الرسول القائد

محمود شيت خطاب

المقدمة

المقدّمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الطبعة السادسة 1422 هـ- 2002 م

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) «1» . (القرآن الكريم) فكّرت في وضع هذا الكتاب، بعد أن قرأت كثيرا من المؤلفات العسكرية الباحثة في تاريخ حروب القادة العظام، الذين لمعت أسماؤهم قديما وحديثا. لقد أبرزت تلك المؤلفات بكل وصوح أعمال أولئك القادة، ووصفت معاركهم بتسلسل منطقي سهل، ووضّحت تلك المعارك بالخرائط والمخطّطات والأشكال، وأظهرت الدروس المفيدة منها، فأضفت بذلك كلّه الخلود على حياة أولئك الرجال. وعدت لأقارن بين هذا الأسلوب في البحث، وبين أسلوب المؤرخين عندنا

_ (1) - الآية الكريمة من سورة النور 24: 55.

في الحديث عن معارك قادة المسلمين، فعرفت كيف أضاء الأسلوب الأول معالم الطريق للباحثين، وحقق قيمة جديدة لأعمال بعض القادة، بينما طمس الأسلوب الثاني أعمالا خالدة تستحق أعظم التقدير والإعجاب. لقد قرأت أكثر كتب السيرة في تدبر وإمعان، وحاولت أن أستشف منها كل نواحي العظمة التي تتسم بها شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكني وجدت أن عبقريته العسكرية التي لا تتطاول إليها أية عبقرية أخرى لأي قائد في القديم أو الحديث تكاد تكون متوارية محجوبة لم يتح لها من يكشف أسرارها ويجلي عظمتها بأسلوب حديث يجنح الى الكشف والتحليل وإبراز المواهب النادرة خاصة من عسكري يستطيع أن يلم بنواحي العظمة العسكرية التي تكمن فيها ويظهرها جلية للعيان، ومن هنا بقي الجانب العسكري من حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم يشوبه الغموض حتى اليوم. لقد تحدّث مؤرخو السيرة عن معارك الرسول صلّى الله عليه وسلم بإسهاب أو باقتضاب، ومع ذلك يخرج الباحث من دراسة كل معركة دون أن يلمّ بكل تفاصيلها ووقائعها ودوافعها، ويعود ليسأل نفسه: ما هو موقف الطرفين قبل المعركة؟ كيف جرى القتال؟ ما هي الدروس التي نستفيدها من المعركة؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الحيوية الملحّة. إنّ وصف معارك القواد المسلمين وعلى رأسهم الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب الذي لا يقنع باحثا ولا يشفي غلّة دارس، جعل تاريخ الحرب الحديث يورد أمثلة من أعمال القواد غير المسلمين، كهنبال وقيصر ونابليون ومولتكه ... الخ. ولا يورد أمثلة من أعمال القواد المسلمين كالرسول صلّى الله عليه وسلم وخالد وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم ... الخ، بينما يدرّس هذا التاريخ للمسلمين وفي بلاد المسلمين!! إنّ سبب ذلك هو (جناية) الأسلوب، هذه الجناية التي جعلتني أفكرّ في تأليف هذا الكتاب عن أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية، متوخيا تنسيق

المعلومات التي جاءت في كتب السيرة بأسلوب علمي بسيط، تطرّقت فيه الى الموقف العام للطرفين قبل المعركة، وأهداف المعركة، وقوات الطرفين، وسير الحوادث قبل القتال وأثناءه وبعده، ونتائج المعركة، ودروسها المفيدة، تلك الدروس التي لم تقتصر على أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم، بل أظهرت أعمال المشركين أيضا؛ وحاولت إيضاح كل ذلك بالخرائط والمخططات والأشكال، لمعرفة مواقع المعركة وأسلوبها وأسلحتها الغريبة عنا الآن، وبهذا الإيضاح أمكن أن يعيش القارىء في جو المعركة الأصيل، ويطّلع على تفاصيلها، ليحصل من ذلك على معلومات وافية عن المعركة من كل الوجوه. ولكني أغفلت بعض الظواهر الخارقة التي لا يمكن أن تحدث في الحروب العادية بين المتطاحنين من البشر، والتي يرجع بعض المؤرخين إليها وحدها السر الأكبر في انتصار الرسول صلّى الله عليه وسلم على خصومه وأعدائه. لقد أيد الله نبيه وثبت قدمه ونصره على أعدائه بالملائكة المنزلة: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) «1» . ووعده بالنصر حين أذن له في القتال دفاعا عن النفس وردا لعادية المعتدين: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) «2» . ولكنّ الخوارق لم تكن وحدها أداة النصر والعامل الذي غلب به الرسول صلّى الله عليه وسلم، والذين يذهبون إلى هذا يسلبونه قوته قائدا. ثم كيف يحتذي

_ (1) - آل عمران الآيات 122، 123، 124، 125، 126. (2) - الحج الآية 39.

المسلمون سيرته، ويتّبعون في الحروب نهجه وسنته، إذا لم يكن لفنه الحربي الأصيل ومواهبه العسكرية النادرة، الأثر العظيم في ظفره ونصره؟ إن الخوارق كانت إيذانا للنبي صلّى الله عليه وسلم بأن الله معه لا يتخلى عنه، حتى يشحذ همته ويثير عزيمته، وينبهه بكل ما فيه من حواس اليقظة والحذر إلى أعدائه المحاربين. ولست أحاول في هذا الكتاب أن أعرض لهذه الخوارق والمعجزات التي أيد الله بها نبيه وثبت رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، فذلك أمر يؤمن به كل مسلم، وقد أثبته القرآن الكريم بما لا يدع فيه مجالا لشك أو ريبة، وإنما أريد أن أبرز للعيان سمات قيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم التي يمكن أن تكون أسوة حسنة في الحروب لأتباعه. لقد عمل الرسول صلّى الله عليه وسلم بكل مبادىء الحرب المعروفة، بالإضافة الى مزاياه الشخصية الأخرى في القيادة، لهذا انتصر على أعدائه، ولو أغفل شيئا من الحذر والحيطة والاستعداد، لتبدّل الحال غير الحال، ولكن الله سلّم. لماذا كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها؟ ولماذا كان يأخذ بمبدأ: «الحرب خدعة» ؟ ماذا كان يحدث لو تردّد قبل معركة (بدر) ، عندما رأى المشركين متفوّقين على أصحابه بالعدد والعدد؟ ماذا كان يحدث لو استسلم لليأس في معركة (أحد) بعد أن طوّقته قوات المشركين المتفوّقة من كل جانب؟ ماذا كان يحدث لو ضعفت مقاومته للأحزاب في غزوة الخندق، وبخاصة بعد خيانة يهود، حين أصبح مهددا من خارج المدينة المنوّرة ومن داخلها؟ ماذا كان يحدث لو لم يثبت الرسول صلّى الله عليه وسلم مع عشرة فقط من آل بيته والمهاجرين بعد فرار المسلمين في غزوة (حنين) ؟

كيف نفسّر إصابة الرسول صلّى الله عليه وسلم بجروح خطرة في معركة (أحد) ، فقد كسرت رباعيّته «1» وشجّ في جبهته حتى سال الدم على وجهه الكريم، عندما خالف الرماة أمره وتركوا مواضعهم لجمع الغنائم، فخسر سبعين من أبطال المسلمين في هذه المعركة؟ وأي استعدادات بلغت من الإحكام والدقة في التفاصيل، ما بلغته استعدادات الرسول صلّى الله عليه وسلم لتجهيز جيش العسرة «2» ؟ ولماذا تصلي طائفة من المسلمين في ساعات القتال، وتأخذ طائفة أخرى أسلحتها حذرا من مباغتة العدو؟ لماذا كل هذا الحذر الشديد والاستعدادات الدقيقة، إذا كان انتصار الرسول صلّى الله عليه وسلم بالخوارق غير العادية لا بالأعمال العسكرية والمواهب الحربية؟ إن النصر من عند الله، ما في ذلك شك، ولكنّ الله لا يهب نصره لمن لا يعدّ كل متطلبات القتال. إنّ المسلم حقّا، هو الذي يقدّر الرسول صلّى الله عليه وسلم حق قدره، فيعترف بأن كفاية الرسول صلّى الله عليه وسلم قائدا متميّزا، وكفاية أصحابه جنودا متميزين، هي التي أمّنت لهم النصر العظيم. أما أن نستند على الخوارق وحدها في الحرب، ونجعلها السبب المباشر لانتصار المسلمين، فذلك يجعل هذا النصر لا قيمة له من الناحية العسكرية،

_ (1) - الرّباعية: السن بين الثنيّة والناب، وهي أربع: رباعيتان في الفك الأعلى، ورباعيتان في الفك الأسفل. (2) - جيش العسرة هو الذي خاص غزوة تبوك كما سيرد ذلك في محله.

بالإضافة الى أن ذلك غير منطقي وغير معقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) «1» . إن أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم- ومنها العسكرية- سنّة متبعة في كل زمان ومكان، فهل يبقى أتباعه ينتظرون الخوارق لينتصروا على أعدائهم، أم يعدّون ما استطاعوا من قوة، كما قرر القرآن الكريم، لينالوا هذا النصر؟ إن سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية، تثبت بشكل جازم لا يتطرّق إليه الشك، أن انتصاره كان لشجاعته الشخصية وسيطرته على أعصابه في أحلك المواقف، ولقراراته السريعة الجازمة في أخطر الظروف، ولعزمه الأكيد في التشبث بأسباب النصر، ولتطبيقه كل مبادىء الحرب المعروفة في كل معاركه، تلك العوامل الشخصية التي جعلته يتفوّق على أعدائه في الميدان، ولو لم تكن تلك الصفات الشخصية المدعومة بقوة الإيمان بالله، لما كتب له النصر. يمتاز الرسول صلّى الله عليه وسلم عن غيره من القادة في كل زمان ومكان بميزتين مهمتين: الأولى، أنه كان قائدا عصاميا. والثانية، أن معاركه كانت للدفاع عن الدعوة ولحماية حرية نشر الإسلام ولتوطيد- أركان السلام لا للعدوان والاغتصاب والاستغلال. إن غيره من القادة العظام وجدوا أمما تؤيدهم وقوات جاهزة تساندهم؛ ولكن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم تكن له أمة تؤيده، ولا قوات تسانده، فعمل على نشر دعوته، وتحمّل أعنف المشقات والصعاب، حتى كوّن له قوة بالتدريج ذات عقيدة واحدة وهدف واحد، هو التوحيد وإعلاء كلمة الله.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 60.

وعلى ذلك يمكن تقسيم حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم من الناحية العسكرية الى أربعة أدوار: دور الحشد، ودور الدفاع عن العقيدة، ودور الهجوم، ودور التكامل. أما دور الحشد: فمن بعثته الى هجرته الى المدينة المنوّرة واستقراره هناك، وفي هذا الدور اقتصر الرسول صلّى الله عليه وسلم على الحرب الكلامية: يبشّر وينذر ويحاول جاهدا نشر الإسلام، وبذلك كوّن النواة الأولى لقوات المسلمين، وحشدهم في المدينة المنورة (بالهجرة) إليها، وعاهد بعض يهود ليأمن جانبهم عند بدء الصراع. أما دور الدفاع عن العقيدة: فمن بدء الرسول صلّى الله عليه وسلم بإرسال سراياه وقواته للقتال، الى انسحاب الأحزاب عن المدينة المنورة بعد غزوة الخندق، وبهذا الدور ازداد عدد المسلمين، فاستطاعوا الدفاع عن عقيدتهم ضدّ أعدائهم الأقوياء. أما دور الهجوم: فهو من بعد غزوة (الخندق) الى بعد غزوة (حنين) ، وبهذا الدور انتشر الإسلام في الجزيرة العربية كلها، وأصبح المسلمون قوة ذات اعتبار وأثر في بلاد العرب، فاستطاعوا سحق كل قوة تعرّضت للاسلام. والدور الرابع هو دور التكامل: وهو من بعد غزوة (حنين) الى أن التحق الرسول صلّى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى؛ فقد تكاملت قوات المسلمين بهذا الدور، فشملت شبه الجزيرة العربية كلها، وأخذت تحاول أن تجد لها متنفسا خارج شبه الجزيرة العربية، فكانت غزوة (تبوك) إيذانا بمولد الإمبراطورية الإسلامية. بهذا التطوّر المنطقي، تدرّج هذا القائد العصامي بقواته من الضعف الى القوة، ومن الدفاع الى الهجوم، ومن الهجوم الى التعرّض، وبذلك بزّ كل

قائد في كل أدوار التاريخ، لأنه أوجد قوة كبيرة ذات عقيدة واحدة وهدف واحد من لا شيء ... تلك هي الميزة الأولى للرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام. والميزة الثانية لقيادته: هي أن معاركه كانت حرب فروسية بكل معنى الكلمة، الغرض منها حماية حرية نشر الإسلام وتوطيد أركان السلام؛ فلم ينقض عهدا، ولم يمثّل بعدو، ولم يقتل ضعيفا، ولم يقاتل غير المحاربين. لذلك فإن إطلاق تعبير: (الفتح الإسلامي على عهد الرسول) ليس صحيحا، وإنما الصحيح أن يقال: (انتشار الإسلام على عهد الرسول) ، لأنه لم يفتح بلدا لغاية الفتح، بل لغرض حماية حرّية نشر الإسلام فيه وتوطيد أركان السلام في أرجائه. ولا عجب في ذلك، فقد كان محمد صلّى الله عليه وسلم قائدا ورسولا، ومبشرا ونذيرا، (وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا) . وربما يتبادر الى الأذهان، أن القيادة في العصور الغابرة كانت سهلة التكاليف بالنسبة للقيادة في الحرب الحديثة لقلّة عدد القوات حينذاك بالنسبة الى ضخامة عددها وكثرة أسلحتها ووسائلها في الجيوش الحديثة، ولكن العكس هو الصحيح. إن مهمة القائد في العصور الغابرة كانت أصعب من مهمته في العصر الحديث، لأن سيطرة القائد ومزاياه الشخصية، كانت العامل الحاسم في الحروب القديمة؛ بينما يسيطر القائد في الحرب الحديثة على قواته الكبيرة بمعاونة عدد ضخم من ضباط الركن الذين يعاونونه في مهمته ويراقبون تنفيذ أوامره في الوقت والمكان المطلوبين، كما يسيطر القائد على قواته بوسائط المواصلات الداخلية الدقيقة من

أجهزة لا سلكية وسلكية ورادار وطيارات وأقمار إصطناعية ووسائط آلية ... الخ. بل إن هيئات الركن مسؤولة حتى عن تهيئة خطط القتال قبل الوقت المناسب، ولا يقوم القائد إلا بمهمة الإشراف على التنفيذ. إن القائد في الحرب الحديثة يحتاج الى العقل وحده، والقائد في الحرب القديمة يحتاج الى العقل والشجاعة. بقي علينا أن نلفت النظر في هذا المكان الى إنتقاد قسم من المستشرقين لقسم من أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية، لأننا لا نعود الى الكلام على هذا النقد مرة أخرى في غير هذا المكان. إن الرسول صلّى الله عليه وسلم عند قسم من المستشرقين صاحب رقّة تحرمه القدرة على القتال، ودليلهم على ذلك أنه اشترك في حرب الفجار بتجهيز السهام فقط ولم يشترك في الطعان. وهو عند قسم من المستشرقين صاحب قسوة تغريه بالقتل وإهدار الدماء من غير جريرة، وحجّتهم على ذلك قتل أسيرين بعد (بدر) وقتل قسم من يهود بعد غزوة الأحزاب. ولو لم يكن الهوى وحده هو الذي يثير هذا النقد المغرض، لما حدث مثل هذا التناقض بين أقوال المستشرقين. إنّ المستشرقين لا يريدون وجه الحق في نقدهم، ولو أرادوا الحق لوجدوا أن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يقاتل أبدا إلا مضطرا، ولم يأمر أبدا بقتل أحد إلا عقابا له على جريمة نكراء أضرّت أشد الضرر بمصالح المسلمين. ومن العجيب أن ينتقده هؤلاء لقتله بضعة أشخاص؛ لأنهم حالوا بطرق

غير شريفة دون حرية انتشار الإسلام، وعملوا بطرق غير شريفة لإثارة الحرب، وخانوا عهودهم بعد توكيدها في مواقف حرجة كادت تقضي على المسلمين، بينما لا ينتقدون قومهم في القرن العشرين على إفناء شعوب كاملة لأنهم قاوموا الظلم والعدوان. ولهم أن يدرسوا قوانين الحرب والحياد في القرن العشرين، ليروا بأنفسهم أين تكون هذه القوانين الدولية بالنسبة الى ما طبّقه الرسول صلّى الله عليه وسلم عمليا في القتال قبل أربعة عشر قرنا! ... لقد درست حياة الرسول العسكرية بروح علمية محايدة، توخيّت منها إظهار الواقع العملي من قيادة النبي صلّى الله عليه وسلم، ذلك الواقع الذي يستحق التقدير كلّ التقدير. ولم أنس المواقف التي تستحق التقدير من أعمال المشركين، لأن قيادتهم وقواتهم قامت بأعمال ذات قيمة عسكرية في قتالها المسلمين، مما يجعلنا نلمس ما لاقاه الرسول صلّى الله عليه وسلم من مصاعب في القضاء على اعتداءات المشركين. إن دراستي لحياة الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية بهذا الأسلوب، مجهود متواضع، لعلّ فيه فائدة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ليأخذوا عبرة من حياة قائدهم الأول في إعداد القوة وحماية الإسلام، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. فأن استطعت بهذا المجهود أن أضيف صفحة نيّرة الى صفحات التاريخ العسكري الاسلامي، أستثير بها نفوس العرب والمسلمين، فقد بلغت غاية أمنيتي؛ وإلا فإنما الأعمال بالنيات ... ولله كل الفضل فيما فعلت، وله كل الشكر على ما أنتجت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

مقدمة الطبعة الثانية

مقدمة الطبعة الثانية لم تسمح ظروف خاصة بانتشار الطبعة الأولى من هذا الكتاب في البلدان العربية والإسلامية، بل لم تسمح تلك الظروف بانتشاره حتى في معظم المدن العراقية نفسها إلا في نطاق ضيّق جدا للقراء وإلا ما وصل منه هدايا لبعض القادة والمفكرين والصحف في العراق وفي خارجه. وما كنت أتوقع أن يقابل هذا الجهد المتواضع، بمثل ما قوبل به من تشجيع لا أملك أن أقابله الآن بغير الشكر الجزيل، ذلك لأنني أعلم ما تستحقه مثل هذه الدراسة عن رسول الانسانية صلّى الله عليه وسلم من جهد وعلم وإيمان لا تتيسّر في أمثالي؛ ومن أكون حتى أو في حقّ دراسة حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية، وقد عجز من قبلي عن إيفاء حقها أكابر العلماء والمفكرين؟! ولكن الله يعلم أنني لم أرد بهذا الكتاب إلا وجهه الكريم، وأن أقضي واجبا كنت ولا أزال أشعر بثقل مسؤوليته الجسمية على كاهلي الضعيف خدمة للرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام باظهار ناحية الجهاد في الاسلام مبسّطة في جهاد النبي العربي العظيم، لهذا وافقت على إعادة طبعه ليتيسّر اقتناؤه في أوسع نطاق من بلاد المسلمين. وسيجد القراء الكرام، أن الحرب في الاسلام حرب دفاعية بكل ما في الكلمة من معنى، لا يبدأ المسلمون فيها بالإعتداء على أحد، ولا يريدون من ورائها إلا حماية حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام في العالم؛ لأنّ الاسلام جاء للناس كافة لا لأمة من الأمم ولا لشعب من الشعوب، ولكنه جاء للعالم كله أملا في تحقيق فكرة سامية، هي فكرة وحدة الانسانية جمعاء؛ لهذا شجّع

الإسلام كل طلب للصلح يعرضه العدو: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) «1» ... وقد يكون هذا العدو غير مخلص في طلبه هذا أو يقصد به كسب الوقت استعدادا لحرب أخرى، أو يكون يريد أن يخدع المسلمين مبيتا الغدر بهم أو إلحاق الاضرار بمصالحم العليا، ومع كل ذلك يحتم الاسلام النزول عند رغبات العدو السلمية: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) «2» ... ولست أعلم مبدءا ساميا غير الإسلام يجيز الموافقة على إقرار السلام فورا دون قيد أو شرط بمجرد إقدام العدو على طلب إقراره مهما تكن الظروف والأحوال، ولكن السلام في الإسلام مادة وروح فهو لخير البشر على اختلاف أقطارهم وألوانهم ومللهم ونحلهم، بينما السلام عند أدعياء السلام مادة، لذلك فالسلام في غير الاسلام عرقلة لتسليح غيرهم وزيادة لتسليحهم من جهة، وقتل وسحل وتشريد وتعذيب وفتك بأعدائهم من جهة أخرى. بل إنّ السلام في الإسلام نور يضيء للناس كافة، والسلام عند أدعياء السلام لا يراد منه إلا نار تحرق وتدمر غيرهم من الناس ... (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) «3» . ومتى انتشرت فكرة السلام الإسلامي في العالم، ساده السلام الحقيقي وانتشرت في ربوعه السعادة والاطمئنان؛ وإلا فسيبقى في حرب باردة تارة وفي حرب دامية تارة أخرى، وستبقى البشرية في هلع دائم من ويلات الفتن والحروب. لقد كانت خسائر الشعوب في الحرب العالمية الأولى أقل من عشرة ملايين

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 61. (2) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 62. (3) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 9.

نسمة فضلا عن الخراب والدمار الذي لحق بالممتلكات، ولكن خسائر الشعوب في الحرب العالمية الثانية بلغت أكثر من ستين مليونا من القتلى المدنيين والعسكريين كما قتل سبعة عشر مليون طفل بالغارات الجوية ودمّر ثلاثون مليونا من الأبنية واثنان وعشرون مليونا من المساكن عدا المآسي المروّعة التي صاحبت الحرب. فكم ستكون خسائر الإنسانية في حرب عالمية ثالثة، وقد أصبحت الأسلحة التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية قديمة جدا وكأنها لعب أطفال بالنسبة للأسلحة النووية والصواريخ عابرة القارات ... ونحوهما مما سيستخدم إذا نشبت حرب جديدة «1» ؟ إن الإسلام وحده هو الذي يستطيع نشر السلام في ربوع العالم ويشيع فيه الثقة والاطمئنان، أما دعاة السلام الذين هم في الحقيقة أعداء السلام، فقد عرف الناس ماذا يعني سلامهم من فتك وتدمير يشمل الأبرياء وغير الأبرياء على حد سواء ... هؤلاء الأدعياء يجب أن يتواروا الى الأبد خجلا من الكرامة الإنسانية التي عفروها بالتراب ويفتشوا عن أحبولة أخرى لا يعرفها الناس غير الادّعاء بأنهم أنصار السلام «2» !!! والله أسأل أن يهدي الإنسانية الى طريق الإسلام: طريق المحبة والخير والسلام.

_ (1) - يقدر خبراء العسكريين المعتمدين، أن خسائر الحرب النووية ستكون ثلثي العالم قتلى ومشوهين وعاجزين. أما الثلث الباقي فسيبقى يعاني من آثار الاشعاع الذري. وسيكون من نتائج الحرب النووية القضاء على الحضارة العالمية والعودة الى حضارات العهود السحيقة في التاريخ. (2) - كتبت هذه المقدمة في عهد قاسم العراق، ونشرت في ذلك العهد، يوم كانت أعمال أدعياء السلام المزيفين مائلة للعيان في الموصل وفي كركوك.

مقدمة الطبعة الثالثة

مقدمة الطبعة الثالثة «1» الحمد لله والصلاة والسلام على سيد القادات وقائد السادات. رجل الرجال وبطل الأبطال. إمام المجاهدين الصادقين. وقدوة الموحدين الوحدويين. وعلى آله وصحبه وقادته الفاتحين. ما أعظم حياة النبي الكريم صلوات الله وتسليمه عليه، وما أكثر ما توحي به من عبر ودروس! فماذا توحيه للعرب في هذه الأيام (بخاصة) من عبر، وماذا تزجيه لهم- وهم على ما هم عليه الآن- من دروس؟ حياته الغالبة في جوهرها، توحيد وجهاد: توحيد الله وتوحيد الناس، وجهاد لتوحيد الله وتوحيد الناس. بدأ حياته العملية بالدعوة سرا منذ نزول الوحي عليه: يدعو الناس الى توحيد الله، وتزكية نفوسهم وتطهيرها، ويدعوهم الى توحيد الصفوف ونكر ان مصلحة الفرد في حدود مصلحة الجماعة.

_ (1) - خطاب ألقي بمناسبة المولد النبوي الشريف في قاعة الشعب ببغداد عام 1963، يوم كنت في الوزارة، وقد شهد الاحتفال رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة العراقية.

واستمرت دعوته سرا ثلاث سنين، حتى نزل قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) «1» ، فأعلن دعوته. وابتدأت قريش تظهر خصومتها لدعوته السّمحة، وأخذت هذه الخصومة تشتد وتعنف، فاستباحوا في الحرم الآمن دماء وأموال المسلمين، وحرّضوا القبائل على الدعوة وصاحبها، وقاطعوا المسلمين ومن يعطف عليهم: لا يبيعونهم ولا يبتاعون منهم شيئا، ولا يزوجونهم أو يتزوجون منهم. ولكن الرسول صلّى الله عليه وسلم صمد صمود الرواسي: لا يلين ولا يتردد، ولا يخشى أحدا إلا الله، وتحمل التكذيب والتعذيب والأذى والجوع والحرمان، مصرا إصرارا عنيدا على تحقيق أهدافه كاملة. كان يذهب الى الحجيج في مجامعهم، ويطلب منهم النصرة على مسمع ومرأى من جبابرة قريش وأحلافهم. وتكلّلت إحدى محاولاته البطولية بالنجاح، وذلك بانبثاق بيعة (العقبة الأولى) ، ثم تلتها بيعة (العقبة الثانية) ، فكانت البيعة الأولى أول انتصار عسكري له خارج مكة المكرمة، وكانت البيعة الثانية انتصارا عسكريا آخر له، وأدى كل ذلك الى انتشار الإسلام في المدينة المنورة، وأصبح له فيها جنود يعتمد عليهم في الملمات. إن حياته المباركة في مكة المكرمة، كانت مكرّسة للتوحيد من أجل الجهاد. وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم مسلمي مكة ومن حولها بالهجرة الى المدينة المنورة للانضمام الى إخوانهم هناك، فهاجر المسلمون تباعا تاركين أموالهم وأهليهم،

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الشعراء 26: 214.

فكانت هجرة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام الى المدينة المنورة معناها: اجتماع القائد بجنوده في قاعدتهم الأمينة. وفي دار الهجرة، أنجز النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم حشد قواته: بنى المسجد وهو الثكنة الأولى للإسلام، وآخى بين المهاجرين والأنصار حتى يتعاونوا على أسباب العيش وليكونوا جبهة واحدة لتحقيق هدف واحد، وعقد المعاهدات بين المسلمين وخصومهم في المدينة المنورة ليطمئن الى سلامة جبهته الداخلية، فلما نزلت أول آية من آيات الجهاد: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللَّهُ) «1» ، كان الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام قد أكمل حشد جيش يؤمن بعقيدة واحدة، وله هدف واحد، وقائد واحد، يستند الى قاعدة أمينة واحدة. ونشب القتال بين المسلمين وبين قريش بعد إنجاز دور الحشد، فبدأ دور الدفاع عن العقيدة، وهو من إرسال السرايا الأولى للقتال الى انسحاب (الأحزاب) عن المدينة المنورة بعد غزوة (الخندق) ؛ وفي هذا الدور ازداد عدد المسلمين، فصمدوا دفاعا عن عقيدتهم ضد أعدائهم الأقوياء. وبعد غزوة (الخندق) بدأ دور (الهجوم) وانتهى هذا الدور بعد غزوة (حنين) ، وبهذا الدور انتشر المسلمون في أرجاء الجزيرة العربية كلها، وأصبحوا قوّة ذات مكانة وكيان. وكان الدور الأخير من أدوار جهاد الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام في سبيل التوحيد، هو دور (التكامل) ، وهو من بعد غزوة (حنين) إلى أن التحق النبي صلّى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، فتكاملت قوات المسلمين بهذا الدور،

_ (1) - الآيتان الكريمتان من سورة الحج 22: 39- 40.

واستطاعت إن توحّد شبه الجزيرة العربية كلها؛ فكانت غزوة (تبوك) نهاية جهاد النبي صلّى الله عليه وسلم في توحيد شبه الجزيرة العربية، تحت راية الإسلام. إن حياة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم في المدينة المنورة كانت مكرّسة للجهاد من أجل التوحيد. وكانت حياة خلفائه الراشدين رضي الله عنهم من بعده تطبيقا عمليا لأهداف النبي صلّى الله عليه وسلم التي نذر لها حياته الكريمة: جهاد من أجل التوحيد، وتوحيد من أجل الجهاد. كانت حروب الردّة في أيام الصديق أبي بكر رضي الله عنه حروبا لإعادة وحدة شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام، وحين عادت وحدة العرب بعد انتصار المسلمين على المرتدين أصبحوا قوة هائلة، وجدت لها (متنفسا) في الفتح، فخفقت رايات العرب المسلمين من الصين شرقا الى حدود سيبريا شمالا، الى فرنسا غربا، الى المحيط الهندي جنوبا. وكان من فضل الإسلام على العرب، أنه وحّد صفوفهم، وجمع كلمتهم، ووجّههم للفتح، فكان الإسلام بحق عقيدة منشئة بناءة ذاد عنها حماة قادرون، هم العرب الموحدون الذين أصبحوا بفضل وحدتهم وتوحيدهم قوة جبارة، ولن يعيدوا سيرتهم الأولى بغير الوحدة والتوحيد. واليوم فإن الوحدة العربية هدف حتمي، يستمد مقوماته من وحدة (اللغة) التي هي قوام الثقافة والفكر، ووحدة (التاريخ) التي تصنع الوجدان والضمير ووحدة (الجهاد) الشعبي الذي يقرر ويحدد المصير، ووحدة (القيم) الروحية النابعة من رسالات السماء! فلمصلحة من تبقى السدود والقيود بين البلاد العربية؟ ألمصلحة الشعب العربي، وهو شعب واحد في تفرقه الوهن وفي اتحاده القوة؟ أم لمصلحة المسلمين بكل مكان، والعرب إذا اتحدوا يعيدون لهم سابق عزهم

ومجدهم؟ أم لمصلحة الحضارة العالمية، وهذه الحضارة تحقق كسبا عظيما في رجوع الحضارة العربية الى سابق عزها؟ إن حياة رسول التوحيد والجهاد عليه أفضل الصلاة والسلام هي أسوة حسنة للعرب والمسلمين في كل مكان وكل زمان. إنها تناديهم من وراء الغيب عبر القرون: وحدوا صفوفكم وجاهدوا أعداءكم. صمموا على تحقيق أهدافكم كاملة. ضحوا من أجل مثلكم العليا بكل ما تملكون. تخطوا العقبات والصعاب من أجل تحقيق وحدتكم وتوحيدكم. لتكن مصالحكم الشخصية تحت أقدامكم في سبيل المصالح العامة. أقولها كلمة صريحة حاسمة موجهة لقادة العرب خاصة ولقادة المسلمين عامة. إن التاريخ لم يخلد غير الذين وحّدوا وجاهدوا: وحدوا الصفوف، ولموا الشعب، وكونوا قوة موحدة من قوى متفرقة وجاهدوا في سبيل مثل عليا لمصلحة أمتهم، ولمصلحة عقيدتهم، فالحياة تافهة إذا خلت من مثل عليا. وهذه البلاد العربية متفرقة، فيها ميدان واسع لمن يريد العمل حقا لتوحيدها. وهذه فلسطين وعمان والمحميات، فيها ميدان واسع لمن يجاهد لإنقاذها. وهذا التاريخ يفتح أنصع صفحاته لتخليد من يوحّد ويجاهد. إن القائد الذي يقدم على توحيد العرب وجهاد أعدائهم، سيجد القلوب

في الوطن العربي تهوى إليه، وسيجد النفوس في دار الإسلام تبارك خطواته، وسيجد الذين يقاومون جهوده يتهاوون تحت أقدامه كما تتهاوى أوراق الشجر في الخريف. وأخيرا سيجد أن الضعف أصبح قوة، وأن الفقر أصبح غنى، وأن الجهل أصبح علما، وأن المرض أصبح صحة، وحينذاك سيكون للعرب قوة لها شأن في العالم كله، تعيد للمسلمين عزهم ومجدهم. إن النبي العربي صلوات الله عليه وتسليمه عليه يطالبكم اليوم جميعا، أن تجاهدوا من أجل الوحدة، وتوحدوا من أجل الجهاد. وصدق الله العظيم: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) «1» .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 143.

مقدمة الطبعة الرابعة إرادة القتال في الجهاد الإسلامي

مقدمة الطبعة الرابعة إرادة القتال في الجهاد الإسلامي 1 أ- بعث النبي صلّى الله عليه وسلم من (الحديبية) عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه إلى مكة المكرمة، ليبلغ أشراف قريش: أن المسلمين لم يأتوا للحرب، وإنما جاءوا زائرين للبيت الحرام ومعظمين لحرمته. وبلغ عثمان أبا سفيان بن حرب وعظماء قريش عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أرسله به. فقالوا لعثمان حين فرغ من تبليغ رسالته الى قريش: (إن شئت أن تطوف بالبيت فطف) ، فقال عثمان: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلّى الله عليه وسلم. واحتبست قريش عثمان عندها، فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين، أن عثمان ابن عفان قد قتل، فقال الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام: (لا نبرح حتى نناجز القوم) . ودعا النبي صلّى الله عليه وسلم الناس الى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكانت هذه البيعة على الموت. قال الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان: (كنا نبايع يومئذ على الموت) . ب- واستشهد في معركة (اليرموك) الحاسمة عكرمة بن أبي جهل وسهل ابن عمرو والحارث بن هشام، فأتوا بماء وهم صرعى في النزع الأخير، ولكنهم تدافعوا، كلما دفع الى رجل منهم قال: اسق فلانا، حتى ماتوا ولم يشربوه! فقد طلب عكرمة الماء، فرأى سهيلا ينظر إليه، فقال: (ادفعوا الى سهيل) .

ورأى سهيل الحارث ينظر إليه، فقال: (ادفعوه الى الحارث) ، فلم يصل إليه حتى ماتوا. ج- وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه قائدا عاما على المسلمين في أرض الشام فقاد المسلمين في معركة (اليرموك) الفاصلة الى النصر، تلك المعركة التي فتحت أبواب فلسطين والأردن وسورية ولبنان للمسلمين. وعزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في أوج انتصاراته، ولكن خالدا لم يأنف بهذا العزل، وقال قولته المشهورة: (لا أقاتل من أجل عمر، بل أقاتل من أجل إعلاء كلمة الله) . د- وشهدت الخنساء الشاعرة المشهورة معركة القادسية الحاسمة، ومعها بنوها أربعة رجال، فحرضتهم على القتال. وباشر أولاد الخنساء القتال، وقتلوا واحدا بعد واحد، فلما علمت باستشهادهم قالت: (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته) . لم تجزع الخنساء على استشهاد أولادها الأربعة تحت لواء الإسلام، وهي التي جزعت أشد الجزع وأعظمه على أخيها صخر بن عمرو السلمي الذي قتل تحت لواء الجاهلية، وبكته أحر البكاء وأغزره، ولا يزال شعرها في (صخر) مضرب الأمثال في العاطفة المتأججة وصدق الرثاء. 2 أ- تلك أمثلة نابضة بالحياة من تاريخنا المجيد، وهي غيض من فيض ... ولكنها تعطي الجواب العملي الواضح لمعنى: (إرادة القتال) ، كما فهمها وتشرب بها وطبقها السلف الصالح من أجدادنا العرب المسلمين.

فقد رفض عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن يطوف بالبيت العتيق وحده دون المسلمين، وهو الذي كان في شوق غامر لهذا الذي دعته إليه قريش طائعة مبادرة، مما يدل على تشبعه بالضبط المتين، فلا يفعل شيئا حتى إذا صادف ذلك الشيء هوى في نفسه، إلا إذا تلقى أوامر قائده صريحة واضحة. وهو- فوق ذلك- يدل على تشبعه بروح الجماعة وخضوعه لمصالحها العليا، ونبذ مصالحه الذاتية وراءه ظهريا. وتدافع عكرمة وصحبه الماء وهم في الرمق الأخير، يدل على الإيثار بأروع صوره في أحرج الظروف والأحوال. وموقف الخنساء عند علمها باستشهاد أولادها الأربعة وهي شيخ رهمة يدل على التضحية بأغلى وأعز شيء في الحياة من أجل المبدأ والعقيدة. وقولة خالد بن الوليد بعد عزله، تدل على أنه لم يكن يجاهد في سبيل أمجاد شخصية ولا مصالح ذاتية، بل كان يجاهد في سبيل إعلاء كلمة الله. وكل تلك المواقف، تدل بوضوح، على الإصرار الفذ والعزم الأكيد، على التضحية بكل غال ورخيص، وبكل ما في الدنيا من متاع، من أجل مجد الإسلام. ب- فما معنى إرادة القتال إذن؟ هي الرغبة الأكيدة في الصمود والثبات في ميدان القتال من أجل مثل عليا وأهداف سامية، وإيمان لا يتزعزع بهذه المثل والأهداف. وثقة بأنها أحب وأعز وأغلى من كل شيء في الحياة، وتحمل أعباء الحرب بذلا للأموال والأنفس واستهانه بالأضرار والشدائد وصبرا في البأساء والضراء وحين البأس، حتى يتم تحقيق تلك المثل العليا والأهداف السامية، مهما طال الأمد وبعد الشوط وكثر العناء وازدادت المصاعب وتضاعفت التضحيات.

ذلك هو مفهوم: (إرادة القتال في الجهاد الإسلامي) ، وهو مفهوم لا تطمع في إدراك شأوه مفاهيم: إرادة القتال في العقيدتين العسكريتين الشرقية أو الغربية على حد سواء. مفهوم: إرادة القتال في الجهاد الإسلامي، مادة وروح، فيه الدعوة الى الخير والسلام، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه الإعراض عن الاستغلال والاستعباد. ومفهوم: إرادة القتال في الشرق والغرب مادة فقط. فيه الدعوة الى التسلط والاستعمار وفيه إشاعة المنكر والفساد، وفيه حب الحرب وكراهية السلام. 3 أ- فكيف غرس الإسلام مفاهيم إرادة القتال في نفوس المسلمين وعقولهم معا؟ حث الإسلام على (الطاعة) . والطاعة هي الضبط والنظام: (وَقالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) «1» . وأشاع الإسلام معاني الخلق الكريم، ومنه الصبر الجميل: (ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) «2» ، وقال تعالى: (اصْبِرُوا وَصابِرُوا

_ (1) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 285. وقد وردت (طاع) ومشتقاتها في تسع وعشرين ومائة من آيات الذكر الحكيم، أنظر التفاصيل في المعجم المفهرس 426- 431. (2) - الآية الكريمة من سورة النحل 16: 110.

وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) «1» ، وقال تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) «2» . وغرس الإسلام روح الشجاعة والإقدام: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) «3» . والتولي يوم الزحف من الكبائر، كما نص على ذلك حديث رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. وأمر الإسلام بالثبات في ميدان القتال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) «4» . ودعا الإسلام الى الجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمة الله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) «5» ، وقال تعالى: (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) «6» .

_ (1) - الآية الكريمة من آل عمران 3: 200. (2) - الآية الكريمة من سورة البقرة 3: 177. وقد وردت (صبر) ومشتقاتها في ثلاث آيات ومائة آية من آيات الذكر الحكيم، أنظر التفاصيل في المعجم المفهرس 399- 401. (3) - الآيتان الكريمتان من سورة الأنفال 8: 15- 16. (4) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 45. (5) - الآية الكريمة من سورة الحجرات 49: 51. (6) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 41، أنظر تفسير هذه الآية في (الكشاف) للإمام الزمخشري، لتجد أن المسلمين سبقوا العالم الى مفهوم الحرب الشاملة التي تنص على: (إعداد الأمة بكل طاقاتها المادية والمعنوية للحرب) ، والتي زعم المشير لو دندروف بعد الحرب العالمية الأولى في كتابه: (الأمة في الحرب) ، بأنه أول من فكر في الحرب الشاملة، بينما أرسى الإسلام أسسها قبل أربعة عشر قرنا.

وبين الإسلام أن المثل العليا لا بد أن تكون لها الأسبقية على كل شيء في الدنيا: (قُلْ: إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) «1» . وجعل الإسلام مقام الشهداء من أعظم المقامات: (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) «2» ، وقال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) «3» ، وقال تعالى: (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) «4» . ب- فاذا تذكرنا أن الجهاد في الإسلام، يهدف الى حماية حرية نشر الدعوة الإسلامية والى نشر السلام، والى الدفاع عن دار الإسلام. وإذا تذكرنا أن تعاليم القتال في الإسلام، تنص على الوفاء بالعهود، واحترام المواثيق، والترفع عن الظلم والعدوان، وإقرار السلام. وإذا تذكرنا أهداف القتال في الاسلام وتعاليمه، علمنا بأن: إرادة القتال، التي تتغلغل في أعماق المسلم الحق، مبنية على أسس سليمة رصينة، لأن هذا المسلم يؤمن إيمانا عميقا بأنه يخوض (حربا عادلة) ، وهذه الحرب هي (حافز) جديد تجعل من المؤمن مقاتلا رهيبا، كما عبر ذلك العسكريون المحدثون.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 24. (2) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 69. (3) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 154. (4) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 74.

ولكن (إرادة القتال في الجهاد الإسلامي) ، تسيطر على المسلم في ميدان القتال أيام الحرب، كما تسيطر عليه في أيام السلام. وإن الهدف الحيوي من الحرب هو تحطيم الطاقات المادية والمعنوية للعدو فإذا انتصر عليه في ميدان الحرب، واستطاع أن يحطم طاقاته المادية، فلا بد من جهود أخرى لتحطيم طاقاته المعنوية، ليكون النصر كاملا يؤدي الى الاستسلام. وهنا تبدأ الحرب النفسية، التي تستهدف الطاقات المعنوية بالدرجة الأولى. وفي تاريخ الحروب أمثلة لا تعد ولا تحصى، عن انتصارات استطاعت القضاء على الطاقات المادية، ولكنها لم تستطع القضاء على المعنوية، فكانت انتصارات ناقصة استمرت فترة من الزمن ثم أصبح المهزوم منتصرا وأصبح لمنتصر مهزوما. فكيف يصاول الاسلام الحرب النفسية، ليصون معنويات المسلمين من الانهيار؟ كيف يحافظ الإسلام على إرادة القتال، في أيام السلام؟ لعل أهم أهداف الحرب النفسية هي التخويف من الموت والفقر ومن القوة الضاربة للمنتصر، ومجاولة جعل النصر حاسما والدعوة الى الاستسلام، وبث الاشاعات والأراجيف، وإشاعة الاستعمار الفكري بالغزو الحضاري، وإشاعة اليأس والقنوط. المؤمن حقا لا يخشى الموت: (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا

يَسْتَقْدِمُونَ) «1» . وقال تعالى: (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) «2» ، وقال تعالى: (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) «3» ، وقال تعالى: (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) «4» ، وقال تعالى: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) «5» . إن المؤمن حقا يعتقد اعتقادا راسخا، بأن الآجال بيد الله سبحانه وتعالى، وما أصدق قولة خالد بن الوليد رضي الله عنه: (ما في جسمي شبر إلا وفيه طعنة رمح أو سيف، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء) . والمؤمن حقا لا يخاف الفقر، لأنه يعتقد اعتقادا راسخا، بأن الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى: (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) «6» ، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) «7» ، وقال تعالى: (فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) «8» . والمؤمن حقا لا يخشى قوات العدو الضاربة، فما انتصر المسلمون في أيام الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام وفي أيام الفتح الإسلامي العظيم، لعدد أو عدد، بل كان انتصارهم انتصار عقيدة لامراء. قال تعالى: (قالَ الَّذِينَ

_ (1) - الآية الكريمة من سورة يونس 10: 49. (2) - الآية الكريمة من سورة الأعراف 7: 34، ومن سورة النحل 16: 61. (3) - الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 145. (4) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 78. (5) - الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 154. (6) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 212. (7) - الآية الكريمة من سورة الطلاق 15: 20. (8) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 26.

يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) «1» ، وقال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ، إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) «2» . والمؤمن حقا لا يقر بانتصار أحد عليه ما دام في حماية عقيدته، لذلك فهو يعرف أن الانتصار في معركة قد يدوم ساعة ولكنه لا يدوم الى قيام الساعة: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) «3» . والمؤمن حقا لا يستسلم بعد هزيمته، لأنه يعلم بأن بعد العسر يسرا: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) «4» ، وقال تعالى: (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) «5» . والمؤمن حقا لا يصدق الإشاعات والأراجيف: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) «6» ، وقال تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) «7» ، وقال تعالى: (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) «8» .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 249. (2) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 65. (3) - الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 140. (4) - الآية الكريمة من سورة المنافقين 63: 80. (5) - الآية الكريمة من سورة يونس 10: 65. (6) - الآية الكريمة من سورة الحجرات 49: 60. (7) - الآية الكريمة من سورة الأحزاب 32: 60. (8) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 83.

والمؤمن حقا يقاوم الاستعمار الفكري ويصاول الغزو الحضاري لأن له من مقومات دينه وتراث حضارته، ما يصونه من تيارات المبادىء الوافدة التي تذيب شخصيته وتمحو آثاره من الوجود. والمؤمن حقا لا يقنط أبدا ولا ييأس من نصر الله ورحمته: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) «1» ، وقال تعالى: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) «2» ، وقال تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) «3» ، وقال تعالى: (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) «4» . 5 ولكن القول بأن الحوافز الروحية وحدها هي التي تؤجج إرادة القتال في المؤمن الحق، لا يغني عن كل قول. والواقع أن في الاسلام حوافز (مادية) لا تقل أهمية عن الحوافز (الروحية) تعمل جنبا لجنب لترصين ارادة القتال، في نفوس المسلمين وعقولهم معا. ومن أهم الحوافز المادية: عدم الاستهانة بالعدو أولا، والإعداد الحربي تدريبا وتسليحا وتنظيما وتجهيزا وقيادة ثانيا. لقد استهان المسلمون بعدوهم يوم (حنين) . فغلبوا على أمرهم في الصفحة الأولى من صفحات ذلك اليوم العصيب: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) «5» .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الزمر 39: 53. (2) - الآية الكريمة من سورة الحجر 45: 56. (3) - الآية الكريمة من سورة الروم 30: 36. (4) - الآية الكريمة من سورة فصلت 41: 49. (5) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 25.

والحذر واليقظة من مظاهر عدم الاستهانة بالعدو: (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) «1» ، وقال تعالى: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) «2» ، وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) «3» ، وقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) «4» ، وقال تعالى: (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) «5» . إن الاستهانة بالعدو، تؤدي حتما الى الاندحار، وما أصدق المثل العربي القائل: (إذا كان عدوك نملة، فلا تنم له) . والإعداد الحربي إعدادا متكاملا، يرفع المعنويات ويقوي الثقة بالنفس ويلهب مزية إرادة القتال، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) «6» ، وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) «7» . تلك هي معالم: (إرادة القتال في الجهاد الإسلامي) ، وتلك هي الحوافز المادية والمعنوية التي جاء بها الاسلام، ليجعل من الأمة المسلمة التي تعمل بتعاليمه أمة لا تقهر أبدا.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 53. (2) - الآية الكريمة من سورة المنافقين 63. (3) - الآية الكريمة من سورة المائدة 5: 92. (4) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 71. (5) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 102. (6) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 60. (7) - الآية الكريمة من سورة الحديد 57.

ذلك لأن الاسلام بتعاليمه السمحة الرضية، جعل من المسلم الحق مطيعا لا يعصى، صابرا لا يتخاذل، شجاعا لا يجبن، مقداما لا يتردد، مقبلا لا يفر، صامدا لا يتزعزع، مجاهدا لا يتخلف، مؤمنا بمثل عليا، مضحيا من أجلها بالمال والروح، يخوض حربا عادلة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل. لا يخاف الموت، ولا يخشى الفقر، ولا يهاب قوة في الأرض، يسالم ولا يستسلم، ولا تضعف عزيمته الأراجيف والإشاعات، لا يستكين للاستعمار الفكري، ويقاوم الغزو الحضاري، ولا يقنط أبدا ولا ييأس من رحمة الله. هذا المسلم الحق يقظ أشد ما تكون اليقظة، حذر أعظم ما يكون الحذر، يتأهب لعدوه ويعد العدة للقائه، ولا يستهين به في السلم أو الحرب. فلا عجب أن يكون هذا المسلم الحق، متحليا بمزية: إرادة القتال، بل العجب كل العجب في ألا يكون. وهذا ما يفسر لنا سر الفتح الإسلامي العظيم الذي امتد خلال ثمانين عاما «1» من الصين شرقا الى فرنسا غربا، ومن سيبيريا شمالا الى المحيط جنوبا. ذلك لأن شعار المسلمين كان: (قُلْ: هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) «2» ، النصر أو الشهادة. ولأن المسلمين كانوا يحرصون على الموت حرص غيرهم على الحياة: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا

_ (1) - من عام أحد عشر للهجرة الى عام اثنين وتسعين للهجرة. (2) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 52.

اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ، وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) «1» . وأشهد أنني لم أقرأ، حتى في كتب التعبية «2» وسوق الجيش الفنية «3» الصادرة في النصف الثاني من القرن العشرين، أوضح تعبيرا وأدق تعريفا وأكثر شمولا وأوجز عبارة، مما جاء في القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة تعريفا لإرادة القتال. بل لا يقتصر معناها على إرادة القتال وحدها، بل يشمل تعريف: المعنويات العالية أيضا. تلك هي عظمة القرآن الكريم، حتى المجالات العسكرية، ولكن يا ليت قومي يعلمون. 6 والسؤال الذي يتردد اليوم هو: ألسنا مسلمين؟ وإذا كنا مسلمين، فلماذا لا ينصرنا الله على أعدائنا؟ والجواب على هذا السؤال، يورده القرآن الكريم بصراحة ووضوح. قال تعالى: َ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) «4» ، فهل نحن مؤمنون حقا؟ وقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) «5» ، فهل نصرنا الله حقا حتى ينصرنا ويثبت أقدامنا؟

_ (1) - الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 173. (2) - التعبية: التاكتيك. (3) - الشوق الاستراتيجي. (4) - الآية الكريمة من سورة الروم 30: 47. (5) - الآية الكريمة من سورة محمد 47: 70.

وقال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) «1» فهل أقمنا الصلاة وآتينا الزكاة حقا وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر حقا؟ وقال تعالى: (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) «2» ، فهل نفرنا خفافا وثقالا، وهل جاهدنا بأموالنا وأنفسنا في سبيل الله؟ ولكن، ما مصير الذين لا ينفرون؟ قال تعالى: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) «3» . كيف ينصرنا الله، ونحن لا نطبق تعاليمه، وهل ورد في القرآن ما يشير الى أن الله ينصر المسلمين الذين يتقبلون الاسلام بدون تكاليفه في الجهاد والعمل الصالح؟ إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: العودة الى الاسلام وحينذاك سيقول يهود، كما قالوا من قبل: (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) «4» . ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. والحمد لله كثيرا، وصلى الله على سيدي ومولاي رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين. محمود شيت خطاب

_ (1) - الآيتان الكريمتان من سورة الحج 9: 41. (2) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 41. (3) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 39. (4) - الآية الكريمة من سورة المائدة 5: 22.

الحرب العادلة

الحرب العادلة «1» (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) «2» . (القرآن الكريم)

_ (1) - معنى الحرب: يقصد بالحرب كل كفاح يقوم بين القوات المسلحة لدولتين أو أكثر إذا توفّرت لدى إحداها أو لديها جميعا إرادة إنهاء ما يقوم بينها من علاقات سلمية. والحرب إما عادلة أو غير عادلة. أ- الحرب العادلة: الحرب العادلة: هي التي توجّه ضد شعب ارتكب ظلما نحو شعب آخر ولم يشأ رفعه، ويشترط فيها أن تكون مطابقة للقواعد الإنسانية، وتكون لغرض تحقيق سلم دائم، كما يشترط فيها وجوب احترام حياة وأملاك الأبرياء وحسن معاملة الأسرى والرهائن. ب- الحرب غير العادلة: هي التي لم يكن لها سبب عادل يبررها، كأن تدخل دولة في حرب لتغتصب بعض إقليم دولة أخرى أو لتخضعها لحكمها. (2) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 190.

القتال في الاسلام

القتال في الاسلام معنى القتال في الإسلام هو قتال العدو، لتأمين حرّية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام، مع مراعاة حرب الفروسية الشريفة في القتال «1» . متى شرع القتال في الإسلام لم يؤذن للمسلمين في القتال قبل الهجرة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة رغم ما ذاقوا من المر وكابدوا من فنون الأسى والضر، فلم يكن من همهم إلا أن ينشروا (دعوة) ، ويثبتوا (عقيدة) ويقولوا في حرارة وصدق: ربنا الله ... فلما اشتد عداء قريش وصمموا على القضاء على الدعوة الاسلامية، وأجمعوا أمرهم على قتل النبي صلّى الله عليه وسلم، هاجر هو وأصحابه الى المدينة المنورة. فهل وقف البغي، وخفّت حدّة العدوان؟ كلا، ظلت قريش تحارب المسلمين، وتخرجهم من ديارهم وأموالهم حتى أذن الله للمسلمين في القتال فنزلت فيه أول آية: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللَّهُ) «2» .

_ (1) - حرب الفروسية: كفاح شرف لا يجوز أن يلجأ المحاربون فيه الى عمل أو إجراء يتنافى مع الشرف. فالشرف العسكري يستلزم احترام العهد المقطوع ويحرم استعمال السلاح الذي لا يتفق استعماله مع الشرف، أو القيام بعمل من أعمال الخيانة. ويجب مواساة الجرحى والمرضى والعناية بهم وعدم الإجهاز عليهم وعدم التعرض لغير المقاتلين وللآمنين من السكان. (2) - الآيتان الكريمتان من سورة الحج 22: 39- 40.

أهداف القتال في الإسلام

لقد خرج الرسول صلّى الله عليه وسلم غازيا في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه الى المدينة المنورة، وبذلك بدأ القتال (فعلا) في الإسلام. أهداف القتال في الإسلام 1- حماية حرية نشر الدعوة: ليس من أهداف الحرب في الاسلام (نشر) الدعوة، بل (حماية حرية) نشرها، لأن نشر الاسلام بالقوة معناه الإكراه، والله تعالى يقول: (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) «1» . ولو كان الفضل في انتشار الإسلام لسيوف أهله ورماحهم، لزال سلطانه من القلوب بزوال سلطان دولته حين ضعف أهله وغلبوا على أمرهم. ولكنّ هدف الحرب في الاسلام هو حماية العقيدة وتأمين حرية انتشارها بين الناس، وصدّ الاعتداء الخارجي على بلاد المسلمين: (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) «2» . إن الحرب في الاسلام حرب دفاعية، لا يبدأ المسلمون فيها بالاعتداء على أحد، ولا يقاتلون إلا مكرهين على القتال، ويعتبرون الحرب كفاح شرف لا يجوز أن يلجأ المحاربون فيها الى عمل أو إجراء يتنافى مع الشرف، فهم مقيدون باحترام العهد، والترفّع عن الخيانة، ومواساة الجرحى والمرضى والأسرى والعناية بهم، وعدم التعرّض بسوء لغير المقاتلين والنساء والأطفال

_ (1) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 256. (2) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 190.

2 - توطيد أركان السلام:

والشيوخ والرهبان والعبيد والفلاحين ... الخ «1» . 2- توطيد أركان السلام: تكون الأمة بغير جيش قوي عرضة للضياع، إذ يطمع فيها أعداؤها ولا يهابون قوّتها، فاذا كان لها جيش قوي احترم العدو إرادتها، فلا تحدّثه نفسه باعتداء عليها، فيسود عند ذاك السلام: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون

_ (1) - لقد أخذ الاسلام بمبدأ التبادل وطبقه تطبيقا كاملا معطيا بذلك أحسن المثل للدول الحديثة. قال تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) . يقول الإمام محمد عبده في تفسير المنار 2/ 258: (صرّح بالاعتداء على المعتدي مع مراعاة المماثلة، وقد استدل الإمام الشافعي بالآية على وجوب قتل القاتل بمثل ما قتل به ... والقصد أن يكون الجزاء على قدر الاعتداء بلا حيف ولا ظلم، ولذلك قال تعالى بعد شرع القصاص والمماثلة: (واتقوا الله) فلا تعتدوا على أحد ولا تبغوا ولا تظلموا في القصاص، بأن تزيدوا في الإيذاء، وأكد الأمر بالتقوى بما بين من مزيتها وفائدتها فقال: (واعلموا أن الله مع المتقين) بالمعونة والتأييد، فإن المتقي هو صاحب الحق وبقاؤه هو الاصلح والعاقبة له في كل ما ينازعه به الباطل) . ويقول الدكتور عبد الفتاح حسن في مجلة المكتب الفني لمجلس الدولة الصادرة سنة 1960 ص 279: (وأزيد على هذا ما هو أولى بالمقام وهو المماثلة في قتال الأعداء، كقتل المجرمين بلا ضعف ولا تقصير، فالمقاتل بالمدافع والقذائف النارية أو الغازية السامة، يجب أن يقاتل بها، وهذه الشروط والآداب لا توجد إلا في الاسلام) .

وإن جنحوا (للسلم) فاجنح لها) ... : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) «1» . إن السلام في الاسلام (دين) ، أما عند غيرهم؟! ... إنّ الإسلام كما تدل عليه تسميته دين أمن وسلام، يقوم على أساس الود والتسامح، لا يجيز الحرب إلا في حالات محدودة بحيث تعتبر فيما عداها جريمة.

_ (1) - الآية الأولى من سورة الأنفال 8: 60 والآية الثانية من سورة البقرة 2: 208. انظر الدكتور مصطفى السباعي: نظام السلم والحرب فى الاسلام ص 7- 8: أول ما يلاحظ في الاسلام اشتقاق اسمه من مادة (السلام) : والاسلام والسلام من مادة واحدة، وليس الاسلام إلا خضوع القلب والروح والجسم لنظام الحق والخير ... ومن أسماء الله في القرآن (السلام) : (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس (السلام) المؤمن المهيمن ... ) . وتحية المسلمين حين يلقى بعضهم بعضا: (السلام عليكم ورحمة الله) ، وهي تحية المسلم لنبيه في الصلاة: (السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته) وتحية المسلم لإخوانه في عالم الخير والحق في الصلاة ايضا: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ، وشعار المسلم حين ينتهي من صلاته عن يمينه ويساره: (السلام عليكم ورحمة الله) ، ومن الذكر الوارد بعد الصلاة: (اللهم أنت السلام ومنك السلام) . وأحد ابواب المسجد الحرام في مكة وأحد ابواب المسجد النبوي في المدينة يسمى: (باب السلام) ، والجنة وهي مثوى الطائعين في الحياة الآخرة تسمى: (دار السلام) : (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) ، وتحية المؤمنين في الآخرة يوم لقائهم لله هي السلام: (تحيتهم يوم يلقونه سلام) . ومن تتبع آيات القرآن، وجد ان لفظ (السلم) وما اشتق منه ورد فيما يزيد على (133) آية، بينما لم يرد لفظ (الحرب) في القرآن كله إلا في ست آيات فقط، ونستطيع ان نؤكد ان فكرة (السلام) تحتل المقام الرئيسي بين اهداف الاسلام العامة، بل يصرح القرآن بأن الثمرة المرجوة من اتباع الاسلام هي الاهتداء الى طرق (السلام) والنور: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل (السلام) ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم) . أقول: هذا هو (السلام) في الاسلام، فأين منه سلام العملاء أدعياء السلام؟! ....

أنواع القتال في الإسلام

أنواع القتال في الإسلام 1- قتال المسلمين للمسلمين: هذا النوع من القتال، هو شأن من الشئون الداخلية للمسلمين، فقد فرض القرآن الكريم حالة بغي وخروج على النظام العام تقع بين طوائف المسلمين بعضها مع بعض، أو بين الرعية وراعيها، فوضع لها تشريعا من شأنه أن يحفظ على الأمة وحدتها وعلى الهيئة الحاكمة سلطانها وهيبتها، ويقي المجموع شرّ البغي والتعادي: (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) «1» . هاتان الآيتان الكريمتان تفرضان حالة اختلاف يقع بين طائفتين من المؤمنين، ولا يستطاع حله بالوسائل السلمية، فتلجأ كل منهما الى القوة، فتوجب هاتان الآيتان على الأمة ممثلة في حكومتها أن تنظر فيما بين الطائفتين من أسباب الشقاق، وتحاول الإصلاح بينهما؛ فان وصلت الى ذلك عن طريق المفاوضات وأخذ كل ذي حق حقه، ورد البغي واستقرّ الأمن، فقد كفى الله المؤمنين شرّ القتال؛ وإن بغت إحداهما على الأخرى، واستمرّت على العدوان، وأبت أن تخضع للحق وتنزل على حكم المؤمنين، كانت بذلك باغية خارجة على سلطة القانون متمردة على التشريع الإلهي والنظام؛ فيجب على جماعة المسلمين قتالها، حتى تخضع وترجع إلى الحق. إن القصد من هذا التشريع، هو المحافظة على وحدة الأمة، وعدم إفساح المجال لتفرقها، لذلك فهذه الحرب طريق (للسلم) وقضاء على البغي والعدوان.

_ (1) - الآيتان الكريمتان من سورة الحجرات 49: 9- 10.

2 - قتال المسلمين لغير المسلمين:

2- قتال المسلمين لغير المسلمين: شرع قتال المسلمين لغير المسلمين لرد العدوان على بلاد المسلمين وحماية الدعوة، وحماية حرية انتشار الدين، والقرآن الكريم حينما شرع القتال نأى به عن جوانب الطمع والاستئثار وإذلال الضعفاء، وتوخّى به أن يكون طريقا الى السلام والاطمئنان وتركيز الحياة على موازين العدل والإنصاف. وليست الجزية عوضا ماليا عن دم أو عقيدة، وإنما هي لحماية المغلوبين في أموالهم وعقائدهم وأعراضهم وكرامتهم وتمكينهم من التمتع بحقوق الرعاية مع المسلمين سواء بسواء ... يدل على ذلك أن جميع المعاهدات التي تمت بين المسلمين وبين المغلوبين من سكان البلاد، كانت تنصّ على هذه الحماية في العقائد والأموال. وقد جاء في عهد خالد بن الوليد لصاحب (قسّ الناطف) : (إني عاهدتكم على الجزية والمنعة ... فإن منعناكم فلنا الجزية، وإلا فلا حتى نمنعكم) «1» . لقد ردّ خالد بن الوليد على أهل (حمص) وأبو عبيدة على أهل (دمشق) ، وبقية القواد المسلمين على أهل المدن الشامية المفتوحة ما أخذوه منهم من الجزية حين اضطر المسلمون الى مغادرتها في ظروف حربية صعبة، وكان مما قال القواد المسلمون لأهل تلك المدن: (إنا كنا قد أخذنا منكم الجزية على المنعة والحماية، ونحن الآن عاجزون عن حمايتكم، فهذه هي أموالكم نردها إليكم) . لقد كان فرض الجزية في الاسلام أبعد ما يكون عن الاستغلال والطمع في أموال المغلوبين، إذ كانت تفرض بمقادير قليلة على المحاربين والقادرين على العمل فحسب، وكانت على ثلاثة أقسام: أعلاها وهو (48) درهما في السنة على

_ (1) - أنظر ايضا نص ما جاء عن الجزية في وثيقة خالد بن الوليد التي صالح بموجبها أهل الحيرة في الخراج لأبي يوسف 146، والأم للامام الشافعي 4/ 97- 98. وانظر التفاصيل عن الجزية في خاتمة هذا الكتاب.

الأغنياء (حوالي دينارين ونصف دينار عراقي أو عشرين ليرة سورية أو لبنانية أو 240 قرشا مصريا) . وأوسطها وهو (24) درهما في السنة على المتوسطين من تجار وزراع. وأدناها وهو (12) درهما في السنة على العمال المحترفين الذين يجدون عملا. وهذا مبلغ لا يكاد يذكر بجانب ما يدفعه المسلم نفسه من زكاة ماله وهو بنسبة اثنين ونصف في المائة القدر الشرعي لفريضة الزكاة. إن إسقاط الجزية عن الفقير والصبي والمرأة والراهب والمنقطع للعبادة والأعمى والمقعد وذوي العاهات أكبر دليل على أن الجزية يراعى فيها قدرة المكلفين على دفعها، كما أن تقسيمها الى ثلاث فئات دليل على مراعاة رفع الحرج والمشقة في تحصيلها، وقد جاء في عهد خالد لصاحب (قس الناطف) : (إني عاهدتكم على الجزية والمنعة على كل ذي يد: القوي على قدر قوته، والمقل على قدر إقلاله) . ليس ذلك فحسب، بل أعفى الإسلام دافع الجزية من الخدمة في الجيش. والذمي الذي يقبل التطوع في الجيش الإسلامي تسقط عنه الجزية، وهذا معناه أن الجزية تشابه البدل النقدي للخدمة العسكرية في عصرنا الحاضر. كما ضمن الإسلام إعالة البائسين والمحتاجين من الذميين. جاء بعهد خالد بن الوليد لأهل الحيرة: (وأيما شخص ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وأعيل من بيت مال المسلمين وعياله) . إن فرض الجزية لا يحمل معنى الامتهان والإذلال، ومعنى (صاغرون) في آية الجزية: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) «1» ، هو الخضوع، إذ من معاني الصغار في اللغة الخضوع، ومنه أطلق (الصغير) على الطفل لأنه

_ (1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 29.

يخضع لأبويه ولمن هو أكبر منه؛ والمراد بالخضوع حينئذ الخضوع لسلطان الدولة، بحيث يكون في دفع الجزية معنى الالتزام من قبل أهل الذمة بالولاء للدولة، كما تلتزم الدولة لقاء ذلك بحمايتهم ورعايتهم واحترام عقائدهم. ولا توجد آية في القرآن الكريم تدل أو تشير الى أن القتال في الإسلام لحمل الناس على اعتناقه. وقد نصّ القرآن الكريم بوضوح على طريقة معاملة المسلمين لغير المسلمين: (لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) «1» . واقرأ الآية الكريمة، وهي من أواخر القرآن نزولا، فهي تحدّد أيضا علاقة المسلمين بغيرهم: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) «2» . من ذلك يفهم أن علاقة المسلمين بغير المسلمين هي: برّ، وقسط «3» ، وتعاون، ومصاهرة.

_ (1) - الآيتان الكريمتان من سورة الممتحنة 60: 8- 9. (2) - الآية الكريمة من سورة المائدة 5. (3) - القسط: العدل.

تنظيم القتال في الإسلام

تنظيم القتال في الإسلام 1- تقوية المعنويات: يعمل الاسلام على تقوية معنويات المقاتلين في سبيل الله، فيعدهم بمضاعفة أجر العاملين وثواب المجاهدين، لأنهم يقاتلون في سبيل إنقاذ الضعفاء والبر بالإنسان ومقاومة الجبروت والطغيان، ولدحض عوامل الشر والإفساد: (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ، وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً. الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ، فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) «1» . واستأصل الاسلام جميع النواحي التي ينبعث من قبلها الجبن والخور، وحثّ المؤمنين على الجهاد في سبيل الله والحق، في سبيل الخير والسعادة، فلا الآباء ولا الأبناء ولا الإخوان ولا الأزواج ولا العشيرة ولا الأموال ولا التجارة التي يخشى كسادها ولا المساكن، لا شيء من ذلك كله يصح أن يحول بين المؤمنين وبين ما تقتضيه محبّة الله ورسوله من تضحية وجهاد: (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها، أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) «2» .

_ (1) - الآيات الكريمات من سورة النساء 4: 74- 76. (2) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 24.

2 - إعداد القوة المادية:

بمثل هذا الأسلوب القوي، حارب الاسلام عوامل الضعف ونزعات الخوف، وغرس في نفوس الأمة خلق الشجاعة والتضحية والاستهانة بزخرف الحياة في سبيل الحق ونصرته: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا، وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) «1» . لقد توخّى الاسلام تقوية الروح المعنوية، وقد كانت المعنويات العالية ولا تزال، من أهم مزايا الجيوش ذات القيمة العسكرية الرفيعة، كما أنها من أهم مبادىء الحرب. 2- إعداد القوة المادية: حثّ الإسلام على الاهتمام بناحيتين: القوة والرباط. فأما القوة فتتناول العدد والعدّة، وهذا يتّسع لكل ما عرف ويعرف من حشد الرجال وإعداد آلات الحرب ووسائل القتال ومواد التموين والقضايا الإدارية الأخرى. وأما الرباط فيتّسع لكل ما عرف أيضا من تحصين الحدود والثغور والأماكن الواهنة تجاه العدو، وتهيئة القوة الكاملة فيها لحمايتها. يهدف الاسلام بالحثّ على إعداد هاتين الناحيتين الى تأمين السلم والاستقرار، وذلك لإرهاب العدو، حتى لا تحدّثه نفسه باستغلال ناحية من نواحي الضعف والتخاذل: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) «2» . كما يحثّ الإسلام على إنشاء المعامل الحربية لصنع الأسلحة، ويذكّر بالحديد بصورة خاصة للاستفادة منه للأغراض العسكرية: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الحجرات 49: 15. (2) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 102.

3 - التنظيم العملي للقتال:

فِيهِ (بَأْسٌ) شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) «1» . إن الجهاد في الاسلام إنما يتوخى الاستعداد الدائم للمنافحة عن الحق وحمايته، ولتكون لدى المسلمين قوة ضاربة يحسب لها ألف حساب قبل أن يقدم على الاضرار بمصالح المسلمين العليا. 3- التنظيم العملي للقتال: أ- الإعفاء من الجندية: أسباب الإعفاء من الجندية في الاسلام محصورة في الضعف، ويشمل الضعف: المرض والعجز والشيخوخة وعدم القدرة على الإنفاق: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ «2» ) . لم يجعل الاسلام من أسباب الإعفاء من الجندية حمل الشهادات العلمية، ولا الانتساب الى الجامعات، ولا حفظ القرآن الكريم، ولا دفع البدل النقدي، ولا النبوّة لحاكم كبير مما عهدناه في عصور الانحلال، بل كان العمل في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم والعصور التالية له على عكس ذلك؛ وما كان التفكير في جمع القرآن الكريم، إلا خوفا من أن يذهب بذهاب القرّاء الذين كانوا أكثر القوم إقداما وبسالة في حرب (اليمامة) ، وكان إقدامهم وجرأتهم على اقتحام صفوف الأعداء سببا في أن يستحرّ «3» القتل فيهم. ب- إعلان الحرب: حذر القرآن الكريم من انتهاز غفلة العدو وأخذه على غرّة غدرا: (وَإِمَّا

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الحديد 57: 25. (2) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 91. (3) - استحرّ القتل: صار حارا أو شديدا، أي كثر القتل.

تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) «1» . فتطلب الآية الكريمة طرح العهد عند توجّس الشر منهم، وتطلب أن يكون هذا النبذ صريحا. إن المسلمين لا يخونون أحدا ولا يغدرون بأحد، ويعلنون الحرب صراحة على أعدائهم، ثم يشرعون بعد هذا الإعلان في القتال. ج- الدعوة للجهاد: حذر الاسلام من التباطؤ في تلبية داعي الجهاد والتثاقل عنه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ؟ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ، فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ. إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) «2» . د- عقاب المتخلفين: عاقب الاسلام المتخلّف عن الجهاد عقابا نفسيا، إذ يهجر المتخلف أهله حتى زوجه، كما يهجره المسلمون جميعا ويقاطعونه، وينظر إليه المجتمع نظرة احتقار وازدراء: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) «3» . فقد تاب الله عليهم بعد كل هذا العقاب النفسي ليتوبوا ولا يعودوا الى التخلّف مرة أخرى.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 58. (2) - الآيتان الكريمتان من سورة التوبة 9: 38- 39. (3) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 118.

إن عقاب المتخلّف يقتصر عليه فقط ولا يشمل أهله وعشيرته ولا سكان قريته، كما حدث في القرن العشرين عند قسم من الدول الكبرى، إذ نزل العقاب الصارم بأهل المتخلّف وعشيرته، وحتى بأهل قريته في بعض الأحيان، بحجّة أن هؤلاء يجب أن يسلموا المتخلّف أو ينالهم العقاب. هـ- تطهير الجيش: يأمر الاسلام بتطهير الجيش من عناصر الفتنة والخذلان ومن الذين يختلفون عن أفراده بالعقيدة، حتى يكون الجيش كله مؤمنا بعقيدة واحدة يعمل لتحقيقها ويبذل كل ما يملكه في سبيلها، وبذلك يستطيع الفوز في الحرب: (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا) «1» ... وأساليب القتال: ينظم الاسلام مواضعه الدفاعية، ويوزع وحداته على تلك المواضع: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) «2» . ويبتكر القتال بأسلوب الصف الذي لم تكن العرب تعرفه حينذاك، بل كانت تقاتل بأسلوب الكرّ والفر: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) «3» . إنّ أسلوب الصف يتفق مع أساليب القتال في العصر الحاضر، فهو يؤمّن العمق والاحتياط، ليستطيع القائد معالجة المواقف التي ليست في الحسبان. ز- الضبط «4» : يحثّ الاسلام على السمع والطاعة للقيادة العامة، والثبات في المواقف

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الأحزاب 33: 20. (2) - الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 121. (3) - سيرد تفصيل ذلك في غزوة بدر الكبرى. والآية الكريمة من سورة الصف 61: 4. (4) - الضبط: إطاعة الأوامر وتنفيذها عن طيب خاطر وباخلاص نصا وروحا.

وتجنّب أسباب الفشل، والاعتصام بالله وباليقين: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) «1» كما حذّر الاسلام من الفرار وبين سوء عاقبته: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ، فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) «2» . ح- الكتمان: حذّر الاسلام من إذاعة الأسرار العسكرية، وجعل إذاعتها من شأن المنافقين، وطلب الرجوع بها الى القيادة العامة، كما طلب من المسلمين أن يتثبتوا مما يصلهم من أنباء قبل الركون إليها والعمل بها: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ، لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا) «3» . ويقول القرآن الكريم: (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) «4» .

_ (1) - الآيتان الكريمتان من سورة الأنفال 8: 45- 46. (2) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 15. (3) - الآية الكريمة من سورة الأحزاب 32: 60. (4) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 83.

ط- الهدنة «1» والصلح: أمر الاسلام بتلبية دعوة السلم ووقف الحرب إذا جنح إليها الأعداء، وظهرت منهم علامات الصدق والوفاء: (وَإِنْ جَنَحُوا (لِلسَّلْمِ) فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) «2» .

_ (1) - راجع قانون الحرب والحياد. الهدنة: اتفاق يبرم بين الفريقين المتحاربين بوقف القتال مدة يتفق عليها فيما بينهما، والهدنة إما هدنة عامة أو محلية أو جزئية. فالهدنة العامة يسري وقف القتال فيها على جميع القوات المتحاربة، ويشمل جميع مناطق القتال؛ والهدنة المحلية أو الجزئية هي التي يقتصر وقف القتال فيها على بعض القوات المتحاربة دون بعضها الآخر. شروط الهدنة وآثارها: تعقد الهدنة في العادة كتابة، ولكن لا يوجد ما يمنع قانونا من عقدها شفهيا، وينص عقد الهدنة على مبدأ قيامها وانتهائها، ويتوقف القتال حال إعلان الهدنة، كما ينص بعبارة واضحة على شروط الهدنة. نقض الهدنة أو انتهاؤها: اختلف الشراح فيما بينهم على الآثار المترتبة على حصول إخلال من أحد الطرفين يبيح للطرف الآخر نقض الهدنة لهذا السبب والعودة الى أعمال القتال مباشرة. وكان من رأي فريق من الشراح: أن أي إخلال يقع من أحد الطرفين يبيح للطرف الآخر العودة الى أعمال القتال مباشرة ودون سابق إنذار. أما الشراح المحدثون فيرون أن حصول إخلال يبيح للطرف الآخر أن يعلن الطرف المخل بنقض الهدنة ولا يبيح له العودة الى أعمال القتال مباشرة. وتنتهي الهدنة بانتهاء المدة المحددة لها، فاذا لم ينص في اتفاقية الهدنة على تاريخ معين لانتهائها، جاز لكل من الطرفين استئناف القتال بعد إعلان الطرف الآخر وفقا لما هو منصوص عليه في الاتفاقية من الشروط. (2) - الآيتان الكريمتان من سورة الإنفال 8: 61- 62.

شروط القبول للجندية

ي- الأسرى: خيّر الاسلام القائد بين أن يمنّ على الأسرى ويطلقهم من غير فدية أو مقابل، أو يأخذ منهم الفدية من مال ورجال، وذلك على حسب ما يرى من المصلحة: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) «1» . لقد حرّم الاسلام قتل الأسير، ومن اسلم امتنع قتله ... ومن أسلم قبل أسره ولو لخوف فهو كالمسلم الأصلي يحرم دمه أيضا. ك- المحافظة على العهود: حثّ الاسلام بصورة خاصة على حفظ العهود، وأوجب الوفاء بها، وحرّم الخيانة فيها والعمل على نقضها، وأرشد الى أن القصد منها إحلال الأمن والسلم محل الاضطراب والحرب، وحذّر أن تكون وسيلة للاحتيال على سلب الحقوق والوقيعة بالضعفاء: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ، وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ. وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) «2» . شروط القبول للجندية لا يقبل في جيش المسلمين إلا من تتوفّر فيه الشروط التالية: 1- البلوغ: اعتبر سنّ البلوغ السادسة عشرة كما هو الحال في أكثر الدول في الوقت الحاضر.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة محمد 47: 4. (2) - الآيتان الكريمتان من سورة النحل 6: 41- 42.

ولا يقتصر التجنيد على الرجال البالغين، بل يشمل النساء البالغات «1» أيضا، فقد استصحب الرسول صلّى الله عليه وسلم النساء في غزواته، بل كان يصحب معه أزواجه بالاقتراع.

_ (1) - يكون واجبهن في القتال تموين المقاتلين والعناية بالمرضى والجرحى ونقلهم من الميدان والاشتراك في القتال إن حزب الأمر وأملت الضرورة القصوى ذلك. انظر صحيح الإمام البخاري: (باب غزو المرأة في البحر) ، وفيه: أن ابنة ملحان تزوجت عبادة بن الصامت فركبت البحر مع بنت فرظة. وانظر: (باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه) ، وفيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النبي (ص) كان إذا اراد أن يخرج أقرع بين نسائه، فأيتهن يخرج سهمها خرج بها النبي (ص) ، فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع النبي (ص) بعد ما أنزل الحجاب. وانظر باب: (غزو النساء وقتالهن مع الرجال) وفيه عن أنس رضي الله عنه قال: (لما كان يوم (أحد) انهزم الناس عن النبي (ص) ، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم وترجعان فتملآنها ثم تجيآن فتفرغانه في أفواه القوم) . وانظر باب: (حمل النساء القرب الى الناس في الغزو) ، وفيه: أن عمر بن الخطاب قال عن أم سليط: (كانت تزفر لنا القرب يوم أحد) . وتزفر: اي تحمل وبمعنى آخر تخيط. وانظر باب: (مداواة النساء الجرحى في الغزو) وفيه عن الربيع بنت معوذ قالت: (كنا مع النبي (ص) نسقي ونداوي الجرحى ونردّ القتلى) . وانظر باب: (رد النساء الجرحى والقتلى) وفيه عن الربيع بنت معوذ قالت: (كنا نغزو مع النبي (ص) فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى الى المدينة) . قال الفقهاء: إن الجهاد فرض كفاية ولا يجب على اصحاب الأعذار لأعذارهم ولا يجب على المرأة لأنها مشغولة بحق زوجها، وحق العبد مقدّم على حق الله. ويدل هذا على ان الزوج إذا أذن لامرأته أن تخرج مجاهدة او اخذها معه في الجهاد لا يكون عليه ولا عليها من بأس في ذلك. ويدل ذلك ايضا على أن المرأة اذا لم تكن ذات زوج تشتغل بحقه فهي والرجل في وجوب الجهاد سواء ... هذا كله إذا لم يهجم العدو، فإذا هجم العدو وجب على جميع الناس ان يخرجوا للدفاع عن الحوزة. انظر بعض التفاصيل عن ذلك في فتح الباري بشرح البخاري 6/ 57- 60، طبعة بولاق بمصر سنة 1300 هـ.

النفير

ولم يعترض أحد على اشتراك النساء في الحرب على عهد الخلفاء الراشدين والأمويين، فلما جاء العباسيون ظهر بعض الفقهاء فأضافوا الى شروط الخدمة العسكرية شرطا خامسا وهو (الذكورة) ، فحرموا الجيش من عنصر فعّال يزيد في عدده ومعنوياته، وهذا منهم انحراف لا يقرّه الإجماع. 2- الاسلام: ليدافع عن بلاد المسلمين عن عقيدة وإخلاص، والعقيدة من أهم أسباب النصر، لأن الانسان بدون عقيدة لا يمكن أن يقاتل قتالا مستميتا، ولا يمكن أن يصمد صمودا عنيدا، لذلك لا يمكن أن ينتصر أبدا. 3- السلامة: تمتّع الجندي بالصحة الكاملة والعقل السليم، ومن أسباب العجز عندهم المرض المزمن، وهو الذي طال عليه الأمد، والعمى. 4- الاقدام: وهو أن يكون قوي البنية، عارفا بالقتال، قادرا على استخدام سلاحه، متحملا مشاق السفر، غير جبان. النفير ينقسم النفير قسمين: لكل قسم موضعه الخاص به. 1- النفير العام: وذلك في حالة الدفاع، أي عند اعتداء العدو على بلاد المسلمين، فعند ذاك يكون النفير عاما، ولا يتخلّف عن الجهاد مسلم إلا ويرمى بالنفاق، ويعاقب بأشدّ العقاب.

2 - النفير الخاص:

إن الجهاد في هذه الحالة (فرض عين) «1» كما يعبّر عنه الفقهاء. والنفير العام معناه دعوة جميع القادرين على حمل السلاح للاشتراك في الحرب. 2- النفير الخاص: وذلك في حالة التعرض أي في حالة مهاجمة العدو في بلاده «2» إذ يدعى نفر من الأمة للفتح، وعند ذاك يكون النفير خاصا، وفي هذه الحالة يكون الجهاد (فرض كفاية) «3» ، كما يعبّر عنه الفقهاء ... والنفير الخاص معناه دعوة بعض القادرين على حمل السلاح للاشتراك في الحرب، أو دعوة القادرين على حمل السلاح في قسم من البلاد. - الخلاصة لقد أوضحنا القتال في الاسلام من الوجهة النظرية، وسنرى التطبيق العملي لكل ما أوضحناه في جهاد الرسول صلّى الله عليه وسلم. ومن ذلك يتضح أن الاسلام يدعو للقتال كضرورة لحماية حرية التوحيد: توحيد الله وتوحيد الناس. إن الاسلام لا يؤمن بالحروب التي تثيرها العصبيّة العنصرية كما يستبعد الحروب التي تثيرها المطامع والمنافع: حروب الاستعمار والاستغلال والبحث عن الأسواق والخامات واستعباد المرافق والرحال، كما يستبعد الاسلام تلك الحروب التي يثيرها حب الأمجاد الزائفة أو حب المغانم الشخصية.

_ (1) - فرض عين: هو النفير العام حسب المصطلحات العسكرية الحديثة. (2) - أي في حالة مهاجمة المسلمين بلاد العدو للفتح أو لأغراض أخرى. (3) - فرض كفاية: هو النفير الخاص حسب المصطلحات العسكرية الحديثة.

إن القتال في الاسلام ليس أساس العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، وهذا طبيعي في دين لا ينشره أصحابه للتوسع الاقتصادي وللاستغلال، دين يحرم العدوان ويشرع التكافؤ والمساواة بين الناس ويجعل مقياس التفاضل بينهم التقوى والعمل الصالح. إن السلم في الاسلام هو القاعدة الثابتة والحرب هي الاستثناء «1» ...

_ (1) - أنظر ما قاله الأستاذ هاك في كتابه: مساهمة الإسلام في السلام العالمي، الذي نشره باللغة الإنكليزية في لاهور عام 1932: (إن الأمم تبذل الكثير من الجهود وتعقد المؤتمرات لمنع التسليح ومنع الحرب، أو للتقليل من فرص إعلانها. ولكن جهودها باءت بالفشل، ذلك لأن الدول إذ تتعهد، لا تقيد نفسها بالمعاهدة إلا حين تنعدم عندها الوسيلة لنقضها؛ حتى إذا ما توفرت عندها القوة الكافية لذلك، أعلنت أن المعاهدة التي أبرمتها وارتبطت ببنودها حبر على ورق. ويقدم لنا التاريخ كثيرا من الأمثلة على ذلك ولو طبقت أحكام الإسلام فيما يتعلق بالحروب والجهاد تطبيقا كاملا، لوجد العالم فيها جنته التي يبحث عنها بدلا من الجحيم الذي هو مسوق إليه، ليطيع كل منا دعوة الله تعالى التي يقول فيها: (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ، وانظر أيضا مقال الدكتور عبد الفتاح حسن عن ميثاق الأمم والشعوب في الإسلام المنشور في مجلة مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة، السنة الثامنة والتاسعة والعاشرة في 381- 382.

قبل نشوب القتال (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) . (القرآن الكريم)

قبل نشوب القتال

الموقف العسكري العام المسلمون 1- في مكة المكرمة (الوحدة والتوحيد من أجل الجهاد) : أ- الدعوة سرا: بدأ العمل للحشد العسكري منذ نزل الوحي على الرسول صلّى الله عليه وسلم، فأخذ يدعو الناس الى توحيد الله وتزكية نفوسهم وتطهيرها، وتوحيد الصفوف وفناء مصلحة الفرق في مصلحة الجماعة: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) «1» . عرض الرسول صلّى الله عليه وسلم الاسلام على آل بيته وأصدقائه الذين يعتمد عليهم، فآمن به الصفوة المختارة الذين كوّنوا النواة الأولى لجيش المسلمين ... واستمرت الدعوة سرا ثلاث سنين حتى نزل قول الله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) «2» . لقد جاهد الرسول صلّى الله عليه وسلم في هذه الفترة ليوحد الله ويوحد العقيدة ويوحد الصفوف ويوحّد الهدف. ب- الدعوة علنا: أخذ الرسول صلّى الله عليه وسلم يدعو قريشا الى الاسلام علنا، وابتدأت قريش تظهر خصومتها للدعوة، وأخذت خصومتهم تشتدّ وتعنف كلما زاد عدد المسلمين.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الحجر 15: 94. (2) - الآية الكريمة من سورة الشعراء 26: 214.

اعتبرت قريش المسلمين عصاة ثائرين، فاستباحت في الحرم الآمن الدماء والأموال من المستضعفين المسلمين ممن لا أعوان لهم يدفعون عنهم الظلم والعدوان. أسلم عمّار بن ياسر وأسلم أبوه وأمّه، فكان المشركون يخرجونهم في الظهيرة الى العراء فيعذبونهم بحرّها، فمات ياسر من العذاب، وأغلظت امرأته القول لأبي جهل، فطعنها بحربة فماتت هي أيضا. ولاقى مثل هذا العذاب ومثل هذا المصير كثير من المستضعفين. ولم تكتف قريش بذلك، بل شنّت حربا من السخرية على الرسول صلّى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، فزعموا أن الرسول ساحر، وزعموا أنه كاهن أو شاعر أو مجنون. وسيطرت قريش على القبائل الوافدة الى مكة المكرمة للحج أو للزيارة أو لأغراض أخرى، فخصصوا جماعة منهم لاستقبال الوافدين لينفروهم عن محمد صلّى الله عليه وسلم ودعوته. ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم كان يذهب الى الحجيج في مجامعهم، ويطلب منهم النصرة على مشهد من رجال قريش. واشتدت مقاومة قريش للمسلمين، فأوعز الرسول صلّى الله عليه وسلم الى المستضعفين منهم والى قسم من أصحابه أن يهاجروا الى الحبشة، وكان ذلك في السنة الخامسة من مبعثه. ورأت قريش انتشار الاسلام، فعزمت على عقد معاهدة تعتبر فيها المسلمين ومن يرضى بدينهم أو يعطف عليهم أو يحمي أحدا منهم حزبا واحدا: لا يبيعونهم شيئا ولا يبتاعون منهم شيئا، ولا يزوجونهم أو يتزوجون منهم؛ وكتبوا ذلك في صحيفة علّقوها في جوف الكعبة توكيدا لنصوصها، فاضطر

ج - بيعة العقبة الأولى:

الرسول صلّى الله عليه وسلم ومن معه أن يلتجئوا الى شعب بني هاشم «1» ، وانحاز إليهم بنو المطّلب كافرهم ومؤمنهم عدا أبا لهب، فقد آزر قريشا في خصومتها لقومه. واشتد الحصار على المسلمين، فقلّ غذاؤهم وكساؤهم، وبلغ بهم الجهد أقصاه، ومع ذلك لم تفتر خصومة قريش في حملتها على الاسلام وأصحابه وتأليبها العرب عليهم في كل مكان. وتحمّل المسلمون هذه المحنة ثلاث سنوات، حتى تيقظ ضمير بعض أفراد قريش، فنقضوا صحيفة القطيعة. ج- بيعة العقبة الأولى: قدم سويد بن الصامت «2» من الأوس الى مكة حاجا، فتصدى له الرسول صلّى الله عليه وسلم ودعاه الى الاسلام، فقال سويد: (إن هذا القول حسن) ثم انصرف الى المدينة وأخبر قومه بما سمع، ولكنه قتل يوم (بعاث) «3» عند نشوب القتال بين قومه الأوس وأعدائهم الخزرج من أهل المدينة المنوّرة.

_ (1) - شعب بني هاشم: وهو شعب أبي يوسف بالقرب من مكة المكرمة، آوى إليه رسول الله (ص) وبنو هاشم لما تحالفت قريش على بني هاشم. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 270. (2) - سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة الأوسي: في إسلامه شك، وقد قدم معتمرا فدعاه رسول الله (ص) الى الإسلام فلم يبعد، وقال: (إن هذا القول حسن) ثم انصرف فقتل، فكان رجال قومه يقولون: إنا لنراه مسلما. أنظر ترجمته في التسلسل 3812 من الإصابة 3/ 189. (3) - بعاث: موضع في نواحي المدينة كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 223.

وخرج الرسول صلّى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج، فرأى سبعة رجال من الخزرج عند (العقبة) «1» ، فعرض عليهم الاسلام، فأجابوه وصدّقوه. فلما عاد هؤلاء الى المدينة المنورة، ذكروا إسلامهم لقومهم، ودعوهم الى الاسلام، فانتشر الاسلام في المدينة المنورة. وبعد عام واحد قدم الى مكة في موسم الحج اثنا عشر رجلا، فلقوا الرسول صلّى الله عليه وسلم في (العقبة) ، فبايعوه على الايمان بالله وحده والاستمساك بفضائل الأعمال والبعد عن الحمية الجاهلية. وبعث النبي صلّى الله عليه وسلم مصعب بن عمير «2» ليتعهّد انتشار الاسلام في المدينة المنورة ويقرأ على أهلها القرآن ويفقههم في الدين، فدخلت في الاسلام جموع غفيرة من أهل (يثرب) «3» . إن بيعة (العقبة) أول نجاح عسكري للرسول صلّى الله عليه وسلم خارج مكة المكرمة،

_ (1) - العقبة: هو الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه وهو طويل صعب الى صعود الجبل، يقع بين منى ومكة، وبين العقبة ومكة نحو ميلين، وعندها اليوم مسجد، ومنها ترمى جمرة العقبة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 7/ 191- 192. (2) - مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري أحد السابقين الى الإسلام، أسلم قديما والنبي (ص) في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، فلما علموا بذلك أوثقوه فلم يزل محبوسا الى أن هرب مع من هاجر الى الحبشة، ثم رجع مع من رجع الى مكة. ولما انصرف الناس من العقبة بعثه النبي (ص) الى المدينة يفقههم. وفي صحيح البخاري: (أول من قدم علينا المدينة مصعب بن عمير وابن أم مكتوم) . شهد بدرا ثم أحدا وكان معه اللواء فاستشهد. وكان أنعم غلام بمكة وأجوده حلة مع أبويه، وقد رآه النبي (ص) مرة فبكى للذي كان فيه من النعمة ولما صار إليه من الفقر. أنظر التفاصيل في الاصابة التسلسل 7996 في 6/ 101، وأسد الغابة 4/ 368. (3) - يثرب: مدينة رسول الله (ص) سماها طيبة وطابة كراهية للتثريب، وسميت مدينة الرسول لنزوله بها. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 498.

د - بيعة العقبة الثانية:

إذ انتشر الاسلام في (يثرب) ، فأصبح للنبي صلّى الله عليه وسلم فيها جنود يعتمد عليهم في الملمات ... د- بيعة العقبة الثانية: لما انتشر الاسلام في المدينة المنورة، خرج منها سبعون رجلا من المسلمين مع قومهم المشركين يريدون لقاء الرسول صلّى الله عليه وسلم في موسم الحج في مكة؛ فلما وصلوا، واعدوا الرسول أن يجتمعوا به ليلا في (العقبة) . ومضى ثلث الليل فأخذوا يتسللون جماعات صغيرة الى المثابة «1» في (العقبة) ، حتى اجتمع هناك سبعون رجلا من الأوس والخزرج معهم امرأتان: نسيبة بنت كعب أم عمارة «2» وأسماء بنت عمرو بن عدي «3» . وجاء النبي صلّى الله عليه وسلم ومعه عمّه العباس وهو حينذاك كافر، ولكنه أراد أن يطمئن الى مصير ابن أخيه.

_ (1) - المثابة: الملجأ. والمثابة: مجتمع الناس. (2) - نسيبة بنت كعب الخزرجية الأنصارية أم عمارة: شهدت بيعة العقبة الثانية وكان معها زوجها زيد بن عاصم وابناها منه حبيب الذي قتله مسيلمة الكذاب بعد وعبد الله. شهدت (أحدا) مع زوجها زيد. قالت نسيبة: خرجت يوم (أحد) ومعي سقاء فيه ماء، فانتهينا الى رسول الله (ص) وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله (ص) فكنت أباشر القتال وأذبّ عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي. قال رسول الله (ص) عنها: (ما التفت يمينا ولا شمالا يوم (أحد) إلا وأنا أراها تقاتل دوني) . شهدت اليمامة تحت راية خالد بن الوليد ومعها ابنها عبد الله وقطعت يدها في الحرب وجرحت اثني عشر جرحا. أنظر التفاصيل في طبقات ابن سعد 8/ 412، والإصابة 8/ 198، والاستيعاب 4/ 1948 في التسلسل 4190، وفتح الباري بشرح البخاري 6/ 59. (3) - أسماء بنت عمرو بن عدي الأنصارية السلمية أم معاذ بن جبل، كنيتها أم منيع، كانت مع من شهد العقبة الثانية مع السبعين. أنظر التفاصيل في الإصابة 8/ 8، في التسلسل 47.

وتكلم العباس وتكلم بعده الرسول صلّى الله عليه وسلم وتلا القرآن ورغّب في الاسلام، ثم قال: (أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم) فبايعوه على ذلك وهم يقولون: (لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا «1» ، فبايعنا يا رسول الله، فو الله نحن أبناء الحروب، وأهل الحلقة «2» ورثناها كابرا عن كابر) . وأمرهم الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يخرجوا اثني عشر نقيبا «3» يكونون على قومهم، فأخرجوا منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس ... وبذلك بدأ الرسول صلّى الله عليه وسلم بتنظيم أتباعه خارج مكة المكرمة. واستمع أحد المشركين- وهو يتجوّل مصادفة بين مضارب الخيام ومنازل الحجيج- ما دار في هذا الاجتماع، فصرخ ينذر أهل مكة: إن محمدا والصبّاء «4» معه قد اجتمعوا على حربكم. لم يكترث المبايعون بانكشاف أمرهم، بل أرادوا مهاجمة قريش بأسيافهم، ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم أمرهم بالعودة الى رحالهم ... لأن الله سبحانه وتعالى لم يأذن لهم بالقتال بعد ... فلما أصبحوا جاءهم رجالات قريش فقالوا: (يا معشر الخزرج! إنه قد بلغنا أنكم جئتم الى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حيّ من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم) .

_ (1) - أزرنا: يعني نساءنا، والمرأة يكنى عنها بالإزار. (2) - الحلقة: السلاح عامة، والدروع خاصة. (3) - النقيب: كبير القوم المعنيّ بشؤونهم. وفي التنزيل العزيز: (وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) . (4) - الصبّاء: من يتركون دينهم ويدينون بآخر.

هـ - الحشد في المدينة المنورة:

ولكن مشركي الخزرج الذين لم يكونوا يعلمون بتفاصيل بيعة (العقبة) ، حلفوا لقريش: (إنه ما كان من هذا الشيء وما علموه) ، فصدّقت قريش. إن بيعة العقبة الثانية نجاح عسكري آخر للرسول صلّى الله عليه وسلم. هـ- الحشد في المدينة المنورة: أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم مسلمي مكة المكرمة بالهجرة الى إخوانهم في المدينة المنورة، فهاجر المسلمون بالتعاقب تاركين أموالهم وأهليهم هناك. واجتمع رجالات قريش في (دار الندوة) ، وقرّروا أن يأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسطا فتيا، ثم يعطون كل فتى من هؤلاء سيفا صارما، ويرسلونهم لاغتيال الرسول صلّى الله عليه وسلم، حتى يتفرق دمه في القبائل كلها، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلها، فيرضون بالديّة. ولكن الرسول صلّى الله عليه وسلم، علم بهذه المؤامرة فهاجر مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه الى المدينة المنورة ليلة تنفيذها، واستطاع الوصول سالما الى المدينة، على الرغم من تشبّث قريش الشديد بالقبض عليه. وترامت أخبار المهاجر العظيم الى المدينة، فكان أهلها يخرجون كل صباح لاستقباله، فإذا اشتد الحرّ عادوا الى بيوتهم؛ فلما وصل قريبا من المدينة، خرج أهلها لاستقباله بالسلاح، ولبست المدينة حلّة العيد ... إن هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة معناها: اجتماع القائد بجنوده في قاعدتهم الأمينة ... وبهجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة نشأت الدولة الاسلامية، فتاريخ هذه الدولة مقترن بالتاريخ الهجري، وباستقراره عليه الصلاة والسلام في المدينة ظهر عنصر (السلطة) متركزة في شخصه الكريم باعتباره الرئيس الأعلى لجماعة المسلمين التي اتخذت المدينة المنورة مقرا لها وقاعدة أمينة.

2 - في المدينة المنورة: (الجهاد من أجل الوحدة والتوحيد) .

2- في المدينة المنورة: (الجهاد من أجل الوحدة والتوحيد) . أ- بناء المسجد: انتخب الرسول صلّى الله عليه وسلم موضعا لبناء مسجده في المدينة المنورة، وبدأ بناءه باللبن، والحجارة واشترك مع أصحابه في حمل اللبنات والأحجار على كواهلهم، فتم بناء المسجد: فراشه الرمل والحصى، وسقفه الجريد، وأعمدته الجذوع. وتم ببناء هذا المسجد بناء (الثّكنة) «1» الأولى في الاسلام ... ب- الاخوّة: آخى الرسول صلّى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، حتى يتعاونوا على أسباب العيش ويكون الجميع يدا واحدة تعمل لهدف واحد. آخى بين عبد الرحمن بن عوف «2» وسعد بن الربيع «3» ، فقال سعد لعبد الرحمن:

_ (1) - الثكنة: مجتمع الجند، جمع ثكن وثكنات. (2) - عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي يكنى أبا محمد، كان اسمه في الجاهلية: عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة، فسماه رسول الله (ص) : عبد الرحمن. ولد بعد الفيل بعشر سنين أي سنة أربع وأربعين قبل الهجرة (580 م) ، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله (ص) (دار الأرقم) ، وكان من المهاجرين الأولين، جمع الهجرتين جميعا: هاجر الى الحبشة وهاجر الى المدينة. آخى الرسول (ص) بينه وبين سعد بن الربيع، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله (ص) ، وبعثه الرسول (ص) الى (دومة الجندل) الى بني كلب وأوصاه بوصاياه لأمراء سراياه. كان أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشورى فيهم. وصلى رسول الله (ص) خلفه في سفرة وقال عنه: (عبد الرحمن بن عوف أمين في السماء وأمين في الأرض) . وكان أمين رسول الله (ص) على نسائه. كان يحترف التجارة والبيع والشراء فاجتمعت له ثروة كبيرة: تصدق يوما بقافلة فيها سبعمائة راحلة تحمل الحنطة والدقيق والطعام، ولما حضرته الوفاة أوصى بألف فرس وخمسين ألف دينار في سبيل الله، وله في الصحيحين خمسة وستون حديثا. وقد توفي بالمدينة المنورة سنة اثنتين وثلاثين للهجرة (652 م) . أنظر التفاصيل في طبقات ابن سعد 3/ 124، والإصابة 4/ 176، تسلسل 5171، وأسد الغابة 3/ 313، والاستيعاب 2/ 844، التسلسل 1447، والأعلام 4/ 95. (3) - سعد بن الربيع الخزرجي الأنصاري: أحد النقباء، شهد بيعة العقبة الأولى-

ج - المعاهدات:

(إني أكثر الأنصار مالا، فاقسم مالي الى نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمّها لي، أطلّقها؛ فإذا انقضت عدّتها، فتزوجها) ... هذا مثال من الإيثار الذي كان نتيجة لهذا التآخي. وظلت عقود الإخاء مقدّمة على حقوق القرابة في توارث التركات الى موقعة (بدر) ، حيث استقرّ أمر المسلمين؛ فألغى التوارث بعقد الأخوّة ورجع الى زوي الرحم ... إن هذا التآخي جعل المسلمين كرجل واحد: يؤمن بعقيدة واحدة، ويعمل لهدف واحد، بإمرة قائد واحد. ج- المعاهدات «1» : عقد الرسول صلّى الله عليه وسلم معاهدة بين المسلمين من جهة ويهود والمشركين من أهل المدينة المنورة من جهة أخرى، وادعهم فيها وأقرّهم على دينهم وأموالهم.

_ - والثانية وشهد (بدرا) وقتل يوم (أحد) . قال رسول الله (ص) يوم (أحد) : (من يأتيني بخبر سعد بن الربيع) ؟ فقال رجل: أنا. وذهب الرجل يطوف بين القتلى، فقال له سعد: (ما شأنك) ؟ قال: بعثني رسول الله (ص) لآتيه بخبرك، فقال سعد: (فاذهب إليه فأقرئه مني السلام وأخبره أني طعنت اثنتي عشرة طعنة، وأني قد أنفذت مقاتلي، وأخبر قومك أنهم لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله (ص) وأحد منهم حي) ، فرجع الرجل الى النبي (ص) فأخبره، فقال: (رحمة الله! نصح لله ولرسوله حيا وميتا) . آخى رسول الله (ص) بينه وبين عبد الرحمن بن عوف فأراد أن يناصفه أهله وماله، وكان له زوجتان، فقال له عبد الرحمن: (بارك الله لك في أهلك ومالك! دلوني على السوق) . أنظر التفاصيل في طبقات ابن سعد 7/ 612، والإصابة 3/ 77، التسلسل 3147، وأسد الغابة 2/ 277، والاستيعاب 2/ 589، التسلسل 931. (1) - نص المعاهدة: -

وفي هذه المعاهدة نظّم الرسول صلّى الله عليه وسلم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية لسكان المدينة المنورة من المسلمين والمشركين ويهود.

_ - بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم ... إنهم أمة واحدة من دون الناس. المهاجرون من قريش على ربعتهم (أي على أمرهم الذي كانوا عليه) يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، (ثم ذكر كل بطن من بطون الأنصار وأهل كل دار الى أن قال) وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا (أي المثقل بالدين والعيال) ، بينهم أن يعطوه بالمعروف وفي فداء أو عقل. ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم (أي طبيعته) أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم. ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن. وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم. وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. وإن من تبعنا من اليهود فان له النصر والأسوة (أي المساواة في المعاملة) غير مظلومين ولا متناصر عليهم، وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء بينهم، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا. وأن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض (أي أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض فيما ينال دماءهم) بما نال دماءهم في سبيل الله. وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه. وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن. وإنه من اعتبط (أي قتله بلا جناية كانت منه أو جريرة توجب قتله) مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود به إلا أن يرضي ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة ولا يحلّ لهم إلا قيام عليه، وأنه لا يحل لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر محدثا (أي جانيا) ولا يؤويه، وإنه من نصره وآواه فان عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فان مرده الى الله والى محمد عليه الصلاة والسلام، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم، فانه لا يوتغ (أي يهلك ويفسد) إلا نفسه وأهل بيته. وإن ليهود بني النجار ويهود بني الحارث ويهود بني ساعدة ويهود بني جشم ويهود بني الأوس، ويهود بني ثعلبة ولجفنة ولبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف. وإن موالي ثعلبة كأنفسهم. وإن بطانة يهود كأنفسهم. وأن لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد، وإنه لا يتحجر (أي لا يلتئم جرح) على ثأر جرح وإنه من فتك فبنفسه وأهله إلا من ظلم. وإن الله على أبر هذا. وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم. وإن بينهم النصر على من حارب هذه الصحيفة. وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفة. وإن النصر للمظلوم. وإن-

نظّم بها الحياة الاقتصادية، فالفقير يجد معاونة من الغني في معيشته وفك ديونه وتحمّل فدائه وديّته. ونظّم بها الحياة الاجتماعية، فالجار له حرمة من جاره، وسكان المدينة المنورة آمنون فيها من القتل والاغتيال والغدر، ولكل دينه الذي هو عليه، والمجرم ينال عقابه على جرمه دون أن يحول دون تنفيذ العقاب عليه حائل، وليس هناك ما يفرّق بين الصفوف من دين أو أغراض أخرى. هاتان الناحيتان: الاقتصادية والاجتماعية، واضحتان ومفهومتان في هذه المعاهدة، وإنما يهمنا الناحية العسكرية فيها بالدرجة الأولى. لقد نصّت المعاهدة على قيادة محمد صلّى الله عليه وسلم لسكان المدينة المنورة كافة: مسلمين ومشركين ويهود. فإليه يرجع الأمر كله، وله أن يحكم في كل اختلاف يقع بين السكان، وبذلك أصبح النبي صلّى الله عليه وسلم (قائدا) في المدينة المنورة. كما نصّت المعاهدة على تعاون أهل المدينة في ردّ كل اعتداء يقع عليها من الخارج، وبذلك توحّدت صفوف أهل المدينة وأصبح لهم هدف، هي الدفاع عن المدينة ضد كل اعتداء خارجي.

_ - اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وإن (يثرب) حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم. وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها. وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث او اشتجار يخاف فساده، فان مرده الى الله والى محمد رسول الله. وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة، وأبره، وانه لا تجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم (يثرب) ، وإذا دعوا الى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه. وإنهم إذا دعوا الى مثل ذلك فان لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصّتهم من جانبهم الذي قبلهم. وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة. وإن البر دون الاثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه. وإن الله أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإن من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم وإن الله جار لمن برّ واتقى.

3 - النتائج:

كما أعلنت المعاهدة بصراحة، أنه لا يجوز لمشرك من أهل المدينة أن يجير مالا لقريش ولا نفسا، وأن اليهود يعاونون المؤمنين في النفقة عليهم ما داموا محاربين، وبذلك أو شك الكفاح بين المسلمين وقريش أن يبدأ. بهذه المعاهدة استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يجعل أهل المدينة كلهم على اختلاف أديانهم وميولهم وأهوائهم يدا واحدة على أعدائهم. لقد أنجز الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذه المعاهدة الاستعدادات كافة لحشد قواته في مكان واحد تحت قيادة واحدة، فأصبحت مهيئة للدفاع عن الاسلام. لقد عمل في هذه الفترة على الاستعداد للجهاد، فلما أكمل توحيد رجاله بدأ الجهاد. 3- النتائج: لقد استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يلجأ الى المدينة ويحشد قواته فيها، ويوحّد صفوف سكانها على اختلاف ميولهم وأهوائهم ودياناتهم، ويجعلهم كتلة متّحدة للدفاع عنها ضد الغارات الخارجية، وكتلة واحدة للقضاء على الاختلافات الداخلية. وعلى الرغم من أن المسلمين وحدهم- على قلّتهم يومذاك- هم جيش الرسول صلّى الله عليه وسلم الذي يعتمد عليه في كفاح أعدائه، إلا أن الرسول صلّى الله عليه وسلم استطاع أن يغرس فيهم عقيدة راسخة يؤمنون بها كل الإيمان، وأن يجعل لهم أهدافا واضحة كل الوضوح يبذلون في سبيل تحقيقها أرواحهم وأموالهم. لقد كانت أهدافهم الدفاع عن الإسلام والعمل على حماية حرية انتشاره؛ وفي سبيل الدفاع عن الاسلام وفي سبيل حماية حرية انتشاره بين الناس يبذلون كل غال ورخيص.

العرب والروم والفرس

لقد تهيأ الآن للرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام جيش يجمعه هدف موحّد، يأتمر بأمر قائد واحد، ويستند إلى قاعدة أمينة، وبذلك تهيأت للمسلمين- رغم قلة عددهم- كل أسباب النجاح عند نشوب القتال. العرب والروم والفرس 1- العرب: الشعب العربي يمثل أقدم الشعوب الساميّة وأكثرها نقاء، لانعزاله في الجزيرة العربية، ولم ينجح أحد من الغزاة في دخول هذه الجزيرة، واستمر بقاؤه فيها ردحا طويلا. والعرب قسمان: عدنانيون، أي عرب الشمال. وقحطانيون، أي عرب الجنوب. وهذا التقسيم لا يستند الى أساس عنصري، بل الى ظروف زمانية ومكانية أدّت الى فروق في اللهجة والثقافة. وقد أيدت الكشوف الأثرية وجود أربع دول متحضّرة على الأقل في الجنوب، وهي معين وسبأ وحضرموت وقتبان. كما تكونت في المنطقة الشمالية كثير من الدول العربية المتحضرة كدولة اللحيانيين في منطقة (الحجر) على خليج العقبة، ودولة الأنباط في جنوبي سورية، ومملكة تدمر في بادية الشام، ودولة المناذرة على حدود العراق، ومملكة الغساسنة في الشام، ومملكة كندة في نجد. وكانت لهذه الممالك حضارات راقية، ولكنّ حضارة العرب قبل الإسلام تدهورت، فانحطّ المستوى الديني، وتحكمت فيهم بعض العادات، كالعصبية والثأر ... كانت أبرز القبائل العربية وأقواها قبيل الإسلام هي قريش التي كانت

2 - الروم:

تسكن مكة المكرمة، وكان الحكم بمكة بيد الأشراف ورؤساء الأسر وأهل القوة وأصحاب الأموال. وقد أصبح لمكة بسبب موقعها على الطرق التجارية ولسبب حرمتها الدينية أهمية كبيرة، كما أن الناس احترموا قريشا، لأنهم جيران بيت الله الحرام، فلا يجترىء عليهم أحد، وهذا حفظ تجارتهم من تحرّش كثير من البدو. ولما كانت مكة بواد غير ذي زرع، كان عامة أهلها يشتغلون بالتجارة. لم يكن عند العرب عقيدة دينية تقوم على أساس صحيح، فقد كانت آراؤهم الدينية ساذجة حينذاك، فاعتقد البدوي أن في الدنيا قوى خارقة تسيطر عليه بتسليطها الجن والشياطين، ويرون أن الجن لهم اتصال بالكهّان والسحرة؛ لذلك كان هؤلاء يتكهنون عن المستقبل، فاهتموا بالسحر والكهانة واستعمل الكهنة لغة مسجّعة مبهمة. واعتنق قليل من العرب المسيحية واليهودية، وكان قليل منهم موحدين. لقد كانت الجزيرة في فترة تدهور وانقسام سياسي، وفي فترة ركود حضاري، مرتبكة في سير حياتها الاجتماعية، مضطربة في حالتها الاقتصادية، منحطة في مستواها الديني. في هذه الظروف ظهر الإسلام، فهاجم الرسول صلّى الله عليه وسلم النظام القبلي والفردية المتطرفة وإهمال الدين، وحمل على الاستغلال المادي والظلم الاجتماعي، وبذلك كان ظهور الإسلام أكبر ثورة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية ظهرت في العالم عامة، إذ جاء الإسلام دولة ودينا للناس كافة. 2- الروم: كان الجيش الروماني مرتكزا على الحكم الإقطاعي، وذلك أن كل نبيل

3 - الفرس:

يعدّ قائدا لجماعته، وكان هؤلاء النبلاء يمنحون الأراضي والعقارات الشاسعة لإعاشة أتباعهم. وقد أدى ذلك إلى حدوث حروب داخلية، وبخاصة عندما تضعف الحكومة المركزية في القسطنطينية، فقد كان كل نبيل يطمع في توسيع ملكه وسلطته على حساب غيره من النبلاء، بل كان قسم من النبلاء ينتقضون حتى على الحكومة المركزية في بعض الأحيان. واعتمد الرومان على الغساسنة والقبائل العربية الأخرى لحماية حدودهم الجنوبية التي تحد الجزيرة العربية وحدودهم الجنوبية الشرقية التي تحد فارس. وقد اشتدت الاختلافات بين طوائف المسيحيين قبل الإسلام، حتى شملت العامة والخاصة على حد سواء، وحتى اشتغل الناس بالجدل فيها أكثر من اشتغالهم بكل عمل آخر، وشمل هذا الجدل طبقات الناس كافة في مختلف الأماكن والأوقات. إن المسيطر على الجيش الروماني حينذاك هو الارتزاق، وكثيرا ما كانت أعطيات الجند تتأخر عن مواعيدها لارتباك الحالة المالية للدولة، فيتذمر الجنود، ولم يكن للجيش هدف معيّن يوحّد صفوفه ويسعى لتحقيقه غير الارتزاق. وهكذا كان جيش الروم جيشا مرتزقا يقوده قادة من النبلاء يتولون مناصبهم غالبا بالوراثة لا بالكفاية والمقدرة. 3- الفرس «1» : كانت القوات العسكرية للفرس مشابهة للقوات العسكرية عند الروم، فكان المرازبة والدهاقين يتولون قيادة الجيوش ويتحكمون في الأراضي الشاسعة والعقارات الكبيرة.

_ (1) - أنظر التفاصيل في مقدمة كتابنا: قادة فتح بلاد فارس.

4 - النتائج:

كما اعتمدوا على المناذرة لحماية حدودهم الجنوبية المتاخمة للجزيرة العربية وحدودهم الجنوبية الغربية المتاخمة للروم. وكانت العقيدة المجوسية مسيطرة على الفرس وأكثر أتباعهم، ولم يكن للجيش هدف يوحّذ صفوفه ويسعى لتحقيقه غير الارتزاق أيضا ... كما كانت قيادته غالبا وراثية وقادته يعتمدون على حسبهم ونسبهم وحظوتهم لدى الأكاسرة لا على قابلياتهم العسكرية وكفاياتهم في القتال. 4- النتائج: على الرغم من كثرة القبائل العربية قبل الإسلام، فانها كانت متفرقة لا تخضع إلا لسيطرة رؤسائها الذين تسيطر عليهم أهواؤهم ورغباتهم الشخصية. كما أن النظام العسكري في كل من الامبراطوريتين الفارسية والرومية كان فاسدا. ولم يكن لكل من هؤلاء العرب والفرس والروم أهداف يؤمنون بها ويضحون في سبيل تحقيقها. لقد كانوا أعدادا ضخمة ولكن بلا نظام، وكان المسلمون قليلين ولكنهم منظمون. مناقشة الموقف العسكري للطرفين أصبح واضحا من دراسة الموقف العسكري للطرفين، أن المسلمين- على قلتهم- كانوا أقوى من أعدائهم المشركين والروم والفرس- على كثرتهم- ذلك لأن المسلمين يتميزون على أعدائهم بعقيدتهم الراسخة وإيمانهم العميق بأهدافهم، وبذلهم عن طيبة خاطر كل ما يملكونه في سبيل تحقيق تلك الأهداف.

لقد رأينا في الحرب العالمية الثانية وفي كل الحروب القديمة والحديثة، كيف أن المتحاربين يحاولون بشتى الطرق إقناع جيوشهم بعدالة قضيّتهم، ليدفعوا تلك الجيوش الى التضحية في سبيل تلك القضية. بذل كل من الحلفاء ودول المحور في الحرب العالمية الثانية أقصى جهودهم لإقناع أممهم والشعوب الأخرى بسموّ أهدافهم التي يحاربون من أجلها. لقد فعل الحلفاء والمحور كل ذلك لغرض واحد: هو جعل جنودهم يقاتلون في سبيل هدف معين، وجعل شعوبهم والشعوب الأخرى تؤمن بهذا الهدف؛ وبهذا وحده يمكن أن يضحّي الجندي بنفسه في ساحات القتال مقبلا غير مدبر وتضحي الأمة بما تملكه ماديا ومعنويا في سبيل تحقيق تلك الأهداف. إنّ كل جيش يحارب (بعقيدد) لتحقيق هدف (معيّن) لا بد أن (يستقتل) في سبيل عقيدته وهدفه، وبذلك يصعب قهره إذا لم يكن قهره مستحيلا. وقد يخفق في معركة محدودة، ولكن النتيجة مضمونة له على كل حال. أما الجيش الذي لا عقيدة له ولا هدف، فما أسهل أن تتحطم معنوياته عند الخطر ... إذا كانت لديه معنويات!! وما أصدق نابليون حين يقول: (إن العامل المعنوي في الحرب أكثر أهمية من العامل المادي بنسبة ثلاثة الى واحد) ... إنّ الموقف العسكري كان بجانب المسلمين نتيجة للاستعدادات الدقيقة المتميزة التي أنجزها الرسول صلّى الله عليه وسلم. وقد كان الوقت في صالح المسلمين أيضا، لأنه كلما مرّت الأيام ازداد المسلمون عددا وقوة وازداد إيمانهم بعقيدتهم وتفانيهم في سبيلها.

إنّ قضية تغلّب المسلمين القليلين على أعدائهم الكثيرين، كانت متوقعة النتائج من الوجهة العسكرية قبل نشوب القتال، نظرا لإعداد قوات المسلمين على نظام رصين مكين، ونظرا لأن نظام أعدائهم كان فاسدا من كل الوجوه. ولعل في توضيح الموقف العسكري للطرفين ما يعطي بعض الجواب للمؤرخين وللمفكرين العسكريين عن تساؤلهم: كيف تم الفتح الاسلامي بمثل تلك السرعة، فاستطاع المسلمون في خلال ثلاثين سنة فقط من ظهور دعوتهم، أن يكونّوا دولة تمتد من الصين شرقا الى حدود فرنسا غربا والى سبريا شمالا والى المحيط الهندي جنوبا؟ ...

الدفاع عن العقيدة (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) . (القرآن الكريم)

الدفاع عن العقيدة

دوريات القتال والاستطلاع الاولى «1» الموقف العام 1- المسلمون: استقرّ المهاجرون في المدينة المنورة، وآخى الرسول صلّى الله عليه وسلم بينهم وبين الأنصار، فأصبحوا إخوانا في الله. ومعنى الإخاء أن تذوب العصبيّات الجاهلية، فلا حميّة إلا للإسلام؛ وأن تذهب فوارق النسب واللون والوطن. وقد ظلت عقود الإخاء هذه مقدمة على حقوق القرابة حتى في توارث التركات الى موقعة بدر، إذ بقي بعدها الإخاء المعنوي وانفصم الإخاء المادي في المواريث. 2- المشركون ويهود: أ- المشركون: يتربّص الأعراب المجاورون للمدينة الدوائر بالمسلمين، ويحاولون انتهاز فرصة سانحة للإيقاع بهم.

_ (1) - الدوريات: هي مفارز واجبها جمع المعلومات عن قوة العدو وتسليحه وعن الأرض، وهي نوعان: أ- دوريات استطلاع: وهي المفارز التي تحصل المعلومات دون قتال، لذلك تكون صغيرة العدد سريعة الحركة. ب- دوريات قتال: وهي المفارز التي محصل المعلومات بالقتال، لذلك تكون قوية في عددها وعددها.

ب - يهود:

وتحاول قريش جهدها القضاء على المسلمين في موطنهم الجديد، بعد أن أحفقت في القضاء عليهم بمكة، كما يتمنى مشركو المدينة ومنافقوها أن يتخلصوا من المسلمين الدخلاء الذين استجابوا لله وللرسول صلّى الله عليه وسلم. ب- يهود: طمع يهود أول وصول النبي صلّى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة أن يضمّوه إليهم، فوادعوه وعاهدوه على حرية نشر الدعوة للدين الجديد. ولكنهم لم يلبثوا حين رأوا أمر المسلمين يستقر ويسمو ويشتد، أن بدأوا يقلبون للمسلمين ظهر المجن ويعملون للوقيعة بينهم؛ فلم يتركوا وسيلة للدس وإثارة البغضاء بين المهاجرين والأنصار ولإيقاظ الأحقاد الماضية بين الأوس والخزرج بذكر يوم (بعاث) ورواية ما قيل فيه من الشعر ... إلا استغلوها أشنع استغلال. الهدف الحيوي للدوريات إشعار المشركين ويهود والمنافقين بقوة المسلمين، لكي يتركوا أحرارا في نشر دعوتهم والدفاع عن عقيدتهم ضد المعتدين. سير الحوادث (راجع الملحق أ) سرية حمزة 1- قوات الطرفين: أ- المسلمون: دورية قتال تتألف من ثلاثين راكبا من المهاجرين بقيادة حمزة بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلّى الله عليه وسلم.

سرية عبيدة بن الحارث

ب- المشركون: قافلة تجارية لقريش يحميها ثلاثمائة راكب بقيادة أبي جهل بن هشام. 2- الهدف: الوصول الى (العيص) «1» على ساحل البحر الأحمر، لتهديد طريق تجارة قريش بين مكة والشام. 3- النتائج: وصلت قوات المسلمين الى ساحل البحر الأحمر ناحية (العيص) على الطريق التجارية الحيوية بين مكة والشام، وهددت قافلة قريش التجارية فعلا، إلا أن (مجدي بن عمرو الجهني) حجز بين الطرفين، فعاد المسلمون دون قتال. سرية عبيدة بن الحارث «2» 1- قوات الطرفين: أ- المسلمون: دورية قتال بقوة ستين رجلا من المهاجرين بقيادة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف.

_ (1) - العيص: موضع في بلاد بني سليم به ماء يقال له: ذنبان العيص، وهو من ناحية ذي المروة على ساحل البحر الأحمر بطريق قريش التي كانوا يأخذون منها الى الشام. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 6/ 248. (2) - عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي: أسلم قديما وكان أسنّ بني عبد مناف يومئذ، وكان أسنّ من رسول الله (ص) بعشر سنين. جرح يوم بدر ومات شهيدا من جرحه. أنظر طبقات ابن سعد 3/ 50، والإصابة 4/ 39، وأسد الغابة 3/ 383، والاستيعاب 3/ 1030.

سرية سعد بن أبي وقاص

ب- المشركون: أكثر من مائتي راكب وراجل بقيادة أبي سفيان بن حرب، وفي رواية أنه كان على القوم عكرمة بن أبي جهل. 2- الهدف: الوصول الى (وادي رابغ) «1» لتهديد تجاره قريش بين مكة والشام. 3- النتائج: وصلت قوات المسلمين الى (وادي رابغ) على الطريق التجارية لقريش بين الشام ومكة، وكان بين المسلمين والمشركين مناوشة، ورمى سعد بن أبي وقاص يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمى به في الإسلام. وعاد الطرفان دون قتال، بعد أن أظهر المسلمون للمشركين قوّتهم. سرية سعد بن أبي وقاص «2» 1- قوات الطرفين: أ- المسلمون: دورية قتال تتألف من عشرين رجلا من المهاجرين بقيادة سعد بن أبي وقاص. ب- المشركون: قافلة تجارية لقريش بحماية عدد غير معروف من رجالهم.

_ (1) - وادي رابغ: واد يقطعه الحاج بين البزواء والجحفة دون عزور. وهو بين الجحفة وودّان. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 4/ 202. (2) - أنظر ترجمته في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة 221- 268.

غزوة ودان (وهي غزوة الأبواء)

2- الهدف: الوصول الى (الخرّار) «1» لتهديد طريق قريش التجارية بين مكة والشام. 3- النتائج: لم يستطع سعد بن أبي وقاص اللحاق بالقافلة، ففاتته، لأن عيون قريش علمت بخروج المسلمين إليهم، فأسرعوا بالحركة قبل أن يداهمهم الخطر. غزوة ودّان «2» (وهي غزوة الأبواء) 1- قوات الطرفين: أ- المسلمون: دورية قتال تتكون من مائتي راكب وراجل بقياده الرسول صلّى الله عليه وسلم. ب- المشركون: قوة من قريش ومن بني ضمرة. 2- الهدف: الوصول الى (ودّان) لتهديد طريق قريش التجارية بين مكة والشام والعمل على التحالف مع القبائل المسيطرة على هذه الطريق.

_ (1) - الخرار: موضع بالحجاز قرب الجحفة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 407. (2) - ودان: قرية قريبة من الجحفة، وهناك ودان بين الأبواء والجحفة، وهي من الجحفة على مرحلة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 405.

غزوة بواط

3- النتائج: وصلت قوات المسلمين الى (ودّان) إلا أنها لم تصطدم بقريش، بل لاقت بني ضمرة وعلى رأسهم مخشيّ بن عمرو الضمري وكان سيد بني ضمرة، فوادعه الرسول صلّى الله عليه وسلم على ألّا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه ولا يكثروا عليه جمعا ولا ولا يعينوا عدوا، وكتب بذلك بينه وبينهم كتابا. غزوة بواط «1» 1- قوات الطرفين: أ- المسلمون: دورية قتال من مائتي راكب وراجل بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. ب- المشركون: قافلة تجارية لقريش بحماية مائة راكب وراجل يقودهم أمية بن خلف الجمحي. 2- الهدف: الوصول الى (بواط) من ناحية جبل (رضوى) على الطريق التجارية لقريش بين مكة والشام. 3- النتائج: وصلت قوات المسلمين الى (بواط) ، ولكن عيون قريش علمت بخروج

_ (1) - بواط: جبل من جبال جهينة بناحية رضوى. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 297.

غزوة ذي العشيرة

تلك القوات، فأسرعت قافلتهم بحركتها، وسلكت طريقا غير طريق القوافل المعبّدة، ففاتت القافلة على المسلمين، فرجع الرسول صلّى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا. وقد بقي المسلمون في (بواط) ما يقارب الشهر الواحد. غزوة ذي العشيرة «1» 1- قوات الطرفين: أ- المسلمون: دورية قتال من مائتي راجل وراكب بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. ب- المشركون: بنو (مدلج) وأحلافهم من بني ضمرة وقافلة تجارية لقريش بقيادة أبي سفيان ابن حرب. 2- الهدف: الوصول الى موضع (العشيرة) في منطقة (ينبع) «2» على الطريق التجارية لقريش بين مكة والشام، للتفاهم مع القبائل وإظهار قوة المسلمين للمشركين. 3- النتائج: أقام المسلمون شهرا في (العشيرة) ، فوادعوا بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ... أما قافلة قريش فتملّصت من المرور (بالعشيرة) . وعاد المسلمون دون قتال.

_ (1) - ذو العشيرة: موضع من ناحية ينبع بين مكة والمدينة وهو حصن صغير بين ينبع وذي المروة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 6/ 181. (2) - ينبع: قربة غناء فيها حصن ونخيل وماء وزرع، وهي بين مكة والمدينة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 526.

غزوة بدر الأولى

غزوة بدر الأولى 1- قوات الطرفين: أ- المسلمون: دورية قتال تتألف من حوالي مائتي راكب وراجل بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. ب- المشركون: قوات خفيفة سريعة أغارت على مراعي ضواحي المدينة المنورة واستاقت قسما من إبل وأغنام المسلمين. 2- الهدف: مطاردة قوات المشركين واستعادة الغنم والإبل المنتهبة من المسلمين. 3- النتائج: وصلت قوات المسلمين الى (وادي سفوان) «1» قريبا من (بدر) فلم تدرك قوات المشركين، فعادت أدراجها بدون قتال. سرية عبد الله بن جحش الأسدي «2» 1- قوات الطرفين: أ- المسلمون: دورية استطلاعية بقوة قوامها اثنا عشر رجلا من المهاجرين بقيادة عبد الله

_ (1) - وادي سفوان: واد من ناحية بدر. أنظر معجم البلدان 5/ 90. (2) - عبد الله بن جحش الأسدي القرشي، أبو محمد وأمه أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله (ص) . أسلم قبل دخول النبي (ص) دار الأرقم، وشهد بدرا واستشهد يوم (أحد) . أنظر طبقات ابن سعد 3/ 89، وأسد الغابة 3/ 131، والاصابة 4/ 46، والاستيعاب 3/ 877.

ابن جحش. تحركت الدورية في شهر رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مهاجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم «1» ، ومع قائدها رسالة (مكتومة) أمره الرسول صلّى الله عليه وسلم ألا يفتحها إلا بعد يومين من مسيره فإذا فتحها وفهم ما فيها، مضى في تنفيذها غير مستكره أحدا من أفراد قوته على مرافقته! ... كان مضمون الرسالة: (إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل (نخلة) بين مكة والطائف، (فترصّد) بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم) . أطلع عبد الله رجاله على كتاب الرسول صلّى الله عليه وسلم، وأخبرهم أن الرسول صلّى الله عليه وسلم نهاه ألا يستكره أحدا منهم على مرافقته ... فلم يتخلف منهم واحد. ومضى عبد الله بقوته هذه عدا سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان اللذين ذهبا يطلبان بعيرا لهما ضلّ، فأسرتهما قريش، حتى نزل أرض (نخلة) فمرّت قافلة قريش، فهاجمها المسلمون، فقتل في هذه المعركة من المشركين عمرو بن الحضرمي وأسر المسلمون رجلين «2» من قريش وفرّ الرابع الى قريش. وعاد عبد الله بالقافلة والأسيرين الى المدينة المنورة. ب- المشركون: قافلة تجارية بحماية أربعة رجال من قريش بقيادة عمرو بن الحضرمي. 2- الهدف: الوصول الى (نخلة) واستطلاع أخبار قريش والحصول على المعلومات عنها، كما نصّ ذلك كتاب الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولم يكن الهدف قتال قريش. 3- النتائج: أ- أدى (اندفاع) عبد الله بن جحش الى القتال في الشهر الحرام، مما

_ (1) - أنظر طبقات ابن سعد 2/ 10 (2) - هما: عثمان بن عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان، وفر نوفل بن عبد الله.

دروس من الدوريات

يخالف تقاليد العرب حينذاك، الى انتهاز قريش فرصة سانحة للدعاية ضد المسلمين. ولم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلم يريد (قتالا) ، بل كان يريد (استطلاعا) . ب- وقع في هذه الغزوة أول قتيل من المشركين وأول غنيمة وأول أسيرين، وقد فادى الرسول صلّى الله عليه وسلم هذين الأسيرين فأسلم أحدهما «1» وعاد الثاني أدراجه الى مكة المكرمة. دروس من الدوريات 1- الاستطلاع: استطاع المسلمون التعرّف على الطرق المحطية بالمدينة المنورة والمؤدية الى مكة المكرمة خاصة الطريق التجارية الحيوية لقريش بين مكة والشام، كما استطاعوا التعرف على قبائل المنطقة وموادعة بعضها. 2- القتال: أثبت المسلمون أنهم أقوياء يستطيعون الدفاع عن أنفسهم تجاه المشركين من قريش والقبائل المجاورة وأهل المدينة غير الموالين للمسلمين، وتجاه يهود. وأن بإمكانهم الدفاع عن عقيدتهم عند الحاجة. وقد أراد المسلمون من ذلك أن تترك لهم الحرية الكاملة لنشر دعوتهم دون تدخل أعدائهم. وقد تحالف المسلمون مع قسم من القبائل العربية المجاورة للمدينة المنورة والتي تقطن حول طريق مكة- الشام التجارية.

_ (1) - أسلم الحكم بن كيسان وقتل ببئر معونة شهيدا.

3 - الكتمان:

3- الكتمان: ابتكر الرسول صلّى الله عليه وسلم أسلوب (الرسائل المكتومة) للمحافظة على الكتمان وحرمان العدو من الحصول على المعلومات التي تفيده عن حركات المسلمين، والكتمان أهم عامل من عوامل مبدأ (المباغتة) «1» وهي أهم مبدأ من مبادىء الحرب. وقد سبق المسلمون غيرهم في ابتكار هذا الأسلوب الدقيق (للكتمان) قبل أن يفطن إليه الألمان ويستعملوه في الحرب العالمية الثانية «2» . 4- الحصار الاقتصادي: هدّد المسلمون أهم طريق تجارية بين مكة والشام، فأصبحت قوافل قريش غير آمنة حين تسلك هذه الطريق، مما أثّر أسوأ الأثر على تجارة قريش التي تعيش عليها، وهدّد مكة بالحصار الاقتصادي بمحاولة حرمانها من سلوك طريق مكة- الشام بأمان.

_ (1) - المباغتة: هي إحداث موقف لا يكون العدو مستعدا له، والكتمان من جملة الوسائل المهمة التي تؤدي الى المباغتة. والمباغتة أهم مبدأ من مبادىء الحرب. (2) - يدعي الألمان أنهم أول من ابتكر أسلوب الرسائل المكتومة، ولكن حقيقة ابتكار هذا الأسلوب أوضح من أن يمارى فيه، وهي أن النبي (ص) كان أول من ابتكر هذا الأسلوب قبل أربعة عشر قرنا!

الصراع الحاسم بين عقيدتين (اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تحاول أن تكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني) . (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد) . (محمد رسول الله)

الصراع الحاسم بين عقيدتين

غزوة بدر الكبرى المعركة الحاسمة الأولى للإسلام الموقف العام 1- المسلمون: ازداد عدد المسلمين في المدينة المنورة وازدادوا قوة وتماسكا، ولكنّ حالتهم الاقتصادية كانت متردية، لأن أكثر المهاجرين فرّوا بأنفسهم وعقيدتهم من مكة المكرمة، وتركوا أموالهم هناك، ولأن الأنصار شاركوا المهاجرين في أرزاقهم القليلة، فلا عجب إذا رأينا المسلمين يفكرون جدّيا في استخلاص أموالهم من قريش. 2- المشركون ويهود: أصبح للمشركين ثأر عند المسلمين في قتل عمرو بن الحضرمي، فلا بدّ من الأخذ بهذا الثأر حتى تعود لقريش وحلفائها كرامتهم وهيبتهم عند العرب. كما أن الطريق التجارية الحيوية بين الشام ومكة أصبحت تحت رحمة المسلمين وحلفائهم، ومعنى ذلك موت تجارة قريش وتردّي مركزها الاقتصادي؛ كما أن انتشار نفوذ المسلمين وازدياد قوتهم يوما بعد يوم، لا يتفق مع احتكار قريش للسيادة على العرب. تلك هي العوامل المهمة التي جعلت قريشا تفكر جديا في انتهاز اول فرصة للقضاء على الدين الجديد، وكان يهود في المدينة يثيرون الحرب الباردة ضد المسلمين ويحاولون خلق المشاكل لهم ويقومون بواجب (الرتل الخامس) لقريش على المسلمين، ويحرضون أعداء المسلمين على المسلمين.

قوات الطرفين

قوات الطرفين 1- المسلمون: بلغت قوة المسلمين (305) رجلا من المهاجرين والأنصار «1» بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم- انظر الملحق بأسمائهم- وكان معهم فرسان فقط وسبعون بعيرا يتعاقب الرجلان والثلاثة والأربعة على البعير الواحد. 2- المشركون: بلغت قوة المشركين (950) رجلا أكثرهم من قريش، معهم مائتا فرس يقودونها وعدد كبير من الإبل لركوبهم وحمل أمتعتهم، وكانت هذه القوة بقيادة عدد من رجالات قريش. أهداف الطرفين 1- المسلمون: أ- الاستيلاء على القافلة «2» التجارية لقريش بقيادة أبي سفيان بن حرب، التي كان يحميها حرس بين ثلاثين الى أربعين رجلا.

_ (1) - كان المهاجرون أربعة وسبعين رجلا وسائرهم من الأنصار. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 12 مع اختلاف في عددهم في المصادر الأخرى. أنظر جوامع السيرة لابن حزم ص 114- 146، وسيرة ابن هشام 2/ 324- 354. (2) - راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. وسائل العنف الموجهة ضد الأموال: يبيح قانون الحرب للدولة المحاربة الالتجاء الى أنواع معينة من وسائل العنف ضد الأموال، فهو يحيز لها في حدود معينة إتلاف أموال الأعداء ومصادرتها ... الخ.

2 - المشركون:

ب- البقاء في (بدر) بعد إفلات القافلة حتى يتسامع المشركون بقوة المسلمين فيها بوهم ويتركوا لهم حرية نشر الدعوة لدينهم. 2- المشركون: أ- حماية القافلة التجارية القادمة من الشام. ب- عند إفلات القافلة تضاربت الآراء في قتال المسلمين أو العودة، فتغلّب رأي القائلين بالقتال، للأخذ بثأر عمرو بن الحضرمي، وللقضاء على قوات المسلمين، ولتعرف العرب قوة قريش وسطوتها، ولتضع حدا لتهديد المسلمين طريق الشام- مكة التجارية. قبل المعركة 1- المسلمون: أ- خرج أبو سفيان بن حرب أوائل الخريف من السنة الثانية الهجرية في تجارة كبيرة الى الشام، وقد أراد المسلمون اعتراضها في غزوة (العشيرة) عند ذهابها الى الشام، ولكنها تملّصت منهم. وتحيّن المسلمون عودتها من الشام، فبعث الرسول صلّى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد ينتظرانها، حتى إذا وصلا (الحوراء) «1» على طريق الشام- مكة مكثا هناك، فلما مرّت القافلة بهم، أسرعا الى المسلمين يخبر ان النبي صلّى الله عليه وسلم بأمرها. ندب الرسول صلّى الله عليه وسلم المسلمين للخروج، وقال لهم: (هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعلّ الله ينفلكموها) .

_ (1) - الحوراء: كورة من كور مصر القبلية في آخر حدودها من جهة الحجاز، وهي على البحر الأحمر، وهي مرفأ سفن مصر الى المدينة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 359.

وخفّ قسم من الناس وثقل قسم منهم، لأنهم لم يظنوا أن الرسول صلّى الله عليه وسلم سيخوض معركة حاسمة ضد المشركين، بل ظنوا أن الغزوة ستكون عبارة عن مناوشات طفيفة، كما حدث في السرايا والغزوات السابقة. وأراد جماعة لم يسلموا أن يضموا الى المسلمين طمعا في الغنيمة، فأبى النبي صلّى الله عليه وسلم عليهم الانضمام أو يؤمنوا بالله ورسوله. ب- تحركت قوات المسلمين من المدينة المنورة لثمان خلون من شهر رمضان من السنة الثانية الهجرية بالترتيبات التالية: أولا: دورية استطلاعية أمامية للحصول على المعلومات عن اتجاهات القافلة التجارية ونيات قريش. ثانيا: القسم الأكبر «1» مؤلف من كتيبتين: كتيبة المهاجرين ورايتها مع علي بن أبي طالب وعمير بن هاشم، وكتيبة الأنصار ورايتها مع سعد بن معاذ، وهاتان الرايتان سوداوان. ثالثا: مؤخرة بإمرة قيس بن أبي صعصعة. رابعا: راية المسلمين العامة بيضاء مع مصعب بن عمير بن هاشم. ج- سلكت قوات المسلمين طريق القوافل بين المدينة وبدر البالغ طوله حوالي (160) كيلومترا، وقد قسّم الرسول صلّى الله عليه وسلم الإبل المتيسرة وعددها سبعون بعيرا على أصحابه، وكان من نصيبه مع علي بن أبي طالب ومرثد ابن أبي مرثد الغنوي بعير واحد يتعاقبونه، تماما كما يفعل أي فرد من قواته. قال شريكا الرسول صلّى الله عليه وسلم في البعير: (نحن نمشي عنك) . فقال: (ما أنتما

_ (1) - القسم الأكبر: تعبير عسكري يقصد به القوة الرئيسة من القطعات المتحركة لأغراض القتال.

بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) . وأراد بذلك المساواة مع أي فرد من قواته. د- انطلق المسلمون مسرعين خوفا من إفلات قافلة أبي سفيان بن حرب منهم، وبثوا عيونهم يتعرفون الأخبار، فلما وصلوا قريبا من (الصفراء) «1» بعث الرسول صلّى الله عليه وسلم دورية استطلاعية قوتها رجلان الى (بدر) للحصول على المعلومات عن قريش وقافلتها، فلما وصل المسلمون (وادي ذفران) «2» جاءهم الخبر بخروج قريش من مكة لنجدة قافلتهم. هـ- أخبر الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه بما بلغه من أمر قريش طالبا مشورتهم، فأدلى أبو بكر وعمرو برأييهما، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: (يا رسول الله! امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إناها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا الى (برك الغماد) «3» لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه) . فسكت الناس فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أشيروا عليّ أيها الناس) ، وكان يريد بكلمته هذه الأنصار الذين بايعوه يوم (العقبة) على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم ولم يبايعوه على صد اعتداء خارج مدينتهم، فكان الرسول صلّى الله عليه وسلم يخشى ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن يهاجمه في المدينة المنورة.

_ (1) - الصفراء: واد من ناحية المدينة كثير الخيرات. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 367. (2) - وادي ذفران: واد قرب وادي الصفراء. أنظر معجم البلدان 4/ 195. (3) - برك الغماد: موضع في اليمن. ويقال: هو أقصى حجر. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 149.

فلما أحس الأنصار أن الرسول صلّى الله عليه وسلم يريد سماع رأيهم، قام سعد بن معاذ وقال: (لكأنك تريدنا يا رسول الله) ؟ فقال: (أجل) ! قال سعد: (لقد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك. فو الذي بعثك لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا: إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسربنا على بركة الله) . وارتحلوا جميعا حتى إذا كانوا على مقربة من (بدر) انطلق الرسول صلّى الله عليه وسلم أمام قواته وبصحبته أبو بكر، حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم، قال الشيخ: (لا أخبركما حتى تخبراني: ممن أنتما) ؟ قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (إذا أخبرتنا أخبرناك) . علم الرسول صلّى الله عليه وسلم من شيخ العرب، أن غير قريش قريبة منه، فقال لشيخ العرب: (نحن من ماء) . ثم انصرف وصاحبه عنه والشيخ يقول: (ما من ماء؟ أمن ماء العراق) ؟ وهكذا لم يخبره الرسول صلّى الله عليه وسلم عن هويته حتى لا تعلم قريش بمواضع المسلمين. وأرسل الرسول صلّى الله عليه وسلم دوريتي استطلاع غرضهما الحصول على معلومات عن قوة قريش ومواضعها. الدورية الأولى مؤلفة من علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه، استطاعت الوصول الى ماء بدر، وعادت ومعها

غلامان لقريش، فاستنطقهما الرسول صلّى الله عليه وسلم، وعلم منهما أن قريشا وراء الكثيب (بالعدوة القصوى) ولما أجابا: (بأنهما لا يعرفان عدد رجال قريش) . سألهما: (كم ينحرون يوميا) ؟ فأجابا: (يوما تسعا ويوما عشرا) ، فاستنبط الرسول صلّى الله عليه وسلم من ذلك أنهم بين التسعمائة والألف، وعرف من الغلامين كذلك أن أشرف قريش جميعا خرجوا لمنعه. والدورية الثانية مؤلفة من رجلين من المسلمين وصلا ماء بدر، فسمع جارية تطالب صاحبتها بدين عليها والثانية تجيبها: (إنما تأتي العير غدا أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك) ، فعاد الرجلان فأخبرا الرسول صلّى الله عليه وسلم بما سمعا. ز- تأهّب المسلمون لخوض المعركة وعسكروا في أدنى ماء من بدر فجاء الحباب بن المنذر «1» الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: (أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة) ؟

_ (1) - الحباب بن المنذر الأنصاري السلمي، يكنى أبا عمرو، شهد بدرا وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وشهد أحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله (ص) . يقال له ذو الرأي، سار رسول الله (ص) يبادر قريشا الى الماء، فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه، فقال الحباب بن المنذر: (يا رسول الله! أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة) ؟! فقال رسول الله (ص) : (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) . قال الحباب: (يا رسول الله، ليس هذا بمنزل، ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها وراء ظهرك، ثم غور كل قليب بها إلا قليبا واحدا، ثم احفر عليه حوضا، فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون، حتى يحكم الله بيننا وبينهم) . فقال رسول الله (ص) : (أشرت بالرأي) ، وفعل ذلك. توفي الحباب في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. أنظر التفاصيل في طبقات ابن سعد 3/ 567، والإصابة 1/ 316، التسلسل 1547، وأسد الغابة 1/ 364، والاستيعاب 1/ 316، التسلسل 458.

2 - المشركون:

قال: (بل هو الحرب والرأي والمكيدة) . قال الحباب: (يا رسول الله. فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فنعسكر فيه، ثم نعوّر «1» ما وراءه من الآبار ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون) . أنفذ الرسول صلّى الله عليه وسلم هذا الرأي، فما حلّ نصف الليل حتى تحول المسلمون الى معسكرهم الجديد، وامتلكوا مواقع الماء، وأعلن الرسول صلّى الله عليه وسلم لأصحابه: (أنه بشر مثلهم، وأن الرأي شورى بينهم، وأنه لا يقطع برأي دونهم، وأنه في حاجة الى حسن مشورة صاحب المشورة الحسنة منهم) ... وأنجزوا بناء الحوض وملأوه ماء، ثم غوّروا المياه الأخرى، وتم كل ذلك ليلا، ثم أخذوا قسطهم من الراحة بقية الليل، ليكونوا أقوياء في الصراع الوشيك. 2- المشركون: علم أبو سفيان بن حرب بخروج الرسول صلّى الله عليه وسلم لاعتراض قافلته حين رحلته الى الشام، فخاف أن يعترضه المسلمون حين عودته. لقد كانت القافلة حوالي ألف بعير موفرة بالأموال، إذ لم يبق أحد من قريش رجالا ونساء لم يساهم فيها بحظ حسب امكاناته الاقتصادية، حتى قوّم ما تحمله القافلة بخمسين ألفا من الدنانير. ولما تأكد أبو سفيان بن حرب من خروج الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه للتعرض

_ (1) - نعور: تروى هذه الكلمة بالعين المهملة، ومعناها على ذلك (نفسد) وذلك بأن يقذفوا في القلب أحجارا وترابا فيفسدوها على أعذائهم؛ وتروى بالغين المعجمة، ومعناها حينئذ بجعله يغور في الأرض، وهو قريب من سابقه.

لقافلته العزلاء إلا من ثلاثين أو أربعين رجلا، استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه مسرعا الى مكة ليستنفر قريشا الى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه. وصل ضمضم الى مكة، فقطع أذن بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه وقد شقّ قميصه من قبل ومن دبر، وجعل يصيح: (يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة «1» ! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ... لا أرى أن تدركرها. الغوث الغوث ... ) . ولم تكن قريش في حاجة الى من يستنفرها، فقد كان لكل فرد منها في العير نصيب. ولما فرغت قريش من جهازها وأجمعت المسير، ذكرت ما كان بينها وبين بني (كنانة) من الحرب والحزازات، فخشوا أن تضربهم (كنانة) من الخلف، وكاد هذا المحذور يقعدهم عن الخروج لولا أن جاء مالك بن جشعم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: (أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه) ... إذ ذاك قررت قريش الخروج خاضعة لرأي دعاة الحرب وعلى رأسهم أبو جهل، أشد الناس عداوة للمسلمين، وعامر بن الحضرمي أخو عمرو بن الحضرمي الذي قتله المسلمون في (نخلة) والذي يحرص على الأخذ بثأره. ولم يتخلّف من أشراف قريش غير أبي لهب الذي أرسل مكانه رجلا آخر، كما حشد هؤلاء كل القادرين على حمل السلاح من قريش وحلفائهم. وسبق أبو سفيان بن حرب قافلته للحصول على المعلومات عن قوة المسلمين

_ (1) - اللطيمة: هي الإبل تحمل الطيب.

ومواضعهم فلما ورد ماء (بدر) وجد عليه مجدي بن عمرو، فسأله: (هل رأى أحدا من المسلمين) ؟ فأجاب مجدي: (لم أر إلا راكبين أناخا الى هذا التل) ، وأشار الى حيث أناخ الرجلان من المسلمين. فحص أبو سفيان بن حرب مناخهما، فوجد في روث بعيريهما نوى عرفه في علائف يثرب، فأدرك أن الرجلين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، وأن جيشه منه قريب، فرجع الى القافلة ليغيّر طريقها نحو الساحل، تاركا (بدرا) الى يساره، وأسرع في مسيره حتى بعدت المسافة بين القافلة وبين قوات المسلمين، وأرسل أبو سفيان الى قريش يطلب منهم أن يعودوا أدراجهم الى مكة لنجاة قافلتهم من المسلمين. وأرسلت قريش عمير بن وهب الجمحي ليستطلع لهم قوة المسلمين، فرجع إليهم ليخبرهم أنهم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولا كمين لهم ولا مدد، ولكنهم قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، فلا يموت منهم رجل قبل أن يقتل رجلا مثله. وتضاربت آراء قريش، منهم من يريد الرجوع ومن هؤلاء بنو زهرة الذين رجعوا فعلا، ومنهم من يريد البقاء، ومعنى ذلك الاصطدام بالمسلمين. قال أبو جهل زعيم الذين أرادوا البقاء لقتال المسلمين: (والله لا نرجع حتى نرد (بدرا) ، فنقيم عليه ثلاثة ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا؛ فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها) . وقصد حكيم بن حزام عتبة بن ربيعة فقال: (يا أبا الوليد! إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها. هل لك إلى أن لا تزال تذكر فيها بخير الى آخر الدهر) ؟

قال عتبة: (وماذا يا حكيم) ؟ قال حكيم: (ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي) . قال عتبة: (قد فعلت. أنت عليّ بذلك، إنما هو حليفي فعلي عقله «1» وما أصيب من ماله؛ فأت ابن الخنظلية- يقصد أبا جهل- فإني لا أخشى أن يشجر- أي يخالف بين الناس ويحملهم على عدم الوفاق- أمر الناس غيره) . قال حكيم: (فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته نثل درعا- أي أخرج درعه- من جرابها، يهنئها- أي يتفقدها ويعدها للقتال- فقلت: يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا) ... قال أبو جهل: (انتفخ والله سحره «2» - يقصد أن عتبة جبن- حين رأى محمدا صلّى الله عليه وسلم وأصحابه- كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأى أن محمدا وأصحابه أكلة جزور؛ وفيهم ابنه تخوّفكم عليه) ... وبعث أبو جهل الى عامر بن الحضرمي فقال: (هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينيك، فقم فانشد خفرتك) «3» . فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف، ثم صرخ: (واعمراه!! واعمراه!!) . ولما علم عتبة بقول أبي جهل: (انتفخ والله سحره) قال: (سيعلم مصفّر أسته- أي الجبان- من انتفخ سحره، أنا أم هو) ؟ ولم يبق مفر ولا مهرب من القتال.

_ (1) - عقله: ديته. (2) - سحر: الرئة وما حولها. (3) - الخفر: بضم الخاء أو فتحها هو العهد، وأنشدها: أي أذكرها.

سير القتال

سير القتال 1- أنجز المسلمون قبل بدء القتال ما يلي: أ- انتخب الرسول صلّى الله عليه وسلم موضعا مشرفا على منطقة القتال في (بدر) وبنى فيه مقرّه- العريش- وأمّن حراسة هذا المقر. ب- جرى ترتيب المقاتلين في صفوف، وساوى الرسول صلّى الله عليه وسلم بين الصفوف بعد أن شجّع أصحابه وحرّضهم على الصبر في القتال. وأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه أن يصدّوا هجمات المشركين وهم مرابطون في مواقعهم وقال لهم: (إذا اكتنفكم القوم، فانضحوهم بالنبل، ولا تحملوا عليهم حتى تؤذنوا) ... ج- كانت كلمة التعارف بين المسلمين وشعارهم في القتال: أحد ... أحد. 2- دخل المسلمون المعركة بالأسلوب الآنف الذكر: مقر قيادة كامل، وسيطرة لقائد واحد، وأسلوب جديد في القتال لم تعرفه العرب من قبل، هو أسلوب الصف. 3- أما المشركون فقد مارسوا أسلوب قتال (الكر والفر) بدون قيادة منظمة ولا سيطرة، بحيت جرى قتالهم كأفراد لا كمجموعة موحّدة. 4- بدأ المشركون الهجوم أولا، إذ هجم الأسود بن عبد الأسد على الحوض الذي بناه المسلمون قائلا: (أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم أو لأهدمنّه أو لأموتنّ دونه) ، فتصدّى له حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فضربه بالسيف ضربة أطارت نصف ساقه، ومع ذلك حبا الى الحوض لاقتحامه، وتبعه حمزة يقاتله حتى قتله فيه.

5- برز من المشركين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فخرج إليهم فتية من الأنصار، ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم أعادهم وطلب خروج عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، لأنهم من أهله فهو يؤثرهم بالخطر على غيرهم، ولأن شجاعتهم وممارستهم للقتال معروفة، لذلك فإن نجاحهم مضمون على رجالات قريش، مما يرفع معنويات المسلمين ويضعضع معنويات المشركين. بارز عبيدة عتبة، وبارز عليّ الوليذ، وبارز حمزة شيبة. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله وكذلك فعل علي، وأما عبيدة وعتبة فقد جرح كلاهما الآخر، فكرّ علي وحمزة بأسيافهما على عتبة، فأجهزا عليه واحتملا صاحبهما. 6- استشاط المشركون غضبا لهذه البداية السيئة، فأمطروا المسلمين وابلا من سهامهم وهاجمتهم فرسانهم، إلا أن صفوف المسلمين بقيت صامدة في مواضعها، تصوّب نبالها على المشركين متوخية إصابة ساداتهم بالدرجة الأولى؛ ولم يفطن المشركون لأسلوب المسلمين الجديد في القتال، مما جعل رجالات المشركين تتهاوى بوابل نبال المسلمين المصوّبة تصويبا دقيقا والمسيطر عليها. 7- ونزل الرسول صلّى الله عليه وسلم بنفسه يقود صفوف المسلمين، وأخذت هذه الصفوف تقترب رويدا رويدا من فلول المشركين التي فقدت قادتها ... حتى تبعثرت قوات المشركين. وحينذاك فقط أصدر الرسول صلّى الله عليه وسلم أمره لقواته: (شدّوا) ، ومعنى ذلك القيام بالمطاردة. وبدأت مطاردة المسلمين لفلول المشركين، وأخذوا يجمعون الغنائم والأسرى.

خسائر الطرفين

8- ابتدأت معركة (بدر) صباح يوم الجمعة 17 رمضان من السنة الثانية الهجرية، وانتهت مساءه، وبقي المسلمون ثلاثة أيام في (بدر) بعد المعركة ... ثم غادروها عائدين الى المدينة المنورة. خسائر الطرفين 1- المسلمون: استشهد أربعة عشر مسلما: ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار. (انظر الملحق ج) . 2- المشركون: قتل سبعون رجلا «1» وأسر سبعون أيضا «2» . أسباب انتصار المسلمين 1- قيادة موحدة: كان الرسول صلّى الله عليه وسلم هو القائد العام للمسلمين في معركة (بدر) ، وكان

_ (1) - فيهم: شيبة وعتبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة والعاص بن سعيد بن العاص وأبو جهل ابن هشام، وأبو البختري وحنظلة بن أبي سفيان بن حرب، والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وطعيمة بن عدي وزمعة بن الأسود بن المطلب، ونوفل بن خويلد والنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط والعاص بن هشام بن المغيرة خال عمر بن الخطاب، وأمية بن خلف وعلي بن أمية بن خلف ومنبه بن الحجاج، ومعبد بن وهب. (2) - كان في الأسارى: نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وأبو العاص ابن الربيع وعدي بن الخيار وأبو عزيز بن عمير والوليد بن الوليد بن المغيرة وعبد الله بن أبي ابن خلف وأبو عزّة عمرو بن عبد الله الجمحي الشاعر، ووهب بن عمير بن وهب الجمحي وأبو وداعة بن خبيرة السهمي وسهيل بن عمرو العامري.

المسلمون يعملون يدا واحدة تحت قيادته: يوجّههم في الوقت الحاسم للمحل الحاسم للقيام بعمل حاسم، وهذا هو واجب القائد الكفء. وكان ضبط المسلمين في تنفيذ أوامر قائدهم مثالا رائعا للضبط الحقيقي المتين، وإذا كان الضبط أساس الجندية، وإذا كان الجيش المتميّز هو الذي يتحلى بضبط متميّز، فقد كان جيش المسلمين جيشا متميّزا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان. إنّ معنى الضبط، هو إطاعة الأوامر وتنفيذها بحرص وأمانة وإخلاص وعن طيبة خاطر. وقد كان المسلمون ينفذون أوامر قائدهم بحرص شديد وأمانة نادرة وإخلاص عجيب وبشوق وطيبة خاطر عظيمين، ومن حقهم أن يفعلوا ذلك، لأن قائدهم يتحلى بصفات القائد المثالي. صبر في الشدائد، وشجاعة نادرة في المواقف الحرجة، ومساواة لنفسه بأصحابه، واستشارتهم في كل عمل حاسم وأخذه بالمشورة وتطبيقها. رأى الخطر محدقا بأصحابه قبل المعركة، لأنهم قليلون وقريش تفوقهم عددا وعددا ... فقابل ذلك بالصبر والتوكل على الله وشجّع أصحابه على الصبر في القتال. وعندما اشتدت المعركة نزل يخوضها بنفسه، وحسبك شهادة علي بن أبي طالب سيد الشجعان حيث يقول: (إنا كنا إذا اشتد الخطب واحمرّت الحدق، اتّقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب الى العدو منه، ولقد رأيتني يوم (بدر) ونحن نلوذ برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو أقربنا الى العدو) .

ولم يؤثر نفسه بمال أو راحة على أصحابه، وقد رأيت كيف ساوى نفسه مع أصحابه حتى في اعتقاب الإبل والمشي على الأقدام. وشاور أصحابه حين بلغه خبر خروج قريش، وسمع رأي المهاجرين والأنصار في لقاء المشركين وقبل مشورة أحد أصحابه في تبديل معسكره في (بدر) حين نزل بأدنى ماء منها، فانتقل بالمسلمين الى حيث أشار الحباب، وغوّر القلب وبنى حوضا على القليب الذي أتاه؛ واستشار المسلمين في أمر الأسرى بعد المعركة، وعمل بالرأي الذي أبداه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ومشايعوه. تلك مزايا القائد المثالي في كل زمان ومكان. ولا بدّ للقائد من مقرّ يسيطر منه على المعركة، فبنى العريش فوق رابية مشرفة على ساحة المعركة، وكان لمقره حرس بإمرة آمر مسئول. كل ذلك جعل المسلمين يقاتلون كرجل واحد، لغاية واحدة، بقيادة قائد واحد ... وهذا عامل مهم من عوامل النصر في كل حرب: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) «1» . أما المشركون فلم يكن لهم قائد عام: كان أكثر سراة قريش مع قوات المشركين، ولكنّ البارزين من هؤلاء على ما يظهر هما رجلان: عتبة بن ربيعة وأبو جهل، وقد رأيت كيف أنهما لم يكونا على رأي واحد ولم يكن لهما هدف واحد، بل إنهما كانا أقرب الى العداوة منهما الى الإخاء. لذلك فقد طغت الأثرة الفردية على المصلحة العامة أثناء القتال، وحاول كل رجل من رجالات قريش أن يظهر نفسه بطلا لتتحدث العرب عنه، دون أن يكترث بأثر ذلك على نتائج المعركة.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة محمد 47: 7.

2 - تعبئة جديدة:

2- تعبئة جديدة: طبّق الرسول صلّى الله عليه وسلم في (مسير الاقتراب) «1» من المدينة المنورة الى (بدر) تشكيلا لا يختلف بتاتا عن التعبثة الحديثة في حرب الصحراء. كانت له مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة، واستفاد من دوريات الاستطلاع للحصول على المعلومات، وتلك هي الأساليب الصحيحة لتشكيلات مسير الاقتراب في حرب الصحراء حتى في العصر الحاضر. أما في المعركة، فقد قاتل المسلمون بأسلوب: (الصفوف) ، بينما قاتل المشركون بأسلوب: (الكرّ والفر) . ولا بد لنا من بيان الفرق بين الأسلوبين، لمعرفة عامل من أهم عوامل انتصار المسلمين. القتال بأسلوب: (الكرّ والفر) ، هو أن يهجم المقاتلون بكل قوّتهم على العدو: النشابة منهم والذين يقاتلون بالسيوف ويطعنون بالرماح، مشاة وفرسانا، فإن صمد لهم العدو أو أحسّوا بالضعف نكصوا، ثم أعادوا تنظيمهم وكرّوا، وهكذا يكرّون ويفرّون حتى يكتب لهم النصر أو الفشل. والقتال بأسلوب: (الصفوف) ، يكون بترتيب المقاتلين صفين أو ثلاثة صفوف أو أكثر على حسب عددهم، وتكون الصفوف الأمامية من المسلحين بالرماح لصد هجمات الفرسان، وتكون الصفوف المتعاقبة الأخرى من المسلحين بالنبال لتسديدها على المهاجمين من الأعداء.

_ (1) - مسير الاقتراب: الحركة من القاعدة الى الهدف. كانت قاعدة المسلمين المدينة المنورة، وكان هدفهم موقع (بدر) ، فالحركة من المدينة المنورة بالمراحل الى (بدر) ، يطلق عليه: مسير الأقراب.

وتبقى الصفوف في مواضعها بسيطرة قائدها، الى أن يفقد زخم المهاجمين بالكرّ والفر شدّته ... عند ذاك تتقدم الصفوف متعاقبة للزحف على العدو. يظهر من ذلك أن أسلوب (الصفوف) يتميز على أسلوب (الكرّ والفر) بأنه يؤمّن ترتيب القوات بالعمق، فتبقى دائما بيد القائد قوة احتياطية يعالج بها المواقف التي ليست بالحسبان، كأن يصد هجوما مضادا للعدو، أو يضرب كمينا لم يتوقعه، أو أن يحمي الأجنحة التي يهددها العدو بفرسانه أو بمشاته، ثم يستثمر الفوز بالاحتياط من الصفوف الخلفية عند الحاجة. إن أسلوب (الصفوف) يؤمّن السيطرة عنى القوة بكاملها، ويؤمّن احتياطا للطوارىء، ويصلح للدفاع والهجوم في وقت واحد؛ أما أسلوب (الكر والفر) فيجعل القائد يفقد السيطرة على قواته ولا يؤمّن له أي احتياط للطوارىء. إن تطبيق الرسول صلّى الله عليه وسلم لأسلوب (الصفوف) في معركة (بدر) ، عامل مهم من عوامل انتصاره على المشركين؛ والتاريخ العسكري يحدثيا بأن سر انتصار القادة العظام كالإسكندر وهنيبال قديما ونابليون ومولتكه ورومل ورونشتد حديثا، هو أنهم طبقوا أسلوبا جديدا في القتال غير معروف أو قاتلوا بأسلحة جديدة غير معروفة. استعرض الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه قبل القتال، فعندما رآهم يتزاحمون ويدنو بعضهم من بعض جعلهم صفوفا وأخذ يعدل صفوفه. وبعد ذلك خطبهم حاثا لهم على الجهاد، وأمرهم أن يصدوا هجوم العدو وهم مرابطون في مواقعهم، وذلك بتسديد النبال الى صدور العدو، كما أمرهم ألّا يحملوا إلا بأمر منه.

3 - عقيدة راسخة:

فلما تهاوت رجال قريش وضعف زخم هجومهم، أصدر الى المسلمين أمره بالهجوم؛ ثم بالمطاردة بعد انهزام المشركين. لقد سيطر الرسول صلّى الله عليه وسلم على (الصفوف) في دفاعها وهجومها ومطاردتها، حتى لم يتقدم أحد للمبارزة إلا بأمر منه، ولم يقم المسلمون بأي عمل حربي إلا بأمر منه أيضا. وبذلك أمّن السيطرة على قواته والاحتياط اللازم لها ... تماما كما في الحرب الحديثة. لقد طبق الرسول صلّى الله عليه وسلم في (بدر) أسلوبا جديدا في القتال، فانتصر ... 3- عقيدة راسخة: رأيت كيف كان جواب المهاجرين والأنصار للرسول صلّى الله عليه وسلم حين استشارهم في قتال قريش. لقد علم المسلمون بأن قريشا تفوقهم في العدد والعدد، وأن عدد قوات قريش ثلاثة أمثال عدد المسلمين، ومع ذلك عزموا على الصمود الى النهاية. كما علموا أن قافلة قريش فاتتهم، فلم يبق هناك كسب مادي يرجونه، ومع ذلك صمّموا على القتال. لقد كانت للمسلمين أهداف معينة يعرفونها ويؤمنون بها، هي أن تترك الحرية الكاملة لهم لنشر دعوتهم وحمايتها، حتى تكون كلمة الله هي العليا. فما هي أهداف قريش من حربها، إلا أن تنحر الجزور وتطعم الطعام وتشرب الخمر وتعزف القيان، فتسمع العرب بمسيرها، فيها بونها أبدا بعدها، كما قال أحد زعمائهم وهو أبو جهل!!

4 - معنويات عالية:

وهل نستطيع تسمية ذلك أهدافا، أم ذلك طيش وغرور وعصبية جاهلية؟ في هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة ... خالفت بينهم المبادىء، ففصلت بينهم السيوف. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع المسلمين. وكان ابنه عبد الرحمن مع المشركين. وكان عتبة بن ربيعة مع قريش، وكان ولده أبو حذيفة مع المسلمين. وعندما استشار الرسول صلّى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مصير الأسرى، قال عمر: (أرى أن تمكّني من فلان- قريب عمر- فأضرب عنقه، وتمكّن عليا من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم) . فما الذي يدفع لمثل هذا القول إلا عقيدة راسخة وإيمان عظيم، وهل يستطيع الذين لا عقيدة لهم، ولا تحمل صدورهم إلا أهواء الجاهلية، وعصبية الأنانية، وحب الظهور، أن يقاتلوا ببسالة وشجاعة كما يقاتل أمثال هؤلاء من أصحاب اليقين الثابت، والعقيدة الراسخة؟ 4- معنويات عالية: شجع الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه قبل القتال وأثناءه، وقوّى عزائمهم ومعنوياتهم، حتى لا يكترثوا بتفوق قريش عليهم بالعدد والعدد؛ ولم تكن معنويات الكبار الذين مارسوا الحرب وعرفوها من المسلمين هي العالية فحسب، إنما كانت معنويات الأحداث الصغار الذين لم يمارسوا حربا ولا قتالا عالية أيضا.

قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (إني لفي الصف يوم (بدر) ، إذا التفتّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عم! أرني أبا جهل. فقلت: يا ابن أخي، ما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه) ... (وقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله، فأشرت لهما إليه، فشدّا عليه مثل الصقرين: فضرباه حتى قتلاه) ، وقد استشهد هذان البطلان في (بدر) ، وهما ابنا عفراء: عوف بن الحارث الخزرجي الأنصاري «1» ومعوّذ بن الحارث الخزرجي الأنصاري «2» . فإذا كانت معنويات الفتيان الأحداث بهذا المستوى الرفيع، فكيف تكون معنويات الرجال؟ لقد أثبتت كل الحروب في كل أدوار التاريخ، أن التسليح والتنظيم الجيدين والقوة العددية غير كافية لنيل النصر ما لم يتحلّ المقاتلون بالمعنويات العالية.

_ (1) - عوف بن عفراء: وعفراء أمة من بني النجار، واسم أبيه الحارث بن رفاعة من بني النجار أيضا، وكان في الستة النفر الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار بمكة وشهد العقبتين. شهد عوف بدرا، فلما التقى الناس يوم بدر قال عوف بن عفراء: (يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده) ؟ فقال: (أن يراه قد غمس يده في القتال يقاتل حاسرا) ، فنزع عوف درعه ثم تقدم فقاتل حتى قتل شهيدا، قتله أبو جهل بن هشام بعد أن ضربه عوف وأخوه معوّذ فأثبتاه. أنظر التفاصيل في طبقات ابن سعد 7/ 492، والإصابة 5/ 42، التسلسل 6087، وأسد الغابة 4/ 155، والاستيعاب 3/ 1225، التسلسل 2002. (2) - معوّذ بن عفراء: شقيق عوف، شهد العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار وشهد بدرا، وهو الذي ضرب أبا جهل بن هشام هو وأخوه عوف بن الحارث حتى اثبتاه، فعطف عليهما ابو جهل فقتلهما. ووقع أبو جهل صريعا فقذف عليه عبد الله بن مسعود. وليس لمعوّذ عقب. أنظر التفاصيل في طبقات ابن سعد 7/ 492، والإصابة 6/ 129، التسلسل 8157، وأسد الغابة 4/ 402، والاستيعاب 4/ 1442، التسلسل 2423.

دروس من بدر

لقد كان تنظيم وتسليح الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية متميزين، كما كان عددهم ضخما؛ فلم يغن عنهم كل ذلك، لأن معنوياتهم كانت منهارة! لذلك كانوا عبئا ثقيلا على حلفائهم الألمان في كل معركة اشتركوا فيها معهم. بل كان الحلفاء يعتبرون المناطق التي تشغلها القوات الايطالية فراغا عسكريا لا يكترث به!! إن المعنويات العالية التي كان يتحلى بها المسلمون في (بدر) ، من أهم أسباب نصرهم في تلك المعركة الحاسمة. لقد كانت معركة بدر صراعا حاسما بين عقيدتين ... فانتصرت العقيدة التي تستحق البقاء على العقيدة التي تستحق الفناء ... دروس من بدر 1- الاستطلاع: استفاد الطرفان من دوريات الاستطلاع في الحصول على المعلومات، ليحولوا دون مباغتتهم، وكان حصول الطرفين على المعلومات عن القوات ومواقعها عن الأرض جيدا مفيدا. وقد ظهرت لنا فائدة استنطاق الأسرى الذي أجراه الرسول صلّى الله عليه وسلم مع غلامي قريش قبل المعركة في معرفة عدد قوات قريش، كما كان استنتاج أبي سفيان بن حرب من فحصه روث ركائب المسلمين اللذين استطلعا موقع (بدر) ومعرفته هويتهما رائعا حقا. إن تشبّث الطرفين بالحصول على المعلومات، حرم الطرفين من: (مبدأ المباغتة) في الزمان والمكان، فلم يستفد أحد الطرفين من هذا المبدأ الحيوي في هاتين الناحيتين أو في إحداهما على الأقل في هذه المعركة.

2 - القيادة:

2- القيادة: برزت مزايا الرسول صلّى الله عليه وسلم في القيادة بمعركة (بدر) : الشجاعة، وضبط الأعصاب، وعقد المؤتمرات الحربية قبل وأثناء وبعد المعركة، ومساواة أصحابه مع نفسه بكل شيء، كما طبّق الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام لأول مرة شروط انتخاب المقر الملائم للمعركة وأمّن حراسته. 3- الضبط والمعنويات والعقيدة: ظهر بوضوح أثر الضبط المتين والمعنويات العالية والعقيدة الراسخة في انتصار المسلمين على قريش، وستبقى هذه المزايا حيوية لكل انتصار في كل حرب. 4- القضايا التعبوية: أ- في مسير الاقتراب: كانت ترتيبات المسلمين في مسير الاقتراب ملائمة جدا: مقدمة وقسم أكبر ومؤخرة، وراية لكل من المهاجرين والأنصار، وراية عامة للقوات كلها. كما كانت دوريات الاستطلاع أمام رتل المسلمين تحول دون مباغتتهم وهي تزوّدهم بالمعلومات عن قريش. إن ترتيبات المسلمين التعبوية في مسير الاقتراب تشابه تماما ترتيبات القوات النظامية الحديثة في مسير الاقتراب في حرب الصحراء. ب- في القتال: استخدم المسلمون لأول مرة (أسلوب الصف) في قتالهم ضدّ قريش، بينما

5 - القضايا الادارية:

جمدت قريش على أسلوب (الكر والفر) ، وبذلك استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم السيطرة على قواته والاحتفاظ باحتياط للطوارىء. لقد باغت الرسول صلّى الله عليه وسلم قريشا (بالأسلوب) «1» في قتاله بأسلوب (الصف) ، والمباغتة بالأسلوب من مزايا القائد العبقري! لقد كان أسلوب (الصف) في القتال أسلوبا جديدا على العرب، بينما كان أسلوب (الكر والفر) أسلوبا باليا استعملته العرب في حروبها منذ أقدم الأزمان. ج- كلمة التعارف: كانت كلمة التعارف في القتال بين المسلمين: (أحد ... أحد) ، وبذلك استطاعوا أن يتعارفوا في المعركة ... وهذا الأسلوب متّبع في المعارك الحديثة. إن ظروف المعركة ليست ظروفا اعتيادية، ومن الضروري أن يكون هناك أسلوب واضح للتعارف بين المقاتلين، خاصة وأن المسلمين والمشركين حينذاك كانوا يتشابهون في المظهر الخارجي: في الأشكال والقيافة وفي التسليح والتنظيم، مما يزيد أهمية كلمة التعارف ويجعل لها قيمة أعظم مما لو كان الطرفان المتحاربان يختلفان في أشكالهم وقيافتهم وتسليحهم وتنظيمهم. 5- القضايا الادارية: أ- الارزاق: كان المشركون ينحرون بين تسعة من الإبل وعشرة من الإبل يوميا لتأمين

_ (1) - المباغتة: تكون إما بالمكان او بالزمان او بالأسلوب. المباغتة بالمكان: ضرب العدو من مكان لا يتوقعه. والمباغتة بالزمان: ضرب العدو من مكان لا يتوقعه. والمباغتة بالأسلوب: ضرب العدو بأسلوب حربي لا يتوقعه العدو سواء أكان ذلك بخطة جديدة او سلاح جديد.

الطعام الحار للمقاتلين، وكانت هذه الإبل تقدّم من سراة قريش؛ أما المسلمون فقد كانوا يكتفون غالبا بالتمر والسويق، لأن حالتهم الاقتصادية كانت ضعيفة حينذاك. ب- الماء: بنى المسلمون حوضا للماء في (بدر) وملأوه بالماء واستفادوا منه يوم القتال، أما بقية آبار بدر ومياهها فقد غوّروها لئلا يستفيد منها المشركون. أما المشركون فكانوا محرومين من الماء يوم القتال، مما جعل شجعانهم يحاولون اقتحام حوض المسلمين، فلا يستطيعون الى ذلك سبيلا. لقد كان لنقص الماء عند المشركين يوم القتال أثر كبير في اندحارهم. ج- الغنائم: جمع الرسول صلّى الله عليه وسلم غنائم المعركة وقسّمها بالتساوي بين المسلمين من أهل (بدر) ومن عاونهم على إحراز النصر: جعل للفارس سهمين يستعين بالسهم الزائد على إعاشة فرسه وإعدادها للحرب. وجعل للراجل سهما واحدا، وجعل للورثة حصّة من استشهد ببدر، وجعل حصة لمن تخلّف في المدينة المنورة فلم يشهد (بدرا) لأنه كان قائما بعمل للمسلمين، وبقي في المدينة بأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولمن حرّضه حين الخروج الى بدر وتخلف لعذر قبله الرسول صلّى الله عليه وسلم. إن النصر في الحرب لا يحرزه المقاتلون فقط، بل يتعاون على إحرازه المقاتلون في الخطوط الأمامية والعاملون في الخلف لتهيئة أسباب النصر للمقاتلين؛ لذلك لم ينس الرسول صلّى الله عليه وسلم العاملين في الخلف بأمره وبمشورته وبتوجيهه حين قسّم الغنائم بين الناس.

د- الاسرى «1» : أولا- أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بقتل أسيرين لشدّة عداوتهما للمسلمين، إذ اعتبرهما مجرمي حرب لا أسيرين اعتياديين. لقد كانا عنيفين في عداوتهما للمسلمين حريصين على التنكيل بهم، شديدين في إيذاء المستضعفين منهم، وكانا من ألد خصوم الدعوة. ثانيا- أما الأسرى الباقون وعددهم ثمانية وستون فقد وزعهم الرسول صلّى الله عليه وسلم على صحابته قائلا: (استوصوا بالأسارى خيرا) ... ثم فادى أغنياء الأسرى بالمال، فكان الواحد منهم يدفع ما بين الألف درهم الى الأربعة آلاف. أما فقراء الأسرى، فأطلق سراح بعضهم دون مقابل، كما كلّف المتعلمين

_ (1) - راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. الواجبات نحو الأسرى: (يجب معاملة الأسير طبقا لمبادىء الانسانية وحمايته من الاعتداء والإهانة وحب الاستطلاع عند الجمهور. ويجوز تشغيل الأسرى بأعمال على ألا يكون العمل خطيرا او ضارا بالسمعة أو متصلا اتصالا مباشرا بأعمال القتال. (اما القواعد الخاصة بإطلاق سراح الأسرى، فتنص على ان الدولة لا تلزم بإطلاق سراح الأسرى بعد إعطاء كلمة الشرف، ولا هم يلزمون بقبوله، وإنما للأسير ان يقبله مختارا إذا سمحت له قوانين دولته به، وواجب على دولة الأسير ألا تطلب اليه الإخلال بوعده او تقبله منه إذا هو عرص الالتحاق بخدمة جيشه من جديد، فاذا اخلّ بكلمة الشرف التي اعطاها والتحق بالجيش ثم اسرته الدولة التي اطلقت سراحه او دولة حليفة لها، جاز محاكمته على إخلاله، والعقوبة في العادة هي الإعدام! ... (إن كلمة الشرف التي يعطيها الأسير، هي الا يعود لحرب القوات التي اطلقته ولا يساعد في اعمال العدوان ضدها من اي ناحية وبأي وجه. (وتنتهي حالة الأسر بإطلاق سراح الأسير بلا قيد او شرط او بعد إعطائه كلمة الشرف، كما تنتهي بتبادل الأسير مع زميل له بجيش العدو او الافتداء بالمال) .

منهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة؛ ثم أطلق سراحهم بعد تعليم هؤلاء الأطفال. هـ- القتلى «1» والجرحى «2» : حفر المسلمون قليبا دفنوا فيه قتلى المشركين، وهذا ما يطابق تعاليم الحرب الحديثة في وجوب دفن قتلى الأعداء. كما عنى المسلمون بجرحى المشركين فضمّدوا جراحاتهم أسوة بجرحى المسلمين. والتهذيب: استفاد المسلمون من الأسرى المتعلمين لتعليم أطفالهم، فكان هؤلاء الأطفال النواة الأولى لكتّاب الوحي ولحملة الثقافة الإسلامية فيما بعد.

_ (1) - راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. الواجبات نحو القتلى: (يفرض على الفريقين المتحاربين معاملة جثث القتلى بالاحترام اللازم وعدم تشويههما، ويجب دفنها بعد اخذ البيانات المساعدة لتحقيق شخصية صاحب الجثة. (ويجب على القائد الذي يسيطر على ميدان القتال، ان يأخذ الاحتياطات اللازمة بعد كل حركة، لحماية القتلى من النهب وسوء المعاملة) . (2) - الواجبات نحو الجرحى: (يجب احترام وحماية الجرحى والعناية بهم كجرحى قواتنا واعتبارهم اسرى حرب بعد شفائهم) .

الملحق (ب) : شهداء المسلمين في بدر رضي الله عنهم

الملحق (ب) : شهداء المسلمين في بدر رضي الله عنهم المهاجرون 1- عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف. 2- عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص، قتل يومئذ وله ستة عشر عاما. 3- ذو الشمّالين بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، حليف بني زهرة. 4- عاقل بن البكير اللّيثي، حليف بني عدي بن كعب. 5- مهجع مولى عمر بن الخطاب. 6- صفوان بن بيضاء، من بني الحارث بن فهر. الأنصار أ- الأوس: 7- سعد بن خيثمة بن عمرو بن عوف. 8- مبشّر بن عبد المنذر بن زنبر. ب- من الخزرج: 9- يزيد بن الحارث بن فسحم بن الحارث بن الخزرج. 10- عمير بن الحمام (من بني سلمة) . 11- رافع بن المعلّى (من بني حبيب بن عبد حارثة) . 12- حارثة بن سراقة (من بني النجار) . 13- عوف بن عفراء (من بني النجار) . 14- معوّذ بن عفراء (من بني النجار)

الملحق (ج) : البدريون رضي الله عنهم

الملحق (ج) : البدريون رضي الله عنهم هؤلاء الرجال هم الذين شهدوا معركة بدر الكبرى، فقال عنهم الرسول (ص) في دعائه ربه يوم بدر: (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد) ... ففي ذكر أسمائهم بركة، وفي تسمية أولادنا بأسمائهم بركة. المهاجرون أ- من بني هاشم والمطلب ابني عبد مناف: 1- محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيد القادات وقائد السادات. 2- حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وعمه. 3- علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم. 4- زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. 5- أبو مرثد الغنوي حليف حمزة. 6- مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة. 7- أنسة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم (حبشي) . 8- أبو كبشة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم (فارسي) . 9- عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. 10- الطّفيل بن الحارث بن عبد المطلب. 11- الحصين بن الحارث بن عبد المطلب.

12- مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب. ب- من بني عبد شمس بن عبد مناف: 13- عثمان بن عفان. 14- أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة. 15- سالم مولى أبي حذيفة. 16- صبيح مولى أبي العاصي بن أميّة. 17- عبد الله بن جحش. 18- سنان بن محصن. 19- عكاشة بن محصن. 20- أبو سنان بن محصن. 21- سنان بن أبي سنان. 22- شجاع بن وهب. 23- عقبة بن وهب. 24- يزيد بن رقيش. 25- محرز بن نضلة. 26- ربيعة بن أكثم. 27- ثقف من بني سليم. 28- مالك من بني سليم. 29- مدلج من بني سليم. 30- أبو مخشي سويد بن مخشي الطائي. من بني كبير بن غنم حلفاء بني عبد شمس حلفاء بني كبير بن غنم

ج- من بني نوفل بن عبد مناف بن قصيّ: 31- عتبة بن غزوان. 32- خبّاب مولى عتبة بن غزوان. د- من بني أسد بن عبد العزّى بن قصيّ: 33- الزّبير بن العوّام. 34- حاطب من أبي بلتعة اللّخمي (حليف) . 35- سعد الكلبي مولى حاطب. هـ- من بني عبد الدار بن قصيّ بن كلاب: 36- مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. 37- سويبط بن سعد بن حرملة. ومن بني زهرة بن كلاب بن مرّ: 38- عبد الرحمن بن عوف. 39- سعد بن أبي وقاص. 40- عمير بن أبي وقاص. 41- المقداد بن عمرو (حليف) . 42- عبد الله بن مسعود (حليف) . 43- مسعود بن ربيعة (حليف) . 44- ذو الشمالين عمير بن عمرو (حليف) . 45- خبّاب بن الأرت التميمي (حليف) . ز- من بني تيم بن مرّة: 46- أبو بكر الصديق.

47- طلحة بن عبيد الله. 48- بلال بن رباح (مولى أبي بكر) . 49- عامر بن فهيرة (مولى أبي بكر وهو أسود) . 50- صهيب بن سنان بن النمر بن قاسط (حليف بني جدعان، وهو صهيب الرومي) . ح- من بني مخزوم: 51- أبو سلمة بن عبد الأسد. 52- شماس واسمه عثمان بن عثمان الشريد. 53- الأرقم بن أبي الأرقم. 54- عمّار بن ياسر العنسي (مولى فهر) . 55- معتّب بن عوف الخزاعي (مولى لهم) . ط- من بني عدي بن كعب: 56- عمر بن الخطاب. 57- زيد بن الخطاب. 58- عمرو بن سراقة. 59- عبد الله بن سراقة. 60- سعيد بن زيد بن عمرو. 61- مهجع مولى عمر بن الخطاب. 62- واقد بن عبد الله التميمي (حليف) . 63- خولى بن أبي خولى العجلي (حليف) . 64- مالك بن أبي خولى العجلي (حليف) .

65- عامر بن ربيعة العنزي (حليف) . 66- عامر بن البكير (حليف) . 67- عاقل بن البكير (حليف) . 68- خالد بن البكير (حليف) . 69- إياس بن البكير (حليف) . ي- من بني جمح: 70- عثمان بن مظعون. 71- قدامة بن مظعون. 72- عبد الله بن مظعون. 73- السائب بن عثمان بن مظعون. 74- معمر بن الحارث: ك- من بني سهم: 75- خنيس بن حذافة. ل- من بني عامر بن لؤي بن غالب بن فهر: 76- أبو سبرة بن أبي رهم. 77- عبد الله بن مخرمة. 78- عبد الله بن سهيل بن عمرو. 79- وهب بن سعد بن أبي سرح. 80- حاطب بن عمرو. 81- عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو. 82- سعد بن خولة (خليف) .

م- من بني الحارث بن فهر: 83- أبو عبيدة عامر بن الجراح. 84- عمرو بن الحارث. 85- سهيل بن وهب بن ربيعة (ابن بيضاء) . 86- صفوان بن وهب (ابن بيضاء) . 87- عمرو بن أبي سرح بن ربيعة. الأنصار 1- الأوس: أ- من بني حارثة، ثم من بني عمرو بن مالك بن الاوس، ثم من بني عبد الاشهل من جشم: 88- سعد بن معاذ. 89- عمرو بن معاذ. 90- الحارث بن أوس. 91- الحارث بن أنس. 92- سعد بن زيد بن مالك. 93- سلمة بن سلامة بن وقش. 94- عبّاد بن وقش. 95- سلمة بن ثابت بن وقش. 96- رافع بن يزيد بن كرز. 97- الحارث بن خزمة بن عدي (حليف) .

98- محمد بن مسلمة الخزرجي (حليف) . 99- سلمة بن أسلم بن حريش (حليف) . 100- أبو الهيثم بن التيّهان (حليف) . 101- عبيد بن التيّهان (حليف) . 102- عبد الله بن سهل (حليف) . ب- من بني ظفر، واسمه كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك ابن أوس: 103- قتادة بن النعمان بن زيد. 104- عبيد بن أوس. 105- نصر بن الحارث بن عبد. 106- معتّب بن عبيد. 107- عبد الله بن طارق البلويّ (حليف) . ج- من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس: 108- مسعود بن سعد. 109- أبو عبس جبر بن عمرو. 110- أبو بردة بن نيّار، واسمه هانىء البلويّ (حليف) . د- من بني عوف بن مالك بن الاوس، ثم من بني ضبيعة بن زيد بن الاوس: 111- عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. 112- معتّب بن قشير بن مليل. 113- أبو مليل بن الأزعر بن زيد. 114- عمير بن معبد بن الأزعر.

115- سهل بن حنيف بن واهب. هـ- من بني أميّة بن زيد بن عوف: 116- أبو لبابة بشير بن عبد المنذر. 117- مبشّر بن عبد المنذر. 118- رفاعة بن عبد المنذر. 119- سعد بن عبيد بن النعمان. 120- عويم بن سعدة بن عائش. 121- رافع بن عنجدة، وهي أمه. 122- عبيدة بن أبي عبيد. 123- ثعلبة بن حاطب. ومن بني عبيد بن زيد بن مالك بن عوف: 124- أنيس بن قتادة بن ربيعة. 125- معن بن عديّ البلويّ (حليف) . 126- ثابت بن أخرم البلوي (حليف) . 127- زيد بن أسلم بن ثعلبة البلوي (حليف) . 128- ربعي بن رافع البلويّ (حليف) . 129- عاصم بن عدي البلوي (حليف) . ز- من بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف: 130- جبر بن عتيك. 131- مالك بن نميلة المزني (حليف) .

132- النعمان بن عصر البلوي (حليف) . ح- من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك: 168- عقبة بن وهب بن كلدة (حليف) . 169- رفاعة بن عمرو بن عمرو بن زيد. 170- عامر بن سلمة (حليف من اليمن) . 171- أبو خميصة معبد بن عبّاد بن قشير.

172- عامر بن البكير (حليف) . ي- من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم: 173- نوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان. 174- عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان. ك- من بني أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج: 175- عبادة بن الصامت. 176- أوس بن الصامت. ل- من بني دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم: 177- النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد. م- من بني قربوس بن غنم بن أمية بن لوذان بن سالم: 178- ثابت بن هزال بن عمرو بن قربوس. ن- من بني مرضخة وعمرو ابني غنم بن أمية بن لوذان: 179- مالك بن الدخشم بن مرضخة. 180- الربيع بن إياس بن عمرو بن غنم. 181- ورقة بن إياس بن غنم. 182- عمرو بن إياس (حليف من اليمن) . 183- المجذّر بن زياد بن عمرو البلوي (حليف) . 184- عبادة بن الخشخاش (حليف) .

185- نحّاب بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم (حليف) . 186- عبد الله بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم (حليف) . 187- عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية البهراني (حليف) . س- من بني كعب بن الخزرج ثم من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، ثم من بني ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة: 188- أبو دجانة سماك بن خرشة. 189- المنذر بن عمرو بن خنيس. ع- من بني عمرو بن الخزرج بن ساعدة: 190- أبو أسيد مالك بن ربيعة بن البدن. 191- مالك بن مسعود بن البدن. ف- من بني طريف بن الخزرج بن ساعدة: 192- عبد ربّه بن حقّ بن أوس. 193- كعب بن حمار الجهني (حليف) . 194- ضمرة بن عمرو (حليف) . 195- زياد بن عمرو (حليف) . 196- بسبس بن عمرو (حليف) . 197- عبد الله بن عامر البلويّ (حليف) . ص- من بني جشم بن الخزرج، ثم من بني سلمة بن سعد بن علي ابن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم: 198- خراش بن الصمّة بن عمرو بن الجموح.

199- الحباب بن المنذر بن الجموح. 200- عمير بن الحمام بن الجموح. 201- تميم مولى خراش بن الصمة. 202- عبد الله بن عمرو بن حرام. 203- معاذ بن عمرو بن الجموح. 204- معوّذ بن عمرو بن الجموح. 205- خلّاد بن عمرو بن الجموح. 206- عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام. 207- حبيب بن أسود (مولى لهم) . 208- ثابت بن الجذع. 209- عمير بن الحارث بن لبدة. 210- بشر بن البرّاء بن معرور. 211- الطفيل بن النعمان بن خنساء. 212- سنان بن صيفي بن صخر بن خنساء. 213- عبد الله بن الجدّ بن قيس بن صخر بن خنساء. 214- عتبة بن عبد الله بن صخر بن خنساء. 215- جبّار بن أمية بن صخر بن خنساء. 216- خارجة بن حميّر الأشجعي (حليف) . 217- عبد الله بن حميّر الأشجعي (حليف) .

218- يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس. 219- معقل بن المنذر بن سرح. 220- عبد الله بن النعمان بن بلدمة. 221- الضحّاك بن حارثة بن زيد. 222- سواد بن رزن بن زيد. 223- معبد بن قيس بن صخر بن حرام. 224- عبد الله بن قيس بن صخر بن حرام. 225- عبد الله بن عبد مناف بن النعمان بن سنان. 226- جابر بن عبد الله بن رئاب. 227- خليدة بن قيس بن النعمان. 228- النعمان بن يسار (مولى لهم) . 229- أبو المنذر يزيد بن عامر بن حديدة. 230- قطبة بن عامر بن حديدة. 231- سليم بن عمرو بن حديدة. 232- عنترة مولى قطبة بن عامر بن حديدة وهو من بني سليم ثم من بني ذكوان. 233- عبس بن عامر بن عدي. 234- أبو اليسر كعب بن عمرو بن عبّاد. 235- سهل بن قيس بن أبي كعب بن القين.

236- عمرو بن طلق بن زيد بن أمية بن سنان. ق- من بني أديّ بن سعد أخي سلمة بن سعد: 237- معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ. ر- من بني زريق بن حارثة بن غضب بن جشم بن الخزرج: 238- قيس بن محصن بن خالد. 239- أبو خالد الحارث بن قيس بن خالد. 240- جبير بن إياس بن خالد. 241- أبو عبادة سعد بن عثمان بن خلدة. 242- عقبة بن عثمان بن خلدة. 243- عبادة بن قيس بن عامر بن خالد. 244- أسعد بن يزيد بن الفاكه. 245- الفاكه بن بشر بن الفاكه. 246- ذكوان بن عبد قيس بن خلدة. 247- معاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة. 248- عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة. 249- مسعود بن قيس بن خلدة. 250- رفاعة بن رافع بن العجلان. 251- خلّاد بن رافع بن العجلان.

252- عبيد بن يزيد بن عامر بن العجلان. 253- زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان. 254- خالد بن قيس بن العجلان. 255- رجيلة بن ثعلبة بن خالد. 256- عطيّة بن نويرة بن عامر. 257- خليفة بن عديّ بن عمرو. 258- رافع بن المعلّى بن لوذان. ش- من بني عمرو بن الخزرج بن النجار: 259- أبو أيوب بن خالد بن زيد الأنصاري. 260- ثابت بن خالد بن النعمان. 261- عمارة بن حزم بن زيد. 262- سراقة بن كعب بن عبد العزّى. 263- سهيل بن رافع بن أبي عمرو. 264- عدي بن أبي الزغباء الجهني (حليف) . 265- مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد. 266- أبو خزيمة بن أوس بن زيد. 267- رافع بن الحارث بن سواد بن زيد.

ت- من بني سواد بن مالك بن غنم: 268- عوف بن الحارث بن رفاعة. 269- معوّذ بن الحارث بن رفاعة. 270- معاذ بن الحارث بن رفاعة. بنو عفراء 271- النعمان بن عمرو بن رفاعة. 272- عبد الله بن قيس بن خالد بن خلدة. 273- عصمة الأشجعي (حليف) . 274- وديعة بن عمرو الجهني (حليف) . 275- ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي. 276- ثعلبة بن عمرو بن محصن. 277- سهل بن عتيك بن النعمان. 278- الحارث بن الصمّة بن عمرو بن عتيك. ث- من بني معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار: 279- أبيّ بن كعب بن قيس. 280- أنس بن معاذ بن أنس بن قيس. خ- من بني عديّ بن عمرو بن مالك بن النجار: 281- أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام. 282- أبو شيخ بن أبيّ بن ثابت بن المنذر بن حرام. 283- أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام.

284- أبو شيخ أبيّ بن ثابت أخو حسان. ذ- من بني عدي بن النجار: 285- حارثة بن سراقة بن الحارث. 286- عمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي. 287- سليط بن قيس بن عمرو بن عتيك. 288- أبو سليط أسيرة بن عمرو وهو أبو خارجة. 289- ثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك. 290- عامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس. 291- محرز بن عامر بن مالك. 292- سواد بن غزيّة بن أهيّب البلوي (حليف) . 293- أبو زيد قيس بن سكن. 294- أبو الأعور بن الحارث بن ظالم. 295- سليم بن ملحان. 296- حرام بن ملحان وهو مالك بن خالد. ذ- من بني مازن بن النجار: 297- قيس بن أبي صعصعة. 298- عبد الله بن كعب عمرو. 299- عصمة الأسدي (حليف) . 300- أبو داود عمير بن عامر بن مالك.

301- سراقة بن عمرو بن عطيّة. 302- قيس بن مخلّد بن ثعلبة بن صخر. ض- من بني دينار بن النجار: 303- النعمان بن عبد عمرو بن مسعود. 304- الضحّاك بن عبد عمرو. 305- سليم بن الحارث بن ثعلبة. 306- جابر بن خالد بن مسعود. 307- سعد بن سهيل بن عبد الأشهل بن دينار. ظ- من بني قيس بن مالك بن كعب بن حارثة بن دينار بن النجار: 308- كعب بن زيد بن قيس. 309- بجير بن أبي بجير العبسي (حليف) . غ- ذكر فيمن شهد بدرا: 310- عتبان بن مالك بن عمرو العجلان بن زيد بن غنم من الخزرج. 311- عصمة بن الحصين بن وبرة ابن أخي عتبان من الخزرج. 312- هلال بن المعلّى الخزرجي. 313- صالح بن شقرات غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ملحوظات: 1- كان البدريون (313) رجلا، شهد منهم المعركة فعلا (305) رجال فقط، وثمانية تخلّفوا لعلة، فضرب لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم وهم:

من المهاجرين 1- عثمان بن عفان خلّفه رسول الله صلّى الله عليه وسلم على امرأته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكانت مريضة فأقام عليها حتى ماتت. 2- طلحة بن عبيد الله. 3- سعيد بن زيد. بعثهما يتجسسان خبر العير. من الأنصار 4- أبو لبابة بن عبد المنذر خلّفه على المدينة. 5- عاصم بن عدي العجلاني خلّفه على أهل العالية. 6- الحارث بن حاطب العمري ردّه من الروحاء الى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم. 7- الحارث بن الصمّة، كسر بالروحاء. 8- خوّات بن جبير، كسر أيضا.

القاعدة الامينة (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) . (القرآن الكريم)

القاعدة الامينة

المدينة قاعدة الإسلام الأمينة تطهير المدينة المنورة وفرض الحصار الاقتصادي على قريش الموقف العام 1- المسلمون: كان المسلمون قبل (بدر) يخشون مواطنيهم غير المسلمين من أهل المدينة المنورة، فلا تبلغ بهم الجرأة الى حد أخذ الحق ممن يعتدي على مسلم منهم؛ فلما عادوا من (بدر) منتصرين انقلب الموقف تماما، فأصبح سلطانهم مهيبا في المدينة المنورة وما حولها. لقد قضوا على أكثر أعدائهم (كأفراد) كأبي عفك اليهودي «1» الذي كان يهجو المسلمين ويحرّض قومه على الخروج عليهم، وكعصماء بنت مروان «2» التي كانت تعيب الاسلام وتؤذي النبي صلّى الله عليه وسلم وتحرّض عليه، وكعب بن الأشرف «3» الذي قال حين علم بمقتل سادات مكة: (هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس. والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها) ، وهو الذي

_ (1) - قتله سالم بن عمير العمري في شوال على رأس عشرين شهرا من مهاجرة رسول الله (ص) . أنظر طبقات ابن سعد 2/ 28. (2) - قتلها عمير بن عديّ بن خرشة الخطمي لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من مهاجرة رسول الله (ص) ، فلما علم النبي (ص) بقتلها قال: (لا ينتطح فيها عنزان) . أنظر طبقات أبي سعد 2/ 27. (3) - قتله محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عبّاد بن بشر وأبو نائلة سلكان بن سلامة والحارث بن أوس بن معاذ وأبو عيسى بن جبر. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 32.

2 - المشركون ويهود:

قصد مكة لما تيقّن الخبر يحرّض على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي أصحاب (القليب) «1» ، فلما رجع الى المدينة المنورة جعل يشبّب بنساء المسلمين. وسترى كيف قضى المسلمون على أعدائهم (كجماعات) ... 2- المشركون ويهود: أ- عزمت قريش على أخذ ثأرها من المسلمين مهما يكلفها الأمر من جهود وخسائر في الأنفس والمال، وفي سبيل ذلك أخذت تستعد لليوم الموعود. ب- عقدت أكثر القبائل التي على طريق مكة- الشام التجارية التي تتاخم الساحل معاهدات مع المسلمين، فسيطر المسلمون على هذه الطريق، فلا يمرّ أحد منها إلا بإذنهم. ومع ذلك فقد بدأ قسم من القبائل العربية التي تسيطر على طريق الشام- مكة، والقاطنة بين مكة والمدينة ترى ما يهدّد مصيرها في قوّة المسلمين خاصة وأنها حرمت من فوائد اقتصادية كانت تجنيها من مرور تجارة قريش في رحلة الصيف الى الشام، فأخذت تفكّر في التعرّض للمسلمين. ج- أما مشركو المدينة فقد أعلن أكثرهم إسلامهم، وبقي بين صفوفهم قسم من المنافقين. د- ولكنّ يهود المدينة ازدادوا حقدا على المسلمين، وأخذ قسم منهم يجاهرون بعدائهم لهم وينقل أخبارهم للمشركين ويؤوي أعداءهم ويدلهم على عورات المسلمين. لذلك فقد أصبح بقاؤهم داخل المدينة خطرا محدقا بالمسلمين ...

_ (1) - هم قتلى المشركين في (بدر) والذين دفنوا في القليب.

الهدف الحيوي

الهدف الحيوي 1- تطهير المدينة المنورة من يهود، حتى تكون المدينة (قاعدة أمينة) لحركات المسلمين القادمة، فلا تنكشف حركاتهم للأعداء كما انكشفت في السابق، فيستطيعون بعد ذاك ترك المدينة المنورة بحراسة قليلة دون أن يتعرضوا لخطر كبير. 2- حرمان قريش من الاستفادة من الطرق التجارية التي تربط العراق من جهة والشام من جهة أخرى بمكة موطن قريش، لغرض القضاء على أهم مورد من موارد تجارة قريش بفرض هذا الحصار الاقتصادي على هذه الطرق. حصار بني قينقاع (راجع الملحق- د) 1- أسباب الحصار: أ- الأسباب غير المباشرة: تجسّس يهود على المسلمين لصالح المشركين، ونقلهم كل المعلومات عن نيات المسلمين وحركاتهم الى قريش، وإظهار عداوتهم بوضوح للمسلمين. ب- نبذ يهود العهد الذي كانوا قطعوه على أنفسهم للمسلمين بعد هجرة النبي صلّى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة وأظهروا البغي «1» . ج- الأسباب المباشرة: تعرّض يهود لامرأة مسلمة تبيع حليّها في سوق بني قينقاع، فاستغاثت المرأة، فوثب أحد المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله، فشدّت يهود على المسلم فقتلوه، ثم لجأ يهود الى حصونهم يحتمون بها.

_ (1) - أنظر طبقات ابن سعد 2/ 29.

2 - قوات الطرفين:

2- قوات الطرفين: أ- المسلمون: كل مسلمي المدينة المنورة القادرين على حمل السلاح بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. ب- يهود: كل بني قينقاع الساكنين داخل المدينة المنورة. 3- الهدف: القضاء على بني قينقاع في المدينة المنورة ليستقرّ الأمر فيها للمسلمين ولتكون المدينة قاعدة أمينة للمسلمين يرتكزون عليها في العمليات العسكرية المقبلة. 4- الحوادث: طلب الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى بني قينقاع أن يكفّوا أذاهم عن المسلمين وأن يحفظوا عهد الموادعة لئلا ينزل بهم ما نزل بقريش، فاستخفّ بنو قينقاع بوعيده قائلين: (لا يغرنّك يا محمد أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة! إنّا والله لئن حاربنا لتعلمنّ أنّا نحن الناس) . لم يبق بعد هذا التحدي الصارخ أمام المسلمين إلا مقاتلة بني قينقاع، فحاصروهم في قلاعهم خمسة عشر يوما، حتى اضطروهم على التسليم ورضوا بما يصنعه الرسول صلّى الله عليه وسلم في رقابهم ونسائهم وذرّيتهم وأموالهم، فجاء عبد الله بن أبيّ «1» الى الرسول صلّى الله عليه وسلم وقال: (يا محمد! أحسن في مواليّ) ، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عليه الرسول صلّى الله عليه وسلم، فكرّر ابن أبيّ مقالته، فأعرض

_ (1) - كان رأس المنافقين في المدينة.

فرض الحصار الاقتصادي على قريش

عنه الرسول صلّى الله عليه وسلم، فأدخل ابن أبي يده في جيب درع الرسول صلّى الله عليه وسلم، فتغير لون النبي صلّى الله عليه وسلم وقال له: (أرسلني) ! وغضب حتى رأوا لوجهه ظللا. ألح ابن أبي في رجائه قائلا: (والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ: أربعمائة حاسر «1» وثلاثمائة دارع «2» قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر) ... فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (هم لك على أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروننا بها) . وسار بنو قينقاع تاركين وراءهم السلاح وأدوات الذهب الذي كانوا يصوغونه حتى بلغوا (وادي القرى) «3» ، وبقوا هناك زمنا ثم احتملوا ما معهم وساروا صوب الشمال حتى بلغوا (أذريعات) «4» ، على حدود الشام وبها أقاموا ولم يبقوا فيها طويلا حتى هلك أكثرهم، وبذلك تخلّص المسلمون من هذا (الرتل الخامس) الذي كان يعيش بين ظهرانيهم، فينقل أخبارهم ويكشف أسرارهم لأعدائهم المشركين. فرض الحصار الاقتصادي على قريش (راجع الملحق- د) 1- غزوة بني سليم: أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: دورية قتال بقوة مائتي راكب وراجل بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم.

_ (1) - الحاسر: الذي لا درع له. (2) - الدارع: لابس الدرع. (3) - وادي القرى: موضع جنوبي خيبر وبين المدينة المنورة وخيبر. (4) - أذريعات: موضع كائن في منطقة شرقي الأردن حاليا بين أجنادين والشام.

2 - غزوة السويق:

ثانيا- المشركون: بنو سليم وغطفان. ب- الهدف: لقضاء على مقاومة سليم وغطفان في عقر دارهم في (قرقرة الكدر) «1» الواقعة على الطريق التجارية الحيوية بين مكة والشام. ج- الحوادث: بلغ المسلمين أن جمعا من غطفان وبني سليم اعتزم الاعتداء عليهم، فخرج الرسول صلّى الله عليه وسلم وبإمرته مائتا راكب وراجل من المسلمين الى (قرقرة الكدر) ليأخذ عليهم الطريق. فلما وصل الى ذلك المكان رأى آثار النعم ولم يجد أحدا، إذ فرّت جموع بني سليم وغطفان لما سمعت بقدوم المسلمين، فجمع المسلمون ما وجدوا من إبل، وقسّمها الرسول صلّى الله عليه وسلم عليهم بالتساوي، وبقي في منازل القوم ثلاثة أيام لإظهار قوة المسلمين وعدم اكتراثهم بعدوّهم، ثم عادوا أدراجهم الى المدينة المنورة. 2- غزوة السّويق: أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: قوة مطاردة خفيفة بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم.

_ (1) - قرقرة الكدر. القرقرة: هي الأرض الملساء وليست ببعيدة. وهو موضع بناحية المعدن قريبة من الأرحضية بينها وبين المدينة ثمانية برد، وهي ماء لبني سليم. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 7/ 56 و 7/ 224.

ثانيا- المشركون: مائتا فارس من قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب. ب- الهدف: مطاردة أبي سفيان بن حرب للقضاء على قوته. ج- الحوادث: خرج أبو سفيان بن حرب بمائتي فارس من مكة المكرمة، وقرّر أن يباغت المدينة المنورة بغارة خاطفة ليردّ لقريش بعض سمعتها التي خسرتها يوم (بدر) ، ويلحق بالمسلمين ما يستطيع من الخسائر، وحتى يبرّ بنذره الذي قطعه على نفسه بعد (بدر) ؛ (ألّا يمسّ رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا) . وصل أبو سفيان بقوته مساكن بني النضير «1» بأطراف المدينة المنورة في جنح الليل، ونزل على سلام بن مشكم من سادة يهود، فعرف منه أخبار المسلمين، وتدارس معه أجدى الطرق لإيقاع الأذى بهم والإفلات بعد ذلك سالما من مطاردتهم، وهكذا هجم أبو سفيان برجاله على ناحية يقال لها: (العريض) «2» على مقربة من المدينة المنورة وحرقوا بيتين في (العريض) ونخلا، ووجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما، فقتلوهما، ثم انكفأ أبو سفيان بن حرب بقوته هاربا خائفا أن يطلبه النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه. ندب محمد صلّى الله عليه وسلم أصحابه فخرجوا في أثر أبي سفيان بن حرب، حتى بلغوا (قرقر الكدر) وأبو سفيان ومن معه جادّون في الفرار يتزايد خوفهم فيتخفّفون من أرزاقهم التي يحملونها، حتى تمكنوا من النجاة، وعثر المسلمون

_ (1) - يهود. (2) - العريض: اسم موضع، وقال ياقوت: هو واد بالمدينة له ذكر في المغازي.

3 - غزوة ذي أمر:

في طريق المطاردة على هذه الأرزاق وأكثرها من (السويق) «1» ، فسمّوا هذه الغزوة بغزوة (السويق) ، ولما رأى النبي صلّى الله عليه وسلم أن القوم أمعنوا في الفرار، عاد وأصحابه الى المدينة المنورة. 3- غزوة ذي أمرّ: أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: أربعمائة وخمسون رجلا بين راكب وراجل بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. ثانيا- المشركون: بنو ثعلبة ومحارب. ب- الهدف: القضاء على بني ثعلبة ومحارب قبل التعرض بأطراف المدينة المنورة. ج- الحوادث: بلغ محمدا صلّى الله عليه وسلم أن جمعا من بني ثعلبة ومحارب قد تجمّعوا (بذي أمرّ) «2» يريدون أن يتعرضوا بأطراف المدينة المنورة، فخرج الرسول صلّى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين من المسلمين بين راكب وراجل، فلقي رجلا من (ثعلبة) ، فسأله عن القوم فدله الرجل على مواضعهم، وأخبره أنهم سيهربون الى رؤوس الجبال إن سمعوا بمسير المسلمين.

_ (1) - السويق: ان تحمص الحنطة أو الشعير ثم تطحن، وقد تمزج باللبن والعسل والسمن تلتّ به. (2) - ذر أمر: موضع بنجد من ديار غطفان.

4 - غزوة بحران:

وما لبث بنو ثعلبة ومحارب أن فرّوا الى رؤوس الجبال عند سماعهم بمسير المسلمين. وعاد المسلمون بعد أن بقوا في ديار القوم شهرا كاملا بدون قتال. 4- غزوة بحران «1» : أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: ثلاثمائة مقاتل بين راكب وراجل بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. ثانيا- المشركون: بنو سليم. ب- الهدف: القضاء على بني سليم قبل إنجاز استعداداتهم لقتال المسلمين. ج- الحوادث: بلغ النبي صلّى الله عليه وسلم أن جمعا كبيرا من بني سليم يتهيّئون لقتاله، فخرج في ثلاثمائة رجل من المسلمين أغذّوا السير ليباغتوا بني سليم في ديارهم، حتى إذا وصلوا دون (بحران) بليلة، لقيهم رجل من بني سليم، فسأله النبي صلّى الله عليه وسلم عنهم، فأخبره أنهم تفرّقوا وعادوا أدراجهم حين سمعوا بخروجه إليهم. وعاد النبي صلّى الله عليه وسلم بأصحابه الى المدينة المنورة بعد أن بقي في ديار القوم حوالي شهرين.

_ (1) - بحران: قيده جماعة بفتح الباء؛ وقيده آخرون بضمها، وقال ياقوت: موضع بين الفرع والمدينة، وقال الواقدي: بين الفرع والمدينة ثمانية برد.

5 - سرية زيد بن حارثة:

5- سرية زيد بن حارثة: أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: دورية قتال بقوة مائة راكب بقيادة زيد بن حارثة الكلبي. ثانيا- المشركون: قافلة تجارية لقريش بقيادة صفوان بن أمية. ب- الهدف: حرمان قريش من الاستفادة من طريق مكة- العراق التجارية بعد حرمانهم من الاستفادة من طريق مكة- الشام التجارية. ج- الحوادث: قطع الرسول صلّى الله عليه وسلم على قريش طريق مكة- الشام التجارية، مما أثر أسوأ الأثر على اقتصاديات قريش، خاصة وأن مكة تعيش على التجارة لأنها بواد غير ذي زرع. قال صفوان بن أمية لقريش: (إن محمدا وأصحابه قد عوّروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه وهم لا يبرحون الساحل، وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا فلم يكن لها من بقاء، وإنما حياتنا بمكة على التجارة الى الشام في الصيف والى الحبشة في الشتاء) . قال له الأسود بن عبد المطلب: (تنكّب الطريق على الساحل، وخذ

دروس من حركات التطهير

طريق العراق) . ثم دلّه على فرات بن حيّان من بني بكر بن وائل ليكون رائدهم في هذه الرحلة. وتجهّز صفوان من الفضة والبضائع بما قيمته مائة ألف درهم، وما لبث النبي صلّى الله عليه وسلم أن بعث زيد بن حارثة بمائة راكب يتعرّضون للقافلة، فلقيها زيد عند ماء يقال له (القردة) «1» ، وهو ماء من مياه نجد؛ ففرّ المشركون مذعورين، وأصاب المسلمون القافلة، وأسروا دليلها فرات بن حيّان، فلما جيء به الى المدينة المنورة دخل الإسلام ... وهكذا حرم المشركون من طريق مكة- العراق، كما حرموا من قبل من طريق مكة- الشام، فأصبح الحصار الاقتصادي مطبقا عليهم من الطرق المؤدية الى الشام والعراق كافة. دروس من حركات التطهير 1- القاعدة الامينة: القاعدة الأمينة، هي المنطقة الحيوية التي يمكن الاعتماد عليها في كل حركة عسكرية، لإمداد القوات المحاربة بالرجال والمواد، ولتكون الملجأ الحصين الذين تلجأ إليه تلك القوات عند أسوأ الاحتمالات. ولا بدّ من وجود (قاعدة أمينة) لكل حركة عسكرية ناجحة، لترتكز عليها القوات في صفحات القتال كافة. ولا بدّ من وجود (قاعدة أمينة) لكل دعوة ناجحة أيضا، لتكون الملجأ الحصين لأصحاب الدعوة والدعاة، ولتنتشر منها الدعوة الى الخارج.

_ (1) - قردة: ماء بنجد في الرمّة لبني نعامة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 7/ 50.

2 - الحصار الاقتصادي:

لقد أصبحت المدينة المنورة أول قاعدة أمينة للاسلام بعد أن هاجر إليها الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكنها لم تكن قاعدة أمينة حقا قبل إجلاء بني قينقاع عنها. لقد كان موقف يهود المدينة يختلف تماما عن موقف مشركيها. كان مشركو المدينة يمتّون بصلة القربى والنسب الى الأنصار، أما يهود فلا نسب ولا قربى لهم مع سكان المدينة من غير يهود. وقد أسلم أكثر مشركي المدينة بعد (بدر) ، والذين بقوا على شركهم قليلون، لذلك كان خطر هؤلاء على المسلمين قليلا. أما يهود المدينة فقد زادهم انتصار المسلمين في (بدر) حقدا على حقدهم، فأصبحوا يتربصون بالمسلمين الدوائر ويتجسّسون عليهم ويحرّضون أعداءهم للفتك بهم، ويؤذونهم بالقول والعمل. لقد كان بقاء يهود بالمدينة بعد انتصار المسلمين في (بدر) خطرا داهما لا بد من القضاء عليه، لتكون المدينة قاعدة أمينة حقا للاسلام؛ ولترتكز عليها قواتهم للحركات المقبلة، ودعوتهم للإسلام في حاضرهم ومستقبلهم. لقد ضعفت شوكة يهود بعد إجلاء بني قينقاع عنها، فقد كان أكثر يهود المنتسبين الى المدينة يقيمون بعيدا عنها (بخيبر) وبأم القرى؛ وهكذا طهّر المسلمون داخل المدينة من أخطر أعدائهم، وأصبحت المدينة قاعدة أمينة للاسلام حقا. 2- الحصار الاقتصادي: تعتمد قريش في حياتها على تجارتها بالدرجة الأولى، وهي تستورد بعض المواد التي تتيسر في الحبشة والشام والعراق واليمن، كالمواد الغذائية

والمنسوجات، وتصدّر إليها بعض المواد الأولية، كالجلود والصوف والطيب الذي يردها من الهند. وطريق مكة- الشام أهم طريق تجارية لقريش، لأهمية تجارة الشام، ولأنها طريق برية يسهل قطعها بالإبل سفن الصحراء. إن قطع المسلمين طريق مكة- الشام، أثّر أسوأ الأثر في الحياة الاقتصادية لقريش، لذلك حاولوا أن يستفيدوا من طريق مكة- نجد- العراق الشام الطويلة، حتى لا تموت تجارتهم نهائيا، إلا أن المسلمين حرموا قريشا من هذه الطريق الجديدة أيضا. إن فرض الحصار الاقتصادي على قريش، جعلهم أمام مسلكين: محاولة القضاء على المسلمين لتنفتح أمامهم الطرق التجارية المقطوعة، أو الاستسلام قبل أن تموت قريش جوعا. إن هدف المسلمين من غزواتهم بعد (بدر) على بني سليم وغطفان وبني ثعلبة وبني محارب وعلى قافلة قريش، كان لحرمان هذه القبائل من التعرّض بالمسلمين وللسيطرة على طريق مكة- الشام وطريق مكة- نجد العراق؛ ولم يكن هدف المسلمين الحصول على الغنائم، لأن الذين يحاولون السلب يعودون بسرعة الى قواعدهم خوفا من استرداد ما غنموه، ولا يبقون أياما بل شهورا في ديار أعدائهم كما فعل المسلمون. لقد بقي المسلمون ثلاث ليال في ديار بني سليم في المرّة الأولى، وشهرين في المرة الثانية، وشهرا كاملا في ديار بني ثعلبة وبني محارب، فهل يبقى كل هذه المدة خائف من عدوه أو طالب للسلب والنهب؟!

إن الهدف الأول من الحصار الاقتصادي المضروب على قريش، هو التأثير المادي والمعنوي عليهم ليعيدوا النظر في موقفهم من المسلمين، وما غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلم القبائل في هذه الفترة إلا للتخلص من تهديدها ولتأمين هدف الرسول صلّى الله عليه وسلم في ضرب الحصار الاقتصادي على قريش. لقد كانت غزوات هذه الفترة (حربا باردة) كما يطلق عليها العسكريون اليوم، وكان لا بد من تطهير (القاعدة الأمينة) لتأمين النصر من هذه الغزوات.

النصر للمغلوب (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) . (القرآن الكريم)

النصر للمغلوب

غزوة أحد «1» الموقف العام 1- المسلمون: سيطر المسلمون على الطرق التجارية المؤدية من مكة المكرمة الى الشام والى العراق سيطرة تامة، ومنعوا قوافل قريش من سلوك هاتين الطريقين؛ فلم يبق أمام قريش إلا التجارة مع الحبشة، وهي تجارة غير رابحة بالنسبة الى التجارة مع الشام ومع العراق، وبذلك حلّت بتجارة قريش- التي تعتمد عليها في حياتها كل الاعتماد- نكبة قاصمة قاضية. كما سيطر المسلمون على المدينة المنورة وجعلوا منها (قاعدة أمينة) لدعوتهم وحركاتهم العسكرية المقبلة على حد سواء. 2- المشركون ويهود أ- قريش: حرصت قريش منذ نكبتها الكبرى في (بدر) على الأخذ بثأرها من المسلمين، وصمّمت على الاستعداد عسكريا لاستعادة كرامتها وشرفها. ولم تغنها غزوة (السويق) شيئا بل زادها فرارها المشين أمام مطاردة المسلمين لها عارا جديدا على عارها في (بدر) ، كما أثارت سرية زيد بن حارثة كوامن حقدها الدفين على المسلمين.

_ (1) - أحد: جبل شمال المدينة بينه وبينها قرابة ميل واحد. انظر التفاصيل في معجم البلدان 1/ 133.

قوات الطرفين

وقرّر كبراء قريش تخصيص ربح تجارة قافلة أبي سفيان بن حرب التي جرت من أجلها معركة (بدر) ، لإنجاز استعدادات معركة الثأر القادمة وإمدادها بالمواد والسلاح والرجال! ب- مشركو المدينة وما حولها: أصبح مشركو المدينة ضعفاء جدا، لإسلام أكثرهم وتظاهر الآخرين منهم بالإسلام. كما هابت القبائل المجاورة قوة المسلمين، فحالف أكثرهم المسلمين، وانكمش الآخرون في ديارهم خائفين. ج- يهود: لم يبق داخل المدينة بعد طرد بني قينقاع أحد من يهود؛ أما يهود الذين يسكنون في ضواحي المدينة، فقد خافوا بطش المسلمين، خاصة بعد جلاء بني قينقاع وقتل كعب بن الأشرف، فتظاهروا بالمحافظة على عهودهم، ولو أنهم أخفوا نقض تلك العهود في أول فرصة مناسبة. قوات الطرفين 1- المسلمون: قوات المسلمين ستمائة وخمسون رجلا وخمسون فارسا بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. 2- المشركون: قوات المشركين ألفان وتسعمائة من قريش ومواليها وأحابيشها ومائة من بني ثقيف، منهم سبعمائة دارع فقط، ومع قوات المشركين مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير، وهذه القوات بقيادة أبي سفيان بن حرب، وقد استصحب أكثر زعماء قريش معهم نساءهم «1» للتشجيع ورفع المعنويات.

_ (1) - عدد النساء من قريش خمس عشرة امرأة، انظر طبقات ابن سعد 2/ 37.

أهداف الطرفين

أهداف الطرفين 1- المشركون: أخذ ثاراتهم من المسلمين في معركة بدر وسرية زيد بن حارثة، لاستعادة كرامتهم وشرفهم بين العرب. 2- المسلمون: الدفاع عن المدينة وصدّ قريش عنها، لتتوفر لهم الحرية الكاملة لنشر الدعوة الى الاسلام بحرية وسلام. قبل المعركة 1- المشركون: أ- بعد إنجاز قريش استعداداتها العسكرية للحركة، سلكت طريق مكة- المدينة، حتى وصلت موضعا قريبا من المدينة يسمى (الصّمغة) «1» فأطلقت إبلها وخيلها ترعى زرع الأنصار هناك، وتابعت سيرها حتى بلغت (العقيق) «2» ثم نزلت عند بعض السفوح من جبل (أحد) على بعد خمسة أميال من المدينة المنورة. ب- كان على ميمنة خيل المشركين خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة ابن أبي جهل، وكان اللواء عند طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدّار.

_ (1) - الصمغة: أرض غرب جبل أحد من المدينة، انظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 384. (2) - العقيق: العرب تقول لكل مسيل ماء شقّه السيل في الأرض فأنهره ووسّعه: عقيق، والعقيق بناحية المدينة، وفي بلاد العرب أربعة أعقة، منها عقيق المدينة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 6/ 198.

2 - المسلمون:

ج- نظّم المشركون قوّتهم للقتال بأسلوب (الصف) وأمّنوا حماية ميمنة الصفوف وميسرتها بالفرسان. د- بذلت نساء قريش- خاصة هند بنت عتبة زوج أبي سفيان- أقصى جهودهن لتشجيع قريش وبعث الحماس في نفوسهم لأخذ ثاراتهم من المسلمين. 2- المسلمون: أ- بعث العباس عمّ الرسول صلّى الله عليه وسلم رسالة مع أحد الرجال، يخبر بها الرسول صلّى الله عليه وسلم عن وقت خروج قريش لقتاله وعن عدد قواتها، فأسرع الرجل بالرسالة حتى قطع الطريق بين مكة والمدينة في ثلاثة أيام، فوجد الرسول صلّى الله عليه وسلم ماكثا بمسجد (قباء) «1» ، فدفع إليه بالرسالة. ب- قرأ أبي بن كعب الرسالة على الرسول صلّى الله عليه وسلم، فطلب ألا يبوح بمضمونها لأحد وعاد الرسول الى المدينة المنورة. ج- بعث النبي صلّى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه «2» لمعرفة الموضع الذي وصلت اليه قريش، فوجداها قاربت المدينة المنورة، وأطلقت خيلها وإبلها ترعى زروع (يثرب) المحيطة بها. د- خشي المسلمون عاقبة هذه الغزوة، لأنّ قريشا أكملت استعداداتها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ حروبها، فبات المسلمون من أهل المدينة المنورة وعليهم السلاح بالمسجد كما بات الحراس في مداخل المدينة لحراستها. هـ- جمع الرسول صلّى الله عليه وسلم أهل الرأي من المسلمين صباح يوم الجمعة 15 شوال من السنة الثالثة للهجرة لاستشارتهم في كيفية لقاء العدو.

_ (1) - قباء: قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد الى مكة بها أثر بنيان كثير. انظر التفاصيل في معجم البلدان 7/ 21. (2) - هما: أنس ومؤنس ابنا فضالة الظفريين. انظر طبقات ابن سعد 2/ 37.

كان رأي النبي صلّى الله عليه وسلم أن يتحصنوا بالمدينة المنورة وأن يدعوا قريشا خارجها، فإذا دخلتها قاتلهم فيها قتال الشوارع في منطقة يعرفها المسلمون كل المعرفة ولا تعرفها قريش، مما يساعد المسلمين على ضرب قريش وإيقاع الخسائر الفادحة بها، وكان رأي كبار الصحابة مثل هذا الرأي كما كان هذا رأي عبد الله بن أبيّ. ولكنّ الرجال الذين لم يشهدوا (بدرا) - خاصة الشباب منهم- تحمّسوا للخروج من المدينة وملاقاة قريش خارجها وأيّدهم رجال اشتركوا ببدر، كي لا يرمى المسلمون بالجبن لاضطرارهم الى القتال داخل المدينة، فرأى الرسول صلّى الله عليه وسلم أن الأكثرية تؤيد الخروج، فقال لهم: (إني أخاف عليكم الهزيمة) ، فأبوا مع ذلك إلا الخروج، فنزل على رأي الأكثرية، لأن الشورى كانت أساس نظامه الذي لا يحيد عنه. وأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم صحابته أن يتهيئوا للخروج، ودخل داره وتقلّد سيفه وارتدى عدّة القتال، ثم خرج الى الناس. شعر القوم أنهم استكرهوا الرسول صلّى الله عليه وسلم على رأيهم، وأظهروا الرغبة في النزول على رأيه، إلا أن النبي صلّى الله عليه وسلم وجد غضاضة في الاضطراب بين شتى الآراء والتردّد في قرارته، فقال: (ما ينبغي لنبي لبس لأمته «1» أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه) ... ثم طلب إليهم الصبر عند البأس. ز- تقدّم النبي صلّى الله عليه وسلم بألف رجل، حتى نزل (الشيخين) «2» - موضع في ضواحي المدينة- وهناك رأى مع المسلمين مفرزة لا يعرف أهلها، فلما سأل

_ (1) - اللأمة: الدرع. وقد يسمى السلاح كله لأمة. (2) - الشيخان: موضع بالمدينة كان فيه معسكر رسول الله (ص) ليلة خرج لقتال المشركين بأحد. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 319 وهو في منطقة جبل أحد.

عنها علم أن أفرادها من يهود حلفاء عبد الله بن أبي، فرفض معاونتهم له إلا أن يسلموا أو يعودوا أدراجهم. وقال: (لا تستنصروا بأهل الشرك على أهل الشرك) ، فعادوا الى المدينة. وانسحب بعدهم عبد الله بن أبي مع ثلاثمائة من أنصاره المنافقين، فبقي النبي صلّى الله عليه وسلم ومعه سبعمائة من أصحابه يستعد بهم لقتال ثلاثة آلاف مقاتل من المشركين. ح- عسكر المسلمون بالشّعب من موضع (أحد) في عدوة الوادي، جاعلين ظهرهم الى جبل (أحد) ، وكانت مجمل خطة الرسول صلّى الله عليه وسلم للقتال ما يلي: أولا: وضع خمسين من الرماة بإمرة عبد الله بن جبير «1» في موضع على طريق تؤدي من الجبل الى خلف قواته، وكان هدفه من وضع هذه القوة هو حرمان العدو من الالتفات على قواته من الخلف، ولتكون هذه القوة قاعدة أمينة لقواته، تحمي ظهرها وتستند إليها وتستر انسحابها عند الحاجة. وأصدر لهذه القوة الأمر الجازم التالي: (أحموا لنا ظهورنا، فإننا نخاف أن يجيئوا من ورائنا، وألزموا مكانكم لا تبرحوه. وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدفعوا عنا، وإنما عليكم أن ترشقوا خيلهم بالنبل، فإن الخيل لا تقدم على النبل) . ثانيا: نظّم أصحابه صفوفا للقتال بهم بأسلوب (الصف) ، وتخيّر الأشداء ليكونوا طليعة الصفوف.

_ (1) - عبد الله بن جبير الأنصاري: شهد بيعة العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار وشهد بدرا وأحدا، واستعمله رسول الله (ص) على الرماة في أحد لحماية ظهور المسلمين؛ فلما اختلف الرماة وانسحب أكثرهم من مواضعهم لأخذ الغنائم من معسكر المشركين، ثبت عبد الله في مكانه مع نفر لا يبلغون العشرة قاوم بهم هجوم خالد بن الوليد حتى فنيت نبله، فطاعن بالرمح حتى انكسر، فكسر جفن سيفه فقاتل فرسان خالد حتى استشهد بطلا. راجع التفاصيل في طبقات ابن سعد 3/ 475، والإصابة 4/ 45، وأسد الغابة 3/ 130، والاستيعاب 3/ 877.

ثالثا: أصدر أوامره بألّا يقاتل أحد إلّا بأمر منه. رابعا: أخذ يشجّع أصحابه ويحثّهم على الصبر في القتال. ط- ولبعث التنافس الشريف بينهم في إظهار البطولة، أخذ الرسول صلّى الله عليه وسلم سيفا بيده، فقال مخاطبا أصحابه: (من يأخذ هذا السيف بحقّه) ؟ فقام اليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام أبو دجانة سماك بن خرشة «1» فقال: (وما حقّه يا رسول الله) ؟ فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أن تضرب به العدو حتى ينحني) . وكان أبو دجانة رجلا شجاعا له عصابة حمراء، إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فأخذ السيف وأخرج عصابته الحمراء التي كانوا يسمونها: (عصابة الموت) وعصب بها رأسه، وجعل يتبختر بين الصفين على عادته إذ يختال عند الحرب، فلما رآه الرسول صلّى الله عليه وسلم يتبختر قال: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن) . ي- بهذه الخطة وبهذا الاندفاع كان وضع المسلمين قبل نشوب القتال في (أحد) .

_ (1) - سماك بن خرشة الخزرجي الساعدي الأنصاري: مشهور بكنيته، أبي دجانة، شهد بدرا وأحدا وجميع المشاهد مع رسول الله (ص) ، وأعطاه رسول الله يوم أحد سيفه، وقال: (من يأخذ هذا السيف بحقه) ؟ فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: (أنا آخذه بحقه) ، فدفعه رسول الله (ص) إليه ففلق به هام المشركين. كان من الشجعان المشهورين بالشجاعة، وكانت له عصابة حمراء يعلم بها في الحرب، فلما كان يوم أحد أعلم بها واختال بين الصفين، فقال رسول الله (ص) : (إن هذه مشية يبغضها الله عزّ وجل إلا في هذا المقام) . وهو من فضلاء الصحابة وأكابرهم له مقامات محمودة في مغازي رسول الله (ص) . استشهد يوم اليمامة بعد ما أبلى فيها بلاء عظيما، وكان لبني حنيفة باليمامة حديقة يقاتلون من ورائها فلم يقدر المسلمون على الدخول إليهم فأمرهم أبو دجانة أن يلقوه إليها ففعلوا فانكسرت رجله فقاتل على باب الحديقة وأزاح المشركين عنه ودخلها المسلمون وقتل يومئذ، وقيل بل عاش حتى شهد صفين مع علي. أنظر التفاصيل في طبقات ابن سعد 3/ 556، والإصابة 7/ 57، التسلسل 371، وأسد الغابة 2/ 352، والاستيعاب 2/ 652، التسلسل 1061.

سير القتال

سير القتال 1- بدء المناوشات: أ- قامت مفرزة من قوات قريش بقيادة أبي عامر عبد عمرو بن صيفي الأوسي بالهجوم على قوات المسلمين، فنشبت الحرب، وكان أبو عامر هذا قد انتقل من المدينة الى مكة يحرّض قريشا على قتال محمد صلّى الله عليه وسلم؛ ولم يكن شهد (بدرا) مع قريش، فخرج الى (أحد) في خمسة عشر رجلا من الأوس ومن عبيد أهل مكة، وكانت المفرزة التي بإمرته مؤلفة من هؤلاء الأفراد فقط، وكان يزعم لقريش أنه إذا نادى أهله المسلمين من الأوس الذين يحاربون في صفوف النبي صلّى الله عليه وسلم، استجابوا له وانحازوا معه ونصروا قريشا! ... خرج أبو عامر مناديا: (يا معشر الأوس! أنا أبو عامر) ! فأجابه الأوس المسلمون: (لا أنعم الله بك عينا يا فاسق) ! .. ثم هاجموه. ونشب القتال بين الطرفين بعد أن أذن الرسول صلّى الله عليه وسلم للمسلمين بالقتال. ب- حاول أبو عامر وحاول عكرمة بن أبي جهل أن يلتفا على أجنحة المسلمين، ولكن المسلمين رشقوهم بالحجارة، ولم يكن من السهل الالتفات على أجنحة المسلمين لاستنادها على هضاب جبل (أحد) ، فأخفقت محاولات التفاف المشركين. ج- هتف حمزة بن عبد المطلب بكلمة التعارف للمسلمين في (أحد) : (أمت أمت) . ثم اندفع الى قلب جيش المشركين. ونادى حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة: (من يبارز) ؟ فخرج إليه علي بن أبي طالب، فقتله. واندفع أبو دجانة وفي يده سيف النبي صلّى الله عليه وسلم، وعلى رأسه عصابة الموت، فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله، حتى شقّ صفوت المشركين؛ ثم رأى إنسانا

2 - إشتداد القتال (الصفحة الاولى) :

يحثّ المشركين على القتال، فحمل عليه بالسيف، فإذا بهند بنت عتبة تولول، فارتدّ عنها أبو دجانة مكرما سيف النبي صلّى الله عليه وسلم أن يضرب به امرأة ... 2- إشتداد القتال (الصفحة الاولى) : أ- اندفعت قريش الى القتال يثور في عروقها طلب الثأر لمن قتل من أشرافها وسادتها منذ عام ببدر، وكان من ورائهم نساؤهم يشجعونهم ويحثونهم على الاستبسال، وقد أعدت غير واحدة منهن مولى وعدته بالخير الوفير لينتقم لها ممن فجعها ببدر في أب أو أخ أو زوج أو عزيز، وكانت هند بنت عتبة قد وعدت وحشيا الحبشي مولى جبير خيرا كثيرا إن هو قتل حمزة، كما قال له جبير بن مطعم مولاه، وكان عمه قد قتل ببدر: (إن قتلت حمزة عم محمد فأنت عتيق) ! وتربّص وحشي بين الصفوف يترصّد حمزة، حتى رآه في عرص للناس يحطم أبطال المشركين، فصوّب عليه حربته وقذفه بها، فأصابت بطن حمزة أسفل سرّته وخرجت من بين رجليه، فاستنسهد على أثرها. ب- على الرغم من الخسارة الفادحة التي لحقت بالمسلمين باستشهاد حمزة، فإن قواتهم بقيت مسيطرة على الموقف تماما، وأخذ لواء المشركين يسقط بين حين وآخر: حمل عثمان بن أبي طلحة اللواء بعد أن قتل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه طلحة بن أبي طلحة، فلما لقي هذا مصرعه، حمله أبو سعيد بن أبي طلحة، فقتله علي بن أبي طالب أو سعد بن أبي وقاص. وتعاقب حملة لواء المشركين من بني عبد الدار، حتى قتل منهم تسعة، ثم حمله مولى لهم، وحملته امرأة بعد ذلك لتفرق المشركين عنه. ج- زحفت صفوف المسلمين على صفوف المشركين بعد تصدّعها، فانهزم المشركون حتى أحاط المسلمون بنساء المشركين وحتى وقع الصنم الذي احتملوه للتبرّك به من فوق الجمل الذي كان يحمله.

3 - هجوم المشركين المقابل (الصفحة الثانية) :

وأخذ المسلمون يطاردون المشركين حتى أبعدوهم عن معسكرهم، ثم عادوا يجمعون الغنائم. ورأى الرماة الذين أمرهم الرسول صلّى الله عليه وسلم ألّا يبرحوا أماكنهم ولو رأوه وأصحابه يقتلون، فقال بعضهم لبعض: (لم تقيمون هاهنا في غير شيء وقد هزم الله عدوكم، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم) ؟ واختلفوا فيما بينهم، أيتركون مواضعهم أم يبقون فيها؟ فأصرّ قائدهم عبد الله بن جبير على البقاء وعصاه أكثرهم وانطلقوا، ولم يبق معه غير نفر دون العشرة! واشترك المنطلقون من الرماة في جمع الغنائم. 3- هجوم المشركين المقابل (الصفحة الثانية) : أ- انتهز خالد بن الوليد «1» فرصة ترك رماة المسلمين لمواضعهم، وكان على ميمنة خيل المشركين، فهاجم مواضع الرماة التي تركوها، واستطاع إجلاء الباقين منهم عن مواضعهم، لقلة عددهم، وعدم إمكانهم الصمود في موضعهم الواسع بالنسبة لعددهم الذي أصبح قليلا. ولم يفطن المسلمون لهذه المباغتة، وصاح خالد يعلن لقريش بأنه التفّ وراء المسلمين، فعادت قوات قريش المنهزمة للقيام بهجوم مضاد جبهي على المسلمين، ونادوا بشعارهم: (يا للعزّى! يا لهبل) ! بينما قام خالد بالالتفاف من الخلف، فأصبح المسلمون مطوقين من جوانبهم كافة. وتحرّج موقف المسلمين، وأصبح خطيرا جدا، خاصة وأن صفوفهم لم تكن رصينة في مواضعها لتستطيع الصمود، إذ تبعثر أفرادها لجمع الغنائم.

_ (1) - أنظر سيرة حياته في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة 47- 211.

ب- كانت حركة خالد مباغتة تامة للمسلمين لم يكونوا يتوقعونها، فتبعثر أكثرهم وبقي القليل منهم الى جانب النبي صلّى الله عليه وسلم «1» يقاتلون ليشقوا لهم طريقا من بين قوات قريش التي أطبقت عليهم من كل جانب. واستشهد كثير من المسلمين وهم يحاولون شقّ طريقهم، واستطاع المشركون أن يصلوا قريبا جدا من موضع النبي صلّى الله عليه وسلم، فرماه أحدهم بحجر أصاب أنفه وكسر رباعيّته. وتمالك النبي صلّى الله عليه وسلم نفسه، وسار مع أصحابه الباقين، فإذا به يقع في حفرة حفرها أبو عامر ليقع فيها المسلمون، فأسرع إليه علي بن أبي طالب وأخذ بيده ... ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى. ج- أخذ المشركون يديمون زخم هجومهم للقضاء على النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، ونادى أحدهم: بأنه قتل محمدا؛ ولكن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم استماتوا في الدفاع عنه. كانت أم عمارة نسيبة الخزرجية قد خرجت أول النهار ومعها سقاء لها فيه ماء، تدور على المسلمين لتسقي منهم من استسقى؛ فلما أحاط المشركون بالمسلمين وأصبح الخطر الداهم محدقا بالنبي صلّى الله عليه وسلم نفسه، ألقت نسيبة سقاءها واستلّت سيفا وأخذت تذود عن النبي صلّى الله عليه وسلم بالسيف وترمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إليها. وصدّ أبو دجانة بجسمه النبال المنهالة صوب النبي صلّى الله عليه وسلم، فحنى ظهره عليه والنبل يقع فيه. ووقف سعد بن أبي وقاص الى جانب النبي صلّى الله عليه وسلم يرمي بالنبل دونه، والنبي صلّى الله عليه وسلم يناوله النبل ويترصّد له إصاباته. ورمى النبي صلّى الله عليه وسلم عن قوسه، حتى تحطمت القوس. وتساقط المسلمون

_ (1) - ثبت مع الرسول (ص) أربعة عشر رجلا في أصحابه: سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق وسبعة من الأنصار. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 42.

حوله صرعى واحدا بعد الآخر مستقتلين في الدفاع عنه ... حتى استطاعوا شقّ طريقهم عبر صفوف قريش الى رابية مشرفة من روابي جبل (أحد) . وتركت هذه الاستماتة أثرها في قريش، فتوقف زخم هجومهم قليلا، واستفاد المسلمون من هذه الفرصة السانحة، فصعد النبي صلّى الله عليه وسلم بهم الى جبل (أحد) . وفي طريق صعوده رآه كعب بن مالك الذي كان مع المسلمين الذين تفرقوا عنه، لهول صدمة مباغتة قريش لهم، ولانتشار إشاعة مقتل النبي صلّى الله عليه وسلم، فنادى كعب بأعلى صوته: (يا معشر المسلمين ... أبشروا ... هذا رسول الله) ، فلما سمعت قريش صيحة كعب لم يصدقها أكثرهم وحسبها صيحة أريد بها شدّ عزائم المسلمين، إلا أن بعضهم اندفع وراء النبي صلّى الله عليه وسلم وصحابته. وتقدم أبيّ بن خلف وهو يقول: (أين محمد؟ لا نجوت إن نجا) . فطعنه النبي صلّى الله عليه وسلم بحربة الحارث بن الصمة طعنة جعلته يتقلب على فرسه ويعود أدراجه ليموت في الطريق، وهو أول قتيل قتل بيد النبي صلّى الله عليه وسلم. د- وصل المسلمون الى هضبة مرتفعة من جبل (أحد) ، ولكنّ خالد بن الوليد وصل بفرسانه قريبا منهم، فقام المسلمون عليه بهجوم مضاد، واستطاعوا صدّ قواته. هـ- ذهبت كل محاولات قريش للقضاء على المسلمين أدراج الرياح، إذ تجمّع المسلمون حول النبي صلّى الله عليه وسلم وأصبحوا تحت قيادته، بعد أن كانوا متفرقين لجمع الغنائم أولا، ونتيجة لصدمة المباغتة التي أجراها خالد بن الوليد بالالتفاف حول قواتهم وضربها من الخلف ثانيا. وبلغ الإعياء برجال قريش حدا بالغا، وفشلت محاولاتهم الهجومية المتكررة للقضاء على المسلمين نهائيا، فقررت قريش إنهاء القتال ... وقبل العودة أشرف أبو سفيان على الجبل، فنادى: (أفيكم محمد) ؟ فلم يجيبوه. فقال: (أفيكم ابن أبي قحافة) ؟ فلم يجيبوه. فقال: (أفيكم عمر بن

عودة المتحاربين

الخطاب) ؟ فلم يجيبوه. ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قريش أن قيام الإسلام بهم. فقال: (أما هؤلاء فقد كفيتموهم) ... فلم يتمالك عمر أن أجاب: (يا عدو الله! إن الذين ذكرتهم أحياء وقد أبقى الله لك ما يسوؤك، وإن محمدا يسمع كلامك الآن) ... فقال أبو سفيان: (يوم بيوم بدر والحرب سجال) . ثم جعل يرتجز ويقول: (أعل هبل ... أعل هبل) ! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (ألا تجيبونه) ؟ قالوا: (يا رسول الله بماذا نجيبه) ؟! قال: (قولوا: الله أعلى وأجل) . قال أبو سفيان: (لنا العزّى ولا عزى لكم) ! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (ألا تجيبونه) ؟! فقالوا: (وبماذا نجيبه) ؟ فقال: (قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) . ولما انصرف أبو سفيان بن حرب ومن معه نادى: (وإن موعدكم بدر للعام القابل) . فقال النبي صلّى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه: (قل نعم! هو بيننا وبينك موعد) . وصدق الله العظيم: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ «1» بِإِذْنِهِ، حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ، وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) «2» . عودة المتحاربين 1- المشركون: عاد المشركون أدراجهم الى مكة، فلما وصلوا الى موضع (الروحاء) «3»

_ (1) - تحسونهم: تستأصلونهم بالقتل. قال ابن هشام: الحس: الاستئصال، يقال: حسست الشيء: أي استأصلته بالسيف وغيره. أنظر سيرة ابن هشام 3/ 66. (2) - الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 152. (3) - الروحاء: موضع بالقرب من حمراء الأسد، وهذه على طريق المدينة- مكة، وتبعد عن المدينة ثمانية أميال.

2 - المسلمون:

على طريق المدينة- مكة، سمع أبو سفيان بخروج المسلمين لقتاله، فخاف أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلم قد جاء من المدينة بقوات جديدة؛ فمرّ به معن الخزاعي، وكان قد مرّ بمحمد صلّى الله عليه وسلم ومن معه، فسأله أبو سفيان عن المسلمين، فأجابه معن وكان لا يزال مشركا: (إن محمدا قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، وقد اجتمع معه من كان قد تخلف عنه، وكلهم أشد ما يكون عليكم حنقا ومنكم للثأر طلبا ... ) . قدّر أبو سفيان أن اندحار قواته إذا اصطدم بالمسلمين ثانية معناه خسارة انتصاره في (أحد) والقضاء على قريش قضاء لا تقوم لها من بعده قائمة أبدا؛ فلجأ الى الحيلة، وبعث مع ركب من بني عبد القيس يقصدون المدينة أن يبلّغوا محمدا: (أن أبا سفيان قد قرر السير إليهم ليستأصل بقيّتهم) ، ثم سارع بالرجوع الى مكة. 2- المسلمون: بعد عودة المشركين ووصول النبي صلّى الله عليه وسلم وصحابته المدينة المنورة، قرر النبي صلّى الله عليه وسلم القيام بحركة جريئة تخفف من وقع الهزيمة في (أحد) وترد الى المسلمين معنوياتهم، وتدخل في روع يهود والمنافقين الرهبة، وتعيد الى المسلمين سلطانهم بالمدينة المنورة قويا كما كان ... لذلك لم يخرج إلا بأصحابه الذين شهدوا غزوة (أحد) يوم الأحد 16 شوال من السنة الثالثة للهجرة، أي في اليوم الثاني من يوم (أحد) ، لمطاردة قوات قريش؛ فلما وصل الى موضع (حمراء الأسد) «1» ، وهي على مسافة ثمانية أميال من المدينة وعلى طريق المدينة- مكة، جاءه من يخبره بأن قريشا قررت السير إليه؛ فلم تتضعضع معنويات المسلمين، وقرروا لقاء قريش، وبقوا ينتظرون

_ (1) - حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة، اليه انتهى رسول الله (ص) يوم أحد في طلب المشركين. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 337.

خسائر الطرفين

هناك هذا الوعيد ثلاثة أيام، فلما علموا بانسحاب قريش عادوا أدراجهم الى المدينة. وبهذه الحركة الجريئة استرد المسلمون كثيرا من مكانتهم التي فقدوها في (أحد) . خسائر الطرفين 1- المشركون: قتل من قريش اثنان وعشرون رجلا. 2- المسلمون: استشهد من المسلمين واحد وسبعون رجلا. أنظر الملحق (هـ) بأسمائهم. أسباب النكبة 1- أنصر أم اندحار: لا أتفق مع المؤرخين في اعتبار نتيجة (أحد) نصرا للمشركين واندحارا للمسلمين؛ لأن مناقشة المعركة عسكريا، تظهر انتصار المسلمين على الرغم من خسائرهم الفادحة في هذه المعركة. ونبدأ المناقشة من الوجهة العسكرية البحتة، لإظهار حقيقة نتائج غزوة (أحد) . لقد انتصر المسلمون في ابتداء المعركة حتى استطاعوا طرد المشركين من معسكرهم والإحاطة بنسائهم وأموالهم وتعفير لوائهم بالتراب، ولكن التفات خالد بن الوليد وراء المسلمين وهجوم المشركين من الأمام، جعل قوات المشركين تطبق من على قوات المسلمين. هذا الموقف في المعركة جعل خسائر المسلمين تتكاثر، ولكن بقي النصر بجانبهم الى الأخير.

ذلك لأن نتيجة كل معركة لا تقاس من الناحية العسكرية بعدد الخسائر بالأرواح فقط، بل تقاس بالحصول على هدف القتال الحيوي وهو القضاء المبرم على العدو ماديا ومعنويا. فهل استطاع المشركون القضاء على المسلمين ماديا ومعنويا؟ إن حركة خالد بن الوليد كانت مباغتة للمسلمين بلا شك، وقيام المشركين بالهجوم المضاد وإطباقهم على قوات المسلمين وهم متفوقون بالعدد بنسبة خمسة أمثال المسلمين. كل ذلك كان يحب أن تكون نتائجه القضاء المبرم على كل قوات المسلمين، ولا يمكن أن يعد التفاف قوة متفوقة فواقا ساحقا على قوة صغيرة أخرى من جميع جوانبها، ثم نجاة تلك القوة الصغيرة بعد إعطاء خسائر عشرة بالمائة فقط من موجودها، إلا انتصارا لتلك القوة الصغيرة بدون أدنى شك. ولا يمكن إعتبار اخفاق القوة الكبيرة في القضاء على القوة الصغيرة ماديا ومعنويا في مثل ذلك الموقف الحرج للغاية، نصرا لتلك القوة الكبيرة على القوة الصغيرة. ولم تستطع قريش أن تؤثر على معنويات المسلمين أيضا وإلا لما استطاع المسلمون الخروج من المدينة لمطاردة قريش بعد يوم واحد فقط من يوم (أحد) ، دون أن تجرأ قريش على لقاء المسلمين بعيدا عن المدينة، خاصة وأن الرسول صلّى الله عليه وسلم خرج للقاء قريش بقوته التي اشتركت (فعلا) بمعركة (أحد) ، دون أن يستعين بغيرهم من الناس. إن نجاة المسلمين من موقفهم الحرج الذي كانوا فيه (بأحد) ، نصر عظيم لهم، لأن أول نتائج إطباق المشركين عليهم من كل الجهات كان الفناء التام. ثم إن معركة (أحد) أتاحت للمسلمين معرفة المنافقين الذين كانوا بين صفوفهم بصورة لا تقبل الشك والمماراة، وهذا مكسب عظيم لا يقدّر بثمن ولا تعدّ خسائرهم بالأرواح الى جانبه شيئا مذكورا.

2 - أسباب خسائر المسلمين:

2- أسباب خسائر المسلمين: إن أسباب كثرة خسائر المسلمين في معركة (أحد) هي ما يلي: أ- عدم المطاردة «1» : لم يقم المسلمون بالمطاردة في الصفحة الأولى من المعركة بعد انهزام المشركين بعيدا عن معسكرهم، بل انشغلوا بالغنائم. ولو أنهم طاردوا قريشا فورا بعد هزيمتها، لقضوا على قواتها بسهولة، ومن بعد ذلك يعودون لجمع الغنائم. ب- مخالفة الأوامر: تنفيذ الأوامر هو الضبط العسكري الذي يعتبر روح الجندية والسبب المباشر المؤدي لكل انتصار في كل معركة، ومخالفة الرماة في ترك مواقعهم والإسراع لجمع الغنائم خطأ كبير وقع فيه المسلمون حينذاك، إذ كشف للعدو ظهورهم فاستفاد خالد بن الوليد من هذه الفرصة السانحة لتطويقهم من الخلف، مما أدى الى الإطباق عليهم من كل الجهات. ج- المباغتة: المباغتة مبدأ من أهم مبادىء الحرب، ومعناها ضرب العدو من مكان أو في زمان أو بأسلوب لا يتوقعه، بحيث يمكن تحطيم قوى العدو المادية والمعنوية. وكان قيام خالد بن الوليد بالالتفاف وراء قوات المسلمين في الوقت الذي انهزم فيه المشركون مباغتة تامة للمسلمين، فارتبكت صفوفهم بدرجة لم يفرقوا معها بين قوات عدوهم وبين قواتهم، كما تحطمت معنويات الكثير منهم وأصبحوا لا يعرفون ما يصنعون. إن هذه المباغتة أتاحت الفرصة لقريش للقضاء على المسلمين وإبادة قواتهم،

_ (1) - المطاردة: تعبير عسكري يقصد به تعقب القوات المعادية المنسحبة لإحداث الخسائر فيها ومحاولة قلب انسحابها الى هزيمة.

دروس من أحد

ولكنهم لم يستطيعوا الاستفادة من موقفهم المتميز هذا، فضيّعوا هذه الفرصة السانحة لجعل معركة (أحد) حاسمة في نتائجها. دروس من أحد 1- الحصول على المعلومات: حصل المسلمون على المعلومات الكافية عن نيات قريش وقوتها وحركتها من رسالة العباس عم النبي صلّى الله عليه وسلم قبل وقت مناسب من حركة قوات قريش باتجاه المدينة لغزو المسلمين. كما أرسل المسلمون دوريات استطلاعية قبل معركة (أحد) ، فعرفوا مواضع قوات قريش، وأرسلوا دوريات استطلاعية بعد المعركة، لمعرفة اتجاه حركة عودة المشركين. لقد كان عمل المسلمين في الحصول على المعلومات مفيدا في منع المشركين من مباغتتهم في المدينة. 2- القيادة: كان لقريش في معركة (أحد) قائد عام هو أبو سفيان بن حرب، ولم تظهر أية حنكة لهذا القائد في المعركة، كما كانت سيطرته ضعيفة على ما يظهر بدرجة أن نساء المشركين مثلّوا بشهداء المسلمين دون رغبته، فلم يستطع أن يفعل شيئا. ولو كانت قيادة أبي سفيان على شيء من الكفاية لاستطاع الإيقاع بالمسلمين بعد تطويقهم التام. أما قيادة النبي صلّى الله عليه وسلم، فقد ظهرت بشكل ظاهر في هذه المعركة. انتخب الموضع المناسب للمعركة، وأجبر قريشا على قبول المعركة فيه،

ونظّم خطّة القتال، فانتخب مواضع الرماة لحماية ظهور المسلمين، وخصّص لهذه المواضع قوة كافية للدفاع عنها بإمرة قائد مسئول. إنّ كل ذلك على أهميته لا يعتبر شيئا بالنسبة الى ظهور عبقرية قيادته عليه أفضل الصلاة والسلام في أثناء القتال خلال الصفحة الثانية من معركة (أحد) حين طوّق المشركون المتفوقون بالعدد الى خمسة أمثال المسلمين، قوة المسلمين القليلة، بعد أن انهارت معنويات الكثيرين منهم لما سمعوا خبر مقتل الرسول صلّى الله عليه وسلم في المعركة، فلجأوا الى الهضاب بعيدا عن ساحة المعركة، وبقي مع الرسول صلّى الله عليه وسلم شرذمة قليلة من المسلمين يقاومون وحدهم زخم هجوم قريش في أوج قوته وعنفوانه وفي قمة انتصار قريش. لقد استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذا الموقف الصعب للغاية بالنسبة للمسلمين الموفّق للغاية بالنسبة للمشركين، أن يسيطر على الموقف في معركة يائسة جدا، ويقود الباقين من المسلمين لشق طريقهم من بين القوات المعادية المتفوقة المحيطة بهم، ثم يحتل موضعا مشرفا، ويقوم بإعادة تنظيم قواته الباقية ويعيد إليها معنوياتها وبأسها وقوتها، ويصد بها هجمات مضادة شديدة للمشركين، فيحيل الهزيمة المتوقعة الى نصر، لأنه اضطر قريشا الى اليأس من القضاء على المسلمين، بعد أن كان فناء المسلمين أمرا (حتميا) ، ثم اضطرهم الى الانسحاب من المعركة بعد اليأس من إبادة المسلمين. ولم يكتف بذلك بل خرج في اليوم الثاني من المعركة، لمطاردة قوات المشركين، حتى اضطرهم الى استعمال الحيلة بإرسال المعلومات الكاذبة للمسلمين عن إعتزامهم إعادة الكرّة على قوات الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلم يكترث بهذا التهديد وإنما أعدّ العدّة وقرّر لقاء المشركين مهما تكن الظروف والأحوال. هذه قيادة عبقرية، ظهرت للرسول صلّى الله عليه وسلم بهذه المعركة بشكل واضح كل الوضوح، كان من بعض نتائجها أنها جعلت النصر الى جانب المسلمين المغلوبين.

3 - القضايا التعبوية:

وأشهد أنني لم اقرأ في تاريخ الحرب لكل الأمم، موقفا صعبا يائسا كالذي كان فيه المسلمون يوم (أحد) ، فاستطاع الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام، بقيادته الفذة أن يتخلص من هذا الموقف العصيب، وينقذ قواته من فناء أكيد، ثم يعيد إليها ثقتها بنفسها ويعيد إليها قوتها المادية والمعنوية بشكل لم يسبق له نظير، وخلال فترة زمنية محدودة جدا. إن بروز قيادة النبي صلّى الله عليه وسلم في معركة (أحد) كان باهرا فذا. 3- القضايا التعبوية: أ- مخالفة الأوامر: أخطأ رماة المسلمين في مخالفتيهم أوامر النبي صلّى الله عليه وسلم وانسحابهم من مواضعهم الأصلية لجمع الغنائم؛ ولولا انسحابهم لما استطاع خالد بن الوليد ضرب مؤخرتهم، ولما استطاعت قريش تطويق المسلمين. إن مخالفة الأوامر في (أحد) ، درس في نتائج كل مخالفة عسكرية للأوامر في الحرب، وإن نتائجها المعروفة كافية لغرس هذا الدرس في النفوس لكي لا يعود أحد لمثلها أبدا. ب- عدم المطاردة: بعد كل هجوم ناجح لا بدّ من أن يتتوج بمطاردة عنيفة للقضاء على العدو. وقد أخطأ المسلمون في عدم مطاردتهم للمشركين بعد فرار المشركين من مواضعهم وابتعادهم عن معسكرهم والتفاف المسلمين حول نساء المشركين ومواشيهم وإبلهم في الصفحة الأولى من يوم (أحد) ، ولو طارد المسلمون قوات المشركين الى مسافة عشرة أميال على الأقل لأوقعوا بالمشركين خسائر فادحة، ولا نتهت معركة (أحد) بنتائج في مصلحة المسلمين.

4 - القضايا الادارية:

ج- أسلوب القتال: لقد جرى القتال بين الطرفين بأسلوب (الصفوف) ، وبذلك استطاعت قريش أن تسيطر على المعركة بشكل أفضل من سيطرتها على المعركة التي تجري بأسلوب الكرّ والفر. 4- القضايا الادارية: أ- الإدامة «1» والنقلية: كان المشركون متفوقين على المسلمين بإدامة قواتهم وإعاشتها وتسليحها وفي نقليتها فواقا محسوسا على المسلمين، مما كان له أثر طيّب على سير القتال لصالح المشركين. ب- الدفن: دفن المشركون قتلاهم وتركوا قتلى المسلمين. ولم يكتفوا بذلك بل مثلّوا بهم أشنع تمثيل، فقد انطلقت هند بنت عتبة والنسوة اللائي معها يمثلن بالشهداء: يجدعن الآذان والأنوف ... الخ. أحد في التاريخ لقد أجمع المؤرخون على اعتبار نتيجة (أحد) نصرا للمشركين على المسلمين. ولكن الحقائق العسكرية لا تتفق مع ما أجمع عليه المؤرخون. لقد كان بإمكان المشركين القضاء على قوات المسلمين في معركة (أحد) ، بعد أن استطاعوا إحاطتهم من كل الجوانب بقوات متفوقة عليهم فواقا ساحقا.

_ (1) - الإدامة: اصطلاح عسكري، معناه: تزويد القوات بكل ما تحتاج اليه من القضايا الادارية تسليحا وتجهيزا وإعاشة ونقلية و ... الخ.

ومع ذلك استطاع محمد صلّى الله عليه وسلم أن يشق طريقه بين القوات المحيطة به، ويخلّص تسعة أعشار قواته من فناء أكيد. إنّ فشل المشركين في القضاء على قوات المسلمين بعد إحاطتهم بقواتهم المتفوّقة يعتبر إخفاقا لهم. وإن نجاح المسلمين في الخروج من تطويق المشركين بخسائر نسبتها عشرة بالمائة من قواتهم القليلة يعتبر نصرا لهم. وبالإضافة الى نجاح المسلمين في التخلّص من الفناء التام في معركة (أحد) ، فقد نجحوا في معرفة المنافقين بين صفوفهم قبل المعركة وبعدها، مما أتاح لهم القيام بالتطهير العام في صفوفهم بعد (أحد) على هدى وبصيرة ... وبذلك تظهر الفائدة العظيمة لغزوة (أحد) للمسلمين. إنّ نتيجة معركة (أحد) نصر (تعبوي) للمشركين على المسلمين، ولكنها فشل (سوقي) للمشركين. ولا يعدّ النصر التعبوي شيئا يذكر الى جانب الفشل السوقي «1» . وصدق الله العظيم: (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ. وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ «2» فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا «3» وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) «4» ؟!

_ (1) - التعبية: الأعمال العسكرية في المعركة، أو هي الأعمال العسكرية التي تؤثر على سير معركة واحدة. والسوق: هو الاستفادة من المعارك للحصول على الغرض من الحرب، أو هو الأعمال العسكرية التي تؤثر على سير الحرب كلها. ذلك هو تعريف السوق والتعبية بصورة موجزة للغاية تعطي (فكرة) للمدنيين فقط، إذ ان لكل من هذين الاصطلاحين تعريفات كثيرة طويلة تستغرق كثيرا من كتب فن الحرب. ومن ذلك يتضح أن السوق يعني نتائج الحرب كلها بينما التعبية تعني نتائج معركة واحدة محلية. (2) - قرح: جراح. (3) - أي ليميز بين المؤمنين والمنافقين. (4) - الآيات الكريمة من سورة آل عمران 3: 138- 142.

الملحق (هـ) : شهداء المسلمين في أحد رضي الله عنهم

الملحق (هـ) : شهداء المسلمين في أحد رضي الله عنهم 1- المهاجرون أ- من قريش ثم من بني هاشم بن عبد مناف بن عبد المطلب: 1- حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وسلم. ب- من بني أمية بن عبد شمس: 2- عبد الله بن جحش (حليف لهم من بني أسد بن خزيمة) . ج- من بني عبد الدار بن قصي: 3- مصعب بن عمير. د- من بني مخزوم بن يقظة: 4- شمّاس بن عثمان. 2- الأنصار أ- من الأوس ثم من بني عبد الأشهل: 5- عمرو بن معاذ بن النعمان. 6- الحارث بن أنس بن رافع. 7- عمارة بن زياد بن السكن. 8- سلمة بن ثابت بن وقش. 9- عمرو بن ثابت بن وقش.

10- ثابت بن وقش (والد عمرو وسلمة) . 11- رفاعة بن وقش (أخو ثابت) . 12- صيفي بن قيظي. 13- حباب بن قيظي. 14- عباد بن سهل. 15- الحارث بن سهل بن معاذ (ابن أخي سعد بن معاذ) . 16- حسيل بن جابر (اليمان) والد حذيفة بن اليمان. ب- من أهل راتج (اسم أطم من آطام المدينة) من بني عبد الاشهل أيضا: 17- إياس بن أوس بن عتيك بن عمرو. 18- عبيد بن التيّهان. 19- عتيك بن التيّهان. 20- حبيب بن زيد بن تيم. ج- من بني ظفر: 21- يزيد بن حاطب بن أمية بن رافع. د- من بني عمرو بن عوف، ثم من بني ضبيعة بن زيد: 22- أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد. 23- حنظلة الغسيل بن أبي عامر بن صيفي بن النعمان. 24- قيس بن زيد بن ضبيعة. 25- مالك بن أمة بن ضبيعة. هـ- من بني عبيد بن زيد: 26- أنيس بن قتادة.

ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف: 27- أبو حبّة بن عمرو بن ثابت (أخو سعد بن خيثمة لأمه) . 28- عبد الله بن جبير بن النعمان (أمير الرماة) . ز- من بني السّلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس: 29- خيثمة (والد سعد بن خيثمة) . 30- عبد الله بن سلمة (حليف من بني العجلان) . ح- من بني معاوية بن مالك: 31- سبيع بن حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة. 32- سويبق بن الحارث بن حاطب بن هيشة. 33- مالك بن عميلة (حليف لهم) . ط- من بني خطمة: 34- الحارث بن عدي. 35- عمير بن عدي. ي- من بني النجار، ثم من بني سواد بن مالك بن غنم: 36- عمرو بن قيس بن زيد. 37- قيس بن عمرو بن قيس (ابنه) . 38- ثابت بن عمرو بن زيد. 39- عامر بن مخلّد. ك- من بني مبذول: 40- أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة. 41- عمرو بن مطرّف بن علقمة بن عمرو.

ل- من بني عمرو بن مالك بن النجار: 42- أوس بن ثابت بن المنذر (أخو حسان بن ثابت) . م- من بني عدي بن النجار: 43- أنس بن النّضر بن ضمضم (عم أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلم) . ن- من بني مازن بن النجار: 44- قيس بن مخلد. 45- كيسان (عبد لهم) . س- من بني دينار بن النجار: 46- سليم بن الحارث. 47- نعمان بن عبد عمرو. ع- من بني الحارث بن الخزرج: 48- خارجة بن زيد بن أبي زهير. 49- أوس بن أرقم بن زيد. 50- سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير. ف- من بني الأبجر وهم بنو خدرة: 51- مالك بن سنان (والد أبي سعيد الخدري) . 52- سعيد بن سويد بن قيس. 53- عتبة بن ربيع بن رافع. ص- من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج: 54- ثعلبة بن سعد بن مالك بن خالد. 55- ثقف بن فروة بن البدن.

ق- من بني طريف رهط سعد بن عبادة: 56- عبد الله بن عمرو بن وهب. 57- ضمرة (حليف لهم من جهينة) . ر- من بني عوف بن الخزرج ثم من بني سالم ثم من بني مالك بن العجلان: 58- نوفل بن عبد الله. 59- عباس بن عبادة بن نضلة. 60- نعمان بن مالك بن ثعلبة بن فهر. 61- المجذرّ بن زياد البلوي (حليف لهم) . 62- عبادة بن الحسحاس. ش- من بني سلمة ثم من بني حرام: 63- عبد الله بن عمرو بن حرام (والد جابر بن عبد الله) . 64- عمرو بن الجموح. 65- خلّاد بن عمرو بن الجموح. 66- أبو أيمن (مولى عمر بن الجموح) . ت- من بني سواد بن غنم: 67- سليم بن عمرو بن حديدة. 68- عنترة (مولى سليم بن عمرو) . 69- سهل بن قيس بن أبي كعب. ث- من بني زريق بن عامر: 70- ذكوان بن عبد قيس. 71- عبيد بن المعلّى بن لوذان من بني حبيب.

إعادة النظام (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) . (القرآن الكريم)

إعادة النظام

التطهير بعد أحد الموقف العام 1- المسلمون: كان لا بدّ للمسلمين من أن يقوموا بالتطهير العام في المدينة المنورة وخارجها، حتى يستعيدوا سمعتهم المتميزة بين العرب. لقد استطاعوا أن يجعلوا من المدينة المنورة (قاعدة أمينة) للإسلام قبل غزوة (أحد) ، ولكنّ هذه الغزوة سبّبت لهم مشاكل داخلية وخارجية: مشاكل داخلية من يهود الذين هم أشد عداوة للذين آمنوا في السراء والضراء، وإن كانت السراء تضطرهم إلى إخفاء نيّاتهم، بينما يعلنون هذه النيات صريحة في الضراء. وداخلية أيضا من المنافقين الذين تظاهروا بالإسلام، فانكشفت طوايا نفوسهم قبيل معركة (أحد) وبعدها عندما رأوا الخطر محدقا بالمسلمين! ومشاكل خارجية من قريش بالدرجة الأولى، إذ أخذت تشنّ حربا دعائية ضد المسلمين، لتظهر نتائج غزوة (أحد) بمظهر يرفع من قيمتها ويحطّ من قيمة المسلمين. وخارجية أيضا من القبائل المجاورة، أولئك الأعراب الذين يستخذون للأقوياء، فيظهرون بمظهر المسالم الوادع، ويبطشون بالضعفاء بطشا لا هوادة فيه ولا رحمة. لقد كان على المسلمين أن يعيدوا الكرّة للقيام بالتطهير العام، حتى يعيدوا النظام إلى صفوفهم، وحتى يستعيدوا السيطرة الكاملة على المدينة المنورة وما حولها من القبائل، وحتى يعيدوا هيبتهم على المشركين من قريش والقبائل الأخرى الموالية لها.

2 - المشركون:

2- المشركون: فرحت قريش فرحا شديدا بنتائج (أحد) على الرغم من أن نتائجها البعيدة لم تكن في صالحهم، إذ لم يكن انتصارهم فيها إلا انتصارا (تعبويا) ، بينما كانت نتائجها إخفاقا (سوقيّا) عليهم، أي أنّ انتصارهم كان ظاهريا فقط بينما كانت حقيقته إخفاقا لهم. ولكنهم لم يقدّروا حقيقة هذه النتيجة، فراحوا يتباهون بنصرهم، ويعلنونه للعرب في كل مكان. وكما لم تقدّر قريش نتيجة (أحد) حق قدرها، فان القبائل البدوية المجاورة للمدينة لم تقدر نتيجة (أحد) حق قدرها أيضا، فطمعوا في المسلمين وظنوا أنهم أصبحوا في متناول أيديهم غنيمة باردة. 3- يهود: صن يهود أن المسلمين أصبحوا ضعفاء بعد (أحد) ، فلا بدّ من انتهاز الفرصة لأخذ ثارات إخوانهم بني قينقاع وثأر كعب بن الأشرف ... وأخذوا يبثّون الفزع ويخلقون المشاكل للمسلمين. أهداف الطرفين 1- المسلمون: الكفاح ضد تدخل يهود والمشركين في حرية نشر عقيدتهم، والدفاع عن أنفسهم وأموالهم ضد المعتدين. 2- المشركون ويهود: القضاء على المسلمين وانتهاب أموالهم.

سير الحوادث

سير الحوادث راجع الملحق (و) 1- سرية أبي سلمة: أ- قوّات الطرفين: أولا- المسلمون: دورية قتال بقوة مائة وخمسين راكبا وراجلا من المهاجرين والأنصار بقيادة أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي. ثانيا- المشركون: قبيلة بني أسد بقيادة طليحة وسلمة ابني خويلد. ب- الهدف: منع بني أسد من الهجوم على المسلمين في المدينة المنورة. ج- الحوادث: بلغ النبي صلّى الله عليه وسلم بعد شهرين من غزوة (أحد) ، أنّ طليحة وسلمة ابني خويلد يحرضان قومهما بني أسد بن خزيمة لغزو المدينة المنورة لنهب أموال المسلمين فيها. قرر النبي صلّى الله عليه وسلم إرسال دورية قتال بقوة مائة وخمسين مسلما من المهاجرين والأنصار بين راكب وراجل، فيهم أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص بقيادة سلمة بن عبد الأسد للقضاء على بني أسد قبل قيامهم بغزو المدينة، وأمرهم بالسير ليلا والاستخفاء نهارا وسلوك طريق غير مطروقة حتى لا يطلع أحد على أخبارهم ونياتهم، فيباغتوا بذلك بني أسد في وقت لا يتوقعونه.

2 - دورية عبد الله بن أنيس:

وسار أبو سلمة حتى وصل الى ديار بني أسد في (قطن) «1» دون أن يعرفوا عن حركته إليهم شيئا فأحاط بهم فجرا فلم يستطع المشركون الثبات وولوا الأدبار. وبعث أبو سلمة مفرزتين من قواته لمطاردتهم، فرجعتا بالغنائم. وعاد أبو سلمة بقوته إلى المدينة المنورة بعد أن أنجز مهمته. 2- دورية عبد الله بن أنيس: أ- قوّات الطرفين: أولا- المسلمون: دورية استطلاعية بقوة مسلم واحد هو عبد الله بن أنيس. ثانيا- المشركون: بنو لحيان من هذيل بقيادة خالد بن سفيان الهذلي. ب- الهدف: منع الأعراب من غزو المسلمين في المدينة المنورة قبل إنجاز تجمعهم وقيامهم بالغزو. ج- الحوادث: علم النبي صلّى الله عليه وسلم أن خالد بن سفيان الهذلي يحشد قوة كبيرة من الأعراب ب (عرنة) «2» لغزو المدينة المنورة، حتى ينال شيئا من غنائمها وخيراتها، فبعث عبد الله بن أنيس ليستطلع له خبر خالد ويتأكد من صحة المعلومات التي سمعها الرسول صلّى الله عليه وسلم عن نياته العدوانية.

_ (1) - قطن: جبل بناحية بيد به ماء لبني أسد بن خزيمة. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 50. (2) - عرنة: واد بحذاء عرفات. أنظر معجم البلدان 6/ 156.

3 - غزوة بني النضير:

سار عبد الله فصادف خالدا بعيدا عن قومه ومعه بعض النساء، فسأله خالد: (من الرجل) ؟ فأجابه: (أنا رجل من العرب سمع بك وبجمعك لمحمد، فجاءك لذلك! ..) . لم يخف خالد نياته، ولما رآه عبد الله في عزلة عن الرجال وليس معه إلا أولئك النسوة، استدرجه للمسير معه، وعندما سنحت له الفرصة حمل عليه بالسيف، فقتله ... وعاد عبد الله الى المدينة المنورة بعد أن تفرّقت جموع الأعراب التي حشدها خالد في (عرنة) لغزو المسلمين، لأنها فقدت قائدها فماتت نياته العدوانية معه. 3- غزوة بني النضير «1» : أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: مسلمو المدينة المنورة بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم. ثانيا- يهود: بنو النضير الذين كانت منازلهم بناحية (الغرس) «2» وما والاها في ضواحي المدينة المنورة. ب- الهدف: التخلص من بني النضير لتآمرهم على اغتيال النبي صلّى الله عليه وسلم.

_ (1) - النضير: اسم قبيلة من يهود الذين كانوا بالمدينة وكانوا هم وقريظة نزولا بظاهر المدينة في حدائق وآطام. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 295. (2) - غرس: في منطقة قباء وبها بئر تديمي. بئر غرس، كان رسول الله (ص) يستطيب ماءها. أنظر معجم البلدان 6/ 276.

ج- سير الحوادث: ذهب النبي صلّى الله عليه وسلم الى منازل بني النضير في ضواحي المدينة المنورة، ليستعين بهم في دية قتيلين معاهدين للمسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري خطأ دون أن يعلم بعهدهما «1» . فلما فاوضهم النبي صلّى الله عليه وسلم، أظهروا الرضا بمعونته، فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم مع عشرة من أصحابه بينهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم. وفي أثناء تبسّط بعضهم معه في الحديث، رأى أن بعضهم يأتمرون به، فيذهب أحدهم الى ناحية، ويبدو عليهم كأنهم يذكرون مقتل كعب بن الأشرف، ثم يدخل أحدهم وهو عمرو بن جحاش البيت الذي كان النبي صلّى الله عليه وسلم مستندا إلى جداره. حينذاك رابه أمرهم وزاده ريبة ما كان يبلغه سابقا من حديثهم عنه وائتمارهم به، فترك موضعه بالقرب من الجدار، وقفل راجعا إلى المدينة وحده. ولما استبطأه أصحابه، قاموا للتفتيش عنه، فرأوا رجلا مقبلا من المدينة المنورة، فأخبرهم أن النبي صلّى الله عليه وسلم هناك، فأسرعوا يلحقون به. فلما ذكر ما رابه من أمر يهود ومن اعتزامهم الغدر به، تنبّهوا الى حركات يهود التي تدل على مؤامرتهم للقضاء على حياة النبي صلّى الله عليه وسلم. وقد عرف- بعد- أن عمرو بن جحاش هو الذي أراد قتل النبي صلّى الله عليه وسلم بإلقاء حجر الرحى عليه من عليه من فوق سطح الجدار الذي كان النبي صلّى الله عليه وسلم تحته. واستدعى النبي صلّى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه وقال له: (اذهب الى

_ (1) - هما رجلان من بني كلاب قد كان لهما من رسول الله (ص) أمان، فقتلهما عمرو بن أمية الضمري في طريق عودته من بئر معونة بعد أن قتل المشركون أصحابه كلهم، وهو لا يعرف أمان رسول الله (ص) لهما. فلما قدم على رسول الله (ص) وأخبره بمقتل أصحاب بئر معونة وأخبره بأنه قتل العامريين فقال النبي (ص) : (بئس ما صنعت! قد كان لهما مني أمان وجوار، لأديتهما الى قومهما) . أنظر طبقات ابن سعد 2/ 53.

يهود بني النضير وقل لهم: إن رسول الله أرسلني إليكم أن اخرجوا من بلادي! لقد نقضتم العهد الذي جعلت لكم بما هممتم به من الغدر بي. لقد أجّلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه) ... لم يجد يهود مناصا من الخروج، فأخذوا يتجهّزون للرحيل، إلا أن منافقي المدينة وعلى رأسهم عبد الله بن أبيّ أرسلوا إليهم: (أن اثبتوا ونحن ننصركم على محمد وصحبه) ... عند ذاك عادت لليهود ثقتهم بأنفسهم، واستقرّ رأيهم على القتال، وبعثوا للنبي صلّى الله عليه وسلم من يقول له: (لن نخرج، فافعل ما بدا لك) ! ... ثم احتموا بحصونهم ونقلوا الحجارة الى شوارعهم وأقاموا منها متاريس وخنادق للاحتماء وراءها في القتال، وكدّسوا أرزاقا تكفيهم لمدة سنة في حالة حصارهم؛ وكان الماء متيسرا لديهم باستمرار. تحرّك المسلمون بقيادة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام الى ديار بني النضير، فحاصروهم عشرين ليلة، كانوا أثناءها يحتلون شارعا بعد شارع ودارا بعد دار نتيجة لقتال الشوارع والمدن. ولما رأى الرسول صلّى الله عليه وسلم إصرار يهود على القتال مستفيدين من حصونهم القوية، أمر أصحابه أن يقطعوا نخل يهود وأن يحرقوه «1» ، حتى لا تبقى يهود حريصة على القتال طمعا في المحافظة على أموالها.

_ (1) - راجع قانون الحرب والحياة من القانون الدولي. الاحتلال الحربي: دخول قوات الدولة المحاربة إقليم العدو ووضعها هذا الاقليم تحت سيطرتها الفعلية، والدولة بهذا الإجراء تنقل ميدان القتال الى أرض العدو، والعدو يتحمل- نتيجة لهذا الاحتلال- كل أضرار الحرب المادية وما يترتب على قصف القنابل من خسائر أو تستلزمه الاجراءات العسكرية من إتلاف مزارع أو نسف جسور، وهو الذي يتحمل فوق هذا الاضرار المالية الجسيمة التي تترتب على قيام الحرب في إقليمه، فأرضه الداخلة في ميدان القتال يتعطل زرعها، ومبانيه واملاكه وتجارته يتعطل استغلالها، أضف الى كل ذلك ما تملكه الدولة المحاربة من حقوق مالية في الارض المحتلة من بينها حقها في أن تفرض الضرائب فيها وأن تلزم سكانها بدفع الاعانات الجبرية، وان تستولي منهم على ما تحتاج اليه لجيوش الاحتلال.

4 - غزوات ذات الرقاع:

وجزع يهود وانتظروا عبثا إسراع عبد الله بن أبيّ أو القبائل الأخرى المعادية للمسلمين لنجدتهم، فسألوا محمدا صلّى الله عليه وسلم أن يؤمّنهم على أموالهم ودمائهم وذراريهم، حتى يخرجوا من المدينة المنورة. وافق الرسول صلّى الله عليه وسلم على مصالحتهم بشرط أن يخرجوا من المدينة، ولكل ثلاثة منهم بعير يحملون عليه ما شاءوا من مال أو طعام أو شراب ليس لهم غيره؛ فخرج بعضهم إلى (خيبر) «1» وبعضهم الى ضواحي الشام، وتركوا للمسلمين وراءهم مغانم كثيرة من سلاح بلغ خمسين درعا وثلاثمائة وأربعين سيفا، وغلالا عظيمة، كما أصبحت أرضهم للمسلمين. 4- غزوات ذات الرقاع «2» : أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: أربعمائة راكب وراجل بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم. ثانيا- المشركون: بنو ثعلبة وبنو محارب من غطفان.

_ (1) - خيبر: ناحية على ثمانية برد من المدينة المنورة لمن يريد الشام، يطلق هذا الاسم على الولاية، وتشتمل الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير. انظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 495. (2) - ذات الرقاع: الرقاع اسم شجرة في موضع الغزوة سميت بها، وقيل لأن أقدام الصحابة نقبت من المشي فلفوا عليها الخرق. وقيل بل سميت برقاع كانت بألويتهم. أنظر معجم البلدان 4/ 268.

ب- الهدف: القضاء على بني ثعلبة وبني محارب المحتشدين لغزو المدينة المنورة أولا، ولأخذ ثأر شهداء المسلمين في بئر معونة «1» ثانيا. ج- الحوادث: إتّصل بالنبي صلّى الله عليه وسلم أن جماعة من غطفان بنجد يحتشدون لغزو المدينة المنورة، لذلك خرج بأربعمائة راكب وراجل حتى نزل (نخلا) «2» حيث اجتمع بنو محارب وبنو ثعلبة من غطفان. وعلى الرغم من ضخامة عدد هؤلاء الأعراب، إلا أن مباغتة النبي صلّى الله عليه وسلم لهم أربكتهم، فتفرقوا تاركين وراءهم نساءهم وأموالهم.

_ (1) - حديث بئر معونة. يراجع سيرة ابن هشام: قدم المدينة أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله (ص) ، فعرض عليه رسول الله الإسلام ودعاه اليه، فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام. وقال: (يا محمد! لو بعثت رجالا من أصحابك الى أهل نجد فدعوهم الى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك) . فقال رسول الله (ص) : (إني أخشى عليهم أهل نجد) . قال أبو براء: (أنا لهم جار، فابعثهم فليدعوا الناس الى أمرك) . بعث الرسول (ص) المنذر بن عمرو في أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين.. فساروا حتى نزلوا بئر معونة، فلما نزلوها بعثوا بكتاب رسول الله الى عامر بن الطفيل، فلما أتاه الكتاب لم ينظر في كتابه حتى علا الرجل الذي جاء بالكتاب، فقتله ... ثم استصرخ عليهم بني عامر، فأبوا أن يجيبوه الى ما دعاهم اليه، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم فأجابوه الى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم، ثم قاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد فانهم تركوه وبه رمق. وبئر معونة: بئر بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم وكلا البلدين منها قريب، إلا أنها الى حرّة بني سليم أقرب. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 7 و 8/ 101. (2) - نخلا. قال ياقوت: منزل من منازل بني ثعلبة من المدينة على مرحلتين. وكان هذا المنزل شجرة بعبدها العرب تسمى (فرات الرقاع) لذلك سميت هذه الغزوة باسم (فرات الرقاع) .

5 - غزوة بدر الآخرة:

احتمل المسلمون ما استطاعوا من غنائم، وعادوا بها أدراجهم الى المدينة المنورة؛ ولكنهم كانوا في طريق عودتهم حذرين من قيام المشركين بهجوم مضاد عليهم، فتناوبوا الحراسة ليلا وبقوا حذرين نهارا، ولكنّ المشركين لم يقوموا بعمل ما! وعاد الرسول صلّى الله عليه وسلم بصحابته الى المدينة المنورة بعد غياب خمسة عشر يوما. 5- غزوة بدر الآخرة: أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: ألف راكب وراجل بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم. ثانيا- المشركون: أكثر من ألفي رجل من قريش بقيادة أبي سفان بن حرب. ب- الهدف: كسر معنويات قريش والتغلّب عليها لإظهار قوة المسلمين للمشركين ويهود. ج- الحوادث: خرج الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد أن مضى عام كامل على يوم (أحد) مع أصحابه الى موضع (بدر) ليلاقي قريشا هناك، كما وعد أبا سفيان بن حرب بعد غزوة (أحد) ، حين سمعه يقول: (يوم بيوم بدر، والموعد العام المقبل في بدر) . كان العام عام جدب، وكان أبو سفيان بن حرب يودّ لو يؤجل لقاء المسلمين الى عام آخر، فبعث رجلا الى المدينة يقول للمسلمين: (إن قريشا جمعت جيشا لا قبل لجيش في العرب بمواجهته لتحاربهم به حتى تقضي عليهم قضاء لا يعد ما تمّ ب (أحد) الى جانبه شيئا) . لكن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يكترث بهذا الوعيد وأصرّ على الخروج.

6 - غزوة دومة الجندل:

وصل المسلمون (بدرا) وانتظروا قريشا هناك، ولكنّ المشركين الذين خرج بهم أبو سفيان من مكة تردّدوا بين الإقدام والإحجام، فآثروا السلامة وعادوا أدراجهم الى مكة بعد أن قطعوا مسيرة مرحلتين منها. وعاد المسلمون الى المدينة بعد أن طال انتظارهم للمشركين ثمانية أيام ب (بدر) ، وقد محت غزوة بدر الآخرة كل أثر سيء لمعركة (أحد) داخل المدينة المنورة وخارجها على حد سواء. 6- غزوة دومة الجندل «1» : أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: ألف راكب وراجل بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم. ثانيا- المشركون: القبائل البدوية التي تقطن منطقة (دومة الجندل) . ب- الهدف: منع القبائل القاطنة منطقة (دومة الجندل) من قطع الطرق ونهب القوافل والقضاء على حشودها لمهاجمة المدينة المنورة. ج- الحوادث: خرج النبي صلّى الله عليه وسلم بألف من المسلمين، يكمن بهم نهارا ويسير ليلا، حتى يباغت قبائل (دومة الجندل) في وقت لا يتوقعونه.

_ (1) - دومة الجندل: خصن على سبع مراحل من دمشق تقع بين دمشق والمدينة المنورة، فيها حصن مبني بالجندل لذلك سميت بدومة الجندل، وهي حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبل طيء. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 4/ 106.

7 - غزوة بني المصطلق:

تقع دومة الجندل على الحدود بين الحجاز والشام، وقد قطع المسلمون المسافة بين المدينة وبينها بخمس عشرة مرحلة، فلما وصلها الرسول صلّى الله عليه وسلم فرّت القبائل المحتشدة فيها خوفا من لقاء المسلمين، كما فرّ أهل (دومة الجندل) فلم يجد المسلمون أحدا منهم، فأرسلوا دوريات قتال واستطلاع للحصول على (التّماس) «1» بالمشركين وللحصول على المعلومات عنهم، حتى يقوم المسلمون بمطاردتهم، ولكن ذهبت جهود هذه الدوريات أدراج الرياح، لأن القبائل وأهل (دومة الجندل) فروا بعيدا واختفوا عن الأنظار. وعاد المسلمون الى المدينة المنورة بعد أن أقاموا في (دومة الجندل) بضعة أيام. 7- غزوة بني المصطلق: أ- قوات الطرفين: أولا- المسلمون: قواتهم تقدّر بألف مسلم بين راكب وراجل معهم ثلاثون فرسا بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم. ثانيا- المشركون: بنو المصطلق من خزاعة، وهم من حلفاء بني مدلج بقيادة الحارث بن أبي ضرار الخزاعي. ب- الهدف: القضاء على حشود بني المصطلق قبل تعرضهم بالمدينة المنورة.

_ (1) - التماس: اصطلاح عسكري حديث أمعناه: لقاء العدو وقتاله.

ج- الحوادث: بلغ النبي صلّى الله عليه وسلم أن بني المصطلق وهم فرع من خزاعة يحشدون جموعهم في منطقة (المريسيع) «1» قرب مكة للهجوم على المدينة وقتل النبي صلّى الله عليه وسلم، لذلك أسرع النبي صلّى الله عليه وسلم بالخروج ليأخذهم على غرّة. جعل لواء المهاجرين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولواء الأنصار لسعد ابن عبادة رضي الله عنه، ونزل المسلمون على ماء قريب من بني (المصطلق) يقال له: (المريسيع) ، ثم أحاطوا ببني (المصطلق) ، ففرّ من جاء لنصرتهم من القبائل الموالية لهم وقتل من بني المصطلق عشرة ومن المسلمين رجل واحد ... ثم استسلم بنو المصطلق، فأخذوا أسرى. وكان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجيش أجير يقود فرسه، فازدحم بعد انتهاء المعركة مع أحد رجال الخزرج على الماء، فاقتتلا ... فصاح الخزرجي: يا معشر الأنصار! ... ونادى أجير عمر: يا معشر المهاجرين! وسمع عبد الله بن أبي النداء، وكان قد خرج على رأس المنافقين مع المسلمين في هذه الغزوة متظاهرا بالإسلام، فانتهزها فرصة ليشعلها فتنة عمياء بين المهاجرين والأنصار. ولما علم النبي صلّى الله عليه وسلم بالحادث، قرّر الرحيل فورا قبل أن يستفحل الأمر. وانطلق بالناس طيلة يومهم حتى أمسوا، وطيلة ليلتهم حتى أصبحوا، وصدر يومهم الثاني حتى آذتهم الشمس، فلما نزل الناس لم يلبثوا حين مسّت جنوبهم الأرض أن ناموا من فرط تعبهم.

_ (1) - المريسيع: اسم ماء في ناحية قديد. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 41، بين المريسيع وبين الفرع نحو يوم وبين الفرع والمدينة المنورة نحو ثمانية برد. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 63.

دروس من غزوات التطهير

وأنسى التعب المسلمين فتنة ابن أبي، وعادوا الى المدينة المنورة ومعهم الأسرى «1» والغنائم. وظن المسلمون أن النبي صلّى الله عليه وسلم سيعاقب عبد الله بن أبي، الذي قال يومها: (لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) ، فجاء ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي يطلب من النبي صلّى الله عليه وسلم أن يتولى هو قتل أبيه! ... ولكنّ النبي صلّى الله عليه وسلم عفا عنه قائلا لولده المؤمن الصادق الأمين: (إنا لا نقتله، بل نترفّق به ونحسن صحبته ما بقي معنا) . لقد غاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم في غزاته هذه ثمانية وعشرين يوما، وقدم المدينة لهلال شهر رمضان المبارك. دروس من غزوات التطهير 1- المسير الليلي: تحرك الرسول صلّى الله عليه وسلم ليلا «2» في أكثر هذه الغزوات، حتى يحول دون انكشاف نياته واتجاه حركة قواته، فيأمن بذلك مباغتة أعدائه مباغتة تامة بالمكان والزمان. لقد كانت القبائل التي غزاها النبي صلّى الله عليه وسلم قوية ولها حلفاء وأنصار، فلو أنها عرفت بمسيره لسارعت بالاستعداد للقائه ولاستعانت عليه بحلفائها وأنصارها لمعاونتها يوم اللقاء.

_ (1) - منهم من منّ عليه رسول الله (ص) بغير فداء ومنهم من افتدى، فافتديت المرأة والذرية بست فرائض، فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت الى قومها. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 64. (2) - المسير ليلا: هو السّرى.

2 - الهجوم فجرا:

ولكنّ المسير الليلي حال بينها وبين ذلك كله، فاستطاع النبي صلّى الله عليه وسلم بقواته القليلة بالنسبة لقوات تلك القبائل، أن يتغلّب عليها ويقضي على نياتها العدوانية، ويلقي الرعب في نفوسها ونفوس القبائل الأخرى التي سمعت بانتصار المسلمين. إن الضربة الأولى، لها أثر حاسم على نفسية الأعراب، فإذا أمكن التغلب عليهم في المعركة الأولى تشتت شملهم، وإلا فما أصعب القضاء عليهم! ... لقد عرف الرسول صلّى الله عليه وسلم نفسية القبائل هذه، فحاول القضاء على معنوياتها بضربة مباغتة بالمسير الليلي الذي أدى الى تطبيق مبدأ: المباغتة، أهم مبادىء الحرب على الاطلاق. 2- الهجوم فجرا: استطاعت سرية أبي سلمة القيام بهجوم فجري على بني (أسد) ، فكان هذا الهجوم مباغتة كاملة أثرت على معنوياتهم، وأجبرتهم على الفرار. إن الهجوم فجرأ يؤمّن المباغتة، لأن العدو يكون بين نائم لا يفيد في القتال أو مستيقظ غير متهيىء له، وهؤلاء جميعا غير متهيئين للقتال، ولا جدوى منهم للنهوض بأعباء الحرب. ولكنّ الهجوم فجرا يحتاج الى قوة مدرّبة تستطيع معرفة أهدافها، فلا يصطدم بعضها ببعض، فيؤدي ذلك الى خسائر في الأرواح دون مبرر، مما يدل على تدريب المسلمين تدريبا متميزا على فنون القتال. كما يحتاج الهجوم فجرا الى قيادة مسيطرة والى ضبط شديد لتنفيذ الأوامر. إن نجاح المسلمين بهذا الهجوم معناه وصولهم الى درجة عالية في التدريب والضبط، وهما أهم عناصر الجيش القوي الرصين.

3 - قتال المدن والشوارع:

3- قتال المدن والشوارع: نقل بنو (النضير) الحجارة الى الشوارع، وجعلوا منها متاريس للقتال وراءها، كما دافعوا عن الشوارع والدور دفاعا مستميتا. وقام المسلمون بتطهير الشوارع والدور والانتقال من شارع الى آخر ومن دار الى أخرى، حتى ضيّقوا الحصار على يهود، وأجبروهم على الاستسلام. إن قتال المدن والشوارع سهل على المدافع، لأنه يعرف الطرقات ومداخل البيوت ومخارجها، كما أن الشوارع والدور تقدم حماية للمدافعين، لذلك فإن مهمة قتال المدن والشوارع ليست سهلة على المهاجم وتحتاج الى قيادة مسيطرة وضبط متين وتدريب جيد. إن نجاح المسلمين في قتال المدن والشوارع ضد يهود، يدل بوضوح على أن مستوى قيادتهم وضبطهم وتدريبهم كان رفيعا جدا. 4- الابداع «1» : الإبداع هنا، معناه: سرعة الخاطر في إعطاء القرار الجازم الصحيح في المواقف الحرجة، مع تحمّل مسؤولية ذلك القرار مهما تكن النتائج. وقد كان عمل عبد الله بن أنيس في قتله خالد بن سفيان الهذلي الذي حشد بني لحيان لمهاجمة المدينة إبداعا متميزا أدى الى تشتيت قبيلته، وبذلك قام

_ (1) - الإبداع: سبق العدو بالعمل لإرغامه على تبديل الخطة التي اتخذها وإرغامه للانقياد الى رغائبك.

5 - المعنويات:

عبد الله بن أنيس وحده مقام قوة كبيرة كان عليها أن تتحرك لمهاجمة بني لحيان، فتبذل جهودا ووقتا ومالا في معركة غير معروفة النتائج. وكان عمل النبي صلّى الله عليه وسلم في تحريكه قواته بعد غزوة بني (المصطلق) عندما علم بمحاولة عبد الله بن أبي إثارة الفتنة بين المهاجرين والأنصار، واستمرار المسير الشاق لمدة ثلاثين ساعة ... كان عمل الرسول صلّى الله عليه وسلم هذا إبداعا متميزا، إذ لولا مسارعته الى الحركة بقواته حتى أنهكها التعب لما استبعدنا بتاتا نجاح عبد الله بن أبي في فتنته. إن مزية الإبداع من أعظم مزايا القائد القدير. 5- المعنويات: حاول المشركون والمنافقون أن ينالوا بدعاياتهم الضارة من معنويات المسلمين بعد أن عجزوا عن أن ينالوا منهم في ساحات القتال. لقد حاول المشركون أن يؤثروا في معنويات المسلمين، كي لا يطمئنوا الى إرسال دعاتهم خارج المدينة المنورة، وبذلك يجعلون الدعوة تنحصر في محيط ضيّق لا يتسع لآمالها القريبة والبعيدة. غدر بنو عضل والقارة بمعاونة هذيل بستة من الدعاة في (الرجيع) «1» ، وكان بنو عضل والقارة هم الذين طلبوا من الرسول صلّى الله عليه وسلم إرسال قسم من

_ (1) - الرجيع: ماء لهذيل قرب الهدأة بين مكة والطائف. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 4/ 228.

دعاته إليهم ليعلموهم الإسلام «1» . وغدر عامر بن الطفيل من بني عامر مع قسم من الأعراب بأربعين داعيا من دعاة الإسلام في (بئر معونة) بنجد وقضى عليهم إلا رجلا واحدا عاد الى المدينة المنورة يحمل أخبار الشهداء. فهل أثرت هذه الخسائر في معنويات المسلمين وفي ما هم عليه من صبر وإيمان؟

_ (1) - قدم على رسول الله (ص) رهط من عضل والقارة وهم الى الهون من خزيمة فقالوا: (يا رسول الله، إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الإسلام) . فبعث معهم عشرة رهط وأمّر عليهم عاصم بن ثابت وقيل: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع غدر المشركون بالمسلمين واستصرخوا عليهم هذيلا، فأخذ أصحاب رسول الله (ص) سيوفهم فقالوا لهم: (إنا والله ما نريد قتالكم إنما نريد أن نصيب بكم ثمنا من أهل مكة، ولكم العهد والميثاق ألا نقتلكم) !! أما عاصم بن ثابت ومرثد بن أبي مرثد وخالد بن أبي البكير فقالوا: (والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا) ، فقاتلوهم حتى قتلوا. وأما زيد بن الدئنة وخبيب ابن عدي وعبد الله بن طارق فاستأسروا وأعطوا بأيديهم. وخرج المشركون بالنفر الثلاثة حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القيد وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بمر الظهران. وقدموا بخبيب وزيد مكة. أما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه، وابتاع حجير بن أبي إهاب خبيب بن عدي لابن أخته عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ليقتله بأبيه. قالت قريش عند قتل زيد: (يا زيد، أنشدك الله، أتحب أنك الآن في أهلك وأن محمدا عندنا مكانك نضرب عنقه) ؟ فقال: (لا والله لا أحب أن محمدا يشاك في مكانه بشوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي) ، فقال أبو سفيان: (والله ما رأيت من قوم قط أشد حبا لصاحبهم من أصحاب محمد له) . أنظر طبقات ابن سعد 2/ 5- 56، وسيرة ابن هشام 3/ 160.

إن استشهاد الدّعاة لم يؤثر في معنويات المسلمين، لأنهم استمرّوا على إرسال دعاتهم وخرجوا لأخذ ثارات هؤلاء الدعاة، حتى لا يعود المشركون الى الغدر بالمسلمين مرة أخرى. وحاول المنافقون التأثير في معنويات المسلمين بأسلوب آخر، هو أسلوب اختلاق الأخبار الكاذبة، فاختلقوا حديث الإفك بعد غزوة بني المصطلق. ولم يؤثر هذا الأسلوب أيضا في معنويات المسلمين؛ فلم يبق أمام المشركين ويهود والمنافقين إلا أن يحشدوا كل قواتهم في صعيد واحد لمحاولة القضاء على المسلمين ماديا ومعنويا، كما سنرى ذلك في غزوة الخندق.

هازم الاحزاب (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً) . (القرآن الكريم)

هازم الاحزاب

غزوة الخندق الموقف العام 1- المسلمون: نجح المسلمون في إعادة النظام الى صفوفهم بعد (أحد) ، وتخلصوا من يهود بني النضير، وبذلك قوي مركزهم في المدينة قاعدتهم الأمينة، كما أثّروا على معنويات قريش كل القبائل التي كانت تطمع في مهاجمة المدينة. لقد استعادوا في هذه الفترة سمعتهم، وأصبح سلطانهم مهيبا في المدينة المنورة وخارجها على حد سواء. 2- المشركون ويهود: لم تستطع قريش لقاء المسلمين في (بدر) الصغرى، لأنها قدّرت أن قوة المسلمين أكبر من أن تستطيع القضاء عليها وحدها. كما لم تستطع القبائل أن تهاجم المدينة تنفيذا لمطامعها، إذ هاجمها المسلمون على انفراد في عقر دارها وتغلبوا عليها بالتعاقب. وكان يهود أضعف من أن يفكروا في التعرض وحدهم بالمسلمين، ولكنهم كانوا يترقبون الفرص. وكان لا بدّ من تجمّع قوى قريش والقبائل الاخرى ويهود في صعيد واحد للقضاء على المسلمين، إذ أصبح المسلمون بدرجة من القوة يصعب معها القضاء عليهم بدون تحشد أعداؤهم كل قواهم المادية والمعنوية كافة؛ وفعلا قام الموتورون من يهود بني النضير بمهمة تجميع قوات المشركين ويهود حول المدينة، ونجحوا في

قوات الطرفين

حشد أكبر قوة معادية للمسلمين متفوقة عليهم فواقا ساحقا للقضاء على الدين الجديد ... قوات الطرفين 1- المسلمون: ثلاثة آلاف رجل بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم. 2- المشركون: عشرة آلاف عدا قوات يهود من بني قريظة، منهم أربعة آلاف من قريش وستة آلاف من بني سليم وأسد وفزارة وأشجع وغطفان. كانت قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب بن أمية. وكانت غطفان بقيادة عيينة بن حصن والحارث بن عوف. وكانت أشجع بقيادة مسعود بن رخيلة وهم أربعمائة. وكانت سليم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية. وكانت بنو أسد بقيادة طلحة بن خويلد الأسدي. أهداف الطرفين 1- المسلمون: الدفاع عن الإسلام. 2- المشركون واليهود: القضاء على المسلمين وانتهاب أموالهم وذراريهم.

التوقيت

التوقيت كانت غزوة الخندق في شوال من السنة الخامسة الهجرية واستمر حصار المدينة المنورة حوالي شهرا واحدا. قبل المعركة 1- المسلمون: أ- قرر المسلمون البقاء في المدينة المنورة وحفروا (خندقا) عميقا يحيط بشمال المدينة ويقع بين حرّة المدينة وجبل (سلع) «1» ، لأن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة المكشوفة من المناطق المحيطة بالمدينة المنورة؛ إذ أن جهات المدينة الأخرى محاطة بالبساتين الكثيفة والعوارض الطبيعية الأخرى، وذلك يحول دون إمكان إجراء القتال بقوات كبيرة في أطراف المدينة عدا الشمالية منها، حيث إنها مكشوفة كما أسلفنا؛ لذلك أشار سلمان الفارسي «2» بحفر (الخندق) في هذه المنطقة، ولم يكن حفر الخنادق للأغراض الدفاعية معروفا عند العرب من قبل. وقسّم النبي صلّى الله عليه وسلم منطقة حفر الخندق على أصحابه: لكل عشرة منهم

_ (1) - جبل سلع: جبل بالقرب من المدينة المنورة. أنظر معجم البلدان 5/ 107. (2) - سلمان الفارسي: يعرف بسلمان الخير، أصله من فارس، وكان اذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: (أنا سلمان ابن الاسلام) . أول مشاهده غزوة (الخندق) وبقية المشاهد وفتوح العراق، وولي المدائن. دخل قوم على سلمان أمير المدائن وهو يعمل الخوص، فقيل له: لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟ فقال: (أحب ان آكل من عمل يدي) ، وكان اذا خرج عطاؤه تصدّق به ويأكل من عمل يده. وكان خيّرا فاضلا جدا متقشفا، وقد توفي في المدائن في خلافة عثمان بن عفان وقبره لا يزال فيها. راجع الإصابات 3/ 113 وأسد الغابة 2/ 228 والاستيعاب 2/ 634 وطبقات ابن سعد 4/ 75 و 6/ 16. والمدائن اليوم تسمى: سلمان باك، وهي قريبة من بغداد، وقبر سلمان الفارسي رضي الله عنه في مسجد كبير يزار.

2 - المشركون ويهود:

أربعون ذراعا، واشتغل هو بالحفر أيضا، كأي فرد منهم، بل كان المسلمون يستعينون به عندما يصادفون بعض المصاعب والعقبات أثناء الحفر، كظهور الصخور، فيحضر بنفسه لتفتيتها. وكان العمل يستمر طيلة النهار، ثم يأوى المسلمون ليلا الى دورهم ليأخذوا قسطا من الراحة، وقد سيطر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بنفسه على العمل، فلا يعود مسلم من عمله في الحفر إلا بموافقته شخصيا. ب- عسكر المسلمون الى سفح (سلع) وجعلوا (سلعا) خلف ظهرهم. ج- جمع الرسول صلّى الله عليه وسلم النساء والأطفال في بيوت قوية البنيان في منطقة أمينة داخل المدينة للإفادة من مناعتها في حمايتهم، وهجروا البيوت الواهنة التي لا تساعد على الحماية والدفاع. د- بعد إنجاز حفر (الخندق) ، احتلّ المسلمون مواضعهم خلف (الخندق) واستفادوا من مناعة جبل (سلع) لحماية ظهورهم وجناحهم الأيسر من التفات الأحزاب من ذلك الاتجاه لقطع خط رجعتهم الى المدينة المنورة وضربهم من الخلف وتطويقهم. 2- المشركون ويهود: أ- قصد نفر من يهود قريشا في مكة منهم سلّام بن أبي الحقيق وحييّ بن أخطب، فدعوهم الى حرب النبي صلّى الله عليه وسلم، ووعدوهم أنهم سيكونون معهم في قتال المسلمين. فلما وافقت قريش على قتال المسلمين، قصد يهود غطفان وغيرها من القبائل ودعوهم ألى حرب النبي صلّى الله عليه وسلم أيضا، وأخبروهم أن قريشا معهم على ذلك، فوافقت غطفان والقبائل الأخرى. ب- لما وصلت قريش وغطفان والقبائل الأخرى الى ضواحي المدينة

سير القتال

المنورة، استطاع حييّ بن أخطب التأثير على يهود بني قريظة، فنكثوا عهدهم مع المسلمين وانضموا الى الأحزاب. ج- كانت مواضع قتال الأحزاب في ضواحي المدينة كما يلي: (راجع المخطط) . أولا- قريش في موضع (مجمع الأسيال) من دومة بين الجرف وزغابة. ثانيا- غطفان وقبائل نجد في موضع (ذنب نقمى) الى جانب (أحد) . ثالثا- بنو قريظة في حصونهم في ضواحي المدينة المنورة. سير القتال 1- تحرّج موقف المسلمين كثيرا، خاصة بعد انضمام بني قريظة للأحزاب، فقد كان بإمكان هؤلاء يهود التسلل الى داخل المدينة والتعرض بالنساء والأطفال، خاصة وأنهم يعرفون تفاصيل مسالك المدينة لأنهم من أهلها، مما يؤثّر في معنويات المسلمين الذين يقاتلون في ساحة المعركة، لأنهم أصبحوا غير مطمئنين على مصير عوائلهم وذراريهم وأموالهم. كما كان بامكان يهود القيام بحركة جريئة لقطع خط رجعة المسلمين الى داخل المدينة، وبذلك يفسحون المجال للأحزاب لاقتحام (الخندق) دون مقاومة تذكر ... لذلك كان وقع نكث بني قريظة لعهدهم شديدا على نفوس المسلمين. 2- بعث يهود رجلا منهم الى داخل المدينة، فاستطاع التسلل الى الدور التي تجمّع فيها النساء والأطفال، ولكنّ هذا اليهودي لم يعد الى قومه ليخبرهم عن مواضع النساء والأطفال، وعن درجة مناعتها وحمايتها، لأن امرأة

مسلمة «1» رأته يحوم حول تلك الدور ليستطلع ما فيها ومن فيها ودرجة قوتها ومقدار حماتها من المسلمين، فاستطاعت قتله مستفيدة من عمود خشبي. إنّ هذا اليهودي كان دورية استطلاع للحصول على المعلومات عن مواضع النساء والأطفال، حتى يمهد بما يحصل عليه من معلومات لقيام يهود بهجوم مباغت عليهم بعد التأكد من عدم تيسر الحماية الكافية لهم، ليضطر المسلمون الى الانسحاب من مواضعهم الأصلية لنجدة أهليهم وإنقاذ أموالهم. إنّ قتل هذا اليهودي أنفذ المسلمين من خطر داهم، إذ جعل يهود يفكرون أن في داخل المدينة حرّاسا أشداء من المسلمين، وليس من السهل التغلب على هذه الحراسة الشديدة، لذلك قبع يهود في حصونهم لا يفكرون في الخروج «2» . 2- تحرّكت مفرزة من فرسان قريش فيهم عمرو بن عبدودّ وعكرمة ابن أبي جهل، ومرّوا ببني كنانة واستثاروا حميتهم للقتال، فلما وصلت هذه المفرزة الى الخندق استطلعوا منطقة ضيقة فيه، وعبروها بخيولهم، فخرج علي ابن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين للقائهم، واتجهوا فورا الى الثغرة التي عبر المشركون منها لقطع خط رجعة المشركين أولا ولمنع الأمدادات من الأحزاب إليهم ثانيا؛ ثم نازل علي بن أبي طالب عمرو بن عبدودّ فقتله، كما قتل المسلمون رجلين من المشركين، وعادت بقية فرسان قريش هاربة الى قواعدها. 3- قامت مفرزة من المشركين بالهجوم على المسلمين باتجاه دار النبي صلّى الله عليه وسلم، فقاتلهم المسلمون النهار كله حتى الليل، فلما حانت صلاة العصر تحرّج موقف

_ (1) - هي صفية بنت عبد المطلب عمة النبي (ص) . انظر سيرة ابن هشام 3/ 246. (2) - كان الرسول (ص) يبعث سلمة بن أسلم في مائة رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير، وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريظة. انظر طبقات ابن سعد 2/ 67.

المسلمين لاقتراب المشركين من منزل النبي صلّى الله عليه وسلم، حتى لم يستطع المسلمون أن يصلوا، ولكنهم استطاعوا مع الليل صدّ مفرزة المشركين خائبة على أعقابها. 4- حاول الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يرد قسما من الأحزاب عن المدينة لقاء ثلث الثمار، وكاد أن يصل في مفاوضاته مع قادة غطفان الى هذا الاتفاق، ولكن سادات الأوس والخزرج اقترحوا ألا يعطوا المشركين شيئا من ثمارهم، فوافق الرسول صلّى الله عليه وسلم على اقتراحهم هذا. 5- أثّر بقاء الأعراب مدة طويلة حول المدينة في معنوياتهم خاصة وأن الموسم كان شتاء، وأن الأعراب لا يطيقون الصبر طويلا على الحصار المديد ولا على قتال لمدة طويلة بصورة عامة، لذلك أخذوا يبدون تذمرهم من بقائهم مدة طويلة دون جدوى. 6- جاء نعيم بن مسعود الغطفاني الى النبي صلّى الله عليه وسلم وأخبره أنه أسلم ولا يعلم قومه بإسلامه، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: (إنما أنت رجل واحد، فخذّل عنا ما استطعت، فان الحرب خدعة) «1» . خرج نعيم حتى أتى بني قريظة وكان نديما لهم في الجاهلية، فقال لهم: (عرفتم ودي إياكم، وقد ظاهرتم قريشا وغطفان على حرب محمد، وليسوا كأنتم: البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تتحوّلوا منه،

_ (1) - خدع الحرب: راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. يجوز للدولة المحاربة ان تلجأ في حربها الى الخدع بشرط ألا تصل فيها الى حد الغدر والخيانة. ومن أمثلة خدع الحرب القيام بمناورات كاذبة، وإيقاع العدو في كمين وتضليله (بالمعلومات الكاذبة) إخفاء لما تنوي القيام به من حركات عسكرية، كما يعتبر من الخدع المشروعة العمل بواسطة الأعوان والمأجورين على إثارة الشغب في دولة العدو او نشر الأخبار الكاذبة لغرض إضعاف القوة المعنوية.

وإنّ قريشا وغطفان إن رأوا نهزة «1» وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين محمد، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم حتى تناجزوا محمدا) . قالت بنو قريظة (أشرت بالنصح ولست عندنا بمنّهم) . ثم خرج نعيم الى قريش، فقال لهم: (بلغني أن قريظة ندموا، وقد أرسلوا الى محمد: هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم؟ فأجابهم: أن نعم. فإن طلبت قريظة منكم رهنا من رجالكم، فلا تدفعوا لهم رجلا واحدا) ... وجاء نعيم غطفان فقال لهم: (أنتم أهلي وعشيرتي) ، وقال لهم مثل ما قال لقريش ... وحذّرهم!!. أرسل أبو سفيان وسادة غطفان الى قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان في ليلة سبت، وطلبوا منهم الاستعداد للهجوم نهار السبت، ولكنّ قريظة اعتذروا بأنهم لا يقاتلون يوم السبت، ثم طلبت قريظة رهائن من قريش وغطفان قبل أن تشرع بأي هجوم! قالت قريش وغطفان: لقد صدق نعيم!! ولما رفض طلب قريظة بإعطائها رهائن من قريش وغطفان قالت: لقد صدق نعيم! وتفرّقت قلوب الأحزاب وزالت الثقة بينهم. 7- أرسل الرسول صلّى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان ليلا ليستطلع أخبار الأحزاب،

_ (1) - نهزة، بضم النون وسكون الهاء: الفرصة.

خسائر الطرفين

فرأى قريشا تشدّ رحالها متجهة الى مكة، فلما علمت غطفان بارتحال قريش دون علمها، عادت أدراجها مع القبائل الأخرى الى مواطنها. وحينذاك علم الرسول صلّى الله عليه وسلم ببصيرته النافذة أن المشركين فقدوا فرصتهم الثمينة، وأن مثل هذه الفرصة لن تعود إليهم مرة أخرى. وإذا لم يستطع المشركون بعد تجمّعهم الضخم هذا أن يقضوا على المسلمين، فكيف يستطيعون القضاء عليهم بعد تفرّقهم؟ خسائر الطرفين 1- المسلمون: ستة شهداء «1» . 2- المشركون: ثلاثة قتلى. أسباب فشل الأحزاب 1- قيادة غير موحدة: لم تكن للأحزاب قيادة موحّدة تستطيع السيطرة على جميع القوات المتجمعة وتوجيهها للعمل الحاسم في الوقت الحاسم. كان لكل قبيلة قائد بل عدّة قواد، ولم يستطع هؤلاء القادة تنظيم خطة موحدة للهجوم على المسلمين.

_ (1) - هم: سعد بن معاذ وأنس بن أوس بن عتيق من بني عبد الأشهل وعبد الله بن سهل الأشهلي وثعلبة بن غنمة بن عدي وكعب بن زيد من بني دينار والطفيل بن النعمان.

2 - المباغتة بالخندق:

وقد كان من المستحيل اتفاقهم على قائد منهم ليسيطر على الجميع، لأن هذا القائد سينال شرفا عظيما يتميّز به على الآخرين، ولا يمكن للآخرين أن يرضوا بهذا الامتياز. لقد كانت النعرة الجاهلية لا الهدف المشترك هي التي تسيطر على القيادة، ولا يمكن أن تنجح مثل هذه القيادة في أي موقف بأي معركة حتى ولو كانت لها كل الظروف المؤاتية لها كما كانت الظروف في غزوة الخندق بالنسبة للأحزاب ويهود. 2- المباغتة بالخندق: لقد كان حفر الخندق مباغتة تامة للأحزاب، فلم تكن العرب تعرف هذا الأسلوب، كما لم تكن تعرف أسلوب القتال المناسب لاجتياز الخندق والتغلب على المدافعين عنه. لذلك بقي القتال (مستكّنا) «1» طول مدة الحصار، عدا محاولات قليلة قام بها المشركون لمحاولة اجتياز الخندق باءت كلها بالفشل الذريع. 3- الطقس: كان موسم القتال شتاء، وكان الأعراب في العراء يعيشون في غير مواطنهم التي يستفيدون فيها من موادهم المتيسرة للتدفئة وللإعاشة وللسكنى ... لذلك لم يستطيعوا البقاء لحصار المدينة مدة طويلة.

_ (1) - القتال المستكن: هو القتال الجامد الخالي من قابلية الحركة التي بدونها لا نصر في حرب.

4 - انعدام الثقة:

4- انعدام الثقة: كانت الثقة بين الأحزاب أنفسهم من جهة وبينهم وبين يهود من جهة أخرى واهنة جدا، بل لم تكن هناك ثقة بينهم على الإطلاق. قريش تريد القضاء على المسلمين بالإفادة من جهود القبائل الأخرى ويهود. والقبائل الأخرى تريد الأسلاب بالدرجة الأولى من أي مصدر كان، ولو وقعت أموال أحلافهم بني قريظة بيدهم لأخذوها أيضا. ويهود لا يثقون في الجميع ويريدون القضاء على المسلمين بدماء قريش والقبائل الأخرى. وهكذا انعدمت الثقة بينهم لتفرق الأهداف والمقاصد والمصالح والرغبات. 5- الصبر على الحصار: يحتاج الصبر على الحصار المديد الى قوات مدربة لها أهداف معلومة وقيادة مسيطرة. أما القبائل فلا صبر لها على الحصار المديد، لأنها اعتادت التنقل بين فترة وأخرى، كما أنها لا تطيق صبرا على فراق وطنها وأهلها مدة طويلة. لذلك تذمّر الأعراب من طول مدّة الحصار- على قصرها- وآثروا الارتحال على البقاء. دروس من غزوة الخندق 1- القيادة: عالجنا أسلوب القيادة المرتبك عند الأحزاب ويهود، مما كان له أسوأ الأثر في نتيجة معركتهم. وبقدر ما كانت قيادة الأحزاب واهنة، كانت قيادة المسلمين قوية حازمة رشيدة.

2 - تعبئة جديدة:

قرّر الرسول صلّى الله عليه وسلم البقاء في المدينة المنورة، وأمر بحفر الخندق، وانتخب منطقة الحفر في السهول الكائنة شمال المدينة، ووزّع أعمال الحفر بالتساوي بين أصحابه، وسيطر على العمل، فلا يستطيع أحد ترك واجبه إلا بأمر منه، حتى أنجز أعمال حفر الخندق قبل وصول المشركين الى المدينة المنورة. واشتغل هو بنفسه بالحفر كبقية أصحابه تماما، بل استأثر دونهم بالأماكن الصلبة في منطقة حفر الخندق التي لم يستطع أصحابه التغلّب عليها، كفلق الصخور القاسية!! ثم قسّم واجبات احتلال الموضع بين أصحابه، بحيث لا يغفل أحد عن شبر من الخندق ليلا ونهارا، على الرغم من برودة الطقس؛ وقد كان هو بنفسه لا يترك مقرّه إلا ليقوم بتفتيش الحرّاس والمواضع الدفاعية وليحرض المؤمنين على القتال ويرفع من معنوياتهم. وأمّن حرسا قويا للذراري الذين تركهم في دور المدينة. وأهم من ذلك كله سيطرته على أصحابه عندما تأزّم الموقف حين وصلت الأحزاب الى ضواحي المدينة بقوات متفوقة على المسلمين، وحين نكثت قريظة عهدها، فأصبح الخطر يهدّد المسلمين من داخل المدينة وخارجها. 2- تعبئة جديدة: استفاد المسلمون من حفر الخندق للدفاع عن المدينة المنورة، وهذا الأسلوب الجديد من أساليب القتال يدخل في أساليب العرب الحربية لأول مرة في التاريخ. إنّ القائد العبقري هو الذي يستخدم أسلوبا جديدا أو سلاحا جديدا في القتال، والخندق هو الأسلوب الجديد الثاني الذي استخدمه الرسول صلّى الله عليه وسلم في القتال، بعد أن استخدم أسلوب الصفوف في معركة (بدر) كما رأينا.

3 - الحرب خدعة:

لقد أخذ الرسول صلّى الله عليه وسلم بفكرة حفر الخندق من سلمان الفارسي، لذلك قال فيه كلمته الخالدة: (سلمان منّا أهل البيت) ، ليشجّع على التفكير المفيد ويشيد بالعاملين للمصلحة العامة ويقطع دابر العصبيّات. 3- الحرب خدعة: رأينا أثر الإشاعات التي بثّها نعيم بن مسعود في تفريق كلمة الأحزاب، ولا يمكن نجاح الأحزاب أو غيرهم إلا بجمع الكلمة، فلما تفرّقت كلمتهم، كان نصيبهم الإخفاق. إن الحرب الحديثة تعتمد على بثّ الإشاعات المثيرة لتصديع الصفوف وبلبلة الافكار، وقسم بث الإشاعات من أهم أقسام شعب الاستخبارات في تشكيلات الجيوش، وهي أسلوب من أشد أساليب الحرب النفسية فتكا. وبقدر ما كانت الإشاعة تعمل عملها في صفوف الأحزاب، فإن الإشاعة لم يكن لها أي أثر في صفوف المسلمين. حاول المنافقون أن يبثّوا سموم إشاعاتهم لتحطيم معنويات المسلمين، ولكنّ محاولتهم فشلت. وعندما أرسل الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه لمعرفة موقف بني قريظة، وعاد هؤلاء إليه بعد أن تأكدوا من صحة إشاعة نكث بني قريظة بعهودها، حرصوا على أن يخبروا الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذا الخبر باسلوب من الكلام لا يفهمه غير الرسول صلّى الله عليه وسلم نفسه، فقد أخبروه بالرمز دون الافصاح حتى لا يؤثر هذا الخبر في معنويات المسلمين. لقد عرف المسلمون أثر الإشاعة في المعنويات قبل أربعة عشر قرنا.

4 - المبادأة:

4- المبادأة «1» : غزوة (الخندق) هي المعركة الحاسمة الثانية بعد معركة (بدر) الكبرى، فلو نجح المشركون ويهود في هذه المعركة لتغيرت وجهة التاريخ الاسلامي. لقد استطاع يهود أن يجمعوا الأحزاب حول المدينة المنورة، وعاونهم يهود بني قريظة بعد وصولهم الى المدينة، للقضاء على المسلمين ماديا ومعنويا، وهذا التجمع فرصة لا تعود أبدا خاصة إذا أخفقت هذه الأحزاب. إن معنى إخفاق الأحزاب ويهود بعد هذا التجمع الهائل، أنهم لن يجتمعوا مرة أخرى، وأنهم لا يستطيعون القضاء على المسلمين بعد ذلك منفردين بعد أن عجزوا عن القضاء عليهم مجتمعين، ولهذه النتيجة أثر حاسم في انتشار الاسلام فيما بعد. لقد انتقل المسلمون من دور الدفاع «2» الى دور الهجوم «3» في اليوم الذي انتهت به غزوة الخندق، لذلك قال الرسول صلّى الله عليه وسلم لأصحابه بعد انسحاب الأحزاب: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) . وانتقلت المبادأة الى يد المسلمين بعد هذه الغزوة، ولم يتركوها حتى شمل الإسلام شبه الجزيرة العربية كلها، وارتفعت راية الاسلام شرقا وغربا فوق كل راية: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) «4»

_ (1) - المبادأة: تعبير يقصد به من الناحية العسكرية السبق بالعمل لإجبار العدو على تبديل خطته والاحتفاط بهذا السبق. (2) - الدفاع: تعبير عسكري يقصد به التدابير المتخذة لإيقاف تقدم العدو في موضع ما لمدة قصيرة أو طويلة. (3) - الهجوم: تعبير عسكري يقصد به سلسلة حملات تتخللها وقفات ضرورية. (4) - الآية الكريمة من سورة الأحزاب 33: 25.

القصاص العادل (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) . (القرآن الكريم)

القصاص العادل

محاسبة الغادرين الموقف العام 1- المسلمون: إستطاع المسلمون الثبات أمام الأحزاب ويهود في ظروف قاسية جدا ضد قوات متفوقة عليهم فواقا ساحقا، فثبتوا تجاه الخطر الداهم الذي هدّدهم من خارج المدينة ومن داخلها. وهذا الصمود والثبات جعل معنويات المسلمين في وضع متميز لم يسبق له مثيل من قبل. لقد تخلّصوا من الأحزاب، وبقي أمامهم بنو (قريظة) جيرانهم في المدينة الذين لم يرعوا للجار حقا ولم يحافظوا على العهد، وخانوا المسلمين في أخطر أوقات محنتهم، فلا بدّ من تصفية الحساب معهم. 2- المشركون: انسحب الأحزاب وقريش الى ديارهم يحملون معهم كلّ معاني الإخفاق، فلم تستطع قريش القضاء على المسلمين، ولم تستطع القبائل الأخرى نهب أموال المسلمين، ولم يعودوا بأية فائدة يمكن أن تخفف عنهم ما بذلوه من جهد في السفر والحصار أيام الشتاء، ومن مال صرفوه لتزويد قواتهم بالمواد الادارية والأرزاق قبل المعركة وأثناءها وبعدها. لقد أثّر ذلك في معنويات المشركين ويهود، وجعلهم يخافون المسلمين كل الخوف، ويخشونهم كل الخشية.

3 - يهود:

3- يهود: بقي يهود من بني قريظة وحدهم أمام المسلمين بعد انسحاب الأحزاب، وبقيت معهم غدرتهم الشنيعة التي فضحت طواياهم، فأصبحوا كالمجرم الذي ثبتت إدانته فهو يرقب القصاص العادل. لقد كانت معنوياتهم منحطة للغاية، إذ كانوا يتوقّعون هجوم المسلمين عليهم ويعرفون نتيجة هذا الهجوم. الهدف الحيوي محاسبة الغادرين من يهود على غدرهم بالمسلمين في أشد أوقاتهم حرجا، ومحاسبة القبائل التي غدرت بدعاة المسلمين. غزوة بني قريظة 1- أسباب الغزوة: نكث بني قريظة لعهدهم مع المسلمين عند تجمع الأحزاب حول المدينة المنورة. 2- قوات الطرفين: أ- المسلمون: ثلاثة آلاف بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم معهم ستة وثلاثون فارسا. ب- بنو قريظة: ستمائة مقاتل الى سبعمائة مقاتل بقيادة كعب بن أسد يعاونه حييّ بن أخطب رأس يهود الذين حشدوا الأحزاب وجمعوها حول المدينة المنورة.

3 - الهدف:

3- الهدف: القضاء على بني قريظة لنكثها عهودها التي قطعها على نفسها مع المسلمين، مما جعل المسلمين مهددين بالإبادة والفناء. 4- الحوادث: عاد الرسول صلّى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة صباح الليلة التي انسحب الاحزاب فيها الى ديارهم، وأمر أصحابه ظهر ذلك اليوم بالحركة الى بني (قريظة) والإسراع بالإطباق على حصونهم بحيث لا يصلي المسلمون صلاة العصر إلا منطقة (قريظة) . وعلى الرغم من تعب المسلمين الشديد لبقائهم مدة طويلة محاصرين، وعلى الرغم من برودة الطقس، فقد أسرع المسلمون لتنفيذ أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم، وأنجزوا تجمعهم حول حصون بني قريظة قبل أن يحل الظلام من ذلك اليوم! واستمرّ الحصار خمسا وعشرين ليلة لم يقع خلالها إلا بعض المناوشات الطفيفة بالنبل والحجارة، كان من أثرها استشهاد أحد المسلمين مصابا برحى رمته بها امرأة يهودية من فوق سطح منزلها «1» . لم يجرؤ بنو (قريظة) على الخروج من حصونهم طيلة مدة الحصار، وكانوا مترددين لا يستقر رأيهم على شيء من شدّة الخوف. طلب منهم قائدهم أن يعتنقوا الاسلام، فرفضوا وطلب منهم الخروج للقتال، فرفضوا أيضا، وبقوا في حصونهم لا يفعلون شيئا. وأخيرا أرسل يهود يعرضون الخروج الى (أذرعات) «2» تاركين وراءهم ما يملكونه؛ فأبى الرسول صلّى الله عليه وسلم إلا أن يستسلموا بدون قيد أو شرط.

_ (1) - هو: خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج، ومات في أثناء الحصار أبو سنان بن محصن الأسدي. انظر جوامع السيرة لابن حزم 197- 198. (2) - اذرعات: بلد في اطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان. انظر معجم البلدان 1/ 162. وهي بلدة درعا السورية الواقعة على الحدود الأردنية السورية على الطريق العام.

وعاد يهود يطلبون الاستسلام على أن يحكم سعد بن معاذ في مصيرهم، وقد اختاروه لأنه سيد الأوس حلفائهم في الجاهلية، لعلّ الرسول صلّى الله عليه وسلم يقبل من حلفاء الأوس ما قبل من يهود بني قينقاع حلفاء الخزرج. ورضي الرسول صلّى الله عليه وسلم بنزولهم على حكم سعد، وقبل سعد أن يقوم بالتحكيم بين المسلمين من جهة ويهود من جهة أخرى بعد أن أخذ المواثيق على الطرفين أن يرضى كلاهما بقضائه، فلما أعطوه المواثيق، أمر بني قريظة أن ينزلوا من حصونهم وأن يضعوا السلاح، ففعلوا ... وكان حكم سعد فيهم: (أن يقتل المقاتلون، وتقسّم الأموال وتسبى الذراري والنساء) ، لأن سعدا ذكر أن الأحزاب لو انتصروا بخيانة بني قريظة على المسلمين، لكان مصير المسلمين الإبادة، فجزاهم سعد بمثل ما عرّضوا المسلمين له. لم تكن حرب بني قريظة حرب ميدان، إنما كانت حرب أعصاب، فلم يستطع يهود أن يتحمّلوا الحصار على الرغم من توفّر المواد الغذائية لديهم وتوفر المياه والآبار ومناعة حصونهم وصعوبة اقتحامها، فآثروا الاستسلام على مكابدة الحصار. والحق أن الموقف العسكري كان الى جانب يهود لتلك الأسباب كلها، ولشدة تعب المسلمين، ولبرودة الطقس، ولكنّ معنوياتهم انهارت، فلم يقاوموا طويلا كما كان المتوقع منهم. وقتل مقاتلو بني قريظة جميعا ومعهم حييّ بن أخطب الذي تزعّم حركة تجميع الأحزاب ضد المسلمين، إلا ثلاثة رجال من يهود أسلموا «1» ، ولم يقتل من

_ (1) - هم: ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم، اسلموا تلك الليلة. انظر سيرة ابن هشام 3/ 256.

سرية عبد الله بن عتيك

الأطفال والنساء أحد عدا المرأة التي قتلت الشهيد المسلم برحاها، فقتلت بجرمها هذا. سرية عبد الله بن عتيك 1- الهدف: قتل أبي رافع سلّام بن أبي الحقيق اليهودي الذي حرّض الأحزاب مع حييّ بن أخطب، ثم فر الى يهود (خيبر) ليتخلّص من القصاص العادل. 2- الحوادث: بعد القضاء على بني قريظة، خرج من المدينة المنورة خمسة من الخزرج «1» الى خيبر، للقضاء على أبي رافع بن أبي الحقيق وإلقاء الرعب في قلوب يهود خيبر، حتى لا يعيدوا الدور الذي قام به يهود الآخرون، وقد كانت هذه المفرزة بقيادة عبد الله بن عتيك. وصل المسلمون الى (خيبر) ليلا، فأمر عبد الله بن عتيك أصحابه بالبقاء. قريبا من الحصن حتى يستطلع لهم موضع ابن أبي الحقيق، فلما وصل الى حصنه استطاع دخوله وكمن في اسطبل الحيوانات. وعندما آوى ابن أبي الحقيق الى فراشه وهدأت الأصوات والحركة، خرج عبد الله وأخذ مفاتيح الحصن من موضعها الذي كانت فيه، ثم قصد غرفة ابن أبي الحقيق، فناداه ليعرف مكانه من صوته، لأن الظلام كان مخيما على الغرفة التي

_ (1) - هم: عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن انيس وابو قتادة الحارث بن ربعي وخزاعي بن اسود حليف لهم.

غزوة بني لحيان

كان بها ابن أبي الحقيق، ثم هجم بالسيف عليه حتى قضى عليه، وانسحب الى أصحابه بعد أن سقط من الدرج وانكسرت رجله «1» . وعاد المسلمون الى المدينة وقد أزالوا عن طريق الدعوة عدوا لدودا. وتسامع الناس بعاقبة من يؤلب الناس على المسلمين، مما زاد هيبة المسلمين في النفوس وجعلهم يسيطرون سيطرة تامة على المدينة، فلم يبق فيها أي صوت يهود أو المنافقين. غزوة بني لحيان 1- الهدف: أ- عقاب بني لحيان الذين غدروا بدعاة المسلمين عند ماء (الرجيع) قبل عامين خلوا وهم ستة من كبار الصحابة: اغتالوا أربعة منهم وباعوا الإثنين الباقيين لقريش، فضربت قريش عنق أحدهما وصلبت الثاني. ب- التأثير في معنويات قريش والقبائل الأخرى، وإطلاعهم (عمليا) على عاقبة الذين يغدرون بالمسلمين. 2- الحوادث: علم الرسول صلّى الله عليه وسلم بمحاولة قريش التجمع مع حلفائها لغزو المسلمين، ففكّر في الحركة إليهم للتأثير في معنويات قريش والقبائل الأخرى والتعرّض ببني لحيان الذين غدروا بدعاة المسلمين عند ماء (الرجيع) .

_ (1) - في سيرة ابن هشام 3/ 313- 316، وجوامع السيرة 198- 200: انهم لما أتوا (خيبر) ليلا، وكان سلام ساكنا في دار مع جماعة وهو في علية منها، فتسوروا الدار وأغلقوا كافة أبوابها، ثم اتوا العلية التي هو فيها فاستأذنوا عليه، فلما دخلوا عليه اغلقوا الباب على انفسهم ثم تعاوروه بأسيافهم وهو راقد على فراشه حتى قتلوه ورجعوا الى المدينة. وأرجح ما ذكرناه اعلاه لأنه اقرب الى العقل والمنطق.

غزوة ذي قرد

وأظهر الرسول صلّى الله عليه وسلم أنه يريد الشام، حتى يستطيع مباغتة بني لحيان دون أن يعرفوا بحركته اليهم، فتحرك بقواته شمالا، فلما اطمأن الى انتشار أخبار حركته الى الشمال باتجاه الشام، عاد راجعا باتجاه مكة مسرعا في حركته حتى بلغ منازل بني لحيان ب (غرّان) «1» ، ولكن بني لحيان فروا الى رؤوس الجبال، واستطاعوا النجاة بأرواحهم وأموالهم. عند ذاك ترك الرسول صلّى الله عليه وسلم القسم الأكبر من قواته في (غران) وسار على رأس مائتي راكب باتجاه مكة حتى وصل (عسفان) «2» شمال مكة للتأثير في معنويات قريش، فلم تخرج قريش للقائه. ثم عاد المسلمون الى المدينة متحملين شدة الحر، بعد أن أثروا في معنويات القبائل وجعلوهم يخافون المسلمون أشد الخوف. غزوة ذي قرد «3» 1- الهدف: مطاردة عيينة بن حصن وجماعة من غطفان لإعادة إبل المسلمين التي انتهبها المشركون. 2- الحوادث: أغار عيينة بن حصن الفزاري على أطراف المدينة، فوجد هناك بعض اللقاح «4» ترعى بحراسة مسلم وامرأته، فقتل عيينة وأصحابه الرجل وهو ابن أبي ذر الغفاري، وساقوا الإبل واحتملوا المرأة.

_ (1) - غران: منازل بني لحيان، وغران واد بين امج وعسفان. (2) - عسفان: موضع بين الجحفة ومكة وهي من مكة على مرحلتين. أنظر معجم البلدان 6/ 174. (3) - ذو قرد: ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر. أنظر معجم البلدان 7/ 50. (4) - اللقاح: الإبل الحوامل ذوات اللبن.

سرايا توطيد الأمن وتشديد الحصار الاقتصادي

ولكن سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي بصر بالقوم وقد اقتادوا الإبل، فأنذر المسلمين فنادى: الفزع الفزع. فنودي: يا خيل الله اركبي! وكان أول ما نودي بها! وقام سلمة بمطاردة غيينة وأصحابه وحده، حتى لحق به المسلمون الذين استطاعوا تخليص الإبل والمرأة المسلمة بعد أن وصلوا بمطاردتهم ماء (بذي قرد) . وجاء من يخبر المسلمين أن عيينة وأصحابه وصلوا موضعا بعيدا عن (ذي قرد) فنحروا لهم جزورا، فلما كشطوا عنها جلدها رأوا غبارا، فتركوا جزورهم في محلها وهربوا بسرعة، لأنهم ظنوا أن المسلمين اقتربوا من مواضعهم. ولم يكد هؤلاء الأعراب يصدقون أنهم يستطيعون النجاة بأنفسهم!!! سرايا توطيد الأمن وتشديد الحصار الاقتصادي راجع الملحق (ز) 1- الهدف: تأمين المدينة المنورة التي هي القاعدة الأمينة للإسلام، وفرض سيطرة المسلمين على القبائل التي حولها، وتشديد وطأة الحصار الاقتصادي على قريش وحلفائها. 2- الحوادث: أ- سرية عكاشة بن محصن الأسدي الى الغمر «1» : وجّه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن الأسدي في شهر ربيع الأول سنة

_ (1) - الغمر: غمر مرزوق، وهو ماء لبني أسد على ليلتين من قيد طريق الأول الى المدينة. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 84.

ست الهجرية الى (الغمر) في أربعين رجلا، فخرج سريعا يغذّ السير، ولكن الأعراب علموا بمسيره إليهم فهربوا وتركوا ديارهم خالية، فاستاق المسلمون مائتي بعير وعادوا الى المدينة دون أن يلقوا كيدا. ب- سرية محمد بن مسلمة الى (ذي القصّة) «1» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في ربيع الآخر سنة ست الهجرية الى بني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة وهم (بذي القصة) في عشرة نفر، فوردوا عليهم ليلا؛ ولكنّ الأعراب وهم مائة رجل استطاعوا قتل أصحاب محمد بن مسلمة وجرحه فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا الى مصارع المسلمين فلم يجدوا أحدا ووجدوا نعما وشاء فساقه أبو عبيدة ورجع الى المدينة المنورة. ج- سرية أبي عبيدة بن الجراح الى ذي القصّة: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا في شهر ربيع الآخر سنة ست الهجرية الى (ذي القصّة) الى بني محارب الذين أجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة وهو يرعى ب (هيفا) «2» ، فمشوا إليهم بعد صلاة المغرب حتى وافوا (ذا القصة) في عماية الصبح، فأغاروا عليهم، فهرب الأعراب، وأصاب أبو عبيدة رجلا واحدا فأسلم وتركه وأخذ نعما من نعمهم فاستاقه كما أخذ متاعهم وقدم بذلك المدينة المنورة.

_ (1) - ذو القصة: موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا وهو طريق الربذة. وهي على بريد من المدينة تلقاء نجد. أنظر معجم البلدان 7/ 114. (2) - هيفا: موضع على سبعة أميال من المدينة. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 86.

د- سرية زيد بن حارثة الى سليم بالجموم «1» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الكلبي في شهر ربيع الآخر سنة ست الهجرية الى بني سليم، فسار حتى ورد (الجموم) ، فأصاب نعما وشاء وأسرى، ثم عاد بأصحابه الى المدينة المنورة. هـ- سرية زيد بن حارثة الى العيص «2» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الكلبي في جمادى الأولى سنة ست الهجرية يتعرض لعير قريش في طريق عودتها من الشام الى مكة، فأخذ المسلمون العير وما فيها وأسروا ناسا ممن كان في العير وعادوا الى المدينة المنورة. وسرية زيد بن حارثة الى الطرف «3» : بعث رسول الله س زيد بن حارثة الكلبي في جمادى الآخرة سنة ست الهجرية الى الطرف، فخرج الى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا، فأصاب نعما وشاء وهربت الأعراب، وصبّح زيد بالنعم المدينة المنورة بعد أن غاب أربع ليال دون أن يلقى كيدا.

_ (1) - الجموم: أرض لبني سليم. أنظر معجم البلدان 3/ 140، تقع ناحية بطن نخل عن يسارها، وبطن نخل من المدينة على أربعة برد. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 86. (2) - العيص: موضع في بلاد بني سليم به ماء يقال له: ذنبان العيص. أنظر معجم البلدان 6/ 248، بينها وبين المدينة أربع ليال وبينها وبين ذي المروة ليلة. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 87. (3) - الطرف: ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلا من المدينة طريق البصرة على المحجة. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 87.

ز- سرية زيد بن حارثة الى حسمي «1» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الكلبي في جمادى الآخرة سنة ست الهجرية الى (حسمي) في خمسمائة رجل، فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار ومعه دليل من بني عذرة، فلما وصل (حسمي) هجم على القوم مع الصبح فقتلوا فيهم فأوجعوا وأغاروا على ما شيتهم فأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاة خمسة آلاف شاة ومن السبي مائة من النساء والصبيان. ولكنّ زيد بن رفاعة الجذامي رحل في نفر من قومه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدفع إليه كتابه الذي كان كتب له ولقومه ليالي قدم عليه فأسلم، فبعث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الى زيد بن حارثة يأمره أن يخلي بينهم وبين أموالهم وحرمهم. وكان سبب هذه الغزوة، أن دحية بن خليفة الكلبي أقبل مرة عند قيصر في طريق عودته الى المدينة، فلقيه الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد في ناس من جذام بحسمي، فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب، فقدم دحية على النبي صلّى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فبعث زيدا لإعطاء درس قاس لجذام حتى لا يعودوا لمثلها أبدا. ح- سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف في شعبان سنة ست الهجرية الى بني كلب في (دومة الجندل) ، وقبل أن يبعثه دعاه فأقعده بين يديه وعمّمه بيده وقال: (أغز باسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله! لا تغلّ ولا تغدر ولا تقتل وليدا) !

_ (1) - حسمي: أرض ببادية الشام بينها وبين وادي القرى ليلتان وبين وادي القرى والمدينة ست ليال. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 276. وهي الأراضي المتحدة على طوار سفوح جبال البتراء جنوبا، فشرقا حتى الحدود الأردنية السعودية، وتشمل منطقة رم (إرم) ، وتبلغ مساحتها (5000) كيلومتر مربع في المنطقة الأردنية.

سار عبد الرحمن حتى قدم (دومة الجندل) فمكث فيها ثلاثة أيام يدعوهم الى الإسلام، فأسلم الأصبع بن عمرو الكلبي وكان نصرانيا وكان رأسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام على إعطاء الجزية. ط- سرية علي بن أبي طالب الى بني سعد بن بكر ب (فدك) «1» : بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن جمعا من بني سعد بن بكر يريدون أن يمدّوا يهود خيبر، فبعث إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مائة رجل، فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى الى (الهجح) «2» ، فوجدوا به رجلا فسألوه عن القوم فقال: أخبركم على أنكم تؤمنوني. فأمنوه، فدلهم، فأغاروا عليهم، فأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد. وقدم على المدينة ولم يلق كيدا. ي- سرية زيد بن حارثة الى أم قرفة بوادي القرى «3» : خرج زيد بن حارثة في تجارة الى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، فلما كان دون (وادي القرى) لقيه ناس من فزارة من بني بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم. وعاد زيد الى المدينة المنورة فبعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة ست

_ (1) - فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان. أنظر معجم البلدان 6/ 42، وفي طبقات ابن سعد 2/ 92 انه بينها وبين المدينة ست ليال. وتقع شمال المدينة المنورة في طريقها الى تبوك. (2) - هجح: ماء وعيون عليه نخل من جهة وادي القرى. أنظر معجم البلدان 8/ 471، وفي طبقات ابن سعد 2/ 90، أنه ماء بين خيبر وفدك. (3) - وادي القرى: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى. أنظر معجم البلدان 8/ 375.

الهجرية إليهم، فكمنوا النهار وساروا الليل. وعلم بنو بدر بحركة المسلمين إليهم ولكن زيدا وأصحابه صبّحوهم وأخذوا منهم أسرى. وعاد زيد الى المدينة وبشّر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنصر الله. ك- سرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن زارم. لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق أمّرت يهود عليهم أسير بن زارم، فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب المسلمين. وبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوجّه عبد الله بن رواحة على رأس ثلاثة نفر من المسلمين في شهر رمضان سنة ست الهجرية سرا فسأل عن خبر أسير فأخبر بأنه يحرّض غطفان وغيرها من القبائل على حرب المسلمين. وقدم ابن رواحة على النبي صلّى الله عليه وسلم وأخبره خبر أسير، فندب الناس فانتدب له ثلاثون رجلا، فبعث عليهم عبد الله بن رواحة، فقدموا على أسير وقالوا: (إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك) ، فطمع في ذلك، فخرج وخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل رديف من المسلمين حتى إذا كانوا ب (قرقرة ثبار) «1» ، ندم أسير وأراد الغدر بالمسلمين، ولكنّ المسلمين حملوا عليهم فقتلوا أصحابه جزاء غدرهم. وعادوا الى المدينة فأخبروا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بغدر يهود، فقال: (نجاكم الله من القوم الظالمين) . ل- سرية كرز بن جابر الفهري الى العرانيين: قدم نفر من (عرينة) «2» ثمانية على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلموا، فأمر بهم الى

_ (1) - قرقرة ثبار: موضع بين خيبر والمدينة. (2) - عرينة: قبيلة من العرب، واسم موضع ببلاد فزارة. أنظر معجم البلدان 6/ 165.

لقاحه وكانت ترعى في منطقة (قباء) على ستة أميال من المدينة، فكانوا فيها حتى صحّوا وسمنوا فغدوا على اللقاح فاستاقوها، فأدركهم يسار مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات. وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم الخبر، فبعث في أثرهم عشرين فارسا واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فأدركوهم وأحاطوا بهم وأسروهم وربطوهم ثم أردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة، فقتلوا. م- سرية عمرو بن أمية الضّمري: قال أبو سفيان بن حرب لنفر من قريش: (ألا أحد يغتال محمدا، فإنه يمشي في الأسواق) ؟ فأتاه رجل من الأعراب متطوعا لقتل النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فأعطاه أبو سفيان بعيرا ونفقة وقال: (إطو أمرك) ؛ فخرج ليلا حتى قدم المدينة بعد خمسة أيام. ولما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا الأعرابي رابه أمره فقال: (إن هذا ليريد غدرا) ... وحاول الأعرابي اغتيال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجذبه أسيد بن الحضير فأسره من إزاره فوجد خنجرا لديه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (اصدقني ما أنت) ؟ قال: (وأنا آمن) ؟ قال: (نعم) . فأخبره بأمره وما جعل له أبو سفيان، فخلّى عنه. وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمرو بن أمية وسلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بن حرب وقال: (إن أصبتما منه غرّة فاقتلوه) ! فدخلا مكة ومضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه، فأخبر قريشا بمكانه، فخافوه وطلبوه.

دروس من غزوات محاسبة الغادرين والسرايا

وهرب عمرو وسلمة، وقتل عمرو في طريق عودته الى المدينة المنورة رجلين مشركين. دروس من غزوات محاسبة الغادرين والسرايا 1- الوقت: انسحبت الأحزاب عن المدينة، وعاد المسلمون الى ديارهم صباح ليلة الإنسحاب، وأصدر الرسول صلّى الله عليه وسلم أمره الإنذاري للحركة الى بني قريظة ظهر ذلك اليوم نفسه، على ألّا يصلي المسلمون العصر إلا في ديار بني قريظة. لقد أدرك الرسول صلّى الله عليه وسلم بثاقب فكره أهمية الوقت في الحصول على نتائج باهرة في القتال، فلو أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم أبطأ بحركته هذه، لاستفاد يهود من الوقت في الاستعانة بحلفائهم أو إقناع يهود الآخرين بمعاونتهم، أو التشبّث بالحصول على قوات من القبائل لتساند قواتهم، ولكان بإمكانهم إكمال قضاياهم الإدارية التي يحتاجون إليها في القتال، حتى يستطيعوا الصمود في حصارهم أطول مدة ممكنة. ولكنّ إسراع الرسول صلّى الله عليه وسلم بتحريك قواته لتطويقهم، حالت بين يهود وبين كل ذلك، إذ لم يكن يهود يعلمون بالموعد الأكيد لانسحاب الأحزاب ليسبقوا النظر في إعداد كل متطلبات القتال المتوقع ضدّ المسلمين. بل إنّ حركة المسلمين السريعة لم تترك الوقت الكافي لليهود لتنظيم خطة دفاعية عن حصونهم، كما لم تترك الوقت الكافي لليهود لتنظيم أي خطة عسكرية على الاطلاق يقابلون بها المسلمين، فقد ظهر لنا من سير حوادث غزوة بني قريظة أنهم لم يفعلوا شيئا، وكانوا مترددين في كل شيء. وأكثر من ذلك فإن حركة المسلمين المبكرة شلّت معنويات يهود وقضت على روح المقاومة فيهم، فلم يستطيعوا أن يستفيدوا من المحسنات العسكرية التي كانت بجانبهم والتي كان

2 - المباغتة:

بإمكانهم- لو أحسنوا التصرّف- الاستفادة من تلك المحسنات لكي يقاوموا المسلمين وقتا غير قصير. حصونهم قوية منيعة، وعددهم كبير، وسلاحهم وفير، والأرزاق والماء لديهم متيسران، كل ذلك يساعدهم على الصمود. ولكنّ هذه المحسنّات العسكرية التي بجانب يهود لا تفيد شيئا ما دامت معنوياتهم منحطة تماما، ولولا استفادة الرسول صلّى الله عليه وسلم من الوقت لتحسّنت معنويات يهود ولا استطاعوا أن يقوموا بدور أكثر حزما من الدور الذي قاموا به (فعلا) أثناء حصارهم. ومما يزيد من قيمة حرص المسلمين على المحافظة على الوقت، أن ظروفهم لم تكن حسنة بعد انسحاب الأحزاب. لقد كانوا منهو كي القوى لسهرهم الطويل على حراسة مواضعهم حوالي شهرا في موقف عصيب يحطم أعصاب أشجع الشجعان. وكان الطقس باردا، وقد تحمّلوا البرد في العراء وقتا طويلا أثناء حصارهم، فلما انسحبت الأحزاب آن لهم أن ينالوا بعض الدفء في بيوتهم القريبة. وكانت قضاياهم الإدارية بشكل لا يحسدون عليه. إنّ عدم اكتراث المسلمين بكل هذه المشاكل لغرض الإسراع بتطويق حصون بني قريظة يدعو الى الاعجاب والتقدير. 2- المباغتة: تكون المباغتة بالوقت والمكان والأسلوب. المباغتة بالمكان، أن تقوم بحركة من مكان لا يتوقعه العدو. والمباغتة بالزمان أن تقوم بحركة في وقت لا يتوقعه العدو. والمباغتة بالأسلوب أن تقوم بالقتال بأسلوب جديد أو بسلاح جديد.

3 - القصاص:

والقائد العبقري هو الذي يحاول أن يباغت خصمه حتى يقضي عليه ماديا ومعنويا، لأن المباغتة الناجحة تشلّ حركة العدو وتقضي عليه كليا. لقد طبّق الرسول صلّى الله عليه وسلم كل أساليب المباغتة؛ فقد رأينا كيف باغت الأحزاب بأسلوب جديد في القتال هو حفر الخندق، كما رأينا كيف أنه باغت قريشا بالقتال بأسلوب الصفوف في غزوة (بدر) الحاسمة. وفي غزوة بني قريظة باغت يهودا بالزمان في حركته بسرعة ما كانوا ليتوقعوها، فشلّ معنوياتهم واحتفظ بالمبادأة بيده حتى نهاية المعركة. وفي غزوة بني لحيان تحرك شمالا باتجاه الشام حتى لا يعرف بنو لحيان وقريش اتجاه حركته الحقيقية، وبذلك باغتهم بالمكان. إنّ المباغتة أهم مبادىء الحرب قديما وحديثا، وقد حرص المسلمون على تطبيق هذا المبدأ في أكثر غزواتهم، مما ساعدهم على النصر. 3- القصاص: القصاص العادل الذي أصاب بني قريظة بعد استسلامهم، يقرّه كلّ إنسان واقعي سليم التفكير منصفا. لقد طعن يهود المسلمين في أحرج وقت من أوقات محنتهم، ولو لم يكن هناك عهد بينهم وبين المسلمين لهان الخطب ولوجدنا بعض العذر لهم، ولكنّ أي عذر لهم وقد خانوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين في مثل تلك الظروف العصيبة؟ وأحب أن أتساءل: لو نجح الأحزاب في غزوة الخندق، فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟ ألم تكن عاقبة المسلمين الإبادة والتمثيل؟ فلماذا لا يبيدون الذين حاولوا معاونة أعدائهم على إبادتهم؟ لقد أفسح المسلمون المجال أمام بني قينقاع وبني النضير من يهود للجلاء الى (خيبر) والى ضواحي الشام، فماذا كانت النتيجة؟ أثار يهود الذي عفا عنهم النبي صلّى الله عليه وسلم الأحزاب وحشدوهم أمام خندق المدينة للقضاء على المسلمين.

ومع ذلك فالموقف جدّ مختلف بين موقف يهود الذين خانوا عهودهم في غزوة الخندق وبين يهود بني قريظة، إذ أن خيانة هؤلاء ونكثهم عهودهم كان في أحرج الأوقات وأشدها خطورة على مستقبل الاسلام والمسلمين ... فهل يبقي المسلمون سلما على بني قريظة أيضا ليقوموا بدور أسلافهم بني قينقاع وبني النضير؟ لقد كان بإمكان يهود بني قريظة ان يتخلصوا من القتل لو أعلنوا إسلامهم كما فعل ثلاثة رجال منهم، فنجوا بحياتهم وأموالهم. ولم يقض المسلمون بالقتل إلا على الرجال الذين قاتلوهم (فعلا) بعد أن خانوا عهودهم وعرّضوا المسلمين للإبادة، أما الأطفال والنساء فلم يصابوا بأذى، كما أن الذين ثبتوا على عهودهم من يهود لم يصابوا بسوء. والمرأة الوحيدة التي قتلت من بني قريظة هي التي قتلت مسلما بقذفه بالرحى من فوق سطحها، وإنما كان قتلها على جريمتها هذه لا بسبب آخر. أما قتل أبي رافع بن أبي الحقيق، فلأنه أحد رؤوس يهود الذين حرّضوا الأحزاب، وقتله كان عبرة لغيره من الذين يحاولون محاولته في المستقبل؛ وحتى قوانين الحرب الدولية الحديثة تجيز القتل في مثل هذا الموقف، فهذا اليهودي كان من بني النضير الذين أرادوا اغتيال الرسول صلّى الله عليه وسلم، فحاصرهم وتغلّب عليهم واضطرهم على الاستسلام، ثم سمح لهم بالرحيل بعيدا عن المدينة على ألا يعودوا الى قتاله أو التحريض عليه، فإذا نكث هذا بالعهد وحرّض الأحزاب على تطويق المدينة، وحرّض بني قريظة على نكث عهدهم مع المسلمين. إذا كانت هذه أعماله بعد أن أطلقه الرسول صلّى الله عليه وسلم مع قومه بعد استسلامهم، فمن حق المسلمين أن يقتلوه كمجرم حرب لا كمحارب شريف «1» .

_ (1) - راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. يطلق الأسير إذا اعطى كلمة (الشرف) بألا يقاتل الدولة التي اطلقت سراحه ولا يحرض على قتالها، فاذا اخل بكلمة الشرف التي اعطاها والتحق بالجيش ثم اسرته الدولة التي اطلقت سراحه، جاز محاكمته على إخلاله، والعقوبة في العادة هي الإعدام.

4 - العقيدة:

وما يقال عن ذلك يقال عن سرايا القصاص التي بعثها الرسول صلّى الله عليه وسلم لمحاسبة الغادرين الآخرين. لقد كان قصاص المسلمين من يهود ومن غيرهم ضروريا عادلا. 4- العقيدة: ظهر لنا في هذه الفترة من جهاد النبي صلّى الله عليه وسلم، أثر العقيدة في توحيد الصفوف للعمل للمصلحة العامة وحدها، وأثرها في اندفاع المسلمين كل يسابق أخاه الى الشهادة، وأثرها في جعل المسلم يحاسب نفسه على ما اقترفه من ذنب لا يعلم به أحد غيره من الناس. طلبت بنو قريظة من المسلمين حضور أبي لبابة بن عبد المنذر ليستشيروه، وقد كان أبو لبابة حليفا لهم في الجاهلية وصديقا شريفا لا يشكون في إخلاصه، فبعثه الرسول صلّى الله عليه وسلم إليهم؛ فاستقبله الرجال والنساء والأطفال بالبكاء والعويل، فأثر ذلك في نفسه انسانا. واستشاره يهود: أينزلون على حكم محمد؟ .. فقال لهم: (نعم) . وأشار الى حلقه كأنه ينبّههم الى أن مصيرهم الذبح. ولكنّ أبا لبابة أدرك لفوره أنه خان النبي صلّى الله عليه وسلم ب (إشارته) تلك، وأنه خضع لشعوره العاطفي لا لعقيدته الملتزم بها فيما وقع منه، فمضى هائما على وجهه نادما حتى وصل مسجد المدينة، فربط نفسه الى سارية فيه، وحلف: لا يفكّ نفسه حتى يتوب الله عليه. وبقي على حاله هذا متشفعا بالرسول صلّى الله عليه وسلم حتى تاب الله عليه. لم يعرف أحد ب (إشارة) أبي لبابة الى حلقه حين استشاره يهود في الاستسلام، ولم تكن إشارته هذه نتيجة تدّبر وتفكير، ومع ذلك لم يستر أبو لبابة فعلته هذه وأعلنها للناس جميعا وعاقب نفسه بنفسه عقابا صارما، مما يدّل على عقيدته الراسخة وإيمانه العميق.

وحكم سعد بن معاذ على بني قريظة بأن يقتل الرجال وتسبى الذرية وتقسم الأموال يدلّ على عقيدته الراسخة أيضا. لقد كان سعد سيد الأوس حلفاء بني قريظة في الجاهلية، وقد توقّع يهود أن تنفعهم هذه الصلة القوية عند الحكم عليهم، كما توقّع الأوس أيضا أن يتساهل سعد مع أصدقائهم وأصدقائه الأقدمين، بل استقبله الأوس حين قدومه للحكم هاتفين: يا أبا عمرو! أحسن في مواليك. وقد أحسنت الخزرج قبل ذلك في مواليها من يهود عندما استسلموا للمسلمين، فلماذا لا يحسن الأوس الى مواليهم مثلما أحسن الخزرج؟ ولكنّ سعدا صاح بقومه وقد أكثروا عليه الرجاء: (قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم) ... وأصدر سعد حكمه العادل غير متأثر بالأهواء بل بعقيدته الراسخة فقط وإيمانه العظيم. وماذا يعني دخول عبد الله بن عتيك وحده الحصن الذي يسكنه اليهودي أبو رافع بن أبي الحقيق في وسط أهله وعشيرته، وتعريض عبد الله نفسه للخطر الداهم، بينما أبقى أصحابه خارج الحصن في أمان؟ هل يعني هذا العمل إلا استئثار القائد لنفسه بالخطر دون أصحابه طمعا في الشهادة، وقد كان بإمكانه أن يبعث أحد أصحابه لينهض بهذا الواجب، ولكنه آثر أن ينهض بنفسه بهذا العمل كله، فنجح في القضاء على ابن أبي الحقيق، والتحق بأصحابه ليلا بعد أن كسرت رجله أثناء نزوله من سطح الحصن ... هذه الأمثلة التي ظهرت لنا في هذه الفترة من حياة المسلمين ومثلها كثير، تدلّ بوضوح على رسوخ العقيدة في نفوسهم، مما جعلهم يستهينون بكل شيء في سبيل عقيدتهم.

5 - القضايا الادارية:

5- القضايا الادارية: أ- الغنائم: قسّمت غنائم بني قريظة على المسلمين: سهم للراجل وثلاثة أسهم للفارس منها سهمان للفرس، وذلك تشجيعا للإكثار من الخيل لفائدتها الكبيرة في القتال، وبقي الخمس للرسول صلّى الله عليه وسلم لتوزيعه على المحتاجين، ولتأمين إعاشة وركوب وسلاح المجاهدين الذين لا يجدون ما ينفقونه على أنفسهم في الجهاد. لقد تحسّنت الحالة الاقتصادية للمسلمين بهذه الغنيمة، فاستطاعوا الاستغناء عن بعضها لشراء الخيل والأسلحة من نجد استعدادا للعمليات الحربية المقبلة. ب- الماء: عندما وصل المسلمون الى حصون بني قريظة، سيطروا على بئر تعود لبني قريظة بسرعة خاطفة للاستفادة من مائها في أيام الحصار. ولولا سرعة المسلمين في الاستيلاء على هذه البئر، لكان من المؤكدة أن تقوم قريظة بتغويرها حتى تحرم المسلمين من مياهها الضرورية لهم للصبر على القتال.

الفتح القريب (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) . (القرآن الكريم)

الفتح القريب

غزوة الحديبية «1» الموقف العام 1- المسلمون: في السنة الأولى من الهجرية عدل النبي صلّى الله عليه وسلم بقبلته عن المسجد الأقصى في مدينة القدس من فلسطين الى المسجد الحرام، فجعل المسلمون وجهتهم في الصلاة بيت الله الحرام بمكة المكرمة. وكان العرب يتّجهون الى المسجد الحرام منذ مئات السنين: يحجّون إليه في الأشهر الحرم، ويقدّسونه ويعبدون أصنامه؛ ولكنّ المسلمين كفروا بالأصنام بعد إيمانهم بالله، إلا أنهم لم يكفروا بالبيت العتيق. فلماذا لا يقصد المسلمون المسجد الحرام زائرين له معظمين حرمته، ليرى العرب المجتمعون بمكة المكرّمة قوّتهم وليتحدّثوا عن مكانة البيت الحرام الرفيعة في نفوسهم المؤمنة؟ إنّ ذلك سيزيد في قوّة المسلمين قوّة، وسيجعل قلوب المشركين تهوى إليهم، وسيشعرون بأنهم يظلمون المسلمين عند ما يمنعونهم من حج البيت والعمرة، وسيخفف كل ذلك من حقدهم على المسلمين وبغضائهم لهم، فلا تجتمع قلوبهم على حرب المسلمين أبدا. قرّر الرسول صلّى الله عليه وسلم الخروج الى مكة في شهر ذي القعدة الحرام من السنة السادسة الهجرية، وأوفد رسله الى القبائل من غير المسلمين يدعوهم للاشتراك

_ (1) - الحديبية: يقال بتخفيف الياء وبتشديدها، وهي قرية ليست بكبيرة، بينها وبين مكة مرحلة واحدة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل، ويقال إن بعضها من الحل وبعضها من الحرم، وسميت بذلك لبئر فيها تسمى الحديبية.

2 - المشركون ويهود:

للخروج الى الكعبة مع المسلمين لزيارتها وتعظيمها لا للقتال، حتى تعلم العرب كلها بأنه خرج في الشهر الحرام حاجا لا غازيا، فان أصرّت قريش على مقاتلته في الشهر الحرام ومنعته من أداء شعائر الحج والعمرة أسوة بالعرب الآخرين، لم تجد من العرب من يؤيدها في موقفها هذا، ولا من يعينها على قتال المسلمين، فتبقى وحدها وتفقد عطف حلفائها عليها، فلا تقوى على صدّ المسلمين وحدها ما لم يعاونها حلفاؤها من القبائل الأخرى. 2- المشركون ويهود: لم يبق من المشركين أية قبيلة تستطيع الصمود وحدها أمام قوات المسلمين، فليس أمام القبائل إلا حشد كل قواتها لتستطيع المقاومة في معركة غير مضمونة النتائج. ولا يمكن اجتماع قوات المشركين في صعيد واحد، إلا إذا استثيرت بحوافز حاسمة جدا: كالاعتداء على مقدساتها أو التعرّض بأموالها وذراريها؛ فقد اقتنعت هذه القبائل بأنّ المسلمين أصبحوا أمنع من أن يصيبوهم أو يصيبوا أموالهم بسوء. ولم يبق من يهود إلا يهود خيبر، وهؤلاء لا يقدمون على عمل ضد المسلمين إلا بعد أن يفكروا كثيرا، لئلا يكون مصيرهم مصير قريظة وبني النضير وقينقاع. قوات الطرفين 1- المسلمون: ستمائة وألف «1» مسلم بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم، معهم سبعون من القرابين، وسلاحهم السيوف بأغمادها.

_ (1) - ويقال: ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون رجلا. أنظر طبقات ابن سعد 2/ 95.

2 - المشركون:

2- المشركون: قريش وقسم من حلفائها المتردّدين، لأنهم لم يشاطروا قريشا رأيها في صدّ المسلمين عن البيت الحرام بعد أن جاءوا لتعظيمه لا للقتال. أهداف الطرفين 1- المسلمون: أ- إظهار قوة المسلمين لقريش وللقبائل المجتمعة للحج وسدة ضبطهم وطاعتهم للرسول صلّى الله عليه وسلم وتعلقهم بالدعوة وحرصهم على الدفاع عنها وحماية حرية نشرها لتكون كلمة الله هي العليا. ب- إظهار تعظيم المسلمين للبيت الحرام عمليا، حتى تتأكد العرب من ذلك عن يقين لا يتطرّق إليه الشك. 2- قريش: صدّ المسلمين عن البيت الحرام، حتى لا تتحدث العرب عن دخول المسلمين إليه عنوة، مما يقلّل من هيبة قريش واعتبارها المرموق بين القبائل العربية. الأعمال التمهيدية 1- الحصول على المعلومات: أ- المسلمون: لما وصل الرسول صلّى الله عليه وسلم الى (ذي الحليفة) «1» قلّد الهدي وأشعره «2» وأحرم بالعمرة.

_ (1) - ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، وهي ميقات اهل المدينة الذي يحرمون عنده للحج. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 329. (2) - قلد: وضع قلادة على الهدي، والهدي ما أهدي الى البيت وتقرب به الى الله، واشعره من الأفعال التي هي علامات الحج.

وأرسل رجلا من خذاعة ليستطلع له أمر قريش، فلما وصل (عسفان) «1» على بعد مرحلتين من شمال مكة عاد الخزاعي وأخبر المسلمين أنّ قريشا وقسما من حلفائها قد أجمعوا أمرهم على قتالهم ليصدوهم عن زيارة البيت الحرام. استشار النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه، فكان القرار النهائي: أن هدفهم من غزوتهم هذه هو زيارة البيت، ولن يقاتلوا إلا إذا صدتهم قريش عن هدفهم بالقوّة. ولكنهم رأوا خيل المشركين على مرمى النظر قريبا من (عسفان) ، فأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه بالحركة على طريق فرعية غربي الطريق العام، وكانت طريقا وعرة قطعها المسلمون بصعوبة، فتخلصوا بذلك من الاصطدام بالمشركين، حتى وصلوا (الحديبية) على بعد ثلاثة أميال شمال مكة، وعسكروا هناك. ب- المشركون: بلغ قريشا أمر حركة المسلمين، فخافوا أن يكون إدعاء المسلمين بأنهم جاءوا معتمرين لا مقاتلين حيلة حربية يقصد المسلمون من ورائها مباغتتهم والقضاء عليهم، فعقدوا لخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل على مائتي فارس مع قسم من المشاة، وتقدّم هذا الجيش ليحول بين الرسول صلّى الله عليه وسلم ومكة، ولكنّ فرسان قريش بوغتوا بانحراف المسلمين الى الطريق الفرعية وتملّصهم من الاصطدام بهم، فعادت قوات المشركين أدراجها لتدافع عن مكة قبل أن يصلها المسلمون. وجاء بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة الى قريش وأخبرهم أن محمدا جاء زائرا ولا يريد حربا، ولكنّ قريشا أجابت: (إن كان جاء لا يريد قتالا، فو الله لا يدخل علينا عنوة أبدا ولا تتحدّث بذلك عنا العرب) ...

_ (1) - عسفان: قرية أو منهلة بين المدينة ومكة على مرحلتين من مكة.

2 - المناوشات:

2- المناوشات: حاول قسم من متعصبي قريش أن يهاجموا معسكر المسلمين، وفعلا هجم ما يقرب من خمسين مشركا على المسلمين، ولكنّ المسلمين استطاعوا أسرهم جميعا، فأطلقهم الرسول صلّى الله عليه وسلم حتى يثبت نياته السلمية عمليا ولا يترك حجّة لقريش تتشبث بها لتجميع العرب ضد المسلمين. 3- المفاوضات الابتدائية: أ- المشركون: أرسلت قريش مكرز بن حفص ليرى موقف المسلمين، فعاد إليهم ليخبرهم أن محمدا لم يأت مقاتلا، وإنما جاء زائرا لهذا البيت. وأرسلوا بعده الحليس بن علقمة سيد الأحابيش «1» ، فلما رآه الرسول صلّى الله عليه وسلم قال: (إن هذا من قوم يتألهون (أي إنه متدين) فابعثوا الهدي أمامه ليراه) . رأى الحليس الهدي في الوادي فعاد الى قريش قبل أن يصل الى الرسول صلّى الله عليه وسلم إعظاما لما شاهد، وأخبرهم بما رأى، فأجابوه: (اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك) . فاستشاط الحليس غضبا وصاح: (يا معشر قريش! والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له؟ والذي نفس الحليس بيده لتخلّن بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد) ... فرجته قريش أن يكفّ عنها حتى تفكر في الأمر! ورأت قريش أن توفد عروة بن مسعود، وهو من سادات ثقيف وهو رجل

_ (1) - الأحابيش: أحياء من العرب رماة، سموا بذلك لاسودادهم أو نسبة الى حبشي (بضم الحاء وسكون الباء) جبل بأسفل مكة. وهم خلائط من العرب يتبعون كنانة بن خزيمة.

متزن حكيم، فكره عروة أن يعود من مفاوضة النبي صلّى الله عليه وسلم، فيسمعه رجال قريش ما يسوءه؛ فاعتذرت له قريش مؤكدة أنه عندهم غير متّهم، وأنها تطمئن الى حكمته وحسن رأيه؛ فخرج الى محمد صلّى الله عليه وسلم وذكر له أن مكة المكرمة بلده الحبيب وأن بها قومه وعشيرته، فلا يصح له مهاجمتها بمن جمع من أوشاب «1» الناس الذين سينكشفون عنه منهزمين إذا اشتد الخطب. فأجابه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أنحن ننكشف عنه) ؟! وعاد عروة الى حديثه مع الرسول صلّى الله عليه وسلم وجعل يمسّ لحية النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يكلّمه، فقرع المغيرة بن شعبة الثقفي «2» يد عروة وهو يقول: (أكفف يدك عن وجه رسول الله قبل ألا تصل إليك) ... وردّ النبي صلّى الله عليه وسلم على عروة بما يقطع لجاجته وينفي كل شبهة: (إنه لا يريد حربا وإنما يريد أن يزور البيت كما يزوره غيره) ... عاد عروة من اجتماعه بالرسول صلّى الله عليه وسلم الى قريش، وقد رأى ما يصنع به أصحابه: لا يتوضّأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه؛ فرجع الى قريش ليقول: (يا معشر قريش! إني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه؛ ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم) . عادت كل سفراء قريش إليها دون أن يتعرّض بهم أحد من المسلمين، وقد اطمأنوا جميعا الى نيّات المسلمين السلمية، مما جعل حلفاء قريش يقاومون فكرة القتال، بل كادت تنشب حرب أهلية بين متعصبي قريش ومنصفيها.

_ (1) - الأوشاب: الأخلاط. (2) - أنظر سيرته في: قادة فتح العراق والجزيرة 387- 411.

ب- المسلمون: بعث الرسول صلّى الله عليه وسلم خراش بن أمية الخزاعي الى أشراف قريش ليبلغهم عنه بما جاء له، فعقرت قريش ناقته وأرادت قتله، لولا حماية الأحابيش له، فخلّوا سبيله على مضض. وبعث الرسول صلّى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه الى قريش، فخرج برسالة النبي صلّى الله عليه وسلم، فلقيه أول ما دخل مكة إبان بن سعيد فأجار عثمان حتى يفرغ من تبليغ رسالته. وبلّغ عثمان ما جاء به لقريش. قالت قريش: (يا عثمان إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل) ... قال عثمان: (ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله، إنما جئنا لنزور البيت العتيق ولنعظّم حرمته ولنؤدي فرض العبادة عنده، وقد جئنا بالهدي معنا، فإذا نحرنا رجعنا بسلام) ... وأجابت قريش: بأنها أقسمت لن يدخل محمد مكة هذا العام عنوة. وطال الحديث وطال احتباس عثمان بن عفّان رضي الله عنه عن المسلمين، وترامى إليهم أن قريشا قتلته غيلة وغدرا. وحين بلغت هذه (الإشاعة) مسامع النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (لا نبرح حتى نناجز القوم) . ودعا النبي صلّى الله عليه وسلم الناس الى مبايعته، فبايعه المسلمون على الموت تحت الشجرة بيعة الرضوان؛ فلما أتمّ المسلمون البيعة ضرب الرسول صلّى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى بيعة لعثمان بن عفّان رضي الله عنه كأنه حاضر معهم. على أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يطل احتباسه، فان قريشا جزعت أن تصيبه بأذى وهو من سراتها بمكان، فعاد وأبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأن قريشا لم تبق عندهم ريبة في أنه وأصحابه جاءوا معظمين للبيت، ولكنهم لا يتركون

4 - المفاوضات النهائية:

المسلمين يدخلون مكة هذا العام عنوة، حتى لا تتحدّث العرب بأنهم هزموا أمام تهديد المسلمين وضغطهم. 4- المفاوضات النهائية: أرسلت قريش سهيل بن عمرو ليفاوض النبي صلّى الله عليه وسلم، على أن يتفق معه على رجوع المسلمين هذا العام عن مكة، فاستقبله الرسول صلّى الله عليه وسلم وهو أرغب ما يكون في موادعة القوم. وتكلّم سهيل فأطال، والمسلمون من حول النبي صلّى الله عليه وسلم يسمعون أمر هذه المحادثات ويضيق قسم منهم بأمرها صبرا، ولولا ثقة المسلمين بالنبي صلّى الله عليه وسلم ثقة لا حدود لها وإيمانهم العميق به لرفضوا الاتفاق مع قريش ولقاتلوهم حتى يدخلوا مكة عنوة؛ ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم بقي مسيطرا على أعصابه مالكا هدوءه؛ ولما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مغيظا من سير المفاوضات قال له: (أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره ولن يضيعني) ... ومما أثار حفيظة المسلمين صبر الرسول صلّى الله عليه وسلم أثناء كتابة العهد بين المسلمين وقريش، فقد دعا الرسول صلّى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال له: (أكتب بسم الله الرحمن الرحيم) . فقال سهيل: (أمسك! لا أعرف الرحمن الرحيم، بل اكتب باسمك اللهم) . قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (اكتب باسمك اللهم) . ثم قال: (اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو) . قال سهيل: (أمسك! لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك) ... قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله) ...

الهدنة

الهدنة «1» 1- نص وثيقة الهدنة: (باسمك اللهم! (هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو. اصطلحا على وضع

_ (1) - راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. 1- الهدنة: اتفاق يبرم بين الفريقين المتحاربين بوقف القتال مدة يتفق عليها فيما بينهما. والهدنة إما هدنة عامة أو هدنة محلية او جزئية. فالهدنة العامة يسري وقف القتال فيها على جميع القوات المتحاربة ويشمل جميع مناطق القتال. والهدنة المحلية او الجزئية هي التي يقتصر وقف القتال فيها على بعض القوات المتحاربة دون بعضها الآخر. 2- شروط الهدنة وآثارها: تعقد الهدنة في العادة كتابة ولكن لا يوجد ما يمنع قانونا من عقدها شفهيا، وينص عقد الهدنة على مبدأ قيامها وانتهائها، ويتوقف القتال خلال إعلان الهدنة كما ينص بعبارة واضحة على شروط الهدنة. 3- نقض الهدنة وانتهاؤها: اختلف الشراح فيما بينهم على الآثار المترتبة على حصول إخلال من أحد الطرفين بعقد الهدنة، وحق الفريق الآخر بنقضها لهذا السبب. والعودة الى اعمال القتال مباشرة. وكان من رأي فريق من الشراح ان أي إخلال يقع من احد الطرفين بما يجب عليه من الهدنة، يبيح للطرف الآخر العودة الى اعمال القتال مباشرة دون سابق إنذار. أما الشراح المحدثون، فيرون ان حصول الإخلال يبيح للطرف الآخر أن يعلن الطرف المخل بنقض الهدنة ولا يبيح له العودة الى اعمال القتال مباشرة. وتنتهي الهدنة بانتهاء المدة المحددة لها، فاذا لم ينص في اتفاقية الهدنة على تاريخ معين لانتهائها، جاز لكل من الطرفين استئناف القتال بعد اعلان الطرف الآخر وفقا لما هو منصوص عليه في الاتفاقية من الشروط.

2 - أهم بنود الهدنة:

الحرب عن الناس عشر سنين؛ يأمن فيها الناس ويكفّ بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردّوه إليه. (وأن بيننا عيبة مكفوفة «1» ، وأنه لا إسلال «2» ولا إغلال «3» ، وأنه من أراد أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه. (وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه اذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك، فأقمت بها ثلاثا: معك سلاح الراكب؛ السيوف في القرب، لا تدخلها بغيرها) . 2- أهم بنود الهدنة: أ- اعتراف قريش بالمسلمين طرفا مساويا لها. ب- فتح المجال للرسول صلّى الله عليه وسلم لعقد محالفات مع القبائل التي لم تكن تطمئن لمحالفته: لقوة قريش، بوجود الكعبة في مكة المكرمة. وخير دليل على ذلك إعلان خزاعة حلفها للرسول صلّى الله عليه وسلم بعد هذا الصلح مباشرة. ج- تيسر الوقت للمسلمين لنشر دعوتهم بأمان «4» . د- السماح للمسلمين بزيارة البيت الحرام بعد عام والبقاء بمكة ثلاثة أيام. هـ- إنها لوثيقة تجلّت فيها روح الحكمة من رسول موهوب، وقائد عظيم، ولئن كانت قريش قد أحسّت بها بعض اللين من جانب الرسول صلّى الله عليه وسلم فقد فاتهم ان هذا اللين هو إرهاص ليوم فتح قريب.

_ (1) - عيبة مكفوفة: المراد هو اننا نكف عنك وتكف عنا. (2) - الإسلال: السرقة الخفية. (3) - الإغلال: الخيانة. (4) - كانت مدة الهدنة عشر سنين في رأي اكثر مؤرخي السيرة، وسنتين في رأي الواقدي.

دروس من الحديبية

دروس من الحديبية 1- توخّي الهدف: توخي الهدف مبدأ من مبادىء الحرب المهمة، وهو أن نعرف هدفنا تماما ونفكر بأقوم الطرق لتحقيقه، ثم نقرّر خطة مناسبة للحصول عليه وننفذ تلك الخطة جاعلين هدفنا الرئيس وحده نصب أعيننا دون أن تعيقنا أو تغيّر من خطتنا الأهداف الثانوية الأخرى. وقد برز مبدأ توخي الهدف لدى الرسول صلّى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية بأجلى مظاهره حتى يمكن أن تكون دروس هذه الغزوة من أروع الأمثلة المفيدة للذين يريدون أن يفهموا معنى توخي الهدف. قرّر الرسول صلّى الله عليه وسلم منذ مغادرته المدينة ألا يحارب قريشا، بل يبذل كل جهده للتفاهم معها، إلا اذا لم يجد مناصا من القتال ... ووضع هذا الهدف نصب عينيه دائما. خرج محرما، واستصحب أسلحة الراكب وهي السيوف في القرب؛ فلما علم من دوريات استطلاعه اعتزام قريش على قتاله، أصرّ على (السلم) ، فخرج عن الطريق العام الى طريق فرعية وعرة شديدة الوعورة، مما جعل أصحابه يكابدون المشقات عند قطعها؛ ولم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلم يهدف من الخروج عن الطريق العام إلا التملص من اصطدام أكيد بطلائع قريش، لأن المكوث في موضع (عسفان) الذي وصله المسلمون، يؤدي الى اصطدام الفريقين، لاندفاع خيالة قريش أمام قواتها الأصلية واقترابها من مواضع المسلمين. ولو انسحبت قوات المسلمين إلى الخلف باتجاه المدينة، لطاردتهم قوات قريش أيضا، وفي هاتين الحالتين سيحصل الاصطدام الذي لا يريده الرسول صلوات الله وتسليمه عليه.

ولكن خروجه عن الطريق العام الى طريق فرعية باتجاه مكة، جعل طلائع قريش تضطر الى الاسراع في العودة أدراجها للدفاع عن مكة، لأن المسلمين هدّدوها تهديدا مباشرا وأصبحوا قريبين منها. ولم تكن حركة المسلمين على هذه الطريق خوفا من قوات قريش، لأن الذي يخاف عدوه لا يقترب من قاعدته «1» الأصلية وهي مركز قواته، بل يحاول الابتعاد عن قاعدة العدو الأصلية حتى يطيل خطوط مواصلات «2» العدو، ويذلك يزيد من صعوباته ومشاكله ويجعل فرصة النصر أمامه أقلّ من حالة الاقتراب من قاعدته الأصلية. وعندما وصل الرسول صلّى الله عليه وسلم (الحديبية) بقي مصرا على هدفه (السلام) الذي لم ينسه قط: أفسح المجال لمفاوضي قريش بالقدوم الى معسكر المسلمين في كل وقت للتأكد من نيات المسلمين السلمية، وأرسل مفاوضين من المسلمين ليؤكدوا للمشركين صدق نياتهم السلمية. وعندما هاجم قسم من المشركين معسكر المسلمين ورموهم بالنبل، حاول المسلمون حينذاك أن يلقوا القبض على المهاجمين دون أن يوقعوا بهم خسائر بالأرواح أو بالأموال؛ فاستطاعوا فعلا تطويقهم والقبض عليهم، ثم أطلقوا سراحهم وأعادوهم الى قريش دون أن يلحقوا بهم أي أذى. ألا يدل ذلك على إصرار الرسول صلّى الله عليه وسلم على التفاهم مع قريش وإحلال السلم بين الطرفين؟ لقد لاحظنا في هذه الغزوة دون غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلم الأخرى، أنه لم يستشر أصحابه في عقد الهدنة واستقلّ هو برأيه، وسبب هذا الإصرار على

_ (1) - القاعدة: هي المنطقة التي يستند اليها الجيش قبل شروعه في العمليات الحربية، والقاعدة نوعان: قاعدة العمليات وقاعدة التموين، وتتوحدان على الأغلب ويندر ان تكونا منفصلتين. (2) - خطوط المواصلات: هي الخطوط التي تربط الجيش بقاعدته.

2 - الضبط:

الرأي واضح جدا، فقد كان قرار الرسول صلّى الله عليه وسلم في التشبث بالتفاهم مع قريش نهائيا وحاسما، ولا يحتاج مثل هذا القرار الى استشارة أحد. إن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان يتوخى من التفاهم مع قريش أهدافا بعيدة جدا ليس من مصلحة الدعوة ولا من مصلحة المسلمين الإخبار عنها، وقد ظهرت أهدافه فيما بعد. كانت قوات المسلمين في الحديبية ستمائة وألف رجل، فأصبحت قواتهم يوم فتح مكة بعد عامين عشرة آلاف رجل ... وشتان بين العددين ... وهذا بعض ما في صلح الحديبية من فوائد للمسلمين. فهل كان بامكان الإسلام أن ينتشر بهذه السرعة في مثل تلك الظروف، لو لم تضع الحرب أوزارها بعض الوقت ويتهادن الطرفان؟ 2- الضبط «1» : لا أكاد أقرأ تفاصيل غزوة (الحديبية كما ترويها كتب السيرة، إلا وأهتف من صميم نفسي: ما أعظم الضبط الذي كان يتحلى به الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه حينذاك! لم يكن موقف الرسول صلّى الله عليه وسلم والمسلمين سهلا أثناء مفاوضات الهدنة وبعدها حتى عودتهم الى المدينة المنورة، فقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يعرف أهدافه القريبة والبعيدة ويعمل لتحقيقها بصبر وأناة وإصرار، ولكنّ كيف السبيل الى إفهام كل تلك الأهداف للمسلمين في مثل تلك الظروف؟

_ (1) - الضبط: اصطلاح عسكري يقصد به الحالة العقلية التي تساعد الفرد على عمل واجبه باعتبار أنه ملزم بأدائه سواء كان مراقبا أو غير مراقب. أو القدرة على حبس بعض الانفعالات غير الاعتيادية كالخوف والغضب والجوع ... الخ. وإنجاز العمل المطلوب بحرص وأمانة وإخلاص في الحالات الصعبة.

أما المسلمون، فما أصعب موقفهم! ... لم يكن أحد منهم يشك في دخول مكة، فانهارت آمالهم أثناء المفاوضات. ولم يكن أحد يفهم ما يبرّر الهدنة، فشاهدوا هذه الهدنة تصبح أمرا مفروغا منه. وكانت عقيدتهم تطغى على كل شيء سواها، فوجدوا إخوانهم المستضعفين من المسلمين يردّون الى المشركين ليفتنوهم عن دينهم. ولو كان المسلمون ضعفاء أو يشعرون بالضعف لهان الخطب، ولكنهم كانوا أقوياء ماديا ومعنويا، فكيف يقتنعون بالهدنة في شكلها وأسلوبها الذي كان؟ بينما كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يكتب عقد الهدنة، جاء الى المسلمين أبو جندل- وهو ابن سهيل بن عمرو ممثل قريش في المفاوضات- يرسف في الحديد، فقد اعتنق الإسلام فلقي العذاب من أهله المشركين. فلما رأى سهيل ابنه ضرب وجهه وجعل يجرّه ليرده الى قريش، وأبو جندل يصيح بأعلى صوته: (يا معشر المسلمين، أأردّ الى المشركين يفتنونني عن ديني) ؟! ليس من السهل احتمال المسلمين لمثل هذا الموقف حينذاك. ولكنهم احتملوه صابرين، على الرغم من بعض التذمر الخافت الذي كان يخالج بعض نفوس المسلمين، والذي كان يثيره حرصهم الشديد على عزة الإسلام. إن ضبط الرسول صلّى الله عليه وسلم أعصابه أثناء المفاوضات وبعدها على الرغم من تذمر بعض المسلمين. وضبط المسلمين أعصابهم في مثل ذلك الموقف على الرغم من حنق بعضهم على المفاوضات والهدنة، كل ذلك يدل على تحلي المسلمين حينذاك بالضبط المتين بشكل يدعو الى الإعجاب الشديد.

3 - الحياد المسلح:

3- الحياد المسلح «1» : ما كاد عهد (الحديبية) يبرم حتى حالفت خزاعة محمدا صلّى الله عليه وسلم وحالفت بنو بكر قريشا؛ فربح المسلمون حليفا قويا له أهمية خاصة لقرب دياره من قريش. لقد كانت خزاعة تميل قلبيا الى المسلمين قبل اليوم، وكان الاسلام قد انتشر بين أفرادها، ولكنها لم تستطع أن تحالف المسلمين قبل هذه الهدنة، لأن ذلك يهدّد مصالحها الدينية لوجود البيت الحرام بمكة التي تسيطر عليها قريش، هذا بالإضافة الى تهديد مصالحها الأخرى. والهدنة حرمت يهود (خيبر) من الأمل في معاونة قريش لها، وقريش هي ألد أعداء المسلمين وذلك حين يأتي موعد محاسبة المسلمين ليهود. والهدنة جعلت المنطقة الجنوبية (جنوب المدينة) أمينة بالنسبة للمسلمين، وكانت هذه المنطقة أخطر ما يهدد الدعوة، لأن فيها قبائل قوية ذات حضارة وعقيدة، بينما كانت قبائل الشمال حتى حدود العراق والشام بدوية ممعنة في البداوة. فإذا أمّنت هذه الهدنة الاستقرار الذي جعل الإسلام ينتشر بسرعة فائقة، وأمنت القوة والمنعة للمسلمين، فماذا أمنت لقريش؟ توخت قريش أهدافا سطحية دفعتها اليها العصبية الجاهلية: هي ردّ المسلمين عن زيارة البيت الحرام هذا العام ليعودوا لزيارته في العام المقبل، وردّ الذين يسلمون من قريش بدون رضى أوليائهم، حتى لا يكثر عدد المسلمين؛

_ (1) - الحياد المسلح: معنى الحياد في القانون الدولي، الحالة القانونية التي توجد فيها الدولة التي لا تشتبك في حرب قائمة وتستبقي علاقاتها السلمية مع الطرفين المتحاربين، والحياد المسلح كالحياد العادي، إنما يتميز عن الحياد العادي بما يصدر عن الدولة المحايدة من إعلان عزمها على استعمال القوة للمحافظة على حيادها ومنع الدول المحاربة من الاخلال به.

وأن ينالوا بهذه الهدنة الاستقرار ليتفرغوا لتجارتهم، وهذا أهم هدف حيوي بالنسبة لقريش. فماذا كانت النتيجة؟ وفد أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية من مكة الى المدينة مسلما بغير رأي مولاه وهو ثقفي حليف لبني زهرة، فكتب أزهر بن عوف والأخنس بن شريق الى النبي صلّى الله عليه وسلم كي يرده، وبعثا بكتابهما مع رجل من بني عامر ومعه مولى لهما. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (يا أبا بصير! إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، فانطلق الى قومك) ... قال أبو بصير: (يا رسول الله! أتردّني الى المشركين يفتنونني في ديني) ؟ فكرّر الرسول صلّى الله عليه وسلم عليه قوله الأول. انطلق أبو بصير مع الرجلين، حتى اذا كان بذي الحليفة «1» ، سأل حارسه العامري أن يريه سيفه، وما أن استوت قبضته في يده حتى علا به العامري، فقتله؛ فعاد المولى يعدو ناحية المدينة، حتى أتى النبي صلّى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: (قتل صاحبي) ! ثم ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف موجها الحديث الى الرسول صلّى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! وفت ذمتك وأدّى الله عنك. أسلمتني الى القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يعبث بي) . لم يخف الرسول صلّى الله عليه وسلم إعجابه به وتمنيه لو كان معه رجال، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم لأصحابه عن أبي بصير: (ويل أمه! مسعر حرب لو كان معه رجال) !

_ (1) - ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أو سبعة أميال، وهي ميقات أهل المدينة الذي يحرمون عنده للحج.

أدرك أبو بصير أنه لا مقام له في المدينة ولا مأمن له في مكة، فانطلق الى ساحل البحر الى ناحية تدعى (العيص) «1» وشرع يهدد قوافل قريش المارة بطريق الساحل أهم طرقها الى الشام. وسمع المسلمون بمكة عن مقام أبي بصير وعن كلمة الرسول صلّى الله عليه وسلم فيه: (مسعر حرب لو كان معه رجال) ! فتجمعوا حول أبي بصير في مكمنه يشدون إزره، حتى اجتمع إليه قريب من سبعين مسلما فيهم أبو جندل بن سهيل ابن عمرو. وألّف هؤلاء المعذبون في الأرض الناقمون على المشركين المستقتلون في سبيل عقيدتهم الذين لا ملجأ لهم إلا سيوفهم، وقد فروا من أهلهم وأموالهم بعقيدتهم وإيمانهم، ألّف هؤلاء قوة مغاوير «2» لا تمر قافلة لقريش إلا اغتنموها ولا يرون رجلا من قريش إلا قتلوه. وإذا بقريش تبعث الى الرسول صلّى الله عليه وسلم تسترحمه وتناشده الرّحم أن يؤوي إليه هؤلاء المسلمين الذين ضيّقوا عليها الخناق، فلا حاجة لها بهم. وبذلك نزلت قريش طائعة عن الشرط الذي اعتبرته نصرا لها واعتبره المسلمون شرطا لا يناسب كرامتهم على أقل تقدير. وهكذا حافظ المسلمون على عهودهم كلها، وانصرفوا الى نشر دعوتهم، بينما استمر مشردو المسلمين في التعرض على قريش، وهكذا بقي المسلمون محايدين وبقي الفارون بدينهم من قريش والقبائل الموالية لها مقاتلين؛ وبذلك تمّ الحياد المسلّح في أقوى مظاهره للإسلام.

_ (1) - العيص: موضع من ناحية ذي المروة على ساحل البحر الأحمر بطريق قريش التي كانوا يسلكونها من مكة الى الشام في تجارتهم. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 6/ 248. (2) - المغاوير: جمع مغوار، والمغوار هو الفدائي، يقابل كلمة Commando: الانكليزية.

4 - حرب الدعاية:

4- حرب الدعاية: شنّ المسلمون على قريش بخروجهم لزيارة البيت العتيق، أضخم حرب للدعاية التي هي من أهم أركان الحرب الباردة. لقد أظهروا تعظيمهم للبيت الحرام بصورة عملية لا تقبل الشك والمماراة، فتسامع العرب بذلك؛ فلما أصرّت قريش على رجوع المسلمين دون زيارة المسجد الحرام، اعتبر العرب قريشا ظالمة للمسلمين، إذ ليس لها أن تحرم أحدا جاء لتعظيم البيت وزيارته. وقد رأيت كيف أن قريشا أرسلت الحليس بن علقمة لمفاوضة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلما رأى الهدي في الوادي، عاد أدراجه دون أن يقابل النبي صلّى الله عليه وسلم وأخبر قريشا بما رأى وهدّدهم أعنف تهديد. بل إن هذه الدعاية كادت أن تثير حربا أهلية داخل مكة بين قريش نفسها من جهة وبين قريش والأحابيش من جهة أخرى. أما عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد استطاع أن يتصل بالمسلمين في مكة حين بعثه الرسول صلّى الله عليه وسلم لمفاوضة قريش ويوجههم الى أهداف الإسلام الحيوية. لقد كانت غزوة الحديبية حرب دعاية من الطراز الأول. نتائج الحديبية 1- أهم نتائج غزوة الحديبية هي ما يأتي: أ- اعتبار المسلمين طرفا مساويا لقريش، وهذا أول اعتراف بالدولة الإسلامية من أشد أعدائها وأقواهم في الحجاز. لقد كانت قريش تعتبر المسلمين من قبل عصاة شقوا عليها عصا الطاعة، ولم تكن تعتبرهم ندا لها قدرا وقيمة وقوة ومكانة.

ب- أصبح المجال مفتوحا أمام الرسول صلّى الله عليه وسلم لمحالفة القبائل التي لم تكن تطمئن الى محالفته، لقوة قريش ولوجود الكعبة في مكة، وبذلك قوي جانب المسلمين وكثر حلفاؤهم وازدادت قوتهم الضاربة. ج- التفريق بين قريش وحلفائها الطبيعيين يهود خيبر الذين كانوا لا ينفكون يحرّضون القبائل على الرسول صلّى الله عليه وسلم. د- الاستقرار الذي أمّن التفرّغ للدعوة وانتشار الإسلام. هـ- نجاح المسلمين في الحصول على الحياد المسلح: المسلمون محايدون ومشردوهم الذين فروا بدينهم من قريش وحلفائها مسلحون يقاتلون. وإثارة المسلمين للرأي العام ضد قريش لصدّها المسلمين عن زيارة البيت الحرام وتعظيمه، مما أكسب المسلمين عطف كثير من القبائل وكثير من قريش نفسها وكثير من أهل المنطقة المجاورة لقريش، مما سهّل عملية فتح مكة عليهم فيما بعد. 2- هذه هي نتائج (الحديبية) ، وهي بعض أهداف الرسول صلّى الله عليه وسلم البعيدة التي لم يستطع المسلمون إدراكها في حينه، فلما عادوا الى المدينة واستقر بهم المقام هناك ورأو بعض تباشير هذه النتائج، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه معبرا عن رأي المسلمين: (لم يجلب نصر للإسلام ما جلب صلح الحديبية) . ثم نزل في هذا النصر قول الله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) «1» . وبدأ المسلمون حينذاك يلمسون بعد نظر الرسول صلّى الله عليه وسلم وتباشير ما بشّرهم به من فتح قريب.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الفتح 48: 1.

فترة الهدنة (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ، فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) . (القرآن الكريم)

فترة الهدنة

ثمرات الحديبية الموقف العام 1- المسلمون: أتاح الاستقرار الذي كان من ثمرات هدنة الحديبية للمسلمين، التفرّغ للتبشير بالدعوة الإسلامية داخل شبه الجزيرة العربية كلها وخارجها، فأوفد الرسول صلّى الله عليه وسلم دعاته الى الملوك والأمراء والرؤساء النابهين يدعوهم الى الإسلام. وقد أصبحت المنطقة الكائنة جنوب المدينة أمينة بالنسبة للمسلمين، ولم يبق أمام الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد الحديبية غير خصمين: يهود في منطقة (خيبر) وما حولها، والأعراب في شمال المدينة المنورة. وكان الموقف يتطلب القضاء على هذين الخصمين ليتفرغ المسلمون بعد إكمال حشد قواتهم الى خصمهم الأكبر: قريش، والى هدفهم الرئيس: مكة المكرمة. 2- المشركون: لقد كسدت تجارة قريش قبل الهدنة، فأرادت بعد عقدها أن تعود الى إرسال قوافلها التجارية على طريق مكة- الشام، بعد أن حرمت من سلوكها مدة طويلة. وفعلا تحركت قوافلها الى الشام، ولكن أبا بصير وأصحابه المغاوير «1»

_ (1) - ترجمة لكلمة Commando الانكليزية.

3 - يهود:

الذين ردّهم المسلمون الى قريش تنفيذا لشروط هدنة الحديبية؛ حدّدوا حرية حركة قواقل قريش الى الشام، فأخذوا يتعرضون بكل قافلة تمر بهم فيقضون على حراسها ويعبثون بأموالها، بعد أن تركوا أهلهم وأموالهم بمكة، وآثروا الجهاد دفاعا عن عقيدتهم على العودة الى أهليهم وذويهم. ولم تنعم قريش بنعمة الاستقرار إلا بعد أن سألت الرسول صلّى الله عليه وسلم بإلحاح شديد أن يؤوي إليه أبا بصير وأصحابه متنازلة بمحض إرادتها للمسلمين عن شرط الهدنة، الذي يقضي بردّ المسلمين الذين يقصدون المدينة بدون موافقة أوليائهم الى قريش. 3- يهود: استمرّ يهود (خيبر) وما جاورها على تحريض القبائل وجمع الأحلاف ضد المسلمين وقذف الإسلام بالنهم الباطلة وإيواء أعداء المسلمين والغدر بالمسلمين كلما وجدوا الى ذلك سبيلا. لقد كانوا موطن خطر يتهدد المسلمين في شمال المدينة المنورة، وقد حرمتهم الهدنة من معاونة قريش، فاستمالوا غطفان لمعاونتهم عندما يتهدّدهم خطر المسلمين. إنهم ينظرون الى مصلحتهم الخاصة، ولا يبالون لكي يحصلوا عليها أن يستخدموا أية وسيلة ... الهدف الحيوي للمسلمين إكمال حشد قوى المسلمين استعدادا لمعركة الإسلام الحاسمة ضد قريش.

غزوة خيبر

غزوة خيبر «1» 1- أسباب الغزوة: أ- أسباب مباشرة: القضاء على تحريض القبائل العربية يهود ضد المسلمين. ب- أسباب غير مباشرة: القضاء على يهود نهائيا في منطقة المدينة المنورة للتخلص من أقوى أعداء المسلمين في المنطقة الشمالية، ولتكون تلك المنطقة أمينة عندما يحين موعد محاسبة قريش. 2- قوات الطرفين: أ- المسلمون: ستمائة وألف رجل بينهم مائتا فارس بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم، وهي القوات التي حضرت غزوة (الحديبية) . ب- يهود: يهود خيبر الذين يقدّرون بألف وأربعمائة نسمة بقيادة سلّام بن مشكم. 3- الهدف: القضاء على يهود للتخلص من المشاكل الخطيرة التي يعملون على خلقها وإثارتها ضد المسلمين.

_ (1) - خيبر: ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام. يطلق هذا الاسم على الولاية، وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير. وأسماء حصونها: حصن ناعم، والقموص، والشق، وحصن النطأة، وحصن السلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة. أما لفظ خيبر فهو بلسان يهود، معناه: الحصن. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 495. وخيبر: نسبة الى خيبر بن مهلهل من العمالقة، وخرجت منه قبيلة خيبر التي اعتنقت اليهودية.

4 - سير الحوادث:

4- سير الحوادث: أ- الأعمال التمهيدية: أقام الرسول صلّى الله عليه وسلم حوالي الشهر الواحد في المدينة المنورة بعد عودته من (الحديبية) ، ثم تحرّك بأصحابه الى مواضع (الرّجيع) من أرض غطفان، ليحول بين تعاون يهود خيبر وغطفان حلفائهم في قتال المسلمين؛ إذ استطاع يهود أن يضمنوا معاونة غطفان لهم إذا داهمهم الخطر، وبهذه الحركة استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم إيهام غطفان بأن الهجوم موجّه ضدهم وأن قوات المسلمين توشك أن تطوّقهم. وعاد الرسول صلّى الله عليه وسلم الى خيبر، ولكنه أرسل مفرزة من أصحابه لمباغتة ديار غطفان بعد أن تركتها قوات غطفان الضاربة لمعاونة يهود. ونجحت هذه المفرزة في إلقاء الرعب في ديار غطفان، مما اضطر هذه القبيلة الى الإسراع بالعودة الى ديارها لحمايتها من تهديد المسلمين، وتركت يهودا وحدهم أمام المسلمين. وهكذا نجحت خطة الرسول صلّى الله عليه وسلم في عزل يهود عن غطفان حلفائهم. ب- القتال: وصلت قوات المسلمين قرية (خيبر) ليلا، فلم يعرف يهود أنهم أصبحوا مطوّقين بقوات المسلمين إلا عند خروج قسم من الفلاحين صباحا ليباشروا أعمالهم، فلما رأوا جيش المسلمين عادوا أدراجهم «1» .

_ (1) - راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي: الحصار: الإحاطة بقرية أو بلد، سواء كانت محصنة أم غير محصنة مدافعا عنها أم غير مدافع، لمنع الدخول والخروج منها حتى تضطر الى التسليم. ولا يؤثر على هذه القاعدة، إن من نتائج الحصار تجويع سكان المنطقة غير المقاتلين من النساء والأطفال، بل ليس من واجب القوات المحاصرة إخطار أهل المنطقة بالحصار المزمع لتمكين المدافعين من إخلائها منهم، ولا من واجبها أن تسمح لهؤلاء بالخروج إذا طلب إليها ذلك، لأن بقاء هذا الفريق الكبير من المدنيين مع المدافعين عن المنطقة المحاصرة يزيد في متاعبها ويعجل في التسليم. وليس هناك مانع من أن يقوم المحاصرون بإجراءات أخرى تعجل في سقوطها، كقطع موارد المياه ومهاجمتها بالسلاح.

وبدأ قتال المدن والأحراش بين المسلمين ويهود، ولم يكن هذا القتال سهلا، لأن (خيبر) محصّنة تكتنفها البساتين، ولأن يهود خيبر أقوياء مسلحون أغنياء. أدخل يهود أموالهم وعيالهم حصني (الوطيح) و (السلالم) ، وأدخلوا ذخائرهم حصن (ناعم) ، ودخلت قواتهم حصن (نطأة) . وابتدأ هجوم المسلمين بشدة من أول يوم للتأثير على معنويات يهود، حتى بلغ عدد جرحى المسلمين في هذا اليوم خمسين جريحا. وخرجت مفرزة من يهود لمقاتلة المسلمين بالعراء بقيادة الحارث بن أبي زينب بعد أن قتل سلّام بن مشكم، ولكنّ الخزرج اضطروهم بهجوم مضاد الى الالتجاء الى حصونهم. واستمات المسلمون في الهجوم، واستمات يهود في الدفاع، إذ كانوا يعلمون علم اليقين أن اندحارهم معناه القضاء الأخير عليهم في شبه الجزيرة العربية. ركز المسلمون هجومهم الرئيس على حصن (ناعم) وبقيت قوات المسلمين الثانوية تشاغل الحصون الأخرى، كي تمنع قوات يهود من التعاون فيما بينها وتحرمها من معرفة اتجاه الهجوم الرئيس للمسلمين. واستمر الهجوم العنيف على حصن (ناعم) ثلاثة أيام: بقي يهود داخل الحصن في اليومين الأولين، وخرجوا منه في اليوم الثالث للقتال خارجه بعد تشديد الحصار عليهم في اليومين السابقين، فانتهز المسلمون فرصة خروجهم ودارت حول الحصن معركة في العراء قتل فيها قائد يهود الحارث بن أبي زينب، فاستسلم حصن (ناعم) المنيع للمسلمين. أثّر سقوط هذا الحصن في معنويات يهود، فاستسلم بعده حصن (القموص) بعد قتال عنيف، ولكنّ إعاشة المسلمين نفدت، فوجهوا هجومهم الرئيس على حصن الصعب بن معاذ الذي كان يهود قد كدّسوا فيه أرزاقهم وكثيرا من

5 - خسائر الطرفين:

المواد الغذائية، فاستطاعوا الاستيلاء على هذا الحصن، واستفادوا من مواد الإعاشة المتيسرة فيه، مما خفف عنهم وطأة المشكلة الإدارية. واستمات يهود بعد ذلك في الدفاع عن حصونهم الأخرى، والحق أن دفاعهم عن حصونهم كان دفاعا مستميتا! وركز المسلمون هجومهم على حصن (الزبير) ، ولكنه استعصى عليهم؛ فقرروا قطع الماء عنه، وبذلك اضطروا يهود المدافعين فيه على الخروج عنه، فقاتلهم المسلمون في العراء وقضوا على أكثرهم، وألجأوا الباقين من يهود الى الفرار. وأخذت الحصون تسقط بالتعاقب بيد المسلمين، حتى سقطت الحصون كلها إلا حصني (الوطيح) و (السلالم) ، وكانا آخر حصنين منيعين ليهود. وتجمعت قوات المسلمين كلها حول هذين الحصنين، وضيّقوا الحصار عليهما، وحين ذاك طلب يهود الصلح على أن يحقن المسلمون دماءهم. وقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم استسلامهم بشرط حقن دمائهم، وأبقاهم على أرضهم على أن يكون لهم نصف ثمرها مقابل عملهم فيها، لأن موقف المسلمين لم يكن يساعد على الاستغناء عن قسم من قواتهم لزراعة الأرض. لقد كانوا بحاجة الى كل قادر على حمل السلاح للدفاع عن الإسلام. 5- خسائر الطرفين: أ- المسلمون: واحد وعشرون شهيدا مع كثير من الجرحى. أنظر الملحق (ح) . ب- يهود: كانت خسائرهم في الأرواح كبيرة جدا، كما خسروا أموالهم وأملاكهم.

نهاية يهود في شبه الجزيرة العربية

نهاية يهود في شبه الجزيرة العربية 1- يهود فدك «1» : بعث الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد انتهاء معركة (خيبر) الى أهل (فدك) من يهود يدعوهم الى الاسلام أو الاستسلام للمسلمين، وكانت معنوياتهم ضعيفة جدا فصالحوا المسلمين بنفس شروط (خيبر) دون قتال. 2- يهود وادي القرى «2» : عاد المسلمون الى المدينة على طريق (وادي القرى) فأنجز يهود هناك استحضاراتهم للقتال. ونشبت معركة محدودة استمرت بضع ساعات انتهت باستسلام يهود للمسلمين، حيث فتحت (وادي القرى) أبوابها عنوة فصالحهم الرسول صلّى الله عليه وسلم على ما صالح عليه يهود (خيبر) . 3- يهود تيماء «3» : استسلم يهود (تيماء) بدون قتال للمسلمين بنفس شروط يهود خيبر أيضا. 4- النتائج: القضاء على يهود عسكريا في شبه الجزيرة العربية.

_ (1) - فدك: قرية في الحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 6/ 342. وهي في شمال المدينة على طريق المدينة- تبوك- الشام. (2) - وادي القرى: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 375. (3) - تيماء: بلد في أطراف الشام بين الشام ووادي القرى. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 442. وتقع في شمال الحجاز.

سرايا تأديب الأعراب

سرايا تأديب الأعراب 1- الهدف: توطيد الأمن في المنطقة الشمالية للمدينة المنورة بصورة خاصة، ومنع غارات الأعراب على المدينة، وحماية الدعاة من غدر القبائل. 2- الحوادث: راجع الملحق المرفق، الملحق (ط) . أ- سرية عمر بن الخطاب الى تربة «1» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع الهجرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ثلاثين رجلا الى عجز هوازن بتربة؛ فخرج ومعه دليل من بني هلال، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، فلم يلق عمر منهم أحدا، فانصرف راجعا الى المدينة المنورة. ب- سرية أبي بكر الصديق الى بني كلاب بنجد: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع الهجرية أبا بكر الصديق رضي الله عنه الى بني كلاب بنجد ناحية (ضرّية) «2» فهاجمهم في الصباح الباكر وقتل منهم وسبى آخرين، ثم عاد الى المدينة المنورة.

_ (1) - تربة: واد بالقرب من مكة على مسافة يومين منها. انظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 374 وهي بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة طريق صنعاء ونجران. انظر طبقات ابن سعد 2/ 117. وتقع على بعد تسعين ميلا من جنوب شرقي الطائف على الطريق العام من نجد الى اليمن. (2) - ضرية: قرية في نجد غامرة قديمة على وجه الدهر في طريق مكة من البصرة. انظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 432.

ج - سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك:

ج- سرية بشير بن سعد الأنصاري الى فدك: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع الهجرية بشير بن سعد الأنصاري في ثلاثين رجلا الى بني (مرّة) بفدك، فخرج يلقى رعاء الشاء، فسأل عن بني مرّة، فقيل له: إنهم بواديهم، فاستاق النعم والشاء وانحدر الى المدينة المنورة. وخرج الصريخ فأخبر بني مرّة، فأدركوا المسلمين عند الليل، فرموهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير، فلما أصبحوا حمل بنو مرة على المسلمين فقتلوهم وجرحوا بشيرا حتى ظنّ أنه مات، ولكنه عاد الى المدينة المنورة حيث شفي من جراحه هناك. د- سرية غالب بن عبد الله الليثي الى الميفعة «1» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في رمضان سنة سبع الهجرية غالب بن عبد الله الى عوال وبني عبد بن ثعلبة وهم بالميفعة، وبعث معه مائة وثلاثين رجلا؛ فهجموا عليهم وقتلوا بعضهم ولم يأسروا أحدا، واستاقوا نعما وشاء الى المدينة المنورة. هـ- سرية بشير بن سعد الأنصاري الى يمن «2» وجبار «3» : بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان بالجناب «4» قد واعدهم عيينة بن

_ (1) - الميفعة: هي وراء بطن نخل الى النقرة قليلا بناحية نجد، بينها وبين المدينة ثمانية برد. انظر طبقات ابن سعد 2/ 119. (2) - يمن: ماء لغطفان على الطريق بين تيماء وفيد. انظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 524. (3) - جبار: ماء لبني حميس من قضاعة بين المدينة وفيد. انظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 43. (4) - جناب: موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى. انظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 141، وطبقات ابن سعد 2/ 120.

و - سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم:

حصن ليكون معهم في الزحف الى المدينة، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشير بن سعد في شوال سنة سبع الهجرية وعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل، فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا (يمن) و (جبار) وهي نحو (الجناب) ، فنزلوا ب (سلاح) «1» ثم دنوا من القوم فأصابوا لهم نعما كثيرا. وتفرّق الرعاء فحذّروا القوم فتفرقوا وخرج بشير حتى أتى منطقتهم فلم يجد فيها أحدا، فرجع بالنعم وأصاب منهم رجلين أسرهما وقدم بهما المدينة فأسلما. وسرية ابن أبي العوجاء السّلمي الى بني سليم: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ذي الحجّة سنة سبع الهجرية ابن أبي العوجاء السّلمي في خمسين رجلا الى بني سليم، فخرج إليهم، فتقدّمه عين لهم كان محذّرهم، فحشدوا جمعهم وقاتلوا المسلمين وأحدقوا بهم من كل ناحية؛ فقاتل المسلمون قتالا شديدا حتى قتل عامتهم وأصيب ابن أبي العوجاء جريحا مع القتلى، ثم تحامل حتى بلغ المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان الهجرية. ز- سرية غالب بن عبد الله الليثي الى بني الملوّح بالكديد «2» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في صفر سنة ثمان الهجرية غالب بن عبد الله الليثي ثم أحد بني كلب بن عوف في سرية مؤلفة من بضعة عشر رجلا، وأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملّوح بالكديد، وهم من بني ليث. وخرج غالب حتى إذا كان (بقديد) «3» لقي رجلا زعم أنه خرج الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يريد الإسلام، فحجزه غالب وقال له: (إن تكن مسلما لم يضررك رباطنا يوما وليلة، وإن تكن على غير ذلك نستوثق منك) ، وبذلك قطع غالب دابر احتمال أن يكون هذا الرجل عينا لبني الملوح.

_ (1) - سلاح: موضع اسفل من خيبر. انظر التفاصيل في معجم البلدان 5/ 101. (2) - الكديد: موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلا من مكة. انظر معجم البلدان 7/ 224. (3) قديد: اسم موضع قرب مكة. انظر معجم البلدان 7/ 38.

ح - سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى فدك:

وسار المسلمون حتى أتوا (الكديد) عند غروب الشمس، فكمنوا في ناحية الوادي، فلما نام بنو الملوح شنوا عليهم الغارة واستاقوا النعم، وعادوا الى المدينة المنورة. ح- سرية غالب بن عبد الله الليثي الى فدك: بعث رسول صلّى الله عليه وسلم في صفر سنة ثمان الهجرية غالب بن عبد الله الليثي في مائتي رجل معهم أسامة بن زيد الى مصاب أصحاب بشير بن سعد. راجع ما جاء منها في الفقرة (ج) . فخرج غالب وخطب أصحابه فقال: (لا تعصوني، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: (من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، وإنكم متى ما تعصوني تعصون نبيكم) ، فأغار المسلمون على بني (مرّة) مع الصبح فقتلوا منهم قتلى وأصابوا منهم نعما ثم عادوا الى المدينة، وقد أعطوا بني مرة درسا قاسيا لقتلهم سرية بشير بن سعد. ط- سرية شجاع بن وهب الأسدي الى بني عامر بالسّيّ «1» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة ثمان الهجرية شجاع بن وهب الأسدي في أربعة وعشرين رجلا الى جمع من هوازن ب (السّيّ) ناحية (ركبة) «2» من وراء (المعدن) «3» وأمره أن يغير عليهم، فسار المسلمون ليلا وكمنوا نهارا حتى صبحوهم وهم غارّون، فأصابوا نعما كثيرا وشاء، فاستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة بعد أن غابت السرية خمس عشرة ليلة.

_ (1) - السّيّ: معناه السواء ومنه هماسيان، وهي علم لفلاة على جادة البصرة الى مكة بين الشبيكة والوجرة، وهي في نجد. انظر معجم البلدان 5/ 203. (2) - ركبة: هي من أرض بني عامر بين مكة والعراق. انظر معجم البلدان 4/ 278. (3) - المعدن: معدن الهردة بنجد في ديار بني كلاب. انظر معجم البلدان 8/ 294.

ي - سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح:

ي- سرية كعب بن عمير الغفاري الى ذات أطلاح «1» : بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة ثمان الهجرية كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا الى (ذات أطلاح) من أرض الشام، فوجدوا جمعا من المشركين فدعوهم الى الاسلام فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل؛ فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قاتلوهم أشدّ القتال حتى قتلوا وأفلت منهم رجل جريح في القتلى، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر فشقّ عليه ذلك. وهمّ أن يبعث إليهم من يؤدبهم لولا أنه علم بأنهم ارتحلوا الى موضع آخر. 3- النتائج: أ- توطيد هيبة المسلمين في المنطقة الشمالية (شمال المدينة) . ب- حماية الدعاة من غدر القبائل بهم. ج- انتشار الاسلام بين القبائل الشمالية. غزوة مؤتة «2» 1- أسباب الغزوة: أ- تأديب الأعراب الذين غدروا بدعاة المسلمين ب (ذات أطلاح) على حدود الشام. ب- تأديب شرحبيل بن عمرو الغساني عامل هرقل «3» في القسطنطينية على

_ (1) - ذات أطلاح: موضع من وراء ذات القرى الى المدينة. (2) - مؤتة: قرية من قرى البلقاء في حدود الشام. انظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 190 وهي بأدنى البلقاء، والبلقاء دون دمشق. انظر طبقات ابن سعد 2/ 128. وهي قرية من قرى الكرك، ولما كان الكرك بداية مقاطعة مؤاب، فهي من مؤاب. (3) - امبراطور الروم وعاصمة ملكه القسطنطينية.

2 - قوات الطرفين:

(بصرى) ومن ينصره من القبائل، لسكوته عن اغتيال حامل رسالة الرسول صلّى الله عليه وسلم إليه. 2- قوات الطرفين: أ- المسلمون: ثلاثة آلاف مسلم بقيادة زيد بن حارثة الكلبي فجعفر بن أبي طالب فعبد الله بن رواحة بالتعاقب. ب- المشركون والروم: مائة ألف من الروم بقيادة هرقل قيصر الروم ومثلها من القبائل الموالية بقيادة شرحبيل بن عمرو الغساني، كما نذكر كثير من المصادر التاريخية، ولكنني أعتقد أن هذا العدد مبالغ فيه كثيرا وأن الجيش لم يكن بقيادة هرقل نفسه، بل بقيادة أحد قادة جيوشه. 3- الهدف: تأديب القبائل لغدرها بالمسلمين، وإظهار قوة المسلمين للروم والقبائل المتاخمة للشام، ولاستطلاع قوة وكفاية قبائل الحدود المتاخمة لأرض الشام، وقوة وكفاية الروم أيضا، وطبيعة الأرض هناك. 4- سير الحوادث: أ- الأعمال التمهيدية: خرج المسلمون في جمادى الأولى من السنة الثامنة الهجرية، فودّعهم الرسول صلّى الله عليه وسلم والمسلمون وأوصاهم: (ألا يقتلوا النساء والأطفال ولا المكفوفين وألا يهدموا المنازل ولا يقطعوا الأشجار) . وصلت قوات المسلمين (معان) «1» من أرض الشام، ولكنّ أنباء حركتهم

_ (1) - معان: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء. انظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 93.

وصلت الى الروم قبل وصول المسلمين إليهم، فحشدوا قواتهم في (مآب) «1» من أرض البلقاء. فلما علم المسلمون بأمر جموع الروم المتفوقة على قواتهم فواقا ساحقا، تذاكروا بينهم، فرأى بعضهم أن يكتبوا الى النبي صلّى الله عليه وسلم يخبرونه بالموقف الراهن ويتلقّوا أوامره النهائية؛ ولكنّ أكثرهم رأى أن يمضوا الى هدفهم مهما تكن النتائج. قال لهم عبد الله بن رواحة: (يا قوم! والله إنّ التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوّة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به؛ فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة) ... قال الناس: (صدق ابن رواحة) . ب- القتال: تحرّك المسلمون نحو جيوش الروم وحلفائهم من القبائل فحصلوا على التماس الأول في قرية (مشارف) «2» بتخوم البلقاء. ولكنّ المسلمين رأوا أن منطقة قرية (مؤتة) - بين الكرك والطفيلة- أنسب لقبول المعركة فيها، وذلك لوجود العوارض الطبيعية التي يستطيعون التحصّن بها نظرا لقلة قوتهم بالنسبة الى الأعداء. بدأ القتال بين قوتين غير متكافئتين عددا وعددا، وقد لاحظ المسلمون تفوّق الروم وحلفائهم عليهم، ولكنهم لم يكترثوا بذلك. وبدأ هجوم المسلمين باندفاع زيد بن حارثة رضي الله عنه بالراية إلى صفوف العدو، فحارب مستقتلا مستميتا حتى مزقته رماح العدو.

_ (1) - مآب: مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء. انظر التفاصيل في معجم البلدان 7/ 249. ومآب، مؤاب: لواء الكرك حاليا في الاردن. وليست هناك بلدة باسم مآب، إلا أن تكون الكرك، إذ كان اسمها قديما (كيرك مؤابا. (Cherak Moaba (2) - مشارف: قرى قرب حوران منها بصرى من الشام ثم من أعمال دمشق. انظر التفاصيل في معجم البلدان 8/ 60.

وتناول الراية جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه واندفع بها فأصيبت يده اليمنى، فتناول الراية بشماله فقطعت أيضا، فاحتضن الراية بعضديه حتى استشهد. وأخذ عبد الله بن رواحة الراية، فقاتل بها حتى قتل أيضا. وتناول الراية ثابت بن أقرم البلوي، فهتف بالمسلمين: (يا قوم اصطلحوا على رجل منكم) ... واصطلح الناس على خالد بن الوليد رضي الله عنه. ج- الانسحاب «1» : قرّر خالد بن الوليد رضي الله عنه الانسحاب من هذه المعركة لانقاذ قوات المسلمين من المأزق الحرج الذي وقعوا فيه، واستفاد من حلول الظلام، فأعاد تنظيم قواته وألّف مؤخرة قوية لحماية الانسحاب. قامت مؤخرة المسلمين بقتال التعويق لإحباط مطاردة العدو للمسلمين وإنقاذ القسم الأكبر من قوات المسلمين من التطويق الذي يعقبه الفناء، وقد انتشرت مؤخرة المسلمين في جبهة واسعة وأحدثت ضجة عالية لإيهام العدو بقدوم إمدادات جديدة للمسلمين، ولحرمان العدو من معرفة انسحاب قوات المسلمين حتى لا يطاردها العدو فيكبدها خسائر فادحة، وبذلك استطاعت هذه المؤخرة النجاح في مهمتها، فلم يتكبد المسلمون في انسحابهم خسائر تذكر على الرغم من أن حركة الانسحاب من أصعب الحركات العسكرية، لاحتمال انقلاب الانسحاب إلى هزيمة، والهزيمة كارثة تؤدي إلى خسائر فادحة بالمنهزمين «2» .

_ (1) - الانسحاب: تعبير عسكري يقصد به التملص من القتال بالحركة الى الخلف انتظارا لظروف مناسبة لاستئناف التعرض. (2) - مما يذكر أن قادة الالمان كانوا يدرسون خطة انسحاب خالد بن الوليد هذه، ولهم دراسات مفصلة عن هذه الخطة، وعلى رأسها دراسة مولتكه وشليغن عن هذه الخطة.

5 - خسائر الطرفين:

وعاد المسلمون إلى المدينة ليستقبلهم أهل المدينة من المسلمين يحثون التراب في وجوههم قائلين لهم: (يا فرّار! أفررتم في سبيل الله) ؟! ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم أجابهم: (إنهم ليسوا بالفرار، ولكنهم الكرّار إن شاء الله) . 5- خسائر الطرفين: أ- المسلمون: استشهد من المسلمين اثنا عشر رجلا. انظر الملحق (ي) . ب- الروم والمشركون: كانت خسائرهم أضعاف خسائر المسلمين مما أثّر في معنوياتهم، ولذلك لم يقوموا بمطاردة المسلمين مطاردة حاسمة تقضي على قواتهم كلها. 6- النتيجة: كانت معركة (مؤتة) معركة استطلاعية أفادت المسلمين كثيرا في معرفة خواص قوات الروم وأساليب قتالها، وخواص حلفائها من القبائل وأساليب قتالهم وقوتهم، فأفادوا من هذه المعلومات في قتالهم بعد ذلك ضد الروم. ولا تعدّ خسائر المسلمين الطفيفة شيئا يذكر بجانب الفائدة العسكرية التي أفادوها من الاطلاع على خواص قوات الروم وحلفائها وتنظيمها وتسليحها وأساليب قتالها، مما سنرى أثره في المعارك التي خاضها المسلمون فيما بعد. غزوة ذات السلاسل «1» 1- أسباب الغزوة: أ- أخذ ثأر المسلمين من القبائل التي اشتركت في غزوة (مؤتة) ، وهي من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبليّ وطيء وعذرة.

_ (1) - ذات السلاسل: وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أيام. انظر طبقات ابن سعد 2/ 131.

2 - سير الحوادث:

ب- ضرب حشود قضاعة الذين اعتزموا مهاجمة المسلمين في المدينة. 2- سير الحوادث: قرّر الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد عودة المسلمين من غزوة (مؤتة) أن يسترد هيبة المسلمين في المنطقة الشمالية للمدينة المنورة، فأرسل عمرو بن العاص يستنفر العرب الى الشام؛ وذلك لأن والدة عمرو من قبائل تلك المنطقة، فمن السهل عليه أن يستميلهم الى جانبه. فلما وصل ماء (ذات السلاسل) من أرض جذام، خشي كثرة عدوه، فطلب من الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يمده بالرجال، وبقي ينتظر المدد في موضع (ذات السلاسل) . بعث الرسول صلّى الله عليه وسلم جيشا من المهاجرين الأولين في مائتين: فيهم أبو بكر وعمر بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وأمره حين وجّهه نجدة لعمرو: (ألّا يختلفا وأن يكونا جميعا) . ولما وصل أبو عبيدة بن الجراح، قال له عمرو: (إنما جئت مددا لي) . قال أبو عبيدة: (لا، ولكني على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه) ! قال عمرو: (أنت مدد لي) . قال أبو عبيدة: (يا عمرو! إنّ رسول الله قال لي: لا تختلفا، وإنك إن عصيتني أطعتك) ... أخذ عمرو يطارد القبائل الموالية للروم، فتوغل في ديار قبائل بليّ وعذرة وبلقين وطيء، وكلما انتهى الى موضع فرّت القبائل التي كانت فيه، واستطاع مرة واحدة الاصطدام بجموع من القبائل، ولكنها فرّت لا تلوي على شيء! ... وبذلك شتت عمرو بن العاص جموع قبائل الشام، وأعاد هيبة المسلمين الى نفوس القبائل القاطنين هناك.

سرية الخبط

سرية الخبط «1» بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في رجب سنة ثمان الهجرية أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الى حيّ من جهينة ب (القبلية) «2» مما يلي ساحل البحر الأحمر، فأصابهم في الطريق جوع شديد، فأكلوا الخبط وابتاع قيس بن سعد جزرا ونحرها لهم وانصرفوا ولم يلقوا كيدا. سرية أبي قتادة الأنصاري إلى خضرة «3» بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شعبان سنة ثمان الهجرية أبا قتادة بن ربعي الأنصاري ومعه خمسة عشر رجلا الى غطفان، وأمره أن يشنّ عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار، ثم هجم على حاضر «4» منهم عظيم فأحاط بهم، فصرخ رجل منهم: يا خضرة! وقاتل منهم رجال فقتل المسلمون بعضهم واستاقوا النعم والشاء وعادوا الى المدينة بعد أن غابوا عنها خمس عشرة ليلة. سرية أبي قتادة الأنصاري إلى بطن إضم «5» لما همّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بغزو أهل مكة، بعث أبا قتادة الأنصاري في أول

_ (1) - الخبط: ورق الشجر. (2) - القبلية: سراة فيما بين المدينة وينبع، ما سال منها الى ينبع سمي بالغور، وما سال منها الى أودية المدينة سمي بالقبلية. راجع التفاصيل- في معجم البلدان 7/ 29، وهي مما يلي ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمس ليال. انظر طبقات ابن سعد 2/ 132. (3) - خضرة: أرض محارب في نجد. انظر طبقات ابن سعد 2/ 132. (4) - حاضر: من رمال الدهناء، والحاضر في الأصل خلاف البادي، والحاضر الحي العظيم. انظر معجم البلدان 3/ 199. (5) - إضم: بين ذي خشب والمروة، وبينها وبين المدينة ثلاثة برد. انظر طبقات ابن سعد 2/ 133.

دروس من ثمرات الهدنة

شهر رمضان سنة ثمان الهجرية في ثمانية نفر سرية الى بطن (إضم) فيما بين (ذي خشب) و (ذي المروة) وبينها وبين المدينة ثلاثة برد، ليظن ظان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم توجه الى تلك الناحية حتى تذهب بذلك الأخبار فلا يعرف المشركون نياته الحقيقية في مهاجمة أهل مكة. وصلت السرية هدفها دون أن تلقى كيدا، فلما بلغهم أن المسلمين توجهوا الى مكة انصرفوا حتى لقوا النبي صلّى الله عليه وسلم. دروس من ثمرات الهدنة 1- القضايا التعبوية: أ- المباغتة: حركة الرسول صلّى الله عليه وسلم الى اتجاه (الرجيع) وعودته الى (خيبر) وقيامه بارسال مفرزة صغيرة الى ديار غطفان ليجبرها على العودة لحماية أموالها وذراريها والنكوص عن معاونة حلفائها يهود في محنتهم، أدّى الى إيهام غطفان بأن الرسول صلّى الله عليه وسلم يريدهم بقواته، وإيهام يهود بأنه يريد غطفان ولا يريدهم، كل ذلك كان مباغتة كاملة لليهود وغطفان على حد سواء. كما يعتبر مسير اقتراب «1» قوات المسلمين الى (خيبر) ووصولها ليلا الى منطقة (خيبر) دون أن يستطيع يهود معرفة وصولها، يعتبر ذلك مثالا متميزا لضبط المسير ومباغتة فذّة لليهود. هذه المباغتة في المكان والزمان حالت دون تعاون يهود مع حلفائهم وضمنت النصر للمسلمين عليهم، بالرغم من استقتالهم ورصانة حصونهم وتيسر قضاياهم الإدارية بشكل متميّز للغاية.

_ (1) - مسير الاقتراب: تعبير عسكري يقصد به تقدّم القوة لمجابهة عدو احتل موضعا دفاعيا أو في حالة المسير.

ب- قتال المدن والأحراش: خطة الرسول صلّى الله عليه وسلم في الاستيلاء على حصون يهود المنيعة، كانت تتلخص بمشاغلة بعضها بقوات صغيرة، وتركيز الهجوم على حصن واحد بقواته الرئيسة، حتى يتم له الاستيلاء على الحصن، ثم ينتقل بهجومه المركّز الى حصن آخر. كما أنه قسّم قواته الى أقسام بالنسبة الى قبائلها وبطونها، وجعل لكل قسم منها قائدا، حتى يشتدّ التنافس بين القوات، ولكي يقوم بعضها بالمشاغلة بينما يأخذ الباقي قسطه من الراحة ليستأنف القتال مرتاحا عند الحاجة. إنّ هذه الخطة تتفق مع أحدث الخطط العسكرية الحديثة في قتال المدن والأحراش. ولو أنه قاتل بأسلوب (الكر والفر) ، أو بأسلوب (الصفوف) في مثل هذا الموقف، لما كتب للمسلمين النصر على يهود. ج- الانسحاب: يعتبر نجاح خالد بن الوليد رضي الله عنه في انسحابه من (مؤتة) تجاه قوات متفوقة على قوته فواقا ساحقا، يعتبر هذا الانسحاب عملا عسكريا فذّا. كما أن أسلوب قتال مؤخرة قوات المسلمين كان رائعا حقّا: احتلت جبهة واسعة لتجبر العدو على الانفتاح على جبهة واسعة أيضا، مما يضعف قواته، وأثارت تلك المؤخرة ضجّة عظيمة، مما جعل العدو يعتقد بوجود قوات كبيرة للمسلمين جاءت مددا لهم. كل ذلك أنقذ قوة القسم الأكبر «1» للمسلمين من التطويق، وسهّل عليهم عملية الانسحاب.

_ (1) - القسم الأكبر: تعبير عسكري يقصد به القوة الرئيسة التي تعمل مفارز الحماية المتقدمة على حمايته من مباغتة العدو.

2 - المعنويات:

2- المعنويات: أثّرت عمرة القصاء في معنويات قريش تأثيرا كبيرا. وقف كثير من قريش عند دار الندوة بمكة، كما عسكر آخرون فوق الجبال والهضاب المحيطة بها ليشاهدوا دخول الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه مكة والبيت الحرام وسعيهم بين الصفا والمروة. فلما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ثم قال: (رحم الله امرءا أراهم اليوم من نفسه قوة) ثم استلم الركن وأخذ يهرول ويهرول أصحابه معه حتى واراه البيت عن قريش. والتطواف بهذه السرعة إظهار لقوة المسلمين وتكذيب لإشاعات الضعف التي زعمتها قريش للناس. في هرول وهرول أصحابه حين سعوا بين الصفا والمروة. ونحر الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه الهدي عند المروة، ثم بقي بمكة ثلاثة أيام وعاد بعدها الى المدينة، وهو لا يشك بتأثير ما رأته قريش من قوة المسلمين ومن ضبطهم وإطاعتهم للرسول صلّى الله عليه وسلم ومن تعظيمهم للبيت الحرام في معنويات قريش، فلم يكد يترك مكة حتى وقف خالد بن الوليد رضي الله عنه يقول في جمع من قريش قائلا: (لقد استبان لكل ذي عقل أن محمدا ليس بساحر ولا شاعر، وأن كلامه من كلام رب العالمين، فحقّ على كل ذي لب أن يتبعه) . وسمع أبو سفيان بن حرب بما كان من قول خالد بن الوليد، فبعث في طلبه وسأله عن صحة ما سمع عنه، فأكد له خالد صحته، فاندفع أبو سفيان الى خالد في غضبه، فحجز عنه عكرمة بن أبي جهل وكان حاضرا! وقال: (مهلا يا أبا سفيان! فو الله خفت أن أقول مثل ما قال خالد وأكون على دينه.

3 - الامانة:

أنتم تقتلون خالدا على رأي رآه، وهذه قريش كلها تبايعت عليه، والله لقد خفت ألا يحول الحول حتى يتبعه أهل مكة كلهم) . وأسلم من بعد خالد عمرو بن العاص وحارس الكعبة نفسها عثمان بن طلحة رضي الله عنهم؛ بل ظهر الإسلام في كل بيت من قريش سرا وعلانية. إنّ عمرة القضاء فتحت أبواب قلوب أهل مكة قبل أن يفتح المسلمون أبواب مكة نفسها بعد حين. 3- الامانة: أ- حرص المسلمون على الوفاء بعهودهم كل الحرص، ولم يحاولوا بتاتا أن ينتهزوا الفرص السانحة للقضاء على خصومهم حرصا على الوفاء بتلك العهود. كان بامكان المسلمين احتلال مكة في أيام عمرة القضاء والبقاء فيها، وفعلا أراد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أن يقذف في وجه قريش بصيحة الحرب، فصدّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصدّه الرسول صلّى الله عليه وسلم. ب- كان المسلمون في غزوة خيبر يعانون أشد العناء من نقص في مواد إعاشتهم حتى جاءت جماعة من المسلمين الى الرسول صلّى الله عليه وسلم يشكون اليه قلة مئونتهم ويطلبون اليه إعطاءهم ما يسدون به رمقهم، فلم يجد شيئا يعطيهم إياه، وأذن لهم بأكل لحوم الخيل على ندرتها وقيمتها العسكرية الكبيرة حين ذاك. في هذا الموقف العصيب، أقبل عبد حبشي بغنمه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلم، ثم قال: (يا نبي الله! إن هذه الغنم عندي أمانة) ، وكانت هذه الغنم تعود الى يهودي من (خيبر) . قال له الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أخرجها من عندك وارمها بالحصباء، فإن الله سيؤدي عنك أمانتك) ... فعل العبد ما أمره به الرسول صلّى الله عليه وسلم، فرجعت الغنم الى صاحبها، فعلم اليهودي أن غلامه أسلم.

4 - إكمال الحشد:

إنّ مثل هذه الأمانة في مثل هذا الموقف تدعو الى الإعجاب والتقدير الشديدين. 4- إكمال الحشد: أ- الهدف: حشد أكبر قوة ممكنة من المسلمين للقيام بالعمل الحاسم: فتح مكة وتوحيد شبه الجزيرة العربية، لتكون القاعدة الأمينة لحركات المسلمين المقبلة، لنشر الإسلام بين الناس كافة، وتأسيس الدولة الإسلامية. ب- عودة مهاجري الحبشة: التجأ قسم من المسلمين الى الحبشة قبل هجرة الرسول صلّى الله عليه وسلم الى المدينة فرارا من أذى قريش، وبقوا هناك بضعة عشر عاما، حتى أصبح سلطان المسلمين قويا، ولم يبق هناك مبرر لبقائهم في الحبشة بعيدين عن إخوانهم المسلمين الذين يحتاجون لمعاونتهم في نشر الدعوة وتوطيد دعائم الإسلام. وفعلا بعث الرسول صلّى الله عليه وسلم الى النجاشي يطلب إليه إعادة مهاجري الحبشة، فعادوا الى المدينة بعد فتح (خيبر) مباشرة، ففرح المسلمون بقدوم هؤلاء المهاجرين، واندمجوا بقوات المسلمين ليقوموا بواجبهم في الجهاد. 5- نشر الاسلام: دعوة الملوك والأمراء والرؤساء للإسلام. راجع الملحقين المرفقين الملحق (ك) والملحق (ل) حول دعوة الملوك والأمراء والرؤساء المسيطرين على البلاد العربية حين ذاك، من النصارى الذين كانوا يدينون بدين الروم، ومن المجوس الذين كانوا يدينون بدين الفرس. لقد أتاحت مكاتبات الرسول صلّى الله عليه وسلم لهؤلاء الفرصة لانتشار الإسلام خاصة في

6 - القضايا الادارية:

منطقة البحرين وفي اليمن، كما أتاحت الفرصة لعدد عظيم من الناس أن يعرفوا أهداف الدين الجديد وغاياته، مما جعل قلوب كثيرين منهم تهوي إليه سواء تظاهروا بذلك أم أبقوه في طي الكتمان. إن انتشار الاسلام في اليمن له أهمية خاصة من الناحية العسكرية، فقد جعل قريشا مطوقة بالمسلمين من الشمال والجنوب. وبذلك تقرر مصير مكة وقريش نهائيا. 6- القضايا الادارية: أ- الإعاشة: كانت مواد الاعاشة قليلة جدا عند المسلمين في غزوة (خيبر) ، فجاع قسم منهم، ولم يجد الرسول صلّى الله عليه وسلم شيئا عنده ليسد به رمقهم، ولكنّ تداعي حصون (خيبر) التي تكدست فيها الأرزاق واستسلامها للمسلمين حسّن موقف الإعاشة عند المسلمين. أما يهود فقد كان موقف إعاشتهم متميزا. ب- الماء: استفاد يهود من الآبار وبعض العيون في غزوة (خيبر) لتموينهم بالماء، وعندما علم المسلمون بذلك، سيطروا على المياه خارج الحصون وحرموا يهودا منها، مما سهّل عليهم استسلام الحصون. ج- الصحة: كان جو (خيبر) وخما وفي المنطقة كثير من المستنقعات، فأدى ذلك إلى إصابة المسلمين بالحميات. وقد أفاد المسلمون من النساء في غزوة (خيبر) لتمريض الجرحى والمرضى.

7 - النتائج:

د- المجندات: أفاد المسلمون من النساء المتطوعات في غزوة (خيبر) ؛ لإدامة المقاتلين بالسهام والنبال، ولتهيئة السويق وتضميد الجرحى والمرضى وتمريضهم. هـ- الغنائم: قسمت غنائم (خيبر) بالتساوي بين المقاتلين، وقد كانوا ممن حضر صلح الحديبية وبيعة الرضوان، كما أشرك الرسول صلّى الله عليه وسلم في الغنائم مهاجري الحبشة العائدين منها توّا الى أحضان المسلمين؛ لأن حالتهم الاقتصادية كانت رديئة للغاية، ولا بد من مكافأتهم لإخلاصهم وعنائهم بهجرتهم الى الحبشة وبقائهم هناك بضعة عشر عاما. وأسهم للنساء المتطوعات من مواد الإعاشة فقط كما أسهم للرجال. 7- النتائج: كانت نتائج فترة هدنة الحديبية ما يلي: أ- القضاء الأخير على يهود في شبه الجزيرة العربية. ب- السيطرة على القبائل العربية شمال المدينة المنورة وجنوبها. ج- التأثير في معنويات قريش وحلفائها مما سهّل فتح مكة. د- انتشار الإسلام انتشارا عظيما داخل الجزيرة العربية. كل ذلك جعل المسلمين يعيدون تنظيم صفوفهم على أسس مكينة، وينجزون حشد قواتهم بحيث أصبحت أكبر قوة في شبه الجزيرة العربية كلها.

الملحق (ح) : شهداء المسلمين في غزوة خيبر

الملحق (ح) : شهداء المسلمين في غزوة خيبر من قريش ثم من بني أمية بن عبد شمس ثم من حلفائهم: 1- ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو. 2- ثقف بن عمرو. 3- رفاعة بن مسروح. من بني أسد بن عبد العزّى: 4- عبد الله بن الهبيب (ويقال الهبيب) من كنانة وابن أختهم. من بني زهرة: 5- مسعود بن ربيعة (حليف لهم من القارة) . من الانصار ثم من بني سلحة: 6- بشر بن البراء بن معرور ومات من الشاة التي سمّ فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم. 7- فضيل بن النعمان. من بني زريق: 8- مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة. من الاوس ثم من بني عبد الاشهل: 9- محمود بن مسلمة بن خالد (حليف لهم من بني حارثة) .

من بني عمرو بن عوف: 10- أبو ضيّاح بن ثابت بن النعمان. 11- الحارث بن حاطب. 12- عروة بن مرّة بن سراقة. 13- أوس بن القائد. 14- أنيف بن حبيب. 15- ثابت بن أثلة. 16- طلحة بن يحيى بن مليل. 17- أوس بن قتادة. 18- مبشّر بن عبد المنذر. من غفار: 19- عمارة بن عقبة (رمي بسهم) . من أسلم: 20- عامر بن الأكوع. 21- الأسود الراعي واسمه أسلم (من أهل خيبر أسلم واستشهد) .

الملحق (ي) : شهداء المسلمين في غزوة مؤتة

الملحق (ي) : شهداء المسلمين في غزوة مؤتة 1- زيد بن حارثة- الأمير الأول. 2- جعفر بن أبي طالب- الأمير الثاني بعده. 3- عبد الله بن رواحة- الأمير الثالث. 4- مسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة، من بني عدي بن كعب. 5- وهب بن سعد بن أبي سرح، من بني حسل، ثم من بني عامر ابن لؤي 6- عبّاد بن قيس، وهو عبد الله بن رواحة من بني الحارث بن الخزرج. 7- الحارث بن النعمان بن إساف بن نضلة بن عوف بن غنم بن مالك ابن النجار. 8- سراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول، من بني مازن ابن النجار. 9- أبو كليب وقيل: أبو كلاب بن عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول. 10- أخوه جابر بن عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول. 11- عمرو بن سعد بن الحارث بن عبّاد بن سعد بن عامر بن ثعلبة من بني النجار. 12- وأخوه عامر بن سعد من بني النجار.

عودة المستضعفين (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) . (القرآن الكريم)

عودة المستضعفين

فتح مكة الموقف العام 1- المسلمون: أتاحت هدنة الحديبيّة للمسلمين القضاء على يهود عسكريا في المدينة وخارجها، كما أتاحت لهم السيطرة على القبائل في شمال المدينة حتى حدود العراق والشام وفي جنوب المدينة أيضا، وانتشر الاسلام بين القبائل العربية كلها، فأصبح المسلمون قوة لا تدانيها أية قوة في بلاد العرب. ولم يبق أمام المسلمين إلا فتح مكة، تلك المدينة المقدّسة التي انتشر الاسلام فيها أيضا، وما أسهل فتحها على المسلمين لولا عهد الحديبية الذي يحرص على الوفاء به الرسول صلّى الله عليه وسلم. 2- المشركون: أدى انتشار الاسلام بين قسم كبير من القبائل ومن ضمنها قريش وبقاء القسم الآخر على الشرك الى تفرّق كلمتها واستحالة جمع تلك الكلمة على حرب المسلمين. ولم يبق في قريش زعيم مسيطر يستطيع توجيهها الى ما يريد حين يريد: المسلمون فيها لا يخضعون إلا لأوامر الإسلام، والمشركون فيها بين متطرّف يدعو للحرب مهما تكن نتائجها، ومعتدل يعتبر الحرب كارثة تحيق بقريش. أراد بنو بكر حلفاء قريش أن يأخذوا بثاراتهم القديمة من بني خزاعة حلفاء المسلمين، وحرّضهم على ذلك متطرفو قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل وقسم من سادات قريش، وأمدّوهم سرا بالرجال والسلاح؛ فقامت بنو بكر بهجوم مباغت على بني خزاعة، فأوقعوا فيهم بعض الخسائر في الأرواح

إعلان الحرب

والأموال! ولما التجأت خزاعة الى البيت الحرام، طاردتهم بنو بكر مصممة على القضاء عليهم غير مكترثة بعهد الحديبية. وانتهت الهدنة بين قريش وحلفائها من جهة، وبين المسلمين وحلفائهم من جهة أخرى، وكان السبب في انتهائها قريش وبنو بكر. إعلان الحرب 1- المسلمون: سارع عمرو بن سالم الخزاعي بالتوجه الى المدينة المنورة حاملا أخبار نقض قريش وبني بكر لعهد الحديبية، فلما وصلها قصد المسجد وقصّ على الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه ما أصاب خزاعة من بني بكر وقريش في مكة وخارجها، فأجابه الرسول صلّى الله عليه وسلم: (نصرت يا عمرو بن سالم) . وخرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة، حتى قدموا المدينة، فأخبروا النبي صلّى الله عليه وسلم بما أصابهم، فعزم الرسول صلّى الله عليه وسلم على فتح مكة. 2- قريش: قدّر معتدلو قريش وعقلاؤهم ماذا يعنيه انتهاء الهدنة بينهم وبين المسلمين، فقرّروا إيفاد أبي سفيان بن حرب الى المدينة للتشبث بتثبيت العهد وإطالة مدّته. ولما وصل أبو سفيان (عسفان) في طريقه الى المدينة، رأى بديل بن ورقاء وأصحابه عائدين من المدينة، فخاف أن يكونوا قد جاءوا محمدا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخبروه بما حدث، مما يزيد مهمته التي جاء من أجلها تعقيدا؛ إلا أن بديلا نفى مقابلته النبي صلّى الله عليه وسلم، ولكنّ أبا سفيان بن حرب عرف من فضلات راحلة بديل التي فيها نوى التمر أنه كان في المدينة.

الاستعدادات

ووصل أبو سفيان الى المدينة، فقصد دار ابنته أم حبيبة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم، وأراد أن يجلس على الفراش فطوته دونه، فقال لها: (يا بنيّة! ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني) ؟ قالت: (بل هو فراش رسول الله، وأنت مشرك نجس) . قال أبو سفيان: (والله، لقد أصابك بعدي شر) . واستشفع أبو سفيان بأبي بكر الصديق رضي الله عنه ليكلّم الرسول صلّى الله عليه وسلم، فأبى ... واستشفع بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأغلظ له في الرد، وقال: (أأنا أشفع لكم عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ والله لو لم أجد إلا الذّر لجاهدتكم به) . ودخل أبو سفيان على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنده فاطمة رضي الله عنها، فردّ عليه علي: (والله يا أبا سفيان! لقد عزم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه) . واستشفع أبو سفيان بفاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وسلم أن يجير ابنها الحسن بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بين الناس، فقالت: (ما يجير أحد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم) . فاستنصح أبو سفيان عليا بعد أن اشتدّت عليه الأمور، فنصحه أن يعود من حيث أتى؛ فقفل أبو سفيان عائدا الى قريش، ليخبرهم بما لقي من صدود. ولم يبق هناك شك في إعلان الحرب. الاستعدادات أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه بإنجاز استعداداتهم للحركة وللحرب، وأرسل من يخبر قبائل المسلمين خارج المدينة بإنجاز استعداداتهم للحركة وللحرب أيضا، كما أمر أهله أن يجهزوه؛ ولكنه لم يخبر أحدا بنياته الحقيقية ولا

باتجاه حركته ولا بالعدو الذي ينوي قتاله. بل أخفى نياته حتى لأقرب المقربين إليه؛ ثم أرسل سرية أبي قتادة الأنصاري الى بطن (إضم) ليزيد من إسدال الستار الكثيف على نياته الحقيقية. دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على ابنته عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم وهي تهيىء جهاز الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقال لها: (أي بنية! أأمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجّهز. قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: والله لا أدري) ! ولما اقترب موعد الحركة، صرّح الرسول صلّى الله عليه وسلم بأنه سائر الى مكة، وبثّ عيونه ليحول دون وصول أنباء حركته الى قريش. ولكنّ حاطب بن أبي بلتعة كتب رسالة أعطاها امرأة متوجّهة الى مكة، يخبرهم بها بنيّات المسلمين، فعلم الرسول صلّى الله عليه وسلم بهذه الرسالة، وبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ليدركا المرأة ويأخذا تلك الرسالة منها؛ فأدركاها وأخذا الرسالة التي كانت معها. ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاطبا يسأله: (ما حمله على ذلك) ؟ قال حاطب: (يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيّرت ولا بدّلت، ولكني كنت أمرأ ليس له في القوم من أهل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم) ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (يا رسول الله! دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق) قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقكم، وما يدريك؟ لعل الله قد اطّلع على من شهد (بدرا) فقال: اعملوا ما شئتم) ! ... شفع لحاطب ماضيه الحافل بالجهاد، فعفا عنه الرسول صلّى الله عليه وسلم، وأمر المسلمين أن يذكروه بأفضل ما فيه. وأنجز المسلمون استعداداتهم للحركه.

قوات الطرفين

قوات الطرفين 1- المسلمون: عشرة آلاف رجل بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. 2- المشركون: قريش وبنو بكر، كل قبيلة لها قائد خاص بها. في الطريق الى مكة 1- ترك المسلمون المدينة في رمضان من السنة الثامنة الهجرية قاصدين فتح مكة، وكان جيش المسلمين مؤلفا من الأنصار والمهاجرين وسليم ومزينة وغطفان وغفار وأسلم «1» وطوائف من قيس وأسد وتميم وغيرهم من القبائل الأخرى، في عدد وعدد لم تعرفه شبه الجزيرة العربية من قبل، وكلما تقدّم الجيش نحو هدفه ازداد عدده بانضمام مسلمي القبائل التي تسكن على جانبي الطريق إليه. ومع كثافة هذا الجيش وقوّته وأهميته، فقد بقي سر حركته مكتوما لا تعرف قريش عنه شيئا، إذ مع اعتقاد قريش بأن محمدا صلّى الله عليه وسلم في حل من مهاجمتها، ولكنها لم تكن تعرف متى وأين وكيف سيجري الهجوم المتوقّع. ولشعور قريش بالخطر المحدق بها أسرع كثير من رجالها بالخروج الى المسلمين لإعلان إسلامهم، فصادف قسم من هؤلاء ومنهم العباس بن عبد المطلب عم النبي صلّى الله عليه وسلم جيش المسلمين في طريقه الى مكة. وصل الجيش مساء موضع (مرّ الظّهران) على مسافة أربعة فراسخ من مكة، فعسكر هناك.

_ (1) - من بني سليم ألف رجل، ومن بني مزينة ألف رجل وثلاثة رجال، ومن غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة. انظر جوامع السيرة لابن حزم ص 227.

وأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يوقد كل مسلم نارا، حتى ترى قريش ضخامة الجيش دون أن تعرف هويته، فيؤثّر ذلك في معنوياتها وتستسلم للمسلمين دون قتال، وبذلك يؤمّن الرسول صلّى الله عليه وسلم هدفه في دخول مكة دون إراقة الدماء. وأوقد عشرة آلاف مسلم نيرانهم، ورأت قريش تلك النيران تملأ الأفق البعيد، فأسرع أبو سفيان بن حرب وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام بالخروج باتجاه النيران حتى يعرفوا مصدرها ونيات أصحابها وأهدافهم، فلما اقتربوا من موضع معسكر المسلمين، قال أبو سفيان لصاحبه بديل: (ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا) . فردّ عليه بديل بن ورقاء: (هذه والله خزاعة حمشتها الحرب) ، فلم يقتنع أبو سفيان بهذا الجواب، فقال: (خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها) . وكان العباس عم النبي صلّى الله عليه وسلم قد خرج من معسكر المسلمين راكبا بغلة الرسول صلّى الله عليه وسلم ليخبر قريشا بالجيش الضخم الذي جاء لقتالها والذي لا قبل لها به، حتى يؤثّر في معنوياتها ويضطرها للاستسلام دون قتال، فيحقن بذلك دماءها ويؤمّن لها صلحا شريفا ويخلّصها من معركة فاشلة معروفة النتائج سلفا لا يمكن أن تثيرها غير العصبية الجاهلية؛ فسمع وهو في طريقه حديث أبي سفيان وبديل بن ورقاء، فعرف العباس صوت أبي سفيان، فناداه وأخبره بوصول جيش المسلمين، ونصحه بأن يلجأ الى الرسول صلّى الله عليه وسلم حتى ينظر في أمره قبل أن يدخل الجيش مكة صباح غد فيحيق به وبقومه العقاب الذي يستحقونه. وأردف العباس رضي الله عنه أبا سفيان على بغلة الرسول صلّى الله عليه وسلم، وتوجّها نحو معسكر المسلمين. فلما وصل العباس المعسكر ودخله وأخذ يمر بنيران الجيش في طريقه الى خيمة الرسول صلّى الله عليه وسلم، رآه المسلمون فلم ينكروا شيئا لأنهم عرفوا العباس، فلما مرّ العباس بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه عرف أبا سفيان وأدرك أن العباس يريد أن يجيره، فأسرع عمر الى خيمة النبي صلّى الله عليه وسلم

وطلب منه أن يأمره بضرب عنق أبي سفيان، ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم طلب من عمه أن يأخذ أبا سفيان الى خيمته ويحضره إليه صباح غد؛ فلما كان الصباح وجيء بأبي سفيان الى النبي صلّى الله عليه وسلم، أسلم ليحقن دمه، فقال العباس رضي الله عنه: (يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا) . قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن) . وأراد الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يستوثق من سير الأمور كما يحب بعيدا عن وقوع الحرب، فأوصى العباس باحتجاز أبي سفيان في مضيق الوادي، حتى يستعرض الجيش الزاحف كله فلا تبقى في نفسه أية فكرة للمقاومة. قال العباس: (خرجت بأبي سفيان حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله، ومرت القبائل على راياتها، كلما مرّت قبيلة قال: يا عباس! من هؤلاء؟ فأقول: سليم! فيقول: ما لي ولسليم؟ ثم تمرّ به القبيلة، فيقول: يا عباس! من هؤلاء؟ فأقول: مزينة. فيقول: ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل، ما تمرّ به قبيلة إلا سألني عنها، فاذا أخبرته قال: ما لي ولبني فلان!! (حتى مرّ الرسول صلّى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال: سبحان الله! يا عباس! من هؤلاء؟ قلت: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة! والله يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما) ... قال العباس: (يا أبا سفيان! إنها النبوّة. قال: نعم إذن) ... عند ذاك قال العباس لأبي سفيان: (النجاء الى قومك) ! فأسرع أبو سفيان الى مكة.

قبل دخول مكة

قبل دخول مكة دخل أبو سفيان بن حرب مكة مبهورا مذعورا، وهو يحسّ أن من ورائه إعصارا إذا انطلق اجتاح قريشا وقضى عليها قضاء لا تقوم لها قائمة بعده أبدا. ورأى أهل مكة قوات المسلمين تقترب منهم، ولم يكونوا حتى ذلك الوقت قد قرّروا قرارا حاسما ولا اتخذوا تدابير القتال الضرورية؛ فاجتمعوا الى ساداتهم ينتظرون الرأي الأخير، فاذا بصوت أبي سفيان ينطلق بينهم مجلجلا جازما: (يا معشر قريش! هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) ! دهشت امرأة أبي سفيان هند بنت عتبة التي كانت تشايع المتطرفين من مشركي قريش في عداوتهم للمسلمين وهي تسمع من زوجها هذا الكلام، فوثبت اليه وأخذت بشاربه تلويه وصاحت: اقتلوا الحميت الدسم الأحمس «1» (أي هذا الزق المنتفخ) قبح من طليعة قوم) «2» . ولم يكترث أبو سفيان لسباب امرأته، فعاود تحذيره: (ويلكم! لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فانه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) ... قالت قريش: (قاتلك الله! وما تغني عنا دارك) ؟ قال: (ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن) . وأصبحت مكة تنتظر دخول المسلمين: اختفى الرجال وراء الأبواب

_ (1) - الحميت: في الأصل زق السمن، والدسم: الكثير الودك، والأحمس: الشديد اللحم، تريد تشبيهه به لعبالته وسمنه. (2) - طليعة قوم: الذى يتقدمهم أو يحرسهم.

خطة الفتح

الموصدة، واجتمع قسم منهم في المسجد الحرام، وبقي المتطرفون مصرّين على القتال. خطة الفتح (راجع المخطط المرفق) 1- كانت مجمل خطة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام لفتح مكة ما يلي: أ- الميسرة بقيادة الزبير بن العوام، واجبها دخول مكة من شمالها. ب- الميمنة بقيادة خالد بن الوليد، واجبها دخول مكة من حنوبها. ج- قوات الأنصار بقيادة سعد بن عبادة، واجبها دخول مكة من الغرب. د- قوات المهاجرين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، واجبها دخول مكة من الشمال الغربي من اتجاه جبل هند. هـ- مثابة اجتماع القوات بعد الفتح في منطقة جبل هند. 2- كانت أوامر الرسول صلّى الله عليه وسلم لقواده بألّا يقاتلوا إلا إذا اضطروا الى القتال، حتى يتم فتح مكة سلميا وبدون قتال. الفتح 1- قبل شروع قوات المسلمين في دخول مكة، سمع قسم من المسلمين سعد ابن عبادة يقول: (اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة) ... لذلك رأى الرسول صلّى الله عليه وسلم حين بلغه ما قال سعد أن يأخذ الراية منه وأن يدفعها الى ابنه قيس بن سعد، فقد كان قيس أهدأ أعصابا من أبيه وأكثر سيطرة على نفسه، حتى يحول دون اندفاع سعد لإثارة الحرب.

في مكة المكرمة

دخلت قوات المسلمين مكة، فلم تلق مقاومة، إلا جيش خالد بن الوليد، فقد تجمّع متطرفو قريش مع قسم من حلفائهم من بني بكر في منطقة (الخندمة) «1» ، فلما وصلتها قوات خالد أمطروها بوابل من نبالهم، لكن خالدا لم يلبث أن فرّقهم ولم يقتل من رجاله إلا اثنان «2» ضلّا طريقهما وانفصلا عنه، ولم يلبث صفوان بن أميّة وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل حين رأوا الدائرة تدور عليهم أن تركوا مواضعهم في (الخندمة) وفروا مع قواتهم. واستسلمت المدينة المقدسة للمسلمين وفتحت أبوابها لهم. في مكة المكرمة عسكر النبي صلّى الله عليه وسلم في منطقة جبل هند بعد أن سيطرت قواته على جميع مداخل مكة، فلما استراح وتجمعت أرتاله، نهض والمهاجرين والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد. فأقبل الى الحجر الأسود فاستلمه، ثم طاف بالبيت العتيق وحول البيت، وكان في الكعبة ستون وثلثمائة صنم، يطعنها بالقوس وهو يقول: (جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا. جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد) . ثم دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ودخلها، فرأى الصور تملؤها ومن بينها صورتان لإبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام، فمحا ما في الكعبة من صور، ثم صلى ودار في البيت يكبّر، ولما أنهى تطهير البيت من الأصنام والصور، وقف على باب الكعبة وقريش تنظر ماذا يصنع، فقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. ألا كل مأثرة أو مال فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية

_ (1) - الخندمة: جبل بأسفل مكة. راجع التفاصيل في معجم البلدان 3/ 470. (2) - هما: كرز بن جابر من بني محارب بن فهر، وخنيس بن خالد بن ربيعة الخزاعي حليف بني منقذ.

خسائر الطرفين

الحاج. يا معشر قريش! إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء: الناس من آدم، وآدم من تراب: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير) . يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: (خيرا! أخ كريم وابن أخ كريم) . قال: (فإني أقول كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم. اذهبوا فأنتم الطلقاء) . طهر المسلمون البيت من الأصنام، وأتم محمد صلّى الله عليه وسلم بذلك في أول يوم فتح مكة ما دعا اليه منذ عشرين سنة: أتم تحطيم الأصنام والقضاء على الوثنية في البيت الحرام بمشهد من قريش، ترى أصنامها التي كانت تعبد ويعبد آباؤها، وهي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا. وأقام النبي صلّى الله عليه وسلم بمكة خمسة عشر يوما، نظم خلالها شئون مكة الإدارية والاجتماعية وفقّه أهلها في الدين، وأرسل قسم من المفارز للدعوة الى الاسلام ولتحطيم الأصنام خارج مكة من غير سفك للدماء. خسائر الطرفين 1- المسلمون: شهيدان فقط. 2- المشركون: ثلاثة عشر قتيلا وبعض الجرحى.

سرايا الدعوة إلى التوحيد

سرايا الدعوة الى التوحيد الهدف: 1- دعوة القبائل العربية المحيطة بمكة الى الإسلام. 2- تحطيم الأصنام والأوثان خارج مكة المكرمة. سرية خالد بن الوليد الى العزّى «1» بعث النبي صلّى الله عليه وسلم خالدا لخمس ليال بقين من رمضان- أي بعد خمسة أيام من فتح مكة- سنة ثمان الهجرية لهدم (العزّى) في ثلاثين فارسا من أصحابه، فلما سمع سادنها «2» بمسير خالد إليها، علّق عليها سيفه والتجأ الى الجبل الذي هي فيه وهو يقول: أيا عزّ شدي شدّة لا شوى «3» لها ... على خالد، ألقي القناع وشمّري ويا عزّ إن لم تقتلي اليوم خالدا ... فبوئي «4» بإثم عاجل أو تنصّري فلما انتهى إليها خالد هدمها وهو يقول: يا عزّ كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك وعاد خالد الى النبي صلّى الله عليه وسلم بعد انتهاء واجبه.

_ (1) - العزى: أعظم الأصنام عند قريش وبني كنانة، وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من سليم حلفاء بني هاشم، وكانت العرب وقريش تسمى بها: (عبد العزى) . راجع سيرة ابن هشام 1/ 87 و 4/ 64، والطبري 2/ 340، وابن الأثير 2/ 97. (2) - السادن: خادم بيت العبادة، جمعها: سدنة. (3) - لا شوى: أي لا تبقى على شيء. (4) - بوئي: ارجعي.

سرية عمرو بن العاص إلى سواع

سرية عمرو بن العاص الى سواع «1» بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة ثمان الهجرية عمرو بن العاص الى (سواع) صنم هذيل ليهدمه. قال عمرو: (فانتهيت إليه وعنده السادن فقال: ما تريد؟ قلت: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أهدمه! فقال: لا تقدر على ذلك! فقلت: لم؟ فقال: تمنع! فقلت: حتى الآن أنت في الباطل؟! ويحك هل يسمع أو يبصر؟! فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته، فلم يجدوا فيه شيئا، ثم قلت للسادن: كيف رأيت؟ فقال: أسلمت لله) . سرية سعد بن زيد الأشهلي الى مناة «2» بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة ثمان الهجرية سعد بن زيد الأشهلي الى (مناة) وكانت ب (المشلّل) «3» للأوس والخزرج وغسان، فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن، فقال السادن: (ما تريد) ؟ قال: (هدم مناة) ، قال: (أنت وذاك) ! فأقبل سعد يمشي إليها هو وأصحابه فهدموا الصنم ولم يجدوا في خزانتها شيئا، فانصرف الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مكة، وكان ذلك لستّ بقين من رمضان المبارك.

_ (1) - سواع: صنم كان (برهاط) من أرض (ينبع) ، كان سدنته بنو لحيان. أنظر كتاب الأصنام للكلبي ص 9. (2) - مناة: أقدم الأصنام كلها، وكانت العرب تسمي: (عبد مناة) و (زيد مناة) ، وكان منصوبا على ساحل البحر الاحمر من ناحية المشلل بقديد بين المدينة ومكة، وكانت العرب جميعا تعظمه وتذبح حوله، وكانت الأوس والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من تلك المواضع يعظمونه ويذبحون له ويهدون له، ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج. أنظر كتاب الأصنام للكلبي ص 13. (3) - المشلل: جبل يهبط منه الى قديد من ناحية البحر الأحمر. أنظر معجم البلدان 8/ 67.

سرية خالد بن الوليد إلى جذيمة من كنانة

سرية خالد بن الوليد الى جذيمة من كنانة لما رجع خالد من هدم (العزى) ورسول الله صلّى الله عليه وسلم مقيم بمكة، بعثه في شوال سنة ثمان الهجرية الى بني جذيمة وكانوا بأسفل مكة ناحية (يلملم) «1» ، وقد بعثه (داعيا) الى الإسلام ولم يبعثه (غازيا) «2» ، فدعاهم الى الاسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: (أسلمنا) ! فجعلوا يقولون: (صبأنا! صبأنا) ! فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ثم دفع الى كل رجل أسيره، حتى إذا كان يوم من الأيام، أمر خالد أن يقتل كل رجل أسيره، فلما علم النبي صلّى الله عليه وسلم بذلك قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) «3» . وفي رواية أخرى، أن خالدا خرج في ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فلما انتهى الى بني جذيمة قال: (ما أنتم) ؟ قالوا: (مسلمون، قد صلّينا وصدّقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذّنا فيها) ! فقال: (فما بال السلاح عليكم) ؟! فقالوا: إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة، فخفنا أن تكونوا هم، فأخذنا السلاح) ! قال: (فضعوا السلاح) ، فلما وضعوه قال لهم: (استأسروا) ! فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتّف بعضا وفرّقهم في أصحابه، فلما كان في السحر نادى خالد: (من كان معه أسير فليدافّه) ! والمدافة: الإجهاز عليه بالسيف. فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم، وأما المهاجرون والأنصار، فأرسلوا أساراهم، فلما بلغ النبي

_ (1) - يلملم: موضع على ليلتين من مكة، وهو ميقات أهل اليمن. أنظر معجم البلدان 7/ 514. (2) - أنظر فتح الباري بشرح البخاري 8/ 45، وسيرة ابن هشام 4/ 53. وطبقات ابن سعد 2/ 147. (3) - فتح الباري بشرح البخاري 8/ 45- 46. وصبأنا يعنون بها: دخلنا دين محمد (ص) . يقال صبأ الرجل إذا خرج من دين الى دين، ومنه (الصابئون) لأنهم قد اتخذوا دينا بين اليهودية والنصرانية.

صلّى الله عليه وسلم ذلك قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ؛ وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم «1» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (يا علي! أخرج الى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك) ، فخرج علي حتى جاءهم، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه ليدي لهم ميلغة الكلب «2» ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم حين فرغ منهم: (إني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم مما لا يعلم وتعلمون) ، فلما رجع وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بما فعل، قال له: (أصبت وأحسنت) «3» . ومن الواضح أن الرواية الأولى، وهي الرواية التي رواها الإمام البخاري في صحيحه هي الصحيحة، لأن صحيح البخاري هو أوثق المصادر في روايته، ولأنها أقرب للعقل والمنطقق، ولأن خالدا لو اقتنع بإسلامهم لما تجرأ مطلقا على قتلهم. لقد قال بنو جذيمة: (صبأنا ... صبأنا) ، فحمل خالد هذه اللفظة على ظاهرها، أي أنهم خرجوا من دين الى دين، فلم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالاسلام «4» ، والدليل على ذلك أنه قال لهم: (ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا) «5» ، وهذا دليل قاطع على أنه لم يقتنع بأن كلمة: (صبأنا) ، هي بمعنى: أسلمنا «6» .

_ (1) - أنظر طبقات ابن سعد 2/ 147- 148، وسيرة ابن هشام 4/ 54. (2) - ميلغة الكلب: خشبة تحفر ثم تتخذ ليلغ فيها الكلب. (3) - سيرة ابن هشام 4/ 55، والطبري 2/ 242، وجوامع السيرة ص 235، وعيون الأثر 2/ 186. (4) - فتح الباري بشرح البخاري 8/ 46. (5) - سيرة ابن هشام 4/ 53 والطبري 2/ 341 وابن الأثير 2/ 97 وتاريخ أبي الفدا 1/ 145. (6) - انظر تفاصيل ذلك في سيرة خالد ابن الوليد المخزومي في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة 72- 74.

دروس من الفتح

دروس من الفتح 1- المباغتة: حرص النبي صلّى الله عليه وسلم أشد الحرص على الا يكشف نياته لأحد عندما اعتزم الحركة الى مكة، وكان سبيله الى ذلك الكتمان الشديد. لم يبح بنياته لأقرب أصحابه الى نفسه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بل لم يبح بنياته الى أحب نسائه إليه عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، وبقيت نياته سرا مكتوما حتى أنجز هو وأصحابه جميع استعدادات الحركة، وحتى وصل أمره الإنذاري «1» الى المسلمين خارج المدينة وداخلها لإنجاز الاستعداد للحركة. ولكنه أباح بنياته في الحركة الى مكة قبيل موعد خروجه من المدينة، حيث لم يبق هناك مبرر للكتمان، لأن الحركة أصبحت وشيكة الوقوع. ومع ذلك فانه بثّ عيونه وأرصاده ودورياته لتحول دون تسرب المعلومات عن حركته الى قريش. بثّ عيونه داخل المدينة ليقضي على كل خبر يتسرّب من أهلها الى قريش، وقد رأيت كيف اطّلع على إرسال حاطب بن أبي بلتعة برسالته الى مكة، فاستطاع أن يحجز على تلك الرسالة قبل أن تصل الى الذين أرسلت اليهم. وبثّ دورياته في المدينة وخارجها ليحرم قريشا من الحصول على المعلومات عن نيات المسلمين، وليحرم المنافقين والموالين لقريش من إرسال المعلومات إليها. وبقي النبي صلّى الله عليه وسلم يقظا كل اليقظة، حذرا كل الحذر، حتى وصل ضواحي مكة، ونجح بترتيباته في حرمان قريش من معرفة تدابير المسلمين لفتح مكة.

_ (1) - الأمر الإنذاري: تعبير عسكري يقصد به الأمر التمهيدي الذي يصدر (مبكرا) قبل إصدار الأوامر المفصلة لغرض إعطاء فكرة للآمرين المرءوسين عن الحركة المقبلة، ولكي تنجز الاستحضارات اللازمة بكفاية لهذه الحركة.

2 - المعلومات:

ولو انكشفت نيات المسلمين لقريش في وقت مبكّر، لاستطاعت أن تحشد حلفاءها وتنظم قواتها وتقرر خطّة مناسبة لحرب المسلمين، ولاستطاعت مقاومة النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه أطول مدة ممكنة، ولأوقعت بقواته خسائر في الأرواح والأموال دون مبرر ... ليس من السهل أبدا، أن يتحرّك جيش كبير تبلغ قوته عشرة آلاف راكب وراجل الى مكة، دون أن تعرف قريش وقت حركته ونياته، حتى يصل ذلك الجيش الى ضواحي مكة، فيفلت الأمر من قريش، ولا تعرف ما تصنع إلا أن تلجأ الى الاستسلام. إنّ ترتيبات الرسول صلّى الله عليه وسلم في الكتمان لحرمان قريش من معرفة نياته، أمّنت له مباغتة متميزة للغاية، وأجبرت قريشا على الاستسلام دون قتال. 2- المعلومات: يقرّر القائد خطته بالنسبة الى المعلومات التي يستطيع الحصول عليها عن: نيات العدو، وعدد قواته، وتنظيمه وتسليحه ومواضعه وأسلوب قتاله والأرض التي سيقاتل فيها. وكلما كانت المعلومات المتيسّرة مفصّلة وافية، كانت خطة القائد دقيقة وكان احتمال نجاحها كبيرا. لقد استطاع المسلمون أن يعرفوا من وفد بني خزاعة أمر نقض الهدنة، واستطاعوا معرفة تردد قريش في قراراتها، كما استطاعوا أن يعرفوا كل خبر مهم أو غير مهم يدخل الى المدينة أو يخرج منها في أي وقت من الأوقات. أما قريش، فلم تستطع أن تحصل على أي نوع من المعلومات في أي وقت كان قبل حركة الرسول صلّى الله عليه وسلم وأثناءها حتى وصوله ضواحي مكة. حاول أبو سفيان أن يعرف نيات المسلمين من ابنته أم حبيبة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم

3 - بعد النظر:

فلم يفلح، وحاول أن يعرف ذلك من المسلمين في المدينة فأخفق، وحاول أن يعرف شيئا من وفد خزاعة، فأنكر الوفد ذهابه الى الرسول صلّى الله عليه وسلم، وهكذا بقيت قريش في عماية من أمرها، حتى وصل جيش المسلمين ضواحي مكة ونزل القضاء المحتوم بقريش. 3- بعد النظر: القائد الناجح هو الذي يتّسم ببعد النظر بالإضافة الى مزاياه الأخرى، ويتخذ لكل أمر محتمل الوقوع التدابير الضرورية لمعالجته، دون أن يترك مصائر قواته للأقدار. إن النصر من عند الله يؤتيه من يشاء، هذا أمر مفروغ منه، ولكنّ الله سبحانه وتعالى يكتب النصر لمن يعدّ له عدته ويحتاط لكل احتمال كبير أو صغير قد يصادفه؛ ولذلك يشدد العسكريون لإدخال أسوأ الاحتمالات في حسابهم عند الإقدام على أية حركة عسكرية. أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يحبس أبو سفيان في مدخل الجبل الى مكة، حتى تمر به جنود المسلمين، فيحدّث قومه عما رآه عن بيّنة ويقين، ولكي لا يكون إسراعه في العودة الى قريش قبل أن تتحطم معنوياته تماما، سببا لاحتمال وقوع أية مقاومة من قريش مهما يكن نوعها ودرجة خطورتها. وفعلا اقتنع أبو سفيان بعد أن رأى قوات المسلمين كلها، أن قريشا لا قبل لها بالمقاومة. وقد أدخل الرسول صلّى الله عليه وسلم في حسابه أسوأ الاحتمالات أيضا، عند تنظيم خطته لفتح مكة، فقد كانت تلك الخطة تؤمّن له تطويق البلد من جهاته الأربع بقوات مكتفية بذاتها بإمكانها العمل مستقلة عن القوات الأخرى عند الحاجة، وبذلك تستطيع القضاء على أية مقاومة في أية جهة من مكة، كما

4 - التنظيم:

تؤمّن له توزيع قوات قريش الى أقسام لمقاومة كل رتل من أرتال المسلمين على انفراد، فتكون قوات قريش ضعيفة في كل مكان. لقد اتخذ النبي صلّى الله عليه وسلم هذه التدابير الفعالة، على الرغم من اعتقاده بأن احتمال مقاومة قريش للمسلمين ضعيف جدا، وذلك ليحول دون مباغتة قواته وإيقاع الخسائر بها مهما تكن الظروف والأحوال. إن هذا العمل من أروع أمثلة بعد النظر الذي يجب أن يتّسم به القائد العبقري. 4- التنظيم: كان جيش الفتح يتألف من المهاجرين والأنصار ومسلمي أكثر القبائل العربية المعروفة يومذاك: ألف رجل من بني سليم، وألف رجل وثلاثة رجال من مزينة، وأربعمائة من بني غفار، وأربعمائة وألف من بني جهينة، وأربعمائة من أسلم، وعدد من تميم وأسد وقيس وغيرها من القبائل الأخرى. إن هذا التنظيم جعل المشركين يترددون في مقاومة جيش المسلمين، لأن كل قبيلة من قبائل المشركين لها في جيش الفتح عدد كبير من الرجال بل إن كثيرا من القبائل تعتبر نجاح هذا الجيش نجاحا لها على الرغم من اختلاف العقيدتين؛ والأكثر من ذلك، فان انتصار هذا الجيش لا يعتبر فخرا لقبيلة دون أخرى، كما أن إخفاق أية قبيلة في التغلب عليه، لا يعتبر عارا عليها، لأن هذا الجيش لم يكن لقبيلة دون أخرى، بل لم يكن للعرب دون غيرهم، بل كان للإسلام ولمعتنقي هذا الدين الحنيف من العرب وغير العرب. إني أعتقد أن تنظيم هذا الجيش بهذا الأسلوب الذي لا يخضع إلا للعقيدة الموحدة فقط دون غيرها من المؤثرات، جعل القبائل كلها لا تحرص على مقاومته حرصها على مقاومة قبيلة خاصة أو قبائل خاصة، وجعل أكثر تلك القبائل لا تريد إخفاقه إذا لم تكن تريد النصر له، وهذا أدّى الى تردد القبائل

5 - المعنويات:

في مقاومته وامتناعها عن نقل المعلومات عنه الى قريش أو غيرها؛ كما أعتقد أن قوة هذا الجيش وحدها لم تكن المانع الوحيد لتردّد القبائل في قتاله ونقل المعلومات عنه للمشركين، لأن قتاله أو نقل المعلومات عنه لعدوّه، معناه إيقاع الخسائر في المسلمين، تلك الخسائر التي تكون على القبائل كلها لا على قبيلة واحدة، وبذلك يشمل الضرر القبائل كلها لا المسلمين وحدهم، ومن يضمن ألا تكون أكثر الخسائر من منتسبي تلك القبيلة التي سبّبت للمسلمين هذه الخسائر. 5- المعنويات: لم تكن معنويات المسلمين في وقت من الأوقات أعلى وأقوى مما كانت عليه أيام فتح مكة البلد المقدس عند المسلمين الذي يتوجهون إليه في صلاتهم كل يوم، ويحجّون بيته كل عام: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً، وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) «1» . وقد كانت أهمية مكة للمهاجرين أكثر من أنها بلد مقدس، فهي بلدهم الذي تركوه فرارا بدينهم وتركوا فيه أموالهم وأقرباءهم وكل عزيز عليهم. لذلك لم يتخلّف أحد من المسلمين عن هذه الغزوة إلا القليل من ذوي الأعذار الصعبة. أما معنويات قريش فقد كانت منهارة للغاية ومن حقها أن تنهار، فقد أثرت فيها (عمرة القضاء) كما رأيت، كما أثر فيها انتشار الإسلام في كل بيت من بيوت مكة تقريبا، وبذلك فقدت مكة روح المقاومة وإرادة القتال. كان حماس بن قيس من بني بكر يعد سلاحه قبل دخول الرسول صلّى الله عليه وسلم مكة، فسألته امرأته المشركة: (لماذا تعد ما أرى) !؟ قال: (لمحمد

_ (1) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 125.

6 - السلم:

وأصحابه) ! قالت: (والله ما أرى أنه يقوم لمحمد وأصحابه شيء) . فاذا كان هذا مقدار معنويات المشركين في مكة، فكيف تستطيع المقاومة، وكيف لا تتردد في الإقدام على القتال؟ إني أعتبر أن فتح مكة قد تمّ للمسلمين من يوم عمرة القضاء، لأن هذه العمرة أثرت في معنويات قريش أعظم التأثير. إن عمرة القضاء فتحت قلوب قريش، وغزوة الفتح فتحت أبوابها. ومما زاد في انهيار معنويات قريش وشلّ كل روح للمقاومة فيها، ما اتخذه الرسول صلّى الله عليه وسلم من ترتيبات إيقاد عشرة آلاف نار في ليلة الفتح، ومرور الجيش كله بأبي سفيان قائد قريش أو أكبر قائد فيها، ودخول أرتال المسلمين من كل جوانب مكة. لقد كانت معركة (الفتح) معركة معنويات لا معركة ميدان. 6- السلم: حرص الرسول صلّى الله عليه وسلم منذ خروجه من المدينة المنورة حتى فتح مكة المكرمة على نياته السلمية، ليؤلف بذلك قلوب المشركين، ويجعلها تقبل على الاسلام. إيقاد النيران في ليلة الفتح بشكل لم تعرف له العرب مثيلا من قبل، يستهدف القضاء على روح المقاومة في قريش، ويجبرها على الاستسلام دون قتال. ومرور الجيش بأبي سفيان، يستهدف إقناعه بعدم جدوى المقاومة، ليعمل من جانبه على إقناع قريش بهذا الرأي. (ومن دخل دار أبي سفيان أو أغلق عليه بابه أو التجأ الى البيت الحرام فهو آمن) ، كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلم، ومعناه: منع تجمع قريش للمقاومة وإجبارهم على الاستسلام.

بل إن دخول أرتال المسلمين من كل جانب من جوانب مكة، لا يعني إلا إقناع قريش باستحالة المقاومة. كما عهد صلّى الله عليه وسلم الى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة، ألّا يقاتلوا إلا من قاتلهم. كل ذلك كان يستهدف السلم وحقن الدماء. وبقي الرسول صلّى الله عليه وسلم مصرا على نياته السلمية بعد الفتح أيضا، فقد أصدر العفو العام عن قريش «1» وقال لهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) .

_ (1) - أمّن رسول الله (ص) الناس حاشا عبد العزّى بن خطل وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وعكرمة بن أبي جهل والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ومقيس بن صبابة وقينتي ابن خطل وهما فرتنا وصاحبتها، وسارة مولاة لبني عبد المطلب. أما ابن خطل، فكان قد أسلم وبعثه (ص) مصدّقا وبعث معه رجلا من المسلمين فعدا عليه وقتله ولحق بالمشركين، فوجد يوم الفتح وقد تعلق بأستار الكعبة، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي. وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فكان يكتب لرسول الله (ص) ، ثم لحق بمكة فاختفى، فأتى به عثمان بن عفان رسول الله (ص) وكان أخاه من الرضاعة، فاستأمن له، فأمنه النبي (ص) . وأما عكرمة بن أبي جهل ففر الى اليمن فأتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فردته، فأسلم وحسن إسلامه، ثم أصبح من قادة الفتح الاسلامي. وأما الحويرث بن نقيذ، وكان يؤذي رسول الله (ص) ، فقد قتله علي بن أبي طالب يوم الفتح. وأما مقيس بن صبابة، فكان قد أتى النبي (ص) مسلما ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله لقتله أخاه خطأ، فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثي وهو ابن عمه. وأما قينتا ابن خطل، فقتلت إحداهما واستؤمن للأخرى، فأمنها رسول الله (ص) ، فعاشت الى أن ماتت بعد ذلك بمدة، وكانتا تغنيان بهجو رسول الله (ص) . وأما سارة فاستؤمن لها أيضا، فأمنها رسول الله (ص) . واستتر رجلان من بني مخزوم عند أم هانىء بنت أبي طالب فأمنتهما، فأمضى رسول الله (ص) أمانها لهما، وقيل إنهما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية أخو أم سلمة، فأسلما وكانا من خيار المسلمين. وهكذا لم يقتل من أهل مكة وهم ألد أعداء الإسلام والمسلمين يوم الفتح غير ثلاثة رجال وامرأة واحدة!! وهذا منتهى التسامح والإنصاف.

وكما حرص النبي صلّى الله عليه وسلم على السلم الإجماعي حرصه على السلم للأفراد، فمنع القتل حتى لفرد من المشركين. قتلت خزاعة حلفاء المسلمين رجلا من هذيل غداة يوم الفتح لثأر سابق لها عنده، فغضب الرسول صلّى الله عليه وسلم أشد الغضب، وقام في الناس خطيبا، ومما قاله: (يا معشر خزاعة! ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر إن نفع، لقد قتلتم قتيلا لأدينه، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين: إن شاءوا فدم قاتله، وإن شاءوا فعقله- أي ديته-) . ثم ودى بعد ذلك الرجل الذي قتلت خزاعة. بل إن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يقتل رجلا من المشركين أراد اغتياله شخصيا وهو يطوف في البيت الحرام، بل تلطّف معه؛ فقد اقترب منه فضالة بن عمير يريد أن يجد له فرصة ليقتله، فنظر إليه النبي صلّى الله عليه وسلم نظرة عرف بها طويّته، فاستدعاه وسأله: «ماذا كنت تحدّث به نفسك) ؟! قال: (لا شيء! كنت أذكر الله) . فضحك النبي صلّى الله عليه وسلم وتلطّف معه ووضع يده على صدره، فانصرف الرجل وهو يقول: (ما رفع يده عن صدري، حتى ما من خلق الله شيء أحبّ إليّ منه) . لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يستهدف من حرصه على السلم تأليف قلوب الناس وتوحيد كلمتهم ليقبلوا طائعين على الاسلام، فلم يكن من السهل على قريش أن تقبل بمصيرها الذي آلت إليه وهي كانت سيدة العرب غير منازع، لأنها أعظمهم حضارة وأشدهم بأسا وأكثرهم مالا وفي بلدها البيت الحرام. ليس من السهل أن ترضى قريش بمصيرها هذا وتقبل على الاسلام طائعة وتحمل رايات الجهاد، لو لم تعامل هذه المعاملة السلمية التي لم تكن تتوقعها؛ وبذلك انقلب موقفها من أشد الناس عداوة للإسلام الى أحرص الناس على رفع راية الاسلام.

7 - الوفاء:

زد على ذلك أن (السلام) في الاسلام دين، أمر الله به في محكم كتابه: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) «1» ... 7- الوفاء: التاريخ العسكري طافح بأعمال الظلم والانتقام التي قام بها المنتصرون، ويندر أن نجد في التاريخ كله وفاء يشابه وفاء الرسول صلّى الله عليه وسلم، بل لا نجد مثيلا في التاريخ كله لهذا الوفاء. رأى الأنصار دخول الرسول صلّى الله عليه وسلم بلده الحبيب بعد فراق طال أمده، وشاهدوا التفاف قومه وأهله حوله، فقال بعضهم لبعض: (أترون رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده، يقيم بها) ؟ ولكنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم ما لبث أن سألهم: (ما قالوا) ؟ فلما أباحوا له بما يخالج نفوسهم بعد تردد، قال: (معاذ الله! المحيا محياكم والممات مماتكم) . وقد كان من حقه أن يستقر بمكة وفيها أهله وقومه، وفيها بيت الله الحرام، ولكنّ وفاءه أبى عليه أن ينسى أصدقاء الشدّة في وقت الرخاء. ورأى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه مفتاح الكعبة بيد الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقال له: (يا رسول الله! اجمع لنا الحجابة مع السقاية) . قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أين عثمان بن طلحة) ؟ فلما جاء عثمان قال له: (يا ابن طلحة! هاك مفتاحك، اليوم يوم بر ووفاء) . أما وفاؤه بعهوده وحرصه الشديد على التمسّك بها، فحديث معاد. تلك أمثلة من وفاء الرسول صلّى الله عليه وسلم، حتى قال أعداؤه عنه قبل أصدقائه: (إنه أوصل الناس وأحلمهم وأكرمهم وأوفاهم) .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 61.

8 - التواضع:

8- التواضع: السيطرة على الأعصاب في حالتي النصر والاندحار من أصعب الأمور التي يجب أن تتوفر في القائد المتميّز. وربما تكون السيطرة على الأعصاب في حالة الهزيمة أسهل من السيطرة عليها في حالة النصر، فكم غيّر النصر من أخلاق القادة وجعلها تتقلب من حال الى حال. ولكنّ نصر المسلمين يوم الفتح جعل الرسول صلّى الله عليه وسلم يتواضع لله، حتى رآه المسلمون يوم ذاك ورأسه قد انحنى على رحله، وبدا عليه التواضع الجمّ، حتى كادت لحيته تمسّ واسطة راحلته خشوعا، وترقرقت في عينيه الدموع تواضعا وشكرا لله. إنّ قيمة هذا التواضع في موقف يعدّ أكبر نصر للمسلمين، تتضاعف في النفوس والعقول معا إذا قارناه بمواقف العظمة والجبروت التي أبداها مختلف القادة في مختلف الظروف، عندما حازوا نصرا أقل قيمة من فتح مكة بكثير. إنّ تواضع الرسول صلّى الله عليه وسلم درس عملي لكل قائد منتصر، وما أصعب الظهور بهذا المظهر ساعة النصر! 9- العقيدة: رأيت كيف طوت أم حبيبة رضي الله عنها زوج الرسول صلّى الله عليه وسلم فراش النبي صلّى الله عليه وسلم عن والدها أبي سفيان بن حرب، وقد جاءها من سفر بعيد بعد غياب عنها طويل؛ ذلك لأنها رغبت به عن مشرك نجس ولو كان هذا المشرك أباها الحبيب. وعندما جاء أبو سفيان مع العباس عم النبي صلّى الله عليه وسلم ليواجه الرسول صلّى الله عليه وسلم،

10 - تحطيم الاصنام:

رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فترك خيمته واشتدّ نحو خيمة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلما وصلها قال: (يا رسول الله! دعني أضرب عنقه) . قال العباس: (يا رسول الله! إني قد أجرته) ، فلما أكثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال العباس رضي الله عنه: (مهلا يا عمر! ما تصنع هذا إلا أنه من بني عبد مناف، ولو كان من بني عديّ ما قلت هذه المقالة) ؛ فقال عمر: (مهلا يا عباس! فو الله إسلامك يوم أسلمت كان أحب لي من إسلام الخطاب لو أسلم) . هذا صحيح، فقد كان عمر يمثّل عقيدة المسلمين الأولين الراسخة، بينما كان العباس حديث عهد بالإسلام. وكيف تبرّر إقدام المهاجرين على الاشتراك في غزوة الفتح، تلك الغزوة التي لم يكن من المستبعد أن تصطرع فيها قوات المسلمين وقوات قريش قوم المهاجرين وأهلهم في بلدهم الحبيب. إنّ عقيدة المسلمين لا تخضع للمصلحة الشخصية، بل هي رهن المصلحة العامة وحدها. 10- تحطيم الاصنام: تحطيم الأصنام في مكة يوم الفتح وفي غير مكة بعيد الفتح، قضى على عقيدة الإشراك في أقوى معقل من معاقلها في شبه الجزيرة العربية كلها. إنّ تحطيم الأصنام- وهي التي كان يعبدها المشركون ويقرّبون القرابين إليها دون أن تذود عن نفسها أو تصيب من حطمها بأذى كما كان يعتقد المشركون بها- نزع من نفوسهم الى الأبد آخر اعتقاد في قدسية هذه الأصنام وفائدتها.

11 - القضايا الادارية:

11- القضايا الادارية: كان موقف إعاشة المسلمين في غزوة الفتح جيدا، فلم يشك منهم أحد من نقص الأرزاق قبل الفتح وبعده، حتى عادوا الى المدينة المنورة. كما كان موقف النقلية جيدا أيضا، فقد كان لدى جيش المسلمين عدد كبير من الإبل والخيل، أفادوا منها في تنقلهم للركوب وحمل أمتعتهم. أما تسليحهم فكان متميّزا، ويكفي أن تسمع وصف الكتيبة الخضراء التي كان فيها النبي صلّى الله عليه وسلم، فقد كان أفرادها لا يرى منهم إلا الحدق من كثرة الحديد. لقد تأمّنت كل القضايا الإدارية للمسلمين في غزوة الفتح بشكل لم يسبق له مثيل في غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلم السابقة.

استثمار الفوز (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) . (القرآن الكريم)

استثمار الفوز

غزوة حنين «1» وحصار الطائف «2» الموقف العام 1- المسلمون: كان لفتح مكة أكبر الأثر في توحيد شبه الجزيرة العربية كلها تحت لواء الاسلام، كما كان له أثر معنوي عميق في المسلمين والمشركين على حد سواء، فأصبحت شبه الجزيرة العربية قوة موحّدة ذات عقيدة واحدة وهدف واحد، تعمل بقيادة واحدة، ولم يبق على الشرك إلا قسم من القبائل كقبيلتي هوازن وثقيف، ومن الواضح أن قضية إسلام هذه القبائل أصبحت قضية وقت ليس إلا، لانهيار أكبر حصن للشرك: مكة، ولانهيار أكبر عدو للإسلام: قريش! 2- المشركون: سمعت هوازن وثقيف وقسم من القبائل الأخرى بفتح مكة، فقررت أن تقوم بغزو المسلمين قبل أن يقوم المسلمون بغزوهم، وأخذت تحشد قواتها في منطقة الطائف. ولكن انتشار الاسلام في هوازن وثقيف، جعل الكثيرين من رجال تلك القبيلتين يتخلّفون عن هذا الحشد، إذ تخلّفت كعب وكلاب وأشجع كما تخلفت قبائل أخرى، ورجال من ذوي العقول.

_ (1) - حنين: هو واد قبل الطائف بينه وبين مكة ثلاث ليال. انظر معجم البلدان 3/ 354. (2) - الطائف: بلد ثقيف ذات مزارع وأعناب ونخل وموز وسائر الفواكه، وبها مياه جارية. انظر التفاصيل في معجم البلدان 6/ 10.

قوات الطرفين

كان التردد ظاهرا على القبائل المحتشدة، وكان الاختلاف واضحا بينها، ولم تكن معنوياتها عالية على كل حال. قوات الطرفين 1- المسلمون: اثنا عشر ألفا بين راكب وراجل بقيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم: ألفان من أهل مكة وعشرة آلاف من المسلمين الذين حضروا فتح مكة. 2- المشركون: قبيلة هوازن (عدا عقيل بن كعب بن ربيعة وبشر بن كعب بن ربيعة وبني كلاب بن ربيعة وسائر إخوتهم) ومعظم قبيلة ثقيف بقيادة مالك بن عوف النصري من هوازن. أهداف الطرفين 1- المسلمون: ضرب القبائل المحتشدة من ثقيف وهوازن قبل أن يستفحل أمرها وتهدّد مكة نفسها ومن فيها من المسلمين. 2- المشركون: القضاء على قوات المسلمين وأخذ المبادأة منهم. قبل المعركة 1- المسلمون: سمع الرسول صلّى الله عليه وسلم بأخبار تحشّد هوازن وثقيف لمهاجمة المسلمين، فأرسل

2 - المشركون:

عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يذهب الى منطقة تحشد المشركين للتأكد من صحة تلك الأخبار. وعاد عبد الله الأسلمي من واجبه ليخبر المسلمين بأن قبائل هوازن وثقيف قد أنجزت حشدها في منطقة وادي أوطاس، وأنها تنوي مهاجمة المسلمين. قرر الرسول صلّى الله عليه وسلم مهاجمة هذه القبائل ليحتفظ بالمبادأة بيد المسلمين، وبدأ بانجاز الاستعدادات الضرورية للحركة. وبلغ الرسول صلّى الله عليه وسلم أن عند صفوان بن أمية دروعا وسلاحا فاستعارها من صفوان ليكمل بها تسليح قواته، وكان عددها مائة درع مع أسلحتها؛ ولما أنجز المسلمون استعداداتهم تحرّكوا باتجاه (حنين) ، وكانت المقدمة مؤلفة من سليم بقيادة خالد بن الوليد وأمامها القطعات الراكبة من الفرسان، وكان القسم الأكبر مؤلفا من القبائل الأخرى، وأمام كل قبيلة رايتها؛ وكانت الكتيبة الخضراء المؤلفة من المهاجرين والأنصار في مؤخرة القسم الأكبر ومعها الرسول صلّى الله عليه وسلم. وصل جيش المسلمين فجرا الى وادي (حنين) ، ذلك الجيش الذي قال المسلمون عنه: (لن نغلب اليوم من قلّة) . 2- المشركون: حشدت هوازن وثقيف قواتها في وادي حنين (أوطاس) ومعهم نساؤهم وأطفالهم وأموالهم، وقد أراد مالك بن عوف قائدهم أن تكون الذراري والأموال مع المقاتلين، حتى يشعر كل رجل منهم وهو يقاتل أن حرمته وثروته وراءه فلا يفر عنها. وقد اعترض دريد بن الصمّة وهو فارس مجرب قائلا لمالك: (هل يردّ المنهزم شيء؟ إن كانت الدائرة لك لم ينفعك إلا رجل برمحه وسيفه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك) . فكان جواب مالك: (والله لا

القتال

أفعل ذلك، إنك قد كبرت وكبر علمك، والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري) . اضطرت هوازن الى الأخذ برأي مالك، وكان شابا في الثلاثين من عمره قوي الإرادة ماضي العزيمة شجاعا، ولكنه كان سقيم الرأي متهورا سيىء المشورة. كانت خطة مالك تتلخص باحتلال الهضاب والجبال المشرفة على وادي (حنين) الذي ستسلكه قوات المسلمين، حتى اذا دخلت قوات المسلمين في الوادي، باغتهم المشركون بالرمي عليهم بالنبال من كل جانب لارباك ترتيباتهم التعبوية التي اتخذوها في مسير الاقتراب والتأثير في معنوياتهم، ثم القيام بالهجوم عليهم بعد ارتباك ارتال مسيرهم وإيقاع الخسائر بهم وتحطيم معنوياتهم لإجبارهم على الانسحاب أولا ومحاولة قلب الانسحاب الى هزيمة نكراء. وأكمل المشركون احتلال هضاب الوادي ومضايقه قبل دخول المسلمين اليه، وكمنوا في مواضعهم المستورة انتظارا لجيش المسلمين. القتال 1- هجوم المشركين: دخلت قوات المسلمين وادي (حنين) فجرا، وكان واديا أجوف منحدرا ينحط فيه الركبان كلما أوغلوا، كأنهم يسيرون الى هاوية؛ فلما استقرت أكثر قوات المسلمين في الوادي، رماهم المشركون بوابل من سهامهم، فلم يعرف المسلمون مصدر ذلك الرمي ولا اتجاهه، لأن الظلام كان مخيّما وقتذاك، ولأن مواضع المشركين كانت مخفية تماما؛ فانسحبت مقدمة المسلمين وجرفت أمامها قوات المسلمين الأخرى، فانقلب انسحاب المسلمين الى هزيمة. ورأى أبو سفيان هزيمة المسلمين فقال: (لا تنتهي هزيمتهم دون البحر)

2 - هجوم المسلمين المضاد:

وقال آخرون ممن أسلموا حديثا مثل قوله، بل إن شيبة بن عثمان بن طلحة الذي قتل أبوه في غزوة (أحد) ، حاول اغتيال الرسول صلّى الله عليه وسلم في عنفوان هذا الموقف العصيب، ليدرك ثأر أبيه من النبي صلّى الله عليه وسلم. وترك المشركون مواضعهم للقيام بالمطاردة بعد انسحاب المسلمين، وكان يتقدم هوازن رجل على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل، وهو كلما أدرك المسلمين طعن برمحه، وهوازن وثقيف منحدرون وراءه يطعنون. وانتشر الفزع بين المسلمين، وازدحمت المسالك بالسابلة، وارتبكت ارتالهم واختلطت القبائل ببعضها، وركبت الإبل بعضها بعضا وهي مولية بأصحابها، وتعقدت الأمور. 2- هجوم المسلمين المضاد: ثبت الرسول صلّى الله عليه وسلم في مكانه، وثبت معه عشرة من أهل بيته ومن المهاجرين «1» ، بينهم عمه عباس، وأخذ الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام ينادي الناس إذ يمرون به منهزمين: (أين أيها الناس!؟ أين!؟ هلموا إليّ. أنا رسول الله. أنا محمد بن عبد الله) ، فلا يرد عليه أحد بجواب، لأن الارتباك كان سائدا في صفوف المسلمين الى أقصى الحدود. عند ذاك أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم عمه العباس- وكان جهير الصوت- أن ينادي: (يا معشر الأنصار! يا أصحاب البيعة يوم الحديبية) ! ... وكرر العباس النداء، حتى تجاوبت أصداؤه في جنبات الوادي. وسمع النداء المهاجرون والأنصار، فأخذوا يكافحون ليبلغوا مصدر الصوت،

_ (1) - هم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والعباس عم النبي (ص) وأبو سفيان بن الحارث وابنه جعفر والفضل بن العباس وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد وأيمن بن أم أيمن بن عبيد، قتل يومئذ.

3 - المطاردة:

فرمى اكثرهم درعه وترك بعيره واستصحب معه سيفه وترسه فقط، ليبلغ مصدر الصوت بسرعة ما استطاع الى ذلك سبيلا. واجتمع حول الرسول صلّى الله عليه وسلم نحو مائة مسلم وهم يهتفون: (لبيك) ، فاستقبل الرسول صلّى الله عليه وسلم بهم المشركين، وصمدوا في مواضعهم حتى فتر هجوم المشركين. وكان النهار قد طلع وكان المشركون قد تركوا مواضعهم التي كانوا قد احتلوها في الهضاب والجبال المحيطة بوادي (حنين) ، فأدى صمود المسلمين العنيد الى إيقاع بعض الخسائر بالمشركين، مما أدى الى انهيار معنوياتهم وتراجعهم. ولولا صمود هذا العدد القليل من المسلمين ومشاغلتهم المشركين، لكانت خسائر المسلمين في تلك المعركة كبيرة جدا. وأخذ عدد المسلمين الصامدين يتزايد، وهناك بدأوا بالهجوم المضاد على المشركين؛ وعندما رأت هوازن وثقيف أنّ المقاومة لا تجديهم نفعا، وأنهم لا يستطيعون صد هجوم المسلمين، انسحبوا من ميدان المعركة تاركين وراءهم نساءهم وأبناءهم وأموالهم غنيمة للمسلمين. ولم يكن للمشركين ساقة لحماية الانسحاب، فانقلب انسحابهم الى هزيمة. 3- المطاردة: انسحبت أكثر ثقيف باتجاه (الطائف) ، وكان معهم مالك بن عوف، وانسحبت هوازن والقبائل الأخرى باتجاه (أوطاس) و (نخلة) «1» . وقام المسلمون بالمطاردة، وأعلن النبي صلّى الله عليه وسلم أنّ من قتل مشركا فله سلبه، ووصلت مطاردة المسلمين الى (أوطاس) ، فأوقعوا بهوازن هناك خسائر فادحة بالأرواح، كما وصلوا الى (نخلة) فأوقعوا بالمنسحبين الى هناك من هوازن أيضا خسائر فادحة، كما استسلم كثير من المشركين أسرى، ولما عاد حديث والعهد بالإسلام من هزيمتهم رأوا الكثيرين من المشركين أسرى مصفدين بالأغلال.

_ (1) - نخلة: واد من الحجاز بينه وبين مكة مسيرة ليلتين. انظر معجم البلدان 8/ 276.

حصار الطائف

حصار الطائف وصل بعض المسلمين بمطاردتهم الى الطائف، التي التجأ إليها المنهزمون من المشركين، وكانت مدينة محصّنة ذات أسوار وحصون قوية ولها أبواب تغلق عليها. وتجمّعت أرتال المسلمين التي طاردت المنسحبين الى (أوطاس) و (نخلة) - بعد إنجاز واجباتها- برتل المسلمين الذي طارد ثقيفا باتجاه الطائف، لإجبار ثقيف على الاستسلام. إلا أنّ ثقيفا سدّدت نبالها على المسلمين الذين كانوا قريبين من الحصون، فأوقعوا فيهم بعض الخسائر، فقرر الرسول صلّى الله عليه وسلم الانسحاب بعيدا عن مرمى النبل، واستقرّ المسلمون في مواضع أمينة هناك. وفكّر المسلمون في وسيلة يستطيعون بها إجبار الطائف على الاستسلام، فأشار سلمان الفارسي بقذف حصونها بالمنجنيق وبمهاجمة تلك الحصون بالدبابات ... رمى المسلمون الطائف بالمنجنيق وتقرّب بعضهم بحماية الدبابات الى سور الطائف ليخرقوه، ولكنّ أهل الطائف استطاعوا إحباط هذا الهجوم، إذ أحموا قطعا من الحديد بالنار، حتى اذا انصهرت ألقوها على الدبابات الخشبية فحرقتهأ؛ فانسحب المسلمون المحتمون بها من تحتها لئلا يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبل بعد انكشافهم من حماية الدبابات. أعلن الرسول صلّى الله عليه وسلم أنه سيعتق كل عبد يأتيه من الطائف، ففرّ إليه حوالي عشرين من عبيد أهلها، فعرف منهم أن المواد الغذائية كثيرة جدا لدى ثقيف، لذلك آثر أن يرفع الحصار عن الطائف بعد أن استمر حوالي شهر واحد، تاركا أمر استسلام ثقيف الى الزمن، خاصة وأن الكثيرين من رجالها اعتنقوا الإسلام.

خسائر الطرفين

خسائر الطرفين 1- المسلمون: كانت خسائرهم كبيرة جدا في الأرواح. أنظر الملحق (م) . 2- المشركون: كانت خسائر المشركين في الأرواح كبيرة جدا، أما خسائرهم في الأموال فكانت: أربعة وعشرين ألف بعير. أربعين ألف شاة. أربعة آلاف أوقية من الفضة. ستة آلاف نسمة من السبي. أسباب التخلي عن محاصرة الطائف يمكن إجمال أسباب تخلي المسلمين عن محاصرة الطائف بما يلي: 1- قوة حصون الطائف وشجاعة بني ثقيف وتكديس المواد الغذائية فيها، كل ذلك جعل استسلامها للمسلمين صعبا يحتاج الى مدة طويلة. 2- أصبحت الفترة بين ترك المسلمين المدينة في رمضان حتى حصار الطائف والبقاء هناك حوالي شهر واحد، أصبحت الفترة حوالي شهرين تقريبا، وهذه المدة ليست قليلة بالنسبة للمسلمين الذين دخلوا الإسلام حديثا، مما جعل بعضهم يرغب في سرعة العودة الى ديارهم، كما أن الوقت ثمين بالنسبة للرسول صلّى الله عليه وسلم لتوطيد دعائم الاسلام. 3- قرب حلول الشهر الحرام (ذي القعدة) .

الغنائم

4- انتشار الاسلام في ثقيف مما جعل دخول ثقيف كلها في الاسلام أكيدا لا يحتاج إلا إلى الوقت. وقد نظمت مقاومة المسلمين ضد ثقيف بعد إسلام مالك بن عوف، حيث استعمله الرسول صلّى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلا أنمار عليه، حتى ضيّق عليهم الخناق، فالتجأوا الى الرسول صلّى الله عليه وسلم وأسلموا ... الغنائم 1- التكديس: بعد انتهاء معركة حنين، كدّس الرسول صلّى الله عليه وسلم الغنائم في موضع (الجعرانة) «1» ، حتى يتفرغ للمطاردة وحصار الطائف، ثم يعود بعد ذلك الى توزيعها على أصحابه والمؤلفة قلوبهم. 2- التوزيع: بقيت الغنائم غير موزّعة مدة طويلة، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان ينتظر قدوم وفد من هوازن إليه تائبين، ولكنه اضطر الى تقسيم الغنائم بعد أن بلغ انتظاره لهوازن حوالي شهر واحد، دون أن يحضر إليه أحد، خاصة وأن الأعراب وحديثي الإسلام أخذوا يلحّون على الرسول صلّى الله عليه وسلم طالبين تقسيم الغنائم. وشرع النبي صلّى الله عليه وسلم بتقسيم الغنائم، وبدأ بالمؤلفة قلوبهم، فأعطاهم أوفى العطاء وأجزله: أخذ أبو سفيان مائة من الإبل وأربعين أوقية من الفضة، فقال: (وابني معاوية) ؟ فمنح مثلها لمعاوية. فقال: (وابني يزيد) ؟ فمنح مثلها لابنه يزيد.

_ (1) - الجعرانة: هي ماء بين الطائف ومكة وهي الى مكة اقرب. انظر معجم البلدان 3/ 109.

3 - إعادة السبي:

وأقبل رؤساء القبائل وأصحاب الطمع يتسابقون الى ما يمكن أخذه، وشاع أن النبي صلّى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وأوجس الناس خيفة إن أفشى النبي صلّى الله عليه وسلم هذه الأعطيات لمن يفدون عليه أن تنقص حصّتهم من الغنائم، فألحوا في أن يأخذ كلّ فيئه. وأكبّ عليه الأعراب يقولون: (يا رسول الله! أقسم علينا فيئنا) ، فقام الرسول صلّى الله عليه وسلم الى جنب بعير، فأخذ من سنامه وبرة، فجعلها بين إصبعيه، ثم رفعها، فقال: (أيها الناس! ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة، إلا الخمس والخمس مردود عليكم) . وقد كان نصيب المؤلفة قلوبهم من هذه الغنائم أوفى نصيب، أما المسلمون الأولون من المهاجرين والأنصار، فقد كان نصيبهم لا يكاد يذكر. 3- إعادة السبي: بعد قسمة الغنائم أقبل وفد هوازن مسلما، وسألوا رسول صلّى الله عليه وسلم أن يردّ عليهم سبيهم وأموالهم، فخيرهم الرسول صلّى الله عليه وسلم بين أبنائهم ونسائهم وبين أموالهم، فاختاروا أبناءهم ونساءهم، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أما ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، وإذا ما صليت الظّهر بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله الى المسلمين وبالمسلمين الى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم) . نفّذت ذلك هوازن، فأجابهم الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم) . قال المهاجرون: (وما كان لنا فهو لرسول الله) ، وكذلك قال الأنصار. ولكنّ الأقرع بن حابس عن تميم وعيينة بن حصن عن فزارة، رفضا إعادة السبي، كما رفض عباس بن مرداس، هنالك قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (أما من تمسك منكم بحقه من السبي، فله بكل إنسان ستة فرائض من أول سبي أصيبه) . وهكذا ردّ المسلمون كلّ السبايا الى هوازن.

سرايا الدعوة

سرايا الدعوة سرية الطفيل بن عمرو الدّوسي الى ذي الكفّين «1» لما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلم السير الى الطائف، بعث الطفيل بن عمرو الدّوسي في شوال سنة ثمان الهجرية الى (ذي الكفين) صنم عمرو بن حممة الدّوسي يهدمه، وأمره أن يستمدّ قومه ويوافيه بالطائف؛ فخرج سريعا الى قومه، فهدم (ذا الكفين) وجعل يحشّ النار في وجهه ويحرقه ويقول: يا ذا الكفين لست من عبّادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا إني حششت النار في فؤادكا وانحدر معه أربعمائة من قومه سراعا، فوافوا النبي صلّى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام، وقدم بدبابة ومنجنيق، فأفاد المسلمون منهما في حصار الطائف. سرية عيينة بن حصن الفزاري الى بني تميم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري في المحرم سنة تسع الهجرية الى بني تميم وكانوا بين (السّقيا) «2» وأرض بني تميم، وبعث معه خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري، فكان يسير الليل ويكمن النهار. وهجم عيينة عليهم صباحا فانهزم بنو تميم، فأخذ المسلمون منهم أسرى من

_ (1) - ذو الكفين: كان لدوس ثم لبني منهب صنم يقال له: ذو الكفين، فلما أسلموا بعث النبي (ص) الطفيل بن عمرو الدوسي فحرقه. أنظر كتاب الأصنام للكلبي ص 37. (2) - السّقيا: من أسافل أودية تهامة، وهي أيضا قرية جامعة من عمل الفرع بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلا. أنظر معجم البلدان 5/ 94.

سرية خالد إلى بني المصطلق

الرجال والنساء والأطفال، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلم أعادهم جميعا الى وفد بني تميم الذي حضر المدينة المنورة. سرية خالد الى بني المصطلق «1» بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط في أوائل السنة التاسعة الهجرية الى بني المصطلق يصدّقهم، فلما رأوه أقبلوا نحوه يتلقونه بالجزور والغنم فرحا به، فولى راجعا الى المدينة وأخبر النبي صلّى الله عليه وسلم أنهم لقوه بالسلاح يحولون بينه وبين الصدقة. بعث النبي صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره أن يتثبّت ولا يعجل، فانطلق خالد حتى أتاهم ليلا، وبعث عيونه فأخبروه أن القوم متمسّكون بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى ما يعجبه، فرجع الى النبي صلّى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، فنزل قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) ، نزلت في الوليد ابن عقبة «2» . سرية قطبة بن عامر بن حديدة الى خثعم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في صفر سنة تسع الهجرية قطبة بن عامر بن حديدة في

_ (1) - المصطلق: هو لقب جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة، بطن من خزاعة. راجع فتح الباري بشرح البخاري 7/ 332. (2) الأغاني 4/ 356- 357، وتفسير ابن كثير 8/ 11- 12، وبهامشه تفسير البغوي 8/ 10، وتفسير الزمخشري 3/ 121، والآية الكريمة من سورة الحجرات 49: 6.

سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب

عشرين رجلا الى حيّ من خثعم بناحية بيشة «1» قريبا من (تربة) «2» بناحية (تبالة) «3» ، وأمره أن يشن الغارة عليهم، فخرجوا على عشرة من الإبل يتعقبونها فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم وجعل يصيح فقتلوه، وتريثوا حتى نام القوم فشنوا عليهم الغارة واقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعا، إلا أن المسلمين انتصروا أخيرا فساق قطبة النعم والشاء والأسرى الى المدينة المنورة. سرية الضّحّاك بن سفيان الكلابي الى بني كلاب بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة تسع الهجرية جيشا الى (القرطاء) «4» عليهم الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر الكلابي ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزج (زجّ لاوه) «5» فدعوهم الى الإسلام فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم، فلحق الأصيد أباه سلمة، وسلمة على فرس له في غدير بالزج، فدعا أباه الى الإسلام وأعطاه الأمان، فسبّه وسب دينه، فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه فوقع الفرس على عرقوبيه فارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك به حتى جاءه أحدهم فقتله ولم يقتله ابنه.

_ (1) - بيشة: اسم قرية غناء في واد كثير الأهل من بلاد اليمن، وبين بيشة وتبالة أربعة أميال من جهة اليمن. وبيشة أيضا واد يصب سيله من الحجاز حجاز الطائف ثم ينصب في نجد. أنظر معجم البلدان 2/ 334. (2) - تربة: واد يأخذ من السراة ويفرغ في نجران. أنظر معجم البلدان 2/ 374. (3) - تبالة: موضع ببلاد اليمن. أنظر معجم البلدان 2/ 357. (4) - القرطاء: جماعة من بني كلاب، وهم قرظ وقريظ وقريظ بنو عبد بن أبي بكر ابن كلاب. (5) - زج لاوه: موضع نجدي. أنظر معجم البلدان 4/ 378.

سرية علقمة بن محرز المدلجي إلى الحبشة

سرية علقمة بن محرّز المدلجي الى الحبشة بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة رآهم أهل (جدّة) «1» ، فبعث إليهم علقمة بن محرّز في ثلاثمائة رجل وذلك في شهر ربيع الآخر سنة تسع الهجرية، فانتهى الى جزيرة في البحر الأحمر، فهربوا منه. فلما رجع تعجل بعض القوم الى أهلهم فأذن لهم، فتعجل عبد الله بن حذافة السّهمي فيهم فأمّره على من تعجّل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها ويصطنعون، فقال: (عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار) ، فقام بعض القوم وهمّوا أن يتواثبوا فيها، فقال: (اجلسوا! إنما كنت أضحك معكم) ، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: (من أمركم بمعصية فلا تطيعوه) . سرية علي بن أبي طالب الى الفلس «2» صنم طيّىء بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ربيع الآخر سنة تسع الهجرية علي بن أبي طالب الى (الفلس) صنم طيّىء ليهدمه، وبعث معه خمسين ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسا ومعه راية سوداء ولواء أبيض، فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموا (الفلس) وخرّبوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم الطائي الذي هرب الى الشام. وعاد علي بن أبي طالب الى المدينة المنورة بعد ذلك، فمر النبي صلّى الله عليه وسلم بأخت عدي بن حاتم، فقالت له: (إن رأيت أن تخلّي عنا ولا تشمت بنا أحياء

_ (1) - جدة: مدينة في الحجاز، وهي ميناء مكة المكرمة، تقع غرب مكة على البحر الأحمر، وهي اليوم مدينة كبيرة عامرة. (2) - الفلس: في ابن الكلبي بفتح الفاء، وفي طبقات ابن سعد 2/ 164 بضمها، وهو صنم لطيء، وكان أنفا أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له: (أجأ) أسود كأنه تمثال إنسان، كانوا يعبدونه ويهدون إليه، ولا يأتيه خائف إلا أمن عنده. أنظر كتاب الأصنام لابن الكلبي ص 59.

دروس من حنين والطائف وسرايا الدعوة

العرب، فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط ... أنا ابنة حاتم طيء) ، فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلم: (يا جارية! هذه صفات المؤمنين حقا. لو كان أبوك مسلما لترحّمنا عليه) ! دروس من حنين والطائف وسرايا الدعوة 1- المباغتة: أ- استخدم الرسول صلّى الله عليه وسلم في حصار الطائف المنجنيق والدبابة، وبذلك استفاد من سلاحين جديدين في القتال. فما هو المنجنيق؟ وما هي الدبابة؟ يتألف المنجنيق بصورة عامة من عامود طويل قوي موضوع على عربة ذات عجلتين في رأسها حلقة أو بكرة، يمر بها حبل متين، في طرفه الأعلى شبكة في هيئة كيس. توضع حجارة أو مواد محترقة في الشبكة، ثم تحرّك بواسطة العامود والحبل (راجع شكل المنجنيق) ، فيندفع ما وضع في الشبكة من القذائف ويسقط على الأسوار، فيقتل أو يحرق ما يسقط عليه. أما الدبابة، فعبارة عن آلة من الخشب الثخين المغلّف بالجلود أو اللبود، تركّب على عجلات مستديرة، فهي عبارة عن قلعة متحركة يستطيع المشاة الاحتماء بها من نبال الأعداء. هذان السلاحان الجديدان باغت بهما النبي صلّى الله عليه وسلم أعداءه في الطائف؛ ولكنّ أهل الطائف استطاعوا أن يحرموا المسلمين من فوائد هذين السلاحين، وذلك بأسلوب قذف الحديد المصهور على خشب الدبابات، فاحترقت تلك الأخشاب واضطرّ المحتمون بها الى الفرار، فأصبحوا بعد انكشافهم هدفا مناسبا لرميهم بالسهام، وبذلك أحبطت ثقيف محاولة المسلمين للإفادة من استعمال المنجنيق والدبابة استعمالا مفيدا حاسما.

منجبيق لرمى النفط

2 - القيادة:

ب- إن أسلوب احتلال ثقيف وهوازن وادي حنين بشكل مخفي مستفيدين من الأراضي المستورة، أدى الى مباغتتهم للمسلمين مباغتة كاملة. ولولا صمود النبي صلّى الله عليه وسلم مع قسم قليل من أصحابه، لاستطاع المشركون استثمار هذه المباغتة المتميزة الى أقصى الحدود. 2- القيادة: أي كارثة كان يمكن أن تحل بالمسلمين بعد هزيمتهم في أول معركة حنين، لو لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلم هو قائدهم وقت ذاك؟ لقد كان موقف المسلمين في هزيمتهم عصيبا للغاية: باغتهم العدو من مواضع مستورة في عماية الفجر، وانهالت عليهم النبال من كل جانب، فلما ارتدّوا على أدبارهم طاردهم العدو في ميدان ضيّق لا يتسع للتبعثر الذي يقلّل من الخسائر. في مثل هذا الموقف العصيب، ثبت النبي صلّى الله عليه وسلم مع عشرة من أصحابه- عشرة فقط- واستطاع أن يجمّع مائة من المسلمين، ويكوّن منهم (ساقة) «1» يحمي بها انهزام المسلمين من مطاردة المشركين بهؤلاء المائة من الرجال، ثم يقوم بالهجوم المضاد بعد فتور زخم هجوم المشركين ومطاردتهم، فلم يعد المنهزمون من المسلمين إلا بعد فرار المشركين، فوجدوا أسرى المشركين مقرنين بالأغلال. لم يكن موقف المسلمين حين انهزامهم سهلا، خاصة وأن حديثي الإسلام كانوا أول المنهزمين، بل المشجعين على الهزيمة. ولم يكن النبي صلّى الله عليه وسلم يكافح المشركين في موقفه العصيب هذا وحسب، بل كان يكافح كثيرا من أعدائه المتظاهرين بالإسلام الذين كان ضمن جيشه، وقد رأيت كيف حاول أحدهم اغتياله في عنفوان هذا الموقف العصيب.

_ (1) - السّاقة من الجيش: مؤخرته. والساقة في المصطلحات العسكرية الحديثة هي القوة المسؤولة عن حماية المؤخرة من العدو، أي هي مؤخرة المؤخرة والجزء القريب بها الى العدو.

3 - المطاردة:

إن نتيجة معركة حنين، مثال رائع لأثر القائد الشخصي على نتيجة المعركة، بل نستطيع أن نقول: ان نتيجة معركة حنين قد كسبها النبي صلّى الله عليه وسلم وحده بعون من الله. أما قائد المشركين، فعلى الرغم من شجاعته التي بلغت حد التهور، إلا أنه لم يكن قائدا بالمعنى الصحيح؛ فلم يكن لاستصحاب الأموال والذراري مع المقاتلين أي معنى، ولم يفكر بخطة غير خطة احتلال وادي حنين؛ أما بعد ذلك فقد ارتبك كل شيء في صفوف المشركين، لأنه لم تكن لديهم أية خطة للدفاع أو للانسحاب، حتى أن قائد المشركين لم يستطع تأمين (ساقة) لقواته تحمي انسحابها مما أوقع بقواته خسائر فادحة بالأرواح. 3- المطاردة: أ- قام المشركون بمطاردة المسلمين بعد انهزامهم في الصفحة الأولى من غزوة حنين، ولكنّ الصامدين من المسلمين وعلى رأسهم النبي صلّى الله عليه وسلم، استطاعوا تحديد زخم مطاردة المشركين كما استطاعوا حماية انسحاب المسلمين بدون تدخل المشركين فيه، فكان أول واجب للذين ثبتوا من المسلمين هو قيامهم بواجب (السّاقة) لحماية الانسحاب، وقد نجحت تلك الساقة نجاحا ممتازا إذ لولاها لكانت خسائر المسلمين كثيرة جدا خاصة وأن انسحابهم يجري في منطقة ضيقة لا تساعد على التبعثر الذي يقل من الخسائر. ب- لم يؤمّن المشركون ساقة لحماية قواتهم عندما تجمعت بعض قوات المسلمين وقامت عليهم بالهجوم المقابل الذي انهزم على إثره المشركون، لذلك استطاع المسلمون إيقاع الخسائر الفادحة بالمشركين، كما استطاعوا جعل انسحابهم ينقلب الى هزيمة. ج- وقد قام المسلمون بمطاردة مثالية استطاعوا بها القضاء على المشركين المتجهين الى (أوطاس) و (نخلة) ، بينما حمت أسوار وحصون الطائف رتل

4 - المعلومات:

منجنيق لرمى السهام الثقيلة المشركين الثالث الذي اتجه الى الطائف، وعند ذاك بدأ حصار الطائف بعد تجمّع أرتال المسلمين هناك. 4- المعلومات: أ- بعث المسلمون قبل حركتهم في مكة باتجاه حنين أحد رجالهم ليعرف حقيقة حشد هوازن وثقيف ومواضع حشدها وقوتها ونواياها فعاد الرجل بالمعلومات الكاملة عن هوازن وثقيف. كما أرسل المشركون دوريات استطلاع لمعرفة اتجاه حركة المسلمين والمواضع التي وصلوها وقوتهم، وقد كانت فائدة هذه الدوريات للمشركين كبيرة جدا، لأنهم انجزوا احتلال وادي حنين بشكل ممتاز قبل وصول المسلمين إليهم، وباغتوا أرتال المسلمين حين دخولهم فيه، ولولا دوريات استطلاعهم لما

5 - المعنويات:

استطاعوا معرفة المواضع التي وصلها المسلمون فبنوا خطتهم بالنسبة لتلك المعلومات الصحيحة لكي يباغتوا المسلمين. لقد كان عمل دوريات استطلاع المشركين متميزا. ب- إنّ واجب (المقدمة) «1» المهم هو حماية (القسم الأكبر) والحصول على المعلومات عن العدو حتى لا تباغت قوات (القسم الأكبر) . ولم تنجز مقدمة المسلمين هذا الواجب أبدا، فهي لم تستطع معرفة مواضع المشركين التي احتلوها في وادي حنين، واندفعت المقدمة بسرعة على غير هدى وبصيرة، واندفعت وراءها قوات المسلمين وراء تلك المقدمة لاعتقادها أن اندفاعها هذا أمين وغير خطر، إذ لو كان هناك خطر لما اندفعت المقدمة أو لاستطاعت القضاء عليه. إنّ من أهم أسباب هزيمة المسلمين في الصفحة الأولى من معركة حنين، هو عدم قيام مقدمتهم بواجبها، فلم تحصل على المعلومات عن مواضع العدو، ولم تمنع مباغتة العدو للقسم الأكبر. وبذلك أخفقت مقدمة المسلمين يوم حنين في واجبها إخفاقا ذريعا، على الرغم من أنها كانت بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه! 5- المعنويات: أ- كانت معنويات المشركين ضعيفة من أول يوم بدأوا فيه بالحشد، فقد تخلّفت أقوى وأشجع قبائلهم، كما تخلّف أكثر رجالهم من ذوي العقول والأحلام. وقد اضطر مالك بن عوف قائد المشركين أن يستصحب النساء والأطفال والأموال مع المقاتلين حتى لا يفرّ أحد من القتال، بل يكافح دفاعا عن عرضه وأمواله إذا لم يدافع عن غرض آخر.

_ (1) - المقدمة: قطعات الحماية الأمامية التي تحمي الجيش من العدو في التقدم نحو العدو.

6 - العقيدة:

وظهر التردد في نفوس القبائل المحتشدة للقتال، فاضطر مالك أن يهدد قواته بأن ينفذوا أوامره ويطيعوه أو يلجأ الى الانتحار. ب- أما معنويات المسلمين، فقد كانت عالية الى درجة الغرور، حتى قالوا يوم حركتهم الى حنين: (لن نغلب اليوم من قلة) ، لكنهم غلبوا من (كثرة) مغرورة في الصفحة الأولى من يوم حنين، ولولا ثبات النبي صلّى الله عليه وسلم لقضي على معظم المسلمين يوم ذاك إن لم يقض عليهم جميعا. وصدق الله العظيم: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) «1» . 6- العقيدة: أ- العقيدة القوية لها أكبر الأثر في النصر؛ فهي توحّد شعور الناس، وتجعلهم يتعاطفون ويقاتلون لهدف معيّن معروف، وقد انتصر المسلمون بعقيدتهم في كل معركة خاضوها، تلك العقيدة التي جعلتهم يبذلون أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله. بعد فتح مكة أسلم كثير من رجال قريش، فلما تحرك جيش المسلمين باتجاه حنين، رافقه حوالي ألفين من هؤلاء المسلمين الحديثي الإيمان الذين لم يعرفوا من الاسلام إلا اسمه، إذ لم يمض على إسلامهم وقت كاف لتفهّم تعاليم الاسلام. رأى حديثو الاسلام في طريقهم مع جيش المسلمين نحو حنين شجرة عظيمة خضراء، فتنادوا من جنبات الطريق: (يا رسول الله! اجعل لنا (ذات أنواط) كما لهم ذات أنواط) «2» .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 25. (2) - ذات أنواط: شجرة بعينها كان المشركون ينوطون بها سلاحهم، أي يعلقونه بها ويعكفون حولها.

وذات أنواط شجرة ضخمة يأتونها في الجاهلية كل سنة للتبرك بها، فيعلّقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها ويعكفون عليها يوما، ولم يفقه هؤلاء الذين اسلموا حديثا ولم يدخل الايمان في قلوبهم هؤلاء أن جهاد النبي صلّى الله عليه وسلم كله كان لغرض واحد: هو القضاء على الشرك وإعداء كلمة التوحيد. بل كان قسم من هؤلاء يحملون أزلامهم معهم. لذلك فقد سرّهم انهزام المسلمين، بل أظهروا شماتتهم وشجعوا عليه. ب- إن من أسباب هزيمة المسلمين في الصفحة الأولى من يوم حنين، هو وجود هؤلاء المسلمين من قريش الذين لم تطمئن قلوبهم للإسلام بعد، فانهزموا أول المنهزمين وأشاعوا الذعر في النفوس وأثروا في المعنويات. وليس هناك في الحرب أصعب من السيطرة على الانسحاب، فعندما تنسحب قطعة من القطعات وتراها القوات الأخرى، فإن القوات كلها تنسحب معقبة تلك القطعة المنسحبة بدون تفكير ولا شعور، وهذا ما حصل أول يوم حنين، إذ سيطر على المسلمين المنهزمين تفكير القطيع من الغنم، إذا فعل أحدها شيئا اقتفت بقية القطيع أثره وفعلت فعله. ج- إن انتصار المسلمين لم يكن لكثرتهم في أي معركة خاضوها، بل كان انتصارهم لعقيدتهم الراسخة، وأكبر درس يمكننا استنتاجه من معركة حنين، هو إخفاق المسلمين على كثرتهم في مستهل المعركة لوجود بعض ذوي العقائد الواهنة بين صفوفهم، بالإضافة الى الأسباب الأخرى. أما انتصار المسلمين في حنين بعد ذلك فكان بثبات ذوي العقائد الراسخة وقيامهم بالهجوم المضاد، فانتصروا على الرغم من قلّتهم، فقد كانوا مائة رجل كما ذكرت بعض المصادر ولا يتجاوزون المئات كما نصّت عليه بعض المصادر الأخرى ...

7 - حرب الفروسية:

إن معارك المسلمين مع المشركين كانت معارك عقيدة لا معارك عدد وتسليح. د- ولم يكن للمشركين أية عقيدة واضحة يضحون في سبيلها بأرواحهم عن طيبة خاطر، فاضطروا الى استصحاب أهليهم وأموالهم معهم، حتى يدافعوا عنها عندما يعجزهم الدفاع عن شيء آخر. لقد رأيت ثبات النبي صلّى الله عليه وسلم في أخطر موقف عصيب، ولكنّ مالك بن عوف قائد المشركين آثر الفرار مع أول المنهزمين؛ فقصد الطائف وبقي محصورا هناك، فلما قدم وفد هوازن النبي صلّى الله عليه وسلم، سألهم عن مالك؛ وحين علم أنه ما زال في الطائف مع ثقيف طلب إليهم أن يبلّغوه: (أنه إن أتاه مسلما ردّ عليه ماله وأهله وأعطاه مائة من الإبل) . حينذاك لم يتردد مالك حين علم بهذا الوعد، أن أسرج فرسه في سر من ثقيف وفرّ به الى النبي صلّى الله عليه وسلم فأعلن إسلامه وأخذ ماله وأهله ومائة من الإبل! 7- حرب الفروسية: مرّ النبي صلّى الله عليه وسلم في طريقه بامرأة قتيل، فقال: (من قتلها) ؟! قالوا: (قتلها خالد بن الوليد) . فقال لبعض من معه: (أدرك خالدا فقل له: إن رسول الله ينهاك أن تقتل امرأة أو وليدا عسيفا) «1» . لم يكن قتل المرأة المشركة عمدا، بل كان خطأ في أثناء انهزام المشركين وقيام المسلمين بمطاردتهم، وفي مثل هذا الموقف تقع كثير من الأخطاء العسكرية؛ لأن الحالة النفسية للمنهزمين وللقائمين بالمطاردة على حد سواء تكون غير طبيعية، لذلك حدث مثل هذا الخطأ في قتل امرأة واحدة؛ ومع ذلك فقد أراد النبي صلّى الله عليه وسلم أن يؤكد أوامره السابقة في اجتناب قتل الضعفاء.

_ (1) - العسيف: الأجير.

8 - القضايا الادارية:

إن حرب المسلمين كانت حرب فروسية، تطلب النصر بوسائل شريفة، وتعفّ عن الظلم والعدوان. 8- القضايا الادارية: أ- توزيع الغنائم: أولا: سيطر العامل النفسي بالدرجة الأولى على توزيع الغنائم، فقد أراد النبي صلّى الله عليه وسلم أن يستميل قلوب رجالات قريش الذين أسلموا حديثا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، كما أراد أن يستميل زعماء القبائل الأخرى، لأن كثيرا من الناس يقادون الى الحق من بطونهم لا من عقولهم «1» . وقد أغدق النبي صلّى الله عليه وسلم العطاء على هؤلاء، حتى أصبح النبي صلّى الله عليه وسلم أحب الناس إليهم وأصبح الاسلام دينهم الوحيد. أما المسلمون الأولون، فقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلم أن يحرمهم من الغنائم، لأن إيمانهم أقوى من أن تؤثّر فيه القضايا المادية، فلما عتب عليه قسم من المسلمين الأولين في ذلك أجابهم: (إنني أعطي قوما أخاف هلعهم وجزعهم، وأكل قوما الى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى، منهم عمرو بن ثعلب) . قال عمرو: (ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم حمر النعم) . كان الأنصار ممن وقعت عليهم مغارم هذه السياسة، فقد حرموا جميعا أعطيات حنين، فلم يمنحوا شيئا منها قط، فقال قائلهم: (لقي والله رسول الله صلّى الله عليه وسلم قومه) ، فمشى سعد بن عبادة الى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم) ! قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (فيم) !؟ قال سعد: (فيما كان من قسمة هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شيء) .

_ (1) - يطلق على هؤلاء: المؤلفة قلوبهم.

قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (فأين أنت من ذلك يا سعد) ؟ قال: (ما أنا إلا امرؤ من قومي) . قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (اجمع لي قومك في هذه الحظيرة، «1» فاذا اجتمعوا فأعلمني) . فخرج سعد، فجمعهم حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له، قال: (يا رسول الله! اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم) . وقف النبي صلّى الله عليه وسلم فيهم خطيبا فقال: (يا معشر الأنصار! ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة «2» فأغناكم الله، وأعداء فألّف الله بين قلوبكم) ؟ قالوا: (بلى! الله ورسوله أمنّ «3» وأفضل) . قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (ألا تجيبون يا معشر الأنصار) ؟ قالوا: وما نقول يا رسول الله، وماذ نجيبك؟؟ المن لله ولرسوله. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (والله لو شئتم لقلتم وصدقتكم: جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك «4» ، وخائفا فأمّنّاك، ومخذولا فناصرناك! أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة «5» من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم الى ما قسم الله لكم من الاسلام؟ أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس الى رحالهم بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله الى رحالكم؟ فو الذي

_ (1) - الحظيرة: هي في الأصل مكان يتخذ للإبل والغنم يمنعها الانفلات ويمنعها هجمات اللصوص والوحوش. (2) - العالة: الفقراء. (3) - أمنّ: هو أفعل تفضيل من المنة وهي النعمة. (4) - آسيناك: أعطيناك حتى جعلناك كأحدنا. (5) - لعاعة: بقلة حمراء ناعمة، شبه بها زهرة الدنيا ونعيمها.

نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شعبا «1» وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار! اللهم إرحم الانصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) . بكى القوم حتى بللوا لحاهم بالدموع، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا. ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتفرقوا. لقد حرصت على أن أنقل هذا الحديث كله، كي أبرز بوضوح الحكمة التي أرادها النبي صلّى الله عليه وسلم من توزيع أكثر الغنائم على المؤلفة قلوبهم، ولكي يظهر الأسلوب الرائع الذي كان يعالج به النبي صلّى الله عليه وسلم بعض المشكلات التي تعترضه، وكيف يستطيع بهذه المعالجة الحكيمة التخلص من تلك المشكلات بأسلوب مقنع حكيم. لقد كان كلامه خارجا عن القلب، لذلك فهو يؤثر في القلب، وقد أوتي عليه أفضل الصلاة والسلام جوامع الكلم. ثانياو في أسلوب جمع الغنائم من الناس والسيطرة عليها ووضعها في محل واحد، مثال قيّم للسيطرة على الغنائم العسكرية وعدم إفساح المجال لتبعثرها في الأيدي دون مبرر. جمعت الغنائم في موضع (الجعرانة) بين الطائف ومكة بعيدا عن المواضع الخطرة، وتأمّنت حراستها، وسلم المسلمون كل غنيمة أصابوها الى المسؤول عن جمع الغنائم، حتى الإبرة والخيط. جاء رجل من الانصار بكبة من خيوط شعر، فقال: (يا رسول الله! أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر) ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: (أما

_ (1) - شعب: بكسر فسكون، الطريق بين جبلين.

ب - الخسائر:

نصيبي منها فلك) . فأعادها الأنصاري الى مستودع الغنائم، بل أعاد عقيل ابن أبي طالب إبرة كانت معه الى مستودع غنائم المسلمين. ان السيطرة على جمع الغنائم ضرورية جدا، وقد نصت التعاليم العسكرية الحديثة على ضرورة السيطرة على جمع الغنائم لئلا تذهب بددا بين الأجناد، ولكن لم تصل الدقة بتاتا في أي وقت من الأوقات وفي أي حال من الأحوال الى ما وصلت إليه الدقة والأمانة التي وصل اليها المسلمون في جمع غنائمهم قبل أربعة عشر قرنا! ب- الخسائر: كانت خسائر المسلمين في الأرواح كبيرة عند انهزامهم في الصفحة الأولى من معركة حنين، ولولا ثبات النبي صلّى الله عليه وسلم مع عشرة من أصحابه، لكانت خسائر المسلمين في الأرواح أضعافا مضاعفة لخسائرهم يومذاك. وكانت خسائر المشركين بعد هزيمتهم كبيرة جدا، في الأرواح والأموال، خاصة وأنهم لم يؤمنوا ساقة لحماية هزيمتهم. والدرس المهم من هذا الموقف هو تأمين ساقة قوية للقطعات المنسحبة لحماية الانسحاب، وإلا فالانسحاب ينقلب حتما الى هزيمة، وما أعظم كارثة الانسحاب الذي ينقلب الى هزيمة! ج- الإعاشة: كانت تدابير الإعاشة عند المسلمين جيدة، كما كانت تدابير إعاشة المشركين جيدة أيضا، خاصة في حصار الطائف، فقد كدّست ثقيف مواد الإعاشة داخل الطائف، بحيث تكفيها لحصار طويل، لذلك كان من عوامل عودة المسلمين الى مكة قبل استسلام الطائف، هو اعتقادهم بأن ثقيفا لن تستسلم لنقص أرزاقها.

د - النقلية:

د- النقلية: كانت النقلية متيسرة بكميات كافية لدى المسلمين والمشركين على حد سواء، ويكفي أن تطلع على عدد الغنائم من الإبل التي خلّفها المشركون وراءهم لتعرف مقدار النقلية المتيسرة عند المشركين حينذاك. هـ- التسليح: كان تسليح المسلمين متميّزا بالدروع والأسلحة الأخرى، وبرز لنا في هذه الغزوة سلاحان جديدان استخدمهما المسلمون هما: المنجنيق والدبابة. كما برز لنا أسلوب جديد في مكافحة الدبابة استخدمه المشركون، هو حرق الدبابة بالحديد المنصهر.

الملحق (م) شهداء حنين والطائف

الملحق (م) شهداء حنين والطائف شهداء حنين 1- أبو عامر الأشعري عم أبي موسى الأشعري. 2- أيمن بن عبيد وهو ابن أم أيمن أخو أسامة بن زيد من الرضاعة. 3- يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى. 4- سراقة بن الحارث بن عدي بن العجلان من الأنصار. شهداء غزوة الطائف 1- سعيد بن سعيد بن العاصي بن أمية. 2- عرفطة بن جنّاب حليف لبني أمية من الأزد. 3- عبد الله بن أبي بكر الصديق، أصابه سهم فاستمرّ منه مريضا حتى مات منه بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم في خلافة أبيه. 4- عبد الله بن أمية بن المغيرة المخزومي أخو أم سلمة أم المؤمنين. 5- عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي بن كعب. 6- السائب بن الحارث بن قيس بن عدي. 7- أخوه: عبد الله بن الحارث السهمي. 8- جليحة بن عبد الله من بني سعد بن ليث. 9- ثابت بن الجذع من بني سلمة من الأنصار. 10- الحارث بن سهل بن أبي صعصعة من بني مازن بن النجار. 11- المنذر بن عبد الله من بني ساعدة. 12- رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية.

دولة الاسلام (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) . (القرآن الكريم)

دولة الاسلام

غزوة تبوك «1» الموقف العام 1- المسلمون: سيطر المسلمون بعد فتح مكة وإخضاع هوازن وثقيف على شبه جزيرة العرب كلها حتى حدود الشام والعراق، وأصبح المسلمون مسئولين عن إدارة هذه البلاد وتنظيم حياتها العسكرية والاجتماعية، ولم تبق في البلاد العربية كلها قوة تجرؤ على مناهضة المسلمين وإعلانهم بالعداء. ولكن الإسلام ليس دين العرب وحدهم، بل هو للناس كافة، فلابد من تأمين حرية نشر تعاليمه بين العرب وغيرهم. وإذا كان الإسلام قد انتشر في شبه الجزيرة العربية، فقد آن الأوان لنشره خارجها، بعد أن أصبح المسلمون بدرجة من القوة والتنظيم تساعدهم على حماية حرية انتشاره بين الناس كافة. 2- المنافقون: استمر المنافقون في المدينة على الرغم من قلتهم وتظاهرهم بالإسلام على تثبيط الهمم ونشر الروح الانهزامية وخلق الفتن والمشاكل للمسلمين، ولكنهم لم يكونوا بدرجة من الأهمية والقوة بحيث يحسب لهم المسلمون أيّ حساب. وقد أصبحوا على مرّ الزمن معروفين لأهل المدينة لا تخفى أعمالهم على أحد. وكان باستطاعة النبي صلّى الله عليه وسلم تطهير المدينة منهم، لولا رغبته في أن يثوبوا الى رشدهم، ولو بعد حين.

_ (1) - تبوك: موضع بين وادي القرى والشام، وهو حصن به عين ونخل. انظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 365.

3 - المشركون:

3- المشركون: لم يبق للمشركين في شبه الجزيرة العربية أية قيمة عسكرية، خاصة بعد إسلام قريش زعيمة القبائل العربية وعميدة المشركين، فقد انتشر الإسلام في القبائل العربية انتشارا ساحقا، وأصبح إسلام المتخلفين من المشركين أمرا لا شك فيه. وفعلا بدأت وفود المشركين تتسابق الى المدينة لإعلان إسلامها، وأخذ العرب يدخلون في دين الله أفواجا. لقد أصبح خطر المشركين على المسلمين لا قيمة له من الناحية العسكرية. 4- الروم: كانت أحوال امبراطورية الروم مضطربة خاصة في بلاد الشام، فقد كثر تذمّر الناس من ظلم حكام الروم وإرهاقهم بالضرائب، لذلك أقبل كثير من القبائل العربية الخاضعة لحكم الروم على اعتناق الإسلام. أسلم فروة بن عمرو الجذامي قائد إحدى فرق الروم العسكرية التي قاتلت المسلمين في غزوة (مؤتة) ، فقبض عليه بأمر من هرقل بتهمة الخيانة؛ وكان هرقل على استعداد للإفراج عنه اذا هو عاد الى المسيحية، ولكن فروة أصرّ على إسلامه، فقتل. إنّ انتشار الإسلام بين نصارى العرب أقضّ مضاجع الروم، وجعلهم يفكرون في القضاء على الدين الجديد قبل أن يستفحل أمره، فقاموا بحشد قواتهم على حدود الشام الجنوبية استعدادا لمهاجمة المسلمين، واستخدموا الأنباط الذين كانوا يتاجرون مع المدينة لنقل المعلومات اليهم عن المسلمين، تلك المعلومات التي أكدت لهم تزايد قوة المسلمين ماديا ومعنويا، بحيث أصبحت تلك القوة خطرا داهما يهدد الروم في بلاد الشام خاصة.

اسباب غزوة تبوك

اسباب غزوة تبوك 1- اسباب مباشرة: حشدت قوات الروم لغزو حدود العرب الشمالية والقضاء على سلطة الإسلام هناك، فقد بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وأن القيصر هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان وقدّموا مقدماتهم الى البلقاء. 2- اسباب غير مباشرة: أ- حماية حرية نشر الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية بعد انتشاره داخلها، والدفاع عن الإسلام داخل الجزيرة العربية. ب- تقوية معنويات القبائل العربية الخاضعة لسلطان الروم، تلك القبائل التي أخذت تقبل على اعتناق الإسلام، على الرغم من مكافحة الروم لهذا الاتجاه. ج- محو آثار انسحاب المسلمين من (مؤتة) من النفوس. د- استطلاع قوة الروم وحلفائهم في أرض الشام استعدادا للفتح القريب. أهداف الطرفين 1- المسلمون: حماية حرية نشر الإسلام في بلاد الشام، إذ هي المنفذ المهم لنشره خارج شبه الجزيرة العربية، كما أنها المتنفس الحيوي للتجارة العربية. 2- الروم: القضاء على منافسة المسلمين في سلطانهم على العرب الخاضعين للروم، وتحديد انتشار الدعوة الإسلامية في بلاد الشام، وضرب الدين الجديد في عقر داره.

قوات الطرفين

قوات الطرفين 1- المسلمون: ثلاثون ألفا بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم معهم عشرة آلاف فرس. 2- الروم: قوات نظامية كبيرة من الروم يساندها العرب من لخم وجذام وعاملة وغسان. الاستعدادات 1- المسلمون: أمر النبي صلّى الله عليه وسلم بانجاز استعدادات الحركة لقتال الروم، ولم يكتم نياته في هذه الغزوة كما كان يفعل في الغزوات السابقة ليباغت بهذا الكتمان عدوه قبل أن يستطيع التهيؤ للقتال. فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة إلا ورّى بغيرها، حتى كانت غزوة تبوك، فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا وغزو عدو كثير، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الذي يريده ليتأهبوا لذلك. لم يكتم نياته في غزوة تبوك، لأن المسافة طويلة يجب قطعها صيفا، فلا بد من إكمال المئونة والنقلية للمجاهدين قبل الحركة، حتى لا يؤدي نقص القضايا الإدارية الى إخفاق المسلمين في تحقيق هدفهم المنشود. وليس من السهل تجهيز قوات المسلمين الكبيرة بما تحتاجه من مئونة ونقلية وأسلحة، ما لم يشارك أغنياء المسلمين في تجهيز هذا الجيش مشاركة فعّالة، فأقبل هؤلاء الأغنياء على بذل أموالهم بسخاء وعن طيبة خاطر، كما أقبل المسلمون من كل فج تلبية لداعي الجهاد.

2 - الروم:

وانتهز المنافقون فرصة شدّة الحر ونضوج الثمار وطول المسافة وقوة العدو، فأخذوا يثبّطون العزائم وينشرون الروح الانهزامية بين المسلمين، ولكنهم أخفقوا في محاولاتهم إذ لم يتخلف من المسلمين أحد عن الجهاد غير ثلاثة رجال؛ ولم يقبل النبي صلّى الله عليه وسلم أن يستعين بالقوات التي جمّعها عبد الله بن أبي، لأنه لم يكن يثق باخلاص تلك القوات، فبقي ابن أبي وأصحابه من المنافقين في المدينة «1» . وبقي في المدينة قسم من المسلمين الذين لم يجد الرسول صلّى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون «2» . وأنجز جيش العسرة «3» استعداداته، وتحشد خارج المدينة، وأصبح مستعدا للحركة من كل الوجوه. 2- الروم: وزّع هرقل مرتبات سنة كاملة على قواته النظامية، كما وزّع كثيرا من المال على القبائل العربية الخاضعة لسيطرته، تشجيعا لهم على معاونة جيشه في الصراع الوشيك. وبعد إنجاز استعدادات قواته، أرسل طلائعها الى (البلقاء) «4» لستر التحشّد الذي تمّ بعد ذلك في منطقة تبوك.

_ (1) - عسكر عبد الله بن أبي في ثنية الوداع في حلفائه من يهود والمنافقين، فلما سار رسول الله (ص) ، تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه. (2) - هم البكاءون وهم سبعة: سالم بن عمير، وسالم بن هرمي بن عمرو، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى المازني، وعمرو بن غنمة وسلمة بن صخر، والعرباض بن سارية. انظر طبقات ابن سعد 2/ 165. (3) - قال الله تعالى: (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) فكانت عسرة من الماء ومن الحر ومن الثقفة. (4) - البلقاء: كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى قصبتها عمان، وفيها قرى كثيرة ومزارع واسعة. انظر التفاصيل في معجم البلدان 2/ 276. وهي مقاطعة أردنية تشمل لواء عمان ولواء السلط، والأخير يشمل قضاء السلط وقضاء مأدبا ويحدها نهر الزرقاء شمالا ونهر الموجب جنوبا.

الحركة

الحركة 1- المسلمون: ترك جيش المسلمين المدينة في رجب من السنة التاسعة الهجرية وأخذ يقطع الصحراء القاحلة في موسم الحر الشديد، فلما وصل منازل ثمود في (الحجر) «1» تلك المنطقة التي تهبّ فيها العواصف الرملية بين حين وآخر فتطمر قافلة بكاملها، أوصى النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه ألّا يخرج أحدهم إلا ومعه صاحبه؛ وهناك عطش المسلمون عطشا شديدا حتى جعلوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها ويشربون ماءها، ولولا سقوط المطر عليهم يومذاك، لهلك كثير من المسلمين عطشا. واستمرّ الجيش على المسير حتى وصل تبوك، وكانت المراحل تقطع ليلا للتخلص من الحر الشديد. وعند تبوك، لم يجدوا قوات الروم هناك، فقرّر النبي صلّى الله عليه وسلم البقاء في تبوك بقواته الرئيسة بعد أن علم بانسحاب الروم الى الشمال. 2- الروم: ثم حشد قوات الروم المؤلفة من جنودها النظاميين ومن القبائل العربية الموالية لها في تبوك قبل وصول المسلمين إليها، ولكنّ المعلومات التي وصلتهم عن ضخامة جيش المسلمين وارتفاع معنوياتهم اضطرت الروم الى الانسحاب من تبوك شمالا. السيطرة على المنطقة 1- مصالحة صاحب أيلة «2» : وجّه النبي صلّى الله عليه وسلم الى يوحنا بن رؤبة صاحب (أيلة) ، رسالة يطلب فيها

_ (1) - الحجر: اسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام، وهي قرية صغيرة قليلة السكان. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 220. (2) - أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم (البحر الأحمر) مما يلي الشام، وهي آخر الحجاز وأول الشام. أنظر معجم البلدان 1/ 391. وهي مدينة العقبة على رأس خليج العقبة في شمال البحر الأحمر، وهي أقصى مدينة في جنوب الأردن.

2 - مصالحة أهل الجرباء وأذرح:

منه أن يذعن للمسلمين أو يغزوه؛ فأقبل يوحنا بنفسه الى النبي صلّى الله عليه وسلم وقدّم له الهدايا والطاعة، وكان نص وثيقة الصلح بين المسلمين ويوحنا ما يلي: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن رؤبة وأهل أيلة سفنهم وسياراتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا فانه لا يحول ماله دون نفسه وإنه طيب لمحمد أخذه من الناس. وإنه لا يحل أن يمنعوا ما يريدونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر) . واتفق الطرفان على أن تدفع أيلة جزية قدرها ثلاثمائة دينار في كل عام للمسلمين. 2- مصالحة أهل الجرباء «1» وأذرح «2» : تمّ الصلح بين المسلمين وأهل (الجرباء) - وهي قرية في منطقة عمان بالبقاء من أرض الشام، وبين المسلمين وأهل (أذرح) وهي بلدة قريبة من (الجرباء) - على الجزية أيضا. 3- مصالحة أهل دومة الجندل: بعث النبي صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارسا الى (دومة الجندل) ، فباغت خالد الأكيدر الكندي مليكها وأخاه حسّان وهما يطاردان

_ (1) - الجرباء: موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام. أنظر معجم البلدان 3/ 72. وهي موقع الى الشمال الغربي من مدينة معان الأردنية بعد أذرح، وعليه عيون ماء منها الجرباء الكبيرة والجرباء الصغيرة، ويشرف عليها جبل الأشعري حيث جرى التحكيم بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص في خلاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان بعد معركة صفين. وتعتبر من منازل قبائل الحويطات. (2) - أذرح: اسم بلد في أطراف الشام من نواحي البلقاء وعمان. أنظر معجم البلدان 1/ 161. وهي قرية أذرع الأردنية، وتقع الى الشمال الغربي من بلدة معان، وتعتبر من قرى الشراه.

عودة المسلمين

بقر الوحش، فقتل حسّان وأسر الأكيدر، فهدّده خالد بالقتل إن لم تفتح (دومة الجندل) أبوابها للمسلمين. فتحت المدينة أبوابها فداء لمليكها، فدخلها المسلمون وغنموا منها ألفي بعير وثمانمائة شاة وأربعمائة وسق من بر وأربعمائة درع، وذهب بها خالد ومعه الأكيدر حتى لحق بالنبي صلّى الله عليه وسلم في المدينة فحقن الرسول صلّى الله عليه وسلم دم الأكيدر وصالحه على الجزية، وتركه يعود الى قومه في (دومة الجندل) . عودة المسلمين أقام المسلمون حوالي عشرين يوما في منطقة تبوك، انتظارا لعودة جيوش الروم، وتأمينا للحدود الشمالية من بلاد العرب بعقد المعاهدات مع سكانها، ودعما لهيبة المسلمين في نفوس القبائل، والعمل لحماية حرية نشر الدعوة في تلك الأرجاء؛ فلما أنجزوا كل ذلك تحركوا عائدين الى المدينة المنورة. وصل المسلمون الى المدينة، فجاء المتخلّفون عن الخروج يعتذرون، وكان هؤلاء المتخلفون قسمين: القسم الأول من المنافقين المتظاهرين بالإسلام، وهؤلاء أعرض عنهم النبي صلّى الله عليه وسلم تاركا لله حسابهم؛ والقسم الثاني من المسلمين الذين لا شائبة في إسلامهم، وهم ثلاثة: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال ابن ربيع، وهؤلاء اعترفوا بذنبهم، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم المسلمين أن يعرضوا عنهم حتى يأتي أمر الله. سرايا الدعوة وبعث أسامة سرية خالد بن الوليد الى نجران «1» بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة عشر الهجرية خالد بن الوليد الى

_ (1) - نجران: من مخاليف اليمن من ناحية مكة. راجع معجم البلدان 8/ 258، وآثار البلاد وأخبار العباد ص 126.

سرية خالد بن الوليد إلى اليمن

بني الحارث بن كعب بن مذحج بنجران في أربعمائة من المسلمين، وأمره أن يدعوهم الى الاسلام ثلاثا فان استجابوا له قبل منهم وأقام فيهم وعلّمهم كتاب الله وسنّة نبيّه ومعالم الإسلام، وإن لم يستجيبوا قاتلهم. وخرج خالد حتى قدم عليهم، وبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون الى الإسلام ويقولون: (أيها الناس! أسلموا تسلموا) ، فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلّمهم الإسلام وكتاب الله وسنّة نبيّه، وكتب بذلك الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكتب إليه أن يقبل الى المدينة ومعه وفدهم، فأقبل خالد الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه بلحارث، فأسلموا. وسألهم النبي صلّى الله عليه وسلم: (بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية) ؟ قالوا: (كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله، أنّا كنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحدا بظلم) ! قال: (صدقتم) «1» . سرية خالد بن الوليد الى اليمن بعث النبي صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى اليمن يدعوهم الى الإسلام، ثم بعث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الى خالد ليقبض الخمس، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلي: (مر أصحاب خالد، من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل) «2» ، أي أن الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام بدّل جماعة من الجند بآخرين غيرهم وسمح للذين يريدون البقاء مع الجند الثاني من الجند الأول دون استكراه وعن طيبة خاطر أن يبقوا مع إخوانهم في اليمن. أي أن النبي صلّى الله عليه وسلم أرسل جندا بإمرة خالد الى اليمن، فلما انقضت مدتهم أرسل غيرهم لتبديلهم على أن يبقى مع العسكر الثاني من العسكر الأول من شاء «3» .

_ (1) - سيرة ابن هشام 4/ 262- 266، والطبري 2/ 385- 388، وابن الأثير 2/ 112. (2) - فتح الباري بشرح البخاري 8/ 52. (3) - أنظر شرح البخاري في 8/ 52.

سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن

سرية علي بن أبي طالب الى اليمن بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم في رمضان سنة عشر الهجرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه الى اليمن يدعوهم الى الإسلام، فعقد له النبي صلّى الله عليه وسلم لواء وعمّمه بيده وقال: (امض ولا تلتفت، فاذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك) ؛ فخرج في ثلاثمائة فارس، ففرّق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم، ثم لقي جمعهم فدعاهم الى الإسلام، فأبوا ورموا بالنبل والحجارة، فصفّ أصحابه ثم حمل عليهم فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا، فكفّ عن طلبهم. ثم دعاهم الى الإسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا: (نحن على من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله) ، وكان هؤلاء من مذحج. وقفل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوافى النبي صلّى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج «1» . وقيل إن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث عليّا مرتين، وعند ذاك تكون المرة الثانية هي التي قسم فيها الخمس وأسلمت على يديه (همدان) فكتب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بإسلامهم، فخر ساجدا ثم رفع رأسه وقال: (السلام على همدان) «2» . سرية أسامة بن زيد بن حارثة لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة الهجرية، أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزوة الروم. ثم دعا أسامة بن زيد فقال له: (سر الى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر

_ (1) - طبقات ابن سعد 2/ 169- 170. (2) - فتح الباري بشرح البخاري 8/ 52.

صباحا على أهل (أبنى) «1» وحرق عليهم، وأسرع في السير تسبق الأخبار، فإن ظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع أمامك) . فلما كان يوم الأربعاء مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال: (أغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر بالله) ، فخرج بلوائه معقودا وعسكر ب (الجرف) «2» ، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انضمّ الى جيش أسامة فيهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد ابن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم بن حريشي رضي الله عنهم. وتكلم قوم فقالوا: (يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين) ! فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة، فصعد المنبر وقال: (ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟! ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله! وأيم الله إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، واستوصوا به خيرا فانه من خياركم) . وثقل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجعل يقول: (أنفذوا بعث أسامة) . وفي يوم الاثنين قال لأسامة: (أغد على بركة الله) ! فودعه أسامة وخرج الى معسكره فأمر الناس بالرحيل، فبينما هو يريد الركوب جاءه من يخبره بالتحاق رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، فعاد المسلمون من الجرف الى المدينة المنورة. فلما بويع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أمر جيش أسامة بالحركة الى

_ (1) - أبنى: موضع بالشام في جهة البلقاء، وهي قرية بمؤتة. أنظر معجم البلدان 1/ 92. وهذه القرية غير موجودة في الوقت الحاضر، وكانت من قرى مآب أي الكرك. (2) - الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. أنظر التفاصيل في معجم البلدان 3/ 87.

دروس من تبوك وسرايا الدعوة

هدفه، فكلم المسلمون أبا بكر بإبقاء جيش أسامة للدفاع عن المدينة بعد أن ارتدّت العرب، فأبى أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ولما كان هلال ربيع الآخر سنة إحدى عشرة الهجرية، خرج أسامة فسار حتى وصل تبوك فلم يجد أحدا فقرر العودة بعد أن حقق الغاية من بعثه ثم أغذ السير فوردوا (وادي القرى) في تسع ليال، ثم بعث بشيرا الى المدينة المنورة يخبرهم بسلامتهم، فوصل المدينة بعد ستة أيام، فخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه في المهاجرين والأنصار يتلقونهم سرورا بسلامتهم. وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة، فبعث رابطة (حامية) يكونون بالبلقاء، فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث الى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. دروس من تبوك وسرايا الدعوة 1- الحرب الاجماعية: الحرب الإجماعية أو الحرب الاعتصابية أو الحرب المطلقة أو الحرب الشاملة معناها: حشد كل قوى الأمة- لا الجيش وحده- المادية والمعنوية والعقلية للأغراض الحربية. وقد نشر لودندروف آراءه عن الحرب الإجماعية في كتابه: (الأمة في الحرب) ، ومجمل آراء هذا القائد: (إن الحرب الحديثة لم تبق حرب جيوش وقوى عسكرية فقط، وإنما هي حرب إجماعية تقوم على حرب الأمم ضد الأمم؛ ولهذا يجب أن تضع الأمة كل قواها العقلية والأدبية والمادية في خدمة الحرب، وأن تكون هذه القوة مخصصة للحرب التالية) . ويرى لودندروف بالاضافة الى ذلك، أن الحرب وسيلة لا غاية، ولهذا

يجب أن تعد الأمة كلها للحرب، وأن تكون دائما على قدم الاستعداد: (واجب النساء ينحصر في إنتاج أبناء أقوياء للأمة يحملون أعباء الحرب الإجماعية، وواجب الرجال ينحصر في حشد كل قواهم لهذه الغاية) . هذه مجمل آراء لودندروف في الحرب الاجماعية التي اعتبرها العسكريون آراء جديدة، وراحوا يفسّرونها وينشرون مبادئها ويحثّون على الأخذ بها. وليس في ذلك غرابة، ولكن الغريب أن يعتبرها العسكريون المحدثون آراء جديدة في الحرب الحديثة لم يسبق إليها الألمان أحد من الناس! ... إن الحرب الاجماعية التي طبّقتها ألمانيا وإيطاليا وروسيا في الحرب العالمية الثانية، ليست جديدة ... فقد طبقها المسلمون قبل أربعة عشر قرنا خلت. ولكن هناك فرقا واحدا بين حرب الأمم الحديثة وحرب المسلمين قديما، هذا الفرق هو أن حرب المسلمين حرب دفاعية غايتها نشر السلام وتوطيد أركانه، لا تعتدي على أحد، وتحترم العهود والمواثيق، فهي حرب الفروسية بكل ما في الكلمة من معان: يسالم المسلمون من يسالمهم، ولكنهم لا يقبلون الاعتداء عليهم، ويدافعون عن عقيدتهم وعن حرية نشرها بين الناس لتكون كلمة الله هي العليا. يقول القرآن الكريم: (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) «1» ، لذلك فقد كان المسلمون كلهم جنودا وكانت أموالهم كلها لإمداد هؤلاء الجنود. كان عدد المسلمين ثلاثين ألفا في غزوة (تبوك) بينهم عشرة آلاف فارس، وقد تحرّكوا صيفا في موسم قحط شديد لمسافة طويلة في الصحراء، فليس من السهل إمداد مثل هذا الجيش الكبير في مثل تلك الظروف القاسية بمواد

_ (1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 41، وانظر تفسير هذه الآية في تفسير (الكشاف) للامام الزمخشري لتجد أن المسلمين سبقوا العالم الى مفهوم الحرب الاجماعية.

2 - عقاب المتخلفين:

الإعاشة والماء والنقلية والسلاح، لذلك سمي هذا الجيش بجيش العسرة: اشترك فيه المسلمون كلهم عدا ثلاثة تخلفوا عنهم، واشترك المسلمون كلهم في تجهيزه. أنفق أبو بكر الصديق رضي الله عنه جميع ما بقي عنده من مال، وكان له يوم أسلم أربعون ألف دينار أنفقها كلها في سبيل الله، حتى تخلل بالعباءة. وأنفق عثمان بن عفان رضي الله عنه ثلاثمائة بعير وألف دينار وأنفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف ماله، كما أنفق العباس عم النبي صلّى الله عليه وسلم وطلحة وعاصم بن عدي كثيرا من المال، وبهذا الإنفاق السخي أمكن تجهيز هذا العدد العظيم من جيش العسرة. إن المسلمين عرفوا الحرب الإجماعية قبل أن يعرفها العالم بأربعة عشر قرنا؛ ولكن شتان بين حرب الفروسية التي عرفها المسلمون، وحرب العدوان التي عرفها العصر الحديث. 2- عقاب المتخلفين: يتخلّف عن الاشتراك بالقتال في كل حرب قديمة أو حديثة قسم من العسكريين لأسباب شتى، وفي كل أمة قوانين معيّنة، يعاقب بموجبها المتخلّفون. ويهمنا أن تعرف أن كثيرا من عوائل المتخلفين أبيدت عن بكرة أبيها في الدول التي طبقت الحرب الإجماعية خلال الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين. بمثل هذه القسوة الفظيعة في حرب حديثة في دول قوية راقية أخذ بها البريء بذنب الجاني، استطاعت تلك الأمم بمثل هذه القسوة الوحشية التقليل من التخلف بين صفوف جنودها عندما كانت في أوج قوتها؛ فلما تداعت قواتها تحت مطارق الحرب، تكاثر المتخلفون في صفوفها برغم قوانينها الرادعة.

ويهمني بعد ذلك أن تعرف كيف عالج الاسلام قضية التخلف بالعقاب النفسي الذي أخذ المسيء وحده بذنبه، دون أن يلحق بغيره من الأبرياء أي عقاب. اسمع قصة تخلف كعب بن مالك كما يرويها بنفسه، لتر كيف كان عقاب المتخلفين في الاسلام! قال كعب: (جئت فسلّمت عليه (يقصد على النبي صلّى الله عليه وسلم) ، فتبسّم تبسّم المغضب، ثم قال: تعاله. فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ (قلت: بلى! والله إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا؛ ولكن والله لقد علمت إن حدّثتك حديث كذب ترضى به عليّ، ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله عني ... والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. (فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: (أما هذا فقد صدقت فيه، فقم حتى يقضي الله فيك) ، فقمت ... (وثار رجال من بني سلمة، فأتبعوني يؤنبونني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت قد أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلّى الله عليه وسلم. (قال كعب: فو الله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذّب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم مرارة بن الربيع العمري من بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين شهدا (بدرا) فيهما أسوة ... فصمتّ حين ذكروهما لي ...

(ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلّف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي الأرض فما هي بالتي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. (أما صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان؛ وأما أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد؛ وآتي رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلّم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر، فاذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ، وإذا التفتّ نحوه أعرض عني ... (حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسوّرت «1» جدار أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ، فسلّمت عليه فو الله ما ردّ عليّ السلام! ... (فقلت: يا أبا قتادة! أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت! .. فعدت له فنشدته، فسكت ... فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم ... ففاضت عيناي وتولّيت حتى تسوّرت الجدار ... ثم غدوت الى السوق ... (فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، وإذا نبطيّ من نبط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه في المدينة يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى إذا جاءني، دفع إليّ كتابا من ملك غسان وكتب كتابا في سرقة «2» من حرير، فاذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا

_ (1) - تسوّرت: علوت. وفي كتاب الله: (إذ تسوّروا المحراب) . (2) - سرقة: شقة من الحرير، ويقال: السرق، أحسن الحرير وأجوده.

من البلاء أيضا! قد بلغ ما وقعت فيه أن طمع فيّ رجل من أهل الشرك، فعدت بها الى تنّور، فسجرته بها «1» . (فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، وإذا رسول الله يأتيني فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، قلت: أطلقها أم ماذا؟ قال: لا، ولكن اعتزلها ولا تقربها ... (وأرسل الى صاحبيّ مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض ... (فجاءت امرأة هلال بن أمية، فقالت: يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ فقال: لا، ولكن لا يقربك. (قالت: إنه والله ما به حركة الى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان أمره ما كان الى يومه هذا، ولقد تخوّفت على بصره! ... (قال كعب: فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله لامرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا استأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وما يدريني ما يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب ... (ولبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة على سطح بيت من بيوتنا على الحال التي ذكر الله منا: قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت عليّ نفسي، وكنت قد ابتنيت خيمة في ظهر (سلع) فكنت أكون

_ (1) - سجرته بها: أي احرقتها وألهبت بها التنور.

3 - التدريب العنيف:

فيها، إذ سمعت صوت صارخ أو في على ظهر (سلع) يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر ... فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء الفرج. وآذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا، إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) «1» . (فلما جلست إليه قلت: يا رسول الله! إن من توبتي الى الله عز وجل أن أنخلع من مالي صدقة الى الله والى رسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. قلت: إني ممسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله! إن الله قد نجّاني بالصدق، وإن من توبتي الى الله ألا أحدث إلا صدقا ما حييت ... ) . أي عقاب نفسي هذا الذي جعل المتخلف يقدّم بين يدي توبته شرطين ما أصعبهما وما أشقهما: التنازل عن المال، والصدق في القول. ليس من السهل أن يتنازل المرء عن ماله، وأصعب من ذلك الثبات على الصدق في جميع الأحوال والظروف. فأي أثر عظيم تركه هذا العقاب النفسي الصارم، وأين هذا العقاب الذي طبّقه المسلمون على المتخلفين في القرن السابع الميلادي من هذا العقاب الذي طبقته أرقى الدول على المتخلفين في القرن العشرين؟ إن الدرس العظيم الذي يمكن أخذه من هذه المقاطعة، هو لزوم مقاطعة كل من أساء الى عقيدته ومقدساته خاصة في أوقات الشدائد والمحن. 3- التدريب العنيف: تعمل الجيوش الحديثة على تدريب جنودها تدريبا عنيفا: اجتياز موانع

_ (1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 118.

4 - المسير الليلي (السرى) :

وعراقيل صعبة جدا، وقطع مسافات طويلة في ظروف جوية مختلفة، وحرمان من الطعام والماء بعض الوقت، وذلك لإعداد هؤلاء الجنود لتحمّل أصعب المواقف المحتمل مصادفتها في الحرب ... لقد تحمّل جيش العسرة مشقات لا تقل صعوبة عن مشقات هذا التدريب العنيف إن لم تكن أصعب منها بكثير: تركوا المدينة في موسم نضج ثمارها، وقطعوا مسافات طويلة شاقة في صحراء شبه الجزيرة العربية صيفا، وتحمّلوا الجوع والعطش مدة طويلة. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (خرجنا الى (تبوك) في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه، ثم يجعل ما بقي من الماء على كبده) . إن غزوة تبوك تدريب عنيف للمسلمين، كان غرض النبي صلّى الله عليه وسلم منه إعدادهم لتحمّل رسالة حماية حرية نشر الاسلام خارج شبه الجزيرة العربية وتكوين الدولة الاسلامية المترامية الاطراف؛ فقد كانت هذه الغزوة آخر غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلم، فلا بدّ من الاطمئنان الى كفاية جنوده قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى. 4- المسير الليلي (السرى) : قطع المسلمون أكثر المراحل بين المدينة وتبوك ليلا، ليتخلصوا من الحر الشديد. إن الحركة ليلا في موسم الحر ضرورية جدا خاصة في الصحراء؛ وهذا ما تطبقه الجيوش الحديثة في العصر الحاضر. 5- المعنويات: يمكن اعتبار غزوة تبوك معركة معنويات لا معركة ميدان.

6 - المعلومات:

لم يستطع المسلمون الاصطدام بجيوش الروم وحلفائهم، لانسحاب جيوشهم من منطقة تحشّدها في تبوك، بعد أن وصلتهم معلومات وثيقة عن قوة المسلمين ماديا ومعنويا؛ ومع ذلك فقد انتصر المسلمون في غزوة تبوك على الروم انتصارا معنويا لا يقل أهمية عن الانتصار المادي في القتال. لقد أدى اندحار الروم معنويا في غزوة تبوك، الى تفكير القبائل العربية الخاضعة لهم بعدم جدوى اعتمادهم عليهم لينالوا حمايتهم، ولا بدّ لهم من التحالف مع المسلمين الأقوياء ليضمنوا لهم الحماية والاستقرار، لذلك أقبلت تلك القبائل على مصالحة المسلمين وموالاتهم، وازداد انتشار الاسلام فيها عما كان عليه بعد غزوة (مؤتة) . 6- المعلومات: لقد كانت استخبارات الروم عن حركات المسلمين ونياتهم قوية جدا، وكانوا يستخدمون (النبط) الذين يتاجرون مع المدينة وقسم من أفراد القبائل العربية الموالية لهم، في نقل المعلومات إليهم عن المسلمين. لقد رأيت كيف عرف ملك غسان الموالي للروم أمر غضب الرسول صلّى الله عليه وسلم وغضب المسلمين على كعب بن مالك لتخلّفه عنهم يوم تبوك، وكيف أرسل إليه رسالة يعرض عليه فيها الالتحاق بالغساسنة؛ فاذا استطاع الروم وأحلافهم الاطلاع على مثل هذه القضية الشخصية، فمن المؤكد أنهم استطاعوا الاطلاع على القضايا المهمة خاصة القضايا التي لها تأثير على الموقف العسكري حينذاك ... لقد كانت عيون الروم منتشرة في المدينة لإحصاء حركات المسلمين وسكناتهم وتزويد الروم بكل ذلك. ولم يكن المسلمون غافلين عن حركات الروم العسكرية وعن نياتهم، فقد استطاعوا معرفة تحشّدات قواتهم ومواضع تلك التحشّدات ونياتهم مبكرا

7 - الضبط:

وبصورة مفصلة، مما جعلهم يتحركون الى تبوك للقضاء على قوات الروم قبل أن يستفحل أمرها وتتعرض بالحدود الاسلامية. لقد كانت محاولات المسلمين والروم للحصول على المعلومات متميزة جدا. 7- الضبط: إن إقبال المسلمين على الانخراط بجيش العسرة وتحمّلهم المشقات بنفس رضيّة قانعة يدل على مبلغ الضبط العالي الذي وصلوا إليه. إن الضبط أساس الجندية، ولا ينجح جيش لا يتحلى بالضبط المتين في أية معركة مهما يكن عدده كثيرا وسلاحه مؤثّرا، وإذا كان هناك فرق واضح بين العسكريين والمدنيين فهو الضبط الذي يتمسك به العسكريون قبل كل شيء ... إن إطاعة المسلمين لأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم الذي هو قائدهم في هجر المتخلفين دليل على ضبطهم المتين، وأيّ ضبط هذا الذي جعل أمر القائد ينفّذه أهل المتخلف حتى زوجه وأولاده بشكل أدق وأعنف مما ينفذه الغرباء عنه، وهو في محنته القاسية التي تستدرّ العطف والإشفاق من الناس جميعا. ولكنّ هذه الأوامر كانت للمصلحة العامة، والمسلمون كلهم جنود مخلصون لهذه المصلحة. النتائج يمكن إجمال نتائج غزوة تبوك بما يلي: 1- رفع معنويات المسلمين تجاه الروم وحلفائهم وعند العرب في شبه الجزيرة العربية كلها، وبذلك استطاع النبي صلّى الله عليه وسلم أن يجعل المسلمين يعتقدون بأن في إمكانهم محاربة الروم والتغلب عليهم.

لم يكن العرب (يحلمون) قبل الرسول صلّى الله عليه وسلم بأنهم يستطيعون صدّ اعتداء الروم عليهم في عقر بلادهم، فأصبحوا (يعتقدون) بعد تبوك بأن في مقدورهم محاربة الروم في بلاد الروم نفسها والقضاء على جيوشهم هناك. 2- قضى انتصار المسلمين المعنوي على الروم قضاء حاسما على تردّد المتخلفين عن الإسلام من العرب، فاذا كانت قوات المسلمين تهدد الروم في عقر ديارهم، فكيف تستطيع قوات القبائل العربية الثبات تجاه تلك القوات؟ لذلك أقبلت وفود أكثر تلك القبائل الى المدينة بعد عودة الرسول صلّى الله عليه وسلم من تبوك إليها معلنة إسلامها، وأقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجا، ولهذا سمي هذا العام بعام الوفود. 3- استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم تنظيم نقاط ارتكاز على الحدود الشمالية التي تربط شبه الجزيرة العربية ببلاد الشام الخاضعة للروم، وذلك بعقد المحالفات مع سكان تلك المنطقة وإقبال بعضهم على الإسلام. إن نقاط الارتكاز هذه سهّلت مهمّة الفتح الإسلامي على عهد الخلفاء الراشدين، فمنها انطلقت قوات المسلمين الى الشمال وعليها ارتكزت لتحقيق هدفها العظيم في فتح أرض الشام.

التطبيق العملي (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (القرآن الكريم)

التطبيق العملي

الخاتمة بحث مقارن تطرقنا في بحث القتال في الإسلام الى المبادىء المثالية التي جاء بها القرآن الكريم الخاصة بأغراض وأهداف وتنظيم الحرب العادلة في الإسلام. كما أوردنا بعض المصطلحات العسكرية والقانونية استنادا الى أوثق المصادر العسكرية الحديثة وقوانين الحرب والحياد من القانون الدولي. وكان الهدف من ذلك، هو إعطاء فكرة واضحة عن المبادىء النظرية في أحدث الكتب العسكرية وأوثقها وفي أحدث مصادر القانون الدولي، ثم مقارنتها بالمبادىء المثالية التي جاء بها الإسلام عن الحرب في الإسلام. وتطرقنا في الفصول التالية الى أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية التي طبّقها (فعلا) في القتال، حتى نفسح المجال لمقارنة هذه الغزوات (العملية) بالمعلومات النظرية التي أوردناها عند بحث موضوع القتال في الاسلام والمصطلحات العسكرية والقانونية سالفة الذكر. والحق أن أكثر المعلومات العسكرية النظرية وقوانين الحرب والحياد، هذه المعلومات وهذه القوانين هي حبر على ورق في هذا العصر الذي بلغت فيه المدنية درجة عالية من التقدم والرقي، ومع ذلك فقد طبقها الاسلام نصّا وروحا (عمليا) أو طبق أفضل منها قبل أربعة عشر قرنا بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ. والذين استطاعوا أن يستوعبوا تلك المعلومات النظرية المثالية ويقارنوا بينها وبين أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية، لا بدّ وأن يخرجوا بالنتيجة المتوقعة، مهما تكن أهواؤهم ومبادئهم، وهي أن الرسول صلّى الله عليه وسلم طبق النظريات

المثالية (فعلا) في أعماله العسكرية ولم يخرج عن تعاليمها أبدا في غزواته ومعاركه. وفي هذه الخاتمة، سأتطرق الى التطبيق العملي لنظريات الحرب المثالية بصورة موجزة وبشكل لا يدع مجالا للشك، ذلك التطبيق الذي استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم أن ينجزه قبل بضعة عشر قرنا بينما عجز عن تطبيقه العسكريون في القرن العشرين. ومن السهل جدا أن يسمو الإنسان بتفكيره الى درجة مثالية عالية، ولكنه من الصعب جدا أن يطبّق تلك المثاليات (فعلا) وبخاصة في الأعمال العسكرية التي تتوقف عليها مصائر الأمم والشعوب، لأن حالة الحرب ليست من الحالات الاعتيادية التي يستطيع فيها الإنسان أن يسيطر على أعماله في أغلب الأحيان. وكم أتمنى أن يقرأ هذا البحث غير المسلمين مهما تبلغ درجة عداوتهم للإسلام ليطمئنوا مع المسلمين مهما تبلغ درجة حبهم للإسلام الى أن أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية تنطبق على أرقى وأحدث النظريات العسكرية المثالية وقوانين الحرب والحياد الإنسانية، وليتأكدوا بأنفسهم من الأخطاء الفاحشة التي وقع فيها المتعصبون على الإسلام والمتعصبون للإسلام على حد سواء. فقد غمز المتعصبون على الإسلام أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية، فقالوا: إن الإسلام دين قتال يعتمد على الحرب في نشر دعوته، وإن حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية لا تخلو من عدوان؛ ولكنّ هذا الغمز خطأ فاحش لا يدل إلا على جهل مطبق أو تعصب ذميم. وقد ادّعى بعض المتعصبين للإسلام، أن انتصار الرسول صلّى الله عليه وسلم كان بالخوارق والمعجزات فحسب، ولكنّ هذا الادعاء خطأ فاحش أيضا لا يقل خطورة عن غمز المتعصبين على الإسلام، ولا يدل إلا على جهل بروح الاسلام الصحيح: تلك الروح العملية الواقعية التي ترتكز على الحق الواضح والعقل السليم من جهة وعلى الأمور الروحية من جهة أخرى.

مجمل أسباب النصر

الى هؤلاء وأولئك أسوق هذا البحث عن الأسباب الحقيقية لانتصار الرسول صلّى الله عليه وسلم، وعن المقارنة بين النظريات التي جاء بها الاسلام في القتال والأعمال التي طبقها الرسول صلّى الله عليه وسلم (فعلا) ، مع مقارنة أعماله بأحدث قوانين الحرب والحياد الإنسانية، تلك القوانين التي تطابق مبادىء القتال في الإسلام في بعض تعاليمها وتعجز عن السمو الى مبادىء القتال في الاسلام في تعاليمها الأخرى. مجمل أسباب النصر قاد الرسول صلّى الله عليه وسلم ثمانيا وعشرين غزوة «1» خلال سبع سنين بعد هجرته الى المدينة راجع الملحق (م) فقد خرج الى غزوة (ودّان) وهي أول غزوة قادها الرسول صلّى الله عليه وسلم بنفسه في صفر من السنة الثانية الهجرية، وكانت غزوة تبوك آخر غزواته في رجب من السنة الثامنة الهجرية، وقد نشب القتال بين المسلمين الذين بقيادته، وبين المشركين أو يهود بتسع غزوات من تلك الغزوات وهي: بدر، وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف، بينما فر المشركون في تسع عشرة غزوة منها بدون قتال. ومع ذلك لم يخفق الرسول صلّى الله عليه وسلم في أية معركة خاضها المسلمون بقيادته، حتى غزوة (أحد) لم تكن اندحارا للمسلمين من الناحية العسكرية كما أسلفنا سابقا. ولو لم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلم هو القائد في معركة (أحد) فهل كانت تكون نتائجها خلاص المسلمين من الموقف الخطير الذي أحاط بهم من كل مكان؟ بل لو لم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلم هو القائد في معركة (بدر) و (الخندق) و (حنين) ، فهل كان ينتصر المسلمون في كل تلك الغزوات؟

_ (1) - في سيرة ابن هشام 4/ 280، أنه قاد سبعا وعشرين غزوة، ولم يدرج غزوة بني قينقاع مع غزواته.

إن الذي يدرس بإمعان غزوات (بدر) و (أحد) و (الخندق) و (حنين) ويطّلع على موقف الطرفين: المسلمين والمشركين، ويدقق في تطور المعركة، يجد بوضوح الأثر الشخصي الفعّال لقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم للمسلمين، ذلك الأثر الشخصي الحاسم الذي لو لم يكن المسيطر الأول على سير القتال، لتبدل وجه التاريخ الإسلامي عما هو معروف به الآن! فما هي أسباب انتصار الرسول صلّى الله عليه وسلم في كل معركة خاضها؟ إن انتصار الرسول صلّى الله عليه وسلم يرجع الى عاملين: العامل الأول هو: تأييد الله تعالى له بنصره المبين. والعامل الثاني هو: أسباب عسكرية فنية، وهذه الأسباب العسكرية تتلخص في أربعة أسباب: 1- قيادة عبقرية هي قيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم. 2- وجنود متميزون هم المسلمون الأولون. 3- وحرب عادلة هي حرب المسلمين لأعدائهم. 4- وأخيرا تردي الحالة العسكرية لأعداء المسلمين من العرب المشركين والروم والفرس.

السبب الأول قيادة عبقرية هي قيادة النبي صلى الله عليه وسلم

السبب الأول قيادة عبقرية هي قيادة النبي صلى الله عليه وسلم 1- مجمل صفات القائد: مزايا القائد الشخصية المثالية، كما ينص عليها كتاب: (نظامات الخدمة السفرية) ، وهو من أوثق المصادر العسكرية الحديثة: (ينحصر أهم واجب للقائد في إصدار القرارات. (ولكي تكون قراراته صحيحة، لا تكفيه الشجاعة الشخصية، ولا الارادة القوية الثابتة ولا تحمّل المسئولية بلا تردد، بل فضلا عن ذلك عليه أن يكون واقفا وقوفا تاما على مبادىء الحرب، وقادرا على إبداء الحكم السريع الواضح، وذا مخيلة مقرونة بمزاج لا تأخذه نشوة الفوز ولا تثبّط عزيمته كارثة الخيبة، وأن يكون سابرا غور الطبع البشري. (ويتمكن القائد من المحافظة على معنويات قوته وتنفيذ أوامره، بالثقة والولاء اللذين يبعثهما في نفوس رجاله بقدر ما يتمكن من ذلك بوساطة الضبط. (فالشخصية القوية، ومعرفة الطبع البشري، وأصالة الرأي الموزون، والتفاهم مع المرؤوسين، عوامل أدبية جوهرية في تنشئة الكفاية العسكرية، فعلى القائد أن يغتنم كل فرصة سانحة للاتصال بمرؤوسيه الآمرين وقطعاته، للوقوف على صفاتهم وما فيهم من جدارة) . هذه هي الصفات المثالية للقائد التي ينص عليها كتاب: (نظامات الخدمة السفرية) .

وتضيف الى كل ذلك بعض المصادر العسكرية الحديثة، ضرورة تحلي القائد بالقابلية البدنية ليستطيع مشاركة قواته في تحمّل مشاق القتال. وهناك من يضيف الى كل تلك المزايا: الماضي الناصع المجيد. إن الصفات المثالية للقائد إذن، هي: القابلية على إعطاء القرار السريع الصحيح- الشجاعة الشخصية- الإرادة القوية الثابتة- تحمّل المسئولية بلا تردد- معرفة مبادىء الحرب- نفسيّة لا تتبدل في حالتي النصر والاندحار- سبق النظر- معرفة نفسيات مرؤوسيه وقابلياتهم- ثقة قطعاته به وثقته بقطعاته- المحبة المتبادلة بينه وبين قواته- شخصية قوية نافذة- قابلية بدنية- ماض ناصع مجيد. هذه هي الصفات المثالية للقائد المتميز، هي نتيجة لدراسة شخصيات أبرز القادة في التاريخ؛ لذلك فهي مجموعة من مزايا شخصيات كثيرة لا شخصية واحدة، فليس من الممكن أن تتوفر في شخص واحد، كاهو معروف. ولكن كل هذه الصفات المثالية قليلة جدا بالنسبة لصفات الرسول صلّى الله عليه وسلم، إذ هناك صفات أخرى يتحلى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم تتطرق إليها الكتب العسكرية، لأنها صفات يصعب على القادة الاعتياديين التحلي بها، بل هي فوق طاقة البشر بصورة عامة وذوي السلطان منهم بصورة خاصة. وسنطبّق كل هذه الصفات العسكرية على قيادة رسول الله صلوات الله وتسليمه عليه استنادا الى تاريخه العسكري الذي تحدّثنا عنه في الفصول السابقة، لنرى بصورة جازمة، أن هذه الصفات كلها بل أكثر من هذه الصفات كلها كانت من مزايا قيادة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام.

2 - تفصيل الصفات:

2- تفصيل الصفات: أ- قرار سريع صحيح: لا بدّ للقائد أن يصدر قرارا سريعا صحيحا، ليبني خطته العسكرية استنادا الى قراره هذا، ويعمل بموجب تلك الخطة في إدارة رحى القتال. فكيف يكون القرار سريعا صحيحا؟ يستند إصدار القرار الصحيح السريع الى عاملين: القابلية العقلية للقائد، والحصول على المعلومات عن العدو وعن الأرض التي ستدور عليها المعركة. وليس هناك من ينكر القابلية العقلية التي كان يتميّز بها الرسول صلّى الله عليه وسلم، تلك القابلية التي لا يختلف فيها المسلمون وغير المسلمين، فهو الذي بشّر وأنذر وخاطب وناقش عقليات كبيرة ووحّد أمة، فهل يمكن أن يتم ذلك إلا لعقلية راجحة ومنطق سليم؟ أما الحصول على المعلومات عن العدو وعن الأرض، فيكون بوساطة دوريات القتال والاستطلاع وبالعيون والارصاد واستنطاق الأسرى والاستطلاع الشخصي وباستشارة ذوي الرأي. لقد كان هدف الرسول صلّى الله عليه وسلم من غزواته وسراياه التي أرسلها قبل غزوة (بدر) الكبرى، هو الحصول على المعلومات عن المنطقة المحيطة بالمدينة والطرق المؤدية الى مكة والتعرّف على سكانها، وعقد الأحلاف معهم. وفي معركة (بدر) الكبرى، أرسل دورية استطلاعية لمراقبة عودة قافلة أبي سفيان بن حرب، وأرسل دوريات استطلاعية أمام قواته المتقدمة باتجاه (بدر) ، وأرسل دوريتي استطلاع قبيل وصول قواته الى (بدر) ، بل قام الرسول صلّى الله عليه وسلم بالاستطلاع الشخصي ليتأكد من قوة قريش والمواضع التي وصلت اليها.

كما استفاد الرسول صلّى الله عليه وسلم من استنطاق الأسرى الذين اسرتهم إحدى دوريات استطلاعه قبيل معركة (بدر) ، فعلم منهم بأسلوبه الرائع في الاستنطاق: الموضع الذي وصلته قريش، وعدد قواتها من الرجال. واستفاد من خبرة أحد أصحابه بخواص مياه آبار (بدر) وأسلوب السيطرة على مياهها، فبدّل معسكره الأول ليلا الى معسكر مناسب يهيىء له السيطرة الكاملة على مياه الآبار. هذه أمثلة تشبث النبي صلّى الله عليه وسلم بالحصول على المعلومات من غزوة (بدر) وحدها، وكل غزواته أمثلة على تشبثه بالحصول على المعلومات. لقد عرف الرسول صلّى الله عليه وسلم كل نيات أعدائه قبل وقت مبكر، واستطاع أن يقضي على تلك النيات العدوانية قبل أن يستفحل أمرها، فلم يبرم يهود ولا القبائل أمرا إلا وعرف ما أبرموا فورا، واتخذ التدابير الحاسمة للقضاء على نياتهم العدوانية في عقر دارهم، واستطاع في كل مرة أن يفرق شمل أعدائه قبل أن ينجزوا حشد قواتهم للتعرض بالمسلمين. لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم منتبها كل الانتباه لكل حركة داخلية وخارجية، ولم يتهاون لحظة عن جمع المعلومات، فلا عجب إذا كانت قراراته سريعة صحيحة، ولا عجب إذا كانت خططه التي يرسمها استنادا الى تلك القرارات ناجحة الى أبعد حدود النجاح. ب- شجاعة شخصية: شجاعة الرسول صلّى الله عليه وسلم الشخصية بارزة للعيان في كل معاركه التي خاضها، وهي بارزة في كل أعماله العسكرية وغير العسكرية على حد سواء. قراره قبول معركة (بدر) الكبرى، وهي أول معركة حاسمة خاضها المسلمون، شجاعة نادرة؛ لأن موجود قواته ثلث موجود قوات قريش، ولأن إخفاق المسلمين في هذه المعركة قد يقضي على مستقبل الاسلام.

وثباته تجاه عشرة آلاف من قوات الأحزاب في غزوة (الخندق) شجاعة نادرة أيضا، خاصة بعد أن نكث يهود عهوهم، فأصبح الخطر يهدد قوات المسلمين من خارج المدينة ومن داخلها. وقد نزل في غزوة (بدر) الكبرى ليباشر القتال بنفسه، وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إنا كنا إذا اشتد الخطب واحمرّت الحدق، إتقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب الى العدو منه؛ ولقد رأيتني يوم (بدر) ونحن نلوذ برسول الله، وهو أقربنا الى العدو) . وفزع أهل المدينة ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم راجعا على فرس لأبي طلحة عرى والسيف في عنقه وهو يقول: (لم تراعوا) ! وفي (أحد) كافح مع جماعة قليلة من أصحابه للخروج من الطوق الذي طوّقهم به المشركون، فاستطاع أن ينقذ المسلمين من فناء أكيد، ولم يكتف بذلك بل قام بمطاردة قريش الى موضع (حمراء الأسد) . ولو لم يثبت الرسول صلّى الله عليه وسلم مع عشرة فقط من أصحابه يوم (حنين) ، لاستطاعت هوازن وثقيف أن تبيد المسلمين. تلك مواقف يتصدع منها قلب أشجع الشجعان، ومع ذلك فقد ثبت الرسول صلّى الله عليه وسلم فيها غير مكترث بما يحدق به من أخطار. ولولا شجاعة الرسول صلّى الله عليه وسلم الشخصية التي أظهرها في هذه المواقف وفي غيرها لما انتصر المسلمون أبدا «1» .

_ (1) - من أمثلة شجاعته النادرة في غير ساحات القتال، حادثة ذهاب رجالات المشركين الى عمه أبي طالب مهددين متوعدين، فقال له عمه: (يا ابن أخي! إن قومك قد جاءوني فقالوا: كذا وكذا، فابق عليّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق) . فأجابه الرسول (ص) : (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك) فيا لها من شجاعة نادرة لا تتيسر عند اشجع الشجعان!

ج- إرادة قوية ثابتة: إن صمود النبي صلّى الله عليه وسلم وحده تجاه التيار الجارف من المشركين منذ نزول الوحي عليه حتى التحاقه بالرفيق الأعلى، دليل على إرادته القوية الثابتة التي لا تتزعزع. لقد تحمّل الإعراض والتكذيب والأذى والأخطار صابرا محتسبا، وهاجر من بلده الى بلد آخر، واستمر يكافح حتى كوّن له قوة تسانده وتؤمن بالاسلام. ثم جاهد بهذه القوة أعداءه في الداخل والخارج: في داخل المدينة ضد يهود والمنافقين، وفي خارج المدينة ضد المشركين وعلى رأسهم قريش. ولكنه صمد لكل هذا العناء مصرّا على مكافحة من حوله من الناس جميعا، حتى يظهر الله دينه، غير مكترث بتفوّق أعدائه على قواته فواقا ساحقا. إن حياة النبي صلّى الله عليه وسلم كلها مثال رائع للارادة القوية الثابتة. د- تحمّل المسئولية: لم يكن هناك من يشارك الرسول صلّى الله عليه وسلم في تحمّل المسئولية الضخمة في كل أعماله العسكرية، وغير العسكرية، وما أعظمها من أعمال غيّرت وجه التاريخ. وأية مسئولية أخطر وأعظم من المسئولية التي كان يتحملها الرسول صلّى الله عليه وسلم منذ بعثه حتى التحاقه بالرفيق الأعلى! إن أصحابه كانوا يعاونونه في كل شيء، ولكنه كان يتحمل وحده مسئولية كل شيء. هـ- نفسيّة لا تتبدل: لم تتبدل نفسية رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حالتي النصر والإخفاق. لقد كان

مسيطرا على أعصابه سيطرة أقرب الى الخيال منها الى الحقيقة في أشد المواقف حرجا وفي أحلك الظروف. لم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب عند تطويق المشركين له ولقسم من أصحابه في (أحد) من كل جانب، ومع ذلك سيطر على أعصابه وقاد سفينة المسلمين الى ساحل الأمان. ولم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب يوم (الأحزاب) خاصة بعد غدر يهود؛ ومع ذلك سيطر على أعصابه فصدّ (الأحزاب) وقضى على يهود. ولم يكن سهلا السيطرة على الأعصاب يوم (حنين) ، عند انهزام المسلمين، ولكنه ثبت مع عشرة فقط من أصحابه تجاه التيار الجارف من مطاردة المشركين، وسيطر على أعصابه حتى هزم أعداءه، فعاد أصحابه ليروا أسرى المشركين مكبلين بالأصفاد. تلك أمثلة من سيطرته على أعصابه في وقت الشدة، أما في وقت الرخاء، فقد كانت سيطرته أروع بكثير مما هي عليه في وقت الشدة. ومن أمثلة ذلك يوم فتح مكة، فقد رآه المسلمون يومذاك وقد أحنى رأسه على رحله وبدا عليه التواضع الجم، حتى كادت لحيته تمسّ واسطة راحلته؛ وكلما استشعر بأهمية نصره ازداد تواضعا وازداد على راحلته خشوعا. إن قيمة سيطرة الرسول صلّى الله عليه وسلم على أعصابه في مثل هذا الموقف الذي يعدّ أكبر نصر للمسلمين، تتضاعف إذا قارناها بمواقف العظمة والجبروت التي أظهرها غيره من القادة عند انتصارهم، فذهب بهم الطيش مذاهب أدت الى كوارث من نتائجها هلاك ودمار كثير من الناس والأموال ... لقد بقي رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد وصوله الى أعلى مراتب السيطرة والسلطان بسيطا في مأكله ومشربه وملبسه وفي حياته كلها كما كان في أول أيامه يوم كان

يتيما معدما: استمر يأكل نفس النوع البسيط من الطعام ويلبس نفس الرداء الساذج ويسلك في كل تفاصيل حياته نفس البساطة التي اعتادها في أيامه الأولى. حقا إنه كان يمتلك نفسية لا تتبدل! وسبق النظر: المخيلة التي تحسب حساب كل شيء أو سبق النظر أو بعد النظر كلها تعني ضرورة تفكير القائد في كل الاحتمالات القريبة والبعيدة، وإدخال أسوأ الاحتمالات في حسابه، وإعداد الخطط لكل موقف محتمل، حتى يمكن تطبيق تلك الخطط عند الحاجة دون تردد ولا ارتباك. لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتحلى بمزية سبق النظر في كل أعماله العسكرية وغير العسكرية، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى. أصرّ الرسول صلّى الله عليه وسلم على قبول شروط هدنة (الحديبية) ، لأنه فكّر وسبق النظر، فعرف بفكره الثاقب أن قبول هذه الشروط نصر للمسلمين؛ فهي تهيىء لهم الاستقرار، وقد رأينا أنّ هذا الاستقرار جعل جيش المسلمين يصبح عشرة آلاف مقاتل في فتح مكة، وكان ألفا وأربعمائة في غزوة (الحديبية) قبل سنتين. وكانت كل الدلائل تبشّر باستسلام قريش يوم الفتح، ومع ذلك اتخذ الرسول صلّى الله عليه وسلم كل التدابير الممكنة لمعالجة أسوأ الاحتمالات، فقسّم قواته الى أربعة أرتال، ودخل مكة من جهاتها الأربع بتشكيلات «1» القتال، حتى تستطيع قواته القضاء على كل مقاومة بكل سهولة دون أن تباغت من جهة غير متوقعة، فتكون العاقبة شرا على المسلمين وإحباطا لمحاولات النبي صلّى الله عليه وسلم السلمية.

_ (1) - تشكيلات القتال: التدابير التعبوية للقتال.

لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يفكر في كل كبيرة وصغيرة، ويعدّ لكل أمر عدّته، ويتخذ كل متطلبات الحذر والحيطة واليقظة؛ لذلك لم يستطع أعداؤه مباغتته في أي موقف في المواقف في غزواته كلها، واستطاع هو أن يباغت أعداءه في أكثر غزواته ... ز- معرفة النفسيات والقابليات: عرف الرسول صلّى الله عليه وسلم نفسيات وقابليات أصحابه، لأنه ولد بينهم وعاش وترعرع بينهم وكان يعيش بينهم فردا منهم يشاركهم في السراء والضراء. عرف مزايا الجميع، وكلّف كل واحد منهم بواجب يتفق مع قابليته البدنية والعقلية، لذلك استطاع أكثر أصحابه إنجاز مهمتهم بكفاية وإتقان. استمال قلوب المؤلّفة قلوبهم بالمال بعد (حنين) ، لأن المادة كانت تطغي على جوانب تفكيرهم، إذ لم يستشعروا بعد حلاوة الإيمان. قال صفوان بن أمية: (ما زال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعطيني من غنائم (حنين) وهو أبغض الخلق إليّ، حتى ما خلق الله شيئا أحب إليّ منه) ! ... ولكنه حرم الأنصار من غنائم يوم (حنين) لأنهم كانوا أغنياء بإيمانهم العظيم، وقد بكوا حتى أخضلوا لحاهم بالدموع حين قال لهم الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس الى رحالهم بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله الى رحالكم) ؟ ... قال الأنصار: (رضينا بالله وبرسوله قسما) ... وأمسك الرسول صلّى الله عليه وسلم يوم (أحد) بسيف، وقال: (من يأخذ هذا السيف بحقه) ؟ فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام أبو دجانة، فقال: (وما حقه يا رسول الله) ؟ ... قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (أن تضرب به العدو حتى ينحني) .

قاتل أبو دجانة بهذا السيف قتالا شديدا، فلما دارت الدائرة على المسلمين ترّس «1» بنفسه دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فحنى ظهره عليه والنبل يقع فيه. لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يعرف أن بين أصحابه شجعانا مغاوير فكلفهم بواجبات تحتاج الى الشجاعة كأبي دجانة، وكان يعرف أن بين أصحابه من لا يقوى قلبه على الحرب كحسان بن ثابت، فتركه مع النساء يوم (أحد) والخندق واستفاد من شعره البليغ؛ وكان يعرف أن من بينهم صاحب الرأي والمشورة، ومن بينهم من يستطيع قيادة غيره، ومن بينهم من لا يستطيع أن يكون أكثر من جندي بسيط، فكلّف كل واحد من هؤلاء بواجب يستطيع إنجازه. إنه لم يحمّل شخصا فوق ما يطيق، وهذا دليل على معرفته نفسيات وخواص وقابليات أصحابه جميعا. ولعلّ أهم ميزة يمتاز بها الرسول صلّى الله عليه وسلم على غيره من القادة والرسل، هي أنه كان قديرا على اختيار الرجل المناسب للعمل المناسب. إنه كان يعرف النفسية البشرية ويقدّرها حق قدرها، ويعرف كيف يوجهها الى ما يناسبها. والمهم في الأمر أنه صلوات الله وتسليمه عليه، كان يذكر أصحابه بأفضل ما فيهم من صفات، ويغض النظر عما يعانونه من نواقص بشرية، ويأمر أصحابه بذكر أصحابه بأفضل ما فيهم. وبذلك كان عليه الصلاة والسلام يبني الرجال ولا يحطم الرجال. ح- الثقة المتبادلة: كانت ثقة أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلم به عظيمة جدا، كما كانت ثقته بأصحابه

_ (1) - كان له بنفسه ترسا، أي وقاه بنفسه.

عظيمة أيضا؛ يكفي أن نذكر موقف المسلمين من صلح (الحديبية) ، إذ لولا ثقتهم العظيمة به، لرفضوا هذا الصلح. أما ثقته بأصحابه فيكفي للدلالة عليها أنه قبل زجّ قواته في معركة (بدر) ، بينما كانت قوات المشركين ثلاثة أمثال قوته؛ كما زجّ بهم في معركة (أحد) ، بينما كانت قوات المشركين خمسة أمثال قواته ... الخ. ولا يمكن أن يقبل القائد الاشتباك في معركة لا يعرف مصيرها ضد أعدائه المتفوقين على قواته فواقا ساحقا، إلا إذا كان ذلك القائد يثق بقواته ثقة عظيمة جدا ... ط- المحبة المتبادلة: ظهرت محبة الرسول صلّى الله عليه وسلم لأصحابه، ومحبة أصحابه له في كل غزواته، بل في كل موقف له في السلم والحرب. حسبنا أن نذكر موقف أصحابه منه في معركة (أحد) ، حين أحدق به المشركون من كل جانب وصوبوا عليه نبالهم؛ فأخذ المسلمون يصدون عنه النبال المصوّبة عليه بأجسادهم. ولم يقتصر ذلك على الرجال، بل شمل النساء أيضا، فقد ألقت نسيبة الخزرجية سقاءها، واستلّت سيفا وأخذت تذود به عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى خلصت الجراح إليها، فأصيبت يومذاك بثلاثة عشر جرحا، وأغمي عليها من النزيف؛ فلما أفاقت لم تسأل عن زوجها الذي شهد (أحدا) ولا عن ولديها اللذين كانا يقاتلان مع الرسول صلّى الله عليه وسلم، بل سألت أول ما سألت بعد أن عاد إليها وعيها: (وكيف حال الرسول) ؟ ... ولما مرض مرضه الذي توفاه الله فيه، اعتكف في بيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فرفع الرسول صلّى الله عليه وسلم الستر المضروب على منزل عائشة وفتح الباب وبرز للناس، فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم ابتهاجا برؤيته. ولما قبض الرسول صلّى الله عليه وسلم وتسرب النبأ الفادح، شعر المسلمون أن آفاق المدينة أظلمت عليهم، فتركتهم لوعة الثكل حيارى لا يدرون ما يفعلون.

لقد كان أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلم يحبونه أكثر من حبهم أنفسهم، لأن حبهم له دين؛ ولو لم يكن دينا لأحبوه أيضا، لأنه يستحق الحب والتقدير. أما حب الرسول صلّى الله عليه وسلم لأصحابه، فيكفي أن نذكر كيف نعى شهداء (مؤتة) وعيناه تذرفان، وكيف أنه رفض ما اقترحه عمر بن الخطاب حول قتل حاطب بن أبي بلتعة، لأنه أرسل كتابا الى قريش يخبرهم فيه بحركة المسلمين لفتح مكة، بل على العكس، أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يذكر المسلمون حاطبا، بأفضل ما فيه. لقد كان يحب أصحابه حبا لا مزية عليه، فاذا سلّم عليهم لا يكون البادىء أبدا بسحب يده عن السلام، وكان يلقى الناس بوجه باسم متهلل حقا، وكان يمقت الغيبة وكان البادىء دائما أصحابه بالتحية. ما أعظم هذا الحب المتبادل بين القائد وجنوده! (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) «1» . ي- الشخصية: أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي لمفاوضة الرسول صلّى الله عليه وسلم يوم (الحديبية) ، فعاد الى قريش يقول: (يا معشر قريش! إني جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد: لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، وإنهم لن يسلموه لشيء أبدا) . بهذا الوصف الرائع يصف مشرك من أعداء الرسول صلّى الله عليه وسلم شخصية النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام. فما هي أسباب هذه الشخصية القوية النافذة التي كان يتحلى بها الرسول صلّى الله عليه وسلم؟

_ (1) - الآية الكريمة من سورة المائدة 5: 54.

لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم متواضعا حليما، رءوفا، رحيما؛ ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يرفع صوته فوق صوت النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا يستطيع أحد أن يديم النظر الى وجهه المنير، ولا يستطيع أحد أن يرد له أمرا أو يتردد في تنفيذه. إن أسباب قوة شخصية الرسول صلّى الله عليه وسلم، هي محبته للناس جميعا، ورغبته الشديدة في خيرهم وهدايتهم، وخلقه العظيم. تقول كتب علم النفس الحديث: (إن الذين يعملون على إفادة أكبر جزء ممكن من المجتمع الانساني، يعتبرون أرقى الشخصيات جميعا، وهم في الغالب أقربها الى درجات التكامل. (إن درجة تكامل الشخصية تتناسب تناسبا (طرديا) مع اتساع دائرة المجتمع الذي يرمي الفرد الى إسعاده، فأقلها تكاملا التي يسعى صاحبها فقط لإسعاد ذاته، إذ لا بدّ من أن تتعارض نزعاته الذاتية مع نزعاته الاجتماعية في تحقيق غايته الذاتية. (ويليها من يسعى صاحبها لإسعاد أسرته وأولاده، ثم يليها من يعمل صاحبها على إسعاد أقاربه ويليها من يعمل على إسعاد هؤلاء وأصدقائه، ويليها من يعمل لإسعاد أهل بلده أجمعين. (وهكذا الى أن تصل الى من همّه الأول والأخير إسعاد المجتمع بأوسع معانيه، وهنا قد نصل الى مرحلة ربما تبدو (مجرّدة) كالبحث عن الحقيقة ومناصرة العدل وخدمة المجتمع) . هذا نص ما تقوله كتب علم النفس الحديث. أرأيت كيف أنها تقرّر استبعاد إمكان أن يكون هناك إنسان همّه الأول والأخير إسعاد البشر؟ إن الرسول صلّى الله عليه وسلم فعل ذلك، بل فعل أكثر من ذلك، ومن حق هؤلاء العلماء أن يستبعدوا إمكان وجود إنسان مثالي، كان همّه إسعاد الناس بل إسعاد

العالمين لأنهم يجهلون سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم الذي يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) . فلا عجب أن تكون له كل هذه الشخصية الفذة بكل هذا النور والجلال. ك- القابلية البدنية: كانت للرسول صلّى الله عليه وسلم قابلية بدنية فائقة، وقد رأيت كيف كان يلجأ إليه أصحابه عند حفر الخندق كلما استعصت عليهم صخرة فيسرع إليها لتحطيمها، حيث تتفتّت تحت وطأة مطرقته التي يهوي بها ساعده القوي. شارك أصحابه في حراساتهم وفي استطلاعاتهم وفي مسيراتهم الطويلة الشاقة في كل فصول السنة، وأظهر في كل ذلك تحمّلا وجلدا يعجز عنه أقوى أصحابه. لقد كان أروع مثال شخصي لأصحابه في تحمل الصعاب والمشقات. ل- الماضي الناصع المجيد: كانت العرب تعتدّ بالنسب، والرسول صلّى الله عليه وسلم من قريش أشرف العرب ومن بني هاشم أشرف قريش؛ وكذلك هو أشرف العرب حسبا وأفضلهم نسبا من قبل أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، ومن قبل أبيه عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف «1» . أما سيرته الشخصية قبل بعثته صلوات الله عليه، فلأترك سير وليم موير) Sir William Muir (يتحدث عن ذلك، وقد أوردت هذا الحديث عمدا- على اعتبار أن كاتبه ليس مسلما- حتى استبعد اتهام كاتبه بالتعصب والمغالاة ... يقول موير: (تجمع كل مراجعنا وأسانيدنا- فيما ينسب الى محمد

_ (1) - أبوه من بني هاشم وأمه من بني زهرة، وقريش عشرة أبطن انتهى اليها الشرف على رأسها بنو هاشم وبنو زهرة التي كان منها سعد بن أبي وقاص الزهري فاتح العراق وباني الكوفة وأحد العشرة المبشرة بالجنة.

في شبابه من سيرة التواضع والاحتشام وطهارة الخلق- على صورة نادرة الوجود بين المكّيين) . ثم يعود فيقول: (وبما وهب له من عقل راجح وذوق رفيع وحرص دقيق وعمق في التأمل، عاش منطويا على نفسه طويلا، متخذا من تأملاته العقلية- دون ريب- شاغلا لوقت الفراغ الذي كان يقتله غيره- من ذوي الطابع الخسيس- باللهو السمج والفجور الماجن والسلوك الخليع. وقد وقع خلق ذلك الشاب القويم ومسلكه الورع والعفّ موقع الحمد والثناء من قلوب قومه جميعا وبإجماعهم عن طيب خاطر نال لقب: (الصادق الأمين) . ويقول: (ولم يولع محمد بالثراء أبدا ولم تبد منه هذه الظاهرة في أية فترة من فترات حياته الرتيبة الهادئة الوادعة على جلبة الرحلة وضوضاء التجارة وهموم السفر، ولم يكن محمد ليفكر أبدا من تلقاء نفسه في مثل هذه الرحلة، ولكن ما أن اقترح عليه ذلك حتى استشعر نفسه الكريمة على الفور ضرورة البذل لما في وسعه من جهد مساعدة لعمه) . ويقول واشنجتون آرفنج «1» عنه: (كانت طباع الرسول هادئة متلائمة، وكان يمرح أحيانا ولكنه كان في معظم الأحوال جادا، وإن كانت له ابتسامة خلابة. كانت جميع تصرفات الرسول تدل على رحمة عظيمة، وكان سريع البديهة، قوي الذاكرة، واسع الأفق، عظيم الذكاء. كان الرسول عادلا، فكان يعامل الأصدقاء والغرباء والأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء على قدم المساواة، وكانت عامة الناس تحب الرسول، إذ كان يحسن استقبالهم ويستمع الى شكواهم، كان حسن الطباع حليما رحيما صبورا) . كانت حياته لا سيما في فجرها المبكر، تتميز بالحنو والعطف على اليتيم والفقير والأرمل والبائس والضعيف والرقيق، ولم يذق الخمر أبدا ولم يلعب الميسر ...

_ (1) - الحق هو انني لا أحب أن أستشهد بأقوال المستشرقين وغيرهم لإثبات عظمة النبي (ص) ، ولكنني اضطررت الى إيراد هذين المثالين، لأن هذين الكاتبين غير مسلمين، والفضل ما شهدت به الأعداء.

يقول موير: (إن أوثق برهان على صدق محمد وإخلاصه، أن كان أسبق الداخلين في الاسلام من ذوي الاستقامة في خاصة أصفيائه وأهل بيته، الذين لا يستطيعون- مع معرفتهم الوثيقة بدقائق حياته الخاصة تفصيلا- أن يفوتهم بحال من الأحوال إدراك ما تنطوي عليه أساليب الأفاكين في نفاقهم، من إسدال السّجف والأستار على ما يأتون من أعمال تتناقض حقائقها في سريرتهم مع ما يدعون إليه جهرا) . واسمع الى زوجه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول له مشجعة عندما جاءه الوحي: (ابشر يا ابن العم واثبت! فو الذي نفس خديجة بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. والله لا يخزيك الله أبدا. إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق) . واسمع قول الله تعالى فيه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) «1» . لقد كان ماضي الرسول صلّى الله عليه وسلم مجيدا مشرفا بإجماع أقوال أصحابه وأعدائه على حد سواء. م- معرفة وتطبيق مبادىء الحرب «2» : كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يعرف مبادىء الحرب بالفطرة السليمة التي تدل على استعداده الفطري الممتاز للقيادة. وقد طبّق الرسول صلّى الله عليه وسلم هذه المبادىء في معاركه كلها، مما كان له أثر حاسم في انتصاراته. لقد تطرقنا عند بحث أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية الى أمثلة كثيرة من

_ (1) - الآية الكريمة من سورة القلم 68: 4. (2) - مبادىء الحرب: هي الجوهر الذي ينشىء في القائد (السجية) الصحيحة في تصرفاته في الحرب، وهي العنصر الذي يتكون منه مسلك القائد في أعماله بصورة طبيعية وغير متكلفة. ومبادىء الحرب: هي مبادىء ثابتة لا تتغير أبدا، وهي الأسس القديمة التي ترتكز عليها الحروب في كل زمان ومكان.

تطبيقه العملي لمبادىء الحرب العشرة: اختيار المقصد وإدامته، والتعرض، والمباغتة، وحشد القوة، والاقتصاد بالمجهود، والأمن، والمرونة، وإدامة المعنويات، والأمور الادارية. وسنذكر بعض هذه الأمثلة، للدلالة على تطبيق هذه المبادىء بكفاية نادرة فذة تدعوان الى الاعجاب والتقدير الشديدين. أولا- اختيار المقصد وإدامته «1» : كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يختار مقصده بالضبط، ويفكر في أقوم طريقة للوصول إليه، ثم يقرّر خطة مناسبة للحصول عليه. لقد ظهر مبدأ: (اختيار المقصد) في أول معاهدة عقدها الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد هجرته الى المدينة، تلك المعاهدة المعقودة بين المسلمين من جهة والمشركين ويهود من أهل المدينة من جهة أخرى، فنصّت على أنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن. إن قريشا أخرجت الرسول صلّى الله عليه وسلم وأخرجت أصحابه من مكة ظلما وعدوانا، فمن حقه أن تكون قريش (مقصده) الحيوي الذي يختاره. ولعل من أبرز أمثلة: (اختيار المقصد) ما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية. لقد كان (مقصده) من تلك الغزوة التأثير في معنويات قريش من غير قتال، فخرج محرما واستصحب أسلحة الراكب، فلما علم باقتراب قوات قريش من قواته، ترك الطريق العام الى طريق فرعية وعرة للتملّص من القتال، حتى

_ (1) - اختيار المقصد وإدامته: في كل حركة حربية من اللازم اختيار المقصد وتعريفه بوضوح. إن المقصد النهائي هو تحطيم إرادة العدو على القتال. يجب أن توجه كل صفحة من الحرب وكل صفحة منفردة نحو هذا المقصد الأعلى، ولكن لكل منها مقصد محدود يجب أن يعرف بوضوح.

وصل بقواته الى (الحديبية) ، وبقي هناك مصرا على (مقصده) هذا، فأفسح المجال للمفاوضات. وعندما هاجم قسم من المشركين معسكر قواته وألقى المسلمون القبض على المهاجمين، أطلق سراحهم دون أن يلحق بهم أذى. وبقي مصرا على (مقصده) في عدم محاربة قريش، وفي إظهار نياته السلمية، حتى تمّ له عقد صلح الحديبية، على الرغم من تذمّر قسم من أصحابه من هذا الصلح. إن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان (يختار مقصده) بدقة تامة ولا ينساه أبدا في كل أعماله العسكرية وغير العسكرية. ثانيا- التعرّض «1» : يمكن اعتبار كل غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلم تعرضية ما عدا غزوتي (أحد) و (الخندق) ، إذ أن المشركين هم الذين حشدوا قواتهم في منطقة المدينة وتعرضوا بالمسلمين. لقد استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم بشتى الأساليب الحصول على المعلومات عن نيات أعدائه قبل وقت مناسب، وبذلك استطاع أن يتعرض بأعدائه ويقضي على نياتهم العدوانية. إن التعرض ليس معناه التحرّش، بل معناه: الروح الهجومية التي يتحلى بها القائد، لأن الدفاع وحده لا يؤدي الى النصر الحقيقي بل الى نصر موضعي فقط في حالة نجاحه، أما التعرض فيؤدي في حالة نجاحه الى النصر. ومن المهم أن نذكر هنا، أن مبدأ (التعرض) التي طبقه الرسول صلّى الله عليه وسلم، كان دفاعا عن الإسلام، وحماية للدين الحنيف، وحرصا على حرية نشره، ولغرض إقرار السلام، وبذلك طبق المبدأ التعبوي القائل: إن التعرض هو أفضل وسيلة للدفاع.

_ (1) - التعرض: هو الهجوم على العدو لسحقه، ولا يتم الحصول على النصر إلا بالتعرض وحده.

ثالثا- المباغتة «1» : المباغتة هي إحداث موقف لا يكون العدو مستعدا له، والكتمان من أهم الوسائل المهمة التي تؤدي للمباغتة. إن الكتمان يتم إما بإخفاء استعداداتنا أو بإخفاء نياتنا، أو باستعمال أسلحة جديدة أو باستعمال الأسلحة الموجودة بطريقة جديدة. والمباغتة إما أن تكون في المكان أو في الزمان أو في الأسلوب، ولقد طبّق الرسول صلّى الله عليه وسلم مبدأ (المباغتة) بكل هذه الحالات، حتى يمكن اعتبار غزواته نماذج رائعة لتطبيق أساليب المباغتة. كانت المدينة هي (القاعدة الأمينة) للمسلمين، ولكنها كانت تعج ب (الرتل الخامس) «2» الذين لا يريدون خير المسلمين، ويعملون على إحباط جهودهم بشتى الطرق والأساليب. من هؤلاء (الرتل الخامس) يهود والمنافقون وعيون قريش من الأعراب وعيون الروم من الأنباط، وكان كل هؤلاء ينقلون أخبار المسلمين الى أعدائهم كلما استطاعوا الى ذلك سبيلا.

_ (1) - المباغتة: المباغتة أقوى العوامل وأبعدها أثرا في الحرب، وتأثيرها المعنوى عظيم جدا، وتأثيرها من الناحية النفسية يكمن فيما تحدثه من شلل متوقع في تفكير القائد الخصم. وفيما يلي بعض الوسائل التي يمكن الحصول بها على المباغتة: 1) بكتمان الاستعدادات للخطط الحربية وبكتمان جسامة القوات الاحتياطية. 2) بالتنقل السريع للقطعات من نقطة الى أخرى تمهيدا لإنزال الضربة على موضع لا يتوقعه العدو. 3) باستخدام الأرض الوعرة أو الصعبة أو بعبور الموانع التي تعتبر غير قابلة للعبور. 4) باستخدام أسلحة جديدة غير متوقعة أو أساليب تعبوية جديدة. (2) - الرتل الخامس: كناية عن الجواسيس والوكلاء والعيون والأرصاد.

ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم حرص على كتمان نياته حرصا شديدا، فكان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، فينقل (الرتل الخامس) تلك المعلومات الخاطئة الى أعدائه، مما يؤدي الى بلبلة أفكار أعداء المسلمين. ومن أمثلة الكتمان الشديد، تلك (الرسالة المكتومة) التي أرسل بها مع عبد الله بن جحش. لقد أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش ألّا يفتح تلك الرسالة إلا عند وصوله موضع (نخلة) بعد يومين من مسيره، فإذا فتحها وفهم مضمونها مضى في تنفيذها؛ وبهذه الطريقة لم يستطع أحد من أهل المدينة على اختلاف أهوائهم وميولهم، أن يعرف نيات الرسول صلّى الله عليه وسلم ولا واجب سرية عبد الله وهدفها. وقد أخفى نياته في غزوة الفتح حتى عن أهله الأقربين وصديقه الحميم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد دخل أبو بكر الصديق على ابنته عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم وهي تهيىء جهاز الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقال لها: (أي بنيّة! أأمركم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تجهّزوه) ؟ قالت: (نعم، فتجهّز) . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (فأين ترينه يريد) ؟ قالت: (والله لا أدري) . بهذا الكتمان الشديد، استطاع الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يحرّك جيشا كبيرا قوامه عشرة آلاف مسلم لفتح مكة دون أن تستطيع قريش معرفة وقت حركته ولا نياته حتى وصل الجيش الى ضواحي مكة، فاضطرت قريش على الاستسلام. ومن أمثلة المباغتة في المكان غروة بني لحيان، فقد تحرّك الرسول صلّى الله عليه وسلم بقواته شمالا باتجاه الشام حتى لا تعرف قريش وبنو لحيان اتجاه حركته الحقيقي، فلما انتشرت أخبار حركة المسلمين الى الشمال، عاد الرسول صلّى الله عليه وسلم بقواته فجأة باتجاه بني لحيان، وبذلك باغتهم في المكان. وفي غزوة (خيبر) تحرّك الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى (الرجيع) قريبا من ديار غطفان، وبعد أن أرسل مفرزة صغيرة من قواته الى معسكر غطفان، عاد

بقواته الرئيسة الى خيبر، وبهذه الحركة أوهم غطفان بأنه يريدهم وأوهم يهود خيبر بأنه لا يريدهم، فباغت الطرفين ومنع تعاونهما في قتال المسلمين. ومن أمثلة المباغتة في الزمان غزوة بني قريظة، إذ تحرّك الرسول صلّى الله عليه وسلم إليهم في وقت لا يتوقعونه، فشلّ معنوياتهم واحتفظ هو بالمبادأة حتى نهاية المعركة. كما أن مسير الاقتراب الذي أجراه الرسول صلّى الله عليه وسلم في غزوة خيبر بهدوء وسكينة حتى وصل موضع خيبر ليلا وأكمل تطويقها في نفس الليلة دون أن يستطيع يهود معرفة وقت وصوله وتطويقه لقصبتهم، وهذا المسير يعتبر مباغتة في الزمان. ومن أمثلة المباغتة في الأسلوب، قتال الرسول صلّى الله عليه وسلم بأسلوب (الصف) في غزوة (بدر) الكبرى تجاه قريش التي قاتلته بأسلوب (الكرّ والفرّ) ، ومن الطبيعي أنّ أسلوب (الصف) له الأرجحيّة على أسلوب (الكر والفرّ) من الناحية العسكرية. كما أن حفر الخندق في غزوة الأحزاب كان مباغتة في الأسلوب أيضا، لأنّ العرب لم تكن تعرف إنشاء الخنادق لغرض الحماية في الحصار. وقد استخدم المنجنيقات والدبابات في غزوة حصار الطائف، وهذا مباغتة في الأسلوب أيضا. إن القائد العبقري هو الذي يطبّق مبدأ المباغتة في معاركه، والرسول صلّى الله عليه وسلم قد طبّق هذا المبدأ في كل معاركه، مما كان له أعظم الأثر على نتائجها الحاسمة. رابعا- حشد القوة «1» : منذ نزل الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأصبح رسول الله، وهو يعمل جاهدا، في سبيل نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وانتشار الدعوة معناه ازدياد قوة المسلمين وإكمال حشدهم لاستخدام قواتهم في المكان والزمان المناسبين.

_ (1) - حشد القوة: هو حشد أعظم قوة أدبية وبدنية ومادية واستخدامها في الزمان والمكان الجازمين.

وهجرته الى المدينة من الناحية العسكرية، معناها حشد المسلمين في منطقة واحدة ليكونوا تحت قيادة واحدة. ولم يبدأ الجهاد في الإسلام، إلا بعد إنجاز حشد المسلمين، إذ أصبح المسلمون بدرجة من القوة يستطيعون معها الدفاع عن الاسلام. لقد رأينا في بيعة (العقبة الثانية) كيف انكشف للمشركين أمر هذه البيعة، وكيف أظهر الأنصار في حينه عدم اكتراثهم بخطر انكشاف بيعتهم. قال سعد بن عبادة: (يا رسول الله، والله الذي بعثك بالحق إن شئت، لنحملنّ على أهل (منى) غدا بأسيافنا) . ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم كان أبعد نظرا وأعمق من أن تؤثر فيه العاطفة، فقال له: (لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا الى رحالكم) ... فلما أنجز الرسول صلّى الله عليه وسلم كل استعدادات حشد المسلمين في المدينة، وعاهد أهلها من يهود والمشركين، بدأ القتال (فعلا) ، لأن قوات المسلمين حينذاك أصبحت من الناحيتين المادية والمعنوية قادرة على حماية الدعوة وصيانة حرية الرأي. إنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم طبّق مبدأ (الحشد) في كل غزواته، ولم يتردّد أبدا في حشد أكبر قوة مادية ومعنوية في كل معركة خاضها. خامسا- الاقتصاد بالمجهود «1» : راعى الرسول صلّى الله عليه وسلم مبدأ (الاقتصاد بالمجهود) في كل غزواته، ولم يندب قوة لواجب ما إلّا وهي كافية لذلك الواجب من كل الوجوه.

_ (1) - الاقتصاد بالمجهود: هو استخدام أصغر القوات للأمن أو لتحويل انتباه العدو الى محل آخر او صد قوة معادية اكبر منها مع بلوغ الغاية المتوخاة. إن الاقتصاد بالمجهود يدل على الاستخدام المتوازن للقوى والتصرف الحكيم بجميع المواد لغرض الحصول على حشد القوى المؤثر في الزمان والمكان الحاسمين.

إنّ نظرة بسيطة إلى الملحق (ن) ومقارنة قوات المسلمين بقوات أعدائهم، تظهر بوضوح مقدار حرص الرسول صلّى الله عليه وسلم على تطبيق مبدأ الاقتصاد بالقوة. سادسا- الأمن «1» : لقد أمّن الرسول صلّى الله عليه وسلم حماية قواته في كل غزواته، وبذل غاية جهده لمنع العدو من الحصول على المعلومات، وبذلك طبق مبدأ الأمن. إنّ دوريات الإستطلاع والطلائع والساقات التي كان يؤمّنها الرسول صلّى الله عليه وسلم في مسير الاقتراب وعند العودة من غزواته، كان لغرض حماية قواته من مباغتة العدو لها. كما أنّ تأمين الحراسات والعسس هو لحماية قواته أيضا من مباغتة العدو لها. وكما حرص الرسول صلّى الله عليه وسلم على الحصول على المعلومات من أعدائه بشتى الوسائل كما رأينا سابقا، فقد حرص على منع العدو من الحصول على المعلومات عن المسلمين بشتى الوسائل أيضا ... لقد طبّق مبدأ الكتمان في كل أعماله، وحثّ المسلمين على حفظ الأسرار وعدم إباحتها، وأمر أن يسارع المسلمون بإخباره عن كل حادث مهم. والحق أن المتتبع لحياة الرسول صلّى الله عليه وسلم يعجب أشد الإعجاب بمعرفته فورا بكل المعلومات التي تهمه وتؤثر على المصلحة العامة للمسلمين. كيف عرف برسالة حاطب بن أبي بلتعة تلك الرسالة التي حاول أن يخبر بها قريشا عن حركة المسلمين لفتح مكة؟ كيف عرف بإزماع أبي سفيان بن حرب القدوم الى المدينة لتمديد فترة الهدنة؟

_ (1) - الأمن: هو توفير الحماية للقوة ولمواصلاتها لوقايتها من المباغتة ومنع العدو من الحصول على المعلومات.

كيف عرف كل حركات المنافقين وكل مؤامرات يهود وقضى عليها؟ كيف أحبط كل هذه المؤامرات ومنع افتضاح نيات المسلمين؟ كل ذلك يدل على حرصه الشديد على كتمان نيات المسلمين، وحرمان العدو من الحصول على المعلومات عن أهداف ومقاصد حركات المسلمين. سابعا- المرونة «1» : كانت قوات المسلمين تتحرك الى أهدافها بكفاية وسرعة. لقد استطاعت قوات المسلمين أن تصل الى أهدافها في الوقت المناسب، فتقوم بإحباط نيات العدو العدوانية، قبل أن يكمل العدو استعداداته التي تساعده على النجاح. وصلت قوات المسلمين الى (دومة الجندل) ، وإلى (تبوك) ، وإلى ربوع فلسطين وإلى الطائف، وكل هذه الأماكن بعيدة عن قاعدة المسلمين- المدينة، وقد قطعت أكثر هذه المسافات ليلا، وفي ظروف قاسية من ناحية المشاكل الإدارية والطقس، كما استطاع المسلمون أن يستمروا في الحركة ثلاثين ساعة متتابعة عند عودتهم من غزوة بني المصطلق. وقد رأيت كيف كان الرسول صلّى الله عليه وسلم مرنا في وضع خططه وفي تنفيذها وكيف أنه يعدّل تلك الخطط عند الحاجة حسب الظروف الراهنة.

_ (1) - المرونة: إن المبدأ الذي كان يسمى قبل الحرب العالمية الثانية بمبدأ: (قابلية الحركة) ، أصبح يسمى الآن مبدأ: (المرونة) ، ذلك لأن (قابلية الحركة) تدل على الحركة المادية وهي صنعة نسبية لا يعبر عنها تعبيرا صحيحا إلا بالمقارنة مع قابلية حركة العدو. إن (المرونة) تعني أكثر من ذلك، إنها لا تتضمن قوة الحركة فحسب بل قوة العمل السريع كذلك؛ فعلى القائد أن يكون مرن الفكر وعليه أن يطبق تلك المرونة عند وضع الخطط لحملته وأن تكون خططه يشكل يمكنه من أن يعدل سريعا حركات قواته حين تضطره الظروف غير المنظورة وغير المتوقعة.

كل ذلك يدلّ على تطبيق الرسول صلّى الله عليه وسلم مبدأ (المرونة) وتحريك قواته بسرعة لا تقلّ سرعة وإتقانا عن أقوى جيش حديث في هذا العصر، لأن المسيرات الليلية وقطع المسافات الطويلة والاستمرار في المسير ثلاثين ساعة كاملة دون استراحة يدل على تدريب راق وكفاية متميزة. ثامنا- التعاون «1» : لقد رأينا كيف تعاون الرماة مع السيّافة والرمّاحة في غزوة (بدر) الكبرى، فقد نضح الرماة المشركين بنبالهم وأوقعوا فيهم خسائر فادحة سهّلت مهمة هجوم السيافة والرماحة للقضاء نهائيا على مقاومة قريش. كما رأينا تعاون الفرسان مع المشاة في الغزوات الأخرى. لقد أمّن الرسول صلّى الله عليه وسلم مبدأ: (التعاون) في غزواته كلها، وذلك بإعطاء كل سلاح «2» واجبا يناسبه، كما أن تعاون (الصفوف) فيما بينها تمّ في الوقت والمكان الملائمين، وبذلك أمّن تسهيل مهمة الجميع للوصول الى النجاح المطلوب. كما أمّن تعاون المسلمين من مختلف القبائل بشكل لم يسبق له مثيل في شبه الجزيرة العربية من قبل: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ... ) «3» .

_ (1) - التعاون: هو توحيد جهود كل الأسلحة والقطعات العسكرية لبلوغ الغرض المنشود، وهو النصر في الحرب. (2) - السلاح: هو الصنف الذي كان يستعمل في قسم من الجيوش العربية سابقا، فيقال: صنف المشاة، وصنف المدفعية ... الخ. وبعد توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية من لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية الذي بدأت عملها في القاهرة من يوم 30/ 5/ 1968، أصبح يستعمل تعبير: سلاح، بدلا عن: صنف، فيقال: سلاح المشاة، وسلاح المدفعية ... الخ. (3) - الآية الكريمة من سورة آل عمران 3: 103.

تاسعا- إدامة المعنويات: يمكن تعريف المعنويات: بأنها الصفات التي تميز الجيش المدرّب عن العصابات: بها تظهر الطاعة القائمة على الحب، وتبرز الشجاعة في القتال والصبر على تحمل المشاق، وتبرز كل المزايا التي تجعل الجندي مطيعا باسلا صبورا. ولست بحاجة الى التحدث عن طاعة جنود رسول الله صلّى الله عليه وسلم له، تلك الطاعة القائمة على الحب المتبادل والثقة المتبادلة، ولا عن شجاعتهم وجلدهم في القتال وصبرهم على تحمّل المشاق بعزم لا يعرف التخاذل والانهزام. حسبي أن أذكّر فقط بقصة الحدثين الصغيرين اللذين قتلا أبا جهل في معركة (بدر) الكبرى والتي رواها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وحسبي أن أذكّر أيضا بقصة نسيبة الخزرجية (أم عمارة) في معركة (أحد) ، وهاتان القصتان معروفتان ورد ذكرهما في محلهما من هذا الكتاب. فإذا كانت معنويات الفتيان الأحداث من المسلمين والنساء من المسلمات بهذا المستوى الرفيع، فكيف تكون معنويات الرجال؟ إن مما يديم المعنويات هو وجود أهداف يؤمن بها الجنود بصورة خاصة والشعب بصورة عامة، وقد كانت أهداف المسلمين جميعا حينذاك هي إعلاء كلمة الله والعمل على حرية نشر الدعوة الإسلامية بدون تدخّل أحد ونشر لواء العدل والسلام بين الناس كافة، تلك الأهداف التي آمن بها المسلمون إيمانا عميقا وجاهدوا في سبيلها بكل ما يمتلكونه من غال ورخيص. كما أن صفات القيادة الحقة هي التي تخلق المعنويات وتديمها، فإذا كانت الأمة محظوظة تهيأ لها قائد عظيم حكيم شجاع يبعث الثقة الحقيقية في الأمة. ولست أعرف قائدا لأمة قديما أو حديثا امتلك صفات القيادة الحقة كما امتلكها الرسول صلّى الله عليه وسلم، إذ كان في صفاته ومزاياه رجلا يعادل أمة أو هو أمة تعادل رجلا كما يقولون.

فلا عجب أن يتحلى المسلمون بالمعنويات العالية عندما كانوا ضعفاء يتخطفهم الناس من كل جانب في مكة عقر دارهم، وعندما أصبحوا أقوياء يسيطرون على شبه الجزيرة العربية كلها دون منازع. عاشرا- الأمور الادارية: مهما تكن خطة العمليات دقيقة مرنة معقولة، فلا تؤتي ثمراتها المتوقعة إذا تعذر تنفيذها من الوجهة الإدارية، بل يمكن أن نذهب الى أبعد من ذلك بالقول: إن كل خطة مرهونة بإمكاناتها الإدارية. لقد اهتم الرسول صلّى الله عليه وسلم بالأمور الإدارية كثيرا في معاركه، فتعاون المسلمون على تزويد المجاهدين بالأرزاق والماء والنقلية والسلاح. قرن الإسلام دائما الجهاد بالأرواح بالجهاد بالمال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) «1» ... (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ، فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) «2» ... (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «3» ... (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) «4» ... (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) «5» .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 20. (2) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 261. (3) - الآية الكريمة من سورة الحديد 57: 10. (4) - الآية الكريمة من سورة الصف 61: 11. (5) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 95.

بل يلاحظ من تلك الآيات الكريمة، أن المال يقدّم على الأنفس دائما، مما يدلّ على اهتمام الإسلام بالأمور الإدارية. ويقول القرآن الكريم عن الخيل: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) «1» ... ويقول: (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) «2» ... ويقول القرآن الكريم في الحديد الذي يعمل منه السلاح: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) «3» . لقد أنفق المسلمون الأولون أموالهم في سبيل الله: مات الرسول صلّى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير، وأنفق أبو بكر الصديق رضي الله عنه جميع ماله في سبيل الله وكان يوم أسلم من أغنياء قريش المعدودين، فمات متخللا بعباءته. وأنفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف ماله، كما جهز عثمان ابن عفان رضي الله عنه جيش العسرة في غزوة (تبوك) بالإضافة الى الأموال الطائلة التي أنفقها على غيرها من الغزوات. أما آل محمد صلّى الله عليه وسلم فقد روى الحسن عنهم قال: (خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: (والله ما أمسى في آل محمد صاع من طعام وإنها لتسعة أبيات) . والله ما قالها استقلالا، ولكن أراد أن تتأسى به أمته) ! لقد أتعب الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه من يريد التأسي بهم من المسلمين بعدهم. لقد ضحّوا بكل شيء حتى بأبسط ضروريات الحياة في سبيل الله والمصلحة العامة قبل أربعة عشر قرنا، فأين منها تضحيات زعماء الشرق والغرب في القرن العشرين، أولئك الذين يتاجرون بالدفاع عن الفقير والعامل والفلاح بالظاهر

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 60. (2) - الآيات الكريمات من سورة العاديات 100: 1- 5. (3) - الآية الكريمة من سورة الحديد 57: 25.

3 - مزايا اخرى اضافية:

وبالكلام فحسب، على حين يعيشون في الحقيقة مترفين في رخاء عظيم على حساب الفقير والعامل والفلاح!! 3- مزايا اخرى اضافية: أ- المساواة: ساوى الرسول صلّى الله عليه وسلم نفسه بأصحابه في كل شيء، بل استأثر لنفسه دونهم بالخطر ومضاعفة الجهد وتحمّل المسئولية والحرمان الشديد. حمل الحجارة والتراب والجريد واللبن كأي فرد من المسلمين عند بناء المسجد في المدينة المنورة. وفي مسير الاقتراب الى (بدر) ، قسّم الإبل المتيسّرة وعددها سبعون بعيرا بين أصحابه، وكان من نصيبه مع علي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنهما بعير يعتقبونه، تماما كما يفعل أيّ فرد من أفراد قواته. قال شريكا الرسول صلوات الله وتسليمه عليه في البعير: (نحن نمشي عنك) ، قال: (ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) . وفي غزوة (الخندق) ، حفر بيده وحمل الأحجار والأتربة على عاتقه. قال البراء بن عازب: (كان رسول الله ينقل التراب يوم الخندق، حتى اغبرّ بطنه) . لقد وارى التراب جلدة بطنه وكان كثير الشعر. وشارك أصحابه في طعامهم وشرابهم ولباسهم، بل آثرهم بالنفيس من كل ذلك واستأثر دونهم بالخشن. وتحمل أخطر المواقف بنفسه، ولم يترك أصحابه يتعرّضون للخطر وحدهم. لقد سخّر نفسه لخدمة أصحابه، بينما سخّر القادة قواتهم لخدمتهم ...

ب- الاستشارة: كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يستشير أصحابه في كل المواقف التي لها أثر في مصالح المسلمين عسكرية وغير عسكرية. استشارهم في غزواته كافة عدا غزوة (الحديبية) ، وأخذ بآرائهم حتى ولو كانت تخالف رأيه كما حدث (فعلا) في غزوة (أحد) ، فقد كان يرى البقاء في المدينة المنورة بينما رأى أكثرية أصحابه الخروج. أما أسباب عدم استشارتهم في غزوة (الحديبية) ، فلأنه- كما ذكرنا سابقا- كان يصرّ على نياته السلمية التي تؤمّن له الاستقرار الضروري لانتشار الإسلام، وكان لبعد نظره المذهل حقا يعرف أن نتائج الصلح ستكون خيرا شاملا للدعوة الاسلامية، بينما كان أصحابه يريدون النصر العاجل قبل أوانه. ج- أساليب جديدة: طبّق الرسول صلّى الله عليه وسلم أساليب جديدة في القتال. طبّق أسلوب القتال ب (الصفوف) في (بدر) ، فتغلّب بهذا الأسلوب على قوات قريش التي بلغت ثلاثة أمثال قوّته، لأنهم قاتلوا بأسلوب (الكرّ والفرّ) . وحفر (الخندق) في غزوة (الأحزاب) ، ولم تكن العرب تعرف هذا الأسلوب. وطبّق أسلوب قتال المدن والأحراش في غزوة بني النضير وبني قريظة وخيبر، ومن المدهش أن يطبّق الرسول صلّى الله عليه وسلم نفس الأسلوب الذي يطبّق في الحرب الحديثة في مثل هذا القتال. واستخدم المنجنيقات والدبابات في غزوة حصار (الطائف) ، وكان استعمال هذين السلاحين نادرا عند العرب حينذاك.

4 - قيادة مثالية:

وانتخب (مقرّا) له في غزوة (بدر) ، مراعيا شروط انتخاب (المقر) ، وأمّن حراسته كما يجري في الحرب الحديثة. وقسّم الأعمال وأمّن السيطرة على إنجازها، كما حدث في حفر الخندق. وقام بالهجوم فجرا، ذلك الهجوم الذي يحتاج الى كفاية وتدريب متميزين كما حدث في غزوة بني المصطلق. وابتكر أسلوب (الرسائل المكتومة) ، على حين يفاخر الألمان في العصر الحاضر بأنهم أول من ابتكر هذا الأسلوب. بل إنه طبّق الحرب الإجماعية بحذافيرها، فحشد كل القوى المادية والمعنوية للأغراض العسكرية، وذلك ليؤمّن حماية الدعوة من أعدائها الكثيرين، بينما لم تعرف هذه الحرب إلا في الحرب العالمية الثانية فقط، واستأثر الألمان بالمفاخرة في ابتكارها. 4- قيادة مثالية: رأينا كيف كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يتحلى بكل صفات القائد المثالي، كما تنصّ عليها أوثق المصادر العسكرية الحديثة. ورأينا كيف طبّق كل مبادىء الحرب بكل كفاية، ورأينا كيف أنه تحلّى بمزايا أخرى لم تنص عليها المصادر العسكرية لاستبعاد المفكرين العسكريين إمكان توفرها في القادة وهم بشر! ورأينا كيف طبّق أساليب جديدة مبتكرة، واستخدم أسلحة جديدة في القتال. فأي قائد تحلى بكل هذه المزايا وطبّق كل مبادىء الحرب وابتكر كل هذه الأساليب الحربية؟! ذلك هو السبب الأول لانتصار المسلمين على أعدائهم، وقديما قالوا: (لم يغلب الرومان الغال ولكن قيصر) .

السبب الثاني جنود متميزون

السبب الثاني جنود متميزون 1- مزايا الجند المتميّز: تتلخص مزايا الجندي المتميز بما يلي: عقيدة راسخة، ومعنويات عالية، وضبط متين، وتدريب جيّد، وتنظيم سليم، وتسليح جيد. تلك هي مزايا الجندي المتميز في كل زمان ومكان، فهل كان جنود النبي صلّى الله عليه وسلم يتحلون بهذه المزايا العالية التي تجعلهم جيشا قويا رصينا، وهل كانوا يختلفون في شيء من ذلك عن العرب الذين ينتمون إليهم؟ والحق أن الرسول صلّى الله عليه وسلم هو الذي جعل جيش المسلمين يتحلى بكل هذه المزايا الرفيعة، فقد بذل غاية الجهد ليغرس كل هذه المزايا في نفوس المسلمين، وبذلك كوّن منهم قوة لا تغلب، وكانوا قبل حين كغيرهم من القبائل الأخرى، تطغى عليهم الأنانية الفردية، ولا يعرفون معنى الضبط والنظام، وليست لديهم عقيدة بالمعنى الصحيح. ليس من السهل أبدا، أن ينجح انسان في تبديل نفسية رجاله من حال الى حال إلا بعون الله، ونجاحه هذا هو معجزة واقعية أكبر وأعظم من معجزات الخيال. 2- تفصيل المزايا: أ- عقيدة راسخة: آمن المسلمون برسالة النبي صلّى الله عليه وسلم، فهم يقاتلون لحماية ما آمنوا به من العدوان،

حتى تكون كلمة الله هي العليا؛ وفي سبيل الدفاع عن عقيدتهم التي آمنوا بها كل الإيمان، تركوا أوطانهم وأموالهم وعرّضوا أنفسهم للخطر، وقاتلوا حتى أولادهم وأهليهم وعشيرتهم. لقد بذلوا كل شيء رخيصا في سبيل الدين الذي اعتنقوه. التقى الآباء بالأبناء والإخوة بالإخوة والأهل بالأهل: خالفت بينهم المبادىء ففصلت بينهم السيوف. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع المسلمين، وكان ابنه عبد الرحمن مع المشركين. وكان عتبة بن ربيعة مع قريش، وكان ابنه حذيفة مع المسلمين. وعندما استشار النبي صلّى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مصير أسرى (بدر) ، قال عمر: (أرى أن تمكني من فلان، قريب عمر، فأضرب عنقه، وتمكّن عليا من أخيه عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن الحمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين) . ولما سحبوا جثة عتبة بن ربيعة الذي قتل يوم (بدر) لتدفن في القليب، نظر الرسول صلّى الله عليه وسلم الى ابنه حذيفة بن عتبة فاذا هو كئيب قد تغيّر لونه. فقال له: (يا حذيفة! لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء) ؟ ... قال حذيفة رضي الله عنه: (لا والله يا رسول الله فما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك للاسلام؛ فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني ذلك) . وفي غزوة بني المصطلق، حاول عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين أن يثير الفتنة بين المهاجرين والأنصار، فأصدر الرسول صلّى الله عليه وسلم أمره بالحركة فورا حتى

لا يستفحل أمر الفتنة. وعند وصول المسلمين الى المدينة، تقدّم عبد الله بن عبد الله بن أبيّ يطلب من الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يأمره بقتل أبيه لأنه حاول إشعال نار الفتنة، ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم عفا عنه قائلا لولده المؤمن: (إنا لا نقتله، بل نترفّق به ونحسن صحبته ما بقي معنا) . وفي غزوة بني قريظة طلب يهود حضور أبي لبابة لاستشارته، فسمح الرسول صلّى الله عليه وسلم له بالذهاب إليهم. وسأله يهود: هل ينزلون على حكم محمد؟ قال لهم: (نعم) ، وأشار الى حلقه كأنه ينبههم الى أن مصيرهم الذبح. لم يعرف أحد من المسلمين بإشارة أبي لبابة هذه الى حلقه حين استشاره يهود، ولكنه أدرك لفوره بأنه خان الله ورسوله بإشارته تلك، فمضى هائما على وجهه حتى ربط نفسه الى سارية في مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم، وبقي على حاله هذا حتى تاب الله عليه. وقبيل غزوة الفتح جاء أبو سفيان بن حرب الى المدينة، فقصد دار أم حبيبة ابنته وزوج الرسول صلّى الله عليه وسلم، لكنها طوت الفراش عن والدها، لأنها رغبت بالفراش عن مشرك نجس ولو كان هذا المشرك أباها الحبيب. لقد أنفق المسلمون أموالهم في سبيل الله، حتى تخلّل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالعباءة، وكان يملك أربعين ألف دينار قبل الاسلام. فما الذي يدفع لمتل هذه الأعمال الرائعة غير العقيدة الراسخة والإيمان العظيم؟ وهل يقاتل أصحاب مثل هذه العقيدة كما يقاتل الذين لا عقيدة لهم إلا أهواء الجاهلية وعصبية الأنانية وحب الفخر والظهور؟ إن عقيدة المسلمين بسمو أهدافهم جعلتهم يستميتون في القتال دفاعا عن تلك الأهداف.

ب- معنويات عالية: لا قيمة لأي جيش مهما يكن ضخما في عدده، دقيقا في تنظيمه، متميزا في تسليحه ما لم تكن معنوياته عالية. كان الجيش الإيطالي في الحرب العالمية الثانية مجهزا بأحدث الأسلحة وأشدها فتكا، وكان تنظيمه دقيقا وعدده كبيرا، ولكن معنوياته كانت منهارة؛ فأصبح عبئا ثقيلا على الألمان، فكان الحلفاء يطلقون على المواضع التي يحتلها الإيطاليون تعبير: (الفراغ العسكري) ، لأنهم كانوا يستسلمون دون قتال، كلما حاق بهم الخطر الحقيقي أو الوهمي ... فكان وجودهم وعدم وجودهم سواء. شجّع الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه قبل معركة (بدر) وفي أثنائها وقوّى معنوياتهم، حتى لا يكترثوا بتفوق قريش عليهم في العدد، فكانت معنويات المسلمين عالية في تلك المعركة. حتى معنويات الأحداث الصغار منهم كانت عالية للغاية كما رأيت في تسابق ابني عفراء لقتل أبي جهل. هل كان بإمكان المسلمين الانتصار في غزوة (بدر) ، والقيام بمطاردة المشركين بعد يوم من غزوة (أحد) ، والصمود في غزوة الأحزاب، والإقدام على غزوة (تبوك) ، لو لم تكن معنوياتهم عالية جدا؟ وكما عمل الرسول صلّى الله عليه وسلم على رفع معنويات أصحابه بشتى الطرق والمناسبات، عمل على تحطيم معنويات أعدائه بشتى الطرق والمناسبات أيضا؛ وما كانت غزوة (الحديبية) و (عمرة القضاء) وغزوة (تبوك) إلا معارك معنويات لا معارك ميدان. إن (عمرة القضاء) فتحت قلوب أهل مكة، لأنها حطّمت معنوياتهم، وغزوة الفتح فتحت أبواب مكة.

كما أن نتيجة غزوة (تبوك) اندحار معنوي للروم، وبذلك اطمأن العرب الى أن بإمكانهم مقاتلة الروم، وكانوا سابقا يظنون أن ذلك من المستحيلات. لقد استهدف الرسول صلّى الله عليه وسلم في كل غزواته تحطيم معنويات أعدائه، بل إنه كان يستهدف تحطيم المعنويات أكثر مما كان يستهدف تحطيم القوى المادية، لأنه كان يطمع دائما في عودة أعدائه الى الصراط المستقيم والهداية، فيحرص على بقائهم أحياء طمعا في هدايتهم: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) . إن أكثر غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلم كانت معارك معنويات تؤثر في النفوس والقلوب لا معارك خسائر تؤثر على الأرواح والممتلكات. ويجب ألا ننسى هنا أثر اعتقاد المسلمين بالقضاء والقدر في رفع معنوياتهم لاقتحام الأخطار بشجاعة خارقة، لأن المقدّر سيكون حتما والشهيد في الجنة، وإنما هي إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا) «1» . ج- ضبط متين: كان المسلمون يطيعون النبي صلّى الله عليه وسلم إطاعة لا حدود لها، وينفّذون أوامره حرفيا بدون تردّد وبكل حرص وأمانة مهما تكن ظروفهم صعبة وواجباتهم شاقة. وليس هناك ما يبرّر ذكر أمثلة على قوة ضبط المسلمين، لأن الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ولأن الإطاعة في الإسلام دين: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) «2» .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة التوبة 9: 52. (2) - الآية الكريمة من سورة النساء 4: 59.

د- تدريب راق: اهتم الرسول صلّى الله عليه وسلم بتدريب أصحابه على الرمي وركوب الخيل، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (من ترك الرمي بعد ما علمه، فإنما هي نعمة كفرها) . ولم يقتصر الرسول صلّى الله عليه وسلم على حثّ أصحابه للتدريب المستمر على الرمي وركوب الخيل وهو ما نسميه في الوقت الحاضر: بالتدريب الفردي ... بل درّبهم على تشكيلات مسير الاقتراب وأساليب القتال وواجبات الحراسات والخفراء، وهو ما نسميه في الوقت الحاضر: بالتدريب الإجمالي. اتخذ التشكيلات التعبوية المناسبة في مسير الاقتراب في كل غزواته، فأمّن بذلك الحماية اللازمة لقواته وحرم العدو من مباغتتها. وقاتل بأسلوب (الصفوف) في معركة (بدر) ومعركة (أحد) وفي أكثر غزواته الأخرى ونظّم المواضع الدفاعية وراء الخندق في غزوة الأحزاب وأمّن حراسة النقاط الخطيرة من الخندق. وقام بقتال المدن والأحراش في قتاله ضد يهود، كما قامت سرية أبي سلمة رضي الله عنه بالهجوم فجرا على بني أسد، والنجاح في هذين القتالين يدلّ على تدريب راق. كما قام بمسيرات طويلة شاقة في مختلف الظروف والأحوال ليلا ونهارا، مما يمكن اعتباره تدريبا عنيفا. كل هذا التدريب الفردي والإجمالي والتدريب العنيف جعل تدريب المسلمين راقيا، وجعلهم قادرين على القتال بكفاية في مختلف الظروف والأحوال. هـ- تنظيم سليم: كان جيش المسلمين مؤلفا من المهاجرين والأنصار ومسلمي أكثر القبائل

المعروفة حينذاك، ومعنى ذلك: أن جيش المسلمين كان مؤلفا من كل القبائل العربية لا من قبيلة واحدة، لهذا فإن انتصاره لا يعدّ فخرا لقبيلة دون أخرى، كما أن إخفاق أية قبيلة في التغلّب عليه لا يعدّ عارا عليها، لأن هذا الجيش لم يكن لقبيلة دون أخرى، بل لم يكن للعرب دون غيرهم، إنما كان للاسلام ولمعتنقي هذا الدين من العرب وغيرهم. إنني أعتقد أن هذا التنظيم الذي لا يخضع إلا للعقيدة الموحّدة فقط دون غيرها من المؤثرات، جعل القبائل كلها لا تحرص على مقاومة جيش المسلمين حرصها على مقاومة قبيلة خاصة، وهذا سهّل مهمة المسلمين في القتال. وتسليح جيد: أصبح تسليح المسلمين بالتدريج جيدا، بعد أن كان المشركون متفوّقين على المسلمين بالتسليح حتى انتهاء غزوة الخندق. يكفي أن نسمع وصف الكتيبة الخضراء التي كان على رأسها النبي صلّى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فقد كان أفرادها لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد. وقد شجّع الرسول صلّى الله عليه وسلم على صناعة السلاح فقال: (إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه المحتسب في عمله الخير، والرامي به، والمعدّ له؛ فارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا) .

السبب الثالث حرب عادلة

السبب الثالث حرب عادلة «1» 1- معنى الحرب العادلة: (هي حرب توجّه ضد شعب ارتكب ظلما نحو شعب آخر ولم يشأ رفعه. ويشترط فيها أن تكون مطابقة للقواعد الإنسانية، وتكون لغرض تحقيق سلم دائم، ووجوب احترام حياة وأملاك الأبرياء وحسن معاملة الأسرى والرهائن) . هذا هو معنى الحرب العادلة كما تنص عليه مصادر قوانين الحرب والحياد من القانون الدولي. الحرب العادلة إذا، حرب دفاعية لا عدوانية، تستهدف تحقيق سلم دائم، أغراضها إنسانية، تحترم حياة وأملاك الأبرياء، وتعامل الأسرى والرهائن بالحسنى. إن شروط الحرب في الإسلام قبل أربعة عشر قرنا كانت أكثر عدلا مما تنص عليه مصادر القانون الدولي في القرن العشرين؛ فهي بالاضافة الى ذلك لا تثيرها العنصريات ولا حب الأمجاد، وليست لأغراض مادية أو استعمارية، وتدافع عن حرية الرأي والعقيدة. وسترى التطبيق العملي لكل هذه الشروط في أعمال الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية.

_ (1) - لم تعرف التفرقة بين الحرب العادلة وهي مباحة والحرب غير العادلة وهي محرمة إلا في إبان العصور الوسطى، إلا ان هذه الفكرة السامية لم تلبث ان انهارت.

2 - تفصيل معنى الحرب العادلة:

2- تفصيل معنى الحرب العادلة: أ- حرب دفاعية: ارتكبت قريش كل الظلم والعدوان ضد المسلمين عندما كانوا في مكة، فلم يبق هناك مجال للمسلمين غير ترك أموالهم وأهليهم والهجرة من مكة الى الحبشة أولا وإلى المدينة أخيرا تخلصا من هذا الظلم والعدوان. هاجر أكثر المسلمين من مكة فرارا بعقيدتهم فقط، تاركين فيها كل ما يملكونه من أهل ومال، وكان أكثر هؤلاء المهاجرين من الذين حمتهم عصبتهم من أن يصيبهم ما أصاب المستضعفين في الأرض من المسلمين الذين عذبتهم قريش ولقوا مصارعهم من جراء هذا التعذيب. حتى الرسول صلّى الله عليه وسلم نفسه، لاقى التكذيب والإهانة، واستمع بصبر عجيب الى دعايات قريش الكاذبة ضده ومكافحتها العنيفة للدين الجديد. وقد نجا الرسول صلّى الله عليه وسلم من مؤامرة قريش المحكمة التي دبرتها لاغتياله، كما نجا من مطاردة قريش له في هجرته من مكة الى المدينة متحملا المشاق والأهوال. فأي ظلم وعدوان أكبر من هذا الظلم والعدوان الذي أصاب المسلمين؟ ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم عندما فتح مكة قال لقريش: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) !! لم يقاتل الرسول صلّى الله عليه وسلم عدوا إلا مضطرا لقتاله، وكل غزواته كانت لرد اعتداء خارجي أو داخلي أو لإحباط نية اعتداء، ولم يجد من عدو ميلا للسلام إلا بادر الى تشجيع هذا الميل، والارتباط بهذا العدو بالمحالفات. إن دراسة أسباب غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلم بروح محايدة بعيدة عن الهوى، تثبت أن المسلمين لم يعتدوا على أحد، لأن الله لا يحب المعتدين. كما أن تلك الدراسة تثبت أن المسلمين لم يريدوا بقتالهم إكراه الناس على الدخول في الإسلام، فقد بقي كثير من رجالات قريش على الشرك بعد الفتح

وشهدوا مع الرسول صلّى الله عليه وسلم في غزوة (حنين) ، وكان المسلمون يعرفون أن هؤلاء لا يزالون على عقيدتهم الأولى، ومع ذلك لم يجبرهم أحد على تبديل دينهم: (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) «1» ... (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) «2» ؟! من هؤلاء صفوان بن أميّة وأبو سفيان بن حرب وكلدة بن الجنيد. ألم يكن بإمكان المسلمين أن يجبروا هؤلاء على اعتناق الإسلام، بعد أن استسلمت قريش وفتحت مكة أبوابها للمسلمين؟؟ إن القول بأن هدف القتال في الإسلام هو نشر الدعوة هراء لا يستند الى الواقع، ولكنّ هدف القتال هو حماية حرية نشر الدعوة، وحماية الدعوة، وإقرار السلام، وشتان بين الهدفين! ومع أن الحرب الإسلامية دفاعية لأنها بعيدة عن الظلم والعدوان، إلا أن هذا الدفاع غير مستكن «3» ، بل هو دفاع تعرّضي كما يسمى في المصطلحات العسكرية الحديثة، ومعناه أن المسلمين لا يبدأون بالاعتداء، ولكنهم يدافعون عن أنفسهم ضد كل اعتداء بالهجوم المضاد لسحق قوات المعتدين. ب- حرب لتوطيد السلام: أظهر مشركو المدينة ويهودها بعيد هجرة النبي صلّى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة ميلا الى السلم، فشجّع الرسول صلّى الله عليه وسلم هذا الميل السلمي وعقد معهم معاهدة أمّنت لجميع سكان المدينة حرية الرأى والأمن. وقد حالف الرسول صلّى الله عليه وسلم كل قبيلة أظهرت رغبتها في السلام كما فعل مع بني ضمرة في غزوة (ودّان) ومع بني مدلج في غزوة (العشيرة) ومع قريش في غزوة (الحديبية) .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة البقرة 2: 256. (2) - الآية الكريمة من سورة يونس 10: 99. (3) - الدفاع المستكن: الدفاع الثابت المحروم من قابلية الحركة للقيام بالهجوم المضاد.

بل كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يبذل كل جهده لتحقيق أهدافه السلمية، حتى لو أدّى ذلك الى تذمر قسم من أصحابه، كما حدث في غزوة (الحديبية) . إن السلام يضمن الاستقرار، وقد انتشر الإسلام في فترة صلح (الحديبية) - وهي فترة سلام- انتشارا عظيما بين الناس لم ينتشره في أيام الحرب، بل إن انتشاره في أيام السلام كان أضعافا مضاعفة لانتشاره في أيام القتال. إن الجنوح الى السلم دين: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) «1» ، فلا عجب إذا رأينا الرسول صلّى الله عليه وسلم يقبل بل يشجّع كل العروض السلمية التي تقدّم بها أعداؤه في كل مكان وزمان. إن السلم في الإسلام هي القاعدة الثابتة، والحرب هي الاستثناء. ولكنّ الإسلام يدعو للسلام لا للاستسلام: يسالم من يسالمه ويعادي من يعاديه، ولكنه لا يعتدي على أحد ولا يظلم أحدا، ولا يرتضي للمسلمين الظلم والعدوان. ج- حرب إنسانية: أولا- احترام الأبرياء: لم يتعرّض الرسول صلّى الله عليه وسلم بغير المقاتلين في غزواته، وحرص على صيانة واحترام أرواح وأموال الأبرياء. لما استسلم بنو قريظة، قتل المسلمون الرجال الذين قاتلوهم (فعلا) ، لأنهم خانوا عهودهم وعرّضوا المسلمين للفناء. أما الأطفال والنساء من بني قريظة فلم يصابوا بأذى، كما أن الذين ثبتوا على عهودهم من يهود لم يصابوا بسوء أيضا. والمرأة الوحيدة التي قتلت من بني قريظة، هي التي قتلت مسلما بقذفه

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 61.

بالرحى من فوق سطها، وإنما كان قتلها عقابا لها على جنايتها هذه، كما هو واضح ومعروف. ولما خرج المسلمون لغزوة (مؤتة) أوصاهم النبي صلّى الله عليه وسلم بألّا يقتلوا النساء والأطفال والمكفوفين ولا يهدّموا المنازل ولا يقطعوا الأشجار. إن البريء لا يؤخذ بجريرة المذنب: (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) «1» ، هذا هو مبدأ الإسلام الذي لن يحيد عنه. ثانيا- الأسرى والرهائن: أسر المسلمون سبعين أسيرا من قريش في غزوة (بدر) ، فقسّم ثمانية وستين أسيرا من هؤلاء على أصحابه قائلا: (استوصوا بالأسارى خيرا) . ثم فادى أغنياء الأسرى بالمال، أما الفقراء فأطلق سراح قسم منهم دون مقابل، وكلّف المتعلمين منهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، ثم أطلق سراحهم بعد تعليمهم هؤلاء الأطفال. ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل أسيرين من السبعين أسيرا، لأنهما أجرما في حق المسلمين وعذّبا المستضعفين منهم وشنّعا على الإسلام، فكان قتلهما لجرائمهما لا لأنهما أسيران. إن هذين الأسيرين كانا (مجرمي حرب) كما يطلق عليهما في التعابير العسكرية الحديثة وعقابهما كان جزاء لما جنت أيديهما من ذنوب وآثام. كما فادى الرسول صلّى الله عليه وسلم الأسيرين اللذين وقعا بأيدي سرية عبد الله بن جحش، فأسلم أحدهما وعاد الثاني أدراجه الى مكة آمنا.

_ (1) - الآية الكريمة في سورة من سورة الأنعام 6: 164، والإسراء 17: 15، وسورة فاطر 35: 18، والزمر 39: 7.

3 - حرب عقيدة:

ذلك ما طبّقه المسلمون بحق الأسرى، وهو ما ينطبق على أحدث قوانين معاملة الأسرى في العصر الحاضر. أما الرهائن، فلم يرو التاريخ أن المسلمين اعتدوا عليهم لأن الرهائن أمانة والقرآن الكريم يقول: (لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) «1» . ثالثا- الجرحى والقتلى: كان قسم من أسرى المشركين في غزوة (بدر) الكبرى جرحى، وقد اعتنى المسلمون بتمريضهم وعنايتهم بجرحاهم سواء بسواء. ولم يهمل المسلمون أمر الاعتناء بجرحى أعدائهم في كل غزواتهم، لأن هذا الاعتناء قضية إنسانية، والإسلام دين الإنسانية جمعاء. وقد دفن المسلمون قتلى المشركين في (بدر) كما دفنوا شهداءهم ولم يتركوهم في العراء. أما المشركون فقد مثّلوا بشهداء المسلمين في (أحد) أفظع تمثيل. 3- حرب عقيدة: أ- لا أغراض شخصية: لم تعلن الحرب في الإسلام لأغراض شخصية، لأن الإسلام في حقيقته دعوة للمصلحة العامة وتقديم للصالح العام، ولو أدّى ذلك الى تناسي مصالح الأشخاص. ولم تعلن هذه الحرب لأطماع شخصية وحب السيطرة والأمجاد، فقد بعثت قريش عتبة بن ربيعة وهو رجل رزين هادىء، فذهب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول له: (يا ابن أخي! إنك منّا حيث علمت من المكان والنسب، وقد أتيت

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الأنفال 8: 27.

قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم؛ فاسمع مني أعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها. إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفا سوّدناك علينا فلا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا) . ولكن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يكترث بكل هذا الاغراء. واشتدت عدواة قريش، وعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم له فقال للنبي صلّى الله عليه وسلم: (ابق على نفسك وعليّ، ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق) . قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: (يا عماه! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته) . لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يردد دائما قوله تعالى: (قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) «1» . ولم يترفع أبدا عن الفقراء والضعفاء والمساكين والخدم، وسيرته في كل ذلك مضرب الأمثال. إن حماية حرية نشر العقيدة هي التي أثارت الحرب في الإسلام، ولم يكن من أسباب إثارتها الأغراض الشخصية من بعيد أو قريب. ب- حرب لا عنصرية: ليس الإسلام دينا لقبيلة دون قبيلة، ولا لأمة دون أمة، ولا للعرب دون العجم. ولكنه للناس جميعا، للعالمين! ... (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) «2» ، فالإسلام يعمل لفكرة جليلة، فكرة وحدة الإنسانية تحت لواء الإسلام. إنه دين يقاوم العصبية والتعصب، ويكافح العناصر والأجناس، لأنه يريد أن يجمع العالم كله على صعيد واحد: لتوحيد كلمتهم وتوحيد الله.

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الكهف 18: 110، وسورة فصلت 41: 6. (2) - الآية الكريمة من سورة الأعراف 7: 158.

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) «1» ، و (ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى) ، و (سلمان منا آل البيت) ، كلها معناها: إن الإسلام قومية ودين تنصهر فيه كل قومية وكل دين، هو دنيا ودين ... سيف وكتاب ... مذهب في الحياة «2» . لقد رأينا أن الحرب الإجماعية التي دعا إليها الألمان ترتكز على العنصرية الجرمانية، ورأينا سيطرة التفريق العنصري البغيض بين البيض والسود في الولايات المتحدة الامريكية وفي جنوب إفريقية وغيرها من البلاد، كل هذا يجري في القرن العشرين عصر النور والمدنية والذرّة والصواريخ عابرة القارة. أما الاسلام قبل أربعة عشر قرنا، فقد قاوم العنصريات والاجناس، ودعا الى توحيد الأهداف، فمن آمن بالإسلام كان دمه وعرضه وماله حراما على المسلمين: (المسلم أخو المسلم) . كان الرسول صلّى الله عليه وسلم من قريش، ولكنه قاتل قريشا حين اعتدت على المسلمين؛ وكان عربيا، ولكنه قاتل قومه العرب دفاعا عن الإسلام. ولما تصدى الروم لعرقلة دعوته، قاتلهم. وعندما التحق بالرفيق الأعلى، قاتل خلفاؤه الفرس والروم وغيرهم من الأقوام والأجناس. والذين كانوا أعداء المسلمين على اختلاف قومياتهم وأجناسهم قبل إسلامهم، انصهروا بعد إسلامهم بالمسلمين، فأصبح عليهم ما على المسلمين ولهم ما للمسلمين. إن الاسلام ساوى بين الناس في الدنيا وفي الآخرة ... أمام الناس وأمام الله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ) «3» .

_ (1) - الآية الكريمة من سورة الحجرات 49: 10. .Islam is a (way of life) and not a (religion) only - (2) فهو: مذهب في الحياة يشمل القضايا الروحية والمادية وليس دينا يشمل القضايا الروحية فقط، فلينتبه الى ذلك الذين يترجمون كتب الغرب الى العربية عند ترجمتهم كلمة) religion (التي قد تنطبق على المسيحية كدين ولكنها لا تنطبق على الاسلام كدين ودولة وروح ومادة وسيف وكتاب. (3) - الآية الكريمة من سورة الحجرات 49: 13.

ج- حرب لا مادية: لم يكن من أغراض القتال في الاسلام الاستحواذ على المادة والبحث عن الاسواق والخامات واسترقاق المرافق وفرض الاستعمار. خرج المسلمون للتصدّي لقافلة أبي سفيان بن حرب العائدة من الشام في غزوة (بدر) الكبرى، لأنهم أرادوا أن يحرموا قريشا من طريق مكة- الشام التجارية فيؤثّرون بذلك على حالتها الاقتصادية حتى يخففوا من غلواء عدوانهم على المسلمين. ولكنّ تلك القافلة أفلتت من أيديهم، ومع ذلك اصطدمت قواتهم بالمشركين، وكان بإمكانهم العودة الى المدينة بأمن وسلام بكل يسر وسهولة. ولو كانت القضايا المادية هي التي دعتهم للخروج الى (بدر) ، لعادوا أدراجهم عندما علموا بوصول قافلة قريش سالمة الى مكة. وبعد غزوة (حنين) ، انتظر الرسول صلّى الله عليه وسلم حوالي شهر قدوم وفد هوازن إليه، ليعيد إليهم ما غنمه المسلمون من أموالهم، ولكنهم لم يحضروا، فاضطر الى تقسيم الغنائم، وأعاد السبي الى وفد هوازن الذي وصل بعد تقسيم الغنائم على الناس. ولكن ما هو نصيب الرسول صلّى الله عليه وسلم من الغنائم؟ إنه الخمس، وهذا الخمس مردود عليهم، لأنه يصرف في مصالحهم العسكرية وغير العسكرية، فهل أبقى الرسول صلّى الله عليه وسلم لنفسه شيئا من المال؟ قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (لم يمتلىء جوف النبي صلّى الله عليه وسلم شبعا قط، وإنه كان في أهله لا يسألهم طعاما ولا يتشهّاه، إن أطعموه أكل، وما أطعموه قبل، وما سقوه شرب) . وقالت: (ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم) .

4 - حرب مثالية:

وقالت: (كنا آل محمد نمكث شهرا ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء) . وقالت: (توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وليس عندي شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي. وتوفي ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير) . ذلك ما أبقاه الرسول صلّى الله عليه وسلم لنفسه ولأهل من متاع الدنيا، ولو كانت له رغبة في المادة، لأبقى لنفسه مال زوجه خديجة، وهو مال كثير!! إن الأهداف الرفيعة تتعب الأجساد والنفوس في الحصول عليها، وقد أتعب الرسول صلّى الله عليه وسلم نفسه وأهله وأصحابه في سبيل أهداف الإسلام، ليكون أسوة حسنة للمسلمين في كل زمان ومكان. 4- حرب مثالية: إن تعريف الحرب العادلة كما تنصّ عليه مصادر القانون الدولي، بالرغم من أنه حبر على ورق بالنسبة لكل الحروب قديما وحديثا، إلا أنه قاصر عن الوفاء بحق تعريف القتال في الإسلام. إنّ أصحّ تعبير يمكن إطلاقه على تلك الحرب هو: الحرب المثالية. مثالية: لأن أهدافها الدفاع عن حرية الرأي وتوطيد أركان السلام: تصون أرواح وأموال الأبرياء والضعفاء، وتعطف على الأسرى والرهائن، وتواسي المرضى والجرحى، ولا تمثّل بالقتلى بل تدفنهم كقتلاها، ولا تثيرها الأغراض الشخصية ولا العصبية ولا المنافع المادية ولا الاستغلال والاستعمار. فاذا لم تكن هذه الحرب مثالية، فأي حرب في التاريخ كله يمكن أن يطلق عليها هذا التعبير؟ لا عجب إذن إذا استطاعت هذه الحرب أن تسيطر على العقول بالمثل العليا قبل أن تسيطر على الحصون والقلاع بالسلاح والرجال.

إن هذه الحرب المثالية، جعلت جراح المغلوبين تلتئم بسرعة، فينضمّون ضائعين الى الغالبين، ليكون الغالبون والمغلوبون جميعا تحت راية واحدة، هي راية الإسلام. ولو كانت حربا ظالمة لما دام الظلم، لأن الظلم لا يدوم، وإن دام دمّر الغالب والمغلوب؛ فهل يفقه الظالمون ذلك، أم على قلوبهم أقفالها؟! ولكنها كانت حربا عادلة الى حدود المثالية، فاستجاب العرب لأهدافها العالية، ثم حملوا رسالة تلك الأهداف الى العالم؛ واستجاب لها الفرس والروم وكثير من الأمم والقوميات الأخرى، ثم حملوا بدورهم مشعل هدايتها شرقا وغربا، فاستنار الشرق بنور الإسلام على حين كان الغرب في دياجير الجهل والظلام.

السبب الرابع ضعف الاعداء

السبب الرابع ضعف الاعداء كان أعداء المسلمين ضعفاء على الرغم من كثرتهم، لأن العدد الضخم من الجنود لا قيمة له إذا لم يتحلّ أولئك الجنود بالمعنويات العالية والعقيدة السامية والمثل العليا. لقد رأينا في بحث الموقف العسكري العام للطرفين: المسلمين وأعدائهم، أن العرب كانوا متفرقين لا يخضعون إلا لسيطرة رؤسائهم الذين تسيطر عليهم الأهواء والعصبيات. كما كان النظام العسكري عند الروم والفرس فاسدا، ولم يكن لكل هؤلاء الأعداء أهداف معيّنة يؤمنون بها ويضحّون بأرواحهم وأموالهم في سبيلها، كما كان يفعل المسلمون. ولم تكن قيادة أعداء المسلمين تتحلى بكفاية عسكرية عالية، لأن قيادة القبائل العربية كانت بيد رؤسائها، وقيادة الفرس والروم بيد نبلائها الاقطاعيين، حتى ولو كان أولئك الرؤساء وهؤلاء النبلاء لا كفاية لهم ولا مؤهلات. إن أسباب ضعف أعداء المسلمين إذن هي: ضعف القيادة التي كانت وراثية على الأغلب، ونظام عسكري فاسد لا يقبل الجنود فيه على القتال إلا بدافع الارتزاق أو بدافع خوف الرؤساء والنبلاء البعيدين عن مشاركة جنودهم في شعورهم وإحساسهم، وعدم وجود أهداف مثالية تؤمن بها قوات العرب والفرس والروم على حدّ سواء. ولن ينتصر جيش مهما يكن ضخما، إذا كانت كل أسباب الضعف هذه تنخر قيادته ونظامه ومعنوياته.

الأرض للصالحين

الأرض للصالحين إن النتائج العسكرية لجهاد المسلمين بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم، كانت متوقعة منذ بدأ هذا الجهاد، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم أعدّ كل وسائل النصر على أعدائه الكثيرين، ولهذا كان واثقا من النصر، فبشّر به أصحابه في كل مناسبة. اصطدمت قوتان غير متكافئتين: كان للمسلمين قيادة موحدة مثالية هي قيادة الرسول صلّى الله عليه وسلم، رشحته لها كفاية قيادية عالية وعبقرية إدارية فذة؛ وكان لأعداء المسلمين قواد لا يتحلون بالكفاية العسكرية رشحتهم لها وراثة الآباء والأجداد. وكان قتال المسلمين دفاعا عن عقيدتهم ولتوطيد أركان السلام، فحربهم عادلة مثالية، بينما كان قتال أعدائهم لتوطيد أركان الظلم والعدوان، فحربهم غير عادلة. وكان للمسلمين عقيدة راسخة وأهداف سامية معلومة، ولم يكن لأعدائهم عقيدة ولا أهداف تستحق التضحية والإقدام. تلك هي أسباب انتصار الفئة القليلة على الفئة الكثيرة، وتلك هي أسباب انتصار كل قوة في كل زمان ومكان. إن الأرض يرثها العباد الصالحون، وقد كان المسلمون حينذاك هم العباد الصالحين، فورثوا الأرض ومن عليها وبقوا يحكمونها حتى غيّروا ما بأنفسهم، فتبدّلت الحال غير الحال. وسيعيدون سيرتهم الأولى بإذن الله، إذا عادوا الى الإسلام بما فيه من تكاليف البذل والتضحية والفداء. لقد قمنا بدراسة حياة سيدنا محمد صلوات الله وتسليمه عليه من الناحية

العسكرية البحتة، فإن أصبنا في بعض نواحيها فتوفيق من الله؛ وإن أخطأنا في بعض نواحيها فان الكمال لله وحده. وحسبنا أن تكون هذه الدراسة أول دراسة فنية لحياة الرسول صلّى الله عليه وسلم العسكرية، هذه الحياة التي تستحق دراسة أوسع وأدق، وفيها كل ما يستحق الإكبار والإعجاب. وأحمد الله توفيقه، وأشكره على تسديده، والله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وصلى الله على سيدي ومولاي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الفهارس العامة 1- فهرس الأعلام 2- فهرس الأماكن 3- المصادر 4- المراجع العربية والأجنبية 5- محتويات الكتاب 6- محتويات الخرائط والمخططات

الفهارس العامة

فهرس الاعلام (أ) إبراهيم (عليه السلام) 351 ابن أبي العوجاء 302 ابن سعد (محمد) 67، 70، 86، 231 أبو أسيد مالك بن ربيعة 140 أبو الأعور 146 أبو أيمن 198 أبو أيوب الأنصاري 144 أبو بردة بن نيّار 134 أبو بصير بن عتبة 285، 286، 291 أبو بكر الصديق 19، 69، 105، 119، 130، 183، 206، 214، 275، 288، 300، 310، 333، 347، 406، 407، 410، 452، 460، 466، 467 أبو جندل بن سهيل بن عمرو 283 أبو جهل (عمرو بن هشام) 108، 109، 110، 115، 118، 120، 458 أبو حبة بن عمرو 196 أبو حذيفة بن عتبة 119، 129، 466 أبو حية بن ثابت 136 أبو خالد (الحارث بن قيس) 143

أبو خزيمة بن أوس 144 أبو خميصة 138 أبو داود (عمير بن عامر) 146 أبو دجانة (سماك بن خرشة) 140، 177، 180، 182، 441، 442 أبو ذر الغفاري 249 أبو زيد (قيس بن سكن) 146 أبو سبرة بن أبي رهم 132 أبو سعيد بن أبي طلحة 180 أبو سفيان بن الحارث 195 أبو سفيان (صخر بن حرب) 22، 87، 101، 102، 104، 107، 108، 109، 158، 166، 172، 174، 183، 185، 189، 211، 222، 226، 233، 256، 314، 332، 333، 336، 337، 338، 348، 349، 352، 356، 365، 370، 435، 455، 467، 475، 481 أبو سلمة بن عبد الأسد 131، 203، 204، 217، 222، 470 أبو سنان بن محصن 129 أبو سليط 146 أبو شيخ أبيّ بن ثابت 146 أبو شيخ بن أبيّ 145 أبو ضيّاح بن ثابت بن النعمان 136، 320 أبو طلحة الأنصاري (زيد بن سهل) 145، 437. أبو طالب (عبد مناف بن عبد المطلب) 479. أبو عامر الأشعري 392 أبو عامر (عبد عمرو بن صيفي) 133، 178 أبو عبادة (سعد بن عثمان) 143

أبو عبس (جبر بن عمرو) 134 أبو عبيدة (عامر بن الجراح) 44، 133، 203، 251، 310، 311، 339، 406 أبو عفك اليهودي 151 أبو عقيل بن عبد الله 136 أبو قتادة الأنصاري 311، 334، 412 أبو قتادة بن ربعي 311 أبو كبشة 128 أبو كليب 324 أبو لبابة بن عبد المنذر 135، 148، 261، 467 أبو لهب (عبد العزى بن عبد المطلب) 108 أبو مخشن سويد 129 أبو مرثد 128 أبو مليل بن الأزعر 134 أبو المنذر (يزيد بن عامر) 142 أبو هبيرة بن الحارث 196 أبو الهيثم بن التيهان 134 أبو اليسر (كعب بن عمرو) 142 أبو يوسف (يعقوب بن ابراهيم) 44 أبي بن خلف 183 أبي بن كعب 145 الأخنس بن شريق 285 الأرقم بن أبي الأرقم 66، 131 أزهر بن عوف 285 أسامة بن زيد 303، 403، 405، 407

أسعد بن يزيد 143 أسماء بنت عمرو 67 الأسود الراعي 320 الأسود بن عبد الأسد 111 الأسود بن عبد المطلب 161 أسيد بن الحضير 256 أسير بن رزام 255 الأصبغ الكندي 254 الأصيد بن سلمة 374 الأقرع بن حابس 371 أكيدر بن عبد الملك 402، 403 أم حبيبة 333، 348، 356، 467 أم سليم 55 أم قرفة 254 أنس بن مالك 55 أنس بن النضر 197 أنسة 128 أنيس بن قتادة 135، 195 أنيف بن حبيب 320 أوس بن أرقم 197 أوس بن ثابت بن المنذر 197 أوس بن القائد 320 أوس بن قتادة 320 إياس بن أوس 195 إياس بن البكير 132 أيمن بن عبيد 392

(ب) بجير بن أبي بجير 147 البخاري (الإمام محمد بن اسماعيل) 55، 66، 67، 346 بسبس بن عمرو 140 بشر بن البراء 141، 319 بشير بن سعد 137، 301، 302، 303 بلال بن رباح 131 (ت) تميم (مولى خراش بن الصمة) 141 تميم (مولى سعد بن خيثمة) 136 تميم بن يعار بن قيس 138 (ث) ثابت بن أثلة 320 ثابت بن أقرم 135، 308 ثابت بن الجذع 141، 392 ثابت بن خالد 144 ثابت بن عمرو بن زيد 145، 196 ثابت بن وقش 195 ثابت بن هزال 139 ثعلبة بن حاطب 135 ثعلبة بن سعد 197 ثعلبة بن عمرو 145 ثقف 129، 197، 319

(ج) جابر بن خالد 147 جابر بن عبد الله 142، 198 جابر بن عمرو 324 جبر بن عتيك 135 جبار بن أمية 141 جبير بن إياس 143 جبير بن مطعم 180 جعفر بن أبي طالب 305، 308، 324 جليحة بن عبد الله 392 (ح) الحارث بن أنس 133، 194 الحارث بن أوس 133 الحارث بن أبي زينب 295 الحارث بن أبي ضرار 213 الحارث بن حاطب 148، 320 الحارث بن خزمة 133 الحارث بن سهل 195، 392 الحارث بن الصمة 145، 148، 183 الحارث بن عدي 196 الحارث بن عرفجة 136 الحارث بن النعمان 136، 324 الحارث بن هشام 22، 23 حارثة بن سراقة 146

حباب بن قيظي 195 الحباب بن المنذر 106، 107، 115، 141 حاتم الطائي 378 حاطب بن أبي بلتعة 130، 334، 347، 444، 455. حاطب بن عمرو 132 حبيب بن أسود 141 حبيب بن زيد 195 حذيفة بن اليمان 233 حرام بن ملحان 146 حرب بن أمية 226 حريث بن زيد 138 حسان بن عبد الملك 402، 403 الحسن البصري 460 حسيل بن جابر 195 الحصين بن الحارث بن عبد المطلب 128 الحكم بن كيسان 92، 93 حكيم بن حزام 109، 110، 336 الحليس بن علقمة 274 حماس بن قيس 351 حمزة بن عبد المطلب 85، 111، 112، 119، 128، 178، 180، 194، 466 حنظلة الغسيل 195 حيي بن أخطب 229، 230، 244 (خ) خالد بن البكير 132

خالد بن سفيان 204، 205، 222 خالد بن قيس 144 خالد بن الوليد 23، 24، 29، 44، 67، 173، 181، 182، 183، 186، 187، 188، 308، 313، 314، 315، 339، 340، 343، 345، 346، 364، 373، 383، 402، 403، 404 خارجة بن حميّر 141 خارجة بن زيد 137، 197 خبّاب بن الأرتّ 130 خبّاب (مولى عتبة بن غزوان) 130 خبيب بن إساف 137 خديجة (أم المؤمنين) 448، 482 خراش بن أمية 276 خراش بن الصمة 140 خلّاد بن رافع 143 خلّاد بن سويد 137 خلّاد بن عمرو بن الجموح 141، 198 خليدة بن قيس 142 خليفة بن عدي 144 الخنساء (تماضر بنت عمرو) 23، 24 خنيس بن حذافة 132 خوّات بن جبير 136، 148 خيثمة (والد سعد) 196 خولي بن أبي خولي 131 (د) دحية بن خليفة الكلبي 253 دريد بن الصمة 364

(ذ) ذكوان بن عبد قيس 143، 198 ذو الشمالين (عمير بن عمرو) 130 ذو الكفين 372 (ر) رافع بن الحارث 144 رافع بن عنجدة 135 رافع بن المعلّى 144 رافع بن يزيد بن كرز 133 ربعي بن رافع 135 الربيع بن إياس 139 الربيع بنت معوذ 55 ربيعة بن أكثم 129، 319 رجيلة بن ثعلبة 143 رفاعة بن رافع 143 رفاعة بن عبد المنذر 135 رفاعة بن عمرو 138 رفاعة بن مسروح 319 رفاعة بن وقش 195 رقيم بن ثابت 392 (ز) الزبير بن العوام 105، 130، 334، 339 الزمخشري (محمود بن عمر) 26 زياد بن أسلم 135 زياد بن لبيد 144

زياد بن عمرو 140 زيد بن حارثة 128، 161، 162، 167، 171، 173، 252، 253، 254، 255، 305، 307، 324 زيد بن الخطاب 131 زيد بن رفاعة 253 زيد بن عاصم 67 زيد بن المرن 138 زيد بن وديعة 138 (س) السائب بن الحارث 392 السائب بن عثمان بن مظعون 132 سالم بن عمير 136 سالم مولى أبي حذيفة 129 سبيع بن حاطب 196 سبيع بن قيس 137 سراقة بن الحارث 392 شراقة بن عمرو 147، 324 شراقة بن كعب 144 سعد بن أبي وقاص 87، 92، 105، 130، 180، 182، 203، 406 سعد بن حولة 132 سعد بن خيثمة 136 سعد بن الربيع 70، 71، 137، 197 سعد بن زيد الأشهلي 133، 344 سعد بن سهيل 147 سعد بن عبادة 198، 214، 339، 387، 388

سعد بن عبيد 135 سعد بن معاذ 103، 105، 133، 246، 262، 454 سعد الكلبي 130 سعيد بن زيد 102، 131، 148، 406 سعيد بن سعيد بن العاصي 392 سعيد بن سويد 197 سفيان بشير 198 سفيان بن عبد شمس 226 سلمان الفارسي 228، 238 سلمة بن أسلم 134، 406 سلمة بن أمية الضمري 257 سلمة بن ثابت 133، 194 سلمة بن خويلد 203، 222 سلمة بن سلامة 133 سلمة بن عمرو بن الأكوع 250 سلمة بن قرط 374 سلام بن أبي الحقيق 229، 247، 248، 255 سلام بن مشكم 158، 295 سليط بن قيس 146 سليم بن الحارث 147، 197 سليم بن عمرو بن حديدة 142، 198 سليم بن ملحان 146 سماك بن سعد 137 سنان بن أبي سنان 129، 141 سنان بن محصن 128

سهل بن حنيف 135 سهل بن عتيك 145 سهل بن قيس 142، 198 سهيل بن رافع 144 سهيل بن عمرو 22، 23، 133، 277، 278، 340 سواد بن رزن 142 سواد بن غزية 146 سواع 344 سويبق بن الحارث 196 سويبط بن سعد بن حرملة 133 سويد بن الصامت 65 (ش) الشافعي (الإمام محمد بن إدريس) 44 شجاع بن وهب الأسدي 303 شرحبيل بن عمرو الغساني 304، 305 شليغن 308 شماس (عثمان بن عثمان) 131، 194 شيبة بن ربيعة 112 شيبة بن عثمان بن طلحة 366 (ص) صالح بن شقرات 147 صبيح 129 صخر بن عمرو السلمي 23 الصعب بن معاذ 295

صفوان بن أمية 161، 162، 167، 340، 364، 477 صفوان بن وهب 133 صيفي بن قيظي 195 صهيب بن سنان 131 (ض) الضحاك بن حارثة 142 الضحاك بن سفيان الكلابي 374 الضحاك بن عبد عمرو 147 ضمرة (حليف لبني طريف) 140، 198 ضمضم بن عمرو الغفاري 108 (ط) الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب 128 الطفيل بن عمرو الدوسي 372 الطفيل بن النعمان 141 طلحة بن أبي طلحة 173، 178 طلحة بن عبيد الله 102، 148، 182، 410 طلحة بن يحيى بن مليل 320 طليحة بن خويلد 203، 222، 226 (ع) عائذ بن ماعص 143 عائشة (أم المؤمنين) 55، 347، 443، 452، 481 عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح 134 عاصم بن عدي 135، 148، 410

عاصم بن قيس 136 عاقل بن البكير 132 عامر بن الأكوع 320 عامر بن أمية 146 عامر بن البكير 132 عامر بن الحضرمي 110 عامر بن ربيعة العنزي 132، 139 عامر بن سعد 324 عامر بن سلمة 138 عامر بن الطفيل 220 عامر بن فهيرة 131 عامر بن مخلّد 196 عارض بن هند 253 عبّاد بن سهل 195 عبّاد بن قيس 137، 143 عبادة بن الحسحاس 198 عبادة بن الخشخاش 139 عبادة بن الصامت 55، 139 عباس بن عبادة 198 عباس بن مرداس 371 العباس بن عبد المطلب 67، 335، 336، 337، 356، 357، 366، 410 عبد الفتاح حسن 29، 41 عبد الرحمن بن أبي بكر 119، 446 عبد الرحمن بن عوف 70، 71، 120، 130، 253، 254، 458

عبد الله بن أبي بكر الصديق 392 عبد الله بن أبي حدرد 364 عبد الله بن أبيّ 154، 155، 175، 176، 208، 209، 214، 216، 219، 399، 466 عبد الله بن أمية 392 عبد الله بن أنيس 204، 205، 218، 219، 222 عبد الله بن جبير 136، 176، 181، 196 عبد الله بن ثعلبة 140، 387 عبد الله بن جحش 91، 129، 194، 452، 477 عبد الله بن الجد 141 عبد الله بن الحارث 392 عبد الله بن حذافة 375 عبد الله بن حمير 141 عبد الله بن ربيع 138 عبد الله بن رواحة 137، 255، 305، 307، 308، 324 عبد الله بن زيد 138 عبد الله بن سراقة 131 عبد الله بن سلمة 196 عبد الله بن سهل 134 عبد الله بن سهيل بن عمرو 132 عبد الله بن طارق 134 عبد الله بن عامر 140، 392 عبد الله بن عبس 137 عبد الله بن عبد مناف 142 عبد الله بن عبد الله بن أبي 138، 216، 467

عبد الله بن عتيك 247 عبد الله بن عرفطة 138 عبد الله بن عمرو بن حرام 141، 198 عبد الله بن عمرو بن وهب 198 عبد الله بن عمير 138 عبد الله بن قيس 142، 145 عبد الله بن كعب 146 عبد الله بن مخرمة 132 عبد الله بن مسعود 130 عبد الله بن مظعون 132 عبد الله بن النعمان 142 عبد الله بن الهبيب 139 عبس بن عامر بن عدي 142 عبيد بن أوس 134 عبيد بن التيهان 134، 195 عبيد بن المعلّى 198 عبيد بن يزيد 144 عبيدة بن أبي عبيدة 135 عبيدة بن الحارث 86، 112، 128 عتبان بن مالك 138، 147 عتبة بن ربيع 197 عتبة بن ربيعة 109، 112، 115، 119، 466، 478 عتبة بن ربيعة البهراني 140 عتبة بن عبد الله 141 عتبة بن غزوان 92، 132

عتيك بن التيهان 195 عثمان بن أبي طلحة 180، 315، 355 عثمان بن عبد الله بن المغيرة 92 عثمان بن عفان 22، 24، 129، 148، 276، 410، 460 عثمان بن مظعون 132 عدي بن أبي الزغباء 144 عدي بن حاتم 375 العزّى 81، 184، 345 عرفطة بن جنّاب 392 عروة بن مسعود 274، 444 عصماء بنت مروان 151 عصمة الأسدي 146 عصمة الأشجعي 145 عصمة بن الحصين 147 عطية بن نويرة 144 عفراء 120 عقبة بن عامر 141 عقبة بن عثمان 143 عقبة بن وهب 109، 110، 138 عقيل بن أبي طالب 119، 466 عكاشة بن محصن 129، 250 عكرمة بن أبي جهل 22، 24، 87، 173، 178، 231، 233، 314، 331، 334 علقمة بن محرز 375 علي بن أبي طالب 103، 105، 112، 114، 128، 178، 180،

182، 206، 231، 254، 277، 333، 334، 346، 355، 375، 404، 405، 466 عمر بن الخطاب 23، 55، 70، 119، 131، 183، 184، 206، 214، 277، 310، 311، 315، 333، 336، 357، 406، 407، 410، 415، 444، 460 عمرو بن أبي سرح 133 عمرو بن أمية الضمري 206، 256، 257 عمرو بن إياس 139 عمرو بن ثابت بن وقش 194 عمرو بن ثعلبة 146 عمرو بن جحاش 206 عمرو بن الجموح 198 عمرو بن الحارث 133 عمرو بن الحضرمي 92، 99، 102، 108 عمرو بن حممة الدوسي 372 عمرو بن سالم 332 عمرو بن سعد 324 عمرو بن طلق 143 عمرو بن العاص 310، 315، 344 عمرو بن عبدود 231 عمرو بن قيس 196 عمرو بن مطرف 196 عمرو بن معاذ 133، 194 عمير بن أبي وقاص 130 عمير بن الحارث 141

عمير بن الحمام 141 عمير بن عدي 196 عمير بن عوف 232 عمير بن معبد 134 عمير بن هاشم 103 عمير بن وهب 109، 110 عمار بن ياسر 131 عمارة بن حزم 144 عمارة بن زياد 194 عمارة بن عقبة 320 عنترة (مولى سليم بن عمرو) 198 عنترة (مولى قطبة بن عامر) 142 عوف بن الحارث 120، 145 عويم بن سعدة 135 عيينة بن حصن 226، 250، 301، 371، 372 (غ) غالب بن عبد الله 301، 302 (ف) الفاكه بن بشر 143 فرات بن حيان 162 فروة بن عمرو الجذامي 396 فضالة بن عمير 354 فضيل بن النعمان 319

(ق) قاسم (عبد الكريم) 15 قتادة بن النعمان 134، 406 قدامة بن مظعون 132 قطبة بن عامر 142، 373، 374 قيس بن أبي صعصعة 103، 146 قيس بن زيد بن ضبيعة 195 قيس بن سعد 311، 339 قيس بن عمرو بن قيس 196 قيس بن محصن 143 قيس بن مخلد 147، 197 قيصر (يوليوس) (ك) كرز بن جابر الفهري 255، 256 كعب بن أسد القرظي 244 كعب بن الأشرف 151، 172، 202، 206 كعب بن حمار 140 كعب بن زيد 147 كعب بن عمير 304 كعب بن مالك 183، 403، 411، 413، 414، 416 كلدة بن الجنيد 475 كيسان 197 (ل) لورندورف (المشير) 26، 407، 409

(م) مالك بن أبي خولي 131 مالك بن أمة بن ضبيعة 195 مالك بن الحضرمي 108 مالك بن جشعم 108 مالك بن الدخشم 139 مالك بن سنان 197 مالك بن عميلة 135، 196 مالك بن عوف 363، 364، 367، 370، 383، 386 مالك بن مسعود 140 مبشّر بن عبد المنذر 135، 320 مجدي بن عمرو الجهني 86، 109 المجذّر بن زياد 139، 198 محرز بن عامر 146 محرز بن نضلة 129 محمد رسول الله (النبي، الرسول) صلّى الله عليه وسلم 2، 4 الى 13، 16 الى 23، 35، 39، 40، 42، 47، 49، 54، 55، 58، 63 الى 76، 83، 85، 86، 88 الى 94، 98، 101 الى 114، 116 الى 119، 121، 122، 124، 125، 128، 147، 151 الى 167، 172، 174، 175، 177، 178، 181 الى 185، 190 الى 193، 203، 205 الى 217، 219، 222، 226، 228، 229، 231 الى 234، 237، 238، 239، 244، 245، 248، 249، 255، 257 الى 261، 263، 269، 270، 271، 273 الى 288، 291 الى 294، 298، 300 الى 304، 307، 309 الى 313، 315، 317 الى 319، 332 الى 341، 344 الى 358، 363، 364، 366 الى 373، 375، 378، 380، 381، 384 الى 390، 395، 397 الى 399، 401

الى 406، 411 الى 414، 416، 417، 429 الى 436، 438 الى 471، 473 الى 482، 485، 486، 487 محمد عبده 41 محمد بن مسلمة 134، 206، 251 محمود بن مسلمة 319 مخشي بن عمرو الضمري 89 مدلج 129 مرارة بن الربيع 403، 411 مرثد بن أبي مرثد 103، 128 مسطح بن أثاثة 129 مسعود بن الأسود 324 مسعود بن أوس 144 مسعود بن رخيلة 226 مسعود بن ربيعة 130، 319 مسعود بن سعد 134، 319 مسعود بن قيس 143 مسيلمة الكذاب 67 مصعب بن عمير 66، 103، 130، 194 معاذ بن جبل 143 معاذ بن الحارث 145 معاذ بن ماعص 143 معاوية بن أبي سفيان 256، 370 معبد بن قيس 142 معتب بن عبيد 134 معتب بن عدي 135

معتب بن عوف 131 معتب بن قشير 134 معقل بن المنذر 142 معمر بن الحارث 132 معن الخزاعي 185 معوّذ بن الحارث 120، 145 المغيرة بن شعبة 275 المقداد بن عمرو 130 مكرز بن حفص 274 ملحان 55 مناة 344 المنذر بن عبد الله 392 المنذر بن عمرو 140 المنذر بن قدامة 136 المنذر بن محمد 136 (ن) نابليون 4، 79 نحّاب بن ثعلبة 140 نسيبة بنت كعب 67، 182، 443، 458 نصر بن الحارث 134 نعمان بن عبد عمرو 147، 197 نعمان بن عصر 136 نعمان بن عمرو 145 نعمان بن مالك 139، 198 النعمان بن يسار 142

نعيم بن مسعود 232، 233، 238 نوفل بن عبد الله 92، 139، 198 (هـ) هاك 59 هبل 181، 184 هنبال 4 هند بنت عتبة 174، 180، 338 هلال بن أمية 403، 411 هلال بن المعلّى 147 الهنيد بن عارض 253 (و) واشنجتن ارفنج 447 وحشي الحبشي 180 وديعة بن عمرو 145 ورقة بن إياس 139 الوليد بن عتبة 112 الوليد بن عقبة 373 وليم موير 446، 448 وهب بن سعد بن أبي السرح 132، 324 (ي) يزيد بن أبي سفيان 370 يزيد بن الحارث 137

يزيد بن حاطب 195 يزيد بن رقيش 129 يزيد بن زمعة 392 يزيد بن المنذر 142 يسار (مولى الرسول) 256 يوحنا بن رؤبة 401، 402

فهرس الاماكن

فهرس الاماكن (أ) أبنى 406 أحد (مكان، معركة) 6، 7، 55، 67، 71، 171، 173، 176، 178، 183، 185، 186، 187، 188، 189، 190، 191، 192، 193، 201، 202، 203، 211، 212، 225، 230، 431، 432، 437، 439، 441، 442، 443، 450، 458، 462، 468، 470، 478 الأردن 23 أذرح 402 أذريعات 155، 245 إضم 311، 312، 334 أوطاس 364، 367، 368، 381 أيلة 401 (ب) بئر معونة 193، 210، 220 البحر الأحمر 86، 102 بدر (مكان، معركة) 6، 11، 51، 71، 86، 91، 99، 104، 105، 106، 109، 111، 113، 114، 117، 118، 120، 121، 122، 124، 128، 151، 158، 163، 164، 171، 172، 175، 180، 184، 237، 239، 259، 411، 431، 432، 435، 436، 437، 443، 453، 457، 458، 460، 462، 463، 468، 470، 477، 478، 481. بدر الآخرة 211، 212، 222، 225

بعاث 65، 85 بغداد 16 بواط (مكان، غزوة) 89 برك الغماد 104 بحران 160، 167 بصرى 305 البلقاء 307، 397، 399، 407 البحرين 317 بيشة 374 (ت) تبوك (غزوة) 7، 9، 395، 398، 399، 401، 402، 409، 415، 416، 417، 418، 431، 456، 460، 468، 469 تربة (موضع) 300، 374 تيماء 299 (ج) جبار 301، 302 الجزيرة العربية 19، 291، 299، 316، 318، 335، 361، 395، 396، 397، 415، 457، 459 الجزيرة الفراتية 87 الجموم 252 الجناب 301، 302 جبل هند 340 الجعرانة 370، 389 جدّة 375 الجرباء 402

الجرف 406 جنوب افريقيا 480 (ح) حنين (مكان، معركة) 6، 9، 18، 31، 359، 364، 365، 367، 370، 380، 382، 383، 384، 385، 386، 392، 432، 437، 438، 441، 481 حمراء الأسد 185، 437 حمص 44 الحبشة 70، 161، 163، 171، 316، 318، 375 الحديبية 269، 273، 281، 282، 287، 291، 292، 293، 294، 331، 440، 450، 462، 468، 476 الحجر 75، 401 حضرموت 75 الحجاز 102، 213 الحوراء 102 حسمي 253 (خ) الخندق (غزوة) 6، 9، 18، 431، 432، 437، 442، 453، 461، 462 الخرّار 88 خيبر 163، 209، 247، 254، 255، 259، 270، 284، 291، 292، 293، 294، 295، 299، 312، 315، 317، 318، 319، 414، 431، 452، 453، 462 الخندمة 340

(د) دمشق 44 دومة الجندل 70، 212، 213، 222، 253، 254، 402، 456 (ذ) ذو العشيرة (مكان) 90 ذفران (وادي) 104 ذو أمرّ 159، 167 ذنب نقمى 230 ذو قرد 249 ذو القصة 251 ذو الحليفة 271، 285 ذات أطلاح 304 ذات السلاسل 310 ذو خشب 312 ذو المروة 312 (ر) رضوى 89 الروحاء 184 راتج 195 الرجيع 219، 248، 294، 312، 452 ركبة 303 (ز) زغابة 230 الزبير (حصن) 298 زج لاوه 374

(س) سبأ 75 سيبيريا 19، 80 سورية 23 سلع 228، 229، 413، 414 السلالم (حصن) 295 السّيّ 303 السقيا 372 (ش) الشام 86، 87، 88، 93، 94، 102، 152، 155، 161، 162، 163، 164، 171، 209، 213، 249، 259، 291، 292، 304، 305، 310، 375، 395، 396، 397، 402، 407، 412، 418، 452 الشيخان (موضع) 175 (ص) الصفراء 104 الصمغة 173 الصين 19، 80 (ض) ضريّة 300 (ط) الطائف 92، 361، 367، 368، 369، 378، 386، 389، 390، 392، 431، 456 الطرف 252 الطفيلة 307

(ع) العراق 87، 161، 162، 163، 164، 395 عرنة 204، 205 العريض 158 العزى 341 عسفان 249، 273، 280، 332 العشيرة 102 العقيق 173 عمان 20 العيص 86، 252 (غ) غرّان 249 الغمر 250، 251 (ف) فدك 254، 299، 301 فرنسا 19، 80 فلسطين 20، 23، 269، 456 الفلس 375 (ق) قباء 174، 256 قرقرة الكدر 156، 158، 166 قرقرة ثبار 255 قس الناطف 44 قتبان 75 القردة 162، 167

قطر (موضع) 204 القدس 269 القموص (حصن) 295 القسطنطينية 304 القبلية 311 (ك) كركوك 15 الكديد 302، 303 الكرك 307 (ل) لبنان 23 لاهور 59 (م) المدينة المنورة (يثرب) 6، 17، 18، 19، 39، 40، 65، 66، 69، 70، 73، 93، 99، 102، 113، 152، 153، 154، 155، 159، 160، 163، 166، 167، 172، 173، 174، 175، 176، 178، 185، 189، 195، 201، 203، 204، 210، 211، 212، 213، 218، 222، 225، 228، 229، 230، 232، 235، 237، 239، 245، 250، 251، 253، 255، 256، 257، 259، 261، 279، 284، 286، 291، 300، 301، 302، 303، 304، 309، 310، 314، 316، 318، 331، 332، 334، 335، 340، 347، 395، 396، 399، 412، 415، 451، 455، 475 الموصل 15 مكة 17، 22، 39، 63، 66، 67، 76، 85، 86، 87، 88، 92، 93، 94، 102، 151، 152، 158، 161، 162، 163، 164، 166،

167، 171، 173، 174، 175، 178، 184، 185، 234، 249، 256، 269، 273، 275، 277، 281، 283، 286، 287، 288، 291، 292، 311، 312، 314، 315، 316، 317، 318، 331، 334، 335، 337، 338، 339، 340، 341، 343، 344، 345، 347، 348، 349، 351، 352، 353، 356، 357، 361، 363، 389، 395، 405، 431، 439، 444، 468، 474، 475، 477، 481 المحيط الهندي 19، 80 معان 305 مآب 307 مصر 55، 102 معين 75 المريسيع 214 مجمع الأسيال 230 المسجد الاقصى 269 المسجد الحرام (الكعبة) البيت العتيق المقدس 269، 270، 271، 279، 287، 288، 289، 314، 339، 340، 352، 355 الميفعة 301 مشارف 307 مؤتة 307، 309، 310، 313، 324، 296، 397، 477 مر الظهران 335 المشلّل 344 (ن) نخلة 92، 367، 368، 381، 452 نجد 162، 164، 167، 300

نخل 210 ناعم (حصن) 295 نجران 403، 404 (هـ) الهند 165 الهجح 254 (و) وادي رابغ 87 ودّان (غزوة) 88، 431، 475 وادي سفوان 91 وادي القرى 155، 163، 254، 299، 407 الوطيح (حصن) 295 الولايات المتحدة 480 (ي) اليرموك (معركة، نهر) 22، 23 اليمامة 67 ينبع 90 اليمن 163، 317، 402، 404 يمن 301، 302 يلملم 345

المصادر القرآن والتفسير 1- القرآن الكريم. 2- تفسير الطبري، (جامع البيان في تفسير القرآن) ، للإمام الطبري، مطبعة البابي الحلبي بمصر. 3- تفسير ابن كثير، الإمام الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير، مطبعة المنار بمصر، سنة 1347 هـ. 4- تفسير البغوي، الإمام البغوي، مطبعة المنار بمصر، سنة 1347 هـ. 5- تفسير الكشاف، الإمام أبو القاسم جاد الله محمود بن عمر الزمخشري، المطبعة الأميرية ببولاق مصر، سنة 1319 هـ.، الطبعة الثانية. 6- تفسير البيضاوي، للبيضاوي، مطبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر، 1330 هـ. 7- تفسير المنار، السيد محمد رشيد رضا، مطبعة المنار بمصر، 1325 هـ. الطبعة الأولى. 8- تفسير الجلالين، جلال الدين محمد بن أحمد المحلى وجلال الدين السيوطي، مطبعة حجازي بالقاهرة، مطبوع على هامش القرآن الكريم. 9- في ظلال القرآن، سيد قطب، مطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الثانية. 10- تفسير القرآن الكريم، محمود شلتوت، مطبعة دار القلم بمصر، 1379 هـ. الطبعة الثانية.

11- التفسير الواضح، محمد محمود حجازي، مطبعة دار الكتاب العربي بمصر، 1373 هـ. الطبعة الثانية. 12- التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن، حنفي أحمد، دار المعارف بمصر، 1960 م. 13- تفسير سورة النور، أبو الأعلى المودودي، دار الفكر بدمشق، 1379 هـ. 14- فضائل القرآن، لابن كثير، مطبعة المنار بمصر، سنة 1347 هـ. في نهاية الجزء الثامن من تفسير ابن كثير. 15- القرآن والقتال، محمود شلتوت، مطبعة دار الكتاب العربي، 1951 م. 16- تفصيل آيات القرآن الكريم، جول لا بوم، مطبعة عيسى البابي الحلبي، 1342 هـ. الطبعة الأولى. الحديث الشريف 17- فتح الباري بشرح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مطبعة بولاق بمصر، 1301 هـ. 18- شرح النووي علي مسلم، الإمام النووي، المطبعة الكستلية بمصر، 1283 هـ. 19- مسند الإمام أحمد بن حنبل، الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، المطبعة الميمنية بمصر، 1313 هـ. 20- مفتاح كنوز السنة، الدكتور فنسنك، مطبعة مصر، 1352 هـ.

21- المنتقى من أخبار المصطفى، الإمام ابن تيمية، مطبعة حجازي بمصر، 1351 هـ. 22- تيسير الوصول، للإمام ابن ديبع الشيباني، المطبعة السلفية بمصر، 1346 هـ. السير 23- سيرة النبي صلّى الله عليه وسلم، ابن هشام، مطبعة حجازي بمصر، 1356 هـ. 24- جوامع السيرة، ابن حزم، مطبعة دار المعارف بمصر. 25- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ابن سيد الناس، مطبعة القدسي ومطبعة السعادة بمصر، 1356 هـ. 26- إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون المعروفة بالسيرة الحلبية، علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي، مطبعة مصطفى محمد بمصر. 27- الطبقات الكبرى، ابن سعد، دار بيروت ودار صادر في بيروت، 1376 هـ. 28- الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي الكناني العسقلاني، مطبعة دار السعادة بمصر، 1323 هـ. 29- أسد الغابة في معرفة الصحابة، عز الدين بن الأثير، المطبعة الإسلامية بطهران، 1377 هـ. 30- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد ابن عبد البر، مطبعة نهضة مصر. 31- أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد، لابن حزم، ملحق بجوامع السيرة، مطبعة دار المعارف بمصر.

التاريخ 32- تاريخ الأمم والملوك، الإمام الطبري، مطبعة الاستقامة بمصر، 1357 هـ. 33- تاريخ الكامل، ابن الأثير، مطبعة ذات التحرير بمصر، 1303 هـ. 34- تاريخ مروج الذهب، المسعودي، طبع على هامش الكامل لابن الأثير، مطبعة ذات التحرير بمصر، 1303 هـ. 35- فتوح البلدان، أبو الحسن البلاذري، مطبعة السعادة بمصر، 1959 م. 36- المختصر من تاريخ البشر، أبو الفداء، المطبعة الحسينية بمصر، 1325 هـ. 37- تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب، مطبعة الغرى بالنجف، 1358 هـ. 38- البداية والنهاية، أبو الفداء، مطبعة السعادة بمصر. 39- تهذيب تاريخ ابن عساكر، طبع المطبعة العربية بدمشق، 1351 هـ. 40- تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام، الإمام الذهبي، مطبعة السعادة بمصر، 1368 هـ. 41- دول الإسلام، الإمام الذهبي، حيدر آباد الدهن بالهند، الطبعة الأولى. 42- مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، مطبعة مصطفى محمد بمصر. 43- الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري، مطبعة البابي الحلبي بمصر، 1377 هـ.

الجغرافيا 44- معجم البلدان، ياقوت الحموي، مطبعة دار السعادة بمصر، 1323 هـ. 45- المسالك والمالك، للاصطخري، مطابع دار القلم بالقاهرة، 1381 هـ. 46- آثار البلاد وأخبار العباد، زكريا القزويني، مطبعة دار صادر ودار بيروت، 1380 هـ. 47- أطلس التاريخ الاسلامي، هاري هازار، مطبعة مصر. الفقه وعلوم الدين والنظم 48- الخراج، أبو يوسف، المطبعة السلفية، 1346 هـ. 49- زاد المعاد في هدى خير العباد، ابن القيم الجوزية، مطبعة البابي الحلبي، 1369. 50- المحلى، ابن حزم، المطبعة المنيرية بمصر، 1348 هـ. 51- سفرة الزاد لسفرة الجهاد، أبو الثناء شهاب الدين محمود الألوسي، مطبعة دار السلام، 1333 هـ. 52- الأم، للإمام الشافعي، طبعة بولاق بمصر، 1322 هـ. 53- اختلاف الفقهاء، للإمام الطبري، كتاب الجهاد وكتاب الجزية وأحكام المحاربين، طبع في ليدن، 1933 م. متفرقة 54- أنساب الأشراف، أبو الحسن البلاذري، مطبعة دار المعارف بمصر. 55- نسب قريش، أبو عبد الله المصعب الزبيري، دار المعارف بمصر، 1953 م. 56- الأصنام، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي، المطبعة الأميرية بالقاهرة.

المراجع العربية المسلسل/ اسم المرجع/ اسم المؤلف 1/ حياة محمد/ محمد حسين هيكل 2/ الوحي المحمدي/ محمد رشيد رضا 3/ محمد المثل الكامل/ محمد أحمد جاد المولى 4/ عصر الانطلاق/ محمد أسعد طلس 5/ الفكر الخوالد للنبي صلّى الله عليه وسلم/ محمد علي 6/ المثل الأعلى للأنبياء/ خ. كمال 7/ خاتم النبيين/ محمد خالد 8/ سيرة الرسول/ محمد عزة دروزة 9/ فقه السيرة/ محمد الغزالي 10/ عبقرية محمد/ عباس محمود العقاد 11/ نفسية الرسول العربي/ لبيب الرياشي 12/ محمد الثائر الأعظم/ فتحي رضوان 13/ الأبطال/ توماس كارليل 14/ صورة من حياة الرسول/ أمين دويدار 15/ محمد في طفولته وصباه/ محمد شوكت التوني 16/ أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلم وآدابه/ أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني 17/ الرسالة المحمدية/ سليمان الندوي 18/ بطل الأبطال/ عبد الرحمن عزام 19/ محمد رسول الله/ انبين دينيه وسليمان إبراهيم 20/ محمد والقرآن/ جان ديون بورت (ترجمة عباس الخليلي) 21/ على هامش السيرة/ طه حسين

المسلسل/ اسم المرجع/ اسم المؤلف 22/ الوعد الحق/ طه حسين 23/ من أخلاق الرسول/ محمد محمد يوسف 24/ حياة محمد/ واشنجتون آرفنج (ترجمة علي حسني) 25/ هدي الرسول «مختصر زاد المعاد» / محمد أبو زيد 26/ مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة/ محمد حميد الله الحيدر آبادي 27/ في منزل الوحي/ محمد حسين هيكل 28/ فجر الإسلام/ أحمد أمين 29/ تاريخ الإسلام السياسي/ حسن إبراهيم حسن 30/ تاريخ التمدن الإسلامي/ جرجي زيدان 31/ شهداء الإسلام في عهد النبوة/ علي سامي النشار 32/ سيف الله خالد بن الوليد/ أبو زيد شلبي 33/ قصص الأنبياء/ عبد الوهاب النجار 34/ الإسلام الصحيح/ محمد إسعاف النشاشيبي 35/ الإسلام والنصرانية/ محمد عبده 36/ الإسلام دين الفطرة/ عبد العزيز جاويش 37/ السياسة الشرعية/ ابن تيمية 38/ حقائق الإسلام/ عباس محمود العقاد 39/ الإسلام عقيدة وشريعة/ محمود شلتوت 40/ الإسلام نظام إنساني/ مصطفى الرافعي 41/ من توجيهات الإسلام/ محمود شلتوت 42/ الخراج في الدولة الإسلامية/ محمد ضياء الدين الريس 43/ الجزية والإسلام/ دانيل ديذبت

المسلسل/ اسم المرجع/ اسم المؤلف 44/ اشتراكية الإسلام/ مصطفى السباعي 45/ نظم الحرب في الإسلام/ جمال الدين عياد 46/ النظم الاسلامية/ حسن وعلي ابراهيم حسن 47/ منهاج الاسلام في الحكم/ محمد أسد 48/ الشرع الدولي في الاسلام/ نجيب الأرمنازي 49/ شريعة الحرب في الاسلام/ محمد المعراوي 50/ نظام السلم والحرب في الاسلام/ مصطفى السباعي 51/ السلام العالمي والاسلام/ سيد قطب 52/ السلام في الاسلام/ حسن البنا 53/ السلام والحرب في الاسلام/ المقدم محمد فرج 54/ الجندية والسلم/ أمين الخولي 55/ القادة الرسل/ أمين الخولي 56/ الجهاد في الاسلام/ محمد شديد 57/ الجندية في الدولة العباسية/ المرحوم الرئيس الركن نعمان ثابت 58/ العرب والامبراطورية العربية/ كارل بروكلمن 59/ دائرة معارف القرن العشرين/ محمد فريد وجدي 60/ العبقرية العسكرية في غزوات الرسول/ محمد فرج 61/ معارك الاسلام الكبرى/ جمال الدين حماد 62/ معارك الاسلام الأولى/ محمد جمال الدين محفوظ 63/ الحضارة العربية/ ي. هل 64/ حضارة الاسلام/ جوستاف جرونيباوم 65/ وحي القلم/ مصطفى صادق الرافعي 66/ قانون الحرب والحياد/ سامي جنينة

المسلسل/ اسم المرجع/ اسم المؤلف 67/ مبادىء القانون الدولي العام/ محمد حافظ غانم 68/ أسس الصحة النفسية/ عبد العزيز القوصي 69/ الجغرافيا العسكرية، الجزء الأول (الأسس) / طه الهاشمي 70/ مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد الرابع الجزء الثاني (جيش المسلمين في عهد بني أمية) / محمود شيت خطاب 71/ مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد الخامس موضوع (القتال في الاسلام) / محمود شيت خطاب 72/ المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد الخامس 1949 موضوع (القانون الدولي العام والاسلام) / محمد عبد الله دراز 73/ المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد الرابع عشر 1958، نظرية الحرب في الاسلام/ محمد أبو زهرة 74/ لسان العرب/ ابن منظور 75/ القاموس المحيط/ الفيروز آبادي 76/ نظامات الخدمة السفرية/ كتاب عسكري رسمي 77/ إدارة الحرب/ كتاب عسكري رسمي 78/ الفرقة في المعركة/ كتاب عسكري رسمي 79/ فوج مشاة في المعركة/ كتاب عسكري رسمي 80/ محاضرات كلية الأركان العراقية/ كتاب عسكري رسمي 81/ مجلة مجلس الدولة الصادرة سنة 1960 فى مقال: ميثاق الأمم والشعوب في الاسلام/ الدكتور عبد الفتاح حسن

المراجع الاجنبية The spirit of Islam by Sayed Amir Ali. -1 Life of Mahomet by Sir William Muir. -2 Mohammad by Margaliouth. -3 Quran and war by Mauliv Sadr -ud -Din. -4 War and religion by Muhammad Marmaduke Pickthall. -5 6- The Battelfields of The Prophet Muhammad by Muhammad Hamidullah. Ghambers Encyclopedia. -7 Encyclopedia Britannica. -8 Islams contribution To the peace of the world by A.Haque. -9

محتويات الكتاب المقدمة صفحة مقدمة الطبعة الثانية 3 مقدمة الطبعة الثالثة 13 مقدمة الطبعة الرابعة 22 الحرب العادلة 37 القتال في الاسلام. معنى القتال في الاسلام. متى شرع القتال في الاسلام. أهداف القتال في الاسلام: 1- حماية حرية نشر الدعوة. 2- توطيد أركان السلام. أنواع القتال في الاسلام: 1- قتال المسلمين للمسلمين. 2- قتال المسلمين لغير المسلمين. تنظيم القتال في الاسلام: 1- تقوية المعنويات. 2- إعداد القوة المادية. 3- التنظيم العملي للقتال. شروط القبول للجندية: 1- البلوغ. 2- الاسلام. 3- السلامة. 4- الإقدام. النفير: 1- في حالة الدفاع. 2- في حالة التعرض. الخلاصة. قبل نشوب القتال 61 الموقف العسكري العام. المسملون: 1- الدعوة سرا. 2- الدعوة علنا. 3- بيعة العقبة الأولى. 4- بيعة العقبة الثانية. 5- التحشد في المدينة. 6- إنجاز التحشد. 7- النتائج. العرب والروم والفرس: 1- العرب. 2- الروم. 3- الفرس. 4- النتائج. مناقشة الموقف العسكري للطرفين. الدفاع عن العقيدة 81 دوريات القتال والاستطلاع الأولى. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. الهدف الحيوي من الدوريات. سير الحوادث: 1- سرية حمزة. 2- سرية عبيدة بن الحارث. 3- سرية سعد. 4- غزوة

ودان. 5- غزوة بواط. 6- غزوة ذي العشيرة. 7- غزوة بدر الأولى. 8- سرية عبد الله بن جحش. دروس من الدوريات: 1- الاستطلاع. 2- القتال. 3- الكتمان. 4- الحصار الاقتصادي. الملحق (أ) مجمل بيان دوريات القتال والاستطلاع الأولى. الصراع الحاسم بين عقيدتين 97 غزوة بدر الكبرى. المعركة الحاسمة الأولى للإسلام. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أهداف الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. قبل المعركة: 1- المسلمون. 2- المشركون. سير القتال. خسائر الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أسباب انتصار المسلمين: 1- قيادة موحدة. 2- تعبئة جديدة. 3- عقيدة راسخة. 4- معنويات عالية. دروس من بدر: 1- الاستطلاع. 2- القيادة. 3- الضبط والمعنويات والعقيدة. 4- القضايا التعبوية. 5- القضايا الإدارية الملحق (ب) شهداء المسلمين في بدر. القاعدة الامينة 149 تطهير المدينة وفرض الحصار الاقتصادي على قريش. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. الهدف الحيوي. حصار بني قينقاع: 1- أسباب الحصار. 2- قوات الطرفين. 3- الهدف. 4- الحوادث. فرض الحصار الاقتصادي على قريش: 1- غزوة بني سليم. 2- غزوة السويق. 3- غزوة ذي أمرّ. 4- غزوة بحران. 5- سرية زيد بن حارثة. دروس من حركات التطهير: 1- القاعدة الأمينة. 2- الحصار الاقتصادي. الملحق (ج) الغزوات والسرايا بين بدر وأحد. النصر للمغلوب 169 غزوة أحد. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود.

قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أهداف الطرفين: Quran and war by Mauliv Sadr -ud -Din. -4 War and religion by Muhammad Marmaduke Pickthall. -5 6- .halludimaH dammahuM yb dammahuM tehporP ehT fo sdleiflettaB ehT Ghambers Encyclopedia. -7 Encyclopedia Britannica. -8 Islams contribution To the peace of the world by A.Haque. -9

محتويات الكتاب المقدمة صفحة مقدمة الطبعة الثانية 3 مقدمة الطبعة الثالثة 13 مقدمة الطبعة الرابعة 22 الحرب العادلة 37 القتال في الاسلام. معنى القتال في الاسلام. متى شرع القتال في الاسلام. أهداف القتال في الاسلام: 1- حماية حرية نشر الدعوة. 2- توطيد أركان السلام. أنواع القتال في الاسلام: 1- قتال المسلمين للمسلمين. 2- قتال المسلمين لغير المسلمين. تنظيم القتال في الاسلام: 1- تقوية المعنويات. 2- إعداد القوة المادية. 3- التنظيم العملي للقتال. شروط القبول للجندية: 1- البلوغ. 2- الاسلام. 3- السلامة. 4- الإقدام. النفير: 1- في حالة الدفاع. 2- في حالة التعرض. الخلاصة. قبل نشوب القتال 61 الموقف العسكري العام. المسملون: 1- الدعوة سرا. 2- الدعوة علنا. 3- بيعة العقبة الأولى. 4- بيعة العقبة الثانية. 5- التحشد في المدينة. 6- إنجاز التحشد. 7- النتائج. العرب والروم والفرس: 1- العرب. 2- الروم. 3- الفرس. 4- النتائج. مناقشة الموقف العسكري للطرفين. الدفاع عن العقيدة 81 دوريات القتال والاستطلاع الأولى. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. الهدف الحيوي من الدوريات. سير الحوادث: 1- سرية حمزة. 2- سرية عبيدة بن الحارث. 3- سرية سعد. 4- غزوة

ودان. 5- غزوة بواط. 6- غزوة ذي العشيرة. 7- غزوة بدر الأولى. 8- سرية عبد الله بن جحش. دروس من الدوريات: 1- الاستطلاع. 2- القتال. 3- الكتمان. 4- الحصار الاقتصادي. الملحق (أ) مجمل بيان دوريات القتال والاستطلاع الأولى. الصراع الحاسم بين عقيدتين 97 غزوة بدر الكبرى. المعركة الحاسمة الأولى للإسلام. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أهداف الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. قبل المعركة: 1- المسلمون. 2- المشركون. سير القتال. خسائر الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أسباب انتصار المسلمين: 1- قيادة موحدة. 2- تعبئة جديدة. 3- عقيدة راسخة. 4- معنويات عالية. دروس من بدر: 1- الاستطلاع. 2- القيادة. 3- الضبط والمعنويات والعقيدة. 4- القضايا التعبوية. 5- القضايا الإدارية الملحق (ب) شهداء المسلمين في بدر. القاعدة الامينة 149 تطهير المدينة وفرض الحصار الاقتصادي على قريش. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. الهدف الحيوي. حصار بني قينقاع: 1- أسباب الحصار. 2- قوات الطرفين. 3- الهدف. 4- الحوادث. فرض الحصار الاقتصادي على قريش: 1- غزوة بني سليم. 2- غزوة السويق. 3- غزوة ذي أمرّ. 4- غزوة بحران. 5- سرية زيد بن حارثة. دروس من حركات التطهير: 1- القاعدة الأمينة. 2- الحصار الاقتصادي. الملحق (ج) الغزوات والسرايا بين بدر وأحد. النصر للمغلوب 169 غزوة أحد. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود.

قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أهداف الطرفين: 1- المشركون. 2- المسلمون. قبل المعركة: 1- المشركون. 2- المسلمون. سير القتال: 1- بدء المناوشات. 2- اشتداد القتال. 3- هجوم المشركين المقابل. عودة الطرفين: 1- المشركون. 2- المسلمون. خسائر الطرفين: 1- المشركون. 2- المسلمون. أسباب النكبة: 1- أنصر أم اندحار. 2- أسباب خسائر المسلمين. دروس من أحد: 1- الحصول على المعلومات. 2- القيادة. 3- القضايا التعبوية. 4- القضايا الإدارية. أحد في التاريخ. الملحق (د) شهداء المسلمين في أحد. إعادة النظام 199 التطهير بعد أحد. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون. 3- اليهود. أهداف الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. سير الحوادث: 1- سرية أبي سلمة. 2- دورية عبد الله بن أنيس. 3- غزوة بني النظير. 4- غزوة ذات الرقاع. 5- غزوة بدر الآخرة. 6- غزوة دومة الجندل. 7- غزوة بني المصطلق. دروس من غزوات التطهير: 1- المسير الليلي. 2- الهجوم فجرا. 3- قتال المدن والشوارع. 4- الإبداع. 5- المعنويات. الملحق (د) غزوات التطهير. هازم الاحزاب 223 غزوة الخندق. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. أهداف الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. التوقيت. قبل المعركة: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. سير القتال. خسائر الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أسباب فشل الأحزاب: 1- قيادة غير موحدة. 2- المباغتة بالخندق. 3- الطقس. 4- انعدام الثقة. 5- الصبر على الحصار. دروس من غزوة الخندق: 1- القيادة. 2- تعبئة جديدة. 3- الحرب خدعة. 4- المبادأة.

القصاص العادل 241 محاسبة الغادرين. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون. 3- اليهود. الهدف الحيوي. غزوة بني قريظة: 1- أسباب الغزوة. 2- قوات الطرفين. 3- الهدف. 4- الحوادث. سرية عبد الله بن عتيك: 1- الهدف. 2- الحوادث. غزوة بني لحيان: 1- الهدف. 2- الحوادث. غزوة ذي قرد: 1- الهدف. سرايا توطيد الأمن وتشديد الحصار الاقتصادي: 1- الهدف. 2- الحوادث. دروس من غزوات محاسبة الغادرين: 1- الوقت. 2- المباغتة. 3- القصاص. 4- العقيدة. 5- القضايا الإدارية. الملحق (د) غزوات عقاب الغادرين. الفتح القريب 267 غزوة الحديبية. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون واليهود. قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أهداف الطرفين: 1- المسلمون. 2- قريش. الأعمال التمهيدية: 1- الحصول على المعلومات. 2- المناوشات. 3- المفاوضات الابتدائية. 4- المفاوضات النهائية. الهدنة: 1- نص وثيقة الهدنة. 2- أهم بنود الهدنة. دروس من الحديبية: 1- توخي الهدف. 2- الضبط. 3- الحياد المسلح. 4- حرب الدعاية. نتائج الحديبية. فترة الهدنة 289 ثمرات الحديبية. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون. 3- اليهود. الهدف الحيوي. غزوة خيبر: 1- أسباب الغزوة. 2- قوات الطرفين. 3- الهدف. 4- سير الحوادث. 5- خسائر الطرفين. نهاية اليهود في الجزيرة: 1- يهود فدك. 2- يهود وادي القرى. 3- يهود تيماء. 4- النتائج. سرايا تأديب الأعراب: 1- الهدف. 2- الحوادث. 3- النتائج. غزوة مؤتة: 1- أسباب الغزوة. 2- قوات الطرفين.

3- الهدف. 4- سير الحوادث. 5- خسائر الطرفين. 6- النتيجة. غزوة ذات السلاسل: 1- أسباب الغزوة. 2- سير الحوادث. سرية الخبط. سريتا أبي قتادة. دروس من ثمرات الهدنة: 1- القضايا التعبوية. 2- المعنويات. 3- الأمانة. 4- إكمال التحشد. 5- نشر الاسلام. 6- القضايا الإدارية. 7- النتائج. الملحق (و) شهداء المسلمين في غزوة خيبر. الملحق (ط) شهداء المسلمين في غزوة مؤتة. الملحق (ح) سرايا السيطرة على الأعراب. الملحق (د) مكاتبة الرسول للملوك والرؤساء والأمراء من النصارى. الملحق (ك) مكاتبة الرسول للملوك والأمراء والرؤساء المجوس والمشركين وأتباع كسرى. عودة المستضعفين 329 فتح مكة. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون. إعلان الحرب: 1- المسلمون. 2- قريش. الاستعدادات. قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. في الطريق إلى مكة. قبل دخول مكة. خطة الفتح. الفتح الى التوحيد. في مكة. خسائر الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. سرايا الدعوة. دروس من الفتح: 1- المباغتة. 2- المعلومات. 3- بعد النظر. 4- التنظيم. 5- المعنويات. 6- السلم. 7- الوفاء. 8- التواضع. 9- العقيدة. 10- تحطيم الأصنام. 11- القضايا الإدارية. استثمار الفوز 359 غزوة حنين وحصار الطائف. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المشركون. قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. أهداف الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون. قبل المعركة: 1- المسلمون. 2- المشركون. القتال: 1- هجوم المشركين. 2- هجوم المسلمين المقابل. 3- المطاردة. حصار الطائف. خسائر الطرفين: 1- المسلمون. 2- المشركون أسباب ترك الحصار. الغنائم: 1- التكديس. 2- التوزيع.

3- إعادة السبي. سرايا الدعوة. دروس من حنين والطائف وسرايا الدعوة: 1- المباغتة. 2- القيادة. 3- المطاردة. 4- المعلومات. 5- المعنويات. 6- العقيدة. 7- حرب الفروسية. 8- القضايا الإدارية الملحق (ل) شهداء حنين والطائف. مولد دولة الاسلام 393 غزوة تبوك. الموقف العام: 1- المسلمون. 2- المنافقون. 3- المشركون. 4- الرومان. أسباب غزوة تبوك: 1- أسباب مباشرة. 2- أسباب غير مباشرة. أهداف الطرفين: 1- المسلمون. 2- الروم. قوات الطرفين: 1- المسلمون. 2- الروم. الاستعدادات: 1- المسلمون. 2- الروم. الحركة: 1- المسلمون. 2- الروم. السيطرة على المنطقة: 1- مصالحة صاحب أيلة. 2- مصالحة أهل الجرباء وأذرح. 3- مصالحة أهل دومة الجندل. عودة المسلمين. سرايا الدعوة وبعث أسامة. دروس من تبوك وسرايا الدعوة: 1- الحرب الإجماعية. 2- عقاب المتخلفين. 3- التدريب العنيف. 4- المسير الليلي. 5- المعنويات. 6- المعلومات. 7- الضبط. النتائج. الملحق (ل) الغزوات التي قادها الرسول بنفسه. التطبيق العملي: 427 الخاتمة. بحث مقارن. مجمل أسباب النصر. قيادة عبقرية «السبب الاول» : 1- مجمل صفات القائد. 2- تفصيل الصفات. (أ) قرار صحيح (ب) شجاعة شخصية (ج) إرادة قوية ثابتة (د) تحمل المسئولية (هـ) نفسية لا تتبدل (و) سبق النظر (ز) معرفة النفسيات والقابليات (ح) الثقة المتبادلة (ط) المحبة المتبادلة (ي) الشخصية (ك) القابلية البدنية (ل) الماضي الناصع المجيد (م) معرفة وتطبيق مبادىء الحرب. 3- مزايا أخرى. (أ) المساواة (ب) الاستشارة (ج) أساليب جديدة. 4- قيادة مثالية. جنود ممتازون «السبب الثاني» : 1- مزايا الجندي الممتاز. 2- تفصيل المزايا: (أ) عقيدة راسخة

(ب) معنويات عالية (ج) ضبط قوي (د) تدريب جيد (هـ) تنظيم صحيح (و) تسليح ممتاز. حرب عادلة «السبب الثالث» : 1- معنى الحرب العادلة. 2- تفصيل معنى الحرب العادلة: (أ) حرب دفاعية (ب) حرب لتوطيد السلام (ج) حرب إنسانية. 3- حرب عقيدة: (أ) لا أغراض شخصية (ب) حرب لا عنصرية (ج) حرب لا مادية. 4- حرب مثالية. ضعف الأعداء «السبب الرابع» . الأرض للصالحين 486 فهرس الاعلام 491 فهرس الأماكن 516 المصادر 525 المراجع العربية والأجنبية 530 محتويات الكتاب 535 محتويات الخرائط والمخططات 542

محتويات الكتاب من الخرائط والمخططات صفحة خريطة البلاد العربية عند ظهور الإسلام 57 خريطة الطرق بين مكة والمدينة 84 خريطة مواضع بعض العزوات 100 خريطة ميدان أحد 179 خريطة غزوة بني المصطلق 215 خريطة ميدان الخندق 227 خريطة غزوة الحديبية 272 خريطة الغزوات والسرايا 296، 297 خريطة غزوة مؤتة 306 خريطة فتح مكة 342 خريطة غزوة حنين 362 الدعوة الى التوحيد 376، 377 منجنيق لرمي النفط 379 منجنيق لرمي السهام الثقيلة 382 خريطة غزوة تبوك 400 انتشار الاسلام في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم 408

§1/1