الرد على من قال بفناء الجنة والنار

ابن تيمية

بيانات الكتاب عنوان الكتاب: الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبيان الأقوال في ذلك تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (728هـ) دراسة وتحقيق: محمد بن عبد الله السمهري الناشر: دار بلنسية الرياض الطبعة: الأولى1415هـ - 1995م عدد المجلدات: [1] مصدر الكتاب: موقع المكتبة الرقمية (*) تم الحفاظ على ترتيب الصفحات اعتنى به أسامة بن الزهراء - عفا الله عنه - عضو في ملتقى أهل الحديث

مقدمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المحقق: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ... فقد شاع واشتهر على ألسنة كثير من الدارسين لمسائل العقيدة القول بأن شيخ الإسلام ابن تيمية يميل إلى القول بفناء النار، وأن له في ذلك رسالة، وأن ما كتبه تلميذه العلامة ابن القيم في كتابه: "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" في الباب السابع والستين حول هذه المسألة -مسألة فناء النار - قد استقاه من كلام شيخه ابن تيمية في تلك الرسالة (¬1) . وأثناء بحثي في مخطوطات دار الكتب المصرية عثرت على نسخة خطية لرسالة مخطوطة في هذا الموضوع وقد تبيين لي - كما سيأتي - أنها هي رسالة شيخ الإسلام المشار إليها (¬2) ، وقد رغبت في تحقيقها وإخراجها وذلك لعدة أسباب أجملها فيما يلي: أولا: أن هذه الرسالة لم تنتشر حتى الآن ضمن مؤلفات الشيخ المطبوعة. ثانيا: أن هذه النسخة نادرة، مع أن بعض العلماء حرصوا على الحصول عليها، يقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: "ولقد كان أملي كبيرا أن أجد ¬

_ (¬1) انظر "ص15" من هذا البحث. (¬2) انظر "ص12".

رسالة ابن تيمية هذه مطبوعة في "مجموع الفتاوى" التي جمعها الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في خمسة وثلاثين مجلدا، ولكني - مع الأسف - لم أجد لها أثرا في شيء منها، بعد تقليبي لها كلها، والاستعانة بالفهارس التفصيلية الموضوعة لها ... " (¬1) . ثالثا: كثرة السائلين عن رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة فناء النار، فلعل في نشر هذه الرسالة إجابة لذلك. رابعا: أن خصوم شيخ الإسلام جعلوا من هذه الرسالة ذريعة للنيل منه والطعن فيه منذ عصره، وعلى رأس هؤلاء الشيخ علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 756هـ، فقد ألف رسالة بعنوان "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" (¬2) وهي رد على رسالة الشيخ التي هي موضوع البحث، وقد تحامل السبكي في هذه الرسالة في الرد على شيخ الإسلام ولم ينصفه، ثم شقت رسالته تلك طريقها إلى عالم المطبوعات، وصارت منشورة بسعي خصوم شيخ الإسلام المعاصرين ومن سار في ركابهم، فكان لابد من وضع الأمر في نصابه، كما سيأتي إن شاء الله (¬3) . خامسا: أن ندرة نسخ هذه الرسالة جعلت الآراء تتضارب في إثباتها ونفيها بالنسبة لشيخ الإسلام كما نراه في كلام الدكتور علي الحربي، في رسالة له مطبوعة متداولة (¬4) . ¬

_ (¬1) مقدمة كتاب: "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" للصنعاني تحقيق وتعليق الشيخ الألباني "ص14". (¬2) طبع هذا الكتاب بمطبعة الترقي بدمشق عام 1347هـ وتوجد منه نسخة خطبة، مكتبة جستريتي بدبلن بهلوندا ضمن مجموعة برقم 3405/6. (¬3) "19-23". (¬4) هي رسالة بعنوان: "كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار" طبع سنة 1410هـ وسيأتي مناقشة بعض ما فيها عند دراسة الكتاب إن شاء الله "ص19-25".

خطة البحث

هذا، وقد جعلت خطة البحث بعد تلك المقدمة على النحو التالي: القسم الأول: دراسة الكتاب ومنهجي في تحقيقه، والتعليق عليه، ووصف ما اعتمدت عليه من نسخ الكتاب ويشمل على المباحث التالية: 1 - المبحث الأول: تسمية الكتاب. 2 - المبحث الثاني: نسبته للمؤلف. 3 - المبحث الثالث: موقف شيخ الإسلام من مسألة فناء النار وآراء العلماء في ذلك وموقفهم من نسبة هذه المسألة إلى شيخ الإسلام. 4 - المبحث الرابع: بيان منهجي في تحقيق الكتاب والتعليق عليه. 5 - المبحث الخامس: وصف ما اعتمدت عليه من نسخ الكتاب. القسم الثاني: نص الكتاب محققا ومعلقا عليه ثم الفهارس.

القسم الأول: "دراسة الكتاب، ومنهجي في تحقيقه والتعليق عليه، ووصف ما اعتمدته في التحقيق من نسخه"

المبحث الأول: أسباب تحقيق الرسالة القسم الأول: "دراسة الكتاب، ومنهجي في تحقيقه والتعليق عليه، ووصف ما اعتمدته في التحقيق من نسخه" ويشمل عدة مباحث: المبحث الأول: تسمية الكتاب. لم أقف لهذه الرسالة على تسمية معينة من مؤلفها شيخ الإسلام ابن تيمية. نعم قال تلميذه العلامة ابن القيم: "وكنت سألت شيخ الإسلام - قدس الله روحه - فقال لي هذه مسألة عظيمة كبيرة ولم يجب فيها بشيء، فمضى على ذلك زمن، فكتب فيها مصنفه المشهور - عليه رحمة الله (¬1) ". لكن هذه ليست تسمية اصطلاحية كما ترى ... ولهذا تعدد عنوانها، فنسخة المكتب الإسلامي جاء في بدايتها ما نصه: "قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى - في رسالته في "الرد على من قال بفناء الجنة والنار" "ما نصه ... " (¬2) . وهذا العنوان يوافق ما ذكره الإمام ابن عبد الهادي حيث ذكر من مؤلفات الشيخ "قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار" (¬3) . أمَّا نسخة دار الكتب المصرية (¬4) فكتب فوق بدايتها من الجهة اليمنى ¬

_ (¬1) شفاء العليل "435". (¬2) صورة الصفحة الأولى من نسخة المكتب الإسلامي كما في مقدمة "رفع الأستار" "53". (¬3) انظر: "العقود الدرية" "67". (¬4) سيأتي التعريف بها "ص29".

للصفحة ما نصه: "فصل في فناء الجنة والنار، وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال". وذكر الثلاثة (¬1) . وهذا العنوان مطابق لمضمون الكتاب. ولكن جاء في بداية الرسالة بعد البسملة والحمدَلَة ما نصه "مسألة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار وعلى من قال (¬2) . كالفارابية وذكر اختلاف الناس". وجاء مقابل هذا الهامش الأيسر للنسخة ما نصه "حاشية" "مسألة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار وبقائها، وبيان الصواب من ذلك" ثم كتب عقب ذلك ما نصه: "هذا في نسخة". ومقتضى ذلك أن هذه الرسالة اختلفت عناوين نسخها بناء على فهم لمضمون الرسالة عند نسخها. وأما أحد خصوم الشيخ ومعاصره وهو: الشيخ علي بن عبد الكافي السُبكي المتوفى سنة 756 هجرية، فقد ألف رسالة بعنوان "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" وهي رد على رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية قال فيها: "وبدأنا بالنار، لأنا وقفنا على تصنيف لبعض أهل العصر في فنائها" (¬3) . وقال الدكتور علي الحربي: إن الرسالة "رد على من قال بفناء النار" وإنها لهذا لا يصح استدلال الخصوم بها على أن ابن تيمية يقول بفناء النار، لأنها حجة عليهم لا لهم، كما هو صريح عنوان الرسالة المزعومة (¬4) . ومما تقدم يظهر لنا أن الكتاب تعددت تسميته فيما توفر لدينا من نسخة الخطية، وفي بيان بعض العلماء والباحثين لموضوعه. ¬

_ (¬1) نسخة دار الكتب المصرية 1/أ. (¬2) بياض في النسخة. (¬3) "ص67" من رسالة المذكورة. (¬4) "كشف الأستار" "ص82".

وخلاصة ذلك: أنه تارة أطلق على الكتاب أنه "رد على من قال بفناء الجنة والنار". وتارة أطلق عليه أنه: "تصنيف في فناء النار". وتارة أطلق عليه "فصل في فناء الجنة والنار، وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال". وهذا الإطلاق الأخير هو المطابق لمضمون الكتاب فعلا. أما الإطلاق الأول: وما رتب عليه الدكتور الحربي فغير مسلَّم، لأن هذا العنوان ليس من صنع المؤلف وهو شيخ الإسلام ابن تيمية، وليس متفقا فيما توفر لدينا من نسخ الكتاب الخطية، كما أنه ليس مطابقا لواقع مضامين الكتاب كما تقدم. أما الإطلاق الثاني: فهو صادر من خصم في معرض الرد والانتقاد لشيخ الإسلام، فاقتصر في عنونة الكتاب على بعض مضامينه، التي يريد الرد عليها، مع أن مضامين الكتاب أعم من ذلك، كما صرح به السُبكي نفسه في كتابه المتقدم الإشارة إليه فقال: "وقد وقفت على تصنيف المذكور وذكر - يعني شيخ الإسلام - فهي ثلاثة أقوال في فناء الجنة والنار" (¬1) . وعلى ذلك يكون العنوان المطابق لواقع الكتاب هو: "الرد على من قال بفناء الجنة والنار، وبيان الأقوال في ذلك". وهو أقرب شيء لأحد عناوين نسخة دار الكتب المصرية كما سبق ذكره. ولهذا جعلته عنوانا للكتاب، والله الموفق للصواب. ¬

_ (¬1) الاعتبار ببقاء الجنة والنار للسبكي "ص67 ".

المبحث الثاني: نسبة الكتاب إلى المؤلف

المبحث الثاني: نسبة الكتاب إلى المؤلف تعتبر نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه شيخ الإسلام ابن تيمية أمرا هاما، نظرا لما وقع في ذلك من اختلاف بين الباحثين والمفهرسين، وشمل الخلاف المؤيدين للشيخ والمعارضين له، ووصل الأمر إلى حد إنكار وجود هذا التأليف لشيخ الإسلام، والحكم بوهم من نسبه إليه، وإن كان الذي نسبه من ألصق الناس وأخبرهم به، وهو تلميذه ابن القيم وبيان ذلك: أن النسخة التي وجدت من هذا الكتاب في دار الكتاب المصرية (¬1) لم يذكر فيها نسبتها إلى شيخ الإسلام، وبناء على ذلك تردد المفهرسون في نسبتها للمؤلف، فقالوا عند فهرستها: يظن أنها لشيخ الإسلام ابن تيمية (¬2) . وتبعا لذلك ذكر الدكتور عوض الله حجازي في كتابه "ابن القيم وموقفه من التفكير الإسلامي" (¬3) أن تلك الرسالة مجهولة المؤلف، لكنه اتبع ذلك بقوله: "ويظهر أنها من مؤلفات ابن تيمية". أما الدكتور علي بن علي جابر الحربي، فتعدد إنكاره لوجود قول لشيخ الإسلام بفناء النار، أو وجود تأليفه له في هذا الموضوع، وذكر أن ابن القيم وابن الوزير قد وهما في نسبة ذلك إلى شيخ الإسلام، ثم راح يلمتس لهما عذرا بأن ¬

_ (¬1) سيأتي التعريف بها "ص29". (¬2) كذا في بطاقة فهرسة النسخة بدار الكتب المصرية. (¬3) "ص310".

الكمال لله وحده وأن ذلك من الوهم اليسير الذي لا يخرج العالم عن حد الثقة (¬1) . وفي بعض المرات ذكر أن ما صرح به ابن القيم من أن شيخه شيخ الإسلام صنف في هذه المسألة مصنفه المشهور لكنه لم يصل إلينا -حسب علمي - ولو نشر لأقام الدنيا وأقعدها خصومه (¬2) . وفي موضع ثان قال: "ويغلب على ظني عدم وجوده" (¬3) . وفي موضع آخر قال: "إن الرسالة المزعومة" (¬4) . فلما رأى الدكتور الحربي أن الشيخ الألباني ذكر قطعة من نسخة خطية، وجدت لدى المكتب الإسلامي ومصرح فيها بنسبة الكتاب إلى شيخ الإسلام كما سيأتي توضيحه (¬5) لما رأى الدكتور ذلك وحاول دفع نسبتها لشيخ الإسلام فقال: "وأما الورقات الثلاث التي ذكر الألباني أنه وجدها في دشت ضمن مخطوطات المكتب الإسلامي، وصورها في مقدمته لكتاب "رفع الأستار" للصنعاني، وأنها لكاتب مجهول من خطوط القرن الحادي عشر الهجري من رسالة لابن تيمية في الرد على من قال بفناء الجنة والنار، فلا تعتبر من مصنفات ابن تيمية، لانتفاء الشروط المتبعة في مناهج البحث والتحقيق المعروفة عند أهل هذا الشأن، ومن ذلك جهالة الكاتب" (¬6) . ¬

_ (¬1) "كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار" للدكتور علي الحربي "16-17-28-30-31-34-41-58-59-69-70-71-77-82-83. (¬2) المرجع السابق "ص82". (¬3) المرجع السابق "ص45". (¬4) المرجع السابق "ص59". (¬5) المرجع السابق "ص82". (¬6) المرجع السابق "ص82".

وقال: "شهادته - يعني ابن القيم - بأن شيخه في هذه المسألة مصنفه المشهور الذي لم يظهر منه شيء سوى لصفحات الثلاث المشار إليها سابقا بأنها مجهولة الناسخ والتاريخ، مفتقرة للشروط المتبعة في مناهج البحث والتحقيق، ومعلوم عند أهل هذا الشأن ما يترتب على ذلك من عدم الثبوت" (¬1) . ويمكن الجواب عن هذا بما يلي: أولا: أنه طالما صرح في هذه القطعة بنسبة الكتاب لشيخ الإسلام، فلا يطعن في ذلك جهالة تاريخ النسخة، ولا جهالة ناسخها، محاولة الاستناد في دفع الثبوت إلى الشروط المتبعة في مناهج البحث والتحقيق، بناء على جهالة الناسخ وتاريخ النسخ، فهذا غير مُسَلَّم، حيث لم يعرف في تلك المناهج والقواعد أن جهالة الناسخ، وجهالة التاريخ للنسخة مما يقدح أيُّ منهما في نسبتها لمؤلفها المصرح به في صدر النسخة (¬2) . ثانيا: أننا لو جعلنا جهالة الناسخ وتاريخ النسخ يقدحان في النسبة المصرح بها للمؤلف لترتب على ذلك أن نقدح في نسبة كثير من المؤلفات المخطوطة مما لم يوجد عليها اسم الناسخ، ولا تاريخ النسخ، كما يعرف ذلك من مراجعة فهارس المخطوطات، على أنه قد توفرت نسخة ثانية كاملة للكتاب وأثبت في آخرها اسم الناسخ، ومقابلته لها بأصلها. ثالثا: ومما يؤيد صحة نسبة هذه الرسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية ما تضمنه من نصوص وإحالات. تتطابق مع النقول والمؤلفات التي تثبت نسبتها لشيخ الإسلام كما يتضح ذلك من مراجعة النص المحقق وتوثيقه والتعليق عليه (¬3) . ¬

_ (¬1) المرجع السابق "ص58". (¬2) "رفع الأستار" للصنعاني تحقيق الألباني "ص8-9-53" (¬3) انظر من أمثلة ذلك "ص44" هامش 5، "ص45" هامش 3، "ص49"، هامش 1"هامش 4.

رابعا: أنه قد صرح بنسبة هذا الكتاب للمؤلف من لا يشك في خبرته بالشيخ، وولائه له ولاعتقاده السلفي، ألا وهو العلامة ابن القيم. فقد قرر أن لشيخه ابن تيمية تصنيفا مشهورا في مسألة فناء النار (¬1) وشهادته دليل قاطع. بل إن ما ذكره في كتابه "حادي الأرواح" حول هذه المسألة قد اعتمد فيه على رسالة شيخه ابن تيمية التي هي بصدد التحقيق، فإنه أحيانا يصرح بالنقل وأحيانا ينقل بتصرف وقد أشرت إلى ذلك في الهامش أثناء التحقيق. خامسا: هذه الرسالة قد نسبها إلى شيخ الإسلام من خصومه المعاصرين له الشيخ: علي بن عبد الكافي السبكي، حيث ألف رسالة بعنوان "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" وفي أثنائها قال: "وبدأنا بالنار لأنا وقفنا على تصنيف لبعض أهل العصر في فنائها" (¬2) . ثم قال: "وقد وقفت على التصنيف المذكور، وذكر فيه ثلاثة أقوال في فناء الجنة والنار" (¬3) : أحدها: أنهما تفنيان وقال إنه لم يقل به أحد من السلف. والثاني: أنهما لا تفنيان. والثالث: أن الجنة تبقى والنار تفنى (¬4) . وجميع النصوص التي ساقها السُبكي في رسالته موجودة في رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية التي هي موضوع التحقيق. وبكل حال، فإن الناظر في هذه الرسالة يلحظ سمة بارزة لمنهج شيخ ¬

_ (¬1) شفاء العليل "ص435". (¬2) "ص66" من الرسالة المذكورة. ضمن مجموع. (¬3) المرجع السابق "ص67". (¬4) المرجع السابق نفسه.

الإسلام من حيث الأسلوب ومناقشة القضايا ولا يختلف أسلوب هذه الرسالة عن سائر مؤلفاته. وهذا مما يؤيد صحة نسبة هذه الرسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -

المبحث الثالث: من تناول مسألة فناء النار غير ابن تيمية وموقفه من ذلك

المبحث الثالث: ويتضمن الآتي: 1 - من تناول مسألة فناء النار غير ابن تيمية. 2 - موقف شيخ الإسلام من مسألة فناء النار، وآراء العلماء في ذلك ومناقشتها. وإليك تفصيل: أولا: من تناول مسألة فناء النار غير ابن تيمية: قبل الشروع في التعرف على موقف شيخ الإسلام من مسألة فناء النار يجدر معرفة أمر مهم، ألا وهو: بيان من تكلم في هذه المسألة غير ابن تيمية، فإن المتتبع لها في مظانها يجد العلماء السابقين على ابن تيمية واللاحقين له، قد تكلموا فيها تارة بذكر الروايات الواردة عن السلف فيها، وأحيانا بالإشارة إلى هذا القول وذكر الخلاف فيه، وقد أشار إلى ذلك جمع من العلماء منهم: عبد بن حميد فقد ذكر الروايات في "تفسيره" (¬1) وعبد الحق بن عطية الأندلسي في تفسيره (¬2) والفخر الرازي في تفسيره (¬3) ، والقرطبي في "التذكرة" (¬4) ، وابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" (¬5) ، وابن القيم في "حادي الأرواح" (¬6) وهو أوسعهم كلاما، ومحمد الأمين الشنقيطي في كتابه: "دفع إيهام الاضطراب ¬

_ (¬1) أورده ابن القيم في "شفاء العليل" "ص435". (¬2) "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" 7/402 ط. قطر. (¬3) "التفسير الكبير" للرازي 18/63. (¬4) "526". (¬5) "ص480-486". (¬6) "ص340-379".

عن آيات الكتاب" (¬1) ، وأبو حامد الغزالي في كتابه: "المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (¬2) ، وابن الوزير في كتابه: "إيثار الحق على الخلق" (¬3) ، والإمام الذهبي له مصنف في "صفة النار" يقع في جزأين (¬4) ، والحافظ بن رجب في كتاب "التخويف من النار" (¬5) ، والشيخ مرعي بن يوسف له كتاب: "توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين" (¬6) . والشيخ الصنعاني في كتابه ... رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (¬7) . هذا وبناءً على ما تقدم تبيين لي أن الكلام في مسألة فناء النار معروف لدى العلماء قبل عصر ابن تيمية وفي عصره، وبعده كما في عصره، وبعد كما في المصادر السابقة، وعليه ما موقفه من هذه المسألة؟ ثانيا: موقف شيخ الإسلام من مسألة فناء النار، وآراء العلماء في ذلك ومناقشتها: لا يوجد لشيخ الإسلام - فيما أعلم - نص واضح جلي في هذه المسألة، ولكن له هذه الرسالة التي ألَّفها جوابا عن سؤال وجه إليه، فأجاب بذكر آراء غيره من العلماء في ذلك، وبين الفرق بين الدوام الجنة والنار، وفنائهما، ولم يعقب على ما ذكر من الآراء بقول خاص له هو، ومن هنا اختلفت الآراء والمفاهيم حول موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من المسألة، وذلك على ثلاثة أقسام: القسم الأول: تحاملوا على ابن تيمية وجعلوه حامل لواء هذه المسألة، وجعلوا منها غرضا للنيل منه وتضليله، وعلى رأس هذا القسم الشيخ علي بن عبد الكافي ¬

_ (¬1) "ص122-128". (¬2) "ص62-63". (¬3) "ص219". (¬4) "رفع الأستار" للصنعاني "ص62". (¬5) وهو مطبوع مشهور (¬6) وهو مطبوع. (¬7) وهو مطبوع بتحقيق الشيخ محمد الألباني.

السُبكي المتوفي سنة 756هـ، فإن له رسالة بعنوان "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" ألفها ردا على رسالة شيخ الإسلام التي أقوم بتحقيقها، لكن بالمقارنة بين الرسالتين، رسالة ابن تيمية ورسالة السُبكي، نجد أن رسالة السبكي في رسالته تلك قد تحامل على ابن تيمية، سيأتي بيان أوجه ذلك. القسم الثاني: من أنكر نسبة القول بفناء النار إلى شيخ لإسلام ابن تيمية، وقال إنه بريء منه براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب، ومن هؤلاء الدكتور علي بن علي الحربي اليماني، مؤلف كتاب "كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار"، المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية" وسأعرض وجهة نظره في ذلك (¬1) . القسم الثالث: تأملوا النصوص الواردة عن ابن تيمية في هذه المسألة وقالوا: إنه يميل فقط إلى القول بفناء النار انطلاقا من سعة رحمة الله وسيأتي ذكر هؤلاء. وهذا أوان عرض تلك الآراء ومناقشتها: أولا: ما كتبه السبكي في رسالته "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" فبعد استعراض ما ذكره السبكي في هذه الرسالة التي هي رد على رسالة ابن تيمية، لاحظت أمورا سأشير إلى بعضها بإيجاز: أولا: عنوان الرسالة "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" فهو يشعر بأن ابن تيمية يقول بفناء كل من الجنة والنار كما هو مذهب الجهمية والمعتزلة، وليس الأمر كذلك بدليل أنه يرد على هؤلاء القائلين بفناء الجنة والنار، وإنما الذي نسب إليه مسألة فناء النار فقط. ثانيا: في هذه الرسالة تطاول السبكي على أن ابن تيمية، وصفه بأوصاف ¬

_ (¬1) "ص22".

بشعة. حيث إن من يطلع على رسالة السبكي يفهم أن ابن تيمية هو أول من تكلم في هذه المسألة، والحال أنه مسبوق إلى ذلك، والواجب على السبكي وغيره الإنصاف والعدل وهذا اللائق بمقام العلماء، لكن السبكي أغفل كلام العلماء السابقين على الشيخ وجعل ابن تيمية مبتدعا لها. وقد ذكر الفخر الرازي المتوفى سنة 606هـ القائلين بذلك وساق في "تفسيره" أدلة القائلين بفناء النار من القرآن والمعقول" (¬1) . ثالثا: عزى السبكي لابن تيمية أنه يختار القول بفناء النار، وأنه ينسبه للسلف (¬2) . بالرجوع إلى رسالة ابن تيمية، نجد أن ما ذكره السبكي ليس مسلما له، وذلك من وجهين: أ - زعمه أن القول بفناء النار اختيار ابن تيمية، فإن هذا الاختيار لا يوجد في هذه الرسالة ولا غيرها من كتبه - فيما أعلم -. ب - قوله: "إنه قول السلف"، ليس بصحيح فإن عبارة الشيخ هكذا "وأما القول بفناء النار ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف" (¬3) . رابعا: عرض السبكي في رسالته أكبر قدر من أدلة الكتاب والسنة الدالة على بقاء النار، وابن تيمية لم يكن يجهل هذه الآيات والأحاديث وحاشاه - رحمه الله - أن ينكر ثبوتها ودلالتها على البقاء، وبالتالي فإن اهتمام السبكي باستقصاء ذكر الأدلة لا يضيف شيئا جديدا غاب عن ابن تيمية بل هو تجاهل منه لمعرفة شيخ الإسلام بها ملاحظته والتسليم بها. وعليه فالإشارة أو التلميح من السبكي بنسبة شيخ الإسلام للتضليل. ¬

_ (¬1) "التفسير الكبير" للفخر الرازي 18/63-66. (¬2) الاعتبار ببقاء لجنة والنار" "67". (¬3) انظر "ص52".

والتبديع مردود عليه وفي هذا المعنى يقول العلامة ابن القيم "فقولكم إنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم وآرائهم واختلافهم.." (¬1) . ويقول: الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: " ... وغاية ما يقال إنه قول خطأ، أو رأي غير صواب، ولا يقال بدعة، وليس قصدي الدفاع عن هذا القول ولكن قصدي ببيان أنه ليس بدعة ولا ينطبق عليه ضابط البدعة وهو أنه من المسائل القديمة" (¬2) التي وقع الخلاف فيها قبل ابن تيمية. خامسا: ابن تيمية - رحمه الله - نظرا في أدلة بقاء الجنة ودوامها، وأدلة النار ودوامها، فلاحظ أن بعض أدلة النار لا تصرح ببقاء ولكن تكل الأمر إلى مشيئة الله وما يريده بعباده وبعضها تقيده بحد كما في قوله تعالى: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (¬3) . وكما في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬4) ، وقوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (¬5) . وعند ذلك رأى أن هذه الأدلة تصلح أن تكون مقيدة لما أطلق من أدلة البقاء الدائم، وأن في تقييد المطلق جمعا بين الأدلة وهو أولى. وكون تلك الأدلة أقل عددا من أدلة البقاء لا يؤثر، لأن العبرة بالثبوت، ولم ¬

_ (¬1) "حادي الأرواح" "ص356". (¬2) "نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية من الهفوات" لمحمد سعيد رمضان "ص50" بقلم فضيلة الشيخ صالح الفوزان، حفظه الله. (¬3) سورة الأنعام، الآية رقم:128. (¬4) سورة هود، الآية رقم: 107. (¬5) سورة النبأ، الآية رقم:23.

يكن ابن تيمية هو الوحيد في هذا الفهم فقد أورده بعض المفسرين عند الآيات السابقة. سادسا: لاحظ السبكي على ابن تيمية استدلاله ببعض الآثار الدالة على فناء النار وكونها متكلما فيها، ويمكن الجواب عنه: بأنه ربما لم يكن ابن تيمية وقف على علتها حينذاك، ولهذا اعتذر عنه العلامة الألباني بقوله: "ولعل ذلك كان منه إبان طلبه للعلم، وقبل توسعه في دراسة الكتاب والسنة، وتضلعه معرفة الأدلة الشرعية" (¬1) وأيضا فلم تكن هذه الآثار هي دليله الوحيد بل استدل كما تقدم بالآيات المقيدة (¬2) . سابعا: علل ابن تيمية ما ذكره في رسالته بأمر مقرر بأصل الشرع وهو سعة رحمة الله تعالى قال الله عنها: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (¬3) . وعلق على ذلك الشيخ الألباني بقوله: "إلا أن الحامل له على ذلك إنما كان ثقته البالغة في رحمة ربه وعفوه، وأنها وسعت كل شيء دون ما استثناء، ووافق ذلك منه خلقا كريما وطبعا رحيما جبله الله عليه، عرف به بين أصحابه" (¬4) . وكما سبق شيخ الإسلام إلى ذلك من بعض السلف فقد وافقه في ذلك بعض العلماء كالإمام ابن القيم وابن الوزير وغيرهما، بل ذكر مؤلف "كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار" بأنه نوقشت رسالة ماجستير مقدمة من الباحث: فيصل عبد الله لجامعة أم القرى بمكة بعنوان "الجنة والنار والآراء فيهما" رجح صاحبها القول بفناء النار، وعلل ذلك بأنه يتفق مع رحمة الله الواسعة وكرمه الشامل وعفوه ¬

_ (¬1) مقدمة "رفع الأستار" "ص25". (¬2) انظر "ص21".. (¬3) سورة الأعراف، الآية 156. (¬4) مقدمة رفع الأستار للعلامة الألباني "ص22".

الفياض، وحكمته ولكنه لم يتعرض لما نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية لا نفيا ولا إثباتا" (¬1) . القسم الثاني: من أنكر نسبة القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، من هؤلاء الدكتور علي الحربي اليماني مؤلف كتاب "كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار" حيث ادعى فيه أولية السبق في الذب عن شيخ الإسلام في هذه المسألة العظيمة" (¬2) . وقرر في خاتمة البحث "براءة شيخ الإسلام ابن تيمية من القول بفناء النار براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام" (¬3) . هذا، وباستعراض كتابه نجد أن حجته فيما توصل إليه من نتيجة تتلخص في الآتي: أولا: قام باستقراء وتتبع كتب ابن تيمية فأخرج منها نصوصا من ردود الشيخ على مذهب الجهمية والمعتزلة القائلين بفناء الجنة والنار، علق على تلك النصوص بقوله: "فهل يصح القول بعد هذا أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول بفناء النار" (¬4) . والجواب: أنه ينبغي أن يعلم أن هذه النصوص منصبَّة في الرد على مذهب الجهمية والمعتزلة القائلين بفناء الجنة والنار وهذا لا خلاف فيه ومحل النزاع في المذهب القائل ببقاء الجنة وفناء النار وحدها. ¬

_ (¬1) كشف الأستار "ص22". (¬2) "ص10-840". (¬3) "ص84". (¬4) "ص71".

وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم هذه الأقوال (¬1) . وعليه فتكون النصوص المذكورة في غير محل النزاع، وبالتالي لا يدفع بها نسبة تلك الرسالة إلى شيخ الإسلام كما سيأتي بيان ذلك. ثانيا: قال الدكتور الحربي ولو صح إسناده يعني رسالة القول بفناء النار إلى ابن تيمية لأقام الدنيا وأقعدها خصومه واقتطفوا منها الكلام الذي يحتجون به على شيخ الإسلام، ولصاحوا وما سكتوا عن إلزامه من كلامه مع كثرة الخصوم قديما وحديثا (¬2) . والجواب: أن ما نفاه الدكتور الحربي هو ما وقع فعلا فإن خصوم الشيخ أقاموا الدنيا وأقعدوها وذلك في عصر الشيخ وبعده، فالسبكي وهو ممن عاصر الشيخ ونسب إليه تلك الرسالة وتتبع الشيخ - كما سيأتي - وتعقبه فيما جاء بها وراح من خلال ما جاء فيها يلزمه بإلزامات هو منها براء، ورسالة السبكي بعنوان "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" كذلك جاء بعده من خصوم الشيخ ممن نسج على منواله وقد ساق الدكتور الحربي في رسالته أمثلة على ذلك" (¬3) . ثالثا: أن الدكتور الحربي تردد موقفه فمرة يقول أن ما ذكره ابن القيم في كتابه: "حادي الأرواح" عن شيخه وهم منه أو أنه رجع عنه (¬4) . وفي موضع آخر قال عن شيخ الإسلام "أنه كان في أول الأمر يميل إلى ¬

_ (¬1) وسيأتي ما ذكره شيخ الإسلام "ص42" ضمن الرسالة من هذا البحث، أما ما ذكره ابن القيم فهو في حادي الأرواح "ص340" الباب 67. (¬2) المرجع السابق نفسه "ص58". (¬3) المرجع السابق نفسه "ص15 16" (¬4) المرجع السابق نفسه "ص70".

القول بفناء النار فعليه تحمل شهادة تلميذه العلامة ابن القيم فيما حكاه عنه (¬1) ، فهذا هو المناسب لثبوت نسبة الرسالة للشيخ ولتبرئة الشيخ ابن القيم وغيره من الوهم، كما سأوضحه فيما يلي: وفي موضع آخر قال: "وأما شيخ الإسلام ابن تيمية وإن شهد أخص تلاميذه بأنه صنف مصنفه المشهور في هذه المسألة العظيمة، الذي لم يبين فيه ابن القيم نفيا ولا إثباتا - فلم يصل إلينا شيء من مؤلفات ابن تيمية في هذه المسألة العظيمة الخطيرة (¬2) وكذا ما ذكره ابن الوزير (¬3) والصنعاني (¬4) ، قال إن مخطوطة المكتب الإسلامي التي ذكرها الألباني في مقدمة كتاب "رفع الأستار" لا تصح نسبتها إلى شيخ الإسلام ابن تيمية" (¬5) . وتقدم الجواب عن هذا أثناء الكلام عن نسبة الكتاب للمؤلف (¬6) . القسم الثالث: ذهبت طائفة من العلماء إلى أن شيخ الإسلام ابن تيمية يميل إلى القول بفناء النار، ومن هؤلاء السفاريني في "لوامع الأنوار" (¬7) والشيخ صديق حسن خان في كتابه "يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار" (¬8) . والشيخ الألوسي في "جلاء العينين في محاكمة الأحمدين" (¬9) . ¬

_ (¬1) كشف الأستار "ص45". (¬2) المرجع السابق نفسه "ص 82" (¬3) المرجع السابق نفسه "ص28" (¬4) المرجع السابق نفسه "ص30" (¬5) المرجع السابق نفسه "ص32-33" (¬6) المرجع السابق نفسه "ص7" (¬7) 2/235. (¬8) "ص42". (¬9) "488".

مع أن هذا قول وسط بين القولين السابقين، إلا أن هنا حقائق يمكن ذكرها وهي على النحو التالي: أولا: أن ميل الشخص إلى قول من الأقوال لا يدل على أنه يجزم به ويقطع به، بل ظن لديه فمال إليه. ثانيا: الميل نوعان: 1 - ميل ناشئ عن اجتهاد ونظر وموازنة بين الأدلة الشرعية، فهذا صاحبه مأجور، لكونه مجتهدا وإن أخطأ. 2 - ميل ناشئ عن الهوى وتعصب وشهوة النفس ونفي للدليل فهذا ميل مذموم قد ذم الله فاعله، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} (¬1) . ثالثا: أن شيخ الإسلام وإن مال إلى هذا القول فهو مسبوق إليه، بقول الشيخ الألوسي أثناء كلامه عن شيخ الإسلام في هذه المسألة "ولئن سلم أنه - أي شيخ الإسلام - مال إلى ذلك فقد ذهب إليه بعض السلف وأفراد من الخلف ... " (¬2) . وبالتالي لا يكون مبتدعا في ذلك كما تقدمت الإشارة إلى هذا (¬3) . رابعا: أن ابن تيمية كتب هذه الرسالة بناء على سؤال وجه إليه من تلميذه ابن القيم، وذكر له في السؤال أن هذه المسألة تشكل عليه كما في نص السؤال. إذن فلا عجب أن الشيخ يستقصيها من جميع جوانبها ويوازن بين أدلتها، وعند ذلك ظن من ظن بأنه يقول بفناء النار أو يميل إلى القول به. ¬

_ (¬1) سورة النساء، الآية: 27. (¬2) جلاء العينين للألوسي "ص488". (¬3) راجع "ص21".

يقول العلامة ابن القيم: "كنت سألت شيخ الإسلام - قدس الله روحه - فقال لي هذه المسألة عظيمة كبيرة، ولم يجب فيها بشيء، فمضى على ذلك زمن حتى رأيت في "تفسير عبد الحميد الكشي" بعض تلك الآثار - الدالة على فناء النار - فأرسلت إليه كتاب وهو في مجلسه الأخير، وعلَّمت على ذلك الموضع، وقلت للرسول: قل له: هذا الموضع يشكل عليه، ولا يدري ما هو. فيكتب فيه مصنفه المشهور - رحمة الله عليه" (¬1) . خامسا: أن هذا الميل الذي فهم من تلك المسألة غير مشهور في كتب الشيخ المتداولة، بل المشهور عنه فيها تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة عموما والذب عنها، ومن ذلك الرد على الجهمية والمعتزلة القائلين بفناء الجنة والنار. وقد تتبع الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني ما جاء عنه في ذلك فذكرها في مقدمة تحقيق الكتاب "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (¬2) . سادساً: يحتمل عدم ذكر الشيخ - رحمه الله - رأيا خاصا له في هذه المسألة سببه بقاؤه على الأصل وهو القول بما عليه أهل السنة والجماعة من دوام النار وعدم فنائها. وعليه فلا ضير من نسبة هذه الرسالة إلى الشيخ ونشرها لإظهار موقفه من المسألة في حجمه الطبيعي دون إفراط في الإنكار، ولا تفريط في الثبوت. ¬

_ (¬1) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل"ص435". (¬2) انظر "ص20-22-46".

استشكال وجوابه: إن قال قائل على فرض أن شيخ الإسلام يميل إلى القول بفناء النار، فهل لأحد - بناء على ذلك الميل - أن يقول بهذا القول وينتصر له؟ فالجواب: أن الواجب على المسلم أن ينتصر للقول الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكان عليه جمهور سلف الأمة، وهو: أن النار لا تفنى ولا تبيد أبدا، والقول بفنائها بعد بقائها مددا متطاولة قول مرجوح، وإذا كان بعض العلماء المشهورين بإمامتهم في الدين له اجتهاد في مسألة - كهذه - وهذا الاجتهاد ناشئ عن حسن نية وسلامة قصد، ونظر في الأدلة الشرعية وتجرد من الهوى والتعصب، فأخطأ فيها فهو مأجور على اجتهاده. لكن هذا لا يجيز لأحد متابعة ذلك، وللإمام الحافظ ابن رجب كلام بناسب هذا المقام، قال رحمه الله. "وها هنا أمر خفي ينبغي التفطن له، وهو: أن كثيرا من أئمة الدين قد يقول قولا مرجوحا ويكون مجتهدا فيه مأجورا على اجتهاده فيه، موضوعا عنه خطؤه فيه ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة، لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله، بحيث لو أنه قد قاله غيره من أئمة الدين لما قبله، ولا انتصر له ولا إلى من يوافقه، ولا عادى من خلفه، ولا هو مع هذا يظن انه إنما انتصر للحق وإن أخطأ في اجتهاد وأما هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظنه الحق إرادة علو متبوعه وظهور كلمته، وأنه لا ينسب إلى الخطأ، وهذه دسيسة تقدح في قصد الانتصار للحق فافهم هذا فإنه مهم عظيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" (¬1) . ¬

_ (¬1) جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب الحنبلي حديث رقم 35ص 289.

المبحث الرابع: منهجي في تحقيق الكتاب والتعليق عليه

المبحث الرابع: منهجي في تحقيق الكتاب والتعليق عليه ويتلخص في النقاط التالية: أولا: كتابه النص، وقد راعيت فيه قواعد إملاء الحديثة، وعلامات الترقيم كالفواصل، وعلامات الاستفهام، والتنصيص. ثانيا: تحقيق النص وضبطه وذلك بمقابلة النسخة الخطية، وإثبات أهم الفروق بين النسخ في الهامش. ثالثا: الرجوع إلى بعض المصادر التي نقل منها المؤلف سواء كان حرفيا أو بتصرف. رابعا: تخريج الأحاديث والآثار من مصادرها الأصلية حسب الاستطاعة، أما الحكم عليها فإني أبذل الجهد في ذلك معتمدا على ما قاله أئمة هذا الشأن. خامسا: التعليق على بعض المسائل التي تحتاج إلى تعليق. سادسا: ترقيم آيات القرآن الكريم. سابعا: الفهارس وهي على النحو التالي: 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار مرتبة على حروف الهجاء. 3 - فهرس الأعلام. 4 - فهرس الفرق والقبائل. 5 - فهرس أسماء الكتب الواردة في الرسالة. 6 - فهرس مراجع ومصادر البحث. 7 - فهرس الموضوعات.

المبحث الخامس: وصف ما اعتمدت عليه من نسخ الكتاب

المبحث الخامس: وصف ما اعتمدت عليه من نسخ الكتاب لقد تيسر لي - بحمد الله - من نسخ الكتاب ما يلي: 1 - صورة نسخة المكتب الإسلامي: وهي عبارة عن ثلاث صفحات فقط، مكتوبة بخط نسخ مقرؤ، ما عدا عدة كلمات في أعلا الصفحة الأخيرة مطموسة، عدد سطور تلك الصفحات مختلفة. فالصفحة الأولى عدد سطورها 23، والصفحة الثانية 31، والصفحة الثالثة 17 سطرا، والكلام في الصفحات الثلاثة متصل من أولها إلى آخرها. وتعتبر تلك الصفحات من أواخر الكتاب، كما ظهر لي ذلك من مقابلتها بنسخة دار الكتب المصرية، الآتي التعريف بها، وليس عليها علامة مقابلة النسخة بالأصل المنقولة عنه ولا بغيره، ولم يبين فيها اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، ولكن هذا لا يقدح في نسبتها للمؤلف كما قدمت ذكره (¬1) . وقد ذكر الشيخ الألباني - حفظه الله - أن خطها لعله من خطوط القرن الحادي عشر الهجري (¬2) ، وأهم ميزة لتلك النسخة التصريح في بدايتها بنسبة الكتاب لشيخ الإسلام كما مر ذكره (¬3) . 2 - نسخة دار الكتب المصرية: هذه النسخة تقع ضمن مجموعة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1899، من علم الكلام. وخطها نسخ جيد، وعدد صفحاتها 12 صفحة، وعدد السطور 21 سطراً ¬

_ (¬1) "ص14". (¬2) رفع الأستار بتحقيق الشيخ الألباني "ص8". (¬3) "ص9".

وبعضها 22سطرا، وقد سبق ذكر تعدد عنوانها (¬1) ، وهي تبدأ بعد البسملة والحمد له والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم بما نصه "مسألة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار، وعلى من قال بفناء (¬2) كالفارابية، وذكر اختلاف الناس في دار الجزاء بالعقاب، ودار الثواب بالإنعام، للناس في ذلك ثلاثة أقوال ... ولم يذكر في النسخة اسم المؤلف، ولا تاريخ النسخ، برغم هذا وجدت في النسخة علامات أخرى تدل على توثيقها وسلامة مضمونها، فقد كتب بهوامشها عدة تصحيحات لما في الصلب، وجاء بالهامش الأيمن وبالهامش الأسفل للصفحة 3/أعبارة "بلغ" وكلا الأمرين يدلان على مقابلة هذه النسخة بأصلها المنقولة عنه، وقد صرح بهذا في آخرها كما سيأتي، كما أنه جاء بهامش الصفحة الأولى ذكر عنوان للرسالة وكتب في آخره، "كذا في نسخة" وكتب بهوامشها أيضا عدة عبارات يختلف نصها عن نص العبارات المقابلة لها في صلب النسخة باختلافات دقيقة، ووضع فوق تلك العبارات حرف "خ" إشارة إلى أن العبارة جاءت هكذا في نسخة أخرى. وهذا يدل على مقابلة النسخة، ليس بأصلها فقط، ولكن بنسخة أخرى للكتاب (¬3) وعلى هذا يمكن القول: إن هذه النسخة بمثابة نسختين للكتاب، كما أن ذلك يعطيها توثيقا هاما، بحيث يجعلها صالحة للاعتماد عليها في تحقيق نص الكتاب، وتعتبر هذه النسخة أيضا كاملة وبذلك تتميز عن النسخة السابقة التي بلغت ثلاث صفحات فقط كما سبق بيانه، وجاء في نهايتها ما نصه" بلغ مقابلة وتصحيحا حسب الإمكان، كتبه أحمد بن سعد الله الحراني، عفا الله عنه برحمته، آخرها، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل". ¬

_ (¬1) "ص9". (¬2) بياض قدر كلمتين (¬3) وقد أثبت هذه العبارات في مواضعها من التعليق على النص بإثبات الفروق بين النسختين.

القسم الثاني: النص محققا ومعلقا عليه

القسم الثاني: النص محققا ومعلقا عليه "1/أ" بسم الله الرحمن الرحيم (¬1) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. مسألة في الرد على من قال: بفناء الجنة والنار، وعلى من قال بفناء (¬2) كالفارابية (¬3) وذكر اختلاف الناس في دار الجزاء بالعقاب، ودار الثواب بالإنعام، وللناس في ذلك ثلاثة أقوال: قوم قالوا بفنائهما جميعا، وقوم قالوا ببقائهما جميعا، وقوم قالوا: بفناء دار الجزاء، وبقاء دار الإفضال، والإنعام، والإكرام. ¬

_ (¬1) "جاء بالهامش الأعلى الأيمن للصفحة الأولى من النسخة الأصل ما نصه: "فصل في فناء الجنة والنار، وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال: قيل ببقائهما، وقيل بفنائها، وقيل بقاء الجنة دون النار" وبعدها بخط صغير كلمة "مكرر". وجاء بالهامش الأعلى الأيسر ما نصه: "أي حاشية" مسألة في ... * الرد على من قال بفناء الجنة والنار، وبقائهما، وبيان الصواب من ذلك، هذا في نسخة". * بعدها كلمة "فناء" ومضروب عليها. (¬2) بياض في الأصل. (¬3) لم أقف على فرقة بهذا الاسم، لكن لعلها نسبة إلى الفيلسوف المشهور أبي نصر الفارابي المتوفى سنة 339هـ، فإن له فلسفة في مسائل العقيدة تتلمذ عليها خلق كثير، انظر "كتاب الفارابي" تأليف: سعيد زايد، و"دروس في تاريخ الفلسفة" تأليف الأستاذين: إبراهيم بيومي مدكور ويوسف كرم "ص73"، و"تاريخ الفلسفة" للأستاذين: محمد علي مصطفى وأحمد عبده خير الدين "ص208".

رد شيخ الإسلام على مذهب الجهمية

رد شيخ الإسلام على مذهب الجهمية وقد تكلم الشيخ (¬1) رحمه الله - على الجهمية (¬2) ، والهذيلية (¬3) ، الفارابية، ورجح أدلة أهل السنة، وهدم شبه أهل البدعة، وأشار إلى بعض أدلة غلبة الرضا على الغضب، فقال - رحمه الله: وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال (¬4) : قيل: ببقائهما، وقيل: بفنائهما، وقيل: ببقاء الجنة، دون النار. أما القول بفنائها (¬5) : فما رأينا أحدا حكاه عن أحد من السلف، من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وإنما حكوه عن الجهم بن صفوان، وأتباعه الجهمية. وهذا مما أنكر عليه أئمة الإسلام، بل ذلك مما أكفروهم به، كما ذكره ¬

_ (¬1) مراده: شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد جاء مصرحا به في نسخة "س" كما سيأتي "ص52" هامش 6. (¬2) هم أتباع جهم بن صفوان الضال المبتدع المقتول سنة 128هـ أنكر أسماء الله وصفاته وزعم أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط وأن الكفر هو الجهل به، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وزعم أن الإنسان مجبور إلى غير ذلك من انحرافاته وانظر "الملل والنحل" للشهرستاني 1/86، و"الفرق بين الفرق" للبغدادي "ص211"، و"التبصير في الدين" لأبي المظفر الأسفرايني "ص63". (¬3) هم أتباع الهذيل العلاف أحد شيوخ المعتزلة، اختلف في سنة 235هـ وله في الدين فضائح قام العلماء بنشرها تحذيرا للأمة منها - انظر الفرق بين الفرق "ص121" والملل والنحل 1/49، والتبصير في الدين "ص42". (¬4) ذكر هذه الأقوال العلامة ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح" الباب 67 "ص340" بتصرف يسير نقلا عن شيخه ابن تيمية. (¬5) مقابلة بالأصل عنوان جانبي نصه: "القول بفناء الجنة والنار" ولم يشر لدخوله في الصلب.

شبهات جهم في القول بفناء الجنة والنار

عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" (¬1) والأثرم في: كتاب "السنة" (¬2) ، وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب "خلق أفعال العباد" (¬3) ، وغيرهم عن خارجة بن مصعب، أنه قال: كفرت الجهمية بآيات من كتاب الله - عز وجل -، في غير موضع بأربع آيات من كتاب الله: بقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} (¬4) ، وهم يقولون: لا يدوم. ويقول الله تعالى (¬5) : {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} (¬6) ، وهم يقولون ينفد. وبقوله تعالى: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} (¬7) ، فمن قال: إنها تنقطع، فقد كفر. ¬

_ (¬1) "السنة" للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل تحقيق محمد بسيوني زغلول "ص20". (¬2) السنة للأثرم لم أعثر على هذا الكتاب مطبوعا، والأثرم هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ. إمام حافظ، وعالم فاضل توفي في حدود الستين ومائتين، "طبقات الحنابلة" للقاضي أبي يعلى 1/66 "وسير أعلام النبلاء" للذهبي 12/623. (¬3) "خلق أفعال العباد" للإمام أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري تحقيق د/عبد الرحمن عميرة "ص32"، أخرجه البخاري عن علي بن الحسن سمعت ابن مصعب يقول: فساقه بنحوه. (¬4) سورة الرعد، الآية: 35. (¬5) بالأصل "وبقوله" وصوبت في الهامش كما أثبتها وأيضا كتب فوقها بالأصل "ويقول" مع الإشارة عليه بحرف "خ" إلى أنه جاء هكذا في نسخة أخرى. (¬6) سورة ص، الآية:54. (¬7) سورة الواقعة، الآية:33.

مناقشة شيخ الإسلام لجهم ومن وافقه

وبقوله (¬1) تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (¬2) . أي: غير مقطوع. فمن قال: إنه (¬3) ينقطع، فقد كفر (¬4) . "وهذا قاله جهم، لأصله الذي اعتقده، وهو: امتناع وجود ما يتناهى من الحوادث كما بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع (¬5) - وهو عمدة أهل الكلام الذين (¬6) استدلوا على حدوث الأجسام وحدوث ما لم يخل من الحوادث بها (¬7) ، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم، فرأى الجهم: أن ما يمنع من وجود ما لا يتناهى بمنعه (¬8) في (¬9) المستقبل، كما يمنعه في الماضي، فيلزم (¬10) أن يكون الفعل الدائم ممتنعا على الرب في المستقبل كما كان ممتنعا عليه في الماضي وأبو الهذيل العلاف "2/أ" شيخ المعتزلة وافقه على هذا الأصل، لكن قال: هذا إنما يقتضي ¬

_ (¬1) فوقه بالأصل بخط صغير "قال" ولعل ذلك من النسخة الأخرى السابق الإشارة إليها. (¬2) سورة هود، الآية: 108. (¬3) مقابل هذا بهامش الأصل ما نصه: "إنها تغني فقد كفر" مع الإشارة لكونه هكذا في نسخة أخرى، بوضع حرف "خ" فوقه. (¬4) في رواية البخاري زيادة بعد هذا قال - يعني خارجة بن مصعب - أبلغوا أنهم كفار، وأن نساءهم طوالق. (¬5) انظر "منهاج السنة النبوية" لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/146-148، 310 تحقيق د. محمد رشاد سالم. (¬6) "حادي الأرواح "التي. (¬7) بالأصل "لها" وكتب فوقها "بها" مع وضع علامة التصحيح عليها. (¬8) في الأصل "فمنعه" ومصححه - فوقها "يمنعه" مع وضع علامة التصحيح عليها، وكذا حرف "خ" للإشارة إلى أنها هكذا في نسخة أخرى. (¬9) بعده في الأصل "الماضي" ومضروب عليها. (¬10) مقابلة بالهامش"فلزم" وعليها علامة "صح" وحرف "خ" إشارة إلى كونها هكذا في نسخة أخرى.

فناء الحركات، فقال: إنه تفنى حركات أهل الجنة، والنار حتى يبقوا في سكون دائم لا يقدر أحد منهم على حركة" (¬1) . وزعم طائفة ممن وافقهم على امتناع حوادث لا نهاية لها، كأبي الحسن بن الزاغواني (¬2) ، أن هذا القول هو المقتضى القياس العقلي، لكن السمع لما جاء ببقاء الجنة، والنار، قلنا به (¬3) ، ولم يعلم أن ما كان ممتنعا في العقل لا يجيء السمع بوقوعه، فإن السمع لا يخبر بوجود ما كان ممتنعا في العقل (¬4) . والأكثرون الذين وافقوا جهما، وأبا الهذيل على أصلها، فرقوا بين الماضي، والمستقبل من جهة العقل، بأن الماضي قد دخل في الوجود بخلاف المستقبل، والممتنع إنما هو أن يدخل في الوجود ما لا يتناهى. وقد بسط الكلام على هذه الأقوال في غير هذا الموضع (¬5) ، وبُيِّنَ غلط أصحابها، وأن الماضي إذا قيل: لا يتناهى، فإنما المراد أنه لا ابتداء له، فلم ينته من طرف الابتداء، وإلا فإذا قدر ماضيا منتقضا، فقد تناهى. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين ذكره الإمام ابن القيم في حادي الأرواح ص 340 وعزاه لشيخ الإسلام. (¬2) هو الإمام العلامة شيخ الحنابلة، كان من بحور العلم كثير التصانيف مع دين وتقوى وزهد وعبادة توفي سنة 527هـ سير أعلام النبلاء 19/605. (¬3) يريد بالسمع الدليل الشرعي من الكتاب والسنة. (¬4) وعليه فإنه لا يمكن أن يتعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك كتابا كبيرا يقع في عشرة مجلدات بعنوان "درء تعارض العقل والنقل" أو "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول" تحقيق د. محمد رشاد سالم، وهكذا الإمام ابن القيم أبطل شبهة من يزعم بأن هناك تعارضا بين الشرع والعقل الصريح الخالي من الشبهات وذلك من مائتين وخمسين وجها" الصواعق المرسلة ج3، ج4 تحقيق د. علي الدخيل الله. (¬5) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 8/153-154، 12/45.، "درء تعارض العقل والنقل" 8/345.

ففرض مالا يتناهى مطلقا، وجعله قاضيا منقضيا جمع بين النقيضين (¬1) . ولهذا كانت أدلتهم عليه جامعة بين النقيضين، مثل قولهم: يلزم أن يكون اليوم، وما سواه من الحوادث متوقفا على انقضاء ما نهاية له، وانقضاء ما لا نهاية له محال. فإنه يقال لهم نعم، ما لا يتناهى لا في الابتداء، ولا في الانتهاء، فانقضاؤه محال، أما إذا قدرتموه حتى مضى، وانتهى إلى حد. فقولهم بعد ذلك: أن انقضاءه محال، كلام متناقض، فإنكم فرضتموه قد انقضى وانتهى من هذا الجانب، جانب النهاية، دون جانب البداية، ومثل قولهم في دليل ذلك التطبيق، إذا فرضنا الحوادث إلى حين الطوفان، والحوادث إلى حين الهجرة، ثم طبقنا بينهما: فإما أن يتماثلا، وإما أن يتفاضلا، والتماثل ممتنع، والتفاضل يقتضي وقوع التفاضل فيما لا يتناهى، وهو محال، فإنه يقال لهم: هذه الحوادث، هي بعينها لكنها زادت بما بين الوقتين: وقت الطوفان، ووقت الهجرة، وسواء قدر أنها هي، أو أنها غيرها، فهذه أكثر من هذه، وهذا تفاضل فيما انتهى، وهو الماضي، فهو تفاضل فيما تناهى من أحد "2/أ" طرفيه من الطرف المتناهي، فإن كان تناهى ما لا ابتداء له في المستقبل ممكنا، فالتفاضل وقع من جهة كونه متناهيا، لا من جهة كونه غير متناه - أي - لا بداية له. وإن كان تناهى ما لا ابتداء له غير ممكن، فقولكم: تناهى الحوادث إلى زمان (¬2) الطوفان، أو الهجرة (¬3) ، باطل، وذلك أنه إذا قيل: إنه لم يزل الرب متكلما ¬

_ (¬1) النقيضان هما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان في آن واحد بل يلزم من وجود أحدهما عدم الآخر مثل: العدم والوجود، الموت والحياة "التعريفات" للجرجاني -باب الضاد- "العنوان" ص 179. (¬2) في الأصل "زمن" ومصححه فوقهما بما أثبته. (¬3) بالأصل هنا فوقه كلمة "قول" ومشار إلى أنها موجودة بنسخة أخرى.

بمشيئته، وقدرته، أو لم يزل فعالا لما يشاء، نحو ذلك مما يقتضي كونه فاعلها، كان هذا النوع قديما، وما وجب قدمه، امتنع عدمه، وذلك يقتضي امتناع انقضاء فعل الرب، نقيض قول الجهم، فإن عنده يجب انقضاء فعله وانقطاعه، ويمتنع عنده دوامه أبدا كما امتنع دوامه أزلا، ويجب عنده أن يكون لم يزل غير فاعل في الماضي، ولا في الأبد إذا فنيت الجنة والنار. وحقيقة قوله: أنه لم يزل غير قادر، ثم صار قادرا، ثم يصير غير قادر وهو يقول: ما كان له بداية، وجب أن يكون له نهاية. فأما إذا قدر أن الرب لم يزل قادرا على الفعل، والكلام بمشيئته، وأنه لم يزل متكلما إذا شاء فعالا لما يشاء، فهنا وجب وجود ما لا ابتداء له، ولا نهاية لابتدائه، فإذا قدر انتهاء هذا النوع كان باطلا، فإذا قيل: إن الحوادث انتهت إلى الطوفان أو الهجرة. فإن قيل: يقدر (¬1) الرب ما بقي بفعل شيئا، فهذا تقدير خلاف الواقع، بل هو ممتنع. وإن قيل: يقدر (¬2) فضلا في الذهن بين ما مضى وبين ما يستقبل، فهذا التقدير الذهني لا يغير الحقائق، بل الفعل الدائم في نفسه، ثم إذا قدر هذا في الذهن، فقد قدرت الحوادث الماضية انتهت إلى هذا الحد. وإذا انتهت قبلت الزيادة والنقصان، فإن ما ينتهي من الحوادث يقبل الزيادة والنقصان، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع (¬3) ، ولكن نبهنا هنا على أصل قول الجهم الذي أوجب له أن يقول بفناء الجنة والنار، حتى أنكر ذلك ¬

_ (¬1) رسمت الكلمة بالهامش هكذا "نقدر" صح ومعنى ذلك أنها تصبح بالياء أو بالنون في أولها. (¬2) رسمت بالأصل هكذا "نقدر" إشارة إلى صحة الوجهين فيها. (¬3) انظر أدلة القائلين بامتناع ما نهاية له من الحوادث، وجواب الشيخ على هذه الأدلة في منهاج السنة النبوية 1/432-436.

عليه أئمة الإسلام، وجمهورهم كفروه. والذين وافقوه على الأصل خالفوه في لوازمه فتناقضوا (¬1) . وفرق من فرق بين الماضي والمستقبل، بأن الماضي دخل في الوجود بخلاف المستقبل، فرق ضعيف "3أ" لوجوه: أحدها: إن الماضي قد جعله متناهيا، فلم يقع التفاضل إلا فيما تناهى دون ما لا تناهى كما تقدم، وحينئذ فما دخل في الوجوه إلا ما يتناهى من هذا الجانب، فهو تقدير يتناهى فما قدر متناهيا، ثم هذا إذا قدر أن تنهايه ممكن، فكيف إذا كان ممتنعا؟. الثاني: أن الدليل شامل للنوعين، فإنه يمكن أن يقال: الحوادث من الهجرة، ومن الطوفان إلى ما لا يتناهى، هل هما متفاضلان؟ أم متماثلان. فإن تماثلا فهو محال، لأن أحدهما أزيد من الآخر، وإن تفاضلا فهو محال، لأن التفاضل في ما لا يتناهى محال. فإن (¬2) قيل: هذا تقدير التفاضل، والتماثل في ما لم يكن بعد. قيل: نعم، لكنه تقدير التفاضل والتماثل، بتقدير وجوده لا في حال كونه معدوما، كما أن الماضي قدرتهم فيه التماثل، والتفاضل بعد عدمه بعد عدمه لا في حال وجوده، لكن قدرتهم تلك الحوادث الماضية التي عدمت كأنها موجودة. ففي كلا الموضعين إنما هو تقدير التفاضل، والتماثل فيما هو معدوم. فإن صح في أحد الموضعين صح في الآخر، وإن امتنع في أحدهما امتنع في الآخر. ¬

_ (¬1) تحته بالأصل "تناقضوا" مع الإشارة إلى مجيئه هكذا بنسخة أخرى وأنه صحيح أيضا. (¬2) فوقه بالأصل "وإذا".

الوجه الثالث: أن يقال: كون الشيء ماضيا، ومستقبلا أمرا إضافي بالنسبة إلى المتكلم المخبر، فيما مضى قبل كلامه، كان ماضيا، وما يكون بعده يكون مستقبلا، وبنسبة أحدهما إلى الآخر، فالماضي ماض على ما يستقبل، والمستقبل مستقبل لما قد مضى، وما من ماض إلا وقد كان مستقبلا، وما من مستقبل إلا وسيصير ماضيا، فليس ذلك فرقا يعود إلى صفات النوعين، حتى يقال: إن أحدهما ممكن، والآخر ممتنع، بل هذا الماضي كان مستقبلا، وهذا المستقبل يصير ماضيا، فتتصف كل الحوادث بالمضي والاستقبال، فلم يكن في ذلك ما هو لازم للنوعين يوجب الفرق بينهما. وبسط الكلام على ذلك له موضع آخر (¬1) . "والمقصود هنا: أن هذا القول "هو القول بفناء الجنة، والنار قول لم يعرف عن أحد من السلف: من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، والذين قالوه لم يقولوه تلقيا له من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم. وإعلامه وبيانه، ولا من قياس معقول دل عليه الرسول، وإنما قالوه عن قياس قاسوه بعقولهم، وهو خطأ في نفس الأمر" (¬2) ، وإن كان قد اشتبه على كثير من أهل الكلام فاعتقدوه حقا، حتى بنوا عليه وجوب حدوث ما لم يخل من الحوادث، بل وجوب حدوث ما تقوم به الحوادث "13/ب". ومن هذا قالوا: إن القرآن مخلوق هو، وغيره من كلام الله، وإن الله يمتنع أن يكون لم يزل متكلما إذا شاء، وعليه - أيضا - بنوا نفي الصفات، لأنها أعراض ¬

_ (¬1) انظر: الصفدية لشيخ الإسلام ابن تيمية 2/30-32. (¬2) ما بين القوسين ذكره ابن القيم في "حادي الأرواح" الباب: 67 ص343 بتصرف.

لا تقوم بإلا بجسم (¬1) ، ثم منهم من قال: إنه صار يتكلم بمشيئته، بعد أن لم يكن يتكلم بمشيئته، وهؤلاء منهم من قال: الكلام لا يقوم به، فيكون مخلوقا بائنا عنه، ومنهم من قال: بل يقوم بذاته، فيكون جنس كلامه حادثا، والذين وافقوا السلف على أنه لم يزل متكلما وافقوا الجهم على أصله، قالوا: إن كلامه قديم العين، وهو لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل هو لازم لذاته كالحياة، ثم من هؤلاء من قال: إنه معنى واحد، هو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل منهي، وهو معنى التوراة. والإنجيل، والزبور وكل كلام يكلم به عبادة المؤمنين، ملائكته وغيرهم. ومنهم من قال: بل هو حروف، أو حروف وأصوات أزلية، لم تزل ولا تزال لازمة لذاته، لا تتعلق بمشيئته وقدرته فهذه الطوائف الأربعة قد دخل في كل طائفة كثير من أهل النظر المعدودين من أكابر النظار، وأهل العلم، الناصرين للإسلام، أو للإسلام، والسنة وأصل أمرهم موافقتهم لجهم على قوله بامتناع دوام الحوادث، وأن الله يمتنع أن يكون لم يزل متكلما إذا شاء، فعالا لما يشاء، فوافقوه على أن كلام الرب (¬2) وفعله يمتنع أن يكون دائما بقدرته، ومشيئته، وعلى أن يمتنع أن يكون كلمات الله لا نهاية لها، وقد قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} إلى قوله: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (¬3) . ¬

_ (¬1) هذه هي الطريقة التي سلكها المبتدعة في تنزيه الرب، وهي لا تصح شرعا ولا عقلا، وقد ناقش شيخ الإسلام هذا المسلك، وبين بطلانه - انظر: كتاب "الصفدية" 2/33-53، وكلامه هنا واضح في الحكم بتخطيئته ورده. (¬2) فوقه بالأصل "الله" مشارا إلى كونه هكذا في نسخة أخرى. (¬3) سورة الكهف، الآية: 109.

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬1) . روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (¬2) عن سليمان بن عامر، قال: سمعت البيع بن أنس يقول: "إن مثل علم العباد كلهم في علم الله ربهم، كقطرة من هذه البحور كلها، وقد أنزل في ذلك: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬3) . وقوله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (¬4) . ذلك الذي عني في هذا الحديث، يقول: لو كان البحر مداداً لكلمات ربي، والشجر كلها أقلام، لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وبقيت كلمات الله قائمة دائمة (¬5) لا يفنيها شيء، لأن أحدا لا يستطيع أن يقدر قدره، ولا يثني عليه كما ينبغي، حتى يكون هو (¬6) الذي يثني على نفسه، إن ربنا كما نقول، وفوق ما نقول، ثم إن مثل نعيم الدنيا أوله وآخره في نعيم الآخرة، كحبة من خردل في خلال الأرض كلها" "4/أ". ¬

_ (¬1) سورة لقمان الآية:27. (¬2) لم يتيسر لي تفسير ابن أبي حاتم. وهذا النص أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره: 3/108و451وبدون سوق سنده إلى ربيع فقال وقال الربيع ... إلخ. (¬3) سورة لقمان، الآية:27. (¬4) سورة الكهف، الآية:109. (¬5) مقابلة بالأصل "قائمة" ومشار لكونها هكذا في نسخة أخرى. (¬6) مقابل هذا بهامش الأصل كلمة "بلغ" إشارة مقابلة النسخة بأصلها إلى هنا.

قلت (¬1) : ومثل هذا الكلام يقصد به التعبير عن عدم النهاية والنفاد والانقضاء. والمراد: أن كلمات الله لا انتهاء لها، فلا تنفد، ولا تنقضي، وقد ذكر الربيع مع ذلك نعيم الجنة، فإن الله تعالى - قال: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} (¬2) . فاخبر أنه: لا ينفد، فلا يكون له انقضاء، ولا فراغ وآخر ينتهي عنده (¬3) . وهذه الأقوال، والكلام عليها مبسوطة في غير هذا الموضع (¬4) ، والمقصود هنا في (¬5) فناء الجنة والنار، فقد تبين أن القول بفناء الجنة لم يعرف عن أحد من السلف، ولا الأئمة، وإنما هو قول جهم، ونحوه، وقد عرف فساده عقلا، ونقلا. وأما القول (¬6) بفناء النار: ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف والنزاع في ذلك معروف عن التابعين، ومن بعدهم. ¬

_ (¬1) بالأصل "قال" وأشير فوقها إلى أنها هكذا في نسخة أخرى، ثم كتب بالهامش "قلت" مع التخريج لدخولها في الصلب، فأثبتها. (¬2) سورة ص، الآية: 54. (¬3) بالأصل "ينتهي عنه" ومضروب عليها ومصححة بالهامش كما أثبتها. (¬4) بسط الشيخ - رحمه الله - هذه الأقوال في "منهاج السنة" 2/358-360، والعقل والنقل" 2/255-304-308، "الصفدية" 2/54. (¬5) كتب بالأصل بعد لفظة "في" كلمة "بقاء" وأشير فوقها إلى أنها هكذا في نسخة أخرى، ولكن بقية الكلام في الأصل متسق مع لفظ "فناء" فأثبته. (¬6) مقابلة بهامش الأصل عنوان هكذا "القول بفناء النار" ولم يشر لدخوله في الصلب، وجاء في نسخة "س" وهو بدايتها ما نصه "قال الشيخ الإسلام أبو العباس أحمد ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في رسالة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار ما نصه: وأما القول بفناء النار ... الخ". وأورد هذا النص ابن القيم في "حادي الأرواح" ص 344. وعزاه لشيخ الإسلام، انظر مقدمة كتاب: "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" للشيخ الألباني ص53-55.

وهذا (¬1) أحد المأخذين في دوام عذاب من يدخلها، فإن الذين يقولون: إن عذابهم له حد ينتهي إليه ليس بدائم، كدوام نعيم الجنة قد يقولون: إنها قد تفنى، وقد يقولون: إنهم يخرجون منها، فلا يبقى فيها أحد، لكن قد يقال: إنهم لم يريدوا بذلك أنهم يخرجون مع (¬2) بقاء العذاب فيها على غير أحد، بل يفنى عذابها، وهذا هو معنى فنائها. "وقد نقل هذا القول عن عمر، ابن مسعود، وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وغيرهم". وقد روى عبد بن حميد - وهو من أجل علماء الحديث - في تفسيره المشهور، قال: أنا سليمان بن حرب، أنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن البصري، قال: قال عمر: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج (¬3) ، لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه". وقال: أنبأ حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، أن عمر بن الخطاب قال: "لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج، لكان لهم يوم يخرجون فيه" (¬4) . ¬

_ (¬1) أي القول. (¬2) لفظ "مع" مكرر مرتين في الأصل. (¬3) مكان يقع "بين فيد والقريات" ينزلها بنو بحتر من طيء، وهي على طريق مكة، "معجم البلدان" لياقوت الحموي 4/70. (¬4) جاء بهامش الأصل مقابل هذا ما نصه "رواة هذا الأثر ثقات، والحسن سمعه من بعض التابعين، والله أعلم "وستأتي إشارة المؤلف بعد قليل إلى كون الحسن سمعه من التابعين، ولهذا ضعف الشيخ الصنعاني هذا الأثر من طريقيه، بانقطاع السند بين الحسن البصري وبين عمر - رضي الله عنه - لكون الحسن لم يدركه، ثم أيد الشيخ الألباني ما قرره انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة الموضوعة" للشيخ الألباني 2/73 و"رفع الأستار" للصنعاني ص 65 مع تعليق الألباني عليه.

ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (¬1) . وهذا يبين (¬2) أن مثل الشيخ الكبير (¬3) من علماء الحديث والسنة (¬4) يروي عن مثل هؤلاء الأئمة في الحديث، والسنة مثل سليمان بن حرب والذي هو من أجل علماء السنة والحديث، ومثل حجاج بن منهال في كلامهما (¬5) عن حماد بن سلمة مع جلالته في العلم، والسنة، والذي يروي من وجهين: من طريق سلمة مع جلالته في العلم، والسنة، والذي يروى من وجهين: من طريق ثابت (¬6) ، ومن طريق حميد (¬7) هذا عن الحسن من بعض التابعين فسواء كان هذا قد حفظ (¬8) هذا عن عمر، أو لم يحفظ (¬9) ، كان مثل ¬

_ (¬1) سورة النبأ الآية 23. (¬2) في الأصل "بين" ومضروب عليها، بالهامش كما أثبتها. (¬3) يعني: عبد بن حميد. (¬4) والسنة هنا ضد البدعة، فإن العالم قد يكون من أهل الحديث وهو مبتدع، ولهذا يمدح العالم إذا جمع هاتين الخصلتين: الاشتغال بحديث رسول الله، وكون مذهبه مذهب أهل الحق من غير بدعة، انظر: "فتاوى ابن الصلاح"1/213. (¬5) تحت هذه الكلمة بهامش الأصل كلمة "بلغ" إشارة إلى مقابلة النسخة بأصلها المنقولة منه. (¬6) هو ثابت البناني ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين، وله ست وثمانون، تقريب التهذيب" 1/115. (¬7) هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة مدلس من الخامسة مات سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وهو قائم يصلي وله خمس وسبعون "تقريب التهذيب" 1/202. (¬8) ضبطت الكلمة بالأصل هكذا "حفظ" ولعل ذلك قبل إضافة كلمة "هذا" في مقابلة النسخة بأصلها، لأنها مضافة بعد نهاية كلمة "حفظ" ومشار لدخولها في الصلب بعلامة "صح". (¬9) ضبطت بالصلب هكذا "يحفظ" ولعل هذا قبل إضافة كلمة "هذا" في المقابلة بالأصل كما أشرت، لأن مع وجودها لا يستقيم المعنى على الضبط المذكور. وأيضا جاء بهامش الأصل مقابل "يحفظ" ما نصه: "يحفظه" مع الإشارة لوجوده هكذا بنسخة أخرى.

هذا الحديث متداولاً بين هؤلاء العلماء الأئمة لا ينكرونه، وهؤلاء كانوا ينكرون على من خرج عن السنة (¬1) من الخوارج، والمعتزلة، والمرجئة، والجهمية. وكان أحمد بن حنبل يقول: "أحاديث حماد بن سلمة هي الشجا (¬2) في حلوق المبتدعة" (¬3) . فهؤلاء من أعظم أعلام السنة الذين ينكرون من البدع ما هو دون هذا لو كان هذا القول عندهم من البدع المخالفة للكتاب والسنة، والإجماع، كما يظنه طائفة من الناس. وعبد بن حميد ذكر هذا في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (¬4) . ليبين قول من قال: الأحقاب لها أمد ينفذ، ليست كالرزق الذي ماله من نفاذ، ولا ريب أنه من قال هذا القول، قول عمر، ومن نقله عنه، إنما أرادوا بذاك جنس أهل النار الذين هم أهلها. فأما قوم أصيبوا بذنوب، فأولئك قد علم هؤلاء، وغيرهم، بخروجهم منه، وأنهم لا يلبثون فيها قدر رمل عالج، ولا قريبا من ذلك. والحسن كان يروي حديث الشفاعة في أهل التوحيد، وقد ذكره ¬

_ (¬1) ما بين القوسين أورده ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح" ص 346-347، وعزاه لشيخ الإسلام. (¬2) الشجا هو "ما ينشب في الحلق من عظم وغيره" كالشوك "مختار الصحاح "ص330"، وجاء مقابلة بهامش الأصل ما نصه معنى "الشجا" الشوك. (¬3) انظر ثناء الإمام أحمد على حماد بن سلمة في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي 7/450-452. (¬4) سورة النبأ الآية 23.

البخاري (¬1) ، ومسلم عنه (¬2) ، وكذلك حماد بن سلمة كان يجمعها، ويحدث بها، وكذلك سليمان بن حرب، وأمثاله، فهذا عندهم لا يقال فيه مثل هذا، ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين، بل يختص بمن عداهم، كما قاتل النبي صلى الله عيه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها، ولا يحيون" (¬3) . وقوله: يخرجون منها، أي يخرجون من جهنم بعد أن يفنى عذابها، وينفذ وينقطع. فهم لا يخرجون منها يعني جهنم، بل هم خالدون في جهنم كما أخبر الله سبحانه وتعالى. لكن إذا انقضى أجلها، وفنيت كما تفنى الدنيا، لم يبق فيها عذاب، وذلك أن العالم لا يعدم، وجهنم في الأرض، والأرض لا تعدم بالكلية ولكن فناؤها بتغير (¬4) حالها، واستحالتها من حال إلى حال (¬5) كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (¬6) ، وهم لا يعدمون (¬7) بل يموتون، ويهلكون، كما قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (¬8) . ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري "مع شرحه "فتح الباري" كتاب التوحيد - باب كلام الرب - عز وجل - يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، حديث رقم "7510"-13/481. (¬2) "صحيح مسلم": كتاب الإيمان 1/182 رقم الحديث "326"، ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي. (¬3) "صحيح مسلم" كتاب الإيمان" باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار" 1/172 رقم الحديث "306" من رواية أبي سعيد الخدري. (¬4) في هامش الأصل مقابل هذا ما نصه "بتغيير" مع الإشارة إلى أنها هكذا في نسخة أخرى. (¬5) اختلف العلماء في تبديل الأرض يوم القيامة هل هو تبديل ذات أو تبديل صفة، انظر: تفسير الطبري 13/249-254، اختاره رحمه الله أن هذه الأرض التي نحن عليها اليوم تبدل يوم القيامة غيرها، ولم يتعرض للتبديل هل هو تبديل صفة أو تبديل ذات لكونه لم يرد شيء من ذلك. (¬6) سورة الرحمن، الآية: 26. (¬7) مقابلة بهامش الأصل ما نصه "يعذبون" مع الإشارة إلى كونه في نسخة أخرى. (¬8) سورة النحل، الآية: 96.

فإذا أنفذه (¬1) الرجل فقد نفذ ما عنده، إن كان لم يعدم، بل يعدم، بل انتقل من حال إلى حال (¬2) . وفي "تفسير علي بن أبي طلحة (¬3) الوالبي" "5/أ"، عن ابن عباس - وهو معروف مشهور، ينقل منه عامة المفسرين الذين يسندون كابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبيهقي والذين يذكرون الإسناد مجملا، كالثعلبي، والبغوي، والذين لا يسندون كالماوردي، وابن الجوزي، قال: قوله: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (¬4) . قال: "وفي هذه الآية إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارا" (¬5) . قال الطبري (¬6) : "وروي عن ابن عباس أنه كان يتأول في هذا الاستثناء: ¬

_ (¬1) تحته بهامش الأصل ما نصه "أنفذه" مع الإشارة لكونها هكذا في نسخة أخرى. (¬2) " قوله من حال إلى حال" هذا نهاية المقطع الأول من مخطوطته "س" وأشار إليه بقوله "انتهى" انظر صورة المخطوطة في مقدمة الشيخ الألباني لكتاب "رفع الأستار للصنعاني" "ص11، 54". (¬3) مقابلة بهامش الأصل ما نصه "طرة" "الوالبي ثقة، لكنه لم يدرك ابن عباس، إنما أخذ عن أصحابه، والله أعلم، وأرسل عنهم" اهـ. وكلمة "طرة" معناها الوريقة التي تلحق بالمخطوط، فالمعنى: أن لكلام المذكور وجد بوريقة صغيرة ملحقة بالأصل المنقول عنه تلك النسخة هـ. أقول: وتوثيق علي بن أبي طلحة صرح به العجلي، ولكن تكلم فيه محمد بن عبد الله بن نمير ولخص ابن حجر حاله بقوله: صدوق يخطئ، تهذيب التهذيب 7/339 والتقريب 2/39. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 128. (¬5) سيأتي الحكم على هذا الأثر قريبا "ص 58". (¬6) " تفسير الطبري - جامع البيان" 8/34.

أن الله تعالى جعل أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته ثنا عبد الله (¬1) ثنا معاوية (¬2) ، عن علي (¬3) ، عن ابن عباس، قال: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا} (¬4) . قال في هذه الآية: "إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارا" (¬5) . وهذا الوعيد في هذه الآية ليس مختصا بأهل القبلة (¬6) فإنه قال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬7) . "فأولياؤهم (¬8) من الإنس" لفظ يدخل فيه الكفار قطعا، فإنهم أحق بموالاتهم من عصاة المسلمين. ¬

_ (¬1) عند الطبري: حدثني المثنى قال حدثنا عبد الله بن صالح. (¬2) عند الطبري: حدثنا معاوية بن صالح. (¬3) عند الطبري: عن علي بن أبي طلحة. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 128. (¬5) قال الشيخ الألباني معلقا على هذا الأثر: "قلت هذا أثر منقطع لأن علي ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، وإن كان معناه صحيحا ثم إن في الطريق إليه عبد الله بن صالح وهو ضعيف.." انظر "رفع الأستار" "ص 71" هامش 24. (¬6) أهل القبلة عرفهم شارح الطحاوية بقوله: المارد بأهل قبلتنا: من يدعي الإسلام، ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل المعاصي ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم "شرح الطحاوية" "ص351". (¬7) سورة الأنعام، الآيتان:128-129. (¬8) مقابلة بهامش الأصل "وأولياؤهم" مع الإشارة إلى كونه هكذا بنسخة أخرى.

وقال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} (¬1) . وقال تعالى: {جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} (¬2) . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ (¬3) مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ، وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} (¬4) . وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (¬5) . وقال تعالى: {فَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} (¬6) . وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (¬7) . "15/ب". فأمر بقتال أولياء الشيطان، وهم الكفار، وقال: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (¬8) . ¬

_ (¬1) سورة النحل، الآيتان: 99، 100. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 27. (¬3) بالأصل "طيف" وما أثبته هو الموافق لرسم المصحف. (¬4) سورة الأعراف، الآيتان: 201-202. (¬5) سورة سبأ، الآيتان: 40-41. (¬6) سورة الكهف، الآية: 50. (¬7) سورة النساء، الآية: 76. (¬8) سورة المجادلة، الآية: 19.

وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (¬1) . فأخبر أنهم يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوكم (¬2) ، فهذه وأمثالها تبين أن الكفار أولياء الشياطين، فهم أحق الناس بدخول في قوله: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (¬3) . وقد قال ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: "إن هذه الآية تقتضي أنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارا" (¬4) . فدل على أن هذا الاستثناء عنده دفع العذاب عنهم، وهذا مدلول الآية، وأنه لأجل هذه الآية يجب أن يتوقف، فلا يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ونارا، وهذا يناقض قول من يقول (¬5) سوى ما شاء الله من أنواع العذاب، وإلا مدة مقامهم قبل الدخول من حين بعثوا إلى أن دخلوا، فإن ذلك معلوم أنه قبل الدخول لم يكونوا فيها، وقول من يقول في أهل الجنة فإنها صريحة في تناول الكفار. لكن ذكر البغوي، أن ابن عباس قال: "الاستثناء يرجع إلى قوم سبق فيهم علم الله وأنهم يسلمون فيخرجون من النار" (¬6) . ولم يذكر من نقل (¬7) هذا عن ابن ¬

_ (¬1) سورة الأنعام، الآية: 121. (¬2) مقابلة بهامش الأصل "ليجادلوا المؤمنين "مع الإشارة إلى كونه هكذا بنسخة أخرى. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 128. (¬4) الأثر سبق تخريجه "ص58". (¬5) فوقها بالأصل "قال" مع الإشارة لكونها بنسخة أخرى. (¬6) تفسير البغوي المسمى: "معالم التنزيل" 2/131. (¬7) في الأصل "قال" ومكتوب فوقها "نقل" وعليها علامة التصحيح وعلامة كونها هكذا أيضا في نسخة أخرى.

عباس، فإن أريد بذلك من أسلم في الدنيا فليس كذلك، فإن الخطاب إنما هو لمن كان من أولياء الشيطان (¬1) والجن الذين استمتع بعضهم ببعض وهؤلاء من جملة المسلمين، وجميع من أسلم سبق فيه علم الله، وأنه يسلم، وكأن قائل هذا القول ظن أن هذا خطاب للأحياء، وليس كذلك، بل هذا خطاب لهم يوم القيامة، وإن أراد أنهم يسلمون في جهنم فيخرجون منها، وهذا خلاف ما دل عليه القرآن في غير موضع، فعن عبد الله بن مسعود قال: "ليأتين على جهنم زمان، ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا، وهؤلاء هم الكفار، وعن أبي هريرة ومثله" (¬2) قال البغوي: "ومعناه عند أهل السنة - إن ثبت - ألا يبقى فيها أحد من؟ أهل الإيمان" (¬3) . فيقال: إنهما لم يريدا ذلك، فإنهما بعد ما يلبثون فيها أحقابا وهؤلاء هم الكفار المذكورون في قوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَاءً وِفَاقاً إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً} (¬4) . وهذا الوصف الذين كذبوا بآيات الله {كِذَّاباً} أي تكذيبا، فهو تكذيب مؤكد بالمصدر، ولم أجد نقلا مشهورا عن أحد من الصحابة يخالف ذلك، بل أبو سعيد وأبو هريرة هما رويا حديث ذبح الموت (¬5) ، وأحاديث الشفاعة، وخروج ¬

_ (¬1) مقابلة بالهامش "الشياطين" مع الإشارة إلى كونه بنسخة أخرى. (¬2) أورده البغوي في تفسيره "معالم التنزيل" 2/403. (¬3) المرجع السابق نفسه. (¬4) سورة النبأ، الآيات: 21-28. (¬5) حديث ذبح الموت رواه أبو سعيد الخدري، كما في "صحيح البخاري" مع شرجه "فتح الباري" كتاب التفسير باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} 8/282 رقم الحديث "4730"، رواه أبو هريرة كما في "مسند أحمد" 2/423.

أهل التوحيد (¬1) وغيرهما، قالا في فناء النار ما قالا، وقد نقل البغوي: روى السدي، عن مرة، عن عبد الله، قال: "لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا" (¬2) . وقد استفاض عن غير واحد من السلف تقدير الحقب بحد محدود، والأحقاب، جمع حقب، فروى ابن أبي حاتم عن عطية، عن ابن عباس قال في قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (¬3) . قال: "سنين" (¬4) . وعن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة قال: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (¬5) . قال: الحقب: ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، واليوم كألف سنة (¬6) ، اليوم منها كالدنيا كلها. قال ابن أبي حاتم، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهلال الهجري والضحاك، وذكوان، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعمرو بن ميمون أنهم قالوا: الحقب: ثمانون سنة (¬7) . وعن هشام، عن الحسن البصري أنه سئل عن قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} فقال: الله أعلم بالأحقاب (¬8) فليس فيها عدد إلا الخلود، ولكنه بلغنا أن ¬

_ (¬1) انظر المصدر السابق ص 14. (¬2) موضع هذا النص الذي بين المعقوفتين بياض في الأصل، فاستدركه من المصدر الذي عزاه المؤلف إليه وهو معالم التنزيل للبغوي 4/438. (¬3) سورة النبأ، الآية: 23. (¬4) أورده السيوطي في" الدر المنثور" 8/394 وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس. (¬5) سورة النبأ، الآية: 23. (¬6) أخرجه الإمام الطبري في "تفسير" 30/11. (¬7) انظر "تفسير ابن كثير" 4/463. (¬8) مقابلة بهامش الأصل "ما الأحقاب؟ " مع الإشارة إلى كونه هكذا جاء بنسخة أخرى.

الحقب الواحد: سبعون ألف سنة، كل يوم من تلك الأيام كألف سنة مما تعدون (¬1) . وعن هشام، عن الحسن قال: "الأحقاب" لا يدري أحد ما هي؟ ولكن الحقب الواحد: سبعون ألف سنة، اليوم منها كألف سنة مما تعدون (¬2) وقوله: الله أعلم ما الأحقاب، ولا يدري ما هي؟ يقتضي أن لها عددا الله أعلم، ولو كانت لا عدد لها لعلم كل أحد أنه لا عدد "16/ب" لها، ويؤيد ما نقله الحسن، عن عمر بن الخطاب كما تقدم (¬3) ، قول الحسن: "ليس فيها عدد إلا الخلود" حق أيضا، فإنهم خالدون فيها، لا يخرجون منها ما دامت باقية، فأقوال الحسن يصدق بعضها بعضا. وأما خلودهم في النار فهو حق كما أخبر الله. وعن السُّدي: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} قال: "سبعمائة حقب، كل حقب سبعون سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم كألف سنة مما تعدون" (¬4) . وعن عبد الله بن عمرو قال: "الحقب: أربعون سنة" (¬5) . وقد تنازع الناس في الأحقاب، هل هي مقدرة محدودة؟ على قولين: فعلى قول السدي وغيره: هي محدودة، مقدرة، وهو قول الزجاج، وغيره، لكن قال الزجاج: "المعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا" (¬6) . ¬

_ (¬1) "تفسير الطبري" 30/ 11-12، و"تفسير ابن كثير" 4/463 (¬2) "تفسير الطبري" 30/12 (¬3) "ص53". (¬4) "تفسير ابن كثير" 4/464. (¬5) المصدر السابق 4/463. (¬6) "لسان العرب" لابن منظور مادة "حقب 1/326- عزاه للزجاج.

قال الزجاج: "وبيانه: أن الأحقاب حدّ لعذابهم بالحميم والغساق، فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب" (¬1) . وهذا الذي قاله الزجاج شاذ، خلاف ما عليه الأولون والآخرون، وهو خلاف ما دل عليه القرآن، فإن هذا يقتضي أنهم يبقون بعد الأحقاب فيها، ولكن لا يذوقون البرد والشارب حينئذ، وهذا باطل قطعا، ثم إذا ذاقوا البرد والشارب فهذا نعيم، فكيف يكونون معذبين فيها ذلك؟ وقال بعضهم: هذه الآية منسوخة (¬2) ، وقيل: "هي في أهل التوحيد" (¬3) . قال عبد الحق بن عطية في "تفسيره" (¬4) . "ومن الناس من ظن لذكر الأحقاب أن مدة العذاب تنحصر وتتم، فطلبوا التأويل لذلك، فقال مقاتل بن حيان: الحقب سبع عشرة ألف سنة وهي منسوخة بقوله تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} (¬5) . قال: وقد ذكرنا فساد هذا القول (¬6) . ¬

_ (¬1) " زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي 9/8 وعزاه للزجاج. (¬2) وممن ذهب إلى ذلك مقاتل بن حيان حيث قال: وهذه الآية {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} منسوخة نسختها {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} 2 يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل تفسير البغوي "معالم التنزيل" 4/438، تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" 19/179. (¬3) وبه قال خالد بن معدان، والإمام الطبري. "تفسير الطبري" 30/12. (¬4) تفسير ابن عطية هو المحرر الوجيز تفسير الكتاب العزيز" وقد طبع نصف الكتاب في دولة قطر، ولا يزال النصف الأخير تحت الطباعة ثم طبع كاملا في المغرب. (¬5) سورة النبأ لآية: 30. (¬6) وعلل الإمام الطبري فساد هذا القول بقوله: "إنه لا معنى للنسخ لأن قوله {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} خبر، والأخبار لا يكون فيها نسخ وإنما النسخ في الأمر والنهي" 30/12.

وقال آخرون: الموصوف (¬1) باللبث أحقابا عصاة المؤمنين (¬2) قال: وهذا أيضا ضعيف فما (¬3) بعده من السورة يرد عليه. وقال آخرون: إنما المعنى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (¬4) غير ذائقين بردا ولا شرابا، فهذه الحال: يلبثون أحقابا، ثم يبقى العذاب سرمدا وهم يشربون أشربة جهنم (¬5) . والقول الثاني: إنها غير مقدرة "7/1"، وقال هؤلاء: هذا لا يدل على غاية، لأنه كلما مضى حقب تبعه حقب، ولو أنه قال: لابثين فيها عشرة أحقاب، أو خمسة أحقاب دل على غاية، هذا قول ابن قتيبة (¬6) وغيره. قال أبو الفرج بن الجوزي: وهذا قول ابن قتيبة والجمهور (¬7) وبيانه: إن زمان أهل الجنة والنار يتصور دخوله تحت العدد كقوله تعالى: {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} (¬8) ، ومثل هذا، أن كلمات الله داخلة تحت العدد وإن لم يكن لها نهاية، فيقال: هذا ممنوع، فما لا نهاية يمتنع أن يدخل تحت العدد، وإنما يدخل تحت العدد ما له مقدار محدود وهو المعدود، لكن إذا أخذ بعض من أبعاضه دخل تحت العدد كالبكرة والعشي، وهو مقدار يوم من أيام الجنة، ويعرف ذلك بنور يظهر لهم يزيد (¬9) على ¬

_ (¬1) مقابلة بهامش الأصل "الموصوف" مع الإشارة إلى كونه هكذا في نسخة أخرى. (¬2) انظر تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" 19/178. (¬3) فوقه بالأصل "ما" ومشار لكونه هكذا بنسخة أخرى. (¬4) سورة النبأ، الآية: 23. (¬5) أخرج نحوه ابن جرير في تفسيره "جامع البيان" 30/12 وقال: "وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية". (¬6) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة، تحقق السيد أحمد صقر ص 509. (¬7) انظر: "زاد الميسر في علم التفسير" لابن الجوزي 9/8. (¬8) سورة مريم الآية:62. (¬9) مقابلة بهامش الأصل "زائد" لكونه هكذا بنسخة أخرى.

النور المعتاد، يعرفون به البكرة والعشي، كما تظهر الشمس لأهل الدنيا، لكن الجنة ليس فيها ظلمة. وقوله: كلمات الله داخلة تحت العدد (¬1) ممنوع إنما يدخل منها تحت العدد بعض من أبعاضها مثل الآيات المنزلة، وإلا فيما لا نهاية له كيف يكون معدودا وكلما عد بقدر معدود فهو ما حد، وما يقدره الإنسان بلسانه وذهنه من العدد فله حد، والذي لا يتناهى ليس له مقدار لا في ذهنه ولا في لسانه. وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} (¬2) ، {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬3) . قال ابن أبي حاتم: ذكر عن جعفر بن سليمان، عن الجريري قال: سمعت أبا نضرة يقول: ينتهي القرآن إلى هذه الآية: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬4) . وقد روى حرب الكرماني، وأبو بكر البيهقي عن أبي سعيد الخدري، وعن قتادة في قوله: {فَأَمَّا (¬5) الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (¬6) . والله أعلم بتثنيته على ما وقعت (¬7) . ¬

_ (¬1) جواب الشيخ على من زعم أن كلمات الله داخلة تحت العدد. (¬2) ليس في الأصل وأثبته تبعا لسياق الآية في موضعها. (¬3) سورة هود، الآية: 107. (¬4) هذا الأثر أورده الشوكاني في "تفسيره" وقال: أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي "فتح القدير" 2/527. (¬5) في الأصل "وأما" والصواب ما أثبته. (¬6) سورة هود، الآيتان: 106-107. (¬7) أخرج نحو الطبري في "تفسيره" عن قتادة 13/114 وأورده السيوطي وعزاه لبعد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة "الدر المنثور" 4/478.

وروى الطبري، عن يونس، نا ابن وهب، نا ابن زيد. في قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فقرأ حتى بلغ: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (¬1) فأخبرنا الذي شاء لأهل الجنة، فقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار (¬2) . وعن السُّدي: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} . عن هذه الآية يوم نزلت كانوا يطعمون في الخروج. قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} (¬3) ، ذكر البغوي عن عبد الرحمن بن زيد أنه قال: قد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالذي لأهل الجنة، فقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار (¬4) . وقد روى علماء السنة والحديث في ذلك آثارا عن الصحابة والتابعين مثل ما روى حرب الكرماني، وأبو بكر البيهقي، وأبو جعفر الطبري وغيرهم عن الصحابة في ذلك. وفي المسند (¬5) للطبراني: ذكر فيه "أنه ينبت فيها الجرجير" (¬6) ، وحينئذ فيحتج على فنائها بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة - مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب، ولا سنة ولا أقوال الصحابة -. منها ما رواه حرب، والبيهقي قال حرب الكرماني: "سألت إسحاق عن ¬

_ (¬1) سورة هود الآيتان: 107-108. (¬2) تفسير الطبري ط جامع البيان" 13/119. (¬3) ذكر الله تأييد الخلود في النار في مواضع منها: سورة النساء الآية: 169، سورة الأحزاب، الآية: " 65، وسورة الجن، الآية: 23. (¬4) "معالم التنزيل" للبغوي 2/403. (¬5) مقابلة بهامش الأصل" وفي المسند"، الحديث" ومشار انه جاء هكذا في نسخة أخرى. (¬6) لم أقف على هذا الأثر في مظانه من كتب الطبراني، وقد أورده القرطبي في "التذكرة" "ص528". وعزاه للخطيب البغدادي.

قول الله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (¬1) . قال: أتت هذه الآية على كل وعيد في القرآن (¬2) . قال إسحاق: ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا معتمر بن سليمان، قال: قال لي أبي: ثنا أبو نضرة، عن جابر، أو أبي سعيد، أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه الآية تأتي على القرآن كله {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬3) . قال المعتمر: قال أبي: عنى كل وعيد في القرآن (¬4) . رواه أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره (¬5) قال: ثنا الحسن بن يحيى، أنا عبد الرزاق، أنا ابن التيمي، عن أبيه أبي نضرة، عن جابر، أو أبي سعيد، أو عن رجل من؟ أصحاب النبي صلى لله عليه وسلم في قوله سبحانه: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬6) . قال: هذه الآية تأتي على القرآن كله، فيقول: حيث كان في القرآن: {خَالِدِينَ فِيهَا} تأتي عليه (¬7) . وقال ابن جرير، حدثت عن ابن المسيب، عمن ذكره عن ابن عباس: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (¬8) . قال: استثنى الله عز وجل قال: يأمر النار أن تأكلهم (¬9) . ¬

_ (¬1) سورة هود، الآية:107. (¬2) لم أقف على هذا الأثر في مظانه. (¬3) سورة هود، الآية 107. (¬4) أخرجه البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" ص 205. (¬5) مقابلة بهامش الأصل ما نصه "هذا" إسناد صحيح على شرط مسلم. (¬6) سورة هود، الآية: 107. (¬7) تفسير الطبري ط جامع البيان" 13/118 قال السيوطي وأخرجه عبد الرزاق وابن الضريس، وابن جرير وابن منذر والطبراني والبيهقي "الدر المنثور" 4/476. (¬8) سورة هود، الآية:107. (¬9) تفسير الطبري 13/18 "بتصرف" وفي هامش الصب "أمر الله النار" وعليها علامة التصحيح وعلامة أنها هكذا جاءت في نسخة أخرى.

قال (¬1) : وقال ابن مسعود: "ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا" (¬2) . وقال ثنا محمد بن حميد الرازي (¬3) ، ثنا جرير، عن بيان (¬4) ، عن الشعبي قال: "جهنم أسرع الدارين عمرانا، وأسرعهما خرابا" (¬5) . وقال حرب الكرماني، عن إسحاق بن راهوية، ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي، ثنا شعبة، عن أبي بلج، سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال: "ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها، ليس أحد" (¬6) ، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا. ¬

_ (¬1) القائل هو ابن جرير الطبري. (¬2) المصدر السابق نفسه. (¬3) جاء بهامش الأصل مقابله ما نصه "متكلم فيه، محمد بن حميد الرزاي، تكلم فيه، وابن جرير الطبري يكثر عنه، ومن لفظه"، وقد لخص ابن حجر العسقلاني حالة بقوله: حافظ ضعيف "التقريب" 2/156. (¬4) جاء مقابله بهامش الأصل ما نصه: "بيان ثقة، خرج له في الصحيحين" وهو بيان ابن بشر الأحمسي، ثقة ثبت روى له الجماعة "التقريب" ترجمة "789". (¬5) أخرجه ابن جرير في تفسيره "جامع البيان" 13/118 وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/478. (¬6) هذا الأثر أورده الذهبي في ميزان الاعتدال، في ترجمة "أبو بلج العزازي" وعدَّ الذهبي هذا الأثر من بلاياه وحكم عليه بقوله "وهذا منكر" "ميزان الاعتدال" 4/384. انظر: "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" للشيخ الألباني 2/72.

وقال إسحاق، ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة وعن أبي هريرة، قال: أما الذي أقول: "إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد، وقرأ: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} الآية (¬1) . ¬

_ (¬1) الآية رقم 106 من سورة هود، والأثر أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/478، عزاه لإسحاق بن راهويه عن أبي هريرة، وجاء بهامش الأصل مقابله ما نصه: "هذا الإسناد جيد، ويحيى بن أيوب، هو البجلي الجريري، من ولد جرير بن عبد الله، صدوق. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس" اهـ. أقول: وقد قال ابن حجر عنه في "التقريب" "ترجمة 7510" لا بأس به. وباقي رجاله ثقات، فالحكم بأن هذا إسناد جيد، في محله.

طرق القائلين بدوام النار أربع

طرق القائلين بدوام النار أربع الذين قطعوا بدوام النار (¬1) قلت: والذين قطعوا بدوام النار، لهم أربع طرق (¬2) . أحدها: ظن الإجماع فإن كثيرا من الناس يعتقد أن هذا مجمع عليه، ولا خلاف فيه بين السلف، وإن كان فيه خلاف حادث، فهو من أقوال أهل البدع. والثاني: أن القرآن قد دل على ذلك دلالة قطعية، فإنه أخبر بخلودهم في النار أبدا في غير موضع من القرآن (¬3) . والثالث: أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من في قلبه مثال ذرة من إيمان من النار دون الكفار، فإنهم لم يخرجوا (¬4) . والرابع: قول من يقول: الرسول وقفنا على ذلك، وعلمناه من بعده ضرورة ولا يحتجون بنص معين، وعامة الناس يقولون: هذا لا نعلمه إلا من الخبر وشذ بعضهم فزعم أن العقل دل على خلود الكفار. فأما الإجماع فهو أولا: غير معلوم، فإن هذه المسائل لا يقطع فيها بإجماع، نعم قد يظن فيها الإجماع وذلك قبل أن يعرف النزاع، وقد عرف النزاع قديماً ¬

_ (¬1) هذا العنوان جاء بهامش الأصل، دون إشارة إلى دخوله في الصلب، فأثبته بين مربعين للتوضيح. (¬2) ذكر العلامة ابن القيم هذه الطرق التي ذكرها شيخه شيخ الإسلام مع شيء من البسط والترتيب، انظر: "حادي الأرواح" "353-357". (¬3) تقدم ذكر ذلك "ص67" هامش رقم 3. (¬4) انظر حديث الشفاعة "56".

أدلة خلود النار من الكتاب

وحديثا، بل إلى الساعة لم أعلم أحدا من الصحابة قال: إنها لا تفنى، وإنما المنقول عنهم ضد ذلك ولكن التابعون نقل عنهم هذا وهذا. أدلة خلود النار من الكتاب وأما القرآن، فالذي دل عليه وليس في القرآن ما يدل على أنها لا تفنى، بل الذي يدل عليه ظاهر القرآن أنهم خالدون فيها أبدا، كما أخبر الله - عز وجل - (¬1) في غير موضع، وأخبر أنهم يطلبون الموت (¬2) ، والخروج منها (¬3) ويطلبون تخفيف العذاب (¬4) ، فلا يجابون: لا إلى هذا ولا على هذا، وأخبر أنهم ماكثون فيها (¬5) ، وأخبر أنهم {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} (¬6) . وقال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} (¬7) ، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} (¬8) . وقال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (¬9) . ¬

_ (¬1) بالأصل "ذلك" وما أثبته هو الموافق للسياق. (¬2) كما في قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} سورة الزخرف، الآية: 77 وسيأتي ذكر المؤلف لها، قريبا. (¬3) سيأتي ذكر المؤلف للآية قريبا. (¬4) الآيتان 49-50 من سورة غافر، وسيأتي ذكر المؤلف لهما قريبا. (¬5) كما في آية الزخرف 77. (¬6) سورة فاطر، الآية 36. (¬7) سورة فاطر، الآية 37. (¬8) سورة المؤمنون الآيتان: 107-108. (¬9) سورة الزخرف، الآيات: 74-78.

وقوله: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أي: يميتنا، وهكذا قال المفسرون مثل: السدي وابن زيد وغيرهما. قال السدي: يقضي علينا بالموت، وقال ابن زيد: القضاء هاهنا: الموت (¬1) . وكذلك قال سائر المفسرون (¬2) ، وهذا كقوله تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} (¬3) . وعن الفراء في قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} إلى قوله تعالى (¬4) . {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} (¬5) . وذلك أن القضاء هو الإكمال والإتمام، والأمر المقتضى (¬6) هو الذي قد مضى وفرغ. وبالموت تنقضي حياة الإنسان، فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} (¬7) . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} (¬8) . ¬

_ (¬1) تفسير الطبري- جامع البيان- 25/99. (¬2) انظر: "معالم التنزيل للبغوي" 4/146، "وزاد لابن الجوزي" 7/330، و" تفسير القرآن العظيم" لابن بن كثير 4/135. (¬3) سورة فاطر، الآية: 36. (¬4) ليست بالأصل وأثبتها من عندي للتوضيح. (¬5) سورة الحاقة، الآيات: 25-27. (¬6) في صلب النص هكذا "المقضى" ومصوبة بالأصل كما أثبتها. (¬7) سورة غافر، الآيتان: 49-50. (¬8) سورة البقرة، الآيتان: 161-162.

أحاديث الشفاعة

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي (¬1) كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} (¬2) . وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (¬3) . فهذه النصوص وأمثالها في القرآن تبين أنهم خالدون في جهنم لا يموتون ولا يحيون (¬4) ، وأنهم (¬5) يسألون هذا وهذا فلا يجابون. وهذا يقتضي خلودهم في جهنم - دار العذاب - مادام ذلك العذاب باقيا ولا يخرجون منها مع بقائها وبقاء عذابها، كما يخرج أهل التوحيد، فإن هؤلاء يخرجون منها بالشفاعة، وغير الشفاعة مع بقائها، كما يخرج ناس من الحبس الذي فيه العذاب مع بقاء الحبس والعذاب لذي فيه على من لم يخرج. أحاديث الشفاعة وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "صحيح مسلم" (¬6) : عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم، فأماتهم الله ¬

_ (¬1) في الأصل هكذا" يجزي" وما أثبته هو قراءة حفص، كما في رسم المصحف. (¬2) سورة فاطر، الآيتان: 36-37. (¬3) سورة الأنعام، الآيتان: 27-28. (¬4) كتب فوقها في الصلب ط يخرجون" مع الإشارة إلى كونها جاءت هكذا في نسخة أخرى. (¬5) في الصلب "فإنهم" ومصوبة بالهامش كما أثبتها. (¬6) الحديث سبق تخريجه ص 56.

إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر (¬1) ، ضمائر فبثوا (¬2) على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل" (¬3) . وفي "الصحيحين" (¬4) عن أبي هريرة في الحديث الطويل الذي فيه المرور على الصراط، والشفاعة، وقال فيه: "حتى إذا فرغ الله من القصاص بين العباد، فأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يقول: لا إله إلا الله فيعرفونهم بأثر السجود، وتأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القصاص بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار"، وذكر صرفه عن النار، ثم تقدمه إلى الجنة، ثم إلى بابها، ثم إدخاله (¬5) الجنة، وانه يعطيه ما تناه، مثله معه (¬6) . ورواه أبو سعيد، وقال: "وعشرة أمثاله" (¬7) . ¬

_ (¬1) هم الجماعات في تفرقة" النهاية لابن الأثير" 3/71. (¬2) في الصلب" فيبثون" ومصوبة بالهامش كما أثبتها، وهي الموافقة للفظ الحديث في مسلم. (¬3) قوله "حميل السيل" هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء أو غيره" "النهاية" لابن الأثير 1/442. (¬4) في الصلب" الصحيح" كتب فوقها "الصحيحين" مع الإشارة لكونها جاءت هكذا في نسخة أخرى، وأثبتها لمطابقتها لورود الحديث في الصحيحين، كما سيأتي تخريجه هامش 5-6 في نفس الصفحة. (¬5) في صلب الأصل "يدخله" ومصوبة بالهامش كما أثبتها. (¬6) "صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري" "كتاب الرقاق" - باب: الصراط جسر جهنم "13/453 حديث رقم 6573 "وصحيح مسلم" "كتاب الإيمان" باب معرفة طريق الرؤية 10/163، حديث رقم 299 ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي. (¬7) "صحيح مسلم" - المصدر السابق 1/167.

وكذلك في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد قال: "حتى إذا خلص المؤمن من النار، فو الذي نفي بيده، من أحد بأشد منا شدة لله في استيفاء (¬1) الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون: ربنا كانوا يصمون معنا، ويصلون ويحجّون، فيقول (¬2) : أخرجوا من عرفتوهم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا، وقد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، فيقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا، فمن وجدتهم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، إلى أن قال: ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا". وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث، فاقرءوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} (¬3) . فيقول الله: شفعت الملائكة، وشفعت النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السبيل، قال: فيخرجون كالؤلؤ في قاربهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، ¬

_ (¬1) لفظ مسلم "استقصاء" أي تحصليه من خصمه. (¬2) في الهامش بالأصل مقابله "فيقال" مع الإشارة لكونها جاءت في نسخة أخرى. (¬3) سورة النساء الآية:40.

فيقولون: يا ربنا، وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدا" (¬1) . وفي رواية: "من إيمان" بدل قوله: "من خير"، قال فيه: "فيقول الجبار: قد بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد امتشحوا فليقيهم في نهر بأفواه الجنة ... " الحديث (¬2) . ولم يقل: "لم يعملوا خيرا قط". وفي "الصحيحين" عن ابن (¬3) مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر الجنة دخولا الجنة: رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله له: اذهب: فادخل الجنة، فيأتيها، فتخيل إليه أنها ملآى - إلى أن قال -: فيقول الله له: اذهب، فإن لك عشرة أمثال الدنيا - أو - إن لك الدنيا، وعشرة أمثالها" (¬4) . وفي رواية لمسلم: فيقول له: "تمن، فتمنى، فيقال له: لك الذي تمنيت، وعشرة أضعافه" (¬5) . ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري" - كتاب التوحيد - باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} 13/439 وصحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب طريق معرفة الرؤية 1/167 واللفظ له. (¬2) كما في رواية الإمام البخاري - المصدر السابق نفسه. (¬3) كذا في صلب الأصل ومقابلته بالهامش "أبي" مع الإشارة" لكونها جاءت هكذا في نسخة أخرى، وما أثبته هو الموافق لما في "الصحيحين" كما سيأتي تخريجه. (¬4) " صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري" - كتاب الرقاق - باب صفة الجنة والنار 11/426، "صحيح مسلم" كتاب الإيمان - باب آخر أهل النار خروجا 1/173 رقم الحديث: 308. (¬5) المصدر السابق نفسه 1/174.

وهذا يوافق حديث أبي سعيد من وجهين: وكذلك لمسلم من حديث جابر: "مثل الدنيا وعشرة أمثالها" (¬1) ، كما في اللفظ الأول في حديث ابن مسعود. وفي حديث جابر في "الصحيحين" أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يخرج ناسا من النار، فيدخلهم الجنة" (¬2) . وفي رواية: "إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة" (¬3) ، ولمسلم من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة" (¬4) . وللبخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج قوم النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة، فيسمون الجهنميين". وللبخاري، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج قوم من النار بعد ما "مسهم" (¬5) منها سفع (¬6) ، فيدخلون الجنة، فيسمون الجهنميين" (¬7) . ¬

_ (¬1) المصدر السابق نفسه 1/178. (¬2) " صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري" كتاب الرقاق - باب صفة الجنة والنار 11/424-425، صحيح مسلم "واللفظ له - كتاب الإيمان - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 1/178، حديث رقم 317. (¬3) نفس المصدرين السابقين، واللفظ لمسلم والحديث برقم 318. (¬4) "صحيح مسلم"- الإيمان حديث رقم 308- باب آخر أهل النار خروجا 1/173. (¬5) كذا في البخاري، والذي في صلب الأصل هكذا" بعد مفاهم منها" عليها علامة صح ومقابلتها بالهامش كتب هكذا، "ما يسمهم منها" عليها أيضا علامة صح، وقد أثبت لفظ البخاري، لأنه مصدر الرواية الذي عزاها المؤلف إليه، وفي الرواية الثانية له "ليصبن أقواما سفع من النار ثم يدخلهم الله الجنة" البخاري مع الفتح 13/434 حديث رقم 7450. (¬6) أي أثر من النار "النهاية" 2/374. (¬7) المصدر السابق نفسه حديث رقم 6559.

وأحاديث الشفاعة فيمن يخرج من النار كثيرة فيخرج من النار كثير منها عدة أحاديث "9/ب" في "الصحيحين". وفي حديث أنس: ذكر فيه الشفاعة مرة بعد مرة، وأنه صلى لله عليه وسلم قال في الآخرة، "فأقول: أي رب، ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله فيقول الله - عز وجل - وعزني وجلالي، وعظمتي وكبريائي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله" (¬1) . وفي رواية لمسلم: "ليس ذلك لك، أو إليك" (¬2) . ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري ومسلم، وقد تقدم العزو إليهما "ص61". (¬2) "صحيح مسلم" كتاب الإيمان - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 1/182 حديث رقم 336.

الفرق بين بقاء الجنة والنار

الفرق بين بقاء الجنة والنار (¬1) : "الفرق (¬2) بين بقاء الجنة، والنار، شرعا، وعقلا" (¬3) فأما شرعا، فمن وجوه: أحدها: أن الله أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه، وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه، كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها. الثاني: أنه أخبر بما يدل على أنه ليس بمؤيد في عدة آيات. الثالث: أن النار لم يذكره فيها شيء يدل على الدوام. الرابع: إن النار قيدها بقوله: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (¬4) ، وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (¬5) وقوله: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (¬6) ، فهذه ثلاث آيات تقتضي قضية مؤقتة، أو معلقة على شرط، وذاك دائم مطلق، ليس بمؤقت ولا معلق. ¬

_ (¬1) كذا جاء هذا العنوان بهامش الأصل. (¬2) من هنا بداية المقطع الثاني لمخطوطة "س" انظر: صورة منها في مقدمة كتاب "رفع الأستار لأبطال أدلة القائلين بفناء النار" "ص54". (¬3) بسط العلامة ابن القيم الكلام في الفرق بين بقاء الجنة والنار، وذكر لذلك خمسة وعشرين وجها "حادي الأرواح" "ص 357-3798". (¬4) سورة النبأ الآية:23. (¬5) سورة الأنعام الآية:128. (¬6) سورة هود، الآية:107.

الخامس: أنه قد ثبت أنه يدخل الجنة من ينشأه في الآخرة لها (¬1) ويدخلها من دخل النار أولا (¬2) ، ويدخلها الأولاد بعمل الآباء (¬3) ، فثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيرا، وأما النار فلا يعذب أحد بذنوبه، فلا تقاس هذه بهذه. السادس: أن الجنة من مقتضى رحمته ومغفرته، والنار من عذابه، وقد قال: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} (¬4) . وقال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬5) . وقال: {رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬6) . فالنعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته فيجب داومه بدوام معاني أسمائه وصفاته. وأما العذاب فإنما هو من مخلوقاته، والمخلوق قد يكون له انتهاء مثل الدنيا وغيرها، لاسيما مخلوق خلق تتعلق بغيره. ¬

_ (¬1) يشير - إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - وأما الجنة فإن الله - عز وجل - ينشئ لها خلقا.. أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة، صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري" - كتاب التفسير - باب {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} 8/460 الحديث برقم 4850. (¬2) كما تقدم في حديث الشفاعة "ص56" هامش 3. (¬3) يشير إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} الطور: من الآية21 (¬4) سورة الحجر، الآيات: 49-50. (¬5) سورة المائدة، الآية: 98. (¬6) سورة الأنعام، الآية: 165.

السابع: أنه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء، وأنه {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (¬1) ، وقال: "سبقت رحمتي غضبي" (¬2) "وغلبت رحمتي غضبي" (¬3) . وهذا عموم، وإطلاق، فإذا قدر عذاب لا آخر له، لم يكن هناك رحمة البتة. الثامن: أنه قد ثبت مع رحمته الواسعة أنه حكيم، والحكيم إنما يخلق لحكمته العامة، كما ذكر حكمته في غير موضع "10 - أ" فإذا قدر أنه يعذب من يعذب لحكمة كان هذا ممكنا، توجد في الدنيا العقوبات الشرعية فيها حكمة، وكذلك ما يقدره من المصائب فيها حكم عظيمة، فيها تطهير من الذنوب، وتزكية للنفوس، وزجر عنها في المستقبل للفاعل ولغيره، ففيها عبرة، والجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب، ولهذا قال في الحديث الصحيح: "إنهم يحسبون بعد خلاصهم من الصراط على قنطرة بين الجنة والنار، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة" (¬4) . والنفوس (¬5) الشريرة الظالمة التي ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادات لما نهيت عنه لا يصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والظلم والشر، فإذا عذبوا بالنار عذابا يخلص نفوسهم من ذلك الشر كان هذا معقولا في الحكمة كما ¬

_ (¬1) سورة الأنعام، الآية: 12. (¬2) هذا الحديث القدسي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في عدة ومواضع: انظر "صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري" كتاب التوحيد باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} 13/415 وباب قوله الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} 13/447، وأخرجه الإمام مسلم في المصدر الآتي. (¬3) هذا الجزء من حديث قدسي أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه - كتاب التوبة باب - في سعة رحمة الله 4/2104 حديث رقم 2751. (¬4) الحديث أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" كما في "فتح الباري" الحديث رقم 2440، 6535. (¬5) في صلب الأصل "النفس" ومصوبة بالهامش "النفوس".

يوجد في تعذيب الدنيا، وخلق من فيه شر يزول بالتعذيب من تمام الحكمة، وأما خلق نفوس تعمل الشر في الدنيا وفي الآخرة لا تكون إلا في العذاب، فهذا تناقض يظهر فيه من مناقضة الحكمة والرحمة ما لا يظهر في غيره. ولهذا كان الجهم لما رأى ذلك ينكر أن يكون الله أرحم الراحمين، وقال: بل يفعل ما يشاء، والذين سلكوا طريقته كالأشعري وغيره، ليس عندهم في الحقيقة حكمة ورحمة، ولكن له علم وقدرة وإرادة لا ترجح أحد الجانبين، ولهذا لما طلب منهم أن يقروا بكونه حكيما، فسروه بأنه عليم أو قدير أو مؤيد، وليس من الثلاثة ما يقتضي الحكمة، وإذا ثبت أنه رحيم حكيم، وعلم بطلان قول الجهم تعين إثبات ما تقتضيه الرحمة والحكمة (¬1) . وما قاله المعتزلة - أيضا - باطل، فقول القدرية المجبرة والنفاة في حكمته ورحمته باطل، ومن أعظم ما غلظهم اعتقادهم تأييد جهم، فإن ذلك يستلزم ما قالوه، وفساد اللازم يستلزم فساد الملزوم (¬2) ، والله سبحانه أعلم. وأما آيات بقاء الجنة. فالأول: مثل قوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} (¬3) . فأخبر أنه دائم والمنقطع ليس بدائم. والثاني: مثل قوله: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} (¬4) ، والمنقطع ينفد ¬

_ (¬1) "منهاج السنة النبوية" 1/141، تحقيق د. محمد رشاد سالم. (¬2) هنا انتهت نسخت المكتب الإسلامي "س"، وقد ناقش العلامة ابن القيم الطوائف المنحرفة التي تنكر الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، وبين زيفها وبطلانها في عدة أماكن من مؤلفاته ومنها: "مدارج السالكين"1/90، "ومفتاح دار السعادة" 2/22 "وشفاء العليل" في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" ص347 (¬3) سورة الرعد، الآية:35. (¬4) سورة ص، الآية: 54.

والثالث: قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (¬1) فأخبر أن ما في الدنيا من الخير ينفد وما عند الله باق لا ينفد، فلو كان لما عند الله من النعيم آخر لكان ينفد نعيم الدنيا، ولم يكن باقيا لا ينفد. والرابع: مثل قوله تعالى في آيتين: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (¬2) . {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (¬3) . كما قال: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} (¬4) . قال عامة المفسرين: غير مقطوع، ولا منقوص (¬5) . وذكروا عن ابن عباس أنه قال: غير مقطوع (¬6) . وعن مقاتل: غير منقوص - أيضا - (¬7) . قال عامة المفسرين: غير مقطوع ولا منقوص "10/ب"، كما قال: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} (¬8) . قالوا - ومنه المنون، لأنه يقطع (¬9) عمر الإنسان. ¬

_ (¬1) سورة النحل، الآية:96. (¬2) سورة فصلت، الآية:8. (¬3) سورة الانشقاق، الآية:25. (¬4) سورة القلم، الآية: 3. (¬5) "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي 7/242، "ومعالم التنزيل" للبغوي 4/466. (¬6) أخرجه الطبري في "تفسر" جماع البيان- 24/93. (¬7) ذكره الماوردي في تفسيره "النكت والعيون" "وعزاه لابن عباس 4/480. (¬8) سورة القلم، الآية:3. (¬9) مقابلة بهامش الأصل "قطع" "صع" مع الإشارة إلى كونه جاء هكذا في نسخة أخرى.

وعن مجاهد "غير مسحوب" (¬1) وهذا يوافق ذلك، لأن ما ينتهي مقدر محسوب، بخلاف ما لا نهاية له فإنه غير مسحوب. وقد شذ بعض الناس فقال: غير ممنون عليهم من جنس قوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} (¬2) . وهذا القول مع مخالفته لأقوال السلف والجمهور هو خطأ لوجوه: أحدها: أن الله يمن علينا بكل نعمة أنعم بها علينا، حتى بالإيمان والعمل الصالح قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (¬3) . وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (¬4) . وقال أهل الجنة ما أخبر الله تعالى به في قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} (¬5) . وهذا قولهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (¬6) . وقوله: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} (¬7) ، وقد ثبت في الصحيح ¬

_ (¬1) تفسير مجاهد "ص569". (¬2) سورة الحجرات، الآية: 17. (¬3) سورة الحجرات، الآية: 17. (¬4) سورة آل عمران، الآية:164. (¬5) سورة الطور، الآية: 27. (¬6) سورة الأعراف، الآية: 43. (¬7) سورة الصافات، الآية: 57.

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن يدخل أحد منكم بعمله الجنة" قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" (¬1) . والله تعالى في غير موضع يذكر آلاءه وإحسانه ونعمه على عباده، ويأمرهم أن يذكروها، ويأمرهم أن يشكروها. والعبد قد نهي أن يمن بصدقته بقوله تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (¬2) لأن المتصدق في الحقيقة إنما أحسن إلى نفسه لا إلى المتصدق عليه، فإنه لولا أن له في ذلك منفعة وأجرا وعوضا لم يتصدق عليه، فصار كالذي يخدم المماليك بأجرة يأخذها من سيدهم ليس بمحسن إليهم. وأيضا فإن المصدق الله هو المنعم عليه بما يسره الله للإحسان إلى نفسه وعليه أن يشكر الله تعالى ويرى أن الله هو المحسن إليه، فإن نظر إلى الفعل فالله خالقه، وإن نظر إلى غايته فهو يطلب جزاءه وعوضه من الله، وإن نظر إلى المحسن إليه فهو المحسن إلى نفسه، والله أحسن إليه أن جعله محسنا إلى نفسه لا ظالما لها. فلهذا كان منه على المخلوق ظلما أبطل به صدقته، والله هو المنعم على عباده حقيقة بالنعمة، والشكر عليها إذا أعانهم على شكره وجعلهم شاكرين بنعمته، بثواب الشكر "11 - أ"، فكل ذلك تفضل منه وإحسان من غير أن يكون له على ذلك عوض يأخذه من غيره، لا (¬3) من المحسن إليه ولا من غيره فهو المنعم حقيقة، وإن كان له في الإنعام حكمة يحبها ويرضاها، فتلك الحكمة منه، فما لأحد عليه منة وهو الجواد المحض وهو سبحانه ليس كمثله شيء. وللناس كلام في الجود والإحسان ومن يفعل لحكمة ومقصود هل هو جواد ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري" - كتاب الرقاق - باب القصد والمداومة على العمل 11/300 "وصحيح مسلم" واللفظ له، حديث رقم 2816-4/2169 من رواية أبي هريرة. (¬2) سورة البقرة، الآية: 264. (¬3) في الأصل "ولا من المحسن" والمعنى مستقيم بدون حرف الواو.

آخر الرسالة

أم ليس بجواد؟ يفرق بين من يطلب عوضا من غيره فيحتاج إلى غيره فيكون جوده من باب المعاوضة، وبين من لا يحتاج إلى غيره بل هو الجواد بالنعم وبالحكم كما قد بسط في غير هذا الموضع. ولأنه لما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (¬1) ، وبين أن غير المؤمنين تزول عنه النعمة، فلو كان المؤمن كذلك لم يكن بينهما فرق. الخامس (¬2) : مثل قوله تعالى في نعيم الجنة: {عطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (¬3) وفي عذاب أهل النار: {إنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬4) قال غير واحد: غير مقطوع (¬5) - أيضا -. السادس: أنه قدر أخبر أن أهل الجنة والنار لا يموتون كما في الحديث الصحيح "يؤتى بالموت في صورة كبش، فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة، خلود ولا موت فيها ويا أهل النار خلود ولا موت فيها" (¬6) كل خالد فيما هو فيه، فإذا كانوا لا يموتون فلا بد لهم من دار يكونون فيها، ومحال أن يعذبوا بعد دخول الجنة فلم يبق إلا دار النعيم، والحي لا يخلو من لذة أو ألم، فإذا انتفى الألم تعينت اللذة الدائمة (¬7) هـ. آخرها ... والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه، حسبنا الله ونعم الوكيل. ¬

_ (¬1) سورة التين، الآيات: 4-6. (¬2) يشير إلى الدليل الخامس من آيات بقاء الجنة وقد تقدم ذكر أربعة منها ص 83. (¬3) سورة هود، الآية: 108. (¬4) سورة هود الآية:107. (¬5) كما تقدم "ص43". (¬6) سبق تخريج حديث ذبح الموت "ص61" هامش 5. (¬7) مقابل هذا بالهامش ما نصه: "بلغ مقابلة وتصحيحا حسب الإمكان كتبه أحمد بن سعد الله الحراني، عفا الله عنه برحمته".

فهرس مصادر ومراجع البحث

فهرس مصادر ومراجع البحث: م المصادر أو المراجع 1 الاعتبار ببقاء الجنة والنار - لعلي بن عبد الكافي السبكي - مطبعة الترقي بدمشق عام 1347هـ. 2 إيثار الحق على الخلق - لابن الوزير محمد بن المرتضى اليماني - دار الكتب العلمية - بيروت لبنان. 3 تاريخ الفلسفة - للأستاذين: محمد علي مصطفى, أحمد عبده خير الدين - المطبعة الرحمانية بمصر طبعة أولى عام 1351هـ. 4 التبصير في الدين لأبي المظفر الأسفراييني - تحقيق كما يوسف الحوت - عالم الكتب بيروت طبعة أولى عام 1403هـ. 5 التخويف من النار - لابن رجب - مكتبة دار البيان بشير محمد عيون - طبعة أولى 1399هـ.6 التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - للقرطبي محمد بن أحمد الأنصاري - تحقيق الدكتور/أحمد حجازي السقا - طبع بمطبعة الحلبي عام 1400هـ, الناشر - مكتبة الكليات الأزهرية. 7 التعريفات للجرجاني علي بن محمد بن علي - تحقيق إبراهيم الأنصاري - دار الكتاب العربي بيروت, طبعة أولى 1405هـ. 8 تعقيبات على كتاب السلفية - للدكتور: صالح بن فوزان الفوزان - الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء.. بالسعودية.. طبعة الأولى 1410هـ. 9 تفسير غريب القرآن - لابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر - طبعة دار الكتب العلمية عام 1398هـ, الناشر دار الباز بمكة المكرمة.

10 تفسير القرآن العظيم - لإسماعيل بن كثير القرشي المكتبة التجارية الكبرى بمصر. 11 التفسير الكبير للرازي - دار إحياء التراث العربي بيروت - طبعة ثالثة - نشر دار الباز بمكة المكرمة. 12 تفسير القرطبي - الجامع لأحكام القرآن. 13 تقريب التهذيب - لابن حجر العسقلاني - تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف - دار المعرفة للطباعة والنشر - طبعة ثانية 1325هـ. 14 تهذيب التهذيب - لابن حجر العسقلاني - مطبعة دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن الهند - طبعة أولى عام 1325هـ. 15 توقيف الفريقين على خلود أهل الداريين للشيخ مرعي بن يوسف - تحقيق خليل بن عثمان السبيعي - طبعة دار طيبة الرياض السعودية 16 جامع البيان عن تأويل آي القرآن - لإمام أبي جعفر محمد بن جير الطبري - مطبعة مصطفى البابي الحلبي طبعة ثالثة 1388هـ. 17 جلاء العينين في محاكمة الأحمدين - الألوسي: نعمان خير الدين تقديم على السيد صبح المدني - مطبعة المدني 1401هـ. 18 حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - للعلامة شيخ الإسلام ابن القيم - تقديم علي السيد صبح المدني - مكتبة المدني ومطبعتها - جدة. 19 خلق أفعال العباد - للإمام محمد بن إسماعيل البخاري تحقيق الدكتور: عبد الرحمن عميرة - دار المعارف السعودية بالرياض 1398هـ. 20 درء تعارض العقل والنقل - لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق الدكتور: محمد رشاد سالم - طبعة جامعة للإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض - الطبعة الأولى 1399هـ. 21 الدر المنثور - للإمام جلال الدين السيوطي - دار الفكر للطباعة والنشر - بيروت طبعة أولى 1403هـ.

22 دروس في تاريخ الفلسفة - للأستاذين إبراهيم بيومي مدكور, يوسف كرم, المطبعة الأميرية بالقاهرة - عام 1952م. 23 دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - لمحمد الأمين الشنقيطي - توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالسعودية عام 1403هـ. 24 رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار -للصنعاني - تحقيق وتعليق الشيخ الألباني - طبعة المكتب الإسلامي عام 1405هـ. 25 زاد المسير في علم التفسير - لابن الجوزي - المكتب الإسلامي, طبعة أولى عام 1404هـ26 سلسلة الأحاديث الصحيحة - تأليف محمد ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي طبعة أولى 1399هـ. نشر دار السلفية بالكويت. 27سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة. للشيخ ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي طبعة أولى 1399هـ.28 السنة للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل - تحقيق محمد السعيد زغلول - دار الكتب العلمية - بيروت لبنان - الطبعة الأولى 1405هـ. 29 سير أعلام النبلاء - للذهبي محمد بن أحمد بن عثمان - تحقيق شعيب الأنؤوط مؤسسة الرسالة - بيروت لبنان. 30 شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز علي بن محمد الحنفي - تحقيق وتخريج محمد ناصر الدين الألباني - طبعة المكتب الإسلامي عام 1391هـ. 31 شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل - دار الكتب العلمية - بيروت لبنان - الطبعة أولى عام 1407هـ 32 صحيح مسلم - تحقيق وترتيب محمد فؤاد عبد الباقي - نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية طبعة 1400هـ. 33 الصفدية لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق محمد رشاد سالم الطبعة الثانية عام 1406هـ.

34 الصواعق المرسلة - للإمام ابن القيم - تحيق الدكتور علي الدخيل الله. 35 طبقات الحنابلة - القاضي أبي يعلى - دار المعرفة بيروت - لبنان. 36 فتاوى ابن الصلاح - حققه الدكتور: عبد المعطي قلعجي توزيع مكتبة المعارف بالرياض - دار المعرفة - بيروت - الطبعة الأولى عام 1406هـ. 37 فتح الباري بشرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر - تحقيق عبد العزيز بن عبد الله بن باز - ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي - الطبعة الثالثة - مطبعة الدار السلفية - القاهرة. 38 فتح القدير - لمحمد بن علي محمد الشوكاني - الناشر محفوظ العلي - بيروت 39 الفرق بين الفرق للبغدادي - عبد القهار بن طاهر بن محمد - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت. 40 ابن القيم وموقفه من التفكير الإسلامي - للدكتور عوض حجازي - من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية 1392هـ - 1972م. 41 كتاب الأسماء والصفات للإمام البيهقي دار الكتب العلمية بيروت لبنان - طبعه أولى 1405هـ. 42 كتاب الفارابي - لسعيد زايد - دار المعارف المصرية - القاهرة. 43 كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار - للدكتور علي بن علي جابر الحربي اليماني - دار طيبة - مكة المكرمة 44 لسان العرب لابن منظور الإفريقي - محمد بن مكرم - دار صادر بيروت - لبنان عام 1388هـ. 45 لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للسفاريني محمد بن أحمد - طبعة حاكم قطر.

46 مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية.. طبعة أولى 1398هـ. 47 المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - لعبد الحق بن عطية الأندلسي - تحقيق الرحالي الفاروق - عبد الله إبراهيم الأنصاري وزملائهما - طبعة دولة قطر الدوحة 1390هـ. 48 مختار الصحاح - للإمام محمد ابن أبي بكر الرازي - المكتبة الأموية بيروت - دمشق طبعة 1390هـ. 49 مدارج السالكين للإمام ابن القيم - تحقيق محمد حامد الفقي - دار الكتاب العربي بيروت - طبعة 1390هـ.50 مسند الإمام أحمد بن حنبل - المكتب الإسلامي. 51 معالم التنزيل لحسين بن مسعود البغوي - تحقيق خالد عبد الرحمن العك - مروان سوار - دار المعرفة بيروت لبنان - طبعة أولى عام 1406هـ 52 معجم البلدان لياقوت الحموي - دار صادر - بيروت. 53 مفتاح دار السعادة لابن قيم الجوزية - مكتبة الرياض الحديثة. 54 المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى - لأبي حامد الغزالي - تحقيق محمد عثمان الخشت - مكتبة القرآن - بولاق - القاهرة 55 الملل والنحل - للشهرستاني عبد الكريم بن أحمد - تحقيق محمد سيد كيلاني - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - الطبعة الثانية عام 1395هـ. 56 منهاج السنة النبوية - لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق الدكتور: محمد رشاد سالم - إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض - الطبعة الأولى 1406هـ.

57 ميزان الاعتدال في نقد الرجال - للإمام الذهبي - تحقيق علي محمد البجاوي - دار المعرفة للطباعة والنشر, طبعة عام 1382هـ. 58 نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية من الهفوات - لمحمد سعيد رمضان. 59 النكت والعيون - للماوردي علي بن حبيب - تحقيق: خضر محمد خضر - مطابع مقهوي الكويت - الطبعة الأولى 1402هـ. 60 النهاية في غريب الحديث والأثر - لابن الأثير الجزري تحقيق - طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناجي - دار إحياء التراث العربي - بيروت. 61 يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار لصديق حسن خان تحقيق: الدكتور احمد حجازي السقا - مكتبة عاطف بجوار الأزهر.

§1/1