصن المذكور ستة أميال، والصنم مربع ذرع أسفله من كل جانب أربعون ذراعاً، وارتفع على قدر هذا الذرع ثم ضاق، وارتفع على قدر ذلك الذرع الثاني ثم ضاق، وارتفع على قدر ذلك الذرع الثالث، ثم خرط البنيان من ابتداء الطبقة الرابعة إلى أن صارت قدما الصورة على صخرة واحدة قدر تربيعها في رأي العين أربعة أذرع، قد تقدمت رجله اليمنى وتأخرت اليسرى كالماشي، وارتفاعِ الصنم من الأرض إلى رأس الصورة مائة وأربعة وعشرون ذراعاً لطول الصورة من ذلك ثمانية أذرع، وقيل ستة، وقيل إن هذا الذرع بالذراع الكبير الذي هو ثلاثة أشبار ونصف، وقد خرج من بين رجليه عمود نحاس، وذهب صاعداً حتى علا فوق رأسه نحو ذراعين في رأي العين. وكان يقول أهل العلم بالحدثان في سالف الأزمان: يوشك أن يقع من يد هذه الصورة أحد المفتاحين فيكون بذلك بدء تحرك الفتن بالأندلس، ثم يقع الآخر بعد فيكون حينئذ خراب الأندلس، فذكر جماعة أهل قادس أن أحد المفتاحين سقط سنة أربعمائة، وهو في صورة المفتاح، فحمل إلى صاحب مدينة سبتة، فأمر به فوزن، فكانت زنته ثمانية أرطال. وقيل إن هذا الصنم بني لتاريخ ألفين وأربعمائة وإحدى وخمسين من وقت الطوفان، وقيل لتاريخ ألفين وأربعمائة وإحدى وخمسين من وقت آدم عليه السلام، والذي لا يشك فيه أنه بني على عهد موسى عليه السلام.

_ (1) نزهة المشتاق: 120. (2) لفظة ((قادس)) مكررة في ص ع؛ وفي معجم البكري: 1042 قادس رجل من أهل خراسان، وقال ياقوت (قادس) : قرية من قرى مرو. (3) بروفنسال: 145، والترجمة: 173 (Cadiz) ، وقد ورد ذكر صنم قادس في مصادر مختلفة، ولكن قارن بتحفة الألباب: 69، والزهري: 90، وياقوت: (قادس) . (4) بروفنسال: نبات رتم. (5) بروفنسال: صمغه. (6) بروفنسال: أركليش.

القاطول:

وقال موسى بن شخيص يعني هذا الصنم: ورجراجة الأرداف موارة الخطا ... (1) تهادى وليست من حسانِ الأوانس إلى أن ترى الشخص الملفع موفياً ... على الصنم الموفي على بحر قادس ولمّا نزلنا تحته قال صاحبي ... أعاجيبُ روم أو أعاجيبُ فارس فقلنا له خفِّضْ سؤالك والتمس ... (2) نجاتك من هول البحار الطوامس وكانوا يتحدثون أن الموسطة من البحر الغربي ويسمونه ببلاية (3) لم تسلك قط إلى وقت سقوط ذلك المفتاح، فمن حينئذ سلك الناس في البحر إلى شلا (4) وإلى السوس وغيرهما، وكان هذا مستفيضاً عندهم. وذكر بعض المؤلفين لغرائب الحدثان أن صنم قادس موضوع على بلاد الأندلس، فجعل رأسه لطليطلة، وصدره لقرطبة، وكذلك أعضاؤه قسمها عضواً عضواً على بلاد الأندلس، فمتى أصاب عضواً من هذه الأعضاء آفة حلت بذلك القطر الذي من قسمته آفة. وفي بعض التصانيف: إذا هدم صنم قادس استولى النصارى على بلاد الأندلس، فنظروا فإذا الوقت الذي هدمه أبو الحسن علي بن عيسى بن ميمون (5) فيه دخل النصارى قرطبة وملكوها. قال المخبر: وكنا باشبيلية تحت الذمة لأن رئيس (6) النصارى المعروف بالسليطين (7) لما استحوذ عليها أقر أبا زكريا يحيى بن علي رئيساً على ما كان بأيدي الملثمين منها ومن غيرها، وكان حكم السليطين نافذاً فيها، ولقد وقع سنة أربعين تنازع بين رجلين من المرابطين في إنزال جنان بقرية من قرى اشبيلية، فادعاه أحدهما بإنزال ابن غانية له فيه، وأتى بظهير وادعاه الآخر بظهير السليطين، وحكم بينهما والي اشبيلية تحت نظر يحيى بن علي فأقره بيد الذي ادعاه بإنزال النصارى إياه واحتج بأن الأمر إنما هو للسليطين لا ليحيى بن علي، وكان هذا الملثم قد كتب له به السليطين بطليطلة حين سفر إليه رسولاً عن يحيى بن علي. وكان هدم علي بن عيسى لهذا الصنم لأنه خيل إليه أنه على كنوز ضخمة وأن داخله محشوّ تبراً فدعا له الرجال والبناة وأخذوا في قطع حجر منه، وكلما قطعوا حجراً دعموا مكانه بدعامة من خشب، حتى وقف ذلك الجرم العظيم على الدعائم، ثم رموا إلى الخشب النار، بعدما ملأوا الخلل الذي بين الخشب حطباً، فسقط جميعه، وكانت له وجبة عظيمة، واستخرج الرصاص المعقود بالحجارة والنحاس الذي كان منه الصنم وكان مذهّباً، وبردت (8) في يديه من مطلبه الخيبة، وكان يقال إن الذي يهدم صنم قادس يموت مقتولاً وكذلك كان. ويزعم أهل جزيرة قادس أنهم لم يزالوا يسمعون أن الراكب في هذا البحر إذا لجج فيه وغاب عنه صنم قادس، بدا له صنم ثان مثله، فإذا وصلوا إليه وجاوزوه حتى يغيب عليهم بدا لهم صنم ثالث، فإذا تجاوزوا سبعة أصنام صاروا في بلاد الهند، وهذا مستفيض عندهم معروف جار على ألسنتهم، لم يزل يأخذه آخرهم عن أولهم. قالوا: ولما أحكم أركلش هذه الآثار صمد إلى بلاد البربر فعبر إلى مدينة سبتة من الزقاق الخارج من البحر المحيط. ولم يزل يفتتح مدينة بعد مدينة حتى انتهى إلى لوبيا ومراقيا (9) ، فوجد هناك آلاماً وأوجاعاً في بدنه، فلما اشتد ذلك به أجج ناراً وألقى نفسه فيها فاحترق، وكان غرضه أن يحرق الأوجاع التي في بدنه، فدل هذا من فعله على أنه كان من عبدة النيران، وتفرقت جموعه، واتخذته المجوس وثناً يعبدونه. القاطول (10) : بين الجزيرة والموصل، فاعول من القطل، وهو القطع.

_ (1) يريد السفينة. (2) ص ع: مولى ... الطوايس. (3) بلاية (Pelagos) ؛ وفي ص ع: لبلاية. (4) هي سلا القديمة؛ وعند بروفنسال: سلا - بالسين المهملة. (5) كان قائد أسطول المرابطين؛ قام بثورة عند موت تاشفين في قادس وعلن استقلاله فيها، ثم خضع للموحدين. (6) بروفنسال: مرقيش (Marquis) . (7) هو الفونسو السابع صاحب قشتالة، توج سنة 1126 (عن بروفنسال) والسلطين تصغير السلطان. (8) بروفنسال: وبدت. (9) بروفنسال: وتراقيا. (10) معجم ما استعجم 3: 1044.

قابس:

وقد ذكره البحتري في قصيدته التي يرثي بها المتوكل فقال: محلّ على القاطول أَخْلَقَ داثرُهْ ... وكان المعتصم (1) لما ارتاد موضعاً مرَّ بالقاطول فقال: هذا أصلح المواضع فصير الدير المعروف بالقاطول وسط المدينة، وجعل البناء على دجلة وعلى القاطول، وابتدأ البناء وأقطع القواد والكتّاب والناس، فبنوا حتى ارتفع البناء، واختطت الأسواق على القاطول وعلى دجلة وسكن هو في بعض ما بني له، ثم قال: أرض القاطول غير طائلة والبناء بها صعب، ثم ركب يتصيد فمرَّ في سيره إلى سرَّ من رأى، وهي صحراء لا عمارة بها ولا أنيس إلا ديراً للنصارى فبنى فيه مدينة سر من رأى على ما مرَّ في موضعه، والقاطول على خمسة فراسخ من سامرّا. القاهرة (2) : هي قاعدة الملوك المصريين ودار ملكهم في البلاد المصرية، وهي مدينة محدثة من بناء العبيديين الشيعة الذين كانوا بها وبينها وبين مصر ثلاثة أيام وهي مدينة كبيرة فيها من القصور والمباني ما يعجز الوصف عنه. وكان الحاكم بأمر الله منهم بنى بين الفسطاط والقاهرة مسجداً عظيماً على ثلاثة مشاهد كانت هناك، وجعل فيه سدنة وخدمة يوقدون فيه السرج الليل كله وذكر أنه كان أراد أن ينقل إليه جسد النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان توجهت له الحيلة في ذلك، غير أن الله سبحانه دفع، وأظهر الله عز وجل أهل المدينة على ذلك وقاية لرسوله صلى الله عليه وسلم وكان بذل الأموال لرجال من شيعته فمشوا إلى المدينة فاشتروا بها داراً وأخذوا ذرع ما بين الدار والقبر واحتفروا سرباً عظيماً حتى كادوا يصلون إلى القبر المكرم فأطلع الله تعالى أهل المدينة على ذلك فقتلوا أولئك الفعلة ومثلوا بهم وردموا ذلك الحفير بالحجار وأفرغوا عليه الرصاص فلا يطمع أحد في الوصول إلى مثل ذلك. قاشا (3) : مدينة بالصين أهلها خوارج عن مذهب أهل الصين. وهم يحرقون موتاهم بالنار كما يفعله أهل الهند. قاشان (4) : من مدن هراة، وهي مدينة كبيرة كثيرة الأسواق والصنائع وأهلها مياسير ولهم همم في ملابسهم وزيهم، وهي قليلة الأشجار والمياه. قابس (5) : مدينة من بلاد إفريقية بينها وبين القيروان أربع مراحل، وتعد من البلاد الجريدية، وبينها وبين طرابلس ثمانية أيام وهي مدينة كبيرة قديمة عليها سور صخر جليل من بناء الأول، ولها حصن حصين وأرباض واسعة، وفيها فنادق وحمامات، وقد أحاط جميعها خندق كبير يجري إليه الماء إذا خافوا من نزول عدو عليهم، فيكون أمنع شيء، ولها واد يسقي بساتينها وأرضها ومزارعها، وأصل هذا الوادي من عين خرّارة في جبل بين القبلة والغرب، وهو يصب في البحر. وبين مدينة قابس وبين البحر نحو ثلاثة أميال وأكثر جناتها فيما بينها وبين البحر، وهي كثيرة الثمار والتمر والموز بها كثير وليس بإفريقية موز إلا فيها وفيها شجر التوت كثير، ويربى بها الحرير وحريرها أطيب الحرير وأرقه وليس يعمل بإفريقية حرير إلا بها. وهي مدينة بحرية صحراوية لأن الصحراء منها قريبة، فيقال إنه ما اجتمع في مائدة رجل ثلاثة أشياء متضادة المواضع إلا في مائدة من سكن قابس: يجتمع فيها الحوت الطري، ولحم الغزال الطري والرطب الجني، فهي حاضرة هذا الإقليم وقطبه. ومن كلام الناس: قابس دمشق المغرب. وماء قابس (6) شروب يستسيغه أهلها، وبغابتها (7) أشجار وجنات وكروم وزيتون كثير، ويتجهز بزيته إلى النواحي وبها نخل ملتف ورطب لا يعدله شيء في طيبه، وأهلها يجنونه طريّاً ثم

_ (1) عن اليعقوبي: 256 - 257. (2) في صبح الأعشى 3: 344 نقل عن الروض. (3) نزهة المشتاق: 71 (OG: 213) ويحددها بأن بينها وبين باجه عشر مراحل، وبينها وبين أبشيهار (أو: بشهيار) ثمان مراحل. (4) كذلك هي في نزهة المشتاق: 142 وعنه ينقل مؤلف (وفي ع: قاسان) ، وليس لدى الجغرافيين الآخرين مثل هذه التسمية، ويقول الإدريسي أن هذه المدينة ((قدرها أصغر من مالين)) وذلك يقابل ((باشان)) - بالباء - عند ابن حوقل: 368 الذي يصف باشان أيضاً بأنها ((قليلة البساتين)) وهذا يماثل قول الإدريسي ((وهي قليلة الأشجار)) أما الإدريسي فيقول أيضاً إنها كانت قليل المياه، وابن حوقل يصفها بكثرة المياه؛ وما دام الحديث عن مدينة من مدن هراة فالأرجح أنها هي ((باشان)) ، وانظر ياقوت: (باشان) . (5) الاستبصار: 112، وقارن بالبكري: 17، والإدريسي (د) : 106. (6) الإدريسي (د/ ب) : 106 - 107/ 77. (7) انظر وصف هذه الغابة في رحلة التجاني: 86.

يودعونه دنانات فيخرج بعد مدة له عسلية لا يقدر على تناولها إلا بعد زوال تلك العسلية ثم لا يحاكيه شيء من التمر في طيب مذاقه وتعلكه، ومرساها لا يستر من ريح، إنما ترسي القوارب بواديها، وهو نهر صغير يدخله المد والجزر قالوا: وفي أهلها قلة ذمامة، ولهم زي ونظافة وفي باديتها عتوّ وفساد وقطع سبيل. وقال أبو عبد الله الحنفي: قَلوصي إلى الترحال طال نزوعها ... لها كل يوم أن تشد نسوعها إلى أن أحلتني لحيني بقابس ... فصادفني ضنك الحجاز وجوعها أُعاين فيها كلّ أسودَ كالح ... يلوح على الأسنان منه رجيعها بمجلس قاض يدَعي علم شرعة ... ويعزب عنه أصلها وفروعها ولولا بنو الإفضال من آل مسلم ... فإن لهم عندي يداً لا أضيعها سللتُ حسامَ الهجو فيهم فإن لي ... به ضربات لا يفل صدوعها وبقابس قصر العروسين (1) وهو من البناءات المشهورة، وكان بناه بنو رشيد من العرب الذين وجههم العبيديون إلى إفريقية، منهم مدافع بن رشيد بن مدافع بن جامع أناب إلى عبد المؤمن بن علي لما طلع إلى إفريقية وأسكنه قابس، وكان هؤلاء العرب تأخروا عن طاعته، وواليهم يومئذ مدافع بن رشيد الدهماني، وهم من سليم فألطفهم (2) ورفق بهم واستدعاهم بأشعار خاطبهم بها، وتلوم (3) عليهم فلم يصل منهم جواب، فبعث إليهم بعسكر عليهم ابنه عبد الله، وأقام هو يحاصر المهدية، فلما انتهى ابنه إلى قابس جمع مدافع أهله وعشيرته ومن انحاش إليه وفر فتبعته شرذمة من العسكر فواقفهم ساعة، ثم انهزم وقتل جماعة من أهله وعشيرته، وملك الموحدون قابس وحكموا على أهله وطائفته، وهرب مدافع وتوغل في الصحراء، وتبعته الخيل واستولت على ما معه، وجاء هو بنفسه إلى أن استجار بعرب طرابلس، فأقام عندهم نحو العامين، وكان شاعراً أديباً حافظاً للسِير والأخبار، ثم رأى التوجه إلى المغرب، فسار واجتمع بعبد المؤمن بمدينة فاس (4) وأناب إليه، فأسكنه قابس، فأقام بها إلى أن توفي وقد ناهز التسعين. وكان لبني رشيد ذكر مع صنهاجة ومنهم أبو شاكر (5) عامر بن محمد بن سكن (6) بن جامع، خرج يوم فرارهم من قابس وخلص إلى دمشق وأنشد له صاحب الخريدة (7) يتذكر أيامهم ببلدهم: يا حار طرفي غيرُ هاجعْ ... والدمعُ من عينيَّ هامعْ ولقد أرقت مسامراً ... نجماً بدا في الشرق طالع متذكراً لصروف ده ... رٍ أصبحت فينا قواطع إني من الشم الألى ... شادوا العلا أبناء جامع أهل المراتب والكتا ... ئب والمواهب والصنائع يتسابقون إلى المعا ... لي كلهم فيها مسارع ولقد ملكنا قابساً ... بالمشرفيات القواطع تسعين (8) عاماً لم يكن ... خلق لنا فيها منازع

_ (1) قد مر الحديث في مادة ((العروسان)) . (2) ناظر في مجمله إلى رحلة التجاني: 100 وما بعدها. (3) ص ع: وتلزم. (4) ص: قابس. (5) رحلة التجاني: 102 أبو ساكن. (6) الرحلة: مكي؛ الخريدة: عسكر. (7) الخريدة (قسم المغرب والأندلس) 1: 164. (8) ص ع: تسعون.

قباء:

وجنابنا للمعتفي ... ن بزهرة المعروف يانع وإذا شهدنا مجمعاً ... يُومى إلينا بالأصابع عبثت بنا أيدي الزما ... (1) ن وأجدبت منا المرابع وبين قابس ونفزاوة ثلاث مراحل، وبينها وبين قفصة مرحلتان، وهي على مرحلتين من قيطون بياضة. ومن كلام (2) الكاتب أبي المطرف بن عميرة في وصف قابس، وكان ولي قضاءها في أوائل مدة الخليفة المستنصر رحمه الله: ووجدته غوطي البساتين، طوري الزيتون والتين، فأما النخل فجمع عظيم، وطلع هضيم وسكك مأبورة، ونواعم في الخدور مقصورة، وبالجملة فبقعته وارفة الظل، آمنة الحرم والحل، جنة لو نزع ما في صدور أهلها من الغل. ومن رسالة أخرى: ووجدته بادي الحضارة، رائق النضارى جوانبه قد ملئت جناناً وأدواحه تروق ورقاً وأفناناً، جنة لو نزع ما في صدور أهلها لعادوا إخواناً. ومن أخرى: وهذا البلد رائق الموضوع، مذكر بالأوطان والربوع، بل يزيد عليها في أشياء، والقاطن يتناول فيه ما يشاء. ومن أخرى: وهذا البلد رائق المنظر رافل في ورق الحسن الأخضر ولكنه مرتدف (3) بالميرة منقطع عن الجيرة. ومن أخرى (4) : وهذا البلد رائق الموضوع مذكر بالأوطان والربوع، وإنه لمدهامّ الغابة، تام الغرابة، مستأثر بسيد من سادة الصحابة ولا عيب بتربته إلا وخامة بهوائها وحميات قل ما يعرى من عدوائها وربما مطلت بالقوت قواربها ودجنت في البيوت عقاربها، وباتت تسري بالشرّ مراراً وتمنع النوم غراراً. ويخشى المؤمن أن يلدغ من جحرها مراراً ثم أقول: والسماء والطارق، إن لها نظراء في الحي الناطق، تتبارى في العقوق، وتتوارى في الشقوق، وتتوازى في الأفعال، ولا تجازى بالنعال. ومن أخرى (5) : وهذه البلدة الآن حدائقها في ظلال من شرخ الشباب، وأطلال من ثمرات النخيل والأعناب، فهي بحال يقر بجمالها الأندلسي، ويحار بين خلالها الدبسي، ولا عيب فيها إلا هواء وخامته تخاف، وماء غيّر من خالصه الماء المضاف ولبيوت المدينة دواجن سيئة الجوار، سريعة إلى القطان والزوّار، كراها تنفيه، وسراها تخفيه، وصلحها لا يطمع أحد فيه، فقبحت شائلة الأذناب، شاملة بالعذاب، كامنة بارزة، هامزة لامزة، تطرق بالبلية، وتحرق في الأذية، وتقسم شرها بين البرّ والفاجر بالسوية، دبت عندنا ليلة إلى من كان يرمق دبيبها وتحاول قبل أن تصيبه أن يصيبها، فأوقعت به لدغاً في القدم، وإلقاءً في أشد الألم، وبات وبتنا معه في ليلة أخي ذبيان وتعالى الله ما أطول ما كانت وأصعب ما كان. قامهل (6) : من مشاهير بلاد الهند وهي أول حدود الهند إلى صيمور، وبينها وبين المنصورة ثمان مراحل. أبو قابوس (7) : وأبو قبيس اسمان لجبل مكة، ويقال شيخ الجبال أبو قبيس وقيل ثبير. قُباء (8) : بضم أوله على وزن فُعال، من العرب من يذكِّره ويصرفه ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه، وهما موضعان: موضع في طريق مكة من البصرة والآخر بالمدينة، بينها وبينه سبعة أميال، وقباء منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسيرٍ إلى المدينة نزل على كلثوم بن الهدم. وقد يقصر وقال ابن الزبعرى:

_ (1) الخريدة والرحلة: وأحدثت فينا البدائع. (2) رحلة التجاني: 90. (3) ص: مرتزق. (4) وردت هذه الرسالة ممتزجة بالرسالة الأولى، في رحلة التجاني: 90. (5) رحلة التجاني: 90 - 91. (6) كذلك كتبت في البكري (مخ) : 45 وعنه ينقل المؤلف؛ وهي كذلك في نسخة نزهة المشتاق: 61 - أعني بالقاف - وقال الإدريسي: وأما مدينة قامهل فقوم يحسبونها من الهند وقوم يحسبونها من السند ... الخ وقد أثبتها الأستاذ مقبول أحمد (الإدريسي/ ق: 27، 33.. الخ) و (170) OG: ما مهل - بالميم -. (7) معجم ما استعجم 3: 1040. (8) معجم ما استعجم 3: 1045، وقارن بما في امغانم المطابة: 323، ووفاء الوفا 2: 16، 357، والاستبصار: 42، وعنه نقل في صبح الأعشى 4: 290.

قبرس:

حين حكت بقباءٍ برْكها ... واستحر القتلُ في عبد الأشلّ فصرفه، وقال الأحوص (1) : ولها مربع ببرقة خاخ ... ومصيف بالقصر قصرِ قُباء قالوا: وسميت قباء بالبئر التي في دار توبة بن الحسين بن السائب بن أبي لبابة، كان يقال قباء (2) ، وكان بنو أنيف، حي من بلي، ويقال هم بقية من العماليق، ممن نزل قباء مع من نزلها من يهود فقال شاعر منهم: ولو نطقت يوماً قباء لخبّرت ... بأنا نزلنا قبل عاد وتبَّع وآطامها عادية مشمخرَة ... تلوح فتنفي من يعادي وتمنع ورويَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء ماشياً. وبها المسجد الذي أسس على التقوى، بينه وبين مسجد المدينة ميلان ونصف ميل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قُباء كل يوم سبت راكباً وماشياً، ومصلاه فيه معلوم. وطول المسجد ثماني وستون ذراعاً وعرضه كذلك، وطول منارته من سطحه إلى رأسها اثنتان (3) وعشرون (4) ذراعاً، وارتفاعه خمس عشرة ذراعاً وعدد أساطينه تسع وثلاثون. وقبا (5) أيضاً من مدن فرغانة التي تلي اخسيكث في الكبر وهي من أنزهها وأجملها مرأى وهي أكثر مياهاً وبساتين من أخسيكث، وبينهما عشرة فراسخ ولها ربض عليه سور محيط بها وجامعها في قهندزها، إلا أن القهندز خراب، وأسواقها في ربضها، ودار الإمارة والحبس في الربض. قَبْرَة (6) : مدينة بالأندلس، بينها وبين قرطبة ثلاثون ميلاً ذات مياه سائحة من عيون شتى، منها العين التي عليها النهر الذي هناك مخرجه من ناحية جبل شيته (7) عليه أرحاء كثيرة، وهذا الجبل الشامخ (8) ينبت ضروب النواوير وأصناف الأزاهير، وأجناس الأفاويه والعقاقير، وتدوم غضارة نوره وتتصل بهجة نبته باعتدال هوائه، وكثرة أندائه، فيقطف النرجس فيه غضاً زمن الورد. والمسجد الجامع بقَبْرَة ثلاث بلاطات. وبها سوق جامعة يوم الخميس، وتحسن بها ضروب الغراسات وأنواع الثمرات، وهي مخصوصة بكثرة الزيتون. وعلى مقربة من مدينة قَبْرَة المغارة المعروفة بالعروب، لا يدرَك قعرها ولا يُسْبر غورها، وهي باب من أبواب الرياح، ويعرفونها ببئر الريح وكان بعض خلفاء بني أميَّة قد أمر عامل قبرة بردم تلك المغارة وأن يحشد لذلك أهل الناحية ويشرف عليه بنفسه، ففعل واعتمل الناس في ذلك مدة، وكان مما ردموها به التبن والحشيش إلى أن استوى الردم وجلس العامل على فم الغار ليخاطب الأمير بذلك، فرجف المكان وانهال الردم، ونجا العامل ولم يكد ينجو، وبقيت المغارة لا يدرك لها قعر كما كانت قبل الردم، ولا يعلم أين ذهب جميع ما قذف فيها، إلا أنه رئي من ذلك التبن في بعض ينابيع المياه بذلك الجبل، وفي هذه المغارة قذف جماعة من الصقالبة المأسورين في هزيمة كانت أحياء. قبودية (9) : حصن قريب من سلقطة، ويصاد به من السمك كل طريفة، وهو بها كثير رخيص. قبرس (10) : جزيرة على البحر الشامي كبيرة القطر مقدارها ستة عشر يوماً، وبها قرى ومزارع وجبال وأشجار وزروع ومواش، وبها معدن الزاج المنسوب إليها، ويتجهز به منها إلى سائر الأقطار. وبها ثلاث مدن. ومن قبرس إلى طرابلس

_ (1) نسبه في المغنانم المطابة: 330 للسري عبد الرحمن بن عتبة الأنصاري. (2) وفاء الوفاء: هبار، قبار، قتار. (3) بياض في ص ع بمقدار سطر ونصف، والأرقام التي أثبتها هنا هي ما أورده ابن النجار: 380 (ملحق بكتاب شفاء الغرام) وعند السمهودي أرقام أخرى. (4) ص ع: وثلاثون. (5) مشبه لما عند الكرخي: 187 وخاصة الحاشية: 186، وابن حوقل: 420، وانظر المقدسي: 276. (6) بروفنسال: 149، والترجمة: 178 (Cabra) . (7) بروفنسال: شيبة. (8) ص: شامخ. (9) الإدريسي (د/ ب) : 126/ 94 (قبوذية) وهي بالدال المهملة عند البكري: 85. (10) نزهة المشتاق: 194.

القبطيل:

الشام مجريان، وقبرس على ممرِّ الأيام رخاؤها شامل وخيراتها كاملة. وكان معاوية (1) رضي الله عنه غزاها وصالح أهلها على جزية سبعة آلاف دينار، فانتقضوا عليه فغزاهم ثانية فقتل وسبى سبياً كثيراً. وروي أنه لما افتتحت مدائن قبرس وقع الناس في السبي يقتسمونه ويفرقونه بينهم، فتشكى بعضهم إلى بعض، فبكى أبو الدرداء رضي الله عنه ثم تنحى فجلس ثم احتبى بحمائل سيفه فقيل: أتبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل الكفر وأهله؟! فضرب على منكبيه وقال: ويحك ما أهون الخلق على الله تعالى إذا تركوا أمره، بينما هي إمرة قاهرة ظاهرة على الناس إذ تركوا أمر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى. ودور جزيرة قبرس يوم (2) ، وبينها وبين الأرض الكبيرة يوم، وبينها وبين ساحل مصر خمسة أيام، وبينها وبين رودس ميل، وإنما سميت (3) جزيرة قبرس بمدينة هناك تسمى قبرو، وكانت قبرس معظمة في القديم للوثن المسمى قابرس (4) . وأهل مدينة قبرس موصوفون بالغنى والجِدَة وبها معادن الصفر، ويجمع في جزيرة قبرس اللاذن ولا يجمع في غيرها، والذي يجمع منه على الشجر خاصة يحمل إلى ملك القسطنطينية أفضله، لأنه يعادل الألنجوج القماري طيباً وسائر ما يجمع مما يسقط على وجه الأرض هو الذي يستعمله الناس. وشهدت أم حرام بنت ملحان غزو قبرس فتوفيت بها، وأهل قبرس يتبركون بقبرها ويعرفونه قبر المرأة الصالحة، وكانت قد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعوا لها الله عز وجل أن يجعلها من الذين يركبون ثبج البحر مجاهدين في سبيل الله تعالى، ففعل في حديث معروف. وكان الأوزاعي يقول: إنا نرى أن هؤلاء القوم، يعني أهل قبرس أهل عهد، وأن صلحهم وقع على شيء فيه شرط لهم وشرط عليهم وأنه لا يسعهم نقضه إلا بأمر يعرف به عذرهم. ورأى عبد الملك بن صالح (5) في حدث أحدثوه أن ذلك نقض لعهدهم فكتب إلى عدة من الفقهاء يشاورهم في أمرهم، منهم الليث بن سعد ومالك بن أنس وسفيان بن عُييْنة وموسى بن أعين وإسماعيل بن عياش ويحيى بن حمزة وأبو إسحاق الفزاري ومحمد بن حسن رحمة الله عليهم، فاختلفوا عليه، وأجاب كل واحد منهم بما ظهر له، مما ليس هذا موضع ذكره. قالوا: وانتهى خراج أهل قبرس الذي يؤدونه إلى المسلمين بعد المائتين من الهجرة أربعة آلاف ألف وسبعمائة ألف وسبعة وأربعين ألفاً. القَبْطيل (6) : بالأندلس، هو مفرغ وادي طرطوشة في البحر ويعرف أيضاً بالعسكر لأنه موضع عسكر به المجوس واحتفروا حوله خندقاً أثره باق إلى الآن. قبتور (7) : قرية من قرى اشبيلية، وفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة وصلت شياطي الروم الغربيين نهر اشبيلية فأسروا الناس وحرقوا القوارب، ثم وصلوا إلى قبتور هذه وغلبوا أهلها ودخلوا عليهم عنوة، ففرَّ منهم من فرَّ وأخذ جملة منهم ومن نسائهم، واستبيح جميع ما كان في الديار من الأثاث والمتاع. قدس (8) : من جبال تهامة وهو جبل العرج، وقد لا يصرف يجعل اسماً للجبل وما حوله. قُدَيد (9) : في الطريق بين مكة والمدينة، بينها وبين الجحفة - ميقات أهل الشام - سبعة وعشرون ميلاً وهو حصن صغير

_ (1) قارن بفتوح البلاذري: 181. (2) كذا؛ وفي آثار البلاد: 240 إن دورها ستة عشر يوماً. (3) متابع للبكري (ح) : 210 وبعضه في آثار البلاد نقلاً عن العذري. (4) البكري: يانوس. (5) تجد تفصيلاً وافياً عن هذه الحادثة في فتوح البلاذري: 183، والأموال لأبي عبيد 1: 171. (6) بروفنسال: 150، والترجمة: 179 ويبدو تحديد موقع القبطيل من قول العذري في وصف غارة المجوس على إشبيلية سنة 230، فبعد لقائهم عند طلياطة انهزموا ((وبقوا أياماً بين طلياطة وقبطيل ... حتى خرج المجوس من جهة النهر الذي يلي لبلة ... ثم هبط المجوس إلى قنب قوريش ... ثم دخل أعداء الله إلى قبطيل فصاروا بين أودية فنزل عليهم المسلمون من جنبي النهر ... الخ)) ، (العذري: 100) ، وكلمة ((قبطيل)) تعني ((القناة)) وتساوي Capital باللاتينية، وتعرف ب؟ Isla Menor (انظر الترجمة، الحاشية 2 صفحة 179) . (7) بروفنسال: 149، والترجمة: 178، وهذه التسمية تقابل ما يدعى: Isla Menor (عن ترجمة بروفنسال) . (8) معجم ما استعجم 3: 1050، وقارن بياقوت (قدس) . (9) نقل عنه الناصري: 229، وقارن بما في المناسك: 459.

قرسقة:

فيه أخلاط من العرب لها نخيلات يعيشون منها، وبين قديد والبحر خمسة أميال، وبينه وبين الجحفة ستة وعشرون ميلاً، وبها كانت للأوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب مناة، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، ويقال علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فهدمها. وبها مات مُسلْم بن عقبة المري صاحب وقعة الحرة مُنْصَرفه عن أهل المدينة بعد وقعة الحرة، فإنه لما عمل بأهل المدينة ما عمل، أخزاه الله تعالى، توجه بجنده إلى مكة قاصداً لحرب ابن الزبير، فمات بقُدَيد لأربعٍ بقينَ من محرَّم سنة أربع وستين، بعد أن عهد إلى الحصين بن نمير بالتوجه بالجيش إلى مكة لحرب ابن الزبير. وقُدَيد كثيرة الماء والبساتين. وروي (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صام حتى أتى قُدَيداً فأفطر حتى أتى مكة، وفي خبر آخر: حتى بلغ الكَدِيد ثم أفطر، وهو أصح وأثبت. وسميت قديداً لتقدد السيول بها. وبقديد كانت وقعة الخارجي الذي يقال له طالب الحق مع أهل المدينة، قالت امرأة ترثيهم: يا ويلتا ويلاً ليه ... أفنت قُدَيد رجاليه وهناك مات القاسم بن محمد حتف أنفه. وفي الكتب القديمة أن قديداً هو الوادي الذي وقعت فيه الريح لسليمان عليه السلام، وأنه هو الذي أتي فيه بصاحبة سبأ. قردى: من بلاد الموصل وهي ديار بني حمدان، وقد تقدم لها ذكر في ذكر بازبدى. قرسقة (2) : جزيرة في قطعة من البحر الشامي، فيها مدينة حسنة متوسطة عامرة، وطولها ثمانية وخمسون ميلاً، وعرضها سبعة وعشرون ميلاً، وهي جزيرة خصيبة كثيرة العمارة، وأهلها يتجولون في أرض الروم، وهم أكثر الروم سفراً. قرسقة (3) : جزيرة للنصارى تقابل مدينة رومة. ويقال هي بالقرب من سردانية، وبينها وبين ساحل إفريقية نصف يوم، وبينها وبين ساحل تونس أربعة أيام، وكانت للرومانيين، خربها المسلمون قديماً، وقيل هي عامرة، ولها مراس مشاتي كثيرة، ومن مراسيها مرسى البوالص وآخر يعرف بمرسى الزيتونة، وبها زوايا كثيرة وجبال داخلة في البحر، وطولها مائة وستون ميلاً، وهي كثيرة الخير وافرة النعم، وقد غنمها المسلمون أيام عبد الرحمن بن الحكم، وآبارها قريبة الأرشية، وفي القبلة منها جزيرة سردانية، بينهما في البحر عشرون ميلاً. قرْبَليان (4) : بالأندلس، بينها وبين أوريولة عشرون ميلاً وهي كثيرة الزيتون، وبها سقي كثير. قرقيسيا: كورة من كور ديار ربيعة، بين الحيرة والشام (5) ، وفي الجانب الشرقي من الفرات، فتحها عنوة عمرو (6) بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف، أمر عمر بن الخطاب (7) سعد بن أبي وقاص أن يوجهه في جند فخرج يعارض الطريق حتى جاء قرقيسيا في غرة فأخذها عنوة، فأجاب أهلها إلى الجزية. وإلى قرقيسيا (8) فرَّ زفر بن الحارث العامري ثم الكلابي بعد وقيعة مرج راهط، وكان مع الضحاك بن قيس الفهري، فلما قتل الضحاك ولى زفر، ومعه رجلان من بني سُلَيْم فقصر فرساهما فغشيتهما اليمانية من خيل مروان، فقال له صاحباه: انج بنفسك

_ (1) معجم ما استعجم 3: 1054. (2) ص ع: قرقسة، والقاف الثانية غير معجمة في ع، وقد ذهبت إلى الظن بسبب صورة الاسم بأنها هي التي يذكرها الإدريسي (م) : 64 باسم: قُرْفس (وهي دائماً قرقس في أصول نزهة المشتاق) وهي جزيرة (Corfu) انظر الترجمة: 77؛ غير أنني وجدت المؤلف ينقل هنا وصف ((قرسقة)) (Corsica) عن نزهة المشتاق: 175؛ ولا لبس إذن في أن هذه المادة عن الإدريسي هي وصف جزيرة ((كورسكا)) . ثم وجد المؤلف - ولعل ذلك عند البكري - وصفاً آخر للجزيرة، فجعلهما مادتين منفصلتين، لاختلاف صورتي الاسم في الأصول التي ينقل عنها. (3) راجع الحاشية السابقة. (4) بروفنسال: 151، والترجمة: 180 (Crevillente) قرية صغيرة بمقاطعة لقنت. (5) نقل هذا التحديد عن معجم ما استعجم 3: 1066، وفي لفظة ((الحيرة)) خطأ واضح؛ وقارن بياقوت (قرقيسيا) . (6) الطبري: عمر. (7) الخبر في الطبري 1: 2479. (8) مروج الذهب 5: 202.

القراصة:

فإنا مقتولان فولى راكضاً، وقتل الرجلان، وفي ذلك يقول زفر من أبيات: لعمري لقد أبقتْ وقيعةُ راهط ... لمروان صدعاً بيننا متنائيا أريني سلاحي لا أبا لك إنني ... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا فقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا أتذهب كلبْ لم تنلها رماحنا ... وتترك قتلى راهط هي ما هي فلم ترَ منّي نبوة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبيَّ ورائيا عشية أعدو في الفريقين لا أرى ... من القوم إلا من عليّ ولا ليا أَيذهب يوم واحد إن أسأته ... بصالح أيامي وحسن بلائيا وانتهى زفر بن الحارث من هزيمته إلى قرقيسيا فغلب عليها، واستقام الشام لمروان. قرميسين: بلد جليل من كور الجبل بينه وبين آمد ثلاث مراحل، وإليها ينسب عبد السلام بن الحسين القرميسني البصري اللغوي (1) صاحب التأليف في الحماسة وغيرها، أصلها بالفارسية كرمان شاهان فعرب. القِراصة (2) : بكسر أوله وبالصاد المهملة، بالمدينة، بها كان حائط جابر بن عبد الله الذي عرض أصله وثمره على يهود فيما كان لهم عليه، فأبوا أن يقبلوها منه فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إذا حان جدادها فجدّها، ثم ائتني "، ففعل، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرك ودعا له أن يؤدي عن جابر ثم قال صلى الله عليه وسلم: " يا جابر اذهب إلى غرمائك فشاطرهم على سعر وائت بهم "، ففعل، فقال بعضهم لبعض: ألا تعجبون لهذا؟ عرض أصله وثمره فأبينا، ويزعم أنه يوفينا من ثمره؟ فجاء بهم حتى وفاهم حقوقهم، وفضل منها مثل ما كانوا يجدون في كل سنة. قرَّة (3) : في بلاد الروم، كان الرشيد أغزى ابنه القاسم بلاد الروم فأتى قرة فأقام على حصنها، فافتداها نقفور طاغية الروم بثلثمائة أسير من المسلمين، فأجابه إلى ذلك. وفي سنة تسع وستمائة نزل عليها العدو في نيف على عشرين قطعة، وأهلها غافلون فاستولى عليها وأخذ الأبكار في الحمامات والديار وسبى جميع نسائها، وكانت قضية من الكوائن الشنيعة. قُرْطُبة (4) : قاعدة الأندلس وأم مدائنها ومستقر خلافة الأمويين بها وآثارهم بها ظاهرة، وفضائل قرطبة ومناقب خلفائها أشهر من أن تذكر، وهم أعلام البلاد وأعيان الناس، اشتهروا بصحة المذهب وطيب المكسب وحسن الزي وعلو الهمة وجميل الأخلاق، وكان فيها أعلام العلماء وسادات الفضلاء، وتجارها مياسير وأحوالهم واسعة، وهي في ذاتها مدن خمس يتلو بعضها بعضاً، وبين المدينة والمدينة سور حاجز، وفي كل مدينة ما يكفيها من الأسواق والفنادق والحمّامات وسائر الصناعات، وطولها من غربيها إلى شرقيها ثلاثة أميال، وعرضها من باب القنطرة إلى باب اليهود ميل واحد وهي في سفح جبل مطل عليها يسمى جبل العروس، ومدينتها الوسطى هي (5) التي فيها باب القنطرة. وبها الجامع المشهور أمره الشائع ذكره من أجل مصانع الدنيا كبرَ مساحة وإحكامَ صنعة وجمالَ هيئة وإتقان بنية تهمم به الخلفاء المروانيون فزادوا فيه زيادة بعد زيادة، وتتميماً إثر تتميم، حتى بلغ الغاية في الإتقان، فصار يحار فيه الطرف ويعجز عن حسنه الوصف وليس في مساجد المسلمين مثله تنميقاً

_ (1) هو خازن دار العلم ببغداد، الذي نشأت بينه وبين المعري صداقة أثناء إقامة المعري ببغداد، توفي سنة 405هـ؟ (انظر انباه الرواة 2: 175، وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى) . (2) معجم ما استعجم 3: 1056، وخلاصة الوفا: 400. (3) الطبري 3: 694. (4) بروفنسال: 153، والترجمة: 182 (Cordaba) ، والنص من أول المادة حتى قوله: ((فهذا ما حكاه محمد بن محمد بن إدريس)) منقول في مجمله عن الإدريسي (د) : 208 - 212. (5) ص ع: في مدينتها ... وهي.

وطولاً وعرضاً، طوله مائة باع وثمانون باعاً ونصفه مسقف، ونصفه صحن بلا سقف، وعدد قسي مسقَّفه أربع عشرة قوساً، وسواري مسقفه بين أعمدته وسواري قببه صغاراً وكباراً مع سواري القبلة الكبرى وما يليها ألف سارية، وفيه مائة وثلاث عشرة ثريا للوقيد أكبر (1) واحدة منها تحمل ألف مصباح، وأقلها تحمل اثني عشر مصباحاً، وجميع خشبه من عيدان الصنوبر الطرطوشي (2) ، ارتفاع الجائزة منه شبر في عرض شبر إلا ثلاثة أصابع، في طول كل جائزة سبعة وثلاثون شبراً وبين الجائزة والجائزة غلظ الجائزة، وفي سقفه من ضروب الصنائع والنقوش ما لا يشبه بعضها بعضاً، قد أحكم ترتيبها وأبدع تلوينها بأنواع الحمرة والبياض والزرقة والخضرة والتكحيل، فهي تروق العيون وتستميل النفوس بإتقان ترسيمها ومختلفات ألوانها وسعة كل بلاط من بلاط سقفه ثلاثة وثلاثون شبراً وبين العمود والعمود خمسة عشر شبراً ولكل عمود منها رأس رخام وقاعدة رخام. ولهذا الجامع قبلة يعجز الواصفون عن وصفها وفيها إتقان يبهر العقول (3) تنميقها،، وفيها من الفسيفساء المذهب والبلور (4) مما بعث به صاحب القسطنطينية العظمى إلى عبد الرحمن الناصر لدين الله، وعلى وجه المحراب سبع قسيّ قائمة على عمد طول كل قوس أشف من قامة، وكل هذه القسي مزججة (5) صنعة القوط، قد أعجزت المسلمين والروم بغريب أعمالها ودقيق وضعها، وعلى أعلى الكل كتابان منحوتان بين بحرين من الفسيفساء المذهب في أرض الزجاج اللازوردي، وعلى وجه المحراب أنواع كثيرة من التزيين والنقوش، وفي جهتي المحراب أربعة أعمدة: اثنان أخضران واثنان زرزوريان لا تقوم بمال، وعلى رأس المحراب خَصّة رخام قطعة واحدة مسبوكة (6) منمقة بأبدع التنميق من الذهب واللازورد وسائر الألوان واستدارت على المحراب حظيرة خشب بها من أنواع النقش كل غريبة، ومع يمين المحراب المنبر الذي ليس بمعمور الأرض مثله صنعة، خشبه أبنوس وبقس وعود المجمر، يقال إنه صنع في سبع سنين، وكان صناعة ستة رجال غير من يخدمهم تصرفاً، وعن شمال المحراب بيت فيه عدد وطسوت ذهب وفضة وحسك، وكلها لوقيد الشمع في كل ليلة سبع وعشرين من رمضان، وفي هذا المخزن مصحف يرفعه رجلان لثقله فيه أربع أوراق من مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي خطه بيمينه، وفيه نقطة من دمه، ويخرج هذا المصحف في صبيحة كل يوم، يتولى إخراجه قوم من قَوَمة الجامع، وللمصحف غشاء بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش، وله كرسي يوضع عليه، فيتولى الإمام قراءة نصف حزب فيه، ثم يرفع إلى موضعه. وعن يمين المحراب والمنبر باب يفضي إلى القصر، بين حائطي الجامع في ساباط متصل، وفي هذا الساباط ثمانية أبواب، منها أربعة تنغلق من جهة القصر وأربعة تنغلق من جهة الجامع. ولهذا الجامع عشرون باباً مصفحة بصفائح النحاس وكواكب النحاس، وفي كل باب منها حلقتان في غاية الإتقان، وعلى وجه كل باب منها في الحائط ضروب من الفصّ المتخذ من الآجر الأحمر المحكوك، أنواع شتى وأصناف مختلفة من الصناعات والتنميق. وللجامع في الجهة الشمالية الصومعة الغريبة الصنعة، الجليلة الأعمال، الرائقة الشكل والمثال، ارتفاعها في الهواء مائة ذراع بالذراع الرشاشي، منها ثمانون ذراعاً إلى الموضع الذي يقف عليه المؤذن، ومن هناك إلى أعلاها عشرون ذراعاً، ويصعد إلى أعلى هذا المنار بدرجين (7) : أحدهما من الجانب الغربي، والثاني من الشرقي، إذا افترق الصاعدان أسفل الصومعة لم يجتمعا إلا إذا وصلا الأعلى. ووجه هذه الصومعة مبطن بالكذّان منقوش من وجه الأرض إلى أعلى الصومعة، بصنعة تحتوي على أنواع من التزويق والكتابة. وبالأوجه الأربعة الدائرة من الصومعة صفان من قسيّ دائرة على عقد (8) الرخام، وبيت له أربعة أبواب مغلقة يبيت فيه في كل ليلة مؤذنان، وعلى أعلى الصومعة التي على البيت ثلاث تفاحات ذهباً واثنتان (9) من فضة وأوراق سوسنية، تسع الكبيرة من هذه التفاحات ستين رطلاً من الزيت، ويخدم الجامع كله ستون رجلاً،

_ (1) ع ص: أكبرها. (2) ع: الططرشي. (3) سقط من ص ع. (4) بروفنسال: والملون. (5) بروفنسال: موجهة. (6) بروفنسال: مشبوكة. (7) ص ع: بدرجتين، بروفنسال: بمدرجين. (8) بروفنسال ودوزي: عمد. (9) ص ع وبروفنسال: واثنان.

وعليهم قائم ينظر في أمورهم فهذا ما حكاه محمد بن محمد بن ادريس. وقرطبة على نهر عظيم عليه قنطرة عظيمة من أجل البنيان قدراً وأعظمه خطراً، وهي من الجامع في قبلته، وبالقرب منه، فانتظم بها الشكل. قالوا: وبأمر عمر بن عبد العزيز قام على نهر قرطبة الجسر الأعظم الذي لا يعرف في الدنيا مثله، وحول الأندلس من عمل إفريقية وجرَّد لها عاملاً من قبله، ووقعت المغانم فيها عن أمره. وذكر أن (1) تفسير قرطبة بلسان القوط - قرظبة بالظاء المعجمة - ومعنى ذلك بلسانهم: القلوب المختلفة وقيل إن معنى قرظبة آخر " فاسكنها ". ودور مدينة قرطبة في كمالها ثلاثون ألف ذراع، وبها من الأبواب باب القنطرة وهو بقبليها ومنه يعبر النهر على القنطرة والباب الجديد وهو بشرقيها وباب السّور بجوفيها، وباب عامر وهو بين الغربي والجوفي منها، وغيرها. وقصر مدينة قرطبة بغربيها متصل بسورها القبلي والغربي، وجامعها بإزاء القصر من جهة الشرق، وقد وصل بينهما بساباط يسلك الناس تحته من المحجة العظمى التي بين الجامع والقصر إلى باب القنطرة، وكان طول مسقف البلاطات من المسجد الجامع - وذلك من القبلة إلى الجوف، قبل الزيادة مائتين وخمساً وعشرين ذراعاً والعرض من الشرق إلى الغرب قبل الزيادة مائة ذراع وخمس أذرع، ثم زاد الحكم في طوله في القبلة مائة ذراع وخمس أذرع، فكمل الطول ثلثمائة ذراع وثلاثين ذراعاً، وزاد محمد بن أبي عامر بأمر هشام بن الحكم في عرضه من جهة المشرق ثمانين ذراعاً، فتم العرض مائتين وثلاثين ذراعاً، وكان عدد بلاطاته أحد عشر بلاطاً، عرض أوسطها ست عشرة ذراعاً وعرض كل واحد من اللذين يليانه شرقاً واللذين يليانه غرباً، أربعة عشر ذراعاً، وعرض كل واحدة من الستة الباقية أحد عشر ذراعاً. وزاد محمد بن أبي عامر فيها ثمانية عشر (2) عرض كل واحد عشر أذرع، وطول الصحن من المشرق إلى المغرب مائة وثمان وعشرون ذراعاً، وعرضه من القبلة إلى الجوف مائة واحدة وخمس أذرع، وعرض السقائف المستديرة بصحنه عشر أذرع، فتكسيره ثلاثة وثلاثون ألف ذراع ومائة وخمسون ذراعاً وعدد أبوابه تسعة: منا ثلاثة في صحنه غرباً وشرقاً وجوفاً وأربعة في بلاطاته: اثنان غربيان واثنان شرقيان، وفي مقاصير النساء من السقائف بابان، وجميع ما فيه من الأعمدة ألف عمود ومائتا عمود وثلاثة وتسعون عموداً أساطين رخام كلها. وقباب مقصورة الجامع مذهبة، وكذلك جدران المحراب وما يليه قد أجري فيه الذهب على الفسيفساء، وشرفات (3) المقصورة فضة محضة، وارتفاع الصومعة اليوم - وهي من بناء عبد الرحمن بن محمد ثلاث وسبعون ذراعاً إلى أصل القبة المفتحة (4) التي يستدير بها المؤذنون، وفي رأس هذه القبة تفاح ذهب وفضة، وارتفاعها إلى مكان الأذان أربع وخمسون ذراعاً، وطول كل حائط من حيطانها على الأرض ثمان عشرة ذراعاً. وعدد المساجد بقرطبة على ما أحصي وضبط أربعمائة وأحد وتسعون مسجداً. وأحواز قرطبة تنتهي في الغرب إلى أحواز اشبيلية، وتأخذ في الجوف ستين ميلاً، وتختلط أحوازها في الشرق بأحواز جيان، وعلى الجملة فقد كانت أمَ البلاد وواسطة عقد الأندلس، وحَوَتْ من الأكابر من أهل الدنيا والآخرة من الملوك والعلماء والصالحين والمفتين وغيرهم خلقاً، ومتعوا فيها ما أراد الله عزّ وجلّ، وذلك حين كان جدها صاعداً. وبعد ذلك طحنتها (5) النوائب واعتورتها المصائب، وتوالت عليها الشدايد والأحداث فلم يبق من أهلها إلا البشر اليسير على كبر اسمها وضخامة حالها. وقنطرتها التي لا نظير لها وعدد أقواسها تسع عشرة قوساً، بين القوس والقوس خمسون شبراً، ولها ستائر من كل جهة تستر القامة، وارتفاعها من موضع المشي إلى وجه الماء، في أيام جفوف الماء وقلته، ثلاثون ذراعاً. وتحت القنطرة يعترض الوادي رصيف مصنوع من الأحجار والعمد الجافية من الرخام، وعلى السد ثلاث بيوت أرحاء، في كل بيت أربع مطاحن. ومحاسن هذه المدينة وشماختها أكثر من أن يُحاط بها. فلما عثر جدّها وخوى نجمها وضعف أمر الإسلام واختلت

_ (1) عن البكري (ح) : 100 وما بعدها. (2) بروفنسال: ثماني بلاطات. (3) بروفنسال والبكري: وثريات. (4) كذا هي في ص ع وبروفنسال والبكري، ولعل صوابها ((المنفحة)) ، أي المزينة بالنفافيح. (5) عاد إلى النقل عن الإدريسي (د) : 212.

قراقر:

بالجزيرة كلمته تغلب عليها النصارى وحكموا عليها، وذلك في أواخر شوّال من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. قُراقر: على وزن حلاحل، موضع في ديار كلب بجهة الشام، وفي الخبر (1) أن الروم لما استجاشوا على أبي عبيدة رضي الله عنه ومن معه من المسلمين، وبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه قال: والله لأنسينَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، وكان إذ ذاك يلي حرب العراق، فكتب إليه أبو بكر رضي الله عنه (2) : أمّا بعد، فدع العراق وخلِّف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه، وامض متخففاً في أهل القوة من أصحابك الذين قدموا معك العراق من اليمامة، وصحبوك في الطريق، وقدموا عليك من الحجاز حتى تأتي الشام فتلقى أبا عبيدة ومن معه من المسلمين، فإذا لقيتهم فأنت أمير الجماعة والسلام. وفي الكتاب (3) : وإياك أن تعود لمثل ما فعلت فإنه لم يشج الجموعَ بعون الله تعالى اشجاءك، ولم ينزع الشجى أحد من الناس نزعك، فلتهنئك أبا سليمان النعمة والحظوة، فأتمم يتمم الله لك فلا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدلَّ بعمل فإن الله تعالى له المنّ، وهو وليَ الجزاء. ووافى خالداً كتابُ أبي بكر رضي الله عنهما هذا وهو بالحيرة منصرفاً من حجّة حجّها متكتماً بها، فانه لما فرغ من إيقاعه بالروم ومن انضوى إليهم مغيثاً لهم من مسالح فارس بالفراض وهي تخوم الشام والعراق والجزيرة - أقام بالفراض (4) عشراً ثم أذن بالقفل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم، وأمر شجرة بن الأعز أن يسوقهم، وأظهر خالد رضي الله عنه أنه في الساقة، وخرج من الحيرة ومعه عدة من أصحابه يعتسف ليلاً حتى أتى مكَّة بالسمت، فتأتى له من ذلك ما لم يتأت لدليل ولا ريبال، فسار طريقاً من طرق الجزيرة، ولم ير طريق أعجب منه، فكانت غيبته عن الجند يسيرة، ما توافى إلى الحيرة آخرهم حتى وافاهم مع صاحب الساقة الذي وضعه فقدما معاً، وخالد وأصحابه محلقون، ولم يعلم بحجه إلا من أفضى إليه بذلك من السّاقة، ولم يعلم أبو بكر رضي الله عنه بذلك إلا بعد، فهو الذي يعنيه بما تقدم في كتابه إليه من معاتبته إياه. وقدم الرسول (5) بالكتاب على خالد رضي الله عنه، فقال له خالد قبل أن يقرأ الكتاب: ما وراءك؟ فقال له: خير، تسير إلى الشام، فشقّ ذلك عليه وقال: هذا عمل عمر رضي الله عنه، نفسَ علي أن يفتح الله عليّ العراق، وكانت الفرْس قد هابوه هيبة شديدة، وكان إذا نزل بقوم من المشركين كان عذاباً من عذاب الله عليهم، وليثاً من الليوث، فلما قرأ كتاب أبي بكر رضي الله عنه فرأى أنه قد ولاه على أبي عبيدة رضي الله عنه وعلى الشام كان ذلك منحى بنفسه وقال: إما إذ ولاني فإن في الشام من العراق خلفاً، وقال خالد: إن بالشام أهل الإسلام وقد تهيأت لهم الروم وتيسرت، فإنما أنا مغيث، وليس لهم مترك، فكونوا أنتم هاهنا على حالكم التي أنتم عليها، فإن نفرغ مما أشخصت إليه عاجلاً عجلنا إليكم، فإن أبطأت رجوت ألا تعجزوا ولا تهنوا وليس خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتارك إمدادكم بالرجال حتى يفتح الله عليكم هذه البلاد إن شاء الله تعالى. وروي أن أبا بكر رضي الله عنه أمر خالداً بالخروج في شطر الناس وأن يخلف على الشطر الثاني المثنى بن حارثة وقال له: لا تأخذ نجداً إلا خلفت له نجداً، فإذا فتح الله عليكم فارددهم إلى العراق وأنت معهم، ثم أنت على عملك، فأحصى خالد رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأثر بهم، وترك للمثنى أعدادهم من أهل الغَناء ممن لم تكن له صحبة ثم نظر فيمن بقي فاختلج من كان قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وافداً أو غير وافد، وترك للمثنى أعدادهم من أهل الغناء ثم قسم الجند نصفين، فقال المثنى: والله لا أقيم إلا على إنفاذ أمر أبي بكر رضي الله عنه في استصحاب نصف الصحابة رضي الله عنهم وإبقاء النصف أو بعض النصف، فوالله ما أرجو النصر إلا بهم فأنى تعريني منهم. فلما رأى ذلك خالد رضي الله عنه بعدما تلكأ عليه أعاضه منهم حتى رضي، وأنجد خالد رضي الله عنه ومعه المثنى، فشيعه إلى قراقر، فقال له خالد رضي الله عنه: انصرف إلى سلطانك غير مقصر ولا ملوم ولا وان.

_ (1) الطبري 1: 2111. (2) فتوح الأزدي: 57. (3) الطبري 1: 2076، 2110. (4) متابع للطبري 1: 2074. (5) عاد إلى النص كما هو في فتوح الأزدي: 58.

القرافة:

فدعا خالد (1) رضي الله عنه بالأدلة، فارتحل من الحيرة سائراً إلى دومة، ثم طعن في البر إلى قُراقر، ثم قال: كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم، فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين، فكلهم قال: لا نعرف إلا طريقاً لا تحمل الجيوش، فإياك أن تغرر بالمسلمين، فعزم عليه، ولم يجبه إلى ذلك إلا رافع بن عميرة على تهيب شديد، فقام فيهم فقال: لا يختلفن هديكم ولا يضعفنَّ يقينكم، واعلموا أن المعونة تأتي على قدر النية، والأجر على قدر الحسبة، وأن المسلم لا ينبغي له أن يكترث بشيء يقع فيه مع معونة الله له، فقالوا له: أنت رجل قد جمع الله لك الخير فشأنك، فطابقوه وقووا واحتسبوا فلما أراد المسير قال له محرز بن حريش وكان يتجر بالحيرة ويسافر إلى الشام: اجعل كوكب الصبح على حاجبك الأيمن، ثم أمه حتى تصبح، فإنك لا تجور فجرب ذلك فوجده كذلك، ثم أخذ في السماوة حتى انتهى إلى قُراقر ففوز من قُراقر إلى سوى، وهما منزلتان بينهما خمس ليال، فلم يهتدوا للطريق، فقال له رافع بن عميرة الطائي: خفِّف الأثقال واسلك هذه المفازة إن كنت فاعلاً، فكره خالد رضي الله عنه أن يخفّف أحداً فقال: قد أتاني أمر لا بدّ من إنفاذه، وأن نكون جميعاً قال: فوالله إن الراكب المنفرد ليخافها على نفسه ما يسلكها إلا مغروراً فكيف أنت بمن معك؟ قال: إنه لا بد من ذلك، فقد أتتني عزمة، قال: فمن استطاع منهم أن يصرّ أذن راحلته على ماءٍ فليفعل فإنها المهالك إلا ما وقى الله تعالى. ثم قال لخالد رضي الله عنه: ابغني عشرين جزوراً عظاماً سماناً مسان، فأتاه بها فظمأهنّ حتى إذا أجهدت عطشاً سقاهن حتى أرواهن، ثم قطع مشافرهن، ثم كعمهنّ، ثم قال لخالد رضي الله عنه: سر بالخيول والأثقال، فكلما نزل منزلاً نحر من تلك الشرف أربعاً فانبط ماءهن فسقاه الخيول وشرب الناس مما تزودوا، حتى إذا كان آخر تلك قال خالد رضي الله عنه لرافع: ويحك، ما عندك يا رافع فقال: أدركك الري إن شاء الله، انظروا هل تجدون شجرة عوسج على ظهر الطريق، قالوا: لا قال: إنا لله إذاً والله هلكت وأهلكت، لا أبا لكم، انظروا، فنظروا فوجدوها فكبّروا وكبّر وقال: احفروا في أصلها، فاحتفروا فوجدوا عيناً فشربوا وارتووا فقال رافع: والله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة مع أبي وأنا غلام، فقال راجز من المسلمين: للهِ درّ رافع أنّى اهتدى ... فوز من قُراقر إلى سوى أرضاً إذا ما جاءها الجيش بكى ... ما سارها من قبله إنس يرى لكن بأسباب متينات القوى ... نكبها الله ثنيات الردى وكتب خالد رضي الله عنه وهو مُقْبِل إلى الشام إلى المسلمين: إن كتاب خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني يأمرني بالمسير إليكم، وقد شمرت وانكمشت وكأنْ قد أظلّت عليكم خيلي ورحالي فأبشروا بإنجاز موعود الله تعالى وحسن ثواب الله عز وجل، عصمنا الله وإياكم باليقين وأثابنا بأحسن ثواب المجاهدين، والسلام. القرافة: مدفن مشهور في البلاد المصرية يسكنه الناس ويعمرونه. وهي إحدى (2) عجائب الدنيا بما تحتويه عليه من مشاهد الأنبياء عليهم السلام وأهل البيت والصحابة والتابعين والعلماء والزهّاد والأولياء، ويذكر أن فيها قبر النبي صالح عليه السلام، وقبر روبيل بن يعقوب عليه السلام، ومشهد آسية امرأة فرعون، ومشاهد أهل البيت وفيها بناء حفيل، وفيها روضات بديعة عجيبة البنيان وكل بها قَوَمَة يسكنونها ويحفظونها، ومنظرها عجيب، والجرايات متصلة لقوامها في كل شهر، وكلها مساجد مبنية ومشاهد معمورة يأوي إليها الغرباء والصلحاء والفقراء، والأجراء على ذلك كله نيف على ألفي دينار في الشهر، وهي أربعة آلاف دينار مؤمنية. وإليها ينسب أحمد بن ادريس القرافي الفقيه شهاب الدين من أهل العصر (3) ، له تعليق على محصول ابن الخطيب سماه " نفائس الأصول في شرح المحصول "، وله " تنقيح الفصول في

_ (1) الطبري 1: 2112 ثم 2122. (2) رحلة ابن جبير: 46، 50. (3) نسب إلى القرافة دون أن يسكنها وهو صنهاجي الأصل، كان مالكياً إماماً في الفقه وأصول الدين عالماً بالتفسير، توفي 682 (وقال في كشف الظنون عند الحديث عن المحصول: سنة 684، وانظر المنهل الصافي 1: 215 - 217) ، وقوله: من أهل العصر إن كان من كلام مؤلف الروض المعطار، فهو ذو قيمة في تعيين الفترة التي عاش فيها المؤلف.

قرمونة:

علم الأصول " وغير ذلك من تصانيفه، وكان فاضلاً رحمة الله عليه. ومن الغرائب ما حدَّث به الثقات عن بعض من حضرته صلاة الظهر أو العصر بالقرافة في بعض جماعاتها، قال: سمعت قائلاً يقول للجماعة الحاضرين: الصلاة على الجنازة، وهي الشيخ أبو علي حسن الزبيدي الغائب، فصلينا عليه وانصرفنا، قال: وثبت بعد ذلك أنه توفي ذلك اليوم بتونس، رحمه الله ونفع به آمين. قرقنة (1) : جزيرة في البحر وسطاً بين قصر زياد وصفاقص، وهي جزيرة حسنة عامرة بأهلها وليس بها مدينة، إنما يسكنها أهلها في أخصاص، وهي حصينة كثيرة الكروم والأعناب وغلات الكمون والأنيسون وتغلب عليها طاغية صقلية سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. وفي الطرف الغربي منها كهوف وغيران يتحصنون فيها ممن يريدهم، وطول هذه الجزيرة ستة عشر ميلاً وعرضها ستة أميال. قَرمُونَة (2) : مدينة بالأندلس في الشرق من اشبيلية، وبينها وبين استجة خمسة وأربعون ميلاً، وهي مدينة كبيرة قديمة وهي باللسان اللطيني: كارب مويه - وهي الكاف والألف والراء والباء المعجمة بواحدة، معناه " صديقي ". وهي في سفح جبل عليها سور حجارة من بنيان الأول كان تثلم في الهدنة ثم بني في الفتنة، وجنباتها حصينة ممتنعة على المحاربين إلا من جهة الغرب، وارتفاع سورها هناك أربعون حجراً وبالذراع ثلاث وأربعون ذراعاً، وفي هذا السور الغربي برج يُعْرَف بالبرج الأجم، عليه تنصب العرادات عند القتال، وفي ركن هذا السور أيضاً مما يلي الجوف بنيان مرتفع على السور يسمى سمرملة، عليه برج للمحاربين، وتحته مرج نضير لا ينهشم ولا يصوّح كلأه، ويتصل بهذا السور خندق عميق جداً أولي، وترابه مستند إلى السور، وفي السور القبلي موضع فيه صخرة عظيمة منيعة منتصبة كالحائط يحسر عنها الطرف من علوها، والسور مبني فوقها، وقد بقي منها دونه قدْر ممشى الرجل، فيتدلى من هناك الرجال لاشتيار العسل واصطياد فراخ الطير من صدوع تلك الصخرة. وفي هذا السور القبلي باب يعرف بباب ترنى (3) نسب إلى قرية بإزائه تسمى ترنى، وباب قُرْطُبة شرقي (4) عليه قصبة وأبراج، وباب قلشانة بين الشرق والجوف ومنه الخروج إلى قُرطُبة لسهولته، وأما باب قُرطُبة فطريقه وعر ممتنع، وباب اشبيلية غربي، دونه إلى داخل المدينة باب ثان بينهما خمسون ذراعاً. وبمدينة قرمونة جامع حسن البناء فيه سبع بلاطات على أعمدة رخام وأرجل صخر، وسوقها جامعة يوم الخميس، وبها حمّامات ودار صناعة بنيت بعد سنة المجوس مخزناً للسلاح وبداخل مدينة قرمونة آثار كثيرة للأول، ومقطع حجر وحواليها مقاطع كثيرة منها مقطع بجوفيها واشبيلية بغربي مدينة قرمونة بينهما عشرون ميلاً وبقبلي قرمونة فحص مدينة عريض حمّال للزرع، فيه قرى كثيرة ذات مياه غزيرة وعيون وآبار وافتتح عبد الرحمن بن محمد مدينة قرمونة سنة خمس وثلثمائة. قَرْناطة (5) : بالنون، مدينة بالأندلس في ناحية منتزحة عن العمران، وفي جبال شاهقة هناك غار فيه رجُل ميت لم تغيره الأزمنة ولا يُدْرى له أول شأن، ويكف من أعلى الغار ماء في وقبٍ لطيف بأسفله، فلا يفيض ذلك الوقب بدوام الماء، وإن شرب منه العدد الكثير لم ينقص ويذكر أن بعض المستهزئين أخذ من أكفان ذلك الميت فصعق لفوره. قَرَباكة (6) : بالباء، بالأندلس أيضاً من إقليم مولة، وهي قرية بها عين ماء تولد الحصى بطبعها، وإذا طال مكثه في الإناء من النحاس أو غيره تحجر بجنباته حتى تتضاعف زنة الإناء، وعين ماءٍ أخْرى تفتت الحصى بطبعها.

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 126 - 127/ 94. (2) بروفنسال: 158، والترجمة: 190 (Carmona) وتقع على بعد 30 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من إشبيلية. (3) بروفنسال: يرني. (4) بروفنسال: شرقيه. (5) بروفنسال: 160، والترجمة: 191، ولم يستطع تعيين موقعها، ولكن ما ورد عنها ينطبق على ما أورده القزويني في آثار البلاد: 553 عن ((قسطلونة)) نقلاً عن العذري. (6) بروفنسال: 150، والترجمة: 180 (Caravaca) وتقع في مقاطعة مرسية على مسافة 68 كيلومتراً إلى الشرق منها، ومولة (Mula) في منتصف المسافة بين مرسية وقرباكة، وفي ع ص: قرباطة.

قرطاجنة:

قرطاجنة: هذا الاسم في ثلاثة مواضع، أحدها بالأندلس (1) عند جبل طارق، وهى مدينة للأول غير مسكونة وبها آثار كثيرة وتُعْرف بقرطاجنة الجزيرة وبمرساها نهر يريق في البحر يعرف بوادي الرمل. والثانية قرطاجنة الخلفاء (2) بالأندلس أيضاً من كورة تدمير وهي فرضة مدينة مرسية، وهي مدينة قديمة أولية بها ميناء ترسي فيه المراكب الكبار والصغار، وهي كثيرة الخصب والرخاء المتتابع، ولها إقليم يسمى الفندون (3) وقليلاً ما يوجد مثله في طيب الأرض وعذوبة الماء، ويحكى أن السنبل يُحْصَد فيه عن مطرة واحدة، وإليه المنتهى في الجودة. ومن مدينة قرطاجنة إلى مرسية في البر أربعون ميلاً. وبقرطاجنة هذه هزم عبد العزيز بن موسى بن نصير تدمير ابن غندرس (4) الذي سميت به تدمير هزمه وأصحابه ووضع المسلمون فيهم السيف يقتلونهم كيف شاءوا حتى نجا تدمير في شرذمة من فلال أصحابه إلى حصن أوريوله وكان مجرباً بصيراً داهية، فلما رأى قلة أصحابه أمر النساء فنشرت شعورهن وأمسكن القصب بأيديهن ووقفن على سور المدينة في من بقي من الرجال، وقصد بنفسه كهيئة الرسول واستأمن فأمّن، وانعقد له الصلح ولأهل بلده، وافتتحت تدمير صلحاً، فلما نفذ أمره عرَّفهم بنفسه وأدخلهم المدينة، فلم يروا بها إلا نفراً يسيراً من الرجال فندم المسلمون على ما كان منهم، وكان ما انعقد من صلح لتدمير مع عبد العزيز على إتاوة يؤديها وجزية عن يد يعطيها، وذلك على سبع مدائن منها: أوريوله ولقنت وألش وغيرها، وتاريخ فتحها رجب من سنة أربع وتسعين. ومن الغرائب (5) ما حكي أن ديراً بقرطاجنة الخلفاء كان على مقربة منه قبر لامرأة شهيدة ولها قدر عندهم وعلى القبر قبة في أعلاها كوة لا يعلو تلك القبة طائر، فإن علاها اجتذبته قوة من تلك الكوة فيسقط في القبة، وقد أخبر رجل بهذه القصة وهو يتصيد بقرطاجنة فأنكر ذلك واعتمد وضع جوارح صيده على القبة فتساقطت داخلها، وكان بتلك القبة مشهد عظيم في يوم من العام يجتمع إليها الداني والقاصي من نصارى تلك النواحي وذلك في الرابع والعشرين من اغشت، فلما كانت سنة أربع عشرة وأربعمائة قصد جماعة من نصارى بلاد افرنجة في مركب حربي إلى تلك القبة فاستخرجوا منها الشهيدة واحتملوها، فلما وصلوا بها إلى جزيرة صقلية بذل لهم نصاراها مالاً عريضاً ليتركوا المرأة عندهم فيقبروها في كنائسهم، فأبوا عليهم ووصلوا بها إلى بلادهم. والثالثة: قرطاجنة إفريقية وهي أجلّها وأشهرها، حتى قال المسعودي لما ذكر البيوت المعظمة عند أوائل الروم، قال (6) : كان بيت معظم قبل ظهور دين النصرانية ببلاد المغرب بقرطاجنة، وهي تونس وراء بلاد القيروان وهي من أرض الإفرنجة، وبني على اسم الزهرة بأنواع الرخام. وبين قرطاجنة (7) وتونس عشرة أميال أو نحوها ومرساهما واحد وقرطاجنة من المدن المشهورة وفيها من الآثار وعجائب البنيان ما ليس في بلد شرقاً ولا غرباً ولو دخلها إنسان ومشى فيها عمره يتأمل آثارها لرأى كل يوم فيها أعجوبة لم يرها قبل ذلك. وهي الآن خراب لأن المسلمين لما غزوها في صدر الإسلام هرب أهلها (8) من باب يقال له باب النساء، فمنهم من فرَّ إلى الأندلس، ومنهم من فرَّ إلى جزيرة صقلية، ويقال إن حسّان بن النعمان لما غزاها في سلطان عبد الملك أو غيره خربها وكسر قناتها. وإنما الباقي (9) منها الآن قلعة تسمى المعلقة، كان يسكنها قوم من العرب يعرفون ببني زياد، لما طلع عبد المؤمن بن علي إلى إفريقية قبض على أميرهم محمد بن زياد وضرب عنقه، وكانت في وقت عمارتها من غرائب البلاد وفيها من عجائب البناء وظهور القدرة في ذلك ما لم يبلغه أحد.

_ (1) بروفنسال: 151، والترجمة: 180. (2) بروفنسال: 151، والترجمة: 181 (Cartagena) والأصوب أن يقال فيها قرطاجنة الحلفاء - بالحاء المهملة - والفقرة الأولى عن الإدريسي (د) : 194. (3) ص ع: الهندور. (4) غندريس عند العذري: 4 الذي تحدث عن هذه الأحداث نفسها، وكذلك ابن عذري 2: 11. (5) انظر العذري: 6. (6) مروج الذهب 4: 57. (7) الاستبصار: 121. (8) إن نسبة تخريب قرطاجنة إلى الفتوحات الإسلامية فيه نظر كثير، وما بعد تخريب الرومان لها ما يجعل أي تخريب مستأنف ذا قيمة، فقد امحت حضارة قرطاجنة وطويت صفحتها سنة 146 ق. م. (9) الإدريس (د) : 112.

ويقال (1) إن ملكها كان ملكاً جبّاراً عظيم الشأن، وكان ملك أكثر الأرض وكان يسمى أنبيل (2) فدخل بلاد الروم وقتل ملوكها وأخذ بلادهم، وبعث إلى قرطاجنة من خواتيم الملوك الذين قتلهم ثلاثة أمداد، ويقال إنه نازل مدينة رومة الكبرى التي هي دار مملكة الروم، فلما حاصرها وضيق على ملكها (3) وأفسد أنظارها أرسل ملك رومة قائداً من قواده، فحشد من كان ببلاده من الروم والجيوش، وأمره بالوصول إلى بلاد إفريقية والنزول على قرطاجنة وخرابها، وكان اسم هذا القائد شيبيون (4) ، فخربوا بلاد إفريقية، ونزلوا بلاد قرطاجنة فلم يكن فيها من يقاوم، فأرسلوا إلى ملكهم أنبيل يعلمونه بما حلّ ببلادهم من أهل رومة، ويسألونه الإسراع لإغاثتهم، فعجب من ذلك ملك قرطاجنة وقال: أردت قطع الرومانيين من الدنيا، وأظن إله السماء أراد غير ذلك، ثم رجعِ إلى بلاده فزعاً، فزحف إليه شيبيون قائد صاحب رومة فهزمه مراراً عدة حتى قتله واستأصل عسكره، ودخل قرطاجنة فهدمها، وأحرقها وخرب المسلمون عند فتح إفريقية بقيتها. وكان بها (5) قصر من أغرب ما يكون من البناء، مفرط العظم والعلو، أقباء معقودة بعضها فوق بعض طبقات كثيرة، وهو مطل على البحر، وهو حصن عظيم يسميه الناس الطياطر، وهو بناء في استدارة عرض خمسين قوساً قائم في الهواء، سعة كل قوس منها تزيد عن ثلاثين شبراً، وبين كل قوس وأختها سارية سعتها أربعة أشبار ونصف، ويقوم على كل قوس من هذه الأقواس خمسة أقواس، قوس في حلق قوس، صنعة واحدة، وبناؤها من حجر الكذان، وقد صور في البحر الداير على الأقواس أنواع الصور وضروب من التماثيل العجيبة الثابتة في الصخر من صفات الناس والسباع والحيوانات والمراكب قد أتقن ذلك بأبدع صنعة، وسائر البناء الأعلى أملس لا شيء عليه، فيقال إنَ هذا البناء كان ملعباً ومجتمعاً في فصل ما من السنة. ومن غريب (6) مباني قرطاجنة الدواميس التي عددها أربعة وعشرون في سطر واحد، طول كل داموس منها مائة وثلاثون خطوة في عرض ست وعشرين، في أعلاها أقباء، بين كل داموسين منها خوخات يصل منها الماء إلى جميعها بهندسة وحكمة، وكان الماء الواصل من عين جوقار التي بقرب القيروان إلى قرطاجنة يفرغ في هذه الدواميس على عدة قناطير لا تحصى على وزن معتدل على قسي مبنية بالصخر فما كان منها في نشز الأرض كان قصيراً وما كان في بطون الأرض وأخاديدها كان طويلاً في نهاية العلو، وهذه القناة من أغرب مباني الأرض، وانقطع الماء من هذه الدواميس لكسر القناة وخراب قرطاجنة، ومن حينئذ لم يزل الهدم فيها واستخراج الرخام الكثير منها إلى الآن، وأخبر من رأى ألواح رخام استخرجت منها طولها أربعون شبراً في عرض أربعة أشبار، والحفر في خراباتها دائم لا ينقطع وإخراج الرخام منها كذلك. قالوا: ويوجد بها من أعمدة الرخام ما يكون دوره أربعين شبراً ويحيط بقرطاجنة أوطية من سهول بها مزارع وغلات. وبقرطاجنة (7) دار الطياطر وهو كله (8) أقباء معقودة على سواري رخام وعليها مثلها نحو أربع مرات قد أحاطت بالدار، والدار دائرة، من أغرب ما يكون من البناء، وبها أبواب كثيرة قد صوَر على كل باب منها صورة نوع من الحيوان، وقد صور في الحيطان صور جميع الصناع بأيديهم آلاتهم، وفي هذه الدار من الرخام ما لو أجمع أهل إفريقية على نقله ما قدروا عليه لكثرته، وكان فيها قصران يعرفان بالأختين ليس فيهما حجر سوى الرخام ورخام الواحد لا يشبه رخام الثاني، ويوجد فيها لوح رخام طوله ثلاثون شبراً وعرضه خمسة عشر شبراً، ويقال إنه وجد فيها غارب (9) بيت من لوح واحد والناس ينقلون من رخام هذين القصرين لحسنه على قدم الزمان، وما فرغ إلى الآن، وبهذين القصرين ماء مجلوب يأتي من ناحية الجوف لا يعرف من أين منبعه، وكان عليه نواعر وسواق تسقي بساتينهم، وكان بها قصر عظيم يطل على البحر يسمى قومش (10) وهو من أعجب ما فيها لأنه مبني على سواري رخام مفرطة الكبر والعظم، يجلس على رأس السارية منها اثنا عشر رجلاً بينهم سفرة طعام أو شراب، وهي مشطبة كالملح بياضاً والمها صفاء، يكون دور السارية منها نحو الثلاثين شبراً في علو مفرط، وعليها

_ (1) عاد إلى النقل عن الاستبصار. (2) (Hannibal) و ((يقال)) على التشكيك خلاف ما أورده البكري: 42 وما بعدها، حيث قال: وكان سبب خراب قرطاجنة أن انبيل.. ثم تحدث بوقائع التاريخ الدقيق. (3) لا يستعمل البكري هذه اللفظة، لأن روما حينئذ لم يكن فيها ملوك. (4) هو Scipio Africanus. (5) بتصرف قليل عن الاستبصار: 122، وقارن بالبكري: 43، والنص أقرب إلى الإدريسي:112. (6) متابع للإدريسي. (7) الاستبصار: 122. (8) ويادة ضرورية للتوضيح. (9) الاستبصار: في غريبها. (10) ع ص: ترمش، والتصحيح عن البكري: 44 وفيه النص.

سوار أخر معترضة، وقد بني القصر عليها أقباء معقودة بعضها فوق بعض بأغرب صناعة وأعظم بناء، فكان هذا القصر حصناً عظيماً، وإنما هدم عن عهد قريب لأنه تحصن فيه قوم من القطاع فكانوا يقطعون بتلك الجهات ويلجأون إليه، فخرج إليهم أهل تونس فقتلوهم وهدموا القصر، وبقربه موضع فيه أقباء ودهاليز تحت الأرض يهاب الدخول فيها، وفيها جثث الموتى على حالها، فإذا مْسَّت تلاشت لقدمها. وداخل (1) المدينة ميناء تدخله المراكب بشرعها وفيها مواجل كثيرة للماء، وبعضها يسمى بالجرير، وآخر فيها يعرف بمواجل الشياطين بسبب أن من يقرب منها يسمع لها دوياً والناس يتنافسون في الدخول فيها، فمن جسر على دخولها ليلاً علم أنه جريء القلب ثبت الجنان، وهي منظر عظيم هائل، من تكلم فيها بكلمة سمع فيها دوي عظيم يحكي تلك الكلمة، وذلك لإحكام سطوحها، وهي ثمانية عشر صهريجاً مقترن بعضها ببعض في ارتفاعها نحو مائتي ذراع في عرض كبير، والأظهر أنها كانت مخازن لماء عين الزغوانية المجلوب إليها على رأس الحنايا العادية التي لا نظير لها في الدنيا فهي من عجائب الدنيا، وكان هذا الماء يأتي إليها على مسافة خمسة أيام من عين جوقار (2) ، وهو ماء كثير يقوم بخمسة أرحاء أو أكثر، وعرض القناة نحو ثمانية أشبار، وارتفاعها نحو القامة ونصف أعني موضع جري الماء وهذه الحنايا تغيب مرة تحت الأرض في المواضع المرتفعة فإذا جازت على المواضع المنخفضة تكون على قناطر فوقها قناطر حتى تسامي السحاب علواً، فهي من أغرب بنيان في الأرض وفي وسط المدينة صهريج كبير حوله نحو ألف وسبعمائة حنية سوى ما تهدم منها كان يقع فيها الماء المجلوب في هذه القناة ويخرج من هذا الصهريج إلى بعض تلك المواجل، وفي بعض أرجل تلك القناطر كتابة في حجر قيل إن ترجمتها: هذا من عمل أهل سمرقند وقيل إن ذلك الماء جلب في أربعين سنة، ولو قيل في أربعمائة سنة لكان أعجب. قالوا (3) : ولما افتتح موسى بن نصير جزيرة الأندلس قال لهم: دلوني على أَسنَ شيخ عندكم، فأتي بشيخ قد رفعت حاجباه عن عينيه بعصابة من الكبر، فقال له موسى: من أين أنت يا شيخ؟ قال: من إفريقية، من مدينة قرطاجنة، فقال له: فما الذي صيرك هاهنا، وكيف كان خبر قرطاجنة. فقال له: إن قرطاجنة بناها قوم من بقية العاديين (4) فسكنوها ما شاء الله ثم خربت ألف سنة فبناها ارمين الملك ابن لاوذ بن نمرود الجبار وجلب إليها الماء بالقناطر على الأودية، وشق الجبال حتى أوصله إلى قرطاجنة، فسكنها قومي ما شاء الله أن يسكنوها إلى أن حفر إنسان في أسس تلك القناطر، فوجد حجراً عليه كتابة فيها: إن هذه المدينة ستخرب إذا ظهر فيها الملح، قال: فبينا نحن في ندي قومنا جلوساً إذا ملح على حجر قد عقد عليه، قال: فتأملنا فإذا ذلك في جميع المدينة، فعند ذلك رحلنا إلى هنا. وعن عبد الرحمن (5) بن زياد بن أنعم قال: كنت أمشي مع عمّي بقرطاجنة نتأمل آثارها ونعتبر عجائبها، فإذا بقبر عليه مكتوب بالحِمْيرية: أنا عبد الله رسول رسول الله صالح، بعثني إلى أهل هذه القرية أدعوهم إلى الله تعالى فقتلوني ظلماً فحسيبهم الله وهو نعم الوكيل، فهذا لا شك كان سبب خراب قرطاجنة (6) . وذكر أورشيوش في كتابه: بنيت قرطاجنة قبل بنيان مدينة رومة باثنتين وسبعين سنة ولم تزل ذات هرج ومرج مذ كانت، إما لمحاربة الأباعد أهلها أو لمحاربة أهلها بعضهم بعضاً وكانوا في القديم إذا انتابهم الجوع والوبأ داووا ذلك بهرق دماء الناس، فكانوا يذبحون أمام آلهتهم وعلى مذبح أوثانهم الصبيان والأطفال الذين قد يرحم مثلهم ويحن عليهم العدو، وكانوا يرون هرق دمائهم قرباناً، قال: والعجب أن المعروف أن الشياطين إنما تخدع الناس فيما يشاكل شهواتهم ويوافق أهواءهم، فأما أن تزين لهم مداواة الوبأ بقتل الناس وهرق دماء الأطفال حتى يصير فعلهم أضر من الوبأ الذي يشتكونه فإن ذلك غريب من انقياد الناس للشياطين، وقالوا: إن آلهة أهل قرطاجنة في ذلك الزمان سخطت عليهم من سبب ذلك القربان، وكانوا إذ ذاك قد حاربوا بصقلية حروبَاً كثيرة فتكوا فيها ثم حاربوا سردانية فنكبوا، فإذ ذاك ردّوا عودهم على قائدهم الذي كان صاحب حربهم واسمه امروه، فنفوه ومن كان معه من

_ (1) متابع للاستبصار: 123. (2) البكري: جقار؛ الاستبصار: جفان. (3) متابع للاستبصار: 124، وقارن بالبكري: 42. (4) البكري: العديين. (5) متابع للاستبصار والبكري: 45. (6) إلى هنا ينتهي نص الاستبصار.

قطربل:

أهل عسكره، فلما طلب أولئك المنفيون إليهم أن يردوهم من النفي فلم يفعلوا أقبلوا لمحاربتهم ومحاربة مدينتهم. قزوين: ببلاد الديلم، بينها وبين الري سبعة وعشرون فرسخاً، وهي ثغر الديلم. قطربل (1) : طسوج من طساسيج سواد العراق، فيه خمر جيدة ولهذا يقع ذكره في شعر أبي نواس. وفي بعض أخبار يوم القادسية أن سعداً لما توجه بالعسكر وضعوا على دجلة العسكر والأثقال وطلبوا المخاضة، فلم يهتدوا إليها حتى أتى سعداً علج من أهل المدائن فقال: أدلَكم على طريق تدركونهم قبل أن تمنعوا، فخرج بهم على مخاضة بقطربل، فكان أول من خاضها هاشم بن عتبة واتبعه خيله ثم أجاز خالد بن عرفطة بخيله، ثم تتابع الناس فخاضوا حتى أجازوا، فزعموا أنهم لم يهتدوا لتلك المخاضة بعد. قطانية (2) : مدينة كبيرة في جزيرة صقلية، وهي مدينة أولية وعليها نهر يسقي أرضها، ويقال إن مدينة قطانية كانت في القديم سبع مدن بأسوارها، وذلك بين في آثارها، وإلى تلك المدن جلب الماء على آزاج معقودة من جبل النار، كان فيه بركان حمة، وتسمى مدينة قطانية بمدينة الفيل، وذلك أن في صفاة على سطح قصر عظيم من المدينة وهو القصر الذي يشرف على دار الملعب صورة فيل مجسد قائم قد نحتت من حجر صلد أسود يشبه حجر النشفة الذي يكون بالبركان، إلا أنه صلب شديد وكانت هذه الصورة قد انكبَّتْ على رأسها فلما كان بعد الخمسين والأربعمائة من الهجرة أتى القائد المعروف بابن الثمنة إلى تلك الصورة فأمر أن ترد إلى حيز الإستواء، وزعم أن من فعل ذلك يملك جزيرة صقلية. وبمدينة قطانية موضع يسمى بحمام فتيلة، ويزعم أهلها أن ابنة ملكها في غابر الزمان اشترطت على ملك آخر خطبها أن يبني لها حمّاماً تسخنه فتيلة، فبناه وجرى على الموضع ذلك الاسم. القطيف (3) : من بلاد البحرين، من الأعمال اليمنية، فيها قام القرمطي بدعوته، وهناك دعا الناس إلى نحلته. القطرية (4) : هي جزيرة في الشمال من جزيرة القرود وبالقرب من جزيرة الزابج (5) ، وهي جزيرة عامرة يسكنها نصارى، لكن زيهم عربي، وهم يتكلمون بالعربية ويدعون أنهم عرب، وهم أهل غدر ومكايد، ويقطعون بالمراكب الآتية والمارة فيما بين البحرين والبصرة إلى قرب عُمان، وهم أخبث عدوّ يلقي في البحر، وفي هذه الجزيرة مغايص الجوهر، وكان أهل اليمن يقصدون إليها ويغوصون بها، لكن أهل الجزيرة أكلوا متاع الغواصين والتجار القاصدين إليهم حتى قطعوا الناس عن السفر إليهم، ويسمى بحرهم هذا بحر هر كند بلغة أهل الهند. وفي هذا البحر عجائب كثيرة وصور شتى وحيتان ملوّنة منها ما يكون طول مائة ذراع ودون ذلك، ويسمى هذا السمك الوال (6) وهو أبيض، ويتبع هذا السمك الكبير المسمى بالوال سمك آخر، إذا طلعت السمكة الكبيرة فلا يفارقها حتى يقتلها، وفيه سمك ذاهب في العرض إذا شق بطنها وجدت فيه سمكة أخْرى، وإذا شقت تلك الأُخرى وجد في بطنها سمكة أخْرى، وكذلك إذا فعل بالثالثة مثل هذا وجد في بطنها سمكة أخْرى إلى أربع سمكات بعضها في جوف بعض، وفي هذا البحر سلاحف، طول السلحفاة عشرون ذراعاً، وفي بطنها نحو من ألف بيضة، وهي تلد وترضع، وظهورها الذبل الجيد، وفيه سمك على خلقة البقر تلد وترضع ويعمل من جلودها الدرق، وفيه سمك طوله مقدار الذراع، وله وجه كوجه البومة، تطير على الماء وقد قيض الله تعالى لها سمكة أخْرى ترعاها تحت الماء، فإذا سقطت في الماء ابتلعها. وفيه أيضاً أسماك طيارة يُقال لها: البطين (7) ، لها مرارات تكتب بها الكتب فإذا جفّت قرئت في الظلام كما تقرأ بالنهار في ضوء الشمس، وفيه سمكة من صدرها إلى رأسها مثل الترس، تطيف بها عيون تنظر

_ (1) اسم قرية بين بغداد وعكبرا (ياقوت) . (2) (Catania) ، وقارن بالإدريسي (م) : 28، والمؤلف ينقل عن مصدر آخر لعله البكري. (3) قارن بياقوت (القطيف) . (4) كل المادة عن نزهة المشتاق: 23 (OG: 64) ، وقارن بسط الأرض: 36 حيث يقول: طولها من المغرب إلى المشرق 160 ميلاً وعرضها نحو 60 ميلاً، وأهلها آفة على طريق الهند وطريق بحر فارس، لا يزالون يقطعون على المراكب، وبين البحر الذي بينها وبين جزيرة كلوة مجرى وثلث، وفي جنوبها جزيرة القرود ... (5) OG وص ع: الرانج. (6) (Whale) ويعرب بأشكال أخرى مثل ((الأوال)) وغيرها. (7) OG: النطيق.

القلزم:

منها وباقيها طويل مثل الحية في طول عشرين ذراعاً، ولها أرجل كثيرة كأمثال المنشار، وصدرها إلى آخر ذنبها لا يمر بشيء إلا أهلكه. ومن هذا البحر يخرج العنبر الكثير الطيب الرائحة وقد توجد فيه العنبرة نحو قنطار، وأكثر وأقل، وهو شيء تقذف به عيون في قعر البحر مثل ما تقذف عيون هيت بالنفط، فإذا اشتد هيجان البحر بالريح رمى به إلى الساحل، وقد وهم من قال إنه رجيع دابة وإنما هو ما ذكرناه، وقد بعث الرشيد إلى البحر قوماً يبحثون عن العنبر ما هو، فأخبر أهل عدن وغيرها أنه شيء تقذف به عيون في البحر. القطيعة: في الشام، بينها وبين دمشق أربعة وعشرون ميلاً، وعابث علي بن عبيدة صديقاً له من أهل القطيعة فقال: واعجبا، أعانتك علي القطيعة، وأنت من أهل القطيعة. وفي بغداد قطائع كثيرة (1) . قلشانة (2) : في إفريقية وهي موضع المعرس لمن خرج من القيروان إلى قابس، وبينها وبين القيروان اثنا عشر ميَلاً وهي كبيرة آهلة بها جامع وحمّام ونحو عشرين فندقاً، وهي كثيرة البساتين وشجر التين، وأكثر تين القيروان الأخضر منها. وأسوارها قصار، وفعلوا ذلك خوفاً من نزول العمال والجباة. وقلشانة (3) أيضاً بالسين والشين في الأندلس من كورة شذونة، وهي مدينة سهلية على وادي لكه وهو بقبليّها ويصب فيه على مقربة منها نهر بوطة، وموقعه في نهر لكه، ولها قصبة مشرفة بغربيها، ويفتح بابها إلى القبلة، وفي المدينة جامع حسن البناء فيه ست بلاطات، بناه الإمام عبد الرحمن بن محمد. وقلشانة متوسطة لمدن كور شذونة، وبها كان قرار العمال والقواد على شذونة، ومدينتها الأولية المذكورة في كتب القياصرة مدينة شذونة التي تعرف في عصرنا بمدينة ابن السليم (4) وبنو السُلَيم قد انضووا إليها عند خراب مدينة قلشانة، وصاروا فيها، وبين قلشانة ومدينة ابن السليم خمسة وعشرون ميلاً، وهي بين الغرب والقبلة من قلشانة. وتعمل في قلشانة ثياب تعرف بالقلشانيّة مخترعة الصنعة غريبة العمل. القل (5) : بينها وبين جيجل سبعون ميلاً، ومنها إلى قسنطينة مرحلتان، والقل مدينة عامرة صغيرة، وهي الآن مرسى وعليه عمارات، والجبال تكنفه من جهة البرّ. القلزم (6) : مدينة من أعمال مصر على ساحل البحر، وبها يعرف البحر فيقال بحر القلزم، وبها المراكب للتجار، وسمي القلزم لأنه في مضايق بين جبال، والقلازم: الدواهي والمضايق، وهي مدينة صغيرة متقنة البناء ليس فيها زرع ولا شجر، وإنما تمار من أرض مصر، ويضيق عندها البحر حتى يأتي كالنهر، ويمر كذلك دون مدينة القلزم إلى الشمال عشرة أميال وينقطع، وشرب أهل مدينة القلزم من جزيرة هناك ومن السويس يجلب على الظهر، وهي بئر بطريق مصر على ثلاثة أميال من مدينة القلزم ومن أمثالهم: أكلُ لحم التيس وشربُ ماء السويس، مع العقل ليس. ومن أعاجيبها أن معزها مرسلة في السكك لا مراعي لها ولا أكل إلا التراب، وهي سمان فائقة السمن، ومن أعاجيبها أن في ربض النصارى منها مسجداً في وسطه اسطوانة يأخذ الرقاصون منها زنة الحبة ونحوها ويُحْرز في جلد فلا تؤذيه دابة من دواب البحر، والرقاصون يراعون ذلك مراعاة شديدة ولا يشكون فيه ولا يخلون منه ويزعمون أن القرش إذا قابل في البحر تلك الاسطوانة انقلب على ظهره، وربما هلك فرماه البحر ميتاً، وطول هذا البحر من القلزم إلى الواقواق أربعة آلاف وخمسمائة فرسخ (7) ، وقد رام بعضهم فيما سلف أن يوصل بين بحر القلزم وبحر الروم حرصاً على عمارة الأرض وخصب البلاد ومنافع العباد فمنع من ذلك خشية تنوصل الروم بسبب ذلك إلى غزو الحجاز. وفي بحر القلزم (8) جبال عالية فوق الماء وتروش طافية ومخفية

_ (1) عد ياقوت عدة قطائع، مضافة، ولكنه لم يذكر قطيعة بالشام؛ وقد ذكر اليعقوبي: 325، والمسعودي في التنبيه: 306 القطيفة وقال الأول: وبها منازل هشام بن عبد الملك ومنها إلى دمشق؛ وقال الثاني: وهلك يزيد بحوارين من أرض دمشق مما يلي قارا والقطيفة (وكانت في أصول التنبيه القطيعة، وفغيرها المحقق) ؛ وأما علي بن عبيدة فلعله المشهور بالريحاني، ولا أدري له علاقة بدمشق. (2) البكري: 29. (3) بروفنسال: 162، والترجمة: 195 (Calsena) . (4) مدينة ابن السليم Medinaceli. (5) قارن بالإدريسي (د) 102 - 103، والاستبصار: 127. (6) انظر خطط المقريزي 1: 213، وابن حوقل: 53، وابن الوردي: 24. (7) انظر في طول بحر القلزم، ابن خرداذبه: 71. (8) نزهة المشتاق: 111، وقارن باليعقوبي: 340، وياقوت (قلزم) .

القليس:

وطرق السفن منها معلومة لا يدخلها إلا المهرة من رؤساء البحر العالمون بطرقاته، والسير فيه أبداً بالنهار فقط، ولا يسير به في الليل أحد لصعوبة طرقه من تعاريج مسالكه. وكانت القلزم مدينتين وأكثرهما الآن خراب لتسلط العدوّ (1) عليهما وتضييقه الدائم على أهلهما حتى قلت العمارة وخاف القاصد إليهما وفني ما بأيدي أهلهما وضاقت معايشهم، وبين القلزم ومصر تسعون ميلاً، وبالقلزم تنشأ السفن المسافرة في هذا البحر، وتعمل بحبال الليف والدسر وتجلفط بالشحم المتخذ من دواب البحر ودقاق اللبان. قلس (2) : صنم كان لطيء ومن يليها بجبلي طيء: سلْمى وأجا فهدمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجد فيها سيفين: أحدهما الرسوب والآخر المخذم، فأتى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبهما له، فهما سيفا علي رضي الله عنه. القليس (3) : بناء كان أبرهة الحبشي بناه بصنعاء إلى جنب غمدان، وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة: إني قد بنيت لك بصنعاء بيتاً لم تبن العرب ولا العجم مثله، ولن أنتهي حتى أصرف حاج العرب إليه ويتركوا الحج إلى بيتهم. وقيل كتب إليه: قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف حاج العرب إليها. قالوا (4) : وكان بناؤه إياه بحجارة قصر بلقيس الذي بمأرب، وبلقيس صاحبة الصرح الذي ذكره الله تعالى في القرآن في قصة سليمان عليه السلام، وكان سليمان عليه السلام حين تزوجها ينزل عليها فيه إذا جاءها، فوضع أبرهة الرجال نسقاً يناول بعضهم بعضاً الحجارة والآلة حتى نقل ما كان قي قصر بلقيس مما احتاج إليه من حجر أو رخام أو آلة للبناء وجدَّ في بنائه، وإنه كان مربعاً مستوي التربيع، وجعل طوله في السماء ستين ذراعاً، وكبسه من داخله عشر أذرع في السماء فكان يصعد إليه بدرج الرخام، وحوله سور بينه وبين القليس مائتا ذراع يطيف به من كل جانب، وجعل بناء (5) ذلك كله بحجارة يسميها أهل اليمن الجروب، منقوشة مطابقة لا تدخل بين أطباقها الإبرة، مطيفة (6) به، وجعل طول ما بنى به من الجروب عشرين ذراعاً في السماء، ثم فصل ما بين حجارة الجروب بحجارة مثلثة تشبه الشرف مداخلة بعضها ببعض: حجر أخضر وحجر أحمر وحجر أبيض وحجر أصفر وحجر أسود، فيما بين كل ساقين خشب ساسم مدوّر الرأس، غلظ الخشبة خصر (7) الرجُل، ناتئة على البناء وكان مفصلاً بهذا البناء على هذه الصفة، ثم فصل بافريز من رخام منقوش طوله في السماء ذراعان، وكان الرخام ناتئَاً عن البناء ذراعاً، ثم فصل فوق الرخام بحجارة سود لها بريق من حجارة نُقُم جبل صنعاء المشرف عليها، ثم وضع فوقها حجارة صفر لها بريق ثم وضع فوقها حجارة بيض لها بريق، فكان هذا ظاهر حائط القليس وكان عرض حائط القليس ستة أذرع، وذكروا أنهم لا يحفظون ذرع طول القليس ولا عرضه، وكان له باب من نحاس عشر أذرع طولاً في أربع أذرع عرضاً، وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه طوله ثمانون ذراعاً في أربعين ذراعاً، معلق العمل بالساج المنقوش ومسامير الفضة والذهب، ثم تدخل من البيت إلى إيوان طوله أربعون ذراعاً، عن يمينه وعن يساره عقود مضروبة بالفسيفساء مشجرة بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة، ثم تدخل من الإيوان إلى قبة ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً جدرها بالفسيفساء، وفيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة، وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة عشرة أذرع في عشرة أذرع تعشي عين من نظر إليها من بطن القبة، تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة، وكان تحت الرخامة منبر من خشب اللبخ، وهو عندهم الأبنوس، مفصل بالعاج الأبيض، ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة وكان في القبة سلاسل فضة، وكان في القبة أو في البيت خشبة ساج منقوشة طولها ستون ذراعاً يقال لها كعيب، وخشبة من ساج نحوها في الطول يقال لها امرأة كعيب، كانوا يتبركون بهما في الجاهلية، وكان يقال لكعيب الأحوزي، والأحوزي بلسانهم الحبر، وكان أبرهة عند بناء القليس قد أخذ العمال بالعمل، أخذاً شديداً، وقد آلى أن

_ (1) نزهة المشتاق: العرب. (2) أخطأ المؤلف في وضع هذه المادة هنا إذ صوباها ((الفلس)) - بالفاء -؛ انظر ياقوت (الفلس) والأصنام: 15. (3) في مجمل الحديث عن القليس انظر السيرة 1: 43، والأصنام: 46، وياقوت: (القليس) . (4) متابع للأزرقي 1: 89. (5) الأزرقي: بين. (6) الأزرقي: مطبقة. (7) الأزرقي: حضن.

لا تطلع الشمس على عامل لم يضع يده في عمله فيؤتى به إلا قطع يده، قال: فتخلف رجل ممن كان يعمل فيه حتى طلعت الشمس، وكانت له أمّ عجوز، فذهب بها معه لتستوهبه من أبرهة، فأتته به وهو بارز للناس، فذكرت له علة ابنها واستوهبته منه فقال: لا أكذب نفسي ولا أفسد عليّ عمالي، فأمر بقطع يده، فقالت له أمّه: ضرب بمعولك ساعي بهر، اليوم لك وغداً لغيرك، ليس كل الدهر لك، فقال: ادنوها، فقال لها: إن هذا المُلْك أيكون لغيري؟ قالت: نعم، وكان أبرهة قد أجمع أن يبني القليس حتى يظهر على ظهره فيرى منه بحر عدن، فقال: لا أبني حجراً على حجر بعد يومي هذا، فأعفى الناس من العمل، وتفسير قولها: ساعي بهر، تقول: اضرب بمعولك ما كان حديداً، فانتشر خبر بناء أبرهة هذا في العرب، فدعا رجُل (1) من النسأة من بني مالك بن كنانة فتيين منهم فأمرهما أن يذهبا إلى ذلك البيت الذي بناه أبرهة بصنعاء فيحدثا فيه، فذهبا ففعلا ذاك، فدخل أبرهة البيت فرأى آثارهما فيه فقال: من فعل هذا؟ فقيل: رجلان من العرب، فغضب من ذلك وقال: لا أنتهي حتى أهدم بيتهم الذي بمكة. وقيل (2) : لما تحدثت العرب بكتاب أبرهة بذلك إلى النجاشي غضب رجل من النسأة أحد بني فقيم من بني كنانة، فخرج حتى أتى القليس، فقعد فيها، أي أحدث فيها، ثم خرج حتى لحق بأرضه، فأخبر بذلك أبرهة فقال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنعه رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكّة لما أن سمع بقولك: أصرف إليها حاج العرب، فغضب فقعد فيها، أي أنها ليست لذلك بأهل، فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه. قال (3) : فساق الفيل إلى البيت الحرام ليهدمه، فكان من أمر الفيل ما كان، فلم يزل القليس على ما كان عليه حتى ولى أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين العباسَ بن الربيع بن عبيد الله (4) الحارثي اليمن، فذكر للعباس ما في القليس من النقض والذهب والفضة وعظم ذلك عنده وقيل له إنك مصيب فيه مالاً كثيراً وكنزاً، فتاقت نفسه إلى هدمه وأخذِ ما فيه، فبعث إلى ابن لوهب بن منبه فاستشاره في هدمه وقال: إن غير واحد من أهل اليمن قد أشاروا علي أن لا أهدمه، وعظم علي أمر كعيب وذكر أن أهل الجاهلية كانوا يتبركون به، وأنه كان يكلمهم ويخبرهم بأشياء ممّا يحبون ويكرهون، قال ابن وهب: كل ما بلغك باطل، وإنما كعيب صنم من أصنام الجاهلية فتنوا به، فمر بالدهل - وهو الطبل - وبمزمار فليكونا قريباً، ثم اعله بالهدامين، ثم مرهم بالهدم، فإن الدهل والمزمار أنشط لهم وأطيب لأنفسهم، وأنت مصيب من نقضه مالاً مع أنك تثأر من الفسقة الذين حرقوا غمدان وتكون قد محوت عن قومك اسم بناء الحبش وقطعتَ ذكرهم. وكان بصنعاء يهودي عالم، قال: فجاء قبل ذلك إلى العباس بن الربيع يتقرب إليه، فقال له: إن ملكاً يهدم القليس يلي اليمن أربعين سنة، فلما اجتمع له قول اليهودي ومشورة ابن وهب أجمع على هدمه. وفي الروض الأنف (5) أن أبرهة لما هلك ومزقت الحبشة كل ممزق، وأقفر ما حول هذه الكنيسة فلم يعمرها العدوَ، وكثرت حولها السباع والحيات، وكان من أراد أن يأخذ شيئاً منها أصابته الجن، فبقيت من ذلك العهد بما فيها من العدد والخشب المرصع بالذهب والآلات المفضضة التي تساوي قناطير من المال، لا يستطيع أحد أن يأخذ منها شيئاً إلى زمن أبي العباس فذكر له أمرها وما يتهيبُ من جنها وحيّاتها فلم يرعه ذلك، وبعث إليها العباس بن الربيع عامله على اليمن معه أهل الحزم والجلادة، فخربوها وحصلوا منها مالاً كثيراً، أبيع ما أمكن بيعه من رخامها وآلاتها، فعفا بعد ذلك رسمها وانقطع خبرها ودرست آثارها، وكان الذي يصيبهم من الجن ينسبونه إلى كعيب وامرأته، صنمين كانت الكنيسة بنيت عليهما، فلما كسر كعيب وامرأته أصيب الذي كسره بجذام، فافتتن بذلك رعاع اليمن وطغامه، وقالوا: أصابه كعيب. وذكر أبو الوليد الأزرقي عن الثقة عنده قال (6) : شهدت العباس وهو يهدمه فأصاب منه مالاً عظيماً، ثم رأيته دعا بالسلاسل فعلقها في كعيب والخشبة التي معه، فاحتملها الرجال فلم يقربها أحد مخافة، لما كان أهل اليمن يقولون فيها، قال: فدعوا

_ (1) ع: رجلان ... فأمراهما. (2) هذه هي رواية ابن إسحاق في السيرة 1: 43، 45. (3) عاد إلى نص الأزرقي. (4) ص ع: عبد الله. (5) الروض 1: 246. (6) الأزرقي 1: 92.

قلعة بني حماد:

بالورديون، وهو العجل فأعلق فيها السّلاسل ثم جذبها الثيران وجذبتها الناس معه حتى أبرزوها من السور، فلما أن لم ير الناس شيئاً ممّا كانوا يخافون من مضرّتها، وثب رجل من أهل العراق، وكان تاجراً بصنعاء، فاشترى الخشبة وقطعها لدار له، فلم يلبث العراقي أن جُذِم، فقال رعاع الناس: هذا لشرائه كعيباً، قال: ثم رأيت أهل صنعاء بعد ذلك يطوفون بالقليس يلتقطون منه قطع الذهب والفضة. قال السهيلي (1) : وسميت هذه الكنيسة بالقُلَّيْس لارتفاع بنائها وعلوها، ومنه القلانس لأنها في أعالي الرؤوس، ويقال تقلنس الرجُل وتقلس: إذا لبس القلنْسُوَة، وقلس طعاماً: أي ارتفع من معدته إلى فِيْه. قلنبو (2) : في بلاد السودان وهم على النيل، وأهلها مشركون، وهي مدينة كبيرة، والنيل يشقّ جميع تلك البلاد ويسقي أكثرها وفي تلك البلاد حيوان يشبه الفيل في عظم خلقته وخرطومه وأنيابه، يرعى في البر ويأوي إلى النيل، ويصطادونه فيأكلون لحمه ويصنعون من جلده الأسواط التي يسمونها السرياقات، ويقال لها بالأندلس ذنب الفار، ومن هناك تُحْمل تلك الأسواط إلى جميع الآفاق ولهم في صيده حيلة فإنهم يميزون في الليل المواضع التي يأوي إليها هذا الحيوان لتحرك الماء على ظهره وقلة استقراره، وعندهم مزارق حديد قصار في أسافلها حلَق قد شُدَّت فيها حبال مديدة، فيزرقونه بالعدَدِ الكثير منها، فيهرب منهم ويغوص في النيل فيرخون له في تلك الحبال فيضطرب حتى يموت، فإذا مات طفا على الماء، فيجرونه إلى البر ويأخذونه. قلب (3) : هي قاعدة مورور بالأندلس ودار الولاة (4) بها وهي مدينة كبيرة فيها مسجد جامع وسوق يَرِده الناس بضروب المتاجر وهي كثيرة الزيتون والثمار ولها بطائح سهلة وجبال شامخة وعرة منها جبل بقبليها منيع وعر حصين وعلى مقربة منه جبل القرود. قلعة أيوب (5) : بالأندلس بقرب مدينة سالم، وهي مدينة رائعة البقعة حصينة شديدة المنعة كثيرة الأشجار والثمار، كثيرة الخصب رخيصة الأسعار، وبها يصنع الغضار المذهب ويتجهز به إلى كل الجهات، وهي قريبة من مدينة دروقة، بينهما ثمانية عشر ميلاً. قلعة رباح (6) : بالأندلس أيضاً من عمل جيان، وهي بين قرطبة وطليطلة، وهي مدينة حسنة ولها حصن حصين على نهر آنه، وهي مدينة محدثة في أيام بني أميَّة، وإنما عمرت قلعة رباح بخراب أوريط. وفي سنة إحدى وأربعين ومائتين أمر الإمام محمد بتحصين مدينة قلعة رباح والزيادة في مبانيها، ونقل الناس إليها وإلى مدينة طلبيرة. وبقرب قلعة رباح ماء حامض إذا مخض في سقاء حلا. ثم ملكها النصارى ولم تزل في أيديهم إلى عام وقيعة الأرك (7) فجلت قبل الوصول إليها وكان لها في أيديهم إحدى وخمسون سنة وعشرة أشهر فأمر المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بتطهير جامعها، وصلى فيه، وقدم على قيادتها يوسف بن قادس. قلعة بني حماد (8) : وهي قلعة أبي طويل، وبينها وبين المسيلة اثنا عشر ميلاً، وهي من أكبر البلاد قطراً وأكثرها خلقاً وأغزرها خيراً، وأوسعها أموالاً، وأحسنها قصوراً ومساكن، وأعمها فواكه وخصباً، وحنطتها رخيصة ولحومها طيبة سمينة، وهي في سند جبل سام صعب المرتقى، وقد استدار سورها بجميع الجبل وأعلى الجبل بسيط من الأرض ومنه ملكت القلعة، وبهذه القلعة عقارب كثيرة سود تقتل في الحال، وأهل القلعة يتحرزون منها ويتحصنون من ضررها ويشربون لها نبات الفوليون، ويدعون أن من شرب وزن درهمين منه لعام كامل لا يصيب شاربه ألم تلك العقارب، وهذا مشهور عندهم، وهذه الحشيشة ببلاد القلعة كثيرة (9) ، وبين هذه القلعة وبين بجاية مسيرة أربعة أيام.

_ (1) الروض 1: 244؛ والأصوب أنه من لفظ Ecclesia اللاتينية بمعنى كنيسة. (2) عن الاستبصار: 217 - 218 (قلنبوا) ، وقارن بالبكري: 172 - 173. (3) بروفنسال: 192، والترجمة: 194. (4) بروفنسال: الولاية. (5) بروفنسال: 163، والترجمة: 195 (Caltayud) ، ومعظمه عن الإدريسي (د) : 189. (6) بروفنسال: 163، والترجمة: 196 (Caltarava) . (7) كانت وقيعة الأرك عام 592. (8) الإدريسي (د/ ب) : 86/ 59، وقارن بالاستبصار: 167. (9) بعد هذه اللفظة وردت في ص ع عبارة نصها: ((وكان سبب بنائها أن العرب لما دخلوا أفريقية وأفسدوا القيروان وأكثر مدن أفريقية هرب المعز صاحب القيروان وتحصن بالمهدية، وكان صاحب القلعة المنصور بن بلكين بن حماد)) ، ثم ينقطع النص، والحق أن هذه العبارة وردت في مادة ((باجة)) لتعليل سبب بناء باجة نفسها، ويبدو أن المؤلف وقع في الوهم، فكرر بعض ما جاء هنالك وأتى به ناقصاً لا يوضح شيئاً.

قلعة هوارة:

وهذه القلعة (1) منيعة وتحضرت (2) عند خراب القيروان انتقل إليها أكثر أهل إفريقية، وكانت مقصد التجار وبها تحل الرحال (3) من العراق والحجاز والشام ومصر وسائر بلاد المغرب. وذكر البكري (4) أن بها كان احتصن أبو يزيد مخلد بن كيداد النكار. وخبر حماد صاحبها مع المرأة الوكعاء وكيف تداهت عليه حتى قتلها قد تقدم في رسم باغاية من حرف الباء. وتصنع بمدينة قلعة حماد أكسية ليس لها مثل في الجودة والرقة إلا الوجدية التي تصنع بوجدة، ويساوي الكساء الذي يصنع بقلعة حماد ثلاثين ديناراً أو أزيد. ولمّا بنيت بجاية وعمرت انتقل الناس إليها ولم تزل القلعة تنقص إلى أن استولى عليها الخراب. قلعة الفضة: قالوا: في البحر الأسود الزفتي المتصل بالبحر المحيط وهو شديد النتن، وليس فيه غير قلعة الفضة، ويقال إنها معمولة وقالت طائفة إنها خلقة. قلعة كيانة (5) : يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في حرف الكاف. قلعة البلوط: بجزيرة صقلية، تقدم ذكرها في رسم الشاقة في حرف الشين المعجمة. قلعة مغيلة دلول (6) : بينها وبين مدينة مستغانم مسيرة يومين، وهذه القلعة على جبل منيف شديد الحصانة بينها وبين البحر خمسة فراسخ، وبها عين ماء. قلعة هوارة (7) : بالمغرب بقرب تاهرت، وهي قلعة منيعة في جبل خصيب فيه بساتين وثمار وأشجار ومزارع وأعناب، وتحتها فحص طوله نحو أربعين ميلاً يشقّه نهر سيرات ويسقي أكثر أرضه فسمي ذلك الفحص " سيرات " باسم النهر، ونهر سيرات نهر كبير مشهور يقع في البحر عند مدينة أزواوا (8) . ويسكن فحص سيرات قبائل كثيرة من البربر ومطغرة وغيرهم من قبائل زناتة، وزناتة تنشعب على قبائل كثيرة، وبلادهم واسعة، ويخالطهم من جهة إفريقية بنو زغبة من العرب من بني هلال بن عامر، ومن جهة المغرب بلاد مسوفة، وهمِ قبائل كثيرة من صنهاجة يسكنون تلك الصحراء لا يستوطنون بلداً وعيشهم من اللبن واللحم، وهم خلق كثير، وفي صحارى بلادهم جبل عظيم يعرف بقلقل كثير الخصب من العيون والأنهار، وفيه آثار عمائر كثيرة وبيوت محصنة وقرى واسعة لا أنيس بها ولا يسكنها خلق، ويقال إن الجن أخلت تلك العمائر والبلاد، ويُرى في تلك الصحارى بالليل نيران الجن ويسمع عزفهم وغناؤهم، وهم كثيراً ما يختطفون الأناسيّ ويحملونهم معهم، وربما يفلت الأنسي من بينهم فيرجع إلى أهله، فيحدث بما رأى عندهم، وهذا متعارف، ويقال إنهم يبدلون أولادهم بأولاد الإنس، ولذلك يقول أهل إفريقية: يا مبدول. قلعة الحجار (9) : بمقربة من المسيلة، نزلها المنصور إسماعيل حين كان يحارب أبا يزيد النكار. قلعة أبي طويل (10) : من القيروان إلى قلعة أبي طويل، وهي قلعة كبيرة ذات منعة وحصانة وتحضرت عند خراب القيروان، وانتقل إليها أكثر إفريقية، وكانت مقصداً للتجار وتحل بها الرحال من العراق والحجاز والشام ومصر وبلاد المغرب، وكانت مستقر مملكة صنهاجة، ونزلها أبو يزيد مخلد بن كيداد. قلورية (11) : مدينة بجزيرة صقلية كان إبراهيم بن أحمد بن الأغلب صاحب القيروان وأعمالها غزا صقلية بنفسه وفتح فيها مدناً

_ (1) البكري: 49. (2) البكري: وتمصرت. (3) ص ع: ومهاجر الرجال. (4) البكري: 49. (5) افتتاح الدعوة: 279 كتابة (ومن صورها: كتابة، كيانة) وعند ابن خلدون 4: 44 قلعة كتامة، وسوردها المؤلف في موضعها بما يشير إلى أن الكاف متبوعة بياء. (6) ص ع: قلعة دغنولة؛ والتصويب والنصن عن البكري: 69. (7) الاستبصار: 178، والبكر: 69 - 70، وتسمى القلعة ((تاسفدالت)) ، وقارن بالإدريسي (د) : 58. (8) كذا في ص ع والاستبصار؛ والبكري: أرزاو. (9) ص: قلعة الحجارة. (10) قد أورد المؤلف هذا عند الحديث - قبل قليل - عن ((قلعة بني حماد)) وهي نفسها ((قلعة أبي طويل)) - اعتماداً على البكري: 49 - ولم يكد ينسى ذلك كله. (11) (Calabria) مقاطعة بإيطاليا، وليست مدينة بصقلية.

قمار:

منها طبرمين، وحاصر قلورية هذه فقتل وسبى، فهربوا منه ثم مضى إلى كشنته (1) ، فلم يزل يتعرف الفتح والنصر حتى عرض له المرض الذي مات منه، فحمل إلى مدينة بلرم فدفن بها. قُلُمْرِيّة (2) : بالميم، بالأندلس، من بلاد برتقال، مدينة بينها وبين قورية أربعة أيام. وهي (3) على جبل مستدير، وعليها سور حصين ولها ثلاثة أبواب، وهي في نهاية من الحصانة. وهي صغيرة متحضرة عامرة كثيرة الكروم والتفاح والقراصيا، ومكانها في رأس جبل تراب لا يمكن قتالها، وهي على نهر عليه أرحاء، وبين قُلُمْرِيّة وشنترين ثلاث مراحل، وبينها وبين البحر اثنا عشر ميلاً. قمار (4) : بلد أو جزيرة بالهند، إليها ينسب العود القماري، وهو جيد لكن العود الصنفي أجود منه، وبها الصندل والأرز، وأهلها يجالسون التجار ويعاملونهم، وفيهم عدالة ظاهرة وجودة مشهورة وإنصاف كامل، وعبادتهم الأصنام والبدود، وهم يحرقون موتاهم بالنار. قالوا (5) : ومملكة قمار موازية لمملكة المهراجٍ صاحب الجزائر. يحكى أن ملكاً من ملوك قمار تذوكر عنده يوماً عظم مملكة المهراج صاحب الجزائر وجلالتها، فقال لوزيره: في نفسي شهوة أحب بلوغها وكان حدثاً سفيهاً فقال: ما هي؟ قال: كنت أحب أن أرى رأس المهراج بين يديّ، فعلم الوزير أن الحسد أثار ذلك الفكر في نفسه، فأنكر الوزير ما سمع منه وقال: إنه لم يتقدم بين من سلف منا ومنهم خلاف ولا ترة فينبغي ألا يعيد الملك في هذا قولاً ولا يأخذ في هذا مع أحد، وبين موضع مملكة المهراج وقمار نحو عشرة أيام في البحر، فلم يسمع منه وأشاع ذلك في قواده حتى اتصل بصاحب المهراج، وكان محنكاً جزلاً، فأمر بإعداد ألف مركب بآلاتها وتجهيزها من حَمَلة السّلاح وأهل الغناء بما تحمله وأشاع أنه يريد التنزه في جزائر مملكته، وكتب إلى ملوك الجزائر بما عزم عليه من زيارتهم وأمرهم بتلقيه مختلفين ليرهب على من والاه، فلما استتمت أموره أتى قاصداً إلى قمار، ويتصل بدار مملكة صاحبها نهر يصبّ في البحر فسيّر فيه رجاله فأتوه على حال غرة، وأخذ قواته واحتوى على مملكته، وأمر منادياً ينادي بالأمان في الناس، وقعد على سرير المملكة وقد أخذ صاحب السرير أسيراً فأحضره وأحضر وزيره وقرره على تمنيه فلم يحرْ جواباً، فقال له المهراج: أما أنك لو تمنيت مع الذي تمنيت إباحة أرض أو فسادها لأفسدت أرضك واستعملت ذلك كله فيك، ولكني لا أتعدى ما تمنيت لتكون عظة لمن بعدك، فضرب عنقه، وجعل رأسه في طست بين يديه، وقال للوزير: جزيت خيراً، فانظر من يصلح للملك بعد هذا الجاهل فأقمه مقامه، وانصرف من ساعته راجعاً إلى بلده من غير أن يمد هو أو أحد من أصحابه يداً إلى شيء من بلاد قمار ولا ماله، وحمل الرأس معه، فلما قعد في مملكته أخبرهم خبره ثم أمر بالرأس فغسل وطيِّب وردَّه إلى الملك القائم ببلاد قمار، وكتب إليه: إنما حملنا على ما فعلناه بصاحبك بغيه علينا، وقد بلغنا منه ما أردنا، ورأينا ردّ رأسه إليك إذ لا درك في حبسه والسلام. واتصل الخبر بالملوك فعظم المهراج في أعينهم وصارت بعد ذلك ملوك قمار تؤم بوجوهها كل صباح إلى بلاد الزابج فتسجد تعظيماً للمهراج. والهنود يمنعون (6) من شرب الخمر المسكرة ويعيبون شاربها لا تديناً بل سياسة، وإذا صحّ عندهم ذلك في ملك من ملوكهم استحق الخلع، ولا يشربه من ملوكهم إلا صاحب جزيرِة سرنديب، فإنه يحمل إليه من بلاد المغرب، وأشدهم ملك قمار فإنه يعاقب في السكر والزنا بالقتل، والزنا عند سائر ملوكهم مباح إلا في المحصنين، وملك قمار أشدهم غيرة، وهم يعافون الخل فيحمضون ماء الأرز ويستعملونه، والمُلْك مقصور في أهل بيت وكذا القضاء والوزارة وسائر الرتب لا تغير ولا تبدل.

_ (1) ص ع: لشنتة. (2) بروفنسال: 164، والترجمة: 97 (Coimbra) . (3) الإدريسي (د) : 183. (4) نزهة المشتاق: 30 (OG: 83) وعدها جزيرة؛ وقارن بمعجم ما استعجم 3: 1094، ونخبة الدهر: 155، وتقويم البلدان: 369، والزهري: 20، وابن الوردي: 48، ويرى مينورسكي أن ((قمار)) Qimar هي Khmer وهي ما يعرف باسم كمبوديا على الميكنج. (5) مروج الذهب 1: 170، والبكري (مخ) : 45. (6) المروج 1: 168 - 169، والإدريسي (ق) : 11، وابن رسته: 132 - 133، وابن الفقيه: 15، وابن خرداذبه: 66 - 67، وانظر 172 - 179 (AGK) حيث رتب ما أورده الجغرافيون العرب عن ((قمار)) .

القموص:

قالوا (1) : وأصل كتب الهند وسننهم من قمار، وحكمهم أن من ذبح بقرة ذُبِح بها، وعباد قمار لا يقربون المسلمين ويقولون إنهم أنجاس لأنهم يأكلون البقر، وسمع رجل من المسلمين رجلاً من كبار عبادهم يقول: كشرايدمشوق (2) ، ومعنى ذلك بالهندية: يا من ليس كمثله شيء، قال: فعجبت من ذلك وقلت له: أتعرف ما تقول؟ قال: أتعرفون أنتم ما تقولون؟ قلت له: فلم تعبدون الأصنام من دونه؟ قال: هذه قبلتنا يا جاهل. ومن عقوبة ملك قمار على شرب الخمر أن يحمي مائة حلقة من حديد بالنار ثم توضع على يدي الفاعل، فربما أتلفت نفسه، ومن رأوه من المسلمين يشرب فهو خسيس لا يعبأون به. ويقال إن في بلاد قمار، مائة ألف عابد وهم أصحاب تسبيح ومعهم سبح لا تفارقهم، ولملك قمار ثمانون قاضياً ولو ورد عليهم ولد الملك لأنصفوا منه وأقعدوه مقعد الخصم ووجهوا عليه صريح الحكم، ولفراش ملك قمار أربعة آلاف امرأة. قمُّ (3) : مدينة من كور الجبل، من همذان إليها خمس مراحل، وهي مدينة كبيرة كثيرة الأهل عليها سور تراب، وبها فواكه وأشجار، وسورها حصين، ومياههم من الآبار ومياه بساتينهم تستخرج من الأرض بالسواني، وعليه زراعاتهم، وبها أشجار الفستق والبندق وليس يوجد الفستق والبندق فيما جاورها من البلاد ومنها يحمل إلى غيرها من البلدان والغالب على أهلها التشيع، وأكثر أهلها عرب. وكان أهل قُمّ خالفوا على المأمون سنة عشر ومائتين، فتوجهت إليها جيوشه ففتحها رجَل يقال له الكنج وهدم سورها وجباها سبعة آلاف ألف درهم ونيفاً وإنما خرجوا إلى ما خرجوا إليه لأنهما كانوا يتظلمون من ألف ألف كانت وظيفتهم. وحكي (4) أن مدينة قُمّ الكبرى يقال لها منيجان وهي جليلة المقدار يقال إن فيها ألف درب وداخل المدينة حصن قديم للعجم وإلى جانبها مدينة يقال لها كمندان ولها واد يجري فيه الماء بين المدينتين، عليه قناطر معقودة بحجارة يعبر عليها من مدينه منيجان إلى مدينة كمندان وأهلها قوم من مذحج ثم من الأشعريين، وبها عجم وقوم من الموالي يذكرون أنهم موالٍ لعبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما. القَموص (5) : حصن من حصون خيبر، وهو حصن أبي الحقيق، لما فتحه النبي صلى الله عليه وسلم أصاب منه سبايا منهن صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وبنتا عم لها، فاصطفى صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه بعد أن سأله إياها دحية بن خليفة الكلبي، فلما اصطفاها صلى الله عليه وسلم أعطاه ابنتي عمها، وكانت صفية رضي الله عنها قد رأت في المنام، وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، أن قمراً وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا أنك تمنَّيْنَ ملكَ الحجاز محمداً، فلطم وجهها لطمة خضّر عينها، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه، فسألها ما هو، فأخبرته هذا الخبر فأعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ببعض الطريق وبات بها في قبة له، وبات أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه متوشحاً بالسيف يحرسه يطيف بالقبة حتى أصبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني ". قمامة: اسم للموضع الذي يزعم الزاعمون أن فيه مقبرة عيسى عليه السلام، وهي كنيسة معظمة تعرف بكنيسة قمامة بمدينة بيت المقدس، وهي الكنيسة المحجوج إليها من بلاد الروم في مشارق الأرض ومغاربها. وفي بعض المخاطبات عن صلاح الدين: ونازلنا قمامة ولها الغمامة عمامة. قمودة (6) : في قبلة القيروان على مسافة يومين منها قالوا: وهو قطر واسع فيه مدن وحصون، والمدينة القديمة العظمى هي التي يقال لها: سبيطلة فتحت في زمان عثمان وحضرها عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وكان أمير الجيش عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وعشرين وقد تقدّم ذكرها في حرف السين.

_ (1) متابع للبكري (مخ) : 44، ومعظمه عند ابن رسته: 133. (2) صورتها في البكري: كشرامدشون. (3) قارن بما في نزهة المشتاق: 204، والكرخي: 118، وابن حوقل: 315، وابن الفقيه: 263، وياقوت (قم) . (4) العيقوبي: 273. (5) معجم ما استعجم 3: 1095، وقارن بالسيرة 2: 326. (6) اليعقوبي: 394.

قنا:

قمولة (1) : قرية بأرض مصر كالمدينة جامعة متحضرة مكتفية بكل نعمة، وفيها أنواع من الفواكه وضروب من التمور والعنب، قال بعضهم: وزنت منه حبة فوجدت زنتها اثني عشر درهماً، وفيها من الدلاع وأنواع الموز ما يجل عن المقدار المعهود، وكذلك الرمان والسفرجل والأجاص وسائر الفواكه، وكل شيء من ذلك كثير يباع بأيسر الأثمان، وبشمال هذه المدينة جبل يقال إن فيه كنوزاً ومطالب وطلاباً إلى الآن. قبا (2) : مدينة من بلاد فرغانة، وهي من أنزه بلاد الله تعالى، وهي مدينة عالية الأسوار حسنة الأقطار، كثيرة التجار والعمار، والمتجولين (3) والسفار، كثيرة البركات، جامعة لأنواع الخيرات، ولها ربض عامر كبير، وأسواقها في ربضها، ويحيط بالربض والمدينة سور حسن، وبها مياه جارية، وعلى تلك المياه بساتين وجنات وحدائق وأبنية ومتنزهات، ولها رستاق عامر فيه قرى كثيرة يتصل بنهر الشاش قدر مرحلة، ومدينة قبا هذه بناها أنوشروان، ولها قصبة وجامع حسن، ولما بناها أنوشروان نقل إليها من أهل كل بلد بيتاً وعمرها بهم. قنا (4) : أيضاً (5) مدينة بصعيد مصر. قنطرة السيف (6) : بالأندلس، وهو حصن بينه وبين ماردة يومان، وهو حصن منيع على نهر القنطرة، وأهله متحصنون فيه، ولا يقدر لهم أحد على شيء، والقنطرة لا يأخذها القتال إلا من بابها فقط، والقنطرة هذه قنطرة عظيمة على قوس من عمل الأول في أعلاها سيف معلق لم تغيّره الأزمنة ولا يدري ما تأويله. القنطرة (7) : قرية بالعراق على طريق الحاج بمقربة من مرسى الحلة، وهي كثيرة الخصب كبيرة الساحة، متدفقة فيها جداول الماء، وارفة الظلال بشجرات الفواكه، من أحسن القرى وأجملها، وبها قنطرة على ترعة من ترع الفرات كبيرة يصعد إليها وينحدر عنها تعرف القرية بها، وتعرف أيضاً بحصن بشير. قِنّسرين: بالشام، وهي الجابية (8) ، وبينها وبين حلب اثنا عشر ميلاً وفيها كان قبر هشام بن عبد الملك بن مروان. وحكى عمر بن هانئ الطائي قال (9) : خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني أميَّة في أيام أبي العباس السفاح وانتهينا إلى قبر هشام واستخرجناه صحيحاً ما فقدنا منه إلا خورمة (10) أنفه، فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطاً ثم أحرقه لأن هشاماً كان صلب زيد بن علي وأحرقه بالنار، ولهذا قال: صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة ... ولم أرَ مهدياً على الجذع يصلبُ وزيد هذا هو الذي ينسب إليه الزيدية من الشيعة. قال: واستخرجنا سليمان من أرض دابق فلم نجد منه شيئاً إلا صلبه وأضلاعه ورأسه فأحرقناه، وفعلنا ذلك بغيرهما من بني أمية، قال: وكانت قبورهم قنسرين، ثم انتهينا إلى دمشق فاستخرجنا الوليد بن عبد الملك فما وجدنا في قبره قليلاً ولا كثيراً، واحتفرنا عن عبد الملك فما وجدنا منه إلا شؤون رأسه، ثم احتفرنا عن يزيد بن معاوية فما وجدنا منه إلا عظماً واحداً ووجدنا مع لحده خطاً (11) أسود كأنما خط بالرماد بالطول في نحره، ثم تتبعنا قبورهم في سائر البلدان وأحرقنا ما وجدنا فيها. قال الأصمعي: وجد في حجر في قنسرين مزبور بالعبرانية:

_ (1) ص ع: قمنولة، وهي كذلك في بعض أصول النزهة، والمؤلف ينقل عن الإدريسي (د) : 49 (OG: 129) . (2) واضح أن المؤلف حين أثبتها في هذا الموضع، وعطف عليها اسم مكان آخر مشابهاً كان يقدر أنها ((قنا)) بالنون، وكذلك ترد في نزهة المشتاق (النسخة الخطية المعتمدة) : 149 وعنه ينقل المؤلف، وهي ((قباء)) - بالباء - عند ياقوت، وابن حوقل: 420، والكرخي: 186 (احاشية) : 187، والمقدسي: 272، وقد مر ذكرها. (3) ص ع: والمعجولين. (4) ص ع: وقنا، وهي - بكسر القاف - كما عند ياقوت، مدينة لطيفة بالصعيد بينها وبين قرص يوم واحد، وربما كتب بعضهم ((إقنا)) . (5) لا حاجة إلى لفظة أيضاً بعد أن ثبت أن لا علاقة بين هذه المادة والسابقة. (6) بروفنسال: 164، والترجمة: 197 (Alkantra) وبعضه عن الإدريسي (د) : 183. وانظر ياقوت (قنطرة السيف) ، وابن الوردي: 18. (7) رحلة ابن جبير: 215. (8) قوله: وهي الجابية، وهمّ، إذ الجابية من الجيدور من عمل الجولان من مرج الصفر، وانظر في قنسرين: ياقوت وابن حوقل: 163، والكرخي: 46، وابن جبير: 254. (9) مر جانب من هذا الخبر ف مادة دابق. وهو عن المروج 5: 471. (10) ص ع: خدمة. (11) ص ع: عظماً.

قنوج:

إذا جار الأمير وحاجباه ... وقاضي الأرض داهن في القضاء فويل ثم ويل ثم ويل ... لقاضي الأرض من قاضي السماء وكان على قنسرين (1) سور حصين فهدم في أيام قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بأمر يزيد بن معاوية، وفيها الآن آثار من سورها، ولها حصن منيع وبها أسواق وفعلة وهي على نهر قويق، وهو نهر حلب يصل في جريته إلى قنسرين ثم يغوص في الأجمة، وقيل بين قنسرين وحلب عشرون ميلاً. قنوج (2) : أفخر بلاد الهند اسماً وشأناً، وأعظمها صيتاً وأقدمها بنياناً، وكان واليها بأجيال أكبر شياطين الكفر جاهاً ومقداراً وأتمهم قوة، وكان سلفه ملوك الهند من مستقرهم إلى منتهى الثغور، وكان ولاة قشمير لهم بمنزلة الحجاب، وكانوا قد أقروا لهم بالسمع والطاعة أذعنوا للانقياد والمتابعة، وكان بين آخر ثغور هذا الجانب وبين قنوج ممالك الهند متصلة الحدود بالحدود، تقطعها قوافل التجار في مدة سنة كاملة إذا واظبوا على السير، وكان ولاة كفارها لهم أمر نافذ وذكر سائر وناحية عظيمة وقلاع حصينة وعدة كاملة وقوة وافرة، وهم يعتقدون أن الأصنام آلهتهم ولا يتفكرون في خلق السموات والأرض. وقصدها غازياً لها محمود بن سبكتكين سلطان خُراسان من مستقره بغزنة سنة عشر وأربعمائة، في خلافة الإمام القادر بالله أمير المؤمنين، وفي رسالته يخاطب القادر بالله بذلك: استخار العبد في النهوض إلى عرصة مقرّه وعقر داره، ابتداء بتحصين الممالك المعقودة بإقباله، فوثبَ (3) بنواحي غزنة العبد محمداً مع خمسة عشر ألف راجل وعشرة آلاف فارس من أولي الإخلاص في الوفاء وخواصّ الأولياء الموثوق بغنائهم، وأنهض العبد مسعوداً مع عشرة آلاف راجل وعشرة آلاف فارس من أولي الإخلاص في الوفاء والامحاض في الولاء إلى ملتان لتنظيفها من بقايا الباطنية، وتقرير أمورها على الطريقة السوية، وشحن بلخ وطخارستان بأرسلان مع اثني عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل من الأنجاد والشجعان، وضبط ولاة خوارزم بالترشاش الحاجب مع عشرين ألف فارس وعشرين ألف راجل المختارين للجلاد والطعان، بعدما هذب أحوال الأطراف والقلاع، وسد ثغورها بالأمناء والأنجاد عند المصاع، غير ساكن إلى حضورهم ولا واثق بقوة جمهورهم، بل اعتمد كتاب الله تعالى واتكل عليه في رعاية ما استرعي من الممالك والأمم، وانتخب ثلاثين ألف فارس وعشرة آلاف راجل لصحبة راية الإسلام، كلهم طلاب الشهادة، وتحت ظلل الحِمام، وانضمت إليهم جماهير المطوعة من النواحي المفترقة، وانتظمت أحوالهم بإطلاق ما يسر الله عزّ وجلّ من الصلة والنفقة. القندهار (4) : مدينة بالهند كبيرة النظر كثيرة الخلق، وهم قوم يمتازون بلحاهم من غيرهم، فإنهم يتركون لحاهم تطول حتى تصل إلى ركبهم ودونها، وهي عراض كثيرة الشعر، ووجوههم مدورة، والمثًل يُضْرَب بكبر لحاهم وطولها، وزيهم زي الأتراك، وعندهم حنطة وأرز وحبوب وأغنام وأبقار، وهم يأكلون الأغنام الميتة ولا يأكلون البقر الميتة، وهم يحاربون ملك كابل وكابل من مدن الهند المجاورة لبلاد طخارستان. قال بعضهم: مدحت ملك القندهار والطاق فأعطاني ستين ألف درهم طاطرية، كل درهم مثقال (5) :

_ (1) عن نزهة المشتاق: 196. (2) ذكر المسعودي (المروج 1: 374) ملك القنوج وقال إن مسافة مملكته من عشرين ومائة فرسخ سندية، الفرسخ ثمانية أميال، وذكر أن له أربعة جيوش كل جيش سبعمائة ألف لمحاربة من حوله، وهو قليل الفيلة ورسمه لحربه ألفاً قبل حربية؛ وتحدث الإدريسي (ق) : 67، 69 عن المدينة والملك، وخالف المسعودي فقال إنه كثير الفيلة وليس في ملوك الهند البرية ملك عنده من الفيلة ما عنده منها؛ وقال صاحب حدود العالم: 89 ((قنوج مدينة كبيرة وهي مدينة القنوج الملك ومعظم ملوك الهند في طاعته، ويقال إن لديه 150 ألف قرش و 800 فيل معدة للحرب؛ وكانت مدينة قنوج في أيام ابن بطوطة (الرحلة: 539) مدينة كبيرة حسنة العمارة حصينة رخيصة كثيرة السكر، وعليها سور عظيم، ويذهب مينورسكي إلى أسرة Gujara - Parihara وأن إمبراطورية هذه الأسرة كانت تضم كل شمال الهند (ما عدا السند) وأجزاء غربية من البنجاب وقشمير ونيبال وأسام وأجزاء من البنغال والولايات الوسطى وأوريسا (حدود العالم: 238 - 239، 246) وانظر تقويم البلدان: 360، وقد وردت اللفظة عند البيروني (تحقيق ما للهند: 16) : كنوج. (3) لعلها: ((فرتب)) . (4) يعتمد المؤلف على الإدريسي (ق) : 71 (OG: 195) ، وقارن بما في تقويم البلدان: 356، وحدود العالم: 88، ورحلة ابن بطوطة: 392، 552، وقندهار (Ghandahar) تقع على الزاوية الشرقية من خليج كمبي (Cambay) (انظر حدود العالم: 245) . (5) وردت ألفاظ في هذه الأبيات لم أوفق لوجه الصواب فيها.

قصريانة:

يا ملك القندهار والطاق ... ووارث الملك عن دراداق ورثت آبائك الملوك علاً ... يسمو سمواً لعز شاساق حاموا وحاميت عن حريمهم ... فحزت بالقصر حوزة الطاق دانت ملوك الأنام للملك ال ... أبلج قسراً بكل آفاق وهذا الملك هو ملك الفيلة، يقال إن له عشرين ألف فيل بعضها ببعض، وليس ينزل المدائن لكثرة من معه إنما ينزل الفضاء في الخيام، وله سوق فيها من الفواجر ثلثمائة ألف فاجرة وأزيد بأحسن الثياب. قالوا (1) : وملوك الهند كلهم يرون الزنا وهو عندهم مباح ما خلا ملك قمار. قال بعضهم: دخلت قمار وأقمت بها نحواً من ستين يوماً، فلم أرَ ملكاً أغير منه ولا أشد في الأشربة منه، يُعاقِب على الزنا والشُرب بالقتل، وليس أحد من ملوك الهند يشرب الشراب ما خلا ملك سرنديب فإنه يشربها، تُنْقل إليه من بلاد المغرب. قصر ابن هبيرة (2) : مدينة كبيرة على اثني عشر فرسخاً من بغداد لمن أخذ طريق الكوفة، وهي عامرة ذات أسواق وعمارات، وكانت أعمر البلاد التي في نواحي السواد وأوفرها أموالاً وأكثرها نفعاً وهي على غلوة من الفرات. وكان يزيد (3) بن عمر بن هبيرة بناه في أيام مروان بن الحَكَم، وهو يومئذ عامل مروان على العراق، وأراد التبعد عن الكوفة. وهي مدينة عامرة جليلة ينزلها العمال والولاة، وأهلها أخلاط من الناس، وهي على نهر يأخذ من الفرات يقال له الصراة، وبين قصر ابن هبيرة وبين معظم الفرات مقدار ميلين. وحكى المبرد (4) أن ابن هبيرة كان يوماً في أعلى قصره، فرأى أعرابياً يرقصه الآل، فقال لحاجبه: إن أرادني هذا الأعرابي فأدخله عليّ، فلما وصل أدخله الحاجب عليه فأنشده: أصلحك الله قلَّ ما بيدي ... ولا أطيق العيال إذ كثروا ألحّ دهر أنحى بكلكله ... فأرسلوني إليك وانتظروا قال: فأخذته الأريحية فقال: أرسلوك إليّ وانتظروا؟ إذاً والله لا تجلس حتى تعود إليهم غانماً، وأمر له بألف دينار وزوّده (5) على بعيره. قصر أبي دانس (6) : بغربي الأندلس، فيه كانت الوقيعة على المسلمين للروم في سنة أربع عشرة وستمائة، وأعانهم أهل الأشبونة وغيرها من مملكة ابن الرنق، فأخذوا في نقب الأرض تحت الحصن إلى أن أفضوا إلى السور (7) ، وأفضى الناس إلى الهلكة، وبلغ الأمر إلى الولاة الذين في غرب الأندلس: اشبيلية وقُرطُبة وجيان فتجهزوا لدفاع العدو، وجاء منهم جيش عظيم لكنهم تخاذلوا على عادتهم، فكانت الهزيمة عليهم وولوا منهزمين، ووقع القتل والأسر ولم يبرز للمسلمين من الروم إلا نحو سبعين فارساً، ورأى أهل الحصن ذلك فأيقنوا بالتغلب عليهم. قصر الافريقي (8) : مدينة عند تيفاش من إفريقية، وهي مدينة جامعة على شرف من الأرض ذات مسارح ومزارع كثيرة، وفيها الحنطة والشعير. قصريانة (9) : من أعظم مدائن الروم بصقلية وأكثرها جمعاً فتحها العباس بن يزيد بن الفضل بن يعقوب بن المضا العامل بصقلية لأبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب صاحب القيروان، وكان العباس وجه سرية إلى بعض النواحي فغنموا وأخذوا أعلاجاً

_ (1) قد مر في مادة ((قمار)) وهو عند ابن رستة. (2) نزهة المشتاق: 202، وقارن بياقوت (قصر ابن هبيرة) ، والمقدسي: 121، وابن حوقل: 218، والكرخي: 59. (3) عن اليعقوبي: 309. (4) الكامل 1: 190. (5) الكامل: ورده. (6) بروفنسال: 161، والترجمة: 194 (Alcacer de Sal) . (7) بروفنسال: إلى أن قنطوا. (8) عن البكري: 53، وقارن بالإدريسي (د) : 120. (9) (Castrogivanni) وانظر وصفها في الإدريسي (م) : 42 - 43.

قصر مصمودة:

ثم قدموا واحداً منهم ليقتلوه فقال لهم: لا تقتلوني فإن لأميركم عندي نصيحة، فأرادوه على أن يعلمهم بها فلم يفعل، فأتوا به العباس فقال له: تعطيني الأمان على نفسي وأهلي وأدلك على موضع تفتح منه قصريانة، فأدخله العباس في بيت وأغلق عليه ثم نادى في أصحابه بالركوب ومضى وجعل العلج بين يديه في يوم مطير وثلج، والناس لا يعلمون أين يريد، فمضى حتى قرب من قصريانة فنزل، فلما غشيهم الليل نزل حتى صار إلى قرب المدينة، فوجه نائبه في رَجْلٍ كثير ووجه معه العلج، وأقام هو في خيله ورجله على باب المدينة، فمضى نائبه مع العلج حتى أتى به إلى قناة يخرج منها ماء المدينة فأدخل منها الرجال ودخل معهم، حتى أتى بهم العلج إلى باب الحصن، وأهله في غفلة، فوضعوا السيف على الحرس فقتلوهم، وسمع أهل المدينة الصياح فأتوا من كل ناحية إلى باب الحصن، فلم يزل المسلمون يضاربونهم على الباب حتى فتحوه وكبّر المسلمون خارج الباب ودخلوا المدينة، وهرب الروم، ودخل الناس فافترقوا في المدينة يقتلون ويغنمون حتى أخذوا كل ما فيها وأحرقوها، ولم يكن للروم في تلك النواحي أكبر منها ولا أوسع ولا أكثر قمحاً، وكان فتحها في شوال سنة أربع وأربعين ومائتين، وبعث أبو إبراهيم بالفتح رسولاً إلى المتوكل معه هدايا شريفة، وخيار ما سبى من وصيف ووصيفة. قصر مصمودة (1) : حصن كبير بينه وبين سبتة اثنا عشر ميلاً، وهو على ضفة البحر تنشأ به المراكب والحرارق التي يسافر بها إلى بلاد الأندلس وهو على رأس المجاز الأقرب إلى ديار الأندلس، وبين قصر مصمودة وطنجة عشرون ميلاً. قصر ابن عبد الكريم (2) : مدينة صغيرة بينها وبين مكناسة في جهة المغرب ثلاث مراحل، ويسكنه قوم من البربر وهو على نهر لكسّ (3) ، وبينه وبين البحر نحو أربعين ميلاً في أرض كلها رمل، ولها مزارع وخصب وصيود برَ وبحر وبه سوق عامرة وجمل صناعات، والرخاء شامل وبينه وبين طنجة يومان. قصر الفلوس (4) : مدينة كبيرة في المغرب الأوسط، هي مرسى للمراكب، فيها آثار للأول كثيرة تدل على أنها كانت دار مملكة، وهي اليوم خراب، وفيها ماء مجلوب على قناطر بأغرب ما يكون من البناء القديم. القصر القديم (5) : عند القيروان أسسه إبراهيم بن الأغلب سنة أربع وثمانين ومائتين، وصار دار أمراء بني الأغلب، وهو في قبلة القيروان وعلى ثلاثة أميال منها، وبه جامع له صومعة مستديرة مبنية بالآجر والعمد سبع طبقات، لم يبن أحكم منها ولا أحسن منظراً وبه حمّامات كثيرة وفنادق وأسواق جمة ومواجل الماء وإذا قحطت القيروان وفقد الماء في مواجلها انتقلوا الماء (6) من مدينة القصر. وكان لها من الأبواب: باب الرحبة قبلي، وباب الحديد قبلي، وباب غلبون شرقي، وباب الريح شرقي، وباب السعادة غربي يقابل المقبرة الكبيرة، وداخل المدينة رحبة كبيرة واسعة تعرف بالمدائن، وتجاور مدينة القصر بنية (7) تعرف بالرصافة، ولمّا بنى إبراهيم بن الأغلب مدينة القصر وانتقل إليها، خربت (8) دار الإمارة التي كانت بالقيروان بقبليّ الجامع منه. قصر سعد (9) : بجزيرة صقلية على فرسخ من المدينة، وهو على ساحل البحر وحوله قبور كثيرة للمسلمين، وهو موصوف بالفضل والبركة مقصود من كل مكان، وبإزائه عين وداخله مساكن وبيوت منتظمة، وهو كامل مرافق السكنى وفي أعلاه مسجد من أحسن مساجد الدنيا مفروش بحصر نظيفة (10) ، وقد علق فيه نحو الأربعين قنديلاً من أنواع الزجاج والصفْر، وفي أسفل القصر بئر عذبة وله إمام يصلي بهم الفريضة والتراويح في رمضان، وبمقربة من هذا القصر بنحو ميل إلى جهة المدينة قصر آخر على صفته يعرف بقصر جعفر، وداخله ساقية تفور بماء عذب. القصر (11) : مدينة بالأندلس بينها وبين شلب أربع مراحل،

_ (1) عن الإدريسي (د/ ب) : 168/ 106، وقارن بالاستبصار: 138. (2) عن الإدريسي (د/ ب) : 78/ 53 ويسميه عبد الكريم؛ وقارن بالاستبصار: 189. حيث يسميه مدينة قصر صنهاجة، وعند البكري: 110 قصر دنهاجة. (3) البكري والإدريسي: أولكس. (4) الاستبصار: 133، وقارن بالبكري: 81. (5) البكري: 28. (6) ص ع: انتقلوا لى الماء. (7) ع: منية. (8) البكري: خرب. (9) رحلة ابن جبير: 329. (10) ص ع: قطيفة. (11) هو قصر أبي دانس الذي تقدم ذكره؛ بروفنسال: 161 ومعظم هذه المادة عن الإدريسي (د) : 181.

ذو القصة:

وهي مدينة حسنة متوسطة وعلى ضفة النهر الكبير، وهو نهر تصعد منه السفن السفرية، وفيما استدار بها من الأرض كلها شجر الصنوبر وبها الإنشاء الكثير، وهي خصيبة كثيرة الألبان والسمن والعسل واللحم، وبين القصر والبحر عشرون ميلاً. قصر هرمز (1) : بمدينة من أعمال الشيرجان وهي مدينة كرمان، بها مسجد جامع من بناء يعقوب بن الليث متين البناء جداً بأساطين الساج، وهي قصبة عظيمة، وهي على البحر الأعظم، وبها أشجار النخيل والسدر والموز وشجر يقال له الانبجي يشبه شجر التفاح، وثمره يشبه ثمر الأجاص الأبيض، وله نوى في صورة نوى الخوخ، ورائحته ذكية عطرة، وإذا مصصته جذبت ما فيه وبقي الجلد والنوى، وبها شجر الصبار وهو التمر الهندي، والغالب على غياضها شجر القرظ وأم غيلان والقصب، وهو جنس من النخل لا يؤكل لأنه لا لحم له وله نوى مستدير صلب، يثقب وتتخذ منه السبح، ويتخذون من سعفه الحصر، وله ليف رقيق يشبه خيوط الابريسم، وبناؤهم كله بالساج وخشب يقال له الزنجي لا ينبت بها غير هذين الصنفين لأن الأرضة تأتي على سائر الخشب، وأبوابها كلها ساج، ولا يمكن أن يفرش على الأرض في شيء من المدينة فرش ولا حصير ولا غيرها، فإن الأرضة تخرج من تحتها في يومين فتأتي عليها، وقعودهم ومقامهم إنما هو على الأسرة المنسوجة بالشريط، فأما الأغنياء فأسرتهم من أبنوس وساج منسوج بالخيزران ولباس أهلها أزر وميازر من كتان، غنيهم وفقيرهم وخبزهم من الذرة ولهم حنطة وشعير يبيعونها ولا يأكلونها. ذو القصة (2) : على بريد من المدينة أخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه. قعيقعان (3) : جبل بأعلى مكّة نزل به مضاض بن عمرو ومن معه من جُرْهم، فكان يعشر من دخل مكة من أعلاها. قالوا: وسمي قعيقعان لأن مضاض بن عمرو لما سار إلى السميدع معه كتيبة فيها عدتها من الرماح والدرق والسيوف تقعقع بذلك فسمي بذلك قعيقعان، والقصة طويلة. القُفّ (4) : واد من أودية المدينة، وكان رجل من الأنصار يصلي في حائط له بالقف في زمان التمر والنخل قد ذللت قطوفه بثمرها، فنظر فأعجبه ما رأى من ثمرها، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلّى، فقال: لقد أصابني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وهو يومئذ خليفة، فذكر له ذلك وقال إنه صدقة فاجعله في سبيل الخير، فباعه عثمان رضي الله عنه بخمسين ألفاً، فسمي ذلك المال الخمسين. قفط (5) : مدينة بالديار المصرية متوسطة المقدار أولية، لها سور وبينها وبين قوص أربعة أميال، وبها بربى، وبقربها شَعْراء كثيفة، وهي متباعدة من النيل، وفيها مزارع كثيرة البقول، وصابونها معروف النظافة وأهلها شيعة، وهي مدينة جامعة متحضرة، وبها أخلاط من الناس، وفيها بعض بقايا الروم. قفصة (6) : مدينة من البلاد الجريدية، بينها وبين تقيوس مرحلة وهي كبيرة قديمة أزلية، كان عليها سور صخر جليل بأحكم صناعة جديد العمل في مرأى العين، يقال إن الذي بناه شيبان غلام النمرود بن كنعان، وكان اسمه منقوشاً على باب من أبوابها، وكان لها أربعة أبواب، وكان اسم قفصة مدينة الحنية، لأن فيها بنياناً قديماً مثل الحنية، فكانت تسمى بها، وهي متوسطة بين القيروان وقابس، وفي داخلها عيون كثيرة منها عينان كبيرتان معينتان، وليس لهما نظير في عذوبة مائهما وصفائه وكثرته، إحداهما عند باب الجامع تسمى بالراتب الكبير (7) ، وهي عين عظيمة مبنية بالصخر الجليل من بنيان الأول سعتها نحو أربعين ذراعاً في مثلها، وفوقها عين أصغر منها تسمى رأس العين، وبينهما قنطرة من بنيان الأول ولا شك أن ماءهما واحد، وماء هذه العين شديد الصفاء يرى قعر العين من أعلاها، وفيها الماء نحو سبع قيم،

_ (1) كان من الممكن أن نعد ما جاء في هذه المادة وصفاً للشيرجان (خصوصاً وياقوت يذكر أنها كانت تسمى مدينة القصرين) ولكن هذا الوصف لا ينطبق على ما ذكره عن الشيرجان سائر الجغرافيين. (2) معجم ما استعجم 3: 1076. (3) السيرة 1: 112، وانظر معجم ما استعجم 3: 1086، وياقوت (قيقعان) . (4) معجم ما استعجم 3: 1087. (5) مزج بين ما جاء في الاستبصار: 87، والإدريسي (د) : 48، 49. (6) أكثر المادة الجغرافية عن الاستبصار: 151 إلا حيث يجري التنبيه إلى النقل عن مصدر آخر، وقارن بالبكري: 47، والإدريسي (د) : 104، وياقوت (قفصة) ، وايعقوبي: 349. (7) الاستبصار: بالوادي الكبير.

والعين الأُخرى تحت قصر قفصة تسمى بالطرميد عليها بناء عجيب، وبإزائها مسجد يعرف بمسجد الحواريين، منبع هذه العين من حجر صلد من ثقب يسع فيه الإنسان، وينبعث منه بقوة عظيمة وقد بني له صهريج عليه دكاكين مبنية بالحجر الجليل، وعليه أقباء وقد بني فوقه مسجد عظيم، فإذا اجتمع ماء هذه العين الكبيرة والتي عند الجامع جاء منهما نهر كبير تطحن عليه أرحاء كثيرة، ويسقي نصف غابة قفصة ونصف أرضها ومزدرعاتها، والنصف الثاني من غابة قفصة يسقى من عين عظيمة خارج المدينة تسمى عين المنستير، وهي عين كبيرة معينة عذبة يخرج منها نهر كبير، وهذه العين من أحسن ما رئي من العيون، وهي في جانب النهر الكبير المسمى بوادي بايش (1) ، وهو يشق غابة قفصة ويسقي بعض بساتينها، وهو نهر كبير مشهور يأتي من جبال شرقي قفصة لكنه في أيام الصيف يقل جريانه ولا ينقطع، وأرض هذا الوادي كله تنشع ماء، وفيه تورد العرب إبلها تحفر فيه أحساء فيخرج ماء عذباً معينَاً. ولأهل قفصة في سقي جناتهم هندسة عظيمة وبرسام شديد وتدقيق حساب، يقول أهل قفصة: إذا رأيت قوماً يتخاصمون وقد علا بينهم الكلام فاعلم أنهم في أمر الماء، وكان على أحد أبوابها كتابة منقوشة في حجر من عمل الأول ترجمت فإذا هي: هذا بلد تحقيق وتدقيق وتدنيق. وكذلك ليس بإفريقية حريم أجمل من حريم قفصة، مع ملاحة أخلاقهم ورخامة منطقهم. ويسمون الماء الذي يخرج من المدينة فيسقي نصف جنّاتهم: الماء الداخل، ويسمون الماء الذي خارج المدينة وهو عين المنستير وماء وادي بايش (2) : الماء الخارج، ولهم مياه غير هذه تسمى بالماء الصغير، وهي عيون كثيرة بقرب المدينة تسقي بعض جناتهم، وسقيهم بها بالساعات، فترى خدام تلك الجهة (3) والبساتين أعرف بأوقات النهار إذا سألت رجلاً منهم لا يفقه شيئاً عما مضى من ساعات النهار وقف ونظر إلى الشمس واكتال بقدميه في موضع ظله ويقول لك: مضى كذا وكذا ساعة وكذا وكذا سدس ساعة. وأهل قفصة يتنافسون في المياه كلها ويتبايعون سقيها بأعلى ثمن، وأكثرهم يتكلم باللسان اللطيني الإفريقي. ومدينة (4) قفصة مركز البلاد الدائرة بها. ولها غابة كبيرة، وقد أحاطت بها من كل ناحية مثل الإكليل في تكسير دائرتها نحو خمسة عشر ميلاً، فيها من المنازل التي تعرف بالقرى ثمانية عشر منزلاً، وعلى الغابة والمنازل والكل حائط يسمونه سور الغابة، وفي ذلك السور أبواب عظيمة عليها أبراج مسكونة، يسمون تلك الأبواب: الدروب، وغابة قفصة كثيرة النخل والزيتون وجميع الفواكه التي ليس في الدنيا مثلها، فيها تفاح عجيب جليل ذكي الرائحة يسمونه السوسي (4) لا يوجد في بلد مثله، وكذلك الرمان والاترج واللوز لا يوجد مثله في بلد، وفيها نوع من التمر يسمى الكسبا ليس في بلد مثله، وهو أكثر تمرهم، يكون في التمرة فتر، في جرم بيض الدجاج، تكاد تنفذها ببصرك لصفاء لونها ورقة بشرتها، وهم يجعلونه في ازيار، فإذا أخرجوه منها بقي في قعر الزير عسل ألذ من عسل النحل وأعظم وهم يصرفونه في طعامهم كما يصرف العسل، وتعمل منه الحلاوات. وقفصة أكثر البلاد فستقاً، وليس بافريقية فستق إلا فيها، ومنها يجلب إلى بلاد إفريقية وبلاد المغرب والأندلس ومصر، والذي يجلب من بلاد الشام صغير الجرم ليس مثل القفصي، فإن القفصي يكاد يكون في جرم اللوز، وهو إذا كان في شجرته أجمل شيء، فإنه يكون عناقيد مثل عناقيد العنب، وهو ذكي الرائحة لا يقدر أحد أن يسرق منه شيئاً لأنه تنم عليه رائحته. وفي بساتين (6) قفصة من الرياحين كثير، مثل الآس والياسمين والنارنج والنرجس والسوسن والبنفسج وغير ذلك، ووردها أكثره أبيض، وماؤه أذكى ماء يكون للورد، يشبه الجوري الذي يجلب من بلاد مصر. وتصنع بقفصة أردية وطيالسة وعمائم من صوف في نهاية من الرقة تضاهي ثياب الشرب، وتصنع بها أواني للماء من خزف تعرف بالريحية شديدة البياض في نهاية من الرقة ليس يعلم لها نظير في جميع البلاد، ويصنع بها زجاج حسن وأواني حنتم عجيبة وأواني مذهبة غريبة، وهي حاضرة في جميع أمورها، وأهلها ذوو يسار، وفيهم خير كثير، ولهم صدقات، وهم يعظمون يوم عاشوراء تعظيماً كثيراً، وهو عندهم مثل الأعياد، ولهم فيه

_ (1) ع ص: بالش. (2) ع ص: بالش. (3) الاستبصار: الجنات. (4) هذه العبارة لم ترد في الاستبصار. (4) هذه العبارة لم ترد في الاستبصار. (6) النقل مستمر عن الاستبصار.

قسطلة دراج:

صدقات وكسا للمساكين. وكانت مدينة قفصة أعظم بلاد إفريقية نظراً، كان حواليها نحو مائتي قصر آهلة عامرة فيها الأشجار والنخل والزيتون والفستق وجميع الأشجار، وفيها العيون والأنهار والآبار، تسمى قصور قفصة (1) . وكان يوسف (2) بن عبد المؤمن ملك المغرب لما طلع إلى إفريقية نزل على قفصة فاستصعبت عليه، وذلك في سنة خمس وسبعين وخمسمائة، فحاصرها ونصب عليها آلة الحرب، وعمل للعجل الحاملة للآلات قلوعاً ضربتها الريح فمشتها، فرعب أهل قفصة واستأمنوه فأمنهم وقطع غابتها وزيتونها وأمر صاحبها علي بن الرند بالانتقال إلى مراكش، فانتقل إليها بجملته، فولاه على سلا إلى أن توفي. ثم نزل عليها (3) ولده المنصور يعقوب بعد وقيعة عمرة، وذلك سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فأخذت المحلات بمخنقها، وتمادى الحصار والقتال عليها، ورماها بأحجار المنجنيق حتى حكم عليها فهدم سورها وحرقها بالنار، وقتل الناس المحكوم عليهم فيها ذبحاً، وقطع شجرها وغير بهجتها ونزع الحسن عنها، وفي ذلك يقول أبو بكر بن مجبر الشاعر من قصيدة له غراء: من لم يؤدبه تأديب الكتاب فما ... له بغير ذباب السيف تأديب إن الخلافة لا تشكو بمعضلة ... والحافظ الله والمنصور يعقوب مشمر البرد للحرب الزبون وقد ... ضفت عليه من التقوى جلابيب فالبيض منهن مسلول ومدخر ... والخيل منهن مركوب ومجنوب وليس يظفر بالغايات طالبها ... إلا إذا قرعت فيها الظنابيب للحرب جل مساعيه وما تركت ... منه الحروب تهادته المحاريب إذا كان عربد في الأعداء صارمه ... فإنه لِرَحيق الهام شرّيب قد حصحص الحق إن النصر يتبعه ... فكان من أنفس الكفّار تكذيب لقد عدتهم عن التوفيق شقوتهم ... إن الشقي على التوفيق مغلوب ما غرَّ قفصة إلا أنها اجترمت ... فلم يكن عند أهل الحلم تثريب ما بالها زار أمر الله حوزتها ... فلم يكن عندها أهل وترحيب توهمت أن أهل البغي تمنعها ... وقلما حَمتِ الشَّهْد اليعاسيب تلك البغيُّ التي خانت فحاق بها ... وبالزناة بها رجم وتعذيب ترمى المجانيق بالأحجار فضلة من ... رمتهمُ منهم الجرد السراحيب من كل ملمومة صماء حائمة ... على النفوس فتصعيد وتصويب يقول مبصرها في الجو صاعدة ... هذا بلاء على الكُفّار مصبوب تمهد الأمر في أكناف دولته ... حتى تألف فيها السخل والذيب وهي طويلة. قسطلة درّاج (4) : قرية في غرب الأندلس، منها أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج القسطلي (5) ، ودرّاج هو الذي تُنْسَب إليه

_ (1) إلى هنا ينتهي انقل عن المصدر المذكور. (2) قد ألم صاحب الاستبصار: 151 بهذه الحادثة، وانظر البيان المغرب 3: 114 (تطوان) . (3) انظر البيان المغرب 3: 165 - 169. (4) بروفنسال: 160، والترجمة: 192 (Cacella) وانظر الإدريسي (د) : 179، وياقوت؛ والأرجح أن قسطة الواقعة في البرتغال ليست هي المنسوب إليها ابن دراج وإنما قسطلة أخرى من أعمال جيان. (5) انظر دراسة عنه في كتابي ((تاريخ الأدب الأندلسي - عصر سيادة قرطبة)) : 237 (طبعة ثانية) والمصادر مذكورة هنالك.

قسطيلية:

القرية فيقال: قسطلة درّاج، وكان أبو عمر هذا كاتباً من كتاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر، وهو معدود في جملة العلماء والمقدمين من الشعراء، واختبر واقترح عليه فبرز وسبق، فمن قوله يصف السوسن ويمدح الحاجب المظفر سيف الدولة عبد الملك بن المنصور بن أبي عامر (1) : إن كان وجه الربيع مبتسماً ... فالسوسن المجتلى ثناياه يا حسنه بين ضاحك عبق ... بطيب ريح الحبيب رياه خاف عليه العيون عاشقه ... فاشتقَّ من خدِّهِ فسمّاه وهو إذا مغرم تنسَّمه ... خلى على الأنْفِ منه سيماه يا حاجباً مُذْ براه خالقه ... تَوَّجه بالعلى وحلاه إذا رآه الزمان مبتهجاً ... فقد رأى كلَّ ما تمنّاه وإنْ رآه الهلالُ مطّلعاً ... يقول ربي وربك الله مات قريباً من العشرين والأربعمائة (2) : قُس الناطف (3) : موضع معروف بالعراق، والقاف مضمومة، وبقُس الناطف كانت أول وقعة بين المسلمين وبين فارس، وكان على المسلمين يومئذ أبو عبيد الثقفي أبو المختار، فقتل أبو عبيد في جماعة من المسلمين وخلق من الأنصار وأبنائهم وهو يوم الجسر وقد تقدّم ذكره في حرف الجيم، وفي ذلك يقول حسّان: لقد عظمت فينا الرزية أننا ... جلاد على ريب الحوادث والدهرِ على الجسر قتلى لهف نفسي عليهمُ ... فوا حزناً ماذا لقينا على الجسر فأمّا القَسّ (4) بفتح القاف، فموضع بمصر تُنْسَب إليه الثياب القسية. قسطيلية (5) : اسم لعمل البلاد الجريدية وهي بلاد واسعة ومدن عديدة بها النخل والزيتون، من مدنها: توزر والحمة وتقيوس، ومدينتها العظمى توزر، وبها ينزل العمال، وجباية قسطيلية مائتا ألف دينار وأهلها يستطيبون لحوم الكلاب ويسمنونها في بساتينهم ويطعمونها التمر ويأكلونها، وأضاف أحدهم ضيفاً فأطعمه لحماً استطابه واستحسنه، فسأله عنه فقال: هو لحم جرو مسمَّن. ولا يعرف وراء قسطيلية عمران ولا حيوان إلا الفنك، إنما هي رمال وأرضون سوّاخة، وهم يقولون إن قوماً أرادوا معرفة ما وراء بلادهم، فأعدوا الأزواد وذهبوا في تلك الرمال أياماً فلم يروا أثراً لعمران، وهلك أكثرهم في تلك الرمال. قسنطينة (6) : من مشاهير بلاد إفريقية، بين تيجس وميلة، وهي مدينة أولية كبيرة آهلة فيها آثار للأول، كثيرة الخصب رخيصة السعر، على نظر واسع وقرى عامرة، وكان لها ماء مجلوب يأتيها على بعد على قناطر بقرب من قناطر قرطاجنة، وفيها مواجل عظام مثل التي في قرطاجنة. وبها أسواق وتجار، وأهلها مياسير ذوو أحوال وأموال ومعاملات للعرب، وأصحاب حنطة تقيم في مطاميرها مائة سنة لا تفسد والعسل بها والسمن كثير ويتجهز بها إلى سائر البلاد. وقسنطينة حصينة في غاية المنعة والحصانة لا يعلم بإفريقية

_ (1) ديوان ابن دراج: 41 - 42. (2) كانت وفاته سنة 421هـ؟. (3) معجم ما استعجم 3: 1073 - 1074. (4) ذكر ياقوت (قسا) وقال إنهما فيما قيل قرية بمصر تنسب إليهما الثياب القسية، وذكر أيضاً قس وقال إنها ناحية من بلاد الساحل قريبة إلى مصر تنسب إليها الثياب القسية، وأضاف إن في بلاد الهند بلداً يقال له القس تجلي منه الثياب الملونة الفاخرة، وأن القس التي على مقربة من مصر ليست سوى تل، وربما كان هذا يرجح النسبة إلى البلدة الهندية، وفي معجم رمزي (1/ 96) أن موضع القس هذه اليوم باسم القلس على ساحل البحر الأبيض. (5) البكري: 49، وقارن بالاستبصار: 159 - 160. (6) قد راوح في هذه المادة عن الاستبصار: 165 - 166 وعن الإدريسي (د/ ب) 95 - 96/ 67 - 68 على اتوالي، حسب الفقرات امتوالية هنا، وقارن بالبكري: 63.

القسطنطينية:

أمنع منها، بل ليس لها نظير إلا مدينة رندة بالأندلس، فإنها تشبهها في وضعها والخندق المحيط بها والحافات المحدقة بها شبهاً كثيراً، لكن هذه القسنطينة أعظم وأكبر وأعلى، فإنها على جبل عظيم من حجر صلد، قد شقَّ الله تعالى ذلك الجبل فصار فيه خندق عظيم يدور بالمدينة من ثلاثة جوانب، ونهرها الكبير يدخل على ذلك الخندق ويدور بالمدينة فيسمع لجريانه في ذلك الخندق دوي عظيم هائل وصوت مفزع، وقد عقد الأولون على هذا الجبل قنطرة عظيمة طبقات بعضها فوق بعض، وعليها الدخول إلى باب المدينة، وهي متصلة بالباب، وقد بني على طرف القنطرة مما يلي باب المدينة بيت على أقباء يسميه أهل المدينة العبور يعنون الشعرى، لأنه معلق في جوّ السماء، فإذا كنت في وسط هذه القنطرة تعبر إلى الضفة الثانية تظن أنك تطير في الهواء، وترى ماء النهر الكبير في قعر ذلك الخندق البعيد المهوى مثل الجدول الصغير، وهذه المدينة من إحدى عجائب العالم، وهي على نظر واسع كما قلناه، ولها بساتين كثيرة الفواكه، لكنها شديدة البرد والثلوج كثيرة الرياح لعلوها وارتفاعها، وأقرب ما لها من مراسي البحر مرسى القل. قالوا: وهي على قطعة جبل منقطع مربع، فيه بعض الاستدارة لا يوصل إليه من مكان إلا من جهة باب بغربيها ليس بكبير المنعة (1) ، وهناك مقابر أهلها، ومع المقابر بناء قديم من بناء الأول، وبه قصر تهدم أكثره، وهو دار ملعب من بناء الروم ويحيط بقسنطينة الوادي من جميع جهاتها كالعقد، وليس بها من داخلها سور يعلو أكثر من نصف قامة، ولها بابان: باب ميلة من المغرب، وباب القنطرة في الشرق، والقنطرة من أعجب البنيان لأن علوها يزيد على مائة ذراع، وهي من بناء الروم، قسيّ عليها قسي، عددها في سعة الوادي خمس، والماء يدخل على ثلاث منها مما يلي جانب المغرب، وهي كما قلناه قوس على قوس، فالقوس الأولى يجري فيها الماء أسفل الوادي، والقوس الأخرى فوقها وعلى ظَهرها المشي والجواز إلى البر الثاني، وباقي القوسين اللتين من جهة المدينة مفردتان على الجبل، وبين القوس والقوس أرجل تدفع مضرة الماء ومصادمته (2) عند حملة سيوله، وعلى رقاب الأرجل قسي فارغة صغار ربما زاد الماء في بعض الأوقات فعلا الأرجل ومرّ في تلك الفرجات، وهي من أعجب ما رئي من البناء وليس في المدينة كلها دار كبيرة ولا صغيرة إلا وعتبة (3) بابها حجر واحد، وكذلك عضادات جميع الأبواب، وبناؤها بالتراب وأرضها حجر صلد، وفي كل دار مطمورتان وثلاث وأربع نقراً في الحجر تبقى الحنطة فيها لبردها واعتدال هوائها، وواديها يأتي من جهة الجنوب ليحيط بها من غربيها ويمر شرقاً مع دائر المدينة ويستدير في جهة الشمال إلى أن يصب في البحر في غربي وادي سهر. والقسنطيية من أحصن بلاد الدنيا، وهي مطلة على فحوص ومزارع والحنطة والشعير ممتدة في جميع جهاتها، ولها في داخل المدينة ومع سورها مسقى يستقون منه ويتصرفون منه في أوقات حصارها متى طرقها عدوّ، وبين قسنطينة وبجاية ستة أيام، أربعة منها إلى جيجل، ومن جيجل إلى بجاية خمسون ميلاً. القسطنطينية (4) : كانت رومة في القديم دار مملكة الروم نزلها من ملوكهم تسعة وعشرون ملكاً، ثمِ ملك بها قسطنطين الأكبر ثم انتقل إلى بزنطية وبنى عليها سوراً وسماها القسطنطينية، وقد كان اسمها طوانة ثم نسبت إلى قسطنطين، وبينها وبين عمورية ستون ميلاً في قرى وعمارات. وخليجها المشهور بها هو الداخل من بحر الشام الواقع في البحيرة التي تتصل بالقسطنطينية، وإلى ذلك الخليج يصل التجار المختلفون من العراق والشام وغيرهما إلى القسطنطينية ويعبرونه في السفن إلى العدوة الثانية، وهو الذي عبر فيه رسول معاوية بن أبي سفيان حين وجهه للاحتيال على البطريق الذي لطم وجه الرجل المسلم في الحكاية المشهورة. ومدينة القسطنطينية (5) ثلاث نواحي: ناحيتان منها في البحر الأعظم مما يلي القبلة والمشرق والمغرب، والناحية الثالثة (6)

_ (1) الإدريسي: السعة. (2) الإدريسي: ومصادرته. (3) ص ع: وعلى. (4) في المصادر الجغرافية معلومات مختلفة عن القسطنطينية، انظر التنبيه والإشراف: 138 - 142، وابن خرداذبه: 109، وابن الفقيه: 145، وآثار البلاد: 603، وياقوت (القسطنطينية) ، وابن الوردي: 50، ورحلة ابن بطوطة، ولكن المؤلف يتابع أولاً البكري (ح) : 192 (راجع مادة: رومة) ثم يعيد بعض ما ذكره في مادة خليج القسطنطينية معتمداً في معلومات كثيرة على نزهة المشتاق، ثم يتكئ في أكثر معلوماته عن المدينة على ابن رسته 119 - 126، وفي صبح الأعشى 5: 377 نقل عن الروض. (5) نزهة المشتاق: 256. (6) ص ع: السابعة.

مما يلي البر وفيه باب الذهب، وهي التي تلي الشمال، وطولها من الباب الشرقي إلى الباب الغربي ثمانية وعشرون ميلاً، ولها حيطان من حجارة، وبينهما فضاء تسعون ذراعاً، وعرض السور الداخل اثنتا عشرة ذراعاً، وسمكه اثنتان وسبعون ذراعاً، وعرض السور الخارج ثمان أذرع، وسمكه اثنتان وأربعون ذراعاً وفيما بين السورين نهر يسمى قسطنطيانوس، وهو مغطى ببلاط نحاس، طول كل بلاطة ست وأربعون ذراعاً وعدة ما فيه من البلاطات اثنتان وأربعون ألف بلاطة، وعمق النهر اثنتان وأربعون ذراعاً، وفيما بين باب الذهب، وهو باب مضبب بالحديد، أعمدة بالذهب، وطوله إحدى وعشرون ذراعاً، وبين باب الملك اثنا عشر ميلاً ولها من الأبواب نحو مائة باب أكبرها باب الذهب، وليس يدرى مثلها في الكبر قطر إلا قطر رومة. وبها القصر (1) الشائع ذكره شماخة بناء واتساع قطر وحسن ترتيب، وفيه البذرون (2) الذي يتوصل منه إلى القصر، وهو من عجائب الدنيا فإنه ملعب وزقاق يمشى فيه بين سطرين من صور مفرغة من النحاس البديع الصناعات، منها على صور الأدميين وضروب الخيل والسباع إلى ما سوى ذلك من الأشكال، وبالقصر وبما دار به ضروب من العجائب المصنوعات، ودون الخليج من جهة بلاد الأرمن أحد عشر عملاً. ودور قصر الملك فرسخ يحيط به سور منيف، وله ثلاثة أبواب، والذي يظهر يوم الشعانين من صلب الذهب أحد وعشرون ألف صليب، ومن صلب الحديد والنحاس المنقوشة المموهة بالذهب عشرة آلاف ومائتان، ومن المصاحف التي تقرأ في الكنيسة، رقومها من ذهب مكتوبة بالذهب والفضة، ستة آلاف وأربعمائة، وفيها من الشمامسة ومن تجري عليه الأرزاق ثمانية وأربعون ألفاً لا ينقص عددهم، كلما مات أحدهم أقاموا مكانه آخر، ووضع قسطنطين في أعلى هذه الكنيسة آلة مطلسمة، وهو زرزور من نحاس إذا كان وقت الزيتون حشر إليها كل زرزور هناك، فيأتيها الزرزور بثلاث زيتونات اثنتان في مخلبيه وثالثة في منقاره فيضعها عنده ثم ينصرف غادياً، ولا يزال ذلك دأبه طوال أمد الزيتون. فإذا أراد (3) الملك الخروج إلى هذه الكنيسة العظمى فرش له في طريقه من باب القصر إلى الكنيسة حصر، من فوق الحصر ضروب الرياحين الطيبة، وتزين دور المدينة يمنة ويسرة بالديباج وضروب ثياب الحرير، ثم يخرج بين يديه عشرة آلاف شيخ مشاة، عليهم كلهم ديباج أبيض، ثم يخرج بعدهم عشرة آلاف خادم، عليهم ديباج لون السماء، في أيديهم الطبرزينات الملبسة بالذهب، ثم يخرج بعد ذلك خمسة آلاف من فتيان الصقالبة عليهم ملحم خُراساني أبيض، بأيديهم كلهم صلبان الذهب، ثم يخرج من بعدهم عشرة آلاف غلام أتراك وخزر، عليهم أقبية مذهبة، وبأيديهم رماح وأترسة ملبسة بالذهب، ثم يخرج بعدهم مائة بطريق، عليهم ثياب منسوجة بالذهب، في يد كل واحد منهم قضيب من ذهب ثم يخرج مائة غلام عليهم ثياب مشهورة مرصعة باللؤلؤ، يحملون تابوتاً من ذهب، فيه كسوة الملك لصلاته، ثم يخرج رجل بين يديه يسكت الناس، ثم يخرج شيخ بيده طشت وإبريق من ذهب مرصعان بالدر والياقوت، ثم يخرج الملك ماشياً وعليه ثياب من ابريسم منسوجة بالجوهر كلها، وخفه مرصع بالدر والياقوت، وفي يد الملك حقة من ذهب فيها تراب، فكلما خطا خطوتين يقول له الوزير بلسانهم كلاماً معناه: اذكر الموت والبلى، فإذا قال له ذلك وقف الملك وفتح الحق ونزل إلى التراب وقبَله وبكى، يسير كذلك حتى ينتهي إلى باب الكنيسة فيقدم الرجل الطشت والإبريق، فيغسل الملك يده ويقول للوزير: إني بريء من دماء الناس كلهم والله لا يسألني عن دمائهم وإني قد جعلتها في عنقك، ويخلع ثيابه التي عليه على وزيره ويقول له: دن بالحق، ويأمر فيدار به على أسواق القسطنطينية، ويقال له: دن بالحق، كما قال له الملك. ويلبس الملك الثياب التي يدخل بها الكنيسة ويأمر بإدخال أسارى المسلمين الكنيسة، فينظرون إلى تلك الزينة فينادون: أطال الله بقاء الملك سنين كثيرة، ويقولون ذلك ثلاث مرات. ويساق خلف الملك ثلاثة من الخيل تقاد، وقال بعضهم: إنها لا تكون إلا شهباً، ويقال إنها من نسل خيل كانت للإسكندر توارثها ملوك اليونانية وملوك الروم لما غلبوا على المملكة، عليها سروج قرابيسها من الزمرد الأخضر والياقوت الأحمر، وتلك السروج وألبابها وما اتصل بها مرصع من الحجارة وأجلتها من الديباج المرصع بالدر والياقوت، فيدخلونها الكنيسة

_ (1) النقل مستمر عن نزهة المشتاق. (2) ص ع: البذبدون (دون اعجام في ع) ، وفي نزهة المشتاق صورة الكلمة نفسها ((البدندون)) والبذرون كما هو عند ابن خرداذبه وابن رسته يقابل الهيودروم (Hippodrome) . (3) متابع للبكري (ح) : 196 وأصله عند ابن رستة: 123.

قشمير:

ولها بها لجام معلق، وهم يقولون إن دابة منها متى أخذت تلك اللجام في فمها ظفروا ببلاد الإسلام، تجيء الدابة منها فتشم اللجام ثم تقهقر ولا تقدم عليه، ويقال إنها من نسل دواب كانت لاوقنطاب (1) ويحملون بين يدي الملك سيوفاً عشرة تنسب إلى الإسكندر، طول كل سيف ثمانية أشبار، وهي مرصعة كلها بنفس الحجارة، فإذا انقضت نواميس شرعهم عاد الملك على الهيئة الأولى إلى قصره. قالوا: ولما أكمل قسطنطين بناء هذه الكنيسة العظمى ورفع فيها الصلبان كتب بذلك إلى جميع البلدان، فبهذا السبب صار عيد الصليب، وهو لأربع عشرة ليلة تمضي من أيلول. وبمدينة القسطنطينية (2) طلسمات كثيرة منها أنه إذا نزل القواد والحشم في قصر الملك على ظهر خيلهم بقيت الخيل ساكنة واقفة غير متحركة دون سائس ولا ممسك بأعنتها، ولا تنفح ولا ترمح بل تقف كذلك بحالها جامدة غير حية، فسئل بعض أهلها عن ذلك، فذهب بالسائل إلى ثلاثة تماثيل من صفر على صفة الأفراس، أحدها ناظر إلى باب الملك وهي من عمل بلونيوس الحكيم وعلى باب الملك أربع حيات من صفر أذنابها في أفواهها، طلسمات الحيات، فيعبث الصبي هناك بالحية، فلا تضره، ومما يلي باب الذهب من المدينة قناطير معقودة في وسط السوق فيها صنمان على صور الأناسي أحدها يشير كأنّه يقول: هات، والآخر يشير بيده كأنه يقول: اصبر ساعة فيؤتى بالأسارى فيقعدون بين يدي الصنمين ينتظر بهم الفرج، ويذهب رسول يعلم الملك ذلك، فإن رجع الرسول وهم وقوف ذهب بهم إلى السجن، وإن وافاهم الرسول وقد جوز بهم (3) الصنمين قُتِلوا ولم يبق عليهم. وكان مسلمة بن عبد الملك غزا قسطنطينية، وفي حديث مسلم (4) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأن القسطنطينية تفتح في آخر زمان، فبينا هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خالفكم في أهليكم فيخرجون، وذلك باطل. . . الحديث إلى آخره. قشتالة (5) : عمل من الأعمال الأندلسية قاعدته قشتالة، سمي العمل بها، وقالوا: ما خلف الجبل المسمى الشارات في جهة الجنوب يسمى اشبانيا، وما خلف الجبل من جهة الشمال يسمى قشتالة، ولبعضهم: الروم تضرب في البلاد وتغنم ... والعرب تأخذ ما يفيء المغرمُ (6) والمال يورد كله قشتالة ... فالله يلطف بالعباد ويرحم قشمير (7) : مدينة مشهورة في بلاد الهند أو السند في طاعة القنوج، ومنها إلى كارموت أربع مراحل: وهي كورة حسنة كثيرة التجارات، وهي على نهر كبير يمد نهر مسلي، ونهر مسلي هو النهر المسمى نهر الطيب، تنبت بضفتي هذا النهر أنواع الطيب وبذلك سمي. وأهلها يحاربون كافر ترك. ومملكة صاحب (8) قشمير نحو من ستين ألفاً بين مدينة وقرية، وقد أحاط بها جبال شواهق لا يتسلق منها الوحش ولا شيء من الحيوان الدابّ، ولا يوصل إلى مملكته إلا على موضع واحد، وهو يغلق على جميعها باباً واحداً، وهو أحد عجائب الدنيا، وهو مشهور معروف، وقاعدته بوره، وهو ملك القنوج (9) ومملكته نحو من مائة وعشرين فرسخاً سندية، الفرسخ من ثمانية أميال، وله جيوش أربعة كل جيش من سبعمائة ألف على مهاب الرياح الأربع يحارب بالشمالي صاحب المولتان، وبالجنوبي البلهرى، وبالشرقي والغربي من يليه أيضاً، وله ألفا فيل مقاتلة.

_ (1) ابن رسته: لأوسطاط. (2) ابن رسته: 126. (3) بياض في ع ص. (4) صحيح مسلم 2: 365. (5) بروفنسال: 161، والترجمة: 193 (Castilla) . (6) ع ص: ما بقي والمغرم. (7) الإدريسي (ق) : 67 - 68 (OG: 193) ، وقارن بياقوت (قشمير) ،ونخبة الدهر: 181، وهي ((كشمير)) عند البيروني، تحقيق ما للهند: 16. (8) عن البكري (مخ) : 48، وأصله عند المسعودي، مروج الذهب 1: 373. (9) مع أن النص متابع للبكري فإنه يبدو مناقضاً للأصل عند المسعودي، إذ جاء هنالك: ((فأنما مملكة بؤوره هو ملك القنوج)) وذلك يعني أن القنوج غير قشمير، وراجع مادة ((قنوج)) والتعليق عليها، ومينورسكي: 254.

قوص:

قو (1) : واد بالعقيق، عقيق بني عقيل، وقال امرؤ القيس (2) : قونيه (3) : في طريق عمورية إلى انطالية، وبينها وبين اللاذقية يوم، وقونية مدينة حسنة: وبها تفترق الطرق إلى انطالية وغيرها. وفي سنة (4) ست عشرة وستمائة خرج طاغية قونية بالجموع العظيمة إلى الشام، فعاد في الحال التي قتلته كمداً في هذه السنة، فدافعه الأشرف بن العادل، فانكسر العدو واتبعهم الأشرف بجنده وعرب الشام والجزيرة، فامتلأت أيديهم، وقويت قلوب أهل البلاد الإسلامية، فمنعوا منهم الميرة وصاروا الفلاحون يسبونهم ويسمعونهم القبائح، ووصل إلى العدو أصحابه الذين أسلموا القلاع التي كان جعلهم فيها حين أخذها فجمعهم في دار وأحرقها عليهم فهلكوا عن آخرهم ومات على اثر ذلك. قوقانا (5) : جبل في بلاد الأتراك، وهو الجبل الذي يلي يأجوج ومأجوج، وهو جبل قائم الجهات لا يصعد منه إلى شيء البتة، وان صعد لم يتوصل إلى قنته لكثرة الثلج المنعقد فيه وأنه لا ينحل منه أبداً، ولأن على هذا الجبل ضباباً (6) أبد الدهر كله لا ينجلي عنه ولا يزول، وهذا الجبل عليه من بلاد يأجوج ومأجوج مدن كثيرة، وفي هذا الجبل أفاع كثيرة وحيات عظام تأوي إلى مهاو فيه وجميعها مؤذ، يمنع أذاها من الصعود إلى أعلى الجبل، ولو رام أحد الصعود إلى أعلاه ما أمكنه ذلك في يومين، وربما تعلق بهذا الجبل النادر من الناس فيرقى ليرى ما في أعلاه وما خلفه فلا يرجع ولا يمكن رجوعه إما لعدوان الحيوان عليه أو لقبض الأمم التي خلف الجبل على من طرأ عليهم من سائر الأمم، وربما رجع الشاذ من الناس فيخبر أنه رأى في تلك الأرض التي خلف الجبل نيراناً كثيرة، وأما بالنهار فلا يرى شيئاً إلا ضباباً وسراباً مختلطاً متصلاً. وهذا الجبل (7) في بلاد اذكش، وهم صنف من الأتراك عراض الوجوه كبار الرؤوس شعورهم كثيرة، وأعينهم براقة، وكلامهم منفرد بذاته، وعبادتهم النيران وسائر الأنوار، وفي شمال أرضهم جبل يسمى جبل مرعان، طوله من المغرب إلى المشرق نحو ثمان عشرة مرحلة. وفي وسط هذا الجبل موضع عال كالقبة مستدير في وسطه بركة ماء لا يعرف عمقها ولا يسقط فيها شيء إلا ابتلعته فلا يرى، ولا يقدر أحد من الناس على العوم فيها، ولا شيء من الحيوان وإن وضع فيها الخشب ابتلعته. وفي أسفله، مما يلي الجنوب ويقابل أسفل تلك البركة، مغارة يسمع فيها دوي هائل يعلو مرة ويقل أخرى لا يعلم ما هو ذلك الصوت، وإن تقدم إلى فم المغارة حيوان من قبالته فلا يرى، ويذكر أنه يخرج من تلك المغارة ريح تجتذب المعترض لذلك، وخبر هذه المغارة مشهور في تلك الأرض يتحدث به في سائر أرض الترك. وفي جنوب (8) أرض الأذكش بحيرة تسمى بحيرة تهامة، دورها مائتان وخمسون ميلاً وماؤها شديد الخضرة ذكي النشر عذب الطعم جداً يوجد فيه سمك عريض مرقش بكل لون، يذكر الأتراك أنه أجل علاج يستعمل للباه وأنه أقوى من السقنقور والصيادون يعرفونه في هذه البحيرة، لأن الصائد إذا أرسل شبكته وأخذ هذا السمك وجد ذكره قائماً ولا يزال بتلك الحال ما دامت السمكة في شبكته وفي يده، فإذا أرسلها عن يده سكن ما يجده من الانعاظ وفي وسط هذه البحيرة أرض كالجزيرة وطية ثرية جيدة التربة كثيرة العشب أبداً، والأتراك يجوزون مواشيهم إلى هذه الجزيرة فيقيمون بها أيام الربيع كله، وفي هذه الجزيرة التي في وسط هذه البحيرة بئر محفورة لا يوجد لها قعر وليس بها ماء. قوص (9) : مدينة كبيرة في البلاد المصرية في الجهة الشرقية من النيل وهي كبيرة بها منبر وأسواق جامعة وتجارات ودخل وخرج، والمسافر إليها كثير، والبضاعات نافقة والمكاسب رائجة والبركات ظاهرة، وشرب أهلها من ماء النيل، وبها بقول طيبة وضروب من الفواكه ولحوم مسدفة (10) حسنة المنظر لذيذة المأكل، ولكثرة نعمها

_ (1) معجم ما استعجم 3: 1103. (2) ديوانه: 56، وصدر البيت: سما لك شوق بعد ما كان أقصرا. (3) نزهة المشتاق: 261، وقارن بياقوت (قونية) . (4) قارن بابن الأثير 12: 347. (5) نزهة المشتاق: 278 قوقايا. (6) ع ص: ضباب. (7) نزهة المشتاق: 279. (8) نزهة المشتاق: 277 - 278، وهو واقع قبل الوصف السابق. (9) الإدريسي (د) : 49 (OG: 128) . (10) الإدريسي: سدفة.

قوصرة:

كان هواؤها وبياً وأهلها مصفرة ألوانهم، وقل ما دخلها غريب فسلم من المرض إلا نادراً. وهي أزلية (1) قديمة فيها آثار كثيرة للأوائل، وبينها وبين أسوان غيران منحوتة في جبال منها قبور الأموات لا يعلم لها عهد تستخرج منها المومياء الطبية، وهم يجدونها في رممهم وبين أكفانهم. ويقال إن في تلك الصحراء التي بين قوص وأسوان معادن الذهب، غير أن البجاة وهم جنس من الحبشة تمنع منه، وبلادهم ما بين بحر القلزم وبين مصر، وتسكن عندهم جماعة من العرب من ربيعة بسبب هذا المعدن، ويتصل ببلادهم معدن الزمرد (2) الفائق الذي ليس له مثل بمعمور الأرض، وهو بموضع يعرف بالخربة في مغارة وجبال محمية بالبجاة، وإليهم يؤدي الخفارة من يرد لحفر الزمرد. وبين هذا الموضع والنيل أكثر من عشرين مرحلة، وبين هذا المعدن والعمران مسيرة تسعة (3) أيام، ولا يعرف معدن للزمرد غيره إلا ببلاد البلهرى من أرض الهند (4) ، ولا يلحق بهذا، والهندي هو الذي يعرف بالمكي لأنه يحمل إلى عدن فيؤتى به مكة، فاشتهر بهذا الاسم. والزمرد الذي يقطع من الخربة أربعة أنواع: أعلاها المعروف بالمرو، وهو كثير المائية تشبه خضرته خضرة السلق إلا أنه يضرب إلى السواد، والثاني البحري، وهو في لون ورق الآس، وإنما غلب عليه اسم البحري لأن ملوك الهند والسند والصين يرغبون فيه ويفضلونه على غيره من الزمرد، والثالث يعرف بالمغربي، لأن ملوك المغرب والأفرنج والأندلس والجلالقة وغيرهم يتنافسون فيه، والصنف الرابع المسمى بالأصم وهو أدناها وأقلها غناء لقلة مائيته وخضرته وكثرة دكونته، وأكبر حجارة الزمرد الفائق يبلغ وزن العدسة منه عشرة دنانير، وهذا المعدن قد انهارت غيرانه وتهدمت لبعد العمارة عنه وانقطاع الناس. ولا خلاف عند جميع من يقرب من موضع ذلك المعدن أن الحيات والأفاعي وسائر أنواع الحيوان المسموم لا تقرب هذا المعدن ولا خدمته. وقيل إن هذه الحيوانات إذا أبصرت الزمرد الفائق سالت عيونها، وإن الملسوع إن سقي منه وزن دانقين برئ بإذن الله تعالى، وكانت ملوك اليونانيين أرباب الحكمة تفضله على جميع الأحجار، وأهل الحكمة يقولون إن شعاع الزمرد وخضرته تقوى بزيادة القمر، ولله سبحانه وتعالى في خلقه أسرار خفية. قورية (5) : بالأندلس، قريبة من ماردة، بينها وبين قنطرة السيف مرحلتان. ولها سور منيع (6) ، وهي أولية البناء واسعة الفناء، من أحصن المعاقل وأحسن المنازل، ولها بواد شريفة خصيبة وضياع طيبة وأصناف من الفواكه كثيرة، وأكثرها العنب والتين. قومس (7) : عمل مفرد بين الري وخراسان، ومدنه: بسطام وسمنان والدامغان، وقومس بلد جليل القدر واسع، واسم المدينة الدامغان، وهي أول مدن خراسان، فتحها عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة ثلاثين، وأهلها قوم عجم، وهم أحذق قوم بعمل أكسية الصوف البيض القومسية الرفيعة. وفي ثمان وعشرين ومائة غلب أبو مسلم صاحب الدعوة على ناحية قومس وجرجان. وكان عمر (8) رضي الله عنه كتب إلى نعيم بن مقرن حين أعلمه بفتح الري: أن قدم سويد بن مقرن إلى قومس، ففصل إليه سويد من الري فلم يقم له أحد، فأخذها سلماً وعسكر بها، وكاتبه الذين لجأوا إلى طبرستان منهم والذين أخذوا المفاوز فدعاهم إلى الصلح وإلى الجزية، وكتب لهم بذلك كتاباً. قوهستان (9) : من كور نيسابور. قوصرة (10) : جزيرة تلي مدينة مازر من صقلية بينهما مجرى، وهي في شرقي جزيرة مليطمة، وهي من جزيرة الراهب بين جنوب

_ (1) عن الاستبصار: 85 حتى آخر المادة. (2) هذه المعلومات عن الزمرد مأخوذة عن المسعودي، المروج 3: 44، وأوردها صاحب الاستبصار، وانظر خطط المقريزي 1: 194، 197. (3) الاستبصار: سبعة. (4) ص ع: الصين. (5) بروفنسال: 164، والترجمة: 198 (Coria) . (6) عن الإدريسي (د) : 183. (7) قارن بنزهة المشتاق: 207، وابن حوقل: 322، والكرخي: 124، وياقوت (قومس) ، وقد ذكر المؤلف هذه المادة في ((الدامغان)) . (8) الطبري: 1: 2656. (9) ص ع: قومسيان، ولم أجد لها ذكراً في الكتب الجغرافية، وقوهستان ليست من كور نيسابور وإنما هي منطقة وجبال ممتدة بين نيسابور وهراة. (10) هي الجزيرة التي تسمى Pantelleria، وانظر الإدريسي (م) : 19، والبكري (ح) : 226.

قويق:

وشرق وتوازي الشاقة ومازر، وبينهما مجرى، وكذلك من قوصرة إلى بر إفريقية مجرى. وجزيرة قوصرة ترى من مدينة مازر، وترى أيضاً من اقليبيا من بر إفريقية، لأن هذه الجزيرة جبل مشرف عال جداً، ولها مرسى من جانب الشمال، وهي مقطع للخشب الجيد، ويحمل منه إلى صقلية، وفيها معز برية تصاد هناك كثيراً، وهي مكمن للغزاة من المسلمين والروم، وكانت فيها للمسلمين على الروم أيام صمصام الدولة وقيعة مجحفة ومقتلة عظيمة، وهي جزيرة صغيرة خصيبة فيها آثار وأشجار ولها من جهة الجنوب مرسى مأمون يكن من رياح كثيرة. قويق (1) : نهر حلب، وينبعث من قرية تدعى سنياب (2) على سبعة أميال من دابق، ثم يمر إلى حلب ثمانية عشر ميلاً. ثم يفيض في الأجمة ويدخل منه إلى البلد في قناة تجري في الشوارع والأسواق والديار، ومنه شرب أهل المدينة، ثم يمر إلى مدينة قنسرين عشرين ميلاً، فمن مخرجه إلى مغيضه اثنان وأربعون ميلاً. وقويق هو المذكور في شعر المعري (3) في قوله يذم إبله حين اشتاقت إلى قويق حيث أوطانها على حقارته وأعرضت عن مجتمع المياه الكثيرة والأنهار الواسعة حين كونها ببغداد، فقال يعني إبله: تمنت قويقاً والصراة حيالها ... تراب لها من أينق وجمال قيسارية: مدينة بالشام على ساحل البحر كبيرة عظيمة لها ربع عامر وحصن منيع، بينها وبين يافا ثلاثون ميلاً وكانت من أمنع مدن فلسطين، افتتحها معاوية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيها الكروم والبساتين وماؤها من العيون، ومنها تسقى كرومهم. وفي سنة سبع ومائة افتتح مسلمة بن عبد الملك مدينة قيسارية عنوة (5) . وتخرج منها (6) فتسير في رمال مقدار ثمانية فراسخ حتى تنتهي إلى مدينة صور. القيروان (7) : هي قاعدة البلاد الإفريقية وأم مدائنها، وكانت أعظم مدن المغرب نظراً، وأكثرها بشراً، وأيسرها أموالاً، وأوسعها أحوالاً، وأربحها تجارة، وأكثرها جباية، والغالب على فضلائهم التمسك بالخير والوفاء بالعهد واجتناب المحارم والتفنن في العلوم، ثم سلط الله تعالى عليها العرب، وتوالت الجوائح عليها حتى لم يبق منها إلا أطلال دارسة وآثار طامسة، ولم يبق الآن منها سوى حيز قليل عليه سور تراب، واستولت العرب عليها، فهم يقبضون جبايتها، ويقال إنها ستعود إلى عمارتها. ومياهها قليلة، وشرب أهلها من الماجل الكبير الذي بها، وهو عجيب البناء على تربيع، وفي وسطه بناء قائم كالصومعة ذرع كل وجه منها مائتا ذراع. وكانت القيروان مدينتين: القيروان وصبرة. ولما افتنحت (8) إفريقية في زمن معاوية رضي الله عنه على يد عقبة بن نافع القرشي رحمة الله عليه في سنة خمسين، وكان وجهه إليها في عشرة آلاف من المسلمين، فوضع السيف حتى أفنى من بها من النصارى وقال: إني أرى إفريقية إذا دخلها إمام تحرموا بالإسلام، وإذا خرج عنها رجع كل من أجاب منهم عن دين الله عز وجل، فهل لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا مدينة تكون لكم عزاً للأبد فأجابه الناس، واتفقوا على أن يكون أهلها مرابطين فيها وقالوا: نقربها من البحر ليتم الجهاد والرباط، فقال لهم عقبة: أخاف من ملك القسطنطينية فاتفق رأيهم على موضعها فقال: قربوها من السبخة، فإن أكثر دوابكم الإبل، تكون إبلكم على بابها في مراعيها آمنة من البربر، فدعا ما كان في الغيضة من الوحوش والهوام وقال: اخرجوا بإذن الله تعالى، فخرج كل ما كان فيها حتى

_ (1) ابن رستة: 91، وابن خرداذبه: 177، وقارن بياقوت (قويق) . (2) هكذا عند ابن رسته، وفي ياقوت: سبتات، وقال: سألت عنها بحلب فقالوا: لا نعرف هذا الاسم، إنما مخرجه من شاذر. (3) راجع مادة ((الصراة)) . (5) قيساوية هذه هي التي في آسيا الصغرى، قال صاحب العيون والحدائق: 89: وفي سنة 107 غزا مسلمة بن عبد الملك قيساوية بين ملطية وكماخ ففتحها. (6) هنا عود إلى الحديث عن قيساوية فلسطين. (7) الإدريسي (د/ ب) : 110/ 80، وقارن بالبكري: 24، واليعقوبي: 347، والمقدسي: 224، وياقوت (قيروان) . (8) الاستبصار: 113.

لم يبق من الحيوانات شيء، وهم ينظرون إليها، وبقيت القيروان أربعين سنة لم ير فيها خشاش ولا هوام، فكان عقبة بن نافع أول من اختط القيروان (1) ، وأقطع مساكنها ودورها للناس وبنى مسجدها، وتنازعوا في قبلة الجامع، فبات عقبة مغموماً، فرأى في المنام قائلاً يقول له: خذ اللواء بيدك فحيث ما سمعت التكبير فامش، فإذا انقطع التكبير فاركز اللواء فإنه موضع قبلتكم، ففعل عقبة ذلك، فهو موضع القبلة، وهو محراب جامع القيروان إلى اليوم. وقد هدم حسان بن النعمان جامع القيروان وبناه حاشا المحراب فإنه تركه، ويقال إنه هدم وبني نحو ثلاث مرات، كل وال يلي القيروان يريد أن يكون الجامع من بنيانه، وكانوا يتركون المحراب تبركاً ببناء عقبة، وكان مستجاب الدعوة ويقال له: عقبة المستجاب، وهو المقتول بتهودة على يدي البربر، ويقال إنه لما أراد معد بن إسماعيل الشيعي تحريف قبلة مسجد القيروان سنة خمس وأربعين وثلثمائة، بلغه أن أهل القيروان يقولون: إن الله عز وجل يمنعه بدعاء عقبة، فلما وصل ذلك إلى معد غضب، وأمر بنبش قبر عقبة بن نافع وإحراق رمته بالنار، وكان قبره بظاهر تهودة حيث استشهد، وبعث معد لذلك خمسمائة فارس وراجل، فلما دنوا من قبره وحاولوا ما أمرهم به هبت عليهم ريح عاصفة ولاحت بروق خاطفة وقعقعت رعود قاصفة كادت تهلكهم، فانصرفوا ولم يعرضوا له، فخافوا عقوبة معد فتاهوا في صحارى إفريقية حتى سمعوا أنه هلك، فحينئذ رجعوا إلى أوطانهم مستبصرين. وبازاء محراب جامع القيروان الساريتان المشهورتان الحمراوان المشوبتان بالصفرة اللتان لم ير الراءون أحسن منهما ولا مثلهما، كانتا في كنيسة من كنائس الروم فنقلهما إلى جامع القيروان حسان بن النعمان، وهما يقابلان المحراب، عليهما القبة المتصلة بالمحراب. وروي أن صاحب القسطنطينية بذل له فيهما قبل نقلهما إلى الجامع زنتهما ذهباً فآثروا الجامع بهما. وخارج (2) مدينة القيروان خمسة عشر ماجلاً للماء هي سقايات لأهل القيروان، منها ما بني في أيام هشام بن عبد الملك بن مروان وفي أيام غيره من الخلفاء، وأعظمها شأناً وأفخمها منصباً الماجل الذي بناه أحمد بن الأغلب بباب تونس من القيروان، وهو مستدير متناهي الكبر، وفي وسطه صومعة مثمنة، وفي أعلاها قبة مفتحة على أربعة أبواب، فإذا وقف الرامي على ضفته ورمى بأشد ما يكون من القسي لا يدرك الصومعة التي في وسطه، وكان على ذلك الماجل قصر عظيم فيه من البناء العجيب والغرف المشرفة على ذلك الماجل كل شيء غريب، وبجوفي هذا الماجل ماجل لطيف متصل به يقع فيه ماء الوادي إذا جرى، فتنكسر فيه حدة جريانه، ثم يدخل الماء الماجل الكبير، وهذا الوادي الذي يدخل الماجل إنما هو واد شتوي يجري في أيام الشتاء، فإذا امتلأ هذا الماجل وغيره من المواجل شرب منه أهل القيروان ومواشيهم، ويرفع ماء هذا الماجل الكبير إلى أيام الصيف فيكون ماؤه بارداً عذباً صافياً كثير الماء، وكان عبيد الله الشيعي يقول: رأيت بإفريقية شيئين ما رأيت مثلهما في المشرق، الحفير الذي بباب تونس من القيروان، يعني هذا الماجل الكبير، والقصر الذي برقادة المعروف بقصر البحر. وكان يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب لما طلع إلى إفريقية دخل القيروان ووصل لجامعها وطاف على مشاهدها ومزاراتها، ووقف على هذا الماجل معجباً به، وجمع القبائل والأجناد لإخراج ترابه، فرغب أهل القيروان إليه في تركه خيفة من ورود العرب عليه عند جفوف (3) الهواء فتركه، وفي هذا الماجل يقول الشاعر (4) : وبالجملة فمدينة القيروان دار ملك المغرب، ورأت من الممالك والملوك والدول والفقهاء والعلماء والصالحين ما لم يكن مثله في قطر من الأرض ثم محنت بالعرب والفتن، وخلت من الناس وذهبت نضرتها ومحاسنها، وبسط أخبارها يطول فلنقتصر على هذا القدر.

_ (1) سقط من ع. (2) عاد إلى متابعة النقل عن الاستبصار: 115. (3) في مادة (عمرة) : عند يبس الهواء. (4) بياض بمقدار 3 أسطر.

قيجاطة:

قيجاطة (1) : مدينة بالأندلس من عمل جيان، كان عبد الله المعروف بالبياسي من بني عبد المؤمن لما نازعه العادل ونزل عليه في بياسة فلم يقدر عليه ورجع عنه خائباً، استدعى البياسي النصارى فسلم لهم بياسة وأخرج منها المسلمين، وسار مع الفنش ليأخذ معاقل الإسلام باسمه، فدخل قيجاطة هذه بالسيف وقتل العدو فيها خلقاً وأسر آخرين، وكان حديثها شنيعاً تنفر منه الأسماع والقلوب، ثم سار إلى لوشة من عمل غرناطة، فقاتل أهلها وقاتلوه وأسمعوه ما غاظه، فسلط عليهم النصارى ففتكوا فيهم أشد الفتك، ثم سار إلى بيغو من عمل غرناطة فدخلها بعد شدة، وذلك مذكور في حرف الباء، وكان ذلك في سنة اثنتين وعشرين وستمائة. القيارة (2) : موضع على مقربة من دجلة وبالجانب الشرقي منها وعن يمين الطريق إلى الموصل، فيه وهدة من الأرض سوداء كأنها السبخة، قد أنبط الله تعالى فيها عيوناً صغاراً وكباراً تنبع بالقار، وربما يقذف بعضها بحباب منه كأنه الغليان، وتصنع له أحواض يجتمع فيها، فتراه شبه الصلصال منبسطاً على الأرض أسود أملس صقيلاً رطباً عطر الرائحة شديد التعلك، يلتصق بالإصبع لأول مباشرة من اللمس، وحول تلك العيون بركة كبيرة سوداء يعلوها شبه الطحلب الرقيق تقذفه إلى جوانبها فيرسب قاراً، وبمقربة من هذه العيون على شط دجلة عين أخرى كبيرة تبصر على البعد منها دخاناً قيل إن النار تشعل فيه فتنشف النار رطوبته المائية وتعقده، فيقطعونه قطراناً ويحملونه وهم يعم جميع هذه البلاد إلى الشام، إلى عكا، إلى جميع البلاد البحرية. قيشاطة (3) : حصن بالأندلس كالمدينة، بينه وبين شوذر اثنا عشر ميلاً وفي قيشاطة أسواق وربض عامر وفنادق، وعليه جبل يقطع به من الخشب الذي تخرط منه القصاع والأطباق وغير ذلك مما يعم بلاد الأندلس وأكثر بلاد المغرب، وهذا الجبل يتصل ببسطة، وبين جيان وهذا الحصن مرحلتان. القيس (4) : مدينة بصعيد مصر تعمل بها الثياب القيسية وأكسية الصوف الجياد، وهي على ضفة النيل وبغربيه، وهي مدينة قديمة حسنة البناء جميلة الجهات فيها قصب السكر وأنواع التمور والخيرات الكثيرة، وبينها وبين منية ابن الخصيب مقدار نصف يوم. قمنورية (5) : أرض قمنورية متصلة بالبحر المظلم، ويتصل بشرقيها صحراء عليها طريق تجار أهل أغمات وسجلماسة ودرعة والنول الأقصى إلى بلاد غانة وما اتصل بها، وكانت بأرض قمنورية مدن للسودان مشهورة وقواعد مذكورة، فطلبها لمتونة الصحراء الساكنون من جهتي هذه الأرض حتى أفنوا أكثر أهلها وقطعوا دابرهم وبددوا شملهم على البلاد، وأهل بلاد قمنورية يذكر التجار أنهم يهود، وفي معتقدهم تشويش وليسوا بشيء ولا على شيء، ولا ملك لهم ولا ملك عليهم، بل هم ممحونون من جميع الطوائف المجاورة لهم، ولم يبق من أهل قمنورية إلا قوم قلائل معروفون (6) في تلك الصحارى وبمقربة من الساحل، عيشهم الألبان والحوت، وهم في نكد من نكد العيش وضيق الحال، فهم ينتقلون في تلك الأرض مع مهادنة من جاورهم، وبين قمنورية وسلى وتكرور مسيرة خمسة أيام. قيطون بياضة (7) على ثلاثة مراحل من قفصة، وبينها وبين نفطة مرحلة، وإلى توزر مرحلة، وإلى نفزاوة مرحلة.

_ (1) بروفنسال: 165، والترجمة: 198 (Quesada) تقع على ثلاثين كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من أبدة. (2) عن رحلة ابن جبير: 223، وقارن بابن بطاوطة: 234. (3) هي قيجاطة السابقة؛ والنص عن الإدريسي (د) : 203، وقارن بياقوت. (4) اليعقوبي: 331، والإدريسي (د) : 45 (OG: 124) وراجع مادة ((القس)) . (5) ص ع: قيمورة؛ والنص عن الإدريسي (د/ ب) : 29/ 16 (OG: 105) ، وانظر ابن الوردي: 36. (6) الإدريسي: متفرقون. (7) عن البكري: 47، وقارن بالبكري: 74، والاستبصار: 175، قال: وقيطون بياضة قرية كبيرة كثيرة النخل فيها تجتمع الرفاق ومنها تخرج إلى جميع البلاد، وهي آخر بلاد الزاب.

كابل:

حرف الكاف كابل (1) : من ثغور خراسان، وقيل في بلاد الترك، وقيل من مدن الهند المجاورة لبلاد طخارستان، غزاها مجاشع بن مسعود فصالحه الأصبهبذ، فدخل مجاشع بيت أصنامهم فأخذ جوهرة كبيرة من أفضلها، فأصابه في منصرفه الثلج فماتوا إلا رجلين، فزعم الأصبهبذ أن الصنم فعل ذلك بهم، وقال جرير: غلبت أمه أباه عليه ... فهو كالكابلي أشبه خاله يعني يزيد بن المهلب، وكانت أمه من سبي كابل فلذلك نسبه لكابل. وزعم قوم أن أهل كابل مخصوصون من بين سائر ولد آدم بأذناب تكون لهم، ولذلك قال الشاعر: أذنابنا ترفع قمصاننا ... من خلفنا كالخشب الشائل وكابل (2) مدينة جليلة المقدار حسنة البنية، وبجبالها عود جليل، وبها النارجيل والإهليلج الكابلي المنسوب إليها، وينبت في جبالها ويزرع في أباطحها بصل الزعفران ويتجهز به منها إلى ما جاورها من البلاد، وهي من غر البلاد وأحسنها هواء، وبها حصن موصوف لا يوجد الصعود إليه إلا من طريق واحد وفيها مسلمون كثيرون، ولها ربض فيه اليهود، ولا يتم لأحد من ملوكهم ملك إلا بمدينة كابل، وان كان الوالي على بعد فلا بد من المسير إلى كابل حتى تعقد له الشاهية بالملك. وتقع بها الثلوج. وكابل في نحر الهند، ولها أسوار ومنعة، ولها ربض عامر خارج المدينة. والقصد إليها (3) من الآفاق القريبة والبعيدة ويزرع بسواد أرضها النيلج الذي لا يوجد نظيره في سائر البلاد كثرة وطيباً، ويحمل منها إلى كل الآفاق، ويتجهز أيضاً من كابل بثياب تصنع من القطن حسان تحمل إلى الصين وتخرج إلى بلاد خراسان، وقد يسافر بها إلى الهند وأعمالها ويتصرف بها كثيراً وفي جبال كابل معادن حديد، ولها قلاع وقرى وعمارات متصلة. كاشغرا (4) : مدينة من بلاد الصين عامرة كثيرة الخيرات فيها متاجر وبضائع، وهي على نهر صغير يأتي إليها من جهة شمالها من جبل قيطغورا (5) ، وفيه معادن فضة طيبة فائقة في الجودة سهلة التخليص من خبثها.

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1108. (2) الإدريسي (ق) : 71، وقارن باليعقوبي: 291، والكرخي: 157، وابن حوقل: 375، والمقدسي: 304، والزهري: 30، وياقوت (كابل) ، وتقويم البلدان: 468، وابن بطوطة: 392، وحدود العالم: 11، 346. (3) عاد إلى النقل عن الإدريسي. (4) نزهة المشتاق: 68 - 69 (OG: 203) ، وقارن بياقوت (كاشغر) وأثبتها أيضاً في (كاجغر) ، وتقويم البلدان: 504 (وتكتب أيضاً: قاشغر) ، وحدود العالم: 96، 280، وابن الوردي: 34. (5) ص ع: قاطيعورا.

كربلاء:

كازرون (1) : من ديار فارس، وهي على البحر، بينها وبين فسا ستة وخمسون ميلاً وهي حسنة لها سور وحصن وأبواب خشب وحديد، ولها قلعة داخلها حصينة وربض عامر فيه أسواق ومتاجر وصناعات، وبها فواكه وخير كثير. الكثيبة (2) : حصن من حصون خيبر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا خيبر حاز الأموال كلها: الشق ونطاة والكثيبة وجميع حصونهم إلا الوطيح والسلالم، فحاصرهما، حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ففعل، فلما سمع أهل فدك بذلك بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ويخلوا له الأموال ففعل، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب، ثم سأله أهل خيبر أن يتركهم بها عمالاً يعملونها على النصف، وقالوا: نحن أعلم بها منكم ففعل، على أنا إن شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين، وفدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كحلان (3) : قلعة من مخاليف اليمن كان أسعد بن أبي يعفر صاحبها فيما تقدم، وكان محتجباً عن أعين الناس إلا عن خواصه، وهو بقية من ملوك حمير، وحوله من الجنود نحو خمسين ألفاً، وكانت له مع القرامطة بعد سنة مائتين وتسعين (4) حروب معروفة (5) . الكديد (6) : بفتح أوله وكسر ثانيه، موضع بين مكة والمدينة بين منزلتي أمج وعسفان، وهو ماء عين جارية عليها نخل كثير، وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام حتى إذا بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس، وكانوا يأخذون بالأحداث فالأحداث من أمره صلى الله عليه وسلم. وبالكديد قتل نبيشة بن حبيب السلمي ربيعة بن مكدم. كداء (7) : بفتح أوله ممدود لا يصرف لأنه مؤنث، جبل بمكة، وهو عرفة بعينها وهي كلها موقف إلا عرنة فليست من الحرم، بينها وبين الحرم رمية حجر وقال حسان: عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء وفي البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يدخل يوم الفتح من أعلى مكة من كداء، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من كدي، بضم أوله وتنوين ثانيه مقصور كأنه جمع كدية، وكدى بأسفل مكة بقرب شعب الشافعيين وشعب ابن الزبير عند قعيقعان. حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من ذي طوى إلى كداء، وحلق من كدى إلى المحصب، فكأنه ضرب دائرة في دخوله وخروجه، بات بذي طوى ثم نهض إلى أعلى مكة فدخل منها من كداء، وفي خروجه خرج من أسفل مكة ثم رجع إلى المحصب. وأما كدي مصغر فإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن، وليس من هذين الطريقين في شيء وكان دخول النبي صلى الله عليه وسلم من كداء وخروجه من كدى في حجة الوداع. وقال الشاعر (8) : أقفرت بعد عبد شمس كداء ... فكدي فالركن فالبطحاء كربلاء (9) : بفتح أوله وإسكان ثانيه ممدود، موضع بالعراق من ناحية الكوفة فيه قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، قال كثير (10) : فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء وهناك الطف أيضاً، وقد تقدم ذكره. الكرخ (11) : بتسكين الراء وبالخاء المعجمة من فوق، ببغداد،

_ (1) نزهة المشتاق: 126، وعند ياقوت تفصيلات كثيرة منقولة عن أبي لف، وقارن الكرخي: 78، وابن حوقل: 247، والمقدسي: 433، وقد ميزها بصناعة ثياب الكتان، وبكثرة السماسرة الذين يمثلون الطبقة الغنية فيها، وهم أصحاب قصور، ولهم دار خاصة بهم بناها لهم عضد الدولة. (2) السيرة 2: 337، وقارن بفتوح البلاذري: 27. (3) عدو الهمذاتني: 101، حصناً في مخلاف ذي رعين، وانظر في أخبار أسعد بن أبي يعفر. (4) تاريخ اليمن لعمارة: 38 - 39. (5) ص ع: بعد مائتين وتسعين سنة. (6) معجم ما استعجم 4: 1119. (7) كله عن معجم ما استعجم 4: 1117 - 1118، وقارن بياقوت (كداء) . (8) هو عبيد الله بن قيس الرقيات؛ ديوانه: 87. (9) عن معجم ما استعجم 4: 1123. (10) ديوان كثير: 521، وليست نسبته له بثابتة. (11) أوله عن معجم ما استعجم 4: 1124، ثم عن اليعقوبي: 246، ونزهة المشتاق: 198.

كرمان:

وهو اسم نبطي، وهو مدينة صغيرة عامرة بشرقي دجلة، وهي في الجانب الغربي من بغداد، ومعروف الكرخي الزاهد من هذا الموضع قالوا: الكرخ هو السوق العظمى مادة من قصر وضاح إلى سوق الثلاثاء طولاً مقدار فرسخين، ومن قطيعة الربيع إلى دجلة عرضها مقدار فرسخين (1) . والكرخ (2) أيضاً بسر من رأى، ويمكن أن يكون سمي بكرخ بغداد، ولأحمد بن محمد بن الوكيل الكرخي: كد كد العبد إن أحبب ... ت أن تحسب حرا واقطع الآمال عن وص ... ل بني آدم طرا لا تقل ذا مكسب يز ... ري ففضل الناس أزرى أنت ما استغنيت عن مث ... لك أعلى الناس قدرا الكرج (3) : بفتح الكاف والراء المفتوحة وبالجيم المعجمة، أول حصن من معاقل الجبل فمن همذان إلى نهاوند مرحلتان ومن نهاوند إلى الكرج مرحلتان ولم تكن في أيام الأعاجم مدينة مشهورة، وإنما كانت في عداد القرى العظام، وهذا الحصن هو حصن أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي (4) أحد أكابر قواد المأمون وهو الذي قال فيه مادحه (5) : إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على اثره كل من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره مستعير منك مكرمة ... يكتسيها يوم مفتخره فقال له المأمون: قد جعلنا نستعير المكارم منك، فقال: يا أمير المؤمنين قول زور وكلام غرور، أصدق منه ابن أخت لي حيث يقول: دعيني أجوب الأرض في طلب الغنى ... فما الكرج الدنيا ولا الناس قاسم كرمان (6) : أرض كرمان متصلة بأرض فارس وبأرض مكران. قالوا: وهي ثمانون فرسخاً في مثلها، وحدها في الشرق أرض مكران وفي الغرب أرض فارس، وفي الشمال مفازة خراسان وسجستان وفي الجنوب بحر فارس. ومدينة كرمان (7) الشيرجان، وهي التي ينزلها الوالي، وبني سورها أيام الرشيد، ولها ثمانية أبواب، أحدها باب بهياباد وهو باب الميدان ويخرج منه إلى درب وسكك حتى ينتهي إلى مصلى حاجب إلى دار المرضى ثم إلى الدروب المعروفة بباب بيمند وهو باب المغرب، وخارج هذا الدرب قصر خراب يعرف بقصر حاجب بن صالح، وكان سبب بنيانه أنه أول ما قدم كرمان حاجب بن صالح على ولايتها قصد دار عبد الله بن غسان فنزلها، وعبد الله بن غسان غائب، فصار إليه الأدهم بن ثعلبة المازني مع اثني عشر ابناً له كهولاً ومشايخ، فلما سلم عليه فاتحه بأن قال: أيها الأمير أما تستحيي أن تنزل بنسوة أشراف وصاحبهن غائب؟ فأجابه حاجب وقال مغضباً بأي شيء يأمرنا الشيخ أن ننزل؟ قال: بالعراء، قال حاجب لجلسائه: ليس العجب من هذا الشيخ الخرف، ولكن العجب من هؤلاء المشايخ الذين يمشون معه، قالوا أيها الأمير إنهم ولده، فرده وقال: أيها الشيخ حق لك أن تزهى نعم وكرامة أنزل بالعراء، فأمر بضرب قبابه في مصلى حاجب، وما زال نازلاً بالجبانة إلى أن بني له هذا القصر وفرغ منه ثم تحول إليه. وبالشيرجان (8) التي هي مدينة كرمان الدواوين، وبها أسواق

_ (1) اليعقوبي: فرسخ. (2) ذكر ياقوت سامرا يقال له كرخ فيروز وأنه أقدم من سامرا، فلما بنيت اتصل بها. ونسب معروفاً الكرخي إليه إلى كرخ بغداد. (3) قارن بابن حوقل: 313 وفيه تفصيلات هامة، وياقوت (الكرج) ، والمقدسي: 394، وابن الوردي: 49، والمعلومات الأخبارية عن معجم ما استعجم 4: 1124؛ وانظر في ضبط اللفظة ابن خلكان 4: 79. (4) انظر ترجمته في ابن خلكان 4: 73. (5) هو علي بن جبلة المشهور بالعكوك، انظر الأغاني 19: 315 وما بعدها. (6) انظر اليعقوبي: 286، وابن حوقل: 266، والكرخي: 97، والمقدسي: 459، وابن الفقيه: 205، وياقوت (كرمان) . (7) تكرار لما ورد في مادة ((شيرجان)) . (8) نزهة المشتاق: 132.

كثيرة عامرة بالناس، وأهلها مياسير ذوو أموال كثيرة، وشرب أهلها من الآبار، وهي أكبر مدينة بكرمان، وفي أهلها عفة وخير ظاهر وفي تجارهم حسن معاملة وانقياد للحق، ولهم نزاهة عن كثير من أخلاق السوقة. وذكر أن السامري صاحب موسى عليه السلام من كرمان، وفي نساء كرمان جمال لا يبلغه شيء. وكان فيها (1) أيام استعمال الحجاج سعيد بن سلم قاضياً عليها علجة يقال لها اردك (2) وكانت من أجمل النساء بغياً يبيت عندها الرجل بجملة من المال، فبلغ سعيداً خبرها فأرسل إليها فجيء بها، فلما رآها قال: يا عدوة الله، فتنت فتيان البلد وأفسدتهم، ثم قال: اكشفي عن رأسك، فكشفت عن شعر جثل يضرب إلى عجيزتها، ثم قال: ألقي درعك، فألقته وقامت عريانة في أزار، فرأى ما حيره وذهب بعقله، ثم لم يملك نفسه حتى جعل يطعن باصبعه في عكنها، ثم قال: يا عدوة الله أدبري، فأدبرت، فنظر إلى ظهر فيه كماء الجدول (3) ، على كفل كأريك خز حشوها قز ثم قال: أقبلي فأقبلت بصدر نقي وبطن ذي عكن وأحشاء لطيفة وكعثب كالقعب المكبوب يشرق بياضه وحسنه، فافتتن بها لما رأى من جمالها وكمالها، فوثب إليها فما بارحها حتى أولجه فيها، فقال عرفجة بن شريك في ذلك: ما بال أردك إذ تمشي مؤزرة ... في البيت يا ابن قتيل العين ذا العلق اجرية تبتغي منها (4) فتعجلها ... أو بعض ما يعتري الجاني من الشبق فلما بلغ الحجاج قول سعيد وقول الشاعر قال: بل بعض ما يعتري الجاني من الشبق وصرف سعيداً. قال أصحاب المغازي (5) : قصد سهيل بن عدي إلى كرمان ولحقه عبد الله بن عبد الله (6) بن عتبان، وعلى مقدمة سهيل النسير بن عمرو العجلي، وقد حشد له أهل كرمان واستعانوا بالقفص، فاقتتلوا في أداني أرضهم، ففضهم الله تعالى، فأخذوا عليه بالطريق وقتل النسير مرزبانها، ودخل سهيل من قبل طريق القرى إلى جيرفت وعبد الله بن عبد الله من مفازة أخرى فأصابوا ما شاءوا من بعير وشاة، فقوموا الإبل والغنم فتحاصوها بالأثمان لعظم البخت على العراب وكرهوا أن يزيدوا، وكتبوا إلى عمر رض الله عنه فأجابهم: إن البعير العربي إنما قوم ببعير (7) اللحم وذلك مثله، فإذا رأيتم أن للبخت فضلاً فزيدوا. وذكر المدائني أن الذي فتح كرمان عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم أتى الطبسين من كرمان، ثم قدم على عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، إني افتتحت الطبسين فأقطعنيهما فأراد أن يفعل فقيل لعمر رضي الله عنه إنهما رستاقان عظيمان فلم يقطعه إياهما، وهما بابا خراسان. وفي خبر البلاذري (8) أن عثمان بن أبي العاصي لقي مرزبانها في جزيرة ابركاوان وهو في خف فقتله، فوهن أمر كرمان ونخبت قلوبهم فلما صار ابن عامر بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى فارس وجه مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب يزدجرد، فأتى بيمند فهلك جيشه بها ثم لما توجه ابن عامر يريد خراسان ولى مجاشعاً كرمان ففتح بيمند عنوة فاستبقى أهلها وأعطاهم أماناً، وبها قصر يعرف بقصر مجاشع، وأتى مجاشع الشيرجان، وهي مدينة كرمان فأقام عليها أياماً يسيرة، وأهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيل، فقاتلهم ففتحها عنوة وخلف بها رجلاً ثم إن كثيراً من أهلها جلوا عنها وقد كان أبو موسى الأشعري وجه الربيع بن زياد ففتح ما حول الشيرجان وصالح أهل بم، فكفر أهلها وغدروا، ففتحها مجاشع بن مسعود وفتح جيرفت عنوة، وسار في كرمان فدوخها وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بمكران وبسجستان، فأقطع العرب منازلهم وأرضهم فعمروها وولي قطن بن قبيصة بن مخارق فارس وكرمان، وهو الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على إجازته فقال: من جازه فله ألف درهم، فجازوه فوفى لهم، فكان ذلك أول يوم سميت فيه الجائزة.

_ (1) أورد ابن الجوزي هذه القصة في ذم الهوى: 168. (2) ذم الهوى: أرذك. (3) ص ع: كما مجدول. (4) ع: فتعلمها. (5) الطبري 1: 2703. (6) ص ع: عبيد الله. (7) الطبري: بتعبير. (8) فتوح البلدان 482.

الكلاب:

وكان أبوه قبيصة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (1) . وسميت (2) كرمان بكرمان بن فلوج من ولد لمطي (3) بن يافث بن نوح عليه السلام. كرماله (4) : حصن من حصون أوغة من بلاد الافرنج الساحلية مشرقاً، فيه أعجوبة وهي صورة امرأة من حجر قد نبتت في فيها كرمة مطعمة، من أكل من عنبها شيئاً لم يولد له أبداً ويزعمون أن شنت مرتين مر على هذا الحصن فخرجت عليه امرأة فاجرة زوجة رجل سلاب كان بها فجردته من ثيابه، وطاع لها بها حتى بلغت منه نزع السراويل فدعا عليها دعوة مسخت من حينها حجراً وأدخلت زرجونة في فمها على سبيل العبث بها فعلقت. كركنت (5) : مدينة بجزيرة صقلية، وهي متحضرة عامرة بالوارد والصادر ولها قلعة سامية حصينة، ومدينتها حسنة زاهية قديمة العمران وهي من أعظم الحصون مقصودة من سائر الآفاق وبها أسواق جامعة لأصناف الصنائع وضروب المتاجر، وبها حدائق وجنات وغلات والبحر منها على ثلاثة أميال وبينها وبين مدينة الشاقة مرحلة في البحر وهي خمسة وعشرون ميلاً، وهي في نشز من الأرض يحيط بها سور وفيها آثار للأول، وبها أصنام وهي أكثر بلاد صقلية طعاماً. كرمينية (6) : مدينة من أعمال بخارى كبيرة عامرة كثيرة الخلق خصيبة الأرض كثيرة الفواكه واللطف ولها مسجد جامع ومنبر، ولها قرى كثيرة، وهي طيبة الهواء. الكرك (7) : حصن مشهور بناحية الشام ومعقل مشهور. وحكي (8) أن السلطان العادل سيف الدين أبا بكر محمد بن أيوب، أخا صلاح الدين، سمعه مسخرة له يقال له خضير يقول في وضوئه: اللهم حاسبني حساباً يسيراً ولا تحاسبني حساباً عسيراً، فقال: يا خوند على أي شيء يحاسبك حسابا يسيراً؟ لو قال لك أين أموال الخلق التي أخذتها؟ قل له: تراها بأمانتها في الكرك ما أخرجت منها شيئاً، وكان خزائن أمواله بهذا المعقل. كرسب: موضع بالهند منه يحمل البقم، وهو بيوت على ساحل البحر من طين وحشيش، وأهلها سمر الألوان، ولسانهم لسان الهند، ولهم أزر وأردية من إبريسم عليها نقوش، وهم عبدة أصنام، كل واحد منهم قد اتخذ صنماً لنفسه من طين في بيته، ويمنعون المسلمين من اتخاذ مساجد في مواضعهم وأن يدفنوا موتاهم في مواضعهم، يقولون أن المطر يحبس عنهم بذلك السبب، ومنها يجلب البقم الجيد. كلواذا (9) : مدينة بها مسجد جامع، تتصل عمارة بغداد بها شرقاً، وبين المدينتين جسران مربوطان بالسفن يجتاز عليهما الناس، وبينها وبين بغداد ثلاثة فراسخ. وبها (10) مسجد جامع ومنبر وأسواق. الكلاب (11) : واد لبني عامر بين العراق واليمن، وكان يوم الكلاب الأول والثاني من مشاهير أيام العرب، فكان يوم الكلاب الأول لسلمة بن الحارث بن عمرو ومعه بنو تغلب والنمر بن قاسط بن سعد بن زيد مناة على أخيه شرحبيل بن الحارث بن عمرو ومعه بكر بن وائل وحنظلة بن مالك وبنو أسد وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب، وهذا اليوم هو الذي عنى امرؤ القيس في قوله: كما لاقى أبي حجر وجدي ... ولا أنسى قتيلاً بالكلاب وكان يوم الكلاب الثاني لبني تميم وبني سعد والرباب ورئيسهم قيس بن عاصم على قبائل مذحج في اثني عشر ألفاً ورئيسهم يزيد

_ (1) قبيصة بن مخارق بن عبد الله بن شداد الهلالي ابو بشر، نزل البصرة (الاستيعاب: 1273) . (2) معجم ما استعجم 4: 1125. (3) معجم البكري: لنطي. (4) آثار البلاد: 607 نقلاً عن العدوي، ومما يلحق باليقين أن المؤلف هنا ينقل عن البكري. (5) الإدريسي (م) : 31 (جرجنت)) (Girgenti) . (6) قارن بنزهة المشتاق: 214، والكرخي: 175، وابن حوقل: 403، وياقوت (كرمينية) . (7) قد مر الحديث عنها في مادة ((حصن الكرك)) . (8) وردت هذهالحكاية في نفح الطيب 2: 298. (9) نزهة المشتاق: 201، وقارن بياقوت (كلواذي) . (10) اليعقوبي: 186. (11) قارن بمعجم البكري: 4: 1132، وياقوت (الكلاب) ، وفي تحديد الموضع اختلاف.

الكلار:

ابن المامور، وهم مذحج وهمدان وكندة، وفي هذا اليوم أسر عبد يغوث بن وقاص الحارثي وهتم فم سنان بن سنان بعد أن أسر رئيس كندة، هتمه قيس بن عاصم بقوسه وانتزع عبد يغوث من يد الأهتم. الكلار (1) : مدينة من مدن طبرستان، وهي الثغر مما يلي الترمذ، وبها أكراد الديلم وهم أهل فروسية ونجدة. وكان بالكلار جعفر ومحمد ابنا رستم وهما صاحبا ثغور طبرستان اللذان أقاما دولة الحسن بن زيد ودبرا أمره والديلم قبيلتان، وخلفهم قبيل يقال لهم الجيل، وقبيل يقال لهم الديلم والجيل، وهم أهل الجبال خاصة، وهم يزعمون أنهم من بني ضبة، ووجوههم تدل على أنهم عرب، وزيهم زي العرب، يلبسون السيوف بالحمائل ويعتمون على القلانس. كلاباذ (2) : محلة من محال بخارى، ينسب إليها أبو نصر (3) أحمد بن محمد بن الحسين بن علي الحافظ الكلاباذي، له كتاب " الهداية والارشاد، في معرفة أهل الفقه والسداد " الذين أخرجهم محمد بن إسماعيل البخاري في جامعه. كله (4) : جزيرة من جزر الهند كبيرة، بها معدن الرصاص القلعي، وهو بها كثير صافي الجوهر، والتجار يغشونه بعد خروجه منها، ومنها يتجهز به إلى جميع الأرض، وبهذه الجزيرة منابت الخيزران، وبها الكافور الجيد، وهو شجر كبير يشبه الصفصاف تظل الشجرة منه مائة رجل وأكثر، والكافور يستخرج من هذه الشجرة بأن يثقب في أعلاها ثقب فتسيل منه عدة جرار، وإذا انقطع الجري ثقب أسفل من ذلك في وسط الشجرة فتنساب منه قطع الكافور، وهو صمغ ذلك الشجر، غير أنه ينعقد في داخلها ثم تبطل تلك الشجرة فتنحى ويقصد غيرها. وخشب شجر الكافور أبيض خفيف. ويقال لجزيرة كله المنصف، وهي بين أرض الصين وأرض العرب، وتكسيرها ثمانون فرسخاً، وبها يجتمع التجار من الصينيين والمسلمين، وإليها يتجهز من عمان فتجلب منها أصناف الطيب كله والرصاص القلعي والأبنوس والبقم وغير ذلك. ومن طريف أخبارهم ما وقع في الفلاحة النبطية أن في ناحية المشرق جبلاً من جبال الصين على إحدى جنبتي الجبل نهر جار، ومن الجانب الآخر كالبحيرة الصغيرة، فيها ماء واقف، وإنه يسمع في تلك البحيرة في الربيع صياح أناس وضجيجهم كصياح الناس سواء، ويتقدم ذلك الضجيج صراخ كصراخ الناس سواء، ثم يسمعون بعقبه جلبة وضجة كضجة الناس حتى لا يشك السامع لذلك أنه ضحيج ناس وصياحهم، وإن ذلك حجارة مختلطة بطين أحمر خلوقي ناعم جداً، وإنه يتدحرج من ذلك الجبل ذلك التراب الحلو في مدرة بعد مدرة، فمتى فلق الإنسان تلك المدرة أو انفلقت بنفسها ظهر بين شقتي تلك المدرة صورة إنسان بجميع أعضاء الناس، لا تخالف ولا تنقص، وإنه إذا توسط الربيع يخرج من ذلك الجبل ناس لهم عظام ولحم وشعر وأيد وأرجل وأعين تامو الصورة إلا أنهم لا يتحركون ولا يتكلمون ولا يمشون كأنهم موتى، يقعون على جنبتي الجبل، ووقوعهم إلى ناحية البحيرة التي ماؤها واقف أكثر، فإنه يظهر في تلك البحيرة في آخر الربيع رؤوس ناس وأذرعهم وسوقهم كأنها مقطعة ملقاة هناك يراها الناس، وربما أخذ بعضها الآخذ فيجدها إذا جسها كأنها أعضاء الناس سواء عظام ولحم وعصب وعروق وكل ما يشاهد في أبدان الناس إلا أن هذه الأعضاء كأعضاء الموتى، وإن قوماً من أهل تلك البلاد يأخذون من تراب ذلك الجبل فينقعونه في موضع ندي مغموم فيتكون منه إنسان تام الصورة كسائر الناس، وهو مع ذلك حي يتحرك

_ (1) انظر نزهة المشتاق: 207، وابن الفقيه: 303، وياقوت (كلار) ، وتقويم البلدان: 430. (2) انظر ياقوت (كلاباذ) ؛ وترجمة الكلاباذي في تذكرة الحفاظ: 1027، توفي سنة 378. (3) ص ع: أبو جعفر. (4) ورد ذكرها عند أكثر الجغرافيين؛ والفقرة الأولى عن نزهة المشتاق: 29، وانظر ابن رسته: 88، والتنبيه والإشراف: 61، وابن خرداذبه: 66، 71، وياقوت (كلة) ، وبسط الأرض: 41، وآثار البلاد: 59، ونخبة الدهر: 155، وابن الوردي: 67، وحدود العالم: 57 وقال فيها: بينها وبين جالوس مسيرة يومين وفيها ينمو الخيزران وفيها معدن القصدير؛ وقد زارها أبو دلف (انظر ياقوت مادة: الصين) وقال فيها: فلما وصلت إلى كله رأيتها وهي عظيمة عالية السور كثيرة البساتين غزيرة المادة ووجدت بها معدن الرصاص القلعي (الكلهي عند ابن سعيد) لا يكون إلا في قلعتها في سائر الدنيا، وفي هذه القلعة تضرب السيوف القلعية، وهي الهندية العتيقة ... وحولها مدن ورساتيق وقرى، ولهم أحكام حبوس جنايات، وأكلهم البر والتمر، وبقولهم كلها تباع وزناً، وأرغفة خبزهم كلها تباع عدداً، وليس عندهم حمامات، بل عندهم عين جارية يغتسلون بها، ودرهمهم يزن ثلثي درهم ويعرف بالقاهري، ولهم فلوس يتعاملون بها. ويلبسون كأهل الصين الافرند الصيني المثمن. وقد اختلف الباحثون في تحديد ((كله)) فذهب دي خويه إلى أنها هي Keda (أو Kra) في شبه جزيرة الملايو. ورأى غيره أنها هي شبه جزيرة ملكه المقابلة لسومطرة ولكن ثالثاً يرى أن يحدها في Pointe - de - Galle عند شواطئ سيلان الجنوبية.

كند:

إلا أنه لا يبقى بعد تحركه حياً إلا يوماً أو أكثر قليلاً أو أقل قليلاً ثم يطفأ سريعاً في لحظة. قال: وفي هذا دلالة على أن الناس قد يكونون بالتناسل المعهود المعروف، وقد يكونون على غير التناسل بالطبيعة في مواضع من الأرض توجب ذلك، وإن تلك المواضع كأرحام النساء لتكوين الولد، ولا فرق بين الحيوانات الكبار والصغار التي تتكون بتعفين بعض الأشياء على غير طريق التناسل كالذباب والدود والحناش والعقارب والفأر والزنابير والحيات، وكذلك يتكون ناس وخيل وحمير وجمال وفيلة وسباع، القياس واحد. وكله مدينة عظيمة ويجمعها ملك ولها حصن وأسواق ومواضع نبيلة، وفيها مبيعات كثيرة، ومنها يجلب الكافور والرصاص، كما قلناه، والجوزة والقاقلة، وأهلها عبدة أوثان، ومياههم من مياه المطر، ومأكولهم الحنطة والماش. كند: مدينة من عمل فرغانة، وهو أيضاً ملك عظيم من ملوك الهند كان بينه وبين الاسكندر حكايات. وكند (1) من خجندة على ثلاثة أميال، وهي حسنة جليلة فيها كروم وبساتين، وليس في عملها مدينة غير كند، وجامعها في المدينة، ودار الإمارة في الميدان بالربض، وينحدر إليها نهر الشاش، ومخرجه من أنهار تجتمع إليه من بلاد الترك، ويمتد كثيراً إلى أن يقع في بحيرة خوارزم. الكناسة: بالبصرة معروفة، وكان بنو أسد وبنو تميم يطرحون فيها كناستهم. وكناسة الكوفة فيها صلب يوسف بن عمر عامل هشام بن عبد الملك على العراق زيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم ثم حرق بالنار بعد سنتين وذري في الريح، وذلك سنة إحدى وعشرين ومائة أو سنة اثنتين وعشرين. وكان زيد (2) بن علي شاور أخاه أبا جعفر محمد بن علي فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة إذ كانوا أهل غدر ومكر، وقال له: بها قتل جدك علي وطعن عمك الحسن وقتل أبوك الحسين، وفيها وفي أعمالها شتمنا أهل البيت، وأخبره بما كان عنده من العلم في مدة ملك بني مروان وما يتعقبهم من الدولة العباسية، فأبى إلا ما عزم عليه من المطالبة بالحق، فقال له: إني أخاف عليك يا أخي أن تكون غداً المصلوب بكناسة الكوفة، وودعه أبو جعفر لعلمه أنهما لا يلتقيان، وقد كان زيد دخل على هشام بالرصافة، فلما مثل بين يديه لم ير موضعاً يجلس فيه، فجلس حيث انتهى به مجلسه وقال: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله عز وجل، فقال له هشام: اسكت لا أم لك، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة، قال: يا أمير المؤمنين، إن لك جواباً إن أحببت أجبتك به، وإن أحببت أمسكته عنك، قال: أجب، قال: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق عليهم السلام، فلم يمنعه ذاك أن ابتعثه الله تعالى نبياً وجعله للعرب أباً وأخرج من صلبه خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، أفتقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي رضي الله عنهما، وقام وهو يقول: شرده الخوف فأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو حداد قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد أن يحدث الله له دولة ... يترك آثار العدا كالرماد فمضى عليها إلى الكوفة، وخرج عنها ومعه القراء والأشراف، فحاربه يوسف بن عمر الثقفي، فلما قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي جماعة يسيرة، فقاتلهم أشد قتال وهو يقول متمثلاً: ذل الحياة وعز الممات ... كلاً أراه طعاماً وبيلا فإن كان لا بد من واحد ... فسيري إلى الموت سيراً جميلا

_ (1) نزهة المشتاق: 218، وانظر الكرخي: 187، والمقدسي: 272، وياقوت (كند) ، وآثار البلاد: 554. (2) مروج الذهب 5: 467.

كنك:

وحال المساء بين الفريقين، فانصرف زيد مثخناً بالجراح، وقد أصابه سهم في جبهته فطلبوا من ينتزع النصل، فأتي بحجام من بعض القرى، فاستكتموه أمره فاستخرج النصل فمات من ساعته، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش، وأجري الماء على ذلك، وحضر الحجام مواراته، فعرف الموضع، فلما أصبح مضى إلى يوسف مستنصحاً فدله على موضع قبره، فاستخرجه يوسف وبعث برأسه إلى هشام، فكتب إليه هشام أن اصلبه عرياناً، فصلبه يوسف كذلك، ففي ذلك يقول بعض شعراء بني أمية يخاطب آل أبي طالب وشيعتهم من أبيات: صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة ... ولم أر مهدياً على الجذع يصلب وكان زيد سمع يقول: اللهم إن هشاماً وأهل بيته قد طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد فصب عليهم سوط عذاب، إنك لهم بالمرصاد، وطهر منهم البلاد، واجعلهم نكالاً للحاضر والباد وإلى زيد هذا ينتسب الزيدية من الشيعة. قال أبو بكر بن عياش (1) : كنت إذ كنت شاباً إذا أصابتني مصيبة تجلدت ودفعت البكاء بالصبر، فكان ذلك يؤذيني ويؤلمني، حتى رأيت أعرابياً بالكناسة واقفاً على نجيب وهو ينشد (2) : خليلي عوجا من صدور الرواحل ... بجمهور حزوى فابكيا في المنازل لعل انحدار الدمع يعقب راحة ... من الوجد أو يشفي نجي البلابل فسألت عنه فقيل ذو الرمة، فأصابتني بعد ذلك مصائب فكنت أبكي فأجد بعد ذلك راحة، فقلت: قاتل الله الأعرابي ما كان أبصره. كنباية (3) : مدينة بأرض الهند من مملكة بلهرى وهي على خليج من البحر أعرض من النيل، فيجزر الماء في هذا الخليج حتى يبدو الرمل وقعر الخليج ويبقى فيه اليسير من الماء، فيرى الكلب على هذا الرمل وقد نضب ماؤه وصار كالصحراء، فإذا أقبل المد وأحس به الكلب أقبل يحضر ما استطاع ليفوت دفع الماء فلا يفيده ذلك ويغرقه. ولهم في المد والجزر أقاويل يطول الكتاب بإيرادها، وأهل هذه البلدة عبدة أصنام. كنك (4) : من الأنهار المشهورة ببلاد الهند، يخرج من بلاد فوق قشمير ويجري إلى الجنوب حتى يصب في البحر الهندي. كنعان (5) : بلد بالشام فيه كان يعقوب بن إسحاق عليه السلام ومنه خرج إخوة يوسف بأخيهم يوسف إذ قالوا لأبيهم " أرسله معنا غداً يرتع ويلعب "، وكان من قصتهم معه ما قصه الله تعالى في كتابه، وبينها وبين مصر حيث كان يوسف عليه السلام مسافة ثمانية أيام وقيل عشرة وقيل ثمانون فرسخاً، وإليها فصلت العير من مصر بقميص يوسف عليه السلام فقال أبوه " إني لأجد ريح يوسف " وكان القميص من الجنة، جاء به جبريل إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار، فكساه إبراهيم ولده إسحاق، وكساه إسحاق ولده يعقوب وكساه يعقوب يوسف فجعله في قصبة من فضة وعلقها في عنقه فألقي في الجب والقميص في عنقه، فذلك قوله تعالى " اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي يأت بصيرا "، كنجة (6) : هي أكبر مدن الران، وإليها تنسب الثياب الكنجية.

_ (1) ترجمته والقصة في ابن خلكان 2: 353، وتوفي سنة 193. (2) ديوان دي الرمة: 577. (3) زارها المسعودي سنة 303 وملكها يومئذ بانيا من قبل البلهري، والمؤلف ينقل عنه، مروج: 253 - 245؛ وقد ذكرها عدد من الجغرافيين والرحالة، انظر البكري (مخ) : 45 والإدريسي (ق) : 50، والاصطخري: 56 (كنبايا) ، وابن حوقل: 276 وما بعدها، وابن بطوطة: 550، وحدود العالم: 88 وفي تعليقات مينورسكي: 244 - 245 أنها Cambay في منطقة كجرات، ونخبة الدهر: 152 وصفحات متفرقة من رحلة ابن بطوطة، وتقويم البلدان: 356. (4) هو نهر Ganges وورد عند المسعودي 1: 214،والإدريسي (ق) : 68، 69 جنجس، وكتب ((كنك)) في نخبة الدهر: 100، وجاء في وصفه بتفصيلات هامة، وكذلك انظر البكري (مخ) : 41، وتقويم البلدان: 62 - 63، وما قاله المؤلف هنا مطايق لابن رسته: 89. (5) واضح أن هذا التحديد ينظر إلى الناحية التاريخية، وقارن بياقوت (كنعان) . (6) قال ياقوت: أهل الأدب يسمونها ((جنزة)) ، وانظر تقويم البلدان: 404، وعند الإدريسي (ق) : 66 كنجه، وهي مدينة من مدن الهند.

الكعبة:

ونزل الططر عليها سنة ثمان عشرة وستمائة، فاستعد لهم أهلها، وهم خلق مشهورون بالشجاعة واقتناء العدد، فهابهم الططر وراسلوا سلطان الران، فحمل لهم أموالاً وهدايا فعدلوا عنه. الكعبة: قال الله تعالى " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس " وهو البيت الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً ". قال وهب بن منبه (1) : لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام إلى الأرض حزن واشتد بكاؤه على الجنة، فعزاه الله تعالى بخيمة من خيام الجنة، فوضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وكانت الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة، فيها قناديل من ذهب، ونزل معها الركن، وهو ياقوته بيضاء، وكان كرسياً لآدم عليه السلام يجلس عليه، فلما كان الغرق زمن نوح عليه السلام رفع ومكثت الكعبة خراباً ألفي سنة، حتى أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يبني بيته فجاءته السكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم له وجه كوجه الإنسان، فقالت: يا إبراهيم، خذ ظلي فابن عليه، فبنى هو وإسماعيل عليهما السلام البيت ولم يجعل له سقفاً، وحرس الله تعالى البيت بالملائكة، فالحرم مقام الملائكة يومئذ، ولم تزل خيمة آدم عليه السلام إلى أن قبض ثم رفعها الله إليه، وبنى بنو آدم بعده في موضعها بيتاً من الطين والحجارة ثم نسفه الغرق فعمي مكانه حتى بعث الله إبراهيم عليه السلام وحفر عن قواعده وبناه على ظل الغمامة، فهو أول بيت وضع للناس وبنته قريش قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. قال أبو عبيدة: مما أراد الله عز وجل به تكرمة قريش أن الكعبة كانت وقعت حين غرق قوم نوح عليه السلام فأمر الله تعالى إبراهيم خليله وإسماعيل نبيه عليهما الصلاة والسلام أن يعيدا بناء الكعبة على أسه الأول، فأعادا بناءها لما أراد الله تعالى من تكرمة قريش، كما أنزل الله تعالى في القرآن فقال عز وجل " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم "، ثم أمر الله سبحانه إبراهيم عليه السلام أن ينزل ابنه إسماعيل بالبيت لما أراد من كرامة قريش ففعل، فهو قوله " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم " فكان إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام يبنيان البيت بعد عهد نوح عليه السلام، ومكة يومئذ بلاقع، كما قال تعالى " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود "، فنكح إسماعيل امرأة من جرهم، وفي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي: وصاهرنا من أكرم الناس والداً ... فأبناؤه منا ونحن الأصاهر فولي البيت بعد إبراهيم ابنه إسماعيل عليهما السلام، ثم وليه بعده ابنه نابت بن إسماعيل، أمه جرهمية، ثم وليه بعده مضاض بن عمرو، وفي ذلك قال: وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر وجرهم وقطورا يومئذ أهل مكة، وهما أخوان، ورئيس قطورا السميدع، ورئيس جرهم مضاض، ومنزل جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز، ومنزل قطورا أسفل مكة بأجياد فما حاز، فكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها، ومضاض يعشر من دخلها من أعلاها، ثم بغى بعضهما على بعض وتنافسا الملك، ومع مضاض بنو اسماعيل، وإليه ولاية البيت دون السميدع، ثم اقتتلوا قتالاً شديداً فقتل السميدع وفضحت قطورا، ثم اصطلحوا وأسلموا الأمر إلى مضاض، فبقيت جرهم ولاة البيت نحو ثلثمائة سنة، ثم أنهم بغوا بمكة واستحلوا حرمتها وظلموا من دخلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها، ولم يتناهوا حتى جعل الرجل منهم إذا لم يجد مكاناً يزني فيه دخل الكعبة فزنى بها، فزعموا أن إسافاً بغى بنائلة في جوف الكعبة فمسخا حجرين، وهو اساف بن سهل (2) ونائلة بنت عمرو بن ذؤيب (3) . وكان ماء زمزم قد نضب لما أحدثت جرهم بمكة، حتى امحى مكان البئر ودرس، ثم جاء عمرو بن لحي فغير دين إبراهيم عليه السلام وبدله، وبعث العرب على عبادة التماثيل، وعمر خمساً وأربعين وثلثمائة سنة، وكان له من الولد وولد الولد ألف، ثم وليت البيت

_ (1) قارن بالأزرقي 1: 8، وراجع مادة ((بكة)) في ما تقدم. (2) الأزرقي: سهيل. (3) الأزرقي: ذئب.

عبشان من خزاعة، وقريش إذ ذاك حلول وصرم وبيوت متفرقة في قومهم من بني كنانة. وانهدم البيت بعد بناء إبراهيم عليه السلام، فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته جرهم، ثم انهدم فبناه قصي وهدمه هو وبناه بناء لم يبن أحد ممن بناه مثله، وسقف الكعبة بخشب الروم الجيد وجريد النخل، وبناها على خمس وعشرين ذراعاً. قالوا: ومما رجت به قريش أن الله عز وجل قد رضي ما كانوا أجمعوا عليه من هدم الكعبة أن حية كانت في بئر الكعبة التي كانت تطرح فيها ما كان يهدى إليها، فجاءت عقاب فاختطفتها. ولما احترقت (1) الكعبة واحترق الركن الأسود فتصدع حتى شده ابن الزبير بالفضة، ضعفت جدران الكعبة، حتى إن الحمام ليقع عليها فتتناثر حجارتها، ففزع لذلك أهل مكة وأهل الشام جميعاً والحصين بن نمير معهم يحاصرها، فأرسل ابن الزبير رجالاً من أهل مكة إلى الحصين فكلموه وعظموا عليه ما أصاب الكعبة وقالوا: إنكم رميتموها بالنفط، فأنكر ذلك، وقالوا له: قد توفي يزيد بن معاوية فعلام تقاتل؟ ارجع إلى الشام حتى تنظر هل يجتمع الناس على صاحبك، يعنون معاوية بن يزيد، فلم يزالوا به حتى لان لهم ورجع إلى الشام، ثم دعا ابن الزبير وجوه الناس فاستشارهم في هدم الكعبة، فأشار عليه أقلهم بهدمها وأبى أكثرهم وكان أشدهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقال له: دعها على ما أقرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها، ولا تزال تبنى وتهدم فيتهاون بحرمتها، ولكن ارفعها فقال ابن الزبير رضي الله عنهما: والله ما يرضى أحدكم أن يرفع بيت أبيه وأمه، فكيف أرفع بيت الله، وأنا أنظر إليه ينقض من أعلاه إلى أسفله حتى إن الحمام يقع عليه فتتناثر حجارته؟! وكان ممن أشار عليه بهدمها جابر بن عبد الله وغيره رضي الله عنهم، وأقام أياماً يشاور وينظر، ثم أجمع على هدمها، وكان يحب أن يكون هو الذي يردها، على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، على قواعد إبراهيم عليه السلام، وعلى ما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، وأراد أن يبنيها بالورس، ويرسل إلى اليمن في ورس يشترى له، فقيل له: إن الورس يذهب (2) ولكن ابنها بالفضة، فأخبر أن فضة صنعاء أجود الفضة، فأرسل إلى صنعاء بأربعمائة دينار ليشترى له بها فضة ويكترى عليها، ثم سأل رجالاً من أهل العلم بمكة: من أين أخذت قريش حجارتها، فأخبروه بقلعتها فنقل له من الحجارة ما يحتاج إليه، فلما أراد هدمها خرج أهل مكة منها إلى منى فأقاموا بها ثلاثاً فرقاً أن ينزل عليهم عذاب، فأمر ابن الزبير بهدمها فما اجترأ على ذلك أحد، فلما رأى ذلك علاها بنفسه وأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمي بحجارتها، فلما رأوا أنه لم يصب بشيء اجترءوا فصعدوا وهدموا، وأرقى ابن الزبير رضي الله عنهما عبيداً من الحبش يهدمون رجاء أن يكون فيهم صفة الحبشي الذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرب الكعبة ذو السوبقتين من الحبشة. وقال ابن الزبير (3) رضي الله عنهما: أشهد لقد سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قومك استقصروا في بناء الكعبة وعجزت بهم النفقة فتركوا في الحجر أذرعاً، ولولا حداثة عهد قومك بالكفر لهدمت الكعبة وأعدت ما تركوا منها، ولجعلت لها بابين موضوعين بالأرض: باباً شرقياً يدخل منه الناس، وباباً غربياً يخرج منه الناس، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها "؟ قالت، قلت: لا، قال: " تعززاً لئلا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا كرهوا أن يدخلها يدعوه يرتقي، حتى إذا كاد يدخل دفعوه فيسقط، فان بدا لقومك هدمها فهلمي لأريك ما تركوا من الحجر منها، فأراها قريباً من سبع أذرع ". فلما هدمها (4) ابن الزبير وسواها بالأرض وكشف عن أساس إبراهيم عليه السلام وجد داخلاً إلى الحجر نحواً من ست أذرع وشبر كأنها أعناق الإبل آخذ بعضها ببعض، كتشبيك الأصابع، يحرك الحجر من القواعد فتتحرك الأركان كلها، فدعا ابن الزبير خمسين رجلاً من وجوه الناس وأشرافهم فأشهدهم على ذلك الأساس، وأدخل رجل من القوم كان يقال له عبد الله بن مطيع العدوي عتلة كانت في يده في ركن من أركان البيت، فتزعزعت الأركان كلها جميعاً، ويقال إن مكة رجفت رجفة شديدة حين تزعزع الأساس، وخاف الناس خوفاً شديداً حتى ندم كل من

_ (1) الأزرقي: 1: 140. (2) الأزرقي: يرفت ويذهب. (3) الأزرقي 1: 142. (4) متابع للنقل عن الأزرقي.

كعبر:

أشار على ابن الزبير بهدمها وسقط في أيديهم، فقال لهم ابن الزبير: اشهدوا، ثم وضع البناء على ذلك الأساس، وكان البناة يبنون من وراء الستر، والناس يطوفون من خارج، فلما ارتفع البنيان إلى موضع الركن، وكان ابن الزبير حين هدم البيت جعل الركن في ديباجة في تابوت وأقفل عليه ووضعه عند دار الندوة، ووضع ما كان في الكعبة من حلية في خزانة الكعبة في دار شيبة بن عثمان، فلما بلغ البنيان موضع الركن أمر ابنه عباد بن عبد الله وجبير بن شيبة بن عثمان أن يجعلوا الركن في الثوب وقال: إني إذا دخلت في صلاة الظهر فاحملوه واجعلوه في موضعه، وأنا أطول الصلاة، فإذا فرغتم فكبروا حتى أخفف صلاتي، وذلك في حر شديد، فلما أقيمت الصلاة وصلى ابن الزبير ركعة خرج عباد بالركن من دار الندوة وهو يحمله، ومعه جبير بن شيبة، ودار الندوة يومئذ قريب من الكعبة، فخرقا به الصفوف حتى وضعه عباد في موضعه وأعانه عليه جبير بن شيبة، ثم كبرا، وخفف ابن الزبير صلاته، وتسامع الناس بذلك، وغضب رجال من قريش حين لم يحضرهم ابن الزبير لذلك وقالوا: والله لقد تنافست قريش في رفعه حين بنيت الكعبة حتى حكموا فيه أول من يدخل عليهم، فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله في ردائه ودعا من كل قبيلة من قريش رجلاً واحداً، فأخذوا بأركان الثوب ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه، وكان الركن قد تصدع ثلاث فرق وتشظت منه شظية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك دهراً طويلاً، فشده ابن الزبير بالفضة إلا تلك الشظية من أعلاه، فإن موضعها بين (1) في أعلى الركن، وطول الركن ذراع. وكانت الكعبة (2) يوم هدمها ابن الزبير ثمان عشرة ذراعاً فجعلها سبعاً وعشرين ذراعاً ثم خلقها من داخلها وخارجها وأعلاها وأسفلها وكساها القباطي وقال: من كانت لي عليه طاعة فليخرج فليعتمر من التنعيم ومن قدر أن ينحر بدنة فليفعل، ومن لم يقدر على بدنة فليذبح شاة، وخرج الناس معه مشاة حتى اعتمروا من التنعيم شكراً لله عز وجل، قالوا: فلم ير يوم كان أكثر عتيقاً وعتيقة ولا أكثر بدنة منحورة ولا شاة مذبوحة ولا صدقة مبذولة من ذلك اليوم، ونحر ابن الزبير مائة بدنة، فلما طاف بالكعبة استلم الأركان الأربعة جميعاً وقال: إنما كان ترك استلام هذين الركنين الشامي والغربي لأن البيت لم يكن على قواعد إبراهيم، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير، إذا طاف الطائف استلم الأركان جميعاً، وأبواب البيت لاصقة بالأرض حتى قتل ابن الزبير ودخل الحجاج مكة، فكتب إليه عبد الملك بن مروان: إن ابن الزبير قد كان زاد في بيت الله تعالى ما ليس منه وأحدث باباً آخر، فكتب إليه الحجاج يستأذنه في أن يرده على ما كان عليه، فأمره بذلك، فهدم الحجاج منها ست أذرع وشبراً مما يلي الحجر، وبناها على أساس قريش، وسد الباب الذي في ظهرها، وترك سائرها فكل شيء فيها اليوم بناه ابن الزبير إلا الجدار الذي في الحجر فإنه بناه الحجاج. والمرتقى إلى الباب الشرقي الذي يدخل منه اليوم أربع أذرع وشبر والدرجة التي في جوف الكعبة اليوم والبابان اللذان عليها هما من عمل الحجاج أيضاً. وآخر من زاد في الكعبة المهدي أمير المؤمنين سنة أربع وستين ومائة، فهو على ذلك إلى الآن. كعبر (3) : هي دار مملكة الحبشة، وسمة ملكهم النجاشي. وفيها الذي كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم من ولد حبشي بن كوش بن حام. وللحبشة مدن كثيرة وعمائر واسعة تتصل بالبحر الحبشي، وساحل الحبشة مقابل لبلاد اليمن، وهي من شاطئ البحر الغربي، وأقرب عرض البحر هناك ثلاثة أيام، وهو ساحل زبيد من أرض اليمن، ومن هذا الموضع عبرت الحبشة البحر في أيام ذي نواس، وهو صاحب الأخدود، وبين هذين الساحلين جزيرة يقال لها جزيرة العقل نذكرها في موضعها (4) . كفور الشام: أي قراه، وفي الحديث: " يخرجكم الروم من الشام كفراً كفراً "، مثل كفر مروان وكفر توثا وكفر طاب وكفر تعقاب (5) وغيرها، وإنما هي قرى تنسب إلى رجال. كفر توثا (6) : من كور نصيبين من ديار ربيعة، فتحها عياض بن غنم، ولها حصن قديم، وهي مدينة سورها لبن وبها منبر، وبها نهر خارج عن المدينة وآبار عذبة.

_ (1) ص ع: بني. (2) الأزرقي 1: 144 - 145. (3) ذكرها المسعودي، المروج 2: 34 وعنه معظم ما أورده المؤلف، وكعبر هذه هي (Ankober) وانظر البكري (مخ) : 59، وابن الوردي 36 - 37. (4) راجع ما ورد في ((جزيرة العقل)) . (5) ص ع: معقاب؛ وقد ذكره البكري في معجمه 4: 1131، ولم يحدد موضعه. (6) قارن بالكرخي: 53، وابن حوقل: 200، وياقوت (كفرتوثا) ، وتقويم البلدان: 284.

كفر طاب:

وبكفر توثا كان الوليد بن طريف الشاري (1) حين قابله يزيد بن مزيد قال لأصحابه في الليلة التي عزم على مواقعة الوليد بن طريف في غدها وهو بنصيبين وكان الوليد بكفر توثا، وولد له في تلك الليلة خالد بن يزيد: أبشروا فإنه لم يولد لي غلام قط في حرب إلا رزقت الظفر. فلما التقيا كانت الحرب بينهما بالسواء إلى أن خرج رجل من أصحاب الوليد فدعا للبراز فبارزه يزيد فقتله، فكان ذلك سبباً للهزيمة، وانصرف أنس بن يزيد وقد ضربه حوقل الشاري في جبينه، وكان سيف حوقل لا يمر بشيء إلا هتكه، فقال له يزيد: من ضربك؟ قال: حوقل، قال: ما يسرني أنها في الحائط دونك، عد إلى الحرب وإلا والله ضربت عنقك، فلحقوا بالوليد حتى قتلوه، وفيه تقول أخته ترثيه: أيا شجر الخابور مالك مورقاً ... كأنك لم تجزع على ابن طريف فتى لا يعد الزاد إلا من التقى ... ولا المال إلا من قنا وسيوف كفر طاب (2) : بالشام أيضاً، سميت بذلك لأن حواليها أرضاً كريمة وثماراً كثيرة من زيتون ورمان وكروم وأشجار، كذا ذكر، وهو مخالف لما تقدم من أنها منسوبة إلى رجل. وهي أرض صحيحة الهواء، ليس لها ماء إلا من الأمطار، ومن سكنها لا يكاد يمرض، ومن قلة مائها يتبايع فيها الماء ثلاث مرات، لأن أصحاب الحمامات يبتاعونه من السقائين، ويجمعون فضلات ما يخرج منه من الحمامات في صهاريج فيشتريه منهم الدباغون، ثم يجمع الدباغون فضلاته فيبيعونه من الذين يصنعون اللبن للبنيان. كسكر: من أعمال واسط (3) ، قالوا: تفسيرها أرض الشعير. وبها كان (4) النعمان بن مقرن المزني والياً لعمر رضي الله عنه، فكتب إليه: يا أمير المؤمنين، إنما مثلي ومثل كسكر مثل شاب عند مومسة تلون (5) له كل يوم وتعطر، وأنا أذكرك الله تعالى ألا بعثتني في جيش إلى ثغر غازياً ولا تبعثني جابياً، فلما اجتمع الأعاجم بنهاوند عازمين على إخراج المسلمين مما في أيديهم من البلاد، وعلى غزو عمر في عقر داره، وندب عمر أهل البلاد إلى أعاجم نهاوند وسيرت إليهم الجيوش، كتب إلى النعمان أن سر إلى نهاوند فأنت على الناس، فسار وكان من وقعة نهاوند ما كان. كسير وعوير (6) : جبلان في بحر عمان، وهو بحر فارس، وهم يقولون: كسير وعوير وثالث ليس فيه خير، وهي جبال سود ذاهبة في الهواء لا نبات عليها ولا حيوان فيها، يحيط بها موج من البحر متلاطم تجزع منه النفوس، ولا بد للمراكب من الدخول في وسطها والاجتياز بها، فمخطئ ومصيب، وهي على طريق من قطع من عمان إلى سيراف، ولا تكاد تسلم عندها سفينة، وهما غائران تحت الماء لا يظهر منهما شيء، فانظر هل يناقض هذا ما تقدم من أنهما ذاهبان في الجو والماء يكسر على أعلاهما، وأهل البحر يعرفون مكانهما فيتجنبوهما. كس (7) : بالسين المهملة، بلد يقارب سمرقند، وبعضهم يكسر الكاف، وبينها وبين سمرقند مرحلتان، وكس مدينة جليلة كثيرة الأهل عامرة بالناس والتجار، ولها ربضان وعليها سور بها مسجد جامع وقصبة غير حصينة، وطولها نحو تسعة أميال في مثلها، وبناؤها بالطين والخشب، وبها فواكه كثيرة يحمل فاضلها إلى سمرقند وبخارى، وللمدينة أربعة أبواب خشب مصفحة بالحديد، ولها نهران كبيران، ويرتفع من كس الملح الدراني المعدني، ويحمل إلى سائر الآفاق، ويقع بجبالها الترنجبين كثيراً، ولكس مدن كثيرة.

_ (1) كان خروجه سنة 178 في خلاقة الرشيد. (2) قارن بياقوت (كفر طاب) ، وآثار البلاد: 248، وتقويم البلدان: 262، وفي صبخ الأعشى 4: 125 نقل عن الروض. (3) معجم ما استعجم 4: 1128، وانظر مادة ((كسكر)) عند ياقوت. (4) الطبري 1: 2615. (5) ص ع: كلون. (6) ذكرهما في مادة ((الدردور)) ، والبكري في معجمه 4: 1128 يقول إنهما جبلان في البحر، وكذلك قال ياقوت (كسير وعوير) ، بينما يقول صاحب نزهة المشتاق: 56 إنهما غائران تحت الماء. (7) نزهة المشتاق: 215 (كش) وقد اختلط ما قاله عنها بما جاء في المادة التالية، وقارن بالكرخي: 181، وابن حوقل: 412، أما ياقوت فإنه فرق بين التي بالمهملة والتي بالشين المعجمة فقال في الأولى: مدينة تقارب سمرقند، وفي الثانية: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان ولم يأت لها بوسف موضع. ويبدو أن المادة في الحالتين - سوى تحديد الموقع - تنصرف إلى كش، بالشين، لأن المؤلف بعد قليل يذكر أن كش قريبة من سمرقند، وبذلك يفسد تحديده المذكور في أول المادة، إذ أين جرجان من سمرقند؟!

كوم شريك:

كش: بالشين المعجمة، قرية على الجبل على ثلاثة فراسخ من جرجان، ولها قهندز وحصن وربض، والمدينة الداخلة مع القهندز خراب، والخارجة عامرة، ودار الإمارة خارجة من المدينة، وجامعها في المدينة الداخلة الخراب، وأسواقها في ربضها، وهي حصينة جداً، وهي مقدار ثلاث فراسخ في مثله، وهي وبية، وللمدينة الداخلة أربعة أبواب وللخارجة بابان، ولها نهران كبيران: نهر القصارين (1) ونهر سرور، وفي عامة كورها مياه جارية وبساتين حسنة، ومسافة عملها مسيرة أربعة أيام في مثلها، وفي جبالها العقاقير الكثيرة وفيها يسقط الترنجبين، ومن سمرقند إليها يومان، وبينها وبين نسف ثلاث مراحل. وكش (2) أهلها مسلمون وفيها التين والزرع والماشية، وبها غوص اللؤلؤ على أربعة فراسخ من شط فارس. كشور (3) : موضع باليمن منه عبيد (4) بن محمد بن إبراهيم الكشوري، روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوكتهم خلف آذانهم يستاكون بها لكل صلاة. الكهف: هو موضع في الجبل دخله أصحاب الكهف المذكورون في القرآن فراراً بدينهم وقد مر ذلك في حرف الراء وغيرها مشروحاً. كوكب (5) : جبل في بلاد الحارث بن كعب. وكوكب: جبل بالشام. وحش كوكب (6) : موضع بالمدينة فيه دفن عثمان رضي الله عنه وهو مضموم الحاء مشدد الشين المعجمة، والحش: البستان، وكوكب الذي أضيف إليه رجل من الأنصار وقيل من اليهود، ولما ظهر معاوية (7) رضي الله عنه هدم حائطه وأفضى به إلى البقيع، وكان عثمان رضي الله عنه يمر بحش كوكب ويقول: يدفن هنا رجل صالح، وكان عثمان قد اشترى حش كوكب ووسع به البقيع فكان أول من دفن فيه وعمي (8) قبره. كوم شريك (9) : موضع من أسفل الأرض، وأسفل الأرض كور الإسكندرية والقلزم والطور وايلة وما صاقبها. الكوفة: المدينة الكبرى بالعراق والمصر الأعظم وقبة الإسلام، وهي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق في سنة أربع عشرة، وهي على معظم الفرات ومنه شرب أهلها، ومن بغداد إلى الكوفة ثلاثون فرسخاً، وهي ثلاث مراحل، والمسافات من بغداد إلى الكوفة في عمارات وقرى عظام متصلة عامرة فيها أخلاط من العجم ونفر من العرب سميت بجبل صغير في وسطها كان يقال له كوفان وعليه اختطت. ونزلها جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وابنه الحسين رضي الله عنهما وغيرهما، ويقال لها كوفان أيضاً، ولها ضياع ومزارع ونخل كثير، وأهلها مياسير، ومياهها عذبة، وماؤها صحيح، وأهلها من صرح العرب لكنهم الآن متحضرون. وعلى ستة أميال (10) من الكوفة قبة عظيمة مرتفعة الأركان من كل جانب لها باب مغلق، وهي مسورة من كل ناحية بفاخر الستور، وأرضها مفروشة بالحصر السامانية، يذكر أن بها قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما استدار بالعقبة مدفن لآل علي وآل أبي طالب، وبنى هذه القبة أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس، وكان في دولة بني أمية مخفياً لا يؤبه له والكوفة والقادسية والحيرة في أقل من مرحلة. وقال محمد بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت الكوفة منزل نوح عليه السلام، والكوف الاجتماع. وكتب عمر (11) بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي

_ (1) ص ع: الصفارين. (2) هذا تحديد آخر لا علاقة له بمادتي ((كس)) و ((كش)) وإنما ينصرف إلى جزيرة ((كيش)) ، فتنبه لذلك. (3) انظر ياقوت (كشور) ؛ وعن الكشوري انظر أنساب السمعاني والتاج (كشر) . (4) ع ص: عبد الله. (5) معجم ما استعجم 4: 1142. (6) معجم ما استعجم 2: 451. (7) ص ع: عثمان. (8) معجم البكري: وغبي. (9) معجم ما استعجم 4: 1143. (10) نزهة المشتاق: 120. (11) تكرار لما أورده في مادة ((البصرة)) .

كوار:

الله عنهما: أنبئني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم، فكتب إليه: إن العرب غير ألوانها وخومة المدائن ودجلة، فأجابه: إن العرب لا يوافقها إلا ما يوافق إبلها من البلاد، فابعث بسلمان وحذيفة رضي الله عنهما، وكانا رائدي الجيش، فليرتادا منزلاً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، فبعث سعد حذيفة وسلمان رضي الله عنهم، فسار كل واحد منهما لا يرضى شيئاً حتى أتيا الكوفة فأكبا عليها، وفيها ديارات ثلاثة، فأعجبتهما البقعة فنزلا وصليا، ودعا كل واحد منهما: اللهم رب السموات وما أظلت، ورب الأرضين وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما حوت، بارك لنا في هذه الكوفة، واجعله منزل ثبات. ثم رجعا إلى سعد رضي الله عنه بالخبر، وكتب عمر إلى سعد رضي الله عنهما يأمره بنزوله، فارتحل سعد رضي الله عنه بالناس من المدائن حتى عسكر بالكوفة في محرم سنة سبع عشرة. قالوا (1) : وبصرت البصرة سنة أربع عشرة وكوفت الكوفة سنة سبع عشرة، ثم استأذنوا عمر رضي الله عنه في بنيان القصب، فقال: العسكر أجد لحربكم وأزكى لكم، وما أحب أن أخالفكم فشأنكم، فابتنى أهل المصرين بالقصب، ثم وقع الحريق بالكوفة والبصرة، وكان أشدهما حريقاً الكوفة، احترق فيها ثمانون عروساً ولم تبق فيها قصبة، فبعث سعد إلى عمر رضي الله عنهما نفراً يستأذنونه في البناء باللبن ويخبرونه عن الحريق، فأذن لهم وقال: لا يزيد أحدكم على ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة، ولا ترفعوا بنياناً فوق القدر، قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم إلى السرف ولا يخرجكم عن القصد، وأن يكون الطريق أربعين ذراعاً، وما بين ذلك عشرين، والأزقة سبع أذرع. وأول شيء خط بالكوفة المسجد، فوضع في موضع التمارين من السوق، ثم قام رجل في وسطه رام شديد النزع، فرمى عن يمينه وعن يساره وبين يديه ومن خلفه، وأمر من شاء أن يبني وراء موقع السهام، وترك المسجد في مربعة غلوتين في غلوتين وبني على أساطين رخام كانت للأكاسرة ولم يجعلوا في المسجد مجنبات ولا مواخير، وكذلك كانت المساجد ما خلا المسجد الحرام، فكانوا لا يشبهون به المساجد تعظيماً. ثم أمر سعد رضي الله عنه الناس بالنزول، وأظن أن أكثر هذا تقدم في ذكر البصرة. وشأن هذين المصرين أعظم وأشهر من أن نطول ذكره فلنقتصر على هذا القدر. وذكر بعضهم (2) أن الخراب استولى على أكثرها، ومن أسباب خرابها قبيلة خفاجة المجاورين لها، لا يزالون يضربون عليها. وبناء هذه المدينة بالآجر خاصة ولا سور لها، وجامعها العتيق كبير في الجانب القبلي منها خمسة أبلطة، ولهذا الجامع آثار كريمة منها بيت إزاء المحراب يقال إنه كان مصلى الخليل عليه السلام، وعلى مقربة منه مما يلي الجانب الأيمن من القبلة محراب محلق عليه بأعواد الساج، هو محراب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي ذلك الموضع ضربه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي أخزاه الله تعالى، ويقال إن فيه موضعاً فيه فار التنور، وفيه موضع فيه كان متعبد إدريس عليه السلام، وفي شرقي هذا الجامع قبر مسلم بن عقيل. كوار (3) : مدينة ببلاد فارس يسرة مدينة فاختة، وهو رستاق عظيم فيه ثلثمائة وستون قرية وقروح كثيرة ومزارع، وبها منبر، ومنه إلى فاختة اثنا عشر فرسخاً، وإليها ينسب الورد الكواري، وينسب إليها القاضي أبو الحسن محمد بن إبراهيم الكواري صاحب الشيخ أبي حامد الاسفرايني، ولي قضاء الأهواز ودرس بها سنين. كوكو (4) : مدينة مشهورة الذكر في بلاد السودان كبيرة، على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال فيمر بها، ومنه شرب أهلها ويجري حتى يجوز كوكو بأيام كثيرة، ثم يغوص في الصحراء في رمال ودهاس مثل ما يغوص الفرات الذي في العراق في البطائح، وملك كوكو قائم بنفسه، وله حشم ودخلة كبيرة وقواد وأجناد وزي كامل وحلية حسنة، وهم يركبون الخيل والجمال، ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم المحيطة بهم، ولباس عامة أهل كوكو الجلود يسترون بها عوراتهم، وتجارهم يلبسون القداوير والأكسية، وعلى رؤوسهم الكرازي، وحليهم الذهب، وخواصهم وجلتهم يلبسون الأزر، وهم يداخلون التجار ويخالطونهم ويبضعونهم بالبضائع على وجه القراض.

_ (1) راجع مادة ((البصرة)) أيضاً. (2) عن رحلة ابن جبير: 211. (3) قارن بياقوت (كوار) ، والكرخي: 79. (4) الإدريسي (د/ ب) : 11/ 11 OG: 28 وانظر بسط الأرض: 26، ورحلة ابن بطوطة: 695، وابن الوردي: 35 (وقد كتبت هناك: الكركر) ؛ وفي صبح الأعشى 5: 285 نقل عن الروض.

كويابة:

وينبت في أرض كوكو العود المسمى بعود الحية، من خاصته أنه إذا وضع على جحر الحية خرجت إليه بسرعة، ثم إن ماسك هذا العود يأخذ من الحيات ما شاء بيده من غير جزع يدركه ويجد في نفسه قوة عند أخذها، والصحيح عند أهل المغرب الأقصى وأهل واركلان أن هذا العود إذا أمسكه ماسك بيده أو علقه في عنقه لم تقربه حية ألبتة كصفة العاقر قرحاً، لكنه أسود اللون. ومن كوكو إلى غانة شهر ونصف. كوثا (1) : مدينة بالعراق إلى جانب بابل، فيها ولد إبراهيم الخليل عليه السلام، وفيها المكان الذي فيه كان حبس إبراهيم الخليل عليه السلام والبيت الذي كان محبوساً فيه، ويقال إن بها طرح إبراهيم الخليل عليه السلام في النار، وبها تلول رماد عالية قد لزق بعضه ببعض يقال إنه رماد نار النمرود بن كنعان الذي طرح فيها إبراهيم عليه السلام. ولما انقضى (2) أمر القادسية قدم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه زهرة بن حوية ثم اتبعه الجند، فلقي بأطراف كوثا جمعاً من جموع العجم مقدمهم شهريار، فخرج ينادي: ألا رجل ألا فارس منكم شديد عظيم يخرج إلي حتى أثكلكم (3) به، فقال له زهرة، وقد كايده، لقد أردت أن أبادرك، فإما اذ سمعت قولك فإني لا أخرج إليك إلا عبداً، فإن أقمت قتلك إن شاء الله، وإن فررت منه فإنما فررت من عبد، ثم أمر أبا نباتة نائلاً الأعوجي، وكان من شجعان بني تميم، فخرج إليه، مع كل واحد منهما الرمح، وكلاهما وثيق الخلق، إلا أن شهريار مثل الجمل، فلما رأى نائلاً ألقى الرمح ليعتنقه، وألقى نائل رمحه ليعتنقه، وانتضيا سيفيهما فاجتلدا بهما ثم اعتنقا فخرا عن دابتيهما فوقع شهريار على نائل كأنه بيت فضغطه بفخذه، وأخذ الخنجر وأراد حل أزرار درعه ليذبحه، فوقعت إبهامه في فم نائل، فمضغها فحطم عظمها، وأحس منه فتوراً فثاوره فجلد به الأرض، ثم قعد على صدره، وأخذ خنجره فكشف درعه عن بطنه فطعنه في بطنه وجنبه حتى مات، وأخذ فرسه وسواريه وسلبه، وانكشف أصحابه فذهبوا في البلاد، وأقام زهرة بكوثا حتى قدم سعد عليه، فغنم سعد نائلاً ذلك السلب كله وقال: عزمت عليك يا نائل إلا لبست سواريه وقباءه ودرعه وركبت دابته، وانطلق فتدرع سلبه ثم أتاه في سلاحه على دابته، فقال له سعد: اخلع سواريك إلا أن ترى حرباً فالبسهما، فكان أول رجل من المسلمين سور بالعراق. وأقام سعد بكوثا أياماً، وأتى المكان الذي حبس فيه إبراهيم عليه السلام بكوثا والبيت الذي كان فيه محبوساً فنظر إليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى إبراهيم وعلى أنبياء الله أجمعين. وقرأ " وتلك الأيام نداولها بين الناس "، وقد مر في ذكر افرندين أن المسلمين لما دخلوا المدائن وناداهم رسول كسرى: هل إلى الصلح من سبيل، أجابه رجل من المسلمين بلسانهم، وكان لا يعرف منه شيئاً: لا، حتى نأكل عسل افرندين بأترج كوثا، والقصة مشروحة هناك. كويابة (4) : مدينة لصنف من الترك يسمون الروس، ومبلغ تجار المسلمين من أرمينية إلى كويابة، وبينها وبين ارثان (5) ثمان مراحل، وأرثان لا يدخلها أحد من الغرباء لأنهم يقتلون كل غريب يصل إليهم، فلا يتجرأ أحد أن يدخل أرضهم، ويخرج من عندهم جلود الأنمار السود والثعالب السود والرصاص، ويخرجها من عندهم تجار كوباية. والروس يحرقون موتاهم ولا يتدافنون، وبعض الروس يحلقون لحاهم، وبعضهم يفتلها مثل أعراف الدواب ويضفرها ولباسهم القراطق الصغار، ولباس الروس غير لباس الخزر. كوشة (6) : بينها وبين مدينة نوابية في بلاد النوبة ستة أيام، وهي تبعد عن النيل يسيراً، وموضعها فوق خط الاستواء، وأهلها قليلون،

_ (1) انظر معجم ما استعجم 4: 1138، وياقوت (كوثي) . (2) الطبري 1: 2422. (3) قد نقرأ ((أنكلكم)) كما في بعض أصول الطبر، وفي المتن: أنكل. (4) كوكبانه في ص ع؛ وأصل المادة عن الاصطخري (الكرخي) : 132 حيث يسميها ((كويابة)) بينما يوردها ياقوت نقلاً عن الاصطخري: كوثابة؛ وعند البكري (ح) : 153: كودانية، كويانة، وقد رجعت إلى مخطوطة الرباط من المسالك والممالك للبكري (رقم 488 ق) فوجدتها وردت عنده في موضعين ((كوبانة)) - وهي كالتي أثبتها المؤلف باسقاط الكاف الثامية؛ ولعل الصواب ((كويابة)) وربما كانت تقابل لفظة (Kiev) . انظر مينورسكي: 434. (5) الكرخي: أرثا؛ ياقوت: اربا، البكري (ح) : أوثان (وقال المحقق: يمكن أن نقرأ أرثان) ، وقد قدر فران (Frahn) أن تكون أرثا (أو أرثان) هي Erz'a وهي اسم لأحد القسمين الكبيرين في موردفا (Mordva) غير أن تحديدها على هذا النحو يتعارض مع قول الاصطخري: أن كويابه أقرب إلى البلغار؛ وقد جاءت أرثا في بعض المصادر على صورة ((ابارقه)) مما حدا بشفولسون إلى أن يقرأ ((أبارمه)) اي Perm (انظر مينورسكي 435 - 436 والحواشي) . (6) النص عن الإدريسي (د) : 19 (OG: 37) ، وفي ص ع: كوسه - بالسين المهملة - وهي كذلك في بعض أصول نزهة المشتاق.

كيانة:

وتجارتها قليلة وأرضها حارة جافة جداً، وشرب أهلها من عيون تمد السيل هناك، وهي في طاعة ملك النوبة ويسمى كاسل (1) ، وهو اسم يتوارثونه ملوك النوبة، ودار ملكهم دمقلة. كوشان (2) : مدينة الترك ومعظم مملكتهم بين الصين وبلاد خراسان، وأشدهم شوكة الطغزغز (3) ، وهم أصحاب كوشان هذه وما والاها، ومذاهبهم مذاهب المنانية وممالكهم كثيرة، وهي في جهة الشاش وفرغانة، وفيهم كان الملك، ومنهم خاقان الخواقين يجمع ملكه سائر ملوك الترك وتنقاد إليه ملوكها، ومن هؤلاء الخواقين كان فراسياب التركي الغالب على ملك فارس. كوغة (4) : مدينة بينها وبين غانة من بلاد السودان بالمغرب خمسة عشرة يوماً على ضفة النيل، وفي شماله، ومنه شرب أهلها، وهي من عمالة ونقارة، ومن السودان من يجعلها من كانم، وهي مدينة عامرة لا سور (5) لها، وبها تجارات وأعمال وصنائع يصرفونها فيها (6) ، ونساء هذه المدينة ينسب إليهن السحر وهن عارفات به، وبه مشهورات. وأهل كوغة (7) مسلمون، وحواليها المشركون، وأكثر ما يتجهز إليهم بالودع والنحاس والفربيون، وهو أنفق شيء عندهم، وحواليها من معادن التبر كثير، وهم أكثر بلاد السودان ذهباً. كيانة (8) : جبل كيانة بمقربة من المسيلة في البلاد الإفريقية، وهي جبال شاهقة ضيقة المسالك لا يستطاع الوصول إلى من فيها، وفي قلعة كيانة تحصن أبو يزيد مخلد بن كيداد النكار الخارج على بني عبيد، وهي قلعة منيعة لا ترام، وهي أمنع قلاعهم. ولما حاربه المنصور إسماعيل بن القائم العبيدي فأوى أبو يزيد إلى هذه القلعة ليعتصم بها، سأل الأدلاء عن السلوك إليها فكلهم ذكر صعوبة المسالك ووعرها، وكان أبو يزيد هذا ثار على الخليفة العبيدي القائم بأمر الله واستفحل أمره وكثرت جيوشه وتغلب على أكثر البلاد الإفريقية وملك القيروان وعاث يميناً وعاث شمالاً، وكان يرى رأي النكارية، ويرى دم المسلمين وفروجهم وأموالهم له حلالاً، ويسب علياً ويكفر أهل القبلة وحاصر الأربس والقيروان وباجة وأكثر بلاد إفريقية وأذاق الناس شراً عظيماً وأتى أمراً شنيعاً، وخاف الناس فتنته وحذروا منه، فوجه إليه القائم العبيدي الجنود وكثرت وقائعه معهم، وانتهى إلى المهدية وذلك أقصى أثره ثم مات القائم وولي ابنه المنصور إسماعيل فهو الذي تولى حربه وصلي بناره وكابد منه محناً، ثم إن الله تعالى دفع شره فتحصن في قلعة كيانة وألح عليه المنصور بالقتال وشن الغارات، وحصره في هذه القلعة فنالته فيها جراحة وأثخن، وكان الموضع وعراً كثير الصخور فاحتمله أصحابه على أعناقهم لعجزه عن النهوض وأجهضهم عند القتال، فأمكن الله تعالى منه وقبض عليه وسيق إلى مضرب المنصور وهو لما به، فمات في يديه، وكان القائم صنع له قفصاً في حياته وقال لأصحابه: سأجعل مخلداً في هذا القفص وأحكم عليه، فكان كذلك، فلما مات أمر المنصور بسلخه وحشا جلده تبناً حتى تصور شكله، وصلب على سور المهدية، وكانت فتنته عظيمة وأمره شنيعاً، وخبره على التفصيل أطول من هذا. وحكي أن عبيد الله الشيعي الملقب بالمهدي أول ملوكهم باني المهدية في سنة ست وثلثمائة لما وضع أول حجر أمر ناشباً كان بين يديه أن يوتر قوسه ويرمي بها سهماً من حد الحجر الذي في الأساس إلى ناحية المغرب فرمى بسهم، فانتهى إلى المصلى، ووقع السهم قائماً على نصله، فقال لمن معه: إلى هاهنا ينتهي صاحب الحمار ولا يجاوزه، يعني هذا الثائر أبا يزيد، فقدر أن يخرج بعد موت عبيد الله على ولده القائم، ومات القائم في مدة فتنته، وكابد حربه ولده اسماعيل المنصور، فهو الذي ظفر به بعد مكابدة عظيمة، وأمر عبيد الله باحتفار أهراء عظيمة داخل المهدية بنيت بالحجر ودمست واختزن فيها من الطعام ما لا يحصى كيله، وجعل في دورها وقصورها مصانع للماء، وختم عليها وأمر بحفظها، وكان الناس يشربون ما يصل إلى المهدية من الماء، فلم تفتح تلك المصانع إلا أيام حصار أبي يزيد، ولولا ذلك لم يوجد ما يؤكل ولا ما يشرب، وتوفي عبيد الله سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وصارت المملكة لابنه أبي القاسم وهو الملقب بالقائم.

_ (1) ص ع: كامل، تبعاً لما في بعض أصول الإدريسي. (2) قارن بياقوت: (كوشان) ، وفيها يقول عن ملك التغزغز: وكانوا أشد الناس شوكة وملكهم أعظم ملوك الترك، وأما الآن فلا أدري كيف حالهم. (3) عن الطغزغز (أو التغزغز) انظر مينورسكي 263 - 277. (4) الإدريسي (د/ ب) : 11/ 10 (OG: 27) . (5) ص ع: سوق. (6) الإدريسي: يصرفونها فيما يحتاجون إليه. (7) الاستبصار: 223، والبكري: 179. (8) راجع ما كتبته تعليقاً على مادة ((قلعة كيانة)) .

كيلان:

كيلان (1) : موضع بالري ينسب إليه محمد بن صالح بن أبي بكر بن توبة (2) الكيلاني روى عن أبي كريب عن عبد الله بن ادريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رصي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر رضي الله عنه ضرب وغرب، وأن عمر رضي الله عنه ضرب وغرب. كيش (3) : جزيرة في وسط البحر، بحر فارس، وهي جزيرة مربعة طولها اثنا عشر ميلاً في مثل ذلك عرضاً، وكان وليها عامل من اليمن فحصنها وأحسن إلى أهلها، وعمرها وأنشأ بها أسطولاً فغزا به بلاد اليمن الساحلية وأضر بالمسافرين والتجار، ولم يترك لأحد مالاً، وأضعف البلاد وانقطع بذلك السفر من عمان إلى عدن (4) ، وكان يغزو بهذا الأسطول مدينة الزابج (5) ، وأهل الهند يخافونه ويهابون شره ويواسونه بالمراكب التي يكون طول المركب منها طول الغراب الكامل من عود واحد يجذف فيه مائتا رجل، وكان عنده من هذه المراكب المنحوتة خمسون مركباً، كل واحد منها من قطعة واحدة، وعنده من سائر المراكب الملفقة جملة، وليس لأحد به طاقة. ولمدينة كيش زروع وأغنام وأبقار وكروم، وبها مغايص للؤلؤ الجيد. كثه (6) : مدينة بقرب اصطخر من بلاد فارس، جليلة عامرة كثيرة البشر والتجارات والعمارات، على طرف المفازة، وهي من أخصب البلاد وأكثرها أرزاقاً، ولها رستاق يشتمل على ربض وهي متحصنة بحصن، وجامعها في الربض، ومياهها من القنوات، وهي كثيرة الشجر طيبة الثمر.

_ (1) هي كيلين (وقد وردت عند ياقوت) ، وقال في تاج العروس (كلن) كيلين: كسيرين قرية بالري، وذكر محمد بن صالح المنسوب إليها ثم قال: ويقال فيه الكيلاني أيضاً. (2) ص ع: بويه، وأثبت ما في تاج العروس. (3) نزهة المشتاق: 55 (OG: 156) ، وانظر ياقوت (كيش، قيس) ، واللباب (الكيشي) وتقويم البلدان: 372. (4) OG: وعاد إلى عدن. (5) OG: الرانج. (6) وضعها هنا يدل على أن المؤلف ظنها ((كيه)) كما هي في نسخة نزهة المشتاق: 131 وعنه ينقل المؤلف، وهي بتخفيف الثاء، وانظر الكرخي: 77، وابن حوقل: 237، وياقوت (كثه) .

فراغ

لبلة:

حرف اللام اللاذقية: في آخر بلاد الشام الساحلية وبقرب أنطاكية ووراء القسطنطينية، والبحر منها غرباً. وفي خبر المعتصم (1) أنه لما شرع في بناء سر من رأى أشخص له البناءون والنجارون والحدادون وغيرهم، وسيق إليه الساج وسائر الخشب والجذوع من البصرة وما والاها من بغداد وإنطاكية وسواحل الشام، وسيق إليه الرخام والعمد، وأقيمت باللاذقية دور صناعة الرخام. والبيتان المنسوبان لبعض الفسقة (2) : باللاذقية (3) فتنة ... ما بين أحمد والمسيح مشهوران عند الناس. لاركان (4) : مدينة على خمسة عشر فرسخاً من مدينة الروذان، وهي من عمل كرمان، ولها سور حصين ومسجد جامع، وفيها عامل لصاحب فارس وعامل لصاحب كرمان. لاردة (5) : في ثغر الأندلس الشرقي، وهي مدينة قديمة ابتنيت على نهر يخرج من أرض جليقية يعرف بشيقر، وهو النهر الذي تلقط منه برادة الذهب الخالص، وهي بشرقي مدينة وشقة، وكانت مدينة لاردة قد خربت وأقفرت فجدد بنيانها إسماعيل بن موسى بن لب بن قسي سنة سبعين ومائتين، وحصنها منيع فلا ترام بقتال ولا يطمع فيها بطول حصار، وبأعلاه مسجد جامع متقن البنيان بني سنة ثمان وثمانين ومائتين، والحصن مشرف على فحص عريض يعرف بفحص مشكيجان - بتفخيم الجيم - ومدينة لاردة خصيبة على الجدوب، ولها بساتين كثيرة وفواكه غزيرة، وهي مخصوصة بكثرة الكتان وطيبه ومنها يتجهز بالكتان إلى جميع نواحي الثغر، وفحص مشكيجان كثير الضياع والمزارع والمراعي ولا تخلو ضيعة منها أن يكون بها برج أو سرداب يمتنع فيه العامرون لها من العدو، وأهل الثغور في عملها يخرجون الأموال من الوصايا والصدقات. لاوان (6) : مدينة في طريق الهند من البصرة، وهي فرسخان في فرسخ، وأهلها مسلمون، وهي من شط فارس على أربعة فراسخ وفيها النخيل والنبق البري والزرع، ومنها إلى أبرون (7) اثنا عشر فرسخاً. لبلة (8) : في غرب الأندلس مدينة قديمة بها ثلاث عيون، إحداها عين تهشر وهي أغزرها، والثانية عين تنبعث بالشب، والثالثة عين تنبعث بالزاج، ومن اشبيلية إلى طلياطة مرحلة من عشرين ميلاً، ومن طلياطة إلى لبلة مرحلة مثلها، وتعرف لبلة بالحمراء، وفيها آثار للأول كثيرة، وسور لبلة قد عقد على أربعة تماثيل: صنم تسميه العامة دردب وعليه صنم آخر، وصنم تسميه

_ (1) راجع مادة ((سامرا)) . (2) نسبهما ياقوت ((اللاذقية)) إلى المعري. (3) ص ع: معشر. (4) لا أستطيع أن أقطع بأنها هي نفسها لارجان التي ذكرها ياقوت، إذ هذه تقع بين الري وآمل طبرستان. (5) بروفنسال: 168، والترجمة: 202 (Lerida) . (6) ص ع: لان، وانظر ابن خرداذبه: 61. (7) ص ع: أندرون. (8) بروفنسال: 168، والترجمة: 203 (Niebla) .

لبيدة:

العامة مكبح (1) وعليه صنم آخر، فيخيل إلى الناظر أن ذلك البنيان موضوع على أعناقهم، وانفردت بهذه البنية من بين سائر المدن، ومن مدنها مدينة جبل العيون. ولبلة (2) مدينة حسنة متوسطة القدر لها سور منيع، ونهرها يأتيها من ناحية الجبل ويجاز عليه في قنطرة إلى لبلة، وبها أسواق وتجارات وبينها وبين البحر المحيط ستة أميال. وكور لبلة جامعة لفوائد الكور كثيرة الزيتون والشجر وضروب الثمر يكون فيها القرمز (3) الفاضل ويجود بها العصفر وهي سهلية جبلية، وكانت جباية كورة لبلة في أيام الأمير الحكم بن هشام خمسة عشر ألفاً وستمائة. لبيدة (4) : قرية في جهة القيروان، منها أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الحضرمي القيرواني اللبيدي روى عن ابن أبي زيد وأبي حسن بن القابسي، وله كتاب " الجامع والشرح في التفصيل والتخليص (5) لمسائل المدونة " كتاب كبير، توفي قريباً من سنة ثلاثين وأربعمائة. لبدة (6) : مدينة قديمة بناحية طرابلس الغرب، كانت عظيمة الشأن مبنية بالرخام، وآثارها بادية حتى الآن تدل على أنها كانت دار مملكة عظمى وهي مشتملة على الخيرات وعلى بعد من البحر، فتسلطت عليها العرب وعلى أرضها فغيرت ما كان بها من النعم، وأجلت أهلها إلى غيرها، ولم يبق فيها إلا قصران كبيران، وسكانها قوم من هوارة البربر ولها على البحر الآن (7) قصر كبير فيه صناعات وسوق عامرة، وبلبدة نخل كثير وزيتون يستخرجون زيته في وقته. لبنان (8) : جبل بالشام قريب من تدمر، وهو سامي الارتفاع ممتد الطول يتصل من البحر إلى البحر، معروف بالزهاد والمنقطعين إلى الله تعالى. وعن قتادة أن البيت بني من خمسة أجبل: من طور سينا وطور زيتا ولبنان والجودي وحراء. وذكر الهيثم بن عدي أنه وجد في جبل لبنان غار في زمن الوليد بن عبد الملك، فدخل فإذا فيه رجل مسجى على سرير من ذهب، عند رأسه لوح من ذهب مكتوب فيه بالرومية: أنا سيا بن نواس بن سيا خدمت عيصو بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرب الديان الأكبر، وعشت بعده دهراً طويلاً ورأيت عجباً كثيراً، ولم أر فيما رأيت أعجب من غافل عن الموت وهو يرى مصارع آبائه، ويعلم أنه صائر إليهم لا محالة فلا يتوب، والذي بعد الموت من حساب الديان الأعظم ورد حقوق المظلومين يومئذ أعظم وأفظع، حقاً أقول: لقد حضرت غاري هذا أغدو وأروح إليه أبكي على نفسي، وقد علمت أن الأجلاف الجفاة سينزلوني عن سريري هذا ويتمولونه ويخرجوني من غاري وهم يدينون بربوبية الديان الأعظم، وذلك حين يتغير الزمان ويتأمر الصبيان، فمن أدرك ذلك الزمان عاش قليلاً ومات ذليلاً. وفي لبنان البرباريس وهو هناك أطيب ما يكون، وهناك التفاح الذي لا يعدل به وهو مثلوج أبداً. وفي سفحه (9) حصون للملاحدة الإسماعيلية فرقة مرقت وادعت الإلهية في أحد الأنام، قيض لها شيطان من الأنس يعرف بسنان خذلهم بأباطيل وخيالات موه عليهم باستعمالها فاتخذوه إلهاً يعبدونه، وحصلوا من طاعته بحيث يأمر أحدهم بالتردي من شاهقة جبل فيتردى، ويستعجل في مرضاته الردى، نعوذ بالله من الضلال والفتنة. وجبل لبنان حد بين بلاد الإسلام والافرنج لأن وراءه أنطاكية واللاذقية وطرابلس وسواها من بلادهم، وفي سفح الجبل المذكور حصن يعرف بحصن الأكراد هو للإفرنج ويغيرون منه على حماة وحمص، وهو بمرأى العين منهما.

_ (1) ص: بكح. (2) الإدريسي (د) : 178. (3) بروفنسال: القرنفل. (4) رحلة التجاني: 83 وعدها من منازب صفاقس، ورسمها عنده لبيدي، قال: كذا تحققها وسماها الرشاطي لبيدة، ثم ترجم لأبي القاسم اللبيدي وسمى كتابخ ((الشرح والتفصيل لمسائل المدونة)) . (5) ص ع: والتلخيص. (6) الإدريسي (د/ ب) : 129/ 97، وانظر البكري: 9، واليعقوبي: 346. (7) يعني في زمن الإدريسي. (8) معجم ما استعجم 4: 1150. (9) رحلة ابن جبير: 255.

اللبين:

اللبين (1) : جبيل قريب من كبكب (2) . ومن شعر ابن الجنان المتأخر من قصيدة: قف المطايا بالرقمتين ... وحي بانات رامتين وسائل الركب عن رباب ... (3) ومن بلبنان عن لبين لبلابة (4) : هو اسم عند أهل البحر والمسافرين فيه للبحر المحيط، بحر المغرب، وهو البحر الغربي المسمى بحر الظلمات، وهو البحر الذي لا يعلم أحد ما خلفه، وفيه الجزائر الخالدات، وهو الذي سافر فيه المغرورون (5) وأقلعوا من مدينة الأشبونة حسبما ذلك مذكور عند ذكرها، ولم يقف منه أحد على خبر صحيح لصعوبة عبوره وإظلامه وتعاظم موجه وكثرة أهواله وتسلط دوابه وهيجان رياحه، وفيه جزائر كثيرة معمورة وخالية، وليس يركبه أحد من الناس ملججاً، وإنما يمر عليه بطول الساحل ولا يفارقه، وأمواج هذا البحر تندفع مغلقة ولا ينكسر ماؤها، ولو انكسر موجه ما قدر أحد على سلوكه، وكان أهل المغرب الأقصى من الأمم السالفة يغيرون على أهل الأندلس فيضرون بهم كل الإضرار، وأهل الأندلس أيضاً يكايدونهم ويحاربونهم جهد الطاقة، إلى أن كان زمن الاسكندر، ووصل إلى أهل الأندلس فأعلموه بما هم عليه من التناكر مع أهل السوس فأحضر الفعلة والمهندسين، وقصد مكان الزقاق، وكان أرضاً جافة، فأمر المهندسين بوزن الأرض ووزن سطوح ماء البحرين، فوجدوا البحر الكبير يشف علوه على البحر الشامي بيسير فرفعوا البلاد التي على الساحل من بحر الشام، ونقلها من أخفض إلى أرفع ثم أمر أن تحفر الأرض التي بين طنجة وبلاد الأندلس، فحفرت حتى وصل الحفر إلى الجبال التي في أسفل الأرض، وبنى عليها رصيفاً بالحجر والجير إفراغاً وكان طول البناء اثني عشر ميلاً، وهو الذي كان بين البحرين من المسافة والبعد، وبنى رصيفاً آخر يقابله من ناحية أرض طنجة، وكان بين الرصيفين سعة سبعة أميال فقط، فلما أكمل الرصيفين ودخل البحر الشامي فاض ماؤه وهلكت مدن كثيرة كانت على الشطين معاً، وغرق أهلها، وطغى الماء على الرصيفين نحو إحدى عشرة قامة، فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في أوقات صفاء البحر من جهة الموضع المسمى بالصفيحة ظهوراً بيناً طوله على خط مستقيم، وقد عاين المسافرون ذلك وجروا مع طوله بطول الزقاق، وأهل الموضع يسمونه القنطرة، وأما الرصيف الثاني الذي في بلاد طنجة فإن الماء حمله في صدره واحتفر ما خلفه من الأرض وما استقر ذلك منه حتى وصل إلى الجبال من كلتا الناحيتين، وطول هذا الزقاق اثنا عشر ميلاً، وعلى طرفه من جهة المشرق الجزيرة الخضراء وعلى طرفه من جهة المغرب جزيرة طريف، وعرض البحر بين سبتة والخضراء ثمانية عشر ميلاً، وهذا البحر في كل يوم وليلة يجزر مرتين ويمتلي مرتين دائماً بتقدير العزيز الحكيم وهذا البحر هو الذي يسمونه بحر اقيانس أو قيانوس. قالوا: وعلى الحد الذي يخرج منه الخليج إلى البحر الرومي المنارة النحاس الذي بناه هرقل الملك الجبار، وعليه الكتابة والتماثيل مشيرة بأيديها ألا طريق ورائي، ولا مسلك في هذا البحر ولا تجري فيه جارية ولا فيه حيوان، وهذا كالمخالف لما قدمناه. قالوا: ولا تدرك له غاية ولا يحاط بمقداره، وهو بحر الظلمات والأخضر والمحيط. قالوا: وقد خاطر بنفسه خشخاش من أهل الأندلس، وكان من فتيان قرطبة في جماعة من أحداثها فركبوا مراكب استعدوها ودخلوا هذا البحر وغابوا مدة ثم أتى بغنائم واسعة وأخبار مشهورة. قال المسعودي: وإنما يركب من هذا البحر ما يلي المغرب والشمال، وذلك من أقاصي بلاد السودان إلى برطانية الجزيرة العظمى التي في أقصى الشمال، وفي هذا البحر ست جزائر مقابل بلاد السودان تسمى الخالدات، وفيه بقرب جزيرة برطانية إحدى عشرة جزيرة، ثم لا يعرف أحد ما بعد ذلك. قالوا: وليس شيء من البحار كلها يتصل بالبحر الحبشي، وأما سائرها فمتصلة، وهي من بحر واحد، إلا أن بحر الخزر قد اختلف فيه: هل يتصل ببحر اقيانس أو لا قالوا: والصحيح أنه لا يتصل بشيء من هذه البحار.

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1150. (2) ص ع: جبل ... كوكب. (3) لبين هنا اسم امرأة. (4) اكثر هذه المادة ورد في مادة ((الأندلس)) و ((الأشبونة)) و ((أقيانس)) و ((قادش)) ، وفي نخبة الدهر: 133، ولبلابة بالام المفخمة بلهجة الأندلسيين، وورد في مادة قابس ((بلايه)) . (5) كذا هنا، وورد في مادة الأشبونة ((المغررون)) .

لحمان:

لحمان (1) : مدينة من مدن سمريني أو سمريقي (2) عند جبل شونبا الحاجز بينها وبين بلاد سيسان (3) التي بها البلاد الخراب التي أخربها يأجوج ومأجوج قبل بنيان السد وبقيت البلاد خراباً، ولحمان مدينة حسنة جليلة عامرة، وفيها صنائع ومعايش، وبين أهلها وبين الأغزاز حرب لاقحة، وقد يتهادنون (4) في بعض الأوقات ويصلحون أمورهم بينهم، وهم أهل شدة واحتراز (5) . لد (6) : من مدن فلسطين بالشام، وهو منزل جميل فيه ناس يعمرونه، وفيه تنزل الرفاق الواصلة من الشام إلى مصر والقافلة من مصر إلى الشام، وفيه كنيسة محكمة البناء واسعة الفناء عليها للنصارى أوقاف كثيرة. وفي لد (7) عجائب، قال رجل، قلت لأهل لد: هذه بنتها الشياطين لسليمان فقال: أنتم إذا جل في صدوركم بنيان أو عمل أضفتموه إلى الشياطين (8) لقد بني هذا البنيان قبل مولد سليمان عليه السلام بمثل ما بيننا وبين سليمان. وفي حديث مسلم (9) أن الله تعالى يبعث عيسى عليه السلام فيطلب الدجال حتى يدركه بباب لد فيقتله. وفي الخبر (10) أن عمر رضي الله عنه قال لرجل يهودي: قد بلوت منك صدقاً فحدثني عن الدجال، فقال: يقتله ابن مريم بباب لد وقال ابن أبي ربيعة: حلت بمكة والنوى قذف ... هيهات مكة من قرى لد وحكوا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما فتحت بيت المقدس وأنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، انحدر منها وهو يريد مدائن الساحل: غزة وميماس وعسقلان، حتى إذا نزلنا برملة لد قال حذيفة رضي الله عنه: ما اسم هذه البلدة؟ وعنده أساقفة بيت المقدس ولد، فقالوا: هذه لد، وهذه الرملة، فقال لهم حذيفة رضي الله عنه: أيكم أعلم أيها الأساقفة؟ قالوا له: ابن دروثا، ليس بالشام رجل أعلم منه، فقال حذيفة لعمر رضي الله عنهما: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا حذيفة إن الله تعالى سيفتح عليكم الشام من بعدي وشيكاً وسيسجد لكم أساقفة الروم به وبطارقتها، فإذ كنت من لد على ميل أو شبيهاً بذلك فإن جبريل عليه السلام ليلة أسري بي هبطه بي فركعت فيها ركعتين، وقال لي جبريل عليه السلام: هذا الموضع فيه قبر سبعين نبياً، وسيكون فيه مسجد له نور ساطع في السماء يسمى الأبيض، وسيعمر ما حوله حتى يتصل بناؤه بلد فإذا اتصل بلد يا حذيفة فالهرب الهرب، كأني أنظر إلى ابن حمل الضأن قد أقبل من المغرب في ألف سفينة وخمسمائة سفينة، ويحل بساحل الشام فيفتحها، ويضرب رواقه على تل يافا، وينظر إلى جنوده في البر والبحر فيقول: أليس هذه بلادكم تعرفونها وحدودها وتخومها؟ فيقولون: نعم، فيقبل متوجهاً إلى بيت المقدس بخيله ورجله، قال حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى القبارطة عليهم تبابينهم ومعهم درقهم ونيازكهم يخترقون أزقة الرملة. وفي لد مات مروان بن الحكم في أحد الأقوال في سنة خمس وستين، فإنه روي أنه لما بايع لابنيه عبد الملك وعبد العزيز بالعهد بعده، تكلم في ذلك خالد بن يزيد بن معاوية، وكانت أمه عند مروان، فقال له مروان: يا ابن الرطبة، فشكا ذلك إلى أمه، فقعدت على وجه مروان فقتلته، وهو يعد من قتلة النساء، وقيل بل كان ذلك بالجابية؟ وقيل بمرج راهط، وقيل بدمشق. اللكام (11) : قالوا: ليس بمعمور الأرض أطول من جبل اللكام فإنه يبتدي من بحر القلزم إلى نواحي الشام فيسمى هناك جبل لبنان ثم ينتهي إلى حمص ويجاوزها فيسمى هناك جبل بهراء وتنوخ، ثم يمر إلى أن يجاوز اللاذقية ويسمى هناك اللكام، ثم ينتهي إلى مرعش ثم إلى شمشاط، ثم ينقسم فتمر منه شعبة إلى الروم ثم إلى الباب والأبواب وتمر منه شقة إلى أحواز ميافارقين، ثم ينتهي إلى

_ (1) نزهة المشتاق: 317، ووردت مرة ((لحمان)) وهرة بعد أسطر ((لحصان)) . (2) تكتب سمريقي دائماً في نزهة المشتاق. (3) ص: بنيان؛ ع: بيتيان. (4) ص ع: يتهادون. (5) نزهة المشتاق: واعتزاز. (6) قارن باليعقوبي: 328، وياقوت (لد) . (7) ابن الفقيه: 117. (8) سقط من ع. (9) صحيح مسلم 2: 376. (10) معجم ما استعجم 4: 1135. (11) قارن بابن حوقل: 154، والكرخي: 43، وابن خرداذبه: 232، وابن الفقيه: 25، وياقوت ((اللكام، لبنان) والمؤلف ينقل عن نزهة المشتاق: 112.

لكة:

أحواز حلوان والصيمرة وجنوب أصبهان، ثم ينتهي إلى جبال الديلم ويمر مع ساحل البحر الخزري إلى أن ينتهي إلى بحيرة خوارزم إلى جهة بلاد الشاش إلى أقصى بلاد فرغانة وعلى جنوب أشروسنة ومياه سمرقند فيكون على يمين القاصد من خراسان إلى العراق. لكة (1) : مدينة بالأندلس من كورة شذونة، قديمة من بنيان قيصر أكتبيان، وآثارها باقية، ولها حمة من أشرف حمات الأندلس، وعلى نهر لكه هذه التقى لذريق ملك الأندلس في جموعه من العجم، وطارق بن زياد فيمن معه من المسلمين، يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين من الهجرة فاتصلت الحرب بينهم إلى يوم الأحد لخمس خلون من شوال بعده، ثم هزم الله المشركين فقتل منهم خلق عظيم أقامت عظامهم بتلك الأرض بعد ذلك دهراً طويلاً، وحاز المسلمون من عسكرهم ما يجل قدره، فكانوا يعرفون كبار العجم وملوكهم بخواتيم الذهب يجدونها في أصابعهم، ويعرفون من دونهم بخواتم الفضة، ويجدون (2) عبيدهم بخواتيم النحاس. لماية (3) : اقليم لماية من أقاليم كورة ريه بالأندلس، وبهذا الإقليم جبل يتصل بفحص قرطلت (4) ويعرف بوادي (5) لماية، وفي سند هذا الجبل تمثال صورة إنسان بموضع لا يصل إليه إلا من تدلى بالحبال، ويذكر أنه لا يزال يسقط من منخر ذلك التمثال الأيمن نقط ماء وأن العذراء من النساء تختبر به وذلك بأن تحاذي بيدها أنف التمثال، فإن كانت بكراً قطر الماء في يدها، وإلا لم توافق يدها ولو جهدت في ذلك جهدها، هذا عند أهل تلك الناحية مستفيض وأخبر به الثقات. لملم (6) : هي في الجنوب من بريسى (7) مع بلاد السودان بينهما نحو عشرة أيام، وأهل بريسى وسلى وتكرور وغانة يغيرون في بلاد لملم ويسبون أهلها، ويسوقونهم إلى بلادهم فيبيعونهم من التجار الواصلين إليهم، فيخرجهم التجار إلى سائر الأمصار، وليس في جميع أرض لملم إلا مدينتان صغيرتان بينهما مقدار أربعة أيام، وأهل تلك الناحية فيما يذكر يهود، الغالب عليهم الكفر والجهالة، وإذا بلغ أحدهم الحلم وسم وجهه وصدغاه بالنار، وبلادهم وجملة عماراتهم على واد يمد النيل، وليس بعد أرض لملم في جهة الجنوب عمارة تعرف. لعلع (8) : موضع أو جبل بظهر الكوفة قريب من العذيب، وقيل هو ببطن فلج، وقيل من الجزيرة، وقيل في ديار بني ضبة وقال (9) : سيعلم مسروق وفائي ورهطه ... إذا وائل حل القطاط ولعلعا لفت (10) : بفتح اللام وكسرها، موضع بين مكة والمدينة. وفي كتاب مسلم: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا على ثنية فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: هرشى أو لفت، فقال صلى الله عليه وسلم: " كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف، خطام ناقته ليف خلبة، ماراً بهذا الوادي ملبياً ". اللفتان: من الثغور الشامية على قرب من خرشنة. لقنت (11) : من بلاد الأندلس، وبينها وبين دانية على الساحل سبعون ميلاً. وهي مدينة (12) صغيرة عامرة، وبها سوق ومسجد عامر ومنبر ويتجهز منها بالحلفاء إلى جميع بلاد البحر، وبها فواكه وبقل كثير وتين وأعناب، ولها قصبة منيعة جداً في أعلى جبل يصعد إليه بمشقة وتعب، وهي على صغرها تنشأ بها المراكب السفرية والحراريق، ومن لقنت إلى ألش في البر مرحلة.

_ (1) بروفنسال: 169، والترجمة: 204. (2) بروفنسال: ويميزون. (3) بروفنسال: 170، والترجمة: 204، وانظر ياقوت حيث جعلها من أعمال المرية، وتقويم البلدان: 175 حيث عد ((حصن لماية)) من أعمال مالقة. (4) بروفنسال: قرطبة. (5) بروفنسال: ويعرف واديه بوادي. (6) الإدريسي (د/ ب) : 4/ 5 (OG: 19) ، وقارن ببسط الأرض: 24 (كتبت خطأ: لمسلم) وتقويم البلدان: 157، ونخبة الدهر: 268، وابن الوردي: 34. (7) ص ع: برسنى. (8) بإيجاز عن معجم ما استعجم 4: 1156، وقارن بياقوت (لعلع) . (9) نسبه البكري إلى قرواش بن حوط الضبي. (10) معجم ما استعجم 4: 1158، وانظر ياقوت (لفت) . (11) بروفنسال: 170، والترجمة: 205 (Alicante) . (12) الإدريسي (د) : 193.

لورقة:

لشنتة (1) : مدينة بجزيرة صقلية كان نزل عليها إبراهيم بن أحمد الأغلبي ملك إفريقية لما توجه إلى صقلية غازياً، وذلك بعد أن فتح طبرمين فحاصر لشنته، فطلبوا منه الأمان وأداء الجزية له فأبى ولم يجبهم، وحلت به علته التي مات منها فاشتغل بنفسه، وزادت العلة فمات وأدى أهل لشنته الجزية وهم لا يعلمون بموته، وحمل إلى مدينة بلرم فدفن بها. اللهون (2) : قرية من قرى الفيوم في البلاد المصرية، وحجر اللهون هذه هو شاذروان بين قبتين مدرج على ستين درجة فيه فوارات للماء يدخل الماء إلى الفيوم بوزن، بقدر ما يكفيها سواء، وهو من أحكم البنيان، بالهندسة عمل وبالفلسفة أتقن، ومن الناس من يقول إن يوسف عليه السلام عمله بالوحي، ولم يزل الملوك من الأمم تقصد هذا الموضع وتتأمله لما قد نمي من أخباره وسار في الخلق من عجيب إتقانه، وهو من البناء الذي يبقى على غابر الدهر لا يتغير، ويقال أنه عمل من ثلاثة أشياء: الفضة والنحاس والزجاج، وفي أعلى الحجر بناء متقن، وفي الضفة الغربية منه مسجد يقال له مسجد يوسف عليه السلام. لورقة (3) : بالأندلس من بلاد تدمير، إحدى المعاقل السبعة التي عاهد عليها تدمير، وهي كثيرة الزروع والضرع والخمر. وهي على (4) ظهر جبل، وبها أسواق وربض في أسفل المدينة وعلى الربض سور، وفي الربض السوق، وبها معدن تربة صفراء ومعادن مغرة تحمل إلى كثير من الأقطار، وبينها وبين مرسية أربعون ميلاً وفيها معدن لازورد. ومن أغرب (5) الغرائب الزيتونة التي على مقربة من حصن سرنيط (6) وهو حصن من حصون لورقة البرانية منها، وهي زيتونة في حومة الجبل، فإذا كان وقت صلاة العصر من اليوم الذي يستقبل أول ليلة من شهر مايه نورت الزيتونة، فلا يجن عليها الليل إلا وقد عقدت، ولا يصبح إلا وقد اسود زيتونها وطاب، وقد عرف ذلك الخاصة والعامة ووقفوا عليه. وذكر إبراهيم بن يوسف الطرطوشي (7) أن ملك الروم قال له سنة خمس وثلثمائة: إني أريد أن أرسل إلى ملك الأندلس قومساً بهدية، وأن من أعظم حوائجي عنده وأكبر مطالبي لديه أن في القاعة الكريمة الكنيسة التي في الدار التي فيها الزيتونة المباركة التي تنور وتعقد ليلة الميلاد وتطعم من نهارها بها قبر شهيد له محل عظيم عند الله عز وجل، فأنا أسأله مداراة أهل تلك الكنيسة وملاطفتهم حتى يسمحوا لي بعظام ذلك الشهيد، فإن حصل لي فهو أجل عندي من كل نعمة في الأرض. وبهذه الناحية (8) موضع معروف من أراد أن يتخذ فيه جناناً صرف إلى الموضع العناية بالتدمين والعمارة والسقي من النهر، فتنبت الأرض بطبعها هناك شجر التفاح والكمثرى والتين والرمان وضروب الفواكه حاشا شجر التوت من غير غراسة ولا اعتمال، وهذا الموضع يعرف بأشكوني. وتفسير لورقة باللطيني " الدرع الحصين " (9) ، وهذا الاسم وافق معناه لأنها من المعاقل الحصينة، وهي على نهر مجراه إلى الشرق من هذا القطر، ولورقة في الجوف منه وتتصل بمدينة لورقة مزارع عريضة تجتزئ في العام بالسقية الواحدة من هذا النهر كما تجتزئ أرض مصر، ولهذا النهر هناك مجريان، أحدهما أعلى من الثاني، فإذا احتيج إلى السقي به عولي بالسداد حتى يرقى المجرى الأعلى فيسقى به، وعلى هذا النهر نواعر في مواضع مختلفة تسقى به البساتين، وتخرج منه الجداول العظيمة، يسقي الجدول عشرة فراسخ وأكثر، وطعام لورقة يبقى مطمراً تحت الأرض عشرين عاماً (10) لا يتغير. وكثيراً (11) ما تجاح زروع لورقة بالجراد، ويزعم أهلها أنه كان

_ (1) هي ((كشنته)) (Cosenza) وقد صوبناها حيثما وردت قبلاً، وتقع في قلورية لا في صقلية. (2) قارن بالإدريسي (د) : 146 - 147 (اللاهون) ، وياقوت (لاهون) ، والخطط 1: 245 والنص كله ورد في ذكر ((الفيوم)) نقلاً عن الاستبصار: 90، وفي صبح الأعشى 3: 297، نقل عن الروض. (3) بروفنسال: 171، والترجمة: 205 (Lorca) . (4) الإدريسي (د) : 196. (5) العذري: 7، وقارن بآثار البلاد: 547، 256. (6) العذري: ميربيط؛ وكلا المكانين لم يمكن تحديده. (7) العذري: إبراهيم بن يعقوب؛ القزويني: إبراهيم بن أحمد، وهو إبراهيم بم يعقوب الطرطوشي الإسرائيلي الذي كان يسفر في شؤون ملوك الروم إلى الأندلس، وعنه ينقل العذري مباشرة، وعنه قيد البكري معلومات عن جغرافية بعض المناطق الأوروبية وسكانها (انظر البكري/ ح - صفحات متفرقة) . (8) متابع للعذري: 8، وقارن بآثار البلاد: 556. (9) ص ع وبروفنسال: الزرع الخصيب؛ والتصويب عن العذري: 1. (10) العذري: 2 خمسين عاماً. (11) مشبه لما عند العذري: 2.

اللؤلؤة:

فيها جرادة من ذهب طلباً لدفع مضار الجراد، فسرقت من هناك، فلم يزل الجراد من حينئذ ظاهراً عندهم فاشياً. ويزعمون (1) أن البقر كانت لا تعتل عندهم ولا يقع فيها الموتان العام لها في بعض الأعوام حتى وجد في بعض الأسس من مباني الأول ثوران من صفر، أحدهما أمام صاحبه ينظر إليه، فلما انتزعت من ذلك الموضع وقع الموتان في البقر عندهم ذلك العام. وللورقة الفحص الذي لا يعلم في الأرض مثله وهو المعروف بالفندون المتصل بفحص شنقنيرة (2) ومسافة ذلك خمسة وعشرون ميلاً وكان قدم (3) قرطبة أيام الأمير محمد قوم من وجوه المضرية واليمانية بتدمير فسألوهم عن هذا الفحص فذكروا فضله ونمو ما يزدرع فيه فأكثروا وقالوا: إن الحبة تتفرع من أصله ثلثمائة قصبة، فأنكر ذلك بعضهم فكذبه، فوجهوا رسولاً أمروه بإغذاذ السير وبحمل أصول من ذلك الزرع، فأحضرها، فأحصي في كل أصل ثلثمائة قصبة وأكثر في كل قصبة سنبلتها. وبقرية تارة (4) من قرى لورقة عين تخرج من حجر صلد تجري في قناة منقورة في الحجر، عمقها أكثر من قامة نحو ميلين، ثم يتصل بنقب في الحجر الصلد ومناهر (5) مفتوحة إلى أعلى الجبل لتنفيس الهواء (6) ثم تفضي إلى بيت في داخل الجبل ظليم ممتلئ ماء، والجبل كله معتمد على أرجل، ومن دخل إليه لا يعلم ما وراء تلك الأرجل. لوشة (7) : بالأندلس من أقاليم البيرة، بينهما ثلاثون ميلاً وبها جبل فيه غار يصعد إليه، وعلى فمه شجرة، وهو في حجر صلد عمقه نحو قامتين، فيه أربعة نفر موتى لا يعلم أول أمرهم ولا وقت موتهم يذكر الأبناء عن الآباء أنهم ألفوهم هكذا إلا أن الملوك والولاة لم يزالوا يراعون أمورهم ويتعهدون تجديد أكفانهم ولا توضع عليهم إلا بعد أن تقطع فيها قطوع كثيرة لئلا يطمع الفسقة في الانتفاع بها فيخلعونها عنهم. وهو غار موحش مظلم مهيب لا يدخله إلا رابط الجأش جريء النفس. وكان صاحب (8) بياسة عبد الله المعروف بالبياسي من بني عبد المؤمن لما ضايقه العادل في سنة اثنتين وعشرين وستمائة استعان بالنصارى وسلم لهم بياسة ودخل قيجاطة (9) بالسيف وسار بالعدد إلى لوشة هذه فقاتلهم أشد قتال وسلط عليهم عدو الدين فقتلوا فيهم أشد القتل، ثم سار إلى بيغو من عمل غرناطة فاحتوى عليها بعد شدة. اللؤلؤة (10) : موضع في بجاية، وهو أنف من الجبل قد خرج في البحر متصل بالمدينة، فيه قصور من بناء ملوك صنهاجة، مشرف نزيه، فيه طاقات مشرفة على البحر، عليها شبابيك حديد أبوابها مخرمة محلاة، ومجالسها مقرنصة وحيطانها بالرخام الأبيض من أعلاها إلى أسفلها، قد نقشت أحسن نقش ونزلت بالذهب واللازورد وكتبت فيها الكتابات المستحسنة، وصورت فيها الصور المليحة. وحكي أنه وجد على قبر باللؤلؤة: ركب المنية بالبرية يوجف ... فعلام أحذر أو لماذا آسف عجباً للؤلؤة حوت بحر الندى ... عكس القضية ليس هذا يعرف لونيا (11) : جبل في أرض زغاوة من أرض السودان، عالي الذرى صعب المرتقى، ترابه أبيض رخو، وفي أعلاه كهف لا يقربه أحد إلا هلك، ويقال إنه فيه ثعبان يلتقم من اعترض مكانه على غير علم منه بذلك، وأهل تلك الناحية يتنحون عنه ويخافونه، ويقال إن بهذا الجبل حيات قصاراً، في رأس كل حية منها قرنان ويقال إن به حيات ذوات رأسين، ويقال إن نهر كوكو يخرج من جبال لونيا ويمر في جهة الجنوب حتى يمر بكوكو فيجوزها ويمر في

_ (1) ناظر أيضاً إلى المصدر السابق. (2) ع: شنقشرة؛ ص: سنقسرة، وانظر عنها آثار البلاد: 534. (3) منابع في مجمله للعذري. (4) بروفنسال: تازة، وما ورد في ص ع هو عين ما ورد عند العذري. (5) ص ع وبروفنسال: ومناهد. (6) العذري: لدخول الضوء. (7) بروفنسال: 173، والترجمة: 208 (Loja) ، وانظر الزهري: 94 حيث فصل في ذكر هذا العار كثيراً؛ وآثار البلاد: 502، والغرناطي: 121. (8) ورد هذا في مادة ((قيجاطة)) . (9) ص ع: قيجاطة. (10) الاستبصار: 130. (11) الإدريسي (د/ ب) : 34، 38/ 21، 24 (OG: 111) .

لوجارة:

الصحراء، ومن الناس من قال: إن نهر كوكو يخرج من أصل جبل متصل رأسه بالنيل، وفي هذا الجبل أمم من قبائل زغاوة وظواعن رحالة، والإبل عندهم كثيرة اللقاح، وهم ينسجون المسوح من أوبارها والبيوت التي يعمرونها ويأوون إليها، وهم يتصرفون في ألبانها وأثمانها ويصيبون من لحومها، والبقول عندهم قليلة، وأكثر ما يزدرعون الذرة، وربما جلبت الحنطة إليهم من بلاد واركلان وغيرها. لوبية (1) : كورة من كور مصر الغربية، وهي متصلة بالإسكندرية، وقد قيل إن الاسكندر كان من أهل لوبية. لوجارة (2) : مدينة من بلاد الروم في البر الكبير، كان طاغية صقلية (3) نقل إليها من بقي بصقلية من المسلمين إذ كانوا له جنداً وعدة لأعدائه يجد نفعهم، فنقلهم إلى هذه المدينة تحوطاً عليهم لحاجته إليهم وتخوفاً منهم إذ كانوا أعداداً جمة، فعمروها ومدنوها وصارت لهم بها أحوال عظيمة، وكانوا أنجاداً وطال مقامهم بها أعصاراً، إلى أن اختلفوا وتحزبوا وافترقت كلمتهم، وآل أمرهم في هذا العهد القريب إلى أن أجلاهم عنها صاحب صقلية الآن (4) ، فتحكمت فيهم النوائب وتشتت أمرهم، فأخرجوا وأسروا وتفرقوا في البلاد فمنهم من ذهب إلى المشرق، ومنهم من صار إلى إفريقية، وافترقوا في بلادها، وصارت مدينة لوجارة رومية ولم يبق فيها منهم أحد. لياج (5) : بلدة في جزيرة صقلية على البحر، من البلاد القديمة العمران ذات أسواق وبادية ومزارع طيبة زاكية حارة المزاج يحصد بها الزرع قبل غيرها من بلاد الجزيرة، ويحمل منها الزفت والقطران والخشب، وفي الغرب منها جبل النار المشهور، وبينها وبين بلد قطانية ستة أميال. لنبياذة (6) : هو حصن بجزيرة صقلية في أعلى صخرة، يحدق به البحر والنهر ولا يدخل إليه إلا من باب واحد، وبه مرسى تسافر المراكب إليه وتحمل الأوساق، وبه عمارة وسوق، وله عمل واسع وأرضه زكية المزارع، ونهره يصب في البحر، ويسمى الوادي الملح، وبه سمك طيب كثير الشحم لذيذ المأكل، وبين لنبياذة وكركنت خمسة وعشرون ميلاً. ليون (7) : قاعدة من قواعد قشتالة عامرة، بها معاملات وتجارات ومكاسب ولأهلها همة ونفاسة.

_ (1) صبح الأعشى 3: 386. (2) (Lucera) وتقع في إقليم بوليا (Puglia) بإيطاليا الجنوبية، انظر تعليقات الأستاذ رتزيتانو على هذه المادة. (3) يعني فردريك الثاني (الانبرور) ؛ وانظر مادة أنطالة، فإن ثورة ابن عباد كانت هي السبب في نقل هؤلاء المسلمين إلى لوجارة. (4) هل هذا كلام المؤلف نفسه. إن ما أصاب أهل لوجاز حدث عام 700 على يد كارلو الثاني، فإن كان هذا كلامه وليس نقلاً، فمعنى ذلك أن أن المؤلف كان معاصراً لتلك الأحداث وقد نبه الأستاذ إلى ذلك في تعليقاته. (5) (Aci) ؛ الإدريسي (م) : 28، وقد ذكرها المؤلف في ((الياج)) . (6) (Licata) ؛ الإدريسي (م) : 31 واسمها بالعربية ينظر إلى الأصل اللاتيني (Lympiados) . (7) بروفنسال: 174، والترجمة: 209 (Leon) .

مأرب:

حرف الميم مأرب (1) : وقد تخفف وهو الأكثر، مدينة باليمن على ثلاثة أيام من صنعاء، وعلى ثلاثة مراحل من ظفار، قيل هي سمة للملك، وقيل هو مسكن سبأ، وهو بسكون الهمزة، قال الله تعالى " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال " وقال الشاعر (2) : من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما وكان السد من بناء سبأ بن يشجب، وكان ساق إليها سبعين وادياً ومات قبل أن يستتمه، فأتمته ملوك حمير بعده، وقيل بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخاً في فرسخ، وجعل له ثلاثين شعباً. والسد (3) بين جبلين وهما يسميان المأزمين وتمر منه بموضع كان يقسم عليه ماء هذا السد في الجاهلية في صحراء ورمال، وهي التي تسمى جنة اليسرى، قال الله تعالى " لقد كان لسبأ في مسكنهم " فيمر حتى ينتهي إلى مأرب وفيه معدن الملح الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم أبيض بن حمال المأربي فجعله أبيض صدقة للمساكين، وعوضه النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً يعرف بالجدرات على باب مأرب، فلا يخلو من ثمر صيفاً وشتاء وربيعاً وخريفاً لأن صلى الله عليه وسلم دعا له بالبركة. ومأرب مدينة سبأ، وبها عرش بلقيس، وكان العرش مبنياً على أساطين حجارة وكل اسطوانة منها فوق الأرض ثمان وعشرون ذراعاً، فاحتمل العرش وبقيت الأساطين على حالها، ويقال إن تحت الأرض من تلك الأساطين مثل ما فوقها، وغلظ كل أسطوانة لا يحتضنه أربعة نفر، وفيها سوق ومسجد والمنزل بها، ثم يخرج منها ويقطع عرض الوادي فيدخل جنة اليمنى التي ذكرها الله تعالى، وليس فيها من الأشجار إلا الأثل والأراك، وتبذر فيها الذرة. وكانت مأرب في القديم مدينة كبيرة عامرة بالخلق مشهورة في بلاد العرب، وبها صرواح قصر سليمان عليه السلام، ولم يبق منه إلا طلل دارس، وبها قصر بلقيس كما قلناه، وبها كان السد المسمى بالعرم، وكان أكثر أهل مأرب سبأ من قبل العرب الحميرية، وكان لهم من الكبر والتيه والعجب على سائر الأمم ما هو مشهور، وكانوا مع ذلك يكفرون بأنعم الله سبحانه، وكان لهم بهذه المدينة سد عظيم البناء وثيق الصنعة قد أمنوا من خلله، وكان الماء يرتدع خلفه نحواً من عشرين قامة، فكان الماء محصوراً من جوانبه قد أمنوه وأوثقوا صناعته، وكانت مساكنهم عليه، ولكل قبيلة منهم شرب معلوم يسقون منه ويصرفونه في مزارعهم قسمة عدل، وكان السد يعلو هذه المدينة كالجبل المنيف، فلما أراد الله سبحانه انقطاع دولتهم وتشتيت جماعاتهم أرسل عليهم السيل، فجاءهم وهم نائمون، فدفع السد ومر بالمدينة وما جاورها من القرى والبهائم والأمم والنبات، وقتل الكل بالكل وفرقهم شذر مذر، وتفرقت العرب وتبلبلت الألسن، وساروا في المشارق والمغارب، وبقي بالمدينة آثار تراجع إليها أقوام من حضرموت فهم يعمرونها إلى الآن،

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1170. (2) نسبه البكري في معجمه للأعشى وسيذكره المؤلف في هذه المادة منسوباً لأمية بن أبي الصلت. (3) البكري (مخ) : 67.

مانان:

وقد ذكر الأعشى ميمون بن قيس سد مأرب في قوله من شعر له (1) : وفي ذاك للمؤتسي أسوة ... ومأرب عفى عليها العرم رخام بنته لهم حمير ... إذا جاء مواره لم يرم فأروى الزروع وأعنابها ... على سعة ما بهم إذ قسم سعى جرذ فيهم ليلة ... (2) فحان بهم جرفهم فانهدم وطار القيول وقيلاتها ... بيهماء فيها سراب يطم فصاروا أيادي ما يقدرون ... منه على شرب طفل فطم وقال أمية بن أبي الصلت في قصيدة له: من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما وقد تقدم. قال ابن إسحاق (3) : وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن أنه رأى جرذاً يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك، فاعتزم على النقلة من اليمن فكاد قومه، فأمر أصغر بنيه إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل ابنه ما أمره به أبوه، فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي؟ وعرض أمواله فقال أشراف اليمن: اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا منه أمواله، وانتقل هو وولده وولد ولده فقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر فباعوا أموالهم وخرجوا معه، فساروا حتى نزلوا ببلاد عك مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عك، فكان حربهم سجالاً، ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مراً، ونزلت أزد السراة السراة، ونزلت أزد عمان عمان، ثم أرسل الله عز وجل على السد السيل فهدمه، ففيه أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم " لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور. فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم " إلى آخر الآية والعرم السد، واحدته عرمة. وروي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لحاجبه: أدخل أرث من بالباب تراه، فخرج فوجد رجلاً ذا أطمار لا تكاد تواريه فقدمه، فلما مثل بين يديه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فرد عليه معاوية رضي الله عنه وأمره بالقعود، ثم أقبل عليه فقال: من أين الرجل؟ قال: من مأرب، قال: وممن؟ قال: من سبأ، قال: أنت من الذين بدلوا نعمة الله كفراً فأبدلهم الله بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل، قال: إني لمن تلك البلدة ومن نسل أولئك القوم، ولكنك يا معاوية من الذين قالوا لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " وإنا لأهل الجنة التي وصفها الله والعرش الذي عظمه الله، وإنكم أهل النجعة التي صغرها الله وذمها لجوعها فقال " لأيلاف قريش " ووثب، فأجلسه معاوية واعتذر إليه. مانان (4) : جبل في بلاد قمنورية (5) يتصل بالبحر المحيط، وهو منيع عالي الذروة أحمر التربة، وفيه أحجار لماعة تعشي البصر إذا طلعت عليها الشمس لا يكاد الناظر ينظر إليها لشعاعها وبريق حمرتها، وفي أسفله ينابيع الماء العذب يتزود منه ويحمل في الأوعية إلى كل جهة. ومانان (6) : أيضاً مدينة من أرض كانم في بلاد السودان، وهي

_ (1) ديوان الأعشى: 34. (2) الديوان: فجار بهم جارف منهزم. (3) السيرة 1: 13. (4) الإدريسي (د/ ب) : 30/ 17 (OG: 106) وقد يقرأ ((ماتان)) . (5) ص ع: قيمودية. (6) الإدريسي (د/ ب) 12/ 12 (OG: 29) .

المأزمان:

صغيرة ليس بها شيء من الصناعات المستعملة، وتجارتهم قليلة، ولهم جمال ومعز، ومن مانان إلى مدينة أنجيمي ثمانية أيام، وهي أيضاً من كانم. ماما (1) : قرية بقرب تاهرت صغيرة لها سور تراب، وأكثرها طوب ولها بما استدار بها خندق محفور، ولها واد عذب عليه مزارعها وغلاتها وإصابتها في الحنطة كثيرة. الماطرون (2) : بلد، قال حمزة الشامي: قرأت على حائط بستان بالماطرون: أرقت بدير الماطرون كأنني ... لساري النجوم آخر الليل حارس وأعرضت الشعرى العبور كأنها ... معلق قنديل عليه الكنائس ولاح سهيل عن يميني كأنه ... شهاب نحاه وجهة الريح قابس المأزمان (3) : بين عرفة والمزدلفة، والمأزم: المضيق، وقيل الطريق بين جبلين وفي مقصورة ابن دريد (4) : ثمت راح في الملبين إلى ... حيث تحجى المأزمان ومنى مآب (5) : بالشام من أرض البلقاء. قالوا (6) : لما خرج عمرو بن لحي من مكة إلى الشام في بعض أموره فقدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق من ولد سام بن نوح رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونها؟ فقالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنماً فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه منها صنماً يقال له هبل، فقدم به مكة فنصبه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. ولما خرج الناس من مؤتة في البعث الذي وجههم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهوا إلى معان من أرض الشام بلغهم أن هرقل قد نزل مآب في أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليه أخلاط من العرب، فتهيب الناس، فقال عبد الله بن رواحة أحد أمراء هذا البعث من شعر له: فلا وأبي مآب لنأتينها ... وإن كانت بها عرب وروم والقصة مشروحة في سير ابن إسحاق (7) . ولما خرج (8) ، أبو عبيدة والمسلمون إلى الشام مروا بوادي القرى، ثم أخذوا على الحجر أرض صالح النبي عليه السلام، ثم ذات المنار، ثم على زيزاء، ثم ساروا إلى مآب بمعان (9) ، فخرج إليهم الروم، فلم يلبثهم المسلمون من أن هزموهم حتى دخلوا مدينتهم فحاصروهم فيها، وصالح أهل مآب عليها فكانت أول مدائن الشام صالح وسار إلى الجابية. مالقة (10) : بالأندلس، مدينة على شاطئ البحر، عليها سور صخر، والبحر في قبليها (11) . وهي حسنة (12) عامرة آهلة كثيرة الديار، وفيما استدار بها من جميع جهاتها شجر التين المنسوب إليها، وهو يحمل إلى مصر والشام والعراق وربما وصل إلى الهند، وهو من أحسن التين طيباً وعذوبة، ولها ربضان كبيران، وشرب أهلها من الآبار، ولها واد يجري في زمان الشتاء وليس بدائم الجري. وهي من تأسيس الأول، وأكثر المدينة على جسرين من بناء الأول. والجسر داخل في البحيرتين هناك، قد بني بصخر

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 87/ 60. (2) قال ياقوت (الماطرون) : موضع بالشام قرب دمشق. (3) معجم ما استعجم 4: 1173، وقارن بياقوت (المأزمان) . (4) شرح المقصورة: 93، وتحجى: أقام، وقيل حيث يزار ويقصد. (5) معجم ما استعجم 4: 1169، وياقوت (مآب) . (6) السيرة 1: 77. (7) السيرة 2: 375. (8) فتوح الأزدي: 23. (9) ص ع وفتوح الأزدي: بعمان. (10) بروفنسال: 177، والترجمة: 213 (Malaga) ، وانظر الزهري: 93، وياقوت (مالقة) ، ورحلة ابن بطوطة: 669. (11) ص: قبلتها. (12) الإدريسي (د) : 200.

ماردة:

كأنوف الجبال، وقصبتها في شرقي مدينتها عليها سور صخر، وهي في غاية الحصانة والمنعة، وفي هذه القصبة مسجد بناه الفقيه المحدث معاوية بن صالح الحمصي، وكان ممن حضر وقعة مروان بن محمد ليلة بوصير فأنجاه الفرار ولجأ إلى الأندلس فرقاً من المسودة، ومات بها، وله روايات وتقدم في السنة والعلم. وجامع مدينة مالقة بالمدينة، وهو خمس بلاطات، ولها خمسة أبواب: بابان منها إلى البحر، وباب شرقي يعرف بباب القصبة، وباب غربي يعرف بباب الوادي، وباب جوفي يعرف بباب الخوخة. وبها مبان فخمة وحمامات حسنة وأسواق جامعة كثيرة في الربض والمدينة. وذكرها الأول في كتبهم فقالوا: مدينة مالق، لا بأس عليها ولا فرق، آمنة من جوع وسبي ودم، مكتوب ذلك في العلم الذي يكتب، وقد قيل: إن هذه الكلمات وجدت في بعض حجارتها نقشاً بالقلم الاغريقي. قالوا: وجميع هذه الآثار التي أمنها منها وبقاؤها عنها قد لحقت بها وجمعت لها في سنة تسع وخمسين وأربعمائة بمحاصرة عباد بن عباد لها، واستطالة برابر قصبتها على أهلها، فشملهم الضر وعمم الفقر، ثم استحلت حرماتهم وسفكت مهجاتهم، فما نجا في البحر إلا الشريد ولا تخلص إلا السعيد، فخلت ديارهم وتغيرت آثارهم. وكذلك عندما نشأت الفتنة في آخر أيام الملثمين وصدراً من دولة الموحدين بقيام ابن حسون (1) فيها، وبعدما قتل فيها من قتل وغرب من غرب قتل نفسه عند قيام أهل البلد عليه، فسبيت حرمه ومزقوا في البلاد كل ممزق: وآسفت حاله، ولله الحكمة البالغة. ومن مالقة إلى أرشذونة ثمانية وعشرون ميلاً، ومرسى مالقة صيفي يكن بالغربي وبإزائه مما يلي المدينة الجسر الذي ذكرناه، ينكسر عليه الموج. ولما ولي القاضي المحدث الشهير أبو محمد عبد الله بن سليمان بن حوط الله الأنصاري (2) قضاء مالقة وقدم عليها، خرج طلبتها إلى لقائه فأنشدهم: مالقة حييت يا تينها ... الفلك من أجلك يأتينها نهى طبيبي عنك في علتي ... ما لطبيبي عن حياتي نها ماردين (3) : مدينة من ديار ربيعة بعمل الموصل، بينها وبين مدينة دارا نصف مرحلة، وهي في سفح جبل في قنته قلعة لها كبيرة، وهي من قلاع الدنيا الشهيرة. ماردة (4) : مدينة بجوفي قرطبة منحرفة إلى المغرب قليلاً، وكانت مدينة ينزلها الملوك الأوائل، فكثرت بها آثارهم والمياه المستجلبة إليها، واتصل ملكهم إلى أن ملك منهم سبعة وعشرون ملكاً، ويقال أن ذا القرنين كان منهم وكان يقال لهذه الأمة الشبونقات (5) ، ثم دخلت أمة القوط فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من صاحب رومة، واتخذوا طليطلة دار ملكهم وأقروا فيها سرير ملكهم (6) ، إلى أن دخل عليهم الإسلام، وكان آخرهم لذريق، وكان قد أحدق بماردة سوراً عرضه اثنا عشر شبراً وارتفاعه ثمان عشرة ذراعاً، وكان على بابها مما يلي الغرب حنايات يكون طولها خمسين ذراعاً، متقنة البنيان، عددها ثلثمائة وستون حنية، وفي وسط قنطرتها برج محني يسلك تحته من سلك في القنطرة. وتفسير ماردة باللطيني: " مسكن الأشراف " وقيل بل كانت (7) دار مملكة ماردة بنت هرسوس الملك، وبها من البناء آثار ظاهرة تنطق عن ملك وقدرة، وتعرب عن نخوة وعز، وتفصح عن عظة وعبرة، ولها في قصبتها قصور خربة، وفيها دار يقال لها دار الطبيخ، وهي في ظهر القصر، وكان الماء يأتي في دار الطبيخ في ساقية هي الآن باقية الأثر، فتوضع صحاف الذهب والفضة بأنواع الطعام في تلك الساقية على الماء حتى تخرج بين يدي الملكة، فترفع على الموائد، ثم إذا فرغ من أكل ما فيها وضعت في الساقية، فتستدير إلى أن تصل إلى يد الطباخ بدار الطبيخ، فيرفعها بعد غسلها، ثم يمر

_ (1) ابو الحكم الحسين بن الحسين بن حسون قاضي مالقة، ثار ببلده عند زوال سلطان الملثمين سنة 539. (2) انظر ترجمته في التكملة: 883، وكانت وفاته سنة 612. (3) انظر الكرخي: 53، ونزهة المشتاق: 199 - 200، وياقوت (ماردين) ، وآثار البلاد: 259. (4) بروفنسال: 175، والترجمة: 210 (Merida) . (5) ص ع: البشترلفات. (6) سقط من ص. (7) من هنا عن الإدريسي (د) : 181 - 183.

الماصر:

بقية ذلك الماء في سروب القصر. ومن أغرب الغرائب جلب الماء الذي كان يأتي إلى القصر على عمد مبنية تسمى الارجالات (1) ، وهي أعداد كثيرة باقية إلى الآن، قائمة على قوائم لم تخل بها الأزمان، ولا غيرتها الدهور، فمنها قصار ومنها طوال، بحسب الأماكن التي كان فيها البناء، وأطولها يكون غلوة سهم، وهي على خط مستقيم، وكان الماء يأتي عليها في قني مصنوعة خربت وفنيت، وبقيت تلك الارجالات قائمة يخيل للناظر إليها أنها من حجر واحد لحكمة اتقانها وتجويد صنعتها. وفي الجنوب من سور هذه المدينة قصر آخر صغير، وفي برج منه مكان مرآة كانت الملكة ماردة تنظر إلى وجهها فيه، ومحيط دوره عشرون شبراً، وكان يدور على حرفه، وكان دورانه قائماً ومكانه إلى الآن باق، ويقال إنما صنعته ماردة لتحاكي به مرآة ذي القرنين التي وضعها في منارة الإسكندرية. وقال هاشم بن عبد العزيز، وقد تذاكروا شرف ماردة وفضل ما فيها من الرخام، قال: كنت كلفاً بالرخام، فلما وليت ماردة تتبعته لأنتقل منه كل ما استحسنته، فبينا أنا أطوف في بعض الأيام بالمدينة إذ نظرت إلى لوح رخام في سورها، شديد الصفاء، كثيراً ما يخيل للناظر أنه جوهر مها، فأمرت باقتلاعه فقلع بعد معاناة، فلما أنزل إذا فيه كتاب عجمي فجمعت عليه من كان بماردة من النصارى، فزعموا أنه لا يقدر على ترجمته إلا عجمي ذكروه يعظمونه، فأنفذت فيه رسولاً، فأتيت بشيخ هرم كبير، فلما وضع اللوح بين يديه أجهش بالبكاء واستعبر ملياً، ثم قال لترجمته: براءة لأهل ايلياء ممن عمل في سورها خمس عشرة ذراعاً، وقد كان في افتتاح الأندلس وجد في كنائس ماردة ما وقع إليها من ذخائر بيت المقدس عند انتهاب بخت نصر لايلياء، وكان ممن حضره في جنوده اشبان (2) ملك الأندلس، فوقع ذلك وغيره في سهامه. وقصر ماردة بناه عبد الملك بن كليب بن ثعلبة، وهو بديع طول كل شقة من سوره ثلثمائة ذراع، وعرض البناء اثنا عشر ذراعاً، وقنطرة ماردة عجيبة البنيان طولها ميل، بأبدع ما يكون من البنيان. ومن ماردة إلى بطليوس عشرون ميلاً. المايد (3) : جزيرة فيها عدة مدن، وهي على رأس البحر إلى جهة الصين، وأهلها أشبه بأهل الصين من غيرهم، ولملوكها عبيد وخصيان حسان وخدم بيض، وجزيرتهم تتصل بأرض الصين، وهم يراسلون ملك الصين ويهادونه، وبهذه الجزيرة تجتمع مراكب الصينيين الخارجة من جزائر الصين، وإليها تبلغ، ومنها تخرج إلى سائر النواحي. ماسبذان (4) : هي أحد فروج الكوفة، وهي بالقرب من هيت. أغزاها (5) سعد بن أبي وقاص، بأمر عمر بن الخطاب (6) ، ضرار بن الخطاب فأخذها عنوة وتطاير أهلها إلى الجبال فدعاهم فاستجابوا له، وأقام بها حتى تحول سعد إلى الكوفة فأرسل إليه فخرج إليه، واستخلف على ماسبذان. مارد (7) : بتيماء، وهو حصن دومة الجندل، بضم دال دومة، وهي على عشر ليال من الكوفة، ومن أمثالهم: تمرد مارد وعز الأبلق. الماه (8) : الدينور، والماه بالفارسية قصبة البلدان، أي بلد كان، فكان يقال للدينور ماه الكوفة لأن مالها كان يحمل في أعطيات أهل الكوفة، ونهاوند ماه البصرة. الماصر (9) : ربض من أرباض بغداد، ومما حفظ من شعر محمد الأمين عند اشتداد الحصر عليه: يا فضل قد حاصرني طاهر ... إني على ما نابني صابر

_ (1) كأنه جمع ((رجل)) على ((أرجال)) ثم صاغ جمع الجمع ((أرجلات)) . (2) ص ع: بريان. (3) نزهة المشتاق: 32 (OG: 89) وقد ذكر اليعقوبي في تاريخه 1: 94 المايد من ممالك الهند المتاخمة للصين. (4) انظر ياقوت (ماسبذان) ، وآثار البلاد: 260. (5) الطبري 1: 2478. (6) هو أحد بني محارب بن فهر. (7) راجع مادة ((الأبلق)) و ((تيماه)) . (8) معجم ما استعجم 4: 1176. (9) هكذا هو بالصاد المهملة في ع ص؛ وقد ذكر المسعودي (المروج 6: 452) ((الماطر)) مما يلي كلواذا؛ قلت: والماصر هو الجبل الذي يوضع على النهر لتوقيف السفن واقتضاء الضريبة منها عند المرور، ولعل المكان سمي كذلك لهذا السبب.

ماء الحياة:

لم يبق من ملكي إلا الذي ... تراه والجسران والماصر ماذران (1) : بجهة نهاوند. ماء الحياة (2) : موضع على ضفة البحر قريب من سبتة، فيه عيون على ضفة البحر نابعة بين أحجار من تحت رمل، طيبة عذبة، يصل إليها الموج، وينبط الماء العذب في هذا الرمل بأيسر حفر، ويذكر أن بهذا الموضع نسي فتى موسى عليه السلام الحوت، ويوجد في هذا الموضع دون غيره حوت ينسب إلى موسى عليه السلام عرضه مقدار ثلثي شبر، وطوله أكثر من شبر، ولحمه طيب نافع من الحصى مقو للباه. مالطة (3) : جزيرة من الجزائر التي تلي جزيرة صقلية، وهي في القبلة من مسينة بينها وبين صقلية مجرى واحد، وكانت قبل هذا للمسلمين، وفيها مراس منشأة للسفن، وأشجارها الصنوبر والعرعر والزيتون، وطولها ثلاثون ميلاً، وفيها مدينة من بنيان الأول وكان يسكنها الروم. وغزاها خلف الخادم مولى زيادة الله بن إبراهيم عند قيام أبي عبد الله محمد بن أحمد (4) ابن أخي زيادة الله على يد أحمد بن عمر بن عبد الله بن الأغلب، فهو الذي شقي في أمرها، وخلف هذا هو المعروف ببناء المساجد والقناطر والمواجل، فحاصرها ومات وهو محاصر لها، فكتبوا إلى أبي عبد الله بوفاته، فكتب أبو عبد الله إلى عامله بجزيرة صقلية، وهو محمد بن خفاجة، أن يبعث إليهم والياً، فبعث إليهم سوادة بن محمد، ففتحوا حصن مالطة، وظفروا بملكها عمروس أسيراً، فهدموا حصنها وغنموا وسبوا ما عجزوا عن حمله، وحمل لأحمد من كنائس مالطة ما بنى به قصره الذي بسوسة داخلاً في البحر، والمسلك إليه على قنطرة وكان ذلك سنة خمس وخمسين ومائتين (5) فبقيت بعد ذلك جزيرة مالطة خربة غير آهلة، وإنما كان يدخلها النشاءون للسفن، فإن العود فيها أمكن ما يكون، والصيادون للحوت لكثرته في سواحلها وطيبه، والشائرون للعسل فإنه أكثر شيء هناك. فلما كان بعد الأربعين والأربعمائة من الهجرة عمرها المسلمون، وبنوا مدينتها، ثم عادت أتم مما كانت عليه، فغزاها الروم سنة خمس وأربعين وأربعمائة في مراكب كثيرة وعدد، فحصروا المسلمين في المدينة واشتد الحصار عليهم وطمعوا فيهم، وسألهم المسلمون الأمان فأبوا إلا على النساء والأموال، فأحصى المسلمون عدد المقاتلة من أنفسهم فوجدوهم نحو أربعمائة، ثم أحصوا عبيدهم فوجدوهم أكثر عدداً منهم، فجمعوهم وقالوا لهم: إنكم إن ناصحتمونا في قتال عدونا وبلغتم من ذلك مبلغاً (6) وانتهيتم حيث انتهينا، فأنتم أحرار، نلحقكم بأنفسنا وننكحكم بناتنا ونشارككم أموالنا، وإن أنتم توانيتم وخذلتمونا لحقكم من السباء والرق ما يلحقنا، وكنتم أشد حالاً منا، لأن أحدنا قد يفاديه حميمه، ويخلصه من الأسر وليه، ويتمالأ على استنقاذه جماعته، فوعد العبيد من أنفسهم بأكثر مما ظنوا بهم، ووجدوهم إلى مناجزة عدوهم أسرع منهم، فلما أصبح القوم من اليوم الثاني غاداهم الروم على عادتهم، وقد طمعوا ذلك اليوم في التغلب عليهم وأسرهم، والمسلمون قد استعدوا في أكمل عدة للقائهم، وأصبحوا على بصيرة في مناجزتهم، واستنصروا الله عز وجل عليهم، فزحفوا وثاروا نحوهم دعساً بالرماح وضرباً بالسيوف غير هائبين ولا معرجين، واثقين بإحدى الحسنيين من الظفر العاجل أو الفوز الآجل، فأمدهم الله تعالى بالنصر، وأفرغ عليهم الصبر، وقذف في قلوب أعدائهم الرعب، فولوا منهزمين لا يلوون، واستأصل القتل أكثرهم، واستولى المسلمون على مراكبهم فما أفلتهم منها غير واحد، ولحق عبيدهم بأحرارهم، ووفوا لهم بميعادهم، وهاب العدو بعد ذلك أمرهم، فلم يعترضهم أحد منهم إلى حين (7) .

_ (1) لعل هذا وهم من المؤلف، فإن ماذران بجهة همذان، وقال البلاذري حين ذكر همذان وقرن بها ماذران (فتوح: 380) ((ثم إنه فتح همدان على مثل صلح نهاوند)) ثم قال: ونسبت القلعة التي تعرف بماذران إلى السري بن نسير، وماذران عند ياقوت بين سمنان والدامغان؛ وفي آثار البلاد (451) موضع بأرض قومس. (2) البكري: 106. (3) أول المادة عن البكري (ح) : 225، إلا أن نص البكري غير مستوفي، والمعتقد أيضاً أن أكثر المادة الباقية عن البكري نفسه، من موضع آخر في كتابه، وفي آثار البلاد: 557 خلاصة للأخبار التاريخية الواردة هنا، وانظر الإدريسي (م) : 19، ونخبة الدهر: 141، وعند ياقوت نقلاً عن السلفي أن مالطة من مدن الأندلس. (4) هو المشهور بأبي الغرانيق، توفي سنة 261، وانظر نهاية الأرب 22: 81. (5) هذه العبارة وقعت في آخر مادة ((مالطة)) ووقوعها هنالك لا ينسجم وسياق الأحداث، وتعيين هذا العام يتفق مع فحوى ما ورد في البيان المغرب 1: 115 حول أحداث العام 255، وانظر كتاب الأستاذ الطالبي: 475 وما بعدها في دراسة الغزو الأغلبي لمالطة. (6) ص: مبلغنا. (7) هذا أدق مما قاله القزويني: ((واشتدت شوكتهم فلم تعزهم الروم بعد ذلك أبداً)) وذلك لأن مقدرات مالطة تغيرت بعد سقوط صقلية في يد النرومان.

مازر:

مارتلة (1) : على نهر بطليوس بجزيرة الأندلس، منها الزاهد موسى بن عمران المارتلي، اشتهر في اشبيلية بالصلاح، وله شعر مدون منقول منه قوله: أوصيك لا ترد الشها ... دة والإمامة والأمانه تسلم من التجريح وال ... حسد المبرح والخيانه ولما جاز منصور الموحدين البحر إلى الجهاد عام الأرك زاره، ثم وجه إليه بالأموال فقال للرسول: هو أحوج في مالي مني في ماله، قل له: هذه مائة دينار من حلال، خذها لنفقتك في هذه الغزوة فإني أرجو إذا لم تطعم إلا الحلال أن تنصر، فيقال إن المنصور قبل منها ما قاته في خاصته في تلك الحركة، فلم يزل يعرف بركتها حتى نصر الله تعالى، وتوفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. مازر (2) : مدينة بجزيرة صقلية تلي قوصرة، بينهما مجرى؟ ومازر مدينة مشهورة على الساحل الموازي لافريقية، وهي من مدينة بلرم في الجنوب، وبها واد ترسي السفين فيه، وهي مدينة فاضلة شامخة لا شبه لها ولا مثال في شرف المحل، إليها الانتهاء في جمال الهيئة والبناء، وما اجتمع فيها من المحاسن لم يجتمع في غيرها، وأسوارها حصينة شاهقة، وديارها حسنة، وبها أزقة واسعة وشوارع وأسواق عامرة بالتجارات، وحمامات وخانات وبساتين وجنات طيبة المزدرعات؟ يسافر إليها من جميع الآفاق، وإقليمها كثير الاتساع، يشتمل على منازل كثيرة جليلة وضياع، وبأصل سورها الوادي المعروف بوادي المجنون، وبينها وبين مرسى علي ثمانية عشر ميلاً. ومن مفاخرها أن منها الفقيه الإمام أبا عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم التميمي المازري (3) صاحب " المعلم بفوائد مسلم " و " شرح التلقين " وغير ذلك، نزيل المهدية، لقي اللخمي (4) وعبد الحميد بن الصايغ، وبرع في العلم، وانتهت إليه رياسة العلم في وقته، ولا يسمى بالإمام أحد بإفريقية سواه، وسارت مقالاته وفتاويه في الأقطار وقصد الناس إليه، وتوفي بالمهدية سنة ست وثلاثين وخمسمائة. وكان، رحمه الله، على متانة علمه حسن الخلق مليح الدعابة، اجتاز عليه وهو مع أحد أصحابه نصراني في يده زجاجة خمر، فوضع صاحبه يده على أنفه، فاستهجن فعله ونسبه إلى الرياء وقال له: اشتهر في الناس أن ريحها طيب أو غير كريه، ولولا أن الشرع حرم شربها لم يكن بها عيب. واجتاز عليه وهو مع أصحابه بائع تفاح، فأخرج من جيبه خرقة حلها ودفع لصاحب التفاح جملة الذي كان فيها ثم نفض الخرقة وأنشد: ما زلت أشربها خمراً مشعشعة ... حتى نفضت على مكيالها كيسي وصعد هو وصاحب له سطحاً لارتقاب هلال فإذا امرأة على سطح آخر تلتمس الهلال أيضاً، فقال الإمام أبو عبد الله: طلعت للبدر تنظره ... فأرتنا البدر قد طلعا فقال صاحبه: أنزلوا عنا فتاتكم ... لم تدع ديناً ولا ورعا فقال له: هذا من الرياء. وقبره في المنستير؛ وحكي عن من قال: كنت أرى ليلة كل جمعة نوراً هابطاً من السماء متصلاً بقبر الإمام أبي عبد الله المازري. وبمازر توفي الأديب أبو علي حسن بن رشيق القيرواني مؤلف " العمدة " وغيرها سنة ست وخمسين وأربعمائة. مازونة (5) : بالمغرب بالقرب من مستغانم، وهي على ستة أميال من البحر، وهي مدينة بين أجبل، ولها مزارع وبساتين وأسواق عامرة، ولها يوم يجتمع فيه لسوقها أصناف البربر بضروب من

_ (1) بروفنسال: 175، والترجمة: 210 (Mertola) ، وهي مدينة صغيرة في جنوب البرتغال وترجمته المارتلي في المغرب 1: 406، والغصون الينعة: 135، والتكملة: 687، وقد ذكر ابن الأبار أنه توفي سنة 604. (2) (Mazara) الإدريسي (م) : 32، وانظر تقويم البلدان: 189، وياقوت (مازر) . (3) كتب عنه الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب كتاباً (نشر بتونس) ؛ وانظر الديباج: 279. (4) هو علي بن محمد الربعي القيرواني، توفي سنة 478. (5) الإدريسي (د/ ب) : 100/ 72 وقد ذكرها ابن بطوطة في رحلته: 657 إذ وصلها بعد ارتحاله من تنس.

مادغوس:

الفواكه والألبان والسمن، والعسل بها كثير، وهي من أحسن البلاد صفة وأكثرها فواكه وخصباً. ماست (1) : نهر عظيم في بلاد السوس الأقصى بالمغرب يصب في البحر المحيط، جريه من القبلة إلى الجوف كجري نيل مصر، عليه قرى متصلة وعمارات كثيرة وبساتين وجنات وأنواع من الفواكه والثمار والأعناب وقصب السكر، ولم يتخذ الساكنون على هذا الوادي قط رحى فإذا سئلوا عن ذلك قالوا: نتخذ هذا الماء المبارك في إدارة الأرحاء!! وهم يتطيرون بها. وعلى مصب (2) هذا الوادي في البحر رباط مقصود له موسم عظيم ومجتمع جليل، وهو مأوى للصالحين، وبين هذا الوادي ونول لمطة ثلاث مراحل في عمائر متصلة تسكنها جزولة ولمطة. وإلى هذا الموضع ينسب الثائر الخارج على عبد المؤمن بن علي المعروف بمهدي ماست (3) وكان عبد المؤمن صير إليه الجيوش مرة بعد مرة فهزمهم وكثر شغبه وعظمت جموعه، فتوجه إليه بالعساكر الشيخ أبو حفص صاحب الإمام المهدي فواقعه، وكانت بينهم حروب صعبة، فانهزم هذا القائم وقتل أصحابه؛ وهذا فصل من الكتاب بالإعلام بذلك، وهو من إنشاء أبي جعفر بن عطية (4) : كان أولائك الضالون المرتدون (5) من أهل ماست قد بطروا عدواناً وظلماً، وارتكبوا إفكاً وجرماً، وكان مقدمهم الشقي قد استمال النفوس بخزعبلاته، واستغوى القلوب بمهولاته، ونصب به الشيطان ما شاء من حبالاته، فأتته المخاطبات من بعد وكثب، ونسل إليه الرسل من كل حدب، واعتقدته الخواطر الزائغة أعجب عجب، وكان للناس هناك موقف أخذت الحرب فيه حقوقها، ونهجت به طريقها، وعرفت به رجالها وفريقها، وكنا نحن بخاصتنا في الساقة فحملنا على من يلينا من الأعداء، وحملت كل قبيلة على من يليها على الولاء، فكانت هناك كرات شهيرة، وحملات كثيرة، وظهر لأعداء الله تجلد لم ير قط لأمثالهم، ولا تخيل من أفعالهم، وذلك أنهم كانوا يعاينون غويهم لا تنقله الحملات ولا تحركه، ولا تزيله المنية عنه ولا تتركه، فكانوا ينظرون إليه، ويظهرون الجلد والاجتهاد لديه، فلما عاينه الموحدون واقفاً بمكانه، مقبلاً على بهتانه، قصدوا بعون الله لإطفاء ناره وكف عنانه، فصرع لحينه، وأتته نوافذ الخطيات عن يساره ويمينه، وعاد لوقته طريحاً، تقلب منه المنايا قلباً قريحاً، فانهزم من كان له من الأحزاب، وتساقطوا على وجوههم تساقط الذباب، ولم تقطر كلومهم إلا على الأعقاب، ودعت الضرورة باقيهم إلى الترامي في الوادي، ودام الموحدون في الإصرار على قتلهم والتمادي، فمن كان منهم يؤمل الفرار ويرتجيه، وسبح طامعاً في الخروج إلى ما ينجيه، اختطفته الأسنة هناك اختطافاً، وأذاقته موتاً ذعافاً، ومن لج في الترامي على لججه، ورام البقاء بثبجه، قضى لحينه شرقه، ولوى بدينه غرقه، وكان دخولهم فيه في أول مده إلى حين ابتداء الوادي في جزره ونقصانه، وكفه عن حملاته وطغيانه، فدخل الموحدون إلى البقية الكائنة فيه ينالونهم طعناً وضرباً، ويلقونهم هولاً عظيماً وكرباً، حتى انبسطت مراقات الدماء، على صفحات الماء، فحكت حمرتها على زرقه حمرة الشفق في زرق السماء، فمن لم تدركه منيته بسنان، أدركه الغرق بشر مكان. مادغوس (6) : قبر مادغوس بقرب جبل أوراس، وهو قبر مثل الجبل الضخم مبني بآجر دقيق قد بني وعقد بالرصاص، وصورت فيه صور الحيوان من الأناسي وغيرهم، وهو مدرج النواحي، وفي أعلاه شجرة ثابتة (7) وقد اجتمع على هدمه من سلف فلم يقدروا على ذلك، وفي الشرق من هذا القبر بحيرة مادغوس وهي (8) مجتمع لكل طائر.

_ (1) الاستبصار: 211 (وادي ماسة) ، وقد مر هذا في مادة ((السوس)) . (2) البكري: 161. (3) هو محمد بن عبد الله بن هود ثار سنة 541، وكان قصاراً على ضفة بحر سلا فادعى الهداية وسمى نفسه الهادي واستقر برباط ماسة واحتشدت إليه الأتباع (البيان المغرب 3: 26 - تطوان) . (4) كان أبو جعفر ابن عطية كاتباً لإسحاق بن علي بن يوسف اللتموني، فلما ذهبت الحملة ضد الماستي خرج فيها مستخفياً في جملة الرماة، فلما انتصر الموحدون طلب الشيخ أبو حفص كاتباً يكتب عنه بخبر الفتح إلى عبد المؤمن، فعرف بابن عطية فكتب هذه الرسالة التي أعجبت عبد المؤمن والحاضرين في مجلسه، فقربه عبد المؤمن وجعله كاتبه ثم حدثت شؤون جعلته يقتله (انظر البيان المغرب 3: 26 - 27، 35، والمعجب: 267، والإحاطة 1: 271، واعتاب الكتاب: 225، وقد ورد في المصدرين الأخيرين مقتطفات من الرسالة المشار إليها، وفي بعض العبارات اختلاف عما أورده المؤلف) . (5) ص ع: الظالمون والمرتدون. (6) البكري: 50، والاستبصار: 164. (7) البكري: نابتة. (8) ص ع: وهو.

مجدونيه:

متيجة (1) : مدينة بالقرب من الجزائر، على نهر كبير عليه الأرحاء والبساتين ولها مزارع ومسارح، وهي أكثر تلك النواحي كتاناً، ومنها يحمل، وفيها عيون سائحة وطواحن ماء. مثوب (2) : موضع قريب من حضرموت، فيه نزل وهرز الذي أرسله كسرى أنوشروان مع سيف بن ذي يزن لغزو الحبش في الزمن السالف، كان وجه معه من أهل السجون جنداً وقال: إن فتحوا فلنا، وان هلكوا فلنا، فلما مضوا مع وهرز الديلمي وكان رامياً شجاعاً فركبوا البحر إلى ساحل حضرموت ثم نزلوا بمثوب هذا، وأمر وهرز بتحريق السفن لئلا يخطر لهم الفرار، وقال في ذلك رجل من حضرموت: أصبح في مثوب ألف في الجنن ... من رهط ساسان ورهط وهرزن ليخرجوا السودان من أرض اليمن ... دلهم قصد السبيل ذو يزن وفي القصة طول، وهي مشهورة. مجنة (3) : ماء بازاء عكاظ، ومجنة على ثلاثة أميال من مكة بناحية مر الظهران وكان في الجاهلية سوقاً من أسواق العرب مثل عكاظ وذي المجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول مبعثه يأتي هذه الأسواق في مواسم يعرض نفسه على القبائل ويدعو إلى الله تعالى وإلى ما جاء به، وأقام على ذلك أعواماً، فمنهم من يحسن الرد ومنهم من يسيئه، إلى أن أظهر الله دينه ونصر نبيه، وفي ذكر عكاظ طرف من هذا. مجريط (4) : مدينة بالأندلس شريفة بناها الأمير محمد بن عبد الرحمن، ومن مجريط إلى قنطرة ياقوه (5) وهي آخر حيز الإسلام، أحد وثلاثون ميلاً. وفي مجريط تربة تصنع منها البرام وتستعمل على النار عشرين سنة لا تنكسر، وما طبخ فيها لا يكاد يتغير في حر الهواء ولا برده، وحصن مجريط من الحصون الجليلة، وهو (6) من بناء الأمير محمد بن عبد الرحمن. وذكر ابن حيان في تاريخه الخندق الذي خندق بخارج سور مجريط، قال: عثر فيه على قبر برمة عادية كان طولها إحدى وخمسين ذراعاً التي هي مائة شبر وشبران من قمحدوة رأسه إلى طرفي قدميه، وصح هذا بالثبت من مخاطبة قاضي مجريط ووقوفه عليه ومعاينته إياه ومعاينة شهوده ذلك، وأخبر أن مقدار ما وسعه تجويف قحف دماغه ما قدره ثمانية أرباع أو نحوها، فسبحان من له في كل شيء آية. ومجريط (7) ، مدينة صغيرة وقلعة منيفة، وكان لها في زمن الإسلام مسجد جامع وخطبة قائمة. وهي بمقربة من طليطلة. مجدونيه (8) : مدينة مجدونية قاعدة الروم الإغريقيين، ومنها أرسطاطاليس فيلسوف الروم وعالمها وطبيبها وجهبذها وخطيبها، وهو معلم الاسكندر وله إليه رسائل. ومن رسائله هذه الرسالة الفذة الصغيرة في حجمها الكبيرة في معناها، قالوا: اشتملت على مصالح الدنيا والآخرة، قال فيها علي بن رضوان المصري: وقد (9) وضع العارف أرسطاطاليس مقالة كتبها على طريق البلاغة جمع فيها ما إذا نصبه الإنسان غرضاً في مطلوب من مطالب السعادة الذاتية المسماة فلسفة، والعرضية المسماة بحثاً، وصل إلى مطلوبه، قال: وأنا أشير على كل من وقف عليها أن يعمل فيها ما عملناه وفرضناه على أنفسنا، وذلك أني أقرؤها في كل يوم مرة واحدة أتدبر معانيها وألزمها في مطلوباتي فأبلغ منها إلى ما ألتمسه، وهذا لفظ العارف: قال (10) : أما بعد، فإن حقاً على العاقل أن ينظر إلى محاسن الناس ومساوئهم وموقعها منهم في منافعها ومضارها، ثم يلتمس المنافع لنفسه من مثل ما نفعهم، ويتقي المضار عنها من مثل ما

_ (1) البكري: 65 - 66، وانظر الحديث عن فحص متيجه في الاستبصار: 132، وراجع مادة ((جزائر بني مزغنا)) . (2) متابع لمروج الذهب 3: 164؛ ع ص: متوف. (3) انظر معجم ما استعجم 4: 1187، وراجع مادة ((عكاظ)) ؛ وياقوت (مجنة) . (4) بروفنسال: 179، والترجمة: 216 (Madrid) وانظر دراسة عن مدريد الإسلامية للدكتور محمود مكي (القاهرة: 1968) . (5) ص ع: ماقوه، بروفنسال: ماقدة. (6) ص ع: وهي. (7) معظمه عن الإدريسي (د) : 188. (8) البكري (ح) : 228 (Macedonia) . (9) ع: رفع؛ ص: دفع. (10) أوردها المبشر في مختار الحكم: 219.

مجدول:

ضرهم، فيوظف الأمور وظائفها، ويجعل بين طبقاتها (1) حدوداً تزايل بينها، ثم يأخذ لنفسه آلة تأديبها في إحياء علم ما علم من الأمور بالعمل، واستجلاب ما جهل بالتعلم، ثم يكون تأديبه لنفسه في غير وقت واحد ولا معلوم، فإنه واجد في كل حين من أحايينه وطبقة من طبقات الدهر التي هو راكبها، أو في حال من حالات نفسه التي تتحرك إليها من ضروب الجد أو الهزل، أو الفرح أو الحزن، أو الإقامة أو الظعن، موضع تأديب لنفسه وتقويم لها حتى لا يكون لأهل طبقة من الطبقات، رفيعة كانت أو وضيعة، عليه في طبقتهم التي يشاركهم فيها فضل، فان امرءاً لا يلتمس أن يكون له فضل على أهل منزلة من المنازل إلا دعاه فضله عليهم إلى الرغبة عنهم، حتى ترقى به منزلته إلى مشاركة أهل المنزلة التي فوق منزلته، فإن التماس الراحة بالراحة يذهب الراحة ويورث النصب، لأن تأديب المرء نفسه داعية إلى نقله إلى الأرفعين إن كان ذا رفعة، ومن الأخسين إن كان ذا خساسة، وترك التأدب ضرر، وذو الضرر نصب عامل فقير، فمنهاج التأديب تيقيظ النفس بالأدب، ثم لا يمنعك عصيانها من إدامة تيقيظها، فإن إلحاحك عليها مع حبها الراحة سيحملها على طلب الراحة بتنقيص الطاعة، ولا يلبث الذي ينتقص، وإن كان كثيراً، أن يترك قليلاً، وإذا همت النفس ببعض الإجابة كان أولى ما تؤخذ به إعطاء الدين لحقه وإشعار النفس حظها ثم تعهد الإخوان بالملاطفة، فإن التارك متروك، ثم الاستكثار من فوائد الإخوان، فإن كثرتهم تقيل العثرة وتنشر المحمدة، ثم تأدية الفروض إلى أهل المكاسرة (2) المتشبهين بالإخوان، والصبر عليهم إما طمعاً في تحويل ذلك منهم صدقاً، وإما اتقاء كلمة فاجر وقعت في سمع مائق ذي دولة، ثم اعطاء إخوان الإخوان شعبة من الحفظ والتذكير، فإن إخوان الإخوان من الإخوان، وهم بمنزلة العلم المستدل به على الوفاء، ثم إن تقضى (3) محن الإخوان التي يمتحنون بها عند الناس: أما عند الموت فبحفظه في العقب، وأما عند الزمانة فبحفظه على حال الضعف، وأما عند الحاجة فبحفظه (4) عن المسكنة، ثم وزن ما نلت بما أنلت، ثم حسن التقاضي (5) إن ظن لك فضل بإسقاط المن وإحراز الفضل، والسخط على نفسك في التقصير، ثم تعهد الملوك بالتقريظ والملازمة فإن همتها في أنفسها الامتداح وفي الناس الاستغناء (6) ، ثم تعهد النصحاء بالممالأة (7) فإن نصيبهم منك واستفادتك منهم في الخلوة، ثم تعهد الصلحاء بالمصافاة لتعرف بمثل ما عرفوا به من الخير، ثم تعهد الأكفاء بالمكارمة (8) فإنها تحسم البخل وتجري الإخاء، ثم تعهد الخاصة (9) بتفتيش الداخلة، ثم تعهد ذوي الرحم بالرحمة وأقوياءهم بالتعليم، فإن رحمتك ذوي الرحم تورثك برهم وتعليمك ذوي القوة منهم تورثك نفعهم، ثم تعهد المعيشة بالإصلاح من غير تحبس للمستوجبات لما يجب لها، ثم تعهد الأعداء بالأذى، وذوي الاغتيال بالمناقضة (10) ، وذوي التنصل بالمغفرة، وذوي الاعتراف بالرأفة والرحمة، وذوي المواثبة بالوقار، وأهل المشاتمة بالمحقرة، وأهل المناقشة بالمكاثرة، وأهل الموادعة بالاحتراس، ثم الأخذ في الشبهات بالكف، وفي المجهولات بالإرجاء، وفي الواضحات بالعزيمة، وفي المستريبات بالبحث، ثم إحياء الحزم عند المكاره، والصبر عند النوائب، والتحمل عند الغيظ، والكظم عند الغضب، والوقار عند المستجهلات، ثم تعهد الجار بالرفق، والقرين (11) بالمواساة، والصاحب بالمطاوعة، والزائر بالتحفة، ثم صحبة الملوك بكتمان السر وإرشاد الأعمال وتقريظ الأفعال، ثم قس بين خيار إخوانك وشرارهم، ثم انظر أي الفريقين تستجمع به مودتهم، فإن كان تشبهك بخيارهم زادك عند شرارهم نفاقاً، وإن كان تشبهك بشرارهم زادك عند خيارهم كساداً، فإن أحق الأمرين يجمعهم جميعاً لك إن شاء الله تعالى والسلام. مجدول: موضع على نحو عشرين ميلاً من القيروان كانت فيه وقيعة بين يحيى بن إسحاق الميورقي وبين صاحب تونس يومئذ السيد أبي زيد بن أبي العلا ادريس من بني عبد المؤمن فانهزم يحيى ورجع السيد ظافراً، وفي ذلك يقول عثمان بن عتيق المهدوي:

_ (1) المختار: وظائفها. (2) ص والمختار: المكاشرة. (3) المختار: ثم أن اقصى. (4) ما بين معقفين في النص زيادة من المختار. (5) المختار: التعاطي. (6) المختار: الامتداح في الناس بالاستعباد. (7) المختار: بالمخالاة. (8) المختار: بالمكافأة. (9) المختار: الحامة. (10) ص ع: الاعتبار بالمناقصة. (11) ص ع: والفريق.

محسر:

لقد أيد الله المقام المكرما ... وسنى له الصنعين فتحاً ومغنما مجانة المطاحن (1) : بإفريقية، مدينة قديمة، فيها مقطع حجار الأرحاء لا يعدلها شيء من الحجارة، وبينها وبين مرماجنة مرحلة كبيرة، وهي مدينة صغيرة عليها سور تراب، وكان يزرع بها قديماً بصل الزعفران، ولها واد غزير الماء يأتي من جبل بمقربة منها يزرعون عليه غلاتهم، وهو جبل شاهق ومنه تقطع أحجار المطاحن التي إليها تنتهي الجودة وحسن الطحن، حتى إن الحجر الواحد منها ربما مر عليه عمر الإنسان فلا يحتاج إلى نقاش لصلابته ودقته، والعرب متغلبة على أرضها، وبينها وبين القسنطينة ثلاث مراحل. المحصب (2) : بمكة معروف مأخوذ من الحصباء، وقال الشاعر: ولم أر ليلى قبل موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصب محسر (3) : واد بالمزدلفة وهو جمع، وعن جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة، وجمع كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر ". المختارة: مدينة على الدجلة، وعلى مسيرة يوم من البصرة، وبالقرب من مدينة عبادان، سماها بذلك الدعي المتغلب على البصرة سنة ثمان وخمسين ومائتين، وهو المعروف بصاحب الزنج، وكان حاصرها وقتل من أهلها ثلثمائة ألف، وقتل بعد أن دخلها مائتي ألف، وحرق عامتها وهدم المسجد الجامع وحرقه بالنار، واسمه محمد بن علي بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، وخرج في خلافة المعتمد والمهتدي بالله العباسي، وكان الذي طاوله في تلك الحروب طلحة بن جعفر المتوكل المعروف بالموفق إلى ثلاث سنين وثمانية أشهر إلى أن قتله، وسيق رأسه إلى بغداد وطيف به، وكان يوماً عظيماً، وكان هذا الدعي سكن المختارة بسودانه الذين قاموا معه من عبيد أهل البصرة وغيرهم، وكانت مدته إلى أن قتل ست عشرة سنة، وكان موته بسهم أصابه في نحره بين الصفين وهو ينشد: لميتة يلقها الإنسان واحدة ... خير له من لقاء الموت تارات وقصته مشهورة، وهي أطول من هذا. مخيس (4) : سجن بناه علي رضي الله عنه بالكوفة، قال الخليل: هو بفتح الياء، سجن الحجاج، لأنه موضع التخييس. مدين (5) : بالشام على ساحل بحر القلزم، وهي أكبر من تبوك، وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب عليه السلام قال الله تعالى " ولما ورد ماء مدين "، ويحكى أنها بئر معطلة (6) ، وسميت مدين بالقبيلة التي كان منها شعيب عليه السلام، وفيها معايش ضيقة وتجارات كاسدة، ومن مدين إلى أيلة خمس مراحل. ومدين الذي سميت به البلدة هو مدين بن إبراهيم عليه السلام. وفي القرآن " وإلى مدين أخاهم شعيباً "، وقال بعضهم (7) : لم يكن شعيب عليه السلام من ذرية إبراهيم عليه السلام، وإنما هو من ذرية بعض من آمن به، وهم أصحاب الأيكة من ولد مدين بن إبراهيم، وسلط الله على قومه حراً شديداً أخذ بأنفاسهم، ثم بعث الله سحابة فوجدوا لها برداً، فلما صاروا تحتها أرسلها عليهم ناراً، فذلك قوله تعالى " فأخذهم عذاب يوم الظلة "، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى، وكانوا أهل كفر بالله وبخس في المكيال والميزان. وزعم قوم أن أهل مدين بعث الله إليهم شعيباً من العرب العاربة والأمم الدائرة وليسوا من ولد مدين بن إبراهيم.

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 118/ 87، وانظر الاستبصار: 161، والبكري: 49، 145. (2) معجم ما استعجم 4: 1192. (3) معجم ما استعجم 4: 1190. (4) معجم ما استعجم 4: 1199. (5) نزهة المشتاق: 112، وابن الوردي: 24، وصبح الأعشى 3: 188، وانظر ياقوت (مدين) وفي رحلة الناصري: 205 نقل عن الروض. (6) ع ص: معظمة. (7) الطبري 1: 365 وما بعدها.

المدائن:

ومدين (1) في الطريق من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصر، وهي بين جبال شامخة متكائدة (2) ، وبقرب مدين البئر التي استقى منها موسى عليه السلام، قد بني على أسها بيت من صخر فيه قناديل معلقة، وبها كهف شعيب كان يؤوي إليه غنمه، وفي الجبال التي هناك بيوت منقورة في صخر صم قد حفر في البيوت قبور، وفي تلك القبور عظام بالية كأمثال عظام الإبل، يكون مقدار كل بيت عشرين ذراعاً أو نحوها ولتلك البيوت روائح خبيثة لا يدخل الداخل فيها حتى يضع يده على أنفه من شدة النتن، يقال إنهم لما أخذهم عذاب يوم الظلة دخلوا فيه فهلكوا، وبقرب هذه البيوت تلال تراب عظيمة قيل إنها كانت مواضعهم (3) عامرة فخسف بها. ومع (4) يهود مدين كتاب يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه لهم، وهم يظهرونه للناس حتى الآن، وهو في قطعة أديم قد اسودت لطول الزمن عليها، إلا أن خطها بين، وفي آخره: وكتب علي بن أبي طالب، غير معرب (5) ، وقال قوم: إنه بخط معاوية بن أبي سفيان، ولم يذكر علياً، وهو عند أهل قرية من ساحل مدين يقال لها مسي، ومن هناك لا تزال تسير والجبال تيامنك والبحر بيسارك حتى تفضي إلى أيلة. المدائن (6) : على سبعة فراسخ من بغداد على حافتي دجلة، فبهرسير هي المدينة الدنيا، وهي على أحد جانبيها مما يلي المشرق، وقصر كسرى وهو الإيوان هي المدينة القصوى، وهو القصر الأبيض الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وبها كان مقام الأكاسرة. وتلقاء مقعد الملك من سقف الإيوان حلقة من ذهب كان يعلق التاج منها بسلسلة من ذهب. والمدائن (7) هي كانت دار مملكة الأكاسرة، والفرس اختاروها من مدن العراق، وكان أول من نزلها أنوشروان، وهي عدة مدن في جانبي دجلة الشرقي والغربي، منها المدينة التي يقال لها العتيقة، وفيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرى من بناه، وفي الجانب الشرقي أيضاً مدينة يقال لها أسبانبر، وفيها إيوان كسرى العظيم الذي ليس للفرس مثله، ارتفاع سمكه ثمانون ذراعاً، وبين المدينتين مقدار ميل، وفي هذه المدينة قبر سلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، ثم مدينة يقال لها الرومية، وبها كان أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وبها قتل أبا مسلم داعية بني العباس، وفي الجانب الغربي من دجلة مدينة يقال لها بهرسير، ثم ساباط على فرسخ من بهرسير. وهذه المدائن كلها هي المدائن وافتتحها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وذكر أن الاسكندر، وهو كان أحد ملوك الأرض، وقيل إنه ذو القرنين المذكور في القرآن بلغ مشارق الأرض ومغاربها وله في كل إقليم أثر فبنى بالمغرب الإسكندرية، وبخراسان العليا سمرقند ومدينة الصغد، وبناحية الجبل جي وهي أصبهان، وبنى مدناً أخر في نواحي الأرض وأطرافها، وجال الدنيا كلها ووطئها فلم يختر منها منزلاً سوى المدائن، فنزلها وبنى بها مدينة عظيمة، وجعل عليها سوراً أثره باق، وهو المدينة التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي، وأقام الاسكندر بها راغباً عن بقاع الأرض كلها وعن بلاده ووطنه، ولم تزل مستقره مذ نزلها حتى مات بها، وحمل منها فدفن بالإسكندرية مكان أمه، فإنها كانت إذ ذاك باقية هناك، وكذلك ملوك الأكاسرة كلهم اختاروا المدائن وما جاورها منزلاً لصحة تربتها وطيب هوائها واجتماع مصب دجلة والفرات بها، فلم تزل دار مملكة الأكاسرة ومحل كبار الأساورة، ولهم بها آثار عظيمة وأبنية قديمة، منها الإيوان والقصر الأبيض المذكور جميع ذلك في سينية أبي عبادة. ولما فرغ (8) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من القادسية أمره عمر رضي الله عنه بالمسير إلى المدائن وأن يخلف النساء والعيال بالعتيق ويجعل معهم كنفاً (9) من الجند ففعل، وعهد إليه أن يشاركهم في كل مغنم ما داموا يخلفون المسلمين في عيالاتهم، فقدم سعد زهرة بن الحوية نحو اللسان، وهو لسان البر الذي

_ (1) البكري (مخ) : 77. (2) البكري: متكاثرة. (3) البكري: مواضع. (4) النقل عن البكري مستمر. (5) لعل المقصود: وكتب علي بن أبو طالب. (6) قد كرر المؤلف في هذه المادة ما ذكره في ((الأبيض)) و ((بهرسير)) ... الخ؛ وانظر ابن الوردي: 29، وياقوت (المدائن) ، وآثار البلاد: 453. (7) معتمدة هنا اليعقوبي: 320 - 321. (8) الطبري 1: 2419. (9) الطبري: كثفاً.

أدلعه في الريف، وعليه الكوفة اليوم وكانت عليه قبل اليوم الحيرة، وكان النخيرجان معسكراً به، فارفض ولم يثبت حين سمع بمسيرهم ولحق بأصحابه. ثم قدم (1) سعد العساكر عليهم أمراؤه ثم ارتحل يتبعهم بعد الفراغ من أمر القادسية، وكل المسلمين فارس مؤد، قد نقل الله عز وجل إليهم ما كان في عسكر فارس من كراع وسلاح ومال، فسار زهرة حتى نزل الكوفة وهي حصباء ورملة حمراء، ومضى زهرة إلى المدائن، فلما أتى برس لقيه بصبهرى في جمع فناوشهم زهرة فهزمهم وهربوا إلى بابل، وبها فالة الفارسية وبقايا رؤسائهم، وكان زهرة قد طعن بصبهرى في يوم برس فمات من طعنته بعد ما لحق ببابل، وأقبل عند ذلك دهقان برس، وهو بسطام، فاعتقد من زهرة وعقد لهم الجسور وأتاه بخبر الذين اجتمعوا ببابل، فكتب بذلك زهرة إلى سعد، فأتاه الخبر وقد نزل بالكوفة على من بها مع هاشم بن عتبة، فقدمهم ثم اتبعهم، فنزلوا على الفيرزان ببابل، فاقتتلوا فهزموا المشركين في أسرع من لفت الرداء، فانطلقوا على وجوههم (2) ، ولم يكن لهم همة إلا الإفتراق، فخرج الهرمزان نحو الأهواز وخرج الفيرزان حتى طلع على نهاوند وبها كنوز كسرى فأخذها وأكل الماهين، وصمد النخيرجان ومهران الرازي للمدائن حتى عبرا بهرسير إلى جانب دجلة الآخر، ثم قطعا الجسر. ونزل سعد (3) بالناس على بهرسير شهرين يرمونهم بالمجانيق ويدبون إليهم بالدبابات ويقاتلونهم بكل عدة، وكان سعد عندما نزلها وعليها خنادقها وحرسها وعدة الحرب استصنع شيرزاد المجانيق، وكان اعتقد منه بأداء الجزية، فنصب على أهلها عشرين منجنيقاً فشغلهم بها، وقاتلهم المسلمون، وكانت على زهرة بن الحوية يومئذ درع مفصومة، فقيل له: لو أمرت بهذا الفصم، فسرد فقال: ولم؟ فقالوا: إنا نخاف عليك منه، فقال: إني لكريم على الله تعالى ان ترك سهم فارس الجند كله ثم أتاني من هذا الفصم حتى يثبت في، فكان أول رجل من المسلمين أصيب يومئذ بنشابة نشبت فيه من ذلك الفصم، فأرادوا نزعها فقال: دعوني فإن نفسي معي ما دامت في، لعلي أن أصيب فيهم بطعنة أو ضربة أو خطوة، فمضى نحو العدو فضرب بسيفه شهربراز من أهل اصطخر فقتله، وأحيط به فقتل وانكشفوا، وقيل بل غيره صاحب القضية، لأن الصحيح أن موته كان بعد ذلك. وأشرف (4) على الناس وهم يحاصرون بهرسير رجل من الفرس فقال: يقول لكم الملك هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما بيننا وبين دجلة وجبلنا، ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم؟ أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم؟ فبدر الناس أبو مفزر (5) الأسود بن قطبة، فأنطقه الله عز وجل بما لا يدري ما هو ولا نحن، فأجابه بالفارسية ولا يعرف منها شيئاً هو ولا نحن، فرجع الرجل ورأيناهم يقطعون إلى المدائن فقلنا: يا أبا مفزر، ما قلت لهم؟ قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما أدري ما هو، إلا أني غلبتني سكينة، وأرجو أن أكون أنطقت بالذي هو خير، وانتابنا الناس يسألونه حتى سمع ذلك سعد فجاءنا فقال: يا أبا مفزر: ما قلت لهم، فوالله إنهم لهراب؟ فحدثه بمثل حديثه إيانا، فنادى في الناس ثم نهد بهم فما ظهر على المدينة أحد ولا خرج إلينا إلا رجل نادى بالأمان، فأمناه، فقال: ما بقي أحد فيها، فما يمنعكم، فتسورها الرجال وافتتحناها فما وجدنا فيها شيئاً ولا أحداً إلا أسارى أسرناهم خارجاً منها، فسألناهم وذلك الرجل: لأي شيء هربوا؟ فقال: بعث إليكم الملك يعرض عليكم الصلح فأجبتموه إنه لا يكون بيننا وبينكم صلح أبداً حتى نأكل عسل افريذين بأترج كوثا، فقال الملك: واويلاه، أرى ملائكة تكلم على ألسنتهم فترد علينا وتجيبنا عن العرب، ووالله لئن لم يكن كذلك ما هو إلا شيء ألقي على في هذا الرجل لننتهي، فأرزوا إلى المدينة القصوى. ثم دخل سعد بهرسير وأمر بها فثلمت وتحول العسكر إليها، ولاح لهم في جوف الليل القصر الأبيض، فقال ضرار بن الخطاب: الله أكبر أبيض كسرى هذا ما وعد الله ورسوله، وتابع التكبير حتى أصبحوا. وقال القعقاع بن عمرو من شعر له: فتحنا بهرسير بقول حق ... أتانا ليس من سجع القوافي

_ (1) الطبري 1: 2420. (2) ع ص: وجهين. (3) الطبري 1: 2427. (4) الطبري 1: 2429، وراجع ((افرندين)) . (5) ع ص: مفوز.

وقد طارت قلوب القوم منا ... وملوا الضرب بالبيض الخفاف ولما نزل (1) سعد بهرسير، وهي المدينة الدنيا من المدائن، طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى منها، فلم يقدر على شيء، ووجدهم قد ضموا السفن، فأقاموا أياماً يريدونه على العبور فيمنعه الإبقاء على المسلمين، ودجلة قد طما ماؤها يندفق جانباها، فبينا سعد والمسلمون كذلك إذ سمعوا ليلاً قائلاً يقول: يا معشر المسلمين، هذه المدائن قد غلقت أبوابها وغيبت السفن وقطعت الجسور فما تنتظرون، فربكم الذي يحملكم في البر هو الذي يحملكم في البحر، فندب سعد الناس إلى العبور، وأتاه قوم من العجم لهم ذمة فدلوه على موضع أقل غمراً من موضعهم ذلك، ورأى سعد كأن خيول المسلمين اقتحمت دجلة فعبرتها وقد أقبلت من المد بأمر عظيم، فعزم لتأويل رؤياه على العبور، وفي سنة جود صيبها متتابع، فجمع الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليه معه، وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا، فيناوشونكم في سفنهم، وليس وراءكم شيء تخافونه، وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحصدكم الدنيا، إلا إني قد عزمت على قطع هذا البحر، فقالوا جميعاً: عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل، فقال: من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم الخروج، فانتدب له عاصم بن عمرو، وانتدب معه ستمائة من أهل النجدات، فاستعمل عليهم عاصماً فسار فيهم حتى وقف على شاطئ دجلة ثم قال: من ينتدب معي لنمنع الفراض من عدوكم حتى تعبروا فانتدب له ستون فجعلهم نصفين على خيول إناث وذكور ليكون أسلس لعوم الخيل، ثم اقتحموا دجلة واقتحم بقية الستمائة على أثرهم، وقد شدوا على حزمها وألبانها وقرطوها أعنتها وشدوا عليهم أسلحتهم، فلما رأتهم الأعاجم وما صنعوا أعدوا للخيل التي تقدمت خيلاً مثلها، فاقتحموا إليهم دجلة، فلقوا عاصماً في السرعان، وقد دنا من الفراض فقال: الرماح الرماح!! أشرعوها وتوخوا العيون، فالتقوا، فاطعنوا في الماء، وتوخى المسلمون عيونهم، فتولوا نحو البر والمسلمون يشمسون بهم خيولهم حتى ما يملكون منها شيئاً، فلحقوا بهم في البر فقتلوا عامتهم، ونجا باقيهم عوراناً، وتلاحق باقي الستمائة بأوائلهم الستين غير متعتعين وسميت كتيبة عاصم هذه كتيبة الأهوال لما رأى منهم في الماء والفراض. ولما رأى (2) سعد عاصماً على الفراض وقد منعها أذن للناس في الاقتحام وقال: قولوا نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وتلاحق عظم الجند فركبوا اللجة، واعترضوا دجلة وإنها لمسودة تزخر، لها حدب تقذف بالزبد، فكان أول من اقتحم سعد بن أبي وقاص ثم أقحم الناس خيولهم، وقد قرنوا أنثى بكل حصان يتحدثون على ظهورها كما يتحدثون على الأرض، وطبقوا دجلة خيلاً ورجالاً حتى ما يرى الماء من الشاطئ أحد، وسلمان الفارسي يساير سعداً يحدثه، والماء يطفو بهم، والخيل تعوم، فإذا أعيا فرس استوى قائماً يستريح كأنه على الأرض، فقال قيس بن أبي حازم: إني لأسير في دجلة في أكثر مائها إذ نظرت إلى فارس وفرسه كأنه واقف ما يبلغ الماء حزامه، قال بعضهم: لم يكن بالمدائن أمر أعجب من ذلك، فقال سعد: ذلك تقدير العزيز العليم. وفي رواية (3) ، أنه قال لسلمان وهو يسايره في الماء: والله لينصرن الله وليه، وليظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه، إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات، فقال سلمان: يا أبا إسحاق الإسلام جديد، ذلل الله لكم البحر كما فرقه وذلله لبني إسرائيل والذي نفس سلمان بيده، لتخرجن منه أفواجاً كما دخلتموه أفواجاً، فخرجوا منه كما قال سلمان، ولم يفقدوا شيئاً ولم يغرق فيه أحد إلا رجلاً من بارق يدعى غرقدة زل عن ظهر فرس له شقراء كأني أنظر إليها عرياً تنفض عرفها، والغريق طاف، فثنى القعقاع بن عمرو عنان فرسه إليه، فجره حتى عبر، فقال البارقي، وكان من أشد الناس: أعجزت الأخوات أن يلدن مثلك يا قعقاع، وكانت للقعقاع فيهم خؤولة، ولم يذهب للمسلمين في الماء يومئذ شيء إلا قدح كانت علاقته رثة فانقطع فذهب به الماء فقال الرجل الذي كان يعاوم صاحب القدح معيراً له: أصابه القدر فطاح، فقال: إني أرجو والله ألا يسلبني الله قدحي من بين أهل العسكر، فإذا رجل من المسلمين ممن تقدم يحمي

_ (1) الطبري 1: 2431. (2) الطبري 1: 2434، 2438. (3) الطبري: 2436.

مدينة المنصور:

الفراض قد تناول القدح، وقد ضربته الرياح والأمواج حتى وقع إلى الشاطئ برمحه فجاء به إلى العسكر، فعرفه صاحبه فأخذه وقال لصاحبه الذي كان يعاومه: ألم أقل لك؟ فيروى أن عمر رضي الله عنه بلغه ما كان قال له صاحبه أولاً، فأنكره وأرسل إليه: أنت القائل أصابه القدر فطاح، تفجع مسلماً؟ وقال الأسود بن قطبة أبو مفرز يومئذ: يا دجل إن الله قد أشجاك ... هذي جنود الله في قراك فالشكر للذي بنا حاباك ... ولا تروعي مسلماً أتاك وفجأ المسلمون (1) أهل فارس من هذا العبور بأمر لم يكن في حسابهم فأجهضوهم وأعجلوهم عن جمهور أموالهم، وخرجوا هراباً، واستولى المسلمون على ما كان لهم من خزائن وثياب متاع وآنية وألطاف وما لا يدرى ما قيمته، وما كانوا أعدوا للحصار من البقر والغنم وكل الأطعمة والأشربة، فدخل المسلمون المدائن واستولوا على ذلك كله، ونزل سعد القصر الأبيض، ولما عبر المسلمون دجلة جعل أهل فارس ينظرون إليهم يعبرون ويقول بعضهم لبعض بالفارسية ما تفسيره بالعربية: والله إنكم ما تقاتلون الإنس وإنما تقاتلون الجن. وما زال حماة أهل فارس يقاتلون على ماء الفراض يمنعون المسلمين من العبور، حتى ناداهم مناد: على م تقتلون أنفسكم؟ فوالله ما في المدائن من أحد، فانهزموا واقتحمتها الخيول عليهم. وانتهى سعد إلى إيوان كسرى فقرأ " كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوماً آخرين " وصلى فيه صلاة الفتح، ولا تصلى جماعة، وتصلى ثمان ركعات لا يفصل بينهن، واتخذ الإيوان مسجداً وفيه تماثيل الجص رجال وخيل، فلم يمتنع هو ولا المسلمون من الصلاة فيه لأجلها، وتركوها على حالها، وأتم سعد الصلاة يوم دخلها لأنه أراد المقام بها. وبالمدائن كانت أول جمعة جمعت بالعراق في صفر سنة ست عشرة. ولما جمعت الغنائم (2) ، قسم سعد بين الناس فيئهم بعدما خمسه، فأصاب الفارس اثني عشر ألفاً، وكلهم كان فارساً ليس فيهم راجل وقسم دور المدائن بين الناس فأوطنوها وبعث إلى العيالات فأنزلهم فيها وأقاموا بالمدائن حتى فرغوا من جلولاء وحلوان وتكريت والموصل، ثم تحولوا إلى الكوفة بعد وكتب سعد إلى عمر رضي الله عنهما بفتح المدائن وبهرب ابن كسرى. والمدائن خربت منذ أزمان متقدمة، وعلى مقدار نصف فرسخ منها مشهد سلمان الفارسي رضي الله عنه. المدينة: هو اسم غلب على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل "، وقال تعالى: " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق " وهي يثرب، قال عز وجل: " يا أهل يثرب لا مقام لكم " والدار، قال تعالى: " والذين تبوؤا الدار والإيمان "، وطيبة وطابة والعذراء وجابرة والمجبورة والمحبة والقاصمة وقد مر ذكرها في حرف الطاء. وغلب على بلرم قاعدة مدن جزيرة صقلية اسم المدينة أيضاً، وفيها قال أبو علي بن رشيق يعنيها (3) : أخت المدينة في اسم لا يشاركها ... فيه سواها من البلدان والتمس وعظم الله معنى ذكرها قسماً ... قلد إذا شئت أهل العلم أو فقس مدينة المنصور (4) : بالعراق، بناها أبو جعفر المنصور وأضافها إلى نفسه، وهي مشرفة على دجلة، وهي بين دجلة والفرات ودجيل والصراة، وكان بنى على كل باب من أبواب المدينة مجلساً يشرف منه على ما يليه من البلاد من ذلك الوجه، وكانت أربعة أبواب، وهي: باب خراسان، وكان يسمى باب الدولة، وباب الشام، وباب الكوفة، وباب البصرة. قالوا (5) : وبينما المنصور جالس في مجلس بهذه المدينة في أعلى باب خراسان مشرف على دجلة إذ جاء سهم عائر حتى سقط

_ (1) انظر الطبري 1: 2440. (2) الطبري 1: 2450. (3) راجع مادة ((بلرم)) . (4) ليست مدينة المنصور سوى بغداد؛ وقد مر ذكرها مفصلاً. (5) مروج الذهب 6: 170 - 175.

المذار:

بين يديه، فذعر المنصور منه ذعراً شديداً، ثم أخذه فجعل يقلبه، فإذا مكتوب عليه بين الريشتين: أتطمع في الحياة إلى التنادي ... وتحسب أن ما لك من معاد ستسأل عن ذنوبك والخطايا ... وتسأل بعد ذاك عن العباد ثم قرأ عند الريشة الأخرى: أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر وساعدتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر ثم قرأ عند الريشة الأخرى: هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال يوماً تريك خسيس القوم ترفعه ... إلى السماء ويوماً تخفض العالي قال: وإذا على جانب السهم مكتوب: همذان منها مظلوم في حبسك، فبعث من فوره بعدة من خاصته ففتشوا الحبوس والمطابق، فوجدوا شيخاً في بيت من الحبس فيه سراج يسرج، وعلى بابه جارية مسبلة (1) ، وإذا الشيخ موثوق بالحديد متوجه نحو القبلة يردد هذه الآية " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "، فسئل عن بلده فقال: همذان، فحمل ووضع بين يدي المنصور، فسأله عن حاله، فأخبره أنه رجل من أبناء مدينة همذان وأرباب نعمتها، وأن واليك دخل إلى بلدنا، ولي ضيعة في بلدنا تساوي ألف ألف درهم، وأراد أخذها مني فامتنعت، فكبلني في الحديد وحملني، وكتب إني عاص، فطرحت في هذا المكان، فقال المنصور: مذ كم؟ قال: مذ أربعة أعوام، فأمر بفك الحديد عنه والإحسان إليه والإطلاق له وإنزاله أحسن منزل، وقال: يا شيخ، قد رددنا عليك ضيعتك بخراجها ما عشت وعشنا وأما مدينتك همذان فقد وليناك عليها، وأما الوالي فقد حكمناك فيه وجعلنا أمره إليك، فجزاه الشيخ خيراً ودعا له بالبقاء وقال: يا أمير المؤمنين، أما الضيعة فقد قبلتها، وأما الولاية فلا أصلح لها وأما واليك فقد عفوت عنه، فأمر له المنصور بمال جزيل وبر واسع، واستحله وحمله إلى بلده مكرماً بعد أن صرف الوالي وعاتبه على ما جنى من انحرافه عن سنة العدل، وسأل الشيخ مكاتبته في مهماته وأخبار بلده، وإعلامه بما يكون من ولاته على الحرب والخراج، ثم أنشأ المنصور يقول: من يصحب الدهر لا يأمن تصرفه ... يوماً وللدهر إحلاء وإمرار لكل شيء وإن دامت سلامته ... إذا انتهى فله لا بد إقصار مدينة المائدة (2) : في أحواز طليطلة، سميت بذلك لأنها وجد فيها المائدة المنسوبة إلى سليمان بن داود عليهما السلام وهي خضراء من زبرجد، حافاتها منها وأرجلها، وكان فيها ثلثمائة وخمسة وستون رجلاً، وانتهى إليها طارق حين مضى إلى طليطلة سنة ثلاث وتسعين. المدان (3) : بلد بالحجاز، به مات عيسى بن جعفر بن أبي جعفر سنة اثنتين وتسعين ومائة. قال أبو العيناء: انصرف عيسى بن جعفر ليلة من عند الرشيد، وفي إصبعه خاتم فضة، فصه ياقوت أحمر قيمته عشرة آلاف دينار، فسقط فصه في الطريق، فطلب فلم يوجد، فقال: أطفئوا الشمع، فلما أظلم الطريق أضاء الفص فأخذه. المذار (4) : بالعراق، وهي مدينة ميسان، على ضفة دجلة،

_ (1) مروج الذهب: ثوب مسبل. (2) بروفنسال: 179، والترجمة: 216. (3) ص ع: المدائن، ولا وجه لذكره هنا لو كان كذلك، فقد ذكرت المدائن من قبل، وعند ياقوت ((المدان)) بناحية الحرة الرجلاء في ديار قضاعة؛ والمدار - بالراء - موضع بالحجاز في ديار عدوان أو غدانة؛ ومن الصعب الاهتداء إلى حقيقة ما يريده المؤلف، إذ قرن الموضع بوفاة عيسى بن جعفر بن أبي جعفر، وعند ابن الأثير (6: 208) أنه توفي بالدسكرة؛ وعند ابن قتيبة (المعارف: 379) أنه مات بدير بين بغداد وحلوان، وهو شبيه بما قاله ابن الأثير. (4) قارن بنزهة المشتاق: 121، وياقوت (المدار) ، واليعقوبي: 322.

المروة:

وهي عامرة بالأسواق والتجاريات، وهي صغيرة في قدرها، وبها مصانع، وأهلها متنافسون فيما بينهم، ولهم اهتمام بالأمور وصيانة لما بين أيديهم من أموالهم وشح مطاع، ولهم مزارع كثيرة وعمارات جليلة وغلاة رائجة، وهي ما بين واسط والبصرة. وسميت (1) بالمذار لفساد تربتها، والمذار: الفساد في الرائحة. وكانت وقعة (2) المذار في صفر سنة اثنتي عشرة على يد خالد بن الوليد، في خلافة الصديق رضي الله عنهما، خرج إليهم خالد في تعبئته، فاقتتلوا على حنق وحفيظة، ودعا قارن إلى البراز، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى بن النباش، فابتدراه فسبقه إليه معقل فقتله، وقتلت فارس مقتلة عظيمة، وأقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت، وقسم الفيء ونفل من الأخماس ما نفل في أهل البلاد، وبعث بقيتها إلى أبي بكر رضي الله عنه، ودفع إلى أبيض الركبان سلب قارن وقيمته مائة ألف، وإلى عاصم وعدي سلب النوشجان وقباذ، وقتل ليلة المذار ثلاثون ألفاً سوى من غرق، ولولا المياه لأتي على آخرهم، ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة، ولم يلق خالد رضي الله عنه أحداً بعد هرمز إلا كانت الوقيعة الأخيرة أعظم من التي قبلها، ومن ذلك السبي كان يسار أبو الحسن البصري، وكان نصرانياً. المروة (3) : جبل بمكة معروف، والصفا جبل آخر بازائه، وبينهما قديد ينحرف عنهما شيئاً يسيراً، والمشلل هو الجبل الذي ينحدر منه إلى قديد، وعلى المشلل كانت مناة، فكان من أهل بها من المشركين، وهم الأوس والخزرج يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة، ثم استمروا على ذلك في الإسلام، فأنزل الله تعالى: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " كذا روي عن عائشة رضي الله عنها. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: لما ذكر الله عز وجل الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل الآية. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في طوافه بينهما يمشي حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، وكان بدء هذا السعي أن إبراهيم عليه السلام لما أتى بهاجر إلى مكة وانتهى بها وابنها معها طفل صغير، وليس معهما إلا مزود تمر وقربة ماء، فأنزلهما هناك وانصرف عنهما، تبعته فقالت: يا إبراهيم آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، فمكثت حتى فني الزاد والماء وانقطع لبنها، وجعل الصبي يتلمظ، فذهبت إلى الصفا فوقفت عليه، هل ترى من مغيث، فلم تر أحداً، فذهبت تريد المروة، فلما صارت في بطن الوادي سعت حتى خرجت منه، فأتت المروة فوقفت عليها، هل ترى أحداً، وترددت بينهما سبعة أشواط، فصارت سنة. وذو المروة (4) من أعمال المدينة، قرى واسعة لجهينة. مر الظهران (5) : بفتح أوله وتشديد ثانيه وبالظاء المعجمة، موضع بينه وبين البيت ستة عشر ميلاً، ورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ترك طواف وداع البيت من مر الظهران، وكانت منازل عك مر الظهران، سميت مر لمرارة مياهها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل المسيل الذي من أدنى مر الظهران حتى يهبط من الصفراوات، وليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الطريق إلا مرمى حجر، وهناك نزل عند صلح قريش. وبمر الظهران حصن كبير يسمى البوقة، وفيه كان مسكن أمير مكة شكر بن الحسن بن علي بن جعفر الحسني، وهناك ضياع كثيرة لأهل مكة ولبني جمح وبني مخزوم وغيرهم. وببطن (6) مر تخزعت خزاعة عن إخوتها فبقيت بمكة وسارت إخوتها إلى الشام أيام سيل العرم، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه (7) : ولما نزلنا بطن مر تخزعت ... خزاعة عنا في الحلول الكراكر

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1203. (2) الطبري 1: 2026. (3) معجم ما استعجم 4: 1217. (4) المصدر السابق: 1218. (5) المصدر السابق: 1212، ونقل عن الروض صاحب صبح الأعشى 4: 260 وكذلك الناصري في رحلته، وتوقف عند قوله: ((وسمي مر لمرارة مائه)) فقال: ((ما رأينا به نحن إلا المياه العذبة الدافقة، فإن كان به غيرها من المياه فمسلم له قوله ... )) ، والمؤلف يتابع البكري الذي ينسب القول بمرارة الماء إلى كثير عزة، وهو محض تعليل للاسم لا غير. (6) عاد إلى النقل عن معجم البكري. (7) نسبه ياقوت (مر) لعون بن أيوب الأنصاري الخزرجي.

مرو الشاهجان:

ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزل أزد عمان عمان، ونزلت خزاعة مراً كما قلناه، ونزلت أزد السراة السراة، وفيهم نزل: " لقد كان لسبأ في مسكنهم ". وبطن مر (1) فيه عين ماء في مسيل رمل، وحوله نخيلات يأوي إليها قوم من العرب، ومن بطن مر إلى عسفان ثلاثة وثلاثون ميلاً. المريسيع (2) : قرية من قرى وادي القرى، وقال البخاري: هو ماء بنجد في ديار بني المصطلق من خزاعة، وقال ابن إسحاق: من ناحية قديد إلى الشام، غزاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست فهي غزوة المريسيع وغزوة بني المصطلق وغزوة نجد، قال الزهري: وفيها كان حديث الإفك. ثنية المرار (3) : في حديث الحديبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: " انزلوا "، فقيل: يا رسول الله ما بالوادي ماء ننزل عليه فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه فنزل به قليباً من تلك القلب فغرز (4) في جوفه فجاش بالارواء حتى ضرب الناس فيه بعطن. مداسة (5) : مدينة من بلاد السودان، وهي متوسطة كثيرة العمارة، وفي أهلها معرفة، وهم على شمال النيل ومنه شربهم، وهي بلد أرز وذرة، وأكثر عيشهم من الحوت وتجارتهم بالتبر. المربد: موضع بالبصرة، قال جعفر بن سليمان: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، وداري عين المربد، وفي مقصورة ابن دريد (6) : فالمربد الأعلى الذي تلقى به ... مصارع الأسد بألحاظ المها مركطة (7) : مدينة بينها وبين بلاق مرحلة ببلاد السودان، وهي صغيرة لا سوق لها، مجتمعة الخلق متحضرة، وبها شعير يتعيشون منه، والسمك والألبان عندهم كثير، وإليها يدخل التجار في بحر القلزم. مرو الشاهجان (8) : من خراسان، وتسمى أم خراسان، والمرو بالفارسية المرح، والشاه الملك، وجان النفس، فمعناه " مرح نفس الملك "، وقال مسلم بن الوليد: حنت بمرو الشاهجان تسومني ... أحداً أشطت لو تحس بذاكا وإذا أطلقوا مرو فإنما يعنون مرو الشاهجان، والنسبة إليها مروزي، وهو من شاذ النسب، ومن قصيدة زياد الأعجم التي رثى بها المغيرة بن المهلب: إن السماحة والمروءة ضمنا ... قبراً بمرو على الطريق الواضح وفيها قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس سنة إحدى وثلاثين، وهو ابن شهريار، وقتله الأعاجم، تولى قتله رجل ينقر الأرحاء، وسبيت له ابنتان فوجه بهما إلى العراق. وبين مدينة (9) مرو وبلخ مائة وستة وعشرون فرسخاً، وتعرف بمرو الشاهجان الأولية البنيان، وقهندزها من بناء طهمورث، والمدينة القديمة من بناء ذي القرنين، ويقال إنه دعا لها بالبركة وقال: لا يصاب أهلها بسوء، وهي في أرض مستديرة بعيدة من الجبال وليس في شيء من حدودها جبل، وأرضها كثيرة الرمل وأبنيتها بالطين، وحدها من المشرق بشاطئ جيحون وفي الجنوب حدود الترمذ والبحر، وفي الشمال أوائل دروب خوارزم وفي المغرب أول حد سرخس، وهي سهلية رملية تحيط بها الرمال والمفاوز ويجري فيها نهر عظيم منه شربهم يقبل من ناحية الجنوب من مرو الروذ، وهو شرب مرو الروذ، وابتداؤه من حدود الباميان. وفي مرو ثلاث مساجد للجمعات، لأن أول مسجد أقيم للجمعة ضاق عن الناس لما كثروا فبنى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه المسجد المعروف بالعتيق على باب المدينة حيث الجامع

_ (1) نزهة المشتاق: 51. (2) معجم ما استعجم 4: 1220. (3) معجم ما استعجم 4: 1206، والسيرة 2: 310، ص ع: ثنية المراة، وهناك ثنية المرة (تخفيف مرأة) ، انظر معجم البكري: 1161، 1209. (4) ع ص: فغرزها. (5) ص ع: مراسة، ولهذا وردت في هذا الموضع، وكذلك هي في أصول نزهة المشتاق، والمؤلف ينقل عنه الإدريسي (د/ ب) : 8/ 9 (OG: 25) . (6) شرح المقصورة: 146. (7) الإدريسي (د) : 22 (OG: 41) ، ع ص: مركضة. (8) معجم ما استعجم 4: 1216. (9) قارن بالكرخي: 147، وابن حوقل: 298، 310، وياقوت.

مرو الروذ:

ومصلى العيد في رأس الميدان في مربعة أبي جهم، ويطوف به من جميع نواحيه البنيان والعمارات، وهو على نهر وعليه أبنية كثيرة من المدينة، وهو مما يلي ناحية سرخس. وللمدينة الداخلة أربعة أبواب: الباب الأول يلي المسجد الجامع، وباب يعرف بباب سنجان، وباب بالين وباب درمشكان (1) ، ومن هذا الباب يخرج إلى ما وراء النهر، وعلى هذا الباب عسكر المأمون أيام مقامه بها إلى أن انتهت إليه الخلافة ومرو أيضاً كانت معسكر الإسلام في أوله ومنها استقامت مملكة فارس للمسلمين لأن يزدجرد ملك فارس قتل بها في طاحونة، ومن مرو ظهرت دولة بني العباس لأن في دار أبي النجم المعيطي صنع أول سواد صنع ولبسته المسودة. ومن صحة تربة مرو أن بطيخهم يقدد ويحمل إلى سائر البلاد، ولا يمكن في غيرها، وتكون البطيخة الواحدة بها من ربع قنطار وأكثر، ولا يكون موضع الزريعة منها إلا قدر موضع بيضة، وتضع منه شرائح وتجفف، ويؤكل جافاً أطيب منه رطباً وتصنع منه حلوى، ويجد الذي يأكله له رائحة عطرة لا تشبه بشيء، تبقى في يد المتناول أياماً وإن غسل بغاسول، وكان يجتلب منه للمأمون في كل عام بنحو عشرة آلاف دينار وأكثر، ومن معادنها يكون الاشبوعان الذي يحمل إلى سائر البلاد، ويرتفع من مرو الابريسم والقز الكثير والقطن الذي ينسب في سائر البلاد إليها، وهو غاية في اللين لا يعدل به ويتجهز به إلى الآفاق. وحكوا ان امرأة من مرو كانت تلد البنات، فقيل لها: احمدي الله، فقالت: لا أحمد الله، فولدت قردة. قال المخبر: فرأيتها ترضعها في حجرها. وبمرو كان سرير سلطنة خراسان من قديم الزمان، وفيها معظم العسكر، فأرسل الططر في الخفية إلى البلد: إن أنتم قاتلتمونا مثل أهل بلخ ونيسابور وهراة لم يبق منكم أحد، وفعلنا بكم كما فعلنا بهم ولا يغركم الجند فإنهم يفرون على خيولهم ويتركونكم في أيدينا، وأرسلوا إلى الجند: خلوا بيننا وبين الرعية والأموال وسيروا حيث تحبون، فتجادل الصنفان، وركن أهل البلد إلى تأمينهم، فلما ملكوا المدينة لم يبقوا على بلدي ولا جندي، ومن أفلت من الجند أدركته خيل الططر، وخرجت عليهم من كمائنهم التي وضعوها في البساتين والرساتيق، وجاءوا من كل حدب ينسلون، وانجلت الحال عن سبعمائة ألف قتيل من المسلمين وإنما عرف عددهم بأن وضعت عليهم (2) قطع القصب، وكان القتلى بنيسابور وبلخ وهراة أكثر مما كانوا بمرو، وهذه أمهات مدن خراسان التي كان المثل يضرب بعمارتها وعظمها، خربوها وقتلوا أهلها في بعض سنة، وفعلوا في مدارس هذه المدن وربضها ما تنبو عنه الأسماع، فسبحان من أرسلهم لطي الدنيا. مرو الروذ: بخراسان أيضاً، والمرو بالفارسية المرح كما قلناه والروذ الوادي، فمعناه: وادي المرح، لأن إضافتهم مقلوبة والنسبة إليها مرورودي، هذا هو المستعمل، وإن ينسب روذي. وقالوا (3) : هذه أكبر من بوشنج وهي مدينة قديمة في مستو من الأرض بعيدة عن الجبال أرضها سبخة كثيرة الرمل وأبنيتها من الطين، وهي على غلوة سهم من النهر وفيها ثلاثة مساجد للجماعات ولها قصبة في نشز مرتفع، وماء المدينة يجلب إليها في قنوات كثيرة وللمدينة أربعة أبواب، وبمرو نهر عظيم تنبعث منه أنهار وتسقى بها الرساتيق وجملة ضياعهم، وفي هذه الضياع مبان متقنة ومتنزهات حسنة. ومرو معتدلة الهواء حسنة الثرى ويقدد بها البطيخ ويحمل إلى كل الآفاق، ويرتفع من مرو الابريسم والقز الكثير ويتجهز منها بالقطن العجيب الذي ينسب في سائر الأقطار إليها، وهو الغاية في اللين وتعمل منه بها الثياب تحمل إلى كل الآفاق، ولها منابر مضافة إليها ومعدودة منها، وبين مرو الروذ ومرو (4) الشاهجان ست مراحل، ومرو الروذ ما بين مرو وبلخ وهي أقرب إلى مرو. وافتتح مرو الروذ الأحنف بن قيس، وهو من قبل عبد الله بن عامر، في خلافة عثمان رضي الله عنه.

_ (1) تصحفت أسماء الأبواب في ص ع فجاءت: بابن سنجار، وباب البر وباب دسيطا، وصوبته عن الكرخي. (2) سقط من ع. (3) نزهة المشتاق: 143، وقارن بابن حوقل: 369، والكرخي: 152، والمقدسي: 291، وياقوت، وتبدو بعض المعلومات مشتركة مع ما ذكر عن مرو الشاهجان، فهل خلط الإدريسي بين المدينتين أو أن النسخ مضطربة؟ (4) ص ع: وبين مرو.

مربلة:

وفي سنة ثلاث ومائتين كانت بمرو ونواحيها من أرض خراسان زلازل كان أمرها غليظاً. ولما بعث (1) ابن عامر الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ حاصر أهلها وخرجوا إليه فقاتلوه فهزمهم المسلمون حتى اضطروهم إلى حصونهم، فأشرفوا عليهم فقالوا: يا معشر العرب: ما كنتم عندنا كما نرى، ولو علمنا أنكم كما نرى لكانت لنا ولكم حال غير هذه، فأمهلوا ننظر في أمرنا في يومنا، وارجعوا إلى عسكركم، فرجع الأحنف، فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا له، فخرج من المدينة رجل من العجم معه كتاب فقال: إني رسول فأمنوني، فإذا هو ابن أخي مرزبان مرو، ومعه كتاب إلى الأحنف، وإذا فيه: إلى أمير الجيش، إنا نحمد الله الذي بيده الدول يغير ما يشاء من الملك، ويرفع من يشاء بعد الذلة، ويضع من يشاء بعد الرفعة، إنه دعاني إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدي وما كان رأى من صاحبكم من الكرامة والمنزلة فمرحباً بكم وأبشروا، وأنا أدعوكم إلى الصلح على أن أؤدي إليكم خراجنا ستين ألف درهم، وأن تقروا بيدي ما كان ملك الملوك كسرى أقطع جد أبي حيث قتل الحية التي أكلت الناس وقطعت السبيل من الأرض والقرى بما فيها من الرجال، ولا تأخذوا من أحد من أهل بيتي شيئاً من الخراج ولا تخرجوا المرزبة من أهل بيتي إلى غيرهم، فإن جعلت ذلك لي خرجت إليك، وقد بعثت إليك ابن أخي ماهك ليستوثق بما سألت. فكتب إليه الأحنف: بسم الله الرحمن الرحيم، من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان مرو الروذ ومن معه من الأساورة والأعاجم، سلام على من اتبع الهدى، فإن ابن أخيك ماهك قدم علي فنصح لك جهده وأبلغ عنك، وقد عرضت ذلك على من معي من المسلمين، وأنا وهم فيما عليك سواء وقد أجبناك إلى ما سألت، وعرضت علي أن تؤدي عن أكرتك وفلاحيك والأرضين ستين ألف درهم إلي وإلى الوالي بعدي من أمراء المسلمين، إلا ما كان من الأرضين التي ذكرت أن كسرى الظالم لنفسه أقطعها جد أبيك، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وإن عليك نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الأساورة إن أحب المسلمون ذلك، وأن لك على ذلك نصر المسلمين على من يقاتل من ورائك من أهل ملتك، جار لك بذلك مني كتاب يكون لك بعدي، ولا خراج عليك ولا على أحد من أهل بيتك من ذوي الأرحام، وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول، كان لك ما للمسلمين من العطاء والمنزلة والأرض وكنت أحدهم، ولك بذلك مني ذمتي وذمة أبي وذمة المسلمين وذمة آبائهم. ثم إن (2) مرزبان الروذ تربص بحمل ما كان صالح عليه لاشتغال الأحنف والمسلمين بقتال أهل طخارستان وأهل الجوزجان والطالقان والفارياب، وكانوا أتوه في ثلاثين ألفاً في ثلاثة زحوف، فلما هزمهم الله تعالى ونصر المسلمين سرح الأحنف رجلين إلى المرزبان وأمرهما أن لا يكلماه حتى يقنعاه (3) ، ففعلا، فعلم أنهما لم يصنعا ذلك إلا وقد ظفروا، فحمل ما كان عليه. مربلة (4) : بالأندلس بقرب مرسى سهيل ومرسى مالقة، ومربلة مدينة صغيرة مسورة من بناء الأول محكمة العمل ممتنعة المرام، وهناك جبل منيف عال يزعم أهل تلك الناحية أن النجم المسمى سهيلاً يرى من أعلاه، ولذلك سمي أبو القاسم الأستاذ الحافظ مؤلف: " الروض الأنف " السهيلي (5) . المرغاب: نهر رزيق (6) ، قرية على سبعة فراسخ من مرو. لما قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس برزيق على يد طحان نزل عنده متنكراً، قيل شدخ رأسه بحجر، وقيل نذر بأنه مطلوب فهرب فنزل الماء وعليه ثيابه، فضرب طالبوه الطحان وقالوا: دلنا عليه، فقال: هاهنا تخلفته، وخرجوا يجولون في طلبه، فرآه رجل في الماء عليه ديباج، فأخذه، فقال: خلني وعم عني وأعطيك خاتمي ومنطقتي، فقال: أعطني أربعة دراهم، قال: الذي

_ (1) الطبري 1: 2897. (2) الطبري 1: 2902. (3) الطبري: يقبضاه. (4) بروفنسال: 180، والترجمة: 217 (Marbella) وهي على بعد ستين كيلومتراً إلى الغرب من مالقة. (5) توفي السهيلي سنة 581، انظر ترجمته في التكملة رقم: 1613، والمطرب: 230، ونكت الهميان: 187، وقال الصفدي: وأصله من قرية بوادي سهيل من كورة مالقة، لا يرى سهيل في جميع المغرب إلا من جبل مطل على هذه القرية؛ قلت: وفي كلام صاحب الروض إيجاز يوهم ما يقوله الصفدي. (6) ص ع: زرق، وانظر ياقوت (رزيق) - بفتح أوله وكسر ثانيه - قال: وذكره الحازمي بتقديم الزاي على الراء، وهو خطأ فإني رأيت أهل مرو يسمونه كما ذكرناه.

المراغة:

أعطيك أعظم من الآلاف قيمة، قال: إنما أريد أربعة دراهم، فضحك وقال: قد كان قيل لي أنك ستحتاج إلى أربعة دراهم فلا تجدها، فهجموا عليه فقال لهم يزدجرد: لا تقتلوني فإنه من اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله تعالى في الدنيا بالحرب وفي الآخرة بالنار، واحملوني إلى ملك العرب فأصالحه عليكم وتأمنون، فأبوا وأعطوا الطحان وتراً، فدنا منه كأنه يكلمه فرمى بالوتر في عنقه وخنقه، وأخذوا ثيابه فصيروها في جراب، وختموا الجراب وقتلوا الطحان، وأوثقوا يزدجرد في الماء وانصرفوا؛ وقال قوم: إن يزدجرد لما أوى إلى منزل الطحان فنام قتله الطحان وأخذ متاعه، وألقى جسده في المرغاب، وجاء الطالبون له فخفي عليهم أثره عند منزل الطحان، فأخذوه به فأنكر أن يكون رآه، فضربوه فأقر لهم بقتله، وأخرج متاعه، فقتلوه وأهل بيته، ثم أخرج يزدجرد من النهر، وصير في تابوت وحمل إلى الصحراء أول سنة إحدى وثلاثين، وكان قتله في رزيق. المراغة (1) : من أعمال الرقة التي هي واسطة ديار مضر، وبين الرصافة والمراغة أربعة وعشرون ميلاً، والمراغة في طرف البادية، وهو حصن عامر والعرب تسرح في أرضه. والمراغة (2) مدينة حسنة كثيرة الخير والفواكه نزهة الأمطار لها بساتين وجنات وغلات، ويجلب إليها من بعض قراها بطيخ مستطيل أحمر الداخل أخضر الخارج طعمه يزيد على العسل في حلاوته. وعلى ضفة (3) النيل بقرب أنصنا بلد صغير يسمى المراغة فيه نخل وقصب سكر وزراعات وبساتين، وهي بغربي النيل، وبينها وبين أنصنا نحو خمسة أميال. ومن أهل المراغة الشريف المراغي صاحب التعليق في الخلاف وكتاب " الجدل ". وفي المراغة يقول الحافظ أبو طاهر السلفي: سقى الله المراغة كل يوم ... وحياها المساء وفي الصباح أقمنا بينهم زمناً وعشنا ... بأفضل عيشة بين الصباح وكنا من كبار محدثيها ... بأخبار وآثار صحاح ورأيت من وجه آخر أن المراغة مدينة أذربيجان، ونزل عليها الططر سنة ثمان عشرة وستمائة، فحاصروها أياماً وقتلوا أهلها، وفتحوها عنوة ووضعوا السيف في أهلها، فقتلوا منهم ما يخرج عن الإحصاء، وسبوا وحرقوا وفعلوا من المنكرات ما يطول ذكره. ودخل رجل من الططر داراً بالمراغة فيها عدة من رجال ونساء يزيدون على مائة، فلم يزل يقتلهم واحداً بعد واحد حتى أفناهم، ولم يمد إليه أحد منهم يده بسوء، مما صب الله تعالى عليهم من الخذلان. مرج الأمير (4) : بالأندلس عند قرية مليس بقرب وادي آش، وبه عسكر الإمام عبد الرحمن بن محمد إذ كان محاصراً لحصن اشتبين. مرج الصفر: بالشام، به كانت وقيعة للمسلمين على نصارى الشام بعد وقعة أجنادين، وكان بين الوقيعتين عشرون يوماً، وكان ذلك قبل وفاة أبي بكر رضي الله عنه بأربعة أيام. ولما كان (5) المسلمون على دمشق محيطين بها أتاهم آت فأخبرهم أن هذا جيش قد جاءكم من قبل ملك الروم، فنهض خالد بن الوليد بالناس، فقدم الأثقال والنساء مع يزيد بن أبي سفيان، ووقف خالد وأبو عبيدة رضي الله عنهما من وراء الناس، ثم أقبلوا نحو ذلك الجيش، فإذا هو الدرنجار بعثه ملك الروم في خمسة آلاف رجل من أهل القوة والشدة ليغيث أهل دمشق، فصمد المسلمون صمدهم، وخرج إليهم أهل القوة من دمشق وكثير من أهل حمص، فالقوم نحو خمسة عشر ألفاً، فلما نظر خالد

_ (1) المؤلف ينقل عن نزهة المشتاق: 196، وصورة الكلمة عنده ((المراعة/ المزاغة/ المزاعة)) على التوالي، ولم أجد أحداً أشار إلى وجود بلد بهذا الاسم في منطقة الرقة، وأغلب الظن أن الصواب هو ((بزاعة)) ، وربما كان قلب الياء ميماً لهجة محلية. (2) هذه المراغة هي الواقعة في بلاد أذربيجان، والنقل عن نزهة المشتاق: 205، وانظر الكرخي: 108، وابن حوقل: 288، وابن الفقيه: 284، وياقوت (المراغة) وآثار البلاد: 562، وتقويم البلدان: 398. (3) الإدريسي (د) : 46 (OG: 125) ، وانظر التاج (مرغ) . (4) بروفنسال: 181، والترجمة: 218. (5) فتوح الأزدي: 82 - 84 مع بعض اختلاف.

مرج عذراء:

رضي الله عنه عبأ لهم أصحابه، فحملت خيلهم على خالد بن سعيد (1) وكان في الميمنة يقص على الناس، فقاتلهم حتى قتل رحمه الله، وحمل معاذ بن جبل رضي الله عنه من الميمنة فهزمهم، وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه من الميسرة فهزم من يليه، وحمل سعيد بن زيد بالخيل على عظم جمعهم فهزمهم الله تعالى وقتلهم واجتث عسكرهم، ورجع الناس وقد ظفروا وقتلوهم كل قتلة، وذهب المشركون على وجوههم، فمنهم من دخل دمشق مع أهلها، ومنهم من رجع إلى حمص، ومنهم من لحق بقيصر، فكانت قتلاهم في المعركة خمسمائة، وقتلوا وأسروا نحو خمسمائة أخرى، ثم إن الناس أقبلوا عودهم على بدئهم حتى نزلوا دمشق، فحاصروا أهلها وضيقوا عليهم، وكلما أصاب رجل نفلاً جاء به حتى يلقيه في القبض لا يستحل أن يأخذ منه قليلاً ولا كثيراً، إلى أن كان من أمر دمشق ما كان. مرج عذراء: بالشام بمقربة من دمشق بينهما اثنا عشر ميلاً. وفي سنة (2) ثلاث وخمسين قتل معاوية بن أبي سفيان حجر بن عدي الكندي، وهو أول من قتل صبراً في الإسلام، حمله زياد بن أبيه من الكوفة ومعه تسعة (3) نفر من أصحابه من أهل الكوفة، وأربعة من غيرها، وكان زياد بن أبيه شكاهم إلى معاوية وأنهم ينكرون عليه، وخاف من خلافهم وإثارتهم الفتنة، فحملوا إلى دمشق، فلما صاروا على أميال من الكوفة يراد به دمشق أنشأت ابنة له تقول، ولا عقب له من غيرها: ترفع أيها القمر المنير ... لعلك أن ترى حجراً يسير يسير إلى معاوية بن صخر ... ليقتله كذا زعم الأمير ويصلبه على بابي دمشق ... وتأكل من محاسنه النسور تجبرت الجبابر بعد حجر ... وطاب لها الخورنق والسدير ألا يا حجر حجر بني عدي ... تلقتك السلامة والسرور أخاف عليك ما أردى عدياً ... وشيخاً في دمشق له زئير ألا يا ليت حجراً مات موتاً ... ولم ينحر كما نحر البعير فإن يهلك فكل عميد قوم ... إلى هلك من الدنيا يصير فلما صار إلى مرج عذراء تقدم البريد بأخبارهم إلى معاوية رضي الله عنه، فبعث برجل أعور، فلما أشرف على حجر وأصحابه قال رجل منهم: إن صدق الزجر فإنه سيقتل منا النصف وينجو الباقون، فقيل له: وكيف ذاك قال: أما ترون الرجل المقبل مصاباً بإحدى عينيه؟ فلما وصل إليهم قال لحجر: إن أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب، وقتل أصحابك، إلا أن ترجعوا عن كفركم (4) وتلعنوا صاحبكم وتتبرأوا منه، فقال حجر وجماعة ممن كان معه: إن الصبر على حد السيف لأيسر علينا مما دعوتنا إليه، ثم القدوم على الله تعالى وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم وعلي وصيه أحب إلينا من دخول النار. وأجاب نصف ممن كان معه إلى البراءة من علي رضي الله عنه، فلما تقدم حجر ليقتل قال: دعوني حتى أصلي ركعتين، فخلوه، فطول في صلاته، فقيل له: أجزعاً من الموت؟ فقال: لا ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت، وما صليت قط أخف من هذه، وكيف لا أجزع وإني لأرى قبراً محفوراً، وسيفاً مشهوراً، وكفناً منشوراً، ثم قدم فنحر، وألحق به من وافقه على قوله من أصحابه، والقصة مشهورة فلنقتصر على هذا. مرج راهط: بغوطة دمشق من الشام، فيه التقى مروان بن الحكم والضحاك بن قيس، وكان يدعو لابن الزبير. وكان ابن الزبير (5) ، لما أطبق الناس على مبايعته، عزم مروان على مبايعته وأن ينضاف إلى جملته، فمنعه من ذلك عبيد الله

_ (1) الأزدي: سعيد بن زياد. (2) مروج الذهب 5: 15. (3) ع ص: سبعة. (4) ع ص: كفرك. (5) عن مروج الذهب 2: 197 بإيجاز، وقد ورد بعضه في مادة ((قرقيسيا)) .

المرية:

ابن زياد وقال له: إنك شيخ بني عبد مناف فلا تفعل (1) ، فسار مروان إلى الجابية من أرض الجولان، بين دمشق والأردن، واستمال الضحاك بن قيس الفهري الناس ورأسهم وانحاز عن مروان (2) ، وأراد دمشق، فسبقه إليها الأشدق عمرو بن سعيد، فصار الضحاك إلى حوران والبثنية، ثم اتفقا على بيعة مروان على غير رضى من كثير من الناس، وكان يلقب خيط باطل، وفيه يقول عبد الرحمن بن الحكم: لحى الله قوماً أمروا خيط باطل ... على الناس يعطي ما يشاء ويمنع وسار مروان نحو الضحاك بن قيس الفهري، وقد انحازت قيس وسائر مضر وغيرهم من نزار إلى الضحاك، ومعه ناس من قضاعة، فأظهر الضحاك ومن معه خلافة ابن الزبير، والتقيا بمرج راهط، فقتل الضحاك بن قيس، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وكان زفر بن الحارث مع الضحاك، فلما أمعن السيف في قومه ولى ومعه رجلان من بني سليم قصر فرساهما، وغشيتهم اليمانية من خيل مروان، فقالا له: انج بنفسك فإنا مقتولان، فولى راكضاً، ولحق الرجلان فقتلا، وفي ذلك يقول زفر: لعمري لقد أبقت وقيعة راهط ... لمروان صدعاً بيننا متنائيا أريني سلاحي لا أبا لك إنني ... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا فقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا أتذهب كلب لم تنلها رماحنا ... وتترك قتلى راهط هي ما هيا فلم ترى مني نبوة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبي ورائيا عشية أعدوا في الفريقين لا أرى ... من القوم إلا من عليا ولا ليا أيذهب يوم واحد إن أسأته ... بصالح أيامي وحسن بلائيا أبعد ابن عمرو وابن معن تتابعا ... ومقتل همام أرجي الأمانيا وانتهى زفر (3) إلى قرقيسيا فغلب عليها، واستقام الشام لمروان، وبث فيه رجاله وعماله، وسار في جنوده من أهل الشام إلى مصر فحاصرها، وكانوا زبيرية، وكان بينهم وبين مروان قتال يسير، وتوافقوا على الصلح، واستعمل ابنه عبد العزيز عليها فهلك مروان بدمشق في هذه السنة، وهي سنة خمس وستين، قيل مات مطعوناً، وقيل حتف أنفه، وقيل قتلته زوجته فاختة بنت أبي هاشم بن عتبة أم خالد بن يزيد بن معاوية، وكان قال له في جملة خطابه: يا ابن الرطبة، ليضع منه، فدخل على أمه فقبح عليها تزويجها مروان، وشكا لها ما نزل به منه، فقالت: لا يعيبك بعدها، فقيل: وضعت على نفسه وهو نائم وسادة وقعدت فوقها مع جواريها حتى مات، وقيل سقته لبناً مسموماً فوقع يجود بنفسه، وأسكت، فجعل يشير إلى أم خالد برأسه، يخبرهم أنها قتلته، وهي تقول: بأبي أنت وأمي، حتى عند النزع لم تشغل عني، إنه يوصيكم بي، حتى هلك، فكانت أيامه تسعة أشهر وأياماً، وقيل غير ذلك. المرية (4) : بالأندلس، مدينة محدثة أمر ببنائها أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد سنة أربع وأربعين وثلثمائة، وفيها يقول الشاعر: قالوا المرية صفها ... فقلت مظ (5) وشيح فقيل فيها معاش ... فقلت إن هب ريح وكان المجوس لما قدموا المرية وتطوفوا بساحل الأندلس والعدوة، فاتخذها العرب مرابطاً وابتنت بها محارس، وكان الناس ينتجعونها ويرابطون فيها، وهي اليوم أشهر مراسي الأندلس وأعمرها، ومن أجل أمصارها وأشهرها، وعليها سور حصين منيع بناه أمير المؤمنين

_ (1) مروج الذهب: تعجل. (2) زيادة من مروج الذهب. (3) النقل مستمر عن مروج الذهب: 204. (4) بروفنسال: 183، والترجمة: 221 (Almeria) ، وانظر الزهري: 101، وبعض ما أورده مؤلف الروض مشبه لما عند العذري: 86. (5) ص ع: نظ؛ والمظ: الرمان البري.

مرسى الخرز:

عبد الرحمن، وعلى ربضها المعروف بالمصلى سور تراب بناه خيران العامري، وكان قد أوصل إلى هذا الربض ماء العين التي هناك، وأجراه في سقاية، ثم أوصله محمد بن صمادح إلى سقاية عند جامعها داخل المدينة، واستطرد منه جدولاً يصب في أسفل القصبة ويرفع بالدواليب إلى أعلاه. ووادي بجانة يعم بالسقي بساتين المرية، والبحر بقبلي مدينة المرية، وقصبتها بجوفيها، وهو حصن منيع لا يرام، مديد من المشرق إلى المغرب، ولها باب قبلي يفضي إلى المدينة مسافة ما بين أول المصعد في الجبل وبينه مائتا ذراع وثمانون ذراعاً، ولها باب شرقي خارج عن أسوار المدينة، والربض متصل بجبالها، وهي أسهل مرتقى من الباب القبلي، وعرض ممشى السور الدائر بالقصبة خمسة أشبار، ومرسى المرية صيفي يكن شرقيه وغربيه. وكانت المرية (1) في أيام الملثمين مدينة الإسلام، وبها من كل الصناعات كل غريبة، وكان بها من طرز الحرير ثمانمائة طراز، وتعمل بها الحلل والديباج والسقلاطون والأصبهاني والجرجاني والستور المكللة والثياب المعينة والعتابي والمعاجر وصنوف أنواع الحرير، وكانت فيما تقدم تصنع بها من صنوف آلات النحاس والحديد ما لا يحد، وكان بها من فواكه واديها الكثير الرخيص. وكانت المرية تقصدها مراكب التجار من الإسكندرية والشام، ولم يكن بالأندلس أكثر من أهلها مالاً؛ والمرية في ذاتها جبلان بينهما خندق معمور، وعلى الجبل الواحد قصبتها المشهورة بالحصانة، وفي الجبل الثاني ربضها، والسور يحيط بالمدينة والربض، ولها أبواب عدة، والمدينة كبيرة كثيرة الخيرات، وفيها ألف فندق إلا ثلاثين فندقاً، وكان الروم ملكوها فغيروا محاسنها وسبوا أهلها وخربوا ديارها. المريس: قالوا (2) البلد الذي يتصل من بلاد النوبة بأسوان يعرف بمريس، وإليها تضاف الريح المريسية. ومن كلام ابن دأب (3) حين ذكر عيوب مصر عند الهادي قال: ومن عيوبها يا أمير المؤمنين الريح الجنوب التي يسمونها المريسية، فإذا هبت عليهم ودامت (4) اشترى أهل مصر الأكفان. مراسيا: مدينة بأرض الروم بالقرب من القسطنطينية، بها عينان إحداهما من شرب مائها أوتي عقله واستكمل أمره، والأخرى من شرب من مائها ركبه النسيان ورجف فؤاده. مرسى الخرز (5) : مدينة بشرقي مدينة بونة، وبينها وبين باجة مرحلة، وفي مدينة الخرز المرجان، وهو أجل مرجان يوجد بسائر الأقطار، ويقصدها التجار فيستخرجون منه الكثير، وهو ينبت كالشجر في البحر، يدار عليه القنب، فتلتف الخيوط على ما قاربها ويستخرجون منه الشيء الكثير مما يباع بالأموال الطائلة وعمدة أهلها على ذلك. وشرب أهلها من الآبار، وهي قليلة الزرع، إنما يجلب إليها قوتها من بوادي العرب المجاورة لها، وكذلك الفواكه ربما جلبت إليها من بونة وغيرها، وبين بونة ومرسى الخرز مرحلة خفيفة، وفي البحر أربعة وعشرون ميلاً. ومدينة (6) مرسى الخرز قد أحاط بها البحر، إلا مسلك لطيف ربما قطعه البحر في الشتاء وعليها سور وبها سوق وعمارة، وفي هذه المدينة تنشأ السفن والمراكب البحرية، وإليها يقصد الغزاة من كل أفق، وبينها وبين سردانية مجريان في البحر. وبازاء مرسى الخرز بئر وبية الماء تعرف ببئر ابن راق (7) ، ويقول أهلها: طعنة مزراق خير من شربة من بئر ابن راق. وهذه المدينة (8) كثيرة الحيات، ويمتاز أهلها منهم بصفرة ألوانهم، ولا يكاد يخلو عنق الواحد منهم من تميمة، وجباية هذه المدينة عشرة آلاف. مرسى علي (9) : من جزيرة صقلية، وفيها أيضاً مرسى البوالص (10) ، ومرسى علي هذه كانت مدينة قديمة من أشرف بلاد صقلية، وكانت قد خربت ودثرت فعمرها القومس رجار الأول (11) وسور

_ (1) عن الإدريسي (د) : 197. (2) مروج الذهب 3: 32؛وقارن بآثار البلاد: 262 حيث ورد أن ((مريسة)) قرية بمصر من ناحية الصعيد. (3) مروج الذهب 6: 273. (4) مروج الذهب: ثلاثة عشر يوماً تباعاً. (5) الإدريسي (د/ ب) : 116/ 85. (6) البكري: 55، والاستبصار: 126. (7) البكري أرزاق. (8) ص ع: البئر. (9) الإدريسي (م) : 33. (10) لاحظ الأستاذ رتزيتانو أن مؤلف الروض ذكر هذا أيضاً عند الحديث عن ((شكلة)) وعن ((قرشقة)) . (11) لقد عودنا المؤلف فيما سبق أن يتجاوز عن ذكر اسمه ويدعوه ((طاغية صقلية)) .

مرسية:

عليها سوراً فصارت ذات عمارة وأسواق وجبايات، ولها إقليم واسع وسفر أهل بلاد إفريقية إليها كثير، وشرب أهلها من آبار عذبة في ديارها مع مياه العيون التي حولها، وبها فنادق وحمامات وبساتين ومزارع، وبينها وبين طرابنش ثلاثة وعشرون ميلاً. مرسى الدجاج (1) : بالقرب من آشير، وهي مدينة قد أحاط بها البحر من ثلاث نواح، وعليها السور من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، ومن هناك يدخل إليها، وأسواقها ومسجد جامعها داخل ذلك السور، له باب واحد، ولها مرفأ غير مأمون لضيقه وقرب قعره، وبها عيون طيبة، يسكنها الأندلسيون وقبائل من كتامة. وهي مدينة (2) كبيرة القطر، ولها حصن دائر بها، وبشرها كثير (3) وربما فر عنها أكثر أهلها زمن الصيف خوفاً من قصد الأساطيل إليها، وأرضها ممتدة وزراعاتها متصلة وإصاباتهم واسعة وحنطتهم مباركه، وسائر الفواكه واللحوم بها كثير رخيص، وتينها يحمل منها شرائح طرياً ومنثوراً (4) إلى سائر الأقطار وأقاصي البلاد، وهي بذلك مشهورة، وبينها وبين تدلس أربعة وعشرون ميلاً. مرسية (5) : بالأندلس، وهي قاعدة تدمير، بناها الأمير عبد الرحمن بن الحكم، واتخذت دار العمال وقرار القواد، وكان الذي تولى بنيانها وخرج العهد إليه في اتخاذها جابر بن مالك بن لبيد، وكان تاريخ الكتاب يوم الأحد لأربع خلون من ربيع الأول سنة ست عشرة (6) ومائتين، فلما بناها ورد كتاب الأمير عبد الرحمن على عامر بن مالك بخراب مدينة أله (7) من المضرية واليمانية وكان السبب في ذلك أن رجلاً من اليمانية استقى من وادي لورقة قلة وأخذ ورقة من كرم لرجل من المضرية فغطى بها القلة، فأنكر ذلك المضري وقال: إنما فعلت ذلك استخفافاً بي إذ قطعت ورق كرمي، وتفاقم الأمر بينهما حنى تحارب الحيان، وعسكر بعضهم إلى بعض واقتتلا أشد قتال. ومرسية (8) على نهر كبير يسقي جميعها كنيل مصر، ولها جامع جليل وحمامات وأسواق عامرة، وهي راخية أكثر الدهر رخيصة الفواكه كثيرة الشجر والأعناب وأصناف الثمر، وبها معادن فضة غزيرة متصلة المادة، وكانت تصنع بها البسط الرفيعة الشريفة ولأهلها حذق بصنعتها وتجويدها لا يبلغه عيرهم. ومن مرسية أبو غالب تمام بن غالب المعروف بابن التياني اللغوي المرسي (9) صاحب " الموعب " وكان أبو الجيش مجاهد بن عبد الله صاحب دانية قد غلب على مرسية، وأبو غالب إذ ذاك بها، فأرسل إليه ألف دينار على أن يزيد في ترجمة الكتاب على أنه ألفه لأبي الجيش مجاهد، فرد الدنانير وأبى من ذلك وقال: والله لو بذلت لي الدنيا على ذلك ما فعلت ولا استجزت الكذب، فإني لم أجمعه لك خاصة، وإنما جمعته لكل طالب علم. وعلى أربعين ميلاً من مرسية عين ماء عذب يقصدها من علق العلق بحلقه فيفتح فاه فيسقط العلق لحينه، وذلك بإقليم إيلش. وقال بعضهم: هذا طب تمام يوجد في كل ماء عذب بارد، إذا فتح فمه عليه من علق العلق به أسقطه في الأغلب، وذلك لأن العلق إنما ينشأ في الماء العذب، فيطرأ عليه من خلاف ذلك المزاج ما يستروح منه إلى الماء، وكثيراً ما يطب به الأطباء فيستغنون عن شجر أناغاليس الذي من شأنه قتل العلق (10) ، وعن العكوب (11) وعن الخل وأمثال هذه الأشياء. ومرسية (12) في مستو من الأرض على النهر الأبيض، ولها ربض عامر آهل، وعليها وعلى ربضها أسوار وحظائر متقنة، والماء يشق ربضها، وهي على ضفة النهر، ويجاز إليها على قنطرة مصنوعة من المراكب تنتقل من موضع إلى موضع (13) ، وبها شجر التين كثير،

_ (1) البكري: 65. (2) الإدريسي (د/ ب) : 89. (3) الإدريسي: قليل. (4) لعل المقصود: مطوياً ومنشوراً. (5) بروفنسال: 181، والترجمة: 218 (Murcia) ، والنص ناظر إلى العذري: 6. (6) العذري: سنة عشر. (7) العذري: أيه. (8) قارن بالزهري: 100. (9) ترجمته والقصة في الجذوة: 172. (10) سقط من ع. (11) ص ع: العكوف. (12) الإدريسي (د) : 194. (13) بروفنسال: ويجاز إليها على قنطرة مصنوعة من المراكب ولها أرحاء طاحنة في مراكب تنتقل ... الخ؛ والنص عند الإدريسي: ولها أرحاء طاحنة في الماكب مثل طواحن سرقسطة التي هي تركب في مراكب تنتقل من موضع ... الخ، وأغلب الظن أن النص مضطرب في الأصل.

مراكش:

ولها حصون وقلاع وقواعد وأقاليم معدومة المثال، ومنها إلى بلنسية خمس مراحل، ومنها إلى قرطبة عشر مراحل. ويخرج من نهر مرسية جدول على مقربة من قنطرة اشكابة قد نقر له الأول في الجبل، وهو حجر صلد، وجابوه نحو ميل، وهذا الجدول هو الذي يسقي قبلي مرسية، ونقبوا بازاء هذا النقب في الجبل المحاذي لهذا الجبل نقباً آخر مسافة نحو ميلين أخرجوا فيه جدولاً ثانياً، وهو الذي يسقي جوفي مرسية، ولهذين الجدولين منافس في أعلى الجبلين ومناهر (1) إلى الوادي تنقى الجدولان منه بفتحها وانحدار الماء مما اجتمع من الغثاء فيهما، ولا يسقى من نهر مرسية شيء بغير هذين الجدولين إلا بما رفع بالدواليب والسواني، وبين موضع هذين النقبين ومرسية ستة أميال. مربيطر (2) : حصن بالأندلس قريب من طرطوشة، وهو على جبل، والبحر بقبليه، ويظهر منه شرقاً وغرباً. وبمربيطر جامع ومساجد، وفيها آثار للأول: دار ملعب وأصنام وغير ذلك، وهي كثيرة الزيتون والشجر والأعناب وأصناف الثمار، ومن مربيطر إلى أول قرى بريانة تسعة عشر ميلاً ونصف ميل. مرمجنة: بإفريقية قريب من الأربس، وبينها وبين مجانة مرحلتان. ولما دخل عبد الله بن سعد إفريقية غازياً في صدر الإسلام وقتل جرجيراً صاحب سبيطلة وانهزمت الروم وتفرقوا في القلاع وتبعهم المسلمون فبلغت خيلهم قصور قفصة وجاوزها إلى مرمجنة. وكانت (3) مدينة كبيرة قديمة أولية وفيها آثار للأول وبها عيون سائحة، وهي على نظر واسع كثير الخيرات. مراكش (4) : شمال أغمات وعلى اثني عشر ميلاً منها بداخل المغرب، بناها يوسف بن تاشفين أمير المسلمين في صدر سنة سبعين وأربعمائة، وقيل سنة تسع وخمسين وأربعمائة، بعد أن اشترى أرضها من أهل أغمات بجملة أموال واختطها له ولبني عمه، وهي في وطاء من الأرض، وليس حولها من الجبال إلا جبل صغير يسمى ايجليز، ومنه قطع الحجر الذي بني منه قصر علي بن يوسف أمير المسلمين، وليس بموضع مراكش حجر إلا ما كان من هذا الجبل، وبناؤها بالطين والطوب والطوابي، ثم استخرجوا مياهها، فكثرت فيها البساتين والجنات، واتصلت عمارات مراكش وحسن قطرها، ثم بنى أسوارها علي بن يوسف بن تاشفين سنة أربع عشرة وخمسمائة، وعلى ثلاثة أميال منها وادي تانسيفت، ويصب فيه وادي وريكة ووادي نفيس وأودية كثيرة، ومياه مراكش قريبة من قامتين من وجه الأرض وبساتينها تسقى بالآبار ينفذ بعضها إلى بعض حتى تخرج على وجه الأرض، وبينها وبين درن نحو العشرين ميلاً، وهي كثيرة الزرع والضرع وبحائرها لا تحصى كثرة، وإنما بناها واضعها ليملك منها جبل درن لكثرة من يعمره. وكان إسلام قبائل الصحراء في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، ثم ملكها عبد المؤمن بن علي وانقرضت دولة بني تاشفين بعد أن كانت دار إمارة لمتونة وقاعدة مملكتهم، وكان بها قصور كثيرة لجملة من الأمراء والقواد وخدام الدولة، وكانت أزقتها واسعة وأرجاؤها فسيحة وأسواقها حفيلة وسلعها نافقة، وكان بها جامع بناه يوسف بن تاشفين، وهو صاحب الزلاقة، فلما ملكها عبد المؤمن بن علي تركوا ذلك الجامع معطلاً مغلق الأبواب لا يرون الصلاة فيه، وبنوا لأنفسهم مسجداً جامعاً يصلون فيه بعد أن نهبوا الأموال وسفكوا الدماء وباعوا الحرم، وكان ذلك لمذهب لهم يرون ذلك فيه حلالاً. وكان علي بن يوسف قد جلب ماء من عين بينها وبين المدينة أميال فلم يستتم ذلك، فلما تغلب عبد المؤمن على الملك وصار بيده تمموا جلب ذلك الماء إلى داخل المدينة وصنعوا منه سقايات بقرب دار الحجر، وهي الحظيرة التي فيها القصر منفرداً متحيزاً بذاته، والمدينة بخارج هذا القصر، وطول المدينة أشف من ميل وعرضها قريب ذلك، وعلى ثلاثة أميال من مراكش نهر تانسيفت، وليس بالكبير لكنه دائم الجري، ويحمل في زمن الشتاء بسيل كبير فلا يبقي ولا يذر. وكان أمير المسلمين علي بن يوسف بنى على هذا النهر قنطرة عجيبة متقنة البناء. وعظمت مراكش في الدولتين، فكانت أكبر مدن المغرب الأقصى، وعظمت تجارتها وتنافس الناس في البناء فيها، وبنيت

_ (1) ص ع: ومناهد. (2) بروفنسال: 181، والترجمة: 217 (Murviedro) ، ويكتب أيضاً ((مرباطر)) وموقع مكانه على بعد 21 كيلومتراً إلى الشمال من بلنسية. وانظر العذري: 19. (3) الاستبصار: 162، وقارن بالبكري: 145، والإدريسي (د) 119 (مرماجنة) . (4) مزج في هذه المادة بين ما نقله عن الإدريسي (د/ ب) : 67/ 43، وما نقله عن الاستبصار: 208 واضاف إلى ذلك من مصدر آخر؛ وفي صبح الأعشى 5: 162 نقل عن الروض.

مرعش:

فيها الفنادق والحمامات، وفيها قيسارية عظيمة البنيان، وهي أكثر بلاد المغرب جنات وبساتين وأعناباً وفواكه، وأكثر شجرها الزيتون، فيها منه ما تستغني به عن غيرها من البلاد، وتمير بلاداً كثيرة، وبها شجر أرقان (1) ، ودهنه عندهم مستعمل نافع، وزيتون مراكش أكثر من زيتون مكناسة، وزيتها أرخص وأطيب. وأجرى المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن في وسطها ساقية ظاهرة، يخرج ماؤها من قصره فيشق المدينة من القبلة إلى الجوف، فكانت أشرف مدن المغرب وأعدلها هواء، وجعل فيها مارستان للمرضى يدخله العليل فيعاين ما أعد فيه من المنازه والمياه والرياحين والأطعمة الشهية والأشربة المفوهة، فتنعشه من حينه، وكان ذلك سنة خمس وثمانين وخمسمائة، ثم استدعى العلماء ورواة الحديث وأهل الفنون المختلفة، فجلبوا إليه من الأقطار، فكثر فيها العلماء وامتلأت بوجوه أهل البلاد من كل صقع، وقصدها التجار من كل جهة، وصارت حاضرة المغرب وقاعدة البلاد، وتناهت ضخامتها وانقادت إلى طاعتها أقاليم المغرب وبلاد الأندلس وغيرها، إلى أن اختلت الأحوال ووقعت الفتن وفشا فيها الظلم والفجور وشرب الخمور والتحامل على الناس، وفي ذلك يقول قائلهم: يطوف التجار بمراكش ... طواف الحجيج ببيت الحرام تروم النزول فلا تستطيع ... لشرب الخمور وهتك الحرم وكان من ملوك بني عبد المؤمن ما كان، وانقرضت دولتهم بقتل يعقوب بن عبد الحق المشتهر بابن تامطوت المريني صاحب فاس آخر ملوكهم ادريس بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن الملقب بأبي دبوس في سنة ست وستين وستمائة، وكان ناجزه مراراً في كلها يظهر عليه إلى أن ناجزه مرة بظاهر مراكش، فخامرت عليه عربه وأسلمته فقتل، وصارت الدولة مرينية، فسبحان من لا يزول ملكه. ومع هذا كله ففي مراكش يقول أبو القاسم بن أبي عبد الله محمد بن أيوب بن نوح الغافقي من أهل بلنسية: مراكش إن سألت عنها ... فإنها في البلاد عار هواؤها في الشتاء ثلج ... وحرها في المصيف نار وكل ما ثم وهو خير ... من أهلها عقرب وفار فإن أكن قد مكثت فيها ... فإن مكثي بها اضطرار وأهل مراكش يأكلون الجراد، ويباع فيها كل يوم منه أحمال، وعليه قبالة، وكان أكثر الصنائع بمراكش متقبلة عليها مال لازم مثل سوق الدخان والصابون وغيرهما، وكانت القبالة على كل شيء يباع، فلما صار الأمر للموحدين قطعوا تلك القبالات وأراحوا منها، واستحلوا قتل المتقبلين لها، فلا ذكر لها في بلادهم. مرعش: من ثغور أرمينية، وبينها وبين زبطرة تسعة فراسخ، وهي مدينة حصينة عليها سور حجارة. فتحها خالد بن الوليد رضي الله عنه، وجهه إليها أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وهو بمنبج، ففتح حصنها وجلا أهلها فأخربه فبناه معاوية وأسكنه جنداً. ثم سار إليها العباس بن الوليد بن عبد الملك فعمرها وحصنها ونقل إليها الناس، وبنى بها مسجداً جامعاً، ثم حصرها الروم أيام محاربة مروان لأهل حمص، حتى صالحهم (2) أهلها على الجلاء فخرجوا منها وأخربت، فلما فرغ مروان من حرب أهل حمص أعاد بناء مرعش ومدنها، ثم أخربها الروم في فتنة بني أمية فأعادها صالح بن علي في خلافة المنصور وشحنت بالرجال، ثم قصدها طاغية الروم فحصر أهلها، وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد العبسي، وهو بدابق على الصائفة فوجه إليه خيلاً كثيفة فأصيبوا فأحفظ ذلك المهدي فاحتفل لإغزاء الجسور قحطبة في العام المقبل سنة اثنتين وستين ومائة. قالوا: وجيحان مخرجه من عيون تعرف بعيون جيحان على

_ (1) الاستبصار: الهرجان. (2) ص ع: صالحه.

مزاق:

ثلاثة أيام من مرعش، وليس عليه من المدن إلا المصيصة، وخرجت الروم سنة سبع وعشرين ومائة فافتتحت مرعش بعد أن أمنوا أهلها على دمائهم وأموالهم، وذلك في خلافة مروان بن محمد بن مروان. مران (1) : على ليلتين من مكة وعلى طريق البصرة، فيه مات الوليد بن عبد الملك، وزعم قوم أن قبر تميم بن مر بمران، وبمران أيضاً قبر عمرو بن عبيد بن باب (2) ، وكان أبوه يخلف (3) أصحاب الشرط بالبصرة فكان الناس إذا رأوا عمراً مع أبيه قالوا: خير الناس ابن (4) شر الناس، فيقول عبيد: صدقتم، هذا إبراهيم وأنا آزر، وكان يرى القدر ويدعو إليه، واعتزل وأصحابه فسموا المعتزلة، ورثاه أبو جعفر المنصور فقال: صلى الإله عليك من متوسد ... قبراً مررت به على مران قبراً تضمن مؤمناً متخشعاً ... صدق الإله ودان بالقرآن وإذا الرجال تنازعوا في سنة ... فصل الحديث بحكمة وبيان فلو أن هذا الدهر أبقى صالحاً ... أبقى لنا حياً أبا عثمان وفيه يقول أبو جعفر أيضاً: كلكم يطلب صيد ... كلكم يمشي رويد ... غير عمرو بن عبيد ... مرشانة (5) : مدينة بكورة اشبيلية. ومرشانة أيضاً من حصون المرية. مزون (6) : بفتح الميم، مدينة عمان، كانت الفرس تسمي عمان مزون، وقيل مزون قرية من قرى عمان سكنها اليهود، وكانت الخوارج تسمي المهلب بن أبي صفرة المزوني، ولذلك قال الكميت: فأما الأزد أزد (7) أبي سعيد ... فأكره أن أسميها المزونا المزدلفة (8) : مسجد المزدلفة أسفل من المسجد الحرام عن يسارك إذا مضيت إلى عرفات، وفيه تجمع بين المغرب والعشاء إذا نفرت من عرفات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الصلاة أمامك "، وهو مبني بحجارة مطرورة دون سقف، إنما هو حائط من جميع جهاته الثلاث والوجه الرابع غير قائم، وليس لهم محراب، وفي القبلة منه حجر منقوش، وطول المسجد ثلاث وستون ذراعاً وعرضه خمسون ذراعاً وارتفاع حائطه عشرة أذرع (9) ، والمزدلفة كلها مشعر إلا بطن محسر ولا يترك التكبير والتهليل في النزول بالمزدلفة وفي الدفع منها إلى منى، ويقول: اللهم إني أسألك جوامع الخير كله. وتؤخذ حصى الجمرات من المزدلفة. مزاق (10) : هو اسم فحص القيروان، قيل إنما سمي بذلك لكثرة الرياح به التي تمزق السحاب فيتصل الصحو وتقل الأمطار. وحكي (11) أن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري قاضي إفريقية، كان مسكنه بالقيروان وبها مات، رحل إلى المشرق ولقي أكابر العلماء وولاه أبو جعفر المنصور قضاء إفريقية، وقال له لما دخل عليه: كيف رأيت ما وراء بابنا؟ فقال: رأيت ظلماً فاشياً وأمراً قبيحاً، فقال: لعله فيما يبعد عن بابي، فقال: بل كلما قربت من بابك استفحل الأمر وغلظ، فقال له: أنت لا تهوى

_ (1) انظر ياقوت (مران) ، وعرام: 76، وابن خلكان 3: 462. (2) انظر ابن خلكان 3: 460، وفي الحاشية مصادر ترجمته. (3) ص ع: يجلب؛ والتصويب عن ابن خلكان. (4) ص ع: من. (5) بروفنسال: 181، والترجمة: 218 (Marchena) انظر ياقوت (مرشانة) ، وقد ذكر الإدريسي (مرشانة) التي من عمل المرية، (د) : 175. (6) معجم ما استعجم 4: 1222. (7) ص ع: بني. (8) الاستبصار: 33، وانظر الأزرقي 1: 411، وياقوت (المزدلفة) ، والمناسك: 506 - 508، وفي صبح الأعشى 4: 257 نقل عن الروض. (9) تختلف هذه المقاييس عما قاله الأزرقي والحربي. (10) انظر رياض النفوس 1: 99. (11) علماء إفريقية: 30 - 31، ورياض النفوس: 98.

مطماطة أمسكور:

الدخول في شيء من أمرنا، فقال: لي عجوز خلفتها بالقيروان وأنا أحب الرجوع إليها، فأذن له. ودخل يوماً على أبي جعفر فقال: يا ابن أنعم، ألا تحمد الله الذي أراحك مما كنت ترى بباب هشام وذوي هشام؟! فقال له عبد الرحمن: ما أمر كنت أراه بباب هشام إلا وأنا اليوم أرى منه طرفاً، فبكى أبو جعفر ثم قال له: فما منعك أن ترفع ذلك إلينا وأنت تعلم أن قولك عندنا مقبول؟ فقال: إني رأيت السلطان سوقاً، وإنما يرفع إلى السوق ما يجوز فيها، قال: كأنك كرهت صحبتنا، فقال عبد الرحمن (1) ما ينال المال والشرف إلا من صحبتك، ولكني تركت عجوزاً ولي أخت أحب مطالعتهما، فقال: اذهب فإنا قد أذنا لك، فلما توجه إلى إفريقية كتب إلى ولده وخاصته بهذه الأبيات: ذكرت القيروان فهاج شوق ... وأين القيروان من العراق مسيرة أشهر للعيس نصاً ... على الإبل المضمرة العتاق فأبلغ أنعماً وبني أبيه ... ومن يرجى لنا وله التلاقي بأن الله قد خلى سبيلي ... وجد بنا المسير إلى مزاق المطيرة (2) : قرية بقرب بغداد نزلها المعتصم حين خرج من بغداد مرتاداً إنشاء مدينة بسبب تضييق الأتراك على أهل بغداد، فبنى سر من رأى، وحين بناها أقطع الأفشين خيذر بن كاوس الأسروشني في آخر البناء مشرقاً على مقدار فرسخين، وسمى الموضع المطيرة. المطالي (3) : موضع لبني أبي بكر بن كلاب وقيل ماء عن يمين ضرية، وقيل هي روضات بالحمى وهي مذكورة في الأشعار، وذكرها الشريف الرضي. المطابخ (4) : موضع معروف بمكة سمي بذلك لأن تبعاً لما جاء ليهدم الكعبة سقم، فنذر إن شفاه الله أن ينحر ألف بدنة (5) شكراً لله تعالى، فشفي فنحر ما نذر (6) ، وجعلت المطابخ هناك ثم إطعم. مطماطة أمسكور (7) : مدينة بالقرب من مدينة فاس بالمغرب على نهر ملوية، وهي مدينة كبيرة كثيرة الزرع والضرع، ونهر ملوية نهر كبير مشهور في أنهار بلاد المغرب عليه نظر واسع وفيه قرى كثيرة وعمائر متصلة تسقى كلها من نهر ملوية، وبعده نظر سجلماسة. المطوية: قرية بإفريقية، بينها وبين مدينة قابس نحو خمسة أميال، في نخل وجنات ومياه جارية. مطار (8) : بضم أوله، واد بين البوباة وبين الطائف، قالوا: به أبداً نخل مرطب، ونخل يصرم، ونخل مبسر، ونخل تلقح. مظلم ساباط: هو مذكور في حرف السين فاطلبه هناك. مكة: هي أم القرى شرفها الله تعالى، وبكة بالباء والحاطمة والباسة وصلاح، وقد تقدم ذكرها في حرف الباء. مكران: من عمل السند، قصده الحكم بن عمرو التغلبي (9) وانتهى إليه، ولحق به شهاب بن مخارق بن شهاب وانضم إليه وأمده سهيل بن عدي وعبد الله (10) بن عتبان بأنفسهما فانتهوا إلى دوين النهر، وقد انفض أهل مكران إليه، حتى نزلوا على شاطئيه، فعسكروا وعبر إليهم راسل ملكهم، ملك السند، فازدلف بهم يستقبل المسلمين، فالتقوا بمكان من مكران من النهر على أيام، فهزم الله راسلاً وسلبه وأباح للمسلمين عسكره، وقتلوا في المعركة من المشركين مقتلة عظيمة، واتبعوهم يقتلونهم أياماً حتى انتهوا إلى النهر، ثم رجعوا فأقاموا بمكران، وكتب الحكم إلى عمر بالفتح، وبعث إليه بالأخماس مع صحار العبدي واستأمره في الفيلة فقدم

_ (1) زيادة من المصدرين السابقين. (2) اليعقوبي: 256، 259، وانظر ياقوت (مطيرة) . (3) معجم ما استعجم 4: 1238. (4) معجم ما استعجم 4: 1237. (5) ع: ينحر العدنة؛ ص: ينحر البدينة، والتصويب عن معجم البكري. (6) ع ص: قدر. (7) الاستبصار: 193، وانظر البكري: 147 حيث ورد الاسم: مطماطة أمسكور. (8) معجم ما استعجم 4: 1237. (9) الطبري 1: 2706. (10) ع: بن عبد الله.

مكناسة الزيتون:

صحار على عمر رضي الله عنه، فسأله عن مكران، وكان لا يأتيه أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجيء منه، فقال: يا أمير المؤمنين، أرض سهلها جبل، وماؤها وشل، وتمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير بها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها، فقال عمر رضي الله عنه: أسجاع أنت أم مخبر، فقال: لا، بل مخبر، قال: لا والله لا يغزوها لي جيش ما أطعت، وكتب إلى الحكم وإلى سهيل ألا يجوزن (1) المكران أحد من جنودكما واقتصرا على ما دون النهر، وأمره ببيع الفيلة بأرض الإسلام وقسم أثمانها على من أفاءها الله تعالى عليه. مكناسة الزيتون (2) : مدينة في المغرب من نظر فاس إلى جهة المغرب، وهي أربع مدن وقرى كثيرة متصلة بالمدن والحصون، الممدن منها يسمى تاجرارات (3) ، وتفسيره المحلة، وهو محدث البناء يشرف على بطاح وبقاع مملوءة بغيضات (4) الثمار وأكثرها الزيتون ولذلك نسبت إليه، وعلى هذه المدينة سور كبير وأبراج عظيمة، وهي مدينة جليلة فيها الأسواق الحفيلة، وأنشأ فيها بعض ملوك بني عبد المؤمن بحاير (5) عظيمة في نهاية الاتساع، وجلب ماء نهرها وغرست زيتوناً وكروماً، وزيتها أكثر زيت في المغرب، وبعده زيت النظر المسمى ببني فسيل (6) ، وهي كريمة الأرض طيبة المدرة، بل هي من غر بلاد المغرب، أنظارها واسعة وقراها عامرة وعمائرها متصلة، تشقها الأنهار والمياه السائحة والعيون الكثيرة العذبة، وتطحن عليها الأرحاء، وتدخل الحمامات. وبين مكناسة (7) وفاس أربعون ميلاً في جهة المغرب، ومكناسة مرتفعة على الأرض، يجري في شرقيها نهر صغير عليه الأرحاء، وتتصل بها عمارات وجنات وزروع، وأرضها طيبة للزراعات، ولها مكاسب وأحوال صالحة، وسميت باسم مكناس البربري لما نزلها مع بنيه عند حلولهم بالمغرب وإقطاعه لكل ابن من بنيه بقعة يعمرها مع ولده، فكل هذه المواضع التي أنزلهم فيها تتجاور وتتقارب أمكنتها بعضها من بعض، وبلاد مكناسة لها أسواق وحمامات وديار حسنة، والمياه تخترق أزقتها، وبين مكناسة وقصر ابن عبد الكريم ثلاث مراحل. مكول (8) : بلدة مشهورة بتامسنا منها عبد الرحمن بن إسحاق المكولي (9) كان نبيهاً جليلاً أكثر من قراءة الفلسفة مع معرفته بالأصول والفروع فاطلع منه السيد أبو العلا بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب الأندلس إذ ذاك في البحث، وهو عنده في منصب القضاء، على ما أباح دمه، فضرب عنقه بإشبيلية سنة خمس وعشرين وستمائة، وقيل إنه لما قدم للقتل قال: لا أقال الله عثرة من يباحث من يقدر على ضره، فكيف من يقدر على قتله، لأن المباحثة قتال بالألسن يؤدي إلى قتال بالأيدي، ومن شعره: أحادي عيسهم إن جئت سلعاً ... فعرض واللبيب له اطراد وقل أين الرباب وأين سلمى ... وهند بينهن هي المراد ملندة (10) : مدينة في بلاد الزنج على ضفة البحر (11) ، وهي كبيرة وأهلها متحرفون بالصيد براً وبحراً، فيصيدون في البر النموس والدباب (12) ، ويصيدون في البحر ضروباً من الحيتان فيملحونها ويتجرون بها، وعندهم معدن حديد يحتفرونه ويعملونه، وهو جل مكسبهم وتجاراتهم، وأهلها يزعمون أنهم يسحرون الحيوان الضار حتى لا يضر إلا لمن أرادوا ضرره والنقمة منه، وإن السباع والنمور لا تعدو عليهم لأجل سحرهم لها.

_ (1) ع ص: يجزون. (2) الاستبصار: 187. (3) ص: تاجروت؛ وعند الإدريسي (د) 77: تاقررت؛ الاستبصار: تاقرارات. (4) ع ص: بغيطات؛ الاستبصار: بغيضات. (5) ع: محاير. (6) ص: فسل؛ الاستبصار: بسيل. (7) الإدريسي (د/ب) : 79، 80/ 51. (8) انظر الإدريسي (د/ ب) : 72/ 47، وقد ذكر أنها كالحصن الكبير عامرة بالبربر ولها سوق نافقة وبها زروع كثيرة، وبينها وبين آنفال مرحلة. (9) سماه في التكملة (رقم: 1657) عبد الرحمن بن محمد بن تميم بن المعز المكولي - ويكنى أبا زيد - دخل الأندلس وامتحن في الفتنة بها؛ وذكر أن قتله تم سنة 623؛ ولم يشر إلى علاقته بالفلسفة. (10) نزهة المشتاق: 22 (OG: 59) ، وانظر بسط الأرض: 14، وتقويم البلدان: 152. (11) ع ص: النيل. (12) نزهة المشتاق: النمور والذئاب.

ملاق:

ملطية (1) : من الثغور الجزرية بالشام، وهي المدينة العظمى وكانت قديمة، فأخربتها الروم فبناها أبو جعفر المنصور سنة تسع وثلاثين ومائة وحصل عليها سوراً محكماً، وعلى نحو ثلاثة أيام من ملطية يخرج سيحان وهو نهر أذنة من الثغر الشامي ويجري في بلاد الروم وليس للمسلمين عليه إلا مدينة أذنة بين طرسوس والمصيصة. وكان فتح ملطية عنوة حبيب بن مسلمة الفهري، وجهه إليها عياض بن غنم من سميساط، ففتحها ورتب فيها رابطة من المسلمين، ثم شحنها معاوية، فكانت في طريق الصوائف، ثم انتقل عنها أهلها أيام ابن الزبير فقصدها الروم ثم تركتها فنزلها قوم من الأرمن والنبط ثم أناخ الروم عليها، فلما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائة (2) قصدها الطاغية، والجزيرة يومئذ مفتونة فأناخ عليها، فلما جهد أهلها سألوه الأمان فوثق لهم، فرحلوا وحملوا ما تيسر لهم وألقوا كثيراً مما ثقل عليهم في الآبار والمجاري، ثم خرجوا وشيعهم الروم حتى بلغوا مأمنهم، وتوجهوا نحو الجزيرة، وهدم الروم ملطية، فلم تزل كذلك حتى وجه أبو جعفر المنصور عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام على الجزيرة وثغورها، ومعه الحسن بن قحطبة، ومعهم سبعون ألفاً، فعسكروا على ملطية وأتموا بناءها، وكان للحسن في ذلك أثر جميل، وبنى مسجدها وبنى للجند الساكنين بها لكل عرافة بيتين سفليين وغرفتين فوقهما وإصطبلاً، والعرافة عشرة نفر إلى خمسة عشر رجلاً، وبناها مسلحة على ثلاثين ميلاً منها، ومسلحة على نهر يدعى ثاقب يدفع في الفرات، ورتب المنصور فيها أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة، وزاد في أعطياتهم عشرة دنانير لكل رجل ومعونة مائة دينار، وغزتها الروم أيام الرشيد فلم يقدروا عليها. وفي سنة (3) ثلاث وثلاثين ومائة أقبل طاغية الروم قسطنطين بن الليون فنزل على ملطية فقاتلوه قتالاً شديداً، فألح عليهم حتى نزلوا على أمان، فهدم المدينة والمسجد الجامع ودار الإمارة، وغزتها الروم أيام الرشيد فلم يقدروا عليها. ملاق (4) : نهر عظيم بقرب مجانة من إفريقية، عليه آثار قديمة، وهو صعب كثير الدهس عسير المخايض. ملكان (5) : جزيرة في البحر الأخضر، وذكر بطليموس أن فيه سبعاً وعشرين ألف جزيرة عامرة وغامرة، وملكان دابة بحرية سميت الجزيرة به، وهذه الدابة قد استوطنت الجزيرة ولها رؤوس كثيرة ووجوه مختلفة، وقيل إنها مركب لبعض ملوك البحر لأن لها جناحين، إذا أقامتهما وجمعت بينهما صار كأنه رف عظيم مظل من الشمس، وهي مثل الجبل الضخم. مليلة (6) : من أرض طنجة، وهي قريبة من نهر ملوية بالمغرب، وهي مدينة مسورة بسور حجارة، وداخلها قصبة مانعة، وفيها مسجد جامع وحمام وأسواق، وهي مدينة قديمة، ويقال إن موسى ابن أبي العافية المكناسي جددها (7) وسكنها قوم (8) يقترعون على من يدخلها من التجار، فمن أصابته قرعة الرجل منهم كان تجره على يديه، ولم يصنع شيئاً إلا تحت نظره وإشرافه، فيحميه من من يريد ظلمه، ويأخذ منه على ذلك الأجر ويأخذ منه الهدية لنزوله عنده. وذكر أن عبد الرحمن الناصر لدين الله افتتحها سنة أربع عشرة وثلثمائة، وبنى سورها معقلاً لموسى بن أبي العافية. وإلى هذه المدينة (9) وقع ادريس بن عبد الله بن الحسن (10) بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فإن الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم كان قام بالمدينة أيام موسى الهادي، ثم خرج إلى مكة في ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة، وخرج معه جماعة من بني عمه وإخوته منهم يحيى وإدريس ابنا عبد الله بن حسن، وبلغ الهادي خبره فولى حربه محمد بن سليمان بن علي فكانت الوقيعة بفخ فقتل الحسين بن علي وأكثر أصحابه، وأفلت ادريس بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي رضي الله عنهم، فوقع إلى مصر، وكان على بريدها واضح مولى صالح بن المنصور، وكان رافضياً، فحمله على بريد إلى أرض

_ (1) انظر اليعقوبي: 362، وآثار البلاد: 564، والكرخي: 46، وابن حوقل: 166، وياقوت (ملطية) ، وفي صبح الأعشى 4: 132 نقل عن الروض. (2) في العيون والحدائق: 224 أن قسطنطين ملك الروم استولى على ملطية عنوة وهدم سورها سنة 138، وما هنا موافق لما في تاريخ الموصل: 142. (3) هذا مكرر، ولكنه يشير إلى نقل من مصدر آخر. (4) البكري: 49، ثم الاستبصار: 162 - 163 وفيه كتب ((ملان)) . (5) البكري (مخ) : 38. (6) البكري: 88، والاستبصار: 135، وانظر الإدريسي (د) : 171، وابن حوقل: 79. (7) البكري: ويقال إن بني البوري بن أبي العافية ... جدودها. (8) سماهم البكري ((بني ورتدي)) . (9) انظر البكري: 121. (10) ص ع: الحسين.

ملجمان:

المغرب فوقع بمدينة مليلة هذه، فاستجاب له من بها وبأعراضها من البربر، فلما ولي الرشيد وبلغه أمره بعث إلى واضح فضرب عنقه، ودس إلى ادريس الشماخ الشامي مولى المهدي، وكتب له كتاباً إلى إبراهيم بن الأغلب، فخرج حتى وصل مليلة، وذكر أنه متطبب وأنه من شيعتهم، ودخل إلى ادريس فأنس به واطمأن به، ثم أنه شكا إليه علة في أسنانه فأعطاه سفوفاً مسموماً قاتلاً وأمره أن يستن به عند طلوع الفجر، فأخذ منه وهرب الشماخ من ليلته، فلما طلع الفجر استن ادريس وأكثر منه في فيه فسقطت أسنانه ومات من وقته، وطلب الشماخ فلم يظفر به، وقدم على إبراهيم بن الأغلب فأخبره بما كان منه، وجاءته بعد مقدمه الأخبار بموت ادريس، فكتب ابن الأغلب إلى الرشيد بذلك، فولى الشماخ بريد مصر وأجازه وأحسن إليه، وولد لإدريس من بعده ولد له من جارية له بربرية تسمى كنزة، سمي باسمه، فنشأ فيهم فعظموه، وعامة من بالمغرب من ذرية الحسن من ولده، وهم إلى الآن في تلك الناحية مالكين لها، وانقطعت عنهم البعوث. ملاي (1) : مدينة من جزيرة القمر من جزر الهند، وملكها لا يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه إلا المخنثون يلبسون الثياب النفيسة من الحرير الصيني والعراقي، وفي يمنى كل واحد منهم سوار ذهب، وهؤلاء المخنثون يتزوجون الرجال في عوض النساء، ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم؛ وفي هذه الجزيرة الزرع والنارجيل وقصب السكر، وبهذه الجزيرة من الخشب ما لا يوجد مثله في الأرض، وأهلها بيض قليلو اللحى يشبهون الأتراك، ويزعمون أن أصلهم من الترك. وملاي (2) أيضاً جزيرة في البحر الصنفي كبيرة ممتدة من المغرب إلى المشرق ويسمى ملكها ملك الجزر (3) ودراهمه فضة تسمى الطاطرية (4) ، وله أجناد وفيلة ومراكب كثيرة، وفيها موز ونارجيل وقصب سكر، وهي في آخر الصين. ملجمان (5) : مدينة بالهند هي دار ملك الزابج، وهو أبداً يشتغل بحرب الزنج الذين هم في حدود واق (6) لأن بلاد الزابج متصلة ببادية الزنوج الواقواقية، وعرض الباديتين مسيرة خمسة أشهر. الملتان (7) : هي مدينة في آخر بلاد السند، وهي مجاورة لبلاد الهند، وهي نحو المنصورية في الكبر، وبعض الناس يجعلها من بلاد الهند، وبها صنم يعظمه أهل الهند ويحجون إليه من أقاصي بلدانهم ويتصدقون عليه بأموال جمة وحلي كثير وطيب تعظيماً له، وله خدام وعباد يأوون إليه وينفقون ويلبسون من ماله المتصدق به عليه، وسميت الملتان باسم الصنم، وهو على صورة الإنسان مربع على كرسي من جص وآجر، وقد ألبس جميع جسده جلداً أحمر فلا يتبين للإنسان من جسده شيء إلا عيناه، ولا يترك مكشوفاً، وعيناه جوهرتان، وعلى رأسه إكليل من ذهب مرصع، والصنم متربع وماد ذراعيه على ركبتيه، وهو معظم عندهم جداً، وبيت هذا الصنم في وسط الملتان، وبأعمر سور فيها، وهو قبة عظيمة مزخرفة قد أتقن بنيانها وشيدت عمدها ولونت صنعتها وأوثقت أبوابها، والصنم فيها، وحول القبة بيوت يسكنها خدام هذا الصنم، وليس بالسند ولا بالهند قوم يعبدون الأوثان إلا هؤلاء الذين في هذا القطر مع هذا الصنم. والملتان مدينة كبيرة عامرة عليها حصن منيع، ولها أربعة أبواب، وبخارجها خندق، ونعمها كثيرة وأسعارها رخيصة، وإنما سميت الملتان لأن معناها فرج بيت الذهب، وكان محمد بن يوسف أخو الحجاج أصاب فيها أربعين بهاراً من الذهب، والبهار ثلثمائة وثلاثة وثلاثون مناً، وكلها في بيت، فسمي ذلك فرج الذهب، والفرج الثغر (8) ؛ وللملتان نهر صغير عليه أرحاء

_ (1) نزهة المشتاق: 26 (OG: 71) ، انظر نخبة الدهر: 157. (2) نزهة المشتاق: 30، 33 (OG: 85) . (3) ع ص: الخزر؛ نزهة المشتاق: الحرز؛ والتصويب عن أخبار الهند: 12، 13. (4) في أخبار الهند: 12 نسب هذه الدراهم إلى البلهرا. (5) ع: ملحمان، وكذلك وردت في حدود العالم: 164؛ وملجان في اخبار الهند: 10 وهو يحدد موقعها بين سرنديب وكله، ووصف ((ملجان)) عنده يشبه ما ذكره الإدريسي عن جزيرة جالوس (راجع هذه المادة فيما تقدم وانظر نزهة المشتاق: 27) . (6) أغلب الظن أن ((واق)) هنا تطابق ((مدغشقر)) . (7) كل هذه المادة عن الإدريسي (ق) : 41 - 45 (OG: 175) والمادة عن الملتان وفيرة في المصادر، انظر المسعودي، مروج الذهب 1: 375، وابن خرداذبه: 56، وابن رسته: 135، وابن حوقل: 277 (والإدريسي يلخص ما جاء عنده) ، والكرخي: 103، وآثار البلاد: 121، وياقوت (الملتان) ، وتقويم البلدان: 351، وابن بطوطة: 403، وابن الوردي: 48، ونينار: 115 (AGK) ، ومينورسكي: 89، 246. (8) ص ع وأصول نزهة المشتاق: والفرج البهار.

مليانة:

ويصب في نهر مهران السند، والغالب على أهل الملتان أنهم مسلمون، والحكم فيهم لأهل الإسلام، ورئيسهم مسلم. مليانة (1) : مدينة في أحواز أشير من أرض المغرب بين تنس والمسيلة وبقرب نهر شلف، وهي مدينة رومية فيها آثار، وهي ذات أشجار وأنهار تطحن عليها الأرحاء، جددها زيري بن مناد وأسكنها ابنه بلكين، وهي عامرة ومشرفة على جميع ذلك الفحص الذي فيه بنو واريفن وغيرهم، وهي عامرة آهلة، ولها آبار عذبة وسوق جامعة. وبقعتها كريمة (2) ومزارعها خصيبة، ونهرها يسقي أكثر مزارعها وجناتها، ولها أرحاء على نهرها، ولأقاليمها حظ من سقي شلف، وعلى ثلاثة أميال (3) منها جبل وانشريس (4) . وعلى مليانة لقي أبو بكر ابن الصابوني الشاعر (5) السلطان أبا زكريا ملك إفريقية، كان هاجر إليه من الأندلس وركب البحر، وخرج في ساحل الغرب الأوسط، ولقي عسكر السلطان على مليانة فنظم قصيدة وتعرض بها في جهة خيام خدام السلطنة، فمن العجائب أن لحظه السلطان بعينه فقال للحاجب: إن صدق ظني فذاك الشخص الذي من صفته كذا الناظر إلى جهتنا هو ابن الصابوني الشاعر، فسر إليه برفق واسأله، فإن كان هو ومعه قصيدة فيحضر بها وينشدها، فكان الأمر على ما قدر السلطان، وحضر وأنشد قصيدة أولها: الله جارك في حل ومرتحل ... يا معلياً ملة الإسلام في الملل فسرت والسعد يدعوني وينشدني ... إن السعادة في مليانة فمل فلما أتمها أمر بإنزاله، وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وصحب العسكر إلى حضرة تونس. ملل (6) : بينها وبين المدينة النبوية ثمانية عشر ميلاً، وهي بطريق مكة وفيها آثار، وهي قليلة الأهل، ماؤها من الآبار، وكان كثير عزة يقول: إنما سميت ملل لتملل الناس بها، وكان الناس لا يبلغونها حتى يملوا، وقال جعفر بن الزبير يرثي ابناً له مات بملل: أهاجك بين من حبيب قد ارتحل ... نعم ففؤادي هائم القلب مختبل أحزني على ماء العشيرة والهوى ... على ملل يا لهف نفسي على ملل فتى السن كهل الحلم يهتز للندى ... أمر من الدفلى وأحلى من العسل ممطور (7) : جبل على مرحلة من القيروان نزله بعض الأمراء الداخلين لإفريقية فأصابه المطر فقال إن جبلنا هذا لممطور، فغلب عليه هذا الاسم. منبج (8) : بناحية قنسرين ومن كورها، وهي مدينة كبيرة، وبينها وبين الفرات مرحلة، وعليها سوران، وهي من بناء الروم الأول وفيها أسواق عامرة وتجارات دائرة وغلات وأرزاق. ويحف (9) بغربيها وشرقيها بساتين ملتفة الأشجار مختلفة الثمار، والماء يطرد بها ويتخلل جميع نواحيها، وأرضها كريمة وأسواقها فسيحة، ودكاكينها وحوانيتها كأنها الخانات والمخازن اتساعاً وكبراً، وكانت من مدن الروم العتيقة، ولهم بها من البناء آثار تدل على عظيم اعتنائهم بها، ولها قلعة حصينة، وأهلها أهل خير وفضل، ومعاملاتهم صحيحة وأحوالهم مستقيمة. ومنبج أيضاً بناحية عمان.

_ (1) البكري: 69، وقارن بالاستبصار: 171، وياقوت (مليانة) ، وآثار البلاد: 273، ورحلة العبدري: 24. (2) الإدريسي (د/ ب) : 84/ 85. (3) الإدريسي: أيام. (4) ص ع: وانشراس. (5) اختصار القدح: 69، والمغرب 1: 23، والوافي 2: 9، والفوات 2: 209، وقد أورد ابن سعيد هذه القصة ملخصة. (6) انظر معجم ما استعجم 4: 1256، وياقوت (ملل) ، والمغانم المطابة: 391. (7) رحلة التجاني: 32، والقائل هو معاوية بن حديج. (8) نزهة المشتاق: 197، وانظر ياقوت (منيج) ، وآثار البلاد: 274، والكرخي: 46، وابن حوقل: 166. (9) رحلة ابن جبير: 248.

المنكب:

منية نصر (1) : قرية بالأندلس قريبة من قرطبة موفية على النهر، وهي في شرقيها وتعرف بأرحاء الحناء، وهي منية فسيحة ذات مبان رفيعة، والذي ابتنى منية نصر الإمام عبد الله بن محمد، وفي ذلك يقول عبيد الله بن يحيى (2) من قصيدة له: لعل زماني يستجد بوصلها ... تجدد عهد الملك في منية النصر فكم صدفت عنها الخطوب وأحرزت ... جنان المصلى دونها حلة الفخر جفاها البلا إذ واصل الملك ربعها ... وتم بها قصر يضاهي سنا البدر قريب المدى رحب المحل تحفه ... رياض ونهر تحت عقوته يجري والركن الشرقي مما يلي القبلة من هذه المنية يعرف بالركين، وهو على النهر وفيه ثمرات زيتون، وبين النهر وبين الركن موضع ينتابه النبيذيون وينتجعه الظرفاء فلا يكاد يخلو منهم، يتفيئون ظله ويعومون في نميره لاشتهاره وبرده، وفي ذلك يقول محمد بن شخيص (3) على لسان ابن الحمالة إذ كان غائباً في القسطنطينية في شعر له طويل: اقر السلام على الركين وقل له ... مذ غبت لم أرتح لظل نسيم سقياً لظلك بالعشي وبالضحى ... ولبرد مائك في احتدام سموم لو كنت أملك منع مائك لم يقم ... في ظل ساحك منتم للئيم نقل في هذه الأبيات معنى شعر ابن المعتز وكثيراً من لفظه، وهو (4) : اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كل المشارب مذ هجرت ذميم منية ابن الخصيب (5) : بينها وبين مدينة القيس نصف يوم، وهي في الضفة الشرقية من النيل، وهي عامرة كثيرة الأسواق والحمامات وسائر مرافق المدن، وحولها جنات وأرض متصلة العمارات وقصب وأعناب كثيرة ومتنزهات ومبان حسان. المنكب (6) : بالأندلس، مرسى المنكب صيفي يكن بشرقيه، وله نهر يريق في البحر، وعليه حصن كبير لا يرام، به ربض وأسواق وجامع، وفيه آثار للأول كثيرة، وكانت لهم فيه مياه مجلوبة وآثار قنيها بها إلى اليوم، وبقرب الحصن من ناحية الشمال ديماس عظيم مبني من حجارة مربع الأسفل محدد الأعلى، ارتفاعه نحو مائة ذراع، في رأسه منفس للماء المجلوب إليها، وقد نحت في عرض جهة الديماس الجنوبية من أعلاه إلى أسفله مصب للماء، حتى وصل إلى الأرض فدل أن الماء كان مجلوباً من موضع هو أرفع من هذا الصنم، وبهذا المرسى خرج الإمام عبد الرحمن بن معاوية عند دخوله الأندلس وذلك في ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين ومائة. ويتلو مرسى المنكب في الشرق مرسى شلوبينية. والمنكب (7) مدينة حسنة متوسطة كثيرة مصايد السمك وبها فواكه جمة. قال بعض أهل الأخبار ما هو كالتفسير لما قدمناه: في وسط (8) المنكب بناء مربع كالصنم، أسفله واسع وأعلاه ضيق، به حفيران من جانبيه، متصلان من أسفله إلى أعلاه، وبازائه من الناحية الواحدة في الأرض حوض كبير يأتي إليه الماء من نحو ميل على ظهر قناطر كثيرة معقودة من الحجر الصلد، ينصب ماؤها في ذلك الحوض، ويذكر أهل المعرفة من أهل المنكب

_ (1) بروفنسال: 187، والترجمة: 226. (2) ترجمته في الجذوة: 250، والبغية رقم: 974، واليتيمة 2: 11، وابن الفرضي 1: 294 وانظر فهرست كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس: 320. (3) محمد بن مطرف بن شخيص، انظر الجذوة: 84، وبغية الملتمس رقم: 276، وفهرست كتاب التشبيهات: 331. (4) هذا البيت وما بعده من أبيات ليست لابن المعتز إنما هي لأبي القمقام الأسدي كما ذكر ياقوت (الوشل) ؛ وحماسة أبي تمام، شرح المرزوقي، رقم: 567، وإلى ذلك أشار بروفنسال في هامش الروض (النص العربي) . (5) ألإدريسي (د) : 45، وانظر رحلة ابن جبير: 57، وابن بطوطة: 48. (6) بروفنسال: 186، والترجمة: 225 (Almunecar) وهي مدينة صغيرة في مقاطعة غرناطة على البحر المتوسط، على بعد 23 كيلومتراً إلى الغرب من مطريل (Matril) . (7) الإدريسي (د) : 199. (8) النقل مستمر عن المصدر السابق.

مندوجر:

أن ذلك الماء كان يصعد إلى أعلى المنار وينزل إلى الناحية الأخرى فيجري هناك إلى رحى صغيرة كانت وبقي أثرها الآن، على جبل مطل على البحر، ولا يعلم ما المراد بذلك، ومن المنكب إلى اغرناطة أربعون ميلاً. مندوجر (1) : بالأندلس بينه وبين المرية مرحلة، وهو حصن على تل تراب أحمر، والمنزل في القرية، ويباع بها للمسافرين الخبز والسمك وجميع الفواكه. منرقة (2) : هي جزيرة تقابل برشلونة، بينهما مجرى، وبينها وبين سردانية أربعة مجار، وهي إحدى بنتي (3) جزيرة ميورقة، وهما منرقة ويابسة، وما زالت في يد المسلمين تحت هدنة الطاغية البرشلوني ومصالحته بعد أن جرى على ميورقة ما جرى، وكان عامل ابن يحيى صاحب ميورقة الممتحن بعذاب البرشلوني بعد استيلائه على ميورقة حتى مات رحمه الله تعالى مقيماً بجزيرة منرقة هذه، وهو سعيد بن حكم (4) ، وقد ضبطها وأقام عليها أحسن قيام، وهادن الأعداء، وطالت مدته في ذلك، وحسنت سيرته إلى أن مات، فقصدها العدو، واغتنم فرصتها واستولى عليها. المنصورة (5) : في بلاد السند، وهي على معظم نهر مهران، يحيط بها ذراع منه من الجانب الغربي، ومقدارها في الطول نحو ميل في عرض ميل، وهي مدينة حارة بها نخل كثير وقصب سكر، وليس لهم شيء من الفواكه إلا نوع من الثمر على قدر التفاح شديد الحموضة، ولهم فاكهة أخرى تشبه الخوخ وتقاربه في الطعم. وهي محدثة بناها أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي في صدر ولايته فنسبت إليه. ورأيت من وجه آخر (6) أن المنصورة منسوبة لمنصور بن جمهور عامل لبني أمية، وكان أصحابها من ولد هبار بن الأسود، وبها من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه خلق كثير، ومملكتها تصاقب مملكة المولتان، ومسافة ما بين المملكتين خمسة وسبعون فرسخاً سندية، والفرسخ ثمانية أميال، وجميع ما للمنصورة من الأصقاع والقرى وما يضاف إليها ثلثمائة ألف قرية وزروع وأشجار وعمائر متصلة. وقد بنى (7) أبو جعفر المنصور أربع مدن وقال إنها لا تخرب أبداً: إحداها بغداد بالعراق، وهذه المنصورة في السند، والمصيصة في آخر الشام، والرافقة بأرض الجزيرة. وفي المنصورة هذه بشر كثير وتجار مياسير وماشية وزروع وحدائق وبساتين، وبناؤها بالآجر، ولأهلها نزاهات وأيام راحات، والتجار بها كثيرون والأسواق بها قائمة والأرزاق دارة، وزيهم زي العراق، وملوكهم يتشبهون بملوك الهند في لباس القراطق وإسبال الشعور، وبهذه المدينة حوت كثير، واللحم رخيص والفواكه مجلوبة. قال بعضهم (8) : رأيت لصاحب المنصورة فيلين عظيمين كانا موصوفين عند أهل الهند والسند، لهما أخبار عجيبة، وكان لهما في فل الجيوش تقدم، ومات بعض سواس أحدهما فبقي لا يطعم ولا يشرب، يبدي الحنين ويظهر الأنين وتسيل دموعه، لا يتماسك وخرج ذات يوم من دار الفيلة يتقدم ثمانين فيلاً فاستقبل امرأة، فلما رأته غشي عليها فسقطت وانكشف ثيابها، فاعترض في الطريق مانعاً لمن وراءه من الفيلة أن تمر، وأقبل يشير إليها بخرطومه بالقيام ويلاطفها ويجمع عليها أثوابها، حتى قامت وخلى سبيل الفيلة. قالوا: والفيل إذا كان ممارساً شجاعاً وراكبه كذلك، وكان في خرطومه العرطل، وهو نوع من السيوف شنيع المنظر، وكان خرطومه مغشى بالزرد، وعليه تجافيف قد أحاطت به، ومن وراءه خمسمائة راجل أنجاد، كر على خمسة آلاف فارس وقام لهم ودخل وخرج وجال عليهم.

_ (1) بروفنسال: 185، والترجمة: 224 (Mondujar) وأكثر المادة عن الإدريسي (د) : 201. (2) بروفنسال: 185، والترجمة: 224 (Menorca) . (3) تقرأ في ع: منيتي؛ ص: مراسي؛ بروفنسال: جزيرتي. (4) انظر ترجمة سعيد بن حكم في الذيل والتكملة 4: 28، واختصار القدح: 28، وعنوان الدراية: 181، وبغية الوعاة: 255، وكانت وفاته سنة 680. (5) عن الإدريسي (ق) : 30، وانظر الكرخي: 103، وابن حوقل: 277، والمقدسي: 479، وياقوت (المنصورة) ، وآثار البلاد: 125، وتقويم البلدان: 350، ونخبة الدهر: 175، وقد أثبتها مؤلف الروض: ((المنصورة)) و ((المنصورية)) ، فاخترت الرسم الأشهر في المادة كلها. (6) ناظر إلى ما قاله المسعودي، المروج 1: 377 وما بعدها. (7) عاد إلى النقل عن الإدريسي. (8) هو المسعودي، المروج 1: 379.

مناذر:

قالوا (1) : والفيلة ضربان: فيل وزندبيل، فهي كالبخت والعراب، والجواميس والبقر، والبراذين والخيل. قالوا (2) : فإذا اغتلم الفيل قتل الفيلة والفيالين وكل من لقيه من سائر الناس، ولم يقم له شيء حتى لا يكون لسواسه إلا الهرب والاحتيال لأنفسهم، وتزعم الفرس أن فيلاً من فيلة كسرى اغتلم فأقبل نحو الناس، فلم يقم له شيء حتى دنا من مجلس كسرى، فأقشع عنه جنوده وأسلمه صنائعه، وقصد إلى كسرى ولم يبق معه إلا رجل واحد من فرسانه، كان أخصهم به حالاً، فلما رأى قربه من الملك شد عليه بطبرزين كان في يده فضرب جبهته به ضربة غاب جميع حديده بها في جبهته، فصدف عنه وارتدع، وأبى كسرى أن يزول من مكانه، فلما أيقن بالسلامة قال لذلك الرجل: ما أنا بما وهب الله تعالى لي من الحياة على يديك بأشد سروراً مني بما رأيت من هذا الجلد والوفاء والظفر (3) في رجل من صنائعي وحين لم تخطئ فراستي، فهل رأيت أحداً قط أشد منك؟ قال: نعم، قال: فحدثني عنه، قال: على أن تؤمنني، فأمنه، فحدثه عن بهرام جوبين بحديث شق على الملك إذ كان عدوه بتلك الصفة. والمنصورة (4) أيضاً هي صبرة المتصلة - كانت - بالقيروان، بناها إسماعيل المنصور العبيدي سنة تسع وثلاثين وثلثمائة واستوطنها، وهي منزل الولاة إلى حين خرابها، ونقل إليها معد بن إسماعيل أسواق القيروان كلها وجميع الصناعات، ولها خمسة أبواب: الباب القبلي والباب الشرقي وباب زويلة وباب كتامة، وهو جوفي، وباب الفتوح، ومنه كانت الجيوش تخرج، ويذكر أنه كان يدخل أحد أبوابها كل يوم ستة وعشرون ألف درهم. مناذر (5) : قرية من كور الأهواز، وهما قريتان: مناذر الكبرى ومناذر الصغرى، وهما مدينتان كبيرتان عامرتان لا منبر بهما، وكورهما عامرة وأرزاقها دارة ونواحيها متسعة ومياهها كثيرة، وبها من حدائق النخل كثير، ومزارعهما كثيرة وافرة النفع، وكان ابن مناذر يغضب إذا قيل له ابن مناذر - بفتح الميم - ويقول: مناذر الكبرى أم مناذر الصغرى؟ ويقول: اسم أبي من ناذر، فهو مناذر. وحكى البلاذري (6) أن أبا موسى بعد فتحه الأهواز، سار إلى مناذر فحاصر أهلها فاشتد قتالهم، وكان المهاجر بن زياد الحارثي وأخوه الربيع بن زياد مع أبي موسى، فقتل المهاجر ونصب بين شرفتين من قصرهم، فاستخلف أبو موسى أخاه الربيع على مناذر وسار إلى السوس ففتح الربيع مناذر عنوة، وصارت مناذر الكبرى والصغرى في أيدي المسلمين، فولاهما أبو موسى عاصم (7) ابن قيس بن الصلت السلمي؛ وكتب عمر إلى أبي موسى: إن مناذر كقرية من قرى السواد، فردوا عليهم ما أصبتم. وفي مناذر (8) الصغرى كان انحياز عبيد الله بن بشير بن الماحوز رئيس الخوارج؛ قال المهلب بن أبي صفرة: حاصرنا مناذر فأصابوا سبياً، وكتبوا إلى عمر رضي الله عنه فكتب لهم: إن مناذر من قرى السواد، فردوا إليهم ما أصبتم. المنحنى (9) : موضع من ديار غطفان وبظهر خيبر، فيما بينها وبين نجد. المندل (10) : موضع من بلاد الهند ينسب إليه العود المندلي. المنار (11) : منارة الإسكندرية، وضعه الله تعالى على يد من سخره لذلك آية للمتوسمين وهداية للمسافرين، ولولاه ما اهتدوا في البحر إلى بر الإسكندرية، ويظهر على أزيد من سبعين ميلاً، ومبناه في نهاية من الوثاقة طولاً وعرضاً، قيس أحد جوانبه الأربع فوجد نيفاً على خمسين باعاً، ويذكر أن طوله أزيد من مائة وخمسين قامة، وداخله مرأى هائل، اتساع معارج ودواخل، وكثرة مساكن، حتى أن المتصرف فيها والوالج في مسالكها ربما ضل، وفي أعلاه مسجد موصوف بالبركة يتبرك الناس بالصلاة فيه.

_ (1) الحيوان للجاحظ 7: 176. (2) الحيوان 7: 178، وقارن بمروج الذهب 3: 58. (3) الحيوان: والصبر. (4) البكري: 25 (المنصورية) ، وانظر الاستبصار: 115، وياقوت (المنصورة) . (5) معجم ما استعجم 4: 1263، وانظر ياقوت (مناذر) . (6) فتوح البلدان: 464. (7) كله سقط من ع؛ وبعضه من ص؛ واعتمدت فيه على فتوح البلاذري ليستقيم معنى النص. (8) عاد إلى النقل عن معجم البكري. (9) معجم ما استعجم 3: 981 (مادة: عوق) . (10) معجم ما استعجم 4: 1269، وانظر آثار البلاد: 124. (11) النقل عن رحلة ابن جبير: 41.

رأس منف:

والحكاية المشهورة في الاحتيال على هدمه ونبذ من أخباره قد تقدم في رسم الإسكندرية من باب الألف. رأس منف (1) : مدينة في البلاد المصرية قديمة، كانت دار مملكة ملوك درجوا مما يلي جبل المقطم، وأكثرها الآن خراب، وبها كان فرعون موسى، وكان اتخذ لها سبعين باباً، وفصل حيطان المدينة بالحديد والصفر، وبها كانت الأنهار تجري من تحت سريره، وهي أربعة. قال رجل: رأيت بمنف دار فرعون، وكنت أمشي في مجالسه وغرفه وجميع سقائفه وحجره، فإذا ذلك كله حجر واحد منقور، فإن كان بناء قد أحكم حتى صار في الاستواء كحجر واحد لا يستبين فيه جمع بين حجرين فذلك عجب، وإن كان جبلاً واحداً فنقرت الرجال فيه بالمناقر حتى تخرقت فيه تلك المخارق فهو أعجب وأعجب. وقد تنازع الناس في أمر فرعون موسى، فمنهم من رأى أنه من العماليق، ومنهم من قال: هو من لخم من الشام، ومنهم من رأى أنه من الفرس من مدينة اصطخر، ومنهم من رأى أنه من القبط من ولد مصرام، والقبط تثبت ذلك، وزعم قوم أنه من الأعاجم من الأندلس من قرمونة، وذكروا أن اسمه الوليد بن مصعب، وكان سبب ملكه أنه دخل مدينة منف من البادية يحمل خمراً على أتان له، وكان أهل منف قد اختلفوا في تولية ملك، فأجمعوا أن يكون أول من يدخل ذلك اليوم على باب المدينة، فكان أول داخل فرعون، فولوه الملك. وكانت مدينة منف في ذلك الزمان قاعدة مصر ومدنها ودار مملكتها، فلما تمكن فرعون ببلاد مصر بذل الأموال وجمع الجيوش، وقتل من خالفه وناوأه، ومدن المدن، وخندق الخنادق، واستقر له الأمر، وكان جباراً معجباً يدعو الناس إلى عبادته ويقول: أنا ربكم الأعلى، واستعبد بني إسرائيل، فكان من أمره مع موسى عليه السلام ما نصه الله تعالى في كتابه، فلما هلك رجعت بلاد مصر لبني إسرائيل يتوارثونها ملكاً عن ملك (2) ، ومنهم كان داود وسليمان عليهما السلام، إلى أن بعث الله عيسى عليه السلام وظهر دين النصرانية، وملك النصارى أرض مصر يتوارثونها إلى أن جاء الله تعالى بالإسلام. المنستير (3) : محرس من محارس سوسة بإفريقية، مشهور الفضيلة، قيل إن الذي بنى القصر الكبير بالمنستير هرثمة بن أعين سنة ثمانين ومائة، وله في يوم عاشوراء موسم عظيم ومجمع كبير، وبالمنستير البيوت والحجر ومواجل الماء، وهو حصن عالي البناء متقن العمل، وفي الطبقة الثانية مسجد لا يخلو من شيخ فاضل يكون مدار القوم عليه، وفيه جماعة من الصالحين والمرابطين قد حبسوا أنفسهم منفردين دون الأهل والعشائر، وداخل قصر المنستير ربض واسع، في وسطه حصن ثان كثير المساكن والمساجد والقصاب العالية، طبقات بعضها فوق بعض، وفي القبلة منه صحن فيه قباب عالية متقنة حولها النساء المرابطات، ولها حمامات كثيرة. وكان أهل القيروان يخرجون له من الأموال والصدقات كثيراً. وبقرب المنستير ملاحة عظيمة تشحن منها السفن الملح إلى البلاد، وبقربه محارس خمسة متقنة البناء معمورة بالصالحين، والأعراب لا تضرهم في شيء من أسبابهم، وبه مدفن أهل المهدية، يحملون موتاهم في الزوارق إليها ثم يعودون إلى بلدهم. وبقرب القيروان: منستير عثمان (4) بينهما ست مراحل، وهي قرية كبيرة آهلة بها جامع وفنادق كثيرة وأسواق وحمام وبئر لا تنزف، وقصر للأول مبني بالصخر، وأرباب المنستير قوم من قريش من ولد الربيع بن سليمان، وهو اختطها عند دخوله إفريقية، وهذا خلاف ما تقدم، إلا أن يكون هرثمة مجدداً له فيصح، أو يراد منستير عثمان (5) ، وبها عرب وبرابر وأفارق، ومنها إلى باجة ثلاث مراحل. منى: جبل بمكة شهير، يذكر ويؤنث، وفيه يقول الشاعر: ولم أر ليلى قبل موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصب ومنى (6) شبه القرية، بنيت على ضفتي الوادي النازل من عرفات، وفي وسط ذلك الوادي الجمرتان: الأولى جمرة العقبة،

_ (1) الاستبصار: 83، وصبح الأعشى 3: 316، وانظر ابن خرداذبه: 161، والإدريسي (د) : 145، وياقوت (منف) ، وآثار البلاد: 274، وخطط المقريزي 1: 134. (2) هذا غير صحيح تاريخياً ولا أدري من أين نقله المؤلف. (3) البكري: 36، ثم الإدريسي (د) : 108، وانظر الاستبصار: 120، ورحلة التجاني: 30، وفي صبح الأعشى 4: 244 نقل عن الروض. (4) البكري: 55 - 56. (5) المقصود ((منستير عثمان)) لا المنستير الذي هو محرس من محارس سوسة، والبكري واضح في التمييز بينهما. (6) الاستبصار: 30.

منبسة:

أول ما يلقى من منى في رأس العقبة عن يسار الداخل في منى في ناحية مكة، والحصاة قربان فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل بقي، وليس على الحاج بمنى صلاة العيد، وإنما صلاتهم في ذلك اليوم وقوفهم بالمشعر الحرام، وأيام منى أيام ذكر الله تعالى والأيام المعدود (1) ات أيام منى الثلاثة، ويرمى فيها بالجمار، وهي أيام التشريق، وليس يوم النحر منها، والأيام المعلومات: يوم النحر واليومان اللذان بعده، وفي سفح الجبل على جمرة العقبة مسجد في حائطه من ناحية الجنوب حجر مبسوط أدكن، فيه أثر قدم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، حين أضجعه للذبح فركض برجله، فلان له الحجر فغرق رجله فيه، وفي هذا الموضع في عرض الجبل أثر مجر الكبش، ثم تدخل منى فتلقى الجمرة الثانية عن يسارك بينها وبين جمرة العقبة أربعمائة ذراع، ثم الجمرة الثالثة وهي وسط المحجة، بينها وبين الجمرة الوسطى ثلثمائة ذراع وخمسون ذراعاً. منبسة (2) : مدينة في بلاد الزنج على الساحل صغيرة، وأهلها متحرفون باستخراج الحديد من معدنه والصيد للنمور، وكلابهم حمر تغلب كل الذئاب وجملة السباع، وهي في نهاية من القهر لها، وهي على البحر وعلى ضفة جون (3) كبير تدخله المراكب مسيرة يومين، وليس عليه شيء من العمارة، والوحوش تستقر في غياض ضفتيه معاً، فهم يصيدونها هناك، وفي هذه المدينة سكنى ملك الزنج، وأجناده يمشون رجالة لأن الدواب ليست عندهم ولا تعيش بأرضهم. مصر: هي الفسطاط، وهي خاصة بلاد مصر. وفي سنة تسع عشرة فتح عمرو بن العاصي مصر والإسكندرية، وقيل سنة عشرين، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وجاء في الأثر: من أخرب خزائن الله فعليه لعنة الله، وخزائن الأرض هي مصر، أما سمعتم قول يوسف " اجعلني على خزائن الأرض "، وقالوا: مكتوب في التوراة: مصر خزائن الله فمن أرادها بسوء قصمه الله. وفي السير أن هاجر أم إسماعيل عليهما السلام وأم العرب من قرية كانت أمام الفرما من مصر. وبمصر من المنافع والمصانع والبساتين والغرف المشرفة على النيل والقصور ما يبهج العيون ويطرب المحزون، وبين مصر والقاهرة نحو ثلاثة أميال، والقاهرة محدثة من بناء العبيديين. قالوا (4) : ولما كانت سنة ثمان عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وقدم عمر رضي الله عنه الجابية، خلا به عمرو بن العاصي رضي الله عنه وقد كان دخل مصر في الجاهلية وجرى له فيها خبر الكرة، وكان عمرو بن العاصي رضي الله عنه يعرف أحوال مصر، فجعل عمرو يعظم عند عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أمرها، ويعرفه بكثرة جبايتها، ويهون عليه فتحها حتى ركن عمر رضي الله عنه إلى قوله، فعقد له على أربعة آلاف وجهزهم معه وقال له: سر وأنا أستخير الله تعالى، وسيأتيك كتابي سريعاً بما أرى إن شاء الله تعالى، فإن أدركك كتابي آمرك به بالانصراف قبل أن تدخل أرض مصر فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره. فسار عمرو بن العاصي رضي الله عنه في جوف الليل ولم يشعر به أحد، واستخار عمر رضي الله عنه، فكأنه تخوف على المسلمين، فكتب إلى عمرو يأمره بالانصراف بمن معه، فأدركه الرسول وهو برفح، وتخوف عمرو إن قرأ الكتاب أن يكون فيه أمر بالإنصراف، فلم يأخذ الكتاب من الرسول ودافعه حتى نزل قرية قريبة من العريش، فسأل عنها فقيل له إنها من أرض مصر، فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين، ثم قال: ألستم تعلمون أن هذه القرية من أرض مصر؟ فقالوا: بلى، قال لهم: فإن أمير المؤمنين عهد إلي أنه إن لحقني كتابه وأنا لم أدخل أرض مصر أن أرجع بمن معي، وإن كتابه لم يلحقني حتى دخلت أرض مصر، فسيروا على بركة الله تعالى، فساروا حتى توسطوا بلاد مصر، فنزل عمرو بموضع على النيل، وهو الفسطاط، ولم تكن فيه حينئذ مدينة، وإنما بنى الفسطاط عمرو، وكان ملك مصر في ذلك الزمان المقوقس، وهو الذي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية، فلما سمع المقوقس دخول المسلمين بلاده ونزولهم الفسطاط، ولم يكن لديه علم، راعه ذلك فنظر في توجيه الجنود إليهم. وكتب عمرو إلى عمر يستمده فأمده بأربعة آلاف. ويقال إن أسقفاً كان بالإسكندرية من أهل العلم بالكوائن لما بلغه قدوم عمرو بالمسلمين إلى بلاد مصر، كتب إلى القبط يعلمهم أن ملكهم قد انقطع ويأمرهم بتلقي عمرو

_ (1) سقط من ع. (2) نزهة المشتاق: 22 (OG: 59) ، وانظر بسط الأرض، وتقويم البلدان: 152. (3) نزهة المشتاق: خور. (4) فتوح مصر لابن الحكم: 56 وما بعدها.

بالطاعة له، فأطاعه كثير من القبط، فاستعان بهم على من سواهم، ثم سار عمرو إلى البلد الذي كان فيه الملك المقوقس، وكان حصناً عظيماً، فاتقى بخندق حوله، واصطف المسلمون على أبواب الخندق وعليهم السلاح والدروع، ثم إن عمر رضي الله عنه بعث الزبير بن العوام رضي الله عنه في اثني عشر ألفاً فقوي المسلمون، فجعل عمرو يلح بالقتال ووضع المنجنيق، فلما أبطأ الفتح على المسلمين قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: أنا أهب نفسي لله وأرجو أن يفتح الله على المسلمين، فوضع له سلم إلى باب الحصن، فرقي فيه ثم قال: إذا سمعتم تكبيري أجيبوني، فما شعر أهل الحصن إلا بالزبير رضي الله عنه على رأس الحصن يكبر، والسيف بيده منتضى، فتحامل المسلمون على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً أن ينكسر بهم، فهرب أهل الحصن جميعاً، وعمد الزبير إلى باب الحصن ففتحه، فاقتحم المسلمون فيه، فلجأ الروم والقبط إلى قصر منيع في الحصن، فحاربهم المسلمون نحو شهر وكان في ذلك القصر الملك المقوقس مع أكابر الروم، فخاف المقوقس على نفسه وعلى من معه، فخرج على باب من موضع خفي، وترك في القصر جماعة يقاتلون، وأمر بقطع الجسر، ثم أرسل المقوقس إلى عمرو: إنكم قوم قد دخلتم بلادنا وطال مقامكم بأرضنا، وإنما أنتم عصبة يسيرة، وقد أظلتكم الروم وجهزوا إليكم الجيوش، وقد أحاط بكم هذا النيل، فأنتم أسارى بأيدينا، فابعثوا إلينا رجلاً منكم نسمع كلامه، فعسى يأتي الأمر بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جيوش الروم فتندموا، فرد عمرو مع رسله: إنه ليس بيننا وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال: إما أن تدخلوا في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لنا ما لكم وعلينا ما عليكم، فإن أبيتم أعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، أو جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فلما رجعت رسل المقوقس قال لهم: كيف رأيتموهم؟ قالوا: رأينا قوماً الموت إلى أحدهم أحب من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة، وإنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على الركب، وأميرهم كواحد منهم يغسلون أطرافهم بالماء، وإذا حضرت صلاتهم لم يتخلف أحد منهم، ويخشعون في صلاتهم تخشعاً كثيراً، فقال المقوقس: والذي نحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لزلزلوها، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد وإن لم نغتنم صلح هؤلاء القوم وهم محصورون بهذا النيل. لن يجيبوا إذا تمكنوا من الأرض، وكان ذلك وقت خروج النيل وفيضه، والمسلمون قد أحدقت بهم المياه من كل جانب، لا يقدرون على النفوذ إلى الصعيد ولا إلى غيره. ن في صلاتهم تخشعاً كثيراً، فقال المقوقس: والذي نحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لزلزلوها، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد وإن لم نغتنم صلح هؤلاء القوم وهم محصورون بهذا النيل. لن يجيبوا إذا تمكنوا من الأرض، وكان ذلك وقت خروج النيل وفيضه، والمسلمون قد أحدقت بهم المياه من كل جانب، لا يقدرون على النفوذ إلى الصعيد ولا إلى غيره. ثم بعث (1) إليهم عمرو بن العاصي رضي الله عنه عشرة رجال، أحدهم عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وكان أسود اللون من العرب وأمره أن يكون متكلم القوم فإنه كان فصيحاً، وأمره ألا يجيبهم إلا إلى إحدى ثلاث خصال، وهي المذكورة قبل، فركبوا السفن ودخلوا على المقوقس، فتقدم عبادة رضي الله عنه للكلام فهابه المقوقس لسواده وقال: نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره، فقالوا جميعاً: هذا الأسود سيدنا وأفضلنا رأيا وحكمة، فكلمه عبادة رضي الله عنه، وازداد المقوقس هيبة لسواده وقال: نحوا عني هذا الأسود، فقالوا جميعاً: هذا الأسود سيدنا وأفضلنا رأياً وعلماً، فكلمه عبادة رضي الله عنه مرة أخرى، فقال المقوقس لأصحابه: لقد هبت منظره وان قوله عندي لأهيب، وإن هذا وأصحابه إنما خرجوا لإخراب الأرض، وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها، وقال: نعطي كل من في الجيش دينارين دينارين، ونعطى أميرهم مائة دينار، ونبعث إلى خليفتهم ألف دينار فلم يجبه عبادة رضي الله عنه إلا إلى إحدى الثلاث خصال، فقال المقوقس لأصحابه: ماذا ترون؟ فقالوا: أما ما أراد من دخولنا في دينهم، فهذا ما لا يمكن ولا نترك دين المسيح إلى دين لا نعرفه، وأما ما أراد أن يجعلونا عبيداً فالموت أيسر من ذلك، فإن رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم وينصرفوا عنا كان ذلك أهون علينا. فانصرف عنهم (2) عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأصحابه ولم ينعقد بينهم صلح على شيء، فألح عليهم المسلمون بالقتال حتى أذعن المقوقس لإعطاء الجزية عن القبط خاصة، وأما الروم فيخيرون في المقام على الجزية أو الخروج إلى أرض الروم، وتم ذلك بينهم وبين المسلمين، فأحصي يومئذ جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط فكانوا ستة آلاف ألف ممن بلغ الحلم، سوى الشيخ الفاني والصغير النامي والنساء، وفرض على كل واحد منهم دينارين دينارين في السنة، فكانت فريضتهم اثني عشر ألف ألف،

_ (1) النقل مستمر عن ابن عبد الحكم. (2) لا يزال اعتماده على ابن الحكم مستمراً.

المضيق:

ورفع ذلك عرفاؤهم بالأيمان المؤكدة، ثم زادت بمن استقر بها من النصارى وغيرهم من النوبة ثلاثة آلاف دينار، فجعل عمرو يبحث عن الأموال ويضمها إلى بيت المال، فذكر له أن عند عظيم الصعيد مالاً كثيراً، فبعث إليه فيه، فقال له: ما عندي مال، فسجنه، وسأل عمرو رضي الله عنه من كان يدخل إليه: هل يسمعونه يذكر أحداً؟ فقالوا له: سمعناه يكثر ذكر راهب الطور، فبعث عمرو رضي الله عنه فأتى بخاتم المسجون، وكتب كتاباً على لسانه إلى ذلك الراهب، فأتي بقلة من نحاس مختومة برصاص، فإذا فيها كتاب فيه: يا بني إذا أردتم مالكم فاحفروا تحت الفسقية، وهي السقاية، فحفروا فاستخرجوا خمسين أردباً دنانير، والأردب نحو قنطار ونصف. ثم أمر عمرو (1) رضي الله عنه المسلمين ببناء دور يسكنونها بالفسطاط، وهي مدينة مصر اليوم، وإنما سميت مدينة مصر الفسطاط لأن عمرو بن العاصي رضي الله عنه حين دخل مصر وضرب فسطاطه بذلك الموضع فلما أراد التوجه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم، أمر بنزع الفسطاط، فإذا فيه حمام قد أفرخ، فقال عمرو رضي الله عنه: لقد تحرم هذا منا بمحرم، فأمر بالفسطاط فأقر مكانه وأوصى عليه، فلما قفل المسلمون من الإسكندرية بعد فتحها قال الناس: أين ننزل؟ فقيل: الفسطاط، لفسطاط عمرو الذي تركه في المنزل بمصر. ثم بدأ عمرو بن العاصي رضي الله عنه ببناء المسجد، وكان في موضعه حدائق وأعناب فقطعها، ووضعوا أيديهم في البناء فلم يزل عمرو ومن حضر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قياماً حتى وضعت القبلة، فلما أتمه اتخذ فيه منبراً، فكان يخطب عليه، فوصل ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إلى عمرو بن العاصي: أما بعد: فإنه بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى فيه على رقاب المسلمين أوما يسعك أن تقوم قائماً والناس من تحتك، فعزمت عليك لما كسرته. ثم اختط عمرو داره التي هي اليوم عند باب المسجد، بينهما الطريق، وكذلك اختط جميع من أراد سكنى مصر من المسلمين داراً لنفسه، واختط الزبير رضي الله عنه داراً، وجعل فيها السلم الذي صعد عليه إلى الحصن المتقدم الذكر، فلما ولي عبد الملك بن مروان اغتصبها من آل الزبير واصطنعها لنفسه، فلما ولي أبو جعفر المنصور ردها على هشام بن عروة من بني الزبير. وحكى ابن عساكر أن رجلاً ذكر أنه لقي الياس عليه السلام وسأله: كم الأبدال؟ فقال: ستون خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة، ورجل بإنطاكية، وسبعة في سائر أمصار العرب، بهم يسقون الغيث وبهم ينصرون على العدو، وبهم يقيم الله أمر الدنيا، فإذا أراد أن يهلكها أماتهم أجمعين. المصيصة (2) : من ثغور الشام بالقرب من أنطاكية، والمصيصة مدينتان بينهما نهر عظيم يقال له جيحان، وهما على ضفتيه وبينهما قنطرة من حجارة، واسم الواحدة المصيصة والأخرى كفربيا، ولها بساتين وزروع، وجيحان يخرج من بلاد الروم حتى يصل المصيصة، وبين المصيصة والبحر اثنا عشر ميلاً. والمصيصة (3) مكسورة الميم، قال الأصمعي: ولا يقال غير ذلك. وفي سنة (4) أربعين ومائة كتب أبو جعفر المنصور إلى صالح بن علي يأمره ببناء المصيصة، فوجه صالح جبريل بن يحيى فرابط بها حتى بناها وفرغ منها سنة إحدى وأربعين ومائة، وأنزلها الناس. وذكروا أنه من أطال الصوم بالمصيصة هاجت به المرة السوداء، وقد يجن. وباب المصيصة الذي يلي البحر لا يغير البحر صفاء حديده ولا يولد فيه صدأ وكأنه قد جلي بالأمس، وتعبر الجسر بالمصيصة فتسير في صحراء ملساء خمسة فراسخ إلى أذنة. المضيق (5) : بين بلاد الخانوقة وقرقيسيا، بها كان مسكن جذيمة في زمان ملوك الطوائف وهو الذي قتلته الزبا بنت عمرو في الخبر المشهور. معتب (6) : عند جزيرة سقطرة من اليمن وهو مغاص اللؤلؤ،

_ (1) ابن عبد الحكم: 91. (2) نزهة المشتاق: 195، وانظر الكرخي: 47، وابن حوقل: 167، وياقوت (المصيصة) وأثار البلاد: 564. (3) انظر معجم ما استعجم 4: 1235. (4) انظر تاريخ الموصل: 173. (5) انظر ياقوت (المضيق) . (6) البكري (مخ) : 68.

مغام:

والغواصون عليه أجراء للمسلمين والنصارى، أجر الغواص فيه من قيراط إلى نصف درهم، يغوصون إلى نصف النهار، ثم يأخذون في شق الصدف إلى آخر النهار، وإذا أراد الغواصون أن يغوص أحدهم عمد إلى آلة ذات شقتين قد اتخذت من القرون دقيقة جداً تضم المنخرين فتمنع الماء منه، ويشد في إحدى رجليه صخرة مقدار عشرين مناً، وشد معها وعاء أخذ من شماريخ النخل جعل فيه ما وصل إليه من الصدف، فإذا ملأه حرك الحبل فجذبوه. معرة النعمان (1) : بالشام مدينة قديمة فيها خراب، بينها وبين حلب خمسة أيام، وهي مدينة كبيرة كثيرة المباني والأسواق، ولا في شيء من نواحيها ماء جار ولا عين، والغالب على أرضها الرمل وشرب أهلها من ماء السماء، وهي كثيرة الزيتون والكروم والتين والفستق والجوز وغير ذلك، وأهلها تنوخ. ولها سبعة أبواب: باب حلب. باب الكبير. باب شيث. باب الجنان. باب حمص. باب كذا. وعلى ميل منها دير سمعان، وفيه قبر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ويذكر أن قبر شيث بن آدم عليهما السلام عند الباب المنسوب إليه منها، وداخل المعرة قبر يوشع بن نون، وله يوم حفل في كل عام يقصد إليه من الأقطار ومنها أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري اللغوي الشاعر البليغ الفصيح، كانت تشد إليه الرحال وتضرب إليه أكباد الإبل من الآفاق، وزعموا أنه ينتحل مذهب البراهمة والله أعلم. والناس يقابلون بينه وبين ابن سيده ويقولون: أعميان إمامان حافظان أحدهما بالمشرق والآخر في المغرب ويخوضون في ذلك. والذي ذكر البلاذري (2) أنها تنسب إلى النعمان بن بشير الأنصاري. وبلاد المعرة (3) سواد كلها بشجر الزيتون والتين والفستق وأنواع الفواكه، ويتصل التفاف بساتينها وانتظام قراها مسيرة يومين، وهي أخصب بلاد الله وأكثر أرزاقاً ووراءها جبل لبنان. معان: موضع في طريق الشام من المدينة؟ وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه عند خروجه في المبعث الذي وجهه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيره من الأمراء إلى مؤتة، وكان بلغهم أن الروم قد جمعت لهم، فتردد الناس وكأنهم تهيبوا فقال (4) : جلبنا الخيل من أجأ وفرع ... تغر من الجشيش لها العكوم أقامت ليلتين على معان ... فأعقب بعد فترتها جموم فلا وأبي مآب لنأتينها ... وإن كانت بها عرب وروم وفي شعر أبي العلاء المعري (5) : معان من أحبتنا معان ... تجيب الصاهلات به القيان بئر معونة: ماء لبني عامر بن صعصعة، كانوا غدروا فيه ببعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر القصة بطولها ابن إسحاق في سيره (6) . مغام (7) : في جهة طليطلة، وفيها الطفل الذي لا يشبهه طفل، لجودته وكثرته. المغمس (8) : موضع في طرف الحرم فيه برك محمود فيل أبرهة حين توجه به إلى مكة لإخراب الكعبة بزعمه، جعلوا يوجهونه إلى كل جهة فيمضي، فإذا وجهوه إلى الكعبة برك، وجهدوا في ذلك فأعياهم، وكان قائل قال له في أذنه: ابرك محمود فإنك في حرم الله تعالى، وفي هؤلاء نزل " ألم تر كيف فعل ربك

_ (1) نزهة المشتاق: 197 وبعضه في أول المادة وآخرها عن اليعقوبي: 324، وانظر الكرخي: 46، وابن حوقل: 164، وياقوت (معرة النعمان) ، وفي صبح الأعشى 4: 142 نقل عن الروض. (2) فتوح البلدان: 156. (3) رحلة ابن جبير: 254. (4) السيرة 2: 357. (5) شروح السقط: 172. (6) السيرة 2: 183. (7) أهملها بروفنسال، كأنه اعتمد على ما ورد عنها في مادة طليطلة، وانظر الإدريسي (د) : 188. (8) انظر معجم ما استعجم 4: 1248، والسيرة 1: 52.

مقرة:

بأصحاب الفيل "، والقصة مبسوطة في سير ابن إسحاق أيضاً، والميم الثانية في المغمس مكسورة وروي فتحها فأما الأولى فمضمومة، وقال أبو الصلت الثقفي: حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظل يحبو كأنه معقور مغانجه (1) : بقرب الدرب في بلاد افرنجة، وهي مدينة عظيمة جداً لا يسكن منها إلا بعضها لانخراقها واتساعها، وسائرها مزارع، وهي على نهر عظيم كان عليه في الزمان القديم قنطرة من صخر جليل على حنايا عالية، فكان لصوص الصقالبة وغيرهم قبل تبصرهم يعبرون عليها فيغيرون على نواحي مغانجة، فأمر صاحبها يومئذ بخراب القنطرة فخربت وهدمت أرجلها حتى ساوت الماء، وبقبلي مغانجة خارج منها كنيسة كبيرة يعظمها النصارى، وموضع مغانجة أشرف موضع في جميع بلاد النصارى، وهي من غر البلدان ولها أحواز واسعة، وهي كثيرة الحبوب والكروم والفواكه، ومنها تحمل الأطعمة والشراب إلى الأقاليم الموالية لها ويختلف إلى مدينة مغانجة أهل بردون واليهود بجهاز الأندلس وذلك غزل الحرير والخز والبياض والشقيق والزئبق والأحمر واللاذن والزعفران وغير ذلك من السلع والبضائع، وفي أحواز مغانجة الخيل العتاق. مقور (2) : جبل في شمال أرض كوار فيه عروق ترابية لينة تنفع من أوجاء العين الرمدة مثل ما ينفع رهج الغار الذي بعقر (3) مدينة طلبيرة من بلاد الأندلس من جرب العين ويأكل ما فيها وهو غبار يوجد هناك لونه أخضر ما هو وهذا الغبار مشهور المنفعة في جميع بلاد الأندلس مجرب. وتتصل هذه الأرض بأرض الواحات، وهي المعروفة بأرض سنترية، وسنترية محدثة قريبة العهد. مقرة (4) : بينها وبين المسيلة من بلاد الزاب مرحلة، وهي مدينة صغيرة وبها مزارع وحبوب، وأهلها يزرعون الكتان، وهو عندهم كثير، وبين مقرة وطبنة مرحلة، وبين طبنة وبجاية ست مراحل. ومقرة هي المدينة العظمى وفيها منبر وعليها سور، وأهلها قوم من بني ضبة، وبها قوم من العجم، وحولها قوم من البربر، ولها حصون كثيرة. المقدس: بايليا، وكورة ايليا من فلسطين، والتقديس التطهير، والأرض المقدسة أربعون ميلاً في مثلها، وأول من بنى بيت المقدس وأري موضعه يعقوب، وقيل داود عليهما السلام، وكان من بناء داود عليه السلام له إلى وقت تخريب بخت نصر إياه وانقطاع دولة بني إسرائيل أربعمائة سنة وأربع وخمسون سنة، فلم يزل خراباً إلى أن بناه ملك من ملوك طوائف الفرس يقال له كوشك ثم تغلبت ملوك غسان على الشام بتمليك ملوك الروم لهم ودخولهم في نصرانيتهم، إلى أن جاء الله تعالى بالإسلام وملك الشام منهم جبلة بن الأيهم، ففتح الله الشام على المسلمين زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتولى أبو عبيدة رضي الله عنه على ايليا وحاصرها إلى أن صالحوه على أداء الجزية، على أن يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو المتولي لعقد الصلح معهم، فكان ذلك سبب مسير عمر رضي الله عنه إلى الشام ومباشرته لعقد الصلح معهم، وهذا قد سبق فيما مضى من هذا الكتاب، وهو مذكور في فتوح الشام. قالوا: وسخر عمر رضي الله عنه أنباط فلسطين في كنس بيت المقدس، وكانت فيه مزبلة عظيمة، وقد مر هذا أيضاً في ذكر ايليا. ويوقد (5) في مسجد بيت المقدس كل ليلة جمعة وفي النصف من شعبان وفي الأعياد ألفا شمعة سوى القناديل، وفيه من القباب خمس عشرة قبة سوى قبة الصخرة، وعلى سطح المسجد مع القباب من شقق الرصاص حاشا قبة الصخرة سبعة آلاف شقة وسبعمائة

_ (1) ذكرها القزويني في آثار البلاد: 608، والأصل فيما يبدو هو البكري اعتماداً على الطرطوشي، وذكر أنها تقع على نهر ((رين)) وقد رأى فيها الطرطوشي سنة 331 دراهم من ضرب سمرقند، ورأى في أسواقها كثيراً من المواد التي لا توجد إلا في أقصى الشرق كالفلفل والزنجبيل والقرنفل؛ ولعلها هي ميانصة عند الإدريسي (Mainz) وكان اسمها اللاتيني (Myence) . (2) الإدريسي (د/ ب) : 40/ 26 (مقور أو مقون) (OG: 119) . (3) الإدريسي: بقفر، والقراءة التي أثبتها محتلمة، فاللفظة في ع: بعفر، وفي ص: بصفر. (4) الإدريسي (د/ ب) : 93/ 66، وقارن بالبكري: 51. (5) عارضت هذه المادة بما في نزهة المشتاق: 113، والكرخي وابن حوقل والمقدسي وابن الفقيه.... والمؤلف ينقل عن مصدر آخر، لعله مسالك البكري، وفي صبح الأعشى 4: 101 عن الروض.

المقطم:

شقة، وزن كل شقة سبعون رطلاً بالشامي، وفيه أربع صوامع للأذان، وكان له من المسلمين ثلثمائة خادم ومن النصارى عشرة يكنسون سطوحه وينظفون قنوات الماء ولا تؤخذ منهم جزية، ومن اليهود نيف وعشرون خادماً ولا تؤخذ منهم جزية، وكانوا يحجبون المسجد وينظفون الظاهر حول المسجد. ووظيفته من الزيت كل شهر سبعمائة قسط بالإبراهيمي، وزن القسط رطل ونصف رطل بالشامي الكبير. وقبة الصخرة على أكمة في المسجد، والصخرة تحت القبة، وتحت القبة مغارة ينزل إليها بدرج مما يلي الباب القبلي من أبواب القبة، والصخرة مرتفعة من ناحية المغرب ذراعين، منخفضة من جهة المشرق، وحول الصخرة حظيرة من رخام ارتفاعها نحو ذراع ونصف، ولقبة الصخرة أربعة أبواب، وفي المسجد القبة التي يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به منها إلى السماء، ومنارة إبراهيم عليه السلام التي كان يتخلى فيها للعبادة، ومصلى جبريل عليه السلام، ومصلى الخضر، والسطح المسقف من بيت المقدس قد سوي وفرش على بنيان قديم نحت نحتاً، ينسب بناؤها إلى سليمان بن داود عليهما السلام، ولولا ذلك ما اعتدل سطح المسجد لأنه في سند، وفيما بين تلك الحنايات التي في المسجد والقباب التي في وسط المسجد أكمة مرتفعة من الأرض لها من كل ناحية نحو ست درجات وأكثر، وهناك مقامات للدعاء معروفة وشرف من المسجد على واد ينحط منه إلى عين يقال لها سرحان، يقال إنها العين التي كان المسيح عليه السلام يفتح فيها عيون العميان، وهناك كنيسة يقال لها الجسمانية وعلى فرسخ منها مما يلي قبلتها في مستو من الأرض بيت لحم، وبه ولد المسيح عليه السلام، وبه النخلة التي تساقطت على مريم رطباً جنيا والسري الذي جعل الله تحتها فشربت منه وتطهرت، والمهد الذي جعلت فيه المسيح حين ولدته، وهو حوض أبيض غسلته فيه، وهو قريب من العين، وعلى فرسخين من بيت لحم تجاه القبلة منه قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، تصعد جبلاً ثم تنحط إليه، وإلى جانبه قبر إسحاق عليه السلام، وهناك مسجد إبراهيم عليه السلام، ومن بيت المقدس إلى مسجد إبراهيم عليه السلام ثلاثة عشر ميلاً مما يلي القبلة، وحول القرية التي فيها قبر إبراهيم عليه السلام غياض وأشجار تفاح أحمر، وهناك دير إلى جانبه جبل يصعد في قنته في قدر ثلثمائة مرقاة، يقال إن هذا الجبل صعد منه المسيح عليه السلام إلى السماء. مقدونية: اسم قديم لمصر قبل أن ينزلها مصر بن هرمس، وإليها ينسب الاسكندر، فيقال المقدوني (1) . المقطم (2) : جبل يتصل بمصر أوله من ديار مصر، فيمر في الصحراء إلى أن ينتهي إلى قرب أسوان، وهو جبل مشهور بالطول، وأما ارتفاعه فإنه يعلو من مكان وينخفض في مكان، وتنقطع منه مواضع، وتحفر منه المغرة والكلس، وفيه ذهب كثير، وكذلك تربته إذا دبرت استخرج منها ذهب صالح، ويتصل قطع بديار مصر الداخلة في البحر الملح في جهة القلزم، وهو بحر الحجاز، وفي هذا الجبل وما اتصل به كثير من الكنوز مما خبأته ملوك مصر في الزمن القديم، وفيه كثير من هياكل الكهنة وعجائبهم، ومما يلي البحر منه الجبل المتحرك المدور الذي لا يستطيع أحد أن يصعده ولا يجد السبيل إلى الطلوع إليه لإملاسه وارتفاعه، ويذكر أن فيه كنوزاً عظيمة لمقطم الكاهن، وإليه ينسب هذا الجبل بأسره، وفيه أيضاً كنوز كثيرة لبعض ملوك مصر من المال والجوهر وتراب الصنعة والتماثيل العجيبة وأصنام الكواكب، وقد كانوا رأوا في علومهم أن ملكاً من ملوك الإفرنجة يقصدهم لما كان اتصل به من كثرة أموالهم والصنعة التي كانوا يدبرونها لعمل الذهب، فكان ما خافوه من ذلك حقاً، وقصدهم الملك الإفرنجي، فغزا ديار مصر في ألف مركب، فهرب أكابرهم إلى هذا الجبل وتستروا في الأماكن الخفية فيه، وبعضهم أمعن في الهرب حتى لحق بالواحات فلم يوصل إليهم، ونجا أكثرهم بأموال. وعرض هذه الصحراء التي قدمنا ذكرها يقطعها السالك من قوص إلى عيذاب في عشرين يوماً، وبها جب ماؤه من أعجب العجب لا ينزل به من شربه من حيث تنزل المياه من الإنسان، ولا يقيم بالمعدة، بل إذا شربه الإنسان لم يلبث أن ينزل به من مقعدته مسرعاً من غير تأخير ولا إقامة، ولا تسلك هذه الصحراء في اشتداد الحر، فما يمر به السالكون إلا في آخر أيام الخريف، وأهل مصر يدفنون موتاهم في جبل المقطم. وكان السبب (3) في جعله مقبرة ما روي أن عمرو بن العاصي رضي الله عنه لما فتح مصر قال له المقوقس: إنا نجد أن هذا

_ (1) إن الحديث عن مقدونية التي ينسب إليها الاسكندر قد مر في رسم ((مجدونية)) ؛ وهذا التعريف بمقدونية نقله مؤلف الترجمانة: 481؛ وانظر ابن خرداذبه: 80. (2) صبح الأعشى 3: 306. (3) انظر ياقوت: (المقطم) .

مسكيانة:

الجبل فيه غراس الجنة، فكتب إلى عمر رضي الله عنه بذلك فقال: لا أعرف غراس الجنة إلا موتى المسلمين وإلا شهداء المسلمين، فاجعله مقبرة لهم، فجعله مقبرة. وفي المقطم اغتيل الحاكم بأمر الله خليفة مصر العبيدي؛ وهو متصل بأرض الفسطاط. قالوا (1) : وبه جمل من قبور الأنبياء عليهم السلام كيوسف ويعقوب والأسباط. مقاصر: جزيرة في البحر الهندي في مطلع الشمس فيها الصندل المقاصري وجوزة الطيب، وفي الشمال منها منتهى معمور الجزائر وتصرف السفن، فإن أخطأت السفينة ذات اليمين هلكت. مسكيانة (2) : قرية بقرب مجانة المطاحن عند نهر ملاق، وبقرب باغاية، وبينها وبين مجانة مرحلة، وهي مدينة عامرة قديمة أزلية بها زروع ومكاسب، وهي أكبر من مرماجنة. مستغانم (3) : مدينة بقرب نهر شلف، بينها وبين قلعة مغيلة دلول مسيرة يومين، وهي مدينة مسورة ذات عيون وبساتين وطواحن ماء، ويبذر في أرضها القطن فيجود، وهي بقرب مصب نهر شلف. وهي (4) على البحر ولها أسواق وحمامات وجنات وبساتين ومياه كثيرة وسور على جبل مطل إلى ناحية المغرب، وهي صغيرة. المسيلة (5) : من بلاد الزاب بالمغرب بقرب قلعة أبي طويل، وهي مدينة جليلة على نهر يسمى نهر سهر في بساط من الأرض. ومنبع نهر سهر من مدينة الغدير، وأسس المسيلة أبو القاسم إسماعيل بن عبيد الله الشيعي سنة ثلاث عشرة وثلثمائة وكان المتولي لبنائها علي بن حمدون بن سماك الجذامي المعروف بابن الأندلسي، فلما أتمها أمره الشيعي عليها، فلم يزل بها أميراً حتى مات في فتنة أبي يزيد، وبقي ابنه جعفر أميراً فيها وولي بلاد الزاب كلها، وجعفر هذا هو ممدوح محمد بن هانئ الأندلسي الشاعر المشهور، له فيه أمداح حسان، وكان من أكثر أهل زمانه إحساناً والمسيلة كثيرة النخل والبساتين تشقها جداول المياه العذبة، وكانت مدينة عظيمة على نظر كبير، وحواليها قبائل كثيرة من البربر من عجيسة وهوارة وبني برزال. وبها أسواق وحمامات، ويجود عندهم القطن وهي كثيرة اللحم رخيصة السعر، وبها عقارب مهلكة لا يخلص من لدغها والعياذ بالله. وقيل إن المسيلة المستحدثة أحدثها علي بن الأندلسي في ولاية ادريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم، وهي عامرة في بسيط من الأرض ولها مزارع ممتدة، ولأهلها سوائم وخيل وأغنام وأبقار وجنات وعيون وفواكه وبقول ولحم ومزارع قطن وقمح وشعير، وبها قوم من البربر والتجار، وبها ماء كثير منبسط على وجه الأرض عذب، وفيه سمك وفيه طرق حمر لم ير في الدنيا سمك على صفته، وأهل المسيلة يفتخرون به، قدره من الشبر فما دونه، وربما اصطيد منه الشيء الكثير واحتمل إلى قلعة بني حماد، وبينهما اثنا عشر ميلاً. مسكن: قرية من أرض العراق على دجلة فيها عسكر عبد الملك بن مروان حين خرج إلى مناجزة مصعب بن الزبير، وهي من أرض السواد. قال ابن عباس (6) رضي الله عنهما: لما رجعنا من حرب الشراة صلى بنا أمير المؤمنين بمسكن صلاة الفجر ثم انفتل عن يمينه فنظر إلي فتبسم فقلت: ما يضحك أمير المؤمنين أضحك الله سنه؟ فقال: يا ابن عباس تبنى هاهنا مدينة عظيمة المقدار يسكنها خلق كثير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الحديث. وفيها التقى الحسن ومعاوية رضي الله عنهما فاصطلحا وكتبا بينهما كتاباً، ورجع الحسن رضي الله عنه إلى المدينة، فعوتب فقال: كرهت الدنيا ورأيت أهل الكوفة لا يصلحون لخير، وهم أسرع البلاد خراباً، وكان ذلك في سنة إحدى وأربعين.

_ (1) الإدريسي (د) : 145. (2) الإدريسي (د/ ب) : 119/ 88، وانظر البكري: 50، 145. (3) البكري: 69. (4) الإدريسي (د/ ب) : 100/ 71. (5) في هذه المادة ثلاث فقرات، الأولى عن الاستبصار: 171 - 172، والثانية عن البكري: 59، والثالثة عن الإدريسي (د/ ب) : 85/ 59، ومن ثم تعرضت هذه المادة إلى التكرار في مواضع. (6) معجم ما استعجم 4: 1227.

مسينا:

ومسكن (1) أيضاً متصلة بنواحي كرمان، وهي عامرة بالناس، وفي أهلها شدة ومنعة، وبها نخل وزروع وإبل وجمل من الفواكه. ولسان أهل كرمان فارسي، ولباس عامتهم القواطن، ولباس التجار والجلة القمص والأردية، ويتعممون بالفوط والمناديل المصفحة بالذهب على مثل زي تجار أهل العراق. مسينا (2) : هي مدينة في ركن جزيرة صقلية في شرقيها، والجبال من الناحية الغربية محيطة (3) بها، وهي إحدى قواعدها، ساحلها بهيج وأرضها طيبة المنابت، وبها جنات وبساتين ذات ثمار كثيرة، وعليها أنهار غزيرة عليها أرحاء كثيرة، وهي من أجل البلاد وأكثرها عمارة، والسفر منها وإليها قصداً، وهي دار إنشاء وبها حط وإقلاع وبها إرساء، من جميع بلاد الروم الساحلية، وبها تجتمع السفن الكبار والمسافرون والتجار من بلاد الروم والإسلام، وأسواقها رائقة وسلعها نافقة وقاصدوها كثير؛ وفي جبلها معدن الحديد الذي يتجهز به إلى جميع البلاد المجاورة لها، ومرساها عجيب مشهور ترسي به السفن العظام وتكون من الشاطئ بحيث يتناول ما فيها من البر بالأيدي، وبها المجاز الذي يعبر منه إلى بلد قلورية، وبحره صعب المجاز لا سيما إذا خالف الريح الماء وإذا التقت المياه الداخلة والخارجة في وقت واحد لا يكاد يسلم مركب إلا أن يشاء الله تعالى، ومسافة الواسع من هذا المجاز عشرة أميال، وسعة الضيق منه ثلاثة أميال، وبينها وبين طبرمين مرحلة. هي مشهورة بالخمر الطيبة وفي مطلع قصيدة لابن قلاقس (4) : من ذا يمسيني على مسيني ... وقال الأديب أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي تميم من أهل العصر: يا سيدي قد جاء مسيني ... أرق من حالي ومن ديني جاء به مرتين في دنه ... لا عطبت أجفان مرتين وليس يدنيني من دنه ... إلا ندى موسى بن ياسين وهذه المدينة مسينة (5) رأس جزيرة صقلية وبها دار صنعة لإنشاء الأساطيل. مسفهان (6) : جزيرة من الجزائر الخالدات التي في الغرب الأقصى حيث بحر الظلمات الذي لا يعلم ما خلفه، وفي وسط هذه الجزيرة جبل مدور عليه صنم أحمر بناه أسعد أبو كرب الحميري، وهو ذو القرنين الذي ذكره تبع في شعره، وتسمى بهذا الاسم كل من بلغ طرفي الأرض، وإنما نصب أبو كرب الحميري ذلك الصنم هناك ليكون علامة لمن قصد تلك الناحية في البحر، ليعرفه ويعرف أنه ليس وراءه مسلك يسلك، وفي ساحل هذا البحر الذي فيه هذه الجزيرة يوجد العنبر الجيد، ويوجد أيضاً في ساحله حجر البهت، وهو حجر مشهور عند أهل المغرب الأقصى يباع الحجر منه بقيمة جيدة، ولا سيما في بلاد لمتونة، وهم يحكون أن هذا الحجر من أمسكه وسار في حاجة قضيت له بأوفى عناية، وهو عندهم جيد في عقد الألسنة، وعندهم حجر إذا علق على الثدي الموجوع برئ، وأحجار تسهل الولادة، وأحجار يشير (7) ماسكها إلى ما أراد من النساء والأطفال فتتبعه. مسقط: في طريق عمان على البحر، يمر عليها من أراد بلاد الهند والصين فيسير مع الشمال تلقاء الجنوب حتى يصير إلى مسقط هذه، وهي بين جبلين، وترفأ هناك السفن وتستقي من آبار هناك عذبة المياه وتحمل منها الحجارة لرمي العدو إذا خرج عليه ثم تسير منها مع الشمال، وجبال العرب ماثلة ظاهرة، حتى تمر مقدار تسعين فرسخاً إلى حدود الشحر وحضرموت.

_ (1) لم أجد أحداً ذكر أن ((مسكن)) متصلة بنواحي كرمان، وأقرب ما هنالك إلى هذا الاسم هو ما ذكره ياقوت عن ((مسكي)) إذ قال أنها ناحية تتصل بنواحي كرمان، وأضاف: وفيها نخيل قليل وفيها شيء من فواكه الصرود ... الخ، والأرجح أن مؤلف الروض ظن ((الياء)) ((نوناً)) . (2) (Messina) الإدريسي (م) : 26. (3) الإدريسي: محدقة. (4) أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف الإسكندري المعروف بابن قلاقس (- 576) ، عن علاقته بصقلية دراسة في كتابي ((العرب في صقلية)) : 287 - 295، وليس هذا مطلع قصيدة، وصدر البيت ((وأظل أنشد حين أنشد صاحبي)) . (5) اتبع هذا الرسم ابن جبير: 323 وقد تكتب أيضاً ((مسيني)) و ((مسين)) عند الزهري: 130. (6) الإدريسي (د/ ب) : 28/ 15 (OG: 104) . (7) ص ع: سعد؛ ولعلها ((يقصد)) .

المشقر:

المشلل (1) : في طريق مكة، وهي ثنية مشرفة على قديد، وفيه دفن مسلم بن عقبة صاحب وقعة الحرة ونبش وصلب. ولما احتضر فيه (2) وهو متوجه إلى مكة لحرب ابن الزبير سنة أربع وستين دعا الحصين بن نمير فأوصى إليه بوصية يزيد بن معاوية إياه وقال: والله يا برذعة الحمار ما خلق الله تعالى خلقا أبغض إلي منك، ولولا أن أمير المؤمنين عهد إلي فيك ما عهدت إليك، لا تكرم قريشاً ولا تزدهم على الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف، ثم مات لعنه الله، فكان من موت يزيد بن معاوية وأمر الحصين وانصرافه عن ابن الزبير ما هو مشهور. المشرقان (3) : مدينة بقرب تستر، وهي عامرة بأهلها، والصادر عنها والوارد عليها كثير، ولهم معايش وأرزاق، وأكثر شجرها النخل، ورطبهم إذا أكله الإنسان وشرب عليه ماء المشرقان وجد عليه رائحة الخمر سواء، وعندهم من الحنطة والشعير شيء كثير، والأرز وسائر أنواع الحبوب، وهم يطبخون الأرز ويتخذون منه خبزاً يأكلونه ويفضلونه على الحنطة، وبالمشرقان من غلات القصب الشيء الكثير الذي يفوق ما بسائر البلاد والآفاق من ذلك. وقد ذكر البكري (4) مشرقان، بضم أوله واسكان ثانيه وضم الراء المهملة بعدها قاف، وقال هي قرية من عمل البصرة، فانظر هل هي هذه أو غيرها. مشقه (5) : مدينة للصقالبة من أعمال براغة وتلي بلاد الأتراك، ومشقه بلد واسع كثير الطعام واللحم والعسل والحوت (6) ، وجبايته المثاقيل البرقطية (7) ، وهي أرزاق رجاله في كل شهر، كل واحد عدد معروف منها، ولصاحبها ثلاث آلاف دارع (8) ، وهم أنجاد تعدل المائة منهم خمسمائة (9) من غيرهم، ويعطى الرجالة الملابس والخيل والسلاح وجميع ما يحتاجون إليه، وإذا ولد لأحدهم ولد أمر بإجراء الرزق عليه ساعة يولد، ذكراً كان أو أنثى، فإذا بلغ إن كان ذكراً زوجه ودفع عنه النحلة إلى والد الجارية، وإن كانت أنثى أنكحها ودفع النحلة إلى أبيها، والنحلة عند الصقالبة عظيمة، ومذهبههم فيها كمذهب البربر، وإذا ولد للمرء ابنتان أو ثلاث فهو سبب غناه، وان ولد له ولدان أو ثلاثة فهو سبب فقره. ويجاور مشقه من المشرق الروس. المشقر (10) : قصر بالبحرين وقيل هو مدينة هجر قال امرؤ القيس (11) : دوين الصفا اللائي يلين المشقرا ... وقال ابن الأعرابي: هي مدينة عظيمة في وسطها قلعة. مهزور (12) : واد من أودية المدينة، الأولى منه زاي معجمة وآخره راء مهملة. روى مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينب: " يمسك الأعلى حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل ". وقيل مهزور (13) موضع سوق المدينة، كان قد تصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فأقطعه عثمان رضي الله عنه الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم، وأقطع مروان فدك. مهيعة: تقدم ذكره في رسم الجحفة. المهراس (14) : ماء بأحد، قال ابن الزبعرى:

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1233. (2) انظر الطبري 2: 424. (3) المشرقان - بالشين - كما هي في نزهة المشتاق: 123 وعنه ينقل المؤلف، وكذلك وردت بالشين عند المقدسي: 405، 411، وبالسين المهملة عند ابن حوقل: 228، والكرخي: 63 وياقوت (مسرقان) . (4) ذكر البكري (المعجم: 1225) مسرقان - بفتح أوله - وبالسين المهملة، وقوله من عمل البصرة تعريف اداري وإلا فإن المسرقان من منطقة خوزستان. (5) البكري (ح) : 166، والبكري (مخ) : 61؛ ومشقه: اسم ملك الجوف من بلاد الصقالبة (Mieszko) وكان ملك بولنده؛ فالحديث هنا عن بلد الملك المسمى مشقه. (6) البكري (مخ) : والحرث. (7) كذا هنا؛ ومرت من قبل: ((المرقطية)) وفي البكري (مخ) المرنطية. (8) ع ص: ذراع. (9) البكري: عشر مائة (ولعله وهم من المحقق، إذ لو كان الأمر كذلك لقال: ألفاً) . (10) معجم ما استعجم 4: 1232. (11) صد البيت: أو المكرعات من نخيل ابن يا من. (12) معجم ما استعجم 4: 1275، وانظر المغانم المطابة: 398. (13) في المغانم المطابة: 398 والفائق للزمخشري إن موضع سوق المدينة هو ((مهروز)) . (14) معجم ما استعجم 4: 1274، وانظر المغانم المطابة: 396.

مهورة:

ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل فاسأل المهراس من ساكنه ... بعد أبدان وهام كالحجل وقال شبل بن عبد الله مولى بني هاشم (1) : واذكروا مصرع الحسين وزيد ... وقتيلاً بجانب المهراس يعني حمزة بن عبد المطلب، وإنما نسب قتله إلى بني أمية لأن أبا سفيان كان رئيس الناس يوم أحد. مهورة (2) : مدينة بالهند منيعة مشهورة لها في بلاد الكفر ذكر قديم واشتهار عظيم، ومن جهلهم يذكرون أن الجن رفعت قواعد بنيانها وبنت بيوت أوثانها، إذ لم يعرفوا أول بانيها، ولا أول من نصب الأصنام فيها، وذاك أنهم صادفوا مباني لا يهتدي لمثلها الإنس، ولا يهتدي لصنعتها أهل الدهر، ويوردون في أخبارهم أن الحكمة تقسمت ثلاثة أقسام، ففاز أهل مهورة وأصنامها بثلثيها، وبقي لسائر البرية ثلثها، وهي مدينة كبيرة لها سبعة أبواب، وبني سورها بالشيد والحجارة، وكان فيها زهاء ألف قصر مشيد، وألف بيت للأصنام، وكان في عرصتها دار ذات ارتفاع، ساحتها ألف ذراع، قد بنيت من صفائح الصخور، وبني عليها ثلاثة بيوت للأصنام، وكلها من حجر لا تعمل فيه المعاول، حتى كأنها من أسها إلى سمكها منحوتة من حجر واحد، وعلى رأس كل واحد من بيوتها شمسة عظيمة قد وشحت بالتذهيب التام، وأمام كل بيت سارية منصوبة من صخرة واحدة، طولها ثلاثون ذراعاً في نهاية الغرابة، على رأس كل واحدة منها تمثال خنزير أو ثور، قد تلطف في تصويرها بغاية الحذق، بحيث لو تصاب صخور مثل تلك الصخور المنحوتة وصناع يحسنون تلك الصنعة وبذل مائة ألف دينار على التقليل، لما تم في مدة مائتي سنة مثل ذلك البناء على التحقيق. وكانت فيها خمسة أصنام مصنوعة من الذهب طول صنم منها تسعة أذرع في عرض موافق لهذا الطول، وجوارح تشاكل هذا الجرم المحدود، وكان وجه كل صنم منها كوجه أسد، له نابا خنزير، قد ركب في رأس كل ناب منهما ياقوت متقارب الهيئة رماني اللون، في صفاء واحمرار رائق، كأنهما قد أفرغا في قالب واحد، بحيث لو أعطيا في سوم مبتاع لاسترخص كل واحد منهما بمائتي ألف دينار، ووجد في سائر جوارحه من الياقوت واللآلي الكبار عدد كثير بلغ وزن ياقوت أكهب منها وزن ستمائة مثقال، وبغور الفراغ وزن صنم منها بعد عناء شديد في تفريق أجزائه فبلغ ثمانية وتسعين ألف مثقال وثلثمائة مثقال، وكل واحد من هذه الأصنام غير ناقص عن هذا المقدار، وقلع من الأصنام المفصلة زيادة على ألف صنم من الكبار والصغار وملئت تلك البيوت بالحطب وأضرمت فيها النيران. مهرة: من بلاد اليمن، ذكر ابن وهب عن ابن لهيعة أن رجلاً من مهرة أتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له: ممن أنت؟ قال: من مهرة، فقال علي رضي الله عنه " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ". قال ابن لهيعة: قبر هود عليه السلام بمهرة. المهدية: مدينة محدثة بساحل إفريقية، كان يقال لتلك الناحية: جمة، بناها عبيد الله الشيعي الخارج على بني الأغلب، وهو سماها المهدية نسبها إلى نفسه، وكان ابتداء بنيانها في سنة ثلثمائة، وهو عبيد الله بن سالم صاحب شرطة زياد ومن مواليه، وسالم جده قتله المهدي العباسي على الزندقة وكان عبيد الله يلقب بالمهدي، وللناس اختلاف في ثبوت نسبه وأكثرهم نفاه وما أثبته، والعبيديون منسوبون إليه، وانتقلوا إلى الإسكندرية وملكوها وملكوا البلاد المصرية، وكانت لهم دولة شامخة حتى كان آخرهم عبد الله العاضد، فهو الذي حجبه صلاح الدين، ثم تسبب في محو رسمهم وصير الدولة عباسية. وبين المهدية (3) والقيروان ستون ميلاً، والبحر قد أحاط بها من جهاتها الثلاث، وإنما يدخل إليها من الجانب الغربي، وربضها يعرف بزويلة، فيه الأسواق والحمام، وقد مر ذكرها في حرف الجيم (4) .

_ (1) كذا في معجم البكري والمشهور أن الشعر لسديف بن ميمون. (2) ع: مهوبة؛ ص: مهوية، وصححتها ترجيحاً اعتماداً على ما عند البيروني في ((تحقيق ما للهند)) . فقد ذكر ((ماهورة)) (انظر مثلاً: 158، 466 ... ) وميزها بالشهرة الدينية والتعظيم عند البراهمة. (3) الاستبصار: 117، والبكري: 29. (4) انظر مادة ((جمة)) .

مهران:

ولم تزل (1) ذات إقلاع وحط، وهي مدينة حسنة، مقصد للسفن الواردة من المشرق والمغرب والأندلس وبلاد الروم وغيرها، وإليها تجلب البضائع الكثيرة بقناطير الأموال، وهي من القيروان على نحو مرحلتين، وهي نظيفة المنازل، وديارها حسنة وحماماتها جليلة، وبها خانات، وهي بهية المنظر داخلاً وخارجاً، وأهلها حسان الوجوه نظاف الثياب، وتعمل بها الثياب الرفيعة الجيدة ويتجهز بها إلى الآفاق، وشرب أهلها من المواجل، وآبارها غير عذبة، ويحيط بالمدينة سور مبني بالحجارة عليه بابا حديد لفق بعضه على بعض من غير خشب لا يدرى مثلهما في الصنعة والوثاقة، ولم يكن بها قبل جنات ولا بساتين ولا نخل ولا فاكهة إلا ما جلب إليها. وبها قيل: بنيت بأرجاء المغارب دار ... دانت لها الأقطار والأمصار لاذت ببرد الماء لما أيقنت ... أن القلوب على الحسين حرار وكانت المهدية (2) مدينتين، المهدية يسكنها السلطان وجنوده، وزويلة يسكنها الناس. والمهدية كانت قاعدة البلاد الإفريقية وقطب مملكتها، وتغلب عليها طاغية صقلية سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وصاحبها يومئذ الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي، وانفصل عنها ومضى إلى بجاية ثم إلى قلعة بني حماد، فلم يجد عند صاحبها ابن عمه نصرة، فاستمر سيره حتى انتهى إلى صاحب المغرب حينئذ، عبد المؤمن بن علي، فحرضه على الطلوع إلى إفريقية، وحضه على استنقاذ المهدية من يد العدو، فهو كان سبب تحركه إلى إفريقية، فوصل إليها ونزل على المهدية بجموعه، وحصر العدو الذي بها إلى أن صالحه على الخروج عنها إلى صقلية فكان ذلك، وصارت المهدية للمسلمين من حينئذ وفي الخبر طول. وقال أبو عبد الله الحنفي يعرض بأهل المهدية: إذا حل بالمهدية الضيف نازلاً ... وسام القرى زفت إليه الكوامل صحاف حكت من أم موسى فؤادها ... يغالط فيها حسه ويشاغل إذا حسروا عنها المناديل أنشدت ... " وما السيف إلا غمده والحمائل " مهران (3) : هو نهر السند الأعظم يخرج من جبال شقنان، ويقال إنه يخرج من جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون، وتمده أنهار كثيرة وعيون غزيرة فيقطع أرض الهند والسند، ويظهر على توافره بناحية المولتان، ثم يمر على المنصورة حتى يقع في البحر الشرقي. وقال الكندي: مهران تنشق منه أنهار الهند كلها. وهو يأتي (4) من منبعه حتى إذا وصل إلى مدينة قالري (5) التي هي في غربي النهر وبينه وبين المنصورة مرحلة، انقسم قسمين، وصار معظمه إلى المنصورة، ومد الذراع الثاني منه آخذاً مع الشمال إلى ناحية شروشان (6) ، ثم يأخذ راجعاً في جهة المغرب إلى أن يتصل بصاحبه وهو القسم الثاني من النهر، وذلك أسفل مدينة المنصورة، وعلى نحو اثني عشر ميلاً منها، فيصيران واحداً، ويمر إلى البحر. ومن الناس (7) من قال إن مخرج هذا النهر ومخرج النيل واحد. وذكر لغسان بن عباد أن في هذا النهر سمكة تصاد ويطين رأسها وجميع بدنها إلى المواضع التي يخرج منها الثفل ثم يجعل ما لم يطين منها على الجمر، ويمسكها ممسك حتى ينشوي منها

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 107/ 78. (2) عاد إلى النقل عن الإدريسي؛ ولكنه استكمل المعلومات التاريخية من مصدر آخر. (3) انظر ابن رسته: 89، وابن خرداذبه: 173، والتنبيه والإشراف: 54 - 56، والكرخي: 107، وابن حوقل: 282، وياقوت (مهران) ، وآثار البلاد: 95. (4) عن الإدريسي (ق) : 30 (OG: 168) . (5) ص ع: ماكري. (6) ق: شروسان؛ OG: سدوسان. (7) هذا القول ينسب غلى الجاحظ؛ وقد غمزه البيروني في ((تحقيق ما للهند)) فقال: ((حتى ظن الجاحظ بسلامة قلبه وبعده عن معرفة مجاري الأنهار وصور البحر أن نهر ((مهران)) شعبة من النيل.

الموريان:

ما كان موضوعاً على الجمر وينضج، ثم يؤكل ما نضج أو يرمى به عنها، وتلقى السمكة في الماء ما لم ينكسر العظم الذي هو فقار السمكة، فتعيش السمكة وينبت على ظهرها اللحم، فأمر غسان بحفر بركة في داره وملأها ماء وأمر بامتحان ما بلغه، قال: فكنا نؤتى في كل يوم بعدة من لحم هذا السمك، فنشويه على الحكاية التي ذكرت لنا، ونكسر من بعضه عظم الصلب ونترك بعضه لا نكسره، فكان ما كسرنا عظمه يموت وما لم نكسرعظمه يسلم وينبت عليه اللحم ويسوى (1) الجلد، إلا أن جلد تلك السمكة يشبه جلد الجدي الأسود، وكان ما كسرناه من لحوم السمك التي شويناها ورددناها إلى الماء يكون على غير لون لجلد الأول لأنه يصير إلى البياض. ويعضد هذا ما حكي أن بقرب بلاد كشك نهراً عظيماً كالفرات يصب في بحر الروم، تأتيهم في كل سنة من هذا النهر سمكة عظيمة فيتناولون منها، ثم تعود في العام الثاني ذلك الوقت وقد عاد اللحم الذي أخذ منها، يعرفون ذلك لا يشكون فيه. الموريان (2) : قرية بالأهواز منها أبو أيوب سليمان بن مخلد، وقيل سليمان بن داود المورياني وزير أبي جعفر المنصور، وقيل إنه مولاه اشتراه بالجزيرة إذ كان يليها لأخيه أبي العباس، ولأبي جعفر المنصور والمورياني قصة عجيبة بسببها قتل المنصور المورياني (3) . الموصل (4) : في الجانب الغربي من دجلة وسميت بهذا الاسم لأنها وصلت بين الفرات ودجلة، وشرب أهلها من ماء الدجلة، وبساتينها قليلة، وضياعها ومزدرعاتها ممتدة، وأبنيتها بالجص والحجارة، ولها رساتيق عظيمة وكور كثيرة. وهي مدينة (5) عتيقة ضخمة عليها سوران وثيقان، وباطن الداخل منهما بيوت بعضها على بعض مستديرة بجداره المطيف بالبلد كله، قد أمكن فتحها فيه لغلظ بنيته وسعة وضعه، فللمقاتلة في هذه البيوت حرز ووقاية، وهي من المرافق الحربية، وفي أعلى البلد قلعة عظيمة قد رص بناؤها رصاً، عليها سور وثيق البنية مشيد البروج، وتتصل بها دور السلطان، ويفصل بينها وبين البلد شارع متصل ممتد من أعلى البلد إلى أسفله، ودجلة شرقي البلد متصلة بالسور وأبراجه في مائها، وللبلد ربض كبير فيه المساجد والحمامات والخانات والأسواق، وأحدث فيها أحد أمراء البلد، كان يعرف بمجاهد الدين (6) ، جامعاً على شط دجلة ما رؤي أحفل منه، وأمامه مارستان حفيل، وبنى بداخل البلد قيسارية للتجار عليها أبواب حديد، وتطيف بها دكاكين وبيوت بعضها على بعض بأبدع بناء، وللمدينة جامعان: أحدهما جديد والآخر من عهد بني أمية، وفي وسط صحن هذا الجامع الجديد سارية رخام قائمة قد خلخل جيدها بخمسة خلاخل مفتولة فتل السوار من جرم رخامها، وفي أعلاها جامة رخام مثمنة يخرج عليها أنبوب من الماء خروج انزعاج وشدة، فيرتفع في الهواء أزيد من القامة كأنه (7) قضيب بلور معتدل، ثم ينعكس إلى أسفل القبة. ويجمع في هذين الجامعين القديم والحديث، ويجمع أيضاً في جامع الربض. وفي المدينة مدارس للعلم نحو الست أو أزيد قد بنيت على دجلة فتلوح كأنها القصور ولها مارستان. وبهذه المدينة مشهد جرجيس. وإذا عبرت دجلة نحو الميل ظهر لك تل التوبة، وهو التل الذي وقف عليه يونس عليه السلام بقومه، ودعا ودعوا حتى كشف الله عنهم العذاب، وبمقربة منه (8) ، على قدر الميل أيضاً، العين المباركة المنسوبة إليه عليه السلام ويقال إنه أمر قومه بالتطهر منها وإظهار التوبة ثم صعدوا إلى التل داعين، وفي هذا التل بناء عظيم هو رباط يشتمل على بيوت كثيرة ومقاصير، يضم الجميع باب واحد، وفي وسط ذلك البناء بيت ينسدل عليه ستر ويغلق عليه باب مرصع كله يقال إنه كان الموضع الذي وقف فيه يونس عليه السلام، ومحراب هذا البيت يقال إنه كان بيته الذي

_ (1) ص ع: ويشوى؛ ولعل الصواب ((ويثوب)) . (2) انظر ياقوت (موريان) . (3) أورد ابن خلكان هذه القصة 2: 411 - 414 وهي من زيادات بعض النسخ التي اعتمدت عليها في هذه الطبعة المشار إليها، ولا توجد في الطبعات السابقة، ومصدر القصة كتاب ((الجليس والأنيس)) للمعافي بن زكريا. (4) نزهة المشتاق: 199. (5) رحلة ابن جبير: 234، والنص هنالك ينقصه قوله ((وعليها سوران وثيقان)) مما أخل بالسياق. (6) هو مجاهد الدين قايماز الزيني كان يتولى أمور اربل نيابة عن زين الدين ابن بكتكين ثم تحول إلى الموصل سنة 571 وسكن قلعتها وتولى أمور تدبيرها، وبني بظاهرها جامعاً كبيراً ومدرسة وخانقاه، وتوفي سنة 595 (ابن خلكان 4: 82 - 84) . (7) ص ع: كأنها. (8) ربما قرئت في ص ع: وبقرية.

مورور:

كان يتعبد فيه، ويطيف بهذا كله شمع كأنه جذوع النخل عظماً، فيخرج الناس إلى هذا الرباط ليلة كل جمعة ويتعبدون، وقريب من هذا الرباط خراب عظيم يقال إنه كان مدينة نينوى، مدينة يونس عليه السلام، وأثر السور المحيط بهذه المدينة ظاهر، وفرج الأبواب فيه بينة، وأكوام أبراجه مشرفة. وأهل الموصل على طريقة حسنة ومروة (1) ، لا تلقى منهم إلا ذا وجه طلق، ولهم بر بالغرباء وإقبال عليهم، وعندهم اعتدال في جميع معاملاتهم. وكان جرجيس (2) من الأنبياء الذين كانوا في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما أفضل الصلاة والسلام، من أهل فلسطين، بعثه الله تعالى إلى ملك الموصل يدعوه إلى الإسلام فقتله بالعذاب مرات وأحياه الله عز وجل آية لهم وعبرة، ونشره قطعاً ورماه إلى الأسد الضارية فخضعت الأسد برؤوسها، وظل يومه كذلك، فلما أدركه الليل جمع الله تعالى أوصاله ورد روحه، ثم أقبل عليهم اليوم الثاني يعظهم ويغلظ عليهم، فلما استمروا في عتوهم وكفرهم بعث الله تعالى عليهم ناراً فأحرقتهم عن آخرهم. وصورة افتتاح الموصل فيما حكاه البلاذري (3) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى عتبة بن فرقد السلمي الموصل في سنة عشرين، فسار إليها فقاتله أهل نينوى، فأخذ حصنها وهو الشرقي من دجلة عنوة، وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية والأذن لمن أراد الجلاء، ثم فتح بلاداً، ثم عزله عمر رضي الله عنه عن الموصل وولاها هرثمة بن عرفجة البارقي، وكان بها في الجانب الغربي حصن وبيع للنصارى ومنازل ومحلة لليهود، فمصرها هرثمة وأنزل العرب بها. وقد روى الهيثم بن عدي أن عياض بن غنم أتى الموصل ففتح الحصن الغربي والله أعلم. وكان عمر رضي الله عنه وجه هرثمة بن عرفجة البارقي إليها بعد عتبة بن فرقد السلمي فأنزل العرب بها منازلهم واختط لهم، ثم بنى المسجد الجامع. وقالوا: كان الذي فرش الموصل بالحجارة ابن تليد صاحب شرطة محمد بن مروان بن الحكم، وكان محمد ولي الموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان، ويقال إن عبد الملك بن مروان ولى ابنه سعيداً صاحب نهر الموصل فبنى سعيد سوق الموصل، فهدمه الرشيد حين خالفوا، وفرشها بالحجارة حين اجتاز بها. وللموصل كور وأنظار وأعمال كثيرة، والذي ارتفع (4) في خراج الموصل مع الإحسانات سوى الضياع من الرزق ستة آلاف ألف وثلثمائة ألف. وإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق ينسبان إليها، وناهيك بهما نبلاً وعلماً ومعارف وشهرة. المولتان (5) : ثغر من ثغور المسلمين مما يلي بلاد السند، وهو أبداً يحارب صاحب قشمير ملكاً من ملوك السند، وكان صاحبها من ولد سامة بن لؤي، وهو ذو جيوش ومنعة، وأكثر ماله من الصنم المعروف بالمولتان، يقصده السند والهند من أقصى بلدانهم بنذور الأموال وأنواع الجواهر والطيب، ويحج إليه الألوف، ويحمل إليه من العود القماري الذي يؤثر فيه الختم كما يؤثر في الشمع، يبلغ ثمن المن منه مائتي دينار. وهو إذا عجز عن مقاومة من ناوأه منهم هدده بكسر الصنم فيكف عنه. مورور (6) : كور مورور متصلة بأحواز قرمونة من جزيرة الأندلس، وهي في الغرب والجوف من كورة شذونة، وأحوازها متصلة بأحوازها، وهي من قرطبة بين القبلة والمغرب. ومدينة قلب (7) قاعدة مورور ودار الولاة بها، وكانت جباية كورة مورور أيام الحكم بن هشام بن عبد الرحمن أحداً وعشرين ألف دينار. موريقس (8) : جبل معترض بقرب زالغ من أرض الحبش، وليس بكثير العلو ولكنه يعلو على وجه الماء مرة ويغيب في مواضع أخرى يستره الماء، ولكنه يتصل في ذاته، ولا يمر بهذا الجبل شيء من

_ (1) ص: برده؛ ع: مردة؛ ولم ترد هذه اللفظة في رحلة ابن جبير. (2) انظر الطبري 1: 795. (3) فتوح البلدان: 407. (4) انظر قطعة الخراج لقدامة الملحقة بابن خرداذبه: 246. (5) المولتان هي الملتان نفسها، وقد مرت من قبل، وذكرنا ثبتاً بالمصادر عنها؛ والنص هنا عن مروج الذهب 1: 375 - 376. (6) بروفنسال: 188، والترجمة: 228 (Moron de la Frontera) . (7) راجع مادة ((قلب)) في ما تقدم. (8) OG: 50؛ ص ع: مورقين.

مؤتة:

المراكب المسمرة بالحديد إلا اجتذبها إليه وأمسكه فلا يكاد يتخلص منه البتة. مؤتة (1) : قرية بالشام، بعث إليها رسول الله الجيش سنة ثمان، عليهم زيد بن حارثة وقال: " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة. وخرجوا في ثلاثة آلاف، وودعهم المسلمون فقالوا لهم: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين، فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي ... أرشده الله من غاز وقد رشدا ومضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلي مائة ألف منهم، فأقام الناس ليلتين على معان ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له، فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال: يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما يقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، وما نقابلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة، فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة، فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل والروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبى لهم المسلمون ثم التقوا فاقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة رضي الله عنه براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها جعفر رضي الله عنه فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء، قال المخبر: والله كأني أنظر إليه حين اقتحم عنها ثم عقرها ثم قاتل القوم حتى قتل، وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وبارداً شرابها ... والروم روم قد دنا عذابها ... علي إذ لاقيتها ضرابها ... وكان جعفر رضي الله عنه أول من عقر في الإسلام، ووجد في مقدمه مائتا ضربة بسيف وطعنة برمح واثنتان وسبعون جراحة، ولما قتل جعفر رضي الله عنه أخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ثم تقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد، ثم قال: أقسمت بالله لتنزلنه ... لتنزلن أو لتكرهنه ... أن اجلب الناس وشدوا الرنه ... مالي أراك تكرهين الجنه ... قد طال ما قد كنت مطمئنه ... هل أنت إلا نطفة في شنه ... وقال أيضا: يا نفس إلا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت ... وما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت ... يعني صاحبيه زيداً وجعفراً رضي الله عنهما، ثم نزل فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال: شد بهذا صلبك فإنك قد لقيت أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال: وأنت في الدنيا، ثم ألقاه من يده وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية ثابت بن أرقم أحد بني العجلان، فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، فاصطلحوا على خالد بن الوليد رضي الله عنه، فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم، ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف بالناس،

_ (1) السيرة 2: 373 وما بعدها.

موريدس:

قال خالد رضي الله عنه: ندر في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وصبرت في يدي صفيحة يمانية. وكان صلى الله عليه وسلم إذا وجه علياً رضي الله عنه بعد مؤتة في وجه قال: " اللهم إنك أثكلتني عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفراً يوم مؤتة، وهذا علي، فلا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين ". ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً "، ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون، ثم قال صلى الله عليه وسلم: " ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً "، ثم قال صلى الله عليه وسلم: " لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه، فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد ثم مضى ". وذكر ابن هشام (1) أن جعفراً أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله تعالى بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء. ويقال إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ فقطعه بنصفين. وذكر ابن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بالمدينة لما أصيبوا قبل أن يأتيه نعيهم: " مر علي جعفر بن أبي طالب في الملائكة يطير كما يطيرون وله جناحان ". قال: وقدم يعلى بن منية على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرتك "، قال: فأخبرني يا رسول الله، فأخبره صلى الله عليه وسلم خبرهم كله ووصفه له، فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفاً واحداً لم تذكره، وأن أمرهم لكما ذكرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى رفع لي الأرض حتى رأيت معترككم ". وقالت عائشة رضي الله عنها: عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن لما أتى نعيهم، ذكر القصة بطولها ابن إسحاق. المؤتفكة: مدينة قوم لوط، وهي المذكورة في القرآن في قوله تعالى " والموتفكة أهوى ". قالوا: في قوله تعالى " ونجيناه ولوطاً " إن إبراهيم نزل بفلسطين ولوطاً بالمؤتفكة، وبينهما مسيرة يوم وليلة. موقان (2) : مدينة من خراسان من أعمال طوس، وهي من غر البلاد المذكورة، ولها سوق وسور حصين، وبها تجار مياسير وضياع وفعلة، وبها حصن منيع، وبها قبر علي بن موسى الرضا، وبجبل موقان معدن الفضة والنحاس والحديد، ويوجد فيها من أحجار الفيروزج كثير، وكانت موقان دار الإمارة بخراسان إلى أيام الطاهرية، فانتقل منها إلى نيسابور فخرب أكثرها وتغيرت محاسنها. الموجه (3) : في بحر دارلارومي (4) فيها عدة ملوك بيض يشبهون أهل الصين في الزي، لهم خيل يقاتلون عليها ملوكاً حولهم، وتتصل هذه الجزيرة بمشارق الشمس، وتوجد عندهم دابة المسك ودابة الزباد، ونساؤهم من أجمل نساء الأمم، ولهم شعور طوال، والنساء لا يستترن ويمشين مكشوفات الرؤوس، ويكللن رؤوسهن بعصائب فيها أنواع من الودع الملون والأصداف المجزعة. موريدس (5) : مدينة بالهند خصيبة عامرة بها تجارات وجيوش تحرس ثغر كابل، وهي في حضيض جبل عظيم صعب الصعود إلى أعلاه، وينبت فيه قنا وخيزران. ميسان (6) : بفتح أوله، موضع من أرض البصرة، استعمل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه النعمان بن عدي فقال: ألا هل أتى الحسناء أن خليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم

_ (1) السيرة 2: 378. (2) نزهة المشتاق: 209، وقارن بالكرخي: 146 - 147، وابن حوقل: 363، وياقوت (موقان) . (3) نزهة المشتاق: 32 (OG: 87) ، وابن الوردي: 64، وانظر بسط الأرض: 20 (وكتبت هناك: الموحه، بالحاء المهملة) . (4) ع ص: أرلاردي. (5) الإدريسي (ق) : 70؛ ص ع: موريد؛ وهذه إحدى صور الكلمة في أصول نزهة المشتاق؛ قال: ومن مدينة موريدس إلى مدينة القندهار ثماني مراحل (راجع مادة: القندهار) . (6) معجم ما استعجم 4: 1283، وانظر ياقوت (ميسان) .

ميورقة:

لعل أمير المؤمنين يسوءه ... تنادمنا في الجوسق المتهدم فبلغ شعره عمر رضي الله عنه فقال: نعم والله إن ذلك ليسوءني، فمن لقيه فليخبره أني قد عزلته. ومن ميسان كان يسار والد الحسن بن أبي الحسن البصري، وولد الحسن مملوكاً، ومات سنة عشر ومائة، ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما، وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت خيرة ربما غابت فيبكي، فتعطيه أم سلمة رضي الله عنها ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه، فدر عليه ثديها، فيرون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك. ميافارقين (1) : بلد معروف من أرض أرمينية، بين حدود الجزيرة وحدود أرمينية، وبعض الناس يعدها من أرمينية، وبعضهم يعدها من بلاد الجزيرة، وهو في شرقي دجلة على مرحلتين منها، والمعارف المصنوعة بميافارقين لا نظير لها ولا يعدلها مثلها صنعة. وبينها وبين آمد خمسة فراسخ، وهي منيعة مسورة حصينة وليست بالكبيرة، وهي كثيرة الناس، والبساتين تسقى من الآبار ومن أعين غير غزار، وداخل مدينتها عين ماء. وفتحها عياض بن غنم على مثل صلح الرها، وهي في حضيض من جبل، تصنع بها التكك والمناديل العراض والسبنيات، وقال أبو طالب العلوي: ولما ابيض شعر الرأس مني ... ودعت وقلت مياً فارقينا فمالي والتصابي بعد شيبي ... ولو أعطيت ميافارقينا وقال بعض الظرفاء: سميت ميافارقين لأن ذا الرمة أو غيره من العشاق، لو وصل إلى هذه المدينة بالاتفاق، وشاهد وجوه أهلها الملاح، والعيون السقيمة الصحاح، وعاين رشاقة القدود، ولباقة الخدود، وسواد الطرر، وبياض العرر، وسمرة الشفاه اللعس، وحمرة الوجنات والجباه الملس، لقال لصاحبته: مي فارقيني ولا ترافقيني، فلا يجوز التيمم مع وجود الماء، ولا حاجة إلى الدواء بعد البرء والشفاء. ميورقة (2) : هي جزيرة في البحر الزقاقي، تسامتها من القبلة بجاية من بر العدوة، بينهما ثلاثة مجار، ومن الجوف برشلونة من بلاد أرغون، وبينهما مجرى واحد، ومن الشرق إحدى جزيرتيها منرقة، وبينهما مجرى في البحر طوله أربعون ميلاً، وشرقي ميورقة هذه جزيرة سردانية، بينهما في البحر مجريان، وغربيها جزيرة يابسة، بينهما مجرى في البحر طوله سبعون ميلاً، وغربي يابسة مدينة دانية من بر الأندلس بينهما في البحر سبعون ميلاً. وميورقة أم هاتين الجزيرتين وهما بنتاها، وإليها مع الأيام خراجهما. وطول ميورقة من الغرب إلى الشرق سبعون ميلاً، وعرضها من القبلة إلى الجوف خمسون ميلاً. فتحها المسلمون سنة تسعين ومائتين إلى أن تغلب عليها العدو البرشلوني وخربها سنة ثمان وخمسمائة، وهي المرة الأولى، ودخل المدينة فلم يجد سوى العيال والأطفال والشيخ الفاني، فلحسابهم أحالوا السيف عليهم، فلما قضى وطره من هذه الجزيرة أسرع الرجوع إلى بلاده. ثم اختلفت عليها ولاة ابن تاشفين، ثم وليها محمد بن علي بن غانية المسوفي، وهو أول ولاة بني غانية ثم تعاقبوا على ولايتها إلى أن كان آخرهم عبد الله بن إسحاق، فوجه إليه الملك الناصر محمد بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن السيد أبا العلا ادريس بن يوسف بن عبد المؤمن والشيخ أبا سعيد بن أبي حفص،، فاجتمعا بدانية فعرض كل واحد منهما من أسند إليه، فكان الفريقان ألفي فارس ومائتي فارس والرماة سبعمائة والرجالة خمسة عشر ألفاً، غير غزاة القطع، وكان الأسطول ثلثمائة جفن منها سبعون غراباً وثلاثون طريدة وخمسون مركباً كباراً وسائرها قوارب منوعة، وأما العدد والسلاح والمجانيق والسلالم والمساحي والفؤوس والمعاول والرقائق والحبال فشيء لا يأخذه عدد، وكذلك الدروع والسيوف والرماح والبيضات والأتراس والدرق والقسي وصناديق

_ (1) نزهة المشتاق: 267، وذكرها الإدريسي عند الحديث عن مدن الجزيرة (الورقة: 200) فقال: وميافارقين من أرض أرمينية وقوم يعدونها من أعمال الجزيرة، وهي من شرقي دجلة على مرحلتين منها، وهي مدينة حصينة في حضيض جبل ويعمل بها من التكك كل حسنة تضاهب التكك التي تصنع بسلماس وربما كانت تفوقها في الجودة وتصنع بها المناديل العراض والسبنيات؛ وانظر ابن حوقل: 202، والمقدسي: 140، وياقوت (ميافارقين) ، وابن الوردي: 28. (2) بروفنسال: 118، والترجمة: 228 (Mallorca) .

ميلة:

النشاب، وجملة وافرة من الطعام، فصلوا الجمعة بيابسة وأقلعوا غدوة السبت الرابع والعشرين من ذي الحجة مكمل سنة تسع وتسعين وخمسمائة، فأتوا ميورقة ونزلوا وتقرب العسكر من المدينة ودار الأسطول بالمرسى مع السيد أبي العلا، وخرج إليهم عبد الله بجموعه، فنشبوا في القتال ودافعوا كل الدفاع، وآخر ذلك انهزم ثم صرع فقتل، وغلق باب المدينة فأحاطت بها الرماة وغزاة البحر، فتغلبوا عليها فدخلت ونهبت، ولم يسلم إلا قصبتها، ودخل السيد أبو العلا وأبو سعيد البلد ورأس عبد الله معهما على قناة بيد رجل غزي كان قطعه، فنهيا الناس عن النهب وأمرا بضرب عنق رجل فعل ذلك وخالف النهي، وطيف برأسه، وأمنا الناس ونودي بالأمن في الأزقة والقصبة، فخرج الناس وأمنوا، وكتبا إلى الملك الناصر بالفتح. وكان السبب في التوجه إلى ميورقة أن المنصور يعقوب كان وجه إلى صاحب ميورقة علي بن إسحاق بن محمد بن غانية يستدعي بيعته، فأنف من ذلك وأساء الرد واحتال على الرسل حتى اعتقلهم وأودعهم في السجون، ثم تحرك من ميورقة علي المذكور إلى بجاية، فاحتال حتى استولى عليها وملكها، ولما تم له ذلك أتى الجزائر فدخلها، ثم مليانة ومازونة، ثم دخل أشير عنوة ثم أتى القلعة فملكها، وبعد ثلاث من دخولها كانت له في العرب الحطمة المشهورة، وبث في هذه البلاد عمالاً وحكاماً، ثم قصد قسنطينة فسار إليها وحاصرها أشهراً فلم يفلح، وهناك بلغه أن عسكراً برياً وأسطولاً بحرياً هائلين أتياه من المغرب، ووصل الأسطول والعسكر إلى بجاية، فأخرجا نائبه منها وهو أخوه يحيى، فتوجه إلى أخيه علي وهو على قسنطينة، وخلى للقوم بلدهم، ثم توجها معاً نحو القبلة، ومرا بالقلعة فاستأصلاها، ثم سار علي إلى قفصة فأخذها ثم توزر، ومع ذلك جاء عسكر المغرب فيه المنصور يعقوب فجهز إليه عسكراً فالتقوا بوطاة عمرة، فكانت الوقيعة المشهورة والهزيمة العظيمة على عسكر المنصور بعد الإثخان الكثير في أصحابه، وتبددوا في الصحراء. وكان أول خروج ابن غانية من ميورقة لذلك في سنة ثمانين وخمسمائة وهي السنة التي مات فيها صاحب مراكش والمغرب يوسف بن عبد المؤمن ثم بقي علي بن إسحاق وأخوه يحيى يهيمان في تلك الجهات ولما بلغ المنصور خبر وقيعة عمرة وما جرى فيها على عسكره امتعض من ذلك واستبد برأيه، فتوجه بنفسه حتى نزل على قفصة فحاصرها حصاراً عظيماً إلى أن نزلوا على حكمه، فحكم فيهم بالسيف، وأثر فيهم الأثر الشنيع، وهدم سورها، ولابن مجبر في ذكر ذلك قصيدة مليحة جداً، منها: ما غر قفصة إلا أنها اجترمت ... فلم يكن عند أهل الحلم تثريب ما بالها زار أمر الله حوزتها ... فلم يكن عندها أهل وترحيب وقد ذكرنا ذلك في حرف العين عند ذكر عمرة. وبعد ذلك كله مات علي بعد أن تفرق جمعه، قيل سهم أصابه وهو على توزر سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وتمادت ميورقة على امتناعها إلى أن توفي المنصور في شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وولي ابنه الملك الناصر، فوجه إليها الجيوش وحكم عليها كما قلناه. ثم لم تزل ولاة الملك الناصر تختلف على ميورقة إلى أن كانت المصيبة العظمى والحادث الشنيع بهزيمة العقاب عليه سنة تسع وستمائة، ثم إن الطاغية البرشلوني تحرك إلى ميورقة عازماً عليها فنزل عليها أسطوله في شوال سنة ست وعشرين وستمائة، فأراها من القتال وشدة الحصار وأنواع المحن ما لم يجر مثله في زمان وحكم عليها عنوة بعد طول الحصار والقتل والسبي، ثم أخذ واليها ابن يحيى فعذبه أشد العذاب حتى مات، واستولى الشرك على الجزيرة في عام سبعة وعشرين وستمائة. ميلة: مدينة على أربع مراحل من قلعة حماد، وفي سنة ثمان وسبعين وثلثمائة، خرج المنصور العبيدي أو غيره (1) غازياً لكتامة، فلما قرب من ميلة زحف إليها عازماً على استئصال أهلها، فخرج إليه النساء والعجائز والأطفال بعد أن عبى جيوشه لمحاربتها، فلما رأى من خرج إليه منها بكى، وأمر ألا يقتل من أهلها أحد، وأمر بهدم سورها وتسيير من فيها إلى باغاية، فخرجوا بجماعتهم يريدونها وقد حملوا ما خف من أمتعتهم، فلقيهم ماكسين بن زيري بعسكره فأخذ جميع ما كان معهم، وبقيت ميلة خراباً ثم عمرت بعد

_ (1) ليس هو المنصور العبيدي، دون ريب، وإنما هو أبو الفتح المنصور بن أبي الفتوح يوسف ابن زيري بن مناد الصنهاجي، وخبر غزوه لميلة في ابن عذري 1: 243، والمؤلف يعتمد في النقل على البكري: 64.

ميلاص:

ذلك، وعليها سور صخر، وحولها ربض وبها جامع وأسواق وحمامات، والمياه تطرد حولها، يسكنها العرب والجند والمولدون، وهي من غر مدن الزاب، ولها باب شرقي يعرف بباب الروس، وعلى مقربة منه جامعها، وهو ملاصق لدار الإمارة، وباب جوفي، ويليه داخل المدينة عين تعرف بعين أبي السباع مجلوبة تحت الأرض من جبل هناك يشق منها سوقها ساقية، فإذا قل الماء في الصيف أجريت يوم السبت والأحد لا غير، ولها حمامان في ربضها، وبها عين تعرف بعين الحمى يرش منها على المحموم فيبرأ ببركتها وشدة بردها، ومن مدينة ميلة إلى جبل جيجل، وهو جبل الرحمن. وميلة (1) مدينة أزلية بها آثار للأول تدل على أنها كانت كبيرة، وهي الآن عامرة آهلة كثيرة الخصب رخيصة السعر على نظر واسع وقرى عامرة، وهي كثيرة الأسواق والمتاجر، وعليها سور جليل، وفي وسط مدينتها عين خرارة عذبة من بناء الأول لها سرب كبير يدخل فيه فلا يوجد له آخر ولا يعلم من أين يأتي ذلك الماء، ويقال إنه مجلوب من جبل بالقرب منها يسمى تامروت (2) ، وهي العين المعروفة بعين أبي السباع، وبالقرب من ميلة جبل العنصل، ويسمى اليوم جبل بني زلدوي، وهم قبيل كبير من البربر سكنوا ذلك الجبل، ولهم خلاف كثير على الولاة بسبب منعة جبلهم، وفيه مدن وعمائر وقرى كثيرة، وهو أخصب جبال إفريقية، فيه جميع الفواكه من التفاح والسفرجل والأعناب الكثيرة. وميلة (3) مدينة حسنة كثيرة الأشجار، محاسنها ظاهرة ومياهها عذبة، وكانت في طاعة يحيى بن العزيز صاحب بجاية، وبينها وبين قسنطينة الهوا ثمانية عشر ميلاً. ميلاص (4) : حصن بجزيرة صقلية كبير القطر مليح الهيئة وثيق البنية، وقلعته منيعة من أحسن البلاد وأجلها تشبه الحواضر في العمارات والأسواق وما بها من المواد والأرفاق، وهي على ساحل البحر يحدق بها (5) البحر من جميع جهاتها إلا من جهة شمالها يدخل إليها منها (6) ، ويسافر إليها براً وبحراً، ويتجهز منها بالكتان الكثير ولها مزارع زاكية ومياه غزيرة، ويصاد بها التن، وبينها وبين مسينى مرحلة. ميرتلة (7) : مدينة بالأندلس شرقي مدينة باجة، بينهما أربعون ميلاً، وهي على آنة، وبمقربة من شاطئ البحر مرسى هاشم، وهو حصن أولي فيه آثار قديمة وبه كنيسة عظيمة بنيت في أيام قسليان قيصر الذي بنيت في أيامه كنيسة طليطلة المعروفة بكنيسة الملوك، وقيصر هذا هو أول من نسج في ثيابه وفرشه الذهب وهو الرابع والثلاثون من القياصرة.

_ (1) الاستبصار: 166. (2) ورد عند البكري باسم ((بني باروت)) . (3) الإدريسي (د/ ب) : 94/ 66. (4) (Milazzo) الإدريسي (م) : 26. (5) ع: محدق بها يحدق بها ... (6) ع ص: منه. (7) بروفنسال: 191، والترجمة: 231 (Mertola) وقد تقدم الحديث عنها أيضاً في مادة ((مارتلة)) .

فراغ

الناشيان:

حرف النون نابل (1) : مدينة قديمة على البحر من الجزيرة التي بقبلي مدينة تونس حيث كانت مدينة باشو، وكانت عامرة فخربت، وبقي الآن منها قصر صغير، وأرضها كثيرة الخيرات والمرافق. ونابل (2) أيضاً عمل عظيم في البر الكبير من بلاد الروم، وبينها وبين مرسى مسينى من جزيرة صقلية اثنان وثلاثون ميلاً، ومدينة نابل هذه حسنة أولية عامرة ذات أسواق نافقة السلع وافرة البضائع والأمتعة، وبين نابل واسطابة (3) جبل نار لا يتوصل إلى بركانه لأنه دائم الدهر يرمي بالنار. الناصرة (4) : قرية بالشام على ثلاثة عشر ميلاً من طبرية، وذكر بعضهم أن فيها ولد المسيح عليه السلام، وأهل بيت المقدس ينكرون ذلك، وتقدم ذلك في حرف الباء. ناردين (5) : هو جبل بالقرب من نصيبين، من قرار الأرض إلى ذروته نحو ستة أميال، وعليه قلعة بناها حمدان بن الحسين تسمى بالبازي الأشهب لا يستطاع فتحها بوجه لحصانتها. الناشيان (6) : من كور الأهواز على مرحلتين من مدينة الدورق، وهي عامرة بأهلها وبها أخلاط من الناس، وهي متوسطة الكبر يشقها نهر صغير، وهي حسنة من داخلها وخارجها. ناخبة (7) : من مدن كرمان، وهي مدينة حسنة صالحة الأحوال بها أسواق وصناعات، ومنها إلى الشيرجان شمالاً مائة ميل، وبينها وبين جيرفت جنوباً ستون ميلاً. ناعم (8) : حصن من حصون خيبر، وهو أول حصون خيبر، افتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه رحى منه فقتلته. نابلس (9) : من مدن الشام، وهي مدينة السامرية، وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام، وبها حبس عيسى عليه السلام وطلب من المرأة السامرية الماء ليشرب، وعليه الآن كنيسة حسنة، ويزعم أهل بيت المقدس أن السامرية لا يوجد أحدهم إلا بهذه المدينة.

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 118/ 87، وقارن بياقوت (نابل) . (2) (Napoli) الإدريسي (م) : 79. (3) ص ع: اسطانة؛ وهي (Stabia) ؛ وقد ردت ((اسطانة)) في بعض أصول نزهة المشتاق. (4) انظر ياقوت (الناصرة) ؛ وفي صبح الأعشى 4: 150 نقل عن الروض. (5) الاسم في نزهة المشتاق: 200 - وعنه ينقل المؤلف - بالميم ((ماردين)) ، وكذلك هو في سائر المصادر، ولم أجد أحداً كتبه بالنون، وإن جاز أن يكون لغة، أو تصحيفاً. (6) كذلك كتبت في نزهة المشتاق: 123 وعنه ينقل المؤلف؛ وهي عند الكرخي: 62، 65 وياقوت ((باسيان)) . (7) ينقل المؤلف عن نزهة المشتاق: 132 ورسم الكلمة هناك ((ناجية)) ؛ وقد مرت هذه المادة في حرف الفاء ((فاختة)) ، وقلت هنالك إنها عند ابن حوقل: 273 باختة (أو ناجتة) ، وأزيد أنها عند ابن خرداذبه: بأختة (أو فاختة) ، ولعلها ((واجب)) ، عند المقديسي: 465، وهي في ص: ناجبة (في هذا الموضع) ؛ وهكذا تتعدد فيها صور التصحيف. (8) السيرة 2: 330 - 331. (9) نزهة المشتاق: 113.

نبقة:

وقال المسعودي (1) : والأسامرة، في وقتنا هذا في قرى متفرقة ببلاد فلسطين والأردن إلى مدينة نابلس وأكثرهم في هذه المدينة وهم يقولون لا مساس. نبقة (2) : موضع في بلاد طيء، ذكر أبو عبيدة عن منصور بن يزيد الطائي أن قبر حاتم هناك حوله قدور حجارة عظيمة من بقايا قدوره التي كان يطعم فيها مكفأة، وعن يمين قبره أربع جوار من حجارة وعن شماله مثلهن محتجزات على قبره كالنائحات، لم ير مثل بياض أجسامهن وجمال وجوههن، وربما رآهن الرائي ففتن بهن ومال إليهن إعجاباً، فإذا دنا منهن رأى حجارة عظيمة يزعمون أنها من عمل الجن، فهن بالنهار كما وصفنا، فإذا هدأت العيون ارتفعت أصوات الجن بالنياحة عليهن، قال: ونحن في منازلنا نسمع ذلك إلى طلوع الفجر. وكان رجل يكنى أبا الخيبري مر في نفر من قومه بقبر حاتم فجعل يناديه: يا أبا الجعد أقرنا فقالوا له: أتنادي رمة بالية؟! قال: إن طيئاً تزعم أنه لم ينزل به قط أحد إلا قراه؟ وناموا فانتبه أبو الخيبري مذعوراً ينادي: واراحلتاه، فقال له أصحابه: ما بالك؟ قال: خرج حاتم بالسيف وأنا أنظر حتى نحر راحلتي، فنظروا إلى راحلته فإذا هي متجدلة لا تنبعث، فقالوا: قد والله قراك، فظلوا يأكلون لحمها شواء وطبيخاً ثم ارتدفوه وانطلقوا سائرين، وإذا راكب بعير يقود آخر قد لحقهم، فقال: أيكم أبو الخيبري؟ فقال الرجل: أنا، فقال الراكب: أنا عدي بن حاتم، وإن حاتماً جائني الليلة فذكر أنك استقريته واستنطيته وهو ينشدك: أبا خيبري وأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة شتامها أتيت بصحبك تبغي القرى ... لدى حفرة صدحت هامها أتبغي لي الذم عند المبيت ... وحولي طي وأنعامها فإنا سنشبع أضيافنا ... ونأتي المطي فنعتامها قال: وقد أمرني أن أحملك على بعير مكان راحلتك فدونكه. وقال الشاعر يمدح عدي بن حاتم: أبوك أبو سباقة الخير لم يزل ... لدن شب حتى مات في الخير راغبا قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ... ولم يقر قبر قبله الدهر راكبا النباج (3) : هما نباجان، نباج ثيتل ونباج ابن عامر بالبصرة، وقال أبو عبيدة: النباج وثيتل موضعان متدانيان بينهما دوح، ينزلهما اللهازم من بني بكر. وفي خبر عمارة قال: أغارت عكل على مال لبني حنظلة فذهبت به، فرحلت إلى إسحاق بن إبراهيم بن أبي حميصة (4) وهو بالنباج أشتكي إليه ما نزل بنا من عكل وأستنصره عليهم، فكتب لي إلى عامله كتاباً، فلما خرجت من عنده مزقت الكتاب وقلت: جعلتم قراطيس العراق سيوفكم ... ولن يقطع القرطاس والسيف باتر وقلتم خذوا البر التقي فإنه ... أقل امتناعا واتركوا كل فاجر فرحت بقرطاس طويل وطينة ... وراحت بنو أعمامنا بالأباعر نجد: ما بين الحجاز إلى الشام إلى العذيب، فالطائف من نجد، والمدينة من نجد، وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان إلى العروض، وقد أنجد الرجل إذا أتى نجداً كما يقال: أعرق وأشأم، والشيخ النجدي الذي حضر قريشاً بدار الندوة ليتشاوروا في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يراد به إبليس اللعين.

_ (1) مروج الذهب 1: 114 - 115. (2) ص: نيقة؛ وفي ديوان حاتم حيث وردت القصة: تبعة؛ ولم يذكره البكري أو ياقوت، ولا أدري ما صوابه؛ وانظر الأغاني 17: 287. (3) معجم ما استعجم 4: 1291، وانظر ياقوت (النباج) . (4) ع ص: جحفية؛ وانظر الطبري 3: 1350.

النجاغة:

النجاغة (1) : من مدن الحبشة صغيرة على ضفة النهر، أهلها فلاحون يزرعون الذرة والشعير ومنه يعيشون ومتاجرها قليلة، والسمك عندهم كثير ممكن والألبان غزيرة، وبينها وبين مركطة ستة أيام انحداراً في النهر، وفي الصعود أزيد من عشرة أيام على قدر الإمكان وليس بعد هاتين المدينتين في جهة الجنوب شيء من العمارات ولا شيء يعول عليه. نجران: من بلاد اليمن، سميت بنجران بن زيد بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وممن كان (2) في الفترة أصحاب الأخدود، وكانوا بنجران، وبلغ ذا نواس أن قوماً بنجران على دين المسيح، وكان هو يهودياً، فنهض إليهم بنفسه، وحفر لهم أخاديد وأضرمها ناراً ثم دعاهم إلى اليهودية فمن أبى قذفه في الأخاديد، فأتي بامرأة معها طفل ابن سبعة أشهر فأبت أن ترجع عن دينها، فأدنيت من النار فجزعت، فأنطق الله تعالى الطفل فقال: امضي على دينك فلا نار بعدها فألقيت في النار، فسلط الله تعالى عليهم الحبشة وغلبوهم على أرض اليمن إلى أن كان من أمر ابن ذي يزن واستجارته بكسرى أنوشروان ما كان. وبنجران (3) كان عبد الله بن الثامر من أهل دين عيسى عليه السلام، وكان بها بقايا من أهل دينه على الإنجيل أهل فضل واستقامة، وعبد الله بن الثامر رأس لهم، وكان أصل ذلك الدين بنجران، مع أن العرب كانوا أصحاب أوثان، أن رجلاً من بقايا ذلك الدين يقال له فيميون وقع بين أظهرهم فحملهم عليه فدانوا به، وكان صالحاً مجتهداً زاهداً في الدنيا مجاب الدعوة، وكان سائحاً ينزل القرى ولا يعرف في قرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها، وكان لا يأكل إلا من كسب يده وكان بناء يعمل الطين، وكان يعظم الأحد فلا يعمل فيه شيئاً، فخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي، وكان في قرية من قرى الشام، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح، فأحبه حباً شديداً وكان يتبعه حيث ذهب فلا يفطن له فيميون حتى خرج في يوم أحد إلى فلاة من الأرض كما كان يصنع، فاتبعه صالح وهو لا يدري بمكانه، وقام فيميون يصلي فأقبل نحوه التنين، الحية ذات الرؤوس السبعة، فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت، فرآها صالح ولم يدر ما أصابها، فخافها عليه، فعيل صبره فصرخ: يا فيميون، التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها وأمسى وانصرف، وعرف أنه قد عرف، وعرف صالح أنه قد رأى مكانه فقال له: يا فيميون، اعلم أني ما أحببت شيئاً قط حبك، وقد أردت صحبتك والكينونة معك حيث كنت، قال: إما شئت، أمري كما ترى، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح. وكان إذا جاءه أحد به الضر دعا له فشفي، وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته، وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير، فسأل عن شأن فيميون، فقيل له إنه لا يأتي أحداً دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجرة، فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوباً، ثم جاءه فقال: يا فيميون إني أردت أن أعمل في بيتي عملاً فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه، فأشارطك عليه (4) ، فانطلق معه حتى دخل حجرته ثم قال: ما تريد أن تعمل في بيتك هذا. قال كذا وكذا، ثم أزال الرجل الثوب عن الصبي وقال: يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له، فدعا له فيميون فقام الصبي ليس به بأس وعرف فيميون أنه قد عرف فخرج من القرية واتبعه صالح، فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة، فناداه منها رجل فقال: أفيميون؟ قال: نعم قال: ما زلت أنتظرك وأقول: متى هو جاء، حتى سمعت صوتك فعرفت أنك هو، لا تبرح حتى تقوم علي فإني ميت الآن، قال: فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف، وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدوا عليهما فاختطفتهما سيارة من بعض العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة، فإذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء، ثم خرجوا إليها وعكفوا عليها يوماً، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم، وابتاع صالحاً آخر، فكان فيميون إذا قام الليل في بيت له أسكنه إياه سيده يصلي استسرج له البيت نوراً حتى يصبح من غير مصباح، فرأى ذلك سيده فأعجبه ما يرى منه، فسأله عن دينه فأخبره به، وقال له فيميون: إنما أنتم في باطل، إن هذة النخلة لا تضر ولا تنفع ولو

_ (1) ع: النجاعة، وكذلك هي في أصول نزهة المشتاق، الإدريسي (د) : 24 (OG: 43) . (2) البكري (مخ) : 21. (3) السيرة 1: 31 وما بعدها؛ والطبري 1: 920. (4) ص ع: فأشار عليه.

دعوت عليها إلاهي الذي أعبد أهلكها، وهو الله وحده لا شريك له، فقال له سيده: فافعل فإنك إن فعلت دخلنا في دينك وتركنا ما نحن عليه، فقام فيميون فتطهر وصلى ركعتين، ثم دعا الله تعالى عليها، فأرسل الله عز وجل عليها ريحاً فجعفتها من أصلها فألقتها، فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه، فحملهم على الشريعة من دين عيسى بن مريم عليه السلام، ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض، فمن هناك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب. قالوا (1) : وكان في قرية من قرى نجران ساحر يعلم أهل نجران السحر، فلما نزلها، فيميون ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية، فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر، فبعث الثامر ابنه عبد الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران، فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته، فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله تعالى وعبده، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام، حتى إذا تعلم جعل يسأله عن الاسم الأعظم، وكان يعلمه، فكتمه إياه وقال له: يا ابن أخي إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، والثامر أبو عبد الله لا يظن إلا أن ابنه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضن به عنه عمد إلى قداح، ثم لم يبق لله اسماً يعلمه إلا كتبه في قدح، لكل اسم قدح، حتى إذا أحصاها أوقد لها ناراً ثم جعل يقذفها فيها قدحاً قدحاً حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه، فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئاً، فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الذي كتمه، فقال: وما هو؟ قال له: كذا، قال: وكيف علمته؟ فأخبره بما صنع، قال: أي ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل، فجعل عبد الله بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحداً به ضر إلا قال له: يا عبد الله أتوحد الله وتدخل في ديني وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟ فيقول: نعم، فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى، حتى لم يبق بنجران أحد به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي، حتى رفع شأنه إلى ملك نجران، فدعاه فقال له: أفسدت علي أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي، لأمثلن بك، قال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح على رأسه فيقع إلى الأرض ليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران، بحور لا يقع فيها شيء إلا هلك، فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه قال له عبد الله بن الثامر: إنك والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله تعالى فتؤمن بما آمنت به، فإنك إن فعلت ذلك سلطت علي فقتلتني، قال: فوحد الله تعالى ذلك الملك وشهد بشهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله، وهلك الملك مكانه، واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحداث. وحدثوا (2) أن رجلاً من أهل نجران في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته، فوجدوا عبد الله بن الثامر تحت دفن منها قاعداً واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده، فإذا أخرت يده عنها تنبعث (3) دماً، وإذا أرسلت يده ردها عليها، فأمسك دمها، وفي يده خاتم مكتوب فيه: ربي، فكتب فيه إلى عمر رضي الله عنه فكتب إليهم عمر رضي الله عنه: أن أقروه على حاله وردوا عليه الدفن الذي كان عليه، ففعلوا. وكان الأسود بن كعب العنسي قد ادعى النبوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واتبع على ذلك، وسمعت به بنو الحارث بن كعب من أهل نجران، وهم يومئذ مسلمون، فأرسلوا إليه يدعونه أن يأتيهم في بلادهم، فجاءهم فاتبعوه وارتدوا عن الإسلام، ويقال: دخلها يوم دخلها في خمسة آلاف من حمير يدعي النبوة ويشهدون له بها، فنزل همدان فلم يتبعه من النخع ولا من جعفي أحد، وتبعه ناس من بني أسد ومذحج وعنس وأود وحكم، وأقام الأسود بنجران، ثم رأى أن صنعاء خير له من نجران فسار إليها في ستمائة راكب من بني الحارث فنزلها، فأبت الأبناء أن يصدقوه، فغلب على صنعاء واستذل الأبناء بها وقهرهم وأساء جوارهم لتكذيبهم إياه، إلى أن كان من أمره ما نذكره عند الوصول إلى ذكر صنعاء إن شاء الله تعالى. وإلى أفعى نجران مضى أولاد معد بن عدنان وهم مضر وإياد

_ (1) النقل مستمر من رواية ابن إسحاق. (2) الطبري 1: 926. (3) الطبري: انثعبت.

النجير:

وأنمار وربيعة ليحكم بينهم في قسمة ميراث أبيهم، وهي قصة مشهورة. النجف: بالعراق بظهر الكوفة، وهو البساتين والمتنزهات التي يشرف الخورنق عليها، وذكر صاحب المنطق أن موضع البر قد يكون بحراً وموضع البحر قد يكون براً، قال: وللمواضع شباب وهرم وحياة وموت كما في الحيوان، وقد كان البحر فيما سلف في الموضع المعروف بالنجف، وهو بالحيرة، وكانت ترفأ هناك سفن الهند والصين، ترد على ملوك الحيرة فصار بين الحيرة وبين البحر الآن مسيرة أيام كثيرة، ومن رأى النجف وأشرف عليه تبين ما وصفنا. وبالنجف (1) نزل خالد بن الوليد في سلطان أبي بكر رضي الله عنهما بعد أن فتح الله اليمامة، وقتل كذابها يريد الحيرة، فتحصن منه أهلها في القصر الأبيض، فلما نزل خالد رضي الله عنه بالنجف بعث إليهم أن ابعثوا إلي رجلاً من عقلائكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني وبقيلة هو الذي بنى القصر الأبيض، ودعي بقيلة لأنه خرج يوماً وعليه ثياب خضر، فقال له قومه: ما هذا إلا بقيلة، وعبد المسيح هذا هو الذي رأى سطيحاً وسأله عن رؤيا الموبذان وارتجاج الأبوان فأتى عبد المسيح خالداً وله يومئذ ثلثمائة سنة وخمسون، فتجاهل عبد المسيح وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف به عمله، فقال له: من أين أقصى أثرك؟ قال: من صلب أبي، قال: فمن أين جئت؟ قال: من بطن أمي، قال: فعلام أنت ويحك؟ قال: على الأرض، قال: أتعقل؟ قال: أي والله وأقيد، ... الخبر بطوله، وقد مر في حرف الحاء. وكان خالد قال لعبد المسيح: ما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا النجف بمتاع الهند والصين، وأمواج البحر تضرب ما تحت قدمك، وقال: رأيت المرأة من أهل الحيرة تأخذ مكتلها فتضعه على رأسها لا تزود إلا رغيفاً، فلا تزال في قرى عامرة وعمائر متصلة وأشجار مثمرة ومياه عذبة حتى ترد الشام، ونراها اليوم قد أصبحت يباباً، وذلك دأب الله تعالى في العباد والبلاد. وحكي أن أبا جعفر المنصور وجه في إشخاص جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي رضى الله عنهم من المدينة إلى العراق، فلما سار إلى النجف توضأ للصلاة ثم قال: اللهم بك أستفتح وبك أستنجح، سهل لي حزونته ولين لي عريكته، وأعطني من الخير ما أرجو، وادرأ عنى من الشر ما أخاف وأحذر، فلما دخل عليه قام إليه وأكرمه وبره وغلفه بيده وأصرفه إلى منزله وإنما كان أشخصه ليقتله رضي الله عنه. نجيرم (2) : بلد من بلاد سيراف منها أبو يعقوب النجيرمي وبينهما ثلاثة عشر فرسخاً. النجير (3) : هي حضرموت وأنشدوا للأعشى: وأبتذل العيس المراقيل تغتلي ... مسافة ما بين النجير فصرخدا وقيل هو حصن في اليمن، فيه تحصن الأشعث بن قيس بن معدي كرب ومن ارتد معه، فقال له من نصحه (4) : أنشدك الله يا أشعث ووفادتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه أن تنقضه اليوم، والله ليقومن بهذا الأمر من يقتل من خالفه، وإياك إياك، أبق على نفسك، فإنك إن تقدمت تقدم الناس، وإن تأخرت افترقوا واختلفوا، فأبى الأشعث وقال: قد رجعت العرب إلى ما كانت الآباء تعبد، ونحن أقصى العرب داراً من أبي بكر، فكيف يبعث إلينا الجيوش، قال: أي والله وأحرى ألا يدعك عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجع إلى الكفر، يعني زياد بن لبيد الأنصاري، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم فتضاحك ثم قال: أما يرضى زياد أن أجيره، فقال له: سترى، ثم قام الأشعث فخرج من المسجد إلى منزله وقد أظهر ما أظهر من الكلام القبيح من غير أن يكون نطق بالردة، ووقف (5) يتربص وانحاز بأصحابه إلى حصن النجير فأغلقوه، فحاصره المسلمون لا يفارقونه ليلاً ولا نهاراً، وقذف الله الرعب في قلوبهم، فلما اشتد عليهم الحصار بعث إلى زياد بن

_ (1) راجع مادة الحيرة. (2) انظر ياقوت (نجيرم) ، والنجيرمي المذكور هو أبو يعقوب يوسف بن يعقوب اللغوي البصري نزيل مصر (- 423) ؛ انظر ترجمته في ابن خلكان 7: 75 ومصادر أخرى مذكورة في الحاشية. (3) أول المادة عن معجم ما استعجم 4: 1299 ثم تجيء المادة التاريخية، انظر الطبري 1: 2006 وما بعدها. (4) عن الاكتفاء (تاريخ الردة) : 161. (5) انتقل إلى النقل عن الصفحة: 166 - 169.

النخيلة:

لبيد أن تنح عنا حتى نخرج ونخليك والحصن، قال: لا أبرح شبراً واحداً حتى نموت عن آخرنا أو تنزلوا على حكمنا ورأينا، وجعل يكابدهم لما يرى من جزعهم، وكتب على لسان أبي بكر رضي الله عنه كتاباً إليه فيه: احصرهم ولا تقبل منهم إلا ما خرجوا منه أو السيف، وقد بعثت إليك بعشرة آلاف رجل عليهم فلان وخمسة آلاف عليهم فلان، فإن أظفرك الله تعالى بهم فإياك والبقيا في أهل النجير، حرق حصنهم بالنار واقطع معايشهم واقتل المقاتلة واسب الذرية وابعث بهم إلي إن شاء الله، وإنما كتب هذا مكايدة لعدوه، فلما قرئ عليهم الكتاب أيقنوا بالهلكة واشتد عليهم الحصار، وندموا، فقال الأشعث: إلى متى هذا الحصر؟ قد غرثنا وغرث عيالنا، وهذه البعوث تقدم علينا بما لا قبل لنا به، قد ضعفنا عمن معنا، فكيف بمن يأتينا من هذه الأمداد، والله للموت بالسيف أحسن من الموت بالجوع، قالوا: وهل لنا قوة بالقوم. فما ترى لنا فأنت سيدنا. قال: أنزل فآخذ لكم أماناً قبل أن تدخل هذه الأمداد بما لا قبل لنا به، فجعل أهل الحصن يقولون: يا أشعث افعل وخذ لنا أماناً، قال: فأنا أنزل، فأرسل إلى زياد: أنزل فأكلمك وأنا آمن؟ قال: نعم، فنزل الأشعث من النجير فخلا بزياد فقال: يا ابن عم، قد كان هذا الأمر ولم يبارك لنا فيه، وإن لي قرابة ورحماً وإن أبا بكر يكره قتل مثلي، وقد جاءك كتابه ينهاك عن قتل الملوك من كندة، فأنا أحدهم، وإنما أطلب منك الأمان على أهلي ومالي، فقال زياد: لا أؤمنك أبداً على دمك، وأنت كنت رأس الردة، فقال: أيها الرجل دع ما مضى واستقبل الأمور إذا أقبلت، قال: وماذا؟ قال: أفتح لك النجير، فأمنه على أهله وماله على أن يقدم به على أبي بكر رضي الله عنه فيرى فيه رأيه، وفتح له النجير فأخرجوا المقاتلة، فعمد زياد إلى سبعمائة من أشرافهم فضرب أعناقهم على دم واحد، ولام القوم الأشعث وقالوا لزياد: غدر بنا فأخذ الأمان لنفسه وأهله، وإنما نزل على أن يأخذه لجميعنا، وجاء كتاب أبي بكر رضي الله عنه: إن ظفرت بأهل النجير فاستبقهم، فقدم عليه ليلاً وقد قتل منهم في أول النهار سبعمائة في صعيد واحد، وأبى زياد أن يواري جثثهم وتركوا للسباع، فكان هذا أشد على من بقي من القتل. نخلة (1) : موضع على ليلة من مكة. وكان بها (2) لقريش وبني كنانة بعض الطواغيت التي كانت تعظمها مع الكعبة لأنهم قالوا " اجعل الآلهة إلهاً واحداً " الآية، فكانت لهم بيوت تعظمها وتطوف بها كطوافها بالكعبة، بعضها الذي بنخلة وكان سدنتها وحجابها من بني شيبان، وبها كانت العزى، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه فلما سمع صاحبها ذلك علق عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هو فيه، وانتهى إليها خالد رضي الله عنه فهدمها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. نخل (3) : غير مصروف، قرية لفزارة، وفي شعر زهير (4) : تربص فإن تقو المرورات منهم ... وداراتها لا تقو منهم إذاً نخل النخيلة (5) : موضع بالكوفة على لفظ التصغير، وهي التي كان علي رضي الله عنه يخرج إليها إذا أراد أن يخطب الناس. وفي سنة تسع وثلاثين أوقع علي رضي الله عنه بالخوارج بالنخيلة وحروراء. ندرومة (6) : مدينة في طرف جبل تاجرا بأرض المغرب، وهي مدينة حسنة كثيرة الزرع والفواكه رخيصة الأسعار، ولها بسائط خصيبة ومزارع كثيرة، وبينها وبين البحر نحو عشرة أميال، ولها مرسى مأمون مقصود وعليه رباط حسن يتبرك به، ويقال أنه من أتى فيه منكراً لم تتأخر عقوبته، قد عرف ذلك من بركته ومن صنع الله فيه. نكور: مدينة بالمغرب بقرب مدينة مليلة، وهي مدينة كبيرة بينها وبين البحر نحو عشرة أميال وقيل خمسة، وهي بين رواب وجبال منها جبل يقابل المدينة يعرف بالمصلى. وبها جامع على

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1304. (2) انظر السيرة 2: 436. (3) انظر معجم ما استعجم 4: 1303. (4) ديوان زهير: 100. (5) معجم ما استعجم 4: 1305. (6) الاستبصار: 135، والبكري: 80، وانظر الإدريسي (د) : 172.

نمرة:

أعمدة من خشب العرعر، وهو والأرز أكثر خشبها، ولها أربعة أبواب في القبلة باب سليمان وبين القبلة والجوف باب بني ورياغل، وفي المغرب باب المصلى، وفي الجوف باب اليهود وسورها من اللبن، وحماماتها كثيرة، وأسواقها عامرة وغزا (1) المجوس مدينة نكور سنة أربع وأربعين ومائتين فتغلبوا عليها وانتهبوها وسبوا من فيها إلا من خلصه الفرار فأقاموا بها ثمانية أيام. وبها نهران (2) أحدهما يسمى نكور، وبه سميت، يخرج من جبل هناك ومن هذا الجبل ينبعث النهر المعروف بورغة وهو نهر كبير مشهور من أنهار المغرب وعلى نهرها الأرحاء. ومدينة نكور (3) كثيرة البساتين طيبة الفواكه لا سيما الكمثرى والرمان فليس يوجد مثلهما في بلد، وهي قديمة أزلية افتتحها سعيد بن ادريس بن صالح الحميري أو بناها وهو المعروف بالعبد الصالح وذلك في أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان وكان دخل أرض المغرب في الافتتاح الأول قبل موسى بن نصير، وعلى يديه أسلم البربر المجاورون لهذه المدينة وهم صنهاجة وغمارة ثم ارتد منهم بشر كثير لما ثقلت عليهم شرائع الإسلام. ولإبراهيم (4) بن أيوب النكوري: أيا أملي الذي أبغي وسولي ... ودنياي الذي أرجو وديني أأحرم من يمينك ري نفسي ... ورزق الخلق في تلك اليمين ويحجب عن جبينك لحظ طرفي ... ونور الأرض من ذاك الجبين وقد جبت المهامه من نكور ... إليك بكل ناجية أمون وبين مدينة نكور ومرسى تمسامان عشرون ميلاً. نمرة (5) : موضع بعرفة معلوم. نصيبين (6) : مدينة في ديار ربيعة العظمى وهي من بلاد الجزيرة بين دجلة والفرات، وهي قديمة عظيمة كثيرة الأنهار والجنات والبساتين، ولها نهر عظيم يقال له الهرماس عليه قناطر حجارة، وأهلها قوم من ربيعة من بني تغلب. وهي في مستو من الأرض ذات سور حصين وأسواق عامرة وتجارات وبها فعلة وصناع، وبها مياه كثيرة وعقارب قتالة. وافتتحها عياض بن غنم الفهري في خلافة عمر رضي الله عنه سنة ثمان عشرة وكانت مدينة رومية، فلما افتتحها غياض أسكنها المسلمين، وهي كبيرة، ونهرها الهرماس عليه بساتين وكروم، وبها مستقر الولاة، ومنها إلى دارا خمسة فراسخ. ويمتد أمام نصيبين وخلفها بسيط أخضر مد البصر أجرى الله تعالى فيه مذانب من الماء تسقيه وتطرد في نواحيه، وتحف بها عن يمين وشمال بساتين ملتفة الأشجار يانعة الثمار، وفيها قال أبو نواس: طابت نصيبين بي يوماً فطبت بها ... يا ليت حظي من الدنيا نصيبين وفيه مدرستان ومارستان واحد. نصراباذ (7) : بنيسابور ونصراباذ بالري. نعمان (8) : بفتح أوله وادي عرفة دونها إلى منى، وهو كثير

_ (1) عن البكري: 92. (2) عن البكري: 90. (3) الاستبصار: 136. (4) البكري: 91. (5) معجم ما استعجم 4: 1334. (6) اعتمد المؤلف في هذه المادة على اليعقوبي: 326، ثم نزهة المشتاق: 199، ثم اليعقوبي على الأرجح، ثم رحلة ابن جبير: 329، وانظر الكرخي: 52، وابن حوقل: 193 - 194، والمقدسي: 140، وآثار البلاد: 467، وياقوت: (نصيبين) ، وابن الوردي: 28. (7) انظر ياقوت: (نصراباذ) ، وفي معجم البكري: 1309 أن نصراباذ قرية من قرى العراق. (8) معجم ما استعجم 4: 1316، وفي رحلة الناصري: 234 نقل عن الروض واستدراك عليه، إذ أن نعمان الاراك ((وراء عرفة لناحية الطائف)) عكس ما حدده في الروض.

نفطة:

الأراك، قال الشاعر (1) : تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت به زينب في نسوة خفرات وهو أيضاً موضع بالشام. نفطة (2) : في قصطيلية من بلاد الجريد في إقليم إفريقية، بينها وبين قيطون بياضة مرحلة، ومنها إلى توزر مرحلة، ونفطة مبنية بالصخر، عامرة آهلة، بها جامع ومساجد وحمامات كثيرة وتجارات ونخيل وغلات ومياه جارية كثيرة سائحة، وشرب جميع بلاد قصطيلية بوزن إلا نفطة فإن شربها جزاف، وجميع أهلها شيعة، وتسمى الكوفة الصغرى. وهي قديمة (3) عليها سور من بناء الأول، ولها غابة كبيرة كثيرة النخل والبساتين وجميع الفواكه، وهي كثيرة الخصب، ولها نهر يسقي بساتينها، وأهلها ذوو يسار، وهم من بقايا الروم. نفزاوة (4) : بينها وبين القيروان ستة أيام، ولها سور صخر وطوب، ولها ستة أبواب، وبها جامع وحمام وأسواق حافلة، وهي على نهر كثيرة النخل والثمار، وحواليها عيون كثيرة، وبينها وبين قابس ثلاث مراحل، ومن نفزاوة تسير إلى بلاد قصطيلية. وبها أرض (5) سواخة وسباخ وملاحات لا يهتدى للطريق لها إلا بخشب قد نصبت في دهس يشبه الصابون في الرطوبة، فمن أخطأ طريق تلك الخشب المنصوبة على الطريق هلك في تلك السباخ، وقد هلكت العساكر والجماعات في قديم الزمان ممن دخلها ولم يعرف أمرها، وتلك السباخ لا يعلم لها آخر ولا يسلك منها إلا الطريق إلى توزر وإلى بلاد قصطيلية، ويقال إنها متصلة ببلاد غدامس، وهذه السباخ كلها ملائح، وفيها موضع بين نفطة والحمة يعرف بالسبع سباخ. وفي وسط طريق المار من توزر إلى نفزاوة جزيرة صغيرة فيها عين عذبة يشرب منها من يسير على تلك الطريق، وإذا دخل المسافر هذا الطريق في أيام الصيف يكاد يهلك من حرارة الملح ويرجع ما في الزقاق من الماء العذب ملحاً لا يقدر على شربه إلا أن يمزج بالسكر أو العسل. ولما هزم المنصور يعقوب ملك المغرب علي بن إسحاق على حمة مطماطة فر منهزماً على هذه السباخ فتبعه الموحدون سالكين سبيله حتى شارفوا توزر فألفوه قد توغل في صحرائها. نفوسة (6) : جبل نفوسة، من قفصة إليه نحو ستة أيام، وهو جبل عال نحو من ثلاثة أيام طولاً، وفيه كروم ومياه جارية وأعناب وتين، وأكثر زرعهم الشعير المتناهي طيباً ولأهله في خبزه صنعة وحذق وتمييز فاقوا فيه كل الناس، ويكون أطيب من سائر الطعام في سائر الأقاليم، ويقال إنه متصل بجبل درن. نفيس (7) : مدينة من بلاد المغرب عند أغمات تعرف بالبلد النفيس، وهو مدينة قديمة صغيرة حولها عمارات وطوائف من قبائل البربر، وبها من الحنطة والفواكه واللحوم ما لا يكون في كثير من البلاد، وبها جامع وسوق نافقة وأنواع عجيبة من الزبيب المتناهي طيباً وكثرة. وغزاها (8) عقبة بن نافع رحمه الله وحاصر بها الروم فافتتحها وأصاب المسلمون فيها أموالاً كثيرة ومغانم واسعة، وبنى فيها عقبة مسجداً وهر معروف به إلى اليوم، وليس في جميع تلك البلاد أطيب هواء منها ولا أجل منظراً ولا أكثر أنهاراً وأشجاراً وثماراً، ويشق بلد نفيس نهر كبير ينبعث من جبل درن حيث تربة الإمام المهدي وخليفته عبد المؤمن، ومراكش بين أغمات ونفيس. وكان الفقيه (9) قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن

_ (1) هو محمد بن عبد الله النميري شاعر غزل من شعراء الدولة الأموية، وكان يهوى زينب أخت الحجاج، وله أشعار يشبب بها فيها (انظر الأغاني 6: 180 وما بعدها) . (2) ليس عند البكري: 48 أو الإدريسي (د) : 237 حديث مفصل عن نفطة. وانظر ياقوت (نفطة) . (3) هذه الفقرة عن الاستبصار: 156. (4) البكري: 47 - 48. (5) الاستبصار: 158 وبعضه عند البكري. (6) الإدريسي (د/ ب) : 105/ 76 وأكثر ما نقله المؤلف هنا ينطبق على مدينة شروس، الواقعة في ذلك الجبل. (7) الإدريسي (د/ ب) : 63/ 40. (8) عن الاستبصار: 208، وانظر البكري: 160. (9) لا علاقة لهذه القصة بالمادة ((نفيس)) .

نقمودية:

ابن مضاء اللخمي تبع الخليفة المنصور يعقوب في حركته إلى إفريقية، فلما انتهى إلى القيروان اعتل ابن مضاء واشتاق إلى وطنه قرطبة، وكان من كبار نبهائها، فمما قاله ببلاد العدوة وقد اشتاق إلى وطنه: يا ليت شعري وليت غير نافعة ... من الصبابة هل في العمر تنفيس حتى أرى ناظراً في جفن قرطبة ... وقد تغيب عن عيني تنيس نقيع (1) : بالقاف المنقوطة من فوق، موضع تلقاء المدينة النبوية شرفها الله تعالى، وبينه وبين مكة ثلاث مراحل، وكان عمر رضي الله عنه حماه. نقاوس (2) : من بلاد الزاب، وهي مدينة صغيرة كثيرة الأنهار والثمار والمزارع كثيرة شجر الجوز، منها يحمل إلى قلعة حماد وبجاية وإلى أكثر تلك البلاد، ويتجهز بفواكهها إلى ما جاورها من الأقطار، ولها سوق ومعايش كثيرة، ومنها إلى المسيلة أربع مراحل، وقيل ثلاث، ومنها إلى بسكرة مرحلتان. نقمودية (3) : مدينة في البحر الرومي، وهي القسطنطينية الأولى، بإزائها مدينة في جوف البحر يحسر البحر عنها يوماً في السنة، فيحجون إليها ويقيمون عليها ويتقربون ويهدون إليها، فإذا كان العصر أخذ الماء في الزيادة، وتبادروا بالانصراف، فلا تزال كذلك حتى يغمرها الماء فلا يظهر منها شيء، وبقيت كذلك إلى رأس السنة. نسا: بفتح أوله، هي كورة من كور نيسابور، وقال المسعودي: هي من أرض فارس، وقيل هو موضع بخراسان، وينسب إلها نسائي ونسوي وهو القياس. وهي مدينة (4) حصينة كثيرة المياه والبساتين، وهي في المساحة مثل سرخس، ومياههم مطردة في دورهم وسككهم، ولها رساتيق واسعة ونواح خصيبة. ومنها زهير بن حرب (5) أحد شيوخ مسلم بن الحجاج، وأبو عبد الرحمن النسائي صاحب التصنيف في الحديث المشهور، له قصة عجيبة في ابتداء أمره، ذكرها ابن عساكر تقتضي الرغبة في العلم والحض على طلبه (6) . نسف (7) : من سمرقند إلى كش يومان، ومن كش إلى نسف ثلاث مراحل، ونسف مدينة على مدرج طريق بخارى وبلخ، وهي في مستو من الأرض والجبل منها على نحو مرحلتين مما يلي كش، وبينها وبين جيحون مفازة لا جبل فيها، فينصب منها هذا النهر ويشرع إلى القرى، ودار الإمارة على شط هذا النهر بمكان يعرف برأس القنطرة، ولها ربض واسع وقهندز خراب، والمسجد الجامع فيه، والأسواق مجتمعة ما بين دار الإمارة والجامع، ولها منبران سوى منبرها، وليس لنسف ورساتيقها ماء يسيح إلا هذا النهر، وربما انقطع في بعض السنة. ولنسف (8) سور وربض عامر كبير يحيط به السور، ولها أربعة أبواب، وفي المدينة قهندز ليس بالحصين، وفي ربضها مسجد جامع، وأسواقها في الربض مجتمعة بين دار الإمارة والمسجد الجامع ويتصل نهرها بها من كش، فإذا خرج عن المدينة سقى المزارع وقد ينقطع جريه في بعض السنين الممحلة، ولهم مياه نابعة تسقي الكثير من مزارعهم، والغالب عليها الخصب والسعة والدعة، وبها تجتمع طريق سمرقند. نهاوند: بفتح أوله، من كور الجبل، وهي آخر كور الجبل، من همذان إلى نهاوند مرحلتان، ومنها إلى الكرج مرحلتان. قالوا: ونهاوند ماه البصرة، ومعنى نهاوند صاحب الأساس، وقيل

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1323، وانظر ياقوت (النقيع) . (2) أوله عن الاستبصار: 172، والبكري: 50 (وفيه نقص يخل بالسياق) ، ثم عن الإدريسي (د) : 94. (3) ص ع: نعمولية، ولعلها قمودية في النزهة: 257. (4) نزهة المشتاق: 209، وقارن بالمقديسي: 320، وياقوت (نسا) ، وآثار البلاد: 465. (5) زهير بن حرب أبو خيثمة محدث بغداد توفي سنة 234 (تذكرة الحفاظ: 443) . (6) أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي صاحب السنن، توفي سنة 303 (انظر ترجمته في ابن خلكان 1: 77، وطبقات الببكي 2: 83، وتذكرة الحفاظ: 698، وتهذيب التهذيب 1: 36، وطبقات الاسنوي 2: 480) . (7) انظر ابن حوقل: 314، والمقدسي: 282، وياقوت (نسف) . (8) نزهة المشتاق: 148 وفيه تكرار لما تقدم.

ترجمة نهاوند " وجدت كما هي " سميت بذلك لأنها لم توجد بعد الطوفان قرية فيها بقية سواها. ونهاوند (1) مدينة جليلة على جبل ذات سور طين، ولها بساتين وجنات وفواكه ومتنزهات ومياهها كثيرة وفواكهها تحمل إلى العراق لطيبها وكبرها وبها جامعان أحدهما قديم والآخر محدث، وهي كثيرة الرساتيق والعمارات. وفيها كان اجتماع الفرس لما لقيهم النعمان بن مقرن المزني سنة ثلاث وعشرين. قال الهمداني: لم يوجد مما كان تحت الماء وقت الغرق من القرى قرية فيها بقية سوى نهاوند. وكان عمر رضي الله عنه قال للهرمزان (2) : أما إذ فتني بنفسك فأشر علي، أبفارس أبدأ أو بالجبال: أذربيجان وأصبهان؟ قال: فارس الرأس، والجبال جناحان، فاقطع الجناحين فلا يتحرك الرأس، قال عمر رضي الله عنه: بل أقطع الرأس فلا يقوم جسد ولا جناح ولا رجل. وكتب ابن كسرى إلى أهل الجبال: أصبهان وهمذان وقومس: إن العرب قد ألحوا علي. فاجتمعوا بنهاوند وتعاقدوا على غزو أمير العرب يعنون عمر رضي الله عنه، في بلاده، فكتب أهل الكوفة بذلك إلى عمر رضي الله عنه: فقام على المنبر فقال: أين المسلمون أين المهاجرون والأنصار فاجتمع الناس. فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: إن عظماء أهل الري وأهل أصبهان وأهل همذان وأهل نهاوند وأهل قومس وأهل حلوان، أمم مختلفة ألوانها وألسنتها وأديانها ومللها، وقد تعاقدوا على أن يخرجوا إخوانكم من بلادهم، وأن يغزوكم في بلادكم فأشيروا علي وأوجزوا ولا تطنبوا، فمنهم من صرف الأمر إليه وولاه ما تولى، ليمن نقيبته وخبرته، ومنهم من أشار بأن يتوجه إليهم بأهل الحرمين وأهل اليمن والشام حتى يلتقي الجمع الجمع، ومنهم من أشار بأن يكتب إلى أهل البصرة فليفترقوا ثلاث فرق: فرقة في ديارهم، وفرقة في أهل عهدهم، وتسير فرقة إلى إخوانهم بالكوفة، قال: هذا رأيي وكنت أحب أن أتابع عليه، لعمري لئن سرت بأهل الحرمين ونظر إلي الأعاجم لتنقضن الأرض وليمدنهم من لم يمدهم، وليقولن: أمير العرب إن قطعناه قطعنا أصل العرب. فكتب (3) إلى النعمان بن مقرن وكان بكسكر، وكان قد كتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إنما مثلي ومثل كسكر مثل شاب عند مومسة تلون له كل يوم وتعطر، وأنا أذكرك الله تعالى إلا بعثتني في جيش إلى ثغر غازياً ولا تبعثي جابياً، فندب عمر رضي الله عنه أهل المدينة، فانتدب منهم جمع فوجههم إلى الكوفة وكتب إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه أن يستنفر ثلث أهل الكوفة فيسيروا إلى العجم بنهاوند فقد وليت عليهم النعمان بن مقرن، وكتب إلى أبي موسى رضي الله عنه يستنفر ثلث أهل البصرة إلى نهاوند، وكتب إلى النعمان: إني وجهت جيشاً من أهل المدينة وأهل البصرة وأهل الكوفة إلى نهاوند، وأنت على الناس ومعك في الجيش طليحة بن خويلد وعمرو بن معدي كرب فأحضرهما الناس وشاورهما في الحرب فإن حدث بك حدث فأمير الناس حذيفة، فإن قتل فجرير فإن قتل فالمغيرة بن شعبة. وبعث عمر (4) رضي الله عنه بالكتاب مع السائب بن الأقرع بن عوف وقال له: إن سلم الله تعالى ذلك الجند فقد وليتك مغانمهم ومقاسمهم، فلا ترفعوا لي باطلاً ولا تمنعن أحداً حقه وإن هلك ذلك الجند فاذهب في الأرض فلا أرينك أبداً. فسار جميعهم إلى نهاوند وسار النعمان فتوافوا بنهاوند وبها من الأعاجم ستون ألفاً عليهم ذو الفروة، وهو ذو الحاجب، وقد خندقوا وهالوا في الخندق تراباً قد نخلوه وبعث النعمان طليحة بن خويلد ليعلم علم القوم، فأبطأ حتى ساء ظن الناس به، فعلم علمهم ثم رجع، فلم يمر بجماعة إلا كبروا، فأنكر ذلك منهم، وقال: ما لكم تكبرون إذا رأيتموني؟ قالوا: ظننا أنك فعلت كفعلتك قال: لو لم يكن دين لحميت أن أجزر العرب هذه الأعاجم الطماطم وأخبر الناس بعدة القوم وكثرتهم فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وأقام النعمان أياماً حتى يستجم الناس أنفسهم وظهرهم، ثم

_ (1) نزهة المشتاق: 204، وانظر ياقوت (نهاوند) ، وابن رسته: 166، والمقدسي: 393. (2) الطبري 1: 2600 - 2634 مع إيجاز واختيار. (3) انظر الطبري 1: 2596. (4) انظر الطبري 1: 2598.

دنا من معسكر الأعاجم فاقتتلوا ثم تحاجزوا عن قتلى وجرحى، وتقاتلوا من الغد حتى صبغت الدماء متن الخيل، وتحاجزوا عند المساء، فبات المسلمون يوقدون النيران ويعصبون بالخرق، لهم أنين بالجراح ودوي بالقرآن، وبات المشركون في المعازف والخمور وبهم من الجراح مثل ما بالمسلمين، وأصبحوا يوم الجمعة، فأقبل النعمان معلماً ببياض على برذون قصير، عليه قباء أبيض مصقول وقلنسوة بيضاء مصقولة فوقف على الرايات فحضهم وقال: يا معشر المسلمين، إن هؤلاء قد أخطروا لكم أخطاراً وأخطرتم لهم أخطاراً، أخطروا لنا دنياً (1) وأخطرتم لهم الإسلام، فالله الله في الإسلام أن تخذلوه، فإنكم أصبحتم باباً بين المسلمين والمشركين فإن كسر الباب دخل على الإسلام، ليشغل كل امرئ منكم قرنه ولا يجعله على صاحبه فإنه لؤم وخذلان ووهل وفشل، وإني هاز الراية، فإذا هززتها فلتأخذ الرجال أهبتها، وليتعهد أصحاب الخيل أعنتها وحزمها، فإذا هززتها الثانية فليعرف كل امرئ منكم مصوب رمحه وموضع سلاحه ووجه مقاتله، فإذا هززتها الثالثة وكبرت فكبروا واستنصروا الله تعالى واذكروه، وإذا حملت فاحملوا، فقال رجل من أهل العراق: قد سمعنا مقالتك أيها الأمير، ونحن واقفون عند قولك، منتهون إلى رأيك، فأول النهار أحب إليك أو آخره؟ قال: آخره، حين تهب الرياح وتحل الصلاة وينزل النصر لمواقيت الصلاة، فأمهل الناس حتى إذا زالت الشمس هز الراية، فقضى الناس حوائجهم وشدت الرجال مناطقها ونزع أصحاب الخيل المخالي عن خيلهم وقرطوها أعنتها وشدوا حزمها وتأهبوا للحرب، ثم أمهل حتى إذا كان في آخر الوقت هزها وصلى الناس ركعتين، وجال أصحاب الخيل في متونها وصوبوا رماحهم فوضعوها بين آذان خيولهم، وأقبلت الأعاجم على براذينهم عليهم الرايات المدبجة والمناطق المذهبة، ووقف ذو الحاجب على بغلته، فإنه زي الأعاجم وهم في حربهم، وإن لأقدامهم في ركبهم لزلزلة، وإن الأسوار ليأخذ النشابة فما يسدد الفوق للوتر وما يتمالك أن يضعها على قوسه، فقال النعمان: يا معشر المسلمين، إني هاز الراية الثالثة، وحاملاً فاحملوا ولا يلو أحد على أحد، وإن قيل قتل النعمان فلا يلوين أحد على أحد، وإني داع بدعوة، فعزمت على كل رجل منكم إلا قال: اللهم أعط النعمان اليوم الشهادة في نصر المسلمين وافتح عليهم. ثم نثل درعه وهز الراية وكبر فكبر الأدنى فالأدنى ممن حوله حتى عشيهم التكبير من السماء، وصوب رايته كأنها جناح طائر وحمل وحمل الناس، فكان أول صريع، ومر به معقل بن يسار فذكر دعوته ألا يلوي أحد على أحد، فجعل علماً عنده، ومر أخوه سويد بن مقرن أو نعيم فألقى عليه ثوباً كيلا يعرف ونصب الراية وهي تقطر دماً قد قتل بها قبل أن يصرع وسقط ذو الحاجب عن بغلته فانشق بطنه، وانهزم المشركون فاتبعوهم يقتلونهم كيف شاءوا. قال بعض من حضر ذلك اليوم: إني لفي الثقل فثارت بيننا وبين القوم عجاجة قسطلانية، فجعلت أسمع وقع السيوف على الهام، ثم كشطت فإذا المسلمون كالذئاب تتبع الغنم. واتبعتهم طائفة من المسلمين حتى دخلوا مدينتهم، ثم رجعوا وحوى المسلمون عسكرهم، ورجع معقل بن يسار فسار إلى النعمان بعد انهزام المشركين، ومعه إداوة فيها ماء، فغسل التراب عن وجهه، فقال: من أنت؟ قال: معقل بن يسار، قال: ما فعل الناس؟ قال: فتح الله عليهم قال: الحمد لله اكتبوا بذلك إلى عمر رضي الله عنه، وفاضت نفسه، فاجتمع الناس وفيهم ابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم، فأرسلوا إلى أم ولده فقالوا: عهد إليك عهداً؟ فقالت: هاهنا سفط فيه كتاب، فأخذوه فإذا كتاب عمر رضي الله عنه إلى النعمان: إن حدث بك حدث فالأمير حذيفة، فإن قتل ففلان، فإن قتل ففلان، فتولى أمر الناس حذيفة رضي الله عنه، فأمر بالغنائم فجمعت ثم سار إلى مدينة نهاوند، وحملت تلك الغنائم إلى عسكرهم، وحضر أهل المدينة فقاتلوهم، فبينا هم يطاردونهم إذ لحق سماك بن عبيد عظيماً من عظمائهم يقال له دينار، فسأله الأمان فأمنه فأدخله على حذيفة رضي الله عنه، فصالحه عن البلد على ثمانمائة ألف وشيء من العسل والسمن، وقال: إن لكم الوفاء بالعهد، وأخاف عليكم خمسة أشياء: الخب والبخل والغدر والخيلاء والفجور من قبل القبط والروم وفارس ومن قبل أهل الأهواز. وأتى (2) السائب بن الأقرع دهقان وقد جمعت الغنائم فقال: أتؤمنني على دمي ودماء قرابتي وأدلك على كنز النخيرجان، لم تجلبوا عليه في الحرب فيقسم وتجري عليه السهام، ولم تحرزوه بجزية أقاموا عليها، وإنما هو دفين دفنوه وفروا عنه فتأخذه لصاحبكم، يعني عمر رضي الله عنه، تخصه به؟ فقال: أنت

_ (1) لعلها وينة؛ إذ جاء في الطبري: 2623 الرئة. (2) الطبري: 2599، 2627.

النهروان:

آمن إن كنت صادقاً، قال: فانهض معي، فنهض معه فانتهى إلى قلعة، فرفع صخرة ودخل غاراً فاستخرج سفطين، فإذا قلائد منظومة بالدر والياقوت وقرطة وخواتيم وتيجان مكللة بالجوهر، فأمنه ثم أتى به حذيفة رضي الله عنه فأخبره، فقال: اكتمه فكتمه حتى قسم الغنائم بين الناس، وعزل الخمس. ثم خرج السائب مسرعاً فقدم على عمر رضي الله عنه، فقال له ما وراءك؟ فوالله ما نمت هذه الليلة إلا تغريراً، إذ ما أتت علي ليلة بعد الليلة التي أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ميتاً أعظم من هذه الليلة قال: أبشر بفتح الله ونصره وحسن قضائه لك في جنودك، ثم اقتص الخبر حتى انتهى إلى قتل النعمان فقال: إنا لله، يرحم الله النعمان، ثم مه؟ قال: ثم والله ما أصيب بعده رجل يعرف وجهه، فقال: لا أم لك ولا أب، قتل الضعفاء الذين لا يعرفهم عمر ابن أم عمر، وأكب طويلاً يبكي ثم قال: أصيبوا لضيعة؟ قال: لا ولكن أكرمهم الله بالشهادة وساقها إليهم، قال: ويحك، أغلبتم على أجساد إخوانكم أم دفنتموهم. قال: دفناهم، قال: فأعطيت الناس حقوقهم؟ قال: نعم، فنهض عمر رضي الله عنه، فأخذ السائب بثوبه وقال: حاجة، قال: ما حاجتك إذا أعطيت الناس حقوقهم؟ قال: حاجة لك وإليك، فجلس، وأخذ السائب الغرارة فأخرج السفطين ففتحهما فنظر إلى ما فيهما كأنه النيران يشب بعضه بعضاً، فقال عمر رضي الله عنه: ما هذا؟ فأخبره، فدعا علياً وعبد الله بن أرقم وغيرهما فختموا على السفطين وقال له: اختم معهم، فختمه، وقال لعبد الله بن أرقم: ارفعه، ورجع السائب. فرأى عمر رضي الله عنه ليالي كالحيات يردن نهشه، فسرح رجلاً وكتب إلى السائب: إن صادفك رسولي في الطريق فلا تصلن إلى أهلك حتى تأتيني، وإن وصلت إلى أهلك فعزمة مني إليك، إذا قرأت كتابي هذا أن تشد على راحلتك وتقبل إلي. وكتب إلى عمار رضي الله عنهما: لا تضعن كتابي هذا حتى يرحل السائب إلي، وأمر الرسول أن يعجله، فقدم الرسول فقال له السائب: أبلغه عني شيء أم به علي سخطة؟ قال: ما رأيت ذلك، ولا أعلمه بلغه عنك خير ولا شر، وركب فقدم على عمر رضي الله عنه فقال له: يا ابن أبي مليكة، يا ابن الحميرية، ما لي ولك، أم ما لك ولي، ثكلتك أمك، ما الذي جئتني به؟ فلقد بت مما جئتني به مروعاً أظن الحيات تنهشني، أخبرني عن السفطين، قال: والله لئن أعدت عليك الحديث، فزدت حرفاً أو نقصت، لأكذبن، قال: إنك لما انصرفت فأخذت مضجعي لمنامي أتتني ملائكة فأوقدوا علي سفطيك جمراً ودفعوهما في نحري، وأنا أنكص وأعاهدهم أن أردهما فأقسمهما على من أفاءهما الله عليه، فكاد ابن الخطاب يحترق، ثم لم أزل مروعاً أظن الحيات ينهشنني، فاردد هذين السفطين فبعهما بعطاء الذرية والمقاتلة أو نصف ذلك، واقسم منهما على من أفاءهما الله عز وجل عليه، وقيل، قال له: بعهما واجعل ثمنهما في أعطية المسلمين بالبصرة والكوفة، فإن خرج كفافاً فذلك، فإن فضل فاجعله في بيت مال المسلمين (1) ، فقدم السائب بهما فاشتراهما عمرو بن حريث بعطاء الذرية والمقاتلة، وقيل اشتراهما بأعطية أهل المصرين، فباع أحدهما من أهل الحيرة بما أخذهما به واستفضل الآخر. وقال بعضهم: استفضل مائة ألف دينار، فكان أول مال اعتقده. ولما انهزم أهل نهاوند جعلوا يسقطون في ذلك الخندق الذي هالوا فيه التراب المنخول فيغرقون في ذلك، وكان يقال لفتح نهاوند فتح الفتوح، قال موسى بن عقبة عن أخيه: قدمت البصرة فرأيت بها شيخاً أصم، فقلت: ما أصابك. قال: أنا من أهل نهاوند، لما نزل المسلمون عندما نزلوا عليها كبروا تكبيرة ذهب سمعي منها. وفي الروايات عن فتح نهاوند اختلاف كثير، فلنقتصر منه على هذا. النهروان (2) : بالعراق، مدينة صغيرة من بغداد إليها مشرقاً أربعة فراسخ، ويقال بضم الراء وفتحها وكسرها مع النون، ويقال بضم النون والراء معاً أربع لغات، ولها نهر جليل تجري فيه المراكب العظام ينبعث من جبال أرمينية ويستمد من القواطل، فإذا صار بباب كسرى سمي النهروان، وفي الجانب الغربي منها أسواق ومسجد جامع ونواعر تسقي أرضها، وفي الجانب الشرقي مسجد جامع أيضاً وأسواق، وحول المسجد خانات ينزلها الحاج والميارة. وعليها كانت الوقيعة بين علي رضي الله عنه وبين الخوارج

_ (1) سقط من ع. (2) انظر ابن رسته: 90، 163، ومعجم البكري 4: 1336، ونزهة المشتاق: 202، والمقسي: 121، وياقوت (النهروان) .

نهروارة:

إذ خرجوا عليه وقالوا له: حكمت الرجال في دين الله تعالى، ما كان لك ذلك، يعنون أنه رضي ببعث الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاصي رضي الله عنهما، ففارقوه، والخبر مشهور. نهر تيرى (1) : من كور الأهواز، مدينة صالحة القدر عامرة بالديار والأسواق، كثيرة الخيرات، وبها طرز تتخذ منها ثياب حسنة، قالوا: وبها دار لا تعمر، وكل من يسكنها لا يلبث فيها أكثر من يوم واحد ولا يجاوز الليلة إلى الغد. نهر معقل: بالبصرة ينسب إلى معقل بن يسار، وكان ابن زياد بن أبيه حفره وأمر معقلاً ففتحه تيمناً بصحبته، فنسب إليه. نهروارة (2) : مدينة في بلاد الهند ملكها عظيم يسمى بلهرا له جيوش وفيلة، عبادته صنم البد، وهو يحمل تاج الذهب على رأسه ويلبس الحلل المنسوجة بالذهب، ويركب الخيل في سائر الأيام، ويركب في كل جمعة مرة، ويركب حوله نحو مائة امرأة، ولا يمشي معه أحد سواهن، وقد لبسن القراطق المذهبة وتحلين بأحسن الحلية واحتملن الأساور من الذهب والفضة في أيديهن وأرجلهن، وأسبلن شعورهن على أردافهن وهن يتدافعن ويتلاعبن والملك يقدمهن، فأما جملة وزرائه وعظماء رجاله فلا يركبون معه إلا إذا خرج محارباً لمن قام عليه أو اهتضم شيئاً من عمالاته، أو إلى من قصده من الملوك المجاورين له، وله الفيلة الكثيرة، وهي عمدة حربه. ويصل نهروارة كثير من تجار المسلمين، وللمسافرين بها إكرام من ملوكهم وضبط لما بأيديهم، وبسط العدل في أهل الهند طبيعة لا يعولون على شيء سواه، ولفضل عدلهم وحسن سيرتهم ذكروا هم وأهل تلك البلاد بخير، وكثر القاصد إليهم، فبلادهم عامرة وأحوالهم ناجحة وادعة، ومن انقياد عوامها للحق واتباعهم له وكراهيتهم للباطل أن الرجل منهم يكون له عند آخر حق فيلقاه حيث لقيه فيخط له خطاً في الأرض كالحلقة، يدخله الطالب في تلك الحلقة فيدخلها المطلوب طائعاً ولا يبرح منها إلا بإنصاف خصمه، أو يعفو عنه الذي له الحق، فيخرج من الحلقة. وطعام أهل نهروارة الأرز والحمص والباقلا واللوبيا والعدس والماش والسمك والحيوانات التي تموت موتاً طبيعياً، ولا يذبحون طائراً ولا حيواناً، فأما البقر فإنها محرمة عليهم، فإذا ماتت دفنت دون سائر البهائم. وأهل الهند يحرقون موتاهم ولا قبور لهم، فإذا مات الملك قطعت له عجلة عريضة ارتفاعها على الأرض مقدار شبرين وتوضع على العجلة قبة مكللة، ويوضع الملك عليها ويطاف به في المدينة كلها تجره عبيده، ورأسه مكشوف لمن يراه وشعره ينجر على تراب الأرض، وينادي عليه مناد بلسان الهند: أيها الناس هذا ملككم فلان ابن فلان، عاش في ملكه فارحاً قادراً كذا وكذا سنة، وها هو ذا قد مات وفتح يده بما معه، لا يملك من ملكه شيئاً ولا يدفع عن جسمه أذى، ففكروا فيما أنتم إليه صائرون وإليه راجعون، كل هذا باللغة الهندية، فإذا فرغ من التطواف به أخرج إلى مكان النار التي من عادتهم أن يحرقوا بها الموتى، موتى ملوكهم، فيلقونه في النار حتى يحترق. وأهل الهند لا يحزنون كثيراً ولا يقومون بالهموم جملة، وجملة البلاد الهندية المجاورة للسند الذين قد مازجهم المسلمون يدفنون موتاهم في بيوتهم بالليل تستراً، ويسوون التراب عليهم ولا يبكون ميتاً ولا يحزنون عليه كثيراً. والزنا في جميع بلاد البلهرا مباح إلا في المزوجات، والرجل إن ارتضى نكاح ابنته أو أخته أو خالته أو عمته، ما لم يكن مزوجات فعل. النوشجان (3) : من بلاد فارس وفيها شعب بوان، فيه شجر الجوز والزيتون والكروم وغير ذلك من الفواكه، وهو أحد المواضع المشهورة بالحسن، وفيه يقول المتنبي: مغاني الشعب طيباً في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزمان ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان

_ (1) عن نزهة المشتاق: 124، وانظر ياقوت. (2) ص ع: نهراوة، والتصويب عن الإدريسي (ق) : 59 (OG: 188) وعنه ينقل المؤلف المادة كلها، وترد عند ابن بطوطة: 453، 497 باسم ((مهروالة)) . (3) انظر ياقوت (النوشجان) وقد ذكر موضعين آخرين بهذا الاسم.

نول لمطة:

نول لمطة (1) : من بلاد السوس الأقصى بالمغرب، بينها وبين وادي السوس الأقصى ثلاث مراحل، ومنها إلى البحر ثلاثة أيام، وبينها وبين سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة وفيها جزولة ولمطة. ومدينة نول إحدى مدن الإسلام، وهي مدينة كبيرة في أول الصحراء على نهر كبير يصب في البحر المحيط، وعليه قبائل لمطة ولمتونة، ومن مدينة نول إلى وادي درعة نحو ثلاث مراحل، وإنما سميت نول لمطة لأن قبيل لمطة يسكنونها، وماؤها جار، وهي آخر بلاد السوس، ومن أراد الدخول من وادي درعة إلى بلاد السودان، غانة وغيرها، فيمشي من وادي درعة نحو خمس مراحل إلى وادي تركى (2) ، وهو أول الصحراء ثم يسير في جبال وعرة في طريق قد فتحت في حجر صلد بالنار والخل من عمل الأول ويزعم قوم أن ملوك بني أمية فتحوها، وهذه الطريق من إحدى عجائب العالم ومنها إلى جبل يسمى جبل الحديد ومن هذا الجبل يدخل إلى بلاد لمتونة، وأكثر لمتونة إنما هم رحالة لا يستقر بهم موضع، ولا يعرفون الحرث ولا الزرع ولا الخبز، وإنما لهم الأنعام الكثيرة فعيشهم من لبنها ولحمها، فهم يجففون اللحم ويطبخونه ويصبون عليه الشحم المذاب أو السمن ويأكلونه ويشربون عليه اللبن قد غنوا به عن الماء، فيبقى الرجل منهم الأشهر لا يشرب ماء ولا يأكل خبزاً، وربما نفذ عمره ولا يأكل خبزاً ولا يعرفه، وصحتهم مع ذلك متمكنة، وربما مرت بهم القوافل فيتحفون ملوكهم ورؤساءهم بالخبز والدقيق. وببلادهم (3) يكون اللمط الذي تعمل من جلوده الدرق فلا شيء أبدع منها ولا أصلب ظهراً، وبها يقاتل أهل المغرب لحصانتها وخفة محملها، وتصنع بهذه المدينة السروج وأقتاب الإبل، وتباع بها الأكسية السفسارية والبرانس التي يباع الواحد منها بخمسين ديناراً، والبقر والغنم عندهم كثيرة، والألبان والسمن، وإليها يلجأ أهل تلك الجهات في مهم حوائجهم. وهذا الحيوان (4) المسمى باللمط دابة دون البقر لها قرون رقاق حادة تكون لذكرانها وإناثها، وكلما كبر هذا الحيوان طال قرنه حتى يكون أزيد من أربعة أشبار، وأجود الدرق وأغلاها ثمناً ما عمل من جلود الإناث المسنات التي قد طالت قرونها لكبر سنها حتى منعت الفحل أن يعلوها. وببلادهم أيضاً الفنك كثير، ومن عندهم تحمل جلودها إلى جميع البلاد، وعندهم الكباش الدمانية، وهي على خلقة الضأن إلا أنها أعظم وشعرها كشعر المعز لا صوف عليها، وهي من أحسن الغنم خلقاً وألواناً. والريحان في بلاد الصحراء وفي بلاد السوس عزيز لأن بلادهم لا تنبته، وهو عندهم من أطيب الطيب. ومن عجائب (5) هذه الصحراء أن بها معدن ملح تحفر عنه الأرض كما تحفر عن سائر المعادن، ويوجد الملح تحت قامتين أو دونهما من وجه الأرض فيقطع كما تقطع الحجارة وعلى هذا المعدن حصن مبني بالحجارة المخرجة من المعدن وجميع ما فيه من بيوت وغرف ومساكن إنما هو مبني بحجارة الملح، وبهذا الملح يتجهز إلى بلاد السودان، غانة وغيرها، وله غلة عظيمة، وبإزاء معدن الملح الماء العذب الطيب أخبر بذلك من عاينه. ومن مدينة نول إلى وليلي وهو موضع على شاطئ البحر المحيط بالقرب منه جزيرة في البحر لا يوصل إليها إذا مد البحر إلا في المراكب، وعند الجزر يوصل إليها على القدم، ويوجد فيها العنبر كثيراً، وأكثر معاش أهلها من لحوم السلاحف، وهي أكثر شيء في ذلك الموضع وهي مفرطة العظم وربما دخل الرجل في محار ظهورها يصيد في البحر كالقارب، وفي هذه الجزيرة أغنام كثيرة ومواش، وهي منتهى المراكب وآخر مراسي المغرب، ومن مدينة نول إلى هذه الجزيرة على البر لا يفارق الساحل مسيرة شهرين في أرض محجرة تنبو عنها المعاول ويكل فيها الحديد، وإنما يشرب من يمر على ذلك الطريق من حفر يحفرونها عند جزر البحر فتنبع ماء عذباً، وهو من العجائب، وإذا مات للمارين بهذا الطريق ميت لم يمكنهم مواراته بالتراب لصلابة الأرض وامتناعها عن الحفر فيسترونه بالحطام والحشيش ويقذفونه في البحر. النوبهار (6) : هو بيت نار بناه منوشهر الهندي بمدينة بلخ من خراسان على اسم القمر وكان من يلي سدانته تعظمه الملوك وتنقاد إليه وتحمل إليه الأموال، وسمة المتولي بسدانته برمك، وسميت

_ (1) بدأ المادة بالنقل عن البكري: 161، ثم عن الاستبصار: 213، ثم الإدريسي (د) : 59. (2) البكري 163: تارجا. (3) عن الاستبصار ثم عن البكري. (4) عاد إلى النقل عن الاستبصار. (5) لا يزال النقل عن الاستبصار مستمراً. (6) قارن بياقوت (النوبهار) .

نوابية:

البرامكة لأن خالداً كان من ولد من ولي هذا البيت، وكان بنيانه من أعلى المباني تشييداً، تنصب في أعلاه شقق الحرير الأخضر، طول الشقة مائة ذراع لتدفع عنه قوة الريح، فيذكر أن الريح خطفت يوماً بعض تلك الشقق فرمت به على مسافة خمسين فرسخاً، وهذا يدل على ذهابه في الجو. وعلى باب النوبهار كتاب بالفارسية: قال بيوراسف: أبواب الملوك تحتاج إلى خصال: عقل وصبر ومال، وتحت هذه الكتابة مكتوب بالعربية: كذب بيوراسف، الواجب على الحر إذا كان معه واحدة من هذه الخصال ألا يلزم باب السلطان. نوابية (1) : إليها ينسب النوبة وبها عرفوا، وهي مدينة صغيرة وأهلها مياسير، ولباسهم الجلود المدبوغة وأزر الصوف ومنها إلى النيل أربعة أيام، وشرب أهلها من الآبار، وطعامهم الذرة والشعير، ويجلب إليهم التمر، والألبان عندهم كثيرة، وفي نسائهم جمال فائق ولهن أعراق طيبة ليست من أعراق السودان في شيء. وجميع بلاد النوبة في نسائهم جمال وكمال وشفاههم (2) رقاق وأفواههم صغار ومباسمهم بيض وشعورهم سبطة، وليس في جميع السودان والزنوج والحبشة والبجاة وغيرهم من شعور نسائهم كشعور نساء النوبة فإنها سبطة مرسلة، ولا أحسن للجماع منهن ويبلغ ثمن الجارية منهن ثلثمائة دينار، ولهذه الخلال التي فيهن يرغب فيهن ملوك مصر، فيتنافسون في أثمانهن ويتخذونهن أمهات أولاد لحسنهن وطيب مباضعتهن. نيكث (3) : مدينة من عمل الشاش جليلة المقدار كثيرة العمار والتجارات الواسعة والخيرات، وعليها سور حصين، ولها مياه جارية ومتنزهات، وبخارجها ربض عليه سور حصين وأكثر أسواقها العامرة في الربض. نيطس (4) : بحر نيطس متصل من جهة جنوبه ببلاد اللازقة إلى أن يتصل بالقسطنطينية، وطوله ألف ميل وثلثمائة ميل، وعرضه ثلثمائة ميل، وأعرض موضع فيه يكون أربعمائة. وبحر نيطس هو بحر أمم من الترك والبرغز والروس وغيرهم، وهو يمر من الشمال من ناحية اللازقة ثلثمائة ميل، وهي وراء القسطنطينية، ويتصل هذا البحر من بعض جهاته ببحر الخزر. وفي بحر (5) نيطس جزيرتان عامرتان: إحداهما يصاد بها الحوت المسمى شهربا (6) ، وهو نوع من السقنقور يصاد عند هيجان البحر في مرسى بغربي الجزيرة يفعل مثل الذي يفعله السقنقور في الباه بل هو أجود وأفضل، فإن الصائد إذا رمى شبكته وتعلق بها هذا الحوت أنعظ إنعاظاً شديداً خارجاً عن العادة فيعلم به الصائد من قبل أن يراه، وهو قليل الوجود، ومقدار هذا الحوت من ذراع إلى شبر بلا زائد، يملح بعد التشريح بالملح والزنجبيل ويلف في أوراق الأترج ويهدى إلى الملوك الساكنين بتلك الأرض فيجيزون عليه، ومقدار ما يمسك منه الآخذ تحت لسانه وزن قيراط لا غير، وهذا عندهم صحيح معلوم. نينوى (7) : كورة من كور الموصل من عمل الجزيرة، وهي مقابلة للموصل بينهما دجلة، وإلى أهلها بعث يونس بن متى عليه السلام، وكان قومه يعبدون الأصنام فكان من أمره وأمر قومه ما نصه الله تعالى في كتابه " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا "، وهي مدينة أيوب عليه السلام، وهي عامرة وفيها عين ثرة وهي التي استحم فيها أيوب عليه السلام وتطهر وغسل نفسه من البلاء الذي كان به ينزل إليها في درج وليس بهذه المدينة أشجار، وهناك عين تعرف بعين يونس، ويأوي إلى المسجد النساك. وأول من بنى هذه المدينة ملك يقال له بسوس كان ملكه من

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 13/ 13 (OG: 30 نوابة) ، وانظر ابن الوردي: 36. (2) وردت العبارة على التأنيث في (د/ ب) والتذكير في (OG) . (3) كذا هي صورة هذا الاسم عند الإدريسي في نزهة المشتاق: 217 وعنه ينقل المؤلف، ولكن ترتيب الإدريسي لمدن الشاش متابع لابن حوقل: 416، والكرخي: 185 واللفظة عندهما بنكث (Binkath) . وانظر ياقوت (بنكث) ، والمقدسي: 276، وقد تصحفت اللفظة على المؤلف؛ ويقول ياقوت: إنه وجدها ((بيكث)) بخط البشاري (المقدسي) . (4) هو كذلك في أكثر المصادر، ويبدو أنه تصحف قديم للفظة بنطس (Pontus) ، قارن بمروج الذهب 1: 260 - 262، والتنبيه والإشراف: 66، وابن رسته: 85، وابن خرداذبه: 103، وقد ذكر ياقوت (بنطس) : أنه وجده كذلك بخط البيروني. (5) عن نزهة المشتاق: 310. (6) نزهة المشتاق: شهرباو. (7) أكثر المادة عن مروج الذهب 2: 92 - 95، وانظر ابن حوقل: 196، والزيارات للهروي: 70، ورحلة ابن جبير: 236، وآثاتر البلاد: 477، وياقوت: (نينوى) ، وابن الوردي: 29، ورحلة ابن بطوطة: 235.

النيل:

شاطئ دجلة إلى أرمينية إلى بلاد أذربيجان إلى حد الجزيرة والجودي، وكان ملك الموصل محارباً لملك نينوى، ثم غلب ملك الموصل على نينوى، ورجعت جميع هذه الممالك إلى ملوك فارس، حتى أتى الله بالإسلام، وقد خربت وآثار سورها بينة وأصنام من حجارة مكبوبة على وجوهها. ومن متأخري علماء نينوى محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النواوي صاحب كتاب " الأذكار المسبحة في الليل والنهار (1) " و " شرح كتاب مسلم " و " شرح المهذب " توفي بنينوى سنة ست وسبعين وستمائة. وذكر ابن عساكر أن الحسين بن علي رضي الله عنهما قتل بنينوى، وحكي عن بعضهم أنه كان مع علي رضي الله عنه وهو ذاهب إلى صفين، فسمعه لما حاذى نينوى يقول: صبراً أبا محمد صبراً أبا محمد، فقلت: من أبو محمد يا أمير المؤمنين؟ فقال: الحسين، يقتل هاهنا. النيل: مدينة بين الكوفة وواسط. ونيل مصر من سادات الأنهار وأشراف البحار فإنه يخرج من الجنة على ما في الخبر: إن النيل وسيحان يخرجان من الجنة، وهو من عجائب العالم إذ لا يعرف له منبع. ومن الناس من يقول (2) : أنه ينبع من تحت جبل القمر وراء خط الاستواء بسبع درجات ونصف درجة، يخرج من اثنتي عشرة عيناً هناك، فيجتمع في بحيرتين هنالك كالبطائح، ثم يتشعب من كل بطيحة ثلاثة أنهار تجتمع جميعها إلى بطيحة من الإقليم الأول، فيخرج من هذه البطيحة نيل مصر وغيره من الأنهار الكبار، وذلك في البلاد المحترقة الجنوبية التي لا يكون فيها نبات ولا حيوان لقرب الشمس من ذلك الموضع قيل فينبعث نيل مصر في رمال وجبال، ثم يخترق أرض السودان ما يلي بلاد الزنج، ثم ينبعث منه خليج يشق بلاد الزنج ويصب في بحر الزنج وتظهر في هذا الخليج الزيادة التي تظهر في نيل مصر. وفيه التمساح الكائن في نيل مصر، والحيوان الذي (3) يسمى الورل الذي يكون في الصحراء والبراري إنما أصله من التمساح، وذلك أن التمساح يخرج من النيل ليسرح على الساحل، فربما جزر عنه الماء فيبقى في البر فيتناسل فيكون منه الورل المشهور، والتمساح لا يوجد إلا في نيل مصر أو في نهر أصله من ماء واحد مع نيل مصر. وفي نيل مصر السمك الرعاد، من صاده لم تزل يده ترعد ما دام في شبكته، وعلى النيل جبل يراه أهل تلك الجهة وفيه صدع من انتضى سيفه ثم أولجه فيه وقبض على مقبضه بيده جميعاً اضطرب السيف في يديه فارتعد فلا يقدر على إمساكه ولو كان أشد الناس، وإذا حد بحجارة هذا الجبل سكين أو سيف لا يؤثر فيه حديد أبداً وجذب الإبر والمسال أشد جذباً من المغنيطس، ولا يبطل الثوم عمله كما يبطل المغنيطس، وحجر الجبل نفسه لا يجذب الحديد وإن حد عليه حديد جذب ذلك الحديد وهذا من العجب. ويقال إن نيل مصر يجري على وجه الأرض سبعمائة فرسخ أو تسعمائة ويخرج في غير عمران مسيرة أربعة أشهر، وفي بلاد السودان مسيرة شهرين، وفي بلاد مصر مسيرة شهر، من أسوان إلى أن يصب في البحر بحلق رشيد بشرقي الإسكندرية. وذكر هروشيوش الرومي في تاريخه أن من منبعثه إلى موقعه ثلثمائة ألف وتسعين ألفاً وتسعمائة وثلاثين ميلاً. والنيل مخالف لكل نهر من أنهار الأرض لأن كل نهر يستقبل الجنوب والنيل يستقبل الشمال، فهو مخالف لجميع أنهار الأرض كلها وعلة ذلك أن منبعثه من الجنوب، قال الشاعر: مصر ومصر شأنها عجيب ونيلها تجري به الجنوب قيل: وليس في الدنيا نهر يسمى بحراً ويماً غير النيل، قال تعالى " فإذا خفت عليه فألقيه في اليم " والعرب تسميه البحر، وليس في الدنيا نهر يفيض على الأرض فيزرع عليه ويغني عن المطر غير نيل مصر. وقيل: بلاد مصر ثلاثة أشهر درة

_ (1) سماه صاجحب كشف الظنون: حلية الأبراروشعار الأخبار في تلخيص الدعوات والأذكار، ولم يقل أحد إن الشرف النواري ينسب إلى نينوي، وإنما نسبته إلى نوى، وهي بلدة بالشام، وقال ياقوت: بحوران (والتعريف متقاربان) ؛ والنسبة إليها نواوي ونوائي ونووي - انظر: التاج (موى) ، وطبقات السبكي 5: 165، ونوى أيضاً قرية بسمرقند، ولكن لا صلة لأبي زكريا بها. (2) عن الاستبصار: 45، وانظر ياقوت: (النيل) ، وابن الوردي: 29. (3) زيادة توضيحية ليست في الاستبصار.

بيضاء، وثلاثة أشهر مسكة سوداء وثلاثة أشهر زمردة خضراء وثلاثة أشهر سبيكة حمراء، وتفسير ذلك أن النيل إذا استوى عم جميع الأرض من بلاد مصر فتبقى قراها وضياعها في رواب وتلال كأنها الكواكب ويتصرف الناس بينها في الزواريق، فتكون الأرض كدرة بيضاء ويمكث عليها ثلاثة أشهر فإذا نضب عنها الماء أخذ الحراثون في بذر الزرع فتمكث الأرض سوداء إلى أن ينبت الزرع وتظهر خضرته ثلاثة أشهر فكأن الأرض مسكة سوداء وأيضاً فإنه تفوح فيها روائح طيبة عطرة، فإذا كبر الزرع وظهرت خضرته كانت الأرض كأنها زبرجدة خضراء، وبقيت كذلك ثلاثة أشهر إلى أن يصفر الزرع (1) ، وييبس ويتناهى فتكون الأرض عند ذلك كأنها سبيكة ذهب حمراء وبقيت كذلك ثلاثة أشهر حتى يتم الحصاد. وذكر أن مصر في كتب الأوائل مصورة، وسائر البلاد مادة إليها أيديها تستطعمها، يريد أنها أكثر بلاد الله زرعاً. وليلة الغطاس (2) بمصر أعجب شيء وهي لعشر يمضين من كانون الآخر، وهو شهر ينير، وحينئذ ينتهي مد النيل ويأخذ في الانحطاط. وأصفى ما يكون ماء النيل في ذلك الوقت، ولهذه الليلة بمصر شأن عظيم، يخرج الناس أجمعون بتلك الليلة لمشاهدتها، ويعدون ما قدروا عليه من الأطعمة والأشربة، ويلبسون أحسن ملابسهم، ويظهرون ما أمكنهم من الجواهر وأواني الذهب والفضة، وأحضروا جميع الملاهي، ويدخل الناس في الزواريق وبعضهم في الدور المشرفة على النيل، يستعملون المشاعل والشمع الكثير، فيحرق بمصر تلك الليلة من الشمع ما لا يحصى، والناس على شطوط النيل في الزواريق وفي الدور المشرفة على النيل بالطبول والأبواق وجميع الملاهي، وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأكملها سروراً، ويغطس أكثر الناس في النيل، ومن لم يغطس يرش عليه من الماء، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض. وذكر محمد بن محمد بن ادريس (3) أن النيل على قسمين: القسم الأول نيل مصر يشق أرضها من الجنوب إلى الشمال وأكثر مدن مصر على ضفتيه معاً، والقسم الثاني من النيل يمر من جهة المشرق إلى أقصى المغرب، وعلى هذا القسم من النيل جميع بلاد السودان أو أكثرها، وهذان القسمان مخرجهما من جبل القمر فوق خط الاستواء بست عشرة درجة، وان مبدأ النيل من هذا الجبل من عشر عيون فأما الخمسة الأنهار منها فإنها تصب وتجتمع في بطيحة كبيرة، والخمسة الأنهار الأخر تنزل أيضاً من الجبل إلى بطيحة أخرى كبيرة، ويخرج من كل واحدة من هاتين البطيحتين ثلاثة أنهار فتمر بأجمعها إلى أن تصب في بطيحة كبيرة جداً (4) وتفترق منها الأنهار فيخرج ذراع من النيل واحد فيمر في جهة المغرب وهو قبلي بلاد السودان الذي عليه أكثر بلادها، ويخرج منه ذراع آخر فيمر إلى جهة الشمال، ويشق في بلاد النوبة وبلاد أرض مصر وينقسم في أسفل أرض مصر على أربعة أقسام فثلاثة منها تصب في البحر الشامي، وقسم واحد يصب في البحيرة الملحة التي تنتهي إلى قرب الاسكندرية، وبين هذه البحيرة والإسكندرية ستة أميال وهي لا تتصل بالبحر بل هي من فيض النيل ومع الساحل قليلاً. وذكر قدامة (5) أن جرية النيل من مبدأه إلى مصبه في البحر الشامي خمسة آلاف ميل وستمائة ميل وأربعة وثلاثون ميلاً، وعرض النيل في بلاد النوبة ميل واحد، وعرضه قبالة مصر ثلث ميل. وفي البطيحات الصغار وما بعدها من النيل التمساح وفيها الحوت المسمى بالخنزير، وهو ذو خرطوم أكبر من الجاموس ويخرج إلى الجهة المجاورة للنيل فيرعى الزرع بها ويرجع إلى النيل، وفي النيل سمكة مدورة حمراء الذنب يقال لها اللاش لا تظهر فيه إلا بذرة، وهي كثيرة اللحم طيبة الطعم، وفيه أيضاً سمك يسمى الابرميس (6) ، وهو حوت أبيض مدور أحمر الذنب يقال إنه ملك السمك وهو طيب الطعم لذيذ يؤكل طرياً ومملوحاً إلا أنه لطيف، وفيه أيضاً الراي (7) وهو سمك كبير لونه أحمر فيه كبير وصغير، وفيه سمك يقال له البني كبير عجيب الطعم في الواحد منه خمسة أرطال وعشرة أرطال، وفيه سمك في صورة الحيات، وفيه السمك الرعادة إذا مسها الإنسان ارتعدت يده حتى تسقط منها، وفيه كلاب الماء وفرس الماء وفيه خلقة الفرس، وحوافره مثل أرجل البط تنضم إذا

_ (1) سقط من ع. (2) الاستبصار: 49. (3) يعني الإدريسي صاحب نزهة المشتاق، انظر (د) : 14. (4) زيادة من الإدريسي، كان في موضعها ((فيصيب في أرض مصر وينقسم في أسفل أرض مصر على أربعة أقسام، فثلاثة منها تصب في بطاح)) وهو سيجيء بعد أسطر. (5) لا يزال النقل مستمراً عن الإدريسي (د) : 16. (6) ص ع: الأبريمس. (7) الإدريسي: الري.

نيق العقاب:

رفعتها وتنتفخ إذا وضعتها، وله ذنب طويل، وفيه السقنقور وهو صنف من التمساح يشاكل السمك من جهة يديه ورجليه ولا يشاكل التمساح وشحمه يتعالج به للجماع وكذلك ملحه الذي يملح به، والسقنقور لا يكون في النيل إلا بمكان من حد أسوان، والتمساح لا يكون إلا في نيل مصر، وهو مستطيل الرأس وطول رأسه نحو طول نصف جسده، وهو بري وبحري لأنه يخرج إلى البر ويقيم به اليوم والليلة يدب على يديه ورجليه ويضر في البر وأكثر ضرره في الماء ثم إن الله سبحانه وتعالى سلط عليه دابة من دواب النيل يقال لها اللشك ترتقبه وترصده حتى يفتح فاه فإذا فتحه وثبت فيه فتمر في حلقه ولا تزال تأكل كبده وأمعاءه حتى تفنيه فيموت، وفي النيل أيضاً البوري والشابل. نيق العقاب (1) : بين مكة والمدينة، فيه لقي أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أمية بن المغيرة أخو أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة فحجبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى من لقائهما، فقالت أم سلمه: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، فقال صلى الله عليه وسلم: " أما ابن عمي فقد هتك عرضي وأما ابن عمتي فهو الذي قال بمكة ما قال " ثم أذن لهما فأسلما، والقصة أطول من هذا. نيسابور (2) : سميت بذلك لأن سابور مر بها فلما نظر إليها قال: هذه تصلح لأن تكون مدينة فأمر بها فقطع قصبها ثم كبس ثم بنيت فقيل لها نيسابور وهي من بلاد خراسان، وهو بلد واسع افتتحه عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة ثلاثين وهي أرض سهلة ليس بها ماء جار إلا نهر يخرج إليهم فضله في السنة ولا يدوم ماؤه وهو فضل ماء هراة، وهي مدينة يكون قدرها قدر نصف مرو. ومن نيسابور جماعة من أكابر الفضلاء، ولو لم يكن إلا الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري صاحب " المسند الصحيح " ويقال أيضاً: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى النيسابوري (3) . ونيسابور (4) مدينة جميلة في مستو من الأرض وأبنيتها من طين، وهي قديمة البناء، وقدر مساحتها ثلاثة أميال في مثلها ولها ربض كبير آهل دائر بها، ومسجد جامعها في ربضها، ولها قصبة منيعة، ولها أربعة أبواب: باب القنطرة، وباب سكة معقل، وباب القصبة، وباب قنطرة دومكين، ولها نهر يشربون منه ويسقون رساتيقهم، وبينها وبين سرخس ست مراحل، ورساتيقها عامرة وفيها مدن كثيرة، ونيسابور قلب لما حولها من البلاد والأقطار. وهي في أرض (5) سهلة مقدارها فرسخ في مثله، وقهندزها متصل بمدينتها خارج عنها ويحف بهما جميعاً ربض، وجامعها بموضع يعرف بالعسكر، ودار الإمارة بمكان يعرف بميدان الحسين، وبين المسجد الجامع ودار الإمارة ربع فرسخ، ودار الإمارة من بناء عمرو بن الليث، وأسواقها خارجة عن المدينة في الربض، ومعظمها سوقان: المربعة الكبيرة والمربعة الصغيرة، فإذا أخذت من المربعة نحو المغرب فالسوق ممتدة إلى مقابر الحسن، وفي خلال هذه الأسواق خانات يسكنها التجار للبيع فيها، يضاهي كل فندق منها سوقاً من أسواق بعض البلدان. وليس بخراسان مدينة أصح هواء ولا أرحب فناء ولا أشد عمارة ولا أمكن تجارة ولا أكثر سابلة ولا أغزر فائدة من نيسابور، ويرتفع منها من أصناف البز وفاخر الثياب القطن والقز ما يعم البلاد وتؤثره الملوك ويتنافس فيه الرؤساء، ولها حدود واسعة ورساتيق عامرة ومدن معروفة. وكانت دار الإمارة في القديم بخراسان مرو وبلخ إلى أيام الطاهرية فإنهم نقلوها إلى نيسابور فعمرت وعظمت أحوالها وشهر بالعلم رجالها. وفي سنة (6) ثمان عشرة وستمائة نزل الططر على نيسابور وهي حينئذ عروس خراسان، ومحط التجار من سائر البلدان، وبها الطراز الأعظم، وفيها من الأئمة والعلماء والسادة والكبراء خلق لم يجتمع في سواها وقد طابت غلاتها فراموا فيها مكراً بتأمين أو خديعة، فقال أهلها: الكلب خير من صاحب أمرهم فإنه يحفظ العهد وهو ما له عهد ولا يفي بقول قد غدر بأهل بخارى وأهل سمرقند وغيرهما، فكيف ننخدع بعدما سمعنا، وفينا من يرغب في

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1341، وانظر ياقوت. (2) قارن بياقوت (نيسابور) . (3) انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ: 415، وكانت وفاته سنة 226. (4) عن نزهة المشتاق: 208. (5) انظر ابن حوقل: 362، والكرخي: 145، والمقدسي: 314، وآثار البلاد: 473. (6) قارن بياقوت (نيسابور) .

نيقية:

الشهادة وما برحوا يقاتلون حتى دخل الططر عليهما محلة فمحلة، ولم يبقوا على أحد حتى انهم قتلوا الأطفال وكثيراً من النساء، إذ كان فيهن من يرمي عليهم الحجارة من السطوح، وخربوا المدينة وتركوها موحشة وساروا إلى أختها مرو. نيقية (1) : قديمة أزلية كبيرة من عمل القسطنطينية، لها بحيرة عذبة طولها اثنا عشر ميلاً، وهي قديمة لا يعرف بانيها، وفي بحيرتها المذكورة ثلاثة أجبل، ومن البحيرة إلى المدينة باب صغير فإذا طرقهم خوف أو فاجأهم أمر أخرجوا الذراري من الحصن إلى الزوارق ثم ساروا إلى تلك الجبال معتصمين بها. وهي مدينة جليلة كبيرة. وفي بحيرتها حوت طوله متر، لونه إلى الخضرة دقيق الشوك إذا طبخ مع النخالة واعتصرت وشرب عصارتها نفعت في السعال المزمن مرة واحدة، ويوجد بها على ضفتها أحجار خاوية خفاف صفراء إذا علق الحجر منها على فخذ المرأة التي في الطلق أسرعت ولادتها بلا تأخير، قد جرب ذلك فصح. ومن نيقية إلى عمورية ثمانية أيام.

_ (1) عن نزهة المشتاق: 257، وانظر ياقوت (نيقية) ، وآثار البلاد: 608، ونخبة الدهر: 228.

فراغ

هلبك:

حرف الهاء الهاشمية: مدينة بالعراق. قالوا (1) : لما جاء السفاح أمير المؤمنين نزل الكوفة أول أمره ثم انتقل إلى الأنبار فبنى على شاطئ الفرات الهاشمية، وتوفي قبل أن تستتم المدينة. وقيل لما ولي أبو جعفر الخلافة بنى مدينة بين الكوفة والجزيرة سماها الهاشمية، فأقام بها مدة إلى أن عزم على توجيه ابنه محمد المهدي لغزو الصائفة في سنة أربعين ومائة، فسار إلى بغداد وشرع في بنيانها. قالوا (2) : ودخل معن بن زائدة على أبي جعفر المنصور، فلما نظر إليه قال: هيه يا معن تعطي ابن أبي حفصة مائة ألف درهم على قوله: معن بن زائدة الذي زادت به ... شرفاً إلى شرف بنو شيبان قال: كلا يا أمير المؤمنين، إنما أعطيته على قوله: ما زلت يوم الهاشمية معلناً ... بالسيف دون خليفة الرحمان فحميت حوزته وكنت وقاءه ... من وقع كل مهند وسنان فقال: أحسنت يا معن، وكان معن من أصحاب يزيد بن هبيرة، وكان مستتراً حتى كان يوم الهاشمية، وكان قد شغب فيه عدة من أهل خراسان، فإنه حضر وهو معتم متلثم، فلما نظر إلى القوم قد وثبوا على المنصور تقدم، ثم جعل يضربهم بالسيف قدامه، فلما أفرجوا وانصرفوا قال: من أنت ويحك؟ فحسر عن وجهه وقال: أنا طلبتك يا أمير المؤمنين، معن بن زائدة، فلما انصرف المنصور أمنه وحباه وأكرمه وكساه ورتبه. هلبك (3) : من بلاد الختل (4) ، مدينة حسنة البقعة رائقة الرقعة كثيرة البساتين والمتنزهات وبناؤها بالطين والآجر والجيار، وبها أسواق كثيرة وقوم مياسير والسلطان ينزل بها. الهاروني (5) : قصر على دجلة بناه هارون الواثق بن المعتصم، وكان نزله جعفر المتوكل بن المعتصم وآثره على جميع قصور المعتصم. الهباءة (6) : ممدود، موضع بقرب الربذة كانت فيه وقعة لعبس على ذبيان، وقتل فيها حذيفة بن بدر وأخوه حمل، قال قيس بن زهير يرثيه:

_ (1) اليعقوبي: 237، وانظر ياقوت. (2) مروج الذهب 6: 108. (3) سقطت من ع وهي ((هالك)) في ص، والنقل عن نزهة المشتاق: 147 ورسمها ((هاتك)) ؛ وما أثبته عن ابن حوقل: 393، والكرخي: 167، وحدود العالم: 71، 359. (4) ص ع: الجبل. (5) اليعقوبي: 264، 265، وانظر ياقوت. (6) معجم ما استعجم 4: 1344، وانظر ياقوت.

هرشى:

تعلم أن خير الناس ميت ... على جفر الهباءة ما يريم وفي القصيدة المشهورة للتطيلي الأعمى التي أولها (1) : ألا حدثاني عن فل وفلان ... لعلي أرى باق على الحدثان يقول فيها: وعوجا على جفر الهباءة واعجبا ... لضيعة أعلاق هناك ثمان هجر (2) : بفتح الجيم قصر من قصور مأرب. وهجر (3) ، بفتح أوله وثانيه، مدينة البحرين، وهي معرفة (4) لا تدخلها الألف واللام سميت بهجر بنت مكنف من العماليق. وفي سنة (5) سبع وثمانين ومائتين دخل أبو سعيد القرمطي هجر بعد حصار أربع سنين فدخل إلى قوم هلكى ضعفاً وهزلاً وبعد أن كان الوبأ قد وقع فيهم فمات منهم خلق كثير قتل منهم القرمطي ثلثمائة ألف وطرحهم أحياء في النار، ونجا منهم قوم قليل إلى جزيرة أوال ولم يبق من أهل هجر يومئذ إلا عشرون رجلاً، وكانت محنتهم عظيمة. وهجر مشهورة بالتمر وكثرته، فيها قيل: كمهدي التمر إلى هجر. وهجر (6) مدينة ملك البجاة، وهم أصحاب إبل، ولهم حراب يحاربون بها على إبلهم وهم عبدة أوثان، ولهم صنم من حجارة في صورة الصيني يسجدون له وأحكامهم أحكام التوراة. ولم يكن (7) لهم عهد ولا صلح، وأول من صالحهم عبيد الله بن الحبحاب ويقول بعض الشيوخ إنه قرأ كتاب ابن الحبحاب فإذا فيه ثلثمائة بكر في كل عام، حتى ينزلوا الريف مجتازين، تجاراً غير مقيمين، على أن لا يقتلوا مسلماً ولا ذمياً وإن قتلوا فلا عهد لهم، ولا يؤوا عبيد المسلمين، وأن يردوا أباقهم. هرشى (8) : بفتح أوله وإسكان ثانية مقصور على وزن فعلى جبل من بلاد تهامة، وهو على ملتقى طريق الشام والمدينة في أرض مستوية لا تنبت شيئاً وهي قريبة من الجحفة يرى منها البحر، وقال الشاعر: خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشى لهن طريق وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خالد بن الوليد رضي الله عنه متدلياً من عقبة هرشى فقال: " نعم الرجل خالد بن الوليد ". وفي كتاب مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أتى على ثنية هرشى فقال: " أي ثنية هذه "؟ قالوا: ثنية هرشى، قال صلى الله عليه وسلم: " كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف خطام ناقته خلبة وهو يلبي ". هرقلة (9) : بالشام في بلاد الروم، كان الرشيد نزل عليها وحصرها سنة تسعين ومائة، وكان طاغية الروم نقفور بن استبراق (10) قد هادنه، ثم نكث، وكان الرشيد مريضاً فكرهوا تعريفه بذلك لمرضه فدخل عليه من أنشده: نقض الذي أعطاكه نقفور ... وعليه دائرة البوار تدور أبشر أمير المؤمنين فإنه ... فتح أتاك به الإله كبير في أبيات غير هذه فقال الرشيد: أو قد فعل؟ ثم جهز وغزاه

_ (1) ديوان الأعمى التطيلي: 224، 225. (2) انظر الإكليل 8: 45. (3) معجم ما استعجم 4: 1346. (4) ص ع: معروفة؛ وفي معجم البكري: معروفة؛ وهي معرفة. (5) مر هذا في مادّتي ((جنايا)) و ((الزرادة)) ؛ وهو عن البكري (مخ) : 68. (6) مشبه لما عند اليعقوبي: 336، ومروج الذهب 3: 32، وانظر ابن حوقل: 55 وما بعدها. (7) عن ابن عبد الحكم: 189. (8) معجم ما استعجم 4: 1350، وقارن بياقوت: (هرشى) ، ورسالة عرام: 30 - 31. (9) عن مروج الذهب 2: 337 وما بعدها. (10) المروج: استبرق.

فنزل على هرقلة هذه، وكان معه أهل الثغور، وفيهم شيخا الثغور الشامية: مخلد بن الحسين وأبو إسحاق الفزاري صاحب كتاب السير، فخلا الرشيد بمخلد بن الحسين فقال: أيش تقول في نزولنا على هذا الحصن؟ فقال: هذا أول حصن لقيته من حصون الروم، وهو في نهاية المنعة والقوة، فإن نزلت عليه وسهل فتحه لم يتعذر عليك فتح حصن بعده، فأمره بالانصراف ودعا بأبي إسحاق الفزاري فقال له مثل ما قال لمخلد، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا حصن بنته الروم في نحر الدروب، وجعلته لها ثغراً من الثغور، وليس بالآهل، فإن فتحته لم يكن فيه ما يعم المسلمين من الغنائم، وإن تعذر فتحه كان ذلك نقصاً في التدبير، والرأي عندي أن يسير أمير المؤمنين إلى مدينة عظيمة من مدن الروم، فإذا فتحت عمت غنائمها المسلمين، وإن تعذر ذلك قام العذر، فقال الرشيد: القول قول مخلد، ونزل على هرقلة ونصب حواليها الحرب سبعة عشر يوماً فأصيب خلق من المسلمين، وفنيت الأزودة والعلوفات، وضاق صدر الرشيد من ذلك، فأحضر أبا إسحاق الفزاري فقال: يا إبراهيم قد ترى ما نزل بالمسلمين، فما الرأي الآن عندك؟ قال: يا أمير المؤمنين، قد أشفقت من هذا وقدمت القول فيه، ورأيت أن يكون الحرب والجد من المسلمين على غير هذا الحصن، والآن فلا سبيل إلى الرحيل عنه من بعد المباشرة، فيكون ذلك نقصاً في الملك ووهناً على الدين، وإطماعاً لغيره من الحصون في الامتناع على المسلمين والمصابرة لهم، ولكن يا أمير المؤمنين تأمر بالنداء في الجيش: أن أمير المؤمنين مقيم على هذا الحصن حتى يفتحه الله على المسلمين، وتأمر بقطع الحجارة وجمع الخشب وبناء مدينة بإزاء هذا الحصن إلى أن يفتحه الله تعالى، ولا يكون هذا الخبر ينمي إلى من في الحصن (1) إلا على المقام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحرب خدعة "، وهذه حرب حيلة لا حرب سيف. فأمر الرشيد بالنداء من ساعته، فحملت الحجارة وقطع الشجر، وأخذ الناس في البناء، فلما رأى أهل الحصن ذلك جعلوا يتسللون في الليل ويدلون أنفسهم في الحبال (2) إلى أن أسلموها وتركوها وهي الآن خراب تعرف بهرقلة. وقال سهل (3) الترجمان: كنت مع الرشيد حين نزل على هرقلة ففتحها، فرأيت فيها حجراً مكتوباً عليه باليونانية، فجعلت أترجمه والرشيد ينظر إلي وأنا لا أعلم، وكانت ترجمته: بسم الله الرحمن الرحيم يا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها، وكل الأمور إلى وليها، ولا يحملنك إفراط السرور على المآثم، ولا تحمل نفسك هم يوم لم يأت فإنه إن يكن من أجلك يأت الله فيه برزقك، ولا تكن من المغرورين من جمع المال، فكم قد رأينا جامعاً لبعل حليلته ومقتراً على نفسه توفيراً لخزانة غيره، وكان تاريخ الكتاب في ذلك اليوم زائداً على ألفي سنة. وباب هرقلة (4) مطل على واد وخندق يطيف بها. وذكر جماعة من أهل الثغور أن أهل هرقلة لما اشتد بهم الحصار وعضتهم الحرب بالحجارة والنار والسهام، فتح الباب فاستشرف المسلمون لذلك، فإذا رجل من أهلها كأجمل الرجال قد خرج في أكمل السلاح فنادى: يا معشر العرب قد طالت مواقفتكم إيانا، فليخرج إلي منكم الرجل والعشرة إلى العشرين مبارزة، فلم يخرج إليه من الناس أحد ينتظرون إذن الرشيد، وكان الرشيد نائماً، فعاد الرومي إلى حصنه، فلما هب الرشيد أخبر بذلك، فتأسف ولام خدمه على تركهم إيقاظه، فقيل يا أمير المؤمنين: إن امتناع الناس منه اليوم سيطمعه ويطغيه، وأحر به أن يخرج في غد فيعود لمثل قوله، فطالت على الرشيد ليلته، وأصبح كالمنتظر له، إذ فتح الباب فإذا بالفارس قد خرج وعاد إلى كلامه، فقال الرشيد: من له؟ فابتدره جلة القواد فعزم على إخراج بعضهم، فضج أهل الثغور والمطوعة بباب المضرب، فأذن لبعضهم، وفي مجلسه مخلد بن الحسين وإبراهيم الفزاري، فدخلوا فقالوا: يا أمير المؤمنين، قوادك مشهورون بالبأس والنجدة وعلو الصيت ومباشرة الحرب، ومتى خرج واحد منهم فقتل هذا العلج لم يكبر ذلك، وإن قتله العلج كانت وصمة على العسكر وثلمة لا تسد، ونحن عامة لا يرتفع لأحد منا صوت (5) ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يختار منا رجلاً يخرجه إليه فعل، فاستصوب الرشيد رأيهم، قال مخلد وإبراهيم: صدقوا يا أمير المؤمنين، فأوموا إلى رجل منهم يعرف بابن الجزري مشهور في الثغور معروف بالنجدة، فقال له الرشيد: تخرج؟

_ (1) المروج: الجيش. (2) المروج: بالحبال. (3) المروج: شبل. (4) النقل مستمر عن المروج. (5) المروج: صيت.

هرقلية:

قال: نعم وأستعين بالله عليه، فقال: أعطوه فرساً ورمحاً وسيفاً وترساً فقال: يا أمير المؤمنين أنا بقوسي أوثق، ورمحي في يدي أسد (1) ، ولكن قد قبلت السيف والترس، فلبس السلاح، واستدناه الرشيد فودعه وأتبعه الدعاء، وخرج معه عشرون من المطوعة. فلما انقض (2) في الوادي قال لهم العلج وهو يعدهم واحداً واحداً: إنما كان في الشرط عشرون وقد ازددتم رجلاً، ولكن لا بأس، فنادوه: ليس يخرج إليك منا إلا رجل واحد، فلما فصل منهم ابن الجزري تأمله العلج وقد أشرف أكثر الروم من الحصن يتأملون صاحبهم، فقال له الرومي: أتصدقني عما أسألك عنه؟ قال: نعم، قال: أنت ابن الجزري بالله؟ قال: اللهم نعم، ثم أخذا في شأنهما، فاطعنا حتى طال الأمر بينهما، وكاد الفرسان يقومان تحتهما، وليس منهما واحد خدش صاحبه، ثم رميا برمحيهما، هذا نحو أصحابه وهذا نحو حصنه، وانتضيا سيفيهما وقد اشتد الحر عليهما وتبلد جواداهما فجعل ابن الجزري يضرب الرومي الضربة التي يظن أنه بالغ فيها، فيتقيها الرومي، وكانت درقته حديداً، فيسمع بذلك صوت منكر، ويضربه الرومي فينغرز سيفه (3) لأن ترس ابن الجزري كان درقة ثبتية، وكان العلج يخاف أن يعض السيف (4) فيعطب، فلما يئس كل واحد منهما من صاحبه انهزم ابن الجزري، فدخلت الرشيد والمسلمين كآبة لم يصبهم مثلها، وفرح المشركون، وإنما كانت حيلة من ابن الجزري، فاتبعه العلج وعلا عليه، فلما تمكن منه ابن الجزري رماه بوهق، فاختطفه من سرجه، ثم عطف عليه، فما وصل إلى الأرض حتى فارقه رأسه، فكبر المسلمون وانكسر المشركون وبادروا الباب ليغلقوه. واتصل الخبر بالرشيد فصاح بالقواد أن يجعلوا في حجارة المنجنيق النار، فليس عند القوم دفع بعد هذا، وعاجلهم المسلمون إلى الباب فدخلوها بالسيف، وقيل إنهم بادروا بالأمان، وافتتاحها عنوة أشهر من قول من قال فتحت صلحاً، قال الشاعر في ذلك (5) : هوت هرقلة لما أن رأت عجباً ... حوائماً (6) ترتمي بالنفط والنار كأن نيرانها في جنب قلعتهم ... معلقات (7) على أرسان قصار وصبت الأموال على ابن الجزري وقود وخلع عليه، فلم يقبل شيئاً من ذلك، وسأل أن يعفى ويترك على ما هو عليه، وفي ذلك يقول أبو العتاهية: ألا نادت هرقلة بالخراب ... من الملك الموفق للصواب غدا هارون يوعد بالمنايا ... ويبرق بالمذكرة القضاب ورايات يحل النصر فيها ... تمر كأنها مر السحاب أمير المؤمنين ظفرت فاسلم ... وابشر بالغنيمة والإياب هرقلية (8) : بلد قديم قريب من المهدية على طريقها من تونس. هراة (9) : بلد في خراسان بقرب بوشنج، وهي مدينة عامرة لها ربض محيط بها من جوانبها، وداخلها مياه، والنهر جار على باب المدينة وعليه قنطرة، وعلى سائر أبوابها مياه جارية وبساتين، إلا أن الباب الذي عليه القنطرة لا ترى بعد عبورك لها جرية ماء ولا اخضرار نبات وماء هراة (10) يخرج من قرب مخرج ماء مرو، ويجري في

_ (1) المروج: أشد. (2) ص ع: انغمص. (3) زيادة من المروج. (4) ص ع: السيوف. (5) نسبه المسعودي إلى أبي نواس. (6) ص ع والمسعودي: جواثماً. (7) المروج: كمشعلات؛ والرواية المشهورة ((مصبغات)) . (8) انظر الإدريسي (د) : 125، والبكري: 84 (هرقلة) . (9) انظر الكرخي: 149، وابن حوقل: 366، واليعقوبي: 280، والمقدسي: 306. (10) وياقوت: (هراة) ، وآثار البلاد: 481.

الهرم:

الجبال إلى أن يخرج في أعلى هراة حتى يشق بلاد هراة فيصير إلى بوشنج ثم ينحدر منها إلى سرخس ورساتيقها وتنبعث منه أنهار تعرف بخشكرود، وعلى الخشكرود قنطرة عظيمة، وفي هراة قهندز ومسجد جامع، ودار الإمارة خارج الحصن بمكان يعرف بخراسان اباد منقطع عن المدينة، بينه وبين المدينة ثلاثة فراسخ، وهي على طريق بوشنج غربي هراة، وهراة مقدار نصف فرسخ في مثله، ولها أربعة أبواب، منها باب من ناحية الشمال يخرج منه إلى بلخ يعرف بباب سراي (1) ، والمسجد الجامع في المدينة وحوله الأسواق، وعلى رأس الجبل الذي يلي هراة بيت نار يدعى سرشك وهو معمور، ولهراة أربعمائة قرية فيما بينها سبع وأربعون دسكرة، كل واحدة تشتمل على عشرة نفر إلى عشرين، ولهراة من الأرحاء ثلثمائة وأربع وعشرون، وهذا الجبل الذي هراة في سفحه هو من آخر حدود باذغيس (2) مما يلي سرخس مشرقاً حتى يتصل بجبل الفضة ورستاق كنج ومرو الروذ والطالقان والجوزجان، حتى يتصل بالباميان، وعن يمين هذا الجبل اسفرايين وسجستان وبست والرخج (3) ، وعن يساره مرو الروذ وغيرها، وهو مستقبل بوشنج وهراة، فهو حاجز بين الحدود، وفي الجبل نفسه أمم وفيه أكثر من ثلثمائة قرية. وافتتح هراة الأحنف بن قيس في خلافة عثمان رضي الله عنه، وإليها ينسب الهروي صاحب الغريبين (4) . وهي مدينة (5) كبيرة عامرة لها ربض، وفي مدينتها قصبة، ولها أبواب كثيرة كلها خشب مصفحة بحديد إلا باب سراي فإنه كله حديد، والمسجد الجامع في المدينة، والأسواق محيطة به، والسجن في قبلته، وبها من فقهاء المسلمين وعلمائهم خلق كثير، وهي فرضة خراسان وسجستان وفارس. وفي سنة (6) ثمان عشرة وستمائة نزل الططر على هراة، وهي إحدى أمهات خراسان، فاستولوا عليها وقتلوا منها خلقاً عظيماً، وجرى الططر على عادتهم المذمومة من قتل الأطفال والعيث، وقتلوا في جامعها المشهور بالخير من العلماء والصالحين والمنقطعين عدداً كثيراً ثم مضوا منها إلى الطالقان. الهرماس (7) : نهر نصيبين المسمى بالخابور، وعليه قنطرة حجارة، ويصب فيه ماء الثرثار إلى دجلة. الهرم (8) : أحد أهرام مصر، وخبر الأهرام مشهور، وعلى ستة أميال من مصر الهرمان، وهما بناءان في مستو من الأرض، طول كل واحد منهما ارتفاعاً في الجو نحو أربعمائة ذراع، وعرضه في الدائر كارتفاع الكل مبني بحجارة الرخام، وارتفاع كل حجر خمسة أشبار، وطوله خمس عشرة ذراعاً إلى العشرين (9) وأزيد وأنقص، وكلما ارتفع بناؤه على وجه الأرض ضاق حتى يصير أعلاه نحو مبرك جمل، وبين الهرم والهرم نحو خمسة أميال، وفي بعض حيطانه كتابة درس أكثرها. هرمز (10) : مدينة بمقربة من جيرفت من عمل كرمان، وتسمى قرية الجوز (11) وهي كانت مدينة هرمز، وفيها كانت مملكته إلى أن هلك، وانفصل الملك عنها إلى الشيرجان، وساكنوها من أهلها وأخلاط من الناس، وهي مدينة حسنة، الداخل والخارج إليها كثير، وهي كثيرة المياه، وبها أسواق وتجارات، وبينها وبين جيرفت غرباً مرحلة. هكر (12) : مدينة باليمن، وفي شعر امرئ القيس: أو كبعض دمي هكر.

_ (1) ع ص: سيراي. (2) ع ص: مادغيس. (3) ص ع: والزنج. (4) هو أبو عبيد الله أحمد بن محمد بن محمد الهروي (- 401) ؛ انظر ابن خلكان 1: 95، ومعجم الأدباء 4: 260، وطبقات السبكي 3: 34، وطبقات الاسنوي 2: 518. (5) نزهة المشتاق: 142. (6) قارن بياقوت والقزويني. (7) انظر ياقوت، وابن رسته: 90، واليعقوبي: 362. (8) عن الإدريسي (د) : 145 - 146. (9) الإدريسي: العشرة. (10) يتحدث الإدريسي في نزهة المشتاق عن هرمز الواقعة بين الفهرج وجيرفت: 132 ثم عن هرمز الساحلية: 133 مفرقاص بذلك بين مدينتين كل منهما تسمى هرمز؛ وتعرف الأولى منهما باسم ((هرمز الملك)) ، وهذا النص هو الذي ينقله مؤلف الروض، مهملاً ما جاء عن هرمز الساحلية، التي تعد فرضة كرمان أيضاً؛ وقد جاء ذكر هرمز (هرموز) الأولى عند ذكر المسافات بين مدن كرمان لدى الحوقلي والكرخي والمقدسي، ولكن لم يعرف بها أحد؛ أما هرمز الساحلية فانظر في الحديث عنها الكرخي: 99، وابن حوقل: 269، والمقدسي: 466، وياقوت (هرمز) ؛ وتعرف هرمز هذه اليوم باسم بندر عباس، وتقابلها جزيرة هرمز وفيها الجديدة، وكانت هرمز القديمة في أيام ابن بطوطة (273) تسمى موغ استان. (11) نزهة المشتاق: الجون. (12) انظر ياقوت (هكر) ؛ وبيت امرئ القيس: كناعمتين من ظباء تبالة ... لدى جؤذرين أو كبعض دمى هكر

همذان:

همذان (1) : بالذال المعجمة، مدينة من عراق العجم من كور الجبل، كبيرة جداً فرسخ في مثله، محدثة إسلامية، ولها أربعة أبواب، وهي كثيرة المياه والبساتين والزروع. وقيل (2) : بل هي قديمة البناء، ولذلك قالوا: بهمذان باب يعرف بباب الأسد لأن أسداً من حجارة كان على قرب من هذا الباب على الطريق المؤدية إلى الري، وكان هذا الأسد كأعظم ما يكون من الخلقة، قد صور أحكم تصوير وأتقن أتم إتقان، وكان أهل همذان يتوارثون في أخبارهم عن أسلافهم مستفيضاً فيهم، أن الإسكندر لما أتى همذان منصرفاً عن بلاد خراسان وصادراً من مطافه بالهند والصين وغيرهما، جعل ذلك الأسد طلسماً للمدينة وسورها، فكانوا يرون أن خراب البلد وفناء أهله يكون عند كسر ذلك الأسد أو قلعه، فكان أهل همذان يمنعون من يجتاز بهم من العساكر والسابلة أن يمسوا ذلك الأسد ويكسروا منه شيئاً، ولم يقلب لعظمه وصلابة حجره إلا بالخلق الكثير من الناس، فبقي كذلك حتى كان من أمر مرداويج الجيلي ما كان، فكسرت جيوشه ذلك الأسد وقلبوه، فكانت الدبرة لأهل همذان عليهم فقتلوهم كيف شاءوا، ثم عاودهم مرداويج بنفسه في نحو سنة عشرين وثلثمائة فغلب على همذان واستأصل أهلها ونساءها وذريتها سبياً، وديارها تخريباً وإحراقاً. وفتح مدينة همذان بديل بن عبد الله بن ورقاء سنة ثلاث وعشرين، وفتح الري وأصبهان. وهمذان شديدة البرد، وقال الشاعر: همذان متلفة النفوس ببردها ... والزمهرير، وحرها مأمون غلب الشتاء بصيفها وخريفها ... فكأنما تموزها كانون ونزل الططر على همذان سنة ثمان عشرة وستمائة فلم يزل أهلها يقاتلونهم حتى فنيت الأقوات فضعفوا، وكان رئيس همذان عز الدين بن علاء الدين الحسيني، فتقدم بين أيدي الناس للقتال: معه الفقهاء والصالحون، فقتلوا من الططر خلقاً، ثم إن الرئيس المذكور أيقن بالغلبة، فدخل من سرداب كان قد أعده، فنفذ إلى خارج المدينة في واد غامض وشعاب مضلة، فخرج منه إلى قلعة له في الجبل جعل فيها ذخائره وأهله، فلم يستطع أحد عليه، وبقي أهل همذان بعده في حيرة، إلا أنهم أجمعوا على القتال والشهادة، إلى أن دخلها الططر عنوة بعد أشهر، في رجب من السنة المذكورة، فقاتلهم أهلها داخل المدينة قتال من باع نفسه من الله تعالى، حتى بطل حكم السلاح من الزحمة، فاقتتلوا بالسكاكين، فقتل من الفريقين ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وتكاثر الططر واشتدوا بالأمداد المستريحة الواصلة إليهم في كل يوم، فأفنوا أهلها قتلاً، ثم ألقوا النار في المدينة وساروا إلى قلعة الرئيس، فرأوا أن مرامها يصعب، فراسلوه فاتفق معهم على أن يعمر البلد بمن بقي في أطراف الجبال والقلاع، ويكون واليهم على تلك الجهة، ويحمل لهم الأموال، فقنعوا بذلك. وخبر الهمذاني مع أبي جعفر المنصور، وسقوط السهم العائر بين يديه قد تقدم في رسم مدينة المنصور من حرف الميم. الهند (3) : أرض الهند فتحها محمد بن القاسم الثقفي سنة أربع وتسعين، وكان السبب في ذلك أن امرأة مسلمة ممن سباها أهل الهند أرادوها على نفسها، فصرخت: وا حجاجاه، فجهز الجنود إلى أرض الهند مع محمد بن القاسم، وكان معسكره بشيراز، فاتخذه الولاة منزلاً إلى الآن. وفي بحر الهند (4) والصين جبال ومضايق، وربما تطاير من البحر صبيان صغار مثل صبيان الزنج سود طوال يدورون في المراكب ولا يؤذون أحداً ثم يعودون إلى البحر وهذا عندهم مشهور، فإذا رأى أهل المركب هذا فهي عندهم علامة لهبوب الريح التي تسمى ريح الخب، وهي ريح خبيثة مخوفة، فيستعدون لذلك ويأخذون أهبتهم لهبوبها، فيخففون الأمتعة عن المراكب ويلقونها في البحر، ويلقون أيضاً ما معهم من السمك والملح حتى لا يتركوا منه شيئاً، ويقطعون من طول الصواري ذراعين

_ (1) انظر ابن حوقل: 308، والكرخي 117، واليعقوبي: 272، ونزهة المشتاق: 203، وياقوت (همذان) . (2) قارن بما ورد في آثار البلاد: 485. (3) قارن بما جاء في فتوح البلدان: 534. (4) نزهة المشتاق: 34 (OG: 94) .

هيت:

وأكثر مخافة أن تنكسر، فتهب الريح المذكورة فيصيرون بقدرة الله تعالى حتى تنجو أو تتلف، كيف ما شاء الله عز وجل، وعندهم علامة للخلاص إذا قضى الله تعالى بذلك، وهي أن يرى أهل المراكب على صاريهم طائراً ذهبي اللون كأنه شعلة نار، فإذا رأوه علموا أنه من علامات النجاة، تواترت الأخبار بذلك، وهي من العجائب. وملوك الهند (1) والصين ترغب في ارتفاع ظهور الفيلة وتزيد في أثمانها الذهب الكثير، وأرفعها تسع أذرع، وقد يوجد في موضع معلوم عندهم عشر أذرع وإحدى عشرة ذراعاً. ومملكة الهند (2) عند جميع ملوك الكفار، بإجماع منهم، مملكة الحكمة، والحكمة من الهند مبدؤها. وزعموا أنهم أول من ضم المملكة ونصبوا لها ملكاً، وأولهم البرهمن الأكبر، وهو الذي أظهر الحكمة وطبع السيوف وآلات الحرب وصور الأفلاك والبروج، وجعل ذلك كتابة قريبة للعقول وأثبته في الأفهام، وأشار إلى المبدأ الأول، وذلك هو كتاب " السند هند " أي دهر الدهور، ومنه فرعت الكتب، المجسطي وغيره. وأعظم (3) ملوك الهند البلهرا ومعناه ملك الملوك. والهند سبعة أجناس أحدها الساكهرية (4) ، وهم الأشراف منهم، والملك فيهم لا يكون في غيرهم، وجميع أجناسهم يسجدون له عند اللقاء وهم لا يسجدون لأحد، ثم البراهمة، وهم عباد الهند ولباسهم جلود النمور، وهم يعبدون الأصنام توسلاً إلى الله تعالى. ولأهل الهند (5) اثنتان وأربعون ملة، فمنهم من يثبت الخالق وينفي الرسل، ومنهم من ينفي الكل، ومنهم من يعبد النار ويحرق نفسه، ومنهم من يعبد الشمس ويسجد لها ويعتقد أنها الخالقة المدبرة لهذا العالم، ومنهم من يعبد الشجر، ومنهم من يعبد الثعابين يحظرونها بحظائر ويطعمونها أرزاقاً، وهم يتوسلون بها، ومنهم من لا يتعب نفسه بعبادة شيء وينكر الكل. هنين (6) : مدينة بالمغرب جليلة على البحر، وشمالها تلمسان، وهي بقرب ندرومة. الهولاة: جزيرة في البحر من جزر قمار، سكانها الهند، وليس بها متجر ولا سوق. هيت (7) : مدينة بين الرحبة وبغداد، وهي على شاطئ الفرات، والهيت الهوة، وسميت هيت لأنها في هوة، وهي الأرض المنخفضة، وقيل سميت باسم بانيها هيت بن البلندى ملك من ولد مدين بن إبراهيم عليه السلام. وهي (8) في غربي الفرات، وعليها حصن، وهي من أعمر البلاد. وبأرض هيت عيون تسيل بالقار. وفي مطلع قصيدة للمعري: هات الحديث عن الزوراء أو هيتا ... ومن مدينة هيت محمد بن أبي العز بن جميل محيي الدين، ولاه الخليفة الناصر صدقة المخزن، بيته مشهور بهيت، توفي سنة عشر وستمائة له في فرس أحمر محجل الأربع: ومحجل للحسن منه حلة ... من أجلها فتنت به الأبصار لما أتى والبرق يعثر خلفه ... خلعت عليه ثيابها الأنوار إن قلت نار فالدخان بعرفه ... يقضي بما حكمت به النظار أو قلت فيه جنة فانظر له ... قد فجرت من تحته الأنهار وكان فتح (10) هيت على يد عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل،

_ (1) عن ابن خرداذبه: 67 وعنه نزهة المشتاق: 34. (2) مروج الذهب 1: 148 وما بعدها، وقارن بطبقات صاعد: 11، وقد نقل مؤلف الترجمانة: 482 بعض هذه المادة. (3) الإدريسي (ق) : 22، 23 (OG: 95) . (4) ص ع: الشاكهرية. (5) الإدريسي (ق) : 34 (OG: 96) . (6) انظر الإدريسي (د/ ب) : 172/ 112، والبكري: 80 وياقوت. (7) معجم ما استعجم 4: 1357، وقارن بياقوت. (8) نزهة المشتاق: 198. (10) الطبري 1: 2479.

الهيبل:

وجهه إليها سعد بن أبي وقاص بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في جند رسم له صاحب مقدمته ومجنبتين وساقة، فخرج نحو هيت، وقدم الحارث بن يزيد العامري، وهو المعين لمقدمته، حتى نزل بهيت وقد خندقوا عليهم، فلما رأى عمر بن مالك امتناع القوم بخندقهم استطال أمرهم، فترك الأخبية على حالها وخلف عليهم الحارث، فحاصرهم، وخرج في نصف الناس يعارض الطريق حتى جاء قرقيسيا في غرة، فأخذها عنوة، فأجاب أهلها إلى الجزية، وكتب إلى الحارث بن يزيد: إن هم استجابوا فخل عنهم، وإلا فخندق على خندقهم خندقاً أبوابه مما يليك حتى أرى من رأيي، فسمحوا بالإستجابة، وانضم الجند إلى عمر رضي الله عنه والأعاجم إلى أهل بلدتهم. الهيبل (1) : نهر كبير عذب، يقال إن فيه تماسيح كتماسيح النيل، وهو مثله في الكبر، وجريه بالأمطار الصيفية كجريه، وينتشر على وجه الأرض ثم ينضب، فيزرع عليه حسبما يزرع بأرض مصر. هيرت: قلعة بالهند، كان محمود بن سبكتكين سلطان خراسان حين غزا بلاد الهند فتحها وخربها بعد ما صابر سكانها قليلاً فأخذوا وقتلوا تقتيلاً.

_ (1) ينقل المؤلف عن البكري (مخ) : 41 حيث ورد اسم النهر ((الديبل)) بعد عده أنهار الهند مثل الكنك ومهران، ولا أدري أيث الصورتين هي الصواب؛ فإن الديبل مدينة والنهر الذي يمر عندها هو نهر مهران؛ وفي ص: الهيبل.

الواقوصة:

حرف الواو واسط (1) : مدينتان على جانبي دجلة، والمدينة القديمة في الجانب الشرقي، وابتنى الحجاج مدينة في الجانب الغربي، وجعل بينهما جسراً بالسفين. قيل (2) : سميت بواسط لتوسطها بين المصرين: البصرة والكوفة، والمدائن، بينها وبين كل واحدة منها أربعون فرسخاً، وكان بناء الحجاج واسط في سنة ثلاث وثمانين، وبها مات سنة خمس وتسعين. وفي كل (3) واحدة من المدينتين جامع يخطب فيه، وفي التي بناها الحجاج نخل ومزارع وبساتين وعمارات متصلة، والمدينة الأخرى التي في الضفة الشرقية تسمى واسط العراق، وهي مثل أختها، حسنة فسيحة الأرجاء مبانيها سامية وبساتينها وأسواقها كبيرة وناسها حسان الزي ملابسهم البياض والعمائم الكبار، وأهلها أخلاط من أهل العراق وغيرها؟ وهواؤها صحيح أصح من هواء البصرة، وهي من أعمر بلاد العراق، وعليها معول ولاة بغداد، ونواحي واسط عمل مفرد من أعمال العراق، وأموالها كانت ترتفع إلى مدينة السلام، وبينهما ثمان مراحل. وقال البكري: إنما سميت واسط بموضع يقرب منها كان يقال له واسط القصب، وقيل إن الحجاج رأى راهباً قد أقبل على أتان له وعبر دجلة، فلما كان بموضع واسط تفاجت الأتان فبالت، فنزل الراهب فاحتفر موضع ذلك البول وحمله حتى رماه في دجلة، وذلك بعين الحجاج، فقال: علي بالراهب، فلما أتاه قال: ما حملك على ما صنعت. قال: إنا نجد في كتبنا أنه يبنى في هذا الموضع مسجد يعبد فيه الله تعالى، ما دام في الأرض أحد، فاختط الحجاج مدينة واسط، وبنى المسجد في ذلك الموضع، وهو على جانبي الدجلة. وفي الجانبين مسجدان جامعان يعرف أحدهما بمسجد الحجاج، وخراج واسط ثلاثة وثلاثون ألف درهم. وكتب الحجاج لما فرغ من بناء واسط إلى عبد الملك إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسميتها واسط. وكان الحجاج قد عمل على الخضراء، وهي قبته، طلسماً من نحاس كهيئة الفرس، عليه رجل راكب، للبق والجرجيس، فلم يكن بمدينة واسط بق ولا جرجيس أصلاً، فلما ولي واسط أحد عمال المتوكل قلع ذلك الطلسم وحمله إلى بلده بخراسان ونصبه هناك، فلم ينتفع به، وعمل بالأبلة طلسم نحاس مثل ذلك الفرس والراكب عليه، وحمل إلى واسط، ونصب على القبة الخضراء، فهو عليه إلى هذا الوقت، فلم ينتفع به، وكثر بها البق والذباب والجرجيس والهوام. وواسط أيضاً بحمى ضرية. الواقوصة (4) : أهوية بالشام في أرض اليرموك؟ لما انهزم الروم في وقيعة اليرموك تبعهم المسلمون فانتهوا إلى مكان مشرف على أهوية

_ (1) اليعقوبي: 322. (2) معجم ما استعجم 4: 1363. (3) نزهة المشتاق: 120، وانظر الكرخي: 58، وابن حوقل: 214، وعند ياقوت تفصيلات كثيرة. (4) عن فتوح الأزدي: 207، وقارن بياقوت (الواقوصة) .

الواحات:

تحتهم فجعلوا يتساقطون فيها ولا يبصرون في يوم ذي ضباب، فهم يرتكسون فيها لا يعلم آخرهم ما لقي أولهم حتى سقط فيها نحو من مائة ألف رجل ما أحصوا إلا بالقصب، وبعث أبو عبيدة من الغد في عدهم فوجدوا أكثر من ثمانين ألفاً، فسميت تلك الأهوية الواقوصة لأنهم وقصوا فيها وما فطنوا لتساقطهم، حتى انكشف الضباب فأخذوا في وجه آخر، والخبر مبسوط في وقيعة اليرموك، ذكره أصحاب فتوح الشام. وانيامة: من بلاد رومية، عين جارية من شرب منها ممن في عينيه غشاوة أو ضرر أو بياض جلا بصره وأذهب ما كان يجد فيها من ضر. واسم (1) : قيل إنه مهبط آدم عليه السلام، ونزلت حواء بالهند، قاله ابن إسحاق. وانشريس (2) : جبل وانشريس في قبلة فكان، وبه شعراء غامضة، وتسكنه قبائل من البربر مكناسة وأوربة وكتامة ومطماطة وزواوة وغيرهم، وطول هذا الجبل أربعة أيام وينتهي طرفه إلى قرب تاهرت. وانسيفن (3) : بالمغرب عند قلعة مهدي ببلاد فازاز، وواديها هو المعروف بوادي أم ربيع، وسيأتي له ذكر إن شاء الله تعالى. واركلان (4) : في طرف الصحراء مما يلي إفريقية، وهو بلد خصيب كثير النخل والبساتين، وفيه سبع مدائن مسورة حصينة بعضها قريب من بعض، وهي كثيرة الزرع والضرع والبساتين والمياه، والعجب أن الرجل منهم يحفر فيها بئراً بأزيد من مائة دينار، فإن أرضهم صلبة والماء بعيد يدرك على أزيد من مائة (5) قامة، فيجد على الماء طبقاً من حجر صلد فيستبشر عند وجوده، ويطعم أصحابه فرحاً به، وينزل إليه من يعرف كيف ينقره مربوطاً في حبال وثيقة، وينقره فيفور الماء، فإن أبطأ الرجال في رفعه حتى يدركه الماء هلك لحينه، ويبقى الماء على مر الدهور يفور، وهكذا جميع آبارهم، وبها يسقون جناتهم وزرعهم ونخلهم. وتضرب ببلد واركلان دنانير على نوع المرابطية، وهي مشهورة، وبين واركلان والجريد أربعة وعشرون (6) يوماً، ومن بلاد الجريد إلى القيروان سبعة أيام، وأهل واركلان بربر، وفيهم جمال، ونساؤهم موصوفات بالحسن، وبينها وبين غدامس نحو عشرين يوماً في صحراء قليلة الماء، في هذه الصحراء معدن حجارة يشبه العقيق، وربما كان في الحجر الواحد منها ألوان من الحمرة والصفرة والبياض، وهو أنفق (7) شيء ببلاد السودان عامة وغيرها، وهو عندهم أجل (8) من الياقوت، وهو كالياقوت لا يعمل فيه الحديد، إنما يثقب بحجر آخر، ولا يظهر معدن هذا الحجر حتى تذبح الإبل فينضح الموضع بدمها، وفي هذه الصحراء معدن الشب الطيب. الواحات (9) : هي بلاد كثيرة في الصحراء ما بين إفريقية وبلاد مصر، ولولا قلة الماء في هذه الصحراء لكان الطريق من إفريقية إلى مصر على الواحات أقرب، وبلاد الواحات كثيرة التمر والنخل، وفيها مدن كثيرة مسورة وغير مسورة، وكل مدينة منها لها اسم يعود إلى الواح، وأهلها مسلمون، وهي آخر بلاد الإسلام، بينها وبين بلاد النوبة ست مراحل، وفي بعض مدن الواحات قبائل من لواتة، وإنما أهلها أقباط (10) . وفي هذه (11) الأرض أرض شبية وزاجية، وعيون حامضة الطعوم تستعمل كاستعمال الخل، وعيون مختلفة الطعوم من المر والحامض والحريف والملح، ولكل نوع منها منفعة وخاصية. وزعموا (12) أن في أقصى بلاد الواحات بلداً يقال له واح صبرو لا يقع عليها إلا من ضل في الصحراء في النادر من الزمان، وأنه بلد عظيم كثير الخيرات من النخل والزرع وجميع الفواكه ومعادن

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1364 (واشم) وبالسين عند ياقوت. (2) انظر الإدريسي (د) : 85، والبكري: 89 (واشيلاس) ، وياقوت (وانشريش) بشينين معجمتين. (3) الاستبصار: 185؛ ص ع: وانسفين. (4) عن الاستبصار: 224 (وارجلان) ، وانظر البكري: 182، والإدريسي (د) 120. (5) الاستبصار: ستين. (6) الاستبصار: أربعة عشر. (7) الاستبصار: أنفس. (8) الاستبصار: أجمل. (9) الاستبصار: 147، وصبح الأعشى 3: 390. (10) ص ع: أنباط. (11) البكري: 15. (12) عن الاستبصار والبكري معاً.

الذهب، وانه أخصب بلاد الدنيا، وأن الواقع عندهم يكون في أخصب عيش، وإذا أرادوا خروجه من بلادهم أروه صورة بلاده فتاقت نفسه إليها فلم يلبث عندهم ورحل كيف ما استطاع، وقد وقع في هذا البلد رجل من عرب بني قرة وبقي فيه مدة ورجع إلى بلاده، فأخبر بما رأى فيه من الخصب والخيرات، ومما في أيدي أربابه من الأموال. وليس لهم مدافعة ولا بصر بالحرب ولا سلاح، لأنهم لم يعهدوا الحروب، فبلغ ذلك أمير بني قرة، وكان اسمه مقرب بن ماض، فعزم على النهوض إليهم فأعد أزودة كثيرة وظهراً مطيقاً وماء كثيراً، وذهب في الصحراء يطلب واح صبرو ودله الرجل الذي دخل البلد فوصل إلى مدينة الواح خارج، فسأل عن واح صبرو، فقالوا كلهم: ما نعرف له طريقاً ولا يجده إلا من ضل في الصحراء في النادر من الزمان، وهو كما ذكر وأكثر فخرج من الواح خارج يطلب واح صبرو، فبقي يجول في الصحراء مدة فلم يجده ولا قدر على الوصول إليه، فخاف نفاد الزاد فكر راجعاً، فنزل في رجوعه ذات ليلة ربوة من الأرض في تلك الصحراء فوجد بعض أصحابه في نواحي تلك الربوة بيتاً للأول، فبحثوا عنه فإذا هو لبن من نحاس أحمر، فزادوا في البحث، فوجدوا أساس سور من نحاس للأول، فأوقروا جميع ما عندهم من تلك اللبن وساروا حتى أتوا مدينة الواح الخارج، فباعوا ذلك النحاس بأموال كثيرة ثم أرادوا أن يرجعوا إلى تلك الربوة التي وجدوا فيها النحاس فلم يقدروا عليها وضلوا طريقها، ولو وجدوها لكان فيها غناهم طول الدهر. قالوا (1) : وأتى رجل من أهل الواح خارج إلى مقرب بن ماض فأخبره أنه دخل حائط نخل كان له، فوجد أكثر تمره قد أكل، ووجد فيه أثر قدم إنسان لا يشبه هذا الخلق في العظم، قال: فاحترسه هو وأهله ليالي حتى طرقهم ذلك الشخص، فرأوا خلقاً عظيماً لم يعهد مثله، فجعل يأكل التمر فلما هموا به فاتهم فلم يعلموا له أمراً، قالوا: فذهب معهم مقرب حتى وقف على أثر ذلك الشخص فاستعظمه وأمرهم أن يحفروا زبية في الموضع الذي كان يدخل فيه ويغطوا أعلاه بالحشيش ويرقبوه، ففعلوا ذلك ورقبوه ليالي كثيرة، فلما كان ذات ليلة أقبل ذلك الشخص على عادته فتردى في الزبية، فبادروا إليه بجمعهم وغلبوا عليه بكثرتهم حتى أخذوه، فإذا بامرأة سوداء عظيمة الخلق مفرطة الطول والعرض لا تفقه منها كلمة، فرآها مقرب بن ماض فهاله أمرها، فكلموها بكل لغة علموها من لغات السودان فلم تجاوب بواحدة منها، وتكلمت بكلام لا يفهم، وبقيت عندهم أياماً يأتمرون في أمرها، فقال لهم مقرب: أرى أن ترسل وتركب الخيل السوابق والنجب العتاق في أثرها إلى أن يوقف على موضعها وتعلم حقيقة أمرها فلما أرسلت فاتت الخيل والنجب، وبارت الرياح فلم يقعوا منها على حقيقة خبر. ويذكر (2) أن بين بلاد الواح وبلاد الجريد من إفريقية رمالاً عريضة فيها بقاع تعرف بالجزائر وهي كثيرة النخل والعيون، ولا عمران فيها ولا أنيس. ويقال إنه يسمع فيها عزيف الجن، ولا شك أنها كانت بلاداً عامرة، ويتكدس هناك من التمر تحت النخيل أكوام لا يقع عليه أحد إلا الطير والوحوش، وربما انتجعه الناس عند السنين الجدبة للضرورة. قالوا (3) : وكثر جري الرياح على أرض الواحات الخارجة فعدا عليها وغير ما فيها من الآبار، فبلاد الواحات الخارجة الآن صحراء لا أنيس بها ولا عامر، والمياه بها موجودة، وكانت قديماً معمورة متصلة الثمار والعمارات، ومنها كان الدخول إلى مدينة غانة في طريق مسلوكة ومناهل معلومة، لكنها انقطعت ودرست، وبالواحات الخارجة أغنام وأبقار متوحشة، وبين الواحات وحد النوبة مسيرة ثلاثة أيام في مفاوز غير عامرة، وفي أرض الواحات الخارجة جبل معترض فيها سامي الذروة، فيه معدن يستخرج منه حجر اللازورد ويحمل إلى أرض مصر فيصرف، وفي أرض الواحات يكون الثعبان ولا يكون البتة في غيرها من الأرض، والثعبان على ما يحكيه أهل تلك النواحي يرى كالتل العظيم يلتقم العجل والكبش والإنسان، وهو حيوان على صورة الحية ينساب على بطنه، له أذنان بارزتان وأنياب وأسنان، وحركته بطيئة، ويأوي إلى الكهوف والدهاس، فمن قصده أو اعترضه التقمه، وإذا خرج عن هذه الأرض مات، وهذا مشهور عندهم. وأما الواحات الداخلة فإن بها قوماً من البربر وغيرهم متحضرين يزرعون هناك حيث المياه النيلج، والنيلج الواحي معروف بالطيب والجودة ويفوق غيره، وينتج بهذه الأرض مع ما اتصل بها من أعلى أرض أسوان حمير صغار المقادير في مقدار الكباش ملمعة بسواد وبياض لا تحمل

_ (1) النقل مستمر عن المصدرين السابقين. (2) عن الاستبصار، وقارن بالبكري: 16. (3) الإدريسي (د/ ب) : 42 - 43/ 28 - 30 حتى آخر المادة.

والمو:

الركوب عليها، وأن أخرجت عن أرضها هلكت، وبأعلى صعيد مصر حمير ليست بكثيرة اللحم ولكنها في غاية السير وسرعة المشي، وبرمال الواحات وما اتصل بها حيات كثيرة تستتر في الرمل فإذا مرت بها الجمال ثارت من الرمل ورمت بأنفسها حتى تقع في المحامل، فتنهش هناك من وافقته فيموت في الحال. والمو (1) : بالأندلس من أقاليم قونكة، وهو على نهر شقر، وبإقليم والمو قرية فيها غريبة، وذلك عين راكدة قد علاها الطحلب، فإذا فاجأها إنسان وصاح عليها بشدة صياحه درت بالماء وغلت غلي البرام على النار وينقطع طحلبها بشدة غليان الماء ثم تعود إلى حالها. الواق واق (2) : أرض الواق واق متصلة بأرض سفالة، وفيها مدينتان حقيرتان، وساكنها قليل لضيق عيشها وتكدر رزقها، وبينهما قرية كبيرة تسمى دغرغة، وهم سودان قباح الوجوه مشوهو الخلقة، وكلامهم نوع من الصفير، وهم عراة لا يستترون بشيء، والداخل إليهم قليل، وأكلهم الحوت والصدف ولحوم السلاحف، وتتصل بهم جزائر الواق واق، وكل واحدة من هذه البلاد على خور كبير، ولا يخرج عن هؤلاء تجارة، ولا مراكب لهم ولا دواب، وجزائر الواق واق لا تعرف ما بعدها، وربما وصل أهل الصين إليها في الندرة، وهي جزائر عدة لا عامر بها. ورأيت (3) في موضع آخر أن في عرض البحر المحيط بلاد الواق واق ومنابت القنا، وأمة الواق واق جمل شجر عظام معلقة بشعورها ولها ثدي وفروج كفروج، النساء وأبدان حسان، ولا يزلن يصحن واق واق، وإذا قطعت من الأشجار التي تحملها أقامت يوماً وبعض يوم ثم تهلك، وربما نكحهن الناس في أطيب رائحة وألذ مباضعة. وبلاد الواق واق لا يسكنها بشر إنما يسقط إليها أهل المراكب الندرة، وهي أكثر الأرض طيباً، وبها تمر وفواكه لا تعرف في غيرها ولا يعلم ما هي، ألذ مأكول وأطيب مشموم، ويليهم أمة بحرية على شبه النساء الحسان، سبط الشعور نواهد الصدور، ويقال لها بنات الماء، لهم قهقهة وضحك وكلام لا يفهم، وقد أولد بعض البحريين واحدة منهن غلاماً وهو مستوثق منها، ثم ظن بعد ولادتها أنها ستألف ابنها ولا تفارقه وأرسلها من وثاقها فتغفلته وتردت في البحر وذهبت سابحة، ثم ظهرت له بعد يوم وألقت إليه صدفاً فيه در نفيس، ثم ولت ذاهبة، فكان ذلك الغلام يعرف بابن البحرية. وفي جزائر (4) الواق واق الأبنوس الذي لا يفوقه شيء في الجودة. وادي الخراطين (5) : هو جزيرة بناحية جزيرة صقلية، وبقربها جزيرة أخرى يقال لها ولهذه جزيرتا البركان، وإنما سميت بوادي الخراطين لأن كل خرط بصقلية هناك يخرط بأرحاء الماء. وادي القرى (6) : من أعمال المدينة، وهي مدينة عامرة كثيرة النخل والبساتين والعيون، وبها ناس من ولد جعفر بن أبي طالب، وهم الغالبون عليها ويعرفون بالواديين. قالوا (7) : ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى فحاصر أهلها ليالي ثم انصرف راجعاً إلى المدينة. قال أبو هريرة رضي الله عنه: نزلناها أصلاً مع مغرب الشمس، فبينما غلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رحله أتاه سهم غرب فقتله، فقال الناس: هنيئاً له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلا والذي نفس محمد بيده، إن الشملة الآن لتحترق عليه في النار كان غلها من فيء خيبر ". فأتاه رجل بشراكين فقال: أخذتهما لنعلي، فقال: " يقد لك مثلهما من النار ".

_ (1) بروفنسال: 194، والترجمة: 235 (Huelamo) . (2) نزهة المشتاق: 29، 33 (OG: 80) . (3) البكري (مخ) : 36 وأصله عند المسعودي في أخبار الزمان: 16 - 17، ولم يورد في المروج 3: 6 شيئاً من المعلومات الاسطورية التي تتردد في المصادر الأخرى، انظر الزهري: 11 - 12، ونخبة الدهر: 149 وبسط الأرض: 21، وحدود العالم: 84، وابن الوردي: 63، وآثار البلاد: 33، وقد تنبه الباحثون المحدثون إلى أن في المعلومات التي أوردها الجغرافيون العرب عن هذه الجزر اضطراباً وأن الاسم يطلق على منطقتين مختلفتين وذهب فراند إلى أن في بلاد الزنج واق واق (وهي مدغشقر) وأخرى تتبع الصين (وهي سومطرة) ورفض رأي دي خويه الذي تعرف إلى واق واق في اليابان (انظر تعليقات مينورسكي: 228 ومقالة فراند في دائرة المعارف الإسلامية) ز (4) نزهة المشتاق: 33. (5) لم يستطع الأستاذ رتزيتانو تعيين هذا الموقع. (6) صبح الأعشى 4: 292، ورحلة الناصري: 310، وانظر ياقوت (القرى، وادي القرى) ، والمغانم المطابة: 423. (7) السيرة 2: 338 - 339.

وادي السباع:

ومن شعر ليزيد بن معاوية يخاطب به عبد الله بن الزبير حين وجه مسرف بن عقبة إلى المدينة: أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى ... وهبط القوم على وادي القرى ... عشرون ألفا بين كهل وفتى ... أجمع سكران من القوم ترى ... ياعجباً من ملحد يا عجبا ... أبو بكر هو عبد الله بن الزبير، وكان يزيد يسمى السكير. وادي السباع: بالبصرة على طريق المدينة، سمي بذلك لأن أسماء بنت عمران بن الحاف بن قضاعة (1) كانت تنزله ويقال لها أم الأسبع، لأن ولدها أسد وكلب والذئب والدب والفهد والسرحان. وأقبل وائل بن قاسط فلما نظر إليها رأى امرأة ذات جمال فطمع فيها، ففطنت له فقالت: لو هممت بك لأتاك أسبعي، فقال: ما أرى حولك أسبعاً، فدعت بنيها فأتوا بالسيوف من كل ناحية، فقال: والله ما هذا إلا وادي السباع، فسمي به. وبهذا الموضع قتل الزبير بن العوام رضي الله عنه لما رجع عن يوم الجمل، قتله عمرو بن جرموز. قالوا (2) : خرج علي رضي الله عنه حاسراً على بغلة رسول الله يوم الجمل فنادى: يا زبير اخرج إلي، فخرج إليه الزبير شاكاً سلاحه، فقيل ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت: واحزنك (3) يا أسماء، فقيل لها إن علياً حاسر فاطمأنت، واعتنق كل واحد منهما صاحبه، فقال له علي رضي الله عنك: ويحك يا زبير، ما الذي أخرجك؟ قال: دم عثمان رضي الله عنه، قال: قتل الله تعالى أولانا بدم عثمان، أوما تذكر يوم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب حماره، فضحك إلي وضحكت إليه وأنت معه، فقلت أنت: يا رسول الله ما يدع علي زهوه، فقال: " ليس به زهو، أتحبه يا زبير "؟ قلت: والله إني لأحبه، فقال: " إنك ستقاتله وأنت له ظالم ولينصرن عليك "، فقال الزبير: أستغفر الله لو ذكرته ما خرجت، فكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان؟ هذا والله العار الذي لا يغسل أبداً، فقال: يا زبير ارجع بالعار قبل أن ترجع بالعار والنار، فرجع الزبير وهو يقول: اخترت عاراً على نار مؤججة ... أنى يقوم لها خلق من الطين نادى علي بأمر لست أجهله ... عار لعمرك في الدنيا وفي الدين فقلت حسبك من عذل أبا حسن ... فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني ورجع الزبير إلى عائشة رضي الله عنها فقال: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا، قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب، فقال له ابنه عبد الله: جمعت هذين حتى إذا حدد بعضهم إلى بعض أردت أن تتركهم وتذهب؟! قال: ذكرني يا بني أمراً كنت أنسيته، فقال: لا والله ولكن فررت من سيوف بني عبد المطلب فإنها طوال حداد تحملها فتية أنجاد، فقال: لا والله ولكن ذكرني ما أنسانيه الدهر فاخترت العار على النار، أفبالجبن تعيرني لا أبا لك!؟ ثم قلع سنانه وشد على ميمنة علي رضي الله عنه فقال: افرجوا له فقد هاجوه، وشد في الميسرة، ثم مضى منصرفاً حتى أتى وادي السباع، والأحنف بن قيس معتزل في قومه من بني تميم، فقال له رجل: هذا الزبير ماراً، فقال الأحنف: ما أصنع بالزبير وقد جمع بين فئتين عظيمتين من الناس فقتل بعضهم بعضاً، وهو مار إلى منزله سالماً، ما رأيت مثل هذا، أتى بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوقها فهتك عنها حجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وستر حرمته في بيته، ألا رجل يأخذ لله منه؟ فلحقه نفر من بني تميم سبقهم إليه عمرو بن جرموز، وقد نزل للصلاة، فقتله وهو ابن خمس وسبعين سنة، وأتى عمرو بن جرموز بسيف الزبير وخاتمه إلى علي رضي الله عنه، فقال علي: هذا سيف طال ما جلى الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الحين ومصارع السوء، وقاتل ابن صفية في النار، ففي ذلك يقول عمرو بن جرموز: أتيت علياً برأس الزبير ... وقد كنت أرجو به الزلفه

_ (1) عند ياقوت: أسماء بنت دريم بن القين، وولدها بنو وبرة بن تغلب. (2) مروج الذهب 4: 317، وفي ما هنا بعض زيادة. (3) مروج الذهب: وأثكلك.

وادي الأزرق:

فبشر بالنار قبل العيان ... فبئست بشارة ذي التحفه لسيان عندي قتل الزبير ... وضرطة عير بذي الجحفة وفي ذلك تقول زوجه عاتكة بنت عمرو بن زيد بن نفيل أخت سعيد بن زيد: غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشاً رعش البنان ولا اليد ثكلتك أمك إن قتلت لمسلماً ... حلت عليك عقوبة المتعمد إن الزبير لذو بلاء صادق ... سمع سجيته كريم المشهد فاذهب فما ظفرت يداك بمثله ... فيما مضى فيما تروح وتغتدي وادي الأزرق (1) : موضع خلف أمج إلى مكة بميل. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على واد فقال: " أي واد هذا "؟ قالوا: وادي الأزرق، فقال: " كأني أنظر إلى موسى عليه السلام وهو هابط هذه الثنية، له جؤار بالتلبية "، ثم أتى على ثنية فقال: " أي ثنية هذه "؟ قالوا: ثنية هرشى، فقال عليه السلام: " كأني أنظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء جعدة خطامها خلبة، وهو يلبي على هذه الثنية ". وادي أبي موسى: موضع بمقربة من جبل نفوسة من البلاد الإفريقية بسفح هذا الجبل كانت الوقيعة (2) بين أبي محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص ملك إفريقية وبين يحيى بن إسحاق الميورقي، وذلك في الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة خمس وستمائة، وحضر تلك الوقيعة جملة من رؤساء العرب وأعيانهم ومن الرياحيين وغيرهم، وحضرها محمد بن مسعود وولده عبد الله وبنو عمه، وذلك أن يحيى بن إسحاق لما انهزم في وقيعة شبرو، وجرى عليه وعلى جموعه بها ما جرى من القتل والنهب والهزيمة، لم يقر له قرار، فاستمال الأعراب ووعدهم وأطعمهم، فاجتمعت له منهم جموع من رياح وزعب والشريد وعوف ونفات ودباب ومن لافهم، ثم رجع بهم إلى إفريقية، وصاحب إفريقية المذكور يراعي أخباره، فلما بلغه ما عزم عليه قال: إن تركنا هنا الفاسق حتى يدخل البلاد أفسدها، فخرج من تونس فنزل المحمدية، ثم جد به السير حتى خرج من حدود إفريقية وتركها خلفه، وتراءى الجمعان بوادي أبي موسى فاقتتلوا قتالاً شديداً، ودخلت الميمنة في الميسرة، والميسرة في الميمنة والقلب على القلب، فأجلت الحرب عن موت محمد بن الغازي، وهو ابن عم يحيى، وحركات ابن أبي الشيخ ومحمد بن مسعود وجمع من أعيان العرب الرياحيين وزعب وشداد، ورأى يحيى ما حل بأصحابه فنكص على عقبيه، واستولى الموحدون على أكثر مضاربه وخزائنه وأسبابه، وفني في هذه الوقيعة مشاهير العرب وأنجادها وأمراؤها، وفر يحيى لا يعرج على شيء، وتفرق جمعه مفلولين مهزومين. وادي سهر (3) : بالزاب من أرض المغرب. وادي آش (4) : مدينة بالأندلس قريبة من غرناطة كبيرة خطيرة تطرد حولها المياه والأنهار، ينحط نهرها من جبل شلير، وهو في شرقيها، وهي على ضفته، ولها عليه أرحاء لاصقة بسورها، وهي كثيرة التوت والأعناب وأصناف الثمار والزيتون، والقطن بها كثير، وكان بها حمامات، ولها بابان: شرقي على النهر وغربي على خندق، وقصبتها مشرفة عليها، وعليها سور حجارة، وهو في ركنها الذي بين المغرب والقبلة. وبقرب وادي آش قرية بها عين تجري سبعة أعوام وتغور سبعة أعوام، قالوا: وهذا معروف على قديم الزمان تسكن بجريان عينها وتخلو بغؤورها. منها عبد البر بن فرسان الوادياشي المتصل بعلي بن غانية

_ (1) معجم ما استعجم 1: 146، وصحيح مسلم 1: 61. (2) انظر أخبارها عند ابن خلدون 6: 196، والبيان المغرب3: 231 (تطوان) . (3) انظر البكري: 52، 59، والاستبصار: 167 وهو نهر المسيلة. (4) بروفنسال: 192، والترجمة: 233 (Guadix) .

وادي أم ربيع:

الميورقي، ثم استوزره بعده أخوه يحيى الطويل الفتنة بإفريقية وجهاتها، وكان صاحب رياسة السيف والقلم، وإليه تنسب الأبيات المشهورة: أجبناً ورمحي ناصري وحسامي ... وعجزاً وعزمي قائدي وزمامي ولي فتك بطاش اليدين غضنفر ... يضارب عن أشباله ويحامي ألا غنياني بالصهيل فإنه ... سماعي ورقراق الدماء مدامي وحطا على الرمضاء رحلي فإنها ... مهادي وخفاق البنود خيامي وأكثر شعره فيما يكنى به طول مدة الميورقي من الحروب كقوله: أديروا مداماً للدماء فإنني ... بها أنتشي طيباً وبالنوح أطرب معيشة ليث ليس يأوي لراحة ... يخال إذا ما جدت الحرب يلعب ذكره ابن سعيد وابن نخيل، ومات بفزان سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وهو القائل: بين الحجاز وبين الغرب قاطعة (1) ....... وادي أم ربيع (2) : هو وادي وانسيفن، عند قلعة مهدي ببلد فازاز من أرض المغرب. وأم ربيع (3) قرية هناك كبيرة جامعة فيها أخلاط من البربر وهم أصحاب حرث ومواش وجمال، والغالب عليهم الفروسية. وأم ربيع على هذا الوادي وهو كبير خرار يجاز بالمراكب سريع الجري كثير الانحدار والصخور والجنادل وبهذه القرية ألبان وأسمان ونعم كثيرة وحنطة في نهاية الرخص وبها بقول ومزارع القطاني والقطن والكمون، وهي في جنوب الوادي ويجاز هذا الوادي (4) ، إلى غيضة كبيرة من الطرفاء والانشام والعليق، وهي غابة كبيرة ملتفة والأسد بها كثيرة، وربما أضرت بالمارة، غير أن أهل تلك النواحي لا يهابونها، وقد مهروا في مقابلتها بأنفسهم من غير سلاح، إنما يلقونها بأنفسهم عراة يلقون أكسيتهم على أذرعهم ويمسكون معهما قتات من شوك السدر وسكاكينهم بأيديهم لا غير فتلقى الأسد منهم هناك نكايات وترجع خائبة. وينحدر (5) هذا الوادي في سعة بلاط قدره عشرون شبراً أو نحوها وعليه قنطرة محدثة وعليها لوح كثير. وبوادي أم ربيع هذا مات صاحب المغرب أبو العلا ادريس بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، وهو القتال السفاك، وذلك في رابع المحرم سنة ثلاثين وستمائة، فإنه لما نازل سبتة وحاصرها ولم يقدر عليها، وأدركته وجموعه المجاعة الشديدة فبلغ مد الشعير عندهم سبعة دراهم، وبلغه أن مراكش تملكها ابن أخيه يحيى فلم يجد بداً من الارتحال عن سبتة، فرحل مضطراً قاصداً إلى مراكش، فلما وصل إلى وادي أم ربيع أدركه حمامه، فمات هناك. فاحتمل ميتاً إلى مراكش، وقام بالأمر بعده عبد الواحد المسمى بالرشيد، فخلف أباه في جده وحزمه، وعند انصرافه إلى مراكش بتابوت أبيه لقي يحيى ابن عمه محمد الناصر مقبلاً إليه بجموع من البربر وغيرهم، فهزمه عبد الواحد واستبد بالأمر، فكان يحيى تارة يصعد إلى الجبل، وتارة ينحدر إلى مراكش، فلم يتأت له شيء، وآخر أمره قتلته المعقلة. وادي لكه (6) : موضع من أرض الجزيرة الخضراء من ساحل الأندلس القبلي، فيه التقى طارق بن زياد مولى موسى بن نصير وجموعه الداخلون الأندلس مع لذريق طاغية الأندلس آخر ملوك القوط الذين عدة ملوكهم بالأندلس ستة وثلاثون ملكاً، وكانت مدة ملكهم الأندلس ثلثمائة سنة واثنتين وأربعين سنة، ولم يكن لذريق هذا من أبناء الملوك، ولا صحيح النسب في القوط، إنما اغتصب الملك وتسور عليه عند موت الملك الذي كان قبله، استصغر أولاده واستمال طائفة من الرجال مالوا معه، فانتزع الملك

_ (1) سقطت الشطرة الثانية وبعدها في ع فراغ بمقدار سطرين. (2) الاستبصار: 185. (3) الإدريسي (د/ ب) : 70 - 71/ 46. (4) زيادة من الإدريسي. (5) الاستبصار: 185. (6) بروفنسال: 193، والترجمة: 235، وانظر مادة ((لكه)) .

وادي سبو:

من أولاده. وكانت الوقيعة سنة اثنتين وتسعين من الهجرة فانهزم القوط أعظم هزيمة وقتل لذريق وغلبت العرب على الأندلس. وادي الحجارة (1) : وهي مدينة تعرف بمدينة الفرج بالأندلس، وهي بين الجوف والشرق من قرطبة، وبينها وبين طليطلة خمسة وستون ميلاً. وهي (2) مدينة حسنة كثيرة الأرزاق جامعة لأشتات المنافع والغلات، ولها أسوار حصينة ومياه معينة وبغربيها نهر صغير لها عليه بساتين وجنات وكروم وزراعات وبها من غلات الزعفران الشيء الكثير، يتجهز به منها إلى سائر البلاد، وبينها وبين مدينة سالم خمسون ميلاً. وادي العلاقي (3) : في أرض الحبشة، إليه يختلف أهل الصعيد وهو واد فيه خلق كثير وجمع غزير، والعلاقي في ذاته كالقرية الجامعة والماء بها من آبار عذبة، ومعدن النوبة المشهور متوسط في أرضها في صحراء لا جبل حولها وإنما هي رمال لينة وسباسب سائلة، فإذا كان أول ليالي الشهر العربي وآخره خاض الطلاب في تلك الرمال بالليل، وكل واحد منهم ينظر فيما يليه من الأرض، فإذا أبصر التبر يضيء بالليل جعل على موضعه علامة يعرفها وبات هناك، فإذا أصبح عمد كل واحد إلى علامته فيأخذ ما يجد فيه ويحمله معه فمضى به إلى آبار هناك، ثم يقبل على غسله بالماء في جفنة عود، فيستخرج الكثير منه، ثم يؤلفه بالزئبق ويسبكه بعد ذلك، فما اجتمع لهم تبايعوه فيما بينهم واشتراه بعضهم من بعض، ثم يحمله التجار إلى سائر الأمصار، فهذا شغلهم دأباً لا يفترون عنه، ومن ذلك معايشهم ومبادي مكاسبهم وعليه يعولون. وادي درعة (4) : بالمغرب، بينه وبين سجلماسة خمسة أيام، وعليه الطريق في الصحراء إلى بلاد السودان. وادي سبو (5) : على نحو ثلاثة أيام من فاس، وفيه يصب وادي فاس وهو نهر عظيم من أعظم أنهار بلاد المغرب، منبعه من جبل في بلاد بني واريتن، ويتصيد فيه الشابل الكبير ويدخل فيه الحوت الكبير، يجلب إلى فاس ومكناسة وتصنع منه ألوان كثيرة. وادي زاقه: في البلاد الإفريقية بين باجة والأربس، تقدم ذكره في حرف الزاي. وبار (6) : مبني على الكسر، بالدهناء، وبها إبل حوشية، قال الخليل: كانت محلة عاد وهي بين اليمن ورمال يبرين، وقد يعرب بوجوه الإعراب، وقال الشاعر: ومر دهر على وبار ... فهلكت جهرة وبار ويقال إن وبار بن أميم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح صارت إلى رمل عالج وهي الأرض المعروفة بأرض وبار، فأهلكهم الله لما كان من بغيهم في الأرض وانقرضوا. والعرب تزعم أن ديار وبار سكنتها الجن وحمتها من كل من أرادها، وكانت أخصب بلاد الله تعالى وأكثرها شجراً وأطيبها ثمراً، وإذا دنا أحد من تلك البلاد ساهياً أو متعمداً أسفت الجن عليه سوافي الرمل وأثارت عليه الزوابع، فيزعمون أنه ليس بهذه الأرض إلا الجن والجمال الوحشية، وهذا عند كثير من العقلاء مردود. قال أبو عمرو (7) : وبار بالدهناء، بلاد بها إبل حوشية ونخل كثير لا أحد يأبره ولا يجده وزعم أن رجلاً وقع إلى تلك الأرض فإذا بتلك الإبل ترد عيناً وتأكل من ذلك التمر فركب فحلاً منها ووجهه قبل أهله، فاتبعته تلك الإبل الحوشية فذهب بها إلى أهله، وقال الخليل: وبار كانت محلة عاد بين اليمن ورمال يبرين فلما أهلك الله تعالى عاداً أورث محلتهم الجن فلا يقربها أحد من الناس، وهي الأرض التي ذكرها الله تعالى في قوله عز وجل " واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون. أمدكم بأنعام وبنين. وجنات وعيون ". ويذار (8) : من مدن خراسان، وهي مدينة حسنة متوسطة المقدار

_ (1) بروفنسال: 193، والترجمة: 234 (Guadalojara) . (2) الإدريسي (د) : 189. (3) الإدريسي (د) : 26 (OG: 40) . (4) البكري: 149، وراجع مادة ((درعة)) . (5) الاستبصار: 184، وانظر البكري (سبوا) ، والإديسي (د) : 79؛ ص ع: شفو. (6) معجم ما استعجم 4: 1366. (7) عاد إلى النقل عن معجم البكري. (8) ص ع: وبدار، ولهذا أوردها المؤلف في هذا الموضع، والتصويب عن ياقوت.

الوتير:

تعمل بها الثياب الويذارية المنسوبة إليها، وهي قطن في قطن، حسنة الصنعة غريبة المثال تلبس خاماً غير مقصورة، وليس بُخراسان أمير ولا وزير ولا قاض إلا وهو يلبسها ظاهراً على ما يكتسيه في الشتاء، وجمالهم بها ظاهر وزينتهم بها فاشية لأنها ثياب تميل إلى صفرة الزعفران لينة الملمس، ويعمر الثوب منها كثيراً ويستخدم المدة الطويلة، ويبلغ ثمن الثوب في بلادهم من ثلاثين ديناراً إلى عشرين ديناراً على قدر جودته ورداءته. وَبْذة (1) : مدينة بالأندلس، وهي حصن على واد بقرب أقليش، وعلى وادي وبذة عدة كثيرة من الأرحاء، ويجري هذا النهر على عدة كثيرة من القرى فيسقيها، وبقرب وبذة قرية يقال لها بنتيج أهلها نصارى ينعقد ماؤها في الإناء فيصير حجراً أصفر، وكذلك أين ما جرى، وينعقد على أسنان أهلها، وتشملهم علة الحصى. الوتير (2) : ماء في أرض خزاعة، عليه كانت الوقيعة بين بني الديل وبني بكر بن عبد مناة بن كنانة وبني خزاعة، وكان الذي هاج ما بينهم أن حليفاً للأسود بن رزن الديلي خرج تاجراً، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله، فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه، فعدت خزاعة، قبيل الإسلام، على بني الأسود بن رزن: سلمي وكلثوم وذؤيب، وهم منخر بني كنانة وأشرافهما، كانوا في الجاهلية يؤدون ديتين ديتين لفضلهم في قومهم، فقتلتهم خزاعة بعرفة عند أنصاب الحرم، ثم حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به، فلما كان صلح الحُدَيْبية دخلتْ خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلتْ بنو بكر في عقد قريش فلما كانت الهدنة اغتنمتها بنو الديل فخرجوا حتى بيتوا خزاعة على الوتير، ماء لهم، وأصابوا منهم رجلاً، وتحاوزوا (3) واقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً، فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق. مما استحلوا منهم، وكانوا في عقده وعهده، خرج عمرو بن سالم الخزاعي الكعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهري الناس فقال: يا ربِّ أني ناشدٌ محمّدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا ... قد كنتم ولداً وكنا والدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا ... فانصر هداك الله نصراً أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا ... أبيض مثل البدر يسمو صعدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إن قريشاً أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وجعلوا لي في كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذل وأقل عددا ... هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركّعاً وسجَّدا ... يقول: قتلنا وقد أسلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نصرت يا عمرو بن سالم "، ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال: " إن هذه السحابة لتسهل بنصر بني كعب ". وجدة (4) : بالدال المهملة، حصن من حصون خيبر. ووجدة (5) : أيضاً بالمغرب، بينها وبين تلمسان ثلاث مراحل، وهي مدينة كبيرة مشهورة قديمة كثيرة البساتين والجنات والمزدرعات والمياه والعيون، طيبة الهواء جيدة الغذاء (6) ، يمتاز أهلها من غيرهم بنضارة ألوانهم وتنعم أجسامهم، ومراعيها أنجع المراعي وأصلحها للسائمة، يذكر أنه يوجد في شاة من شياههم مائتا أوقية من شحم، ويصنعون من صوفها أكسية ليس لها نظير

_ (1) بروفنسال: 194، والترجمة: 236 (Huete) . (2) انظر معجم ما استعجم 4: 1368، وانظر عنده مادتي ((ادام)) و ((فاثور)) ، والنقل عن السيرة 2: 389. (3) ص ع: وتحاجزوا. (4) معجم ما استعجم 4: 1370. (5) الاستبصار: 177، وانظر البكري: 78 - 88. (6) الاستبصار: جيدة التربة.

وج:

في الجودة، يساوي الكساء الجيد فها خمسين ديناراً وأزيد، وعلى وجدة طريق المار والصادر من بلاد المشرق إلى بلاد المغرب وإلى سجلماسة وغيرها. وجرة (1) : بالراء المهملة، على ثلاث مراحل من مكّة في طريق البصرة، وطولها أربعون ميلاً: ليس فيها منزل، قال الطوسي: وجرة في طريق (2) السي، وهي فلاة بين مران وذات عرق، وهي ثلاثون (3) ميلاً يجتمع فيها الوحش، لا ماء فيها، وقال النابغة: من وحشِ وجرةَ موشّىً أكارعُه ... طاوي المصير كسيف الصَّيقَل الفردِ وج (4) : هو الطائف، وقيل هو وادي الطائف. في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لثقيف: " وثقيف أحق الناس بوج ". وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ان آخر وطأة وطئها الله عز وجل بوج "، يريد أن آخر ما أوقع الله عزّ وجل المشركين بوج، وهي الطائف، لأن آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف وحنين؛ وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اشدد وطأتك على مضر "، وحنين وادي الطائف. وقيل سميت بوج بن عبد الحي من العمالقة، وهو أول من نزلها. وفي الخبر ان الحَكَم بن العاصي طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسبب أنه كان يفشي سره، لعنه وسيره إلى وجّ، فلم يزل طريداً حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة أبى بكر وعمر رضي الله عنهما ثم أدخله عثمان رضي الله عنه وأعطاه مائة ألف درهم. وفي الخبر: لمّا مات ابن عباس رضي الله عنهما وخرجوا بنعشه جاء طير عظيم أبيض من قبل وج حتى خالط أركانه ثم لم يروه. ودان (5) : قرية من أمهات القرى بالحجاز، وهو فعلان من الود. وفي سير ابن إسحاق (6) : غزوة الابواء وهي غزوة ودّان. وقال (7) يعقوب بن حميد: أقبلت من مكة، فلما صرت بودان لقيت صفراء من مولداتها فقلت: يا جارية ما فعلت نعم؟ فقالت: سل النصيب، تريد قوله: ألا تسأل الخيماتِ من بطن أرثدٍ ... إلى النخل من ودّان ما فعلتْ نعمُ أسائل عنها كل ركب لقيتهم ... ومالي بها من بعد أن فارقت علم قال: فعجبنا من ظرفها. وقال البكري: من ودان إلى مدينة الجار، وهو بئر تنزل عليه القوافل، بينهما خمسة وثلاثون ميلاً. وودّان (8) : أيضاً في بلاد البربر في حيّز برقة، بينها وبين قصر ابن ميمون ستة أيام، وقصر ابن ميمون آخر عمل طرابلس. قالوا: وكانت ودّان فيما سلف أكثر الأرض عمارة، وكان الملك في أهلها متوارثاً إلى أن جاء دين الإسلام فخافوا من المسلمين فتوغلوا في بلاد الصحراء وتفرقوا ولم يبق منهم إلا بقايا قوم من السودان، معايشهم كدرة وأمورهم نكدة، وهم في سفح جبل طنطنة، وإبلهم قليلة وجلتهم يأكلون لحوم الجمال المقددة ويشربون ألبان الإبل، والحطب عندهم قليل، وأكثر نيرانهم من بعر الجمال وبعض الشوك. ؟؟ ورزيغة (9) : مدينة بين فاس واغمات، كثيرة المياه والثمار، وهي آهلة كثيرة الخيرات تباع فها ألف حبة إجاص بربع درهم، قتل ميسور الفتى أهلها وسبى نساءها بعد زواله عن مدينة فاس سنة أربع وعشرين وثلثمائة.

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1370. (2) معجم البكري: طرف. (3) معجم البكري: ستون. (4) معجم ما استعجم 4: 1369. (5) معجم ما استعجم 4: 1375. (6) السيرة 2: 608. (7) عود للنقل عن معجم البكري. (8) معجم ما استعجم 4: 1375، وانظر البكري: 11، 12، واليعقوبي: 345، والإدريسي (د) : 133، وياقوت (ودّان) . (9) البكري: 155، ص ع: ورزيقة.

ورزازات:

عين وردة: موضع على مقربة من الكوفة وقد تقدم قي حرف العين المهملة. الوردانية (1) : حصن الوردانية بالمغرب بينه وبين حصن القرويين ميلان، وهو على جبل بساحل البحر، ومن الوردانية إلى هنين أربعة أميال، وهو على مرسى جيد مقصود، وهو أكثر الحصون بساتين وضروب ثمر، تسكنه كومية، وبين هذا الحصن ومدينة ندرومة ثلاثة عشر ميَلاً. ورام: بالهند، وفي الكتاب الذي وجه به محمود بن سبكتكين سلطان خُراسان إلى الإمام القادر بالله أمير المؤمنين: ووردت رسلُ مَلِكي كفرة ورام، باذلين عنها حسن الطاعة وذاكرين أن كل واحد منهما ينهض ابناً له إلى خدمة الراية، فأجاب العبد أنهما إن أسلما سلما في الدنيا والآخرة من أشد العذاب، وإن أصرَا على كفرهما لم ينتفعا بانفاذ الهدايا والأولاد شيئاً " إِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَنْ تغنِيَ عَنهمْ أَمْوَالهمْ وَلا أَوْلَادهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأولئِك هُمْ وَقُود النَّارِ " آل عمران: 10 ". ورزازات (2) : بالمغرب، قريب من وادي درعة، وهو بلد هسكورة. الوطيح (3) : حصن من حصون خيبر وكان آخر ما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم الوطيح والسُلالم، حاصرهم فيها رسول الّله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة، وخرج مرحب اليهودي ونادىَ مَن يبارز، وارتجز: فأجابه كعب بن مالك: قد علمت خيبر اني كعب ... مفرج الغما جريء صعب ... معي حسام كالعقيق عضب ... نطؤكم حتى يذل الصعب ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لهذا؟ " فقال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس، قال: " فقم إليه، اللهم أعنه عليه "، فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، كلما لاذ بها اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فاتّقاه بدرقته فوقع سيفه فها فعضت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر يقول: مَنْ يُبارز؟ فخرج إليه الزبير بن العوام رضي الله عنه، فقالت أمّه صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها: يقتل ابني يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " بل ابنك يقتله إن شاء الله "، فخرج الزبير رضي الله عنه فالتقيا فقتله الزبير. وليلي (4) : مدينة بالمغرب بطرف جبل زرهون، مدينة رومية قديمة، ذكروا أن فيها نزل إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن. ابن علي بن أب طالب رضي الله عنهم بعد أن انهزم من وقيعة فخ سنة تسع وستين ومائة فاستتر مدة، وألح السلطان في طلبه، فضاقت عليه المذاهب ورغب في الخروج من بلاد المشرق، فخرج معه راشد، وكان من موالي العلوية وأصله لمن البربر، ليثور به في قومه ويأمن من عدوه " وكان راشد عاقلاً شجاعاً أيّداً ذا فهم ولطف وحزم فخرج به في غمار الحاج وغيَّر زيه وألبسه مدرعة وعمامة من خشن الثياب، وصيره كالغلام يخدمه " إذا أمر أو نهى أسرع، فسار به مستخفياً من موضع إلى موضع حتى قربا من بلاد إفريقية فتركها، وسار به إلى بلاد البربر حتى انتهى إلى بلد فاس وطنجة، فنزل به مدينة وليلي هذه على إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد الأوربي، وكانت اوربة إذ ذاك أعظم قبائل بلاد المغرب، وكانت فيها مدن كثيرة أعظمها حينئذ مدينة سقوما (5) ، وكان إسحاق هذا معتزلي المذهب، فوافقه ادريس على مذهبه

_ (1) البكري: 80، وانظر الاستبصار: 135، والإدريسي (د) : 172. (2) البكري: 152. (3) انظر معجم ما استعجم 4: 1380، والمؤلف ينقل عن السيرة 2: 332 وما بعدها. (4) متابع للاستبصار: 194، والبكري: 118، ويقول صاحب الاستبصار أن وليلي كانت تسمى في زمنه تيسرة، وقد ذكر البكري أن طنجة تسمى بالبربرية وليلي، ثم عقب على ذلك بأن وليلي التي نزلها إدريس لا بد أن تكون مدينة أخرى. (5) الاستبصار: سكوما.

الولجة:

وأقام عنده، وأمر إسحاق قبيلته بطاعته وتعظيمه وكان ذلك في خلافة الرشيد، فوصله خبره فغمه ذلك، فقال له يحيى بن خالد: أنا أكفيك أمره فأرسل إلى سليمان بن جرير وكان من ربيعة يرى رأي الزيدية متعصباً لآل أبي طالب، وكان جلداً شجاعاً، وهو الذي جمع الرشيد بينه وبين هشام بن الحَكَم حين ناظره في أمر الإمامة في قصة طويلة، فرغبه يحيى بن خالد في المال، ووعده عن نفسه وعن الرشيد بمواعيد عظيمة، ودعاه إلى قتل ادريس والتلطف في أمره، فأجابه إلى ذلك، وأعطاه مالاً جزيلاً ودفع إليه قارورة فيها غالية مسمومة، ووجه معه رجلاً من ثقاته فتوغلا في البلاد حتى وصلا إلى ادريس، وكان ادريس عالماً برياسة سليمان في الزيدية، فلما وصل إليه قال له: إنما جئت بنفسي وحملتها على ما حملتها عليه لمذهبي فيكم أهلَ البيت. فجئتك لا من حاجة إليك إلا لأنصرك بنفسي فسر ادريس بقوله وقبله أحسن قبول، فأحسن نزله وأكرم مثواه وأنس به، فكان سليمان يجلس في مجالس من البربر ويظهر الدعاء إلى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتج لأهل البيت كاحتجاجه بالعراق وكان من شياطين الانس، فاعجب ذلك ادريس منه، ومكث عنده مدة وهو يطلب الغرة ويترصد الفرصة في أمره، حتى غاب راشد في بعض أمره، فدخل عليه سليمان ومعه القارورة، فلما انبسط إليه ادريس وأخلى له وجهه قال له سليمان: جعلني الله فداك، هذه القارورة فيها غالية رفيعة أوصلتها معي، وأعلم أنه ليس ببلدك طيب فجئتك بها، ووضعها بين يديه، ففتحها ادريس وشمها وتغلف بها، وقيل أخرج سكينة وقطع به تفاحة وأعطاه النصف الذي يلي الجهة المسمومة من السكين، ثم انصرف سليمان إلى صاحبه وقال: قد تمَّ مرادنا، وقد كانا أعدا فرسين مضمرين، فركباهما وخرجا يركضان يطلبان النجاة، فلما وصل السم إلى خياشم ادريس وتغلغل في دماغه سقط مغشياً عليه لا يعقل، ولا يدري من يختص به من أهله وحاشيته ما شأنه، فبعثوا إلى راشد فجاء مسرعاً، وتشاغل في معالجته، وقطع سليمان وصاحبه بلاداً في تلك المدة. قيل: فبقي إدريس في غشيته عامة نهاره وليلته تضرب عروقه حتى مات، فتبين لهم أمر سليمان بن جرير، فركب راشد في طلبه مع جماعة من أصحابه، فجد السير في طلبهما حتى لحقهما وحده، لأن فرسه كان ضمر أكثر من خيل أصحابه، فأدركهما فشد عليهما راشد، ففر صاحب سليمان، وضرب سليمان بالسيف ثلاث ضربات على وجهه ورأسه، كل ذلك لا يصيب مقتلاً، مع دفع سليمان عن نفسه، وعجز فرس راشد عن ادراكه، فلما رجع عنه راشد نزل فعصب جراحه فسار حتى لحق بالمشرق فكان في المشرق مكتع اليد، ومات إدريس بوليلي سنة خمس وسبعين ومائة فكانت مدته ثلاثة أعوام وستة أشهر، فهذا كان السبب في دخول العلويين بلاد المغرب فيما زعموا. الولجة (1) : بالعراق مما يلي كسكر من البر، وكان فتحها على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه سنة اثنتي عشرة. قالوا (2) : لمّا وقع الخبر إلى ازدشير بمصاب قارن وأهل المذار أرسل الأندرزغر، وكان فارسياً من مولدي السواد وتنّائهم، ولم يكن ممن وُلِد في المدائن ولا نشأ بها، وأرسل بهمن جاذويه في أثره في جيش، وأمره بغير طريق الاندرزغر، فقال أهل فارس ومولدو أهل المدائن هجاء للاندرزغر بالفارسية، وتفسير ذلك: لا يعود الخل عسلاً ولا السوادي فارساً، فأجابهم بالفارسية: لا يلفى الفارسي إلا صلفاً. وكان الأندرزغر قبل ذلك على خرج (3) خراسان، الأندرزغر سائراً من المدائن حتى أتى كسكر ثم جازها إلى الولجة، وخرج بهمن جاذويه في أثره وأخذ غير طريقه، فسلك وسط السواد، وقد حشر إلى الأندرزغر من بين الحيرة وكسكر من عرب الضاحية والدهاقين فعسكروا إلى جنب عسكره بالولجة، فلما اجتمع له ما أراد واستتم له أعجبه ما هو فيه، فأجمع السير إلى خالد، ولمّا بلغ خالداً وهو بالثني خبر الاْندرزغر ونزوله الولجة نادى بالرحيل، وخلّف سويد بن مقرن وأمره بلزوم الحفير، وتقدم إلى من خلف على أسفل دجلة وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة وترْك الاغترار، وخرج سائراً في الجنود نحو الولجة حتى ينزل على الأندرزغر وجنوده ومن تأشب إليه، فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ (4) ورفع النصر، واستبطا خالد كمينه وكان قد وضع لهم كميناً في ناحيتين عليهم بسر بن أبي رهم وسعيد ابن مرة العجلي، فخرج الكمين من وجهين، فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا، وأخذهم خالد من بين أيديهم، والكمين من خلفهم، فم يرَ رجل منهم مقتل صاحبه، ومضى الأندرزغر

_ (1) انظر ياقوت: (الولجة) . (2) الطبري 1: 2029 مع بعض زيادات في النص هنا. (3) الطبري: فرج (وهو الثغر) . (4) الطبري: أفرغ.

وقش:

في هزيمته فمات عطشاً، وقام خالد في الناس خطيباً يرغبهم في بلاد العجم ويزهدهم في بلاد العرب، وقال: ألا ترون إلى الطعام كرفع التراب، وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله عزّ وجلّ والدعاء إليه ولم يكن إلا المعاش، لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به، ونولي الجوعَ والإقلالَ من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه. وسار خالد رضي الله عنه في الفلاحين بسيرة (1) فلم يقتلهم، وسبى عيالات المقاتلة ومن أعانهم، ودعا أهل الأرض إلى الجزي والذمة، فتراجعوا، وبارز خالداً يوم الولجة رجل من أهل فارس يعدل بألف رجل، فقتله خالد، فلما فرغ اتكأ عليه ودعا بغدائه؛ وقال خالد في يوم الولجة: نهكناهم بها حتى استجاروا ... ولولا الله لم يرزوا قبالا فولوا الله نعمته وقولوا ... ألا بالله نحتضر القتالا ألا بالله قوتنا ونبرا ... من الحول المقدرة البسالا ونقارة (2) : في أرض السودان قريبة من غانة، وهي جزيرة طولها ثلثمائة ميل وعرضها مائة وخمسون ميلاً، والنيل يحيط بها من كل جهة في سائر السنة، فإذا كان شهر أغشت وحمي القيظ وخرج النبل وفاض، غطى هذه الجزيرة أو أكثرها وأقام عليها المدة التي عادته أن يقيم ثم يأخذ في الرجوع، فإذا انحدر رجع كل من في بلاد السودان المنحشرين إلى تلك الجهة يبحثون طول أيام رجوع النيل، فيجد كل إنسان منهم في بحثه هناك ما أعطاه الله تعالى قليلاً أو كثيراً من التبر، وما يخيب منهم أحد، فإذا عاد النيل إلى حدّه باع الناس ما حصل بأيديهم من التبر، وتاجر بعضهم بعضاً، واشترى أكثره أهل وارقلان وأهل المغرب الأقصى، فأخرجوه إلى دور السبك في بلادهم، فيضربونه دنانير ويتصرفون به في التجارات والبضائع وهكذا في كل سنة، وهو أكبر غلة عند السودان وعليها يعولون. وفي أرض ونقارة بلاد معمورة ومعاقل مشهورة، وأهلها أغنياء، والتبر عندهم وبأيديهم كثير، والخيرات مجلوبة إليهم من أطراف الأرض وأقاصيها وهم سود جداً، ويزرعون الذرة، وبقربها غابات وحولها شجر التوت كثير وتين ونخل كثير. الوعساء (3) : أرض بحضرموت، قال الشاعر (4) : أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أم سالم وقش (5) : قرية بثغر الأندلس، ينسب إليها أبو الوليد هشام ابن أحمد بن هشام بن خالد الكناني الوقشي (6) من أهل طليطلة، ولي قضاء طلبيرة وعني بالهندسة والمنطق، مليح النادرة ذكر أنه اختصم إليه رجلان فقال أحدهما: يا فقيه اشتريت من هذا اثتي عشر تيساً حاشاك فقال له: قل أحد عشر، توفي بدانية سنة تسع وثمانين وأربعمائة. وقعة الحمار (7) : موضع من عمل اشبيلية كانت فيه وقعة للمسلمين على النصارى، وذلك في سنة عشر وستمائة، اتفق الفنش صاحب قشتالة، وصاحب بلاد الجوف، على أن يخرجا بعسكريهما على بلاد الإسلام التي لا دافع عنها بجزيرة الأندلس بعد وقيعة العقاب، فأما صاحب بلاد الجوف فجاء في الشمال إلى عمل اشبيلية فاصطلم كل ما مرَّ عليه إلى أن انتهى إلى مرج الحمار، فخرج السيد أبو زكريا بن أبي حفص بن عبد المؤمن صاحب اشبيلية بعسكر الأندلس الوافر الذين لم تلحقهم معرّة العقاب في السنة الماضية فوعدهم ومناهم وأثار حفائظهم وزحف بهم إلى العدو فأعطاه الله تعالى النصر، فيقال إنهم قتلوا منهم نيفاً على عشرة آلاف، وامتلأت أيديهما مما كان في عسكرهم، وكانت وقيعة

_ (1) الطبري: بسيرته. (2) الإدريسي (د/ ب) : 8/ 8 (OG: 24) . (3) قال ياقوت: موضع بين الثعلبية والخزيمية؛ وهذا أقرب إلى الصواب. (4) هو ذو الرمة، ديوانه: 700. (5) بروفنسال: 196، والترجمة: 327 (Huecas) ، وهي اليوم في مقاطعة طليطلة. (6) له ترجمة في الصلة: 617، وبغية الملتمس رقم: 1426، والمطرب: 233، وطبقات صاعد: 74، والنفح 3: 376، 4: 137، 162. (7) بروفنسال: 196، والترجمة: 238.

وهران:

تحُدِثَ بها زماناً وما زال أهل اشبيلية يعتزون مما اتفق فيها فيخرجون متى ألم عدو بجهاتهم فيرجعون إلى أنحس حالة وأكثرهم أسير أو قتيل. واسللت (1) : جبل عظيم طوله يومان، وبينه وبين القيروان خمسة عشر ميلاً، وفيه عمارات ومياه جارية وفيه حصون كثيرة عامرة لأهلها مواش وأبقار وأغنام، ورجال العرب متغلبون على سهول هذه الأرض. وشقة (2) : مدينة حصينة بالأندلس لها سوران من حجر بينها وبين سرقسطة خمسون ميَلاً، ووشقة مدينة حسنة متحضرة ذات متاجر وأسواق عامرة وصنائع قائمة، وأحوازها تتصل بأحواز بربطانية، ومشقة بشرقي مدينة سرقسطة، وهي مدينة كبيرة أولية قديمة رائقة البنيان، قد اتقن سورها أتم اتقان، وبها أزيد من ستين مسجداً، وهي على نهر يشق مدينتها ويجري في حمّامين من حمّاماتها وتسقى بفضلة مائه بساتين، وهي كريمة التربة، ويحيط بها من جنباتها جنات مغروسة وحدائق من الثمار ملتفة، وهي مخصوصة بطيب الكمثرى والزعرور، وحاصر المسلمون مدينة وشقة منذ فتح الأندلس حصاراً طويلاً حتى بنوا عليها المساكن وغرسها الغروس وحرثوا لمعايشهم، واتصل ذلك من فعلهم سبعة أعوام، والنصارى في القصبة القديمة محصورون، فلما طال عليهم الحصار استأمنوا لأنفسهم وذراريهم، فمن دخل في الإسلام ملك نفسه وماله وحرمته، ومن أقام على النصرانية أدى الجزية فليس بوشقة من أهلها المتأصلين رجل ينتهي في أصل صحيح من العرب وشكة (3) : مدينة بثغر سرقسطة، منها أبو عبد الله محمد بن أحمد الوشكي سكن مرسية وعاشر صفوان صاحب " زاد المسافر (4) " وبينهما مراسلات ومن شعره: لست أهوى الخد إلا ... مثل ماء دون طحلب والذي تلقاه يهوى ... ذاك كالهائم يطلب وله: إن عضَّك الدهر بأنيابه ... فاصبر عسى ينزع عن عضه ودار من تبصره مبغضاً ... فربما يضجر من بغضه وهران (5) : بالمغرب على ساحل البحر، قيل إنها أسست في سنة تسعين ومائتين، وبناها جماعة من الاْندلسيين البحريين بسبب المرسى، للفتنة مع قبائل البربر المجاورين لها، فسكنوها مع قبيل من البربر نحو سبعة أعوام، ثم زحف إليهم قبائل كثيرة من البربر الطالبين للثأر الذي بينهم وبين القبيل الذين مكثوا معهم من البربر، ونصبوا الحرب، فهرب البربر الساكنون بها، وتغلب البربر المحاصرون عليها وأخرجوا من كان فيها وأضرموها ناراً، فخربت وهران عند ذلك وبقيت سنين خربة، ثم تراجع الناس إليها وبنوها فعادت إلى أحسن مما كانت عليه. وهي مدينة كثيرة البساتين والثمار، ولها ماء سائح من عيون وأنهار وأرحاء كثيرة، وهي من غرّ البلاد، ولها نظر كبير فيه قرى كثيرة وآثار قديمة، وأهلها موصوفون بعظم الخلق وكمال القامة والأيد والشدّة، يكون الرجل الكامل من غيرهم إلى منكب الرجل منهم، واقتطع رجل منهم ألف طلحة (6) وحملها على ظهره يقيم بها بيتاً يسكنه، ولوهران مرسى كبير للسفن يكنّ من كل ريح لأنه في جون جبل مطل على وهران مرتفع. وعلى وهران (7) سور تراب متقن، وبها أسواق وصنائع كثيرة

_ (1) الإدريسي (د/ ب) : 119/ 87؛ ص ع: وسلات، وفي بعض أصول نزهة المشتاق: واسلات، وكذلك أثبته بيريس. (2) بروفنسال: 194، والترجمة: 236 (Huesca) . (3) بروفنسال: 195، والترجمة: 237 (Huesca) ، ولا فرق بين هذه والسابقة. (4) أبو البحر صفوان بن إدريس التجيبي المرسي (- 598) ؛ انظر ترجمته في مقدمة ((زاد المسافر)) ، تحقيق عبد القادر محداد (بيروت 1939، 197) . (5) متابع للاستبصار: 133، وهو تلخيص لما أورده البكري: 70 - 71. (6) الاستبصار والبكري: كلخة. (7) الإدريسي (د/ ب) : 84.

ويطونان:

وتجارات نافقة، وهي تقابل مدينة المرية في ساحل برّ الأندلس، وسعة البحر بينهما مجريان، ومنها أكثر ميرة ساحل الأندلس، ولها على بابها مرسى صغير لا يستر شيئاً، ولها على ميلين منها المرسى الكبير، به ترسي السفن الكبار وهو يستر من كل ريح، لا مثال له في المراسي، وشرب أهلها من واد يجري إليها من البّر، وعليه بساتين وجنات، وبها فواكه ممكنة، وأهلها في خصب، والعسل بها والسمن والزبد كثير، والبقر والغنم رخيصة، والمراكب مختلفة إليها، وفي أهلها غرة أنفس ونخوة. ويطونان (1) : موضمع بين مدينة تامدلت ومدينة اودغست، فيه بئر يُسْهل ماؤها مَن شَربَ منه من الناس والبهائم، وماؤها كثيره لا ينزف.

_ (1) البكري: 157؛ ص ع: ويطرنان.

فراغ

يافه:

حرف الياء يابه (1) : قرية من قُرى بخارى. وياب (2) : مدينة من مدن فرغانة. يافه (3) : هي فرضة بيت المقدس، بينهما مرحلتان خفيفتان، وقد تقدَّم في ذكر لدّ قصة ابن حمل الضأن الذي يفتح الشام، ويضرب برواقه على تل يافا، وقد تقدم الخبر بطوله. يازور (4) : قرية من أعمال الرملة بفلسطين، بنسب إليها أبو محمد الحسن بن علي اليازوري وزير المستنصر بن الظاهر خليفة مصر الشيعي، وسِير هذا الوزير وأخباره مصنفة لبعد آثاره وتمكنه من الاستيلاء على الدولة العبيديّة، وهو الذي وجه عرب الصعيد إلى إفريقية لما خلع المعز بن باديس الصنهاجي دعوة العبيدية، مات سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة. يان (5) : قرية من قُرى بلخ، منها أبو جعفر محمد بن رميح الياني، حدَث بسَنده قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تصلّوا عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها، ولا نصف النهار حتى تزول الشمس، ولا يوم الجمعة والإمام يخطب ". يَابُرَة (6) : مدينة من كور باجة الاندلس، وهي قديمة، وتنتهي أحواز باجة فيما حواليها مائة ميل، وينسب إليها ابن عبدون اليابري الشاعر (7) . وفي قصيدة (8) عيسى بن الوكيل المشهورة التي مدح بها علي ابن القاسم بن محمد بن عشرة قاضي سلا التي أولها: سَل البرقَ إذ يلتاح من جانب البرقا ... أَقرطَيْ سليمى أم فؤادي حكى خفقا ولمْ أسبلت تلك الغمامةُ دمعها ... أَريعتْ لوشكِ البين أم ذاقتِ العشقا يقول فيها: غريب باْرض الغرب فرق قلبه ... فآوت سلا فرقا ويابرة فرقا إذا ما بكى أو ناح لم يلف مسعداً ... على شجوه إلا الغمائم والورقا

_ (1) كذا هو، وقد تصحف على المؤلف، فقد جاء في اللباب 1: 81 في نسبة البابي (بباءين موحدتين) ، إنها نسبة إلى قرية من قرى بخارى يقال لها بابة، وقال ياقوت: باب من قرى بخارى ثم أورد قول السمعاني بأنها بابة بالهاء. (2) وهذا أيضاً مما نقله المؤلف مصحفاً؛ جاء عند ابن خرداذبه: 207 الباب: وهي مدينة عظيمة من مدائن فرغانة. (3) نزهة المشتاق: 113 (يافا) ، وقارن بياقوت (يافا) ، والنسبة إليها ((اليافوني)) . (4) انظر ياقوت (يازور) ؛ وفي ترجمة الوزير اليازوري انظر الإشارة إلى من نال الوزارة: 40. (5) لم أعثر على هذا الاسم، وأغلب الظن أنه نصحف أيضاً. (6) بروفنسال: 197، والترجمة: 239 (Evora) . (7) هو عبد المجيد بن عبدون شاعر بني الأفطس (- 529) . (8) يعتمد المؤلف هنا على إعتاب الكتاب: 224، وعن بني عشرة انظر بحثاً للصديق العالم محمد بنشريفة بمجلة البحث العلمي المغربية، 1968.

ياجميرى:

ومنها في المدح: حياء يغض الطرْف إلا على العلى ... وعرض كماء المزن في المزن بل أنقى وفضل نمير الماء قد خضَّر الربى ... وعدل منير النجم قد نوَّر الأفقا بلغنا بنعماك الأمانيَّ كلها ... فما بقيت أمنيّة غير أن تبقى وسبب مدحه له بهذه القصيدة أنه كان مستعملاً بغرناطة في الدولة اللمتونية، فحكي أنه انكسر عليه مال جليل يبلغ عشرة آلاف دينار، فقبض عليه وأشخص منكوباً إلى مراكش، فلما بلغ الموكلون به مدينة سلا وبها يومئذ بنو القاسم المعروفون ببني عشرة، رباب السماح وأرباب الأمداح، قال هذه القصيدة يمدح القاضي أبا الحسن منهم ويستجير به، وسأل إيصالها إليه، فبادر عند الوقوف عليها إلى المخاطبة بتضمن المال وتحمّله وسؤال الصفح عنه والابقاء عليه باعادته على عمله، فصدر جوابه الاسعاف والاسعاد، وعاد ابن الوكيل إلى غرناطة أنبه معاد. الياسرية (1) : موضع من متفرجات بغداد على نهر عيسى، كان رضوان الياسري ملازماً سكنى الياسرية، وكان كثير القول في المياه والرياض، له: بالياسرية موقف العُشّاق ... وتراسل الأحداق بالأحداقِ ورياض كل أخي انفساح مبهج ... ومآلف الزفرات والاحراق وكان طاهر بن الحسين حين ضيق على المخلوع نزل الياسرية فاجتهد في حصاره، ثم نزل باب الأنبار وحاصر أهل بغداد، وتمادى القتال حتى كان من قتل المخلوع ما كان. يابسة (2) : جزيرة تلي جزيرة ميورقة، ويقال لهذه الجزيرة ولمنورقة - بالنون - بنتا جزيرة ميورقة. وهي جزيرة (3) حسنة كثيرة الكروم والأعناب، وبها مدينة حسنة صغيرة خضرة، وأقرب بر إليها مدينة دانية، بينهما مجرى، والمجرى مائة ميل، وفي شرقي يابسة جزيرة ميورقة بينهما مجرى. وبجزيرة يابسة عشرة مراس، وبها أنهار جارية. وقرى كثيرة وعمائر متصلة، وأرضها تنبت الصنوبر الجيد العود للانشاء وعدد المراكب، وبها ملّاحة لا ينفد ملحها، ويتصل بها في القبلة جزيرتان بينهما وبينها مجازات تسمى الأبواب. ياجميرى (4) : من أرض الموصل، إليها كان ينتهي مصعب عند خروجه للقاء عبد الملك، وكانت أقصى مملكته، ولذلك قال أبو الجهم الكناني: أبيت يا مصعب إلّا سيرا ... في كلّ عام لد يا جميرا يبورة (5) : مدينة بالأندلس، بينها وبين مدينة القصرين (6) مرحلتان، وهي كبيرة عامرة بالناس لها أسواق وقصبة، ومسجد جامع، وبها الخصب الكثير الذي لا يوجد لغيرها من كثرة الحنطة واللحم وسائر البقول والفواكه، وهي أحسن البلاد بقعة وأكثرها فائداً، والتجارات إليها داخلة خارجة، وبينها وبين بطليوس مرحلتان. يتَرب (7) : ثانيه تاء مثناة مفتوحة الراء، قرية بين اليمامة والوشم، يقال يترب أو أترب، بالهمز وأنشد (8) : وقلن لحا الله رب العباد ... جنوب السخال إلى يتربِ

_ (1) انظر ياقوت (الياسرية) . (2) بروفنسال: 198، والترجمة: 240 (Ibiza) . (3) عن الإدريسي (د) : 214. (4) هذا مصحف، فقد أوردها ياقوت في حرف الياء ياجميري، وكذلك هي سائر المصادر، انظر الطبري 2: 59، 60، ومروج الذهب 5: 240. (5) بروفنسال: 198، والترجمة: 241 (Evora) ، وقد جاءت ناقصة كثيراً في طبعة بروفنسال. (6) يقترح بروفنسال أن نقرأ: مدينة القصر. (7) معجم ما استعجم 4: 1388. (8) البيت للنابغة الجعدي، ديوانه: 32.

يدوغ:

يثرب (1) : بالثاء المثلثة، اسم جاهلي لمدينة النبي صلى الله عليه وسلم سميت بيثرب بن قانية بن مهليل بن ارم بن سام بن نوح، لأنه أول من نزلها. ولمّا هلك هؤلاء ببعض غوائل الدهر وأقصدتهم سهامه قال بعض ولده ممن رثاهم: عين جودي على عبيل وهل يُر ... جع ما فات فيضُها بانسجام عمروا يثرباً وليس بها شف ... ر ولا صارخ ولا ذو سنام غرسوا لينها بمجرى معين ... ثمّ حفوا الفسيل بالآجام وقال اله تعالى حاكياً " وَإذ قَالَت طَائِفَة مِنهم يَا أهلَ يَثرِب لَا مُقَامَ لَكم " " الأحزاب: 13 "، وقال صلى الله عليه وسلم: " تسمونها يثرب ألا وهي طيبة "، كأنه كره أن تسمى يثرب لما فيه من لفظ التثريب. ولمّا خرج عمرو بن عامر من اليمن بسبب أنه رأى جرذاً يحفر في سدّ مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم، علم أنه لا بقاء للسدّ على ذلك، فعزم على النقلة من اليمن، فكاد قومه، فأمر أصغر بنيه أن يلطمه في القصة المشهورة، فتفرقوا في البلاد، فنزلت الأوس والخزرج يثرب، والخبر طويل. قالوا: وكانت يثرب تدعى في الجاهلية غلبة، غلب عليها اليهود العماليق، وغلب الأوس الخزرج علها اليهود، وغلب المهاجرون عليها الأوس والخزرج، وغلب الأعاجم عليها المهاجرين. يجاجين (2) : بمقربة من سبتة، وهي مدينة جليلة مفيدة، على نهر عذب، وبها جامع وأسواق وحمّام، وهي لمصمودة. اليحموم (3) : جبل بالجزيرة قريب من الثرثار. يدوغ (4) : جبل يدوغ على مدينة بونة، وهو عالي الذروة، وفيه معادن الحديد. اليرموك: موضع بالشام فيه كانت الوقيعة العظمى المشهورة للمسلمين على الروم في الصدر الأول. قالوا (5) : إن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لمّا بلغه كتاب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يأمره بنزول حمص ويحذره من المتنصرة، انثنى أبو عبيدة رضي الله عنه إلى حمص فنزل بها يوم الجمعة من شوّال سنة أربع عشرة، فصالحه أهلها على أداء الجزية بعد أن قاتلهم، وبها مات عكرمة بن أبي جهل، وبعث خالداً رضي الله عنه إلى المعرّات وبلد العواصم، فصالحه أهلها على أداء الجزية، فلما بلغ هرقل افتتاح العرب لهذه البلاد، جيش الجيوش من كل ناحية، وأرسل إلى أهل رومية وأهل قسطنطينية وأهل أرمينية ومن كان على دينه من أهل الجزيرة، وبعث إلى عماله أن يحشدوا كلَّ من بلغ الحلم فما فوقه من أهل مملكته إلا الشيخ الفاني، فاجتمعوا، ووجَّه معهم من الملوك ابن قاطر وجرجير الأرمني والدرنجار وقورين ابن اخته، ومعهم الشمامسة والقسيسون والرهبان والأساقفة والبطارقة، ولم يبق في الصوامع راهب إلا نزل غضباً لدينهم، فرفعوا مائة ستين صليباً تحت كل صليب عشرة آلاف، وأمر عليهم ماهان الأرمني، وكان من أشرافهم وعظمائهم ليس فيهم أشجع منه. فلما (6) بلغ المسلمين اجتماع جموع الروم استشار أبو عبيدة رضي الله عنه أهل الرأي، فكلهم أشار عليه بالخروج عن الشام إلا خالد بن الوليد رضي الله عنه، وتبعه على ذلك قيس بن هبيرة بن مكشوح، وكان مثله في الشدة والاقدام والشجاعة، فقال خالد لأبي عبيدة: ولِّني ما وراء بابك ودعني والأمر، فولاه أبو عبيدة أمرهم.

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1389. (2) البكري: 114. (3) ذكر ياقوت في مادة ((اليحموم)) ثلاثة مواضع بهذا الاسم ولم يذكر أن يقرب الثرثار جبلاً يقال له اليحموم والظاهر أن المؤلف هنا قاس اليحموم على الحشاك في قول الأخطل: أمست إلى جانب الحشاة جيفته ... ورأسه دونه اليحموم والصدر (4) الإدريسي (د/ ب) : 117/ 86؛ ص ع: يدرع؛ وعند البكري: 55 أن الجبل المطل على بونه يسمى ((زعوغ)) . (5) انظر فتوح البلدان للبلاذري: 160، والطبري 1: 2090، وفتوح الأزدي: 134. (6) فتوح الأزدي: 168.

فصار خالد إلى اليرموك، واجتمع به جموع المسلمين، ونزل الروم بالواقوصة على ضفّة اليرموك - وهو واد - وصار الوادي خندقَاً بينهم، وهو لِهْبٌ لا يدرك، وزحفت الروم في يوم في ضباب، وفيهم ثمانون ألف مقيد، وأربعون ألفاً في السلاسل، عشرة في سلسلة، وأربعون ألفاً مربوطون بالعمائم، وأقبلوا لهم دويّ كدويّ الرعد، فأزالوا المسلمين على الميمنة إلى ناحية القلب، وكان خالد رضي الله عنه في نحو ألف فارس، وقيل في نحو ستة آلاف، فلما رأى انكسار المسلمين واضطراب فرسان العرب، وكان إلى جنبه أكثر من مائة ألف من الروم، فاعترضهم وحمل عليهم، فما بلغتهم الحملة حتى فضَّ الله جمعهم واتبعهم من يليهم، فانكشفوا بين أيديهم كما تولي الغنم بين يدي الأسد. وحمل عليهم (1) المسلمون من كل ناحية، فمنحهم الله تعالى أكتافهم فقتلوهم كيف شاءوا لا يمتنعون من أحد، وركب الروم بعضهم بعضاً في الضباب إلى مكان شرف على أهوية تحتهم، فأخذوا يتساقطون فيها لا يعلم آخرهم ما لقي أولهم من أجل الضباب، فكان من صبر للقتال من المقرنين يهوي به من خشعت نفسه، فيهوي الواحد بالعشرة فلا يطيقونه، فسقط فيها خلق كثير، فبعث أبو عبيدة رضي الله عنه من الغد شداد بن اوس بن ثابت ابن أخي حسَان يعدهم فلم يقدر، فقطعت القصب من الوادي وجعل على كل ألف قتيل قصبة، فإذا القتلى مائة ألف وعشرون ألفاً، فسميت تلك الأهوية حينئذ الواقوصة لأنهم وقصوا فيها، وما فطنوا بتساقطهم حتى انكشف الضباب، فأخذوا في وجه آخر، وقتل المسلمون منهم في المعركة مائة ألف وخمسة آلاف فيهم صناديدهم وفيهم أخو هرقل والتدارق والصقلار خصي هرقل، وذلك يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة خمس عشرة. وفر ماهان في من بقي من الروم إلى دمشق، فاتبعه خالد رضي الله عنه في جيشه فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وترجل ماهان فقتله النعمان بن علقمة الازدي، وقيل بل عاصم بن حوال اليربوعي، فقومت عدته التي خرج بها للحرب بستين ألفاً لأنها كانت مرصعة بالدر والياقوت. ولم يزل خالد رضي الله عنه يتبعهم فيقتلهم في كل واد وكل شعب وكل جبل. وكتب عمر بن الخطّاب إلى أبي عبيدة رضي الله عنهما أن يقسم الغنائم على المسلمين، فقسمها بدمشق، فأصاب الفارس أربعة وعشرون ألف مثقال من الذهب الأحمر ومثلها من الفضة، وأصاب الراجل ثمانية آلاف من كل نوع، وأعطى الفَرَس الهجين سهماً والفَرَس العربي سهمين، وألحق البراذين بالعربيات، وكانت أيام اليرموك من أشد أيام القتال، وأشدها يوم التغوير، وهو اليوم الذي أمر فيه ماهان مائة ألف رام من الأرمن أن يرموا فيه كلهم عن قوس واحدة، فرموا فغارت من المسلمين سبعمائة عين، منهم عين أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه. وفي طريق آخر أنه لمّا تصافوا للقتال برز من صفّ العدو رجل منهم عظم الشأن عندهم، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: مَن يبرز إليه؟ فبرز إليه قيس بن هبيرة بن المكشوح، فطعنه فأرداه عن فرسه، فنادى أبو عبيدة رضي الله عنه في الناس: والله مما بعدها إلا النصر فاحملوا، فحمل المسلمون فكانت الدبرة على الروم، فقتل منهم سبعون ألفاً لأنهم كانوا تقيّدوا للثبوت فلم ينج منهم إلا الأقل من الثلث، ولم يقتل في وقيعة من أهل الدهر إلى وقتنا هذا أكثر من قتلى اليرموك، وقال قيس بن المكشوح: جلبنا الخيل من صنعاء ... بكل مدجج كالليث حامي إلى وادي القرى فديار كلب ... إلى اليرموك بالبلد الشآمي واليرموك نهر بذلك الموضع وبه سمي. وفي التفسير أن لقمان لما وعظ ابنه بقوله عزّ وجلّ " يَا بُنيَّ إِنَّها إلا تَك مِثقَالَ حبةٍ مِن خَرْدَلٍ " الآية " لقمان: 16 " أخذ حبّة من خردل فأتى بها إلى اليرموك وألقاها في عرضه، ثم مكث ما شاء الله تعالى، ثم ذكرها فبسط يده، فأقبل ذباب فألقاها في ناحيته. ومن امداح حسان بن ثابت لآل جفنة في الجاهلية قوله: لمن الدار أقفرت بمعانِ ... بين أصل اليرموك فالخمان ذاك مغنى لآل جفنة في الده ... ر محلاً لحادث الأزمان

_ (1) فتوح الأزدي: 207، وراجع مادة ((الواقوصة)) .

اليمامة:

وقد تقدم في ذكر جلق قصة جبلة بن الأيهم، وذكر هذا الشعر هناك. يلملم (1) : جبل أو قرية على ليلتين من مكَّة من جبال تهامة، وأهله كنانة، تنحدر أوديته إلى البحر، وهو في طريق اليمن إلى مكَّة، وهو ميقات من حجَّ من هناك، وماؤها من آبار وعيون. يلاق (2) : من مدن النوبة، وهو بين ذراعين من النيل، وأهلها متحضرة ومعايشهم حسنة، وربما وصلت إليهم الحنطة مجلوبة، والشعير والذرة عندهم ممكنة موجوعة، وبها يجتمع تجار النوبة والحبشة، ويسافر تجار مصر إليها إذا كانوا معهم في صلح وهدنة، وأرضها تسقى بالنيل وبالنهر الذي يأتي من بلاد الحبشة، وهو نهر كبير جداً يمدّ النيل، وموقعة بمقربة من مدينة يلاق وفي الذراع المحيط بها، وعليه مزارع أهل الحبشة وكثير من مدنها، وليس في مدينة يلاق مطر ولا يقع بها غيث البتة، وكذلك في ساذر بلاد السودان من النوبة والحبشة والكانميين وغيرهم من الأمم لا يمطرون وما لهم إلا فيض النيل. يلمقة (3) : من مصانع اليمن التي بنتها الجن على عهد سليمان عليه السلام مثل سلحين وغمدان، لم ير الناس مثلها، هدمتها الحبشة حين غلبت على اليمن، وير هذا المصنع يلمقة باسم بلقيس بنت هداد صاحبة سليمان عليه السلام ملكة سبأ، وكان اسمها يلمقة. يَمَن (4) : بفتح أوله وثانيه، موضع قريب من مكة، قال ابن أبي ربيعة: نظرت عيني إليها نظرةً ... مَهْبطَ البطحاء من بطن يَمَنْ فأمّا اليمن البلد المعروف الذي كان لسبأ فسمي يمنَاً لأنه عن يمين الكعبة، كما سمي الشام شاماً لأنه عن شمال الكعبة، والحجاز حجازاً لأنه حاجز بينهما، وقيل سمي اليمن ليمنه والشام لشؤمه، وقيل سمي اليمن يمنًا بتيمن بن قحطان. وهذا الأخير هو مراد سديف الشاعر (5) فيما أحسب بقوله لبعض الطالبيين: لا عز ركنا نزار يومَ نائبةٍ ... إن أسلموك ولا ركنا ذوي يمن قوموا بدعوته ننهض بطاعتنا ... إن الخلافة فينا يا بني حسن يمويمن (6) : هي مدينة دكالة بين مراكش وبين البحر المحيط، حدَّث بعضهم قال: دخلت مدينة يمويمن في أيام العادل خليفة مراكش، وهي في نهاية من العمارة، والخبز ستة عشر رغيفاً بدرهم، والعلفة بنصف درهم، والدجاجة مع عشرين بيضة بنصف درهم، وكنت أتعجب من قبائل دكالة إذا وصلوا بالضيافات وعرضوا أنفسهم، ولهم الخيول الحسنة والملابس الرائقة والعُدَد المستحسنة، فما هو إلا أن رجعنا لمراكش فصار جميع ذلك للضّد باستيلاء عرب الخلط على بلادهم حتى تركوها خراباً، وافتضوا الأبكار وهتكوا الأستار وعظمت الشناعة، فانتقى العادل عسكراً ثانياً كان زيادة في السلب، فخرج العسكر إلى محاربة العرب وهسكورة، عليه أبو إسحاق ابن إسماعيل بن أبي حفص، وهو الذي تقدمت ولايته على إفريقية، وعندما التقى الفريقان انهزم العسكر المراكشي وقتل أميره أبو إسحاق وأكابر فرسانه ولم يخلص إلا القليل ممن كان على فرس سابق. اليمامة (7) : مدينة متصلة بأرض عُمان من جهة المغرب مع الشمال، كان اسمها جوّاً، وسميت اليمامة بامرأة، وهي الزرقاء، زرقاء اليمامة، وهي المشهورة في الجاهلية بجودة النظر وصحة إدراك البصر، وهي التي يقول فيها النابغة (8) :

_ (1) معجم ما استعجم 4: 1398، وانظر البكري (مخ) : 70. (2) الإدريسي (د/ ب) : 20/ 13 (OG: 38) يلاق - بالياء الموحدة -، وابن الوردي: 36 وكتب الياء) وذكرها في الترجمانة: 481 يلاق - بالياء الثناة -، وهو في الأغلب يتابع الروض المعطار. (3) معجم ما استعجم 4: 1398. (4) معجم ما استعجم 4: 1401. (5) سديف بن ميمون مولى بني هاشم شاعر مقل من شعراء الحجاز ومن مخضرمي الدولتين، كان شديد التعصب لبني هاشم، وله في التحريض على بني أمية أشعار (الأغاني 16: 86) . (6) لم أجد لها ذكراً في المصادر، ولا أقطع بصحة رسمها. (7) انظر البكري (مخ) : 70. (8) ديوانه: 14.

احكم كحكم فتاة الحيِّ إذ نظرت ... إلى حمامً شراعً واردِ الثمد الأبيات، وفيها يقول الأعشى (1) : قالت أرى رجلاً في كفه كتف ... أو يخصف النعل لهفي أيَّةً صنعا فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا ومدينتهم المشهورة الخضرمة (2) وهي مدينة عامرة فيها مزارع ونخل كثير أكثر من بلاد الحجاز. قالوا (3) : وبأرض اليمامة نوع من الحيات سمي العربد لا يوجد في غيرها وقد جهد حنين بن إسحاق أن يجلبه إلى المتوكل بسرّ من رأى حين كلف مثل هذا من الأعاجيب فلم يستطع، وذلك لأنه إذا خرج به عن اليمامة إلى موضع معروف المسافة عدم من الوعاء، أهل اليمامة ينتفعون به لمنع الحيات والعقارب وسائر الهوام كانتفاع أهل سجستان بالقنافذ، وفي عهد سجستان بالقنافذ ألا تقتل قنفذة ببلدهم لأنه بلد كثير الرمل بناه ذو القرنين في مطافه وهو كثير الأفاعي والحيات، ولولا كثرة القنافذ لتلف مَن هناك. وقد جلب حنين إلى المتوكل اثنين من النسناس، إلى سائر المستغربات، ولم يقدر على الحيات. وذكر الجاحظ أن اليمامة كانت من بنات لقمان بن عاد. وفتحت اليمامة صلحاً في سنة اثنتي عشرة في خلافة الصديق رضي الله عنه، على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه، بعد أن قتل مسيلمة الكذَّاب ودجّال بني حنيفة. قالوا (4) : لمّا قدمت وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقدم وفدٌ أسوأ قلوباً ولا أحرى أن يكون الإسلام لم يقر فيهم من بني حنيفة، وذكر مسيلمة لرسول الله: فقال: " اما أنه ليس بشرَكم مكاناً "، لما كانوا أخبروه من أنهم تركوه في رحالهم حافظاً لها، وكان قال عندما قدم في قومه: لو جعل لي محمد الخلافة من بعده لاتبعته، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " لئن أقبلت ليفعلنَّ الله بك، ولئن أدبرت ليقطعنَّ الله دابرك، وما أراك إلا الذي رأيت فيه ما رأيت "؟ وكان صلى الله عليه وسلم قال: " بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فنفختهما فطارا، فوقع أحدهما باليمامة والآخر باليمن "، قيل: ما أولتهما يا رسول الله؟ قال: " أولتهما كذّابين يخرجان من بعدي ". فلما انصرف في قومه إلى اليمامة ارتدّ عدوّ الله وادعى الشركة في النبوّة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال للوفد الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني: أما إنه ليس بشركم مكاناً، ما ذاك إلا لما علم أني أشركت في الأمر معه؟ وجدَّ له ضلاله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك، إلا أفذاذاً (5) من ذوي عقولهم. فوجَّه (6) الصدّيق رضي الله عنه إليه خالداً رضي الله عنه، وكتب إليه: أمّا بعد، فقد جاءني كتابك مع رسولك تذكر ما أظفرك الله بأهل بزاخة وما فعلت بأسد وغطفان، وإنك سائر إلى اليمامة، وذلك عهدي إليك، فاتق الله وحده لا شريك له، وعليك بالرفق بمن معك من المسلمين، كن لهم كالوالد، وإياك يا خالد بن الوليد ونخوة بني المغيرة فاني عصيت فيك من لم أعصه في شيء قط، فانظر بني حنيفة إذا لقيتهم إن شاء الله، فإنك لم تلق قوماً يشبهون بني حنيفة، كلهم عليك ولهم بلاد واسعة، فإذا قدمتَ فباشر الأمر بنفسك، واجعل على ميمنتك رجلاً، وعلى ميسرتك رجلاً، واجعل على خيلك رجلاً، واستشر مَن معك من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، واعرف لهم فضلهم، فإذا لقيت القوم وهم على صفوفهم فالقهم إن شاء الله وقد أعددت للأمور أقرانها، فالسهم للسهم، والرمح للرمح، والسيف للسيف، فإذا صرت إلى السيف فهو الثكل، فإن أظفرك الله بهم فاياك والابقاء عليهم، أجهز على جريحهم واطلب مُدْبرهم، واحمل أسيرهم على السيف، وهوّل فيهم القتل (7) وأحرقهم بالنار، وإياك أن تخالف أمري، والسلام.

_ (1) ديوان الأعشى: 83. (2) انظر ياقوت: (الخضرمة) . (3) نزهة المشتاق: 55، وقد مر هذا في مادة (عمان) . (4) هذه المادة المتعلقة بردة أهل اليمامة جميعها عن الاكتفاء (تاريخ الردة) : 56 وما بعدها. (5) الاكتفاء: أفراداً. (6) المصدر السابق: 64. (7) الاكتفاء: وهولهم، وهو تغيير للأصل المطابق لما هنا.

ينبوان:

ومضى خالد (1) رضي الله عنه حتى نزل منزله باليمامة في بعض أوديتها، وخرج الناس مع مسيلمة، ورتب خالد صفوفه، ثم وضع فسطاطه واضطجع عليه، وسلَّتْ بنو حنيفة السيوف فقال خالد رضي الله عنه: يا معشر المسلمين أبشروا فقد كفاكم الله عدوّكم، ما سلوا السيوف من بعيد إلا ليرهِبونا، وان هذا منهم لجبنٌ وفشل، فقال له مجاعة - وكان أسيراً عنده -: كلا والله يا أبا سليمان، ولكنها الهندوانية خشوا من تحطمها، وهي غداة باردة، فابرزوها للشمس لأن تسخن متونها، فلما دنوا من المسلمين نادوا: إنا نعتذر من سلّنا سيوفنا حين سللناها، والله ما سللناها ترهيباً لكم ولا جُبْناً عنكم، ولكها الهندوانيّة، وكانت غداة باردة فخشينا تحطمها، فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم، فسترون. قال: فاقتتلوا قتالاً شديداً، وصبر الفريقان جميعاً صبراً طويلاً حتى كثرت القتلى والجراح في الفريقين، واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا إلا قليلاً، وهزم كِلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين والمشركون عسكر المسلمين مراراً، وقُتِل أصحاب الرايات، ومكثتِ الراية ساعة لا يرفعها أحد، فحملها يزيد بن قيس، وكان بدرياً، حتى قُتِل وهُزم المسلمون ثلاث مرات، وفي الرابعة تاب الله عليهم وثبَّت أقدامهم وصبروا لوقع السيوف، واختلف بينهم وبين بني حنيفة السيوف حتى رئيت شهب النار تخرج من خلالها، وسمع لها أصوات كالأجراس، وأنزل الله نصره وهزم بني حنيفة، وقتل الله مسيلمة، والقصة أطول من هذا (2) . وكانت طسم وجديس نزلوا البحرين واليمامة، فمكثوا برهة وبلادهم أفضل البلاد وأكثرها خيراً وحدائق ملتفة وقصور مصطفّة، إلى أن غمصوا الحقَّ وانتهكوا الحرمة، فبدَّل الله نعمتهم وتقاتلوا ففنوا. وقيل إن تبعاً الأخير خرج بجيش عظيم فعدموا الماء، وعطش الجيش، فحفر كل أحد منهم قبره وهو حي من شدة العطش، فمرَّت بهم يمامة فقال لهم تبع: اتبعوها فإنها إنما ترد الماء، فاتبعوها فأصابوها نازلة على نهر، وهو الفرات، فنزلوا عليه فشربوا واستقوا. الينبع (3) : على تسعة برد من المدينة في طريق مكة. قالوا: ومِنَ الجار إلى الينبع، وهو الوادي الذي فيه ضياع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أربعون ميلاً. ومنها أبو دلف الخزرجي الينبعي، ذكره الثعابي في " اليتيمة " (4) وكان شاعراً متشيعاً، وهو القائل: دارَ السلام هنيئا ... بدعوة ابن الرسولِ جاء النهار ووَّلى ... ظلام تلك الذحول ما إنْ رأيتُ حصاناً ... حماله في النصول قال ذلك للبساسيري القائُم بدعوة المستنصر العبيدي خليفة مصر، وذلك سنة خمسين وأربعمائة. ينبوان (5) : هو جبل قريب من البحر المحيط، وهو من أعلى جبال الأرض، أجرد أبيض التربة، لا ينبت فيه إلا الشيح والغاسول، وهو الحرض، ومن علو هذا الجبل في الهواء أن السحاب تمطر المطر دونه ولا يصيب رأسه. ويلي هذه الأرض التي عندها هذا الجبل، الصحراء (6) التي يدخل المسافرون منها إلى أودغست وغانة وغيرهما من البلاد، وهذه الصحراء قليلة الإنس لا عامر بها، وبها الماء القليل، ويتزودونه من مجابات معلومة. وفي هذه الصحراء حيات كثيرة طويلة القدود غليظة الأجسام، والسودان يصيدونها ويقطعون رؤوسها ويرمون بها ويطبخونها بالماء والملح والشيح ويأكلونها، وهي عندهم أطيب طعام يأكلونه، وهذه الصحراء يسلكها المسافرون في زمن الخريف، فيوقرون أجمالهم في السَّحَر الأخير، ويمشون إلى أن تطلع الشمس فيحطون أحمالهم (7) ويقيدّونها، ويفرشون أمتعتهم ويخيمون على أنفسهم ظلالاً تكنّهم من حرّ الهجير وحموم القائلة، ويقيمون كذلك إلى أول وقت العصر وحين تأخذ الشمس في الميل والانحطاط في جهة المغرب، فيرحلون من هنالك ويمشون بقية

_ (1) باختصار عن الاكتفاء: 75، 77، 79 - 80. (2) إلى هنا انتهى النقل عن الاكتفاء. (3) رحلة الناصري: 216 (الينبوع) . (4) اليتيمة 3: 356 وهو مسعر بن مهلهل صاحب القصيدة الساسانية، وله رسالة في الجغرافيا والمعادن، وراجع مادة ((عانات)) . (5) الإدريسي (د/ ب) : 30/ 18 بنيوان (بالياء الموحدة) وقد تصحف عند المؤلف لأنه ورد في بعض أصول الإدريسي بالياء؛ وانظر OG: 106. (6) ص ع: في الصحراء؛ وهي تسمى ((نيسر)) . (7) زيادة من الإدريسي.

اليهودية

يومهم ويصلون المشي إلى وقت العتمة، ويبيتون بقية ليلتهم إلى وقت الفجر الأخير، ثم يرحلون، وهكذا سير (1) التجار الداخلين إلى بلاد السودان، لأن الشمس تقتل بحرّها من يعرض للمشي في القائلة عند شدة القيظ وحرارة الأرض. ينشته (2) حصن من حصون الملح على مرحلتين من جنجالة التي تعمل فيها البُسُط، منها أبو العباس الينشتي (3) صاحب سبتة، كان قيامه فيها سنة ثلاثين وستمائة وتلقب بالموفق، وما زال أمره مستقيما برّاً وبحراً يخاف ويرجى ويمدح ويقصد وتخاطبه الملوك من البلاد، إلى أن اغتر بصحبة إبراهيم بن مسعود الكومي من جهة الزهد واطراح الدنيا، فكان إذا ورد سبتة يكرمه وينزله معه، ويصنع له السّماع، ويتبرك به ويستريح إليه، وهو في أثناء ذلك يعلم القلوب المائلة عنه ويبحث عن النفوس المتغيرة عليه ويتأمل الأماكن التي يدخل منها إلى إفساد دولته وإعادة دولة بني عبد المؤمن، حتى اطلع من ذلك على المطلب وظفر بالغرض، ولم يشعر الينشتي المغتر بزهده، ومهلهل ودّه، حتى نثر عليه سلكه، وابتزَّ منه ملكه فصبّحه مثل راغية البكر، وجاء مع جيش من قبل صاحب مراكش الرشيد عبد الواحد، فخرج جنده القليل ورجاله وعامة أهل سبتة، فحمل عليهم الجيش المراكشي حملة فقد فيها من السبتيين نحو ستمائة وتخاذل الباقون، فملك عليهم البلد، واستخفى الأهل والولد، وألقى الينشتي بيده، فخلع نفسه، وقيّد مع جماعة من أهل سبتة خيف من كل واحد منهم الوثوب على مثل ما وثب عليه الينشتي، وكان له ولدان، فاختفى الأكبر محمد وجرت عليه خطوب في خلوصه إلى البحر ثم حبسه ببجاية ووصوله إلى الاسكندريّة ولحوقه باليمن، والولد الأصغر حين سار مع أبيه، فيقال إن وبأ جارفاً كان بحضرة مراكش أهلك الجميع من الغرباء المذكورين، وقيل إن الوالد والولد هلكا بشربة لبن، واستمرت بسبتة دولة الرشيد عبد الواحد، وتردَّدتْ عليها ولاته إلى آخر أيامه. وكان أبو العباس هذا سلك مسلك الأدباء وتغرب ووصل إلى بغداد، وكان موصوفاً في أيامه بحسن المجالسة وإكرام الوافدين والاصغاء للمادحين، وكان بذله على مقدار ما يحتمله بلده، أخبر من حضر مجلسه أن أديباً من الأندلس أخذ يحكي من حكايات البرامكة وأمثالها ما استقله، فقال: يا أهل الأندلس لا تحكوا لنا من الحكايات إلا ما يسعه بلدنا. وجيء إليه بشخص من أهل مراكش، سمع وهو يقول - وقد رآه على فرس عتيق وعليه ثياب ملوكية وغفارة كحلاء، وبين يديه العبيد بالرماح، وبجانبه الحُجّاب: ذا العار ابن العار يريد أن يحكي بني عبد المؤمن، فما زاده على أن قال له: العار ابن العار من لا يحكي بني عبد المؤمن، ثم خلى سبيله، فلم يصبح المراكشي إلا في طريق مراكش خوف أن يُتَعَقَّبَ في رأيه. وكان من جهة أخرى في نهاية من الغيرة على الملك، بلغه أن طلحة بن الشرقي من أكابر دولة بني عبد المؤمن قد قال: لو كان في سبتة رجل ما ملكها هذا، وأشار إليه، فاحضره وقال: زعمت أن ما في سبتة رجل، وأنا أكذبك، احملوه وغرقوه في اللجة، فحمل في زورق وغرق. اليهودية (4) إحدى مدن أصبهان، وهي اثنتا عشرة مدينة بعضها قريب من بعض، والمتميزة منها بالسمة المشهورة جيّ وشهرستانة (5) واليهودية. وفي سنة تسع عشرة وستمائة (6) نزل الططر على أصبهان، وقاسوا عليها زحوفاً لم يقاسوها على غيرها من بلاد الإسلام، إلى أن نشأ بين رئيس الشفعوية فيها وبين رئيس الحنفية فتنة، فقتل الشفعويّ الحنفي، وسما ابن الحنفي لطلب الثأر، فسار إلى الططر، وضمن لهم أن الحنفية معه، فأرسلوا معه جمعاً عظيماً، فكان ذلك سبباً لأن غلبوا عليها.

_ (1) الادريسي: سفر. (2) بروفنسال: 198، والترجمة: 241 (Iniesta) ، وهذه المادة شديدة الاضطراب عنده، لوجود تقطيع في الأصل الذي ينقل عنه. (3) قد مر التعريف بالينشتي في مادة (بليونش) . (4) انظر نزهة المشتاق: 204، وياقوت (اليهودية) . (5) ياقوت: شهرستان. (6) راجع مادة " أصبهان ".

آخر الكتاب المسمى بالروض المعطار في خبر الأقطار للشيخ الفقيه العدل أبي عبد الله محمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي عبد الله بن عبد المنعم بن عبد النور الحِميري رحمه الله. تم هذا الكتاب المبارك على يد الفقير المحتاج إلى عفو اللطيف الخبير محمد ابن محمد بن زين الدين الجيزي الشافعي القباني غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين آمين. وكان الفراغ من تعليقه في عصر اليوم الثاني من ثاني الثاني من ثامن أول تاسع العاشر من الهجرة النبوية، المطهرة السنية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحية.

§1/1