الربا

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬3). أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. لا شك أن موضوع الربا، وأضراره، وآثاره الخطيرة جدير بالعناية، ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه؛ ليبتعد عنه؛ لأن من ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 102. (¬2) سورة النساء، الآية: 1. (¬3) سورة الأحزاب، الآيتان: 70 - 71.

تعامل بالربا فهو محارب لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم -. ولأهمية هذا الموضوع جمعت لنفسي، ولمن أراد من القاصرين مثلي الأدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا، وبيّنت أضراره، وآثاره على الفرد والمجتمع. وقد قسمت البحث إلى: مقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة على النحو الآتي: الباب الأول: الربا قبل الإسلام، واشتمل على فصول: الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعاً. الفصل الثاني: الربا عند اليهود. الفصل الثالث: الربا في الجاهلية. الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا، وشمل ما يأتي: الفصل الأول: التحذير من الربا. الفصل الثاني: ربا الفضل. أولاً: تعريفه. ثانياً: بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص. ثالثاً: حكمه وسائر أنواع الربا. رابعاً: أسباب تحريم الربا وحِكَمُهُ. الفصل الثالث: ربا النسيئة. أولاً: تعريفه.

ثانياً: بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص. الفصل الرابع: بيع العينة. أولاً: تعريف بيع العينة. ثانياً: حكمه وبعض ما ورد من النصوص في ذَمِّهِ. الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة: الفصل الأول: جواز التفاضل في غير المكيل والموزون، وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة. الفصل الثاني: الصرف وأحكامه. الفصل الثالث: الحثّ على الابتعاد عن الشبهات. الباب الرابع: فتاوى في مسائل من الربا المعاصر. الباب الخامس: مضار الربا، ومفاسده، وآثاره. الخاتمة: وفيها أهم النتائج. والله أسألُ أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله حجة لي لا حجة عليَّ، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف حرر في عام 1405هـ

الباب الأول: الربا قبل الإسلام

الباب الأول: الربا قبل الإسلام الفصل الأول: تعريف الربا لغة وشرعاً أولاً: تعريف الربا في اللغة: الربا في اللغة: هو الزيادة، قال الله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (¬1). وقال تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} (¬2)، أي أكثر عدداً يقال: ((أربى فلان على فلان، إذا زاد عليه)) (¬3). وأصل الربا الزيادة، إما في نفس الشيء، وإما مقابله كدرهم بدرهمين، ويطلق الربا على كل بيعٍ محرم أيضاً (¬4). ثانياً: تعريف الربا شرعاً: الربا في الشرع: هو الزيادة في أشياء مخصوصة، والزيادة على الدَّيْن مُقَابل الأجل مطلقاً. وقيل: هو الزيادة في بيع شيئين يجري فيهما الربا (¬5). وهو يطلق على شيئين: يطلق على ربا الفضل، وربا النسيئة (¬6). ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 5. (¬2) سورة النحل، الآية: 92. (¬3) انظر: لسان العرب، لابن منظور، 14/ 304، والنهاية لابن الأثير، 2/ 191، والمغني لابن قدامة، 6/ 51. (¬4) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 8، وفتح الباري لابن حجر، 4/ 312. (¬5) الشرح الممتع لابن عثيمين، 8/ 387. (¬6) انظر: المغني لابن قدامة، 6/ 52، وفتح القدير للشوكاني، 1/ 294، والربا والمعاملات المصرفية، لعمر المترك، ص 43.

الفصل الثاني: الربا عند اليهود

الفصل الثاني: الربا عند اليهود لا شك أن اليهود لهم حيل، وأباطيل كثيرة كانوا يحتالون بها، ويخادعون بها أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام، ومن تلك الحيل الباطلة احتيالهم لأكل الربا وقد نهاهم الله عنه، وحرَّمه عليهم. قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (¬1). قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: ((إن الله قد نهاهم – أي اليهود – عن الربا، فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل)) (¬2). وقد صرف اليهود النص المُحَرِّمَ للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود، أما معاملة اليهودي لغير اليهودي بالربا، فجعلوه جائزاً لا بأس به. يقول أحد ربانييهم واسمه راب: ((عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل جهة، ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش، حتى يرهقه، ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلَّ عن أملاكه، أو حتى يضاهي المال مع الفائدة أملاك النصراني، وعندئذ يقوم اليهودي ¬

(¬1) سورة النساء، الآيتان: 160 - 161. (¬2) تفسير ابن كثير، 1/ 584.

على مدينه – غريمه – وبمعاونة الحاكم يستولي على أملاكه)) (¬1)، فاتّضح من كلام الله تعالى أن الله قد حرّم الربا في التوراة على اليهود، فخالفوا أمر الله، واحتالوا، وحرَّفوا، وبدَّلوا، واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط، أما مع غيرهم فلا يكون ذلك محرماً في زعمهم الباطل؛ ولذلك ذمّهم الله في كتابه العزيز كما بيّنت ذلك آنفاً. ¬

(¬1) الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور عمر بن سليمان الأشقر، ص31.

الفصل الثالث: الربا في الجاهلية

الفصل الثالث: الربا في الجاهلية لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً، وقد عدّوه من الأرباح العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم بالأموال الطائلة، فقد روى الإمام الطبري – رحمه الله – بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال: ((كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدَّين فيقول: لك كذا وكذا، وتؤخر عني فيؤخر عنه)) (¬1). وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدَّين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تُربِي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّر له الأجل إلى حين. وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً، وفي السِّنِّ كذلك، فإذا كان للرجل فضل دَين على آخر فإنه يأتيه إذا حلّ الأجل، فيقول له: تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضاه، وإلا حوّله إلى السّنِّ التي فوق سنِّه من تلك الأنعام التي هي دَين عليه، فإن كان عليه بنت مخاض، جعلها بنت لبون في السنة الثانية، فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضاء، جعلها حِقّة في السنة الثالثة، ثم يأتيه في نهاية الأجل فيجعلها جذعة، ثم رباعيّاً، وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة. وفي الأثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه أيضاً، فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل ¬

(¬1) جامع البيان في تفسير آي القرآن، للطبري، 3/ 67.

مائتين، فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه (¬1)، فهذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬2). فالربا في الجاهلية كان يُعدّ – كما ذكرت آنفاً – من الأرباح التي يحصل عليها ربّ المال، ولا يهمه ضرر أخيه الإنسان سواء ربح، أم خسر أصابه الفقر، أم غير ذلك؟ المهم أنه يحصل على المال الطائل، ولو أدّى ذلك إلى إهلاك الآخرين، وما ذلك إلا لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلاقهم، وتغيّر فطرهم التي فطرهم الله عليها، فهم في مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى، والرذائل، وعدم احترام الآخرين، فالصغير لا يوقّر الكبير، والغني لا يعطف على الفقير، والكبير لا يرحم الصغير، فالقوم في سكرتهم يعمهون، ومما يؤسف له أن الربا لم يقتصر على عصر الجاهلية الأولى فحسب، بل إنه انتشر في المجتمعات التي تدِّعي الإسلام، وتدَّعي تطبيق أحكام الله تعالى في أرض الله ... ! فيجب على كل مسلم أن يُطبِّق أوامر الله ويُنَفِّذ أحكامه، أما من تعامل بالربا ممن يدّعي الإسلام، فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونُحَذِّرُهُ من هذا الْجُرْمِ الكبير: إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) انظر: جامع البيان في تفسير آي القرآن، 4/ 59، وفتح القدير للشوكاني، 1/ 294، وموطأ الإمام مالك، 2/ 672، وشرحه للزرقاني، 3/ 324. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 130.

الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا

الباب الثاني: موقف الإسلام من الربا الفصل الأول: التحذير من الربا لقد ورد في التحذير من الربا نصوص كثيرة من نصوص الكتاب والسنة؛ وبما أن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هما المصدران الصافيان، فمن أخذ بهما واتبع ما جاء فيهما، فقد فاز وأفلح، ومن أعرض عنهما فإن له معيشة ضنكاً، وسيحشر يوم القيامة أعمى، ونسمع بعض ما ورد في شأن الربا من نصوص الكتاب والسنة، والله المستعان، وعليه التكلان. 1 - قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬1). 2 - وقال - سبحانه وتعالى -: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (¬2). 3 - وقال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (¬3). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 275. (¬2) سورة البقرة، الآية: 276. (¬3) سورة البقرة، الآيتان: 278 - 279.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((هذه آخر آية نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). 4 - وقال - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬2). 5 - وقال - سبحانه وتعالى - في شأن اليهود حينما نهاهم عن الربا وحرمه عليهم، فسلكوا طريق الحيل لإبطال ما أمرهم به، قال سبحانه في ذلك: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (¬3). 6 - وقال - عز وجل -: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬4). 7 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه))، وقال: ((هم سواء)) (¬5). 8 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مُقَدَّسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فَرُدَّ حيث كان فجعل ¬

(¬1) البخاري، قبل الحديث رقم 2086، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 4/ 314. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 130. (¬3) سورة النساء، الآية: 161. (¬4) سورة الروم، الآية: 39. (¬5) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب لعن آكل الربا ومؤكله، برقم 1597.

كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا)) (¬1). 9 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم اللَّهُ إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) (¬2). 10 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قِلَّة)) (¬3). 11 - وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع يقول: ((ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلّغت؟ قالوا: نعم، ثلاث ¬

(¬1) البخاري، كتاب البيوع، باب موكل الر با، برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 4/ 313. (¬2) البخاري، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10]، برقم 2765، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، برقم 89. (¬3) سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا، برقم 2279، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 5/ 120، وفي صحيح ابن ماجه، طبعة مكتبة المعارف، 2/ 241.

مرات. قال: اللهم اشهد ثلاث مرّات)) (¬1). ففي هذا الحديث أن ما أدركه الإسلام من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بالرّدّ والتّنكير، وأنّ الكافر إذا أربى في كفره ثم لم يقبض المال حتى أسلم، فإنه يأخذ رأس ماله، ويضع الربا، فأما ما كان قد مضى من أحكامهم، فإن الإسلام يلقاه بالعفو فلا يتعرض لهم فيما مضى، وقد عفا الله عن الماضي، فالإسلام يَجبّ ما قبله من الذنوب (¬2). 12 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليأتينّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِنَ الحلال أم مِنَ الحرام)) (¬3)، أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا تحذيراً من فتنة المال، فهو من بعض دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذّمّ من جهة التّسوية بين الأمرين، وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من حيث هو، والله أعلم (¬4). 13 - وعن أبي جحيفة عن أبيه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب، وَكَسْبِ الأَمَةِ، ولعن الواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا، وموكله، ولعن المصوِّر)) (¬5). ¬

(¬1) سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في وضع الربا، برقم 3334، وقال الألباني في صحيح أبي داود، برقم 2852: ((صحيح)). (¬2) انظر: عون المعبود بشرح سنن أبي داود، 9/ 183. (¬3) البخاري، كتاب البيوع، باب من لم يبال من حيث كسب المال، برقم 2059، و2083. (¬4) انظر: الفتح، 4/ 297. (¬5) البخاري، كتاب البيوع، باب ثمن الكلب، برقم 2237

14 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أُمَّهُ، وإنَّ أربى الربا عرض الرجل المسلم)) (¬1). 15 - ورُوِيَ عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنية)) (¬2). 16 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تُشْتَرى الثمرة حتى تُطْعَم، وقال: ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك، 2/ 37، وقال: ((حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبي، وقال شعيب الأرنؤوط: ((صححه الحافظ العراقي))، انظر: حاشية: 8/ 55 من شرح السنة للبغوي، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرنؤوط، وأخرج نصفه الأول ابن ماجه عن أبي هريرة، برقم 2274، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 27، وانظر: كلام العلامة ابن باز في هذا الكتاب، ص 77، حاشية رقم (1). (¬2) أخرجه أحمد، 5/ 225، برقم 22303، قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: ((وهذا سند صحيح على شرط الشيخين))، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/ 29، برقم 1033، وقال شعيب في حاشية شرح السنة للبغوي: ((صحيح الإسناد))، 2/ 55، وهذا إسناد أحمد، حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير – يعني ابن حازم – عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله ... الحديث. (¬3) أخرجه الطبراني، 1/ 178، برقم 460، والحاكم، 2/ 37، برقم 2261، وقال: ((صحيح الإسناد))، والبيهقي في شعب الإيمان، 4/ 363، برقم 5416، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 1859.

الفصل الثاني: ربا الفضل

الفصل الثاني: ربا الفضل أولاً: تعريف ربا الفضل: هو الزيادة في مبادلة مال ربوي بمال ربويٍّ من جنسه (¬1). ثانياً: بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص: 1 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل، ولا تَشفوا بعضها على بعض (¬2)، ولا تبيعوا الوَرِق بالورِق إلا مِثْلاً بِمِثْلٍ، ولا تَشفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) (¬3)، والمراد بالناجز الحاضر، وبالغائب المؤجّل. 2 - وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدّرهم بالدّرهمين)) (¬4). 3 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 6/ 53، ومجموع فتاوى ابن باز، 19/ 245، 30/ 304، والربا والمعاملات المصرفية، لعمر المترك، ص 55. (¬2) أي لا تفضلوا بعضها على بعض، والشف الزيادة، ويطلق أيضاً على النقصان فهو من الأضداد. من تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم، 3/ 1208. (¬3) البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الفضة بالفضة، برقم 2177، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 1584. (¬4) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا، برقم 1585.

والمعطي فيه سواء)) (¬1). 4ـ وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد)) (¬2). 5 - وعن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح، فقال: بِعْهُ ثم اشترِ به شعيراً، فذهب الغلام فأخذ صاعاً وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمراً أخبره بذلك، فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فردَّه ولا تأخذنَّ إلا مثلاً بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الطعام بالطعام مثلاً بمثل))، قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير، قيل له: فإنه ليس بمثله، قال: إني أخاف أن يضارع (¬3) (¬4). واحتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفاً واحداً لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، أما مذهب الجمهور فهو خلاف ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى؛ فإن الجمهور على أن الحنطة ¬

(¬1) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا، برقم 1584. (¬2) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 1587، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في الصرف، رقم 3349، و3350، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الصرف وما لا يجوز، رقم 2254. (¬3) يضارع: المُضَارعةُ: المُشَابهةُ، والمُقَاربةُ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (ضرع)، 3/ 175. (¬4) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلاً بمثل، برقم 1592.

صنف، والشعير صنف آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد، كالحنطة مع الأرز، ومن أدلة الجمهور قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) (¬1). 6ـ وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر يداً بيد، وأما نسيئة فلا)) (¬2)، وأما حديث معمر السابق فلا حجة فيه كما قال ذلك الإمام النووي رحمه الله؛ لأنه لم يُصرِّح بأن البر والشعير جنس واحد، وإنما خاف من ذلك فتورّع عنه احتياطاً (¬3). وعلى هذا فلا إشكال في ذلك والحمد لله، فيكون الشعير جنساً مستقلاً، والبر جنساً آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد، والقبض قبل التفرق. 7 - وعن سعيد بن المسيب رحمه الله أن أبا هريرة، وأبا سعيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حدثاه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب (¬4)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أكلّ تمر خيبر هكذا؟)) ¬

(¬1) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 1587، وانظر: شرح النووي، 11/ 14. (¬2) سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في الصرف، برقم 3349، وقال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 2864: ((صحيح))، وانظر: عون المعبود، 3/ 198. (¬3) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 20. (¬4) الجَنِيبُ: نوع جيِّد معروف من أنواع التَّمْر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (جنب)، 1/ 819.

قال: لا والله يا رسول الله، إنَّا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع (¬1)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تفعلوا، ولكن مثلاً بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان)) (¬2). 8 - وعن أبي سعيد قال: جاء بلال بتمر برني فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أين هذا))؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء بعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك ((أوّه (¬3)، عين الربا (¬4)، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبعه ببيع آخر، ثم اشترِ به)) (¬5). 9ـ وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كنا نُرْزَق تمر الجمع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الخلط (¬6) من التمر، فَكُنَّا نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا صاعي تمر بصاع، ولا صاعي حنطة بصاع، ولا درهم بدرهمين)) (¬7). 10 - عن فضالة بن عبيد الله الأنصاري - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها خرز، وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) الجَمْع: الدَّقَلُ، ... قال الأَصمعي: كلّ لون من النخل لا يعرف اسمه فهو جَمع ... وقيل: الجمع تمر مختلط من أَنواع متفرقة، وليس مرغوباً فيه، وما يُخْلَطُ إِلا لرداءته. لسان العرب، مادة (جمع)، 8/ 53. (¬2) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلاً بمثل، برقم 1593. (¬3) أوَّه: كلمة يقولها الرجل عند الشّكاية والتّوجع. النهاية لابن الأثير، 1/ 195. (¬4) عَيْنُ الرِّبَا: أي: ذَاتُه ونَفْسُه. النهاية لابن الأثير، 3/ 625. (¬5) البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الطعام إلى أجل، برقم 2201، و2202، ومسلم، واللفظ له، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلاً بمثل، برقم 1594. (¬6) الخلط: أي المجموع من أنواع مختلفة، وإنما خلط لرداءته، انظر: لسان العرب، 8/ 53. (¬7) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلاً بمثل، برقم 1595.

بالذهب الذي في القلادة فنُزِعَ وحده، ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن)) (¬1). 11 - وعن فضالة أيضاً قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصلتها (¬2)، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا تباع حتى تُفْصَل)) (¬3). ففي هذا الحديث أنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يُفْصَل، فيباع الذهب بوزنه ذهباً، ويباع الآخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة لا تباع مع غيرها بحنطة، والملح مع غيره بملح، وكذا سائر الربويات بل لا بد من فصلها، وهذه المسألة المشهورة والمعروفة بمسألة ((مُدُّ عَجْوَة))، وصورتها باع مدّ عجوة ودرهماً بمدَّي عجوة أو بدرهمين لا يجوز؛ لهذا الحديث، وهذا منقول عن عمر بن الخطاب وابنه رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل (¬4). ¬

(¬1) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، برقم 1591، وانظر: شرح النووي، 11/ 17. (¬2) ففصَّلتها: ميّزت ذهبها وخرزها؛ لأن ((الفَصْل: الحاجِز بين الشيئين، فَصَل بينهما يفصِل فَصْلاً فانفصَل، وفَصَلْت الشيء فانفَصَل أَي قطعته)). لسان العرب، مادة (فصل)، 11/ 521. (¬3) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، برقم 1591، وانظر: شرح النووي، 11/ 18. (¬4) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 17.

ثالثا: حكم الربا:

ثالثاً: حكم الربا: قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة، وإن اختلفوا في ضابطه وتعاريفه)) (¬1)، ونص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تحريم الربا في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح. قال أهل الظاهر: لا ربا في غير هذه الستة، بناء على أصلهم في نفي القياس. وقال جميع العلماء سواهم: لا يختص بالستة، بل يتعدّى إلى ما في معناها، وهو ما يشاركها في العلَّة. واختلفوا في العلَّة التي هي سبب تحريم الربا في الستة: فقال الشافعية: العلة في الذهب، والفضة: كونهما جنس الأثمان، فلا يتعدَّى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات، وغيرها؛ لعدم المشاركة، والعلَّة في الأربعة الباقية: كونها مطعومة فيتعدَّى الربا منها إلى كل مطعوم. ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة. أما في الأربعة الباقية فقال: العلَّة فيها: كونها تُدَّخَر للقوت وتصلح له. وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: فهو أن العلَّة في الذهب والفضة الوزن، وفي الأربعة الكيل، فيتعدَّى إلى كل موزون ... وإلى كل مكيل. ومذهب أحمد، والشافعي في القديم، وسعيد بن المسيب: أن العلَّة في ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 9، وانظر: المغني لابن قدامة، 6/ 54 - 58 ..

الأربعة كونها مطعومة موزونة، أو مكيلة، بشرط الأمرين (¬1). قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((اتفق جمهور الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة على أنه لا يباع الذهب، والفضة، والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، بجنسه إلا مثلاً بمثل، إذ الزيادة على المثل أكلٌ للمال بالباطل)) (¬2). وأجمع العلماء كذلك على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مُؤجَّل، وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً: كالذهب بالذهب، وأجمعوا على أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه: كالذهب بالذهب، أو التمر بالتمر - أو بغير جنسه مما يشاركه في العلَّة، كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير (¬3)، وقال الإمام ابن قدامة - رحمه الله - في حكم الربا: ((وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع)) (¬4). والحاصل مما تقدم أن العلة في جريان الربا في الذهب والفضة: هو مطلق الثمنية، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬5)، فيلحق بالذهب والفضة ما كان في معناهما، ويكون ثمناً للأشياء. ¬

(¬1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 9. (¬2) فتاوى ابن تيمية، 20/ 347، وانظر: الشرح الكبير، 12/ 11، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، 12/ 11، وشرح الزركشي، 3/ 414. (¬3) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 9. (¬4) المغني، 6/ 51. (¬5) انظر: المغني لابن قدامة، 6/ 56، ومجموعة فتاوى شيخ الإسلام، 29/ 471، وانظر للفائدة: الشرح الممتع، 8/ 390، والربا والمعاملات المصرفية، ص 111.

رابعا: أسباب تحريم الربا وحكمه:

أما الأربعة الباقية فكل ما اجتمع فيه الكيل، أو الوزن، والطعم من جنس واحد ففيه الربا، مثل: البر، والشعير، والذرة، والأرز، والدخن، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (¬1). وأما ما انعدم فيه الكيل، والوزن، والطعم واختلف جنسه فلا ربا فيه، وهو قول أكثر أهل العلم، مثل: القت، والنوى (¬2). رابعاً: أسباب تحريم الربا وحِكَمَهُ: لا يشك المسلم في أَنَّ الله - عز وجل - لا يأمر بأمر ولا ينهى عن شيء، إلا وله فيه حكمة عظيمة، فإن عَلِمْنا بالحكمة، فهذا زيادة علم ولله الحمد، وإذا لم نعلم بتلك الحكمة، فليس علينا جناح في ذلك، إنما الذي يُطلب منَّا هو أن نُنَفِّذْ ما أمر الله به، وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. ومن هذه الأسباب ما يأتي: 1 - الربا ظلم، والله حرم الظلم. 2 - قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة. 3 - الربا فيه غبن. 4 - المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع. 5 - الربا مضاد لمنهج الله تعالى (¬3). ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 6/ 56، والأخبار العلمية في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، ص 188، وانظر للفائدة: الشرح الممتع، 8/ 389، والربا والمعاملات المصرفية، ص 111، وص 123. (¬2) انظر: المغني لابن قدامة، 6/ 58، ونيل الأوطار للشوكاني، 6/ 346 - 358. (¬3) الربا وأثره على المجتمع الإنساني للدكتور/ عمر بن سليمان الأشقر، ص93.

الفصل الثالث: ربا النسيئة

الفصل الثالث: ربا النسيئة أولاً: تعريف ربا النسيئة: هو تأخير القبض في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل (¬1). وقيل: ربا النسيئة: هو بيع الربوي بجنسه نسيئة (¬2). والأقرب - والله أعلم - أن يقال: هو تأخير القبض في بيع الربوي بالربوي، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه إذا اتفقا في العلة. وربا النسيئة: هو الذي كان مشهوراً في الجاهلية؛ لأن الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل، على أن يأخذ منه كل شهر قدراً معيناً، ورأس المال باق بحاله، فإذا حلّ طالبه برأس ماله، فإن تعذر عليه الأداء زاد في الحق والأجل، وتسمية هذا نسيئة مع أنه يصدق عليه ربا الفضل؛ لأن النسيئة هي المقصودة منه بالذات. وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يُحرِّمُ إلا ربا النسيئة محتجّاً بأنه المتعارف بينهم (¬3). وسيأتي ذكر أدلّة رجوعه عن قوله - رضي الله عنه - قريباً، وانضمامه إلى الصحابة في تحريم ربا الفضل، وربا النسيئة جميعاً، فلا إشكال في ذلك، ولله الحمد ¬

(¬1) المقنع، 2/ 73، والمغني لابن قدامة، 6/ 63، والشرح الممتع، 8/ 427، والربا والمعاملات المصرفية، ص 137. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 30/ 305. (¬3) انظر: تفسير المنار، 4/ 124.

ثانيا: بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص:

والمنة. ثانياً: بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص: لا شك أن ربا النسيئة لا خلاف في تحريمه بين الأمة جمعاء، إنما الخلاف في ربا الفضل بين الصحابة وابن عباس وذكر عن ابن عمر أيضاً - رضي الله عنهم - أجمعين، وقد ثبت عن ابن عباس أنه رجع عن قوله، وانضمّ إلى الصحابة في القول بتحريم ربا الفضل. أما بالنسبة لربا النسيئة، فتحريمه ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع: عن أبي صالح قال: سمعت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - يقول: ((الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى))، فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا، فقال: لقد لقيت ابن عباس فقلت له: أرأيت هذا الذي تقول، أشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو وجدته في كتاب الله - عز وجل -؟ فقال: لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم أجده في كتاب الله، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الربا في النسيئة)) (¬1). وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا إنما الربا في النسيئة)) (¬2). ¬

(¬1) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، برقم 1596، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 25. (¬2) البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الدينار بالدينار نساء، برقم 2178، و2179، ولفظ البخاري: ((لا ربا إلا في النسيئة))، وانظر الفتح، 4/ 381، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلاً بمثل، برقم 1596.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((كان معتمد ابن عباس، وابن عمر حديث أسامة بن زيد: ((إنما الربا في النسيئة))، ثم رجع ابن عمر، وابن عباس عن ذلك، وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلاً حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً، وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدلّ على أن ابن عمر، وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة، فلما بلغهما رجعا إليه. وأما حديث أسامة: ((لا ربا إلا في النسيئة)) فقال قائلون: ((بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه)) (¬1). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ((اتفق العلماء على صحة حديث أسامة، واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد، فقيل: منسوخ، لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وقيل: المعنى في قوله: ((لا ربا)) الربا الأغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل، لا نفي الأصل، وأيضاً نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم، فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛ لأن دلالته بالمنطوق، ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر كما ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 25.

تقدّم، والله أعلم)) (¬1). فاتّضح مما تقدّم تحريم: ربا الفضل، وربا النسيئة، فلا إشكال في ذلك، ولله الحمد. ¬

(¬1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 4/ 382.

الفصل الرابع: بيع العينة

الفصل الرابع: بيع العينة أولاً: تعريف العينة: العينة: هي أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويُسلِّمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر (¬1). قلت: ومثال ذلك: أن يبيع شخص سلعة على شخص آخر بمبلغ مائة ريال مؤجلة لمدة سنة، ثم في نفس الوقت يشتري البائع سلعته من المشتري بمبلغ خمسين ريالاً نقداً، وتبقى المائة في ذمة المشتري الأول! ثانياً: بعض ما ورد في ذلك من النصوص: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذُلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) (¬2)، وللحديث روايات أخرى (¬3). وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة جمع من العلماء، منهم: الإمام مالك بن أنس، والإمام أبو حنيفة، والإمام أحمد، والهادوية، وبعض ¬

(¬1) انظر: عون المعبود، 9/ 336. (¬2) أبو داود، كتاب الإجارة، باب في النهي عن العينة، برقم 3462، وانظر: عون المعبود، 9/ 335، وقال الشيخ ناصر الدين الألباني إنه صحيح لمجموع طرقه، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 15، برقم 11. (¬3) انظر: مسند الإمام أحمد، 2/ 84، برقم 5562.

الشافعية. قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: ((ومن المعلوم أن العينة عند من يستعملها إنما يسميها بيعاً، وقد اتفقا – أي البائع والمشتري – على حقيقة الربا الصريح قبل العقد، ثم غيّر اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة، إنما هو حيلة ومكر، وخديعة لله، فمن أسهل الحيل على من أراد فعله: أن يعطيه مثلاً: ألفاً إلا درهماً باسم القرض، ويبيعه خرقة تساوي درهماً بخمسمائة درهم. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬1) أصل في إبطال الحيل، فإن من أراد أن يعامله معاملة يعطيه فيها ألفاً بألف وخمسمائة، إنما نوى بالإقراض تحصيل الربح الزائد الذي أظهر أنه ثمن الثوب، فهو في الحقيقة أعطاه ألفاً حالة بألف وخمسمائة مؤجلة، وجعل صورة القرض وصورة البيع محللاً لهذا المحرم، ومعلوم أن هذا لا يرفع التحريم، ولا يرفع المفسدة التي حُرِّم الربا لأجلها بل يزيدها قوة، وتأكيداً من وجوه، منها: أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج من جهة السلطان والحكام إقداماً لا يفعله المربي؛ لأنه واثق بصورة العقد الذي تحيّل به)) (¬2). ¬

(¬1) البخاري، كتاب باب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، برقم 1، ومسلم، كتب الإمارة، باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم، برقم 1907. (¬2) نيل الأوطار، 6/ 363.

الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل، والنسيئة

الباب الثالث: ما يجوز فيه التفاضل، والنسيئة الفصل الأول: ما يجوز فيه التفاضل والنساء أولاً: جواز التفاضل إذا انتفت العلة: قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((أجمع العلماء على جواز بيع ربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلاً، ومؤجلاً؛ وذلك كبيع الذهب بالحنطة، وبيع الفضة بالشعير، وغيره من المكيل. وأجمعوا كذلك على أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يداً بيد، كصاع حنطة بصاعي شعير، ولا خلاف بين العلماء في شيء من هذا)) (¬1). ثانياً: جواز التفاضل في غير المكيلات، والموزونات: قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((باب بيع العبيد، والحيوان بالحيوان نسيئة)) (¬2). قلت: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ فذهب الجمهور من علماء الأمة إلى الجواز، واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، فعنه - رضي الله عنه - قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أبعث ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، ببعض التصرف، 11/ 9. (¬2) البخاري، 3/ 41، كتاب البيوع، باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة، قبل الحديث رقم 2228، وانظر: الفتح، 4/ 419.

جيشاً على إبل كانت عندي، قال: فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل، وبقيت بقية من الناس لا ظهر لهم، قال: فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ابتع علينا بقلائص (¬1) من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذ هذا البعث))، قال: فكنت أبتاع البعير بالقلوصين والثلاث من إبل الصدقة إلى محلها، حتى نفَّذت ذلك البعث، قال: فلما حلت الصدقة أدَّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء عبد فبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بعنيه)) فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحداً بعد، حتى يسأله: ((أعبد هو))؟ (¬3). وهذا فيه جواز بيع عبد بعبدين سواء كانت القيمة متفقة أو مختلفة، وهذا مجمع عليه إذا بيع نقداً، وكذا حكم سائر الحيوانات (¬4). فإن باع عبداً بعبدين، أو بعيراً ببعيرين إلى أجل، فالراجح الجواز كما سبق، وهذا هو مذهب الشافعي، والجمهور (¬5). فظهر مما تقدم أن الراجح في بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً ونسيئة: ¬

(¬1) القلائص: جَمْع قَلُوص، وهي الناقة الشابَّة. وقيل: لا تزال قَلُوصاً حتى تصير بازِلاً، وتُجْمَع على قِلاص، وقُلُص أيضاً. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (قلص)، 4/ 156. (¬2) مسند الإمام أحمد، 2/ 216، برقم 7025، وانظر: سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ، برقم 3357. (¬3) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلاً، برقم 1602، وانظر: شرح النووي، 11/ 39. (¬4) انظر: شرح النووي، 11/ 39. (¬5) انظر: شرح النووي، 11/ 39.

هو الجواز، والآثار عن بعض الصحابة والتابعين تدلّ على جواز ذلك، قال البخاري - رحمه الله - في صحيحه: 1ـ ((اشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالربذة)) (¬1). 2ـ واشترى رافع بن خديج بعيراً ببعيرين، أعطاه أحدهما، وقال: آتيك بالآخر غداً رهواً (¬2) إن شاء الله. 3ـ وقال ابن عباس: ((قد يكون البعير خيراً من البعيرين)). 4ـ وقال ابن المسيب: ((لا ربا في البعير بالبعيرين، والشاة بالشاتين إلى أجل)) (¬3). ¬

(¬1) الرَّبَذة - بالتحريك-: قَرْية معروفة قُرْب المدينة، بها قَبْر أبي ذَرّ الغِفارِي. النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (ربذ)، 2/ 456. (¬2) رهواً: أي عَفْواً سَهلاً لا احْتباسَ فيه. يقال: جاءت الخيل رهواً: أي مُتتابعة. النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (رهو) ـ 2/ 682. (¬3) انظر: صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة، قبل الحديث رقم 2228، فكل هذه الآثار هناك.

الفصل الثاني: الصرف وأحكامه

الفصل الثاني: الصرف وأحكامه أولاً: المراطلة: المراطلة: مفاعلة من الرطل. وهي عرفاً: بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة وزناً (¬1). قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: ((الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق مراطلة؛ أنه لا بأس بذلك؛ أن يأخذ أحد عشر ديناراً بعشرة دنانير، يداً بيد؛ إذا كان وزن الذهبين سواء عيناً بعين، وإن تفاضل العدد، والدراهم أيضاً في ذلك بمنزلة الدنانير)) (¬2). فعلى هذا فالمعتبر في بيع الذهب بالذهب، وبيع الورق بالورق هو الوزن لا العدد، فلو كان عند رجل عشر قطع من الذهب ثم باعها بخمس قطع من الذهب، والوزن لعشر قطع يساوي وزن الخمس قطع، فهذا جائز، وهذا ما قصده الإمام مالك بالمراطلة. ثانياً: الصرف: لا شك أن الصرف مما يحتاج إليه الناس، لتحويل العملات من عملة إلى عملة أخرى، فلما كان الأمر كذلك لم يغفله الإسلام؛ بل أوضحه للناس، الجائز منه وغير الجائز. ¬

(¬1) انظر: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، 3/ 284. (¬2) موطأ الإمام مالك، كتاب البيوع، باب المراطلة، 2/ 638.

عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم، قال طلحة بن عبيد الله – وهو عند عمر بن الخطاب –: أرنا ذهبك، ثم ائتنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك، فقال عمر بن الخطاب: كلا والله لتعطينَّه ورقه، أو لَتَرُدَّنَّ إليه ذهبه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الورق بالذهب ربا إلا هاء، وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء، وهاء (¬1)، والشعير بالشعير ربا إلا هاء، وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء، وهاء)) (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: ((قال العلماء: ومعناه التقابض، ففيه اشتراط التقابض في بيع الربوي بالربوي إذا اتفقا في عِلّة الربا، سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب، أم اختلف كذهب بفضة، ونبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمختلف الجنس على متفقه ... وأما طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - عندما أراد أن يصارف صاحب الذهب، فيأخذ الذهب ويؤخّر دفع الدراهم إلى مجيء الخادم، فإنما قاله؛ لأنه ظن جوازه كسائر المبيعات، وما كان بلغه حكم المسألة، فأبلغه إياه عمر - رضي الله عنه - فترك المصارفة)) (¬3). وعن سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي المنهال قال: باع شريك لي ورقاً بنسيئة إلى الموسم، أو إلى الحج، فجاء إليّ فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصلح، قال: قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك عليّ أحد، فأتيت البراء بن ¬

(¬1) أصله هاك فأبدلت الهمزة من الكاف، ومعناه: خذ هذا. (¬2) البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الشعير بالشعير، برقم 2174، والموطأ، 3/ 636، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 1586. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 13.

عازب فسألته، فقال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ونحن نبيع هذا البيع، فقال: ((ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا))، وائت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة مني، فأتيته، فسألته، فقال مثل ذلك (¬1). قال البخاري رحمه الله: ((باب بيع الذهب بالورق يداً بيد))، ثم ذكر حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - ((نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا)) (¬2). وروى البخاري رحمه الله تعالى عن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نهى عن بيع الذهب بالورق ديناً)) (¬3). ومن الأحاديث السابقة اتضح ما يأتي: 1 - أن صرف الفضة بالفضة، والذهب بالذهب جائز، على أن يكون الصرف مثلاً بمثل، وسواءً بسواء، ويكون ذلك يداً بيد أثناء وقت المصارفة. 2 - أن صرف الذهب بالفضة، والفضة بالذهب جائز، على أن يكون الصرف يداً بيد في وقت المصارفة، أما المفاضلة بين الذهب والفضة ¬

(¬1) البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الورق بالذهب نسيئة، برقم 2180، 2181، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب النهي عن بيع الورق بالذهب ديناً، برقم 1589. (¬2) البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الذهب بالورق يداً بيد، برقم 2182. (¬3) البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الورق بالذهب نسيئة، برقم 2180، 2181، وانظر: شرح الموطأ للزرقاني، 3/ 282.

بحيث يكون الذهب أكثر من الفضة وزناً، أو الفضة أكثر من الذهب وزناً فلا مانع من ذلك، لكن بشرط أن يكون يداً بيد في لحظة المصارفة. 3 - أن شراء وبيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، أو الذهب بالفضة، أو الفضة بالذهب، لا يجوز الدين في ذلك مطلقاً، فلو أراد شخص أن يصرف من المصرف عملة من الذهب بعملة من الذهب، وسلّم أحدهما عملته والآخر أجّل تسليم عملته إلى أجل فهذا لا يجوز، لأنه فَقَدَ شرط المقابضة يداً بيد، وكذلك الفضة بالفضة، والذهب بالفضة والعكس، كل ذلك لا يجوز فيه الدين مطلقاً.

الفصل الثالث: الابتعاد عن الشبهات

الفصل الثالث: الابتعاد عن الشبهات لا شك أن المسلم دائماً ينبغي أن يكون حريصاً على التزام أمور الشرع كلها، فيعمل الواجبات، ويترك المحرمات، والمكروهات، ويأخذ بالمستحبات، ويأخذ ويترك من المباحات على حسب حاله، وحاجته، ويبتعد عن الشبهات؛ لعلمه بأن الشبهات تؤدي إلى المحرمات. عن النعمان بن بشير قال: ((سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول – وأهوى النعمان بإصبعه إلى أذنيه -: ((إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) (¬1). قال الإمام النووي رحمه الله: ((أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال جماعة: هو ثلث الإسلام، وإن الإسلام يدور عليه، وعلى حديث: ((الأعمال بالنية)) (¬2)، وحديث: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا ¬

(¬1) البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم 52، ومسلم واللفظ له، كتاب المساقاة والمزارعة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم 1599. (¬2) البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه.

يعنيه)) (¬1). وقال أبو داود: ((الإسلام يدور على أربعة أحاديث: هذه الثلاثة، وحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (¬2). وقيل حديث: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)) (¬3). قال العلماء: وسبب عظم موقعه أنه - صلى الله عليه وسلم - نبّه فيه على إصلاح المطعم، والمشرب، والملبس، وغيرها، وأنه ينبغي ترك المشتبهات، فإنه سبب لحماية دينه، وعرضه، وحذّر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل: بالحِمَى، ثم بيّن أهمّ الأمور، وهو مراعاة القلب ... فبيّن - صلى الله عليه وسلم - أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحلال بيّن والحرام بيّن)) فمعناه أن الأشياء ثلاثة أقسام: حلال بيّن واضح، لا يخفى حلّه كالخبز، والعسل ... وأما الحرام البيّن فكالخمر، والخنزير، والكذب ... وأما المشتبهات: فمعناه أنها ليست بواضحة الحلّ، ولا الحرمة؛ فلهذا لا ¬

(¬1) موطأ الإمام مالك، 3/ 903، كتاب حسن الخلق، باب ما جاء في حسن الخلق. (¬2) البخاري، كتاب الإيمان، من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم 13، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم 45. (¬3) سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الزهد في الدنيا، برقم 4102، قال النووي: ((رواه ابن ماجه بأسانيد حسنة))، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 28.

يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، وأما العلماء فيعرفون حكمها، بنصّ أو قياس، أو استصحاب، أو غير ذلك ... )) (¬1). وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله قول بعضهم: عمدة الدين عندنا كلماتٌ ... مسنداتٌ من قول خير البريَّة اترك الشبهات، وازهد، ودع ... ما ليس يعنيك، واعملن بنية (¬2) نسأل الله أن يعصمنا مما يغضبه، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، إنه وليّ ذلك، والقادر عليه. ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، ببعض التصرف، 11/ 28. (¬2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1/ 129.

الباب الرابع: مسائل في الربا المعاصر

الباب الرابع: مسائل في الربا المعاصر المسألة الأولى: العملة الورقية وأحكامها من الناحية الشرعية صدر في هذه المسألة قرار المجمع الفقهي الذي نَصُّهُ على النحو الآتي: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدّم إليه في موضوع العملة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه، قرّر ما يلي: أولاً: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة، وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة. وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل. وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تُقوَّم الأشياء في هذا العصر؛ لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سرّ مناطها بالثمنية.

وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية؛ لذلك كله؛ فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرّر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسياً، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماماً، باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياساً عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها. ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسياً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان. وهذا كله يقتضي ما يلي: (أ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض، أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة

ريالات سعودية ورقاً، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقاً، نسيئة أو يداً بيد. (جـ) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مُطْلَقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية، بريال سعودي ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاث ريالات سعودية أو أقل من ذلك أو أكثر، إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة، بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر، يداً بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. ثالثاً: وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة. رابعاً: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السَّلم، والشركات. والله أعلم: وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (¬1). ¬

(¬1) أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، 1/ 55 - 93، وانظر: فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، جمع محمد المسند، 2/ 379 - 380.

المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية:

المسألة الثانية: مسألة الحيلة الثلاثية: س: قال سائل: عندي كمية من أكياس الأرز، وهو بمستودع لنا، ويأتي إليّ أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه على أناس آخرين، فإذا صار على حظ المدين أخذته منه بنازل ريال واحد من مشتراه مني، ثم يأتي أناس مثلهم بعدما يصير على حظي ويشترونه مني وهكذا، وهو في مكان واحد إلا أنهم يستلمونه عدَّاً في محله، فهل في هذه الطريقة إثم أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. جـ: نعم هذه الطريقة حيلة على الربا: الربا المُغَلَّظُ الجامع بين التأخير والفضل، أي بين ربا الفضل وربا النسيئة، وذلك لأن الدائن يَتَوصَّل بها إلى حصول اثني عشر مثلاً بعشرة، وأحياناً يتفق الدائن والمدين على هذا قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان على أنه يدينه كذا وكذا من الدراهم، العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل، ثم يأتيان على هذا ليجريا معه هذه الحيلة، وقد سمَّاها شيخ الإسلام ابن تيمية: الحيلة الثلاثية، وهي بلا شك حيلة على الربا: ربا النسيئة وربا الفضل، فهي حرام ومن كبائر الذنوب، وذلك لأن المُحرَّم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه، بل إن التحايل عليه يزيده خبثاً، ويزيده إثماً؛ ولهذا ذُكِرَ عن أيوب السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين: إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون، وصدق رحمه الله، فإن المُتَحَيِّل بمنزلة المنافق، يُظْهِرُ أنه مؤمن وهو كافر، وهذا متحيل على

المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها

الربا، ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلال (¬1). فضيلة العلامة ابن عثيمين المسألة الثالثة: بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي مكانها س: قال السائل: ما حكم بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع وهي في مكانها، وهذه الطريقة هي المتبعة عند البعض في مدايناتهم في الوقت الحاضر؟ جـ: لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إلا إذا كان مالكاً لها، وقد قبضها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -، لحكيم بن حزام: ((لا تبع ما ليس عندك)) (¬2)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك)) رواه الخمسة بإسناد صحيح (¬3)، وهكذا الذي يشتريها، ليس له بيعها حتى يقبضها أيضاً للحديثين المذكورين. ¬

(¬1) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/ 382. (¬2) أبو داود، كتاب الإجارة، باب فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، برقم 3503، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، برقم 1232، والنسائي، كتاب البيوع، بيع ما ليس عند البائع، برقم 4613، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 9. (¬3) أبو داود، كتاب الإجارة، باب فِى الرَّجُلِ يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، برقم 3504، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، برقم 1234، والنسائي، كتاب البيوع، بيع ما ليس عند البائع، برقم 4611، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك، برقم 2188، وأحمد، 2/ 174، 179، 205، والحاكم، 2/ 17، وقال الألباني في صحيح أبي داود، برقم 3504، وصحيح الترمذي، برقم 1234، وفي صحيح ابن ماجه، برقم 2188: ((صحيح)).

المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى:

ولِمَا رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وصححه ابن حبان، والحاكم عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)) (¬1). وكما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((لقد رأيت الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتاعون جزافاً - يعني الطعام - يُضْرَبون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم)) (¬2)، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة (¬3). سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز المسألة الرابعة: صرف العملة إلى عملة أخرى: س: قال السائل: أريد أن أشتري عشرة آلاف دولار أمريكي من شخص معين بسعر 40 ألف ريال سعودي، وسيكون التسديد على أقساط شهرية، كل قسط ألف ريال، وأريد أن أبيع هذه الدولارات في السوق بسعر 37.500 ألف ريال، فما الحكم في ذلك، علماً بأنني محتاج لهذه النقود؟ جـ: الحكم في هذا هو التحريم، فيحرم على الإنسان إذا صرف عملة أن يتفرق هو والبائع من مجلس العقد إلا بعد قبض العوضين، وهذا السؤال ليس فيه قبض العوض الثاني الذي هو قيمة الدولارات، وعلى ¬

(¬1) أبو داود، كتاب البيوع، باب فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، برقم 3499، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 668. (¬2) البخاري، كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، برقم 2137. (¬3) فتاوى إسلامية، 2/ 383 - 384.

المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق

هذا فيكون فاسداً وباطلاً، فإذا كان قد نفد الآن فإن الواجب على هذا الذي أخذ الدولارات أن يسددها دولارات، ولا يجوز أن يبني على العقد الأول؛ لأنه فاسد، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق)) (¬1). فضيلة العلامة ابن عثيمين المسألة الخامسة: بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مع دفع الفرق س: قال السائل: رجل يعمل ببيع وشراء المجوهرات، فيأتي إليه شخص معه ذهب مستعمل، فيشتريه منه وتعرف قيمته بالريالات، وقبل دفع القيمة في المكان والزمان، يشتري منه الذي باع له الذهب المستعمل ذهباً جديداً، وتعرف قيمته، ويدفع المشتري الباقي عليه، فهل هذا جائز أم أنه لا بد من تسليم قيمة الأول كاملة إلى البائع، ثم يسلم البائع قيمة ما اشتراه من ذهب جديد من تلك النقود أو من غيرها؟ جـ: في مثل هذه الحالة يجب دفع قيمة الذهب المستعمل، ثم البائع بعد قبض القيمة بالخيار إن شاء يشتري ممن باع عليه ذهباً جديداً أو من غيره، وإن اشترى منه أعاد عليه نقوده أو غيرها قيمة للجديد حتى لا يقع المسلم في الربا المحرم من بيع رديء الجنس الربوي بجيده متفاضلاً، لما روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً ¬

(¬1) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/ 386، والحديث أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، برقم 456، وأحمد، واللفظ له، برقم 26305.

على خيبر، فجاءه بتمر جنيب (جيد)، فقال: أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: ((لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً)) (¬1)؛ ولأن المقاصة في مثل هذا البيع ولو كانت في زمان ومكان البيع، قد تؤدي إلى بيع الذهب بالذهب متفاضلاً، وذلك محرم، لما روى مسلم رحمه الله تعالى عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)). وفي رواية عن ابن سعيد: ((فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء)) (¬2). اللجنة الدائمة س: قال السائل: ذهبت إلى بائع الذهب بمجموعة من الحلي القديمة ثم وَزَنَها وقال: إن ثمنها 1500 ريال، واشتريت منه حلياً جديداً بمبلغ 1800 ريال، هل يجوز أن أدفع له 300 ريال فقط (الفرق)، أم آخذ 1500 ريال، ثم أعطيه 1800 ريال مجتمعة؟ جـ: لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل سواء بسواء وزناً بوزن يداً بيد بنص النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة ولو اختلف ¬

(¬1) البخاري، كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، برقم 2201، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلاً بمثل، برقم 1593. (¬2) فتاوى إسلامية، 2/ 389، والحديث تقدم تخريجه.

المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة دينا:

نوع الذهب بالجدة والقدم أو غير ذلك من أنواع الاختلاف، وهكذا الفضة بالفضة. والطريقة الجائزة أن يبيع الراغب في شراء ذهب بذهب، ما لديه من الذهب بفضة أو بغيرها من العملة الورقية، ويقبض الثمن، ثم يشتري حاجته من الذهب بسعره من الفضة أو العملة الورقية يداً بيد؛ لأن العملة الورقية مُنَزَّلَةٌ منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في بيع بعضها ببعض، وفي بيع الذهب والفضة بها. أما إن باع الذهب أو الفضة بغير النقود، كالسيارات والأمتعة والسكر ونحو ذلك، فلا حرج في التفرق قبل القبض لعدم جريان الربا بين العملة الذهبية والفضية والورقية، وبين هذه الأشياء المذكورة وأشباهها. ولا بد من إيضاح الأجل إذا كان البيع إلى أجل لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} (¬1) (¬2). سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز المسألة السادسة: بيع الذهب أو الفضة ديناً: س: يقول السائل: إنسان أخذ مني مصاغ ذهب، وثمن المصاغ ألف ريال، وقلت له: لا يجوز إلا نقداً، وقال: سلفني ألف ريال، وسلفته ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 282. (¬2) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/ 352.

الألف، وأعطاني إياه هل هذا يجوز؟ جـ: لا يجوز؛ لأنه احتيال على الربا، وجمع بين عقدين، عقد سلف وعقد بيع، وهو ممنوع أيضاً (¬1). اللجنة الدائمة س: قال سائل: إذا حضر شخص يريد أن يشتري بعض المجوهرات من الذهب، ولَمّا وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه لا يكفي قيمة للذهب، فمعلوم في هذه الحالة أنه لا يجوز لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إلا جزءاً من القيمة، لكن إذا كنا في وقت الصباح مثلاً وقال لي: أترك الذهب عندك حتى وقت العصر كي أحضر لك كامل الدراهم، وأستلم الذهب الذي اشتريته منك، ففي هذه الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسه وحسابه حتى يحضر لاستلامه، أم يلزمني أن ألغي العقد، وهو إن حضر فهو كسائر المشترين، وإلا فلا شيء بيننا؟ جـ: لا يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على حسابه حتى يأتي بالدراهم، بل لم يتم العقد تخلصاً من ربا النسيئة، ويبقى الذهب لديك في ملكك، فإذا حضر ببقية الدراهم ابتدأتما عقداً جديداً يتم في مجلسه التقابض بينكما (¬2). اللجنة الدائمة ¬

(¬1) فتاوى إسلامية، 2/ 390. (¬2) فتاوى إسلامية، 2/ 353.

المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين:

المسألة السابعة: المساهمة في شركات التأمين: س: قال سائل: أنا من سكان الكويت، وعندنا شركات مساهمة خاصة بالأعمال التجارية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول، ويحق للمواطن المساهمة هو وأفراد عائلته، فنرجو إفادتنا عن حكم الشرع في مثل هذه الشركات. جـ: يجوز للإنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا كانت لا تتعامل بالربا، فإن كان تعاملها بالربا فلا يجوز، وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة والإجماع، وكذلك لا يجوز للإنسان أن يساهم في شركات التأمين التجاري؛ لأن عقود التأمين مشتملة على الغرر والجهالة والربا، والعقود المشتملة على الغرر والجهالة والربا محرمة في الشريعة الإسلامية (¬1). اللجنة الدائمة المسألة الثامنة: التعامل مع المصارف الربوية: صدر في ذلك قرار المجمع الفقهي الإسلامي الآتي نصه: إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب عام 1406هـ إلى يوم السبت 29 رجب 1406هـ قد نظر في موضوع تفشي المصارف الربوية، وتعامل الناس معها، وعدم توافر البدائل عنها، وهو ¬

(¬1) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/ 392.

الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الأمين العام نائب رئيس المجلس. وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بيّن ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع. وقد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم، وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى الإسلام عنه منذ أربعة عشر قرناً. ثم كانت الخطوة العملية المباركة، وهي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعاً. وبهذا كذبت دعوة العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يوماً أن تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي مستحيل؛ لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد، ومما جاء في القرار كذلك أنه: أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله عنه من التعامل بالربا أخذاً وعطاء، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور. ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح إلى قيام المصارف الإسلامية بديلاً شرعياً للمصارف الربوية، ويرى المجلس ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل الأقطار الإسلامية، وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد

إسلامي متكامل. ثالثًا: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل والخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام. رابعاً: يدعو المجلس المسؤولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا. خامساً: كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم (مودع المال) لنفسه أو لأحد مما يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة، وإنما من باب التطهر من الحرام. ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية لتتقوى بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية، وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين وإضلال أبنائهم عن عقيدتهم، علماً بأنه لا يجوز الاستمرار في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة. كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام

المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها

الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل (¬1). مجلة الدعوة، 1037 المسألة التاسعة: التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها س: قال السائل: ما الحكم الشرعي في كل من: 1ـ الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ الفائدة؟. 2ـ المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟ 3ـ الذي يودع ماله في تلك البنوك ولا يأخذ فائدة؟ 4ـ الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديراً أو غيره؟ 5ـ صاحب العقار الذي يؤجر محلاته إلى تلك البنوك؟ جـ: لا يجوز الإيداع في البنوك للفائدة، ولا القرض بالفائدة؛ لأن كل ذلك من الربا الصريح. ولا يجوز أيضاً الإيداع في غير البنوك بالفائدة، وهكذا لا يجوز القرض من أي أحد بالفائدة، بل ذلك محرم عند جميع أهل العلم، لأن الله سبحانه يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} (¬2)، ويقول سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَات} (¬3)، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ¬

(¬1) فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء، 2/ 393. (¬2) سورة البقرة، الآية: 275. (¬3) سورة البقرة، الآية: 276.

آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (¬1)، ثم يقول سبحانه بعد هذا كله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (¬2)، يُنَبِّه عباده بذلك على أنه لا يجوز مطالبة المعسر بما عليه من الدَّين، ولا تحميله مزيداً من المال من أجل الإنظار، بل يجب إنظاره إلى الميسرة بدون أي زيادة لعجزه عن التسديد، وذلك من رحمة الله سبحانه لعباده، ولطفه بهم، وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي يضرهم ولا ينفعهم. أما الإيداع في البنوك بدون فائدة فلا حرج منه إذا اضطر المسلم إليه، وأما العمل في البنوك الربوية فلا يجوز: سواء كان مديراً، أو كاتباً، أو محاسباً، أو غير ذلك؛ لقول الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬3). ولِمَا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ((لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه))، وقال: ((هم سواء)) (¬4). والآيات والأحاديث الدالة على تحريم التعاون على المعاصي كثيرة. وهكذا تأجير العقارات لأصحاب البنوك الربوية لا يجوز؛ للأدلة ¬

(¬1) سورة البقرة، الآيتان: 278، 279. (¬2) سورة البقرة، الآية: 280. (¬3) سورة المائدة، الآية: 2. (¬4) رواه البخاري، برقم 5962، ومسلم، برقم 1567، وتقدم تخريجه.

المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية:

المذكورة؛ ولما في ذلك من إعانتهم على أعمالهم الربوية. نسأل الله أن يمنّ على الجميع بالهداية، وأن يوفق المسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين لمحاربة الربا والحذر منه، والاكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملات الشرعية، إنه ولي ذلك والقادر عليه (¬1). سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز المسألة العاشرة: التأمين في البنوك الربوية: س: قال سائل: الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة، ويزكيها إذا حال عليها الحول، فهل يجوز ذلك أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. جـ: لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة؛ لِمَا في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك، لكن إن اضطر إلى ذلك، ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله للضرورة، والله سبحانه يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (¬2)، ومتى وجد بنكاً إسلاميّاً، أو محلاًّ أميناً ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه، لم يجز له الإيداع في البنك الربوي (¬3). سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز ¬

(¬1) فتاوى إسلامية، 2/ 397. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 119. (¬3) فتاوى إسلامية، 2/ 397.

المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك:

المسألة الحادية عشرة: شراء أسهم البنوك: س: قال سائل: ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة بحيث يصبح الألف بثلاثة آلاف مثلاً؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟ جـ: لا يجوز بيع أسهم البنوك ولا شراؤها؛ لكونها بيع نقد بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوز التعاون معها لا ببيع ولا شراء؛ لقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬1). ولِمَا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ((لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه))، وقال: ((هم سواء)) (¬2)، وليس لك إلا رأس مالك. ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع المعاملات الربوية، والتحذير منها، والتوبة إلى الله سبحانه مما سلف من ذلك؛ لأن المعاملات الربوية محاربة لله سبحانه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أسباب غضب الله وعقابه، كما قال الله - عز وجل -: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 2. (¬2) البخاري، برقم 2237، ومسلم، برقم 1597 وتقدم تخريجه.

المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية:

يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (¬1)، وقال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬2)؛ ولِمَا تقدّم من الحديث الشريف (¬3). سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز المسألة الثانية عشرة: العمل في المؤسسات الربوية: س: قال سائل: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟ جـ: لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها؛ لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضياً به، والراضي بالشيء المُحَرَّمِ يناله من إثمه، أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك، فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه)) وكاتبه وقال: ((هم سواء)) (¬4) (¬5). فضيلة العلامة ابن عثيمين ¬

(¬1) سورة البقرة، الآيتان: 275 - 276. (¬2) سورة البقرة، الآية: 278. (¬3) فتاوى إسلامية، 2/ 399 - 400. (¬4) البخاري، برقم 2237، ومسلم، برقم 1597، وتقدم تخريجه. (¬5) فتاوى إسلامية، 2/ 401.

المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية:

المسألة الثالثة عشرة: فوائد البنوك الربوية: س: قال سائل: بعض البنوك تعطي أرباحاً بالمبالغ التي توضع لديها من قبل المودعين، ونحن لا ندري حكم هذه الفوائد هل هي ربا أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ وهل يوجد في العالم العربي بنوك تتعامل مع الناس حسب الشريعة الإسلامية؟ جـ: أولاً: الأرباح التي يدفعها البنك للمودعين على المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا، ولا يحلّ له أن ينتفع بهذه الأرباح، وعليه أن يتوب إلى الله من الإيداع في البنوك الربوية، وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه، فيحتفظ بأصل المبلغ، وينفق ما زاد عليه في وجوه البر من فقراء ومساكين وإصلاح مرافق عامة، ونحو ذلك. ثانياً: يبحث عن محل لا يتعامل بالربا ولو دكاناً، ويوضع المبلغ فيه على طريق التجارة، مضاربة، على أن يكون ذلك جزءاً مشاعاً معلوماً من الربح كالثلث مثلاً، أو بوضع المبلغ فيه أمانة بدون فائدة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (¬1). اللجنة الدائمة المسألة الرابعة عشرة: قرض البنك بفوائد سنوية: س: قال السائل: المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لأن فيه كثيراً من المواطنين يقترضون منها؟ ¬

(¬1) فتاوى إسلامية، 2/ 404.

المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى:

جـ: يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهباً أو فضة أو ورقاً نقدياً على أن يرد أكثر منه، سواء كان المقرض بنكاً أم غيره؛ لأنه ربا وهو من أكبر الكبائر، ومن تعامل هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (¬1). اللجنة الدائمة المسألة الخامسة عشرة: القرض بعملة والتسديد بأخرى: س: قال السائل: أقرضني أخي في الله (حسن. م) ألفي دينار تونسي، وكتبنا عقداً بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد الألماني، وبعد مرور مدة القرض – وهي سنة – ارتفع ثمن النقد الألماني، فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيته ثلاثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته. فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة، أم أنها تعتبر ربا؟ لا سيما وأنه يرغب السداد بالنقد الألماني ليتمكن من شراء سيارة من ألمانيا؟ جـ: ليس للمقرض (حسن. م) سوى المبلغ الذي أقرضك وهو ألفا دينار تونسي، إلا أن تسمح بالزيادة فلا بأس، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن خيار الناس أحسنهم قضاء)). رواه مسلم في صحيحه (¬2)، وأخرجه البخاري بلفظ: ((إن من خيار الناس أحسنهم قضاء)) (¬3). ¬

(¬1) فتاوى إسلامية، 2/ 412. (¬2) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، برقم 1600. (¬3) البخاري، كتاب الوكالة، باب وكالة الشاهد والغائب جائزة، برقم 2306.

المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجر منفعة

أما العقد المذكور فلا عمل عليه ولا يلزم به شيء لكونه عقداً غير شرعي، وقد دلّت النصوص الشرعية على أنه لا يجوز بيع القرض إلا بسعر المثل وقت التقاضي، إلا أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب الإحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفاً (¬1). سماحة العلامة عبد العزيز ابن باز س: قال سائل: طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضاً وقدره 2500 جنيه مصري، وقد أرسلت له مبلغ 2000 دولار باعهم وحصل على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً، ويرغب حالياً في سداد الدين، علماً بأننا لم نتفق على موعد وكيفية السداد، والسؤال هل أحصل منه على مبلغ 2490 جنيهاً مصرياً وهو يساوي حالياً 1800 دولار أمريكي (أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولار) أم أحصل على مبلغ 2000 دولار، علماً بأنه سوف يترتب على ذلك أن يقوم هو بشراء (الدولارات) بحوالي 2800 جنيه مصري (أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعلاً بأكثر من 300 جنيه مصري)؟ جـ: الواجب أن يردّ عليك ما اقترضته دولارات؛ لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له، ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فلا حرج، قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالبقيع أو بالنقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء)) (¬2)، فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة، فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل، فإن هذا لا بأس به، فمثلاً إذا كانت 2000 دولار تساوي الآن 2800 جنيه لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه، ولكن يجوز أن تأخذ 2800 جنيه، ويجوز أن تأخذ منه 2000 دولار فقط، يعني إنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل، أي لا تأخذ أكثر لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن، وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك، وإبراء عن الباقي، وهذا لا بأس به (¬3). فضيلة العلامة ابن عثيمين المسألة السادسة عشرة: القرض الذي يجرّ منفعة: س: يقول السائل: رجل اقترض مالاً من رجل لكن المقرض اشترط أن يأخذ قطعة أرض زراعية من المقترض رهن بالمبلغ، يقوم بزراعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها، والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى ¬

(¬1) فتاوى إسلامية، 2/ 414. (¬2) أبو داود، كتاب البيوع، باب فِي اقْتِضَاءِ الذَّهَبِ مِنَ الْوَرِقِ، برقم 3345، والنسائي في كتاب البيوع، الباب رقم 50، برقم 52. (¬3) فتاوى إسلامية، 2/ 414 - 415.

يرجع المدين المال كاملاً كما أخذه، فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده، ما حكم الشرع في نظركم في هذا القرض المشروط؟ جـ: إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه، وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله - عز وجل -؛ لأنه إحسان إلى عباد الله، وقد قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬1)، فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب، وبالنسبة للمقترض جائز مباح. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه استسلف من رجل بَكراً (¬2) وردّ خيراً منه، وإذا كان هذا العقد أي القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يُحوَّل إلى عقد معاوضة وربح، أعني الربح المادي الدنيوي؛ لأنه بذلك يخرج من موضوعه إلى موضوع البيع والمعاوضات؛ ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر: بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة، أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض، فإنه في الصورتين يكون بيعاً حراماً ورباً، لكن لو أقرضه ديناراً قرضاً وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزاً مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظراً لتغليب جانب الإرفاق. وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعاً مادياً فقد ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 195. (¬2) البَكْرُ - بالفتح-: الفتى من الإبل، بمنزلة: الغلام من الناس، والأنثى: بكرةٌ، ولجمع: أبَكُرٌ. انظر: المصباح المنير، 1/ 59، والنهاية لابن الأثير، 1/ 149.

المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي

خرج بالقرض عن موضوع الإرفاق فيكون حراماً. والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جرّ منفعة فهو ربا، وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضاً ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهماً من الزرع؛ لأن ذلك جر منفعة إلى المقرض تخرج القرض عن موضوعه وهو الإرفاق والإحسان (¬1). فضيلة العلامة ابن عثيمين المسألة السابعة عشرة: التأمين التجاري والضمان البنكي: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه وبعد .. فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام، والمقيد برقم 1100 في 28/ 7/1400هـ ونصّه: لقد عرض لنا أمر فلا بد فيه من التعامل مع البنك، حيث نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حُسن تنفيذ (أي أن يكون البنك ضامناً حُسن تنفيذ الاتفاقية حسب نصوص العقد)، وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه الكفالة (خطاب الضمان) الذي يقدمه، ورجعنا لما تيسر لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو الكفالة (تبرع)، فوقعنا في حيرة من أمرنا، وأوقفنا المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترناً بالأدلة الشرعية، فرأينا أن نبعث لفضيلتكم لِمَا بلغنا ¬

(¬1) فتاوى إسلامية، 2/ 415 - 416.

عنكم من العلم والتقوى والورع، لذا نرجو من فضيلتكم أن تعلمونا رأيكم مقترناً بالأدلة الشرعية، هل يجوز أخذ أجرة على الكفالة أو الضمان؟ وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضدّ الحوادث، والتأمين على الحياة، وما رأي الشرع في مثل هذه العقود؟ وأجابت بما يلي: أولاً: ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد لا يجوز؛ لأن الربح الذي يأخذه زيادة ربوية محرمة، والربا كما هو معروف محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. ثانياً: التأمين التجاري حرام لِمَا يأتي: 1ـ عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يُعطي أو يأخذ، فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة فيدفع جميع الأقساط، ولا يأخذ شيئاً، وكذلك المؤمِّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي، ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن بيع الغرر (¬1). رواه مسلم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، برقم 1513، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

2ـ عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة؛ لِمَا فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1). 3ـ عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنساء، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نساء، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء فقط، وكلاهما مُحَرَّم بالنّصّ والإجماع. 4ـ عقد التأمين التجاري من الرهان؛ لأن كلاًّ منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسِّنَان (¬2)، وقد حصر النبي - صلى الله عليه وسلم - رخصة الرهان بعوض في ثلاث بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا سبق إلا في: خُفٍّ، أو حَافرٍ، أو نَصْلٍ)) (¬3)، رواه ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 90. (¬2) السِّنَان: هو: سِنان الرُّمح؛ وجمعه أسنة, مختار الصحاح، مادة (سنن). (¬3) أخرجه الترمذي، آخر كتاب فضائل الجهاد، باب السبق والرهان، برقم 1700، وأبو داود، كتاب الجهاد، باب في السبق، برقم 2574، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب السبق والرهان، برقم 44، و2878، والنسائي، كتاب الخيل، باب السبق، برقم 3587، و3588، وأحمد في المسند، 2/ 256، 358، 474، برقم 7476، و8981، و9483، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. والحديث حسنه الترمذي، وصححه ابن القطان، وابن دقيق العيد قال أحمد شاكر في تحقيق المسند، 7476، و8678، و8981، و9483،: ((إسناده صحيح))، وقال الأرناؤوط في شرح السنة،10/ 393: ((إسناده صحيح))، وقال الألباني في صحيح أبي داود، برقم 2319: ((إسناده صحيح)).

أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وصححه ابن حبان. وليس التأمين من ذلك، ولا شبيهاً به فكان محرماً. 5ـ عقد التأمين في أخذ مال الغير بلا مقابل - هو أخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية - مُحَرَّم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} (¬1). 6ـ في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً؛ فإن الُمؤمِّن لم يَحدث الخطر منه، ولم يتسبَّب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن، على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والُمؤمِّن لن يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً. نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية، مع العلم بأنه ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل لكم نسخة منها، ولا نعلم كتاباً مناسباً في الموضوع نرشدكم إليه. ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 29.

وبالله التوفيق. وصلى الله وسلّم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه (¬1). وقد اتضح أن التأمين التجاري والتأمين على الحياة لا يجوز لأدلة، منها: 1ـ فيه ربا؛ لأن الفائدة تُعطى في بعض أنواعه - وهو التأمين على الحياة -؛ لأنها تتضمن التزام المؤمِّن بأن يدفع إلى المستأمن ما قدَّمه إلى المؤمِّن مضافاً إلى ذلك فائدته الربويَّة، فالمستأمن يعطي القليل من النقود، ويأخذ الكثير. 2ـ التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل. 3ـ يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لأنه عقد معلق على خطر، فتارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قمار معنىً. 4ـ التأمين فيه غرر وجهالة. 5ـ التأمين يوقع بين المتعاقدين العداوة والخصام، وذلك أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميل الآخر الخسائر التي حصلت، ويترتَّب على ذلك نزاع ومشكلات، ومرافعات قضائية. 6ـ لا ضرورة تدعو إلى التأمين، فقد شرع الله الصدقات في الإسلام، وأوجب الزكاة للفقراء والمساكين والغارمين، والحكومة الإسلامية ¬

(¬1) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبد الله بن قعود (عضو)، عبد الرزاق عفيفي (نائب رئيس اللجنة) عبد العزيز بن عبد الله بن باز (الرئيس)، فتوى رقم 3249، وتاريخ 9/ 10/1400هـ.

مسؤولة عن رعاياها (¬1). ¬

(¬1) انظر: الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، للشيخ الدكتور عمر بن عبد العزيز المترك، ت1405هـ، ص425.

الباب الخامس: مفاسد الربا وأضراره وأخطاره وآثاره

الباب الخامس: مفاسد الربا وأضراره وأخطاره وآثاره لا شكّ أنّ للرّبا أضراراً جسيمة، وعواقب وخيمة، والدين الإسلامي لم يأمر البشرية بشيء إلا وفيه سعادتها، وعزّها في الدنيا والآخرة، ولم ينهها عن شيء إلا وفيه شقاوتها، وخسارتها في الدنيا والآخرة، وللربا أضرار عديدة، منها: 1 - الربا له أضرار أخلاقية وروحية؛ لأننا لا نجد من يتعامل بالربا إلا إنساناً منطبعاً في نفسه البخل، وضيق الصدر، وتحجُّر القلب، والعبودية للمال، والتكالب على المادة وما إلى ذلك من الصفات الرذيلة. 2ـ الربا له أضرار اجتماعية؛ لأن المجتمع الذي يتعامل بالربا مجتمع مُنْحَلٌ، مُتفكِّكٌ، لا يتساعد أفراده فيما بينهم، ولا يُساعد أحد غيره إلا إذا كان يرجو من ورائه شيئاً، والطبقات الموسرة تضاد وتعادي الطبقات المعدمة. ولا يمكن أن تدوم لهذا المجتمع سعادته، ولا استتباب أمنه، بل لا بد أن تبقى أجزاؤه مائلة إلى التفكُّك، والتشتَّت في كل حين من الأحيان. 3ـ الربا له أضرار اقتصادية؛ لأن الربا إنما يتعلق من نواحي الحياة الاجتماعية بما يجري فيه التداين بين الناس، على مختلف صوره وأشكاله. والقروض على أنواع: النوع الأول: قروض يأخذها الأفراد المحتاجون؛ لقضاء حاجاتهم

الذاتية، وهذا أوسع نطاق تحصل به المراباة ولم يسلم من هذه الآفة قطر من أقطار العالم إلا من رحم الله، وذلك لأن هذه الأقطار لم تبذل اهتمامها لتهيئة الظروف التي ينال فيها الفقراء، والمتوسطون القرض بسهولة، فكل من وقع من هؤلاء في يد المرابي مرة واحدة لا يكاد يتخلَّص منه طول حياته، بل لا يزال أبناؤه، وأحفاده يتوارثون ذلك الدين (¬1). النوع الثاني: قروض يأخذها التجار، والصُّنَّاع، ومُلاَّك الأراضي لاستغلالها في شؤونهم المثمرة. النوع الثالث: قروض تأخذها الحكومات من أسواق المال في البلاد الأخرى لقضاء حاجاتها. وهذه القروض ضررها يعود على المجتمع بالخسارة، والتعاسة مدة حياته، سواء كانت تلك القروض لتجارة، أو لصناعة، أو مما تأخذه الحكومات الفقيرة من الدول الغنية، فإن ذلك كله يعود على الجميع بالخسارة الكبيرة التي لا يكاد يتخلص منها ذلك المجتمع أو تلك الحكومات، وما ذلك إلا لعدم اتباع المنهج الإسلامي، الذي يدعو إلى كل خير ويأمر بالعطف على الفقراء والمساكين، وذوي الحاجات، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ¬

(¬1) انظر الربا لأبي يعلى المودودي، ص40.

4 - انعكاس الربا على المجتمعات الإسلامية

وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬1). وأَمَر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتراحم، والتعاطف، والتكاتف بين المسلمين فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه)) (¬2). وقال عليه الصلاة والسلام: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهِمْ وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (¬3). فلا نجاة، ولا خلاص، ولا سعادة، ولا فكاك من المصائب، إلا باتباع المنهج الإسلامي القويم واتباع ما جاء به من أحكام، وتعاليم. 4ـ انعكاس الربا على المجتمعات الإسلامية، وتقدم توضيحه. 5ـ تعطيل الطاقة البشرية، فإن البطالة تحصل للمرابي بسبب الربا. 6ـ التضخم لدى الناس بدون عمل. 7ـ توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة، وبذلك يحصل الإسراف. 8 - وضع مال المسلمين بين أيدي خصومهم، وهذا من أخطر ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 2. (¬2) البخاري، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، برقم 481، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، برقم 2585. (¬3) البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، برقم 6011، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، واللفظ له برقم 2586.

9 - الربا خلق وعمل من أعمال أعداء الله اليهود

ما أصيب به المسلمون، وذلك لأنهم أودعوا الفائض من أموالهم في البنوك الربوية في دول الكفر، وهذا الإيداع يجرّد المسلمين من أدوات النشاط، ويعين هؤلاء الكفرة أو المرابين على إضعاف المسلمين، والاستفادة من أموالهم (¬1). 9ـ الربا خلق وعمل من أعمال أعداء الله اليهود، قال الله - عز وجل -: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (¬2). 10ـ الربا من أخلاق أهل الجاهلية فمن تعامل به وقع في صفةٍ من صفاتهم (¬3). 11ـ آكل الربا يُبعث يوم القيامة كالمجنون، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬4). 12ـ يمحق الله أموال الربا ويتلفها، قال الله - عز وجل -: {يَمْحَقُ اللهُ ¬

(¬1) انظر: الربا، وآثاره على المجتمع الإنساني، للدكتور عمر بن سليمان الأشقر. (¬2) سورة النساء، الآية: 161، وانظر: ص15. (¬3) انظر الفصل الثالث من الباب الأول (الربا في الجاهلية). (¬4) سورة البقرة، الآية: 275.

13 - التعامل بالربا يوقع في حرب

الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (¬1)، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل)) (¬2). 13ـ التعامل بالربا يوقع في حربٍ من الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} (¬3). 14ـ أكل الربا يدلّ على ضعف التّقوى أو عدمها، وهذا يُسبّب عدم الفلاح ويوقع في خسارة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬4). 15ـ أكل الربا يُوقع صاحبه في اللعنة، فيبعد من رحمة الله تعالى، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه))، ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 276. (¬2) أحمد في المسند، 1/ 395، 424، برقم 3754، و4026، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/ 37، وصحح إسناده أحمد شاكر في المسند، برقم 3754، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 1863: ((صحيح)). (¬3) سورة البقرة، الآيتان: 278 - 279. (¬4) سورة آل عمران، الآيات: 130 - 132.

16 - آكل الربا يعذب بعد موته

وقال: ((هم سواء)) (¬1). 16ـ آكل الربا يُعذَّب بعد موته بالسباحة في نهرٍ من دم، وتقذف في فيه الحجارة فيرجع في وسط نهر الدم، وفي الحديث عن سمرة - رضي الله عنه - بعد أن ساق الحديث بطوله فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الذي رأيته في النهر آكل الربا)) (¬2). 17ـ أكل الربا من أعظم المهلكات، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) (¬3). 18ـ أكل الربا يُسبّب حلول العذاب والدمار، فعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)) (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم عن جابر - رضي الله عنه -، برقم 1597، تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب آكل الربا وشاهده وكاتبه، برقم 2085، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 4/ 313. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، برقم 2615، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، برقم 89. (¬4) أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/ 37، وحسنه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، ص203 برقم 344.

19 - الربا ثلاثة وسبعون بابا من أبواب الشر

19ـ الربا ثلاثة وسبعون باباً من أبواب الشر، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم)) (¬1). 20ـ الربا معصية لله ورسوله، قال الله - عز وجل -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2)، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (¬3)، وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ¬

(¬1) أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، 2/ 37، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 3/ 186، وأخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، برقم 2274، ولفظه: ((الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه))، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 27، وطبعة المعارف، 2/ 240، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لشرح السنة للبغوي، 8/ 55: ((صححه الحافظ العراقي))، وأخرج نصفه الأول ابن ماجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، برقم 2275 ولفظه: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً))، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 28، وسمعت شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 851: ((وعند ابن ماجه: الربا ثلاثة وسبعون باباً، وهي صحيحة ولم يزد على ذلك ... ورواه أبو داود بإسناد جيد عن سعيد بن زيد مرفوعاً: ((إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق))، 4/ 269، وزيادة ((أيسرها كأن ينكح الرجل أمه)) فيها نظر، وقد رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وهذا مما يوجب الحذر، والتمثيل بالأم يدل على عظم الذنب، والتمثيل بالعرض يدل على أن الربا لا يختص بالمال، وأنه يدخل في الربا: الغيبة، والنميمة، وتعاطي ما حرّم الله من الفواحش الأخرى)). (¬2) سورة النور، الآية: 63. (¬3) سورة النساء، الآية: 14.

21 - آكل الربا متوعد بالنار إن لم يتب

فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (¬1)، وقال - عز وجل -: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} (¬2). 21ـ آكل الربا مُتوعَّدٌ بالنار إن لم يتب، قال الله - عز وجل -: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} (¬3). 22ـ لا يقبل الله الصدقة من الربا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) (¬4). 23ـ لا يستجاب دعاء آكل الربا، ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (( ... ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ، يا ربّ ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام فأَنّى يُستجاب لذلك)) (¬5). 24ـ أكل الربا يُسبِّب قسوة القلب ودخول الرَّان عليه، قال الله تعالى: {كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬6)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 36. (¬2) سورة الجن، الآية: 23. (¬3) سورة البقرة، الآية: 275. (¬4) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 1014. (¬5) أخرجه مسلم، برقم 1014، وتقدم تخريجه. (¬6) سورة المطففين، الآية: 14.

25 - أكل الربا يكون سببا في الحرمان

فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) (¬1). 25ـ أكل الربا يكون سبباً في الحرمان من الطيبات، قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (¬2). 26ـ أكل الربا ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، قال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ *مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} (¬3). 27ـ آكل الربا يُحال بينه وبين أبواب الخير في الغالب، فلا يقرض القرض الحسن، ولا يُنظِرُ المُعْسِرَ، ولا يُنفِّس الكربة عن المكروبِ؛ لأنه يصعب عليه إعطاء المال بدون فوائد محسوسة، وقد بيّن الله فضل من أعان عباده المؤمنين ونفّس عنهم الكرب، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من نفّس عن مؤمن كُرْبَةً من كُرَبِ الدنيا نفّس الله عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم 52، وأخرجه مسلم عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه -، كتاب المساقاة والمزارعة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم 1599. (¬2) سورة النساء، الآيتان: 160 - 161. (¬3) سورة إبراهيم، الآيتان: 42 - 43.

28 - الربا يقتل مشاعر الشفقة عند الإنسان

في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)) (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)) (¬2). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من أنظر معسراً أو وضع عنه أظلَّه الله في ظله)) (¬3). 28ـ الربا يقتل مشاعر الشفقة عند الإنسان؛ لأن المرابي لا يتردَّد في تجريد المدين من جميع أمواله عند قدرته على ذلك؛ ولهذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تُنزع الرحمة إلا من شقي)) (¬4). وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) (¬5). وقال عليه الصلاة ¬

(¬1) مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2699. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، برقم 2442، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم 2580. (¬3) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر، برقم 3006. (¬4) أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة، برقم 4942، والترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في رحمة المسلمين، برقم 1923، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 180. (¬5) متفق عليه: البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تبارك وتعالى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أوِ ادْعُوا الرَّحْمَن}، برقم 7376، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - للصبيان والعيال ... ، برقم 2319.

29 - الربا يسبب العداوة والبغضاء

والسلام: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) (¬1). 29ـ الربا يُسبب العداوة والبغضاء بين الأفراد والجماعات، ويُحدث التقاطع والفتنة (¬2). 30ـ الرّبا يجرّ الناس إلى الدخول في مغامرات ليس باستطاعتهم تحمّل نتائجها. وأضرار الربا لا تُحصى، ويكفي أن نعلم أن الله تعالى لا يُحرِّم إلا كلّ ما فيه ضرر ومفسدة خالصة أو ما ضرره ومفسدته أكثر من نفعه، فأسأل الله لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة (¬3). وصلى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة، برقم 1941، والترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في رحمة المسلمين، برقم 924، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 180. (¬2) انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام 4/ 7. (¬3) انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام للبسام 4/ 7.

§1/1