الرد على الجهمية للدارمي

الدارمي، أبو سعيد

مقدمة الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، يعلم سر خلقه وجهرهم، ويعلم ما يكسبون، نحمده بجميع محامده، ونصفه بما وصف به نفسه، ووصفه به الرسول، فهو الله

§مُقَدِّمَةٌ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، يَعْلَمُ سَرَّ خَلْقِهِ وَجَهْرَهُمُ، وَيَعْلَمُ مَا يَكْسِبُونَ، نَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ، وَنَصِفُهُ بْمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهِ الرَّسُولُ، فَهُوَ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، قَرِيبٌ، مُجِيبٌ، مُتَكَلِّمٌ قَائِلٌ، وشَاءٍ مُرِيدٌ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، الْأَوَّلُ قَبْلَ كِلِّ شَيْءٍ، الْآخِرُ بَعْدَ كِلِّ شَيْءٍ، لَهُ الْأًَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الَأسْمَاءُ الْحُسْنَى، يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ، وَيَتَكَلَّمُ، وَيَرْضَى وَيَسْخَطُ، وَيَغْضَبُ، وَيُحِبُّ، وَيَبْغَضُ، وَيَكْرَهُ، وَيَضْحَكُ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، ذُو الْوَجْهِ الْكَرِيمِ، والسَّمْعِ السَّمِيعِ والْبَصَرِ الْبَصِيرِ، وَالْكَلَامِ الْمُبِينِ، وَالْيَدَينِ وَالْقَبْضَتَينِ، وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْعَظَمَةِ، وَالْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ، لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَلَا يَزَالُ، اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهَ فَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، عِلْمُهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَبَصَرُهُ فِيهِمْ نَافِذٌ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. فَبِهَذَا الرَّبِ نُؤْمِنُ، وَإِيَّاهُ نَعْبُدُ، وَلَهُ نَصَِّلي وَنَسْجُدُ، فَمَنْ قَصَدَ بِعَِبادَتِهِ إِلَى إَلَهٍ بِخَلَافِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِنِّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، لَيْسِ مَعْبُودُهُ بِإِلَهٍ، كُفْرَانَهُ لَا غُفْرَانَهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ، اصْطَفَاهُ لِوَحْيِهِ، وَانْتَجَبَهُ لِرَسَالَتِهِ، وَاخْتَارَهُ مِنْ خَلْقِهِ لِخَلْقِهِ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كَلَامَهَ الْمُبِينَ، وَكِتَابَهُ الْعَزِيزَ الَّذِي {لَا يَأْتَيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَامِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ، {قُرْآنًا عَرَبِيًا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28] ، {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشَّرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 9] . فِيهِ نبَأُ الْأَوَّلِينَ وَخَبَرُ الْآخِرِينَ، لَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَلَا مَنْسُوبٍ إِلَى مَخْلُوقٍ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 194] مِنْ لِدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ. وَقَالَ {إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] وَقَالَ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193] ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] ، فَقَرَأَهُ كَمَا أُمِرَ، وَدَعَا إِلَيْهِ سِرًّا وَجَهْرًا، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ آيَاتٍ مُبِينَاتٍ قَالُوا: سَاحِرٌ وَكَاهِنٌ، وَشَاعِرٌ، وَمُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ {وَانْطَلَقَ الْمَلْأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 6] , وَ {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] ، {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 31] ، وَقَالُوا {إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4] ، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5] {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] ، مَخْلُوقٌ بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ مُخْتَلَقٍ. فَكَذَّبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلَهُمْ، وَأَبْطَلَ دَعْوَاهُمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {فَقدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُو وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} ، وَقَالَ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] ، ثُمَّ قَالَ: {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] . ثُمَّ نَدَبَهُمْ جَمِيعًا إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ تَخَرُّصًا وَتَعَلُّمًا مِنَ الْخُطَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ؛ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13] ، وَيَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقًُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23] . فَلَمْ يَقْدِرِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَرَبُهَا وَعَجَمُهَا، مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَعُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ وَلَا بِبَعْضِ سُورَةٍ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا لَدَعَوْا شُهَدَاءَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَبَذَلُوا فِيهَا الرَّغَائِبَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا لِخُطَبَائِهِمْ وَشُعَرَائِهِمْ، وَأَحْبَارِهِمْ، وَأَسَاقِفَتِهِمْ، وَكَهَنَتِهِمْ وَسَحَرَتِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا، وَتَصْدِيقًا لِمَا ادَّعَوْا مِنَ الزُّورِ تَكْذِيبًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّى يَأْتِي الْمَخْلُوقُ بِمِثْلِ كَلَامِ الْخَالِقِ؟، وَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] فَلَنْ تَفْعَلُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَيْسَ كَكَلَامِهِ كَلَامٌ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ سِرًّا وَجَهْرًا، مُحْتَمِلًا لِمَا نَالَهُ مِنْ أَذَاهُمْ، صَابِرًا عَلَيْهِ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللَّهُ وَأَعَزَّهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ نَصْرَهُ، فَضَرَبَ وُجُوهَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِالسُّيُوفِ، حَتَّى ذَلُّوا وَدَانُوا، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَاسْتَقَامُوا حَيَاتَهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، لَا يَجْتَرِئُ كَافِرٌ وَلَا مُنَافِقٌ مُتَعَوِّذٌ بِالْإِسْلَامِ أَنْ يُظْهِرَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِنْكَارِ النُّبُوَّةِ، فَرَقًا مِنَ السَّيْفِ، وَتَخَوُّفًا مِنَ الِافْتِضَاحِ بَلْ كَانُوا يَتَقَلَّبُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِغَمٍّ، وَيَعِيشُونَ فِيهِمْ عَلَى رُغْمٍ، دَهْرًا مِنَ الدَّهْرِ، وَزَمَانًا مِنَ الزَّمَانِ. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ شَيْئًا مِنْ بَعْدِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ بِالْبَصْرَةِ، وَجَهْمٌ بِخُرَاسَانَ، اقْتِدَاءً بِكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَتَلَ اللَّهُ جَهْمًا شَرَّ قِتْلَةٍ، وَأَمَّا الْجَعْدُ فَأَخَذَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا بِوَاسِطَ، فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَلَى رُؤُوسِ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَعِيبُهُ بِهِ عَائِبٌ وَلَا يَطْعَنُ عَلَيْهِ طَاعِنٌ بَلِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ، وَصَوَّبُوهُ مِنْ رَأْيِهِ.

13 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْأَضْحَى، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْجِعُوا فَضَحُّوا، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ؛ فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ §زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى -[22]- تَكْلِيمًا، وَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ» 14 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَقْمُوعِينَ، أَذِلَّةً مَدْحُورِينَ، حَتَّى كَانَ الْآنَ بِآخِرِهِ، حَيْثُ قَلَّتِ الْفُقَهَاءُ، وَقُبِضَ الْعُلَمَاءُ، وَدَعَا إِلَى الْبِدَعِ دُعَاةُ الضَّلَالِ، فَشَدَّ ذَلِكَ طَمَعَ كُلِّ مُتَعَوِّذٍ فِي الْإِسْلَامِ، مِنْ أَبْنَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَنْبَاطِ الْعِرَاقِ، وَوَجَدُوا فُرْصَةً لِلْكَلَامِ، فَجُدُّوا فِي هَدْمِ الْإِسْلَامِ، وَتَعْطِيلِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَإِنْكَارِ صِفَاتِهِ، وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، وَإِبْطَالِ وَحْيِهِ إِذْ وَجَدُوا فُرْصَتَهُمْ، وَأَحَسُّوا مِنَ الرِّعَاعِ جَهْلًا، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ قِلَّةً، فَنَصَبُوا عِنْدَهَا الْكُفْرَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يْدَعُونَهُمْ إِلَيْهِ، وَأَظْهَرُوا لَهُمْ أُغْلُوطَاتٍ مِنَ الْمَسَائِلِ، وَعَمَايَاتٍ مِنَ الْكَلَامِ، يُغَالِطُونَ بِهَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، لِيُوقِعُوا فِي قُلُوبِهِمُ الشَّكَّ، وَيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ، وَيُشَكِّكُوهُمْ فِي خَالِقِهِمْ، مُقْتَدِينَ بِأَئِمَّتِهِمُ الْأَقْدَمِينَ، الَّذِينَ قَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] وَ {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 7] -[23]-. 15 - فَحِينَ رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَفَطَنَّا لِمَذْهَبِهِمْ، وَمَا يَقْصِدُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِبْطَالِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، وَنَفْيِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ وَالْأَمْرِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، رَأَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ رُسُومًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ، مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَهْلُ الْغَفْلَةِ مِنَ النَّاسِ عَلَى سُوءِ مَذْهَبِهِمْ، فَيَحْذَرُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَيَجْتَهِدُوا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، مُحْتَسِبِينَ مُنَافِحِينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، طَالِبِينَ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ. 16 - وَقَدْ كَانَ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ يَكْرَهُونَ الْخَوْضَ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ، وَقَدْ كَانُوا رُزِقُوا الْعَافِيَةَ مِنْهُمْ، وَابْتُلِينَا بِهِمْ عِنْدَ دُرُوسِ الْإِسْلَامِ، وَذَهَابِ الْعُلَمَاءِ، فَلَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نَرُدَّ مَا أَتَوْا بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّفُ مَا أَشْبَهَ هَذَا عَلَى أُمَّتِهِ، وَيُحَذِّرُهَا إِيَّاهُمْ، ثُمَّ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ وَالتَّابِعُونَ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي اللَّهِ وَفِي الْقُرْآنِ بِأَهْوَائِهِمْ فَيَضِلُّوا، وَيَتَمَارَوْا بِهِ عَلَى جَهْلٍ فَيَكْفُرُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» وَحَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَتَّقُونَ تَفْسِيرَهُ، لِأَنَّ الْقَائِلَ فِيهِ إِنَّمَا يَقُولُ عَلَى اللَّهِ. 17 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي -[24]-، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كَلَامِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ» 18 - وَسُئِلَ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ شَيْءٍ، مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَعَلَيْكَ بِالسَّدَادِ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ 19 - فَهَذَا الصِّدِّيقُ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، قَدْ شَهِدَ التَّنْزِيلَ، وَعَايَنَ الرَّسُولَ، وَعَلِمَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَيَتَوَقَّى أَنْ يَقُولَ فِي الْقُرْآنِ، مَخَافَةَ أَنْ لَا يُصِيبَ مَا عَنَى اللَّهُ فَيَهْلِكَ، ثُمَّ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيُّ بَعْدَهُ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، فَكَيْفَ -[25]- بِهَؤُلَاءِ الْمُنْسَلِخِينَ مِنَ الدِّينِ وَالْعِلْمِ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَهُ نَقْضًا، وَيُفَسِّرُونَهُ بِأَهْوَائِهِمْ خِلَافَ مَا عَنَى اللَّهُ، وَخِلَافَ مَا تَحْتَمِلُهُ لُغَاتُ الْعَرَبِ. 20 - وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى تَظْهَرَ فِيهِمُ الزَّنْدَقَةُ، وَيَتَكَلَّمُوا فِي الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

21 - حَدَّثَنَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْبَارِيُّ، ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: " §مَا هَلَكَ دِينٌ قَطُّ حَتَّى تُخَلَّفَ الْمَنَانِيَّةُ، قُلْتُ: وَمَا الْمَنَانِيَّةُ؟ قَالَ: الزَّنَادِقَةُ "

22 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ، عَنْ سَالِمٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «§لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ خُصُومَتُهُمْ فِي ربِّهِمْ»

23 - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَحْسِبُهُ عَنْ أَبِي يَعْلَى مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: «§إِنَّمَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِذَا تَكَلَّمَتْ فِي رَبِّهَا»

24 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: «§لَأَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ»

25 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَ حَتَّى يُقَالَ لِأَحَدِكُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَإِنِّي لَجَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَوَضَعْتُ أُصْبُعَيَّ فِي أُذُنِي، وَصَرَخْتُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ: {لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]

26 - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §يَأْتِي الشَّيْطَانُ الْعَبْدَ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ "

27 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ "

28 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ أَبُو سَعْدٍ -[29]-، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {§قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] قَالَ: فَالصَّمَدُ: الَّذِي {لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ، وَلَا عَدْلٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ

29 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أَبُو هِلَالٍ وَهُوَ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: ثنا رَجُلٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، قَالَ لِلْحَسَنِ: §هَلْ تَصِفُ رَبَّكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، بِغَيْرِ مِثَالٍ»

30 - حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ، ثنا سَالِمٌ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَفْصَةَ، ثنا مُنْذِرٌ أَبُو يَعْلَى الثَّوْرِيُّ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: «إِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ كَانُوا قَبْلَكُمْ أُوتُوا عِلْمًا كَانُوا يُكَيِّفُونَ فِيهِ، §فَسَأَلُوا عَمَّا فَوْقَ السَّمَاءِ وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ فَتَاهُوا، كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا دُعِيَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَجَابَ مِنْ خَلْفِهِ، وَإِذَا دُعِيَ مِنْ خَلْفِهِ أَجَابَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» -[31]- 31 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَوْلَا مَخَافَةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا يُشْبِهُهَا، لَحَكَيْتُ مِنْ قُبْحِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ وَمَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ حِكَايَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَتَبَيَّنُ بِهَا عَوْرَةُ كَلَامِهِمْ، وَتَكْشِفُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ سَوْءَاتِهِمْ، وَلَكِنَّا نَتَخَوَّفُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَنُخَافُ أَنْ لَا تَحْتَمِلَهُ قُلُوبُ ضُعَفَاءِ النَّاسِ، فَنُوقِعَ فِيهَا بَعْضَ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ: لَأَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ. 32 - وَصَدَقَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، إِنَّ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي تَعْطِيلِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَوْحَشُ مِنْ كَلَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، غَيْرَ أَنَّا نَخْتَصِرُ مِنْ ذَلِكَ مَا نَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْكَثِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

باب الإيمان بالعرش وهو أحد ما أنكرته المعطلة قال أبو سعيد: وما ظننا أنا نضطر، إلى الاحتجاج على أحد ممن يدعي الإسلام في إثبات العرش والإيمان به، حتى ابتلينا بهذه العصابة الملحدة في آيات الله، فشغلونا بالاحتجاج لما لم تختلف فيه الأمم قبلنا، وإلى الله

§بَابُ الْإِيمَانِ بِالْعَرْشِ وَهُوَ أَحَدُ مَا أَنْكَرَتْهُ الْمُعَطِّلَةُ 33 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَمَا ظَنَنَّا أَنَّا نُضْطَرُّ، إِلَى الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ فِي إِثْبَاتِ الْعَرْشِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، حَتَّى ابْتُلِينَا بِهَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُلْحِدَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ، فَشَغَلُونَا بِالِاحْتِجَاجِ لِمَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِيهِ الْأُمَمُ قَبْلَنَا، وَإِلَى اللَّهِ نَشْكُو مَا أَوْهَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ، وَإِلَيْهِ نَلْجَأُ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ. 34 - وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ الْعَرْشَ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] . {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] . فِي آيٍ كَثِيرَةٍ سِوَاهَا. 35 - فَادَّعَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْعَرْشِ وَيُقَرُّونَ بِهِ، لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: مَا إِيمَانُكُمْ بِهِ إِلَّا كَإِيمَانِ: {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] . وَكَالَّذِينَ {إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا -[33]- نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} . أَتُقِرُّونَ أَنَّ لِلَّهِ عَرْشًا مَعْلُومًا مَوْصُوفًا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَاللَّهُ فَوْقَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؟ فَأَبَى أَنْ يُقِرَّ بِهِ كَذَلِكَ، وَتَرَدَّدَ فِي الْجَوَّابِ، وَخَلَطَ وَلَمْ يُصَرِّحْ. 36 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقَالَ لِي زَعِيمٌ مِنْهُمْ كَبِيرٌ: لَا، وَلَكِنْ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، يَعْنِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ، سَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ عَرْشًا لَهُ، وَاسْتَوَى عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ. 37 - قُلْتُ: لَمْ تَدَعُوا مِنْ إِنْكَارِ الْعَرْشِ وَالتَّكْذِيبِ بِهِ غَايَةً، وَقَدْ أَحَاطَتْ بِكُمُ الْحُجَجُ مِنْ حَيْثُ لَا تَدْرُونَ، وَهُوَ تَصْدِيقُ مَا قُلْنَا إِنَّ إِيمَانَكُمْ بِهِ كَإِيمَانِ {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] . فَقَدْ كَذَّبَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَكَذَّبَكُمْ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَرَأَيْتُمْ قَوْلَكُمْ: إِنَّ عَرْشَهُ سَمَوَاتُهُ وَأَرْضُهُ وَجَمِيعُ خَلْقِهِ، فَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ عِنْدَكُمْ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7] . أَحَمَلَةُ عَرْشِ اللَّهِ، أَمْ حَمَلَةُ خَلْقِهِ؟ . وَقَوْلُهُ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] . أَيَحْمِلُونَ السَّمَوَاتَ وَالْأَرْضَ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَمْ عَرْشَ الرَّحْمَنِ؟، فَإِنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ قَوْلَكُمْ هَذَا، يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا: عَرْشُ رَبِّكَ: خَلْقُ رَبِّكَ أَجْمَعُ، وَتُبْطِلُونَ الْعَرْشَ الَّذِي هُوَ الْعَرْشُ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي بُطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، وَتَكْذِيبٌ بِعَرْشِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. 38 - فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ -[34]- أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» . فَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ مَخْلُوقًا عَلَى الْمَاءِ، إِذْ لَا أَرْضَ وَلَا سَمَاءَ، فَلِمَ تُغَالِطُونَ النَّاسَ بِمَا أَنْتُمْ لَهُ مُنْكَرُونَ؟ وَلَكِنَّكُمْ تُقِرُّونَ بِالْعَرْشِ بِأَلْسِنَتِكُمْ تَحَرُّزًا مِنْ إِكْفَارِ النَّاسِ إِيَّاكُمْ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، فَتُضْرَبَ عَلَيْهِ رِقَابُكُمْ، وَعِنْدَ أَنْفُسِكُمْ أَنْتُمْ بِهِ جَاحِدُونَ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ أَهْلَ الْجَهْلُ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِكُمْ، إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَمْرِكُمْ لَعَلَى يَقِينٍ، أَوْ كَمَا قُلْتُ لَهُمْ، زَادَ أَوْ نَقَصَ

39 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا» ، قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا، فَأَعْطِنَا. قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: «يَا أَهْلَ الْيَمَنِ §اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذَا لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ بِبَدْءِ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ. قَالَ: فَقُمْتُ، وَلَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ

40 - وَحَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ -[35]- الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ، ثُمَّ دَخَلْتُ، فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا، فَأَعْطِنَا - مَرَّتَيْنِ - ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: «§اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا إِخْوَانُكُمْ بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَبْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ حَيْثُ كَانَ. قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» . قَالَ: ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: أَدْرِكْ نَاقَتَكَ، فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُهَا قَدْ يُقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهَا 41 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ قَبْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ، وَتَكْذِيبٌ لِمَا ادَّعَوْا مِنَ الْبَاطِلِ

42 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، ثنا بِشْرُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَضَى الْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَأَخَذَ أَهْلَ الْيَمِينِ بِيَمِينِهِ، وَأَخَذَ أَهْلَ الشِّمَالِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يَمِينٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَصْحَابَ الْيَمِينِ قَالُوا: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، ثُمَّ قَالَ: يَا أَصْحَابَ الشِّمَالِ قَالُوا: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَخَلَطَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالَ قَائِلٌ: رَبِّ لِمَ خَلَطْتَ بَيْنَنَا؟ قَالَ: {لَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ} [المؤمنون: 63] ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ. وَقَوْلُهُ {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] . ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ "

قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَضَى الْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلُهَا، وَأَهْلُ النَّارِ أَهْلُهَا» . قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: «أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ قَوْمٍ لِمَنْزِلَتِهِمْ» ، فَقَالَ عُمَرُ: إِذًا نَجْتَهِدُ

قَالَ: وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَعْمَالِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الْأَعْمَالَ، أَشَيْءٌ يُؤْتَنَفُ؟، أَوْ فُرِغَ مِنْهَا؟ قَالَ: «§بَلْ فُرِغَ مِنْهَا»

43 - حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا، وَفَوْقَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ»

44 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، ثنا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَكَانَ §أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَأَمَرَهُ وَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَإِنَّمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ»

45 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «§لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا إِذْ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَإِذْ لَا أَرْضَ وَلَا سَمَاءَ، خَلَقَ الرِّيحَ فَسَلَّطَهَا عَلَى الْمَاءِ -[39]- حَتَّى اضْطَرَبَتْ أَمْوَاجُهُ وَأَثَارَ رُكَامُهُ، فَأَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا وَطِينًا وَزَبَدًا، فَأَمَرَ الدُّخَانَ فَعَلَا، وَسَمَا، وَنَمَى، فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَوَاتِ، وَخَلَقَ مِنَ الطِّينِ الْأَرَضِينَ، وَخَلَقَ مِنَ الزَّبَدِ الْجِبَالَ» 46 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَفِي مَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْخَلْقِ، وَأَنَّ مَا ادَّعَى فِيهِ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةُ تَكْذِيبٌ بِالْعَرْشِ، وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ، وَلَوْ شِئْنَا أَنْ نَجْمَعَ فِي تَحْقِيقِ الْعَرْشِ كَثِيرًا مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَجَمَعْنَا، وَلَكِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ خَلُصَ عِلْمُ ذَلِكَ وَالْإِيمَانُ بِهِ إِلَّا النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، إِلَّا إِلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُلْحِدَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ، طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِلَادَهُ، وَأَرَاحَ مِنْهُمْ عِبَادَهُ

باب استواء الرب تبارك وتعالى على العرش وارتفاعه إلى السماء، وبينونته من الخلق وهو أيضا مما أنكروه وقد قال الله تبارك وتعالى: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش. وقال: تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى الرحمن على

§بَابُ اسْتِوَاءِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ وَارْتِفَاعِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَبَيْنُونَتِهِ مِنَ الْخَلْقِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا أَنْكَرُوهُ 47 - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} . وَقَالَ: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} . وَقَدْ قَالَ: {اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَالُكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} . وَقَوْلُهُ: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] . وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18] . وَقَوْلُهُ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] . وَقَوْلُهُ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] . وَقَوْلُهُ: {ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] . وَقَوْلُهُ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ -[41]- تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا، فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 16] . {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} 48 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَقَرَّتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بِأَلْسِنَتِهَا، وَادَّعَوَا الْإِيمَانَ بِهَا، ثُمَّ نَقَضُوا دَعْوَاهُمْ بِدَعْوَى غَيْرَهَا، فَقَالُوا: اللَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ. قُلْنَا: قَدْ نَقَضْتُمْ دَعْوَاكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاسْتِوَاءِ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ، إِذِ ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. فَقَالُوا: تَفْسِيرُهُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَعَلَاهُ. قُلْنَا: فَهَلْ مِنْ مَكَانٍ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلُهُ حَتَّى خَصَّ الْعَرْشَ مِنْ بَيْنِ الْأَمْكِنَةِ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَيْهِ، وَكَرَّرَ ذِكْرَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ؟ فَأَيُّ مَعْنًى إِذًا لِخُصُوصِ الْعَرْشِ إِذْ كَانَ عِنْدَكُمْ مُسْتَوِيًا عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ كَاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. 49 - هَذَا مُحَالٌ مِنَ الْحُجَجِ، وَبَاطِلٌ مِنَ الْكَلَامِ، لَا تَشُكُّونَ أَنْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بُطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، غَيْرَ أَنَّكُمْ تُغَالِطُونَ بِهِ النَّاسَ. 50 - أَرَأَيْتُمْ إِذْ قُلْتُمْ: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ خَلْقٍ. أَكَانَ اللَّهُ إِلَهًا وَاحِدًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَالْأَمْكِنَةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَحِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ وَالْأَمْكِنَةَ، أَقَدِرَ أَنْ يَبْقَى كَمَا كَانَ فِي أَزَلِيَّتِهِ فِي غَيْرِ مَكَانٍ؟ فَلَا يَصِيرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَلْقِ وَالْأَمْكِنَةِ الَّتِي خَلَقَهَا بِزَعْمِكُمْ، أَوْ لَمْ -[42]- يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ يَصِيرَ فِيهَا، أَوَ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالُوا: بَلَى، قُلْنَا: فَمَا الَّذِي دَعَا الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ إِذْ هُوَ عَلَى عَرْشِهِ فِي عِزِّهِ وَبَهَائِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، أَنْ يَصِيرَ فِي الْأَمْكِنَةِ الْقَذِرَةِ وَأَجْوَافِ النَّاسِ وَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ، وَيَصِيرَ بِزَعْمِكُمْ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ وَحُجْرَةٍ وَمَكَانٍ مِنْهُ شَيْءٌ؟ . 51 - لَقَدْ شَوَّهْتُمْ مَعْبُودَكُمْ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ صِفَتُهُ، فَلَا بُدَّ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتُوا بِبُرْهَانٍ بَيِّنٍ عَلَى دَعْوَاكُمْ مِنْ كِتَابٍ نَاطِقٍ، أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَنْ تَأْتُوا بشَيْءٍ مِنْهُ أَبَدًا. 52 - فَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِكَلِمَةِ زَنْدَقَةٍ أَسْتَوْحِشُ مِنْ ذِكْرِهَا، وَتَسَتَّرَ آخَرُ مِنْ زَنْدَقَةِ صَاحِبِهِ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} . 53 - قُلْنَا: هَذِهِ الْآيَةُ لَنَا عَلَيْكُمْ، لَا لَكُمُ، إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّهُ حَاضِرُ كُلِّ نَجْوَى، وَمَعَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ بِعِلْمِهِ، لِأَنَّ عَلِمَهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَبَصَرَهُ فِيهِمْ نَافِذٌ، لَا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ عَنْ عِلْمِهِ وَبَصَرِهِ، وَلَا يَتَوَارَوْنَ مِنْهُ بشَيْءٍ، وَهُوَ بِكَمَالِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] . أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِهِمْ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، فَهُوَ كَذَلِكَ رَابِعُهُمْ -[43]-، وَخَامِسُهُمْ، وَسَادِسُهُمْ، لَا أَنَّهُ مَعَهُمْ بِنَفْسِهِ فِي الْأَرْضِ كَمَا ادَّعَيْتُمْ، وَكَذَلِكَ فَسَّرَتْهُ الْعُلَمَاءُ. 54 - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَعُونَا مِنْ تَفْسِيرِ الْعُلَمَاءِ، إِنَّمَا احْتَجَجْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَأْتُوا بِكِتَابِ اللَّهِ 55 - قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا الَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ هُوَ حَقٌّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهَا نَقُولُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، غَيْرَ أَنَّكُمْ جَهِلْتُمْ مَعْنَاهُ، فَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَتَعَلَّقْتُمْ بِوَسَطِ الْآيَةِ، وَأَغْفَلْتُمْ فَاتِحَتَهَا وَخَاتِمَتَهَا، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَتَحَ الْآيَةَ بِالْعِلْمِ بِهِمْ، وَخَتَمَهَا بِهِ، فَقَالَ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] . فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْعِلْمَ بِهِمْ وَبِأَعْمَالِهِمْ، لَا أَنَّهُ نَفْسُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ مَعَهُمْ كَمَا زَعَمْتُمْ، فَهَذِهِ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ لَوْ عَقَلْتُمْ، وَأُخْرَى: أَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] . وَ {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29] . وَقَوْلَهُ: {ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 3] . وَقَوْلَهُ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5] . وَ {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] . {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] . وَ {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] . وَمَا أَشْبَهَهَا -[44]- مِنَ الْقُرْآنِ آمَنَّا بِهِ، وَعَلِمْنَا يَقِينًا بِلَا شَكٍّ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ كَمَا وَصَفَ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَحِينَ قَالَ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} . قُلْنَا: هُوَ مَعَهُمْ بِالْعِلْمِ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ الْآيَةَ وَخَتَمَهَا، لِأَنَّهُ قَالَ: فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مَا حَقَّقَ أَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، فَهُوَ كَذَلِكَ لَا شَكَّ فِيهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ كُلِّ ذِي نَجْوَى، قُلْنَا: عِلْمُهُ وَبَصَرُهُ مَعَهُمْ، وَهُوَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْعَرْشِ بِكَمَالِهِ كَمَا وَصَفَ، لِأَنَّهُ لَا يَتَوَارَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَفُوتُ عِلْمَهُ وَبَصَرَهُ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، وَلَا تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ. 56 - فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ أَشْفَى وَأَبْلَغَ مِمَّا احْتَجَجْنَا بِهِ عَلَيْكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ الرِّوَايَاتُ لِتَحْقِيقِ مَا قُلْنَا مُتَظَاهِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، سَنَأْتِي مِنْهَا بِبَعْضِ مَا حَضَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ إِجْمَاعٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، الْعَالِمِينَ مِنْهُمْ وَالْجَاهِلِينَ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ مَضَى وَمِمَّنْ غَبَرَ إِذَا اسْتَغَاثَ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ دَعَاهُ، أَوْ سَأَلَهُ، يَمُدُّ يَدَيْهِ وَبَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَدْعُوهُ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَدْعُ

60 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ، ثنا أَبَانُ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي فِي قِبَلِ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، وَإِنِّي اطَّلَعْتُ يَوْمًا اطِّلَاعَةً فَوَجَدْتُ ذِئْبًا ذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، وَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟، فَقَالَ: «ادْعُهَا» ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «فَمَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «§أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» -[46]- 61 - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى، ثنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ

62 - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ جَارِيَةً لِي تَرْعَى غَنَمًا، فَجِئْتُهَا، فَفَقَدْتُ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ، فَسَأَلْتُهَا عَنْهَا فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَأَسِفْتُ عَلَيْهَا، وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا، وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ، أَفَأُعْتِقُهَا؟، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَيْنَ اللَّهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ 63 - قَالَ: «أَعْتِقْهَا» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ فَلَيْسَ -[47]- بِمُؤْمِنٍ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَمْ يَجُزْ فِي رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، إِذْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ أَمَارَةَ إِيمَانِهَا مَعْرِفَتَهَا أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ؟ 64 - وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» تَكْذِيبٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَا يُوصَفُ بِ «أَيْنَ» ، لِأَنَّ شَيْئًا لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: «أَيْنَ هُوَ؟» ، وَلَا يُقَالُ: «أَيْنَ» إِلَّا لِمَنْ هُوَ فِي مَكَانٍ يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ. 65 - وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَدَّعِي هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ لَأَنْكَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهَا وَعِلْمَهَا، وَلَكِنَّهَا عَلِمَتْ بِهِ، فَصَدَّقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ لَهَا بِالْإِيمَانِ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ كَمَا هُوَ فِي السَّمَاءِ لَمْ يَتِمَّ إِيمَانُهَا حَتَّى تَعْرِفَهُ فِي الْأَرْضِ، كَمَا عَرَفَتْهُ فِي السَّمَاءِ. 66 - فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ إِلَهَهُ الَّذِي يَعْبُدُ، وَعِلْمُهُ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ بِأَقْصَى خَلْقِهِ وَأَدْنَاهُمْ وَاحِدٌ، لَا يَبْعُدُ عَنْهُ شَيْءٌ، {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُهُ الْمُعَطِّلُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا

67 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: §كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: «بِأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ» -[48]- 68 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَا يُحَقِّقُ قَوْلَ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَارِيَةِ: «أَيْنَ اللَّهَ» ؟، يَمْتَحِنُ بِذَلِكَ إِيمَانَهَا، فَلَمَّا قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَةٌ، وَالْحُجَجُ مُتَظَاهِرَةٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ

69 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي قَابُوسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ»

70 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ -[49]- بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِذَا اشْتَكَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا، أَوِ اشْتَكَى أَخٌ لَهُ، فَلْيَقُلْ: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ، وَاغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا، وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ شِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ، وَرَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ، فَيَبْرَأَ "

71 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَإِنَّا نِسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ، وَبِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَعْرَابِيُّ، وَيْحَكَ، وَهَلْ تَدْرِي مَا تَقُولُ؟ إِنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُسْتَشْفَعَ عَلَيْهِ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، §إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، وَسَمَوَاتُهُ فَوْقَ أَرَضِيهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ - وَأَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ - وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ»

72 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ بِالْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ، وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: «§مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟» ، قَالُوا: السَّحَابَ قَالَ: «وَالْمُزْنَ؟» ، قَالُوا: وَالْمُزْنَ. قَالَ: «وَالْعَنَانَ؟» ، قَالُوا: وَالْعَنَانَ. قَالَ: فَقَالَ: «مَا بُعْدُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟» قَالُوا: لَا نَدْرِي. قَالَ: «فَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ، وَإِمَّا اثْنَتَانِ، وَإِمَّا ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَالسَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ» حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ، وَفَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ، بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ، مَا بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعَلَى ظُهُورِهِنَّ الْعَرْشُ، بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ ذَلِكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى "

73 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ مَرَّتْ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ؟» ، فَقَالَ: هَذِهِ §رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا، كَانَتْ تُمَشِّطُهَا، فَوَقَعَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: أَبِي؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، فَقَالَتْ أُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبِي؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَا بِهَا، فَقَالَ: مَنْ رَبُّكِ؟، هَلْ لَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ دَعَا بِهَا وَبِوَلَدِهَا فَأَلْقَاهُمْ فِيهَا. وَسَاقَ أَبُو سَلَمَةَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ

74 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ لَمْ يَرْحَمْ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَرْحَمْهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ»

75 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ، وَأَنَا فِي الْأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ "

76 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَرَ عَنْهُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «§لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» 77 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، مَا كَانَ الْمَطَرُ أَحْدَثُ عَهْدًا بِاللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ وَالْخَلَائِقِ

78 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ إِلَهَكُمُ الَّذِي تَعْبُدُونَ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ قَدْ مَاتَ، وَإِنْ كَانَ إِلَهُكُمُ اللَّهَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، فَإِنَّ إِلَهَكُمْ لَمْ يَمُتْ، ثُمَّ تَلَا: {§وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] . حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ

79 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ -[54]-، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ يَعْنِي الْمَدَنِيَّ، قَالَ: لَقِيَتِ امْرَأَةٌ عُمَرَ، يُقَالُ لَهَا: خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ - وَهُوَ يَسِيرُ مَعَ النَّاسِ - فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ لَهَا وَدَنَا مِنْهَا وَأَصْغَى إِلَيْهَا رَأْسَهُ، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا وَانْصَرَفَتْ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَبَسْتَ رِجَالَاتِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ؟، فَقَالَ: وَيْلَكَ وَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: «§هَذِهِ امْرَأَةٌ سَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَنْصَرِفْ عَنِّي إِلَى اللَّيْلِ مَا انْصَرَفْتُ عَنْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا، إِلَّا أَنْ تَحْضُرَ صَلَاةٌ فَأُصَلِّيَهَا، ثُمَّ أَرْجِعَ إِلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا»

80 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: " §إِنَّ الْعَبْدَ لَيَهِمُّ بِالْأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ أَوِ الْإِمَارَةِ، حَتَّى إِذَا تَيَسَّرَ لَهُ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، فَيَقُولُ لِلْمَلَكِ: اصْرِفْهُ عَنْهُ قَالَ: فَيَصْرِفُهُ، فَيَتَظَنَّى بِحَيْرَتِهِ: سَبَقَنِي فُلَانٌ، وَمَا هُوَ إِلَّا اللَّهُ "

81 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «§مَا بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ»

82 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَعَ بِجَارِيَةٍ لَهُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: فَعَلْتَهَا؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالَتْ: أَمَّا أَنْتَ فَلَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنْتَ جُنُبٌ، فَقَالَ: أَنَا أَقْرَأُ لَكِ، فَقَالَ: [البحر الوافر] §شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا وَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ كِرَامٌ ... مَلَائِكَةُ الْإِلَهِ مُسَوِّمِينَا فَقَالَتْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ الْبَصَرَ "

83 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا جُوَيْرِيَةُ يَعْنِي ابْنَ أَسْمَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا، يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَايْمُ اللَّهِ، إِنِّي لَأَخْشَى لَوْ كُنْتُ أُحِبُّ قَتْلَهُ لَقُتِلْتُ - تَعْنِي عُثْمَانَ - وَلَكِنْ §عَلِمَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ أَنِّي لَمْ أُحِبَّ قَتْلَهُ "

84 - حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَثْيَمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ ذَكْوَانُ، حَاجِبُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَمُوتُ، فَقَالَ لَهَا: «§كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ إِلَّا طَيِّبًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، جَاءَ بِهَا الرُّوحُ الْأَمِينُ، فَأَصْبَحَ لَيْسَ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ تَعَالَى يُذْكَرُ فِيهِ اللَّهُ إِلَّا وَهِيَ تُتْلَى فِيهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»

85 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، ثنا مُوسَى أَبُو مُحَمَّدٍ، مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الَّتِي لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَهَا، فَقَالَ: «§الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي دَنَا فِي عُلُوِّهِ، وَنَاءَ فِي دُنُوِّهِ، لَا يَبْلُغُ شَيْءٌ مَكَانَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ»

86 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، ثنا رَجُلٌ، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ يَتْبَعُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَيَسْمَعُ مِنْهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَهُ فَلَقِيَ نَوْفًا، فَقَالَ نَوْفٌ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمَلَائِكَتِهِ: ادْعُوا لِي عِبَادِي، فَقَالُوا: يَا رَبِّ كَيْفَ وَالسَّمَوَاتُ السَّبْعُ دُونَهُمْ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ §إِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَدِ اسْتَجَابُوا لِي "

قَالَ: يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، أَوْ قَالَ غَيْرَهَا، شَكَّ سُلَيْمَانُ، فَقَعَدَ رَهْطٌ أَنَا فِيهِمْ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ الْأُخْرَى، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْرِعُ الْمَشْيَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَفْعِهِ إِزَارَهُ كَيْ يَكُونَ أَخَفَّ لَهُ فِي الْمَشْيِ، فَانْتَهَى إِلَيْنَا، فَقَالَ: " أَلَا أَبْشِرُوا، هَذَا رَبُّكُمْ أَمَرَ بِبَابٍ فِي السَّمَاءِ الْوُسْطَى، أَوْ قَالَ: بَابُ السَّمَاءِ، فَفَتَحَهُ، فَفَاخَرَ بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، فَقَالَ: §انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، أَدَّوْا حَقًّا مِنْ حَقِّي، ثُمَّ انْتَظَرُوا -[59]- أَدَاءَ حَقٍّ آخَرَ يُؤَدُّونَهُ "

87 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أَبُو هِلَالٍ، ثنا قَتَادَةُ، قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: يَا رَبِّ أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ فِي الْأَرْضِ، فَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رِضَاكَ وَغَضَبَكَ؟ قَالَ: «§إِذَا رَضِيتُ عَنْكُمُ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ خِيَارَكُمْ، وَإِذَا غَضِبْتُ عَلَيْكُمُ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ»

88 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، حَدَّثَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ كَعْبًا وَهُوَ فِي نَفَرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ حَدِّثْنِي عَنِ الْجَبَّارِ. فَأَعْظَمَ الْقَوْمُ قَوْلَهُ، فَقَالَ كَعْبٌ: دَعُوا الرَّجُلَ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا تَعَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا ازْدَادَ عِلْمًا، ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ: «§أُخْبِرُكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ، وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ، ثُمَّ جَعَلَ مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْأَرْضِ، وَكُثُفُهُنَّ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ رَفَعَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ، فَمَا فِي السَّمَوَاتِ سَمَاءٌ إِلَّا لَهَا أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ الْعِلَافِيِّ أَوَّلَ مَا يَرْتَحِلُ مِنْ ثِقَلِ الْجَبَّارِ فَوْقَهُنَّ»

89 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ، قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " §وَيْلٌ لِسُلْطَانِ الْأَرَضِ مِنْ سُلْطَانِ السَّمَاءِ. قَالَ -[60]- عُمَرُ: إِلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ. فَقَالَ كَعْبٌ: إِلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ. وَكَبَّرَ عُمَرُ وَخَرَّ سَاجِدًا "

90 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، ثنا أَبِي، عَنْ نَضْرٍ أَبِي عُمَرَ الْخَزَّازِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «§سَيِّدُ السَّمَوَاتِ السَّمَاءُ الَّتِي فِيهَا الْعَرْشُ، وَسَيِّدُ الْأَرَضِينَ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا، وَسَيِّدُ الشَّجَرِ الْعَوْسَجُ، وَمِنْهُ عَصَا مُوسَى»

91 - حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثنا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو الْغُصْنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ شَيْئًا مَا لَا تَصُومُهُ مِنَ الشُّهُورِ أَكْثَرَ إِلَّا رَمَضَانَ قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ؟» ، قُلْتُ: شَعْبَانُ. قَالَ: «هُوَ §شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»

92 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، فَإِذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ نَزَلَتْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا مَعَكُمُ الصَّلَاةَ، وَصَعِدَتْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، وَمَكَثَتْ فِيكُمْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مَا تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ؟، فَيَقُولُونَ: جِئْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَإِذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ نَزَلَتْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ فَشَهِدُوا مَعَكُمُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَعِدَتْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ، وَمَكَثَتْ مَعَكُمْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ " قَالَ: " فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ؟ " قَالَ: " فَيَقُولُونَ: جِئْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ قَالَ: فَحَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: «فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ»

93 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ -[62]-، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقُلْتُ: §أَخْبِرْنِي عَنْ صَلَاةِ، رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ. قَالَ: مَا يُخْبِرُكَ ذَاكَ؟، قُلْتُ: الْقُرْآنُ، فَقَرَأْتُ: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ اللَّيْلِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) . قَالَ: هَكَذَا هُوَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: هَلْ تُرَاهُ صَلَّى فِيهِ يَا أَصْلَعُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ أَتَاهُ بِدَابَّةٍ، فَوَصَفَهَا عَاصِمٌ بِحِمَارٍ، فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا، أَحَدُهُمَا رَدِيفُ صَاحِبِهِ، ثُمَّ انْطَلِقَا، فَأُرِيَ مَا فِي السَّمَوَاتِ، وَأُرِيَ، ثُمَّ عَادَا عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا، فَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، وَلَوْ صَلَّى فِيهِ لَكَانَتْ سُنَّةً "

94 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ -[63]- بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §إِذَا مَكَثَ الْمَنِيُّ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَتَاهُ مَلَكُ النُّفُوسِ، فَعَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّبِّ فِي رَاحَتِهِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ عَبْدُكَ هَذَا ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي اللَّهُ إِلَيْهِ مَا هُوَ قَاضٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَشَقِيُّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَا هُوَ لَاقٍ " قَالَ: وَتَلَا أَبُو ذَرٍّ مِنْ فَاتِحَةِ التَّغَابُنِ خَمْسَ آيَاتٍ " 95 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِلَى مَنْ يَعْرُجُ الْمَلَكَ بِالْمَنِيِّ، وَاللَّهُ بِزَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ وَجَوْفِهَا مَعَ الْمَنِيِّ؟

96 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: «§إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ» -[64]- 97 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِلَى مَنْ تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ، وَاللَّهُ بِزَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ مَعَ الْعَامِلِ بِنَفْسِهِ فِي بَيْتِهِ، وَمَسْجِدِهِ، وَمُنْقَلَبِهِ، وَمَثْوَاهُ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. 98 - وَالْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا كِتَابُنَا هَذَا، غَيْرَ أَنَّا قَدِ اخْتَصَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ أُولُو الْأَلْبَابِ أَنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا وَالْأُمَمَ السَّالِفَةَ قَبْلَهَا لَمْ يَكُونُوا يَشُكُّونَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، غَيْرَ هَذِهِ الْعِصَابَةِ الزَّائِغَةِ عَنِ الْحَقِّ، الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَأَثَارَاتِ الْعِلْمِ كُلِّهَا، حَتَّى لَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ وَفَرَاعِنَتِهِمْ. {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} . وَاتَّخَذَ فِرْعَوْنُ إِبْرَاهِيمَ النُّسُورَ وَالتَّابُوتَ يَرُومُونَ الِاطِّلَاعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ، وَذَلِكَ لَمَّا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ -[65]- بَنُو إِسْرَائِيلَ: يَا رَبِّ أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ فِي الْأَرْضِ. وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرٌ، يَطُولُ إِنْ ذَكَرْنَاهَا 99 - وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَبَاطِنُهُ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لَا لَبْسَ فِيهِ، وَلَا تَأَوُّلَ إِلَّا لِمُتَأَوِّلٍ جَاحِدٍ يُكَابِرُ الْحُجَّةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ. 100 - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] . وَقَوْلُهُ: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 4] . وَقَوْلُهُ: {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: 1] . {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] . {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] . {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3] . {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [النور: 1] . وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ، كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَدَّعِي هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ أَنَّهُ تَحْتَ الْأَرْضِ وَفَوْقَهَا كَمَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ لَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ: إِنَّا أَطْلَعْنَاهُ إِلَيْكَ، وَرَفَعْنَاهُ إِلَيْكَ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَقَالَ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64] وَ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193] وَ {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] . وَلَمْ يَقُلْ: مَا نُخْرِجُ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ، وَلَا يَصْعَدُ مِنْهَا 101 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَبَاطِنُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ، نَسْتَغْنِي فِيهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنِ التَّفْسِيرِ، وَيَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ، وَالْخَاصَّةُ، فَلَيْسَ مِنْهُ لِمُتَأَوِّلٍ تَأَوُّلٌ، إِلَّا لِمُكَذِّبٍ بِهِ فِي نَفْسِهِ، مُسْتَتِرٍ بِالتَّأْوِيلِ. -[66]- 102 - وَيْلَكُمْ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيعِ الْأُمَّةِ، مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ: نَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَنَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَنَزَلَتْ سُورَةُ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا. لَا نَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ: طَلَعَتْ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ، وَلَا جَاءَتْ مِنْ أَمَامٍ، وَلَا مِنْ خَلْفٍ، وَلَكِنُ كُلُّهُ: نَزَلَتْ مِنْ فَوْقٍ. 103 - وَمَا يَصْنَعُ بِالتَّنْزِيلِ مَنْ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. إِنَّمَا يَكُونُ شِبْهَ مُنَاوَلَةٍ، لَا تَنْزِيلًا مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ مَعَ جِبْرِيلَ، إِذْ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] . وَالرَّبُّ بِزَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ فِي الْبَيْتِ مَعَهُ، وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهُ مِنْ خَارِجٍ. هَذَا وَاضِحٌ، وَلَكِنَّكُمْ تُغَالِطُونَ، فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِيمَانِهِ وَعِبَادَتِهِ إِلَى اللَّهِ الَّذِي اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، وَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، وَلَا يَدْرِي أَيْنَ اللَّهُ

104 - حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ، مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ثِقَةً، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ لِي، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: فَمَا رَأَيْنَا مَالِكًا وَجَدَ مِنْ شَيْءٍ كَوَجْدِهِ مِنْ مَقَالَتِهِ، وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ، وَأَطْرَقَ، وَجَعَلْنَا نَنْتَظِرُ مَا يَأْمُرُ بِهِ فِيهِ. قَالَ: ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ: «§الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالِاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَإِنِّي لَأَخَافُ أَنْ تَكُونَ ضَالًّا. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ» -[67]- 105 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَصَدَقَ مَالِكٌ، لَا يُعْقَلُ مِنْهُ كَيْفٌ، وَلَا يُجْهَلُ مِنْهُ الِاسْتِوَاءُ، وَالْقُرْآنُ يَنْطِقُ بِبَعْضِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آيَةٍ. 106 - فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي اقْتَصَصْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، قَدْ خَلَصَ عِلْمُ كَثِيرٍ مِنْهَا إِلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَنَطَقَ بِكَثِيرٍ مِنْهَا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَصَدَّقَتُهُ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي يَشْكُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ الْمُلْحِدَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ، لَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ يَرْوُونَ هَذِهِ الْآثَارَ، وَيَتَنَاسَخُونَهَا، وَيُصَدِّقُونَ بِهَا عَلَى مَا جَاءَتْ، حَتَّى ظَهَرَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ، فَكَذَّبُوا بِهَا أَجْمَعَ، وَجَهَّلُوهُمْ، وَخَالَفُوا أَمْرَهُمْ، خَالَفَ اللَّهُ بِهِمْ. 107 - ثُمَّ مَا قَدْ رُوِيَ فِي، قَبْضِ الْأَرْوَاحِ، وَصُعُودِ الْمَلَائِكَةِ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِصَّتِهِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ، فَعُرِجَ بِهِ إِلَى سَمَاءٍ بَعْدَ سَمَاءٍ، حَتَّى انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْمُ الْخَلَائِقِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ، مَا كَانَ لِلْإِسْرَاءِ وَالْبُرَاقِ وَالْمِعْرَاجِ إِذًا مِنْ مَعْنًى، وَإِلَى مَنْ يُعْرَجُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ بِزَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ فِي الْأَرْضِ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سِتْرٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى عَمَّا تَصِفُونَ

108 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ -[68]- يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ سَمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَافْتَتَحَ، فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا. " وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ §وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولَانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§ثُمَّ عُرِجَ بِي، حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ» قَالَ: «ثُمَّ انْطُلِقَ بِي، حَتَّى انْتُهِيَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ» 109 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، بِإِسْنَادِهِ نَحْوَ مَعْنَاهُ

110 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَبُو بَكْرٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ -[69]-، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْبَرَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةً.» وَسَاقَ الْحَدِيثَ. قَالَ: " فَيُخْرِجُ رُوحَهُ، فَيَصْعَدُونَ بِهِ، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَيُسْتَفْتَحُ، فَيُفْتَحُ لَهُ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. وَأَمَّا الْكَافِرُ " قَالَ: «يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ» ، ثُمَّ قَرَأَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40] الْآيَةَ. قَالَ: " فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي سِجِّينٍ، فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. فَيُطْرَحُ طَرْحًا. «وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ» 111 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40] دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ السَّمَاءِ، لِأَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ إِنَّمَا تُفَتَّحُ لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِرَفْعِ أَعْمَالِهِمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا، وَلِمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَشَاءُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ -[70]- مَعَ الْمَيِّتِ وَالْعَامِلِ بِنَفْسِهِ فِي الْأَرْضِ فَإِلَى مَنْ يَعْرُجُ بِأَرْوَاحِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ؟ وَلِمَ تُفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لِقَوْمٍ وَتُغْلَقُ عَنْ آخَرِينَ، إِذَا كَانَ اللَّهُ بِزَعْمِكُمْ فِي الْأَرْضِ؟ وَمَا مَنْزِلَةُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُمْ إِذْ {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40] . 112 - فَمَنْ آمَنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي احْتَجَجْنَا مِنْهُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ، وَصَدَّقَ هَذَا الرَّسُولَ الَّذِي رُوِّينَا عَنْهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ بِأَنَّ اللَّهَ بِكَمَالِهِ فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، وَإِلَّا فَلْيَحْتَمِلْ قُرْآنًا غَيْرَ هَذَا؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُؤْمِنٍ بِهَذَا. 113 - وَمِمَّا يُحَقِّقُ قَوْلَنَا وَيَبْطُلُ دَعْوَاهُمُ احْتِجَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْخَلْقِ فَوْقَ السَّمَوَاتِ الْعُلَى

باب الاحتجاب قال الله تبارك وتعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب

§بَابُ الِاحْتِجَابِ 114 - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]

115 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ السُّلَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ السُّلَمِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُهْتَمًّا؟» قَالَ: قُلْتُ: اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَعِيَالًا. فَقَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكَ؟ §مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ «وَسَاقَ عَلَيَّ الْحَدِيثَ»

116 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَ هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: ثنا مَسْرُوقٌ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ §مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا، رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَتَلَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] . {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ -[72]- مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] "

117 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعٍ، فَقَالَ: «§إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ»

118 - حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " §احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ بِأَرْبَعٍ: بِنَارٍ وَظُلْمَةٍ، وَنُورٍ وَظُلْمَةٍ "

119 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو سَلَمَةَ، ثنا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أنبأ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ جِبْرِيلَ: " هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ . فَانْتَفَضَ جِبْرِيلُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ §إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، لَوْ دَنَوْتُ مِنْ أَدْنَاهَا لَاحْتَرَقْتُ " 120 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: مَنْ يَقْدِرُ قَدْرَ هَذِهِ الْحُجُبِ الَّتِي احْتَجَبَ الْجَبَّارُ بِهَا؟ وَمَنْ يَعْلَمُ كَيْفَ هِيَ غَيْرُ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا؟ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28] . 121 - فَفِي هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ أَنَّهُ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، مُحْتَجِبٌ عَنْهُمْ، لَا يَسْتَطِيعُ جِبْرِيلُ مَعَ قُرْبِهِ إِلَيْهِ الدُّنُوَّ مِنْ تِلْكَ الْحُجُبِ، وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ: إِنَّهُ مَعَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا كَانَ لِلْحُجُبِ هُنَاكَ مَعْنًى، لِأَنَّ الَّذِي هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَحْتَجِبُ بشَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ، فَكَيْفَ يَحْتَجِبُ مَنْ هُوَ خَارِجَ الْحِجَابِ كَمَا هُوَ مِنْ وَرَائِهِ؟ فَلَيْسَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] عِنْدَ الْقَوْمِ مِصْدَاقٌ. 122 - وَالْآثَارُ الَّتِي جَاءَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ السَّمَوَاتِ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ

باب النزول قال أبو سعيد رحمه الله: فمما يعتبر به من كتاب الله عز وجل في النزول، ويحتج به على من أنكره، قوله تعالى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة. وقوله: وجاء ربك والملك صفا صفا. وهذا يوم القيامة إذا نزل الله ليحكم بين

§بَابُ النُّزُولِ 123 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمِمَّا يُعْتَبَرُ بِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي النُّزُولِ، وَيُحْتَجُّ بِهِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210] . وَقَوْلُهُ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] . وَهَذَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ إِذَا نَزَلَ اللَّهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ، وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26] . فَالَّذِي يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ السَّمَوَاتِ كُلِّهَا لِيَفْصِلَ بَيْنَ عِبَادِهِ قَادِرٌ أَنْ يَنْزِلَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، فَإِنْ رَدُّوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّزُولِ، فَمَاذَا يَصْنَعُونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟

124 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ هَبَطَ فَقَالَ: §مَنْ تَائِبٌ فَيُتَابُ عَلَيْهِ؟ مَنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابُ لَهُ؟ مَنْ مُسْتَغْفِرٌ؟ مَنْ مُذْنِبٌ؟ مَنْ سَائِلٌ فَيُعْطَى؟ "

125 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا مَالِكٌ وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي أَسْتَجِيبُ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ " 126 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَزَادَنِي فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِإِسْنَادِهِ

127 - قَالَ: وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيَّ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، أَوْ شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَا اللَّيْلِ، يَتَنَزَّلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي -[76]- أَحَدًا غَيْرِي، §مُنْ يَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرُ لَهُ؟ مَنْ يَدْعُونِي أَسْتَجِيبُ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي أُعْطِيهِ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ "

128 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي زِيَادَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى §يَنْزِلُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ يَفْتَحُ الذِّكْرَ، فَيَنْظُرُ اللَّهُ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهُنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي لَمْ يَرَهْ غَيْرُهُ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ، وَيَثْبُتُ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ، وَهِيَ دَارُهُ الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ، وَلَمْ تَخْطَرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ، وَلَا يَسْكُنُهَا مَعَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، فَتَنْتَفِضُ، فَيَقُولُ: قَوْمِي بِعِزَّتِي ثُمَّ يَطْلُعُ إِلَى عِبَادِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ أَغْفِرُ لَهُ؟ وَهَلْ مِنْ دَاعٍ أُجِيبُ؟ حَتَّى تَكُونَ صَلَاةُ الْفَجْرِ "، وَلِذَلِكَ يَقُولُ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] يُشْهِدُهُ اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ "

129 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، ثنا هِشَامٌ وَهُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا بَقِيَ، أَوْ قَالَ: مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: §مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ أَكْشِفُ عَنْهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ "

130 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَ خَالِدٌ يَعْنِي -[78]- عَبْدَ اللَّهِ، عَنِ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَيَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَلَا عَبْدٌ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ "

131 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يُوسُفَ الْحَرَّانِيُّ أَبُو الْأَصْبَغِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيَّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، مَوْلَى أُمِّ صُبَيَّةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ هَبَطَ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَا يَزَالُ بِهَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، يَقُولُ قَائِلٌ: §أَلَا مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى، أَلَا مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ؟، أَلَا مِنْ مَرِيضٍ يُسْتَشْفَى فَيُشْفَى؟ أَلَا مِنْ مُذْنِبٍ يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرَ لَهُ؟ " -[79]- 132 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. 133 - قَالَ عَمْرٌو: وَثَنًا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

134 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ هَبَطَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ: §هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُتَابَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ "

135 - حَدَّثَنَا الزَّهْرَانِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: إِذَا مَضَى ثُلُثٌ، أَوْ: بَقِيَ نِصْفُ اللَّيْلِ، يَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: «§مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟»

باب النزول ليلة النصف من شعبان

§بَابُ النُّزُولِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ

136 - حَدَّثَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ عَمِّهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِكُلِّ نَفْسٍ إِلَّا مُشْرِكٍ بِاللَّهِ وَمُشَاحِنٍ»

باب النزول يوم عرفة

§بَابُ النُّزُولِ يَوْمَ عَرَفَةَ

137 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو سَلَمَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللَّاحِقِيُّ، قَالَا: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «نِعْمَ الْيَوْمُ يَوْمُ عَرَفَةَ، §يَنْزِلُ فِيهِ رَبُّ الْعِزَّةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا»

باب نزول الرب تبارك وتعالى يوم القيامة للحساب

§بَابُ نُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ

138 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: §مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ "، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: " وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمُ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَتَّبِعُونَهُ «، وَسَاقَ نُعَيْمٌ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ»

139 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[87]- قَالَ: «§يَأْتِينَا رَبُّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ عَلَى مَكَانٍ رَفِيعٍ، فَيَتَجَلَّى لَنَا ضَاحِكًا»

140 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ، حَتَّى يَسْمَعَهَا كُلُّ حَيٍّ وَمَيْتٍ. قَالَ: فَيُنَادِي الْمُنَادِي: {§لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ، لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16] "

141 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {§يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} [إبراهيم: 48] قَالَ: يُبَدِّلُهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْضٍ مِنْ فِضَّةٍ -[88]-، لَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا الْخَطَايَا، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى "

142 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {§يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25] وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا قَالَ: يَنْزِلُ أَهْلُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَمِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْأَرْضِ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا، وَسَيَأْتِي، ثُمَّ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ. وَسَاقَ أَبُو سَلَمَةَ الْحَدِيثَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ قَالَ: فَيَقُولُونَ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا، وَسَيَأْتِي، ثُمَّ يَأْتِي الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْكُرُوبِيِّينَ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ "

143 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، ثنا الْأَجْلَحُ، ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ، قَالَ: " §إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ السَّمَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَنْشَقُّ بِمَنْ فِيهَا، فَيُحِيطُونَ بِالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا، وَيَأْمُرُ السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، حَتَّى ذَكَرَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ، فَيَكُونُونَ سَبْعَةَ صُفُوفٍ قَدْ أَحَاطُوا بِالنَّاسِ. قَالَ: ثُمَّ يَنْزِلُ اللَّهُ فِي بَهَائِهِ وَجَمَالِهِ، وَمَعَهُ مَا شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، عَلَى مُجَنِّبَتِهِ الْيُسْرَى جَهَنَّمُ، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ تَلَظَّى وَسِمِعُوا زَفِيرَهَا وَشَهِيقَهَا نَدَّ النَّاسُ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنْ أَقْطَارِهَا إِلَّا وَجَدُوا سَبْعَةَ صُفُوفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر: 32] . يَقُولُ: يَنِدُّ النَّاسُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا، لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} . وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر: 22] . وَ {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] . {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ، وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 16] . قَالَ: قُلْتُ: فَمَا أَرْجَاؤُهَا؟ قَالَ: حَافَّتُهَا "

باب نزول الله لأهل الجنة

§بَابُ نُزُولِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ

144 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ وَهُوَ ابْنُ شَابُورَ، أَنْبَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى غُفْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ وَفِي يَدِهِ كَهَيْئَةِ الْمَرْآةِ الْبَيْضَاءِ، وَفِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءٌ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، بَعَثَ بِهَا إِلَيْكَ رَبُّكَ، تَكُونُ عِيدًا لَكَ وَلِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدَكَ، قُلْتُ: وَمَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ، §أَنْتُمُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ؟ قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةُ، تَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ عِنْدَنَا يَوْمَ الْمَزِيدِ، قُلْتُ: وَمَا الْمَزِيدُ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: ذَلِكَ بِأَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ هَبَطَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ عَرْشِهِ إِلَى كُرْسِيِّهِ، وَحَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ، وَحَفَّ الْمَنَابِرَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَيَهْبِطُ أَهْلُ الْغُرَفِ مِنْ غُرَفِهِمْ، فَيَجْلِسُونَ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ، لَا يَرَوْنَ لِأَهْلِ الْمَنَابِرِ وَالْكَرَاسِيِّ عَلَيْهِمْ فَضْلًا فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ يَتَبَدَّى لَهُمْ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَيَقُولُ: سَلُونِي فَيَقُولُونَ بِأَجْمَعِهِمْ: نَسْأَلُكَ الرِّضَا، فَيُشْهِدُهُمْ عَلَى الرِّضَا، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى تَنْتَهِيَ نُهْيَةُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَسْعَى -[91]- عَلَيْهِمْ بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ الرَّبُّ عَنْ كُرْسِيِّهِ إِلَى عَرْشِهِ، وَيَرْتَفِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ، وَهِيَ غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ، أَوْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ، أَوْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، لَيْسَ فِيهَا قَصْمٌ، وَلَا وَصْمٌ، مُطَّرِدَةٌ فِيهَا أَنْهَارُهَا، مُتَدَلِّيَةٌ فِيهَا ثِمَارُهَا، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا وَمَسَاكِنُهَا، فَلَيْسَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى شَيْءٍ أَشْوَقَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا قُرْبًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا "

145 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ فِي كَفِّهِ كَالْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ، فِيهَا كَالنُّكْتَةُ السَّوْدَاءِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي فِي يَدِكِ؟ قَالَ: الْجُمُعَةُ، قُلْتُ: وَمَا الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، وَهُوَ عِنْدَنَا سَيِّدُ الْأَيَّامِ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَزِيدِ، قُلْتُ " وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ §يَنْزِلُ عَلَى كُرْسِيِّهِ مِنْ عِلِّيِّينَ، أَوْ نَزَلَ مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوْهَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى تِلْكَ الْمَنَابِرِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ الْغُرَفِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَهَذَا مَحِلُّ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي " وَسَاقَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: «وَذَلِكَ -[92]- مِقْدَارُ مُنْصَرِفِهِمْ مِنَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ إِلَى عَرْشِهِ عَنْ كُرْسِيِّهِ، وَيَرْتَفِعُ مَعَهُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ، أَوِ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ»

146 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ -[93]-، يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: " §فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، أَقْبَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210] . فَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ السَّلَامَ. قَالَ الْقُرَظِيُّ: وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] . فَيَقُولُ: سَلُونِي قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فِي دَرَجِهِمْ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِي مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَأْتِيهِمُ التُّحَفُ مِنَ اللَّهِ تَحْمِلُهَا الْمَلَائِكَةُ إِلَيْهِمْ 147 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ جَاءَتْ كُلُّهَا وَأَكْثَرُ مِنْهَا فِي نُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ، وَعَلَى تَصْدِيقِهَا وَالْإِيمَانِ بِهَا أَدْرَكْنَا أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْبَصَرِ مِنْ مَشَايِخِنَا، لَا يُنْكِرُهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ رِوَايَتِهَا، حَتَّى ظَهَرَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ فَعَارَضَتْ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدٍّ، وَتَشَمَّرُوا لِدَفْعِهَا بِجَدٍّ، فَقَالُوا: كَيْفَ نُزُولُهُ هَذَا؟ قُلْنَا: لَمْ نُكَلَّفْ مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّةِ نُزُولِهِ فِي دِينِنَا، وَلَا تَعْقِلُهُ قُلُوبُنَا، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَنُشَبِّهَ مِنْهُ فِعْلًا أَوْ صِفَةً بِفِعَالِهِمْ وَصِفَتِهِمْ، وَلَكِنْ يَنْزِلُ بِقُدْرَتِهِ وَلُطْفِ رُبُوبِيَّتِهِ كَيْفَ يَشَاءُ، فَالْكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِهِ وَاجِبٌ، وَلَا يُسْأَلُ الرَّبُّ عَمَّا يَفْعَلُ كَيْفَ يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ أَنْ يَفْعَلَهُ كَيْفَ -[94]- يَشَاءُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِفِعْلِ الْمَخْلُوقِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا مَا أَقْدَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ وَكَيْفَ قَدَرَ؟ . 148 - وَلَوْ قَدْ آمَنْتُمْ بِاسْتِوَاءِ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ، وَارْتِفَاعِهِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَدْءًا إِذْ خَلَقَهَا، كَإِيمَانِ الْمُصَلِّينَ بِهِ، لَقُلْنَا لَكُمْ: لَيْسَ نُزُولُهُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ بِأَشَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا بِأَعْجَبَ مِنَ اسْتِوَائِهِ عَلَيْهَا إِذْ خَلَقَهَا بَدْءًا، فَكَمَا قَدَرَ عَلَى الْأُولَى مِنْهُمَا كَيْفَ يَشَاءُ، فَكَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَى الْأُخْرَى كَيْفَ يَشَاءُ. 149 - وَلَيْسَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِهِ بِأَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210] . وَمِنْ قَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] . فَكَمَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا يَقْدِرُ عَلَى ذَاكَ. 150 - فَهَذَا النَّاطِقُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَاكَ الْمَحْفُوظُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخْبَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا غُبَارٌ، فَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، لَزِمَكُمُ الْإِيمَانُ بِهَا، كَمَا آمَنَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَإِلَّا فَصَرِّحُوا بِمَا تُضْمِرُونَ، وَدَعُوا هَذِهِ الْأُغْلُوطَاتِ الَّتِي تَلْوُونَ بِهَا أَلْسِنَتَكُمْ، فَلَئِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَهْلِ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِكُمْ، إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَمْرِكُمْ لَعَلَى يَقِينٍ. 151 - قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: مَعْنَى إِتْيَانِهِ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَمَجِيئِهِ وَالْمَلَكِ صَفًّا صَفًّا، كَمَعْنَى كَذَا وَكَذَا. -[95]- 152 - قُلْتُ: هَذَا التَّكْذِيبُ بِالْآيَةِ صُرَاحًا، تِلْكَ مَعْنَاهَا بَيِّنٌ لِلْأُمَّةِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعْنَاهَا الْمَفْهُومِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا مَجِيئُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِتْيَانُهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ، فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِيهِمْ يَوْمَئِذٍ كَذَلِكَ لِمُحَاسَبَتِهِمْ، وَلِيَصْدَعِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَيُقَرِّرَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيَجْزِيَهُمْ بِهَا، وَلِيُنْصِفَ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ، لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدَّهُ، فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ لَمْ يُؤْمِنْ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. 153 - وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ فِي تَأْوِيلِكُمْ هَذَا وَمَا ادَّعَيْتُمْ مِنْ بَاطِلِكُمْ، وَلَسْتُمْ كَذَلِكَ، فَأْتُوا بِحَدِيثٍ يُقَوِّي مَذْهَبَكُمْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِتَفْسِيرٍ تَأْثُرُونَهُ صَحِيحًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ كَمَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ عَنْهُمْ نَحْنُ لِمَذْهَبِنَا، وَإِلَّا فَمَتَى نَزَلَتِ الْجَهْمِيَّةُ مِنَ الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِتَفْسِيرِهِ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ قَبُولُ قَوْلِهِمْ فِيهِ، وَتَرْكُ مَا يُؤْثَرُ مِنْ خِلَافِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَعَنِ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ. 154 - هَذَا حَدَثٌ كَبِيرٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَظُلْمٌ عَظِيمٌ أَنْ يَتْبَعَ تَفْسِيرُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ بِلَا أَثَرٍ، وَيُتْرَكَ الْمَأْثُورُ فِيهِ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟ . 155 - وَمَتَى مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تُجَامِعُوا أَهْلَ الْعِلْمِ فِي مَجَالِسِهِمْ، أَوْ تَنْتَحِلُوا شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ فِي آبَادِ الدَّهْرِ إِلَّا مُنَافِقَةً وَاسْتِتَارًا، حَتَّى تَتَقَلَّدُوا -[96]- الْيَوْمَ مِنْ تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ يَتَوَقَّى أَوْضَحَ مِنْهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لَقَدْ عَدَوْتُمْ طَوْرَكُمْ، وَأَنْزَلْتُمْ أَنْفُسَكُمُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي بَعَّدَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا، ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ. 156 - وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ لَمْ تَكُونُوا مُؤْتَمَنِينَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَتَفْسِيرِهِ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَقَاوِيلِكُمْ، أَوْ يُعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَفْسِيرِكُمْ كِتَابَ اللَّهِ، لِمَا ظَهَرَ لِلْأُمَّةِ مِنْ إِلْحَادِكُمْ، فَكَيْفَ إِذَا هُمْ خَالَفُوكُمْ؟ . 157 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمِمَّا يَرُدُّ هَذَا وَيُبْطِلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: 158] الْآيَةُ. فَهَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ دَعْوَانَا وَيُبْطِلُ دَعْوَاكُمُ الَّتِي تَخَرَّصْتُمُوهَا عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي إِتْيَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَجِيئِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا. 158 - فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا لُزُومًا لِتَفْسِيرِكُمْ هَذَا، وَمُخَالَفَةً لِمَا احْتَجَجْنَا بِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ مِنَ الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى تَفْسِيرِكُمْ لَوْ قَدْ أَصَبْتُمُ الْحَقَّ، فَكَيْفَ إِذَا أَنْتُمْ أَخْطَأْتُمُوهُ. 159 - وَلَكِنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ يَعْقِلُهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّا قَدْ أَتَيْنَاكُمْ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، مَنْصُوصَةً صَحِيحَةً عَنْهُمْ، أَنَّ اللَّهَ -[97]- تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَقَدْ عَلِمْتُمْ يَقِينًا أَنَّا لَمْ نَخْتَرِعْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَلَمْ نَفْتَعَلْهَا، بَلْ رُوِّينَاهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ الَّذِينَ نَقَلُوا أُصُولَ الدِّينِ وَفُرُوعَهُ إِلَى الْأَنَامِ، وَكَانَتْ مُسْتَفِيضَةً فِي أَيْدِيهِمْ، يَتَنَافَسُونَ فِيهَا، وَيَتَزَيَّنُونَ بِرِوَايَتِهَا، وَيَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى مَنْ خَالَفَهَا، قَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ وَرُوِّيتُمُوهَا كَمَا رُوِّينَاهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَائْتُوا بِبَعْضِهَا، أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ مَنْصُوصًا كَمَا رُوِّينَا عَنْهُمُ النُّزُولَ مَنْصُوصًا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُ مَا تَأْتُونَ بِهِ ضِدًّا لِبَعْضِ مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ، وَإِلَّا لِمَ يُدْفَعُ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَمَا ثَبَتَ عَنْهُمْ فِي النُّزُولِ مَنْصُوصًا بِلَا ضِدٍّ مَنْصُوصٍ مِنْ قَوْلِهِمْ، أَوْ مِنْ قَوْلِ نُظَرَائِهِمْ، وَلِمَ يُدْفَعُ شَيْءٌ بِلَا شَيْءٍ، لِأَنَّ أَقَاوِيلَهُمْ وَرِوَايَاتِهِمْ شَيْءٌ لَازِمٌ وَأَصْلٌ مَنِيعٌ، وَأَقَاوِيلَكُمْ رِيحٌ لَيْسَتْ بشَيْءٍ، وَلَا يُلْزِمُ أَحَدًا مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ تَأْتُوا فِيهَا بِأَثَرٍ ثَابِتٍ مُسْتَفِيضٍ فِي الْأُمَّةِ كَاسْتِفَاضَةِ مَا رُوِّينَا عَنْهُمْ، وَلَنْ تَأْتُوا بِهِ أَبَدًا، هَذَا وَاضِحٌ بَيِّنٌ يَعْقِلُهُ كَثِيرٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَتَعْقِلُونَهُ أَنْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ مِنَ الْغَفْلَةِ كُلُّ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَجَ آخِذَةٌ بِحُلُوقِكُمْ، غَيْرَ أَنَّكُمْ تَقْصِدُونَ شَيْئًا لَا يَنْقَادُ إِلَّا بِدَفْعِ هَذِهِ الْحُجَجِ وَالْآثَارِ كُلِّهَا، تَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَكُمُ الَّذِي ك

162 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَنَّهُ سُئِلَ: §بِمَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: «بِأَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ» قَالَ: قُلْتُ: بِحَدٍّ؟ قَالَ: «فَبِأَيِّ شَيْءٍ؟» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْحُجَّةُ لِقَوْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] . فَلِمَاذَا يَحُفُّونَ حَوْلَ الْعَرْشِ إِلَّا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَحَفُّوا بِالْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، لَا بِالْعَرْشِ -[99]- دُونَهَا، فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ لِلْحَدِّ، وَأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَالْمَلَائِكَةَ حَوْلَهُ حَافُّونَ يُسَبِّحُونَهُ وَيُقَدِّسُونَهُ، وَيَحْمِلُ عَرْشَهُ بَعْضُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ، وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7] . 164 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَسَمِعْتُ مُحْتَجًّا، يَحْتَجُّ عَنْهُمْ فِي إِنْكَارِهِمُ الْحَدَّ وَالنُّزُولَ، وَفِي قَوْلِهِمْ: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، بِحَدِيثِ: " أَرْبَعَةُ أَمْلَاكٍ الْتَقَوْا: أَحَدُهُمْ جَاءَ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَالْآخَرُ مِنَ الْمَغْرِبِ، وَالثَّالِثُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالرَّابِعُ مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالُوا أْرَبَعَتُهُمْ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: إِنَّ أَفْلَسَ النَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَفْقَرَهُمْ فِيهِ الَّذِي لَا يَجِدُ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي تِلْكَ الْأَبْوَابِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْحَدِيثِ أَفْلَسُ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَوْ صَحَّ كَانَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ أَلْجَأَتْهُمُ الضَّرُورَةُ إِلَى هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ، لِأَنَّهُمْ لَوْ وَجَدُوا حَدِيثًا مَنْصُوصًا فِي دَعْوَاهُمْ لَاحْتَجُّوا بِهِ لَا بِهَذَا، وَلَكِنْ حِينَ أَيِسُوا مِنْ ذَلِكَ وَأَعْيَاهُمْ طَلَبُهُ تَعَلَّقُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمُشْتَبِهِ عَلَى جُهَّالِ النَّاسِ لِيُرَوِّجُوا بِسَبَبِهِ عَلَيْهِمْ أُغْلُوطَةً، وَسَنُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمُ. 165 - قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ مْفَهُومًا مَعْقُولًا، لَا لَبْسَ لَهُ، أَنَّهُمْ جَاءُوا كُلُّهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا قَالُوا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَسَمَاوَاتُهُ فَوْقَ أَرْضِهِ كَالْقُبَّةِ، وَكَمَا وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ يُنَزِّلُ مَلَائِكَةً مِنْ عِنْدِهِ بِالْمَشْرِقِ، وَمَلَائِكَةً بِالْمَغْرِبِ -[100]-، وَمَلَائِكَةً إِلَى تُخُومِ الْأَرْضِ، لِلْأَمْرِ مِنْ أُمُورِهِ، وَلِرَحْمَتِهِ، وَلِعَذَابِهِ، وَلِمَا يَشَاءُ مِنْ أُمُورِهِ، فَلَوْ أَنْزَلَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ بِالْمَشْرِقِ، وَالثَّانِي بِالْمَغْرِبِ، وَالثَّالِثَ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى تُخُومِ الْأَرْضِ لِلْأَمْرِ مِنْ أُمُورِهِ، ثُمَّ عَرَجُوا مِنْهَا، وَالْتَقَوْا جَمِيعًا فِي مُلْتَقًى مِنَ الْأَرْضِ مَعَ رَابِعٍ، نَزَلَ مِنْ مُلْتَقَاهُمْ مِنَ السَّمَاءِ، فَسُئِلُوا جَمِيعًا مَنْ أَيْنَ جَاءُوا، فَقَالُوا جَمِيعًا: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ صَحِيحًا عَلَى مَذْهَبِنَا، لَا عَلَى مَذْهَبِكُمْ، لِأَنَّ كُلًّا بَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ، وَكُلًّا نَزَلُوا مِنْ عِنْدِهِ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَوْ نَزَلَ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ فِي مِائَةِ أَلْفِ مَكَانٍ مِنَ الْأَرْضِ لَجَاءُوا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا قِيلَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ السَّمَاءِ، وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَوَاتِ، وَبَعْضُهُمْ حَافُّونَ بِعَرْشِهِ، فَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] ، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ لِتَحْقِيقِ مَا ادَّعَيْنَا لِلْحَدِّ، فَإِنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلِإِبْطَالِ دَعْوَى الَّذِينَ ادَّعَوْا أَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ مَا كَانَ لِخُصُوصِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ {عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف: 206] مَعْنًى، بَلْ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَسَائِرُ الْخَلْقِ كُلُّهُمْ عِنْدَ رَبِّكَ فِي دَعْوَاهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذْ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِذًا لَذَهَبَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَنْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَا يَسْجُدُ لَهُ، وَلَكِنْ خَصَّ اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَهُ فِي السَّمَوَاتِ، فَأَوْطِئُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَاقْرَعُوا بِهَا رُءُوسَهُمْ عِنْدَ دَعْوَاهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فِي -[101]- كُلِّ مَكَانٍ، فَإِنَّهَا آخِذَةٌ بِحُلُوقِهِمْ، لَا مَفَرَّ لَهُمْ مِنْهَا إِلَّا بِجُحُودٍ، فَإِنْ أَقَرُّوا أَنَّهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، فَقَدْ أَصَابُوا مَا أَرَادَ اللَّهُ، وَنَقَضُوا قَوْلَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْحَدِّ، وَأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ، وَالْمَلَائِكَةَ عِنْدَهُ: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ، وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] ، وَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِهِ كَانُوا بِذَلِكَ جَاحِدِينَ لِتَنْزِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَلْزَمُهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا لِجَمِيعِ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَعَبْدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَكَفَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوسِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ {عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ عِنْدَهُ كَذَلِكَ صِفَاتُهُمْ، فَإِنْ يَكُنِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ عِنْدَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ، وَكُلٌّ يُسَبِّحُ لَهُ، وَيَسْجُدُ لَهُ، وَلَا يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَجَحَدَ بِآيَاتِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ عِنْدَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَوَصَفَ كُفَّارَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَعَبْدَةِ الْأَوْثَانِ بِالْعُتُوِّ وَالِاسْتِكْبَارِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَالنُّفُورِ عَنْ طَاعَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} . {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ، أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} [الفرقان: 60] . فَافْهَمُوا هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهَا قَاطِعَةٌ لِحُجَجِهِمْ

باب الرؤية قال أبو سعيد رحمه الله: قال الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة. وقال: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون، ثم إنهم لصالوا الجحيم، ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون. ففي هذا دليل أن الكفار كلهم محجوبون عن النظر إلى الرحمن عز وعلا،

§بَابُ الرُّؤْيَةِ 166 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] . وَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ، ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} . 167 - فَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْكُفَّارَ كُلَّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الرَّحْمَنِ عَزَّ وَعَلَا، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ غَيْرُ مَحْجُوبِينَ عَنْهُ

168 - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَيُّمَا وَالدٍ جَحَدَ وَلَدَهُ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» 169 - حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، سَمِعَ الْمَقْبُرِيِّ، يُحَدِّثُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ. -[103]- 170 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّهُ إِذَا احْتَجَبَ عَنْ بَعْضِهِمْ لَمْ يَحْتَجِبْ مِنْ بَعْضٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» فَلَمْ يَدَعْ لِمُتَأَوِّلٍ فِيهِ مَقَالًا

171 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا أَبُو شِهَابٍ وَهُوَ الْحَنَّاطُ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّكُمْ §سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا» 172 - حَدَّثَنَا بِنَحْوِهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ -[104]- إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

173 - قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: «§هِيَ عِنْدَنَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَصَلَاةُ الصُّبْحِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» 174 - قَالَ: حَدَّثَنَا بِهِ سِتَّةٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ،: سُفْيَانُ، وَهُشَيْمٌ، وَوَكِيعٌ، وَالْمُعْتَمِرُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَكُونُ الْإِسْنَادُ أَجْوَدَ مِنْ ذَا

175 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ -[105]-، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ مُحَمَّدٍ قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {§لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَدَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ " قَالَ: " فَيُقَالُ: مَا هُوَ؟ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا، وَأَدْخَلَنَا الْجَنَّةَ، وَأَجَارَنَا مِنَ النَّارِ؟ " قَالَ: «فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا هُوَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ وَلَا أَقَرَّ لِأَعْيُنِهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»

176 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، ثنا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ §أَكُلُّنَا يَرَى رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟، وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا رَزِينٍ أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى -[106]- الْقَمَرَ مُخْلِيًا بِهِ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَاللَّهُ أَعْظَمُ»

177 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ §هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟» ، قَالُوا: لَا، قَالَ: " فَكَذَلِكَ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا " وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: " هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمُ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَتَّبِعُونَهُ " قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ -[107]- يَعْنِي الْخُدْرِيَّ، وَهُوَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ، حَتَّى إِذَا قَالَ: «ذَلِكَ لَهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ لَحَفِظْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذَلِكَ لَهُ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ 178 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ

179 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟» قَالَ: قُلْنَا: لَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟» قَالَ: فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَهَيْئَةِ مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا»

180 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُمَارَةَ الْقُرَشِيِّ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَتَاهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَضَى لَهُ حَوَائِجَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَذَكَرَ الشَّيْخُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا رَدَّكَ؟ أَلَمْ تُقْضَ حَوَائِجُكَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §يَجْمَعُ اللَّهُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا بَدَا لَهُ أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ مَثَّلَ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيُدْرِجُونَهُمْ حَتَّى يُقْحِمُوهُمُ النَّارَ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا، وَنَحْنُ فِي مَكَانٍ رَفِيعٍ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَنَقُولُ: نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ. فَيَقُولُ: مَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَنَقُولُ: نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، فَيَقُولُ: مِنْ أَيْنَ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَبُّكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: حَدَّثَنَا الرُّسُلُ، أَوْ جَاءَتْنَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ مَعْنَاهُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، إِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ، فَيَتَجَلَّى لَنَا -[109]- ضَاحِكًا، ثُمَّ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَبْشِرُوا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَدْ جَعَلْتُ مَكَانَهُ فِي النَّارِ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا " فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بُرْدَةَ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتَ أَبَا مُوسَى يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ

181 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، ثنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ثنا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو هُنَيْدَةَ الْبَرَاءُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ وَالِانَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَاقَ إِسْحَاقُ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: " §يَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ "، فَيَرْفَعُ -[110]- رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ أُخْرَى

182 - حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، ثنا بَقِيَّةُ، ثنا بَحِيرٌ وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ ابْنُ مَعْدَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا»

183 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ رَجُلًا، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَخْبَرَهُ أَنَّ -[111]- رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§تُمَدُّ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَدَّ الْأَدِيمِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ أُدْعَى، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لِي بِرَفْعِ رَأْسِي، فَأَرْفَعُ، ثُمَّ أَقُومُ، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، لَمْ يَرَ الرَّحْمَنَ تَبَارَكَ اسْمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ»

184 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ تَعَجَّلَهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَطُولُ ذَلِكَ الْيَوْمُ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ، فَلْيَشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا " -[113]- وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: " فَآتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَأَقْرَعُ الْبَابَ، فَيُقَالُ: مَنْ أَنْتَ؟، فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، فَيُفْتَحُ الْبَابُ، فَآتِي رَبِّي وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، أَوْ عَلَى سَرِيرِهِ، فَيَتَجَلَّى لِي رَبِّي، فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا "، وَسَاقَ أَبُو سَلَمَةَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى آخِرِهِ

185 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ أَبُو صَالِحٍ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْوُرُودِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَوْمٍ فَوْقَ النَّاسِ، فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: مَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمُ، فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ، فَيَتَّبِعُونَهُ "

186 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ وَهُوَ ابْنُ شَابُورَ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى غُفْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ وَفِي يَدِهِ كَهَيْئَةِ الْمَرْآةِ الْبَيْضَاءِ، وَفِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، بَعَثَ بِهَا إِلَيْكَ رَبُّكَ، تَكُونُ عِيدًا لَكَ وَلِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدَكِ قُلْتُ: وَمَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ، §أَنْتُمُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ؟ قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةُ، تَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ، وَنَحْنُ نُسَمِّيهِ عِنْدَنَا يَوْمَ الْمَزِيدِ، قُلْتُ: وَمَا الْمَزِيدُ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: ذَلِكَ بِأَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ هَبَطَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ عَرْشِهِ إِلَى كُرْسِيِّهِ، وَحَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ، وَحَفَّ الْمَنَابِرَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَيَهْبِطُ أَهْلُ الْغُرَفِ مِنْ غُرَفِهِمْ، فَيَجْلِسُونَ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ، لَا يَرَوْنَ لِأَهْلِ الْمَنَابِرِ وَالْكَرَاسِيِّ عَلَيْهِمْ فَضْلًا فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ يَتَبَدَّى لَهُمْ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَيَقُولُ: سَلُونِي فَيَقُولُونَ بِأَجْمَعِهِمْ: نَسْأَلُكَ الرِّضَا، فَيُشْهِدُهُمْ عَلَى الرِّضَا، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ نُهْيَةُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَسْعَى عَلَيْهِمْ بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ الرَّبُّ عَنْ كُرْسِيِّهِ إِلَى عَرْشِهِ، وَيَرْتَفِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ، وَهِيَ غَرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ، أَوْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ، أَوْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، لَيْسَ فِيهَا قَصْمٌ، وَلَا وَصْمٌ، مُطَّرِدَةٌ فِيهَا أَنْهَارُهَا، مُتَدَلِّيَةٌ فِيهَا ثِمَارُهَا، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا -[115]- وَمَسَاكِنُهَا، فَلَيْسَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى شَيْءٍ أَشْوَقَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا قُرْبًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا "

187 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لِلنَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: " لَا أَدْرِي أَتُدْرِكُونَهُ، §مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيُّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ "

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ: " §إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ، يَقْرَأْهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ "، أَوْ: «يَقْرَأُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ» ، وَقَالَ: «تَعْلَمُنَّ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ»

188 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ -[116]- صَلَاةً أَوْجَزَ فِيهَا، فَقِيلَ لَهُ: خَفَّفْتَ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَضَى، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْقَوْمِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ: «§اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ»

189 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا أَبُو شِهَابٍ وَهُوَ الْحَنَّاطُ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ النِّيلِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -[117]-، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَسْفَلِ، أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ " وَسَاقَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ قَالَ: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ النَّعِيمُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَظَنُّوا أَنْ لَا نَعِيمَ أَفْضَلُ مِنْهُ، §تَجَلَّى لَهُمُ الرَّبُّ، فَنَظَرُوا إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ» قَالَ أَحْمَدُ: قُلْتُ لِأَبِي شِهَابٍ: حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ هَذَا فِي ذِكْرِ الْجَنَّةِ رَفَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ

190 - حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ نِمْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] . قَالَ: «النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

191 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُذَيْفَةَ،: {§لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: «النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

192 - حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: {الْحُسْنَى} [يونس: 26] : الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ: «النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يُصِيبُهُمُ بَعْدَ النَّظَرِ إِلَيْهِ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ»

193 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ،: {§لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: «النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»

194 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا فُضَيْلٌ يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: " الزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ "

195 - حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §الزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ "

196 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْبَصْرِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ -[120]-، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي مِرْيَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَآهُمْ أَبُو مُوسَى وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى الْهِلَالِ، فَقَالَ: «§كَيْفَ رَبُّكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ جَهْرَةً»

197 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «§اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَشَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ»

198 - حَدَّثَنَا شَيْخٌ، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، {§وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] . قَالَ: «يَتَجَلَّى لَهُمْ كُلَّ جُمُعَةٍ»

199 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ -[121]- الضَّحَّاكِ، قَالَ: " §إِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا أَخَذُوا بِأَصْوَاتٍ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَقْدِيسٍ وَثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَطْرَبَ مِنْهُ إِلَّا النَّظَرُ إِلَى اللَّهِ

200 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الطُّوسِيُّ، مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ شَقِيقٍ، أَنْبَأَ حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ {§وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 23] ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. قَالَ: يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ نَظَرًا "

201 - حَدَّثَنَا الزَّهْرَانِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: مَا نَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا قَالَ: طِيبِي لِأَهْلِكِ، فَزَادَتْ " §طِيبًا عَلَى مَا كَانَتْ، وَمَا مَرَّ يَوْمٌ كَانَ لَهُمْ عِيدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا يَخْرُجُونَ فِي مِقْدَارِهِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَيَبْرُزُ لَهُمُ الرَّبُّ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَتُسْفَى عَلَيْهِمُ الرِّيحُ بِالطِّيبِ وَالْمِسْكِ، فَلَا يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُمْ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ سَبْعِينَ ضِعْفًا

202 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ -[122]- إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى بَعْضِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي §أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِأَمْرِهِ، وَالْمُعَاهَدَةِ عَلَى مَا حَمَّلَكَ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ، وَاسْتَحْفَظَكَ مِنْ كِتَابِهِ، فَإِنَّ بِتَقْوَى اللَّهِ نَجَا أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ سَخَطِهِ، وَبِهَا تَحَقَّقَ لَهُمْ وِلَايَتُهُ، وَبِهَا وَافَقُوا أَنْبِيَاءَهُ، وَبِهَا نَضَرَتْ وُجُوهُهُمْ، وَنَظَرُوا إِلَى خَالِقِهِمْ» 203 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا وَأَكْثَرُ مِنْهَا قَدْ رُوِّيَتْ فِي الرُّؤْيَةِ، عَلَى تَصْدِيقَهَا وَالْإِيمَانِ بِهَا أَدْرَكْنَا أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْبَصَرِ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَرْوُونَهَا وَيُؤْمِنُونَ بِهَا، لَا يَسْتَنْكِرُونَهَا وَلَا يُنْكِرُونَهَا، وَمَنْ أَنْكَرَهَا مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ نَسَبُوهُ إِلَى الضَّلَالِ، بَلْ كَانَ مِنْ أَكْبَرِ رَجَائِهِمْ، وَأَجْزَلِ ثَوَابِ اللَّهِ فِي أَنْفُسِهِمُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ خَالِقِهِمْ، حَتَّى مَا يَعْدِلُونَ بِهِ شَيْئًا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ. 204 - وَقَدْ كَلَّمْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ الْمُعَطِّلَةِ وَحَدَّثْتُهُ بِبَعْضِ، هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَتَزَيَّنُ بِالْحَدِيثِ فِي الظَّاهِرِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَتَهَا، فَأَنْكَرَ بَعْضَهَا وَرَدَّ رَدًّا عَنِيفًا. 205 - قُلْتُ: قَدْ صَحَّتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكِتَابُ اللَّهِ النَّاطِقِ بِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْكِتَابُ وَقَوْلُ -[123]- الرَّسُولِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ لَمْ يَبْقَ لِمُتَأَوِّلٍ عِنْدَهَا تَأَوُّلٌ، إِلَّا لِمُكَابِرٍ أَوْ جَاحِدٍ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] . وَقَوْلُهُ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . وَلَمْ يَقُلْ لِلْكُفَّارِ: {مَحْجُوبُونَ} إِلَّا وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَحْجُبُونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَكُمْ مَحْجُوبِينَ عَنِ اللَّهِ كَالْكُفَّارِ، فَأَيُّ تَوْبِيخٍ لِلْكُفَّارِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا كَانُوا هُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ جَمِيعًا عَنِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ مَحْجُوبِينَ. 206 - وَأَمَّا قَوْلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَوْلُهُ: «لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، كَمَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي الصَّحْوِ» ثُمَّ مَا رُوِّينَا عَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ، فَهَلْ عِنْدَكُمْ مَا رَدَّ ذَلِكَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ مِنَ الْأُمَّةِ؟ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُورٌ، أَنَّى أَرَاهُ؟» -[124]- فَقُلْتُ: هَذَا فِي الدُّنْيَا، وَكِلَاهُمَا قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفْسِيرُهُمَا بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا

فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " §مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَتَلَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] حَدَّثَنَاهُ عَمْرُو بِنُ عَوْنٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ 207 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنْتُمْ وَجَمِيعُ الْأُمَّةِ تَقُولُونَ بِهِ: إِنَّهُ لَمْ يُرَ، وَلَا يُرَى فِي الدُّنْيَا، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَمَا أَكْبَرُ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ حُرِمَهُ، وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْ أَنْ كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، وَاحْتَجَبَ مِنْ خَلْقِهِ بِحُجُبِ النَّارِ وَالظُّلْمَةِ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ، يُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ بِصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ، لِيَبْلُوَ بِذَلِكَ إِيمَانَهُمْ أَيُّهُمْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيَعْرِفُهُ بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَهُ، وَإِنَّمَا يَجْزِي الْعِبَادَ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ بِالْغَيْبِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ تَبَدَّى لِخَلْقِهِ وَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لِإِيمَانِ الْغَيْبِ هُنَاكَ مَعْنًى، كَمَا أَنَّهُ لَمْ -[125]- يَكْفُرْ بِهِ عِنْدَهَا كَافِرٌ، وَلَا عَصَاهُ عَاصٍ، وَلَكِنَّهُ احْتَجَبَ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ بِالْغَيْبِ، وَإِلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ لَيَؤُمِنَ بِهِ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ السَّعَادَةُ، وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. وَلَوْ قَدْ تَجَلَّى لَهُمْ لَآمَنَ بِهِ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا بِغَيْرِ رُسُلٍ وَلَا كُتُبٍ، وَلَا دُعَاةٍ، وَلَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَجَلَّى لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَ رُسُلَهُ وَكُتُبَهُ وَآمَنَ بِرُؤْيَتِهِ وَأَقَرَّ بِصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ، حَتَّى يَرَوْهُ عِيَانًا، مَثُوبَةً مِنْهُ لَهُمْ وَإِكْرَامًا، لِيَزْدَادُوا بِالنَّظَرِ إِلَى مَنْ عَبَدُوهُ بِالْغَيْبِ نَعِيمًا، وَبِرُؤْيَتِهِ فَرَحًا وَاغْتِبَاطًا، وَلَمْ يُحْرَمُوا رُؤْيَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ جَمِيعًا، وَحَجَبَ عَنْهُ الْكُفَّارَ يَوْمَئِذٍ إِذْ حُرِمُوا رُؤْيَتَهُ كَمَا حُرِمُوهَا فِي الدُّنْيَا لِيَزْدَادُوا حَسْرَةً وَثُبُورًا. 208 - فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِنْهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى: {لَنْ تَرَانِي، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] . قُلْنَا: هَذَا لَنَا عَلَيْكُمْ، لَا لَكُمُ، إِنَّمَا قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّ بَصَرَ مُوسَى مِنَ الْأَبْصَارِ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْفِنَاءَ فِي الدُّنْيَا، فَلَا تَحْمِلُ النَّظَرَ إِلَى نُورِ الْبَقَاءِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رُكِّبَتِ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ لِلْبَقَاءِ، فَاحْتَمَلَتِ النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا طُوَّقَهَا اللَّهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] . وَلَوْ قَدْ شَاءَ لَاسْتَقَرَّ الْجَبَلُ وَرَآهُ مُوسَى، وَلَكَنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْكَلِمَةُ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا، فَلِذَلِكَ قَالَ: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] . فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْشِئُ خَلْقَهُ فَيُرَكِّبُ أَسْمَاعَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ لِلْبَقَاءِ، فَيَرَاهُ أَوْلِيَاؤُهُ جَهْرًا، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. -[126]- 209 - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّا لَا نَقْبَلُ هَذِهِ الْآثَارَ، وَلَا نْحَتَجُّ بِهَا، قُلْتُ: أَجَلْ، وَلَا كِتَابَ اللَّهِ تَقْبَلُونَ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تْقَبَلُوهَا، أَتَشُكُّونَ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنِ السَّلَفِ، مَأْثُورَةٌ عَنْهُمْ، مُسْتَفِيضَةٌ فِيهِمْ، يَتَوَارَثُونَهَا عَنْ أَعْلَامِ النَّاسِ وَفُقَهَائِهِمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَحَسْبُنَا إِقْرَارُكُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ حُجَّةً لِدَعْوَانَا أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ مَرْوِيَّةٌ، تَدَاوَلَتْهَا الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ، فَهَاتُوا عَنْهُمْ مِثْلَهَا حُجَّةً لِدَعْوَاكُمُ الَّتِي كَذَّبَتْهَا الْآثَارُ كُلُّهَا، فَلَا تَقْدُرُونَ أَنْ تَأْتُوا فِيهَا بِخَبَرٍ وَلَا أَثَرٍ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْكَامُهُمْ وَقَضَايَاهُمْ إِلَّا بِهَذِهِ الْآثَارِ وَالْأَسَانِيدِ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَهِيَ السَّبَبُ إِلَى ذَلِكَ، وَالنَّهْجُ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَتْ إِمَامَهُمْ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْهَا يَقْتَبِسُونَ الْعِلْمَ، وَبِهَا يَقْضُونَ، وَبِهَا يُقِيمُونَ، وَعَلَيْهَا يْعَتَمِدُونَ، وَبِهَا يَتَزَيَّنُونَ، يُوَرِّثُهَا الْأَوَّلُ مِنْهُمُ الْآخِرَ، وَيُبَلِّغُهَا الشَّاهِدُ مِنْهُمُ الْغَائِبَ احْتِجَاجًا بِهَا، وَاحْتِسَابًا فِي أَدَائِهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، يُسَمُّونَهَا السُّنَنَ وَالْآثَارَ وَالْفِقْهَ وَالْعِلْمَ، وَيَضْرِبُونَ فِي طَلَبِهَا شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا، يُحِلُّونَ بِهَا حَلَالَ اللَّهِ، وَيُحَرِّمُونَ بِهَا حَرَامَهُ، وَيُمَيِّزُونَ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالسُّنَنِ وَالْبِدَعِ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ وَأَحْكَامِهِ، وَيَعْرِفُونَ بِهَا ضَلَالَةَ مَنْ ضَلَّ عَنِ الْهُدَى، فَمَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَإِنَّمَا يَرْغَبُ عَنْ آثَارِ السَّلَفِ وَهَدْيِهِمْ، وَيُرِيدُ مُخَالَفَتَهُمْ لِيَتَّخِذَ دِينَهُ هَوَاهُ، وَلِيَتَأَوَّلَ كِتَابَ اللَّهِ بِرَأْيِهِ خِلَافَ مَا عَنَى اللَّهُ بِهِ. 210 - فَإِنْ كُنْتُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى مِنْهَاجِ أَسْلَافِهِمْ، فَاقْتَبِسُوا الْعِلْمَ مِنْ آثَارِهِمْ، وَاقْتَبِسُوا الْهُدَى فِي سَبِيلِهِ، وَارْضَوْا بِهَذِهِ الْآثَارِ إِمَامًا، كَمَا رَضِيَ بِهَا الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ إِمَامًا، فَلَعَمْرِي مَا أَنْتُمْ أَعْلَمَ -[127]- بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْهُمْ وَلَا مِثْلَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ إِلَّا بِاتِّبَاعِ هَذِهِ الْآثَارِ عَلَى مَا تُرْوَى. فَمَنْ لَمْ يَقْبَلْهَا فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَّبِعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] . 211 - فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: لَا، بَلْ نَقُولُ بِالْمَعْقُولِ. قُلْنَا: هَاهُنَا ضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَوَقَعْتُمْ فِي تِيهٍ لَا مَخْرَجَ لَكُمْ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَعْقُولَ لَيْسَ لشَيْءٍ وَاحِدٍ مَوْصُوفٍ بِحُدُودٍ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ فَيُقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رَاحَةً لِلنَّاسِ وَلَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَعْدُ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] فَوَجَدْنَا الْمَعْقُولَ عِنْدَ كُلِّ حِزْبٍ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَالْمَجْهُولَ عِنْدَهُمْ مَا خَالَفَهُمْ، فَوَجَدْنَا فِرَقَكُمْ مَعْشَرَ الْجَهْمِيَّةِ فِي الْمَعْقُولِ مُخْتَلِفَيْنِ، كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْكُمْ تَدَّعِي أَنَّ الْمَعْقُولَ عِنْدَهَا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ، وَالْمَجْهُولَ مَا خَالَفَهَا، فَحِينَ رَأَيْنَا الْمَعْقُولَ اخْتَلَفَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَلَمْ نَقِفْ لَهُ عَلَى حَدٍّ بَيِّنٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، رَأَيْنَا أَرْشَدَ الْوُجُوهِ وَأَهْدَاهَا أَنْ نَرُدَّ الْمَعْقُولَاتِ كُلَّهَا إِلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى الْمَعْقُولِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لِأَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَنْزِلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَكَانُوا أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَكَانُوا مُؤْتَلِفِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ، لَمْ يَفْتَرِقُوا فِيهِ، وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِمُ الْبِدَعُ وَالْأَهْوَاءُ الْحَائِدَةُ عَنِ الطَّرِيقِ. 212 - فَالْمَعْقُولُ عِنْدَنَا مَا وَافَقَ هَدْيَهُمْ، وَالْمَجْهُولُ مَا خَالَفَهُمْ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ هَدْيِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْآثَارُ، وَقَدِ انْسَلَخْتُمْ -[128]- مِنْهَا، وَانْتَفَيْتُمْ مِنْهَا بِزَعْمِكُمْ، فَأَنَّى تَهْتَدُونَ؟ . 213 - وَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِنْهُمْ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبُّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] . قَالَ: تَنْتَظِرُ ثَوَابَ رَبِّهَا. 214 - قُلْنَا: نَعَمْ، تَنْتَظِرُ ثَوَابَ رَبِّهَا، وَلَا ثَوَابَ أَعْظَمَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. 215 - فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا تَعَلُّقًا بِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ هَذَا، وَاحْتِجَاجًا بِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآثَارِ، فَهَذَا آيَةُ شُذُوذِكُمْ عَنِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِكُمُ الْبَاطِلَ، لِأَنَّ دَعْوَاكُمْ هَذِهِ لَوْ صَحَّتْ عَنْ مُجَاهِدٍ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ كَانَ مَدْحُوضًا الْقَوْلُ إِلَيْهِ، مَعَ هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي قَدْ صَحَّتْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاعَةِ التَّابِعِينَ، أَوَلَسْتُمْ قَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لَا تَقْبَلُونَ هَذِهِ الْآثَارِ وَلَا تَحْتَجُّونَ بِهَا، فَكَيْفَ تَحْتَجُّونَ بِالْأَثَرِ عَنْ مُجَاهِدٍ إِذْ وَجَدْتُمْ سَبِيلًا إِلَى التَّعَلُّقِ بِهِ لِبَاطِلِكُمْ عَلَى غَيْرِ بَيَانٍ؟ وَتَرَكْتُمْ آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِع

باب ذكر علم الله تبارك وتعالى

§بَابُ ذِكْرِ عِلْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

217 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ يَعْنِي عَبْدَ الْعَزِيزِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَهُمْ صَائِرُونَ إِلَى ذَلِكَ»

218 - حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» -[131]- 219 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَمَالَنَا نَرَى أَنْ يَبْلُغَ غَدًا قَوْمٌ فِي تَعْطِيلِ صِفَاتِ اللَّهِ مَا بَلَغَ بِهَذِهِ الْعِصَابَةِ عَدْلُهُمْ فِي تَعْطِيلِهِا، حَتَّى أَنْكَرُوا سَابِقَ عِلْمِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَمَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا. 220 - ثُمَّ قَالُوا: مَا نَقُولُ إِنَّ اللَّهَ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنْ عِلْمُ اللَّهِ هُوَ اللَّهُ بِزَعْمِهِمْ، وَاللَّهُ بِزَعْمِهِمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِهِ يَعْلَمُ، وَلَا هُوَ يَسْمَعُ بِسَمْعٍ، وَلَا يُبْصِرُ بِبَصَرٍ، إِنَّمَا سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعِلْمُهُ بِزَعْمِهِمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَلَا السَّمْعُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْبَصَرِ، وَلَا الْبَصَرُ غَيْرُ السَّمْعِ، وَلَا الْعِلْمُ غَيْرُ الْبَصَرِ، هُوَ كُلُّهُ بِزَعْمِهِمْ سَمْعٌ وَبَصَرٌ وَعِلْمٌ، وَهُوَ بِكُلِّيَّتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِنْ عَلِمَ عَلِمَ بِكُلِّهِ، وَإِنْ سَمِعَ سَمِعَ بِكُلِّهِ، وَإِنْ رَأَى رَأَى بِكُلِّهِ. 221 - وَيَزْعُمُونَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ وَالْمُشَاهَدَةِ، لَا يَعْلَمُ بِالشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ عَلِمَ بِهِ عِلْمَ كَيْنُونَتِهِ، لَا بِعِلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ كَيْنُونَتِهِ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَثَ الشَّيْءُ كَانَ هُوَ عِنْدَ الشَّيْءِ، وَمَعَهُ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الشَّيْءَ، كَانَ هُوَ يَدُلُّ الشَّيْءَ بِزَعْمِهِمْ مِنْ مَكَانِهِ، فَذَلِكَ إِحَاطَةُ عِلْمِ اللَّهِ بِالْأَشْيَاءِ عِنْدَهُمْ، لَا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بشَيْءٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهِ قَبْلَ كَيْنُونَتِهِ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ. 222 - هَذَا هُوَ الرَّدُّ لِكِتَابِ اللَّهِ وَالْجُحُودُ لَآيَاتِ اللَّهِ، وَصَاحِبُ -[132]- هَذَا الْمَذْهَبِ يُخْرِجُهُ مَذْهَبُهُ إِلَى مَذْهَبِ الزَّنْدَقَةِ حَتَّى لَا يُؤْمِنَ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، لِأَنَّ الَّذِي لَا يُقِرُّ بِالْعِلْمِ السَّابِقِ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ، يَلْزَمُهُ فِي مَذْهَبِهِ أَنْ لَا يُؤْمِنَ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، وَبِقِيَامِ السَّاعَةِ وَالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، لِأَنَّ الْعِبَادَ إِنَّمَا لَزَمَهُمُ الْإِيمَانُ بِهَا لِإِخْبَارِ اللَّهِ بِأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّهُ مُحَاسِبُهُمْ يَوْمَ الْحِسَابِ، مُثِيبُهُمْ، وَمُعَاقِبُهُمْ. 223 - فَإِذَا كَانَ اللَّهُ بِزَعْمِهِمْ لَا يَعْلَمُ بِالشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ، كَيْفَ عَلِمَ فِي مَذْهَبِهِمْ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَالْبَعْثِ وَلَمْ تَقُمِ السَّاعَةُ بَعْدُ، وَلَا تَقُومُ إِلَّا بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ، وَارْتِفَاعِ الدُّنْيَا؟ 224 - فَإِنْ أَقَرُّوا لِلَّهِ بِعِلْمِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَالْبَعْثِ، وَالْحِسَابِ، لَزِمَهُمْ أَنْ يُقِرُّوا لَهُ بِعِلْمِ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهَا، فَإِنْ أَنْكَرُوا عِلْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا دُونَهَا لَزِمَهُمُ الْإِنْكَارُ بِهَا وَبِقِيَامِهَا، وَبِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، لِأَنَّ عِلْمَهُ بِالسَّاعَةِ كَعِلْمِهِ بِالْخَلْقِ وَأَعْمَالِهِمْ سَوَاءٌ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِأَحَدِهِمَا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُؤْمِنَ بِالْآخَرِ، وَهِيَ مِنْ أَوْضَحِ الْحُجَجِ وَأَشَدِّهَا عَلَى مَنْ رَدَّ الْعِلْمَ وَأَنْكَرَهُ. 225 - وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِالْخَلْقِ وَأَعْمَالِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَلَا يَزَالُ بِهِمْ عَالِمًا، لَمْ يَزْدَدْ فِي عِلْمِهِ بِكَيْنُونَةِ الْخَلْقِ خَرْدَلَةً وَاحِدَةً وَلَا أَقَلَّ مِنْهَا وَلَا أَكْثَرَ، وَلَكِنْ خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَمِنْ عِنْدِهِ بَدَأَ الْعِلْمُ، وَهُوَ عَلَّمَ الْخَلْقَ مَا لَمْ يَعْلَمُوا، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] . وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا -[133]- أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]

فَبَلَغَنَا فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «§عَلِمَ مِنْ إِبْلِيسَ الْمَعْصِيَةَ وَخَلَقَهُ لَهَا» 226 - حَدَّثَنَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ 227 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَعَمْرِي مَا عَلِمَتِ الْمَلَائِكَةُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفَسَادِ غَيْبًا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ عَلَّمَهُمْ ذَلِكَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولُوا، وَلِذَلِكَ ادَّعَوْا مَعْرِفَتَهُ. 228 - وَقَالَ أَيْضًا: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تَبْدُوَنْ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} . فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَلَّمَ آدَمَ وَالْمَلَائِكَةَ الْعِلْمَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمُوا شَيْئًا مِنْهُ، وَأَقَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ، وَرَدَتِ الْعِلْمَ كُلَّهُ إِلَى مَنْ بَدَأَ مِنْهُ، فَقَالُوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] فَهَلْ عَلَّمَهُمْ إِلَّا مَا قَدْ عَلِمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؟ . 229 - وَقَالَ فِيمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا -[134]- حَكِيمًا} [النساء: 17] . {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: 22] . {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12] . {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77] . {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3] . {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] . قَالَ: مَا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَكَ. {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] . فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ كَانَ الْعَالِمَ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، وَمِنْهُ بَدَأَ الْعِلْمُ. قَالَ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] . وَقَالَ: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران: 61] . جَاءَهُ الْعِلْمُ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِعِلْمِهِ السَّابِقِ فِي عِبَادِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا، فَقَالَ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] الْآيَةَ. وَقَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكَبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} . وَقَالَ: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116] . {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [البقرة: 235] . {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونَ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] الْآيَةَ. وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ لَاكْتُفِيَ بِهِ حُجَّةً بَالِغَةً، فَكَيْفَ وَالْكِتَابُ كُلُّهُ يَنْطِقُ بِنَصِّهِ، يُسْتَغْنَى فِيهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنِ التَّفْسِيرِ، وَتَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ. 230 - فَلَمْ تَزَلْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَى أَنْ نَبَغَتْ هَذِهِ النَّابِغَةُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْظَمُوا فِي اللَّهِ الْقَوْلَ، وَسَبُّوهُ بِأَقْبَحِ السِّبَابِ -[135]-، وَجَهَّلُوهُ وَنَفَوْا عَنْهُ صِفَاتَهُ الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ صِفَةً صِفَةً، حَتَّى نَفَوْا عَنْهُ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ السَّابِقَ، وَالْكَلَامَ، وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ، وَالْأَمْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ جَعَلُوهُ كَلَا شَيْءَ، فَقَالُوا فِي الْجُمْلَةِ: مَا نَعْرِفُ إِلَهًا غَيْرَ هَذَا الَّذِي فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَإِذَا بَادَ شَيْءٌ صَارَ مَكَانَهُ. فَنَظَرْنَا فِي صِفَةِ مَعْبُودِهِمْ هَذَا فَلَمْ نَجِدْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا الْهَوَاءِ الْقَائِمِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الدَّاخِلِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَمَنْ قَصَدَ بِعِبَادَتِهِ إِلَى إِلَهٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، وَلَيْسَ مَعْبُودُهُ ذَاكَ بِإِلَهٍ، كُفْرَانَهُ، لَا غُفْرَانَهُ. 231 - فَاحْذَرُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ أَنْ يَفْتِنُوكُمْ، أَوْ يُكَفِّرُوا صُدُورَكُمْ بِالْمَغَالِيطِ وَالْأَضَالِيلِ الَّتِي تَشْتَبِهُ عَلَى جُهَّالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ، لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] . 232 - فَإِنْ جَحَدَ مِنْهُمْ جَاحِدٌ وَانْتَفَى مِنْ بَعْضِ مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ، فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، فَإِنَّهُ دِينُهُمُ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ، لَا يَجْحَدُ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِلَّا مُتَعَوِّذٌ مُسْتَتِرٌ، أَوْ جَاهِلٌ بِمَذَاهِبِهِمْ، لَا يَتَوَجَّهُ بشَيْءٍ مِنْهَا، فَقَدِ اعْتَرَفَ لَنَا بِذَلِكَ بَعْضُ كُبَرَائِهِمْ، أَوْ بِمَا يُشْبِهُ مَعْنَاهُ، وَأَسْنَدُوا بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ الْمُضِلِّينَ مِنْ أَشْيَاخِهِمْ، فَإِلَى اللَّهِ أَشْكُو رَأْيًا هَذَا تَأْوِيلُهُ، وَقَوْمًا هَذَا إِبْطَالُهُمْ لَعِلْمِ رَبِّنَا. 233 - وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْمَلَائِكَةُ بِمَا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنَ الْفَسَادِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا، فَكَيْفَ خَالِقُهُمُ -[136]- الَّذِي عَلَّمَهُمْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] فَقَالَ: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] . 234 - وَوَصَفَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا بِصِفَاتِهِمْ، فَكَيْفَ وَصَفَهُمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لَهُ بِهِمْ؟ فَقَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} [الفتح: 29] . قَالَ: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157] . فَمَا قَدِرُوا أَنْ يَتَعَدَّوْا هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَلَا يُقَصِّرُوا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونُوا، وَقَالَ {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] . فَكَتَبَ ذَلِكَ بِعِلْمٍ قَبْلَ أَنْ يَرِثُوهَا، وَقَالَ {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4] . قَضَى عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَابِ الْإِفْسَادَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يُفْسِدُوا

235 - وَقَوْلُهُ: {§وَقَضَيْنَا} [الإسراء: 4] قَالَ مُجَاهِدٌ: «كَتَبْنَا» ، كَذَلِكَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ -[137]- 236 - وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] . سَبَقَتْ لَهُمُ الْحُسْنَى مِنَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا لِعِلْمِ اللَّهِ فِيهِمْ، فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَتَعَدَّوْا شَيْئًا عَلِمَهُ اللَّهُ فِيهِمْ. وَقَالَ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 172] . وَأَخْبَرَ عَنْ أَعْمَالِ قَوْمٍ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهَا. وَقَالَ: {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: 48] . فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَمْتِيعِهِمْ وَمَسِّ الْعَذَابِ إِيَّاهُمْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا، قَالَ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] . رُوِيَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهُمُ الْأَعَاجِمُ، أَخْبَرَ اللَّهُ بِدُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا. 237 - وَقَالَ لِأَهْلِ بَدْرٍ حِينَ أَخَذُوا الْفِدَاءَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] . يَقُولُ: لَوْلَا مَا سَبَقَ لِأَهْلِ بَدْرٍ مِنَ السَّعَادَةِ لَمَسَّهُمُ الْعَذَابَ فِي أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَهْلُ بَدْرٍ أَنْ لَا يَأْخُذُوهُ، وَلَوْ حَرَصُوا عَلَى تَرْكِهِ. وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جَاءَتْهُمْ -[138]- كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوَا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} . وَقَالَ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28] . وَقَالَ: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} . وَقَالَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} . فَسَبَقْتُ لَهُمْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا، وَالدُّعَاءُ لِمَنْ سَبَقَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْعُوا. 238 - وَقَالَ: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} [الدخان: 23] . فَأَخْبَرَ اللَّهُ بِاتِّبَاعِهِمْ وَإِغْرَاقِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ. 239 - وَقَالَ: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفَيْنَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118] . فَأَخْبَرَ بِاخْتِلَافِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا. 240 - وَقَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ، وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 26] . 241 - وَقَالَ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 22] . وَلَكِنْ عَلِمَ مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَصَارُوا إِلَى مَا عَلِمَ مِنْهُمْ. وَأَخْبَرَ بِعِلْمِهِ فِي قَوْمٍ فَقَالَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] . وَأَخْبَرَ عَنْ قَوْمٍ آخَرِينَ فَقَالَ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [المؤمنون: 75] -[139]-. 242 - فَمَنْ آمَنَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَصَدَّقَ رُسُلَ اللَّهِ اكْتَفَى بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا فِي عِلْمِ اللَّهِ السَّابِقِ فِي الْخَلْقِ وَأَعْمَالِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَمَنْ يُحْصِي مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَفِي آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ فِي إِثْبَاتِ عِلْمِ اللَّهِ لَهُ وَالْإِقْرَارِ بِهِ، وَيَكْفِي فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَقَلُّ مِمَّا جَمَعْنَا، وَلَكِنْ جَمَعْنَاهَا لِيَتَدَبَّرَهَا أَهْلُ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ فَيَعْرِفُوا ضَلَالَةَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْرَجُوا اللَّهَ مِنَ الْعِلْمِ وَنَفَوْهُ عَنْهُ، وَجَعَلُوهُ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ كَالْخَلْقِ سَوَاءً، فَقَالُوا: كَمَا لَا يَعْلَمُ الْخَلْقُ بِالشَّيْءِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، فَكَذَلِكَ اللَّهُ بِزَعْمِهِمْ لَا يَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ. فَمَا فَضْلُ عَلَّامِ الْغُيُوبِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى عَلَى الْمَخْلُوقِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ. 243 - وَهَذَا الْمَذْهَبُ الَّذِي ادَّعَوْهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى بَعْضِهِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى مَذْهَبُ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا إِلَّا بِرَدِّ عِلْمِ اللَّهِ، فَكَفَى بِهِ ضَلَالًا، وَلِأَنَّهُمْ مَتَى مَا أَقَرُّوا بِعِلْمٍ سَابِقٍ خُصِمُوا، كَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

244 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: «§مَنْ أَقَرَّ بِالْعِلْمِ فَقَدْ خُصِمَ» 245 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِمْ وَمَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ كُلَّمَا حَدَثَ لِلَّهِ خَلْقٌ حَدَثَ لَهُ عِلْمٌ بِكَيْنُونَتِهِ، عَلِمَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ، فَفِي تَأْوِيلِهِمْ هَذَا كَانَ اللَّهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِزَعْمِهِمْ، حَتَّى جَاءَ الْخَلْقُ فَأَفَادُوهُ عِلْمًا، فَكُلَّمَا حَدَثَ خَلْقٌ حَدَثَ لِلَّهِ عِلْمٌ بِزَعْمِهِمْ، فَهُوَ بِمَا كَانَ -[140]- بِزَعْمِهِمْ عَالِمٌ، وَبِمَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُ عَالِمٍ حَتَّى يَكُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَصِفُونَ. 246 - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34] الْآيَةَ. وَقَالَ: {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الملك: 26] . وَقَالَ: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف: 187] . وَقَالَ: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه: 52] . فَكَيْفَ يَحْدُثُ لِلَّهِ عِلْمٌ بِكَيْنُونَةِ الْخَلْقِ وَعَلَى عِلْمِهِ السَّابِقِ فِيهِمْ خُلِقُوا، وَبِمَا كَتَبَ عَلَيْهِمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ يَعْمَلُونَ، لَا يَزِيدُونَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ وَلَا يَنْقُصُونَ. قَالَ: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر: 53] . وَقَالَ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لِعَلِيُّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4] . وَقَالَ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] . وَقَالَ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} . وَقَالَ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا، إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] . وَقَالَ {وَمَا يَعْمَرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمْرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] . {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70] . وَقَالَ: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154] . فَهَلْ كَتَبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَيْنُونَتِهَا إِلَّا لْلِعِلْمِ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ؟

247 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ اللَّيْثُ وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ، أَوْ ثَعْلَبَةُ الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، §لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ عِلْمًا، وَخَلَقَ خَلْقًا، فَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ قَبْلَ الْخَلْقِ فَالْخَلْقُ يَتْبَعُ الْعِلْمَ، وَإِنْ كَانَ الْخَلْقُ قَبْلَ الْعِلْمِ فَالْعِلْمُ يَتْبَعُ الْخَلْقَ» 248 - قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، مِثْلَهُ. 249 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَادَّعَتْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ أَنَّ الْخَلْقَ قَبْلَ الْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ يَتْبَعُ الْخَلْقَ، فَأَيُّ ضَلَالٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا؟ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَكَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ " 250 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَلَمْ يَدْرِ، وَاللَّهِ، الْقَلَمُ بِمَا يَجْرِي، حَتَّى أَجْرَاهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَعَلَّمَهُ مَا يَكْتُبُ مِمَّا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ. 251 - وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» فَهَلْ كَتَبَ ذَلِكَ إِلَّا بِمَا عَلِمَ، فَمَا مَوْضِعُ كِتَابِ هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فِي دَعْوَاهُمْ؟ -[142]- 252 - ثُمَّ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا، وَعَنْ أَصْحَابِهِ جُمْلَةٌ كَثِيرَةٌ، أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا كِتَابُنَا هَذَا، وَسَنَأْتِي مِنْهَا بِبَعْضِ مَا حَضَرَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا، وَلَكِنْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ وَأَفْضَلُ وَأَعْلَمُ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهَا فَيَتِّقِيَهُمْ

حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ، أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَهُمْ: أَنْبَأَ رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ §أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ»

254 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ حُمَيْدِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ -[143]- الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»

255 - وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، ثنا بِشْرُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَضَى الْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، فَأَخَذَ أَهْلَ الْيَمِينِ بِيَمِينِهِ، وَأَخَذَ أَهْلَ الشِّمَالِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يَمِينٌ، وَقَالَ: يَا أَصْحَابَ الْيَمِينِ قَالُوا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. ثُمَّ قَالَ: يَا أَصْحَابَ الشِّمَالِ قَالُوا: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، فَخَلَطَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَبِّ لِمَ خَلَطْتَ بَيْنَنَا؟ قَالَ: {لَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ} [المؤمنون: 63] ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] ، ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ " قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَقَضَى الْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلُهَا، وَأَهْلُ النَّارِ أَهْلُهَا» ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الْأَعْمَالُ؟ قَالَ: «أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ قَوْمٍ لِمَنْزِلَتِهِمْ» ، فَقَالَ عُمَرُ: إِذًا نِجْتَهِدُ. قَالَ: وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَعْمَالِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -[144]- أَرَأَيْتَ الْأَعْمَالَ، أَهُوَ شَيْءٌ يُؤْتَنَفُ، أَوْ فُرِغَ مِنْهَا؟ قَالَ: «بَلْ فُرِغَ مِنْهَا»

256 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {§وَإِذْ أَخَذَ رَبَّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] قَالَ " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، فَأَخَذَ مِيثَاقَهُ أَنَّهُ رَبُّهُ، وَكَتَبَ أَجَلَهُ وَرِزْقَهُ وَمَصَائِبَهُ، وَأَخْرَجَ وَلَدَهُ مِنْ ظَهْرِهِ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ، فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، وَكَتَبَ آجَالَهُمْ وَأَرْزَاقَهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ

257 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ §خَلَقَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَمَا هُمْ عَامِلُونَ، وَخَلَقَ أَهْلَ النَّارِ وَمَا هُمْ عَامِلُونَ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ لِهَذِهِ، وَهَؤُلَاءِ لِهَذِهِ "

258 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «§اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ إِذْ خَلَقَهُمْ» 259 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ

260 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَ هُشَيْمُ، عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ §مَتَى كُتِبْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ»

261 - قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْيَمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ»

262 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ»

263 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قَبِيلٍ، عَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ الْأَصْبَحِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟» ، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لِلْأَيْمَنِ مِنْهُمَا: «§هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِأَسْمَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ، فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا» ، وَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُسْرَى: «وَهَذَا كِتَابٌ بِأَسْمَاءِ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ، فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصَ مِنْهُمْ أَبَدًا» فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ يُعْمَلُ إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيُّمَا عَمَلٍ، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيُّمَا عَمَلٍ» ثُمَّ -[149]- قَبَضَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ» ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَنَبَذَ بِهَا، فَقَالَ: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ» ، وَنَبَذَ بِالْأُخْرَى وَقَالَ: «فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» 264 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَهَؤُلَاءِ قَدْ كَتَبَهُمُ اللَّهُ بِأَسْمَائِهِمُ الَّتِي كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنْ يُسَمِّيَهُمْ بِهَا آبَاؤُهُمْ وَأُمَّهَاتُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، فَمَا قَدِرَ الْآبَاءُ لِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ تَبْدِيلًا، وَلَا اسْتَطَاعَ إِبْلِيسُ لِمَنْ هَدَى اللَّهُ مِنْهُمْ تَضْلِيلًا. 265 - وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» ، فَرَدَّ أَمْرَهُمْ إِلَى سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا، وَقَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا. 266 - وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وَقَالَ: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ، فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] . 267 - وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيِ الْمَوْلُودِ مَا هُوَ لَاقٍ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ، حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا»

268 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُنَيْدَةَ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَخْلُقَ النَّسَمَةَ قَالَ مَلَكُ الْأَرْحَامِ مُعْرِضًا: يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي اللَّهُ أَمْرَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، شَقِيُّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَيَقْضِي اللَّهُ أَمْرَهُ، ثُمَّ يَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَا هُوَ لَاقٍ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا "

269 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ثنا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ثنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " §إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَقُولُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَأَجَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَشَقِيُّ أَمْ سَعِيدٌ -[151]-، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ، فَيُخْتَمُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ، فَيُخْتَمُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ "

270 - حَدَّثَنَاهُ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ. ذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ: «§فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ، وَعَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَشَقِيُّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ»

271 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، قَالَ: فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ -[152]- وَقَعَدْنَا، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «§مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً، أَوْ سَعِيدَةً» قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِ رَبِّنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ» ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] إِلَى قَوْلِهِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10]

272 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ،: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا نَعْمَلُ، أَفِي أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ، أَوْ مُبْتَدَأٌ، فَقَالَ: «فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ» ، فَقَالَ عُمَرُ: أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ فَقَالَ: «اعْمَلْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، §فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَهُوَ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ، فَهُوَ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ» 273 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَنْ فَرَغَ مِنْهُ إِلَّا مَنْ قَدْ عَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، وَمَنْ يُيَسِّرُهُمْ لِمَا خَلَقَهُمْ لَهُ إِلَّا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ؟ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ غَيْرُهُ، وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا. 274 - فَيُقَالُ لِمَنْ رَدَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ يُقِرَّ لِلَّهِ بِعِلْمٍ سَابِقٍ: أَرَأَيْتَ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا -[154]-، فَقَدْ فَارَقَ قَوْلَهُ وَكَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَّبَ بِالْبَعْثِ، وَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ نَفْسَهُ لَا يُؤْمِنُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ. وَإِنْ قَالَ: يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ، فَقَدْ أَقَرَّ بِكُلِّ الْعِلْمِ، شَاءَ أَوْ أَبَى. وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: أَعَلِمَ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَنَّهُ خَالِقُهُمْ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا، فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَإِنْ قَالَ: بَلَى، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْعِلْمِ السَّابِقِ، وَانْتُقِضَ عَلَيْهِ مَذْهَبُهُ فِي رَدِّ عِلْمِ اللَّهِ، وَهُوَ مُنْتَقِضٌ عَلَيْهِ عَلَى زَعْمِهِ

باب الإيمان بكلام الله تبارك وتعالى قال أبو سعيد: فالله المتكلم أولا وآخرا، لم يزل له الكلام، إذ لا متكلم غيره، ولا يزال له الكلام إذ لا يبقى متكلم غيره، فيقول: لمن الملك اليوم أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ فلا ينكر كلام الله عز وجل إلا من يريد

§بَابُ الْإِيمَانِ بِكَلَامِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى 275 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَاللَّهُ الْمُتَكَلِّمُ أَوَّلًا وَآخِرًا، لَمْ يَزَلْ لَهُ الْكَلَامُ، إِذْ لَا مُتَكَلِّمَ غَيْرُهُ، وَلَا يَزَالُ لَهُ الْكَلَامُ إِذْ لَا يَبْقَى مُتَكَلِّمٌ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ فَلَا يُنْكِرُ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مَنْ يُرِيدُ إِبْطَالَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَيْفَ يَعْجِزُ عَنِ الْكَلَامِ مَنْ عَلَّمَ الْعِبَادَ الْكَلَامَ، وَأَنْطَقَ الْأَنَامَ؟ . 276 - قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] . فَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا غَيْرَ نَفْسِ الْكَلَامِ، وَقَالَ لِمُوسَى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] . وَقَالَ: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] . وَقَالَ: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] . وَقَالَ: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس: 64] . وَقَالَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} . وَقَالَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى -[156]- يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . وَقَالَ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171]

وَقَالَ: {§فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] ، 277 - قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا: قَالَ: قَالَ آدَمُ لِرَبِّهِ، وَذَكَرَ خَطِيئَتَهُ: رَبِّ، أَشَيْءٌ كَتَبْتَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي، أَمْ شَيْءٌ ابْتَدَعْتُهُ؟ فَقَالَ: بَلْ شَيْءٌ كَتَبْتُهُ عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَكَ، قَالَ: فَكَمَا كَتَبْتَهُ عَلَيَّ فَاغْفِرْهُ لِي قَالَ: فَهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] 278 - حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ، سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُهُ 279 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آدَمَ، فَقَالَ: «كَانَ نَبِيًّا مُكَلَّمًا» 280 - وَقَالَ اللَّهُ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] . وَقَالَ: {سَلَّامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] . وَقَالَ لِقَوْمِ مُوسَى حِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا، وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه: 89] . وَقَالَ -[157]-: {عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمُ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا، اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: 148] . 281 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا تَحْقِيقُ كَلَامِ اللَّهِ وَتَثْبِيتُهُ نَصًّا بِلَا تَأْوِيلٍ، فَفِيمَا عَابَ اللَّهُ بِهِ الْعِجْلَ فِي عَجْزِهِ عَنِ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَقَائِلٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعِيبُ الْعِجْلَ بشَيْءٍ هُوَ مَوْجُودٌ بِهِ. 282 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 63] . الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67] . فَلَمْ يَعِبْ إِبْرَاهِيمُ أَصْنَامَهُمْ وَآلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ بِالْعَجْزِ عَنِ الْكَلَامِ إِلَّا وَأَنَّ إِلَهَهُ مُتَكَلِّمٌ قَائِلٌ. 283 - فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ بَيَانٌ بَيِّنٌ لِمَنْ آمَنَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَصَدَّقَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] . وَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} . وَصَدَقَ وَبَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ جُمِعَ مِيَاهُ بِحُورِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعُيُونِهَا، وَقُطِّعَتْ أَشْجَارُهَا أَقْلَامًا لَنَفِدَتِ الْمِيَاهُ وَانْكَسَرَتِ الْأَقْلَامُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ اللَّهِ، لِأَنَّ الْمِيَاهَ وَالْأَشْجَارَ مَخْلُوقَةٌ، وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْفِنَاءَ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهَا، وَاللَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَلَا يَفْنَى كَلَامُهُ، وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الْخَلْقِ، كَمَا لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا قَبْلَهُمْ، فَلَا يُنْفِدُ الْمَخْلُوقُ الْفَانِي كَلَامَ الْخَالِقِ الْبَاقِي، الَّذِي لَا -[158]- انْقِطَاعَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ كَلَامٌ مَخْلُوقٌ أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ بشَيْءٍ قَطُّ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بشَيْءٍ قَطُّ، وَلَنْ يَتَكَلَّمَ لَنَفِدَ كُلُّ مَخْلُوقٍ مِنَ الْكَلَامِ قَبْلَ أَنْ يَنْفَدَ مَاءُ بَحْرٍ وَاحِدٍ مِنَ الْبُحُورِ، لِأَنَّهُ لَوْ جُمِعَ كَلَامُ خَلْقِ اللَّهِ كُلِّهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ كُلِّهَا، وَجَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ، وَكُتِبَ بِمَاءِ بَحْرٍ وَاحِدٍ مِنَ الْبُحُورِ، لَكُتِبَ كُلُّ ذَلِكَ وَنَفِدَ قَبْلَ أَنْ يَنْفَدَ مَاءُ بَحْرٍ وَاحِدٍ، وَلَا عُشْرُ بَحْرٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ، فَلَا يَنْفَدُ مَا لَا يَفْنَى، وَيْنَقَطِعُ مَا يَبْقَى. 284 - ثُمَّ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، جُمَّةٌ كَثِيرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِتَحْقِيقِ كَلَامِ اللَّهِ وَتَثْبِيتِهِ، وَسَنَأْتِي مِنْهَا بِبَعْضِ مَا حَضَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

285 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ، فَيَقُولُ: «§أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلِمَاتِ رَبِّي»

286 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْكُوفِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ»

287 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو سَلَمَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَشْعَثَ الْحُدَّانِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ §فَضْلَ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ»

288 - حَدَّثَنَاهُ عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَشْعَثَ الْحُدَّانِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ الرَّحْمَنِ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ»

289 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْفَاكِهِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ السُّلَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ خِرَاشِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيَّ ثُمَّ السُّلَمِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ نَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا جَابِرُ مَالِي أَرَاكَ مُهْتَمًّا؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَعِيَالًا، فَقَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكَ، §مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدُ، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِنِي، فَأُقْتَلَ فِيكَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ. قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي " قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169] حَتَّى أَنْفَذَ الْآيَةَ

290 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَقِيَ آدَمَ مُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: §أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، ثُمَّ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ، فَأَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ، وَكَلَّمَكَ وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، وَآتَاكَ التَّوْرَاةَ، فَبِكَمْ تَجِدُهُ كَتَبَ عَلَيَّ الْعَمَلَ الَّذِي عَمِلْتُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: بِأَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: فَبِمَ تَلُومُنِي يَا مُوسَى؟ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» 291 - حَدَّثَنَاهُ أَبُو سَلَمَةَ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ -[163]-، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَقِيَ آدَمَ مُوسَى» ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " وَكَلَّمَكَ وَآتَاكَ التَّوْرَاةَ، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَنَا أَقْدَمُ أَمِ الذِّكْرُ؟ قَالَ: الذِّكْرُ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» ثَلَاثًا 292 - حَدَّثَنَاهُ أَبُو سَلَمَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا أَبُو هَارُونَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ فِيهِ: «أَنْ يَا مُوسَى، أَرَأَيْتَ مَا عَلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَكُونُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ؟»

293 - حَدَّثَنَاه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ §أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ؟ فَقَالَ لَهُ قَوْلًا كَبِيرًا، لَا أَحْفَظُهُ: أَغْوَيْتَ النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ، وَكَلَّمَكَ تَكْلِيمًا، تَلُومُنِي أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا قَدْ -[164]- كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ . قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى»

294 - حَدَّثَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ. فَأَرَاهُ اللَّهُ آدَمَ، فَقَالَ: §أَنْتَ أَبُونَا آدَمُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَعَلَّمَكَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ وَنَفْسَكَ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمُ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنْتَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي كِتَابٍ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَبِمَ تَلُومُنِي عَلَى شَيْءٍ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْقَضَاءُ فِيهِ قَبْلِي؟ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا

295 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَنْبَأَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنْبَأَ أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، ثنا أَبُو هُنَيْدَةَ الْبَرَاءُ بْنُ نَوْفَلٍ، عَنْ وَالِانَ الْعَدَوِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكُمْ عِنْدِي، فَانْطَلَقُوا إِلَى مُوسَى، فَإِنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا فَيَقُولُ مُوسَى: لَيْسَ ذَلِكُمْ عِنْدِي "

296 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ أَبُو صَالِحٍ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ رَجُلٍ، سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَقَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: اخْرُجْ فَحَدِّثْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ، §فَبَشَّرَنِي بِعَشْرٍ لَمْ يُؤْتَهَا نَبِيُّ قَبْلِي: بَعَثَنِي إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ الْجِنَّ، وَلَقَّانِي كَلَامَهُ وَأَنَا أُمِّيُّ، قَدْ أُوتِيَ دَاوُدُ الزَّبُورَ، وَمُوسَى الْأَلْوَاحَ، وَعِيسَى الْإِنْجِيلَ "

297 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ وَهُوَ ابْنُ قَيْسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§مَا مِنْ كَلَامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ كَلَامِهِ، مَا رَدَّ -[166]- الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ كَلَامًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ»

298 - حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَائِنِيُّ، ثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: §أَيُّ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلًا؟ قَالَ: «آدَمُ» ، قُلْتُ: وَنبِيًّا كَانَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، نَبِيًّا مُكَلَّمًا»

299 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، §أَنَبِيًّا كَانَ آدَمُ؟ قَالَ -[167]-: «نَعَمْ، مُكَلَّمًا» قَالَ: كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ؟ قَالَ: «عَشَرَةُ قُرُونٍ»

300 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ عِنْدِهَا، فَخَرَجَ وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَمَا تَعَالَى النَّهَارُ، فَقَالَ: «مَا زِلْتِ فِي مَجْلِسِكِ هَذَا مُنْذُ خَرَجْتُ بَعْدُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: " لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَوْ وُزِنَّ بِكَلِمَاتِكِ وَزَنَتْهُنَّ: §سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ "

301 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ "

302 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عِنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ؟ خَابُوا وَخَسِرُوا، قَالَ: فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا، فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ؟ خَابُوا وَخَسِرُوا، قَالَ: «الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، أَوِ الْفَاجِرِ»

303 - حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَمَّادٍ يَعْنِي الْحَنَفِيَّ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَهْلِ زَمَانِهِ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[170]- عَلَى الشُّهَدَاءِ كُلِّهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَجَعْتُ وَأَنَا مُثْقَلٌ، قَدْ تَرَكَ أَبِي عَلَيَّ دَيْنًا وَعِيَالًا، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ اللَّيْلِ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، §إِنَّ اللَّهَ قَدْ أْحَيَا أَبَاكَ وَكَلَّمَهُ» قَالَ: قُلْتُ: وَكَلَّمَهُ كَلَامًا؟ قَالَ: " وَكَلَّمَهُ كَلَامًا، فَقَالَ لَهُ: تَمَنَّ قَالَ: أَتَمَنَّى أَنْ تَرُدَّ رُوحِي، وَتَنْشُرَ خَلْقِي كَمَا كَانَ، وَتُرْجِعَنِي إِلَى نَبِيِّكَ، فَأُقَاتِلَ فِي سَبِيلِكَ، فَأُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى "

304 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ هَذَا §الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، فَلَا أَعْرِفَنَّكُمْ مَا عَطَفْتُمُوهُ عَلَى أَهْوَائِكُمْ، إِلَّا أَنْ يَكْفُرَ بِهِ عَمْدَ عَيْنٍ»

305 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «§هَدْيٌ وَكَلَامٌ، فَخَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

306 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ أَبُو سَعِيدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ، ثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: «§الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، فَمَنْ قَالَ فِيهِ فَلْيَعْلَمْ مَا يَقُولُ، فَإِنَّمَا يَقُولُ عَلَى اللَّهِ»

307 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُمْ بَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ -[172]- اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ عَظِيمٌ، وَمَاتَ عَظِيمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا حَيَاةِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّمَا رَبُّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ يُسَبِّحُ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يُسَبِّحُ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى بَلَغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ: مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ بِتَسْبِيحِ أَهْلِ السَّمَوَاتِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَتَخَطَّفُ الْجِنُّ السَّمْعَ، فَيَذْهَبُونَ بِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَإِذَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يُرَقُّونَ فِيهِ " يَعْنِي يَقْرِفُونَ

308 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ، ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " §إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ. قَالَ: فَيَفْزَعُونَ، يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23]

309 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ §إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعُوا مِثْلَ سِلْسِلَةِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفْوَانِ، فَخَرُّوا سُجَّدًا، فَ {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] ثُمَّ يَنْزِلُ الشَّيْطَانُ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَزِيدُ فِيهَا سَبْعِينَ كَذْبَةً

310 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: كُنْتُ جَارًا لِخَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ يَوْمًا إِلَى الْجُمُعَةِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ: «يَا هَنَاهْ تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ، §فَإِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ»

311 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ، عَائِشَةَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «§لَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيِّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنُ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا»

312 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَارِقِ بْنِ مُخَاشِنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَدِيغٍ، فَقَالَ: " §لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ -[175]- تَضُرَّهُ "

313 - حَدَّثَنَا الْجُرْجُسِيُّ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، ثنا بَقِيَّةُ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَارِقِ بْنِ مَخَاشِنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَدِيغٍ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ، فَقَالَ: " §لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ، لَمْ يُلْدَغْ «، أَوْ» لَمْ تَضُرَّهُ "

314 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الْفَزَعِ: «§أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ غَضَبِهِ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَنْ يَحْضُرُونِ» 315 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، بِإِسْنَادِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ غَضَبِهِ، وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ»

316 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ حَسَنًا وَحُسَيْنًا، فَيَقُولُ: «§أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» ، وَكَانَ يَقُولُ: «كَانَ أَبُوكُمَا يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ»

317 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاتِكَةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُلْتُ: §أَيُّ النَّبِيِّينَ أَوَّلًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «آدَمُ» ، قُلْتُ: أَوَنَبِيًّا كَانَ؟ قَالَ: " نَعَمْ، مُكَلَّمًا، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا، فَقَالَ: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] "

318 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ»

319 - حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، أَوِ الْفَاجِرِ "

320 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثنا مَعْنٌ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو أُوَيْسٍ، عَنْ قَرْثَعٍ الْغَطَفَانِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْهَاشِمِيَّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ §مَنْ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ -[178]- بِالْعَرَبِيَّةِ؟ قَالَ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّبِيُّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، قُلْتُ: فَمَا كَانَ كَلَامُ النَّاسِ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْعِبْرَانِيَّةُ، قُلْتُ: فَمَا كَانَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعِبَادِهِ ذَلِكَ الزَّمَانَ؟ قَالَ: الْعِبْرَانِيَّةُ

321 - قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْيَمَانِ، قُلْتُ: أُخْبِرُكُمْ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ جَزْءُ بْنُ جَابِرٍ الْخَثْعَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ، يَقُولُ: " §لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِالْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا قَبْلَ لِسَانِهِ، طَفِقَ مُوسَى يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، مَا أَفْقَهُ هَذَا، حَتَّى كَلَّمَهُ آخِرَ الْأَلْسِنَةِ بِلِسَانِهِ بِمِثْلِ صَوْتِهِ، يَعْنِي بِمِثْلِ لِسَانِ مُوسَى، وَبِمِثْلِ صَوْتِ مُوسَى

322 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ أَبُو الْجَمَاهِرِ، ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {§إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} [فصلت: 41] بِالْقُرْآنِ {لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لِكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت: 41] أَعَزَّهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ كَلَامَهُ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} [فصلت: 42] وَهُوَ إِبْلِيسُ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْهُ حَقًّا، أَوْ يَزِيدَ فِيهِ بَاطِلًا 323 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ رُوِيَتْ، وَأَكْثَرُ، مِنْهَا مَا يُشْبِهُهَا، كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ فِي الْإِيمَانِ بِكَلَامِ اللَّهِ، وَلَوْلَا مَا اخْتَرَعَ هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ مِنْ هَذِهِ الْأُغْلُوطَاتِ وَالْمعَانِي يَرُدُّونَ بِهَا صِفَاتِ اللَّهِ، وَيُبَدِّلُونَ بِهَا كَلَامَهُ، لَكَانَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ كَافِيًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، مَعَ أَنَّهُ كَمَيْلٍ شَافٍ إِلَّا لِمُتَأَوِّلِ ضَلَالٍ، أَوْ مُتَّبِعِ رِيبَةٍ، فَحِينَ رَأَيْنَا ذَلِكَ أَلَّفْنَا هَذِهِ الْآثَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لِيَعْلَمَ مَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَنَّ مَنَ مَضَى مِنَ الْأُمَّةِ لَمْ يَزَالُوا يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَعْرِفُونَ لَهُ تَأْوِيلًا غَيْرَ مَا يُتْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، حَتَّى نَبَغَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اقْتَرَبُوا لَرَدِّ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَعْطِيلِ كَلَامِهِ وَصِفَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ بِهَذِهِ الْأُغْلُوطَاتِ الَّتِي لَوْ ظَهَرَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانَ سَبِيلُ مَنْ يُظْهِرُهَا بَيْنَهُمْ إِلَّا كَسَبِيلِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، أَوَّلُهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْمَلْعُونَةُ الَّتِي فَارَقُوا بِهَا جَمِيعَ أَهْلِ الصَّلَاةِ، فَقَالُوا -[180]-: كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ. وَالْحُجَجُ عَلَيْهِمْ مِنْ رَدِّ مَا أَتَوْا بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَرُوِّينَا مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُ. 324 - ثُمَّ عَلَيْهِمْ حُجَجٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، لَا نُحِبُّ ذِكْرَ كَثِيرٍ مِنْهَا تَخَوُّفًا مِنْ أَنْ لَا تَحْتَمِلَهَا قُلُوبُ ضُعَفَاءِ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَكْفِي مَنْ نَظَرَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُوِّينَا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مُخَالَفَةَ هَؤُلَاءِ لِلْأُمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَيَقُولَ لَهُمْ: وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمَةَ بَعْدَهُ سَمَّوْهُ كَلَامَ اللَّهِ، وَزَعَمْتُمْ أَنْتُمْ أَنَّهُ خَلْقُ اللَّهِ؟ فَكَفَى بِهَذَا مُخَالَفَةً لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِلْأَمَةِ مِنْ بَعْدِهِ، أَوِ ائْتُوا فِيهِ بِكِتَابٍ نَاطِقٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَلَنْ تَأْتُوا بِهِ أَبَدًا، وَكَيْفَ تَأْثُرُونَ الْكُفْرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ بَعْدَهُمْ؟ . 325 - فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ يَحْتَجُّ بِتَفَاسِيرَ مَقْلُوبَةٍ، وَبِمَعَانٍ لَا أَصْلَ لَهَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ إِلَّا الْكُفْرَ يَقِينًا. 326 - قُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: دَعُوا هَذِهِ الْأُغْلُوطَاتِ الَّتِي نَحْنُ بِهَا أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَلَنْ يُنْزِلَكُمُ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي يُعْتَمَدُ فِيهَا عَلَى تَفْسِيرِكُمْ، أَوْ يُقْبَلُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ آرَائِكُمْ، وَقَدْ أَتَيْنَاكُمْ بِهِ مَنْصُوصًا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ وَعَنِ الْأُمَّةِ بِأَجْمَعِهَا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ حَقًّا، فَهَاتُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَنْصُوصًا أَنَّهُ خَلْقُ اللَّهِ كَمَا ادَّعَيْتُمْ، وَإِلَّا فَأَنْتُمُ الْمُفَارِقُونَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، الْمُلْحِدُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ، الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ، وَلَنْ تَأْتُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ. -[181]- 327 - أَرَأَيْتُمْ قَوْلَكُمْ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَمَا بَدْءُ خَلْقِهِ؟ قَالَ اللَّهُ لَهُ: كُنْ، فَكَانَ كَلَامًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ بِلَا مُتَكَلِّمٍ بِهِ؟ فَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَخْلُقْ كَلَامًا يَرَى وَيَسْمَعُ بِلَا مُتَكَلِّمٍ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَقُولُوا فِي دَعْوَاكُمْ: اللَّهُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْقُرْآنِ، فَأَضَفْتُمُوهُ إِلَى اللَّهِ، فَهَذَا أَجْوَرُ الْجَوْرِ وَأَكْذَبُ الْكَذِبِ، أَنْ تُضِيفُوا كَلَامَ الْمَخْلُوقِ إِلَى الْخَالِقِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا كَانَ مُكَذِّبًا لَا شَكَّ فِيهِ، فَكَيْفَ وَهُوَ كُفْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، لَا يَحِقُّ لِمَخْلُوقٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَدَّعِيَ الرُّبُوبِيَّةَ، وَيَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى عِبَادَتِهِ، فَيَقُولُ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] . وَ {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 12] . {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} [طه: 13] . {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42] . {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] . {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي، هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس: 60] . 328 - قَدْ عَلِمَ الْخَلْقُ إِلَّا مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ غَيْرُ الْخَالِقِ، بَلِ الْقَائِلِ بِهِ، وَالدَّاعِي إِلَى عِبَادَتِهِ غَيْرُ اللَّهِ كَافِرٌ كَفِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] . وَالْمُجِيبُ لَهُ، وَالْمُؤْمِنُ بِدَعْوَاهُ أَكْفُرُ وَأَكْذَبُ. 329 - وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ مَخْلُوقٌ، فَأَضَفْنَاهُ إِلَى اللَّهِ، لِأَنَّ -[182]- الْخَلْقَ كُلُّهُمْ بِصِفَاتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ لِلَّهِ، فَهَذَا الْمُحَالُ الَّذِي لَيْسَ وَرَاءَهُ مُحَالٌ، فَضْلًا عَلَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَنْسِبْ شَيْئًا مِنَ الْكَلَامِ كُلِّهُ إِلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ كَلَامُهُ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى رُسُلِهِ، فَإِنْ قَدْ تَمَّ كَلَامُكُمْ وَلَزِمْتُمُوهُ، لَزِمَكُمْ أَنْ تُسَمُّوا الشِّعْرَ وَجَمِيعَ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحَ وَكَلَامَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ كَلَامَ اللَّهِ، فَهَذَا مَا لَا يَخْتَلِفُ الْمُصَلُّونَ فِي بِطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، فَمَا فَضْلُ الْقُرْآنِ إِذًا عِنْدَكُمْ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالشِّعْرِ، إِذْ كَانَ كُلُّهُ فِي دَعْوَاكُمْ كَلَامَ اللَّهِ؟ فَكَيْفَ خَصَّ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَنَسَبَ كُلَّ كَلَامٍ سِوَاهُ إِلَى قَائِلِهِ؟ فَكَفَى بِقَوْمٍ ضَلَالًا أَنْ يَدَّعُوا دَعْوَى لَا يَشُكُّ الْمُوَحِّدُونَ فِي بِطُولِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ. 330 - وَمَا يَزِيدُ دَعْوَاكُمْ تَكْذِيبًا وَاسْتِحَالَةً، وَيَزِيدُ الْمُؤْمِنِينَ بِكَلَامِ اللَّهِ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا، أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ مَيَّزَ بَيْنَ مَنْ كَلَّمَ مِنْ رُسُلِهِ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُكَلِّمْ، وَمَنْ يُكَلِّمُ مِنْ خَلْقِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُكَلِّمْ، فَقَالَ: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهَ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] . فَمَيَّزَ بَيْنَ مَنِ اخْتَصَّهُ بِكَلَامِهِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ، ثُمَّ سَمَّى مِمَّنْ كَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] . فَلَوْ لَمْ يُكَلِّمْهُ نَفْسُهُ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِ مَا ادَّعَيْتُمْ فَمَا فَضْلُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ تَكْلِيمِهِ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ؟ إِذْ كُلُّ الرُّسُلِ فِي تَكْلِيمِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مِثْلُ مُوسَى، وَكُلٌّ عِنْدَكُمْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ اللَّهِ، فَهَذَا مُحَالٌ مِنَ الْحُجَجِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَدًّا لِكَلَامِ اللَّهِ وَتَكْذِيبًا لِكِتَابِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] إِلَّا وَأَنَّ حَالَتَيْهِمَا مُخْتَلِفَتَانِ فِي تَكْلِيمِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ. فَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ تَحْقِيقَا قَوْلُهُ -[183]-: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 77] . يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ قَوْمًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَرْفِ كَلَامِهِ عَنْهُمْ إِلَّا وَأَنَّهُ مُثِيبٌ بِتَكْلِيمِهِ قَوْمًا آخَرِينَ. 331 - ثُمَّ قَدْ مَيَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ يُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ مَنْ لَا يُكَلِّمُهُ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِّينَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَيْضًا بَيَانٌ بَيِّنٌ عَلَى نَفْسِ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يُكَلِّمُ أَقْوَامًا وَلَا يُكَلِّمُ آخَرِينَ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَيْتُمْ كَانَ الْمُثَابُ بِكَلَامِ اللَّهِ وَالْمُعَاقَبُ بِهِ الْمَصْرُوفُ عَنْهُ سَوَاءً عِنْدَكُمْ. أَ

باب الاحتجاج للقرآن أنه غير مخلوق قال أبو سعيد رحمه الله: فمن ذلك ما أخبر الله تعالى في كتابه عن زعيم هؤلاء الأكبر، وإمامهم الأكفر، الذي ادعى أولا أنه مخلوق، وهو الوحيد، واسمه الوليد بن المغيرة، فأخبر الله عن الكافر دعواه فيه، ثم أنكر عليه دعواه،

§بَابُ الِاحْتِجَاجِ لِلْقُرْآنِ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ 332 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْ زَعِيمِ هَؤُلَاءِ الْأَكْبَرِ، وَإِمَامِهِمُ الْأَكْفَرِ، الَّذِي ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَهُوَ الْوَحِيدُ، وَاسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْكَافِرِ دَعْوَاهُ فِيهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ، وَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَوَعَدَهُ النَّارَ إِنِ ادَّعَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ قَوْلَ الْبَشَرِ. 333 - وَقَوْلُهُ: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] . وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ: هُوَ مَخْلُوقٌ، وَاحِدٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَبِئْسَ التَّابِعُ، وَبِئْسَ الْمَتْبُوعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11] إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 23] . يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلِ الْبَشَرِ كَمَا ادَّعَى الْوَلِيدُ، وَلَكِنَّهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

334 - فَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا} [المدثر: 12] قَالَ: ذَلِكَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَالْمَالُ الْمَمْدُودُ: أَلْفُ دِينَارٍ، وَالْبَنِينَ الشُّهُودُ: عَشْرَةُ بَنِينَ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلِ النُّقْصَانُ فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ حِينَ تَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ حَتَّى مَاتَ -[185]- 335 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَذَلِكَ صَارَ لِأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ تَلَقَّفُوا مِنْهُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ خِزْيٌ وَتَبَابٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ. 336 - وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ أَيْضًا عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] . وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 23] . تَثْبِيتًا أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ أَبَدًا، وَقَوْلُهُ: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13] . 337 - فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ الْقُرْآنَ خَرَجَ مِنَ الْخَالِقِ لَا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ لَا كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَوْ كَانَ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْهُمْ لَقَدِرَ الْمَخْلُوقُ الْآخَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ مَخْلُوقٌ بِحَقٍّ وَبَاطِلٍ مِنَ الشِّعْرِ أَوِ الْخُطَبِ أَوِ الْمَوَاعِظِ أَوْ مِنْ كَلَامِ الْحِكْمَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ نُظَرَاؤُهُ مِمَّنْ هُمْ فِي عَصْرِهِ أَوْ مِنْ بَعْدِهِ، فَهَذَا قَدْ ثَبَّتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِمِثْلِهِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ -[186]- رَسُولُهُ، لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مُنْذُ مِائَتَيْ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَلَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ إِلَى خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ، فَكَيْفَ يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] ، وَ {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] . فَفِي هَذَا بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّهُ كَلَامُ الْخَالِقِ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. 338 - وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ»

339 - حَدَّثَنَا بِهِ شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ الْكُوفِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ»

340 - حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَشْعَثَ الْحُدَّانِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ الرَّحْمَنِ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ»

341 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، ثنا الْجَرَّاحُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْكِنْدِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَفْضَلُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَهَذَا الَّذِي أَجْلَسَنِي هَذَا الْمَجْلِسَ، وَفَضَلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْهُ -[188]- 342 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي فَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ فَضْلَ مَا بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ يُسْتَدْرَكُ، وَلَا يُسْتَدْرَكُ فَضْلُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَا يُحْصِيهِ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ فَضْلُ كَلَامِهِ عَلَى كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَوْ كَانَ كَلَامًا مَخْلُوقًا لَمْ يَكُنْ فَضْلُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَلَا كَعُشْرِ عُشْرِ جُزْءٍ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ جُزْءٍ وَلَا قَرِيبًا وَلَا قَرِيبًا، فَافْهَمُوهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَلَيْسَ كَكَلَامِهِ كَلَامٌ، وَلَنْ يُؤْتَى بِمِثْلِهِ أَبَدًا

343 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " §لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى -[189]- يَرْجِعَ الْقُرْآنُ مِنْ حَيْثُ نَزَلَ، لَهُ دَوِيُّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ مِنْكَ خَرَجْتُ وَإِلَيْكَ أَعُودُ، أُتْلَى وَلَا يُعْمَلُ بِي، أُتْلَى وَلَا يُعْمَلُ بِي

344 - سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ، يَقُولُ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ دُونَهُمْ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: «§اللَّهُ الْخَالِقُ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، مِنْهُ خَرَجَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ»

345 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، ثنا مَعْبَدٌ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ وَهُوَ ابْنٌ رَاشِدٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: قِيلَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: الْقُرْآنُ خَالِقٌ أَوْ مَخْلُوقٌ؟ قَالَ: «§لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا -[190]- مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ»

346 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الطُّوسِيُّ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَكَانَ ثِقَةً قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَضَاءٍ مَوْلَى خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ بِالْمَصِيصَةِ، وَسَأَلَهُ رِجَالٌ عَنِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: «§هُوَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ»

347 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَضَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ بَقِيَّةَ بْنَ الْوَلِيدِ، يَقُولُ: «§الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ»

348 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَضَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ يُونُسَ، يَقُولُ: " §الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ

349 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَضَاءِ، قَالَ -[191]-: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ الْجَزَرِيَّ، يَقُولُ: «§الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ»

350 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَضَاءِ، ثنا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُعَافَى بْنَ عِمْرَانَ، يَقُولُ: «§الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ» قَالَ هِشَامٌ: وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الْمُعَافَى. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ هِشَامٌ , قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ: وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالُوا خَمْسِينَ مَرَّةً. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالُوا سَبْعِينَ مَرَّةً. قَالَ الْقُرَشِيُّ: وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالُوا. قَالَ الْأَزْدِيُّ: وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالُوا عَدَدَ أَيَّامِ الدَّهْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَبِهِ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو رَوْحٍ: وَأَنَا أَقُولُ بِعَدَدِ مَنْ يُبْصِرُ وَمَنْ لَا يُبْصِرُ. وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَنَا أَقُولُ بِعَدَدِ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ 351 - سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَنْصُورٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ حِدْثَانَ مَا اسْتُخْلِفَ جَعْفَرٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَقَالَ بِوَجْهِهِ هَكَذَا، كَأَنَّهُ أَعْرَضَ، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: «نَعَمْ»

352 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ شُيُوخِ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «§الْقُرْآنُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ» 353 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَهَذَا يُنْبِئُكَ أَنَّهُ نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَخْلُقْ كَلَامًا إِلَّا عَلَى لِسَانِ مَخْلُوقٍ، فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلُونَ، كَانَ إِذًا مِنْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَالْحِكَايَاتِ وَالشَّوَاهِدِ وَالدَّلِائِلِ قَدْ جَاءَتْ وَأَكْثَرُ مِنْهَا فِي أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، ثُمَّ إِحَاطَةُ عِلْمِ الْعُلَمَاءِ وَعُقَولِ الْعُقَلَاءِ بِأَنَّ كَلَامَ الْخَالِقِ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا أَبَدًا، إِذَا كَانَ فِي دَعْوَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْكَلَامَ مَنْقُوصًا مُضْطَرًا إِلَى الْكَلَامِ، حَتَّى خَلَقَهُ وَكَمُلَتْ رُبُوبِيَّتُهُ وَتَمَّتْ وَحْدَانِيَّتُهُ بِمَخْلُوقٍ فِي دَعْوَاهُمْ

باب الاحتجاج على الواقفة قال أبو سعيد رحمه الله: ثم إن ناسا ممن كتبوا العلم بزعمهم وادعوا معرفته وقفوا في القرآن، فقالوا: لا نقول مخلوق هو ولا غير مخلوق، ومع وقوفهم هذا لم يرضوا حتى ادعوا أنهم ينسبون إلى البدعة من خالفهم وقال بأحد هذين القولين.

§بَابُ الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْوَاقِفَةِ 354 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ إِنَّ نَاسًا مِمَّنْ كَتَبُوا الْعِلْمَ بِزَعْمِهِمْ وَادَّعَوْا مَعْرِفَتَهُ وَقَفُوا فِي الْقُرْآنِ، فَقَالُوا: لَا نَقُولُ مَخْلُوقٌ هُوَ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَعَ وُقُوفِهِمْ هَذَا لَمْ يَرْضَوْا حَتَّى ادَّعَوْا أَنَّهُمْ يَنْسُبُونَ إِلَى الْبِدْعَةِ مَنْ خَالَفَهُمْ وَقَالَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. 355 - فَقُلْنَا لِهَذِهِ الْعِصَابَةِ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: مُبْتَدِعٌ، فَظُلْمٌ وَحَيْفٌ فِي دَعْوَاكُمْ حَتَّى تَفْهَمُوا الْأَمْرَ وَتَعْقِلُوهُ، لِأَنَّكُمْ جَهِلْتُمْ أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ أَصَابُوا السُّنَّةَ وَالْحَقَّ، فَيَكُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ مُبْتَدِعَةً عِنْدَكُمْ، وَالْبِدْعَةُ أَمْرُهَا شَدِيدٌ، وَالْمَنْسُوبُ إِلَيْهَا سَيِّءُ الْحَالِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَعْجَلُوا بِالْبِدْعَةِ حَتَّى تَسْتَيْقِنُوا وَتَعْلَمُوا أَحَقًّا قَالَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ أَمْ بَاطِلًا؟ وَكَيْفَ تَسْتَعْجِلُونَ أَنْ تَنْسِبُوا إِلَى الْبِدْعَةِ أَقْوَامًا فِي قَوْلٍ قَالُوهُ، وَلَا تَدْرُونَ أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْحَقَّ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ أَمْ أَخْطَؤُوهُ، وَلَا يُمْكِنُكُمْ فِي مَذْهَبِكُمْ أَنْ تَقُولُوا لِوَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ: لَمْ تُصِبِ الْحَقَّ بِقَوْلِكَ، وَلَيْسَ كَمَا قُلْتَ فَمَنْ أَسْفَهُ فِي مَذْهَبِهِ وَأَجْهَلُ مِمَّنْ يَنْسِبُ إِلَى الْبِدْعَةِ أَقْوَامًا يَقُولُ: لَا نَدْرِي أَهُوَ كَمَا قَالُوا أَمْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يَأْمَنُ فِي مَذْهَبِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ أَصَابُوا الْحَقَّ وَالسُّنَّةَ، فَسَمَّاهُمْ مُبْتَدِعَةً، وَلَا يَأْمَنُ فِي دَعْوَاهُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ بَاطِلًا وَالسُّنَّةُ بِدْعَةً؟ هَذَا ضَلَالٌ بَيِّنٌ وَجَهْلٌ غَيْرُ صَغِيرٍ. -[194]- 356 - وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: لَا نَدْرِي مَخْلُوقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْكُمْ قِلَّةَ عِلْمٍ بِهِ وَفَهْمٍ فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِيهِ النَّظَرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَيُحْتَمَلُ بِالْعُقُولِ، وَجَدْنَا الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا شَيْئَيْنِ: الْخَالِقُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَالْمَخْلُوقِينَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِمْ، فَالْخَالِقُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْمَخْلُوقُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ مَخْلُوقٌ، فَانْظُرُوا فِي هَذَا الْقُرْآنِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَكُمْ صِفَةُ الْمَخْلُوقِينَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَشُكُّوا فِي الْمَخْلُوقِينَ وَفِي كَلَامِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ كُلُّهَا لَا شَكَّ فِيهَا، فَيَلْزَمُكُمْ فِي دَعْوَاكُمْ حِينَئِذٍ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ، فَلْتَسْتَرِيحُوا مِنَ الْقَالِ وَالْقِيلِ فِيهِ، وَتُغَيِّرُوا عَنْ ضَمَائِرِكُمْ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَكُمْ هُوَ صِفَةَ الْخَالِقِ وَكَلَامِهِ حَقًّا وَمِنْهُ خَرَجَ، فَلَا يَنْبَغِي لِمُصَلٍّ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَشُكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، هَذَا وَاضِحٌ لَا لَبْسَ فِيهِ إِلَّا عَلَى مَنْ جَهِلَ الْعِلْمَ أَمْثَالُكُمْ وَمَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: هُوَ مَخْلُوقٌ إِلَّا يَسِيرٌ، يَزْعُمُ أُولَئِكَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ مُضَافٌ إِلَيْهِ مَخْلُوقٌ، وَزَعَمْتُمْ أَنْتُمْ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَلَا تَدْرُونَ مَخْلُوقٌ هُوَ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَإِذَا لَمْ تَدْرُوا لَمْ تَأْمَنُوا فِي مَذْهَبِكُمْ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا: مَخْلُوقٌ، قَدْ أَصَابُوا مِنْ قَوْلِكُمْ، فَكَيْفَ تَنْسِبُونَهُمْ إِلَى الْبِدْعَةِ وَأَنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِهِمْ؟ فَلَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْسِبَ رَجُلًا إِلَى بِدْعَةٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ وَفِعْلَهُ بَاطِلٌ لَيْسَ كَمَا يَقُولُ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَكُمْ يَسِيرٌ، لِأَنَّ أُولَئِكَ ادَّعَوْا أَنَّهُ -[195]- مَخْلُوقٌ، وَزَعَمْتُمْ أَنْتُمْ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَقَدِ ابْتَدَعَ وَضَلَّ فِي دَعْوَاكُمْ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مُبْتَدِعًا عِنْدَكُمْ، لَا تَشُكُّونَ فِيهِ أَنَّهُ لَمَخْلُوقٌ حَقًّا لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنْ تَسْتَتِرُونَ مِنَ الِافْتِضَاحِ بِهِ مَخَافَةَ التَّشْنِيعِ، وَجَعَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ جُنَّةً وَدَلَسَةً لِلْجَهْمِيَّةِ عِنْدَ النَّاسِ، تُصَوِّبُونَ آرَاءَهُمْ وَتُحَسِّنُونَ أَمْرَهُمْ وَتَنْسِبُونَ إِلَى الْبِدْعَةِ مَنْ خَالَفَهُمْ. 357 - وَالْحُجَّةُ عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ أَيْضًا جَمِيعُ مَا احْتَجَجْنَا بِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي تَحْقِيقِ كَلَامِ اللَّهِ وَمَا رَوَيْنَا فِيهِ مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ بَعْدَهُ أَنَّ الْقُرْآنَ نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَهِيَ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، وَصَدَّقَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . وَفِي قَوْلِهِ: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] . فَأَيْقَنَ بِأَنَّهُ كَلَامُهُ حَقًّا كَمَا سَمَّاهُ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ، لَزِمَهُ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ كَلَامًا مَخْلُوقًا لِنَفْسِهِ صِفَةً وَكَلَامًا، وَلَمْ يُضِفْ إِلَى نَفْسِهِ كَلَامَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ، وَلَا يُقَاسُ كَلَامُ اللَّهِ بِبَيْتِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرَوْحِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ وَلَا مِنْ صِفَاتِهِ، وَكَلَامُهُ صِفَتُهُ وَمِنْهُ خَرَجَ، فَلَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْكَلَامِ إِلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ كَلَامُ مَخْلُوقٍ إِلَى اللَّهِ فَيَكُونَ لِلَّهِ كَلَامًا وَصِفَةً، كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ بَيْتُ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ لَجَازَ أَنْ نَقُولَ: كُلُّ مَا يُتَكَلَّمُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ شِعْرٍ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ نَوْحٍ كَلَامُ اللَّهِ، فَمَا فَضْلُ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْقِيَاسِ عَلَى -[196]- سَائِرِ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ إِنْ كَانَ كُلُّهُ يُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ، وَيُقَامُ لِلَّهِ صِفَةً وَكَلَامًا فِي دَعْوَاكُمْ؟ فَهَذَا ضَلَالٌ بَيِّنٌ، مَعَ أَنَّا قَدْ كُفِينَا مُؤْنَةَ النَّظَرِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْبَيَانِ، وَفِي الْأَثَرِ مِنَ الْبُرْهَانِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ 358 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: احْتَجَجْنَا بِهَذِهِ الْحُجَجِ وَمَا أَشْبَهَهَا عَلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْوَاقِفَةِ، وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ احْتِجَاجِهِمْ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا: إِنَّ نَاسًا مِنْ مَشْيَخَةِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ عَرَفْنَاهُمْ عَنْ قِلَّةِ الْبَصَرِ بِمَذَاهِبِ الْجَهْمِيَّةِ سُئِلُوا عَنِ الْقُرْآنِ، فَقَالُوا: لَا نَقُولُ فِيهِ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمْسَكُوا عَنْهُ إِذْ لَمْ يَتَوَجَّهُوا لِمُرَادِ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أُغْلُوطَةً وَقَعَتْ فِي مَسَامِعِهِمْ لَمْ يَعْرِفُوا تَأْوِيلَهَا، وَلَمْ يُبْتَلُوا بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَفُّوا عَنِ الْجَوَّابِ فِيهِ وَأَمْسَكُوا. فَحِينَ وَقَعَتْ فِي مَسَامِعِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ بِهِمْ وَبِكَلَامِهِمْ وَمُرَادِهِمْ مِمَّنْ جَالَسُوهُمْ وَنَاظَرُوهُمْ وَسَمِعُوا قُبْحَ كَلَامِهِمْ، مِثْلُ مَنْ سَمَّيْنَا، مِثْلُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَالْقَاسِمِ الْجَزَرِيِّ، وَبَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، وَالْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ، وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ بِكَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ، لَمْ يَشُكُّوا أَنَّهَا كَلِمَةُ كُفْرٍ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ إِذْ رَدَّ اللَّهُ عَلَى الْوَحِيدِ قَوْلَهُ: إِنَّهُ قَوْلُ الْبَشَرِ وَأَصْلَاهُ عَلَيْهِ سَقَرَ، فَصَرَّحُوا بِهِ عَلَى عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْحُجَّةُ بِالْعَارِفِ بِالشَّيْءِ، لَا بِالْغَافِلِ عَنْهُ الْقَلِيلِ الْبَصَرِ بِهِ، فَتَعَلَّقَ هَؤُلَاءِ فِيهِ بِإِمْسَاكِ أَهْلِ الْبَصَرِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِ مَنِ اسْتَنْبَطَهُ وَعَرَفَ أَصْلَهُ -[197]-، فَقُلْنَا لَهُمْ: إِنْ يَكُ جَبُنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ احْتَجَجْتُمْ بِهِمْ مِنْ قِلَّةِ بَصَرٍ، فَقَدِ اجْتَرَأَ هَؤُلَاءِ، وَصَرَّحُوا بِبَصَرٍ، وَكَانُوا مِنْ أَعْلَامِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْبَصَرِ بِأُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ حَتَّى أَكْفَرُوا مَنْ قَالَ: مَخْلُوقٌ، غَيْرُ شَاكِّينَ فِي كُفْرِهِمْ وَلَا مُرْتَابِينَ فِيهِمْ

باب الاحتجاج في إكفار الجهمية قال أبو سعيد رحمه الله: ناظرني رجل ببغداد منافحا عن هؤلاء الجهمية، فقال لي: بأية حجة تكفرون هؤلاء الجهمية، وقد نهي عن إكفار أهل القبلة؟ بكتاب ناطق تكفرونهم أم بأثر أم بإجماع؟ فقلت: ما الجهمية عندنا من أهل القبلة، وما

§بَابُ الِاحْتِجَاجِ فِي إِكْفَارِ الْجَهْمِيَّةِ 359 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: نَاظَرَنِي رَجُلٌ بِبَغْدَادَ مُنَافِحًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ، فَقَالَ لِي: بِأَيَّةِ حُجَّةٍ تُكَفِّرُونَ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةَ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ إِكْفَارِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؟ بِكِتَابٍ نَاطِقٍ تُكَفِّرُونَهُمْ أَمْ بِأَثَرٍ أَمْ بِإِجْمَاعٍ؟ فَقُلْتُ: مَا الْجَهْمِيَّةُ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَمَا نُكَفِّرُهُمْ إِلَّا بِكِتَابٍ مَسْطُورٍ وَأَثَرٍ مَأْثُورٍ وَكُفْرٍ مَشْهُورٍ. 360 - أَمَّا الْكِتَابُ فَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِالْقُرْآنِ، فَكَانَ مِنْ أَشَدِّ مَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ مِنَ التَّكْذِيبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ مَخْلُوقٌ، كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ سَوَاءً. قَالَ الْوَحِيدُ، وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] . وَهَذَا قَوْلُ جَهْمٍ: إِنْ هَذَا إِلَّا مَخْلُوقٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} [الفرقان: 4] . {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25] . وَ {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 7] . مَعْنَاهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَمَعْنَى جَهْمٍ فِي قَوْلِهِ يَرْجِعَانِ إِلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فِيهِ مِنَ الْبَوْنِ كَغَرْزِ إِبْرَةٍ وَلَا كَقَيْسِ شَعْرَةٍ، فَبِهَذَا نُكَفِّرُهُمْ كَمَا أَكْفَرَ اللَّهُ بِهِ أَئِمَّتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} -[199]-[المدثر: 26] . إِذْ قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] . لِأَنَّ كُلَّ إِفْكٍ وَتَقُوُّلٍ وَسِحْرٍ وَاخْتِلَاقٍ وَقَوْلِ الْبَشَرِ، كُلُّهُ لَا شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَاتَّفَقَ مِنَ الْكُفْرِ بَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْمُرَادُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، فَهَذَا الْكِتَابُ النَّاطِقُ فِي إِكْفَارِهِمْ

361 - وَأَمَّا الْأَثَرُ فِيهِ فَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِقَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ، فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ لَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَمَا حَرَّقْتُهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» زَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَبَلَغَ عَلِيًّا مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الْفَضْلِ، إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الْهَنَاتِ -[200]- 362 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَرَأَيْنَا هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةَ أَفْحَشَ زَنْدَقَةً وَأَظْهَرَ كُفْرًا وَأَقْبَحَ تَأْوِيلًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَرَدِّ صِفَاتِهِ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَرَّقَهُمْ. 363 - فَمَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَتْلِ الزَّنَادِقَةِ، لِأَنَّهَا كُفْرٌ عِنْدَهُمَا، وَأَنَّهُمْ عِنْدَهُمَا مِمَّنْ بَدَّلَ دِينَ اللَّهِ، وَتَأَوَّلَا فِي ذَلِكَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَجِبُ عَلَى رَجُلٍ قَتْلٌ فِي قَوْلٍ يَقُولُهُ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ ذَلِكَ كُفْرًا، لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْكُفْرِ قَتْلٌ إِلَّا عُقُوبَةٌ فَقَطْ، فَذَاكَ الْكِتَابُ فِي إِكْفَارِهِمْ، وَهَذَا الْأَثَرُ. 364 - وَنُكَفِّرُهُمْ أَيْضًا بِكُفْرٍ مَشْهُورٍ، وَهُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِنَصِّ الْكِتَابِ، أَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ، وَادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ خَلَقَهُ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لَمْ يُكَلِّمْهُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مُوسَى نَفْسَ كَلَامِ اللَّهِ، إِنَّمَا سَمِعَ كَلَامًا خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ مَخْلُوقٍ، فَفِي دَعْوَاهُمْ دَعَا مَخْلُوقٌ مُوسَى -[201]- إِلَى رُبُوبِيَّتِهِ، فَقَالَ: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12] . فَقَالَ لَهُ مُوسَى فِي دَعْوَاهُمْ: صَدَقْتَ، ثُمَّ أَتَى فِرْعَوْنَ يَدْعُوهُ أَنْ يُجِيبَ إِلَى رُبُوبِيَّةِ مَخْلُوقٍ كَمَا أَجَابَ مُوسَى فِي دَعْوَاهُمْ، فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ فِي مَذْهَبِهِمْ فِي الْكُفْرِ، إِذًا فَأَيُّ كُفْرٍ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا. 365 - وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] . وَقَالَ هَؤُلَاءِ: مَا قَالَ لشَيْءٍ قَطُّ قَوْلًا وَكَلَامًا: كُنْ فَكَانَ، وَلَا يَقُولُهُ أَبَدًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ كَلَامٌ قَطُّ، وَلَا يَخْرُجُ، وَلَا هُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ فِي دَعْوَاهُمْ، فَالصَّنَمُ فِي دَعْوَاهُمْ وَالرَّحْمَنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْكَلَامِ، فَأَيُّ كُفْرٍ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا. 366 - وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] . وَ {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] . وَ {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] . وَقَالَ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] . قَالَ هَؤُلَاءِ: لَيْسَ لِلَّهِ يَدٌ، وَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ، إِنَّمَا يَدَاهُ نِعْمَتَاهُ وَرِزْقَاهُ. فَادَّعَوْا فِي يَدَيِ اللَّهِ أَوْحَشَ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْيَهُودُ {قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64] ، وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: يَدُ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ، لِأَنَّ النِّعَمَ وَالْأَرْزَاقَ مَخْلُوقَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا، وَذَاكَ مُحَالٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: خَلَقَ آدَمَ بِنِعْمَتِهِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26] : بِنِعْمَتِكَ الْخَيْرُ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ نَفْسَهُ هُوَ النِّعَمُ نَفْسُهَا، وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يُقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] : نِعْمَةُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ -[202]-، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَاهُنَا الْيَدَ مَعَ ذِكْرِ الْأَيْدِي فِي الْمُبَايَعَةِ بِالْأَيْدِي، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10] . وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: {يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] : نِعْمَتَاهُ، فَكَأَنَّ لَيْسَ لَهُ إِلَّا نِعْمَتَانِ مَبْسُوطَتَانِ، لَا تُحْصَى نِعَمُهُ، وَلَا تُسْتَدْرَكُ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مُحَالٌ مِنَ الْكَلَامِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرًا. 367 - وَنُكَفِّرُهُمْ أَيْضًا بِالْمَشْهُورِ مِنْ كُفْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجْهًا وَلَا سَمْعًا وَلَا بَصَرًا وَلَا عِلْمًا وَلَا كَلَامًا وَلَا صِفَةً إِلَّا بِتَأْوِيلِ ضُلَّالٍ، افْتُضِحُوا وَتَبَيَّنَتْ عَوْرَاتُهُمْ، يَقُولُونَ: سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعِلْمُهُ وَكَلَامُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ بَيْتٍ مُغْلَقٍ، وَصُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ، قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ فِي دَعْوَاهُمْ حِيطَانُهُمْ وَأَغْلَاقُهَا وَأَقْفَالُهَا، فَإِلَى اللَّهِ نَبْرَأُ مِنْ إِلَهٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَهَذَا أَيْضًا مَذْهَبٌ وَاضِحٌ فِي إِكْفَارِهِمْ. 368 - وَنُكَفِّرُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ اللَّهُ، وَلَا يَصِفُونَهُ بِأَيْنَ، وَاللَّهُ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَيْنَ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] . وَ {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55] . وَ {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] . {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16] . وَنَحْوُ هَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ وَصْفٌ بِأَيْنَ، وَوَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيْنَ، فَقَالَ لِلْأَمَةِ السَّوْدَاءِ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» فَقَالَتْ: فِي -[203]- السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ، وَالْجَهْمِيَّةُ تَكْفُرُ بِهِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ وَاضِحِ كُفْرِهِمْ، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ يَنْطِقُ بِالرَّدِ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَلَكِنْ يُكَابِرُونَ وَيُغَالِطُونَ الضُّعَفَاءَ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُجَّةٍ أَنْقَضُ لِدَعْوَاهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ إِلَى رَفْعِ الْأَصْلِ سَبِيلًا مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالْفَضِيحَةِ، وَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ فِيهِ نَفْسَهُ جَاحِدُونَ. قَدْ نَاظَرْنَا بَعْضَ كُبَرَائِهِمْ، وَسَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْصُوصًا مُفَسَّرًا. 369 - وَيَقْصِدُونَ أَيْضًا بِعِبَادَتِهِمْ إِلَى إِلَهٍ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا، وَدُونَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، وَإِلَهُ الْمُصَلِّينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ إِلَيْهِ بِعِبَادَتِهِمُ: الرَّحْمَنُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، وَعَلَى عَرْشِهِ الْعَظِيمِ اسْتَوَى، وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى، فَأَيُّ كُفْرٍ أَوْضَحُ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ سُوءِ مَذَاهِبِهِمْ، مَا زَادَ مَانِي وَشَمْعَلَةُ الزِّنْدِيقَانِ 370 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقَالَ لِيَ الْمُنَاظِرُ الَّذِي نَاظَرَنِي: أَرَدْتُ إِرَادَةً مَنْصُوصَةً فِي إِكْفَارِ الْجَهْمِيَّةِ بِاسْمِهِمْ، وَهَذَا الَّذِي رُوِّيتَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الزَّنَادِقَةِ فَقُلْتُ: الزَّنَادِقَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ، وَيَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَمُرَادٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ قَوْمٌ أَشْبَهُ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا يُشَبَّهُ كُلُّ صِنْفٍ وَجِنْسٍ بِجِنْسِهِمْ وَصِنْفِهِمْ، فَقَدْ كَانَ يَنْزِلُ بَعْضُ الْقُرْآنِ خَاصًّا فِي شَيْءٍ، فَيَكُونُ عَامًّا فِي مِثْلِهِ، وَمَا -[204]- أَشْبَهَهُ، فَلَمْ يَظْهَرْ جَهْمٌ وَأَصْحَابُ جَهْمٍ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ فَيُرْوَى عَنْهُمْ فِيهَا أَثَرٌ مَنْصُوصٌ مُسَمًّى، وَلَوْ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مُظْهِرِينَ آرَاءَهُمْ لَقُتِلُوا كَمَا قَتَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الزَّنَادِقَةَ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي عَصْرِهِ، وَلَقُتِلُوا كَمَا قُتِلَ أَهْلُ الرِّدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ أَظْهَرَ بَعْضَ رَأْيِهِ فِي زَمَنِ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ، فَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، فَذَبَحَهُ خَالِدٌ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى رُءُوسِ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَعِبْهُ بِهِ عَائِبٌ، وَلَمْ يَطْعَنْ عَلَيْهِ طَاعِنٌ، بَلِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَصَوَّبُوهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَهَرَ هَؤُلَاءِ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ مَا كَانَ سَبِيلُهُمْ عِنْدَ الْقَوْمِ إِلَّا الْقَتْلَ، كَسَبِيلِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ، وَكَمَا قَتَلَ عَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُمْ فِي عَصْرِهِ وَأَحْرَقَهُ، وَظَهَرَ بَعْضُهُمْ بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ سَعْدِ بْنِ إِ

372 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ السِّجِسْتَانِيُّ أَبُو سَهْلٍ، وَكَانَ -[205]- مِنْ أَوْثَقِ أَهْلِ سِجِسْتَانَ وَأَصْدَقِهِمْ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ نُعَيْمٍ الْبَابِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ يَقُولُ: «§الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ»

373 - وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ زُهَيْرَ بْنَ نُعَيْمٍ، يَقُولُ: سُئِلَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَأَنَا مَعَهُ، فِي سُوقِ الْبَصْرَةِ عَنْ بِشْرٍ الْمُرَيِّسِيِّ، فَقَالَ: «§ذَاكَ كَافِرٌ»

374 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَبَلَغَنِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، أَنَّهُ قَالَ: " §الْجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ، وَقَالَ: حَرَّضْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَهْلَ بَغْدَادَ عَلَى قَتْلِ الْمُرَيِّسِيِّ "

375 - حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ: " §مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه: 14] مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ "

376 - سَمِعْتُ مَحْبُوبَ بْنَ مُوسَى الْأَنْطَاكِيَّ، يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ وَكِيعًا، «§يُكَفِّرُ الْجَهْمِيَّةَ»

377 - وَحُدِّثْتُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، §أَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ "

378 - وَسَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، يَقُولُ: «§الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، مَنْ شَكَّ فِيهِ، أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ»

379 - وَسَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ أَبَا تَوْبَةَ، «§يُكَفِّرُ الْجَهْمِيَّةَ» 380 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَكْفَرُوهُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ، وَأَنْزَلَاهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاسْتَحَقُّوا الْقَتْلَ بِتَبْدِيلِهِ

381 - حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَنْصُورٍ الْعَلَّافُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ هُوَ وَمَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ خَيْرًا قَالَ: لَمَّا كَانَ أَيَّامُ الْمِحْنَةِ، فَأُخْرِجَ النَّفْرُ إِلَى الْمَأْمُونِ فَامْتُحِنُوا وَرُدُّوا، لَقِيتُ أَعْرَابِيًّا، فَقَالَ لِي: أَلَا أُحَدِّثُكَ عَجَبًا؟ قُلْتُ: مَا ذَاكَ؟ قَالَ: §رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ نَفَرًا ثَلَاثِينَ أَوْ أَكْثَرَ جِيءَ بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِمْ فَإِذَا بُطُونُهُمْ مُشَقَّقَةٌ، لَيْسَ فِي أَجْوَافِهِمْ شَيْءٌ، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْقُرْآنِ. وَالْأَعْرَابِيُّ لَا يَدْرِي مَا الْمِحْنَةُ، وَمَا سَبَبُهُمْ

382 - حَدَّثَنَا الزَّهْرَانِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ رَجُلٌ، وَكَانَ الَّذِي يُظْهِرُ مِنْ رَأْيِهِ التَّرَفُّضَ وَانْتِحَالَ حُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ يُخَالِطُهُ وَيَعْرِفُ مَذْهَبَهُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ لَا تَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا تَعْتَقِدُونَهُ، §فَمَا الَّذِي -[207]- حَمَلَكُمْ عَلَى التَّرَفُّضِ وَانْتِحَالِ حُبِّ عَلِيٍّ؟ قَالَ: إِذًا أَصْدُقُكَ أَنَا، إِنْ أَظْهَرْنَا رَأْيَنَا الَّذِي نَعْتَقِدُهُ رُمِينَا بِالْكُفْرِ وَالزَّنْدَقَةِ، وَقَدْ وَجَدْنَا أَقْوَامًا يَنْتَحِلُونَ حُبَّ عَلِيٍّ وَيُظْهِرُونَهُ ثُمَّ يَقَعُونَ بِمَنْ شَاءُوا، وَيَعْتَقِدُونَ مَا شَاءُوا، وَيَقُولُونَ مَا شَاءُوا، فَنُسِبُوا إِلَى التَّرَفُّضِ وَالتَّشَيُّعِ، فَلَمْ نَرَ لِمَذْهَبِنَا أَمْرًا أَلْطَفَ مِنَ انْتِحَالِ حُبِّ هَذَا الرَّجُلِ، ثُمَّ نَقُولُ مَا شِئْنَا، وَنَعْتَقِدُ مَا شِئْنَا، وَنَقَعُ بِمَنْ شِئْنَا، فَلَأَنْ يُقَالَ لَنَا: رَافِضَةٌ أَوْ شِيعَةٌ، أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ يُقَالَ: زَنَادِقَةٌ كُفَّارٌ، وَمَا عَلِيُّ عِنْدَنَا أَحْسَنَ حَالًا مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ نَقَعُ بِهِمْ 383 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَصَدَقَ هَذَا الرَّجُلُ فِيمَا عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يُرَاوِغْ، وَقَدِ اسْتَبَانَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ كُبَرَائِهِمْ وَبُصَرَائِهِمْ، أَنَّهُمْ يَسْتَتِرُونَ بِالتَّشَيُّعِ، يَجْعَلُونَهُ تَثْبِيتًا لِكَلَامِهِمْ وَخَبْطِهِمْ، وَسُلَّمًا وَذَرِيعَةً لِاصْطِيَادِ الضُّعَفَاءِ وَأَهْلِ الْغَفْلَةِ، ثُمَّ يَبْذُرُونَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ خَبْطِهِمْ بَذْرَ كُفْرِهِمْ وَزَنْدَقَتِهِمْ لِيَكُونَ أَنْجَعَ فِي قُلُوبِ الْجُهَّالِ وَأَبْلَغَ فِيهِمْ، وَلَئِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَهْلِ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِهِمْ، إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْهُمْ لَعَلَى يَقِينٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

باب قتل الزنادقة والجهمية، واستتابتهم من كفرهم

§بَابُ قَتْلِ الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَاسْتِتَابَتِهِمْ مِنْ كُفْرِهِمْ

384 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، أَنَّ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ §قَتَلَ زَنَادِقَةً ثُمَّ أَحْرَقَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

385 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِقَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَوُ كُنْتُ لَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمَا حَرَّقْتُهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَقَالَ: «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَزَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: قَالَ: فَبَلَغَ عَلِيًّا مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الْفَضْلِ، إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الْهَنَاتِ -[209]- 386 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَالْجَهْمِيَّةُ عِنْدَنَا زَنَادِقَةٌ مِنْ أَخْبَثِ الزَّنَادِقَةِ، نَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا مِنْ كُفْرِهِمْ، فَإِنْ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ تُرِكُوا، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرُوهَا تُرِكُوا، وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ شُهُودٌ فَأَنْكَرُوا وَلَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا، كَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَنَّ فِي الزَّنَادِقَةِ

حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَنْبَأَ هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِقَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ فَأَنْكَرُوا، فَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْبَيِّنَةُ فَقَتَلَهُمْ، وَقَالَ: " §هَذَا قَدِ اسْتَتَبْتُهُ فَاعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ

387 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِوَاسِطٍ يَوْمَ الْأَضْحَى، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ارْجِعُوا فَضَحُّوا، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، §فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ؛ إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ عُلُوًّا كَبِيرًا، ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ

389 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ الْمَكْفُوفُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ، ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَ: §أُتِيَ -[210]- خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِرَجُلٍ قَدْ عَارَضَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 2] . وَقُلْتُ أَنَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْجَمَاهِرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَجَاهِرْ، وَلَا تُطِعْ كُلَّ سَافِهٍ وَكَافِرٍ. فَضَرَبَ خَالِدٌ عُنُقَهُ وَصَلَبَهُ، فَمَرَّ بِهِ خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ وَهُوَ مَصْلُوبٌ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى خَشَبَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْعَمُودَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ عَلَى عُودٍ، فَأَنَا ضَامِنٌ لَكَ أَنْ لَا تَعُودَ

390 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: §مَا تَقُولُ فِي الزَّنَادِقَةِ، تَرَى أَنْ نَسْتَتِيبَهُمْ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَبِمَ تَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَانَ عَلَيْنَا وَالٍ بِالْمَدِينَةِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلًا وَلَمْ يَسْتَتِبْهُ، فَسَقَطَ فِي يَدِهِ، فَبَعَثَ إِلَى أَبِي، فَقَالَ لَهُ أَبِي: لَا يَهْدِيَنَّكَ؛ فَإِنَّهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 84] قَالَ: السَّيْفُ {قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] . قَالَ: السَّيْفُ، فَقَالَ: سُنَّتُهُ الْقَتْلُ

391 - وَسَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ أَبَا تَوْبَةَ الْحَلَبِيَّ، يَقُولُ: نَاظَرْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَتْلِ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ، فَقَالَ: §يُسْتَتَابُونَ -[211]-، فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا خُطَبَاؤُهُمْ فَلَا يُسْتَتَابُونَ، وَتُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ

392 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَى حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ، مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهَا، فَإِنَّ أُولَئِكَ يُقْتَلُونَ وَلَا يُسْتَتَابُونَ، لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ وَيُعْلِنُونَ بِالْإِسْلَامِ، فَلَا أُرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلَاءِ، وَلَا يُقْبَلَ قَوْلُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا عَلَى ذَلِكَ، رَأَيْتُ أَنْ يُدْعَوْا إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا قُتِلُوا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَعْنِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَلَا مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا نُرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 393 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَأَيُّ كُفْرٍ أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ قَوْمٍ رَأَى فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ مِثْلُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ وَلَا يُسْتَتَابُونَ؛ إِعْظَامًا لِكُفْرِهِمْ، وَالْمُرْتَدُّ عِنْدَهُمْ يُسْتَتَابُ وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ، فَكَانَتِ الزَّنْدَقَةُ أَكْبَرَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الِارْتِدَادِ وَمِنْ كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى

وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «§لَأَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ» -[212]- 394 - حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَغْدَادِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ 395 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَصَدَقَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، إِنَّ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا هُوَ أَوْحَشُ مِنْ كَلَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَلِذَلِكَ رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْتَلُوا وَلَا يُسْتَتَابُوا، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو تَوْبَةَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَمَّا خُطَبَاؤُهُمْ فَلَا يُسْتَتَابُونَ، وَتُضَرَبُ أَعْنَاقُهُمْ؛ لِأَنَّ الْخُطَبَاءَ اعْتَقَدُوا دِينًا فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى بَصَرٍ مِنْهُمْ بِسُوءِ مَذَاهِبِهِمْ، وَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ تَعَوُّذًا وَجُنَّةً مِنَ الْقَتْلِ، وَلَا تَكَادُ تَرَى الْبَصِيرَ مِنْهُمْ بِمَذْهَبِهِ يَرْجِعُ عَنْ رَأْيِهِ. 396 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَذَهَبْتُ يَوْمًا أَحْكِي لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ لِأَسْتَخْرِجَ مِنْهُ نَقْضًا عَلَيْهِمْ، وَفِي مَجْلِسِهِ يَوْمَئِذٍ الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْبِسْطَامِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الْقَاضِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَأَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، فِيمَا أَحْسِبُ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمَشَايِخِ، فَزَبَرَنِي بِغَضَبٍ وَقَالَ: اسْكُتْ، وَأَنْكَرَ عَلَيَّ الْمَشَايِخُ الَّذِينَ فِي مَجْلِسِهِ اسْتِعْظَامًا أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ، وَتَشْنِيعًا عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَحْكِي عَنْهُمْ دِيَانَةً ثُمَّ قَالَ لِي يَحْيَى: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، مَنْ شَكَّ فِيهِ أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ

397 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْبُوَيْطِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي الزِّنْدِيقِ قَالَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِذَا رَجَعَ، وَلَا يُقْتَلُ، وَاحْتَجَّ فِيهِمْ بِ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] الْآيَةِ. فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَدَعَ قَتْلَهُمْ لِمَا يُظْهِرُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ إِذَا -[213]- أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُسْلِمًا، وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مُبَدِّلٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§أَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟» 398 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنَا أَقُولُ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْ تُقْبَلَ عَلَانِيَتُهُمْ إِذَا اتَّخَذُوهَا جُنَّةً لَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ، أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا أَسَرُّوا، فَلَا يُقَتَّلُوا، كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِمْ، وَالزِّنْدِيقُ عِنْدَنَا شَرٌّ مِنَ الْمُنَافِقِ، فَلَرُبَّمَا كَانَ الْمُنَافِقُ جَاحِدًا بِالرَّسُولِ وَالْإِسْلَامِ، مُقِرًّا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُثْبِتًا لِرُبُوبِيَّتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَالزِّنْدِيقُ مُعَطِّلٌ لِلَّهِ، جَاحِدٌ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ. وَمَا يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ زَنَادِقَةٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ، وَأَيُّ زَنْدَقَةٍ بِأَظْهَرَ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ فِي الظَّاهِرِ، وَفِي الْبَاطِنِ يُضَاهِي قَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الَّذِينَ رَدُّوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 7] . وَ {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25] . وَ {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] . كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ سَوَاءٌ: إِنْ هَذَا إِلَّا مَخْلُوقٌ. وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَئِمَّةُ سَوْءٍ أَقْدَمُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَهُمْ عَادٌ قَوْمُ هُودٍ، الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ، إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 137] . فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَهْمِيَّةِ وَبَيْنَهُمْ حَتَّى نَجْبُنَ عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ؟ 399 - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا حُجَّةٌ فِي قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ إِلَّا قَوْلَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَأَبِي تَوْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَنُظَرَائِهِمْ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، لَجَبَنَّا عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ بِقَوْلِ -[214]- هَؤُلَاءِ، حَتَّى نَسْتَبْرِئَ ذَلِكَ عَمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَقْدَمُ، وَلَكِنَّا نُكَفِّرُهُمْ بِمَا تَأَوَّلْنَا فِيهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُوِّينَا فِيهِمْ مِنَ السُّنَّةِ، وَبِمَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ الْوَاضِحِ الْمَشْهُورِ، الَّذِي يَعْقِلُهُ أَكْثَرُ الْعَوَّامِّ، وَبِمَا ضَاهَوْا مُشْرِكِي الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ بِقَوْلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ، فَضْلًا عَلَى مَا رَدُّوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ تَعْطِيلِ صِفَاتِهِ، وَإِنْكَارِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَمَعْرِفَةِ مَكَانِهِ، وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ بِتَأْوِيلِ ضُلَّالٍ، بِهِ هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَهُمْ، وَأَبَّدَ سَوْءَتَهُمْ، وَعَبَّرَ عَنْ ضَمَائِرِهِمْ، كُلَّمَا أَرَادُوا بِهِ احْتِجَاجًا ازْدَادَتْ مَذَاهِبُهُمُ اعْوِجَاجًا، وَازْدَادَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِمُخَالَفَتِهِمُ ابْتِهَاجًا، وَلِمَا يُخْفُونَ مِنْ خَفَايَا زَنْدَقَتِهِمُ اسْتِخْرَاجًا

§1/1