الروضة الندية شرح متن الجزرية

محمود عبد المنعم العبد

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، الحمد لله كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده حمدًا ملء السماوات والأرض وما بينهما، أحمده على نعمه وآلائه، وأصلي وأسلم علي سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - عبد الله ورسوله، الذي أرسله الله بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهو الرحمة المهداة، وسيد البشر، نبي ما طلعت الشمس على أشرق منه وجهًا ولا أنور، وأشهد أنه قد بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغُمَّة، وجاهد في الله حق جهاده، بأبي هو وأمي وبنفسي وبكل ما أملك، فجزاه الله عنا خير ما جزى به نبيًا عن أمته، اللهم أحينا على سنته، وتوفنا على ملته، واحشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه، ولا تفتنا بعده، وارزقنا مرافقته في الفردوس الأعلى، ومتعنا معه بلذة النظر إلى وجهك الكريم، فأنت ذو الفضل العظيم، وارض اللهم عن أصحابه الطاهرين الكرام، فلقد رضينا عنهم لرضاك ورضا رسولك - صلى الله عليه وسلم - عنهم، وعادينا كل من أبغضهم وعاداهم. وبعد: اعلم - أخي في الله - أن لله علينا نعمًا لا تُعد ولا تحصى، وأجَلُّ وأعظم هذه النعم القرآن الكريم، قال الله عز وجل في سورة النحل التي هي سورة النعم، قال سبحانه: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ...} [النحل: 1، 2] فأول نعمة ذكرها الله عز وجل هي نعمة إنزال الوحي على الرسل، وأجل الكتب السماوية القرآن الكريم؛ فهو النور والبرهان والحجة.

من سار على نهجه سلك، ومن تركه هلك، رفع الله به أقوامًا فجعلهم يمشون على الأرض، وقلوبهم ترفرف حول العرش، أحيا الله ذكرهم بالقرآن في حياتهم، وبعد موتهم، جعلهم رجالاً تحيا بذكرهم القلوب، حملوا راية الإسلام، ونقلوا لنا القرآن عذبًا كما أنزل، جعلنا الله منهم ... آمين. جزى الله بالخيرات عنا أئمة ... لنا نقلوا القرآن عذبًا وسلسلاً (¬1) وأَذَلَّ الله بهذا القرآن آخرين، لما تركوا العمل به، ولم يأتمروا بأوامره، ولم ينتهوا بزواجره، وهجروا قراءته، وتركوا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، فاسودت في وجوههم الدنيا، وأصبحوا كالبيوت الخربة، قلوبهم ميتة، لا تهزهم الآيات، ولا تنضح لهم الخبايا والعلامات، فقدوا التلذذ بحلاوة القرآن الكريم وما ظلمهم الله ولكن ظلموا أنفسهم، فصاروا أقوامًا تموت بذكرهم القلوب، وتشمئز من ذكرهم النفوس، نسأل الله أن لا يجعلنا منهم ... آمين. وبعد، فأقول: إن مما دفعني إلى التقدم لشرح متن الجزرية للعلامة الإمام الثقة العدل بشهادة الأمة، الإمام أبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن يوسف الجزري، الشهير بـ (ابن الجزري) - دفعني إلى ذلك - بعد رضا الله عز وجل وثوابه ما رأيته من حاجة بعض طلبة هذا العلم الشريف إلى شرح وافٍ لهذه المنظومة المباركة بإذن الله عز وجل، وأيضًا ما رأيته من أخطاء يقع فيها كثير ممن يحفظون كتاب الله عز وجل، والتي ينبغي أن لا يقعوا فيها، وأيضًا ما رأيته من إنكار بعض أساتذتي لبعض مواضع في كتب مختلفة من الكتب التي تتكلم في علوم التجويد، إلى غير ذلك. ولقد ضمنت هذا الشرح إضافات وزيادات لابد من معرفتها، ¬

(¬1) من "حرز الأماني ووجه التهاني" للإمام الشاطبي.

وجمعت بفضل الله عز وجل فوائد من هنا وهناك، وبعض أقوال أهل العلم حتى يتضح المقال، ويظهر البيان، واعلم أن ما ضمنته في هذه الورقات هو أدنى جزء ينبغي لطالب علوم القرآن خاصة أن يَعْلَمَهُ، حتى يكون على بينة من أمره، وحتى يكون بإذن الله في طريقه لأن يكون مع السفرة الكرام البررة. وعليك أخي طالب العلم، وأخص طالب علوم القرآن الكريم، أن تخلص لله عز وجل في الطلب، وتجتهد فيه، وتبذل من وقتك ومالك، لتتعلم شيئًا ينفعك في دنياك وآخرتك، وعلِّم القرآن لأي إنسان طلب ذلك منك، ولا تذله، وتواضع له، وتذكر أن ما عندك هو كله من فضل الله عز وجل، وأنك كنت لا تعلم من ذلك شيئًا، وابتغ بذلك وجه الله عز وجل وثوابه، وسر على نهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والعلماء الصالحين، وتورع عن أن تأخذ أجرًا على تعليم كتاب الله عز وجل، وعلّمه كلما أمكنك ذلك، وعلمه لمن هو أهل لذلك، واعمل بمقتضاه، وكن قرآنًا يمشي على الأرض كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرآنًا يمشي على الأرض، واقرأه بتدبر وخشوع آناء الليل في قيامك، وأطراف النهار، واحرص على ما ينفعك، ولا تتدخل فيما لا يعنيك، وكن بارًا بوالديك، ولتكن عليك عزة المؤمن من غير تكبر، ولا تذل نفسك لحقيري النفس، ولا تركن إلى الدنيا وزينتها، وخذ منها ما يعينك على طاعة الله عز وجل ويجعلك في غنىً عن الناس، وتضرع إلى الله في الرخاء وفي الشدة، ولا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عز وجل، فهو من زينة المؤمن، واعلم أنك تحمل في صدرك أشرف وأعز وأعظم شيء وهو كلام الله عز وجل، فاحفظ لذلك قدره، وضعه في موضعه، ولتكن شامة بين الناس، تمتاز بخلقك وسمتك وهيأتك ولباسك الإسلامي. ولتكن حيث يحب الله أن يراك، ولا تكن حيث يحب الله أن

يفتقدك، واعلم أن كتاب الله عز وجل حمله إلينا الرجال المؤمنون المخلصون العباد الزهاد الثقات بشهادة الأمة الإسلامية، وبشهادة أعدائها، فلتكن واحدًا من هذا السند الشريف المبارك، ومن هذه الزمرة الطيبة، وتحلَّ بأخلاق عباد الله الصالحين. وليكن قدوتك وأسوتك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقرأ سيرته، وانظر إلى أخلاقه، واقرأ في سير الصالحين، وتخلق بأخلاقهم، ولا تغرنك زخرفة ورقات الكتب، ولا تنظر إلى الورق الأبيض والورق الأصفر، ولكن اهتم بمادة الكتاب العلمية، وانظر إلى فوائده، ولقد كان من العلماء من لا يجد ورقًا يكتب عليه فيكتب على ما يراه صالحًا للكتابة عليه، وطلبة العلم في هذه الأيام ترى كثيرًا منهم لا يشتري الكتاب لأن ورقه أصفر، وهو جاهل بهذه الدرر والكنوز التي يحتويها هذا الكتاب. وغفر الله لي ولك ولإخواننا تقصيرنا في حق الله عز وجل، ونسأله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. وأسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا الكتاب كاتبه وقارءه ومتعلمه وكل من شارك فيه وفي نشره، وأن يجعله زادًا لنا في الدارين، وأن يقبله منا، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يجعله في ميزان حسناتنا، اللهم اجز نبينا عنا خير ما جزيت به نبيًا عن أمته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وبارك على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

نبذة عن الإمام ابن الجزري

نبذة عن الإمام ابن الجزري هو شيخ الإسلام العلامة الثقة المحقق المقرئ: أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الشهير بابن الجزري. ولد رحمه الله بدمشق الشام في ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 751 هـ، ونشأ بها، وأتم حفظ القرآن الكريم في الرابعة عشرة من عمره، ثم أخذ علم القراءات إفرادًا ثم جمعًا. رحل كثيرًا في طلب العلم، فرحل إلى مصر والحجاز والبصرة، وقرأ الحديث والفقه والأصول والمعاني والبيان على كثير من شيوخ مصر، وأجازه بالإفتاء الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير، وغيره. وجلس للإقراء والتعليم، فكان يجلس للإقراء تحت قبة النسر بالجامع الأموي سنين، وتتلمذ على يديه خلق كثيرون وأئمة مُعْتَبَرُون. كانت وفاته في شيراز في ضحوة الجمعة لخمس خلون من ربيع الأول سنة 833 هـ، ودُفن بدار القرآن التي أنشأها بها عن 82 سنة، وترك خلفه مؤلفات عظيمة، وذِكْرًا طيبًا، وأئمةً أعلامًا. رحمه الله ورضي عنه، وأسكنه الفردوس الأعلى، ورزقه مرافقة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وألحقنا الله سبحانه بهم ... آمين.

مقدمة المتن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ابتدأ المؤلف رحمه الله بما ابتدأ الله عز وجل به كتابه العزيز، واقتداءً بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهو أقطع)) وفي رواية: ((بالحمد لله)) (¬1). والتسمية عبادة مطلوبة عند كل فعل، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصًا عليها عند قراءته للقرآن، وعند أكله وشربه، وعند كل أعماله، وعلى هذا كان الصالحون من عباد الله وعلماء الأمة. (متن الجَزَرية): المتن: هو الظَّهْرُ، ومتن الأرض هو ما ارتفع وصَلُبَ منها، ومتن الكتاب: الأصل الذي يُشرح، والجمع: مُتُون، وهو من (مَتُنَ الشيء) أي صَلُبَ وارتفع عن الأرض. (المعجم الوجيز). يَقُولُ رَاجِي عَفْو رَبٍّ سَامِعِ ... مُحَمَّدُ بْنُ الْجَزَرِيِّ الشَّافِعِي (راجي): طالب، (عفو) أي صفح، (رب): الرب هو السيد المدبر لشئون العباد، القائم بحوائجهم، محييهم ومميتهم والقادر عليهم، وهو الله عز وجل. واعلم أن كلمة (الرب) إذا أطلقت لم يُرَد بها إلا الله عز وجل، أما إذا أضيفت فهي إما أن تكون لله عز وجل أو لغيره حسب الكلام. تقول: (رب الأسرة) كناية عن الأب، وتقول (رب البيت) أي صاحبه. (سامع) أي سامعًا لدعائه عالمًا بحاله. (محمد بن الجزري الشافعي) سبق التعرف عليه. ¬

(¬1) الدقائق المحكمة ص: 6، وقال: رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره.

الحمد والمدح والشكر والفرق بين كل منها

الْحَمْدُ للَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ ... عَلَى نَبِيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ... وَمُقْرِئِ الْقُرْآنِ مَعْ مُحِبِّه (الحمد) أي الثناء لله عز وجل، وقيل: الحمد بمعنى الشكر، وقيل: الحمد يكون باللسان والشكر يكون بالجوارح كلها، لقوله عز وجل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} [سبأ: 13]، وقيل: الشكر يكون مقابل نعمة، أما الحمد فلا يشترط فيه ذلك. أما المدح فهو: الثناء، وهو إما أن يكون مقابلاً لفعل اختياري من شخص (كأن تمدح شخصًا قدَّم إليك معروفًا) أو غير ذلك (كأن تمدح شخصًا لحسنه وجماله). قوله: (وصلى الله على نبيه) أي محمد - صلى الله عليه وسلم -، والصلاة لغة: هي الدعاء، قال الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، أي: ادع لهم، والصلاة من الله عز وجل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - هي: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى وإعلاء ذكره وتعظيم شأنه في الدنيا والآخرة. وكان يَحْسُن بالمؤلف أن يذكر السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أنه يُكْره أن يُذكر أحدهما دون الآخر؛ لقول الله عز وجل: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]. و (النبئ والنبي) بالهمز وتركه: هو المخبر عن الله عز وجل، وقيل في الفرق بين النبي والرسول ما يلي: 1 - النبي هو الرسول. 2 - النبي هو من أرسل إلى قومٍ مؤمنين يوضح لهم معنى معينًا، أما الرسول فهو من أرسل إلى قوم كافرين. 3 - النبي هو من أرسل متممًا لشريعة نبي قبله، مثل: عيسى عليه السلام، أما الرسول فهو من أرسل بدين جديد وبشريعة جديدة. 4 - النبي هو من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ، أما الرسول فهو من أوحي إليه وأُمِرَ بالتبليغ، وعلى هذا يكون كل رسول نبي وليس العكس.

حكم الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -

(ومصطفاه) من الصفوة وهي الخلوص أي: مختاره، روى الشيخان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، وروى مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار)) (¬1). (محمد) رسول الله، والصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها قولان: الأول: أنها مستحبة. الثاني: أنها واجبة، وأهل هذا القول اختلفوا على وجهين: الأول: أنها واجبة مرة واحدة فقط في العمر كله. الثاني: أنها واجبة على الدوام كلما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. (وآله) قيل: هم أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - على دينه، وقيل غير هذا. (وصحبه) بفتح الصاد، وحُكِيَ كسرها، والصحابي هو كل من اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - - ولو للحظة - مؤمنًا به ومات على ذلك. فائدة: استخدام كلمة (اجتمع) في هذا التعريف أولى من (لقى) أو (شاهد) وذلك لأنه يدخل فيها من يستطيع الرؤية ومن لم يستطعها مثل الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه. (مقرئ القرآن) أي معلمه للناس، والعامل به. (محبه) الضمير إما أن يكون للمقرئ أو للقرآن. أي: مقرئ القرآن ومتعلمه. فائدة: ذهب قوم من السلف الصالح إلى كراهة أن تقول: "صلى الله على ¬

(¬1) الدقائق المحكمة ص: 7.

حكم تعلم تجويد القرآن

فلان" لاختصاصه بالأنبياء، وذهب آخرون إلى جواز ذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم صل على آل أبي أَوْفَى)). أي على أبي أَوْفَى، ولكن بمراعاة أمرين: الأول: أن يكون هذا على سبيل الدعاء لهذا الشخص. الثاني: أن لا يكون هذا على سبيل التكرار. وَبَعْدُ إِنَّ هَذِهِ مُقَدِّمَهْ ... فِيمَا عَلَى قَارِئِهِ أَنْ يَعْلَمَهْ (وبعد): لفظ يستخدم عند الانتقال من أسلوب لآخر، وقيل: يُستخدم عند الدخول في موضوع الكلام وهذا أصح والله أعلم. (إن هذه) المنظومة، (مقدمة): بكسر الدال، وهي أول الشيء مثل: (مقدَّمة الجيش)، وبفتحها مثل: (مقدَّمة الرحل). والأول أشهر. (فيما على قارئه أن يعلمه) أي فيما يجب على قارئ القرآن - فضلاً عن معلِّمه - أن يعلمه. إذْ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ مُحَتَّمُ ... قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوَّلاً أَنْ يَعْلَمُوا مَخَارِجَ الْحُرُوفِ وَالصِّفَاتِ ... لِيَلْفِظُوا بِأَفْصَحِ اللُّغَات حيث أن ذلك واجب عليهم - قبل الشروع في تعلم القرآن الكريم وتعليمه حتى يكونوا على الطريق المستقيم - أن يعلموا (مخارج الحروف) أي مواضع خروج الحروف الصحيحة، وأيضًا أن يعلموا صفات كل حرف من الشدة والرخاوة ... إلى غير ذلك. كل هذا حتى يلفظوا وينطقوا بأفصح اللغات وأعذبها، وهي اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، جاء في الأثر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أحب العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي)). واللغات جمع لغة وهي أصوات يُعَبّرُ بها كل قوم عن أغراضهم (¬1). ¬

(¬1) القاموس المحيط (3/ 378).

مُحَرّرِي التَّجْويدِ والمواقِفِ ... ومَا الذي رُسِمْ في المصَاحِفِ مِنْ كُلّ مَقْطُوعٍ ومَوْصولٍ بهَا ... وتَاءِ أُنْثَى لَمْ تَكُنْ تُكْتَبْ بِهَا أي محققين بهذا تجويد القرآن على أتم وجه، عالمين به، وعالمين بمواضع الوقف ومواضع الابتداء، وأيضًا عالمين بما رسم مقطوعًا وما رسم موصولاً في المصاحف العثمانية، وما رُسم مكتوبًا بالتاء المفتوحة والذي رُسم بالتاء المربوطة، من تاءات التأنيث، والله أعلى وأعلم.

باب: مخارج الحروف

باب مخارج الحروف (¬1) (مخارج) هي جمع مخرج: وهي عبارة عن موضع خروج الحرف من الفم وهي مختلفة كما سيأتي بيانه. والكلام في مخارج الحروف من أهم ما يحتاج إليه القارئ والمقرئ، وإن كان أكثر مؤلفي علوم القراءات لا يذكرونه فإنهم يحيلونه على كتب التجويد، وقد ذكره الشاطبي رحمه الله تعالى في آخر كتابه: والأوْلى تقديمه ليحيط به المبتدئ علمًا قبل شروعه لما ينبني على ذلك من الإظهار والإدغام والإمالة والترقيق والتفخيم، وكذا ما يتعلق بصفات الحروف وتجويدها والوقف والابتداء وغير ذلك. والحروف: جمع حرف، والحرف لغة: هو طَرف الشيء يُقال: هذا حرف كذا: أي طرفه. واصطلاحًا: هو الصوت المعتمد على مخرج محقق أو مقدر، والمخرج المحقق هو ما كان اعتماده على جزء معين من أجزاء الحلق أو اللسان أو الشفتين أو الخيشوم، والمخرج المقدَّر هو: ما لا يعتمد على شيء مما سبق. ويتوقف فهم مخارج الحروف على مدى فهم ودراسة المخارج على اللسان، وعلى معرفة أسماء الأسنان داخل فم الإنسان، وهي (¬2) اثنتان وثلاثون سنة، ستَّ عشرة منها في الفك العُلوي، وست عشرة منها في الفك السفلي، وهي على أربعة أنواع: الأول: الثنايا: جمع ثَنِيَّة، وهي أربعة أسنان في مقدمة الفم، اثنتان ¬

(¬1) معظم محتويات هذا الباب والذي بعده منقول من: شرح الطيبة، وأحكام تلاوة القرآن الكريم، والدقائق المحكمة، وقد يُنقل مختصرًا بتصرف أحيانًا. (¬2) أحكام تلاوة القرآن الكريم ص: 59 - 60 (الهامش).

دراسة المخارج على اللسان الثنايا - الرباعيات - الأنياب - الأضراس

في الفك العُلوي، وتسمى: الثنايا العليا، واثنتان في الفك السفلي وتسمى: الثنايا السفلى. الثاني: الرَّبَاعِيَات: جمع رَبَاعِيَة (بفتح الراء وتخفيف الياء)، وهي أربعة أسنان تلي الثنايا: سِنٌ واحدة من كل جانب. الثالث: الأنياب: جمع ناب، وهي أربعة أسنان تلي الرَّبَاعِيَات، سنٌ واحدة من كل جانب. الرابع: الأَضْرَاس: جمع ضرس، وهي عشرون سنًا، وهي على ثلاثة أنواع: الأول: الضَّوَاحِك: جمع ضاحك، وهي أربعة أسنان تلي الأنياب، سِنٌ واحدة من كل جانب. الثاني: الطَّوَاحِن (أو: الطَّوَاحين) جمع طاحن، وهي اثنتا عشرة سِنًا، ستة في الفك العلوي، ثلاثة من الجانب الأيمن وثلاثة من الجانب الأيسر، وستة في الفك السفلي، ثلاثة من كل جانب. الثالث: النَّوَاجِذ، جمع ناجذ، وهي أربعة أسنان في آخر الفم بعد الطواحن، ويُسمى الناجذ: ضرس العقل أو ضرس العِلم، والمستعمل في المخارج من هذه الأسنان ثمانية عشر سنًا، وهي الستة عشر من الفك العلوي، والثَّنِيَّتَان السُّفليتان (في حروف الصفير وهي: ص، ز، س). (مَخَارِجُ الحُرُوفِ) سَبْعَةَ عَشَرْ ... عَلَى الَّذِي يَخْتَارُهُ مَنِ اخْتَبَرْ اختُلِفَ في عدد مخارج الحروف، فالفصيح عند الناظم وجماعة من المحققين أنها سبعة عشر مخرجًا وهو الذي اختير من حيث الاختبار، وقال كثيرون من النحاة والقراء إنها ستة عشر لإسقاطهم مخرج الجوفية وهي حروف المد واللين فجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق، والواو والياء من مخرج

مذاهب العلماء في عدد مخارج الحروف

المتحركة، وذهب آخرون إلى أنها أربعة عشر لإسقاطهم مخرج النون واللام والراء فجعلوها من مخرج واحد. واختلاف العلماء في عدد مخارج الحروف على أربعة مذاهب: المذهب الأول: أنها تسعة وعشرون مخرجًا بعدد حروف الهجاء، لكل حرف مخرجٌ خاص به. وحجتهم في ذلك: أنه لو لم يكن لكل حرف مخرج خاصٌ به يميزه عن الآخر، لاختلطت الحروف، ولمَا تميّز بعضها من بعض، فكان لكل حرف مخرج خاص به ليتميز عن الآخر، ولا يختلط بغيره. وهذه الحُجة لا وزن لها ولا اعتبار؛ ذلك لأن اشتراك بعض الحروف في مخرج واحد لا يَلزم منه اختلاطها وعدم تميُّز بعضها من بعض؛ لأن لكل حرف صفاته الخاصة التي تميزه عن غيره وتمنع اختلاطه به، فلا غضاضة في اجتماع بعض الحروف في مخرج واحد؛ لأن اختلاف الصفات كفيلٌ بتمييز كل حرف عن الآخر. قال ابن الجزري (¬1): "كل حرف شارك غيره في مخرج فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالصفات، وكل حرفٍ شارك غيره في صفاته فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالمخرج". وقال الإمام مكي بن أبي طالب (¬2): "الحروف تكون من مخرج واحد، وتختلف صفاتها، فيختلف لذلك ما يقع في السمع من كل حرف، وهذا تقارب بين الحروف من جهة المخرج، وتباين في الصفات. وتكون الحروف من مخرجين، وهي مختلفة الصفات، فهذا غاية التباين، إذ قد اختلفت في المخارج والصفات. ¬

(¬1) النشر (1/ 204). (¬2) الرعاية، ص: 156.

وتكون من مخرجين، متفقة الصفات، فهذا أيضًا تقارب بين الحروف من جهة الصفات، وتباين من جهة المخرج، فافهم هذا، فعليه مدار الحروف كلها". ثم قال: "ولا تجد أحرفًا من مخرج واحد متفقة الصفات البتة؛ لأن ذلك يوجب اتفاقها في السمع، فلا تفيد فائدة". المذهب الثاني: مذهب الأكثرية من النَّحْوِيِّين وعلى رأسهم الخليل بن أحمد شيخ سيبويه، والقرّاء وعلى رأسهم المحقق الإمام ابن الجزري، وهو المذهب المختار المعمول به: أنها سبعة عشر مخرجًا، وهي منحصرة في خمسة مخارج كلية: الأول: الجوف (¬1)، وهو مخرج واحد. الثاني: الحلق، وفيه ثلاثة مخارج. الثالث: اللسان، وفيه عشرة مخارج. الرابع: الشفتان، وفيهما مخرجان. الخامس: الخَيشُوم، وفيه مخرج واحد. المذهب الثالث: وهو مذهب سيبويه وأتباعه: أنها ستة عشر مخرجًا، وتنحصر في أربعة مخارج: الأول: الحَلْقُ بمخارجه الثلاثة. الثاني: اللسان بمخارجه العشرة. الثالث: الشفتان بمخرجيهما. الرابع: الخيشوم بمخرجه. وأسقطوا الجَوف، وجعلوا الألف كالهمزة تخرُج من أقصى الحلق، ¬

(¬1) الجوف لغة: الخلاء، واصطلاحًا: خلاء الحلق أو الفم.

فائدة: إيضاح معنى الخلاف بين الخليل وسيبويه والقراء

وجعلوا الياء المدية كغير المدية تخرج من وسط اللسان، وجعلوا الواو المدية كغير المدية تخرج من الشفتين. قال العلامة علي القارئ (¬1): "معنى جَعْل سيبويه الألف من مخرج الهمزة: أن مبدأه مبدؤ الحلق، ويمتد ويمر على جميع هواء الفم، وهذا أيضًا معنى قول مكي (¬2): لكن الألف حرفٌ يهْوِي في الفم، حتى ينقطع مخرجه في الحلق. فنُسِب في الخروج إلى الحلق لأنه آخر خروجه؛ إذ لا منافاة بين أن يكون مبدؤه مبدأ الحلق، وانقطاع مخرجه في الحلق؛ لأن المراد: أنه ليس له اعتماد على شيء من أجزاء الفم، بل يبتدئ من الحلق، وينتهي إلى الصوت الناشئ من الحلق. قال: وعلى هذا، وهو أن يكون مبدؤه الحلق ومنقطع مخرجه في الحلق، يُحْمَل جَعْلُ الشاطبي وغيره الألف حلقيًا، وينزَّل قوله مع غيرهم في هذه الحروف، أعني الواو والياء غير المدية". انتهى. المذهب الرابع: وهو مذهب الفَرّاء ومن شايعه: أنها أربعة عشر مخرجًا بإسقاط مخرج الجوف، وتوزيع حروفه على الحلق ووسط اللسان والشفتين كمذهب سيبويه، وجعل مخرج اللام والنون والراء مخرجًا واحدًا كليًا منقسمًا إلى ثلاثة مخارج جزئية. وعلى هذا المذهب يكون في الحلق: ثلاثة مخارج كالمذهبين قبله، وفي اللسان: ثمانية، وفي الشفتين: مخرجان، وفي الخيشوم: مخرج. فائدة: الخلاف بين الخليل، وبين سيبويه والفراء، ليس اختلافًا حقيقيًا، بل هو مبنيّ على أمرين: ¬

(¬1) المنح الفكرية، ص: 11. (¬2) الرعاية، ص: 128.

مخرج الألف الواو والياء

الأول: ملاحظة مدى اعتماد الصوت على المخرج قوةً وضعفًا، في حروف الجوف. الثاني: ملاحظة قُرْب المخرج في (ل، ن، ر). وقوله: (من اختبر) أي من طلب خبر ذلك ومعرفته. واختبار مخرج الحرف بحقه هو أن يلفظ بهمزة الوصل (أو أي حرف متحرك وهمزة الوصل أولى) ويأتي بالحرف بعدها ساكنًا أو مُشددًا، وهو أبين، مع ملاحظته صفات ذلك الحرف. وهاك الكلام على هذه المخارج تفصيلاً على المذهب المختار وهو مذهب ابن الجزري. فَأَلِفُ الجَوْفِ وأُخْتَاهَا وَهِي ... حُرُوفُ مَدٍّ للْهَوَاءِ تَنْتَهِي أي المخرج الأول الجوف وله: الألف واسمه: الهاوي، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، وهي التي يقال لها حروف المد واللين، وتسمى: الجوفية. قال الخليل: وإنما نسبن إلى الجوف؛ لأنه آخر انقطاع مخرجهن، وتسمى الهاوية أيضًا لأنها تنتهي إلى الهواء، أي تتصل به بخلاف غيرها من الحروف. وذكر سيبويه في تسميته الألف بالهاوي فقال: هو حرف اتسع بهواء صوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو؛ لأنك تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك. وقال العلامة أبو شامة: وتسمى هذه الحروف الثلاثة الهاوية؛ لأنها تخرج من هواء الفم. وقوله: (وأختاها) يعني أختي الألف - الياء والواو - في المد؛ لمشاركتهما لها في كون كل واحدة منها حركةُ ما قبلها من جنسها. وقوله: (تنتهي) أي انتهاء مقطعها الهواء، فهي تتصل به، وليس ذلك لغيرها من الحروف؛ ولهذا امتازت بمخرج واحد.

قول الشيخ الأنصاري فيما يتعلق بمخارج الواو والألف والياء

واعلم أن الألف لا تخرج إلا من الجوف؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، وأما الواو فلا تخرج من الجوف إلا إذا كانت ساكنة وكان ما قبلها مضمومًا، فإذا كانت متحركة أو ساكنة وقبلها مفتوح فإنها تخرج من الشفتين، وكذلك الياء لا تخرج من الجوف إلا إذا سكنت وانكسر ما قبلها، فإن تحركت أو سكنت وانفتح ما قبلها فإنها تخرج من وسط اللسان. فحينئذ يكون للألف مخرجٌ واحد مقدر وهو الجوف، ويكون لكل من الواو والياء مخرجان: أحدهما مقدرٌ وهو الجوف، وذلك إذا سكن كل منهما وانضم ما قبل الواو وانكسر ما قبل الياء. والثاني محقق، وذلك إذا كان كل منهما متحركًا أو ساكنًا بعد فتح، فيكون مخرج الواو حينئذ من الشفتين، والياء من وسط اللسان. والله أعلم. قال الشيخ الأنصاري فيما يتعلق بمخارج الحروف: "وتتميز - أي حروف المد واللين - بتصعد الألف وتسفل الياء واعتراض الواو، ونُسبت إلى الجوف لأنه آخر انقطاع مخرجها، وسميت حروف المد واللين؛ لأنها تخرج بامتداد ولين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها، فإن المخرج إذا اتسع؛ انتشر الصوت وامتد ولان، وإذا ضاق؛ انضغط فيه الصوت وصلب. وكل حرف مساوٍ لمخرجه إلا هي؛ فلذلك قبلت الزيادة. واعلم أن كل مقدار له نهايتان أيتهما فرضت أوله كان مقابله آخره، ولما كان وضع الإنسان على الانتصاب كان رأسه أوله ورجلاه آخره، ومن ثَمَّ كان أول المخارج الشفتين: وأولهما مما يلي البشرة وآخرهما مما يلي الأسنان. وثانيهما اللسان، وأوله مما يلي الأسنان وآخره مما يلي الحلق، وهو - أي الحلق - ثالثها: وأوله مما يلي اللسان وآخره مما يلي الصدر. ولو كان وضعه على التنكيس لانعكس، ولما كانت مادة

الصوت الهواء الخارج من داخل؛ كان أوله آخر الحلق، وآخره أول الشفتين، فرتَّب الناظم - كالجمهور - الحروف باعتبار الصوت حيث قال: فألف الجوف ... إلى آخر ما يأتي. ورتب تسمية المخارج باعتبار وضعها حيث جعل الأبعد مما يلي الصدر والأقرب مقابله" (¬1) اهـ. لاحظ أن: هذه المخارج هي المخارج الثلاثة الأم، وكل منها يحتوي على مجموعة من المخارج. وقُلْ لأَقْصَى الحَلْقِ هَمْزٌ هَاءُ ... ثُمَّ لِوَسْطِهِ فَعَيْنٌ حَاءُ وهذا المخرج الثاني وهو أقصى الحلق وله حرفان الهمزة والهاء. قوله: (ثم لوسطه) أي يتلوه المخرج الثالث وهو وسط الحلق وله العين والحاء، والضمير في لوسطه عائد إلى الحلق. أَدْنَاهُ غَيْنٌ خَاؤُهَا والْقَافُ ... أَقْصَى اللِّسَانِ فَوْقَ ثُمَّ الْكَافُ وهذا المخرج الرابع وهو أدنى الحلق: أي أقربه إلى اللسان، وله حرفان وهما الغين والخاء، وهذه الأحرف تسمى الحلقية؛ لأنها تخرج من الحلق، والمخرج الخامس أقصى اللسان مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك وهو للقاف. قوله: (ثم الكاف) ثم المخرج السادس وهو أقصى اللسان من أسفل وهو للكاف ويسمى كل منهما لهويًا؛ لأنه يخرج من اللهاة وهي بين الفم والحلق. أَسْفَلُ وَالْوَسْطُ فَجِيمُ الشِّينُ يَا ... وَالضَّادُ مِنْ حَافَّتِهِ إِذْ وَلِيَا قوله: (والوسط) أي المخرج السابع وسط اللسان، وبينه وبين وسط الحنك، وهو للجيم والشين والياء غير المدية، وتسمى الشجرية؛ لأنها ¬

(¬1) الدقائق المحكمة، ص: 12.

تخرج من الشجر؛ وهو عند الخليل مفرج الفم: أي مفتحه، وقال غيره: مجمع اللحيين. والمخرج الثامن أول حافة اللسان وما يليه من الأيسر عند الجمهور ومن الأيمن عند الآخرين وهو للضاد، وهو عند الخليل من الحروف الشجرية كما تقدم في تفسير الشجر. لاضْرَاسَ مِنْ أَيْسَرَ أَوْ يُمْنَاهَا ... وَاللاَّمُ أَدْنَاهَا لِمُنْتَهَاهَا قوله: (لا ضراس) أي الأضراس، فنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وهو منصوب بـ (وَليَ). وقوله: (من أيسر أو يمناها) أي من الجانب الأيسر عند الجمهور، أو من الجانب الأيمن عند الآخرين، وقدم الأيسر؛ لأنها منه أيسر. وقوله: (واللام أدناها لمنتهاها) أي المخرج التاسع وهو أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه وهو للام. وَالنُّونُ مِنْ طَرْفِهِ تَحْتُ اجْعَلُوا ... وَالرَّا يُدَانِيهِ لِظَهْرٍ أَدْخَلُوا أي المخرج العاشر وهو طرف اللسان أسفل اللام للنون. قوله: (والراء) أي المخرج الحادي عشر وهو طرف اللسان أيضًا يداني مخرج النون ولكنه أَدْخَل إلى ظهر اللسان قليلاً، وهذه الحروف الثلاثة تسمى الذلقية نسبة إلى ذلق اللسان: أي طرفه. وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَتَا مِنْهُ وَمِنْ ... عُلْيَا الثَّنَايَا والصَّفِيْرُ مُسْتَكِنْ أي المخرج الثاني عشر وهو طرف اللسان ومن أصول الثنايا العليا للطاء والدال والتاء وتسمى النطعيَّة لأنها تخرج من نطع الغار الأعلى وهو سقفه، والثنايا قسمان: عليا وسفلى، فميز بالرضافة نحو: عليُّ القوم، وليس في كل جهة إلا ثنتيان لكن المجموع أربعة، فعبَّروا عن المثنى بالجمع تخفيفًا وهو هنا أولى، من قولك: (غليظ الحواجب)، (عظيم المناكب). قوله: (والصفير) أي المخرج الثالث عشر وهو لحروف الصفير، وهي الصاد والزاي والسين - كما سيأتي في صفات الحروف - وهو بين طرف اللسان

وفويق الثنايا السفلى، وتسمى الحروف الأسلية؛ لأنها تخرج من أسَلتِهِ أي مُسْتَدَقه. مِنْهُ وَمِنْ فَوْقِ الثَّنَايَا السُّفْلَى ... وَالظَّاءُ وَالذَّالُ وَثَا لِلْعُلْيَا أي المخرج الرابع عشر لهذه الأحرف الثلاثة وهي الظاء والذال والثاء، وهو بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا وتسمى اللثوية نسبة إلى اللثة وهي اللحم المركب فيه الأسنان. مِنْ طَرَفَيْهِمَا وَمِنْ بَطْنِ الشَّفَهْ ... فَالْفَا مَعَ اطْرافِ الثَّنَايَا المُشْرِفَهْ أي المخرج الخامس عشر وهو باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا للفاء. قوله: (من طرفيهما) أي من طرفي اللسان وأطراف الثنايا العليا (¬1). وقوله: (الشفة) أي الشفة السفلى بدليل قوله (الثنايا المشرفة) فإنه يريد العليا، فتعين أن تكون الشفة السفلى. لِلشَّفَتَيْنِ الْوَاوُ بَاءٌ مِيْمُ ... وَغُنَّةٌ مَخْرَجُهَا الخَيْشُومُ أي المخرج السادس عشر وهو بين الشفتين العليا والسفلى للواو غير المدية والباء والميم، فيطبقان في الباء والميم، وهذه الأحرف الثلاثة تسمى الشفوية أو الشفهية لخروجها من الشفتين. والمخرج السابع عشر الخيشوم وهو الغنة، وقد تكون في الميم والنون الساكنتين حالة الإخفاء أو ما في حكمه من الإدغام بالغنة، فإن مخرجهما يتحول في مخرجه في هذه الحالة عن مخرجهما الأصلي على القول الصحيح كما يتحول مخرج حروف المد من مخرجهما إلى الجوف على الصواب، ولبعض هذه الحروف فروع صحت القراءة بها كالهمزة المسهلة بين بين وإشمام الصاد والزاي واللام المفخمة، والله الموفق. والخيشوم: هو الخرق المنجذب من الأنف داخل الأنف. مسألة: وقد يقال: إن اللسان لابد من عمله في النون والتنوين حتى في ¬

(¬1) هكذا في شرح الطيبة، ولعل الصواب: (من طرفيهما) أي من طرفي الثنايا العليا. والله أعلم.

فائدة: ألقاب الحروف

حال إخفائهما وإدغامهما بغنة، وإن الشفتين لابد من عملهما في الميم حتى في حالة إخفائها وإدغامها بغُنة، وإن الخيشوم لابد من عمله في النون والتنوين والميم حتى في حال إظهار هذه الحروف أو تحركها، فما السر في قصر عمل اللسان على حال إظهار النون والتنوين أو تحركهما، وقصر عمل الشفتين على حال إظهار الميم أو تحركها، وقصر عمل الخيشوم على أحوال التشديد، والإخفاء، والإدغام بغنة؟ وقد أجاب العلماء عن ذلك بأنه لما كان عمل اللسان في حال إظهار النون والتنوين أو تحركهما أكثر من عمل الخيشوم، قُصِر العمل على اللسان وجُعِل مخرجًا للنون والتنوين في هذين الحالين، ولما كان عملُ الشفتين في حالي إظهار الميم أو تحركها أكثر من عمل الخيشوم، قُصر العمل على الشفتين وجعلتا مخرجًا للميم في هذين الحالين. ولما كان عملُ الخيشوم في حال إخفاء النون والتنوين، وإدغامهما بغُنة، وفي حال إدغام الميم في مثلها بغُنة، وفي حال إخفائها عند الباء، وفي حال تشديد النون والميم، أقول: لما كان عملُ الخيشوم في هذه الأحوال أكثر من عمل غيره، قُصر العمل على الخيشوم وجعل مخرجًا للنون والميم في الأحوال المذكورة. فائدة: ألقاب الحروف هي عشرة ألقاب، لقبها بها إمامُ النحاة: الخليل بن أحمد - شيخ سيبويه - وأخذ هذه الألقاب من أسماء المواضع التي تخرج منها الحروف ونسب كل حرف إلى مكان خروجه، وهذه الألقاب كما يلي: جوفية، هوائية، حلقية، لهوية، شجرية، نطعية، لثوية، أسلية، ذلقية أو ذولقية، شفوية أو شفهية.

باب: صفات الحروف

باب صفات الحروف الصفة: لغة: ما قامت بالغير. اصطلاحًا: الحالة التي تعرض للحرف عند النطق به. ولمعرفة صفات الحروف ثلاثة فوائد (¬1): الأولى: تمييز الحروف المشتركة في المخرج، قال الإمام ابن الجزري: "كل حرف يشارك غيره في المخرج فإنه لا يمتاز عنه إلا بالصفات، وكل حرف يشارك غيره في الصفات فإنه لا يمتاز عنه إلا بالمخرج، ولولا ذلك لاتَّحَدَت أصوات الحروف في السمع فكانت كأصوات البهائم لا تدل على معنى، ولما تميزت ذواتها. الثانية: معرفة القوي من الضعيف، ليعلم ما يجوز إدغامه وما لا يجوز إدغامه فإن ما له قوة ومزيَّة لا يجوز إدغامه في ذلك الغير، لئلا تذهب تلك المزيَّة. الثالثة: تحسين لفظ الحروف المختلفة المخارج. فسبحان من دقت في كل شيء حكمته. اهـ. (صِفَاتُهَا) جَهْرٌ وَرِخْوٌ مُسْتَفِلْ ... مُنْفَتِحٌ مُصْمَتَةٌ وَالضِّدَّ قُلْ لما فرغ من مخارج الحروف أخذ في بيان صفاتها، وذلك مما يحتاج إلى معرفته، بين القوي منه والضعيف فذكر في هذا خمسًا منها وهو ما له ضد وهي الجهر والرخو والمستفل والمنفتح والمصمت، وأشار إلى أضدادها بقوله: (والضد قل)، ثم ذكر الأضداد المشار إليها عقب هذا البيت كما سيأتي. قوله: (والضد قل) أي قل أو اذكر فيما يأتي عقبه. مَهْمُوسُهَا (فَحَثَّهُ شَخْصٌ سَكَتْ) ... شَدِيْدُهَا لَفْظُ (أَجِدْ قَطٍ بَكَتْ) ¬

(¬1) كتاب أحكام قراءة القرآن، ص: 78.

الحروف المهموسة - الحروف الشديدة

أي مهموس الحروف، ثم ذكر هذه الكلمات الثلاث وهي عشرة: الفاء، والحاء والثاء والهاء والشين والخاء والصاد والسين والكاف والتاء، قيل لها مهموسة لضعفها، ولذلك يضعف الصوت بها حين جرى النفس معها، فلم يَقْوَ الصوت قوته في الجهورة فصار في الصوت بها نوع خفاء إذ كان الهمس من صفات الضعف؛ كما أن الجهر الذي هو ضده من صفات القوة فالهمس الصوت الخفي، ومنه قوله تعالى: {فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْساً} [طه: 108]، قيل: هو صوت مشي الأقدام، وأقوى المهموس الصاد والخاء لها فيهما من الاستعلاء وهو من صفات القوة، وغير المهموس مجهور، من قوله: جهرت بالشيء، إذا أعلنته وذلك لما امتنع النفس أن يجري معها انحصر الصوت بها فقوي التصويت. ولما فرغ من بيان المهموسة أخذ في بيان الشديدة وهي ثمانية أحرف يجمعها لفظ الكلمات الثلاث، وهي: الهمزة والجيم والدال والقاف والطاء والباء والكاف والتاء، قيل لها شديدة لامتناع الصوت أن يجري معها حال النطق بها؛ لأن الصوت انحصر في المخرج فلم يجر. أي وامتنع قبوله للتليين، بخلاف الرخوة وذلك من صفات القوة وهي ثمانية منها ستة من المجهورة واثنان من المهموسة: التاء والكاف، والستة الباقية اجتمع فيها أن النفس لا يجري معها ولا الصوت، وذلك معنى الجهر والشدة جميعًا. وَبَيْنَ رِخْوٍ وَالشَّدِيدِ (لِنْ عُمَرْ) ... وَسَبْعُ عُلْوٍ (خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ) حَصَرْ أي الحروف التي بين الحروف الرخوة وبين الحروف الشديدة خمسة يجمعها حروف هاتين الكلمتين، وهي اللام والنون والعين والميم والراء. يعني أنها بين القبيلين: الرخوة والشدة، والباقي من الحروف رخو وهي ستة عشرة. ومعنى قوله "لن عمر" يا عمر لن فهو منادى حُذِفَ حرف ندائه أي استعمل اللين في امورك ولا تكن ذا عنف وفظاظة. قوله: (وسبع علو) أي أن هذا هو الضد الثالث وهو ضد الحروف المستفلة، يعني: والحروف

الحروف المطبقة - الحروف المذلقة - حروف الصفير - حروف القلقلة

المستعيلة سبع حصرتها هذه الكلمات الثلاثة، وهي: الخاء والصاد والضاد والغين والطاء والقاف والظاء، وهي حروف التفخيم على الصحيح. قوله: (سبع علو) أي سبع أحرف كما تقدم من جواز تأنيث الحروف وتذكيرها، وإنما ذكر عددها لئلا يتوهم دخول حصر فيها. قوله: (حَصَرْ) أي حصرها هذا اللفظ من هذه الكلمات، ومعناها أقم في القيظ خص ضغط: أي أدنى ضغط: أي ضيق. (وَصَادُ ضَادٌ طَاءُ ظَاءٌ) مُطْبَقَهْ ... وَ (فِرَّ مِنْ لُبِّ) الحُرُوفِ المُذْلَقَهْ يعني هذه الأربعة أحرف هي الحروف المطبقة وهي ضد الحروف المنفتحة، سميت لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وذلك غاية القوة. وقوله: (وفر من لب) الأصل: (من لبٍ) بالتنوين فحذف الساكن تخفيفًا، وهو خبر مقدم والحروف مبتدأ والمذلقة صفة. ومعنى اللب: العقل، أي هرب من عقله حيث لم يطق الجور، إذ الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين، اللهم نجنا من القوم الظالمين. والمذلقة: أي المتطرفة وهي ستة يجمعها الكلمات الثلاث، وهي: الفاء والراء والميم والنون واللام والباء. قيل لها مذلقة لتطرفها؛ لأن ثلاثة منها من طرف اللسان وثلاثة من طرف الشفتين، وضدها المصمتة؛ وسميت بذلك لثقلها وامتناع الكلام بها، فلا توجد كلمة من كلام العرب رباعية فما فوقها بناؤها من الحروف المصمتة، وندر عسجد وعسطوس، وقيل: إنهما غير أصليين في كلام العرب بل ملحقان فيه، ولسهولة هذه الحروف وخفتها على اللسان لا يخلو منها الكلام إلا ما ندر فلذلك ينطق بها بسهولة بلا تكلف. صَفِيرُهَا صَادٌ وَزَايٌ سِينُ ... قَلْقَلَةٌ (قُطْبُ جَدٍّ) وَاللِّينُ لما فرغ من صفات ما ذكر لها وضده أخذ في صفات أخرى لأحرف مخصوصة لم يذكر لها ضدًا، منها حروف الصفير وهي الثلاثة المذكورة،

مراتب القلقلة

سميت حروف الصفير؛ لأنها يصفر بها وغيرها من الحروف لا صفير فيها. قال مكي: والصفير حدة الصوت، ومنها حروف القلقلة، وهي خمسة جمعها في كلمتين، وهي: القاف والطاء والباء والجيم والدال، سُميت بذلك لأنها إذا سكنت ضعفت فاشتبهت بغيرها فتحتاج إلى إظهار صوت شبه النبرة حال سكونها وإلى زيادة إتمام النطق بها فذلك الصوت في سكونها أبين منه في حركتها. قال ابن الجوزي (¬1): "وسُميت هذه الحروف بذلك لأنها إذا سُكِّنت ضعفت فاشتبهت بغيرها، فيحتاج إلى ظهور صوت يشبه النبرة حال سكونهن في الوقف وغيره، وإلى زيادة إتمام النطق بهنَّ، فذلك الصوت في سكونهن أبين منه في حركتهن، وهو في الوقف أمكن، وأصل هذه الحروف القاف؛ لأنه لا يُقْدَر أن يؤتى به ساكنًا إلا مع صوت زائد لشدة استعلائه". انتهى. وقال شيخ الإسلام (¬2): "سميت حروفها بذلك؛ لأنها حين سكونها تتقلقل عند خروجها، حتى يُسمع لها نبرة قوية، لما فيها من شدة الصوت الصاعد بها مع الضغط، دون غيرها من الحروف". انتهى. وقوله: (قطب جد) يجوز أن يكون أصله قطب جدي فنقلت كسرة الياء إلى الدال على نية الوقف، وعُومل معاملة المنقوص فحذفت الياء، فيكون فيه إشارة إلى قطب الجدي، وهو القطب الشمالي الذي بين الجدي والفرقدين، والجدي: هو النجم الذي إلى جانب القطب، تعرف به القِبْلَة. ¬

(¬1) النشر (1/ 203). (¬2) هو الشيخ زكريا الأنصاري.

كيفية أداء القلقلة

ومراتب القلقلة ثلاث: الأولى: وهي أقواها، تكون في الحرف المشدّد الموقف عليه، نحو: {الحقّ}. الثانية: وهي تلي الأولى في القوة، تكون في الساكن [المخفف] الموقوف عليه، نحو: {وعيد}. الثالثة: هي تلي الثانية في القوة، تكون في الساكن غير الموقوف عليه، نحو: {أفتَطْمَعُون}. وقد اختلف علماء الأداء في كيفية القلقلة: فذهب البعض إلى أنها تكون مائلةً إلى الفتح مطلقًا، سواء كان الحرف الذي قبلهما مضمومًا نحو: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 147]، أم مفتوحًا نحو: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} [النساء: 124]، أم مكسورًا نحو: {وَلا تُشْطِط} [ص: 22]. وذهب بعضهم إلى أنها تكون بحَسَب حركة الحرف الذي قبلها، فإن كان ما قبلها مضمومًا فإنها تكون مائلة إلى الضم، وإن كان ما قبلها مفتوحًا فإنها تكون مائلة إلى الفتح، وإن كان ما قبلها مكسورًا فإنها تكون مائلة إلى الكسر. والذي عليه معظم أهل الأداء هو المذهب الأول، وهو الذي عليه العمل. قال بعضهم: وقَلْقَلَةً قَرّبْ إلى الفتحِ مُطْلَقًا ... ولا تُتْبِعَنْها بالذي قَبْلُ تُقْبَلا قال المرصفي (¬1): "وذكر صاحب "العميد" قولاً ثالثًا في كيفية أداء القلقلة، حاصله: أن حروف القلقلة تتبع حركة ما بعدها من الحروف، لتتناسب الحركات، وهو قول من الأقوال الواردة في غير القولين المشهورين". ¬

(¬1) هداية القارئ، ص: 88.

حروف اللين - حروف الانحراف - حروف التفشي

واعلم أنه إن صح هذا القول، فيمكن تطبيقه على الساكن الموصول فقط، نحو: {يُبْدِئ} لأن الساكن الموقوف عليه كحرف الدال في نحو قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُد} [الفاتحة: 5] لا يتأتى فيه اتباعه لما بعده، لذهاب حركة ما بعده بسبب الوقف عليه، فتنبه". انتهى. ويُحكى قول آخر وهو أن للقلقلة نُطقًا خاصًا لا تميل فيه لا إلى الضم ولا إلى الفتح ولا إلى الكسر. قوله: (واللين) أي وحرفا اللين، وهما: الواو والياء إذا سكنتا وانفتح ما قبلهما، سميا بذلك؛ لما فيهما من اللين القابل لمدهما كما في باب المد (ويتبين ذلك من البيت التالي). والحاصل: أن الواو والياء الساكنتين إذا انفتح ما قبلهما يقال لكل منهما: حرفُ لين، وإن جانسهما ما قبلهما (¬1) قيل لكل منهما: حرفُ مدّ ولِين. وأما الألف فلا تكون إلا حرف مد ولين، والله تعالى أعلم. وَاوٌ وَيَاءٌ سَكَنَا وَانْفَتَحَا ... قَبْلَهُمَا وَالانْحِرَافُ صُحَّحَا يعني وحروف الانحراف اللام والراء على الصحيح خلافًا لمن جعله اللام فقط، سميا بذلك لانحرافهما عن مخرجهما حتى اتصلا بمخرج غيرهما، ويقال: إن اللام فيها انحراف إلى ناحية طرف اللسان (أي إلى مخرج النون)، والراء فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام، ولذلك يجعلها الألثغ لامًا. قال الإمام مكي القيسي (¬2): "سُمِّيا بذلك؛ لأنهما انحرفا عن مخرجهما حتى اتصال بمخرج غيرهما، وعن صفتهما إلى صفة غيرهما. ¬

(¬1) أي إذا كانت الواو مضموم ما قبلها، والياء مكسور ما قبلها. (¬2) الرعاية، ص: 132.

قال: أما (اللام) فهو من الحروف الرخوة، لكنه انحرف به اللسان مع الصوت إلى الشدة، فلم يعترض في منع خروج الصوت اعتراض الشديدة، ولا خرج معه الصوت كله خروجه من الرخوة، فسمّي منحرفًا؛ لانحرافه عن حكم الشديدة وعن حكم الرخوة، فهو بين صفتين. وأما (الراء) فهو حرف انحرف عن مخرج النون - الذي هو أقرب المخارج إليه - إلى مخرج اللام، وهو أبعد من مخرج النون من مخرجه، فسمي منحرفًا لذلك. قال: "وقيل: "إنما سميت الراء منحرفة ... فذكر السبب الذي سبق ذكره في اللام. انتهى. واللام أقوى انحرافًا من الراء، وانحرافهما جميعًا إلى الجهة اليمنى" (¬1). فِي (اللاَّمِ وَالرَّا) وَبِتَكْرِيرٍ جُعِلْ ... وَللتَّفَشِّي الشِّيْنُ ضَادًا اسْتُطِلْ يعني وجعل في الراء صفة تكرير فهي صفة ذاتية لها؛ فمعنى تكريرها: رُبُوُّهَا في اللفظ لا إعادتها بعد قطعها هنا، ولذلك يجب أن يتحفظ من إظهار تكريرها لاسيما إذا شددت كما سيأتي النص عليه قريبًا، وفي تقديم تكريرها على جعل إشارةٌ إلى أن الراء خُصّ بذلك، فجمع بين الانحراف والتكرير، وهو صفة لازمة للراء، ووصفت الراء بالتكرير لقبولها له، فهو وصفٌ لها بالقوة لا بالفعل، كوصفهم إنسانًا بالضحك إذا كان غير ضاحك بالفعل، باعتبار كونه قابلاً لهذه الصفة، وكوصفهم أميًا بالقراءة والكتابة نظرًا لكونه مستعدًا لها، ومُهيأ لقبولها. قال الإمام مكي (¬2): "والراء حرف قابل للتكرير، ويظهرُ تكريره جليًا إذا كان مشددًا، فيجب على القارئ أن يخفي تكريره ولا يظهره، ¬

(¬1) الدر النثير، 20 - 25. (¬2) الرعاية، ص: 196.

فمتى أظهره فقد جعل من الحرف المشدد حروفًا، ومن المخفف حرفين". وقال (¬1): "والتكرير في الراء المشددة أظهر وأحوجُ إلى الإخفاء منه في المخفَّفة". انتهى. وقال العلامة الجعبري: "وطريق السلامة منه - أي التكرير - أن يُلصق اللافظ به رأس لسانه بأعلى حنكه لصقًا محكمًا مرة واحدة، بحيث لا يرتعد؛ لأنه متى ارتعد حدث من كل مرة راء، فهذه الصفة يجب أن تعرف لتجتنب لا ليؤتى بها، وذلك كالسحر يعرف ليجتنب، بخلاف سائر الصفات فإنها تعرف ليعمل بها". اهـ. قوله: (لا ليؤتى بها) يوضحه كلام مكي: "فيجب على القارئ أن يخفي تكريره"، وكذا ما يأتي في كلام المرعشي. أقول: فالمقصود هو إخفاء التكرير بحيث لا يتبين للسامع، وليس المقصود إعدام هذه الصفة بالكلية كما يزعم بعض القراء، فتجدهم ينطقون بالراء ممجوجة كأنها لام مغلظة، أو طاء، وهو لحن ينبغي التحرّز عنه، وهو الذي يسميه ابن الجزري بالحصرمة، فقد قال (¬2): "وقد توهم بعض الناس أن حقيقة التكرير: ترعيد اللسان بها المرة بعد المرة، فأظهر ذلك حال تشديدها ... والصواب: التحفظ من ذلك بإخفاء تكريرها كما هو مذهب المحققين. وقد يبالغ قوم في إخفاء تكريرها مشددة، فيأتي بها محصرمة، شبيهة بالطاء، وذلك خطأ لا يجوز". انتهى. والحصرمة: بالحاء المهملة والصاد المهملة، من الحصر وهو: العيُّ في المنطق، فالذي يبالغ في إخفاء تكرير الراء المشددة، يجد في لسانه ثقلاً يشبه الحصر، وهو العي، وسمي فعل ذلك بالحصرمة. قال المرعشي (¬3): "ليس معنى إخفاء تكريره إعدام تكريره بالكلية ¬

(¬1) جهد المقل، ص: 35، 36. (¬2) النشر 1: 218. (¬3) جهد المقل، ص: 36.

فصل: تعاريف مهمة

بإعدام ارتعاد رأس اللسان بالكلية؛ لأن ذلك لا يمكن إلا بالمبالغة في إلصاق رأس اللسان باللثة، بحيث ينحصر الصوت بينهما بالكلية، كما في الطاء المهملة، وذلك خطأ لا يجوز؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن تكون الراء من الحروف الشديدة، مع أنه من الحروف البينية، بل معناه تقوية ذلك الإلصاق بحيث لا يتبين التكرير والارتعاد في السمع لئلا يتولّد من الراء مثلها". انتهى. قوله: (وللتفشي) أي وجعل للتفشي الشين، والتفشي هو الانتشار، فمسي الشين بذلك؛ لأنه انتشر صوتها حتى اتصل بمخرج الظاء. وقوله: (ضادًا استطل) أي اجعلها مستطيلة، أي موصوفة بالاستطالة، وسمي الضاد مستطيلاً؛ لأنه استطال عن الفم عند النطق حتى اتصل بمخرج اللام وذلك لما فيه من القوة بالجهر والاستعلاء والإطباق، ولقد جعل بعض العلماء التفشي صفة لبعض الحروف غير الشين وهي: الفاء والثاء والصاد والضاد والسين والراء. قال المرعشي (¬1): "وبالجملة فالحروف المذكورة مشتركة في كثرة انتشار خروج الريح، ولكن الانتشار في الشين أكثر، ولذلك اتفق العلماء على تفشيه، وفي البواقي المذكورة قليل بالنسبة إليه، ولذلك لم يصفها أكثر العلماء بالتفشي". انتهى. فصل تعاريف مهمة 1 - الهمس: لغة: الخفاء. واصطلاحًا: خفاء التصويت بالحرف لضعفه وضعف اعتماده على مخرجه، وجريان النفس معه حال النطق به. ¬

(¬1) لطائف الإشارات، 1: 202.

2 - الجهر

2 - الجهر: لغة: الصوت القوي الشديد. واصطلاحًا: انحباس جريان النفس عند النطق بالحرف لقوته وقوة الاعتماد عليه في مواضع خروجه. 3 - الشدة: لغة: القوة. واصطلاحًا: كمال انحباس جري الصوت عند النطق بالحرف لكمال قوة اعتماده على مخرجه. 4 - الرخاوة: لغة: اللين. واصطلاحًا: لين الحرف وجريان الصوت عند التلفظ به لضعفه وضعف الاعتماد عليه في مخرجه. 5 - التوسط: لغة: الاعتدال. واصطلاحًا: اعتدال الصوت عند النطق بالحرف. 6 - الاستعلاء: لغة: العلو والارتفاع. واصطلاحًا: ارتفاع اللسان عند النطق بالحرف إلى سقف الحنك عن قاع الفم. 7 - الاستفال: لغة: الانخفاض. واصطلاحًا: انخفاض اللسان عند خروج الحرف عن سقف الحنك إلى قاع الفم. 8 - الإطباق: لغة: الإلصاق. واصطلاحًا: إلصاق طائفة من اللسان بما يحاذيها من سقف الحنك الأعلى وانحصار الصوت بينهما. 9 - الانفتاح: لغة: الافتراق. واصطلاحًا: افتراق اللسان عن الحنك الأعلى بحيث يخرج الريح من بينهما عند النطق بالحرف.

10 - الذلاقة

10 - الذَّلاقة: لغة: حدة اللسان، وتطلق على حد الشيء وطرفه. واصطلاحًا: اعتماد الحرف على ذلق اللسان أو ذلق الشفة - أي طرفيهما - عند النطق به. 11 - الإصمات: لغة: المنع لأنه من (صَمَتَ) إذا منع نفسه عن الكلام. واصطلاحًا: منع انفراد هذه الحروف أصولاً في كلمة تزيد عن ثلاثة أحرف بأن كانت أربعة أو خمسة. 12 - الصفير: لغة: صوتٌ تصوت به البهائم عند الشرب. واصطلاحًا: صوت زائد يخرج من بين الشفتين يصاحب أحرفه الثلاثة (الصاد والسين والزاي) عند خروجها. 13 - القلقلة: لغة: التحرك والاضطراب. واصطلاحًا: قوة اضطراب صوت الحرف الساكن في مخرجه ليظهر ظهورًا كاملاً. 14 - اللين (¬1): لغة: السهولة. واصطلاحًا: إخراج الحرف من مخرجه بسهولة وعدم كلفة على اللسان. 15 - الانحراف: لغة: الميلُ عن الشيء والعدول عنه. واصطلاحًا: الميل بالحرف عن مخرجه حتى يتصل بمخرج غيره. ¬

(¬1) وهو صفة لازمة لحرفين، وهما: الواو والياء الساكنتين المفتوح ما قبلهما.

16 - التكرير

16 - التكرير: لغة: إعادة الشيء مرة بعد أخرى. واصطلاحًا: ارتعاد رأس اللسان - اهتزازها - عند النطق بالحرف. 17 - التفشي: لغة: الانتشار والانبثاث، وقيل: معناه لغة: الاتساع، يقال: تفشت القرحة، إذا اتسعت. واصطلاحًا: انتشار الريح في الفم عند النطق بالشين، حتى يتصل بمخرج الظاء المشالة (¬1). 18 - الاستطالة: لغة: الامتداد. واصطلاحًا: امتداد الصوت من أول إحدى حافتي اللسان إلى آخرها. فائدة: الفرق بين الاستطالة والمد - مع أن في كل منهما امتداد -: أن الاستطالة امتدادُ الحرف في مخرجه المحقَّق، مع انحصاره فيه، وأما المدّ فهو امتداد الصوت عند النطق بحروفه دون انحصار في المخرج، إذ ليس له مخرج محقَّق حتى ينحصر فيه، بل مخرجه مقدّر، فلا ينقطع المد إلا بانقطاع الهواء. هذا وقد أوصل الإمام مكي بن أبي طالب في كتابه "الرعاية" (¬2) صفات الحروف إلى أربع وأربعين صفة، وعدّ منها الثماني عشرة صفة السابقة وأضاف: ¬

(¬1) الظاء المشالة هي المعجمة، وسميت مشالة تفريقًا بينها وبين الضاد المعجمة؛ لأن الظاء تكتب بوضع ألف عند ملتقى طرفيها هكذا (ظ) بخلاف الضاد، والشَّوْل في اللغة: الرَّفع، ويقال: شالت الناقة ذنبها، إذا رفعته. فكتابة الألف عند طرف الظاء هو بمثابة الشوْل. (¬2) ص: 115 - 144.

1 - صفة الجرس: وتوصف بها الهمزة، فيقال: الهمزة حرف جرس، وصفت بذلك لأن الصوت يعلو عند النطق بها، ولذلك استثقلت في الكلام فجاز فيها: التحقيق، والتخفيف، بالبدل، والحذف، والتسهيل، إلى غير ذلك. والجرس في اللغة: الصوت، وجميع الحروف وإن كن يصوت بها عند النطق، ولكن للهمزة مزية على غيرها في ذلك. 2 - صفة الهتف: وتوصف بها الهمزة أيضًا فيقال: الهمزة حرفٌ مهتوف، وصفت بذلك لخروجها من الصدر فتحتاج إلى ظهور صوتٍ قوي شديد، والهتف: الصوت، يقال: هتف به، إذا صوت. وهو في المعنى بمنزلة تسميتهم الهمزة جرسيًا؛ لأن الجرس: الصوت الشديد، والهتف: الصوت الشديد، فوصفت الهمزة بذلك لشدة الصوت بها وقوته، وذكر بعض العلماء في موضع "المهتوف": المهتوت، بتاءين. قال: لأن الهمزة إذا وقف عليها لانت، وصارت إما واوًا، وإما ياءً، وإما ألفًا. 3 - صفة الإمالة: وتوصف بها الحروف الثلاثة: الألف، والراء، وهاء التأنيث، وسميت حروف الإمالة لأن الإمالة في كلام العرب لا تكون إلا فيها، لكن الألف وهاء التأنيث لا يمكن إمالتهما إلا بإمالة الحرف الذي قبلهما، وهاء التأنيث لا تمال إلا في الوقف، والراء تمال وصلاً ووقفًا، ومثلها الألف إذا وقعت قبل محرَّك. 4 - صفة المزج والخلط: وتوصف بها بعض الحروف الفرعية مثل: الهمزة المُسَهَّلة، والصاد

التي مُزج صوتها بصوت الزاي، والألف الممالة، إلى آخر ما ذكرنا في مبحث الحروف. وسميت هذه الحروف بذلك لما فيها من مزج وخلط أحد حرفين أصليين بالآخر حتى تولّد منهما حرف فرعي، ويقال لها: الحروف المشربة والمخالطة - بكسر اللام وفتحها - لما فيها من إشراب حرف صوت آخر، ومخالطة كل من الحرفين للآخر. 5 - صفة التفخيم: وتوصف بها حروف الإطباق، وحروف الاستعلاء، وأيضًا (الراء، واللام، والألف) في بعض أحوالهن. 6 - صفة الغنة: ومعناها في اللغة: صوت يخرج من الخيشوم. وفي الاصطلاح: صوت مستقرّ في جوهر النون - ومثلها التنوين - والميم، فيقال: النون حرف أغن، والميم حرف أغن؛ لأن في كل منهما غنة تخرج من الخيشوم عند النطق بهما، فهي زيادة فيهما كالإطباق الزائد في حروفه، والصفير الزائد في حروفه، فالغنة من علامات قوة الحرف، وهي صفة لازمة للنون والميم، سواءُ كانتا متحركتين أم ساكنتين، وسواء كانتا عند سكونهما مظهرتين أم مدغمتين أم مخفاتين، وسواء كانتا مخففتين أم مشددتين. فهي صفة لازمة لهما في جميع أحوالهما لا تنفك عنهما، غير أنها تكون فيهما حال تشديدهما أقوى منها في حال إدغامهما، وفي حال إدغامهما أقوى منها في حال إخفائهما، وفي حال إخفائهما أقوى منها في حال سكونهما مظهرتين، وفي حال سكونهما مظهرتين أقوى منها في حال تحركهما. 7 - صفة الخفاء: ومعناها في اللغة: الاستتار. وفي الاصطلاح: استتار صوت الحرف

عند النطق به، ويوصف بهذه الصفة الحروف الأربعة: الألف، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، والهاء، فيقال لهذه الحروف الأربعة: "الحروف الخفية". قال الإمام مكي (¬1): "وإنما سميت خفية؛ لأنها تخفي في اللفظ إذا اندرجت بعد حرف قبلها، والألف أخفى هذه الحروف؛ لأن اللسان لا علاج له فيها عند النطق بها، وليس لها مخرج محقق تنسب إليه، ولا تتحرك أبدًا ولا تتغير حركة ما قبلها". انتهى. وقال غيره (¬2): إن حروف المد أخفى الحروف لاتساع مخرجها، وأخفاهن وأوسعن مخرجًا: الألف، ثم الياء، ثم الواو، ونظرًا لخفاء هذه الحروف يصح أن يزاد في مدها عن حركتين خوفًا من سقوطها عند الإسراع بها لخفائها، وصعوبة الهمز بعدها، فإنه إذا تقدم الحرف السهل على الحرف الصعب في الكلمة فإن النفس تتجه إلى العناية بالصعب، والاهتمام بتحقيقه وبيانه، فيترتب على ذلك الغفلة عن الحرف السهل فيخرج هزيلاً وربما ينعدم في اللفظ بالكلية، فمن أجل ذلك وجبت العناية ببيان الحروف السهلة إذا جاورت حروفًا صعبة. وأما خفاء الهاء، فلاجتماع صفات الضعف فيها، قال الإمام مكي (¬3): "الخفاءُ من علامات ضعف الحروف، ولما كان الهاء حرفًا خفيًا وجب أن يتحفظ ببيانها حيث وقعت. قال العلامة المرعشي (¬4): "معنى: بيانها: تقوية صوتها بتقوية ضغط مخرجها، فلو لم يتحفظ على تقوية ضغط مخرجها لمال الطبع إلى توسيع مخرجها لعسر تضييقه لبعده عن الفم، فيكاد ينعدم في التلفظ". انتهى. ¬

(¬1) الرعاية، ص: 157. (¬2) هو أبو شامة في (إبراز المعاني) ص: 113. (¬3) الرعاية، ص: 118. (¬4) جهد المقل، ص: 39.

فصل: بيان صفات كل حرف من حروف الهجاء

فصل بيان صفات كل حرف من حروف الهجاء اعلم أن كل حرف من حروف الهجاء لابد أن يتصف بخمس صفات من الصفات المتضادة، فيتصف بالهمس أو الجهر، وبالشدة أو الرَّخاوة (¬1) أو التوسط، وبالاستعلاء أو الاستفال، وبالإطباق أو الانفتاح، وبالإذلاق أو الإصمات، فيكمل له خمس صفات، كما أنه قد يتصف بصفة واحدة من الصفات الغير متضادة، أو قد يتصف منها بصفتين، أو قد لا يتصف منها بشيء، فحينئذٍ لا تَقِلُّ صفاتُ كل حرف عن خمس صفات، ولا تزيد عن سبع" (¬2). اهـ. والسبيل إلى معرفة صفات أي حرف من حروف الهجاء: هي البحث عنه أولاً في حروف الهمس، فإذا تبين أنه فيها فهو حرف مهموس, وصفته: الهمس، وإن لم يتبين أنه في حروف الهمس فيكون في حروف ضدّه وهو الجهر، فيكون حرفًا مجهورًا، وتكون صفته: الجهر. ثم يبحث عنه بعد ذلك في حروف الشدة، فإن وجد فيها فهو شديد، وصفته: الشدة، وإن لم يوجد فيها فيبحث عنه في حروف التوسط فإن وجد فيها فهو متوسط، وصفته: التوسط، وإن لم يوجد في حروف الشدة ولا في حروف التوسط فيكون في حروف ضدهما وهي الرخاوة، فيكون حرفًا رخوًا، وصفته: الرخاوة. ثم يبحث عنه بعد ذلك في حروف الاستعلاء، فإن وجد فيها فهو حرف مستعل، وصفته: الاستعلاء، وإن لم يوجد في حروف الاستعلاء فيكون في حروف ضده وهو الاستفال، فيكون حرفًا مستفلاً، وصفته: الاستفال. ثم يبحث عنه بعد ذلك في حروف الإطباق، فإن وجد فيها فهو ¬

(¬1) يقال فيها: الرِّخاوة، الرُّخاوة، الرَّخاوة. (¬2) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 82 بتصرف.

حرف مطبق، وصفته: الإطباق، وإن لم يوجد في حروف الإطباق فيكون في حروف ضده وهو الانفتاح، فيكون حرفًا منفتحًا، وصفته: الانفتاح. ثم يبحث عنه بعد ذلك في حروف الذلاقة، فإن وجد فيها فهو حرف مذلق، وصفته: الذلاقة، وإن لم يوجد فيها فيكون في حروف الإصمات، ويكون حرفًا مصمتًا، وصفته: الإصمات. وحينئذ يكون الحرف قد أخذ خمس صفات من الصفات المتضادة. ثم يبحث عن الحرف بعد ذلك في الصفات التي لا ضد لها فإن وجد لها صفة منها كان له ست صفات، وإن وجد له صفتان منها كان له سبع صفات، ولا يأخذ أي حرف أكثر من سبع صفات. وهاك صفات كل حرف من حروف الهجاء: (الهمزة) ولها خمس صفات: الجهر، الشدة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات. (الباء) لها ست صفات: الجهر، الشدة، الاستفال، الانفتاح، الإذلاق، القلقلة. (التاء) لها خمس صفات: الهمس، الشدة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات. (الثاء) لها خمس صفات: الهمس، الرِّخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإسصمات. (الجيم) لها ست صفات: الجهر، الشدة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات، القلقلة. (الدال) لها ست صفات: الجهر، الشدة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات، القلقلة. (الذال) لها خمس صفات: الجهر، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات. (الراء) لها سبع صفات: الجهر، التوسط، الاستفال، الانفتاح، الإذلاق، الانحراف، التكرير. (الزاي) لها ست صفات: الجهر، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات، الصفير. (السين) لها ست صفات: الهمس، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات، الصفير. (الشين) لها ست صفات: الهمس، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات، التفشي. (الصاد) لها ست صفات: الهمس، الرخاوة، الاستعلاء، الإطباق، الإصمات، الصفير. (الضاد) لها ست صفات: الجهر، الرخاوة، الاستعلاء، الإطباق، الإصمات، الاستطالة. (الطاء) لها ست صفات: الجهر، الشدة، الاستعلاء، الإطباق، الإصمات، القلقلة. (الظاء) لها خمس صفات: الجهر، الرخاوة، الاستعلاء، الإطباق، الإصمات.

(العين) لها خمس صفات: الجهر، التوسط، الاستفال، الانفتاح، الإصمات. (الغين) لها خمس صفات: الجهر، الرخاوة، الاستعلاء، الانفتاح، الإصمات. (الفاء) لها خمس صفات: الهمس، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإذلاق. (الحاء) لها خمس صفات: الهمس، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات.

(الخاء) لها خمس صفات: الهمس، الرخاوة، الاستعلاء، الانفتاح، الإصمات. (القاف) لها ست صفات: الجهر، الشدة، الاستعلاء، الانفتاح، الإصمات، القلقلة. (الكاف) لها خمس صفات: الهمس، الشدة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات. (اللام) لها ست صفات: الجهر، التوسط، الاستفال، الانفتاح، الإذلاق، الانحراف. (الميم) لها خمس صفات: الجهر، التوسط، الاستفال، الانفتاح، الإذلاق (¬1). (النون) لها خمس صفات: الجهر، التوسط، الاستفال، الانفتاح، الإذلاق. (الهاء) لها خمس صفات: الهمس، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات (¬2). (الواو) لها خمس صفات: الجهر، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات. وهذا إذا كانت متحركة، فإذا سكنت بعد فتح زيد لها صفة سادسة وهي: اللين. ¬

(¬1) والغنة؛ لأنها صفة لازمة لها وللنون. (¬2) والخفاء، فهي صفة لازمة لها ولحروف المد الثلاثة.

(الياء) لها خمس صفات: الجهر، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات، وهذا إذا كانت متحركة، فإذا سكنت بعد فتح زيد لها صفة سادسة وهي: اللين. (حروف المد الثلاثة) لها خمس صفات: الجهر، الرخاوة، الاستفال، الانفتاح، الإصمات. ويؤخد مما تقدم أن بعض الحروف يتحد مع بعض في الصفات، فمن ذلك: التاء، والكاف، فهما متحدان في جميع الصفات، وكذلك الثاء والحاء والهاء، وأيضًا الجيم والدال، وكذلك الميم والنون، وأيضًا الواو والياء المتحركتان، وحروف المد الثلاثة - الحروف الخمسة - متحدة في جميع الصفات، وكذلك الواو والياء اللينتان - أي: الساكنتان بعد فتح - متحدتان في جميع الصفات.

باب: التجويد

باب التجويد وَالأَخْذُ بِالتَّجْوِيدِ حَتْمٌ لازِمُ ... مَنْ لَمْ يُجَوِّدِ الْقُرَآنَ آثِمُ تعريف التجويد: لغة: هو التحسين من جودت الشيء إذا حسنته، وتقول: هذا شيء جيد، أي حسن. واصطلاحًا: هو إعطاء الحروف حقها في النطق بها على أتم وجه، ومستحقها من الأحكام الناشئة عنها، وإخراج كل حرف من مخرجه الصحيح، وأيضًا تحسين الصوت بالتلاوة إن أمكن. الغاية منه: 1 - النطق بكلام الله عز وجل على أحسن صورة وأتم ضبط، فهذا امتثالاً لأمر الله عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4]. والترتيل هو: التحسين، من رتَّل الكلام أي: أحسن تأليفه، ولم يكتف الله عز وجل بالأمر: "رتل القرآن" ولكن أتى بالمصدر "ترتيلاً" توضيحًا لعظم هذا الأمر، وعظم الأجر عليه وتأكيدًا على أهميته. 2 - حفظ اللسان عن اللحن في كتاب الله عز وجل، واللحن هو من لَحَنَ كجَجَل، ولَحَّنَ أي خطأ، واللَّحَنُ هو الانحراف عن الصواب، واللحن في كتاب الله عز وجل نوعان: جلي وخفي. أولاً: اللحن الجلي: أي اللحن الظاهر وله سبع صور (¬1) هي: 1 - إبدال حرف بحرف. 2 - إسكان المتحرك. ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 35.

ثانيا: اللحن الخفي

3 - تحريك الساكن. 4 - إشباع الحركة بحيث تولد منها حرف مد. 5 - تحذف أحرف المد. 6 - تخفيف المشدَّد. 7 - تشديد المخفف. ثانيًا: اللحن الخفي: وهو اللحن الذي يتعلق بأحكام التجويد مثل إدغام ما لا يجب إدغامه، أو إظهار المدغم أو الوقوف على التاء المفتوحة بالهاء، ونحو ذلك. وسمي هذا النوع باللحن الخفي؛ لأنه لا يستطيع أن يعلمه إلى العالمين بالقراءة والتجويد وأحكامه. قال البركوي (¬1): "تحرم هذه التغييرات جميعها لأنها - وإن كانت لا تخل بالمعنى - تخل باللفظ، وتؤدي إلى فساد روْنَقه وذهاب حسنه وطلاوته". اهـ. وهو القول المختار في كل من له القدرة على تعلم القرآن الكريم وأحكام تلاوته، والله أعلى وأعلم. لأَنَّهُ بِهِ الإِلَهُ أَنْزَلاَ ... وَهَكَذَا مِنْهُ إِلَيْنَا وَصَلاَ بيَّن في هذا البيت سببًا من الأسباب الموجبة لتعلم تجويد القرآن، ألا وهو "التواتر"؛ فإن القرآن ينتقل من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل، بالتواتر عن الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأمين جبريل عليه السلام عن ربنا رب العزة سبحانه وتعالى. وَهُوَ أَيْضًا حِليةُ التِّلاَوَةِ ... وَزِيْنَةُ الأَدَاءِ وَالْقِرَاءَة أوضح هنا سببًا آخر، وتوضيحًا لما سبق، وهو أن التجويد هو الرونق الذي تتألق فيه القراءة في أتم صورة. ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 36.

وَهُوَ إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حَقَّهَا ... مِنْ صِفَةٍ لَهَا وَمُستَحَقَّهَا ذكر في هذا البيت تعريف التجويد اصطلاحًا بشكل موجز، فليراجع في أول الباب. وَرَدُّ كُلِّ وَاحِدٍ لأَصْلِهِ ... وَاللَّفْظُ فِي نَظِيْرِهِ كَمِثْله أضاف هنا إضافة للتعريف حيث قال أن التجويد أيضًا هو (رَدُّ) أي إرجاع كل واحد من الحروف لمخرجه الأصلي. قوله: (واللفظ في نظيره) أي النطق في نظير هذا الحرف - إذا تكرر - كالنطق به أول مرة. مُكَمِّلاً مِنْ غَيْرِ مَا تَكَلُّفِ ... بِاللُّطْفِ فِي النُّطْقِ بِلاَ تَعَسُّف (مكملاً) أي في حال كونك مكملاً للقراءة. (من غير ما تكلف) أي من غير تكلف في القراءة، و (ما) زائدة للتوكيد. (باللطف ....) أي بلطف وسهولة في النطق بالألفاظ، وبلا تجاوز للحد، وفي نسخة (باللفظ) ولكن (باللطف) أفضل. وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ ... إِلاَّ رِيَاضَةُ امْرِئٍ بِفَكِّهِ أي وليس بين التجويد وبين انعدامه إلى (رياضة) أي مداوه امرئٍ على تكرار القراءة. (بفكه) أي بفمه. وقد يقال شرح آخر لهذا البيت وهو: وليس بين التعسف في النطق والخطأ في القراءة، وبين ترك ذلك كله إلا تعود امرئٍ على القراءة بفمه. والله أعلى وأعلم.

باب: التفخيم والترقيق

باب التفخيم والترقيق التفخيم: لغة: هو التعظيم وترك الإمالة، من فَخُمَ ككَرُمَ. واصطلاحًا (¬1): تعظيم الحرف بجعله في المخرج سمينًا وفي الصفة قويًا. الترقيق (¬2): لغة: مشتق من الرِّقَّة وهي النحافة. اصطلاحًا: تنحيف الحرف بجعله في المخرج نحيفًا وفي الصفة ضعيفًا. ورَقِّقَنَّ مُسْتَفِلاً مِنْ أَحْرُفِ ... وَحَاذِرَنْ تَفْخِيمَ لَفْظِ الأَلِف شرع في النص على أمور مهمة تتعلق بتصحيح التلاوة وتجويد القراءة لابد للقارئ من الوقوف عليها: منها أن الحروف المستفلة وهي ما عدا المستعيلة تكون أبدًا مرققة إلا ما وردت الرواية بتفخيمه كاللام والراء في بعض الأحوال كما سننبه عليه قريبًا إن شاء الله تعالى. قوله: (وحاذرن) أي احذر من تفخيم الألف، وذلك مهم يجب التنبيه عليه، فإن ذلك قد فشا كثيرًا وأُخذ عن العجم تقليدًا وذلك لا يجوز، والألف حرف هواء لا توصف بتفخيم ولا ترقيق بل تبع لما قبله إن كان مفخمًا فُخِمَ، وإن مرققًا رُقِّق، خلافًا لمن أطلق ترقيقه وإن كان قبله حرف تفخيم (¬3). كَهَمْزِ أَلْحَمْدُ أَعُوذُ إِهْدِنَا ... أللَّهُ ثُمَّ لاَمِ لِلَّهِ لَنَا وهذا أمثلة مما يتحفظ بترقيقه من حيث إن اللسان ربما سبق إلى تفخيمه وهو سر ما سرقته الطباع من العجم والنبط؛ مثل الهمز في: (الحمد لله) إذا ابتدأ بها، وكذلك من: (أعوذ بالله) و (اهدنا) حالة الابتداء، ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 147. (¬2) السابق. (¬3) انظر: شرح طيبة النشر، ص: 35.

وكذا (الله)، والتحفظ فيه آكد لوجود اللام المفخمة بعده، وكذلك ينبغي أن يتحفظ بترقيق اللام من (لله) و (لنا)، وكل ذلك مما تحكمه المشافهة وتسهله الرياضة (¬1). وَلْيَتَلَطَّفْ وَعَلَى اللَّهِ وَلاَ الضْ ... وَالْمِيمِ مِنْ مَخْمَصَةٍ وَمِنْ مَرَضْ أي وكذلك يجب التحفظ بترقيق اللام من قوله: "وليتلطف" أعني اللام بعد التاء، فإن الطاء بعده لقوته وشدة تفخيمه يجذب اللسان إلى تفخيمه، قال أحمد بن الجزري: ورأيت في النوم سنة تسعين وسبعمائة وأنا أقرأ في النوم سورة الكهف، فلما وصلت إلى هذه الكلمة فإذا شخص يلفظها إليَّ مرققة في غاية اللطف، وكأنه يقول قل هكذا". اهـ. وكذلك يجب ترقيق اللام الأولى من (وعلى الله) ومن (ولا الضالين) لأن تفخيم الحرف بعده يجذبه إلى التفخيم، وكذلك يتحفظ بترقيق الميم من (مخمصة) يتحفظ بترقيقها؛ فإن كثيرًا من القراء لا يكادون يأتون بها إلا مفخمة بسبب تفخيم الخاء وذلك خطأ فاحش (¬2). وَبَاءِ بَرْقٍ بَاطِلٍ بِهِمْ بِذِي ... وَاحْرِصْ عَلَى الشِّدَّةِ وَالجَهْرِ الَّذِي فِيهَا وَفِي الْجِيمِ كَحُبِّ الصَّبْرِ ... وَرَبْوَةٍ اجْتُثَّتْ وَحَجِّ الْفَجْر قال في هذين البيتين: واحرص أيضًا على ترقيق الباء وخاصة في بعض كلمات وهي: كلمة (بَرْقٌ) في قوله تعالى: {فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْق} [البقرة: 19]، وكلمة (باطلٌ) حيث جاء، وكذا الباء في (بِهِم) و (بِذِي). (فاحرص ... الذي) أمر بالحرص هنا على الترقيق مع الشدة، حيث أن كثيرًا من الناس يريد أن يبين صفة الشدة في الباء فيسبق لسانه إلى تفخيمها وهو لا يشعر، وبالذات في الكلمات المذكورة، وعلى رأسها ¬

(¬1) انظر: شرح طيبة الشعر، ص: 35. (¬2) انظر: شرح طيبة الشعر، ص: 147.

فصل: الراءات

كلمة (برق) وكلمة (باطل) حيث أن كثيرًا من الناس يفخمها مع الألف بعدها، وهذا ظاهر. ثم أكمل بذكر أمثلة تحتوي على حرف الباء، وهي (حُبّ - الصَّبْرِ - رَبْوَةٍ) وأخرى تحتوي على حرف الجيم وهي (اجْتُثَّتْ - حجِّ - الفَجْر). وَبَيِّنْ مُقَلْقَلاً إِنْ سَكَنَا ... وَإِنْ يَكُنْ فِي الْوَقْفِ كَانَ أَبْيَنَا أمر في هذا البيت بإيضاح القلقلة في حروفها وهي (ق ط ب ج د) وذلك حال كون هذه الحروف ساكنة وأخبر أن هذه القلقلة تظهر أكثر وضوحًا في حال الوقف على هذه الحروف حيث قال: (وإن يكن في الوقف) أي في حالة الوقف عليها، (كان أبينا) أي: كان حرف القلقلة أوضح بمعنى أن القلقلة أوضح. وقد سبق الكلام مستفيضًا في القلقلة فليراجع. والله أعلى وأعلم. وَحَاءَ حَصْحَصَ أَحَطتُّ الْحَقُّ ... وَسِينَ مُسْتَقِيمِ يَسْطُو يَسْقُو أمر بترقيق الحاء في كلمة (حصحص) في يوسف لا ثاني له في القرآن، ونبه كذلك على كلمة (أحطت) و (الحق) لمجاورة الأولى للصاد المستطيلة، ولمجاورة الثانية للطاء الشديدة، ومجاورة الثالثة للقاف الشديدة، ونبه كذلك على ترقيق السين من كلمات (مُسْتَقِيمِ - يَسْطُو - يَسْقُو) لمجاورتهم التاء والطاء والقاف الشديدات، ذكره الأنصاري (¬1). فصل الراءات وَرَقِّقِ الرَّاءَ إِذَا مَا كُسِرَتْ ... كَذَاكَ بَعْدَ الْكَسْرِ حَيْثُ سَكَنَتْ إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلِ حَرْفِ اسْتِعْلاَ ... أَوْ كَانَتِ الكَسْرَةُ لَيْسَتْ أَصْلاَ أخبر في هذين البيتين أن الراء إذا كسرت رققت قولاً واحدًا سواء ¬

(¬1) الدقائق المحكمة، ص: 25.

وقعت في أول الكلمة مثل: (رزقًا - ردءًا)، أو في وسطها مثل: (ذرية - الريح - يشرك)، أو في آخرها مثل: (الآخر - النهار). قوله: (كذلك) أي أنها ترقق كذلك إذا أتت ساكنة بعد حرف مكسور بكسرة أصلية، بشرط أن لا يكون الحرف الذي بعد هذه الراء حرف استعلاء مثل: (الفردوس). مما سبق يتضح أنه حتى نرقق الراء الساكنة لابد من توافر شرطين: الأول: أن يكون قبلها حرف مكسور بكسرة أصلية. الثاني: أن يكون بعدها حرف مستفل (أي غير مستعلٍ). أما إذا اختل أحد الشرطين فإنها تفخم قولاً واحدًا مثل الراء في: (قرطاس - فرقة - لبالمرصاد) فإنه تفخم لوجود حرف استعلاء بعدها، وكذلك تفخم في مثل: (إلا من ارتضى - إن ارْتبتم - أم ارْتابوا). فائدة: اعلم أنه لم يأت في القرآن الكريم من حروف الاستعلاء بعد الراء الساكنة إلا ثلاثة حروف فقط لا غير وهي: (ص: - ط - ق) (¬1). وَالْخُلْفُ فِي فِرْقٍ لِكَسْرٍ يُوجَدُ ... وَأَخْفِ تَكْرِيْرًا إِذَا تُشَدَّدُ أخبر أن كلمة (فرق) في قوله تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] فيها الوجهان: التفخيم والترقيق؛ فمن قال بالتفخيم سار على القاعدة، فهي راء ساكنة بعدها حرف استعلاء، ومن قال بالترقيق نظر إلى وجود كسرة قبلها بالإضافة إلى ضعف قوة حرف الاستعلاء (القاف) الذي بعدها لكونه مكسورًا، فرققها لوقوعها بين ¬

(¬1) انظر: الدقائق المحكمة، ص: 26.

كسرتين، ولقد ذكر الحصري أن الداني رجح الترقيق ثم قال: "وهو المأخوذ به المعول عليه" (¬1). قوله: (وأخف تكريرًا) نبه على ضرورة إخفاء صفة التكرار الموجودة في حرف الراء، ولقد جرى الكلام فيها مستفيضًا في باب مخارج الحروف. وقوله: (إذا تُشَدَّد) أي أن صفة التكرار في الراء تكون أكثر وضوحًا في حال كونها مشددة. توضيح: إذا سكنت الراء نتيجة الوقف عليها - مهما كانت حركتها في حالة الوصل - فإن لها إحدى الحالات الآتية: الأولى: أن يكون قبلها حرف مفتوح، نحو: [ترمي بشرَرٍ - ولمن صَبَرَ - وخَسَفَ القَمرُ]. فيكون حكمها: التفخيم. الثانية: أن يكون قبلها حرف مضموم، نحو: [بالنُّذُرِ - ويولون الدبُرَ، فما تغني النُذُر]. فيكون حكمها: التفخيم. الثالثة: أن يكون قبلها حرف مكسور، نحو: [يوم عسِر]. فيكون حكمها: الترقيق. الرابعة: أن يكون قبلها ألف مدية، نحو: [إن الفجار - بئس القرار - وقنا عذاب النار]. فيكون حكمها: التفخيم، ولعل العلة في ذلك هي أن الألف المدّية تعتبر غير موجودة، وإنما هي إطالة في زمن نطق الحرف الذي قبلها، فتُطبَّق القاعدة على أساس الحرف الذي قبل الألف، وحيث أن ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 158، ونبه على أن الراء في كلمة (فرقة) مفخمة، وقد أحسن الإمام الشاطبي إذ قال في الحرز: "وما لقياس في القراءة مدخل" وهذا من حفظ الله عز وجل للقرآن، إذ كل حرف ينطق ويكتب كما أراد الله عز وجل، وكما أخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وصدق الله إذ يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

الألف لا يأتي ما قبلها إلا مفتوحًا، فإنه في حالة الوقف على الراء يصبح عندنا راء ساكنة مفتوح ما قبلها، لذلك تُفَخَّم وفقًا للقاعدة. الخامسة: أن يكون قبلها واوٌ مدِّية (وهي الواو الساكنة المضموم ما قبلها)، نحو [لن تبور، تُرْجع الأمور - من في القبور]. فيكون حكمها: التفخيم، ولعل العلة هنا هي نفس العلة السابقة، وهي أن الواو المدية تعتبر إطالة في زمن النطق بالحرف، فيكون عندنا راء ساكنة مضموم ما قبلها، فتفخم وفقًا للقاعدة. السادسة: أن يكون قبلها ياء مدِّية (وهي الياء الساكنة المكسور ما قبلها)، نحو: [خبير - يوم عَسِير - والحمير]. فيكون حكمها: الترقيق، والعلة هي نفس العلة السابقة، أي أن الياء المدية تعتبر إطالة في زمن النطق بالحرف، فيكون عندنا راء ساكنة مكسور ما قبلها، فترقق وفقًا للقاعدة. السابعة: أن يكون قبلها ياء ساكنة نحو: [مِن خَيْرٍ - لا ضَيْرَ - فالله خيْرٌ]. فيكون حكمها: الترقيق. الثامنة: أن يكون قبلها ساكن صحيح، وكان الحرف الذي قبل هذا الساكن مفتوح أو مضموم، نحو: [يريد الله بكم اليُسْرَ - والفَجْرِ - سُنْدُسٍ خُضْرٌ]. فيكون حكمها: التفخيم. التاسعة: أن يكون قبلها حرفٌ مستفلٌ ساكنٌ مكسور ما قبله، نحو: [مِن ذِكْرٍ - وما علَّمناه الشِّعْرَ - ولا بِكْرٌ]. فيكون حكمها: الترقيق. العاشرة: أن يكون قبلها حرف استعلاء ساكن مكسور ما قبله، ولا يوجد ذلك في القرآن الكريم إلا في كلمتين: [مِصْر - القِطْر]. فيكون حكمها: جواز الوجهين؛ التفخيم والترقيق. واعلم أن لفظ (مِصْر) ورد في أربعة مواضع (¬1): ¬

(¬1) يوجد موضع خامس في قوله تعالى: {اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُم} [البقرة: 61]، ولكن هذا الموضع لا يوقف على الراء في (مصرًا)، ولكن يوقف بالألف، فالراء هنا مفخمة وصلاً ووقفًا.

الأول: {أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً} [يونس: 87]. الثاني: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ} [يوسف: 21]. الثالث: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]. الرابع: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51]. أما لفظ (القِطْر) فلم يرد إلا في قوله تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ: 12]. فمن اعتدَّ بحرف الاستعلاء، فخَّم الراء، ومن لم يعتد به رققها، واختار ابن الجزري (¬1) التفخيم في (مصر) والترقيق في (القطر) نظرًا لوضعهما في الوصل، وعملاً بالأصل فيهما. والخلاصة: أن من اعتدَّ بحرف الاستعلاء - وهو حرف الصاد في (مصر) وحرف الطاء في (القطر) - فخَّم الراء، ومن لم يعتد بحرف الاستعلاء عمل بالأصل، ونظر إلى وضع الراء في حالة الوصل، ففخَّم الراء في (مِصْر) لأنها مفتوحة وصلاً، ورقَّقَ الراء في (القطْر) لأنها مكسورة وصلاً، وهذا هو اختيار ابن الجزري. الحادية عشرة: أن يكون بعدها ياء محذوفة للتخفيف. فيكون حكمها: جواز الوجهين: التفخيم والترقيق، ولم يَرِد ذلك في القرآن الكريم إلا في ثلاث كلمات: الأولى: كلمة (ونُذُر) - المسبوقة بالواو - وهي في قوله تعالى: {عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 16، 18، 21، 30، 37، 39] في ستة مواضع. الثانية: كلمة (يَسْر) في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4]. الثالثة: كلمة (الجوار) في ثلاثة مواضع: في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} [الشورى: 32]. وفي قوله تعالى: ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم.

فصل: اللامات

{وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} [الرحمن: 24]. وفي قوله تعالى: {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 16]. توضيح: اعلم أن كلمة (ونذر) أصلها (ونذري)، وكلمة (يسر) أصلها (يسري)، وكلمة (الجوار) أصلها (الجواري)، فحذفت الياء في هذه الكلمات الثلاثة للتخفيف، فمن قال بالترقيق نظر إلى الأصل - وهو وجود الياء - ونظر إلى وضع الراء في حالة الوصل، ومن قال بالتفخيم اعتدَّ بعروض السكون. الثانية عشرة: أن يكون بعدها ياء محذوفة. فيكون حكمها: جواز الوجهين: التفخيم والترقيق، ولم يرد ذلك في القرآن الكريم إلا في كلمة (أسْر) في خمسة مواضع منها: قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} [الشعراء: 52]. وقوله تعالى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً} [الدخان: 23]. فمن قال بالترقيق نظر إلى الأصل وهو وجود الياء (أي: أسري، فأسري) ونظر إلى حالة الوصل؛ إذ الراء ترقق هنا وصلاً، ومن قال بالتفخيم لم ينظر لا إلى الأصل ولا إلى حالة الوصل، ولكن اعتد بالعارض والله أعلى وأعلم. فصل اللامات وَفَخِّمِ اللاَّمَ مِنِ اسْمِ اللَّهِ ... عَنْ فَتْحٍ اوْ ضَمٍّ كَعَبْدُ اللَّه أمر بتفخيم اللام من لفظ الجلالة حيث جاء سواء كان منعزلاً عن الضمير (هم) أم متصلاً به، أي: (اللهم)، وذلك إذا سَبَقَ لَفْظَ الجلالة حَرْفٌ مفتوحٌ مثل: [فالله خير حافظًا - قال الله] أو حرفٌ مضمومٌ مثل:

فصل: حروف الإطباق والاستعلاء

[إني عبدُ الله - أرض الله]، أما في غير هاتين الحالتين فإنه يجب ترقيق اللام مثل: [مِنْ عِنْدِ الله - قُلِ اللهم]. فائدة: يجب ترقيق اللام في أي كلمة غير: (الله - اللهم) المسبوقتين بحرف مفتوح أو مضموم. فصل حروف الإطباق والاستعلاء وَحَرْفَ الاسْتِعْلاَءِ فَخِّمْ وَاخْصُصَا ... لاطْبَاقَ أَقْوَى نَحْوَ قَالَ وَالْعَصَا تكلم في هذا البيت عن حروف الاستعلاء، وترتيبها من الأقوى فالأقل كما يلي: (ط - ض - ص: - ظ - ق - غ - خ). فائدة: إذا أضيف الاسم المفرد لما بعده فإنه قد يفيد الجمع، ومن هذا القبيل قوله: (وحرف الاستعلاء) أي حروف الاستعلاء، ومثل قول الله عز وجل: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ} أي نِعَمَهُ. قوله: (واخصصا ...) إلخ، أي واخصص الحروف المطبقة بدرجة تفخيم أعلى من حروف الاستعلاء؛ وذلك لأن كل حرفٍ مطبقٍ فهو مستعلٍ، وليس كل حرفٍ مستعلٍ مطبقًا، ولذلك يجب تخصيص أحرف الإطباق الأربعة (¬1) وهي: الطاء والضاد والصاد والظاء - وهي من أحرف الاستعلاء - بتفخيم أقوى من بقية أحرف الاستعلاء، وهي: القاف والغين والخاء؛ لأن أحرف الإطباق الأربعة أعلى من بقية أحرف الاستعلاء لأن فيها من صفات القوة ما ليس في بقية أحرف الاستعلاء. ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 149 - 157.

واعلم أن كل حرف من أحرف الاستعلاء السبعة له خمسُ مراتب: المرتبة الأولى: وهي أقوى المراتب، تكون في المفتوح الذي بعده ألف، نحو: (الطَّامَّة، يُضاعفُ، صادقين، ظالمين، قائلون، غافلين، خائبين). المرتبة الثانية: وتلي الأولى في القوة، تكون في المفتوح الذي ليس بعده ألف نحو: (طلبًا، ضربتم، صبر، ظلم، قعد، غضب، خلق). المرتبة الثالثة: وتلي الثانية في القوة، تكون في المضموم نحو: (وطُبع، فَضُرِبَ، صُرِفت، ظُلم، قُتل، غُلِبت، خُلقوا). المرتبة الرابعة: وتلي الثالثة في القوة، تكون في الساكن، نحو: (يطبع، يضرب، فاصبر، لا يظلم، يقرءون، يغلب، يخلق). وقال الإمام المتولي: الساكن فيه تفصيلٌ؛ فإن كان ما قبله مفتوحًا يعطى تفخيم المفتوح الذي ليس بعده ألف، نحو: (يقطعون، أيطمع)، وإن كان ما قبله مضمومًا يعطى تفخيم المضموم، نحو: (أن تُقْبَلَ، ليُطفئوا)، وإن كان ما قبله مكسورًا يعطى تفخيمًا أدنى مما قبله مضموم، نحو: (نذِقْه، تُحِطْ). المرتبة الخامسة: وتلي الرابعة في القوة، تكون في المكسور، نحو: (بَطِرت، ضِعَافًا، صِرَاط، ظِلال، قِتال، غِطاءَك، خِلال). وعلى هذا، يكون لكل حرف من الأحرف السبعة خمس مراتب، وتكون الطاء المفتوحة التي بعدها ألفٌ في أعلى المراتب، وتكون الخاء المكسورة في أدناها. وينبغي أن يعلم أن الغين المكسورة والساكنة المكسورُ ما قبلها، والخاء المكسورة والساكنة المكسور ما قبلها: مفخمتان أيضًا، ولكن تفخيمهما في الحالتين المذكورتين ضعيف، ويسمى تفخيمًا نسبيًا، أي

بالنسبة لحروف الاستفال، إذ ليس فيها تفخيمٌ أصلاً، ومن الخطأ أن يقال: إن هذين الحرفين في الحالات السابقة مرقّقان، كما أنه من الخطأ أن يُنطق بهما في الحالات السابقة مفخمين تفخيمًا قويًا كتفخيمهما مفتوحين أو مضمومتين أو ساكنين بعد فتح أو ضم؛ لأن تفخيمهما في هذه الأحوال تفخيمًا قويًا يبعدهما عن صفاتهما. فمن أمثلة الغين المكسورة (مِنْ غِلٍّ، بَغِيًّا)، ومن أمثلة الساكنة بعد كسر أصلي: (لا تُزغْ قلوبنا، أفرِغْ علينا صبرًا)، وبعد كسر عارض: (إلا مَن اغْتَرَفَ غُرْفة بيده). ومن أمثلة الخاء المكسور: (مِنْ خَلاَف، خِيَانة). ومن أمثلة الساكنة بعد كسر أصلي: (إِخْوانًا، إخْوَتِكَ). وبعد كسر عارضٍ: (ولكِنِ اخْتَلَفوا، أوِ اخْرجوا). واستثنى العلماء من ذلك الخاء الساكنة المكسور ما قبلها إذا كان بعدها راء، فإنه يجب تفخيمها تفخيمًا قويًا من أجل الراء المفخمة بعدها، وذلك في كلمة (إخراج) حيث وقعت في القرآن الكريم، نحو: (وهو محرم عليكم إخراجهم)، (غير إخراج)، (وظاهروا على إخراجكم)، وفي كلمة (اخرج) في (وقالت اخرج عليهن). اهـ. وفي ذلك قيل: وَخَاءُ إخْرَاجٍ بتَفْخيمٍ أتتْ ... مِنْ أَجْلِ رَاءٍ قَدْ فُخّمَتْ قال الناظم رحمه الله: وبَيّنِ الإِطْبَاقَ مِنْ أحَطْتُ مَعْ ... بَسطْتَ والخُلْفُ بِنَخْلُقْكُمْ وَقعْ أمر بتوضيح الإطباق في كلمة (أحطت) في قوله تعالى: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22]، وكلمة (بسطت) في قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ} [المائدة: 28]، أما كلمة نخلقكم في قوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [المرسلات: 20] ففيها وجهان: الأول: الإدغام

الناقص محافظةً على صفة الاستعلاء في القاف، والثاني: الإدغام الكامل حيث تنطق هكذا (نخلكُّم). قال ابن الجزري (¬1): فيه إشارة إلى مسألة يجب الاعتناء بمعرفتها، وهي أنه إذا التقى متماثلان أو متجانسان وسبق أحدهما بالسكون فإنه يجب إدغامه - كما سيأتي قريبًا -، ولما التقت في (أحطت) و (بسطت) الطاء والتاء وكان لابد من الإدغام وكانت الطاء أقوى من التاء لما فيها من صفات القوة أُدْغِمت وبقي من صفتها ما يدل عليها وهو الإطباق، فيلفظ بالحاء والسين، ثم يُشار باللفظ إلى صفة الإطباق، ثم يلفظ بالتاء مشددة، ونظير ذلك إدغام النون الساكنة في الياء والواو مع بقاء الغنة. وقد ذهب بعض أهل الأداء إلى أن ذلك في هذه الحروف ليس بإدغام لكنه إخفاء لوجود ما يمنع من الإدغام فيه وهو الصفة القائمة، والصحيح أنه إدغام لكنه ليس بكامل - أي: إدغام ناقص -. ثم إن أهل الأداء اختلفوا في إدغام القاف الساكنة في الكاف من قوله: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} هل يلفظ بها كاملاً من غير إبقاء صفة الاستعلاء من القاف أو ناقصًا تَبْقِيَةً للصفة لأجل قوة القاف بذلك؟ فذهب الداني وجماعة إلى الأول وهو الأصح. وذهب مكي إلى الثاني، وكلاهما مأخوذ به كما بينه في النشر، وهذا معنى قوله: (والخلف بنخلقكم وقع) أي كان ووجد وجرى. اهـ. ¬

(¬1) طيبة النشر، جـ37.

باب: التنبيهات

باب التنبيهات وَاحْرِصْ عَلَى السُّكُونِ فِي جَعَلْنَا ... أَنْعَمْتَ وَالمَغْضُوبِ مَعْ ضَلَلْنَا نصح رحمه الله هنا بالحرص على إظهار السكون في (جعلنا - ضللنا) وذلك لما في اللام من صفة الانحراف - وقد سبق ذلك بانبساط. وأيضًا بالحرص على السكون على حرفي النون والميم في (أنعمت)، وعلى حرف الغين في (المغضوب). ومن الملاحظ أن كثيرًا من القراء يُحركُ حرف الغين في (المغضوب) وهذا من اللَّحْنِ المنهي عنه فلتحذر. وَخَلِّصِ انْفِتَاحَ مَحْذُورًا عَسَى ... خَوْفَ اشْتِبَاهِهِ بِمَحْظُورًا عَصَى أي وأظهر انفتاح الذال في كلمة (محذورًا) في قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} [الإسراء: 57]، وأظهر أيضًا انفتاح السين في كلمة (عسى) حيث جاءت، ثم ذكر العلة وهي مخافة اشتباه (عسى) بـ (عصى)، وأيضًا مخافة اشتباه (محذورًا) بـ (محظورًا). وَرَاعِ شِدَّةً بِكَافٍ وَبِتَا ... كَشِرْكِكُمْ وَتَتَوَفَّى فِتْنَتَا قوله: (وراع) أصلها (وراعي) حذفت الياء لأنه فعل أمر، أي وحافظ على الشدة الموجودة في الكاف وفي التاء، ثم ذكر مثالاً للكاف في كلمة (شرككم) ومثالين للتاء في كلمة (تتوفى) وفي كلمة (فتنتا) أي: فتنة حيث جاءت، وذكر الشدة فقط، وقِس عليها سواها من الصفات مثل الرخاوة والهمس والجهر ... إلخ. واعلم أن كثيرًا من الناس يبالغون في بيان صفة الهمس في الكاف والتاء بحيث يؤدي إلى توليد حروف زائدة كالهاء عند الكاف، والهاء أو السين عند التاء، وحينئذ تصير الكاف والتاء من الحروف الرخوة، والواجب مراعاة شدة الصوت عند النطق بالكاف والتاء ليمتنع جريان الصوت مع الحرف ولا يمنع ذلك جريان النَّفَس جريًا ضعيفًا وخاصة عند الوقف (¬1). اهـ. والله أعلى وأعلم. ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 90 بالهامش.

باب: المتماثلين والمتجانسين والمتقاربين والمتباعدين

باب المتماثلين والمتجانسين والمتقاربين والمتباعدين وَأَوَّلَى مِثْلٍ وَجِنْسٍ إنْ سَكَنْ ... أَدْغِمْ كَقُلْ رَبِّ وَبَلْ لاَ وَأَبِنْ فِي يَوْمِ مَعْ قَالُوا وَهُمْ وَقُلْ نَعَمْ ... سَبِّحْهُ لاَ تُزِغْ قُلُوبَ فَالْتَقُمْ قوله: (وأولى مثل وجنس إن سكن) أي إذا سكن أول المثلين أو أول الجنسين - أي الحرفين المتجانسين - فأدغمه؛ أي أدغم الساكن وهو الحرف الأول، ثم ذكر مثالاً للمتجانسين وهو (قل رب) فتنطق بعد الإدغام هكذا (قُرَّبِّ)، وذكر مثالا للمتماثلين وهو (بل لا) فتنطق بعد الإدغام هكذا (بلاَّ). والإدغام: لغة: الإدخال، تقول: أدغمت اللجام في فم الفرس، أي أدخلته في فمه. واصطلاحًا: حذف الحرف الأول الساكن (في حالة التقاء حرفين متماثلين أو متجانسين أولهما ساكن والثاني متحرك)، والإتيان بالثاني مشددًا. والمثلان: هما الحرفان اللذان اتفقا مخرجًا وصفة. مثل: البائين أو الدالين ... إلخ. والمتجانسان: هما الحرفان اللذان اتفقا مخرجًا لا صفة كالطاء، والتاء، وكالظاء، والثاء، وكاللام، والراء. قوله: (وأبِنْ) أي وأظهر من ذلك ما يلي: (في يوم) أي أظهر في حالة أن يكون المثلين ياءً. و (قالوا وهم) وكذلك أظهر في حالة كون الحرفين واوين أولهما حرف مدٍ، وأظهر أيضًا اللام في (قل نعم) وكذا إن اجتمع فيهما متقاربان أو متجانسان؛ حيث أن النون لا يدغم فيها شيء مما أدغمت

فيه (عند حفص)، فكانت باقي الحروف أولى بألاَّ تدغم فيها، أفاده الأنصاري (¬1). قوله: (سبحه) أي وأظهر الحاء في سبحه عن الهاء، إذ لا يدغم حرف حلقي في أدخل منه، والهاء أدخل من الحاء؛ ولأن حروف الحلق بعيدة عن الإدغام ولهذا أيضًا أمر بإظهار الغين وعدم إدغامها في القاف في (لا تزغ قلوب)، أفاده الأنصاري (¬2) كما أنه أشار إلى ضرورة إظهار اللام أيضًا في كلمة (فالتقم) وعدم إدغامها في التاء، في {فالتقمه الحوت}. والله أعلى وأعلم. توضيح: اعلم أن الحرفين المتتالين لابد أن يندرجا تحت نوع من أربعة: المثلين أو المتجانسين أو المتقاربين أو المتباعدين، وإليك تفصيل ذلك: أولاً: المتماثلان: هما الحرفان اللذان اتحدا مخرجًا وصفة، كالباءين في (اضرب بعصاك)، والدالين في (قد دخلوا)، واللامين في (قل لن)، والنونين في (من نعمره) ... إلخ. فائدة: ينقسم المتماثلان إلى: متماثلين صغير، متماثلين كبير، متماثلين مطلق. أما المتماثلان الصغير (¬3): فهو أن يكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحركًا، مثل: (منْ نُعمره - قلْ لَن - اضرب بعصاك)، وهذا هو الذي يخصنا. وحكمه: الإدغام وسيأتي تفصيلاً. ¬

(¬1) انظر: الدقاق المحكمة، ص: 29. (¬2) انظر: الدقائق المحكمة، ص: 29. (¬3) سُمي صغيرًا لسهولته وقلة العمل فيه؛ لسكون أوله وتحرك ثانيه.

وأما المتماثلان الكبير (¬1): فهو أن يكون الحرفان متحركان مثل: (السماءِ إن - إنهُ هُو - الرحيمِ مَلك]. وحكمه: الإظهار (عند حفص ومن وافقه). ثالثًا: المتماثلان المطلق (¬2): فهو أن يكون الحرف الأول متحركًا والثاني ساكنُا، مثل: (نَنْسخ - مَمْنون). وحكمه: الإظهار (عند كل القراء). والخلاصة: أن كل حرفين متماثلين التقيا، وكان أولهما ساكنًا والثاني متحركًا، فإن الأول يدغم في الثاني أي أننا نحذف الأول تمامًا وننطق بالثاني مشددًا إلا في حالة واحدة وهي أن يكون الحرف الأول حرف مد مثل الواوين في (قالوا وهم)، ومثل الياءين في (في يوم)، فيجب في هذه الحالة الإظهار حتى نستطيع الإتيان بالمد (¬3)؛ لأننا لو أدغمنا فإن المدَّ سيزول. فائدة: قوله تعالى: (ماليه هلك) لنا فيها ثلاثة أوجه: الأول: الوصل مع السكت، ويحصل ذلك بأن نقول (ماليه) ثم نسكت سكتة لطيفة بدون تنفس، ثم ننطق بـ (هلك) وزمنها أقل من حركتين بشكل ملحوظ. والثاني: الوقف مع (ماليه) مع التنفس ثم النطق بـ (هلك). والثالث: الإدغام على أنه من قبيل المتماثلين فننطقها هكذا: (ماليَهَّلَكَ). ¬

(¬1) سمي كبيرًا لكثرة العمل فيه لتحرك الحرفين. قال ابن الجزري في النشر (1/ 74): "وسمي كبيرًا لكثرة وقوعه إذ الحركة أكثر من السكون. وقيل: لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه. وقيل: لما فيه من الصعوبة. وقيل: لشموله نوعي المثلين والجنسين والمتقاربين". اهـ. (¬2) سمي مطلقًا لعدم تقييده بصغير ولا كبير. انتهى. (أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 125 - 127). (¬3) يُسمى هذا المد بـ (مد التمكين).

ثانيًا: المتجانسان: وهما الحرفان اللذان اتحدا مخرجًا واختلفا صفة، وهو أيضًا ينقسم إلى: صغير وكبير ومطلق، وقد سبق بيان كل منهما، أما الصغير فحكمه الإدغام مثل: 1 - الدال في التاء مثل: (كدتَّ)، و (قد تَّبين). 2 - التاء في الداء والطاء مثل: (أجيبت دَّعوتكما)، و (وّدَّت طَّائفة). 3 - الذال في الظاء مثل: (إذ ظَّلموا). 4 - الطاء في التاء مثل: (بسطت) لكنه إدغام ناقص، بمعنى أننا نبقي على صفة الاستعلاء في الطاء (وقد سبق ذكره). 5 - القاف في الكاف في كلمة (نخلقكم)، ولحفص فيها وجهان: الإدغام الكامل والإدغام الناقص (وقد سبق ذكره). 6 - الثاء في الذال في: (يلهث ذلك)، ولحفص فيها وجهان: الإدغام والإظهار. 7 - الباء في الميم في: (اركب معنا)، ولحفص فيها وجهان: الإدغام والإظهار. وأما المتجانسان الكبير مثل: (الصالحات طوبى - مريم بهتانًا) ففيه الإظهار. وأما المتجانسان المطلق مثل: (يَشْكُر) ففيه الإظهار. ثالثًا: المتقاربان: هما الحرفان اللذان اختلفا في المخرج وتقاربا في الصفة، وهو أيضًا ينقسم إلى: صغير وكبير ومطلق، فالصغير مثل: (أورثتموا - يرد ثواب)، وكبير مثل: (نفقد صواع - بعد ضراء)، والمطلق مثل: (لن - فَضُرِب).

وحكمه: الإظهار في أقسامه الثلاثة إلا في حالة اللام الساكنة مع الراء في نحو: (قل رَّب - بل رَّفعه الله) فيجب فيها الإدغام إلا ما سيأتي فيه التفصيل (¬1). فائدة: قال الحصري (¬2): "وأما اللام والراء: فعلى مذهب الفرَّاء، ومن وافقه يكونان متجانسين لاتحاد مخرجهما عنده، وأما على مذهب الجمهور - ومنهم الإمامان: الشاطبي وابن الجزري - فيكونان متقاربين لتقاربهما مخرجًا وصفة" اهـ. رابعًا: المتباعدان: هما الحرفان اللذان تباعدا مخرجًا واختلفا صفة - وهو ثلاثة أقسام أيضًا: صغير وكبير ومطلق. وحكمه: الإظهار بلا خلاف. والله أعلى وأعلم. ¬

(¬1) انظر باب "السكت". (¬2) أحكام تلاوة القرآن الكريم ص: 130.

باب: الضاد والظاء

باب الضاد والظاء يُعد هذا الباب من أهم أبواب علم التجويد حيث تكلم فيه الناظم عن مواضع كثيرًا ما يقع فيها القارئ. مثل: نُطق الضاد ظاء، وكإدغام الضاد في التاء في كلمة (أفضتم) إلى غير ذلك مما سيأتي مفصلاً في الشرح إن شاء الله تعالى: وَالضَّادَ بِاسْتِطَالَةٍ وَمَخْرَجِ ... مَيِّزْ مِنَ الظَّاءِ وَكُلُّهَا تَجِي في هذا البيت يوضح الناظم الفرق بين الضاد والظاء في قوله: (والضاد ... ميز من الظاء) أي: مَيِّز وفرِّق بين حرفي: الضاد والظاء بأمرين: الاستطالة والمخرج؛ فمن حيث الاستطالة، فإن الضاد مستطيلة، أما الظاء فليست كذلك. أما من حيث المخرج، فإن الضاد تخرج من إحدى حافتي الأضراس العليا أو منهما معًا، أما الظاء فتخرج من طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا. ولما كان حرف الضاد هو أصعب الحروف نطقًا، ازداد تنبيه العلماء عليه. قال ابن الجزري: "والضاد انفرد بالاستطالة، وليس في الحروف ما يعسر على اللسان مثله، فإن ألسنة الناس فيه مختلفة، وقلَّ من يُحسنه، فمنهم من يخرجه ظاء، ومنهم من يمزجه بالذال، ومنهم من جعله لامًا مفخمة، ومنهم من يُشِمَّه الزاي، وكل ذلك لا يجوز" (¬1). فائدة: الحديث المشهور على ألسنة كثير من الناس "أنا أفصح من نطق بالضاد" لا أصل له ولا يصح (¬2). ¬

(¬1) النشر (1/ 219). (¬2) النشر (1/ 220)، وذُكر في "أحكام قراءة القرآن"، ونقل تضعيف ابن كثير وكثيرٍ من المحققين لهذا الحديث.

قوله: (وكلها) أي كل الظاءات الواردة في القرآن (تجي) أي تأتي وتوجد في: فِي الظَّعْنِ ظِلَّ الظُهْرِ عُظْمِ الْحِفْظِ ... أيْقِظْ وَأنْظُرْ عَظْمِ ظَهْرِ اللَّفْظ قوله: (الظعن)، ولم يأت إلا في موضع واحد في قوله تعالى: {يَوْمَ ظَعْنِكُم} [النحل: 80]. و (ظل) أي تصريفاتها، مثل: (ظِلاً ظليلاً - يوم الظُّلَّة - وظلَّلْنا). قوله: (الظُّهْر) وهو انتصاف النهار (¬1)، وورد في موضعين لا غير؛ أحدهما: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} [النور: 58]، وثانيهما: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18]. قوله: (عظم) من العَظَمة مثل: (العلي العظيم - أعظم درجة - ميلاً عظيمًا). قوله: (الحفظ) من حَفِظَ حِفْظًا، مثل: (وما أنا عليكم بحفيظ - ولا يؤوده حفظهما). قوله: (أيْقِظْ) من اليقظة وهي عكس الغفلة، ولم تأت إلا في قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً} [الكهف: 18]. قوله: (وأنْظِرْ) من الانتظار مثل: (ولا هم يُنْظَرون). قوله: (عَظْمَ) في مثل: (وهن العظم - رفاتًا وعظامًا). قوله: (ظَهْرِ) في مثل: (وراء ظهورهم - على ظهورهم). قوله: (اللَّفْظِ) في موضع واحد لا غير في قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} [ق: 18]. وورد الظاء أيضًا في: ظَاهِرْ لَظَى شُوَاظُ كَظْمٍ ظَلَمَا ... اُغْلُظْ ظَلامَ ظُفُرٍ انْتَظِرْ ظَمَا قوله: (ظاهر) عكس باطن مثل: (ظاهر الإثم - والظاهر والباطن). قوله: (لظى) موضعان لا غير، أحدهما: {نَاراً تَلَظَّى} [الليل: 14]، وثانيهما: {كَلا إِنَّهَا لَظَى} [المعارج: 15]. قوله: (شُوَاظ) موضع واحد لا غير، هو {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظ} [الرحمن: 35]. قوله: (كَظْم) مثل (والكاظمين). قوله: (ظُلْمًا) مثل (الظالمين - ظالم). قوله: (اغلُظ) من الغِلْظة، مثل (غليظ القلب). قوله: (ظلام) مثل (في ظلمات). قوله: ¬

(¬1) الدقائق المحكمة، ص: 31.

(ظُفُر) في موضع واحد لا غير وهو {حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146]. قوله: (انتظر) من الانتظار أي: الارتقاب، مثل: (قل انتظروا). قوله: (ظَما) أي: ظمَأ في ثلاثة مواضع: {لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة: 120]، و {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا} [طه: 119]، و {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النور: 39]. ووردت الظاء أيضًا في: أَظْفَرَ ظَنًّا كَيْفَ جَا وَعَظْ سِوَى ... عِضِينَ ظَلَّ النَّحْلُ زُخْرُفٍ سَوَى قوله: (أَظْفَرَ) من ظَفَرَ بمعنى النصر، في موضع واحد في {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24]. قوله: (ظنًا كيف جا) أي كيف جاء، مثل: (يظنون - ظننتم). قوله: (وَعَظْ) بمعنى الوَعْظ، مثل: (وموعظة - وعظهم). قوله: (سوى عضين) هذا استثناء منقطع لأن عضين ليست من الوعظ، وهي في قوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91]، وعضين جمع عِضَة. قوله: (ظَلَّ) وهي (وتصريفاتها) في تسعة مواضع؛ موضعان منهما أشار إليهما بقوله: (النحل زخرفًا) أي في النحل والزخرف. وقوله: (سوا) أي: ساوى النحل الزخرف في كلمات هذين الموضعين وهو قوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} [النحل: 58]. وَظَلْتُ ظَلْتُمْ وَبِرُومٍ ظَلُّوا ... كَالْحِجْرِ ظَلَّتْ شُعَرَا نَظَلُّ في هذا البيت ذكر الناظم بقية المواضع التسعة، وهي سبعة مواضع، هي: (ظَلْت) في: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفا} [طه: 97]. و (ظلْتم) في: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65]. و (بِرُومِ ظَلُّوا) أي في: {لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} [الروم: 51] بالروم. وقوله: (كالحجر) أي كالتي في الحجر، يعني في: {فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} [الحجر: 14]. وقوله: (ظلت شعرا) يعني في: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] بالشعراء. وقوله: (نظل) أي في:

{فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71]. وقوله: (يَظْلَلْنَ) - في البيت الثاني - هي تتمة المواضع التسعة، وهي في: {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشورى: 33]. يَظْلَلْنَ مَحْظُورًا مَعَ المُحْتَظِرِ ... وَكُنْتَ فَظًّا وَجَمِيْعِ النَّظَر قوله: (محظورًا) من الحظر، وهو: المنع، في: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء: 20]. (مع) أي: وأيضًا كلمة (المحتظر) في: {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر: 31]. وأيضًا: (فظًا) في: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّا} [آل عمران: 159]. قوله: (وجميع النظر) أي: كل ما ورد في القرآن من كلمة (النظر) بمعنى الرؤية، مثل: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (¬1) [البقرة: 50]. إِلاَّ بِوَيْلٌ هَلْ وَأُولَى نَاضِرَهْ ... وَالْغَيْظِ لاَ الرَّعْدِ وَهُودٍ قَاصِرَهْ استثنى في هذا البيت - وهو استثناء منقطع - بعض الكلمات المكتوبة بالضاد، وذلك للتنبيه عليها. قوله: (إلا بويل) أي: إلا في سورة ويل للمطففين، في {نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24]، وإلا في (هل) أي: هل أتى على الإنسان، في: {نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان: 11]، وإلا في (أُولَى) أي: الموضع الأول يعني في: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22]. والخلاصة: أنه نبه على أن هذه الكلمات الثلاثة بالضاد لا بالظاء. قوله: (والغيظ) أي: وكُتب بالظاء أيضًا كلمة الغيظ. ثم استثنى - استثناءً منقطعًا أيضًا - موضعين فقال: (لا الرعد) أي في: {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} [الرعد: 8]، وأيضًا في (هود) في: {وَغِيضَ الْمَاء} [هود: 44]. وقوله: (قاصرة) أي أن كلمة (غيض) بمعنى النقص قاصرة عليهما وخاصة بهذين الموضعين لا غير. ¬

(¬1) كيف جاء.

فصل: التحذيرات

وَالْحَظُّ لاَ الْحَضُّ عَلَى الطَّعَامِ ... وَفِي ضَنِيْنٍ الْخِلاَفُ سَامِي قوله: (والحظ لا الحض على الطعام) أي: وكلمة (الحظ) أيضًا بالظاء، ومعناها: النصيب، ونبه على أنها غير كلمة الحضّ التي هي بمعنى الحث في ثلاثة مواضع: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة: 34] [الماعون: 3] موضعان، {وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر: 18]، فهذه الثلاثة مواضع بالضاد. قوله: (وفي ضنين) أي وفي كلمة ضنين في: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24]، فإن (الخلاف سامي) أي مشهور وواضح، وذلك لوجودها في قراءة: (بِظَنين) بالظاء. أي: بمُتَّهَم، ولكنها عند حفص بالضاد، أي: (بِضَنين) بمعنى: بخيل. والله أعلى وأعلم. فصل التحذيرات وَإِنْ تَلاَقَيَا البَيَانُ لاَزِمُ ... أَنْقَضَ ظَهْرَكَ يَعَضُّ الظَّالِمُ وَاضْطُّرَّ مَعْ وَعَظْتَ مَعْ أَفَضْتُمُ ... وَصَفِّ هَا جِبَاهُهُم عَلَيْهِمُ قوله: (وإن تلاقيا) أي إذا تلاقت الضاد مع الظاء فاعلم أنه يجب عليك (البيان) وهو التوضيح، أي يجب عليك توضيح كلاً منهما. وقوله: (لازم) أي واجب، وذلك في مثل: {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: 3]، فاللسان قد يسبقك إلى نطق الضاد ظاء، وقد يسبقك إلى إدغامها في الظاء، ومثل ذلك أيضًا في: {يَعَضُّ الظَّالِم}] الفرقان: 27]، ثم نبَّه على ضرورة إظهار الضاد في كلمة (اضْطُر) واحذر من أن تدغمها في الطاء، وكذلك احذر من إدغام الظاء في التاء في كلمة (وَعَظْت) واحرص على إظهارها، وكذلك احذر من إدغام الضاد في التاء في كلمة (أفضْتُم) واحرص على إظهارها. قال ابن الجزري: "وليعمل الرياضة في إحكام

لفظه - أي حرف الضاد - خصوصًا إذا جاوره ظاء نحو: (أنقض ظهرك) و (يعض الظالم). أو حرف مفخم نحو: (أرض الله)، أو حرف يجانس ما يشبهه نحو: (الأرض ذهبًا)، وكذلك إذا سكن وأتى بعده حرف إطباق نحو: (فمن اضطر) أو غيره نحو: (أفضتم، وخضتم، واخفض جناحك، وفي تضليل). اهـ. قوله: (وَصَفّ) من الصفاء بمعنى: أظهر. قوله: (هَاجِبَاهُهُمْ عَلَيْهِمُ) أي احرص على إظهار الهاء بصورة واضحة في كلمة {جِبَاهُهُمْ} [التوبة: 35]، وفي كلمة (عَليْهم). والله أعلى وأعلم.

باب النون والميم المشددتين والميم الساكنة

باب النون والميم المشددتين والميم الساكنة وأَظْهِرِ الغُنَّةَ مِنْ نُونٍ وَمِنْ ... مِيْمٍ إِذَا مَا شُدِّدَا وَأَخْفِيَنْ قوله: (وأظهر ... شددًا) أي أظهر الغنة وأوضحها حال النطق بالنون المشددة أو بالميم المشددة، سواء كانت في وسط الكلمة أو في آخرها (¬1)، وسواء في الفعل أو الاسم أو الحرف، وهذا الحكم واجب؛ أي لابد منه. والغنة: هي صوت رخيم جميل يخرج من خيشوم الأنف، ومقدارها: حركتان. والحركة: هي المقدار الزمني لقبض الإصبع أو بسطه في حالة وسط بين السرعة والبطء. ومن أمثلة النون والميم المشددتين: [إنَّ - النُّور - النِّعْمة - لأصلبنَّكم - ثمَّ - أمَّة]. ثم شرع في الكلام على الميم الساكنة فقال: (وأخفين): الْمِيْمَ إِنْ تَسْكُنْ بِغُنَّةٍ لَدَى ... بَاءٍ عَلَى المُخْتَارِ مِنْ أَهْلِ الأدَا قوله: (وأخفين ... لدى باء) أي أخف الميم إذا جاءت ساكنة وبعدها حرف الباء في مثل: [هم بربهم - كلبهم باسط - يعتصم بالله - مالهم به]. وهذا الإخفاء يجب أن يكون بغنة مقدارها حركتان، ويُسمى إخفاء الميم بـ (الإخفاء الشفوي)، وذلك لخروجه من الشفة. واعلم أن الميم الساكنة إذا أتى بعدها حرف الباء فإنه يوجد فيها مذهبان (¬2): ¬

(¬1) ولا يأتي حرف مشدَّد في أول الكلمة في حالة البدء بها، ولكن أول الكلمة قد يعرض عليه التشديد وصلاً نتيجة الإدغام مثل: "مَن نُّعمره"، وغيره. وسيأتي مفصلاً إن شاء الله. (¬2) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 190.

الأول: الإخفاء، وهو الذي عليه عمل أكثر أهل الأداء، وقال به ابن الجزري وأبو عمرو الداني. الثاني: الإظهار، وذهب إليه آخرون، على خلاف بينهم في الغنة وعدمها، وهو اختيار الإمام مكي بن أبي طالب. قال ابن الجزري (¬1): والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا أن الإخفاء أولى. اهـ. واحذر عند إخفاء الميم من إطباق الشفتين تمامًا، بل يجب عمل تلامس خفيف بينهما. قال العلامة المرعشي (¬2): "الظاهر أن معنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية، بل إضعافها وستر ذاتها في الجملة بتقليل الاعتماد علىمخرجها وهو الشفتان (¬3)؛ لأن قوة الحرف وظهور ذاته إنما يكون بقوة الاعتماد على مخرجه". ¬

(¬1) النشر (1/ 222). انظر المرجع السابق. (¬2) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 180. (¬3) قال الأستاذ محمد منيار: يعني بإطباق الشفتين بخفة ولين، وعدم كزّهما؛ لأن معنى إخفاء الحرف هو تقليل الاعتماد على مخرجه، وليس ترك الاعتماد عليه، والقراء يخطئون فيه من وجهين: الأول: إطباق الشفتين إطباقًا كاملاً - أي كزهما - بحيث يتولد من هذا الإطباق غنَّة ممططة، فهذا خطأ؛ لأنه يؤدي إلى إظهار الميم، في حين أن المراد إخفاؤها مع الغنة. الثاني: تجافي الشفتين أو فتح الفم عند القلب، وهو يؤدي إلى إخفاء النون الساكنة، والمراد إخفاء الميم المقلوبة عن النون. ويزعم بعض القراء أنه لابد من ترك فُرجة بين الشفتين، حالة أداء القلب والإخفاء الشفوي، لتحقيق الإخفاء في الميم عند الباء، فيقعون في خطأين: 1 - ذهاب الميم بالكلية، وإبدالها بنطق مُبهم. 2 - مد الحرف المبهم بحيث يتولد منه حرف من قبيل حركة الحرف الذي قبل النون الساكنة مثل: (مِيْن بَعْد) و (هُومْ بارِزُون)، والنطق الصحيح: هو بإطباق الشفتين بخفة كما سلف. انظر: الملاحظات الهامة، ص: 68.

قوله: (على المختار من أهل الأداء) أي على القول الذي اختاره معظم أهل الأداء. وَأظْهِرَنْهَا عِنْدَ بَاقِي الأَحْرُفِ ... وَاحْذَرْ لَدَى وَاوٍ وَفَا أنْ تَخْتَفِي قوله: (وأظهرنها عند باقي الأحرف) أي: وأظهر الميم الساكنة إذا أتى بعدها أي حرف غير (الباء والميم)، ويُسمى هذا الإظهار بـ (الإظهار الشفوي) لخروجه من الشفة. قوله: (واحذر لَدَى واو وفا) أي احذر إذا سبقت الميم حرف الواو أو حرف الفاء (أن تختفي) عندهما، وذلك لاتحاد مخرجها مع الواو, وقُرب مخرجها من مخرج الفاء (¬1). توضيح: اعلم أن للميم الساكنة ثلاثة أحكام: الأول: الإخفاء: وهو لغة: الستر. واصطلاحًا: إخفاء الميم الساكنة إذا وقع بعدها حرف الباء، ويُسمى (الإخفاء الشفوي)، [ولاحظ أنه يجوز أيضًا إظهار الميم الساكنة إذا وقع بعدها حرف الباء]. الثاني: الإدغام: وهو لغة: الإدخال. واصطلاحًا: إذا أتت ميم متحركة بعد ميم ساكنة فإننا ندغم الأولى في الثانية وننطق بالثانية مشددة، ويُسمى (إدغام مثلين صغير). الثالث: الإظهار: وهو لغة: التوضيح. واصطلاحًا: النطق بالميم الساكنة بكل صفاتها، وبدون تدخل في صفاتها، وذلك إذا أتى بعدها أي حرف غير (الباء والميم)، ويُسمى (الإظهار الشفوي). ¬

(¬1) الدقائق المحكمة، ص: 37.

باب: النون الساكنة والتنوين

باب النون الساكنة والتنوين (النون الساكنة) مشتقة من السُّكُون وهو الهدوء والثبات وعدم الحركة، وهو من سَكَنَ أي قَرَّ، وعكس (الساكنة): المُتحَرِّكة. واعلم أن النون الساكنة يمكن وجودها في الاسم مثل: [المنتهى - الأنهار]، ويمكن وجودها في الفعل مثل [يَنْهَون - يَنْتَهي]، ويمكن وجودها في الحرف مثل: [مِنْ - عَنْ]، كما أنها قد تأتي في وسط الكلمة أو في آخرها (كما هو واضح في الأمثلة السابقة)، ولا تأتي في أول الكلمة لأن أول الكلمة لابد أن يكون متحركًا. فائدة: بما أن الابتداء عكس الوقف، فإنه لا يمكن أن يُبْتَدأ بساكن، كما أنه لا يمكن الوقف بمتحرك. والتنوين يأخذ أحكام النون الساكنة نفسها، والعلة في ذلك هي أن التجويد يعتمد على النطق لا على الكتابة، واعلم أن التنوين لا يكون أبدًا إلا في آخر الكلمة. فائدة: النون الساكنة تثبت (أي توجد) لفظًا (أي عند النطق بها) وخَطًا (أي كتابة)، كما أنها تثبت وصلاً (أي حالة وصلها)، ووقفًا (أي حال الوقف عليها). أما التنوين فهو نون ساكنة زائدة تثبت لفظًا ولا تثبت خطاً، وتثبت وصلاً ولا تثبت وقفًا. وَحُكْمُ تَنْوِيْنٍ وَنُونٍ يُلْفَى ... إِظْهَارٌ ادْغَامٌ وَقَلْبٌ اخْفَا يقول: إنَّ حكم التنوين والنون الساكنة (يُلْفَى) أي: يوجد، تقول: ألفيتُ الشيء أي وجدته. ثم بين في الشطر الثاني أحكام النون الساكنة

والتنوين الأربعة، وهي: الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء، ثم شرع في تفصيل هذه الأحكام فقال: فَعِنْدَ حَرْفِ الحَلْقِ أَظْهِرْ وَادَّغِمْ ... فِي اللاَّمِ وَالرَّا لاَ بِغُنَّةٍ لَزِمْ وَأَدْغِمَنْ بِغُنَّةٍ فِي يُومِنُ ... إِلاَّ بِكِلْمَةٍ كَدُنْيَا عَنْوَنُوا في هذين البيتين يوضح الناظم حكمين: الإظهار والإدغام. قوله: (حرف الحلق) أي حروف الحلق. قوله: (أظهر) أي أظهر النون الساكنة (أو التنوين) عندما تسبق حرفًا من الحروف الحلقية الستة وهي: (ء - هـ - ع - ح - غ - خ). والإظهار: لغة: التوضيح. واصطلاحًا: إظهار النون تامة بدون أي تدخل في صفاتها، ولكن نأتي بها كما في حالة الوقف عليها. فائدة: إذا أضيف الاسم المفرد لما بعده فإنه قد يُراد به الجمع، مثل قول الله عز وجل: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ} [المائدة: 7] أي نِعَمَهُ. كذلك قوله: (حرف الحلق) أي: حروفه. فائدة: السبب في حدوث الإظهار هو بُعد مخرج النون عن مخارج حروف الإظهار الستة، ونتيجة لذلك لا يوجد تشابه ولا تقارب بين مخرج النون ومخارج الحروف الستة. فائدة: اعلم أن للإظهار ثلاث مراتب: الأولى: وهي أعلى مرتبة يكون عندها الإظهار أوضح ما يمكن وهي مع [الهمزة والهاء] لأنهما أبعد حروف الحلق عن مخرج النون.

الثانية: وهي مرتبة متوسطة وهي مع [العين والحاء] لوقوعهما في منتصف الحلق. الثالثة: وهي أقل مرتبة وهي مع [الغين والخاء] لأنهما أقرب حروف الحلق لمخرج النون. تنويه: يسمى هذا الإظهار بـ (الإظهار الحَلْقي) ومن أمثلته مع النون الساكنة [مَنْ آمَنَ - مِنْ هَاد - مِنْ عِنْد - مِنْ غَيْر - ولِمَنْ خَافَ] هذا في كلمتين، أما في كلمة واحدة مثل [ينأونَ - مِنْهم - الأنعام - ينْحتون]. والله تعالى أعلى وأعلم. ومن أمثلة الإظهار مع التنوين (ولا يحدث إلا في كلمتين لأن التنوين لا يكون إلا في آخر الكلمة) مثل: [عذابٌ أليم - سلامٌ هي - حكيمٌ عليم - غفورٌ حليم - وربٌ غفور - عليمًا خبيرًا]. قوله: (وأدغم) هنا بدأ في الحكم الثاني وهو الإدغام، وهو لغة: الإدخال تقول أدغمت اللجام في فم الفرس أي أدخلته فيه. واصطلاحًا: أنه عند التقاء حرفين الأول منهما ساكن والثاني متحرك فإننا نحذف الأول لفظًا وننطق بالثاني مشددًا. والإدغام نوعان: الأول: الإدغام الكامل، وهو الإدغام بدون غنة وهو يكون مع حرفي اللام والراء، ويتضح ذلك في قوله: (في اللام والرا). والثاني: الإدغام الناقص، وهو الإدغام بغنة، ويكون مع حروف كلمة (يومن) (¬1)، ويتضح ذلك من قوله: (وأدغمن بغنة في يومن). واعلم أن الإدغام لا يحدث إلا في كلمتين، أي لا يحدث في كلمة واحدة أبدًا. واعلم أيضًا أن النون الساكنة لا تأتي في كلمة واحدة وبعدها حرف من حروف كلمة (يومن) إلا في أربع كلمات فقط في القرآن الكريم ¬

(¬1) وهي نفسها حروف كلمة (ينمو).

وهي: (دُنْيا - صِنْوَان - قِنْوان - بُنْيَان)، ويجب الإظهار في هذه الكلمات الأربعة، وأشار إلى ذلك بقوله: (إلا بكلمة كدنيا عنونوا). والعلة في عدم الإدغام في هذه الكلمات الأربعة هي مخافة إشباه المضاعف (مثل: حيَّان)، فلا نقول: (صِوَّان) أو (دُيَّا)؛ لأننا لو أدغمنا، فإنه لا يُعرف ما أَصْلُهُ النون فأُدغِمَ، وما أَصْلُهُ التضعيف (¬1). وأمثلة الإدغام بغنة: [مَن يَّعمل - من وَّراء - مَن نُّعمره - مِن مَّا - يومئذ يَّفْرح - باخعٌ نَّفسك - حينٌ مِّن - أذنٌ وَّاعية]. ومن أمثلة الإدغام بدون غنة: [مَن لَّه - مِن رَّبهم]. لاحظ أن الإدغام لا يكون إلا في كلمتين كما سبق. فائدة: سُمِّي الإدغام بغنة ناقصًا؛ لأننا ندغم النون ولكن نُبْقي صفة من صفاتها وهي الغنة. وسُمي الإدغام بدون غنة كاملاً؛ لأننا ندغم النون تمامًا ولا نبقي شيئًا من صفاتها. القَلْبُ عِنْدَ البَا بِغُنَّةٍ كَذَا ... الاخْفَا لَدَى بَاقِي الحُرُوفِ أُخِذَا تكلم هنا عن الحكمين الباقيين وهما: القلب (¬2) والإخفاء. والقلب لغة: التحويل أو الإبدال، والمراد به هنا أن النون الساكنة (أو التنوين) تقلب ميمًا بغنة مع إخفاء الميم إذا سبقت حرف الباء في كلمة مثل: (انبعث) أو في كلمتين مثل: (مِنْ بَعد - سميعًا بصيرًا). أما الإخفاء لغة فهو: الستر. والمراد به هنا أنه عندما تسبق النون الساكنة (أو التنوين) باقي الحروف (أي الحروف غير: ء، هـ، ع، ح، خ، غ/ ل ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 176. (¬2) قال الأستاذ محمد منيار في التعبير عن القلب بـ (الإقلاب): إنه خطأ. ففي القصد النافع ص: 230 "ولا يقال: إقلاب كما يقوله بعض عوام الطلبة؛ لأن إفعال لا يأتي إلا من: أفعل، مثل: أظهر وأخفى. ولا يُقال: أقلب، فلا يقال: إقلاب". اهـ. انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، بالهامش.

ر، ي، ن، م، و/ ب)، فإننا ننطق بها بصفة بين الإظهار والإدغام، وبدون تشديد، مع ملاحظة حدوث الغنة. فائدة: اعلم أن مراتب الإخفاء ثلاثة: الأولى: أعلى مرتبة، وهي التي تكون مع (ط - د - ت)، وهذه المرتبة يكون الإخفاء عندها يكاد أن يقارب الإدغام. الثانية: أدنى مرتبة، وهي مع (ق - ك) ويكاد الإخفاء عندها يقارب الإظهار. الثالثة: مرتبة متوسطة، وهي عند باقي الحروف. ومن أمثلة الإخفاء مع كل حرف: [يَنْصُرْكُم - ولَمَنْ صَبر - ريحًا صرصرًا - ليُنْذر - مَنْ ذَا - ظِلٍ ذي - مَنْثُورًا - مِنْ ثَمَره - أزواجًا ثلاثة - أنكالاً - مَنْ كَانَ - قَولاً كريمًا - وأنْجَيْنَا - وإنْ جَنَحُوا - لِكُلٍ جَعَلنَا - أنْشأنَا - فَمَنْ شَهدَ - غَفُورٌ شكور - ينْقَلب - مِنْ قَبْل - سَميعٌ قَريب - ما نَنْسَخ - أنْ سَيكُون - رجُلاً سَلمًا - أندادًا - مِنْ دَابَّة - قِنْوَانٌ دَانية - يَنْطِقُونَ - مِنْ طَيِّبَات - صَعيدًا طَيّبًا - أنْزَلنَا - مَنْ زكَّاها - نَفْسًا زّكية - أنْفقوا - فَإنْ فَاءَتْ - خالدًا فيها - كُنْتم - وإنْ تُبْتُم - جَنَّاتٍ تجري - مَنْضود - مِنْ ضَعف - عذابًا ضِعْفًا - فانْظُرُوا - مِنْ ظَهِير - ظِلاً ظَليلاً]. فائدة: الفرق بين الإخفاء والإدغام؛ أن الإخفاء لا تشديد معه مطلقًا بخلاف الإدغام، وأن إخفاء الحرف عند غيره لا في غيره، وإدغام الحرف في غيره لا عند غيره، تقول: أخفيت النونَ عند السين لا في السين، وأدغمت النون في اللام لا عند اللام (¬1). ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 188.

باب: المدود

باب المدود وَالمَدُّ لاَزِمٌ وَوَاجِبٌ أَتَى ... وَجَائِزٌ وَهْوَ وَقَصْرٌ ثَبَتَا ذكر في هذا البيت أحكام المد الثلاثة وهي: لازم وواجب وجائز. قوله: (وهو) أي المد. (وقصر ثبتا) أي أن النوع الثالث جائز فيه المد والقصر، والاثنان ثابتان بالتواتر. والمد لغة: الزيادة، قال الله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال} [نوح: 12] أي: يزدكم. واصطلاحًا: إطالة الصوت عند النطق بالحروف المدية (أي حروف المد واللين أو حرفي اللين)، وحروف المد ثلاثةٌ تجمعها كلمة (واي)، وهي: الواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، والألف الساكنة المفتوح ما قبلها (ولا يأتي ما قبل الألف إلا مفتوحًا)، وتُسمى هذه الحروف (حروف مد ولين). أما حرفي اللين فهما الياء والواو الساكنتان المفتوح ما قبلهما، مثل [خوف - شيء]. والقصر لغة: الحبس، قال الله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]، أي محبوسات فيها. واصطلاحًا: النطق بالحرف من غير أي زيادة. واعلم أن المد نوعان: أصلي (أو طبيعي) (¬1) وفرعي، أما المد الأصلي فهو ما لا يوجد سبب لمده، ولكنه يُمَدُّ لمجرد وجود أحد حروف المد واللين في الكلمة وسُمي أصليًا (أو طبيعيًا) لأن صاحب الفطرة السليمة لا ينقص ولا يزيده عن قدره، ولعل هذا هو الذي جعل ابن الجزري لم يذكره، أما المد الفرعي فهو الذي لا يحدث إلا بسبب مثل همز أو سكون كما سيأتي إن شاء الله. وأحكامه هي تلك الأحكام المذكورة في البيت: فَلاَزِمٌ إِنْ جَاءَ بَعْدَ حَرْفِ مَدْ ... سَاكِنُ حَالَيْنِ وَبِالطُّولِ يُمَدْ ¬

(¬1) وسُمي أيضًا (بالمد الذاتي) لأن ذات الحرف لا تتحقق إلا بالإتيان بهذا المد، ومن أمثلة هذا النوع: [قال - ناقة - كونوا - سيماهم].

سبب تسمية المد اللازم لازما

في هذا البيت يوضح الناظم أول نوع وهو المد اللازم، ويوجد قولان في سبب تسميته لازمًا: الأول: لأن جميع القراء اتفقوا على وجوب مده. الثاني: لأنه موجود في حالتي وصل الكلمة والوقف عليها. وعرَّفه في البيت بأنه المد الحادث (إن جاء) أي إذا وُجِد حرفٌ (ساكنُ حالين) أي ساكن حال الوقف على الكلمة ووصلها مثل: [الطَّامَّة - الضَّالِّين]. وحكمه: الإشباع أي مدُّه سِتّ حركات، والحركة هي مقدار قبض الإصبع أو بسطه بدرجة بين السرعة والبطء. واعلم أن المدّ اللازم نوعان: كلمي وحرفي. أولاً: المد اللازم الكلمي: وسُمي بالكلمي لأنه حدث في كلمة (أي لم يحدث في حرف) وهو ينقسم إلى: 1 - مد لازم كلمي مثقل: وفي هذا النوع يكون عندنا حرف مد ولين بعده سكون أصلي مدغم (أي حرف مشدد) نحو (الضالّين - آلله - ءالذَّكرين)، وسبب دخول التشديد في الحكم هو أن تشديد الحرف إنما هو عبارة عن النطق بالحرف مرتين متتابعتين نسكنه في الأولى ونحركه في الثانية، فأصل كلمة (الضالين) هو (الضالْلِين) (¬1)، وكذا أصل كلمة (الطَّامَّة) هو (الطَّامْمَة). فائدة: بما أنه في اللغة العربية لا يصح التقاء الساكنين، وفي الحالات السابقة ¬

(¬1) لاحظ أن الأصل في (الضَّالِّين) هو: (الضَّالِلِين) وكذا الأصل في (الحاقَّة) هو (الحاقِقَة) ولكن سُكِّن الحرف الأول لضرورة الإدغام، وهكذا أيضًا بالنسبة لنظائر هاتين الكلمتين.

بيان جميع أحكام المد في فواتح السور

يكون عندنا ساكنان متتاليان هما - في كلمة الضالين مثلاً - الألف المدية وبعدها اللام الساكنة لذا للتغلب على هذه المشكلة فإننا نستخدم المد اللازم، فنمد الألف ست حركات حتى يمكننا الإتيان بالحرف الثاني الساكن. 2 - مد لازم كلمي مخفف: وفي هذا النوع يكون عندنا حرف مد ولين بعده سكون أصلي مخفف (أي غير مدغم ولا مشدد) ولا يوجد هذا النوع إلا في كلمة واحدة في القرآن وهي كلمة (ءآلئن) في موضعين بسورة يونس، ويُسمى هذا المد بـ (مد التفرقة) لأنه يفرق بين الاستفهام وبين الخبر؛ أي أنه يميز الاستفهام في موضعي يونس وبين (الآن) التي هي تفيد الخبر في قوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66]. ملحوظة: قد يُسمى المد اللازم الكلمي المثقل بمد التفرقة مع كلمتي فقط وهما: (ءآلله - ءآلذّكرين). والله أعلم. ثانيًا: المد اللازم الحرفي: وهو الذي يكون في الحروف لا في الكلمات، وهو لا يكون إلا في فواتح السور. واعلم أنه يمكن تقسيم الحروف التي في أوائل السور إلى أربعة أقسام: القسم الأول: تتكون حروفه (عند نطقها) من ثلاثة أحرف؛ أوسطها حرف مد ولين، وهي مجموعة في كلمة (سنقص لكم) وهي كالآتي: الحرف ... {س} ... {ن} ... {ق} ... {ص:} ... {ل} ... {ك} ... {م} كيفية نطقه ... سين ... نون ... قاف ... صآد ... لآم ... كآف ... ميم

وهذا القسم تُمد حروفه كلها (أي حرف المد الواقع في أوسطها) ست حركات مدًا لازمًا. القسم الثاني: ويحتوي على حرف واحد فقط وهو حرف [العين]؛ وهو يتكون عند النطق من ثلاثة أحرف أوسطها حرف لين، وهذا الحرف يجوز فيه: الإشباع، أو التوسط، أو القصر. القسم الثالث: وتتكون حروفه عند نطقها من حرفين فقط، وهذه الحروف مجموعة في كلمة: [حَيٌ طَهُرْ] وتنطق هكذا [حا - يا - طا - ها - را]، واعلم أن حروف كلمة [حي طهر] تُعْتَبَرُ نوعًا من أنواع المد الطبيعي، ويسمى: المد الطبيعي الحرفي؛ لأنها تمد بمقدار حركتين فقط. القسم الرابع: ويختص بحرف واحد فقط وهو حرف الألف غير الممدودة (أو غير المدية) وهي الهمزة، ويتكون هذا الحرف من ثلاثة أحرف أوسطها ليس حرف مد؛ وينطق هذا الحرف هكذا: (ألف)، وهذا الحرف ليس فيه مد؛ لأن حروفه عند نطقها لا تحتوي على حرف مد أصلاً. والمد اللازم الحرفي ينقسم إلى: 1 - مد لازم حرفي مثقل: وهو الذي يقع فيه بعد حرف المد واللين (الذي في وسط الحرف) سكون أصلي مدغم (أي مشدد) مثل: أ - {طسم}: وفيها تمد السين (أي يمد حرف المد الذي في أوسطها) مدًا لازمًا مثقلاً، وذلك للسبب الآتي: أصل نطق هذه الحروف هكذا (طا سين ميم)، وقد قمنا بإدغام النون الساكنة التي في آخر (سين) في الميم التي في أول (ميم) فأصبحت هكذا {طا سيمِّيم} أي وقع بعد الياء الساكنة المكسور ما قبلها حرف الميم المشدد، فلزم علينا المد اللازم الحرفي المثقل. ب - {الم}: وفيها تُمد اللام مدًا لازمًا حرفيًا مثقلاً تمامًا مثل الـ (سين) في السابقة.

2 - مد لازم حرفي مخفف: وهو الذي يقع فيه بعد حرف المد واللين (أو اللين فقط بالنسبة لحرف العين) سكون أصلي غير مدغم أي مخفف وذلك في الحرف مثل: أ - {ق}: وفيها تمد القاف (أي حرف المد الذي في أوسطها) ست حركات وذلك لأن نطقها (قآفْ) وقد وقع بعد حرف المد حرف ساكن غير مدغم ولامشدد، ونقرأ الآية هكذا: {قآفْ والقرآن المجيد} بمد ألف قاف ست حركات. ب - {الرَ}: وفيها تمد اللام مدًا لازمًا حرفيًا مخففًا لأنها تنطق هكذا {ألف لآمْ را} وقد وقع بعد حرف المد ساكنٌ مخفف غير مدغم. وإليك الآن بيان بجميع فواتح السور من الحروف مع بيان أحكامها: الحروف ... بيان أحكامها {ألم} ... تمد اللام مدًا لازمًا مثقلاً، والميم مدًا لازمًا مخففًا {ألر} ... تمد اللام مدًا لازمًا مخففًا، والراء مدًا طبيعيًا {المص} ... تمد اللام مدًا لازمًا مثقلاً، والميم مدًا لازمًا مخففًا، والصاد مدًا لازمًا مخففًا {ألمر} ... تمد اللام مدًا لازمًا مثقلاً، والميم مدًا لازمًا مخففًا، والراء مدًا طبيعيًا {كهيعص} ... تمد الكاف مدًا لازمًا مخففًا، والعين مدًا لازمًا مخففًا (مشبعًا) أو تقصر أو تمد مد لين (متوسطًا)، والهاء والياء تمدان مدًا طبيعيًا، والصاد مدًا لازمًا مخففًا ست حركات. {طه} ... تمد الطاء مدًا طبيعيًا، وتمد الهاء مدًا طبيعيًا. {طسم} ... تمد الطاء مدًا طبيعيًا، والسين مدًا لازمًا مثقلاً، والميم مدًا لازمًا مخففًا.

نطلق الميم من (الم) في أول آل عمران

{طس} ... تمد الطاء مدًا طبيعيًا، والسين مدًا لازمًا مخففًا {يس والقرآن} ... تمد الياء مدًا طبيعيًا، والسين مدًا لازمًا مخففًا (على وجه الإظهار)، وتمد مدًا لازمًا مثقلاً (على وجه الإدغام). {ص:} ... تمد الصاد مدًا لازمًا مخففًا {حم} ... تمد الحاء مدًا طبيعيًا، والميم مدًا لازمًا مخففًا {عسق} ... تمد العين مدًا لازمًا مخففًا، أو تمد أربع حركات أو تُقصر، وتمد السين والقاف مدًا لازمًا مخففًا {ق} ... تمد القاف مدًا لازمًا مخففًا {ن والقلم} ... تمد النون مدًا لازمًا مخففًا (على وجه الإظهار) وتمد مدًا لازمًا مثقلاً (على وجه الإدغام) وهناك ملحوظة في نطق الميم في آية {ألم} التي في أول سورة آل عمران، وهي: إذا وقفنا على آخر {ألم} بدون وصلها بما بعدها فلابد من مد الميم ست حركات؛ أما إذا وصلناها بالآية التي بعدها فسوف تكون الميم مفتوحة لتفادي التقاء الساكنين هكذا {المَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي بفتح الميم وعدم نطق همزة لفظ الجلالة {الله} لأنها همزة وصل تسقط حال الوصل، وهذه الفتحة عارضة أتت لتفادي التقاء الساكنين. هنا في حالة الوصل يجوز لنا وجهان: إما مد الميم ست حركات (باعتبار أنها في الأصل ساكنة)، أو قصرها إلى حركتين فقط (باعتبار أنها أصبحت غير ساكنة وانتفى سبب المد اللازم). فائدة: المد اللازم الذي يقع فيه السكون بعد حرف اللين خاص بموضعين

فقط، لا ثالث لهما في القرآن، وهما في حرف (عينْ) في قوله تعالى: {كهيعص} بمريم، وفي قوله تعالى: {عسق} بالشورى. وَوَاجِبٌ إنْ جَاءَ قَبْلَ هَمْزَةِ ... مُتَّصِلاً إِنْ جُمِعَا بِكِلْمَة في هذا البيت يذكر النوع الثاني وهو المد الواجب ويُسمى بالمد المتصل، ويتضح هذا من قوله: (متصلاً) ويحدث المد المتصل، (إن جاء) أي إن وقع حرف من حروف المد. (قبل همزة) أي قبل الهمزة، (متصلاً) أي حال كونه متصلاً بحرف المد، (إن جمعا بكلمة) أي ولا يكون هذا الاتصال إلا إذا وقعا بكلمة واحدة (لا بكلمتين). مثل: [السُوء - قُرُوء - سِيئَتْ - جِيءَ - أولَئِكَ - سَاءَ]. وحكم هذا النوع هو وجوب المد أربع حركات. فائدة: اتفق القراء على مد هذا النوع ولكنهم اختلفوا في مقدار المد. وَجَائزٌ إِذَا أَتَى مُنْفَصِلاَ ... أَوْ عَرَضَ السُّكُونُ وَقْفًا مُسْجَلاَ في هذا البيت يذكر النوع الثالث وهو المد الجائز وهو يحدث (إذا أتى) أي حرف المد (منفصلاً) عن الهمز. أي في كلمتين، حرفُ المد في آخر الكلمة الأولى، والهمز في أول الكلمة الثانية. مثل: [إني أنا - وما أرسلنا - قالوا آمنَّا]، وهذا هو القسم الأول من أقسام المد الجائز. أما القسم الثاني فهو الذي يكون إن (عرض السكون) أي حدث سكونٌ عارضٌ. (وقفًا) أي نتيجة الوقف مثل: [العالَمين - نستعين - بارزون - المؤمنون - الباد - البِلاد]، وذلك في حالة الوقف على هذه الكلمات ونظائرها. توضيح: مما سبق يتضح أن المد الجائز نوعان: الأول: هو المد المنفصل، ويكون السبب في حدوثه الهمزة.

الثاني: هو المد العارض للسكون، ويكون السبب في حدوثه عروض السكون. وحكم المد الجائز [المنفصل والعارض للسكون] هو جواز ثلاثة أوجه فيه: الأول: القصر (حركتان). الثاني: التوسط (أربع حركات). الثالث: الإشباع (ست حركات). تنويه: لا يتوقف حدوث المد العارض للسكون على حروف المد واللين، بل إنه يوجد أيضًا في حالة حرفي اللين مثل: [سَوءْ - القَولْ - إلَيكْ - جميع أواخر آيات سورة قريش]. أي أنه يجوز فيها: القصر والتوسط والإشباع، وذلك أيضًا في حالة الوقف على هذه الكلمات ونظائرها. فائدة: قال الحصري (¬1): "وينبغي أن يُعلم أن المراد بالقصر في حرفي اللين حذفُ المد منهما مطلقًا، بحيث يكون النطق بهما عند الوقف كالنطق بهما عند الوصل، إجراءً لهما مجرى الحروف الصحيحة، كما يؤخذ من "النشر"، ثم قال فيه: "والتحقيق في ذلك أن يُقال: إن هذه الأوجه الثلاثة: الإشباع والتوسط والقصر، لا تسوغ في حرفي اللين إلا لمن ذهب إلى الإشباع في حروف المد من هذا الباب، وأما من ذهب إلى القصر في حروف المد فلا يجوز له في حرفي اللين إلا القصر، ومن ذهب إلى التوسط في حروف المد فلا يجوز له في حرفي اللين إلا التوسط والقصر، سواء اعتد بالعارض أم لم يعتد، ولا يسوغ له حنيئذٍ الإشباع" (¬2). انتهى. وعلى هذا إذا كان القارئ يسير في قراءته على قصْر حرفي اللين عند ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 226. (¬2) وقيل: أن القصر في حرفي اللين مقداره حركتان عند الوقف، حتى يمكن النطق بالساكن بعدهما، والقولان معمول بهما.

الوقف فإنه يجوز له عند الوقف على حرفي المد الأوجه الثلاثة: القصر والتوسط والمد، وإذا كان يقف على حرفي اللين بالتوسط فإنه يقف على حرفي المد بالتوسط والمد، ولا يجوز له حينئذ القصر لقوة حرفي المد عن حرفي اللين، إذ لا يجوز قصرُ القوي مع توسط الضعيف، وإذا كان يقف على حرفي اللين بالإشباع فلا يجوز له حينئذ في حرفي المد إلا الإشباع ولا يسوغ له توسط ولا قصر للعلة المذكورة. أما إذا كان يقف على حرفي المد بالقصر، فإنه لا يجوز له الوقف على حرفي اللين إلا بالقصر، وإذا كان يقف على حرفي المد بالتوسط، فإنه يجوز الوقف على حرفي اللين بالتوسط والقصر، وإذا كان يقف على حرفي المد بالإشباع فإنه يجوز له الوقف على حرفي اللين بالأوجه الثلاثة. فائدة: بالنسبة للمد المنفصل، اعلم أن الانفصال نوعان: أولاً: انفصال حقيقي: وهو أن يكون حرف المد ثابتًا في الكتابة (أي في المصاحف) وفي النطق، مثل: [ما أنزل - أمري إلى الله]. ثانيًا: انفصال حكمي: وهو أن يكون حرف المد ثابتًا في النطق محذوفًا في الكتابة (أي في المصاحف) مثل: [يأيها - يآدم - هؤلاء - إنه أنا]، وهذا النوع ينطبق عليه نفس الحكم. تنويه: اجتمع في كلمة (هؤلاء) نوعان من أنواع المد وهما: المد المنفصل في (هَؤ)، والمد المتصل في (لاء)، فتنبه لهذا ومثله. فائدة: يوجد نوع رابع وهو مد البدل وهو أن يتقدم الهمز على حرف المد، بمعنى أن تقع الهمزة أولاً ثم يجيء بعدها حرف المد.

فائدة: لابد للقارئ أن يستمر في القراءة في الجلسة الواحدة على نفس النسق

مثل: (ءادم - إيمانًا - أوذوا - ءازر - أوتوا)، وسبب تسميته بهذا الاسم هو أن الأصل في هذه الكلمات السابقة وجود همزتين هكذا (أأدم - إئمانًا - أؤذوا - أأزر - أؤتوا)، ولكن نظرًا لصعوبة النطق بهمزتين متتاليتين، فقد أبدلنا الهمزة الثانية حرف مد من جنس حركة ما قبلها، ففي كلمة (أأدم) أبدلنا الهمزة الثانية ألفًا؛ لأن ما قبلها مفتوح. وفي كلمة (إئمانًا) أبدلنا الهمزة الثانية ياءً لأن ما قبلها مكسور. وفي كلمة (أؤتوا) أبدلنا الهمزة الثانية واوًا؛ لأن ما قبلها مضموم، وحكمه: القصر. ملحوظة: هناك نوعان من مد البدل: الأول: مد البدل الأصلي: وهو ما تقدم ذكره في الكلمات الخمس السابقة (أأدم - إئمانًا - أؤذوا - أأزر - أؤتوا)، وذلك الذي يكون فيه حرف المد بدلاً من حرف الهمزة، أي أبدلنا فيه الهمزة حرف مد. الثاني: المد الشبيه بالبدل: وهو الذي يكون فيه حرف المد الواقع بعد الهمزة ليس مبدلاً من همزة كالنوع السابق، ولكنه أصلي في الكلمة مثل: (يشآءون - ليئوس)، (دعآءً وندآءً) ... حينما تقف على كل منهما (¬1)، وقد سُمي شبيهًا بالبدل؛ لأن الأصل في مد البدل أن يكون همزة ثم بُدلت حرف مد؛ ولكنه لما اشترك مع مد البدل في كون الهمزة قبل حرف المد فقد سمي شبيهًا بالبدل؛ لاتفاقهما في شيء واختلافهما في شيء. فائدة: لابد للقارئ أن يستمر في القراءة في الجلسة الواحدة على نفس النسق، فإن بدأ في أول القراءة - مثلاً - بقصر المنفصل فلابد أن يستمر عليه إلى أن ينتهي من قراءته، ولا ينبغي له أن يقرأ في موضع بالقصر وفي موضع آخر بالتوسط مثلاً، ومثل ذلك في العارض للسكون وفي كل أنواع المدود، ومن هذا قول ابن الجزري: "واللفظ في نظيره كمثله". هذا والله تعالى أعلى وأعلم. ¬

(¬1) (حينما تقف على كل منهما) الضمير في (منهما) يعود على (دعاءً ونداءً) أي: عندما تقف على (دعاء) أو (نداءً).

قاعدة هامة: مراتب المدود من حيث القوة والضعف

قاعدة مهمة (¬1): تتفاوت مراتب المدود في القوة والضعف تبعًا لتفاوت أسبابها قوةً وضعفًا، فإذا كان سبب المد قويًا كان المد قويًا، وإذا كان سببه ضعيفًا كان المد ضعيفًا. وأقوى أسباب المدود كلها سبب المد اللازم، وهو السكون؛ لثبوته وصلاً ووقفًا، واجتماعه مع حرف المد في كلمة واحدة أو حرف واحد، ولإجماع القراء على مده بمقدار واحد، ويليه في القوة سبب المد المتصل، وهو الهمز، لثبوته وصلاً ووقفًا، واجتماعه مع حرف المد في كلمة واحدة، وإجماعهم على مدّه وإن كان مختلفًا في مقداره، ويليه سببُ المد العارض، وهو السكون، لاجتماعه مع حرف المد في كلمة واحدة، وإن كان عارضًا، ومختلفًا في مقداره، ويليه سبب المد المنفصل، وهو الهمز، لانفصاله عن حرف المد، واختلافهم في مدّه ومقداره، ويليه سبب مدّ البدل، وهو الهمز، وهو أضعف الأسباب. وبناءً على هذا يكون أقوى المدود المد اللازم، ويليه في القوة المد المتصل، ثم المد العارض للسكون، ثم المد المنفصل، ثم مد البدل وهو أضعفها، وإنما كان أضعف المدود؛ لتقدم سببه عليه، ولكون حرف المد مبدلاً من غيره غالبًا، بخلاف المدود السابقة فإن أسبابها متأخرة عنها، وكلها أصلية لم تبدل من غيرها. وإذا اجتمع في كلمة أو في كلمتين سببان لمدَّين، وكان أحد السببين أقوى من الآخر أو كان أحدهما قويًا والآخر ضعيفًا عُمِلَ بمقتضى السبب الأقوى أو القوي، وألغيَ السبب الآخر ولم يُعمل بمقتضاه، وهذا معنى قول العلامة الجعبري: "إن القوي ينسخُ حكم الضعيف". انتهى. ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم ص: 228.

وهاك الأمثلة: 1 - كلمة {آمِّين} في قوله تعالى في سورة المائدة: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2]، قد اجتمع فيها سببان: أحدهما: تقدم الهمز على حرف المد، وهذا السبب يقتضي اعتبار المد من قبيل مد البدل. والسبب الثاني: وجود السكون اللازم بعد حرف المد وصلاً، ووقفًا، وهذا السبب يقتضي أن يكون المد من قبيل المد اللازم، والسبب الأول ضعيف، والثاني قوي بل هو أقوى الأسباب، فحينئذٍ يُعمل بالسبب الأقوى ويُهمل غيره، فيكون المد مدًا لازمًا. 2 - {رِئاءَ النَّاسِ} اجتمع في كلمة {رئاء} سببان: تقدمُ الهمز على حرف المد، وهذا يوجب أن يكون المدُّ مَدَّ بدل، ووجود همز بعد حرف المد متصل به في كلمته، وهذا يوجب أن يكون المد متصلاً، والسبب الأول ضعيف، والثاني قوي، فيُعمل بمقتضاه. 3 - {رءا أيديهم} اجتمع فيها سببان: تقدم الهمزة على المد المقتضي جعله مد بدل، ووجود الهمز بعد حرف المد في كلمة أخرى المقتضي جعله مدًا منفصلاً، والسبب الأول ضعيف، والثاني قوي فيُعمل به، ويُترك الأول، ويكون المد منفصلاً. 4 - {يشاءُ} عند الوقف عليه اجتمع فيه سببان: اجتماع حرف المد مع الهمز في كلمة، وهذا يقتضي اعتبار المد متصلاً ووجود سكون عارض للوقف بعد حرف المد، وهذا يقتضي اعتبار المد من قبيل المد العارض للسكون، والسبب الأول أقوى فيُعمل به ويكون المد متصلاً يتعين مده، ويُلغى السبب الآخر فيمتنع القصر حينئذٍ. 5 - {مآب} عند الوقف عليه اجتمع في هذه الكلمة سببان: تقدم الهمز على المد وهذا سببٌ ضعيف، ووجود سكون عارض بعد حرف

المد وهذا سببٌ قوي، فحينئذٍ يُهمل السبب الأول لضعفه، ولا يكون المد مد بدل، ويُعمل بالسبب القويّ ويكونُ المد عارضًا للسكون تغليبًا للسبب القوي وعملاً بمقتضاه على السبب الضعيف. (أي أن القارئ إذا كان يقرأ بقصر العارض فإنه يقف على مآب ونحوها بالقصر، وإذا كان يقرأ بالتوسط أو بالإشباع في العارض فلا يقف على مآب ونحوها إلا كما يقف على العارض (بالتوسط أو بالإشباع) ولا يلتفت إلى مد البدل. والله أعلم).

باب: الوقف والابتداء والسكت والقطع

باب الوقف والابتداء والسكت والقطع أولاً: الوقف والابتداء: الوقف: لغة: الكفُّ والمنع. واصطلاحًا: قطع الصوت بعد النطق بالكلمة القرآنية مع التنفس مع العزم على إكمال القراءة مرة أخرى، ولا يُسمَّى وقفًا إلا مع إجراء التنفس، ويكون الوقف عند رؤوس الآي أو بعد آخر الكلمة ولا يكون في وسط الكلمة أبدًا. الابتداء: لغة: البَدْءُ. واصطلاحًا: كيفية البدء بنطق الكلمة القرآنية في حالة الانتقال من حالة السكوت إلى حالة التكلم. حكم تعلم الوقف والابتداء (¬1): اعلم أنه قد ثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم - إجماعهم على تعلُّم ما يوقف عنده وما لا يصح الوقف عنده، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: "لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منه كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم، ولقد رأينا اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته وما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه". وعن عليّ رضي الله عنه في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلاً} قال: الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقف" وما سبق دالٌ على أن الصحابة كانوا يتعلمون الوقف والقرآن معًا، وعلى هذا كان إجماع التابعين والقراء منهم خاصة، وعلى رأسهم نافع وأبو عمرو ويعقوب وعاصم، لدرجة أن كثيرًا من العلماء اشترط أن لا تُعْطَى الإجازة لأحدٍ إلا بعد معرفته للوقوف. ¬

(¬1) انظر: الإتقان، ص: 113.

وَبَعْدَ تَجْوِيدكَ لِلْحُرُوفِ ... لابُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الوُقُّوفِ والابْتدا وَهْيَ تُقْسَمُ إِذَنْ ... ثَلاثَةٌ: تَامٌ وكافٍ وحَسَنْ أي أنك بعد معرفتك بتجويد الحروف بمعرفة ما سبق ذكره (لابد) أن تزينه وتجمله بـ (معرفة الوقوف) وأيضًا (الابتدا). واعلم أن الوقوف ينقسم إلى ثلاثة أقسام: تامٍ وكافٍ وحسنٍ. وقوله: (تامٌ) هو بتخفيف الميم للوزن (¬1). ثم شرع في تفصيل ذلك فقال: وَهْيَ لِمَا تَمَّ فَإِنْ لَمْ يُوجَدِ ... تَعَلُقٌ أو كَانَ مَعْنًى فابْتَدِي فَالتَّامُ فَالكَافِي وَلَفْظًا فَامْنَعَنْ ... إلا رُؤسَ الآي جَوِّزْ فَالحَسَنْ قوله: (وهي) أي: واعلم أن هذا الوقوف يكون (لما تم) معناه. إلى هنا انتهى كلامه على الوقف على الكلام التام المعنى، ثم شرع في الكلام على معاودة البدء بما بعده فقال: (فإن لم يوجد) فيما وُقِف عليه (تعلق) بما بعده (أو كان) يوجد تعلق بما بعده ولكن هذا التعلق كان (معنًى) أي في المعنى لا لفظًا (¬2). (فابتدى) أي فإن لك عند معاودة القراءة أن تبدأ بالموضع الذي وقفت قبله، وفيما سبق نوعان: (فالتام) هو النوع الأول (¬3)، (والكافي) هو النوع الثاني (¬4). قوله: (ولفظًا) أي أما إذا كان هذا التعلق لفظًا أي في اللفظ. (فامنعن) أي امنع هذا البدء، أي: امتنع عن البدء بالموضع الذي وقفت قبله ولكن ائت (¬5) بأي موضع في الآية التي وقفت عليها يجوز البدء به؛ وابدأ من ¬

(¬1) الدقائق المحكمة ص: 43. (¬2) أي أن الكلام متصل معنىً ومنفصل لفظًا مثل الوقف على {لقد جئت شيئًا إمرًا} فهذه آخر آية وهي مفصولة عن ما بعدها لفظًا ولكنها متصلة بها معنى. (¬3) أي النوع الذي لا يوجد فيه تعلق بما بعده. (¬4) أي النوع الذي فيه التعلق بما بعده معنىً لا لفظًا. (¬5) أي: أحضر ونظيره في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ} [يونس: 15].

عنده. (إلا) في حالة واحدة وهي (عند رؤس الآي) فإنه يجوز لك الوقف عليها ثم الابتداء بأول الآية التي بعدها، وإن كان الكلام متصلاً لفظًا، ثم ذكر اسم هذا النوع وهو (الحَسَن). فائدة: (التعلق بالمعنى) هو الارتباط بالمعنى وهو ما يرجع فيه إلى علوم التفسير والبلاغة، أي أنه الارتباط من حيث المعنى لا من حيث الإعراب أو الإخبار عن حال المؤمنين أو الكافرين أو تمام قصة ونحو ذلك. أما (التعلق اللفظي) فهو الذي يرجع فيه إلى القواعد النحوية والإعراب ككونه صفة له أو معطوفًا عليه. واعلم أن حالةً يستحيل أن توجد، وهي أن يكون الكلام متعلقًا ببعضه لفظًا لا معنى، وذلك لأن اتصال اللفظ لابد وأن يقتضي اتصال المعنى. وَغَيْرُ مَا تَمَّ قَبِيْحٌ وَلَهُ ... يُوقَفُ مُضْطَرًّا وَيُبْدَا قَبْلَهُ أي: واعلم أن أي وقف غير هذه الأنواع السابقة (وهي: التام والكافي والحسن) فإنه يسمى بالوقف القبيح. (وله) أي بسببه. (يوقف مضطرًا) لا يوقف عليه إلا عند الاضطرار. (ويبدا قبله) أي: ولا يجوز البدء بما بعده، ولكن يكون البدء (قبله) أي بأي موضع في الآية التي وقفت عليها مضطرًا بشرط أن يكون هذا الموضع يجوز البدء به. ومثال القبيح: الوقف على المضاف دون المضاف إليه، وعلى الرافع دون مرفوعه، وعلى الناصب دون منصوبه، وعلى الشرط دون جوابه، وعلى المعطوف دون معطوفه (¬1). وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ وَقْفٍ وَجَبْ ... وَلاَ حَرَامٌ غَيْرَ مَا لَهُ سَبَبْ أي: واعلم أنه لا يوجد في القرآن وقف واجب يأثم من لم يأت به ¬

(¬1) الدقائق المحكمة، ص: 45.

أقسام الوقف

(ولا حرام) وأيضًا لا يوجد وقف يأثم القارئ إذا أتى به؛ لأن الوقف والوصل لا يدلان على معنى حتى يختل بتركهما (¬1). (غير ما له سبب) إلا أن الوقف (أو الوصل) قد يصبح الإتيان به في موضع (أو بتركه في موضع آخر) حرامًا إذا وُجِدَ سبب لوقوع الحرمة، مثل من قصد الوقف على {وما من إله} أو على {وإني كفرت}، ونحوهما من غير ضرورة عمدًا، قاصدًا له، راضيًا به، فإنه إن اعتقده كَفَر، نعوذ بالله من كل هذا. أما إذا وقف عليه من غير قصد فالأحسن أن يتجنب ذلك الوقف حتى لا يُوهم السامع به (¬2). والله أعلى وأعلم. توضيح: اعلم أن الوقف ينقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: الوقف الإجباري (الاضطراري): وهو الوقف الذي يُضطر إليه القارئ حيث يعرض له عارض أثناء القراءة يجبره على الوقف مثل: النسيان، أو العطاس، أو غلبة ضحك، أو بكاء، إلى غير ذلك من الأعذار. فحينئذ يجوز للقارئ الوقف على أي كلمة ثم عند معاودة القراءة يبدأ بهذه الكلمة - إن صحَّ البدء بها - وإلا فبأي كلمة قبلها يصح البدء بها. القسم الثاني: الوقف الاختباري: وهو الوقف الذي يكون في حالة الاختبار، حيث أن القارئ يقف على كلمة - ليست محلاً للوقوف (¬3) - للإجابة على سؤال معلم أو سؤال ممتحن، وذلك مثل الوقف على بعض الكلمات لبيان رسمها: بالتاء المفتوحة أم المربوطة، وكبيان المقطوع والموصول، وبيان حالات ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) المرجع السابق. (¬3) بشرط أن لا يكون هذا الوقف على موضع فاسد المعنى مثل الوقف على (وما من إله)، فهذا لا يجوز. والله أعلى وأعلم.

الوقف؛ فحينئذ يجوز للقارئ الوقف ثم عند معاودة القراءة يبدأ بالكلمة التي وقف عليها - إن صح البدء بها - وإلا فبأي كلمة قبلها يصح البدء بها. القسم الثالث: الوقف الانتظاري: وهو الوقف على الكلمة القرآنية ذات الخلاف ليستوعب ما فيها من القراءات والروايات والطرق والأوجه، ولا يكون ذلك إلا حال تلقي الطالب على الشيخ، وجمعه القراءات السبع أو العشر، ولا يشترط في هذا الوقف تمامُ المعنى، فللقارئ أن يقف على أية كلمة ليبين حكمها من حيث الرسم، أو ليستوعب ما فيها مهما كان تعلقها بما قبلها أو بما بعدها (¬1) أي أنه يجوز في حالة جمع القراءات الوقفُ على ما لا يوقف عليه، مما ليس بفاسد المعنى، فإن كان فاسد المعنى مثل الأمثلة الآتية في الوقف القبيح كالوقف على (لا إله) فلا يجوز ذلك. القسم الرابع: الوقف الاختياري: وهو الذي يكون برغبة القارئ واختياره، وهو أساس هذا الباب، وهو ينقسم إلى أربعة أقسام: تام - كاف - حسن - قبيح (¬2). أولاً: الوقف التام: هو الوقف على الكلام التام بذاته، الذي لا يتعلق بما بعده لا لفظًا ولا معنىً أي أنه الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، ولا يكون متعلقًا بما بعده لا معنىً ولا لفظًا. وسمي تامًا لأن الكلام يتم ويكمل به، وأمثلته: ما يكون عند رؤوس الآي غالبًا مثل: {وأولئك هم المفلحون} و {وأولئك هم الفاسقون} أو مثل الوقف بعد {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} حيث تم كلام بقليس ثم ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 252. (¬2) انظر: فتح المجيد، الإتقان.

البدء بـ {وكذلك يفعلون}، ومثل قوله تعالى: {مصبحين. وبالليل} حيث أن كلاً منهما في آية ولكن تم المعنى بعد (بالليل) أي: بالصبح وبالليل، وأيضًا مثل {متكئين. وزخرفًا} حيث أن كلاً منهما في آية ولكن (زخرفًا) هو التمام لأنه معطوف على ما قبله. ثانيًا: الوقف الكافي: هو الوقف على كلام تام في ذاته، متعلقٍ بما بعده معنىً لا لفظًا، وهذا النوع أيضًا يحسن الوقف عليه والبدء بما بعده. وأمثلته: قد يكون عند رءوس الآي مثل: {لقد جئت شيئًا إمرًا} حيث أن الكلام تامٌ هنا، ولكنه يتعلق بالآيات التالية - التي هي بقية الموضوع - معنىً لا لفظًا، وقد يكون في وسط الآية مثل: {وعلى أبصارهم غشاوة}، أو في غير ذلك، وكذلك أيضًا الوقف على كل رأس آية بعدها: (إلاَّ) بمعنى لكن أو (وإنَّ) أو (الاستفهام) أو (بل) أو (ألا) المخفَّفة و (سوف) للتهديد و (نعم) و (بئس) و (كيلا) ما لم يتقدمهن قول أو قسم (¬1). ثالثًا: الوقف الحسن: وهو الوقف على كلام تام في ذاته، متعلق بما بعده لفظًا ومعنىً، أي أنه الذي يحسن الوقف عليه ولكن لا يحسن البدء بما بعده، وأمثلته: ما يكون مستثنى وما بعده مستثنىً منه، أو ما يكون متبوعًا وما بعده تابع له، أو ما يكون معطوفًا وما بعده معطوفًا عليه، أو بدلاً وما بعده مبدلاً منه (¬2) كالوقف على (الليل) في {قم الليل إلا قليلاً}، أو الوقف على ¬

(¬1) انظر: الإتقان، ص: 114. (¬2) لاحظ أن بعض هذه الصور قد تأتي في موضع بحيث يكون الوقف عندها من الوقف القبيح (وهو القسم الرابع) مثل الوقف على (السماء) في قوله تعالى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض} [البقرة: 164].

(السوء) في {لا يُحب الله الجهر بالسوء من القول}، وكالوقف على (السماء) في {ما في السماء والأرض}، والمبدل منه مثل الوقف على (شركاء) في {وجعلوا لله شركاء الجن}، وكالوقف على (لله) في {الحمد لله رب العالمين} إلى غير ذلك. رابعًا: الوقف القبيح: وهو الوقف على كلمة لا تتم ذات الكلام عندها، بل قد يفهم منه عكس المراد في الآية والعياذ بالله، وقد يوصل بعضه إلى الكفر إن اعتقده قائله والعياذ بالله، وهذا النوع لا يجوز الوقف عليه إلا لضرورة كما سبق ولا يكون البدء بما بعده، بل يكون البدء من أي موضعٍ قبله يصح البدء به. وأمثلته: كالوقف بين الفعل وفاعله، أو بين المضاف والمضاف إليه، أو بين المبتدأ والخبر، ونحو ذلك كالوقف على (السماء) أو على (الأرض) أو على (بينهما) في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء: 16]. وكالوقف على (إله) في {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19]، أو في {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73]، أو كالبدء بـ (إن) والوقف على (المسيح) في {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيح} [المائدة: 17]، كل ما سبق هو من أشد القبيح الذي يكفر من اعتقده. ومن الأمثلة أيضًا الوقف على (خير) في {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ} [النساء: 127]. ومن الأمثلة الجامعة قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64]؛ فالوقف على (اليهود) قبيح، والبدء بما بعده أقبح منه. وكذا الوقف على (النصارى) قبيح، والبدء بما بعده أقبح في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]. وكذا الوقف على (قالوا) والبدء بما بعدها في {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181].

ثانيا: السكت

فائدة: ما سبق هو الأقسام الأربعة الواردة في النَّظم، وهناك قسم خامس هو: (الوقف اللازم) (¬1) وهو: الوقف على كلام تام لو وصل بما بعده لأوهم وصله معنىً غير المعنى المراد. وحكم هذا الوقف: اللزوم، وقيل: الوجوب، ولذلك أطلق عليه البعض: (الوقف الواجب)، ولا يراد بالوجوب هنا الوجوب الشرعي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وإنما المراد به هو الوجوب الذي تترتب عليه جودة القراءة وجمال الترتيل ومتانة الأداء. وأمثلته: الوقف على (قولهم) في {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُم} [يونس: 65] إذ لو وصلناها بما بعدها فإنه قد يتوهم أن ما بعدها هو الكلام الذي قالوه. وكذا الوقف على (أبناءهم) في {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ}؛ إذ لو وصلناها بـ {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:20] فإنه قد يتوهم أن هذه الجملة صفة لأبنائهم، وليس كذلك لفساد المعنى؛ بل هي جملة مستأنفة. ثانيًا: السكت: لغة: الفصل بين نغمتين بلا تنفس، يقال: سكت عن الكلام أي: امتنع عنه. اصطلاحًا: قطع الصوت زمنًا أقل من زمن الوقف من غير تنفس مع قصد القراءة، قال ابن الجزري: "وهو مقيد بالسماع، فلا يجوز إلا فيما ثبت فيه النقل، وصحت به الرواية" (¬2). اهـ. مواضع السكت: الأول: الألف المبدلة من التنوين في كلمة (عوجًا) في قوله تعالى: ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 254. (¬2) المرجع السابق، ص: 261.

الثاني

{وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا. قَيِّماً} [الكهف: 1، 2]، وحكمة السكت هنا هي إيضاح المعنى، وحتى لا يتوهم أن (قيمًا) هي وصف لـ (عوجًا) وهذا غير صحيح؛ ولكن (قيمًا) هي وصف لحال الكتاب. الثاني: الألف في كلمة (مرقدنا) في قوله تعالى: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} [يس: 52]، وحكمة السكت هنا لتوضيح أن الكلام من أول "هذا ... " ليس من قول الذين قالوا: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52]. الثالث: النون في (من) في قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [المدثر: 27]. الرابع: اللام في (بل) في قوله تعالى: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين:14]. وحكمة السكت في الموضعين الثالث والرابع؛ هي مخافة إشباه المضاعف، حتى لا يتوهم أنها كلمة واحدة على وزن (فَعَّال). الخامس: الهاء في كلمة (ماليه) في قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ. هَلَكَ} [الحاقة: 28، 29] وهذا هو أحد الوجهين فيها وهو: الإظهار مع السكت، وأما الوجه الثاني فهو الإدغام؛ نظرًا لأنهما مثلان - سكن أولهما، فأدغم في ثانيهما، أي أنهما من قبيل المثلين الصغير، فتنطق هكذا (مَالِيَهَّلكَ). السادس: الميم في كلمة (عليمٌ) التي في آخر سورة الأنفال في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75]، وذلك عند وصلها بأول سورة التوبة، وهذا هو أحد الأوجه الثلاثة فيها، أما الوجهان الآخران فأحدهما هو القلب حيث وقعت الباء من (براءةٌ) بعد التنوين في (عليمٌ)، والثاني الوقف، والوقف يختلف عن السكت في أن الوقف يكون بالتنفس خلاله، أما السكت فلا تنفس خلاله، لذلك زمنه أقصر.

ثالثا: القطع

ثالثًا: القطع (¬1): لغة: الإبانة والإزالة، يقال: قُطِعَت الرقبة أي أُزيلت. اصطلاحًا: قطع القراءة بالكلية والانتقال عنها إلى حال أخرى، وهو الذي يستعاذ بعده للقراءة المستأنفة، ولا يكون القطع إلا عند رؤوس الآيات، قال ابن الجزري: "عن عبد الله بن أبي الهذيل (¬2) قال: "إذا قرأ أحدكم الآية فلا يقطعها حتى يتمها". ونقل عنه أيضًا أنه قال: "كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآية ويتركوا بعضها". قوله: (كانوا) أي الصحابة رضي الله عنهم جميعًا. وفي هذا دليل على أنه لا ينبغي للقارئ أن يقطع القراءة في أي موضع إلا عند رؤوس الآي، سواءً كان في الصلاة أم في خارجها. والله أعلى وأعلم. ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 263. (¬2) هو من أكابر التابعين وهو عالم ثقة.

باب: معرفة المقطوع والموصول

باب معرفة المقطوع والموصول من تمام القراءة، وكمال القارئ المجيد لقراءة القرآن الكريم، أن يعرف المقطوع والموصول، بمعرفة ما يجوز الوقف عليه، وما لا يجوز الوقف عليه. واعلم أن المقطوع والموصول ثلاثة أقسام: الأول: قسم اتفق الرسام على وصله. والثاني: قسم اتفق الرسام على قطعه. والثالث: مختلف فيه. قال الحصري (¬1): المراد بالمقطوع: الكلمة التي تفصل عما بعدها في رسم المصاحف العثمانية (¬2). والمراد بالموصول: الكلمة التي توصل بما ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 261. (¬2) قال الأستاذ محمد منيار في المرجع السابق (بالهامش): "المصاحف العثمانية: هي التي أمر عثمان رضي الله عنه بنسخها، لما رأى اختلاف الناس في القراءات، فنسخت من المصحف الذي جمعه أبو بكر رضي الله عنه وكان حينئذ عند حفصة بنت عمر، وتولى النسخ رجال من قريش وغيرهم وعلى رأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه. وكانت طريقة الرسم فيها أنهم كانوا إذا وجدوا كلمة فيها أكثر من قراءة، كتبوها صورة تحتمل القراءات المختلفة، وجردوها من النقط والشكل، مثال ذلك قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6]، كتبوه هكذا (فسسوا) مجردًا من النقط، فيجوز أن يقرأ: (فتثبتوا) كما هي قراءة حمزة والكسائي وخلف العاشر، ويجوز أن يقرأ: (فتبيَّنوا) كما هو في قراءة الباقين. أما إذا وجدوا أن صورة الكلمة لا يمكن أن تحتمل أكثر من قراءة؛ فرَّقوا في كتابتها، فكتبوها في مصحف وفق قراءة، وفي مصحف آخر وفق قراءة أخرى، مثال ذلك: قوله تعالى: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة: 100]، كتبوه في مصحف مكة {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار} بزيادة (من) وبه قرأ ابن كثير المكي، وكلتاهما قراءتان ثابتتان. وبعد نسخها أمر عثمان بإرسالها إلى الأمصار المشهورة، فوجه بمصحف إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وثالث إلى الشام، ورابع إلى مكة، وترك مصحفًا بالمدينة، وأمسك لنفسه مصحفًا وهو الذي يسمى بالإمام، وأرسل عثمان مع كل مصحف قارئًا من الصحابة يقرئهم، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المصحف المكي، والمغيرة بن أبي شهاب المخزومي مع المصحف الشامي، وأبا عبد الرحمن السُّلمي، وعامر بن عبد القيس مع البصري. فقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم، وقد أجمعت الأمة على ما تضمنته هذه المصاحف من وجوه الرسم وتركوا ما خالفها". اهـ.

أن لا

بعدها في رسم المصاحف العثمانية، والقطع هو الأصل، والوصل فرع عنه؛ لأن الشأن في كل كلمة أن تكون مفصولة عن غيرها رسمًا. وقد أوجب علماءُ الأداء على القارئ معرفة المقطوع والموصول في الرسم من كلمات القرآن، ليقف على كل كلمة حسب رسمها في المصاحف العثمانية، فإذا كانت الكلمة مفصولة عن غيرها جاز للقارئ الوقف عليها في مقام التعلم، أو الامتحان، أو ضيق النفس، أو نحو ذلك، وإذا كانت موصولة بما بعدها لم يجز له الوقف إلا على الكلمة الثانية منهما، وإذا كان مختلفًا في قطعها ووصلها جاز له الوقوف على الأولى، أو الثانية من الكلمتين (إلا أنه إذا اتفق على رسم معين كان اتباعه أولى). وقد عني علماء القراءة بذكر كلمات خاصة في القرآن الكريم، وبيان حكمها من حيث القطع والوصل، لما لها من جليل الأثر، وعظيم الفائدة". اهـ. وَاعْرِفْ لِمَقْطُوعٍ وَمَوْصُولٍ وَتَا ... فِي مُصْحَفِ الإِمَامِ فِيمَا قَدْ أَتَى يخاطب الإمام الجزري قارئ القرآن قائلاً له واعرف كل مقطوع وموصول، وكذلك اعرف كل تاء تأنيث كتبت تاءً مفتوحة، ولم تكتب تاءً مربوطة، وهذا على ما أتى في الرسم العثماني في مصحف الإمام الصحابي الجليل عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. فَاقْطَعْ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ أنْ لا ... مَعْ مَلْجَإٍ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ وَتَعْبُدُوا يَاسِينَ ثَانِي هُودَ لاَ ... يُشْرِكْنَ تُشْرِكْ يَدْخُلْنَ تَعْلُوا عَلَى أَنْ لا يَقُولُوا لاَ أَقُولَ إِنَّ مَا ... بِالرَّعْدِ وَالمَفْتُوحَ صِلْ وَعَنْ مَا قوله: (فاقطع ... لا أقول) أمر بقطع (أنَّ) عن (لا) في عشرة مواضع: الأول: (مع ملجأٍ) في قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ} [التوبة: 118]

الثاني: مع (إله إلا) في قوله تعالى: {وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 14] الثالث: مع (تعبدوا) التي في ياسين، في قوله تعالى: {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] الرابع: الموضع الثاني في هود، في قوله تعالى: {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم} [هود: 26]، وقال: (ثاني هود) احترازًا من قوله تعالى في الموضع الأول في هود: {أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 2]. الخامس: مع (يشركن) في قوله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} [الممتحنة: 12] السادس: مع (تشرك) في قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [الحج: 26]. السابع: مع (يدخلن) في قوله تعالى: {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم: 24] الثامن: مع (تعلوا علي) في قوله تعالى: {وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} [الدخان: 19] التاسع: في (أن لا يقولوا) في قوله تعالى: {أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقّ} [الأعراف: 169] العاشر: في (لا أقول) في قوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} [الأعراف: 105]. فائدة: اختلف في قطع (أن لا) في قوله تعالى: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَك} [الأنبياء: 87]، والقطع أولى.

إن ما - أن ما

قوله: (إنْ مَا بالرعد) أمر بقطع (إن) عن (ما) في موضع واحد فقط، في قوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} [الرعد: 40]. قوله: (والمفتوح صلْ) أمر بوصل المفتوح أي: (أنْ) بـ (مَا) كيف جاء. هكذا: (أمَّا) نُهُوا اقْطَعُوا مِنْ مَا بِرُومٍ وَالنِّسَا ... خُلْفُ المُنَافِقِينَ أَمْ مَنْ أَسَّسَا فُصِّلَتْ النِّسَا وَذِبْحٍ حَيْثُ مَا ... وَأَنْ لَمِ المَفْتُوحَ كَسْرُ إِنَّ مَا الانْعَامِ وَالمَفْتُوحَ يَدْعُونَ مَعَا ... وَخُلْفُ الأنْفَالِ وَنَحْلٍ وَقَعَا قوله: (عن ما نهوا) أي: واقطعوا (عَنْ) عن (مَا) في موضع واحد فقط في قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ} [الأعراف: 166]. قوله: (اقطعوا من ... المنافقين) أي: واقطعوا (مِنْ) عن (مَا) في موضعين بلا خلاف: الأول: في قوله تعالى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} [الروم: 28]. الثاني: في قوله تعالى: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ} [النساء: 25]. وأشار إلى هذين الموضعين بقوله: (بروم والنسا)، كما تُفْصَلا في موضع بخلاف، في قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ} [المنافقون: 10]، والقطع أولى. قوله: (أم من ... وذبح) أي: واقطعوا (أمْ) عن (مَنْ) في أربعة مواضع بلا خلاف:

حيث ما - أن لم - أن ما

الأول: في قوله تعالى: {خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} [التوبة: 109]. الثاني: في قوله تعالى: {خَيْرٌ أَمْ مَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: 40]. الثالث: في قوله تعالى: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} [النساء: 109]. الرابع: في قوله تعالى: {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [الصافات: 11]. وأشار إلى موضع سورة الصافات بقوله: (وذبح) لوجود قصة ذبح إسماعيل بها. قوله: (حيث ما) أي: واقطعوا (حيث) عن (ما) حيث جاء، ولم يأت إلا في موضعين: الأول: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِين} [البقرة: 144]. الثاني: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ} [البقرة: 150]. قوله: (إن لم المفتوح كسر) أي: واقطعوا (أنْ) بفتح الهمزة المكسورة عن (لَمْ) حيث جاء. قوله: (إن مَا الأنعام) أي: واقطعوا (إن) عن (ما) في موضع واحد فقط في قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآت} [الأنعام: 134]. قوله: (والمفتوح يدعون معًا) أي: واقطعوا المفتوح أي (أنَّ مَا) مع كلمة (يدعون) معًا في موضعين: الأول: في قوله تعالى: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62].

الثاني: في قوله تعالى: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِل} [لقمان: 30]. قوله: (وخُلْفُ الأنفالِ ونحلٍ وقعا) أي: ويوجد الخلاف في موضعين: الأول: في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]. الثاني: في قوله تعالى: {إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُم} [النحل: 95]، والوصل فيهما أولى. ويلاحظ أن الموضع الأخير خاص بـ (إنَّ ما) وليس بـ (أنَّ مَا) وتكون خلاصة (إنَّ مَا) و (أنَّ مَا) كما يلي: يتم قطع (إنَّ مَا) في الأنعام بلا خلاف، وفي النحل بخلاف والوصل فيها أولى. ويتم قطع (أنَّ مَا) في الحج ولقمان بلا خلاف، وفي الأنفال بخلاف، والوصل فيها أولى. والله أعلم. ملاحظات: في هذه الأبيات كلمة (الأنعام) تنطق هكذا (لَنْعَامِ)، وكلمة (الأنفال) تنطق هكذا: (لَنْفَالِ). وَكُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَاخْتُلِفْ ... رُدُّوا كَذَا قُلْ بِئْسَمَا وَالْوَصْلُ صِفْ خَلَفْتُمُونِي وَاشْتَرَوْا فِي مَا اقْطَعَا ... أُوحِيْ أَفَضْتُمُ اشْتَهَتْ يَبْلُوا مَعَا ثَانِي فَعَلْنَ وَقَعَتْ رُومٌ كِلاَ ... تَنْزِيْلُ شُعَرَا وَغَيْرَ ذِي صِلاَ أمر بقطع (كل) عن (مَا) في موضع واحد فقط في القرآن الكريم اتفاقًا، وهو في قوله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم: 34]. واخْتُلِف في فصل (كُلّ) عن (مَا) في أربعة مواضع (¬1): الأول في قوله تعالى: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} [النساء: 91]. ¬

(¬1) انظر: فتح المجد للقمحاوي، والدقائق المحكمة، وأحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 280

بئس ما - في ما

الثاني: في قوله تعالى: {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} [المؤمنون: 44]. الثالث: في قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38]. الرابع: في قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} [الملك: 8]. والذي عليه العمل في الموضعين الأول والثاني القطع، والذي عليه العمل في الموضعين الثالث والرابع الوصل، وغير ما ذكر فالبوصل إجماعًا. أمر بوصل (بئس) بـ (ما) في موضعين بلا خلاف: الأول: في قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا} [البقرة: 90]، وهو الموضع الأول في سورة البقرة. الثاني: في قوله تعالى: {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} [الأعراف: 150]، ويتضح ذلك من قوله: (والوصل صف خلفتموني واشتروا). وذكر أنه يوجد موضع فيه الخلاف وهو: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} [البقرة: 93]، ويتضح ذلك من قوله: (كذا قل بئسما) والذي عليه العمل في هذا الموضع هو الوصل. وأمر بقطع (في) عن (ما) في أحد عشر موضعًا بلا خلاف: الأول: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيّ} [الأنعام: 145]. الثاني: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 14]. الثالث: {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء: 102]. الرابع: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} [المائدة: 48]. الخامس: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَاب} [الأنعام: 165].

السادس: {فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوف} [البقرة: 240]. وهو الموضع الثاني في البقرة وأشار الناظم إلى ذلك بقوله: "ثاني فعلن". السابع: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة: 61]. الثامن: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُم} [الروم: 28]. التاسع: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: 3]. العاشر: {فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: 46]. لاحظ أنه أشار إلى موضعي الزمر بقوله: (كلا تنزيل) أي: كلا الموضعين فيها. الحادي عشر: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ} [الشعراء: 146]. وفي غير هذه المواضع الوصل بلا خلاف، ويتضح ذلك من قوله: (وغير ذي صلا) أي: صل. فائدة: اتفق الرسام على قطع (في) عن (ما) في موضع واحد فقط وهو الذي في الشعراء (الموضع الحادي عشر)، واختلفوا في العشرة مواضع الباقية، والقطع فيه أكثر، ذكر ذلك الشيخ الحصري، وقال محمد طلحة منيار (¬1) تعليقًا على قول الحصري (والقطع فيه أكثر) قال: وعليه العمل (¬2). اهـ. كما ذكره القمحاوي في (فتح المجيد). فَأَيْنَمَا كَالنَّحْلِ صِلْ وَمُخْتَلِفْ ... فِي الظُّلَّةِ الأَحْزَابِ وَالنِّسَا وُصِفْ أي: وصل كلمة فأينما المتصلة بالفاء (وهي الموجودة في موضع ¬

(¬1) هو محقق كتاب: "أحكام قراءة القرآن الكريم". (¬2) انظر: كتاب أحكام قراءة القرآن الكريم، ص: 282.

أين ما

البقرة)، كوصلك تمامًا التي بالنحل (أينما). يتضح من ذلك أن (أينما) تأتي متصلة في موضعين فقط: الأول: {أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} [البقرة: 115]. الثاني: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْر} [النحل: 76]. قوله: (ومختلف) أي: واختلف فيها في ثلاثة مواضع: الأول: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} [الشعراء: 92]. الثاني: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} [الأحزاب: 61]. الثالث: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]. والقطع في موضع الشعراء أولى، والوصل في موضعي الأحزاب والنساء أولى. قوله: (وُصفَ) أي: نعت وذُكر. وَصِلْ فَإِلَّمْ هُودَ أَلَّنْ نَجْعَلاَ ... نَجْمَعَ كَيْلاَ تَحْزَنُوا تَأْسَوْا عَلَى حَجٌّ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَقَطْعُهُمْ ... عَنْ مَنْ يَشَاءُ مَنْ تَوَلَّى يَوْمَ هُمْ أمر بوصل (إن) بـ (لَمْ) في موضع واحد فقط، في قوله تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14]. وأمر بوصل (أنْ) بـ (لَنْ) في موضعين فقط: الأول: {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} [الكهف: 48]. الثاني: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: 3]. وأشار في النظم إلى الموضع الأول بقوله: (نجعلا)، وإلى الموضع الثاني بقوله: (نجمع). فائدة: ذكر الشيخ الحصري الخلاف في قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل:20]، والقطع فيه أولى (¬1). اهـ. وهو الذي عليه العمل. والظاهر من النظم أن مذهب ابن الجزري فيه القطع. والله أعلى وأعلم. ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 271.

عن من - يوم هم - مال

وأمر بوصل (كيلا) في أربعة مواضع بلا خلاف، وهي: الأول: {لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [آل عمران: 153]. الثاني: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23]. الثالث: {لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئا} [الحج: 5]. وأشار إلى هذا الموضع في النظم بقوله: (حج). الرابع: {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 50]. وهو الموضع الثاني فيها. والمواضع الثلاثة الباقية مفصولة بلا خلاف وهي: الأول: {لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} [النحل: 70]. الثاني: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَج} [الأحزاب: 37]، وهو الموضع الأول فيها. الثالث: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]. وأمر بقطع (عَنْ) عن (مَنْ) في موضعين بلا خلاف، وهما: الأول: {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 43]. الثاني: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} [النجم: 29]. ولا توجد (عن من) في القرآن إلا في هذين الموضعين. وأمر بقطع (يوم) عن (هم) في موضعين بلا خلاف: الأول: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى} [غافر: 16]. الثاني: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13]. ومَالِ هَذَا وَالَّذِينَ هَؤُلاَ ... تَحِينَ فِي الإمَامِ صِلْ وَوُهِّلاَ

ولات حين

أخبر أن اللام التي بعد (ما) تفصل عن الكلمة التي بعدها في أربعة مواضع: الأول: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} [الفرقان: 7]. الثاني: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِر} [الكهف: 49]. الثالث: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} [المعارج: 36]. الرابع: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء: 78]. قال الحصري: "وحينئذ يجوز للقارئ أن يقف على (ما) أو على (اللام) عند ضيق نفسه أو امتحان أو نحو ذلك، ولكن لا يجوز الابتداء باللام ولا بهؤلاء ولا بالذين، بل يتعين الابتداء بـ (ما) " (¬1). اهـ. وأضاف محقق الكتاب قائلاً: أو بـ (فما) في النساء والمعارج (¬2). اهـ. أما عن كلمة تحين في قوله تعالى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3]. قال الحصري (¬3): "اختلف في قطع التاء عن كلمة (حين)، ووصلها بها، والصحيح قطعها عنها، وأن (ولات) كلمة مستقلة، و (حين) كلمة أخرى. و (لا) في (ولات) نافية، دخلت عليها التاء علامة على تأنيث الكلمة - كما دخلت على رب وثم؛ للدلالة على تأنيث الكلمتين - وعلى هذا يصح الوقف على التاء عند الامتحان أو في مقام التعليم، أو عند ضيق النفس أو نحو ذلك، ولكن لا يصح الوقف عليه اختيارًا والابتداء بكلمة (حين) بل يجب الابتداء بكلمة (ولات). وقيل: إن التاء توصل بكلمة (حين) هكذا: (ولا تحين مناص) وعلى ¬

(¬1) أحكام التلاوة للحصري، ص: 284. (¬2) السابق، ص: 284. (¬3) المرجع السابق، ص: 285.

كالوهم أو وزنوهم

هذا يصح الوقف للضرورة أو غيرها على (ولا)، ولكن يتعين الابتداء بـ (ولات) أيضًا. والصحيح قطع التاء عن (حين) كما سبق".اهـ. قال في فتح المجيد (¬1): "مختلف فيه بين الرُّسام بين القطع والوصل، والقطع أرجح، والوصل ضعيف جدًا". اهـ. قلت: وذكر ابن الجزري القولين في النظم حيث قال: (صل ووهِّلا)، فقوله: (صل) أي: صل التاء بكلمة (حين)، وهذا هو أحد القولين، والقول الآخر يتضح من قوله: (ووهلا) أي: غلط هذا القول ولا تصل التاء بكلمة (حين). والله أعلى وأعلم. فائدة: (وَهِّلْ) فعل أمر بمعنى: (غَلِّطْ) والماضي: وَهِلَ. تقول: وَهِلَ وهلاً كَفِرحَ فرحًا. وَوَزَنُوهُمْ وَكَالُوهُمْ صِلِ ... كَذَا مِنَ الْ وَهَا وَيَا لاَ تَفْصِل أمر في هذا البيت بوصل الضمير (هم) في كل من الكلمتين (وزنوهم) و (كالوهم) في قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3]. وهذا بالإجماع، والدليل على ذلك سقوط الألف بعد الواو في كل من الكلمتين، ولو كانت مفصولة لكتبت كما يلي: (كالواهم) و (وزنواهم) كما يتضح ذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]؛ ففي الآية اتفق الرُّسام على أن الضمير (هم) ¬

(¬1) فتح المجيد شرح كتاب العميد، للقمحاوي، ص: 151.

مفصول عن كلمة (غضبوا)، ويظهر جليًا عدم حذف الألف التي بعد الواو في كلمة (غضبوا). ولا يجوز الوقف على كلمة (كالو) أو (وزنو) لأن هذا كمثل الوقف على كلمة (ثقفتمو) في قوله تعالى: {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191]؛ إذ لا يجوز فصل الضمير المتصل عن الكلمة. والله أعلى وأعلم. فائدة: قال الحصري (¬1) في قوله تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] بعد أن ذكر صحة الوقف على (غضبو)، قال: "ولكن لا يصح الابتداء بقوله: (هم يغفرون) لما فيه من الفصل بين الشرط وجوابه، بل يتعين الابتداء بقوله: (وإذا) ". اهـ. فائدة: قال الحصري (¬2): "قال بعض الأفاضل: إن الأصل: (كالوا لهم) أو (وزنوا لهم)، فحذفت اللام على حد قولك: (كلتك طعامًا)، والأصل: (كلت لك طعامًا)، فحذفت اللام، وأوقع الفعل على (هم) فصار حرفًا واحدًا؛ لأن الضمير المتصل من ناحية كلمة واحدة". اهـ. قوله: (كذا من ال وها ويا لا تفصل) أوضَحَ فيه عدم جواز فصل (ال) من الكلمة التي بعدها في مثل: (المؤمنون - التقوى)، وأيضًا عدم جواز فصل هاء التنبيه كما في نحو: (هَأنتم - هؤلاء)، وأيضًا عدم جواز فصل ياء النداء في نحو (يأيها - يآدم). فائدة: أتت (أنْ) مع (لو) في القرآن في أربعة مواضع لا غير، وهي: ¬

(¬1) هذا الكلام في المرجع السابق، ص: 286. (¬2) المرجع السابق، ص: 285.

ال - ها - يا - أن لو

الأول: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} [الأعراف: 100]. الثاني: {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} [الرعد: 31]. الثالث: {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} [سبأ: 14]. الرابع: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} [الجن: 16]. وهي مقطوعة في المواضع الثلاثة الأولى بلا خلاف، ومختلف فيها في الموضع الرابع (¬1). قلت: والوصل فيه أولى؛ لأنه الوجه الذي عليه العمل، والله أعلى وأعلم. فائدة: توجد بعض كلمات أخرى متصلة دائمًا، تجب ملاحظتها، وهي: 1 - (مِنْ) مع (مَنْ) حيث جاء. 2 - (مِنْ) مع (ما الاستفهامية) نحو: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]. 3 - (إلياس) في قوله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 123]، أما كلمة (إل ياسين) في قوله تعالى: {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130]، فتكتب مقطوعة ولكن لا يجوز الوقف على (إل). 4 - (نِعِمَّا) في موضعين لا غير: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي} [البقرة:271]، وفي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58]. 5 - (مهما) في قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ)} [الأعراف: 132]. ¬

(¬1) المرجع السابق، ص: 270.

مهما - يومئذ - حينئذ - لئن - لئلا - ويكأن - يبنؤم - لولا - أيا ما

6 - (يوم) مع (إذ) كيف جاءت. 7 - (حين) مع (إذ) كيف جاءت. 8 - (اللام) مع (إن) في (لئن) وهكذا تُكتب. 9 - (لأن) مع (لا) في (لئلا) وهكذا تُكتب. 10 - (ويْ) مع (كأن) في موضعين في آية واحدة بالقصص وهما في قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 82]. 11 - (يبنؤم) في قوله تعالى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذ} [طه: 94]، وجاءت مفصولة في قوله تعالى: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْم} [الأعراف: 150]. وعلى هذا يجوز الوقف لسبب على (ابن) في موضع الأعراف، ولا يجوز ذلك في موضع طه. والله أعلى وأعلم. 12 - (لولا) لم تأت إلا متصلة، أي لا يجوز الوقف على (لو). ومثلها تمامًا كلمة (لو ما). فائدة (¬1): يجوز الوقف على (ما) في قوله تعالى: {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]، كما أنه يجوز الوقف على (أيًا)، ولكن لا يجوز البدء إلا بـ (أيًا). ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 284، وانظر: مختصر بلوغ الأماني، ص: 23. وحكى فيه ترجيح ابن الجزري في النشر لهذا القول، وهذا هو الراجح إن شاء الله، وهو مخالف لما ذكر في كتاب "فتح المجيد" ص: 149.

باب: التاءات

باب التاءات وَرَحْمَتُ الزُّخْرُفِ بِالتَّا زَبَرَهْ ... الاعْرَافِ رُومٍ هُودٍ كَافِ الْبَقَرَهْ أخبر في هذا البيت أن كلمة (رحمت) كتبها الإمام عثمان بن عفان بالتاء المفتوحة في سبعة مواضع: الأول: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32]. الثاني: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]. الثالث: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]. الرابع: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} [الروم: 50]. الخامس: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت} [هود: 73]. السادس: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: 2]. السابع: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: 218]. فائدة: (زَبَرَهُ) أي: كتبه، والضمير عائد على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو المشار إليه بكلمة الإمام في قوله في باب المقطوع والموصول: (في مصحف الإمام)، والزَّبُور بمعنى المكتوب، أي: الكتاب، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} [الأنبياء: 105]. والجمع: زُبُر، والزَّبُور هي صحف داود عليه السلام، والزَّبْرُ: الكتابة، والمِزْبَر هو القلم (¬1). نِعْمَتُهَا ثَلاثُ نَحْلٍ إبْرَهَمْ ... مَعًا أَخَيْرَاتٌ عُقُودُ الثَّانِ هُمْ لُقْمَانُ ثُمَّ فَاطِرٌ كَالطُّورِ ... عِمْرَانَ لَعْنَتَ بِهَا وَالنُّور ¬

(¬1) انظر: القاموس المحيط، والمعجم الوسيط.

أخبر أن (نعمت) كُتبت بالتاء المفتوحة في أحد عشر موضعًا، أولها في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ} [البقرة: 231]. ومنها ثلاثة مواضع في سورة النحل، من قول الناظم (ثلاث نحل)، وهي: الأول: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: 72]. الثاني: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [النحل: 83]. الثالث: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114]. ومنها موضعان في سورة إبراهيم، من قول الناظم (إبرهم معًا) وهي: الأول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} [إبراهيم: 28]. الثاني: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]. قوله: (معًا أخيرات) يعني الناظم بهذه الجملة المواضع الأخيرة في كل من سورتي النحل وإبراهيم، احترازًا من الموضع الأول فيهما، ومنها موضع واحد في سورة المائدة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ} [المائدة: 11]. وقوله: (عقود الثان) أشار به إلى الموضع الثاني في المائدة، احترازًا من الموضع الأول فيها. وقوله: (هم) أي الذي فيه الفعل (همَّ)، ثم ذكر في البيت الثاني المواضع الأربعة الباقية وهي: الثامن: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} [لقمان: 31]. التاسع: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [فاطر: 3]. العاشر: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} [الطور: 29].

امرأت - معصيت

الحادي عشر: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} [آل عمران: 103] قوله: (عمران لعنت بها والنور) أي: أن كلمة (لعنت) كتبت بالتاء المفتوحة في موضعين: الأول: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61]. الثاني: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7]. وَامْرَأَتُ يُوسُفَ عِمْرَانَ الْقَصَصْ ... تَحْرِيْمَ مَعْصِيَتْ بِقَدْ سَمِعْ يُخَصْ أخبر أن كلمة (امرأت) كتبت بالتاء المفتوحة في سبعة مواضع: الأول: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِد} [يوسف: 30]. الثاني: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقّ} [يوسف: 51]. الثالث: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} [آل عمران: 35]. الرابع: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9]. الخامس: {امْرَأَتَ نُوح} [التحريم: 10]. السادس: {وَامْرَأَتَ لُوط} [التحريم: 10]. السابع: {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11]. طريفة: كل لفظ (امرأة) أضيفت إلى زوجها فإنها تكتب بالتاء المفتوحة (¬1). قوله: (معصيت بقد سمع يخص) أي: أن كلمة (معصيت) كتبت بالتاء المفتوحة في سورة المجادلة وذلك في موضعين: الأول: {وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} [المجادلة: 8]. ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 301.

شجرت - سنت - قرت - جنت - بقيت - فطرت - ابنت - كلمت

الثاني: {فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} [المجادلة: 9]. شَجَرَتَ الدُّخَانِ سُنَّتْ فَاطِرِ ... كُلاً وَالانْفَالَ وَحَرْفَ غَافِر قوله: (شجرت الدخان) أي: أن كلمة (شجرت) رسمت بالتاء المفتوحة في قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} [الدخان: 43]. قوله: (سنت) أي: أن كلمة (سُنَّت) رُسمت بالتاء المفتوحة في خمسة مواضع: الأول: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ} [فاطر: 43]. الثاني: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [فاطر: 43]. الثالث: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر: 43]. الرابع: {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38]. الخامس: {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: 85]. قُرَّتُ عَيْنٍ جَنَّتٌ فِي وَقَعَتْ ... فِطْرَتْ بَقِيَّتْ وَابْنَتْ وَكَلِمَتْ أَوْسَطَ اَلاعْرَافِ وَكُلُّ مَا اخْتُلِفْ ... جَمْعًا وَفَرْدًا فِيْهِ بِالتَّاءِ عُرِفْ قوله: (قرت عين) أي: أن كلمة (قرت) رسمت بالتاء المفتوحة في قوله تعالى: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَك} [القصص: 9]. وقوله: (جنت في وقعت) أي: أن كلمة (جنت) رسمت بالتاء المفتوحة في قوله تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89]. وقوله: (فطرت بقيت وابنت) أي: أن هذه الكلمات الثلاثة رسمت بالتاء المفتوحة حيث جاءت، وذلك في قوله تعالى: {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} [هود: 86]، وفي قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، وفي قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ} [التحريم: 12]. قوله: (كلمت أوسط الأعراف)

أي: أن (كلمت) رسمت بالتاء المفتوحة في الأعراف في قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} [الأعراف: 137]. وقوله: (وكل ما اختلف ... فيه بالتاء عرف) أي: أن كل موضع اختلف القراء في قراءته، فمنهم من قرأه بالإفراد فإن هذا الموضع يرسم بالتاء المفتوحة. والخلاصة: أن (كلمت) رسمت بالتاء المفتوحة في خمسة مواضع: الأول: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام: 115]. الثاني: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيل} [الأعراف: 137]. الثالث: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} [يونس: 33]. الرابع: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 96]. الخامس: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: 6]. واختلفت المصاحف في رسم (كلمت) في ثلاثة مواضع من هذه المواضع الخمسة، هي: موضع الأعراف، والموضع الثاني بيونس، وموضع غافر؛ وعلى هذا يجوز الوقف عليها بالتاء أو بالهاء، والذي عليه العمل هو الوقف عليها بالتاء، والله أعلى وأعلم. ومما رسم بالتاء المفتوحة أيضًا ما يلي (¬1): 1 - (جمالتٌ) في قوله تعالى: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33]. ¬

(¬1) انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 303.

جمالت - بينت - غيابت - أبت - هيهات - مرضات - أسماء الجموع - ملكوت - ذات - ولات - اللات

2 - (بينت) في قوله تعالى: {فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} [فاطر: 40]. 3 - (غيابت) في قوله تعالى: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُب} [يوسف: 10]، وفي قوله تعالى: {وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبّ} [يوسف: 15]. 4 - أسماء الجموع المختومة بالتاء نحوه: (الآيات، آيات، مُبَيِّنات، بَيِّنات، مُتَبرجات، والمؤتفكات، المنشآت، والعاديات، والذاريات، والمرسلات، والنازعات). 5 - ملكوت - جالوت - طالوت - التابوت - الطاغوت. 6 - (أبت) في: يوسف ومريم والقصص والصافات (¬1). 7 - (هيهات) في قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36]. 8 - (مرضات) في ثلاثة مواضع: البقرة، والنساء، والتحريم (¬2). 9 - (ذات) في قوله تعالى: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]، وفي قوله تعالى: {حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: 60]. 10 - (ولات) في قوله تعالى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3]. 11 - (اللات) في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19]. ¬

(¬1) يوسف: 4، ومريم 42 - 45، والقصص: 26، والصافات: 102. (¬2) البقرة: 207، 265، والنساء: 114، والتحريم: 1.

باب: همز الوصل

باب همز الوصل اعلم أن الهمزة التي تقع في أول الكلمة نوعان: همزة القطع: وهي الهمزة التي تثبت في حال الابتداء بها، وحال درجها. وهمزة الوصل: وهي التي تثبت في حالة الابتداء بها وتسقط في حالة الدرج، وهي أساس الباب. واختُلف في أصلها (¬1)، فقيل: إنها وضعت همزة. وقيل: إن أصلها الألف، حيث أنها تثبت ألفًا في مثل (ءآلله - ءآلرجل) في حالة الاستفهام. وسبب تسميتها بهمزة الوصل (¬2) على الرغم من أنها تسقط في حالة الوصل هو أنها تسقط فيتصل ما قبلها بما بعدها، وقيل: لوصول المتكلم بها إلى النطق بالساكن، حيث كان الخليل بن أحمد يسميها بـ"سلم اللسان"، وذلك لأنه لما كان لا يوقف بمتحرك ولا يبتدأ بساكن، كان لابد من الإتيان بشيء حتى نتمكن من النطق بالساكن، وهذا الشيء هو "همزة الوصل". وَابْدَأْ بِهَمْزِ الْوَصْلِ مِنْ فِعْلٍ بِضَمْ ... إنْ كَانَ ثَالِثٌ مِنَ الفِعْلِ يُضَمْ بدأ بتوضيح كيفية البدء بهمزة الوصل إذا كانت في فعل، فقال: (ابدأ) بهمزة الوصل التي في الفعل. (بضم) أي بضمها وذلك (إن كان ثالث من الفعل يضم) أي: إذا كان الحرف الثالث من هذا الفعل مضمومًا بضمة أصلية مثل: (اجْتُثَّت) فهذا فعل ماضي أوله همزة وصل، عند البدء بها فإننا نبدأ بها مضمومة وذلك لأن ثالث الفعل - وهو حرف التاء الأول - مضموم. وَاكْسِرْهُ حَالَ الْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَفِي ... الأسْمَاءِ غَيْرَ اللاَّمِ كَسْرَهَا وَفِي ¬

(¬1) انظر: شرح الأشموني وشرح ابن عقيل على "ألفية ابن مالك". (¬2) المرجع السابق.

قوله: (واكسره حال الكسر والفتح) أي: واكسر همز الوصل حال البدء به إذا كان في بداية الفعل، وكان ثالث هذا الفعل مكسورًا أو مفتوحًا مثل: (اغفر - انتهو)، فثالث حرف مكسور في (اغفر) وهو الفاء، ومفتوح في (انتهوا) وهو التاء. قوله: (وفي الأسماء) (¬1) أي المبدوءة بهمز الوصل. (كسرها) أي همزة الوصل. (وفي) أي: تام. إلا أنه استثنى همزة الوصل من (ال) فقال: (غير اللام) أي غير همزة في (ال) التعريفية، فإن همزة الوصل فيها تفتح حال البدء بها مثل (النهار). ابْنٍ مَعَ ابْنَةِ امْرِئٍ وَاثْنَيْنِ ... وَامْرَأةٍ وَاسْمٍ مَعَ اثْنَتَيْن ذكر في هذا البيت بعض الأسماء وأخبر أنها تكتب بهمزة الوصل، وهذه الهمزة تكسر حال البدء بها وهي: 1 - (ابن) مثل: (إن ابني من أهلي - ابن مريم). 2 - (ابنة) مثل: (ابنت عمران - ابنتي هاتين). 3 - (امرئ) مثل: (كل امرئ بما كسب - إن امرؤٌ هلك - ما كان أبوك امرأ سوءٍ). 4 - (اثنين) مثل: (لا تتخذوا إلهين اثنين - اثنان ذوا عدل منكم). 5 - (امرأة) مثل: (إن امرأة خافت - امرأت نوح - وامرأتان ممن ترضون من الشهداء - ووجد من دونهم امرأتين تذودان). 6 - (اسم) مثل: (اسمه أحمد - واذكر اسم ربك - اقرأ باسم ربك). 7 - (اثنتين) مثل: (فإن كانتا اثنتين - اثنتا عشرة عينا - اثنتي عشرة أسباطًا). توضيح: اعلم أن همزة الوصل توجد بلا خلاف في كل فعل ماضي احتوى ¬

(¬1) (الأسماء) تقرأ في البيت هكذا: (لَسْمَاءِ).

على أكثر من أربعة أحرف (أي: خماسيًا أو سداسيًا) مثل: (انطلق - استخرج)، وكذلك الحال في المصدر من هذه الأفعال مثل: (انطلاق - استخراج). كما أنها تكسر في الأسماء التالية (¬1): (ابن - ابنة - امرؤ - امرئ - امرأة - اثنان - اثنين - اثنتان - اثنتين - اسم)، وأضف إلى ذلك من غير القرآن الكريم: (ابنم - است - ايمن) (¬2). كما أنها تكسر أيضًا إذا دخلت على الفعل وإذا كان ثالث الفعل مكسورًا مثل: (اهدنا - اكشف)، أو كان ثالث الفعل مفتوحًا مثل: (استحوذَ - استجيبوا - اذهب). ووجهُ كسر همزة الوصل إذا كان ثالث الفعل مكسورًا (¬3) ووجه المناسبةُ بين أول الفعل وثالثه، ولا اعتداد بالساكن بينهما ووجه كسرها إذا كان ثالث الفعل مفتوحًا القياس على كسرها إذا كان ثالث الفعل مكسورًا، وقيل: خوف الالتباس بألف التكلم نحو: (أجعل) وقفًا، وقيل: حملاً على المكسور. واعلم أنها تكسر كذلك إذا كان ثالث الفعل مكسورًا بحسب الأصل ثم عرض له الضم لموجب، وقد وقع ذلك في القرآن في خمسة أفعال: ¬

(¬1) قال ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك، ص: 208: "لم تحفظ همزة الوصل في الأسماء التي ليست مصادر لفعل زائد على أربعة، إلا في عشرة أسماء: اسم، واست، وابني، وابنم، واثنين، وامرئ، وامرأة، وابنة، واثنتين، وايمن - في القسم". اهـ. قلت: لاحظ أنه قد يطلق اسمًا، ويريد به جميع أوجهه مثل: (اثنين)، فيدخل معه أيضًا: (اثنان واثنتين واثنتان). (¬2) است: الدبر، ايمن: جمع يمين، وهو للقسم. تقول: "وايمن الله". (¬3) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 319، 320.

امشوا - ايتو - ابنوا - اقضوا - امضوا

1 - (امشوا) في قوله تعالى: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُم} [ص: 6]. 2 - (ايتوا) في قوله تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [الأحقاف: 4].، وقوله تعالى: {ثُمَّ ائْتُوا صَفّا} [طه: 64]. 3 - (ابنوا) في قوله تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً} [الصافات: 97]. 4 - (اقضوا) في قوله تعالى: {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71]. 5 - (امضوا) في قوله تعالى: {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر: 65]. وذلك أن أصل هذه الأفعال: (امشيوا) بكسر الشين وضم الياء، (ايتيوا) بكسر التاء وضم الياء، (ابنيوا) بكسر النون وضم الياء، (اقضيوا) بكسر الضاد وضم الياء، (امضيوا) بسكر الضاد وضم الياء، ثم نقلت حركة الياء إلى الشين بعد تقدير سلب حركتها في (امشوا)، ونقلت حركة الياء إلى التاء في (ائتوا)، وحركة الياء إلى النون في (ابنوا)، وحركة الياء إلى الضاد في (اقضوا)، وكذا في (امضوا)، فصارت الشين مضمومة وكذا التاء والنون والضاد. وإنما نقلت حركة الياء إلى هذه الأحرف ليكون ثَمَّ تناسب بين حركتها وبين الواو، ولما نقلت حركة الياء إلى هذه الأحرف سكنت الياء فالتقى ساكنان، فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، فصارت هذه الأفعال: (امشوا، ايتوا، ابنوا، اقضوا). قال العلماء: والدليل على أن الأصل في هذه الأفعال الكسر ثم عرض الضم؛ أنك إذا أمرت المخاطب الواحد قلت: (امش، ايت، ابن، اقضِ)، وإذا أمرت الاثنين قلت: (امشيا، ايتيا، ابنيا، اقضيا)، بكسر

ذكر اجتماع همزة الاستفهام وهمزة الوصل

الشين والتاء والنون والضاد، فهذا يدل على أن الكسر هو الأصل والضم عارض، فمن أجل ذلك وجب كسر همزة الوصل عند البدء بهذه الأفعال نظرًا للأصل. واعلم أن: همزة الوصل تضم إذا كان ثالث الفعل مضمومًا ضمًا أصليًا نحو: (اجْتُثت - استُهزئ - اخرج - اشكر). ووجه ضم همزة الوصل حال ضم ثالث الفعل (¬1): تحقيق التناسب بين الهمزة وثالث الفعل، وعدم الالتفات للثاني لكونه غير حاجز، وقيل: لئلا يلزم الخروج من الكسر إلى الضم، والقولان متماثلان. واعلم أن: همزة الوصل تفتح قولاً واحدًا إذا كانت في (ال) التعريفية مثل: (النور - النهار - الملائكة - الأنهار). فائدة: إذا اجتمعت همزة الاستفهام وهمزة الوصل في كلمة وجب حذف همزة الوصل؛ لأن الغرض منها - وهو التوصل إلى النطق بالحرف الساكن - قد تحقق بهمزة الاستفهام، فلم يكن هناك داع لوجود همزة الوصل، وقد وقع في سبع كلمات في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً} [البقرة: 80]، وفي قوله تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: 78]، {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبا} [سبأ: 8]، {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ} [الصافات: 153]، {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً} [ص: 63]، {أَسْتَكْبَرْتَ} [ص: 75]، {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} [المنافقون: 6]. وأصل هذه الأفعال: أإتخذتم، أإطلع، أإفترى، أإصطفى، أإتخذناهم، أإستكبرت، أإستغفرت، بهمزتين: الأولى همزة الاستفهام وهي مفتوحة، والثانية همزة الوصل وهي مكسورة لدخولها على فعل ماضٍ خماسي في ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 319، 320 (بتصرف).

ذكر بئس الاسم

(أتخذتم، أطلع، أفترى، أصطفى، أتخذناهم)، وعلى فعل ماضٍ سداسي في (أستكبرت، أستغفرت)، فحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام. ولا يترتب على حذفها التباس الاستفهام بالخبر؛ لأن همزة الاستفهام تكون همزة قطع، وتكون مفتوحة أبدًا وتثبت وصلاً وابتداء، وأما همزة الوصل فتثبت ابتداءً وتسقط وصلاً، ولا تكون في الأفعال السابقة وماثلها إلا مكسورة (¬1). اهـ. فائدة: وإذا اجتمعت همزة الاستفهام وهمزة الوصل في كلمة، وكان بعد همزة الوصل لامٌ؛ وجب إبقاء همزة الوصل وامتنع حذفها لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولكن لا يجوز النطق بهمزة الوصل محققة، بل يجوز فيها لكل القراء وجهان: الأول: تسهيلها بين بين، أي بين الهمزة والألف. والثاني: إبدالها حرف مد مع الإشباع، وقد وقع ذلك في ثلاث كلمات في ستة مواضع: الكلمة الأولى: {ءالذَّكرين} في موضعي الأنعام (¬2). الكلمة الثانية: {ءالآن} في موضعي يونس (¬3). الكلمة الثالثة: {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُم} [يونس: 59]، {ءآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59]. اهـ (¬4). فائدة: إذا وقفت على بئس - لضرورة أو اختبار أو نحو ذلك - وأردت ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 322. (¬2) الآيتان 143، 144. (¬3) الآيتان 51، 91. (¬4) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 423.

الابتداء بـ"الاسم" من قوله تعالى في سورة الحجرات: {بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَان} [الحجرات: 11]، فيجوز فيها وجهان: الأول: الابتداء بهمزة الوصل مفتوحة، فيكون صورتها هكذا: (أَلِسْمُ). الثاني: ترك همزة الوصل، والابتداء باللام المكسورة، هكذا: (لِسْمُ). أما في حالة وصل (بئس) بـ (الاسم) فليس فيه إلا وجه واحد، وهو إسقاط همزة الوصل، وكسر اللام، يعني كما هو في الحالة الثانية المذكورة آنفًا، فتبين أن اللام مكسورة في جميع الحالات، والألف التي قبلها هي همزة وصل، ولا ينطق بها البتة (¬1). اهـ. تتمة: إذا تقدمت همزة الوصل على همزة القطع في مثل قوله تعالى (الذي اؤتمن - يقول ائذن لي) ونحوهما، ففي حالة الوصل تسقط همزة الوصل، وتكون همزة القطع ساكنة. أما في حالة البدء بكلمة (اؤتمن - ائذن)، فإن همزة الوصل تثبت، وتبدل همزة القطع الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها، فتبدل واوًا في (اؤتمن) وياءً في (ائذن) (¬2). اهـ. ¬

(¬1) المرجع السابق، وانظر الهامش. (¬2) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 325 (الهامش).

باب: الروم والإشمام

باب الروم والإشمام وَحَاذِرِ الْوَقْفَ بِكُلِّ الحَرَكَةْ ... إِلاَّ إِذَا رُمْتَ فَبَعْضُ حَرَكَهْ إِلاَّ بِفَتْحٍ أَوْ بِنَصْبٍ وَأَشِمْ ... إِشَارَةً بِالضَّمِّ فِي رَفْعٍ وَضَمْ قوله: (وحاذر الوقف بكل الحركة) أي: واحذر إذا وقفت على حرف متحرك وصلاً، أن تحركه وقفًا، فكما أنه لا يبدأ بساكن، فإنه لا يوقف على متحرك. قوله: (إلا إذا رمت) أي: إلا إذا كنت تقف بالروم، فإن لك أن تأتي ببعض الحركة لا بالحركة كلها كما في حالة الوصل. وقوله: (إلا بفتح أو بنصب) أي: إلا إذا كان الحرف الذي ستقف عليه مفتوحًا أو منصوبًا في حالة الوصل؛ فليس لك فيه الروم. قوله: (وأشم إشارة بالضم في رفع وضم) أي: ولك أن تحدث الإشمام - وهو إشارة بالشفتين بالضم - وذلك في حالة إذا كان الحرف الذي ستقف عليه مرفوًع أو مضمومًا في حالة الوصل. توضيح: اعلم أن الوقف على أواخر الكلم يكون بثلاثة أوجه بشروط معينة: السكون والروم والإشمام. أما السكون، فهو الأصل في الوقف على آخر الكلمات، إذ أنه لا يوقف على متحرك كما أنه لا يبدأ بساكن. وأما الروم فهو أن تأتي ببعض حركة الحرف المتحرك في حالة الوقف عليه. والروم يكون في المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور، ولا يكون في المنصوب ولا المفتوح. أما الإشمام فهو أن تضم شفتيك بُعَيْد النطق بالحرف الساكن، والإشمام (¬1) لا يكون إلا في المرفوع أو المضمون، وهو يُرَى بالعين، ولا يُسمع. ¬

(¬1) والإشمام مشتق من الشمّ، كأنك أشممت الحرف رائحة الحركة. (الدقائق المحكمة، ص: 61).

فائدة الروم والإشمام

واعلم أن الروم لا يكون إلا في آخر الكلمة، أما الإشمام فيكون في آخرها، ويكون في الوسط في كلمة (تأمنَّا) بيوسف. واعلم أن الكلمة الساكنة سكونًا أصليًا في حالة الوصل مثل: كلمة (يلد) أو (يولد) في قوله تعالى: {لم يلد ولم يولد}، فلا يوقف عليها إلا بالسكون. فائدة: قال العلامة الموصلي (¬1): "إن الروم باعتباره صوتًا ضعيفًا، يمكن تحققه مع ضم الشفتين وكسرهما، فلهذا جاز دخوله على المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور، بخلاف الإشمام، فلا يجوز دخوله على المجرور والمكسور لأنه عبارة عن ضم الشفتين، ولا يتأتى ضم الشفتين مع كسرهما". اهـ. فائدة الوقف بالروم والإشمام: قال العلامة ابن الجزري (¬2): "فائدة الإشارة في الوقف بالروم والإشمام: هي بيان الحركة التي تثبت في الوصل للحرف الموقوف عليه، ليظهر للسامع أو للناظر كيف تلك الحركة الموقوف عليها. وهذا التعليل يقتضي استحسان الوقف بالإشارة إذا كان بحضرة القارئ من يسمع قراءته، أما إذا لم يكن بحضرته أحدٌ يسمع تلاوته فلا يتأكد الوقف إذ ذاك بالروم والإشمام؛ لأنه غير محتاج أن يبين لنفسه، وعند حضور الغير يتأكد ذلك ليحصل البيان للسامع، فإن كان السامع عالمًا بذلك علم بصحة عمل القارئ، وإن كان غير عالم كان في ذلك تنبيه له ليعلم حكم ذلك الحرف الموقوف عليه كيف هو في الوصل، وإن كان ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 236 (بتصرف). (¬2) النشر (2/ 125)، وانظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 236.

حكم دخول الروم والإشمام على هاء الكناية

القارئ متعلمًا ظهر عليه بين يدي الأستاذ هل أصاب فيقره، أو أخطأ فيعلمه؟ وكثيرًا ما يشتبه على المبتدئين وغيرهم ممن لم يقفه الأستاذ على بيان الإشارة أن يميزوا بين حركات الإعراب في قوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، وقوله تعالى: {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، فإنهم إذا اعتادوا الوقف على مثل هذا بالسكون لم يعرفوا كيف يقرؤون {عليمٌ} و {فقيرٌ} حال الوصل، هل هو بالرفع أو بالجر؟ وقد كان كثيرٌ من معلمينا يأمرنا فيه بالإشارة، وكان بعضهم يأمر بالوصل محافظة على التعريف به، وذلك حسن لطيف. والله أعلم. اهـ. فائدة: من الملاحظة فيما سبق قولنا: المضموم والمرفوع أو المفتوح والمنصوب أو المكسور والمجرور، وذلك لهدف وهو: أن الضم والفتح والكسر علامات بناء، أما الرفع والنصب والجر فهي علامات إعراب. فائدة: اختلف العلماء في حكم دخول الروم والإشمام على هاء الكناية (¬1) المتصلة بآخر الكلمة على التفصيل التالي (¬2): ذهب فريق منهم إلى منع دخول الروم والإشمام فيها مطلقًا في جميع أحوالها؛ لأنها تشبه هاء التأنيث في حال الوقف، وهاء التأنيث لا يدخلها روم ولا إشمام في الوقف فكذلك ما يشبهها. وذهب فريق إلى جواز دخول الروم والإشمام فيها إذا كان قبلها واوٌ ¬

(¬1) هاء الكناية هي الهاء الزائدة الدالة على الواحد المذكر، وتسمى هاء الضمير أيضًا. فخرج بـ (الزائدة) الهاء الأصلية، كالهاء في (فواكه - نَفْقَه - إله)، وخرج بـ (الدالة على الواحد المذكر) الهاء في (عليها - عليهما - عليهم - عليهن)، واعلم أنها تتصل بالاسم مثل: (أَهْلَه - بيته)، وبالفعل مثل: (يؤده - نُوَلِّه - فألقه)، وبالحرف مثل: (فيه - عليه). أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 241. (¬2) المرجع السابق، ص: 243.

ساكنة، أو ضمة، أو ألف، أو حرف ساكن صحيح، أو فتحة، وجواز دخول الروم فيها إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة، إلحاقًا لها بالحرف الصحيح الذي يدخله الروم والإشمام اتفاقًا، وطردًا للقاعدة، وهذا المذهب هو الذي يعبر عنه العلماء بمذهب الجواز مطلقًا في جميع أحوالها. وذهبت طائفة من المحققين إلى التفصيل: فإذا كان قبلها واو ساكنة أو ضمة امتنع فيها الروم والإشمام طلبًا للخفة، لئلا يخرج القارئ من واو أو ضم إلى ضمة أو إشارة إليها، وذلك ثقيل في النطق. وإذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة امتنع دخول الروم فيها لئلا يخرج القارئ من ياء ساكنة أو كسرة إلى كسرة، وفي ذلك ثقل في النطق. وإذا كان قبلها ألف، أو حرفٌ ساكن صحيح، أو فتحة جاز دخول الروم والإشمام فيها؛ محافظة على بيان حركتها حيث لم يكن ثقل. قال المحقق ابن الجزري في "النشر": "وهذا أعدل المذاهب عندي". انتهى. فائدة: إذا كان آخر الكلمة تاء تأنيث، فلنا في حالة الوقف عليها حالان: الأول: أن يوقف عليها بالهاء، وذلك في حال كونها مكتوبة بالتاء المربوطة مثل: (الجنة - فئة - الصلاة - الحياة - الملائكة - رحمة - نعمة)، وفي هذه الحالة لا يكون لنا فيها وقفًا إلا السكون المحض، أي لا يكون لنا فيها لا الروم ولا الإشمام. الثاني: أن يوقف عليها بالتاء، وذلك في حال كونها مكتوبة بالتاء المفتوحة مثل: (رحمت - نعمت - كلمت) (¬1)، وفي هذه الحالة يمكن دخول الروم والإشمام، أو أحدهما، على هذه التاء وقفًا. ¬

(¬1) جاءت هذه الكلمات مكتوبة بالتاء المفتوحة في بعض المواضع، ولقد ذكر ذلك مستفيضًا - ولله الحمد - في باب التاءات.

قال الحصري (¬1): "ونقل صاحب "نهاية القول المفيد" (¬2) عن العلامة مُلا علي القارئ (¬3) أنه علل منع دخول الروم والإشمام في هذه الهاء بقوله: "لأن المراد من الروم والإشمام بيان حركة الحرف الموقوف عليه حالة الوصل، ولم يكن على الهاء حركة في الوصل حتى يصح بيانُها والإشارة إليها إذ هي مبدلة من التاء، والتاء معدومة من الوقف، أما ما رُسم بالتاء في المصاحف فإن الرَّوم والإشمام يدخلان فيه؛ لأنها تاء محضة، وهي التي كانت في الوصل". انتهى. فائدة (¬4): إذا كان آخر الكلمة ساكنًا بحسب الأصل، ثم عرضت له الحركة في الوصل تخلصًا من التقاء الساكنين، نحو: قم، من {قم الليل}، وأنذر، من {وأنذر الناس}، ورجت، من {رُجّت الأرض}، واشتروا، من {اشتروا الحياة}، وعصوا، من {وعصوا الرسول}، ويكن، من {لم يكن الذين كفروا}، وأنتم، من {وأنتمُ الأعلون}، ولهم، من {الذين قال لهم الناس}. فالميم من (قم)، والراء من (وأنذر)، والتاء من (رُجَّت)، والواو من (اشتروا، وعصوا)، والنون من (يكن)، والميم من (وأنتم) و (لهم)، أقول: إن هذه الحروف وأمثالها سواكن بحسب الأصل، ولكن لما وقع بعدها ساكن - ولا يجمع بين ساكنين - تحركت تَخَلُّصًا من التقاء الساكنين. ولا يوقف على هذه الحروف إلا بالسكون المحض، ويمتنع فيها عند الوقف الروم والإشمام؛ لأن الأصل فيها السكون، والتحريك في الوصل إنما كان لعلةٍ، وقد زالت في الوقف، والإشمام والروم لا يدخلان السواكن. ¬

(¬1) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 245. (¬2) ص: 220، 221. (¬3) المنح الفكرية، ص: 80. (¬4) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 245 - 247.

قال الإمام أبو شامة (¬1) معللاً منع الروم والإشمام في هذا النوع: "لأنه ليس هناك حركة حتى تفتقر إلى دلالة، والعلة الموجبة للتحريك في الوصل مفقودة في الوقف؛ لأن الساكن الثاني الذي من أجله تحرك الحرف الأول قد باينه وانفصل عنه، فأما حركة نحو القاف في قوله تعالى: {ومن يشاقَّ الله} فَتُرام (¬2)، وإن كانت حركة التقاء الساكنين؛ لأن الأصل "يشاقق" فأُدْغِم وُحرِّكَ، وسببه دوام مصاحبة الساكن المدغم وصلاً ووقفًا". انتهى. قال الحصري (¬3): "أما إذا وقف على يشاقق في نحو: {ومن يشاقق الرسول} فلا يجوز في الوقف على القاف إلا السكون المحض؛ لأن تحركها في الوصل إنما كان للتخلص من التقاء الساكنين، وقد زال في الوقف فرجعت القاف إلى أصلها وهو السكون فلا روم فيها. وقصارى القول: أن حركة هذه الحروف وما شابهها لما كانت عارضة بسبب الساكن الذي جاء بعدها حال الوصل لم يعتد بها عند الوقف؛ لأنها تزول عند الوقف لذهاب المقتضي لها، وهو اجتماع الساكنين، فلا وجه للروم والإشمام حينئذٍ. ومن هذا النوع (يومئذ وحينئذ) لأن أصل الذال فيهما ساكنة، وإنما كسرت من أجل ملاقاتها سكون التنوين، فلما وُقِفَ عليها زال الذي من أجله كسرت، فعادت الذال إلى أصلها وهو السكون، وهذا بخلاف: "كل، وجوارٍ، وغواشٍ"، عند الوقف عليها، فإن (كل) يجوز دخول الروم والإشمام فيها إذا كانت مرفوعة، ويجوز دخول الروم فيها إذا كانت مجرورة، ويجوز دخول الروم في: (غواش)، و (جوار). قال المحقق في ¬

(¬1) في إبراز المعاني، ص: 271. (¬2) أي يجوز فيها الروم. (¬3) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 247، 248 (بتصرف).

"النشر": "لأن التنوين في هذه الكلمات دخل على متحرك (¬1)، فالحركة فيها أصلية فكان الوقف عليها بالروم والإشمام حسنًا". انتهى. وقال العلامة أبو شامة: "فأما يومئذٍ وحينئذٍ فبالإسكان تقف عليه؛ لأن الذي من أجله تحركت الذال يسقط في الوقف، فترجع الذال إلى اصلها وهو السكون، فهو بمنزلة {لم يكن الذين} وشبهه، وليس هذا بمنزلة {غواش} و {جوار}، وإن كان التنوين في جمعه دخل عوضًا عن محذوف؛ لأن التنوين في هذا دخل على متحرك، فالحركة أصلية، والوقف عليه بالروم حسن، والتنوين في يومئذ دخل على ساكن فكسر لالتقاء الساكنين على الأصل، والله أعلم". انتهى. فائدة: إذا كان آخر الكلمة ميم جمع، نحو {غير المغضوب عليهم}، فإنه لا يجوز الوقف عليها إلا بالسكون المحض، أي أنه لا يدخلها لا الروم ولا الإشمام. ¬

(¬1) يعني أن أصل: {غواش} و {جوارٍ}: غواشي، وجواري، فهما اسمان منقوصان، وياؤهما أصلية. والقاعدة: أن الاسم المنقوص الممنوع من الصرف، تحذف ياؤه رفعًا وجرًا، وينون، ويسمى هذا التنوين تنوين عوض. فحسن الوقف على {غواش} بالإشمام والروم لبيان أن الياء فيها أصلية متحركة بالضم، وإنما حذفت الياء وعوض عنها بالتنوين من أجل وقوعها في حالة الرفع. اهـ.

خاتمة النظم

خاتمة وَقَدْ تَقَضَّى نَظْمِيَ المُقَدِّمَهْ ... مِنِّي لِقَارِئِ القُرْآنِ تَقْدِمَهْ وأَبْيَاتُهَا قَافٌ وَزَاىٌ فِي الْعَدَدْ ... مَنْ يُحْسِنِ التَّجْوِيدَ يَظْفَرْ بِالرَّشَدْ وَالحَمْدُ للهِ لَهَا خِتَامُ ... ثُمَّ الصَّلاَةُ بَعْدُ وَالسَّلاَمُ عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى وَآلِهِ ... وَصَحْبِهِ وتَابِعِي مِنْوَالِهِ قوله: (وقد تقضي) أي: قد تم وانتهى. قوله: (نظمي) أراد به القصيدة، والنَّظْمُ هو التأليف وضم شيء إلى شيء آخر (¬1). قوله: (تقدمة) أي: تحفة وهدية (¬2). قوله: (من يحسن) أي: من يتقن. قوله: (يظفر) أي: يفوز. قوله: (بالرشد) أي: الهداية. تقول: رَشَدَ رَشَدًا ورُشْدًا ورَشَادًا. والرُّشد هو الاستقامة (¬3). قوله: (ختام) أي: خاتمة ونهاية، تقول: (خُتِمَ الشيء) أي: بُلِغَ آخره، وتقول: خَتَمَ خَتْمًا وخِتَامًا (¬4). قوله: (المصطفى) أي: المختار. وقوله: (وتابعي منواله) أي: السائرين على هديه وخلقه. تقول: (هم على منوال واحد)، أي: استوت أخلاقهم. توضيح: يقول الناظم: إن هذا النظم قد حوى مقدمة في علم التجويد، وقد جعلت هذه المقدمة مني لقارئ القرآن هدية. وإني أختمها بحمد الله عز وجل والصلاة والسلام على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله وصحبه الأطهار الكرام البررة، والسائرين على هده - صلى الله عليه وسلم - التابعين له بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) انظر: القاموس المحيط. (¬2) الدقائق المحكمة، ص: 62. (¬3) انظر: القاموس المحيط. (¬4) انظر: القاموس المحيط.

الاستعاذة

الاستعاذة الاستعاذة لغة: الاستجارة، والتحيز إلى الشيء، على معنى الامتناع به من المكروه، يقال: عذت بفلان واستعذت به، أي: لجأت إليه، وهو عياذي: أي ملجئي، ويقال: (عَوْذٌ بالله منك) أي: أعوذ بالله منك (¬1). واصطلاحًا: أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بصورة من الصور الواردة عن أئمة القراءة. حكم الاستعاذة: ذهب جمهور العلماء إلى أنها مستحبة، وذهب بعض العلماء إلى وجوبها في صدر كل قراءة لقول الله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]. واعلم أن الاستعاذة ليست آية من القرآن بإجماع العلماء، ولكن الأصل عدم تركها عند بداية القراءة بدون سبب. قال الحصري (¬2): "وحكم الاستعاذة من حيث الإخفاء، والجهر أنه يستحب إخفاؤها في الحالات التالية: الأولى: إذا كان القارئ يقرأ سرًا. الثانية: إذا كان يقرأ جهرًا وكان خاليًا - أي منفردًا -. الثالثة: إذا كان يقرأ في الصلاة مطلقًا، سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، وسواء كانت الصلاة سرية، أم جهرية. الرابعة: إذا كان يقرأ وسط جماعة يتدارسون القرآن، كأن يكون في ¬

(¬1) انظر: تفسير القرطبي، ص: 78، ط. الريان. (¬2) أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 332 (بتصرف).

فضل الاستعاذة

مقرأة، ولم يكن هو المبتدئ بالقراءة، فحينئذٍ يُخفي الاستعاذة؛ لتتصل القراءة، ولا يتخللها أجنبي (إذ الاستعاذة ليست من القرآن بالإجماع). ويُستحب الجهر بالاستعاذة إذا كان القارئ يقرأ جهرًا، وكان هناك من يستمع لقراءته، وفي حال المدارسة ويكون هو المبتدئ بالقراءة". فضل الاستعاذة (¬1): روى مسلم عن سليمان بن صُرَد قال: استبَّ رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه، فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))، فقام إلى الرجل رجل سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: هل تدري ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آنفًا؟ قال: ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))، فقال له الرجل: أمجنونًا تراني! أخرجه البخاري أيضًا. وروى مسلمٌ أيضًا عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي يلبسها علي. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثًا)) قال: ففعلت فأذهبه الله عني. فائدة: إذا انقطع القارئ عن قراءته بشيء في مصلحة القراءة مثل: تصحيح المعلم له، أو توضيح معنىً معينًا، فليس عليه أن يستعيذ مرة أخرى، أما إذا كان سبب الانقطاع شيء غير مصلحة القراءة، فإنه يأتي بالاستعاذة مرة أخرى، والله أعلى وأعلم. فائدة: يجوز في الاستعاذة أن تقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ¬

(¬1) انظر: تفسير القرطبي (1/ 77).

البسملة

ويجوز غير ذلك من الصيغ الواردة عن أئمة القراءة. مثل: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم"، والأول أولى وأفضل لأنها هي الصيغة الواردة في الآية، والله أعلى وأعلم. البسملة اعلم أن البسملة هي أن تقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولقد أجمعت الأمة على أنها آية في قوله تعالى: {وإنه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في سورة النمل، أما في غير هذا الموضع ففيها كلام كبير يُرجع إليه في كتب الفقه. ولقد أجمع العلماء (¬1) على وجوب البسملة عند بداية أي سورة غير سورة براءة، فلا بسملة في أولها بالإجماع. أما في حالة البدء بأي جزء من السورة غير أولها، فتجوز البسملة وعدمها، على أحد القولين كما سيأتي. فائدة: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" أي: أبدأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقال القرطبي (¬2): "قال العلماء: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَسَمٌ من ربنا أنزله عند رأس كل سورة، يقسم لعباده إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق، وإني أوفِّي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعْدِي ولطفي وبِرِّي". ¬

(¬1) انظر: كتاب "أحكام تلاوة القرآن الكريم" ص: 333، وكتاب "حرز الأماني ووجه التهاني" للشاطبي، وأي شرح عليه. (¬2) تفسير القرطبي، ص: 79.

حكم ما بين الاستعاذة والبسملة وأوائل السور

حكم ما بين الاستعاذة والبسملة وأوائل السور غير براءة: لنا في هذه الحالة أربعة أوجه: الأول: وصل الجميع، أي يصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة. الثاني: قطع الجميع، أي يقرأ الاستعاذة ثم يقف عليها، ثم يقرأ البسملة ثم يقف عليها، ثم يبدأ السورة، وهذا هو أولى الوجوه. الثالث: وصل الاستعاذة بالبسملة ثم يقف، ثم يبدأ السورة. الرابع: أن يقف على الاستعاذة ثم يبدأ بالبسملة ويصلها بأول السورة. في حالة البدء بسورة براءة: يكون لنا فيها وجهان (إذ لا توجد بسملة في أولها): الأول: الوقف على الاستعاذة، ثم البدء بـ (براءة). الثاني: وصل الاستعاذة بـ (براءة). أما في حالة البدء بجزء من السورة (أي بغير أول السورة)، فإن القارئ إذا أتى بالبسملة مع الاستعاذة فله الأوجه الأربعة التي مع أوائل السور، هذا على مذهب من يرى جواز البسملة قبل الأجزاء من السور. أما من يرى عدم جواز الإتيان بالبسملة قبل الأجزاء من السور (¬1)، ولعل هذا هو الأصح؛ فله وجهان: الأول: الوقف على الاستعاذة. الثاني: وصل الاستعاذة بأول الآية. ¬

(¬1) ممن اختار هذا القول: البنَّاء، وقال: "لا يجوز وصل البسملة بجزء من أجزاء السورة، لا مع الوقف ولا مع وصله بما بعده؛ إذ القراءة سنة متبعة، وليس أجزاء السورة محلاً للبسملة عند أحد". انظر: أحكام تلاوة القرآن الكريم، ص: 334 (بالهامش).

حكم ما بين السورتين

حكم ما بين السورتين: في حالة وصل أول سورة - غير براءة - بآخر السورة التي قبلها فإن لنا ثلاثة أوجه: الأول: قطع الجميع؛ أي الوقف على آخر السورة، ثم الوقف على البسملة، وهذا هو أولى الوجوه. الثاني: وصل الجميع؛ أي وصل آخر السورة بالبسملة بأول السورة التالية. الثالث: الوقف على آخر السورة، ثم البدء بالبسملة مع وصلها بأول السورة. أما في حالة وصل أول براءة بآخر الأنفال فلنا ثلاثة أوجه: الأول: الوقف بتنفس على آخر الأنفال ثم البدء بـ (براءة). الثاني: السكت بدون تنفس على آخر الأنفال ثم البدء بـ (براءة). الثالث: وصل آخر الأنفال بأول براءة. تنبيه: لا يجوز وصل البسملة بآخر سورة ثم الوقف عليها، ولكن إذا وصل القارئ البسملة بآخر سورة فلابد له من وصلها بأول السورة التالية. أحوال حروف المد من حيث الإثبات والحذف وقفًا (¬1) (الألف): تثبت الألف وقفًا إذا ثبتت رسمًا، سواء كانت تثبت في حالة الوصل مثل: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَم} [الأعراف: 23]، أو كانت محذوفة وصلاً نتيجة لوجود ساكن بعدها مثل: {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّه} [النمل: 15]، و {كِلْتَا الْجَنَّتَيْن} [الكهف: 33] ¬

(¬1) انظر: كتاب "أحكام تلاوة القرآن الكريم" ص: 289 (بتصرف)

أو كانت محذوفة وصلاً بالرواية على الرغم من أن ما بعدها متحركًا، وذلك في عشرة ألفاظ: الأول: (الظنونا) في قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]. الثاني: (الرسولا) في قوله تعالى: {وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب: 66]. الثالث: (السبيلا) في قوله تعالى: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67]. الرابع: (أنا) كيف جاءت. الخامس: (لكنَّا) في قوله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف: 38]. السادس: (قواريرا) الأولى في قوله تعالى: {كَانَتْ قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15]. السابع: (وليكونًا) في قوله تعالى: {وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: 32]. الثامن: (لنسفعًا) في قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15]. التاسع: إذا كانت الألف بدلاً من التنوين في اسم منصوب مثل: (عليمًا - حكيمًا). العاشر: (إذًا) في مثل قوله تعالى: {فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} [النساء: 53]. ويستثنى من هذه القاعدة لفظان: أولاً: لفظ (ثمودْا) في أربعة مواضع: الأول: في قوله تعالى: {أَلا إِنَّ ثَمُوداْ كَفَرُوا رَبَّهُم} [هود: 68].

الثاني: في قوله تعالى: {وَعَاداً وَثَمُودَا وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} [الفرقان: 38]. الثالث: في قوله تعالى: {وَعَاداً وَثَمُوداْ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ} [العنكبوت: 38]. الرابع: في قوله تعالى: {وَثَمُوداْ فَمَا أَبْقَى} [النجم: 51]. فالألف في هذه المواضع الأربعة تحذف وصلاً ووقفًا، وإن كانت تثبت رسمًا. ثانيًا: لفظ (سلاسلاْ) في قوله تعالى: {سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً} [الإنسان: 4]، فهذه الألف تثبت رسمًا، ولكن لحفص فيها وقفًا الوجهان: الإثبات والحذف، وله فيها وصلاً الحذف قولاً واحدًا. أما إذا كانت الألف محذوفة رسمًا، فإنها تُحذف وصلاً ووقفًا، مثل: {أَيُّهَ الثَّقَلانِ} [الرحمن: 31]، ومثل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [إبراهيم: 24]. (الواو): تثبت الواو وقفًا إذا ثبتت رسمًا مثل: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف:128]، ومثل: {كَاشِفُو الْعَذَاب} [الدخان: 15]. وتحذف وقفًا إذا حذفت رسمًا مثل: {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرّ} [الإسراء: 11]. (الياء): تثبت الياء وقفًا إذا ثبتت رسمًا مثل: {فَهُوَ الْمُهْتَدِي} [الأعراف: 178]، ومثل: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]. وتحذف الياء وقفًا إذا حذفت رسمًامثل: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى} [الإسراء: 26)]، ومثل: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16]. واستثنى من ذلك كلمة (آتاني) في قوله تعالى: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْر} [النمل: 36]. فلحفص فيها وقفًا وجهان: الإثبات والحذف، أما وصلاً، فليس له فيها إلا إثباتها مفتوحة، والله أعلى وأعلم.

خاتمة الكتاب

وختامًا: أحمد الله عز وجل على ما أنعم به عليَّ وتفضل به من عون وتوفيق، وأدعوه سبحانه أن يتقبل منا هذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه عز وجل، وأن ينفع به كاتبه ومتعلمه وكل من أعان على تعلمه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلي ويسلم على نبينا محمد، وأن يجزيه عنا خير ما جزى به نبيًا عن أمته.

نبذة عن بعض الأعلام التي ذكرت في الكتاب

نبذة عن بعض الأعلام التي ذكرت في الكتاب 1 - الفراء، اسمه: يحيى بن زياد، الكوفي، أمير المؤمنين في النحو، سمي بالفراء لأنه كان يفري الكلام أي: يشققه، ويفتن فيه، ويأتي بالمعاني العجيبة، وكان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي، من أشهر كتبه "معاني القرآن". مات سنة 207 هـ، رحمه الله تعالى. 2 - زكريا بن محمد بن أحمد، الأنصاري المصري الشافعي، أبو يحيى، قاضي مفسر من حفاظ الحديث، ولادته سنة 823 هـ، ووفاته سنة 926 هـ، رحمه الله تعالى. من "الأعلام" (3/ 46). 3 - عبد الله بن أبي الهذيل العنزي الكوفي، عالم ثقة مشهور، روى عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي بن كعب وابن مسعود وغيرهم من الصحابة، وهو من أكابر التابعين. 4 - إبراهيم بن عمر بن إبراهيم، الجعبري، محقق حاذق كبير، ولد سنة 640 هـ، وقرأ العلوم وتقدم في علم القراءات، وشرح "الشاطبية" و"الرائية"، وألف التصانيف في أنواع العلوم، وله "نزهة البررة في القراءات العشرة". والجعبري: نسبة إلى مكان ولادته وهو قلعة "جعبر"، قرب نهر الفرات، بين مدينتي بالس والرقة، استوطن في آخر عمره بلد الخليل عليه السلام إلى أن مات سنة 732 هـ، رحمه الله تعالى. 5 - محمد بن أحمد بن الحسن بن سليمان، الشهير بمتولي، شيخ القراء، المصري الأزهري الضرير، كان عالمًا محققًا، متبحرًا في علوم القرآن، واسع الحفظ والاطلاع، حسن التصنيف، له ما يقارب أربعين مؤلفًا منها "الوجوه المسفرة في إتمام القراءات الثلاثة المتممة للعشرة"، و"تحقيق البيان في عد آي القرآن"، وله منظومات في الفواصل والرسم. توفي الإمام المتولي سنة 1313 رحمه الله تعالى.

6 - سيبويه، اسمه: عمرو بن عثمان بن قنبر، إمام أهل البصرة في النحو، وسيبويه لقب، ومعناه: رائحة التفاح. واختلف في تاريخ وفاته، فقيل: 61، وقيل: 88، وقيل: 94. 7 - الشيخ محمود خليل الحصري، ولد في 1917 م، درس بالأزهر، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما امتاز به من حسن الأداء وجمال الصوت، ويعتبر هو أول من سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم، ثم برواية ورش عن نافع، ثم برواية قالون والبزي. وسجل المصحف المعلم، وقرأ في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا وكثير من الدول العربية والإسلامية، وأسلم على يده كثيرون ممن سمعوه، توفي عام 1980 م، رحمه الله رحمة واسعة.

§1/1