الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني

أبو عمرو الداني

كتاب فيه الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات

كتاب فيه الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات تأليف الشيخ الصالح الورع الزاهد القدوة العارف أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفع بعلومه بمنه وكرمه آمين:

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن يا كريم 1- الحمد لله السابق لكل شيء أحدثه، والمتقدم على كل شيء اخترعه، ذي الصفات العلى، والأسماء الحسنى، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، أحمده بجميع محامده، على تواتر نعمه وآلائه، وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء، وسيد الأصفياء، وعلى آله الطيبين، وأصحابه المنتخبين وشرف وكرم أما بعد: أحسن الله إرشادكم؛ فإنكم سألتموني أن أقتضب لكم جملة كافية وأصولاً جامعة في الاعتقادات وأصول الديانات، التي يلزم اعتقادها جميع المسلمين، ولا يسع جهلها كل المكلفين، من العلماء والمقلدين، من الذكور والإناث، والأحرار والعبيد، ممن جرى عليه القلم، وبلغ حد التكليف بالحلم، فأجبتكم عن سؤالكم، بما فيه البلوغ إلى مرادكم، بما هو لازم لكم، ومفترض عليكم، وما إذا تدينتم واعتقدتموه صرتم إلى اعتقاد الحق، وسلمتم من البدع والباطل، وسلكتم طريق من مضى من السلف، وسنن من تبعهم من الخلف، وبالله عز وجل أستعين على بلوغ الأمل، وإياه أسأل التوفيق للصواب من القول والعمل، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب، وهو حسبي ونعم الوكيل.

فصل: (أول واجب على المكلف)

فصل: (أول واجب على المكلف) 2- اعلموا أيدكم الله بتوفيقه، وأمدكم بعونه وتسديده، أن من قول أهل السنة والجماعة من المسلمين المتقدمين، والمتأخرين، من أصحاب الحديث، والفقهاء والمتكلمين: [أن أول ما افترضه الله تعالى على جميع العباد إذا بلغوا حد التكليف النظر في آياته،

والاعتبار بمقدوراته، والاستدلال عليه بآثار قدرته، وشواهد ربوبيته، إذ كان تعالى غير معلوم باضطرار، ولا مشاهد بالحواس، وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله بالأدلة الظاهرة، والبراهين الباهرة] ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} ، وقال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض} الآية، وقال عز من قائل: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون. ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً} إلى آخر الآيات. وقال تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} ، وقال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} الآية، وقال: {وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات:20] .

في نظائر لذلك من الآي الدالة على وجوب النظر والاستدلال، ثم الإيمان به، والإقرار بملائكته ورسله، وجميع ما جاء من عنده، والتصديق بذلك بالقلب والإقرار باللسان. 3-[والإيمان بالله تعالى هو التصديق بالقلب بأنه الله الواحد الفرد القديم الخالق العليم، الذي: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} . والدليل على أن الإيمان هو الإقرار والتصديق: قوله عز وجل: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} يريد بمصدق لنا، وكذلك قوله: {ذلك بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا} أي تصدقوا. وكذا قوله: {إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} أي: مصدقين.

4- والإيمان بالله تعالى: يتضمن التوحيد له سبحانه، والوصف له بصفاته، ونفي النقائص عنه الدالة على حدوث من جازت عليه، والتوحيد له: هو الإقرار بأنه ثابت موجود، وواحد معبود، على ما ورد به قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} . وأنه الأول قبل جميع المحدثات، الباقي بعد فناء المخلوقات، على ما أخبر به تعالى في قوله: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} والعالم هو الذي لا يخفى عليه شيء، والقادر على اختراع كل مصنوع، وإبداع كل جنس مفعول على ما أخبر به في قوله: {خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} ، وأنه الحي الذي لا يموت، والدائم الذي لا يزول، إله كل مخلوق ومبدعه، ومنشئه ومخترعه. 5- وأنه لم يزل مسمياً لنفسه بأسمائه، وواصفاً لها بصفاته، قبل إيجاد خلقه، وأنه قديم بأسمائه وصفات ذاته التي منها: الحياة التي بان بها من الأموات والموات، والقدرة التي أبدع بها الأجناس والذوات، والعلم الذي أحكم به جميع المصنوعات، وأحاط بجميع المعلومات، والإرادة التي صرف بها جميع أصناف المخلوقات، والسمع والبصر اللذان أدرك

بهما جميع المسموعات والمبصرات، والكلام الذي باين فيه أهل السكوت والخرس وذوي الآفات، والبقاء الذي سبق به المكونات، وباين معه جميع الفانيات، كما أخبر تعالى فقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الآية. وقال جل ثناؤه: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، وقال عز وجل: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ، وقال: {فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} ، وقال: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} ، وقال: {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} ، وقال: {فلنقصن عليهم بعلم} ، وقال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} ، وقال: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} ، وقال: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} ، وقال: {إنني معكما أسمع وأرى} ، وقال: {إنه هو السميع العليم} ، و: {إنه هو السميع البصير} ، و: {العليم القدير} ، وقال: {إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا} ، وقال: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} ، وقال: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} ، وقال: {ذو القوة المتين} ، وقال: {ويحذركم الله نفسه} ، وقال: {واصطنعتك لنفسي} ، وقال: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} ، وقال: {فإذا سويته

ونفخت فيه من روحي} ، وقال: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم} في أشباه لهذه الآي. 6- فنص سبحانه على إثبات أسمائه وصفات ذاته، فأخبر جل ثناؤه أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، وهلاك جميع المخلوقات، وقال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} وقال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} . 7- واليدين: على ما ورد من إثباتهما في قوله تعالى مخبراً عن نفسه في كتابه: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} الآية، وقال عز وجل: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ، وليستا بجارحتين، ولا ذواتي صورة. وقال تعالى: {والسموات مطويات بيمينه} ، وتواترت بإثبات ذلك من صفاته عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ((كلتا يديه يمين)) : يعني صلى الله عليه وسلم أنه لا يتعذر عليه بأحديهما ما يتأتى بالآخرى.

8- والأعين: كما أفصح القرآن بإثباتها من صفاته فقال عز وجل: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} ، وقال: {واصنع الفلك بأعيننا} ، وقال: {تجري بأعيننا} ، وقال: {ولتصنع على عيني} ، وليست عينه بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس إذ: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} . وقال صلى الله عليه وسلم حين ذكر الدجال ((وإنه أعور)) وقال: ((وإن ربكم ليس بأعور)) فأثبت له العينين.

فصل (في ذكر بعض الصفات لله)

فصل (في ذكر بعض الصفات لله) 9- ومن قولهم: إن الله تعالى لم يزل مريداً، وشائياً، ومحباً، ومبغضاً، وراضياً، وساخطاً، وموالياً، ومعادياً، ورحيماً، ورحماناً، وأن جميع هذه الصفات راجعة إلى إرادته في عباده، ومشيئته في خلقه!!، لا إلى غضب يغيره، ورضاً يسكن طبعاً له، وحَنق وغيظ يلحقه، وحقد يجده، وأنه تعالى راض في أزله عمن علم أنه بالإيمان يختم عمله، ويوافي به، وغضبان على من يعلم أنه بالكفر يختم عمله، ويكون عاقبة أمره، قال الله تعالى جده: {فعال لما يريد} ، وقال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} ، وقال: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} ، وقال تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} ، وقال: {لبئس ما

قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم} ، وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم} ، وقال: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} ، وقال: {فإن الله عدو للكافرين} ، وقال: {الله ولي الذين آمنوا} وقال: {هو الرحمن الرحيم} ، وقال: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} في أمثال لهذه الآي] .

فصل: (في الاسم والمسمى)

فصل: (في الاسم والمسمى)

10- ومن قولهم: إن الاسم هو المسمى نفسه، وأنه غير التسمية التي هي قول المسمى، والدليل على ذلك قوله عز وجل: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها} الآية؛ فأخبر تعالى أنهم يعبدون أسماءهم وإنما عبدوا الأشخاص دون الكلام والقول الذي هو التسمية فدل ذلك على أن الاسم الذي ذكره هو نفس المسمى. 11- وقال عز وجل: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} ، وكذلك قوله: {سبح اسم ربك الأعلى} . أي: سبح ربك الأعلى، وكذلك قوله: {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} . أي: تبارك ربك، وقال تعالى: {وعلم آدم

الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة} والإخبار بالهاء والميم ترجع إلى المسميات لا إلى الأسماء التي هي العبارات. ومن ذلك قوله للملائكة: {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} . فثبت بذلك أن الاسم هو المسمى. وقال معمر بن المثنى في قوله تعالى: {بسم الله} معناه بالله. وأنشد للبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر

فصل: (في استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه)

يريد باسم السلام عليكما نفسه، وهو التحية. فاسمها هو هي، وهذا قول أهل السنة، ومن صح اعتقاده من أهل اللغة. فصل: (في استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه) 12- ومن قولهم: أنه سبحانه فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، ومستول على جميع خلقه، وبائن منهم بذاته، غير بائن بعلمه، بل علمه محيط بهم، يعلم سرهم وجهرهم، ويعلم ما يكسبون، على ما ورد به خبره الصادق، وكتابه الناطق، فقال

تعالى: {الرحمن على العرش استوى} ، واستواؤه عز وجل: علوه بغير كيفية، ولا تحديد، ولا مجاورة ولا مماسة. 13- قال مالك رحمه الله للذي سأله عن كيفية الاستواء: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. قال عز وجل: {ثم استوى على

العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها} الآية يعني أن علمه محيط بهم حيثما كانوا، بدليل قوله: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} . وقال عز وجل: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} . وقال: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} ، {أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً} ، وقال: {تعرج الملائكة والروح إليه} ، وقال: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} الآية. وقال: {وهو القاهر فوق عباده} ، وقال: {يخافون ربهم من فوقهم} ، وقال: {يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي} ، وقال: {بل رفعه الله إليه} وقال مخبراً عن فرعون: {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً} الآية. 14-[وقوله تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض} الآية. المعنى: وهو المعبود في السماوات وفي الأرض. وقيل: وهو المنفرد بالتدبير فيهن. وقيل: ذلك على التقديم والتأخير أي: وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض.

وقيل: التام وهو الله] . وقيل: في السماوات. وقوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} يعني: أنه إله أهل السماء، وإله أهل الأرض. 15- وقوله سبحانه: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ،: {وإن الله لمع المحسنين} ، و: {إنني معكما أسمع وأرى} . يعني: أنه يحفظهم وينصرهم ويؤيدهم، لا أن ذاته معهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وقوله عز وجل: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} الآية. يعني: أنه تبارك وتعالى عالم بهم وبما خفي من سرهم ونجواهم بدليل قوله: {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} ، وقوله تعالى: {وهو بكل شيء عليم} فابتدأ الآية بالعلم، وختمها بالعلم. وروى مقاتل بن حيان عن الضحاك في الآية قال: هو تعالى فوق عرشه، وعلمه معهم.

أي: محيط. فسبحان من لا يبلغه وصف واصف، ولا يدركه وهم عارف. 16- حدثنا خلف بن إبراهيم المالكي، قال: نا محمد بن عبد الله بن حيويه النيسابوري، قال: نا إبراهيم بن جميل، قال: نا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: [حدثني أبي] نا سريج بن النعمان قال: نا عبد الله بن نافع قال:

فصل: (في نزوله سبحانه إلى السماء الدنيا)

قال مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان. فصل: (في نزوله سبحانه إلى السماء الدنيا) 17- ومن قولهم: إن الله جل جلاله وتقدست أسماؤه: ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل، فيقول: ((هل من داع يدعوني فأستجيب له، وهل من سائل

يسألني فأعطيه، وهل من مستغفر يستغفرني فأغفر له؟)) حتى ينفجر الصبح، على ما صحت به الأخبار، وتواترت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزوله تبارك وتعالى كيف شاء، بلا حد، ولا تكييف، ولا وصف بانتقال، ولا زوال. 18- وقال بعض أصحابنا: ينزل أمره تبارك وتعالى. واحتج بقوله عز وجل: {الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن} .

وكذا روى حبيب عن مالك بن أنس رحمه الله.

وسئل الأوزاعي عن التنزل فقال: يفعل الله ما يشاء. أي: يظهر من أفعاله ما يشاء!! 19- حدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال: نا قاسم بن أصبغ

قال: نا أحمد بن زهير قال: نا عبد الوهاب بن نجدة قال: نا بقية بن الوليد قال: نا الأوزاعي قال: كان مكحول والزهري يقولان: أمر الأحاديث كما جاءت. قال أبو عمرو: وهذا دين الأمة، وقول أهل السنة في هذه الصفات أن تمر كما جاءت بغير تكييف، ولا تحديد، فمن تجاوز المروي فيها وكيف شيئاً منها ومثلها بشيء من جوارحنا وآلتنا فقد ضل واعتدى، وابتدع في الدين ما ليس منه، وخرق إجماع المسلمين، وفارق أئمة الدين. قال نعيم بن حماد، وإسحاق بن راهويه: من شبه الله تعالى بشيء من خلقه فهو

فصل: (في العرض والكرسي)

كافر. فصل: (في العرض والكرسي) 20- ومن قولهم: إن الله سبحانه خلق العرش، واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء من غير أن يحدث تغيراً في ذاته لا إله إلا هو الكبير!!، وأنه تبارك وتعالى خلق الكرسي وهو بين يدي العرش، ولهما حملة يحملونهما بمشيئته وقدرته. قال الله تعالى: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. يومئذ تعرضون} ، يعني: ثمانية أملاك، وجاء أنهم اليوم أربعة.

وقال عز من قائل: {وسع كرسيه السموات والأرض} . 21- روى عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن الكرسي الذي وسع السموات والأرض بموضع القدمين، ولا يعلم قدر العرش إلا الذي خلقه.

وقال مجاهد: كانوا يقولون: ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في فلاة. 22- وروى أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض الفلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة)) . 23- وروى حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء مسيرة

فصل: (في اللوح والقلم)

خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، وهم يعلم ما أنتم عليه. فصل: (في اللوح والقلم) 24- ومن قولهم: إن الإيمان واجب باللوح المحفوظ، وبالقلم، على ما أخبر به تعالى في قوله: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} ، وقال تعالى: {وعنده أم الكتاب} ، وقال: {وعندنا كتاب حفيظ} ، {والقلم وما يسطرون} . وروى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أول شيء خلقه الله القلم ثم قال له: اكتب. قال: رب وما أكتب؟ فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم

القيامة)) . 25- وقال ابن عباس في قوله: {ن والقلم} قال: أول ما خلق الله القلم، وخلقت له الدواة وهي النون، فقال له ربه: اكتب؛ قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر خيره وشره؛ فجرى بما هو كائن حتى تقوم الساعة.

فصل: (في الملائكة)

فصل: (في الملائكة) 26- ومن قولهم: إن لله عز وجل ملائكة حفظة، يكتبون أعمال العباد، كما أخبر عز وجل بذلك في قوله: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} . وقال تعالى: {إذ يتلقى المتلقيان} الآية؛ قال مجاهد: يكتبان حتى أنينه. وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} . 27- وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)) .

فصل: (في ملك الموت)

28- وقال الحسن: الحفظة أربعة يعتقبونه: ملكان بالليل، وملكان بالنهار، تجتمع هذه الأملاك الأربعة عند صلاة الفجر، وهو قوله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهوداً} . فصل: (في ملك الموت) 29- ومن قولهم: إن ملك الموت يقبض الأرواح كلها بإذن الله، قال عز من قائل: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} ، فإذا قبض روح مؤمنٍ دفعها إلى ملائكة الرحمة؛ وإذا قبض روح كافر دفعها إلى ملائكة العذاب، وهو قوله تعالى: توفته رسلنا وهم لا يفرطون} يعني: يقبضونها من ملك الموت، ثم يصعدون بها إلى الله عز وجل وهو قوله تعالى: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} . فصل: (في القدر) 30- ومن قولهم: إن الأقدار كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها: قد علمها تبارك وقدرها، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.

وكذا جميع الأعمال قد علمها وكونها وأحصاها وكتبها في اللوح المحفوظ، فكلها بقضائه جارية، وعلى من سعد أو شقي في بطن أمه ماضية، لا محيص لخلقه عن إرادته، ولا عمل من خير ولا شر إلا بمشيئته. وقال عز من قائل: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم} الآية. 31- ومشيئته تبارك وتعالى، ومحبته، ورضاه، ورحمته وغضبه، وسخطه، وولايته، وعداوته هو أجمع راجع إلى إرادته!!. والإرادة صفة لذاته غير مخلوقة، وهو يريد بها لكل حادث في سمائه وأرضه، مما ينفرد سبحانه بالقدرة على إيجاده. وما يجعله منه كسباً لعباده من خير وشر، ونفع وضر، وهدى وضلال، وطاعة

وعصيان، ولا يكون حادث إلا بإرادته، ولا يخرج مخلوق عن مشيئته، وما شاء كونه كان؛ وما لم يشأ لم يكن. يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، لا مضل لمن هداه، ولا هادي لمن أضله، كما أخبر عن نفسه في قوله: {من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} ، وقال: {ومن يضلل الله فما له من هاد. ومن يهد الله فما له من مضل} . 32- وقال: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين} ، وقال: {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} ، وقال: {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} ، وقال: {من يشأ الله يضلله، ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} ، وقال: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} ، عن الإيمان بها بالخذلان المانع منه. وقال مخبراً عن موسى عليه السلام: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} ، وقال: {فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً}

، وقال: {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً} الآية، وقال: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} الآية. وقال مخبراً عن نوح عليه السلام: {إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم} ، أي: يضلكم. وقال: {إن يردن الرحمن بضر} ، في آي كثيرة. فهو جل جلاله موفق أهل محبته وولايته لطاعته، وخاذل أهل معصيته، وذلك كله عدل من تدبيره وحكمته. 33- وكذا ما يبتليهم به ويقضيه عليهم من خير وشر، ونفع وضر، وغنى وفقر، وألم ولذة، وسقم وصحة، وضلال وهداية، هو عدل منه في جميعهم: {لا يسئل عما يفعل وهم يسألون} {فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً} ، {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} ، وقال: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} الآية. وقال: {والله يدعو إلى دار السلام} الآية. فجعل تبارك وتعالى الدعاء عموماً، والهداية خصوصاً.

وقال تعالى: {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى} ، أي للحال اليسرى: وهي العمل بالطاعة. {وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى} ، أي: للحال العسرى وهي: العمل بالمعصية، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلى الآيتين)) . 34- فالمؤمنون بالتوفيق آثروا الإيمان، وأقدرهم الله عز وجل عليه، وعلى ترك الكفر. والكافرون بالخذلان آثروا الكفر وأقدرهم الله تعالى عليه وعلى ترك الإيمان. ومعنى قوله: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} ، إن قوماً من ثمود آمنوا ثم ارتدوا فاستحبوا العمى على الهدى أي: اختاروا الكفر على الإيمان. 35- ومعنى قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ، الخصوص يريد بعضهم وهم الذين علم أنهم يعبدونه، لأنه قال في آية أخرى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس} ومن ذرأه لجهنم لم يخلقه لعبادته.

وقال مجاهد: معنى {ليعبدون} : ليعرفون. أي: ليعرفوا أن لهم خالقاً ورازقاً. 36- وقوله عز وجل: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله، وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} ، الحسنة هاهنا: الخصب والغنيمة، والسيئة: الجذب والنكبة. لأنهم كانوا يتشاءمون بالأنبياء عليهم السلام كما أخبر بذلك في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} يعني الرخاء والعافية {قالوا لنا هذه} أي: بحق أصابتنا {وإن تصبهم سيئة} يعني: بلاء وشدة: {يطيروا بموسى ومن معه} فقال الله تعالى راداً عليهم

فصل: (في خلق أفعال العباد وتقدير الأرزاق والآجال)

متعجباً من قولهم: {قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً} {ما أصابك} أي يقولون: ما أصابك {من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك} ، وإضمار القول في القرآن والكلام كثير. 37- قال الله تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} ، أي يقولون: سلام عليكم. ومثله: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً} أي: يقولون. {والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم} أي يقولون: أخرجوا. ومثله: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم} أي يقولون: ما نعبدهم، فكذلك ما تقدم سواء. فصل: (في خلق أفعال العباد وتقدير الأرزاق والآجال) 38- ومن قولهم: [إن الله سبحانه مقدر أرزاق الخلق، ومؤقت لآجالهم، وخالق لأفعالهم، وقادر على مقدوراتهم، وأنه إله ورب لنا، لا خالق غيره، ولا رب سواه، على ما أخبر به جل ثناؤه في قوله: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم} ، وقال: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} ، وقال: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} .

فصل: (في إثبات صفة الكلام لله)

وقال: {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو} ، وقال: {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون} ، وقال: {وخلق كل شيء فقدره تقديراً} ، وقال: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} ، وقال: {والله خلقكم وما تعملون} ، وقال: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} . وقال: {وأنه هو أضحك وأبكى} ، وقال: {وأسروا قولكم أو اجهروا به} الآية. فبين تعالى أنه خالق العباد، وضحكهم وبكائهم وقولهم، وسائر أعمالهم. فصل: (في إثبات صفة الكلام لله) 39- ومن قولهم: إن كلام الله صفة لذاته، لم يزل ولا يزال موصوفاً به. قال جل ثناؤه: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} الآية. وقال: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي} الآية، وقال: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} ، وقال: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل

فصل: (في أن القرآن كلام الله غير مخلوق)

لكلماته} ، وقال: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} ، وقال: {إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} . 40- وسامع كلامه منه تعالى بلا واسطةٍ، ولا ترجمان كجبريل وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم سمعه من الله غير متلوٍ ولا مقروء، فهو القائل جل جلاله لموسى عليه السلام: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} ، وكذلك قال تعالى: {وكلم الله موسى تكليماً} ، فأكد الفعل بالمصدر الذي يزيل المجاز، ويوجب الحقيقة. وقال: {منهم من كلم الله} ومن عداهم ممن لا يتولى خطابه بنفسه فإنما يسمع كلامه متلواً ومقروءاً. وقال عز من قائل: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} ، يريد: متلواً ومقروءاً. فصل: (في أن القرآن كلام الله غير مخلوق) 41- ومن قولهم: إن القرآن كلام الله، وصفة لذاته، جديد لا يبلى، ولا يفنى، ولا يخلقٍ على كثرة الرد، منزل مفروق، ليس بخالق ولا مخلوق، وقال الله تعالى: {قرآناً عربياً غير ذي عوج} . قال ابن عباس: غير مخلوق.

وذلك كذلك إذ كل مخلوق معوج من حيث كان مفتقراً إلى خالقه. 42- وروى محمد بن إسماعيل البخاري، عن الحكم بن محمد، عن سفيان بن عيينة قال: أدركت مشايخنا منذ سبعين سنة، منهم: عمرو بن دينار يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وقد أدرك عمرو ابن عمر، وابن عباس، وجابراً وغيرهم من الصحابة. 4- وروى غير واحد عن سفيان قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: سمعت الناس منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق، وما دونه مخلوق، إلا القرآن فإنه كلام الله. 44- وروى الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القرآن كلام الله غير مخلوق)) .

45-[وكلام الله سبحانه قائم به، ومختص بذاته، ولا يصح وجوده بغيره، وإن كان محفوظاً بالقلوب، متلواً بالألسن، مكتوباً في المصاحف، مقروءاً في المحاريب على الحقيقية لا على المجاز، وغير حال في شيء من ذلك، ولو جاز وجوده في غيره لكان ذلك الغير متكلماً به، وآمراً وناهياً وقائلا: {أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} وذلك خلاف دين المسلمين. 46- وكلامه جل جلاله: مسموع بالآذان، وإن كان مخالفاً لسائر اللغات، وجميع الأصوات،

وليس من جنس المسموعات، كما أنه جل وعز يرى بالأبصار وإن كان مخالفاً الأجناس المرئيات وكما أنه تعالى موجود مخالف لجميع الحوادث الموجودات. ولا يجوز أن يحكى كلام الله تعالى، ولا أن يلفظ به؛ لأن الحكاية الشيء مثله وما يقاربه. 47- كلام الله عز وجل: لا مثل له من كلام البشر، ولا يجوز أن يتكلم به ويلفظ به الخلق لأن ذلك يوجب كون كلام المتكلمين قائماً بذاتين قديم ومحدث، وذلك خلاف الإجماع والمعقول] . 48- ولا يسع أحداً أن يقول: القرآن كلام الله ويسكت، حتى يقول: غير مخلوق. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: لولا ما وقع في القرآن –يعني من القول بخلقه- لوسعه السكوت، ولكن لم يسكت. يريد أنه إنما يسكت لريبةٍ.

وقال رحمه الله: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. قال: ومن قال: لفظي به غير مخلوق فهو قدري. وقد قال أيضاً: فهو بدعي. وقول أحمد هذا قول جميع أهل السنة من الفقهاء، والمحدثين والمتكلمين!!

49- قال شيخنا أبو بكر محمد بن الطيب: قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو ضال مبتدع، وقائل بما لم يقل به أحد من سلف الأمة. قال أبو بكر: وكذلك نضلل ونبدع من قال: لفظي به غير مخلوق. وهو مذهب أحمد بن حنبل الذي رواه عنه ابناه صالح وعبد الله. 50- قال: نا سلمة بن سعيد، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا محمد بن مخلد، قال: نا أبو داود، قال: نا أحمد بن إبراهيم، قال: سألت أحمد قلت: هؤلاء يقولون

: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة؟ فقال: هذا شر من قول الجهمية، من زعم هذا فقد زعم أن جبريل عليه السلام جاء بمخلوق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بمخلوق. 51- حدثنا ابن سعيد قال: نا محمد قال: نا ابن مخلد قال: نا أبو داود قال: سألت أحمد ابن صالح عمن قال: القرآن كلام الله، ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق؟! فقال: هذا شاكٌ، والشاك كافر. 52- حدثنا محمد بن عيسى، قال: نا وهب بن مسرة، قال: نا محمد بن

وضاح قال: كل من أدركت من فقهاء الأمصار، مكة، والمدينة، والعراق، والشام، ومصر وغيرها يقولون: القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق. قال ابن وضاح: ولا يسع أحداً أن يقول: كلام الله فقط؛ حتى يقول: ليس بخالق ولا مخلوق. 53- حدثنا ابن سعيد، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا جعفر بن إدريس القزويني، قال: نا حمويه بن يونس، قال: نا جعفر بن محمد بن فضل الرأسي رأس العين قال:

نا عبد الله بن صالح –كاتب الليث-، قال: نا معاوية بن صالح، عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله عز وجل: {قرآناً عربياً غير ذي عوجٍ} قال: غير مخلوق. 54- حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الفرائضي، قال: نا أبو الحسين عبد الله بن أحمد المقرئ قال: نا أبو بكر محمد بن عثمان بن نصر المروزي، قال: نا أحمد بن منصور

النيسابوري، قال: نا أحمد بن عيسى الخشاب، قال: نا الحسين بن عبد الله الأزدي، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق)) .

فصل: (في رؤية المؤمنين لربهم)

فصل: (في رؤية المؤمنين لربهم) 55- ومن قولهم: أن الله سبحانه وتعالى يتجلى لعباده المؤمنين في المعاد، فيرونه بالأبصار على ما نطق به القرآن، وتواترت به أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ. إلى ربها ناظرةٌ} ، وأكد ذلك بقوله في الكافرين: {كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون} تخصيصاً منه برؤيته المؤمنين. قال الله عز وجل: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ} .

والزيادة: النظر إلى الله تعالى، جاء ذلك مفسراً كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن غير واحد من الصحابة والتابعين. 56- وقال تعالى مخبراً عن موسى عليه السلام: {رب أرني أنظر إليك} ، ولولا علمه بجواز الرؤية بالأبصار عليه لما أقدم على أن يسأله ذلك.

ورؤيته تعالى بغير حد، ولا نهاية، ولا مقابلة، ولا محادة، لأنه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} . 57- وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته)) . وروى ابن وهب، عن مالك أنه قال: أهل الجنة ينظرون إلى الله تعالى بأعينهم، وأشار ابن وهب إلى عينه. ومعنى: ((لا تضامون)) أي: لا تدافعون ولا تزدحمون.

ومعنى الحديث الآخر: ((لا تضارون في رؤيته)) . أي: لا يدخل عليكم ضرر في رؤيته. 58- ومعنى قوله تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل} . قيل: اطلع. وقيل: ظهر من أمره ما شاء. وقيل معناه: فإنه خلق في الجبل حياة ورؤيةٌ حتى رأى ربه. 59- ومعنى قول موسى عليه السلام: {تبت إليك} . أي: من التقدم بالمسألة قبل الإذن فيها. وقيل: من ذنوب تقدمت؛ ذكرها عند ظهور الآية جدد التوبة منها. 60- ومعنى قوله: {وأنا أول المؤمنين} أي: بأنه لا يراك شيء من خلقك إلا حل به ما حل بالجبل. وقيل: أول من آمن بأنك لا ترى في الدنيا. ومعنى قوله: {لن تراني} ، أي: في الدنيا، لأن موسى إنما سأله الرؤية في الدنيا، وكان ذلك جواباً لسؤاله.

61- وكذلك معنى قوله عز وجل: {لا تدركه الأبصار} أي: في الدنيا، لأنها دار الفناء، والنظر إليه تعالى من جزاء الأعمال، وهو أبلغ الجزاء، قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} وليست الدنيا بدار جزاء. 62- وقيل: معنى {لا تدركه الأبصار} أي: لا تحيط به، وهو تعالى محيط بها كما قال تعالى في قصة موسى عليه السلام {إنا لمدركون} ، بعد قوله: {تراءى الجمعان} وقال في قصة فرعون: {حتى إذا أدركه الغرق} فالإدراك في هاتين الآيتين: الإحاطة لا الرؤية، فكذلك هو في الآية المتقدمة سواء.

فصل: (في الحساب)

فصل: (في الحساب) 63- ومن قولهم: إن الله تعالى يحاسب عباده يوم القيامة، ويسألهم عن أعمالهم، على ما أخبر به في قوله: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} ، وقال عز وجل: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} الآية. وقال: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} ، وقال: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} ، وقال: {إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون} ، وقال: {ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين} . 64- وحدثنا محمد بن عبد الله، قال: نا وهب بن مسرة، قال: نا محمد بن وضاح، قال: نا ابن أبي شيبة، قال: نا وكيع، عن الأعمش، عن خيثمة، عن

فصل: (الإيمان قول وعمل ونية)

عدي بن حاتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان)) . فصل: (الإيمان قول وعمل ونية) 65- ومن قول الفقهاء والمحدثين: إن الإيمان قول، وعمل، ونية، وإصابة السنة. فالقول: الشهادة لله سبحانه وتعالى بما تقدم وصفنا له، والإقرار بملائكته وكتبه ورسله وبجميع ما جاء من عنده. والعمل: أداء الفرائض التي فرضها، واجتناب المحارم التي حرمها. والنية: أعمال القلوب واعتقاداتها. والسنة: معرفة الديانة بالعلم. 66- وبيان هذا كله في كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا}

الآية. وقال: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} ، وقال: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} الآية. وقال: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} ، وقال: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن} الآية. وقال: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} الآية. وقال: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول} ، وقال: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين} الآية. وقال: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة} الآية. وفيها: {وآتى المال} ، وفيها: {وأقام الصلاة وآتى الزكاة} . وقال: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} ، وقال ابن عباس والبراء: يعني صلاتهم إلى بيت المقدس.

فسمى الصلاة إيماناً، في نظائر لهذه الآي تدل على أن الإيمان كما قالوه. 67- فإن قال قائل: فما الإيمان عند المتكلمين من أصحابكم؟! قلت: التصديق كما قدمناه أولاً، ودللنا على صحته. فإن قال: وما الطاعات عندهم؟ قلنا: شرائع الإيمان!، بدليل قوله تعالى في غير موضع: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فوصفهم بالإيمان ووصفهم بعمل الصالحات، فدل على أن الأعمال الصالحة شرائع الإيمان، وأن الإيمان هو التصديق.

فصل: (في زيادة الإيمان ونقصانه)

فإن قال: تأويل ابن عباس والبراء لقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يعني: صلاتكم يدل على أن الإيمان: الطاعات، وأن كل طاعة إيمان؟ قلت: ليس بدال على ذلك، إذ ممكن أن يحمل ذلك على التوسع، فلذلك سمينا الصلاة إيماناً إذ كانت من شرائع الإيمان، وبالله التوفيق. فصل: (في زيادة الإيمان ونقصانه) 68- ومن قولهم –أيضاً-: إن الإيمان يزيد [بالطاعة] ، وينقص بالمعصية، ويقوى بالعلم، ويضعف بالجهل، ويخرج بالكفر. والدليل على زيادته قوله عز وجل: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} ،

وقوله: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً} ، وقوله: {ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} ، وقوله: {ويزداد الذين آمنوا إيماناً} في أمثال لذلك من الآي. والدليل على نقصانه قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية، فما حبط فلا شك في نقصانه. وقال صلى الله عليه وسلم في النساء: ((ما رأيت من ناقصات دين وعقل أغلب على ذي لب منكن)) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من في قلبه مثقال من الإيمان، ونصف مثقال، وربع مثقال)) حتى ذكر الخردلة والشعيرة. فمن معه قدر مثقال فإيمانه لا شك أزيد ممن معه قدر خردلة وشعيرة. وأقل الإيمان: ما لا يجامعه الشكوك. وأكثره: إيمان الأنبياء عليهم السلام.

69- حدثنا الخالقاني خلف بن حمدان، قال: نا محمد بن عبد الله النيسابوري، قال: نا عمي يحيى بن زكريا، قال: نا محمد بن يحيى، قال: نا أبو بكر بن أبي الأسود، قال: نا إبراهيم ابن أبي الوزير قال: سألت مالكاً عن الإيمان فقال: قول وعمل. فقلت: يزيد وينقص؟ قال: نعم.

فصل: (الاستثناء في الإيمان)

فصل: (الاستثناء في الإيمان) 70- ومن قولهم: إن الاستثناء في الإيمان جائز واسع إذا كان عائداً إلى العاقبة أو الكمال، ولا يجوز على طريق الشك، لأن أقل ما يقبل من الإيمان ما لا يجامعه الشكوك. 71- وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: الاستثناء في الإيمان: سنة ماضية عند العلماء، وليس بشك. قال: وإذا سئل الرجل: أمؤمن أنت؟ فليقل: أنا مؤمن إن شاء الله، أو: مؤمن أرجو. [أو يقول] : آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.

72- وروى منصور عن إبراهيم قال: قيل لعلقمة: أمؤمن أنت؟ قال: أرجو إن شاء الله. 73- وقال أبو بكر المروذي: قيل لأحمد بن حنبل: إن استثنيت في إيماني أكون شاكاً؟ قال: لا. 74- وقال أحمد: حدثني على بن بحر، قال: سمعت جرير بن عبد الحميد، يقول: كان الأعمش، ومغيرة، ومنصور، وليث، وعطاء بن السائب، وإسماعيل بن أبي خالد، وعمارة بن القعقاع، والعلاء بن المسيب، وابن شبرمة، وسفيان الثوري، وحمزة الزيات يقولون: نحن مؤمنون –إن شاء الله- ويعيبون على من لم يستثن. 75- وقال عبد الرحمن بن مهدي: ترك الاستثناء هو أصل الإرجاء.

وقال ابن حنبل: من لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ. 76- وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الرجل ليمسي مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً)) وهو الذي سوغ الاستثناء لجهل الكل بعاقبة أمرهم وما يختم لهم به. 77- حدثنا حمزة بن علي البغدادي، قال: نا الحسن بن يوسف، قال: نا نصر ابن مرزوق، قال: نا أسد بن موسى، قال: نا عبد العزيز بن محمد، قال: نا

فصل: (في معنى الإسلام)

العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يعمل بعمل أهل النار فيجعله من أهل النار)) . فصل: (في معنى الإسلام) 78- ومعنى الإسلام: الاستسلام، والانقياد، والمتابعة، ومن ذلك قوله عز وجل: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} أي: انقاد له. ومنه قول إبراهيم عليه السلام: {أسلمت لرب العالمين} أي: انقدت وتابعت. وقال تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين} أي استسلما لما أمرا به. وكذا قوله عز وجل: قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} يريد الله تعالى بإسلامهم: الاستسلام فزعا من السيف دون انشراح الصدر بالإيمان. فأثبت لهم الإسلام، ونفى عنهم التصديق والإيمان.

فصل: (في الإيمان والإسلام)

وقوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً} يريد من انقاد إليكم ظاهره، وأذعن بكلمة الحق، لأنكم لا تعرفون باطنه، فكل طاعة استسلم بها العبد لربه وانقاد بها لأمره، فهي من جملة الإسلام. فصل: (في الإيمان والإسلام) 79- والإيمان أعلى خصلة من خصال الإسلام، ولا تتم طاعة الله، وقربة إليه إلا به، فوجب بذلك أن يكون كل إيمان إسلاماً لله من حيث كان قربة إليه، وانقياداً، واستسلاماً

لأمره، وأن يكون كل إسلام إيماناً، لأن من الإسلام إيماناً هو تصديق، ومنه ما ليس بتصديق. 80- فأما قوله عز وجل: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين} ، فلا يدل على أن كل إسلام إيمان، وأن الإسلام هو الإيمان على ما ذهب إليه بعض الناس، لأنه لم يكن في أهل تلك القرية مؤمنون مصدقون لله عز وجل، ولا ممن يريد الله بالطاعة، ويستسلم لأمره غير أهل البيت، صاروا هم المؤمنون، وهم المسلمون فقال عز وجل: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين} الآية، فوصفهم

فصل: (في منة الله على المؤمنين بالإيمان)

بالتصديق والإقرار، وبالانقياد والتسليم الذي هو من فروع الإيمان!! فصل: (في منة الله على المؤمنين بالإيمان) 81- وأجل نعم الله على خلقه الطائعين، وعبادة المؤمنين: خلقه الإيمان في قلوبهم، وإجراؤه على ألسنتهم، وتوفيقهم لفعله، وتمكينهم من التمسك به. وخلق الإيمان والتوفيق له نعمه خص الله تعالى بها المؤمنين دون الكافرين، ولذلك قال جل وعلا: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً} ، {فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين} ، وقال عز وجل: {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} ، وقال: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم}

فصل: (في الإيمان بما جاءت به الرسل)

الآية، وقال: {بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} ، ولو كانت هذه النعمة على الكافرين لم يكن لتخصيصه بها المؤمنين وامتنانه بها على النبيين معنى، إذ كان قد أنعم بها على المردة المشاقين، والكفرة الضالين. فصل: (في الإيمان بما جاءت به الرسل) 82- ومن قول جميعهم: إن جميع المكلفين يلزمهم الإيمان بكل ما أتت به الرسل، ونطقت به الكتب، وبجميع فرائض الدين من الوضوء، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وحصول النفع والرشاد في جميع ما ندب الله تعالى إليه، ورغب في فعله، وإباحة جميع ما أحله وأطلقه لعباده، وتحريم كل ما حرم وحظر على خلقه من [السرقة] ، والزنا، واللواط، وسفك الدماء، واستحلال الأموال، وترك الواجبات، ونكاح ذوات المحارم من الأمهات، والأخوات والبنات، ومن سمى الله تعالى في الآية، ومن حرم نكاحه بالرضاعة، وحلائل الأبناء، والجمع بين الأختين، وأكل لحم الخنزير وشرب الخمر، وقذف المحصنات إلى غير ذلك من سائر المحرمات الوارد تحريمها في الكتاب والسنة.

فصل: (في جزاء الحسنة والسيئة)

فصل: (في جزاء الحسنة والسيئة) 83- ومن قولهم: إن الله تعالى يجازي بالحسنة عشراً، وبالسيئة مثلها، ويعفو عن كثير، ولا يضيع عمل عامل من المؤمنين كما قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} ، وقال عز وجل: {وإن تك حسنة يضاعفها} ، وقال: {إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} ، وقال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات} ، وقال: {إن الحسنات يذهبن السيئات} ، وقال: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا} يريد –وهو أعلم- بالعمل الصالح: الدخول في شريعة الإسلام، وتصديق الرسول عليه السلام. فصل: (في وجوب التوبة وشروطها) 84- ومن قولهم: إن فرضاً على جميع العصاة المذنبين التوبة إلى الله عز وجل من ذنوبهم صغيرها وكبيرها، والندم على ما كان منهم، ورد الظلامات إلى العباد، وضمان قيمة ما أنفقوه، والعزم على أدائه متى أمكنهم ذلك، إذا تعذر رده بعينه ورد قيمته، والدليل على وجوب التوبة قوله عز وجل: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} ، وقال تعالى

: {يا [أيها] الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً} ، وقال: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً} في غير موضع، وقال: { [و] سارعوا إلى مغفرة من ربكم} ، وقال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} في أمثال لهذه الآي، وردت في إيجاب التوبة والدعاء إليها، والحث عليها، والتحذير من تركها، وغليظ الوعيد في التخلف عنها، وقول الله عز وجل: {وليست [التوبة] للذين يعملون السيئات} الآية، دليل على أنها عليهم واجبة قبل المعاينة وحضور الملائكة. 85- حدثنا محمد بن خليفة الإمام، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا عبد الله ابن سليمان قال: نا إسماعيل بن [عبد الله] الأصبهاني، قال: نا عثمان بن الهيثم،

قال: نا عوف، عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله سبحانه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)) .

فصل: (في مغفرة الله لما دون الشرك)

فصل: (في مغفرة الله لما دون الشرك) 86- ومن قولهم: إن الله سبحانه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لمجتنبي الكفر، وهو الذي أراد بقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً} ، أي: إن اجتنبتم أكبر ما نهيتم عنه، وهو الكفر بالله تعالى؛ وقال عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء} وأنه سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير من السيئات، ويغفر لمن يشاء من المذنبين من أمة نبيه صلى الله عليه وسلم. فصل: (في وعد الله ووعيده) 87- ومن قولهم: [إن الوعد فضل الله عز وجل ونعمته، والوعيد عدله وحقه، وأن الجنة دار المطيعين بلا استثناء، وجهنم دار الكافرين، وأرجأ تعالى لمشيئته من المؤمنين العاصين من شاء {والله يحكم لا معقب لحكمه} ، ولا يسأل عما فعله. قال الله تعالى فيما وعد به المؤمنين المطيعين: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} ، وقال: {يبشرهم ربهم برحمة منه

ورضوان} الآية. وقال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً} الآية. وقال: {جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار} إلى آخر السورة. 88- وقال في العصاة الكافرين: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً} الآية. وقال: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً} الآية. وقال: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم} الآية. وقال: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً} وقال: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً} أي: ماكثين فيها أبداً إلى غير نهاية. 89-[وقال تعالى في المرجئين لمشيئته من المؤمنين: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ، وقال: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الآية. وقال: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} ، وقال: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية. والكبائر هاهنا:

فصل: (القول في عصاة الموحدين وأحكامهم في الدنيا)

الكفر. بدليل قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} الآية، والسيئات التي يغفرها هي ما دون الشرك، [فوعده تبارك وتعالى للمؤمنين المطيعين صدق، ووعيده للكافرين المشركين حق، ومن مات من المؤمنين مصراً على ذنب فهو في مشيئته وخياره] ، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. فصل: (القول في عصاة الموحدين وأحكامهم في الدنيا) 90- ومن قولهم: أن لا ينزل أحد من أهل القبلة جنة ولا ناراً إلا من ورد التوقيف بتنزيله، وجاء الخبر من الله تبارك وتعالى ورسوله عن عاقبة أمره. وأن الصلاة واجبة على من مات منهم، وإن عمل الكبائر؛ وأن الرجم لمن أحصن من أحرار المسلمين، والمسلمات، والمؤمنين، والمؤمنات لازم. 91- وأن الحج والجهاد مع كل خليفة لا يقطع ذلك ظلم ظالم، ولا جور جائر، وكذا صلاة الجمعة، والعيدين، خلف كل إمام من أئمة قريش براً كان أو فاجراً سنة. وتكره خلف أهل البدع منهم، وقال بعض أصحابنا: يصلى خلفهم للأثر الوارد مطلقاً بذلك ثم

(فصل: (في لزوم الجماعة واتباع السنن)

تعاد بعد. (فصل: (في لزوم الجماعة واتباع السنن) 92- ومن قولهم: إن من فرائض الدين لزوم جماعة المسلمين، وترك الشذوذ عنهم، والخروج من جملتهم قال الله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} الآية. 93- ومنها: التسليم والانقياد للسنن، لا تعارض برأي، ولا تدافع بقياس، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه، وما عملوا به عملناه، وما تركوه تركناه، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا، ويلزمنا أن نتبعهم فيما بينوا، وأن نقتدي بهم فيما استنبطوا، وأن لا نخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه، أو في تأويله.

فصل: (في الرؤيا)

98- ومنها: التصديق بما جاء عن الله، وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخباره، ووجوب العمل بمحكم القرآن، والإقرار بنص مشكله ومتشابهه، وما غاب عنها من حقيقة تأويله فنكله إلى الله تعالى، إذ هو العالم [بتأويل] المتشابه من كتابه، والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا. فصل: (في الرؤيا) 95- ومن قولهم: إن التصديق بالرؤيا واجب، والقول بإثباتها لازم، وأنها جزء من أجزاء النبوة، كما ورد الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى أنس، وأبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) . ومعنى ذلك: أن الأنبياء عليهم السلام يخبرون بما سيكون، والرؤيا تدل على ما سيكون

96- وقال عز وجل: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} ، وجاء عن النبي عليه السلام، وعن غير واحد من الصحابة، والتابعين: أنها الرؤية الصالحة، يراها المؤمن أو ترى له.

فصل: (في الإسراء)

97- وقال عز من قائل مخبراً عن نبيه يوسف عليه السلام: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} إلى آخر الآيات. وقال مخبراً عنه: {هذا تأويل رؤياي من قبل} وكذلك ما أخبر به من رؤيا إبراهيم عليه السلام في قوله: {فلما بلغ معه السعي} يريد: العمل، أي: بلغ أن يتصرف معه وأن ينفعه: {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك} إلى آخر الآيات. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان)) . فصل: (في الإسراء) 98- ومن قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به يقظان لا نائماً، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم إلى السماوات العلى إلى سدرة المنتهى على ما أخبر به تعالى في قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} الآية. وقال عز وجل: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} .

قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به لا رؤيا نوم. وقاله سعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، ومسروق، وإبراهيم، والضحاك، وقتادة، وابن جريج، وابن زيد. وقال عكرمة: هي رؤيا يقظة. 99- ولو كانت رؤيا نوم على ما يذهب إليه طوائف أهل البدع من المعتزلة وغيرهم، لم تكن فتنة للناس حتى ارتاب قوم، وارتد قوم عن الإسلام، ولا كان أيضاً فيها دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، ولا حجة على رسالته، ولا كان الذين أنكروا ذلك من أهل الشرك يدفعونه عن صدقه في ذلك، إذ غير منكر عندهم, وعند كل أحد أنه قد يرى الرائي في المنام ما على مسيرة سنة فضلاً عما هو مسيرة شهر ودونه، هذا مع دليل ظاهر النص المذكور الذي لا طريق للمجاز فيه على أنه صلى الله عليه وسلم أسري بجسده لا بروحه دونه، وهو قوله سبحانه: {سبحان الذي أسرى بعبده} وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى أسرى به على دابة يقال لها: البراق، والدواب لا تحمل الأرواح، وإنما تحمل الأجسام.

100- وقال تعالى: {علمه} أي: علم محمداً صلى الله عليه وسلم {شديد القوى} أي: شديد الخلق، يعني جبريل عليه السلام {ذو مرة} أي ذو قوة {فاستوى} أي: فاعتدل قائماً. يعني جبريل عليه السلام: {وهو بالأفق الأعلى} يعني: وجبريل بالأفق الأعلى، أي: بالمشرق من حيث تطلع الشمس {ثم دنا فتدلى} أي: فتدلى جبريل بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم يعني: فقرب {فكان قاب قوسين أو أدنى} أي: قدر ذراعين {فأوحى إلى عبده ما أوحى} أي: فأوحى جبريل إلى محمد، وقيل: فأوحى الله تعالى إلى محمد {ما كذب الفؤاد ما رأى} قال الحسن: ما كذب فؤاده ما رأت عيناه ليلة أسري به. بل صدقه الفؤاد {أفتمارونه على ما يرى} إلى قوله: {ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى} ، وأنه صلى الله عليه وسلم رأى هناك الأنبياء عليهم السلام: آدم، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وإدريس، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وكلمه الله تعالى، وأدخله الجنة وأراه النار على ما تواترت به الأخبار، وثبتت بنقله الآثار.

فصل: (في الجنة والنار)

فصل: (في الجنة والنار) 101- ومن قولهم: إن الله سبحانه قد خلق الجنة والنار قبل خلق آدم عليه السلام، خلقهما للبقاء لا للفناء وأعدهما لأهل الثواب والعقاب، على ما أخبر به تعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عز من قائل: {مثل الجنة التي وعد المتقون} ، وقال: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} ، وقال: {قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون} ، وقال: {وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} والشيء المعد لا يكون إلا موجوداً مفروغاً منه، كما قال: وأعددت للحرب أوزارها ... رماحاً طوالاً وخيلاً ذكوراً 102- قال الله مخبراً عن آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً} ، وقال: {واتقوا النار التي أعدت للكافرين} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيت الجنة –أو أريت الجنة- فتناولت منها عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار فلم أر كاليوم منظراً قط، ورأيت أكثر أهلها النساء)) .

103- وأن الجنة في أعلى عليين، والنار في أسفل سافلين، وأنهما لا يفنيان، ولا يموت أهلوهما، قال عز وجل: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} ، وقال: {وإن الآخرة هي دار القرار} ، وقال: {ما عندكم ينفذ وما عند الله باق} ، وقال: {وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً} وقال: {لا يذوقون فيها الموت} ، وقال: {ماكثين فيه أبداً} ، وقال: {وما هم منها بمخرجين} ، وقال: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ} وقال: {أكلها دائم وظلها} ، وقال: {وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة} . 104- وقال في الكفار: {وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم} ، وقال: {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} ، والمقيم: الدائم الثابت الذي لا ينتقل ولا يزول. وقال: {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها} . 105- وأن آدم عليه السلام خلق في جنة الخلد، ومنها أهبط بخطيئته إلى الأرض على ما أخبر به تعالى في قوله: {فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى}

فصل: (في القبر وفتنته)

ثم قال بعد {اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو} ، وقال: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} . فصل: (في القبر وفتنته) 106- ومن قولهم: إن المؤمنين والكافرين يحيون في قبورهم، ويفتنون ويسألون، وإن فتاني القبر: أسودان أزرقان وهما منكر ونكير، يسائلان المؤمن والكافر كما صح الخبر وثبت النقل بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ و {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} وأن أرواح المؤمنين منعمة إلى يوم الدين، وأن أرواح الكافرين في العذاب الأليم. 107- والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أن أرواح المؤمنين في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وأن أرواح الكافرين في حواصل طير سود معلقة في النار.

108- وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما نسمة المؤمن –يعني: روحه- طائر يعلق في شجر الجنة –أي يرعى- حتى يرجعه الله إلى جسده)) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، ويقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)) .

وقال صلى الله عليه وسلم: ((ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريب من فتنة الدجال)) ، وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من فتنة القبر. 109- ومما يدل على عذاب القبر من نص التنزيل قوله عز وجل {سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} ، يعني: عذاب الدنيا بالقتل وغيره، وعذاب القبر. وقوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة أنه قال: ((نزلت في عذاب القبر)) .

وقوله: {فإن له معيشةً ضنكاً} ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عذاب القبر)) . 110- وقوله: {وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك} . قال ابن عباس والبراء بن عازب: عذاب القبر.

111- وقوله: {ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر. كلا سوف تعلمون} . روي عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نزلت في عذاب القبر. وقوله: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر} . روى أبو يحيى عن مجاهد قال: عذاب القبر وعذاب الدنيا. وقوله: {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً} . 112- ومما يدل أيضاً على الإحياء في القبر قوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم} يعني نطفاً في أصلاب آبائكم {فأحياكم} يعني في الأرحام، وحين أخرجكم إلى الدنيا {ثم يميتكم ثم يحييكم} يعني في القبر {ثم إليه ترجعون} يعني في القيامة. وروى السدي عن أبي صالح في قوله عز وجل: {ثم يميتكم ثم يحييكم} قال: يحييكم في القبر. وفي هذا دليل على موتتين وعلى حياتين قبل القيامة، وذلك الإحياء في القبر للسؤال والعذاب

فصل: (في المعاد ومجيء الله يوم القيامة)

ورؤية الثواب، وقال السدي في قوله تعالى: {قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فسئلوا وخوطبوا، ثم أميتوا في قبورهم ثم أحيوا في الآخرة. وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنه يسمع خفق نعالهم إذا ولو عنه مدبرين)) . فصل: (في المعاد ومجيء الله يوم القيامة) 113- ومن قولهم: إن الله سبحانه يعيد العباد، ويحي الأموات، ويبعث من في القبور، [ويجيء] يوم القيامة لفصل القضاء، يجيء والملائكة صفاً صفاً على ما أخبر به تعالى في قوله: {الله يبدء الخلق ثم يعيده} ، {وأن عليه النشأة الأخرى} ، {وأن الله يبعث من في القبور} وقال: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من

فصل: (في الصراط)

الغمام والملائكة} الآية. وقال: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} ، وقال: {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً} الآية. 114- وأن الأجساد التي أطاعت أو عصت هي التي تبعث يوم القيامة لتجازى، وأن الجلود والألسنة والأيدي، والأرجل التي كانت في الدنيا هي التي تشهد على من تشهد عليه منهم يوم القيامة. فصل: (في الصراط) 115- ومن قولهم: إن الله سبحانه يمد الصراط جسراً على شفير جهنم للجواز عليه، أرق من الشعر، وأحد من السيف، على ما صحت به الأخبار، وثبتت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجوزه العباد بقدر أعمالهم، ويخف ويضعف جوازه بقدر طاعتهم ومعاصيهم، وقد ذكر الله تعالى الصراط في غير موضع من كتابه، وتواترت الأخبار فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يلحق الناس عليه من الأهوال: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون} . 116- حدثنا أحمد بن إبراهيم المكي، قال: نا محمد بن إبراهيم، قال: نا سعيد بن

فصل: (في الميزان)

عبد الرحمن، قال: نا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} أين يكون الناس يومئذٍ؟ قال: ((على الصراط)) . فصل: (في الميزان) 117- ومن قولهم: إن الله تعالى يضع الموازين، وتأتي كل نفس معها سائق وشهيد، فيزن صحائف الأعمال كما أخبر عز وجل بذلك في قوله: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}

الآية. وقال: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون} ، وقال: {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية. وأما من خفت موازينه فأمه هاوية} . 118- وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان خفيفتان [على] اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم} . وقال: ((أثقل شيء يوضع في الميزان الخلق الحسن)) .

119- وهم أهل يمين وشمال، قال عز من قائل: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} : وهم أهل الجنة. {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} : وهم أهل النار. ويؤتون كتبهم بأيديهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك هم المفلحون، ومن أوتي كتابه بشماله أو وراء ظهره فأولئك هم الخاسرون. 120- والموازنة للمؤمنين الذين معهم طاعات وسيئات ربما اعتدلت وربما رجح بعضها على بعض، وأما الكفار فلا طاعة لأحد منهم يوازن بها كفرهم، فوجب أن لا يكون لهم حسنات، ولا موازنة. قال الله تعالى فيهم: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} وقوله: {ومن خفت موازينه} عبارة على أنها لا بر لهم، ولا طاعة لهم، وكذا

فصل: (في الحوض)

قوله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى يوم القيامة بالأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة)) إنما يعني صلى الله عليه وسلم: أنه خال من البر والطاعة، وأن لا شيء له ولا فيه منهما فعبر بالوزن عن ذلك والله أعلم. فصل: (في الحوض) 121- ومن قولهم: إن للرسول صلى الله عليه وسلم في المعاد حوضاً شرابه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وفيه من الآنية مثل عدد نجوم السماء، يقع فيه ميزابان من الكوثر، لا يظمأ من شرب منه من المؤمنين، ويمنع منه من انحرف عن الدين، وخالف السبيل المستقيم على ما صحت به الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال عز من قائل: {إنا أعطيناك الكوثر} ، والكوثر نهر في الجنة أعطيه نبينا صلى الله عليه وسلم، بذلك تواترت الأخبار، وصحت الآثار. 122- حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الفرائضي، قال: نا علي بن محمد بن زيد، قال: نا محمد بن عبد الله مطين، قال: نا هدبة بن خالد، قال: نا همام بن يحيى، قال: نا قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافاته قباب الدر المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل)) .

123- ومن قولهم: إن الله يشفع نبيه صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته وصحابته، ومن يشاء من صالح عباده، في عصاة أهل ملته، ويخرج بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار قوم بعد ما امتحشوا فيها وصاروا حمماً، ويدخلون الجنة ويغسلون في ماء الحياة فتنبت لحومهم كما تنبت الحبة في حميل السيل، على ما أتت به الأخبار الصحاح عن الرسول صلى الله عليه وسلم. 124- وقال عز من قائل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم عن غير واحد من الصحابة أن المقام المحمود: الشفاعة. وقال تعالى: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} يعني: إذا أذن في الشفاعة، وأخرج العصاة من المؤمنين من النار. وقال في الكافرين: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} ، وقال فيهم: {ما للظالمين

من حميم ولا شفيع يطاع} . 125- وقال: {ولا يشفعون} عن الملائكة {إلا لمن ارتضى} ، والعصاة لتمسكهم بالتوحيد والإقرار والتصديق مرتضون، بدليل قوله: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه} ، ثم قال: {جنات عدن يدخلونها} ، ومرتضى ومصطفى واحد؛ على أن علي بن أبي طلحة قد روى عن ابن عباس في قوله تعالى: {إلا لمن ارتضى} قال: الذي ارتضى لهم شهادة أن لا إله إلا الله. وقال أصحابنا معناه: إلا لمن ارتضى أن يشفع فيه، وليس معناه إلا لمن رضي عمله، لأن من رضي له جميع عمله لا يحتاج إلى شفاعة. 126- قال الله عز وجل: {ما على المحسنين من سبيل} . وقال صلى الله عليه وسلم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) ، وقال: ((أسعد الناس بشفاعتي يوم

القيامة من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه)) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي دعوة يدعو بها فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة)) ، فلا يديم تبارك وتعالى عذابه إلا على الكافرين، ولا يخلد في ناره إلا الجاحدين، على ما أخبر به في قوله: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} وقال: {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} ،

فصل: (في صفة خلق السموات والأرض)

، وقال: {لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى} . فصل: (في صفة خلق السموات والأرض) 127- ومن قولهم: إن السموات السبع طباق بعضهن فوق بعض مسطحات، قال الله تعالى: {ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً} ، وقال: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن} وقال: {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق} . قال مجاهد: أي سبع سموات بعضهن فوق بعض. وحكى أهل اللغة: طارقت الشيء إذا جعلت بعضه فوق بعض. 128- وقال تعالى: {وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً} ، وقال: {والله جعل لكم الأرض بساطاً} ، وقال: {وإلى الأرض كيف سطحت} ، وقال

: {والأرض فرشناها فنعم الماهدون} ، وقال: {والأرض مددناها} ، وقال: {وهو الذي مد الأرض} ، وقال: {والأرض بعد ذلك دحاها} ، يعني: بسطها ومدها، وقال: {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً} أي: ملتصقتين {ففتقناهما} أي: فصلنا بين كل سماء، وبين كل أرض. وقال مجاهد: كانت السماء واحدة، والأرض واحدة، ففتق من السماء ستاً فصارت سبعاً، وفتق من الأرض ستاً فصارت سبعاً. وروى ابن أبي نجيح عنه في قوله: {كانتا رتقاً ففتقناهما} قال: فتق الله سبع سموات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين بعضها تحت بعض. وروى معمر، عن قتادة في قوله: {فسواهن سبع سموات} قال: سوى بعضهن فوق بعض، بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام.

فصل: (في مخلوقات السماء الدنيا)

فصل: (في مخلوقات السماء الدنيا) 129- ومن قولهم: أن الشمس، والقمر، والذراري، والبروج، والنجوم جارية في الفلك، وأن السماء الدنيا مختصة بذلك كله دون سائر السموات. قال الله تعالى: {الذي جعل في السماء بروجاً} أي: نجوماً {وجعل فيها سراجاً} أي شمساً {وقمراً منيراً} أي: مضيئاً، وقال تعالى: {والسماء ذات البروج} أي: ذات النجوم، وقال تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد} ، وقال تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير} ، وقال تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} . 130- وروى وهب بن منبه عن علي وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فلا أقسم بالخنس} قال: ((هي خمسة كواكب: البرجيس، وزحل، وعطارد، وبهرام، والزهرة، تجري مع الشمس والقمر في الفلك، وسائر الكواكب معلقة من السماء

كتعليق القناديل في المساجد)) . 131- وروى أبو عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: النجوم كلها معلقة كالقناديل بين السماء في الهواء. 132- وقال قتادة: خلق الله جل ثناؤه هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن [تأول] منها غير ذلك فقد أخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.

133- وقال تعالى: {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} أي: يجرون. وقيل يدورون. 134- روى شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمرو قال: إن الشمس والقمر وجوههما إلى السماء، [وأقفيتهما] إلى الأرض، يضيئان في السماء كما يضيئان في الأرض. 135- وروى أبو صالح مولى أم هانئ عن نوف البكالي قال: إن الشمس والقمر والنجوم ليس منها شيء لازق بالسماء، وإنما تجري في فلك دون السماء. وقال الحسن: إن الشمس، والقمر، والنجوم في طاحونة بين السماء والأرض، كهيئة

فلكة المغزل تدور فيها، ولو كانت ملتزقة بالسماء لم تجر. 136- وروى وهب بن منبه عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خلق الله بحراً دون [الفلك] فهو موج مكفوف قائم في الهواء تجري الشمس والقمر والخنس فيه فذلك قوله: {وكل في فلك يسبحون} )) . 137- وروى عكرمة عن ابن عباس قال: الفلك موج دون السماء قائم في الهواء تجري الشمس، والقمر، والنجوم فيه. وقال مجاهد: الفلك كهيئة الرحى. وقيل: الفلك سرعة جري الشمس، والقمر، والنجوم وسيرها. قال الضحاك في قوله: {كل في فلك يسبحون} : الجري والسرعة. 138- وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الفلك الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم والشمس، والقمر وقرأ: {تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً

وقمراً منيراً} وقال: فلك البروج بين السماء والأرض. وقال تعالى: {ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً} أي: ألم تعلموا أولم يبلغكم، كما قال: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} و {ألم تر كيف فعل ربك بعاد} أي: ألم يبلغك فعلي بهم، أو لم أوح إليك. 139- {وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً} . إن قيل: كيف قال: {وجعل القمر فيهن نوراً} والقمر في إحداهن دون سائرهن؟ قيل: في قوله {فيهن} للمفسرين وعلماء اللغة أقوال: منها: أن معنى {فيهن} كما يقال: زيد في القوم، أي: معهم؛ قال محمد بن السائب: {وجعل القمر فيهن نوراً} أي: معهن ضياءً لأهل الأرض. وقال ابن كيسان: جواب النحويين في ذلك: أنه إذا جعل النور في إحداهن فقد جعله فيهن كما يقال: أعطني الثياب المعلمة، وإن لم يعلم منها إلا [واحداً] . وقال غيره: إنما قال {فيهن} كما يقال: في هذه الدور وليمة وهي في واحدة منهن، وكما يقال: قدم فلان شهر كذا، وإنما قدم في يوم منه، فكذلك أخبر الله تعالى أن القمر في

فصل: (أطفال الأنبياء والمؤمنين)

السموات، وإن كان في واحدة منهن. 140- وقال تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها} أي: إلى موضع قرارها فيه، والمعنى: إنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع فلا تجاوزه، وذلك أنها لا تزال تتقدم كل ليلة حتى تنتهي إلى أبعد منازلها، ثم ترجع {والقمر قدرناه منازل} [لنقصانه] بعد تمامه واستوائه {حتى عاد كالعرجون} وهو العذق من النخلة {القديم} اليابس، يعني: في انحنائه وتقويسه {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل} أي: لا الشمس يصلح لها إدراك القمر فيذهب ضوءها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهاراً، {ولا الليل سابق النهار} أي: ولا الليل بفائت النهار حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها ليلاً: {وكل في فلك يسبحون} يعني: الشمس، والقمر، والليل، والنهار في فلك يجرون. فصل: (أطفال الأنبياء والمؤمنين) 141- ومن قولهم: إن أطفال الأنبياء وجميع المؤمنين في الجنة.

قال الله تعالى: {والذين آمنوا [واتبعتهم ذريتهم] بإيمان} يعني: الكبار الذين بلغوا التكليف: {ألحقنا بهم ذريتهم} يعني: الصغار الذين لم يبلغوا التكليف. قال ابن عباس، والضحاك وغيرهما. وقال تعالى: {إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون} . قال علي رضي الله عنه: هم أطفال المسلمين. ويدل على صحة ذلك سؤالهم المجرمين عن {ما سلككم في سقر} لأن كل من دخل الجنة ممن بلغ حد التكليف، ولزمه فرض الأمر والنهي قد علم أن أحداً لا يعاقب إلا على المعصية.

فصل: (أطفال الكفار)

فصل: (أطفال الكفار) 142- فأما أطفال المشركين: فاختلفت الآثار فيهم. فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أنس عنه: {أنهم خدم أهل الجنة)) . وعن أنس أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عفي لي عن أطفال المسلمين، وجعل أطفال المشركين خدماً لأهل الجنة)) . 143- وجاء عنه أنه قال: ((النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة،

والوءد في الجنة)) . وجاء عنه: أنه سئل عن امرأة وأدت في الجاهلية وماتت فقال: ((هي وما وأدت في النار)) .

وجاء عنه أنه قال: ((هم مع آبائهم)) .

144- وجاء عنه أنه قال: ((وأربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم أبكم، ورجل هلك في الفترة، ورجل معتوه، والمولود. فيقول الأصم: يا رب لقد جاء الإسلامي والصبيان يلعبون بي. ويقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب ولا رسول، ثم تلا: {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله} إلى آخر الآية. ويقول المعتوه: لم تجعل لي عقلاً. ويقول الطفل: يا رب لم أدرك العقل. فيقول الله: إني آمركم بأمر أفتطيعوني؟ فيقولون: نعم وعزتك يا رب. فيقول: اذهبوا فادخلوا النار. قال: ولو دخلوها ما ضرتهم، فيذهبون ثم يرجعون، فيؤمرون إلى الثالثة. فيقول الرب سبحانه: قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون، وعلى علمي خلقتكم، وإلى علمي تصيرون: ضميهم، فتأخذهم النار. وجاء: أن هؤلاء تؤجج لهم نار فيقال لهم: اقتحموها فمن اقتحمها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن أبى وجبت عليه الحجة)) .

145- وقال بعض العلماء: منهم شقي وسعيد، وهم في مشيئة الله عز وجل يفعل فيهم ما يشاء. واحتج من قال إنهم في النار مع آبائهم بقوله تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً. إنك إن تذرهم} الآية. والقول الأول أصح إسناداً وأولى. 146- وقد احتج بعض العلماء بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه)) .

والفطرة: هي الإسلام، بدليل قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} . وقيل: ((الفطرة)) العهد والميثاق الذي أخذ عليهم حين فطروا. ومعنى قوله: ((يهودانه وينصرانه)) أي: يحكمان له بحكمهما. وقيل: يدعوانه إلى ما هما عليه من اليهودية والنصرانية. وقيل: يعلمانه ذلك، ويربيانه عليه. وقال آخرون: ليسوا مع آبائهم؟ لأنهم ماتوا على الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، ولم ينقضوه، وهو قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} الآية. واستدل آخرون على أنهم في الجنة بقوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} [قال: فكيف تعذب أطفال المشركين وهم لا ذنب لهم؟ تعالى الله أن يفعل ما ذم من أفعال الآدميين، واحتجوا أيضاً بما رواه عكرمة عن ابن عباس أنه قال: أطفال المشركين في الجنة، فمن زعم أنهم في النار فقد كذب بقول الله تعالى: {وإذا الموءودة

فصل: (في الجن)

سئلت بأي ذنب قتلت} ] . فصل: (في الجن) 148- ومن قولهم: إن الجن موجودون، وباقون إلى يوم الحشر، وأن منهم المؤمن، والكافر، وأن مؤمنيهم يدخلون الجنة، وكافريهم يدخلون النار، وحكمهم في ذلك حكم الإنس، وأنهم مكلفون، ومأمورون، ومنهيون، وأنهم أجسام مؤلفة، وأشخاص وجثث، وأنهم يرون ما هم عليه من التمثل، والتخيل، والتصور الذي ينقلهم الله إليه دون أن يقدروا، وأن بعضهم يرى بعضاً على حقائق ما هم عليه، وأن الشياطين منهم: وهم المردة، يسلكون الإنسان ويصرعونه، ويكون منهم مس له، وأن جميعهم في الدنيا

يأكل، ويشرب، وينعم، ويألم، ويتناكح كالإنسان سواء. صحت بذلك الأخبار، وثبتت به الآثار، وجاءت به نصوص القرآن. 149- قال الله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس} ، وقال مخبراً عنهم: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} إلى قوله: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً} وقال عنهم: {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به} الآية. وقال إخباراً عن سليمان عليه السلام: {ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه} الآية. 150- فلما كانوا داخلين في الوعيد مع الإنس بظاهر النص، صح أيضاً أنهم داخلون في [الوعد] معهم، من حيث كانوا مكلفين. وقال تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} إلى آخر الآيات، وقال تعالى:

{ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} ، وقال مجاهد: لمحاسبون. يعني: الجن. 151- وقال عز وجل في سورة الرحمن: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} ، ثم قال بعد ذلك: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} ، [ثم قال: {هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون} يعني: مجرمي الجن والإنس] ، ثم قال: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} ؛ والطمث: الوطء بالتدمية. قال بعض العلماء: هذا يدل على أن للمؤمنين من الجن أزواجاً من الحور. وقال أرطأة بن المنذر: سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن من ثواب؟ قال: نعم. ثم نزع بهذه الآية {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} فالإنسيات للإنس، والجنيات للجن. 152- وقال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني} يعني: إبليس. وقال

{يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} الآية، وقال تعالى مخبراً عنهم: {ولو إلى قومهم منذرين} ، فدل على أنهم مكلفون، ومنذرون. قال مجاهد: الرسل من الإنس، والنذر من الجن. وقال صلى الله عليه وسلم: ((بعثت إلى الأسود والأحمر)) ، قيل يعني: الإنس والجن. 153- وقال عز وجل: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} . وقال صلى الله عليه وسلم: ((الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)) ، ونهى عن الأكل والشرب بالشمال قال: ((لأن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله)) .

154- وحدثنا محمد بن أشعث الأموي، أن [مسلمة] بن القاسم حدثهم قال: أحمد بن سالم قال: سمعت سهل بن عبد الله يقول: مؤمنوا الجن في صحاري الجنة، وأطرافها كما هم في الدنيا في صحاريها وأطرافها، فيرونهم أهل الجنة، ولا يرون هم أهل الجنة.

فصل: (في السحر)

فصل: (في السحر) 155- ومن قولهم: إن السحر حق، وهو إيهام وتخييل على ما أخبر به تعالى عن السحرة في قوله: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} ، وقال مخبراً عنهم: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} . وقال: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} إلى قوله: {إلا بإذن الله} فهذا نص منه تعالى على إثبات السحر، وأن علمه يفرق بين المرء وزوجه، وأنه ضار للمسحور، غير أنه لا يضر أحداً إلا بإذن الله، أي: بحكم الله وقضائه، وقدره، وفعله تعالى: الضرر عند فعل الساحر. وقال صلى الله عليه وسلم: ((السحر حق)) يريد: أنه كائن موجود لا أنه صواب وحسن.

فصل: (في أخبار الآحاد)

فصل: (في أخبار الآحاد) 156- ومن قولهم: إن من تمام السنة وكمالها قبول خبر الواحد، والاستمساك به، والعمل بموجبه من الصحابة من الرجال، والنساء، إذا حدث به الثقة المعروف عن مثله إلى أن يتصل الإسناد بالصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك إذا لم يعارضه خبر مثله، ولا نسخه أثر، ولا اتفق الجميع على ترك استعماله. 157- قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} ، فدل هذا على أن العدل لا تثبت في خبره، إذ لو كان الفاسق والعدل سواء، لم يكن لتخصيص الفاسق بالذكر فائدة.

فصل: (في الإيمان بالرسل)

وقد عملت الصحابة في القبلة بخبر الواحد، وتحريم المسكر وغير ذلك، وكذلك من بعدهم من التابعين والخالفين. فصل: (في الإيمان بالرسل) 158- ومن قولهم: إن الله سبحانه قد احتج على عباده برسله، والسفراء بينه وبين خلقه، وقطع عذر العباد في الدلالة على صدقهم بما آتاهم من الآيات، وقاهر المعجزات، وتتابع الرسل، وأنزل عليهم الكتاب، وشرع الشرائع، وفرض الفرائض، وختم النبوة برسالة محمد أمينه وصفيه، خاتم النبيين كما قال عز وجل: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} ، وقال: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} ، وقال: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} .

159- وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا نبي بعدي)) ، فجعله تبارك وتعالى آخر المرسلين، وفضله على العالمين، وجعل كتابه ودينه مهيمناً على جميع الكتب، والأديان، وأمته خير الأمم، كما قال جل ثناؤه: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وجعلت أمتي خير الأمم)) ، وخير القرون قرنه الذي بعث فيهم، وأفضل أمته الذين شاهدوه، وصدقوه، ونصروه، وأخذوا عنه، وتلقوا الخطاب منه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال صلى الله عليه وسلم في أصحابه: ((لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا [نصيفه] )) .

فصل: (في الموقف من الصحابة)

فصل: (في الموقف من الصحابة) 160- ومن قولهم: أن يحسن القول في السادات الكرام، أصحاب محمد عليه السلام، وأن تذكر فضائلهم، وتنشر محاسنهم، ويمسك عما سوى ذلك مما شجر بينهم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)) يعني: إذا ذكروا بغير الجميل، ولقوله: ((الله الله في أصحابي)) ، ويجب أن يلتمس لهم أحسن المخارج، وأجمل المذاهب، لمكانهم من

الإسلام، وموضعهم من الدين والإيمان، وأنهم أهل الرأي والاجتهاد، وأنصح الناس للعباد، وهم ممن قال الله تعالى فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين} ، وقد شهد لهم بالجنة في غير موضع من كتابه فقال تعالى: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم} إلى قوله: {العظيم} رحمة الله عليهم أجمعين. 161- ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم)) يريد القائم الذي أداه اجتهاده إلى القعود فقام، وقد قال صلى الله عليه وسلم وهم بالحضرة: ((ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تردوا على الحوض)) .

فصل: (مراتبهم في الفضل)

فصل: (مراتبهم في الفضل) 162- ومن قولهم: إن أفضل الصحابة رضوان الله عليهم: المهاجرون معه، والذابون عنه كما قال سبحانه: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية. ثم الأنصار، ثم التابعون لهم بإحسان، وقال عز وجل: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان} الآية. 163- وأفضل المهاجرين: العشرة المعدون للجنة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة والزبير، وسعد وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة ابن الجراح. وأفضل هؤلاء العشرة الأئمة الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي رضوان الله عليهم. وأفضل الأربعة: أبو بكر، ثم عمر ثم عثمان ثم علي رحمة الله عليهم أجمعين. فصل: (في الإمامة) 164- ومن قولهم: إن الإمامة في قريش مقصورة عليهم دون غيرهم من سائر العرب، والعجم، لقول صلى الله عليه وسلم: ((الأئمة من قريش)) . ((ولا يزال هذا الأمر في قريش

ما بقي من الناس اثنان)) . ولإجماع المسلمين بعده صلى الله عليه وسلم على أن ولوا قريشاً. 165- وإقامة الإمام مع القدرة والإمكان: فرض على الأمة لا يسعهم جهله، والتخلف عنه، وإقامته إلى أهل الحل والعقد من الأمة دون النص من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض

إقامته من فروض الكفاية، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين كفرض الجهاد، والصلاة على الجنائز، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجمع القرآن، ونحو ذلك، وواجب الانقياد للأئمة، والسمع والطاعة لهم في العسر، واليسر، والمنشط، والمكره، وإعظامهم، وتوقيرهم، وكذا طاعة خلفائهم، والنائبين عنهم من الأمراء، والقضاة، والحكام، والعمال، والسعاة، وجباة الخراج، والأموال، وسائر من استخلفوه في شيء مما إليهم النظر فيه، ولا يجب الخروج عليه، والمشاقة لهم، وذا مجمع عليه في الإمام العادل المستقيم. 166- فأما العادل عن ذلك منهم بظلم وجور، وتعطيل حد، وإصابة ذنب فإنه يجب وعظه، وإذكاره بالله تعالى، ودعاؤه إلى طاعته، ومراجعته في إقامة الحق، وبسط العدل

والقسط، ويلزم ترك طاعته فيما هو عاص فيه من ظلم، وجور، وعصيان، وبدعة، ولا يجب بهذه الأمور خلعه، ولا الخروج عليه. 167- والطاعة لبرهم وفاجرهم لازمة في ثمانية أشياء وهي: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والمكيال، والميزان، والأحكام، فمن نازعهم فيها من غيرهم، وادعى الإمامة فقتاله واجب، ومشاقته لازمة، ولا تجوز الصلاة خلفه، ولا أداء الزكاة إليه، ولا الحج، ولا الجهاد معه ولا يجوز إنكاحه ولا إحكامه، بل كل ذلك مفسوخ مردود، وإن عدل فيه، ولا يقبل الله صرفه ولا عدله، ولا ممن أعانه على ذلك، وهذا متفق عليه.

فصل: (في أشراط الساعة)

فصل: (في أشراط الساعة) 168- ومن قولهم: إن الإيمان واجب بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت بالنقل الصحيح، وتداول حمله المسلمون من ذكر وعيد الآخرة، وذكر الطوام، وأشراط الساعة، وعلاماتها، واقترابها، فمن ذلك: خروج الكذاب الأعور الدجال، وفتنته، وأن له جنة وناراً، فجنته نار، وناره جنة، وأن عيسى عليه السلام يقتله فيهلك ومن معه من أهل الكفر والضلال. فصل: (في نزول عيسى عليه السلام) 169- ومنه: نزول عيسى عليه السلام، وكسره الصليب، وقتله الخنزير، والدجال، وتقع الأمنة في الأرض، وتكون الدعوة لله رب العالمين. وقال عز من قائل: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته} يعني: قبل موت عيسى عليه السلام إذا نزل، وقال: {وإنه لعلمٌ للساعة} ، يعني: عيسى عليه السلام. فصل: (في يأجوج ومأجوج) 170- ومنه: خروج يأجوج ومأجوج، وهما ذرء جهنم، قال الله تعالى: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق}

فصل: (في صفة الدابة)

فيخرجون [فينشغون] المياه وتتحصن الناس منهم، ثم يبعث الله عليهم النغف، وهي: دود في أقفائهم، فيقتلهم بها، فتنتن الأرض من جيافهم. فصل: (في صفة الدابة) 171- ومنه: خروج الدابة، تخرج من الصفا بمكة، وتكلم الناس بلسان عربي مبين، قال عز من قائل: {وإذا وقع القول عليهم} أي: وجب الغضب عليهم: {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم} الآية. وقال ابن عباس: هي دابة ذات زغب وريش لها أربع قوائم، تخرج من بعض أودية تهامة.

فصل: (في طلوع الشمس من مغربها)

فصل: (في طلوع الشمس من مغربها) 172- ومنه: طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت أغلق باب التوبة. قال عز من قائل: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها} الآية. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا [أجمعون] وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً)) فصل: (في خروج النار) 173- ومنه: خروج النار من أرض الحجاز، فتسوق الناس إلى محشرهم قبل يوم القيامة على ما صح الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

174- وأخبرنا أحمد بن فراس المكي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد، قال: حدثني جدي، قال: حدثني سفيان بن عيينة، عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة فقال: ((ماذا تذكرون؟. قلنا: نتذاكر الساعة. قال: فإنها لا تقوم حتى يكون قبلها عشر آيات: الدجال، والدخان، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى بن مريم علي السلام، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من

فصل: (جامع من أصول الديانة، ومعالم الشريعة)

أرض اليمن تطرد الناس إلى محشرهم)) . قال محمد: وحدثنا به سفيان مرة أخرى فقال سفيان: لا أدري بأيها بدأ. فصل: (جامع من أصول الديانة، ومعالم الشريعة) 175- والأعمال كلها بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) . فمن فعل شيئاً مما أمر به أو نهي عنه غير مختار لفعله، ولا مريد له، ولا قاصد: فأدى به الفرض لم يجزه، وكان حكمه كحكم من لم يفعل شيئاً، ومن نوى طاعة أو خيرا: فله

أجر، فإن عملها كانت له عشراً، ويضاعف الله لمن يشاء، ومن نوى معصية من أعمال الجوارج مثل شرب، أو زنى، أو سرقة، أو شبه ذلك مما يفعل بالجوارح، ولم يعملها لم تكتب له، فإن عملها كتبت عليه واحدة. 176- قال الله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} الآية، وهذه الآية للمؤمنين. والسيئة فيها الأعمال السيئة إلا الشرك، ومن نوى معصية من أعمال القلب التي لا تعمل بالجوارح مثل الشرك أو اعتقاد بدعة، أو حل عقد من عقود الإيمان المتقدم ذكرها كتب عليه، لأنه ليس بعمل جارحة غير القلب. قال الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} . 177- ومن ترك الصلاة، أو الزكاة، أو الصيام، أو ما افترض عليه مما أقر بفرضه فتركه بعد الإقرار جاحداً له فهو كافر، وإن أقر بفرضه وامتنع من فعله أخذ بذلك حتى يفعله، فإن امتنع حورب عليه، وإن أقر بفرضه، وذكر أنه قد فعله دين في ذلك، وكان الله حسيبه.

178- والأشياء قبل الشريعة لا يقال لها: محللة، ولا محرمة، ولا مباحة، إذ لا حلال إلا من محلل، ولا حرام إلا من محرم، ولا مباح إلا من مبيح، ولكنها مسكوت عنها، وما سكت عنه فلنا فعله، ما لم يحرم. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} الآية. فزجر عن المسألة عن تحريم ما لم يرد النص بتحريمه، وأكد ذلك بالمنع من المسألة عنه خوف تحريمه. 179- والقلم مرفوع عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المغلوب حتى يعقل؛ والخطأ والنسيان، وما هم به العبد ولم يعمله موضوع، إلا في حال أوجبه كتاب أو سنة، أو إجماع. 180- ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا نذر فيها، ولا شرط، وإنما الطاعة في المعروف لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا طاعة لأحد في معصية الله الخالق)) . وقوله: ((إنما الطاعة في المعروف. 181- ومن رد حرفاً من كتاب الله تعالى بعد علمه به، أو جحده، أو رد شيئاً من قول

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صح عنده، فخالف عناداً فهو كافر. وكتاب الله تعالى هو القرآن المرسوم في المصحف، المجمع عليه، الذي جمعه عثمان رحمه الله، واتفقت عليه الأمة، وهو مائة سورة، وأربع عشرة سورة، فمن زاد فيه أو نقص، أو تكلم في تغيير شيء منه: فهو ضال، مضل، كافر، مبطل. 182- والأخبار من الله تعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وسلم لا [تناسخ] . والقرآن ينسخ بعضه بعضاً في باب الأمر والنهي دون الأخبار، والسنة تبين القرآن، ولا تنسخه، والقرآن قد ينسخ السنة في مواضع، والسنة ينسخ بعضها بعضاً. 183- والكتاب والسنة على ظاهرهما، وعمومهما إلا ما خصه الرسول صلى الله عليه وسلم ببيان أو خبر، أو فسر مشكلة، أو أعلم بمنسوخه، أو وقف على ناسخه، أو قام الدليل على ذلك من سنة أو إجماع، فإذا أعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، أو علم من إحدى هذه الجهات التي تقوم بها

الحجة، لم يرد عام منه إلى خاص، ولا خاص منه إلى عام. 184- قال الله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} ، وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ، وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} ، وقال: {ولا تقف ما ليس لك به علم} ، وقال: {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} ، فإذا قضى الله أمراً، أو قاله، أو أمر به قلنا: سمعنا وأطعنا، وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، أو أمر به، أو نهى عنه وجب أمره ونهيه، لقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} قلنا: آمنا، واتبعنا الرسول، فإذا أجمع المسلمون على شيء فإجماعهم حجة، وهو الهدى الذي لا يجب أن يتبع غيره، لأنه سبيل المؤمنين، قال الله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} الآية. وإذا اختلفوا وجب الرجوع إلى كتاب الله تعالى، كما أمرنا الله في قوله: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} يعني: تبيينه في كتابه، أو لسان نبيه، أو بإجماع المسلمين. 185- والإجماع حجة ولا يلحقه خطأ، ولا يحل به آفة، وهو ما لا جائز أن يكون فيه

خلاف، ولا يصح أن يكون من طريق الرأي، والمخالف بعد حجة الإجماع شاذ، والشاذ: هو الذي يكون مع الجماعة، ثم يخالفها، ويشذ عنها. وإذا اختلف قولان متضادان: بطل أحدهما، وصح الآخر. والأشياء على إباحتها إلا ما حظره كتاب، أو سنة، أو إجماع. 186- وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به واحداً أو أكثر فهو أمر للجميع، إلا أن يخبر صلى الله عليه وسلم أنه له خاص، أو تتفق الأمة على ذلك. 187- وإذا تعارضت الأخبار، لم توجب عملاً، ووجب الوقوف، وتعارضها تنافيها، ومنع كل واحد من الخبرين العمل بصاحبه، وغير جائز إذا تعارضت، إلا أن تكون في وقتين

، فإذا علم الوقت الآخر كان للأول ناسخاً، أو يكون في أحدهما بيان ينسخ الآخر، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((كنت نهيتكم عن لحوم الضحايا فكلوا وادخروا)) . أو كقوله: صلى الله عليه وسلم: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) . وإن لم يعلم الأول من الآخر، ولا ناسخها من منسوخها، ولا كان في أحدهما، أو غيره ما يدل على ذلك فقد تعارضت. 188- وقال محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: إذا أمكن استعمالهما عمل بهما [وسواء] نقل الخبر واحد عدل، ونقل الآخر جماعة عدول، فإن الواحد يعارض الجماعة إذا كان ثقة غير مخطئ، إلا أن يتفق على خطئه، والحق في واحد لا يكون فيه، وفي ضده.

189- والتقليد غير واجب إلا لمن أمر، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا أجمعوا، فإذا أمر صلى الله عليه وسلم بشيء وجب علينا طاعته في أمره، ونهيه، وإذا فعل شيئاً فلم يأمر به، ولم ينه عنه، فلنا القدوة به، إلا ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خاص له دون غيره، فإذا اجتمعت الصحابة وجب قبولهم، وإذا اختلفوا في حلال وحرام، فغير جائز الخروج عن أقاويلهم، ليس لأحد خلافهم، وله الاقتداء ببعضهم دون بعض. 190- وكل ما قاله الله تعالى، فعلى الحقيقة، لا على المجاز، إلا أن تتفق الأمة على أن شيئاً منه على المجاز كقوله تعالى: {واسأل القرية} يريد أهلها. فأما قوله: {وكلم الله موسى تكليما} ، وقوله: {وإذ قال ربك للملائكة} {وقلنا يا آدم} وشبه ذلك فعلى الحقيقة، لا على المجاز. 191- ولا تحمل صفات الله تعالى على العقول والمقاييس، ولا يوصف إلا بما وصف به

نفسه أو وصفه به نبيه، أو أجمعت الأمة عليه. والدعوة من الله تعالى عامة حجة له، والمنة خاصة. قال الله تعالى: {والله يدعو إلى دار السلام} الآية. 192- والخلق عاجزون غير مستطيعين إلا شيئاً قدره الله تعالى. والاستطاعة مع الفعل لا قبله، بدليل أنها سبب له، يوجد الفعل بوجودها، ويعدم بعدمها، والكل عاجزون عن طاعته إلا بتوفيقه، وغير قادرين على معصيته إلا بتقديره. 193- وطلب المكاسب على جهاتها حلال، مباح، واسع، قال عز من قائل: {وابتغوا من فضل الله} . وقال صلى الله عليه وسلم: ((أجملوا في الطلب)) .

وأكل الحلال فريضة لقوله عز وجل: {كلوا من الطيبات} ، وتجنب الشبهات، واتقاؤها من كمال الورع، وفي ذلك السلامة من الحرام لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من اتقى الشبهات استبرأ [لدينه وعرضه] ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) . والحلال موجود، غير معدوم، قال الله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} ، وقال: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} الآية. قال: التجارة رزق من رزق الله، وحلال من حلال الله تعالى، ولو كان الحلال معدوماً على ما يزعمه بعض المعتزلة؛ لصار الحرام مباحاً للضرورة إليه. 194- وكل شراب من عنب، أو زبيب، أو تمر، أو تين، أو عسل، أو حنطة أسكر كثيره فقليله حرام لقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن البتع –وهو شراب يصنع من العسل-: ((كل شراب أسكر كثيره فهو حرام)) . وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم

فصل: (في ذم أهل البدع ومذهبهم)

عنه فانتهوا} ، وقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} الآية. 195- والمسح على الخفين في السفر، والحضر سنة لازمة، لصحة الآثار بذلك، وجرى العمل به في كل عصر وأوان. 196- والإمساك في الفتنة سنة ماضية، ومن ابتلي بشيء منها فليقدم نفسه وماله دون دينه، ولا يعين فيها بيد، ولا لسان، ولا هوى، وليلزم جماعة المسلمين، وقتال الفئة الباغية –وهم الذين يخالفون الإمام العادل- واجب على المسلمين. فصل: (في ذم أهل البدع ومذهبهم) 197- حدثنا سلمة بن [سعيد] الإمام، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا محمد

ابن الليث الجوهري، قال: نا أبو هشام الرفاعي، قال: نا أبو بكر بن عياش، قال: نا أبو حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) . 198- حدثنا سلمة بن سعيد، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا إبراهيم بن موسى الجوزي قال: نا داود بن رشيد، قال: نا الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد

، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر الكلاعي، عن العرباض بن سارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) .

199- حدثنا سلمة بن سعيد، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا الفريابي، قال: نا الحسن بن علي الحلواني، قال: سمعت مطرف بن عبد الله، يقول: سمعت مالك ابن أنس، يقول: -إذا ذكر عنده أبو حنيفة والزائغون في الدين- يقول: قال عمر ابن عبد العزيز رحمه الله: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمور بعده سنناً، الأخذ بها اتباع لكتاب الله عز وجل، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله عز وجل، ليس لأحد من الخلق تغييرها، ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتدي، ومن

استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً. 200- حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن بدر القاضي، قال: نا الحسين بن محمد ابن داود، قال: نا محمد بن هشام بن أبي خيرة، قال: نا المعتمر بن سليمان،

قال: نا أبو سفيان سليمان المدني، عن [عبد الله] بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجمع الله أمتي –أو هذه الأمة- على ضلالة أبداً، ويد الله على الجماعة، هكذا اتبعوا السواد الأعظم فإن من شذ شذ في النار)) .

201- حدثنا محمد بن عبد الله المري، قال: نا وهب بن [مسرةٍ، قال: نا محمد ابن وضاح، قال: نا موسى بن معاوية، قال: نا ابن مهدي، قال: نا معاذ ابن معاذ، عن عبد الله بن عون، أن محمد بن سيرين كان يرى أن هذه الآية نزلت في أصحاب الأهواء: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} . 202- حدثنا سلمة بن سعيد، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا أبو علي الحسين بن عبد الله الخرقي، قال: نا أبو عمر الدوري، حفص بن عمر الضرير، قال: نا علي بن قدامة،

عن المجاشع بن عمرو، عن ميسرة، عن عبد الكريم الجزري، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس في قول الله عز وجل: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} : فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والأهواء. 203- حدثنا محمد بن عيسى المالكي، قال: نا إسحاق بن إبراهيم، قال: نا محمد ابن عمر بن لبابة، قال: نا محمد بن أحمد العتبي، عن سحنون، عن

ابن القاسم، قال: قال مالك: ما آية في كتاب الله عز وجل أشد على أهل الأهواء من هذه الآية: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب ما كنتم تكفرون} قال مالك: فأي كلام أبين من هذا؟ قال ابن القاسم: وقال لي مالك: إنما هذه الآية لأهل القبلة. 204- حدثنا عبد الرحمن بن [عفان] القشيري، قال: نا أحمد بن ثابت، قال: نا سعيد بن عثمان، قال: نا نصر بن مروزق، قال: نا علي بن معبد، قال: نا

عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف. 205- حدثنا أحمد بن إبراهيم المكي، قال: نا محمد بن إبراهيم، قال: نا سعيد ابن عبد الرحمن، قال: نا سفيان بن عيينة في قوله: {وكذلك نجزي المفترين} قال: صاحب كل بدعة ذليل.

206- حدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا وهب بن مسرة، قال: نا ابن وضاح، قال: نا موسى بن معاوية، قال: ابن مهدي، قال: نا حماد بن زيد، عن عمرو ابن مالك، عن أبي الجوزاء قال: لأن يجاورني في داري هذه قردة وخنازير، أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء، ولقد دخلوا في هذه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم} الآية. 207- حدثنا عبد الرحمن بن عثمان القشيري، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا أبو بكر بن أبي خيثمة، قال: نا أحمد بن يونس، قال:

نا شريك، عن أمي، عن الشعبي، قال: إنما سموا أصحاب الأهواء لأنهم يهوون في النار. 208- حدثنا عبد الرحمن بن عثمان، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا أحمد ابن زهير، قال: نا هارون بن معروف، قال: نا ضمرة، عن ابن شوذب، عن كثير أبي سهل قال: يقال أهل الأهواء لا حرمة لهم.

209- حدثنا ابن عفان، قال: نا قاسم، قال: نا أحمد بن خيثمة، قال: نا هدبة ابن خالد، قال: نا حزم بن أبي حزم، قال: نا عاصم الأحول، قال: قتادة: يا أحول إن الرجل إذا ابتدع بدعة ينبغي لها أن تذكر حتى تحذر. 210- حدثنا عبد الرحمن بن خالد، قال: نا علي بن محمد بن زيد، قال: نا محمد ابن عبد الله بن سليمان، قال: نا أحمد بن كثير، قال: نا بقية بن الوليد، عن إبراهيم بن كثير صاحب الأوزاعي، قال: نا الوليد بن يزيد، قال: سمعت الحسن

يقول: كل [صاحب] بدعة حروري. 211- حدثنا سلمة بن سعيد، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا الفريابي، قال: نا إبراهيم بن عثمان المصيصي، قال: نا مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن الحسن قال: كل صاحب بدعة لا تقبل له صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا عمرة، ولا جهاد، ولا صرف، ولا عدل. 212- حدثنا محمد بن أبي محمد المري، نا إسحاق بن إبراهيم، قال: نا أسلم

ابن عبد العزيز قال: نا يونس بن عبد الأعلى، قال: نا ابن وهب، قال: سمعت مالكاً يقول: كان ذلك الرجل إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما أنا فعلى بينة من ربي، وأما أنت فشاك، فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه. 213- حدثنا يوسف بن أيوب التجيبي، قال: نا الحسن بن [رشيق] ، نا العباس بن محمد، قال: نا أبو عاصم، قال: نا الفريابي، قال: نا سفيان،

عن زمعة بن صالح، عن عثمان بن حاضر، قال: قال ابن عباس كان يقال: عليك بالاستقامة والأثر، وإياك والتبدع. 214- حدثنا عبد الرحمن بن عفان، قال: نا قاسم بن أصبغ، نا أحمد بن زهير، قال: نا عبيد الله بن عمر، قال: نا أزهر، عن ابن [عون] ، عن محمد قال: كانوا يرون أنهم على الطريق ما كانوا على الأثر.

215- حدثنا محمد بن أبي زمنين، قال: نا وهب بن مسرة، قال: نا ابن وضاح، قال: نا الصمادحي، قال: نا ابن مهدي، قال: نا [مبارك] بن فضالة، عن الحسن أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عمل قليل في سنةٍ، خير من عمل كثير في بدعة)) . قال ابن مهدي: وحدثني منصور بن [سعد] ، قال: سمعت الحسن يحدث

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رغب عن سنتي فليس مني)) . 216- حدثنا عبد الرحمن بن عثمان، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا أحمد بن زهير، قال: نا يعقوب بن كعب الأنطاكي، قال: نا الوليد بن مسلم، عن [مروان] بن سالم، قال: نا الأحوص بن حكيم، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يكون في أمتي رجل يقال له غيلان هو أضر على أمتي من إبليس)) .

217- حدثنا يوسف بن أيوب التجيبي، قال: نا الحسن بن رشيق، قال: نا العباس ابن محمد، قال: نا أبو عاصم الفزاري، قال: نا الفريابي، قال: نا سفيان، عن عمر مولى [غفرة] ، عن رجل من الأنصار، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشيعوا جنائزهم، هم [شيعة] الدجال، وحق على الله أن يلحقهم بالدجال)) .

218- حدثنا عبد الرحمن بن خالد، قال: نا يوسف بن يعقوب، قال: نا سهل ابن نوح، قال: نا الحسن بن عرفة، قال: نا الحسين بن خالد، عن عبد الصمد ابن عبد الله، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا ابن عباس لعلك أن تبقى بعدي فتلقى قوماً يكذبون بقدر الله عز وجل،

اشتقوا كلامهم ذلك من النصرانية، فإن رأيت أحداً منهم فابرأ إلى الله تعالى منهم، فإني بريء منهم)) . قال: وكان ابن عباس رحمه الله إذا رأى أحداً منهم رفع يديه، ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك منهم كما أمرني نبيك صلى الله عليه وسلم. 219- حدثنا محمد بن عيسى، قال: نا إسحاق بن إبراهيم، نا أسلم بن عبد العزيز، قال: [نا يونس بن عبد الأعلى] ، قال: نا ابن وهب، قال: نا عمر بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن [عمر] ، وذكر الحرورية فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية)) .

220- حدثنا عبد الرحمن بن عثمان، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا أحمد بن زهير، قال: نا أبي، قال: نا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن الأعمش، عن عبد الله ابن أبي أوفى قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الخوارج هم كلاب النار)) . 221- حدثنا سلمون بن داود، قال: نا حمزة بن محمد، قال: نا محمد ابن عبد الرحمن بن موسى، قال: نا عمي، قال: نا يحيى، قال: نا فضيل

ابن مرزوق، عن أبي جناب الكلبي، عن أبي سليمان الهمداني، عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلك على عمل إن عملته كنت من أهل الجنة؟ إنه سيكون بعدنا قوم ينتحلون حبنا، مارقة يكذبون علينا، وآية ذلك [أنهم] يسبون أبا بكر وعمر)) . 222- حدثنا سلمة بن سعيد، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا أحمد بن يحيى، قال: نا سويد بن سعيد، قال: نا شهاب بن خراش، عن محمد بن زياد،

عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث الله نبياً قبلي فاستجمعت له أمة إلا كان فيهم مرجئة وقدرية يشوشون أمر أمته من بعده، ألا وإن الله تبارك وتعالى لعن المرجئة والقدرية على لسان سبعين نبياً أنا آخرهم)) . 223- حدثنا علي بن محمد الربعي، قال: نا عبد الله بن مسرور، قال: نا عيسى بن مسكين

، قال: نا محمد بن عبد الله بن [سنجر] ، قال: نا عمر بن حفص، قال: نا أبي، عن الحجاج، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضلت أمة قط إلا أعطوا الجدال)) .

224- حدثنا ابن سلمة قال: نا محمد، قال: نا عبد الله بن محمد البغوي، قال: نا يعقوب بن إبراهيم، قال: سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول: سمعت ابن المبارك يقول: إنا نستطيع أن نحكي كلام اليهود، والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.

225- حدثنا ابن سلمة، قال: نا محمد، قال: نا هارون بن يوسف، قال: نا الحسن بن عيسى بن ماسرجس، قال: سمعت ابن المبارك يقول: الجهمية كفار. 226- حدثنا ابن عفان، قال: نا قاسم، قال: نا أحمد بن أبي خيثمة، قال: نا إسماعيل بن أبي كريمة، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: لعن الله جهماً، ومن قال بقوله، كان كافراً جاحداً!

227- حدثنا ابن سلمة، قال: نا محمد، قال: نا أبو بكر بن أبي داود، قال: نا المسيب بن واضح، قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: أصول البدع أربعة الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، ثم تتشعب كل فرقة على ثماني عشرة طائفة، فتلك اثنتان وسبعون فرقة، والثالثة والسبعون الجماعة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها الناجية. 228- حدثنا أبو محمد خلف بن أحمد، قال: نا عمر بن الموصل، قال: نا حيان ابن بشر القاضي، قال: نا علي بن محمد بن أبي المضاء القاضي، قال: نا

خلف بن تميم، قال: نا عبد الله بن السري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر ابن عبد الله قال: [قال] النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا ظهرت البدع، وشتم أصحابي، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم حينئذ ككاتم ما أنزل الله)) .

229- حدثنا محمد بن عبد الله، قال: نا وهب بن مسرة، قال: حدثنا ابن وضاح، عن أبي جعفر هارون بن سعيد الأيلي قال: قال مالك: ليس لمن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء حق. 230- حدثنا عبد الرحمن بن عثمان، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا أحمد بن زهير قال: نا صبيح بن عبد الله الفرغاني، قال: نا أبو إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي قال: كان يقال: خمس كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة،

واتباع السنة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله.

فصل: (في الواجب على ولاة الأمور من الأمراء والعلماء)

فصل: (في الواجب على ولاة الأمور من الأمراء والعلماء) 231- ومن الواجب على السلاطين، وعلى العلماء إنكار البدع والضلالات، وإظهار [الحجج] ، وبيان الدلائل من الكتاب والسنة، وحجة العقل، حتى يقطع عذرهم، وتبطل شبههم، وتمويهاتهم، ثم يؤخذون بالرجوع إلى الحق، وترك ما هم عليه من الباطل؛ فإن رجعوا وتركوا ذلك، وأظهروا التوبة منه، وإلا أذلهم السلطان، وعاقبهم بما يؤدي الاجتهاد إليه على قدر بدعهم، وضلالاتهم، ومن استحق منهم الاستتابة استتابه، ومن وجب عليه القتل بعد الاستتابة قتله؛ فإن اجتمعوا وقاتلوا على ذلك، ونصبوا حرفاً،

وحموا داراً حاربهم السلطان بالسيف، فما دونه إلى أن يرجعوا عن ذلك، ويتمكن منهم، ويجتهد في عقوبتهم عن الامتناع عن الحق، وكذا سبيل الباغي على الإمام بالحرابة وسوء التأويل، وإخافة السبيل، وكذا سبيل كل طائفة بغت على الأخرى وبالله التوفيق. قال أبو [عمرو] : فهذا ما لا يسع أحداً جهله من الاعتقادات، وأصول الديانات، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

تمت الرسالة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ليلة الاثنين سادسة المحرم سنة 1057 ببنان الحقير محمد الخزرجي البلباني الحنبلي عفي عنه.

§1/1